المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌3 - باب بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك - شرح معاني الآثار - ت البهرائجى - جـ ٧

[الطحاوي]

فهرس الكتاب

‌3 - باب بلوغ الصبي بما سوى الاحتلام فيكون بذلك في معنى البالغين في سهمان الرجال، وفي حل قتله في دار الحرب إن كان حربيا

4781 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا محمد بن صالح التمار، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، أن سعد بن معاذ حكم على بني قريظة أن يقتل منهم من جرت عليه المواسى

(1)

وأن يقسم أموالهم وذراريهم، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات"

(2)

.

4782 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عطية، رجل من بني قريظة، أخبره أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جردوه يوم قريظة، فلم يروا المواسى جرت على شعره يريد عانته، فتركوه من القتل

(3)

.

4783 -

حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي قال: كنت غلامًا يوم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل مقاتلهم، ويسبي

(1)

من نبتت عانته.

(2)

إسناده حسن من أجل محمد بن صالح التمار.

وأخرجه النسائي في الكبرى (8223)، والبزار (1091) من طريق أبي عامر العقدي به.

وأخرجه الحاكم 2/ 134، والبيهقي 9/ 63 من طرق عن محمد بن صالح به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه النسائي في الكبرى (8565)، والحاكم 4/ 430 من طريق ابن جريج، عن ابن أبي نجيح به.

وأخرجه الحميدي، (913)، والطبراني 17/ 165 (439) من طريق سفيان به إلا أنه لم يقع اسم عطية.

ص: 1

ذراريهم، فشكوا في، فلم يجدوني أنبت الشعر، فها أنا بين أظهركم

(1)

.

4784 -

حدثنا يونس قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن عطية

مثله

(2)

.

4785 -

حدثنا حسين بن نصر، قال ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني عطية القرظي

فذكر نحوه

(3)

.

4786 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عطية

نحوه

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (18743)، وابن أبي شيبة 12/ 384، وابن سعد 2/ 76 - 77، وأحمد (18776)، وأبو داود (4404)، والترمذي (1584)، والنسائي في المجتبى 6/ 155، وفي الكبرى (5594)، وابن ماجة (2541)، وأبو عوانة 4/ 57، والطبراني في الكبير 17/ 428، والبيهقي 6/ 58، وابن الأثير في أسد الغابة 4/ 46 من طرق عن سفيان الثوري به.

(2)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه الحميدي (888)، وأحمد (19422)، والنسائي في المجتبى 6/ 155، وفي الكبرى (5623)، وابن ماجة (2542)، وأبو عوانة 4/ 55 - 56، وابن حبان (4782)، والطبراني في الكبير 17/ 432، والحاكم 4/ 390 من طريق سفيان بن عيينة به.

(4)

إسناده صحيح، وابن جريج متابع.

وأخرجه الحميدي (889)، والنسائي في الكبرى (8619)، وأبو عوانة 4/ 55، وابن قانع في معجمه 2/ 308 - 309، =

ص: 2

4787 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا عبد الملك بن عمير، قال: حدثني عطية

فذكر مثله

(1)

.

4788 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، (ح)

وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، (ح)

وحدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قالوا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن كثير بن السائب، قال: حدثني أبناء قريظة: أنهم عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فمن كان محتلها أو نبتت عانته قتل، ومن لم يكن محتلها أو لم تنبت عانته ترك

(2)

.

= والطبراني 17/ 439، والحاكم 2/ 123، 4/ 389 - 390، والبيهقي 6/ 58 من طريق مجاهد به، وبعضهم لم يسمع عطية فقالوا: عن رجل من بني قريظة أو رجل في مسجد الكوفة.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الحاكم 3/ 37 من طريق أبي سلم عن حجاج به.

وأخرجه الطبراني في الكبير 17/ 164 (435)، وابن قانع في معجم الصحابة 2/ 308، والبيهقي 6/ 58 من طرق عن حماد به.

(2)

إسناده ضعيف لجهالة كثير بن السائب.

وأخرجه النسائي في المجتبى 6/ 155، وفي الكبرى (5622)، والبيهقي في السنن 6/ 58 من طريقين عن حماد بن سلمة به.

وأخرجه أحمد (19002) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة، عن أبي جعفر، عن محمد بن كعب القرظي، عن كثير بن السائب به.

ص: 3

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(1)

إلى هذه الآثار، فقالوا: لا يحكم لأحد بحكم البلوغ إلا بالاحتلام أو بإنبات العانة.

وذكروا في ذلك أيضًا عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه،

4789 -

ما حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: ثنا عمر بن محمد، عن نافع عن أسلم مولى عمر، قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد "أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسى"

(2)

.

4790 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال أخبرنا أيوب، وعبيد الله، عن نافع عن أسلم عن عمر رضي الله عنه، مثله

(3)

.

4791 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب قال: ثنا شعبة، عن أبي حصين، عن عبد الله

(1)

قلت: أراد بهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق، ومالكا في رواية، وطائفة من الظاهرية رحمهم الله، كما في النخب 17/ 152.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (10090)، وسعيد بن منصور (2632)، وابن زنجويه في الأموال (143)، والقاسم بن سلام في الأموال (100)، والبيهقي في السنن 9/ 195، وفي المعرفة (18542) من طرق عن نافع به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (155) عن حماد بن زيد، عن أيوب به.

وأخرجه عبد الرزاق (10096)، والقاسم بن سلام في الأموال (93) من طريقين عن أيوب به.

وأخرجه ابن أبي شيبة (32636، 32640)، وابن زنجويه في الأموال (142)، والبيهقي في السنن 9/ 195، وفي المعرفة (18560) من طرق عن عبيد الله به.

ص: 4

ابن عبيد بن عمير، عن أبيه، قال: إن عثمان رضي الله عنه أتي بغلام قد سرق، فقال: انظروا، أخضر مئزره

(1)

؟ فإن كان قد اخضر فاقطعوه، وإن لم يكن اخضر فلا تقطعوه

(2)

.

4792 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال: حدثني حرملة بن عمران التجيبي، أن تميم بن فرع المهري، حدثه أنه كان في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية في المرة الأخيرة، فلم يقسم لي عمرو بن العاص من الفيء شيئًا، وقال: غلام لم يحتلم حتى كاد يكون بين قومي وبين ناس من قريش في ذلك ثائرة

(3)

، فقال القوم فيكم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلوهم، فسألوا أبا نضرة الغفاري، وعقبة بن عامر الجهني صاحبي النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: انظروا فإن كان أنبت الشعر، فاقسموا له، فنظر إلي بعض القوم، فإذا أنا قد أنبت، فقسم لي

(4)

.

وخالفهم في ذلك آخرون

(5)

، فقالوا: قد يكون البلوغ بهذين المعنيين، ويكون بمعنًى ثالث، وهو أن يمر على الصبي خمس عشرة سنةً ولا يحتلم ولا ينبت، فهو أيضًا بذلك في حكم البالغين. واحتجوا في ذلك بما

(1)

أي: موضع إزاره، أي: عانته.

(2)

إسناده منقطع، قال ابن محرز عن ابن معين: عبد الله بن عبيد بن عمير لم يسمع من أبيه.

وأخرجه عبد الرزاق (3398) من طريق الثوري، عن أبي حصين به.

وأخرجه ابن أبي شيبة (28152) عن شريك، عن أبي حصين به.

(3)

أي: فتنة حادثة وعداوة.

(4)

إسناده ضعيف الجهالة تميم بن الفرع.

(5)

قلت: أراد بهم: الثوري، ومالكا في رواية، والشافعي، وأبا يوسف، ومحمدا رحمهم الله، كما في النخب 17/ 159.

ص: 5

4793 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنةً، فلم يجزني في المقاتلة، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني في المقاتلة، قال نافع فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث، فقال: هذا أثر تتخذه بين الذراري والمقاتل، فأمر أمراء الأجناد أن يفرضوا لمن كان في أقل من خمس عشرة سنةً في الذرية، ومن كان في خمسة عشر سنةً في المقاتلة

(1)

.

4794 -

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا أبي، عن يعقوب بن إبراهيم أبي يوسف، عن عبيد الله

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

4795 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن عبيد الله

فذكر بإسناده مثله، ولم يذكر ما فيه من قول نافع فحدثت بذلك عمر بن عبد العزيز رحمه الله، إلى آخر الحديث

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (9717)، وابن سعد 4/ 143، وابن أبي شيبة 12/ 539، 13/ 47، 14/ 194، 396، وأحمد (4661)، والبخاري (2664)، ومسلم (1868)(91)، وأبو داود (4407)، والترمذي (1361، 1711)، وابن ماجة (2543)، وأبو عوانة 5/ 2 - 3 - 4، وابن حبان (4728)، والدارقطني 4/ 115 - 116، والطبراني في الكبير (13042)، والبيهقي 3/ 83 من طرق عن عبيد الله به.

(2)

إسناده صحيح.

(3)

إسناده صحيح.

ص: 6

قالوا: فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما بخمس عشرة سنةً ورده لما دونها ثبت بذلك أن حكم ابن خمس عشرة حكم البالغين في أحكامه كلها، وأن حكم من كان سنه دونها حكم غير البالغين في أحكامه كلها إلا من ظهر بلوغه قبل ذلك لمعنى

من المعنيين الأولين.

قالوا وقد شد هذا المعنى أخذ عمر بن عبد العزيز به، وتأوله ذلك الحديث عليه، وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وجميع أصحابنا، غير أن محمد بن الحسن كان لا يرى الإنبات دليلا على البلوغ، وغير أبي حنيفة فإنه كان لا يجعل من مرت عليه خمس عشرة سنة، ولم يحتلم، ولم ينبت في معنى المحتلمين حتى يأتي عليه سبع

(1)

عشرة سنةً.

فيما حدثني سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن محمد بن الحسن وقد روي عنه أيضًا خلاف ذلك.

4796 -

حدثنا أحمد بن أبي عمران، قال: ثنا محمد بن سماعة، قال: سمعت أبا يوسف يقول: قال أبو حنيفة: إذا أتت عليه ثمان عشرة سنة، فقد صار بذلك في أحكام الرجال

(2)

.

ولم يختلفوا عنه جميعًا في هاتين الروايتين في الجارية أنها إذا مرت عليها سبع عشرة سنةً أنها تكون بذلك كالتي حاضت وكان أبو يوسف رحمة الله عليه: يجعل الغلام

(1)

في الأصول "تسع"، والمثبت من ن.

(2)

إسناده صحيح.

ص: 7

والجارية سواءً في مرور الخمس عشرة سنةً عليهما، ويجعلهما بذلك في حكم البالغين، وكان محمد بن الحسن يذهب في الغلام إلى قول أبي يوسف رحمه الله، وفي الجارية إلى قول أبي حنيفة رحمة الله عليه.

وكان من الحجة لأبي حنيفة على أبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رده وهو ابن أربع عشرة سنةً، أنه غير بالغ، ولكن لما رأى من ضعفه وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنةً، ليس لأنه بالغ لكن لما رأى من جلده وقوته، وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علم كم سنه في الحالين جميعًا، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في سمرة بن جندب، ما يدل على هذا أيضًا.

4797 -

حدثنا أحمد بن مسعود الخياط، قال: ثنا محمد بن عيسى الطباع، قال: ثنا هشيم عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن سمرة بن جندب أن أمه كانت امرأةً من بني فزارة، فذهبت به إلى المدينة وهو صبي، وكثر خطابها وكانت امرأة جميلة، فجعلت تقول: لا أتزوج إلا من يكفل لي بابني هذا، فتزوجها رجل على ذلك، فلما فرض النبي صلى الله عليه وسلم لغلمان الأنصار ولم يفرض له كأنه استصغره، فقال: يا رسول الله، قد فرضت لصبي ولم تفرض لي، أنا أصرعه، قال:"صارعه"، فصرعته، ففرض له النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

(1)

رجاله ثقات.

وأخرجه الروياني في مسنده (856)، وأبو نعيم في رياضة الأبدان (1)، وفي معرفة الصحابة (3578)، والطبراني في الكبير 7/ 177 (6749) من طرق عن هشيم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه به.

ص: 8

فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم سمرة بن جندب لما صرع الأنصاري، لا لأنه قد بلغ، احتمل أن يكون كذلك أيضًا ما فعل في ابن عمر رضي الله عنهما أجازه حين أجازه لقوته لا لبلوغه ورده حين رده لضعفه لا لعدم بلوغه، فانتفى بما ذكرنا أن يكون في ذلك الحديث حجة لأبي يوسف رحمة الله عليه لاحتماله ما ذهب إليه أبو حنيفة لأن أبا حنيفة رحمة الله عليه لا ينكر أن يفرض للصبيان إذا كانوا يحتملون القتال، ويشهدون الحرب وإن كانوا غير بالغين.

وقد روي عن البراء بن عازب رضي الله عنه فيما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ابن عمر خلاف ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

4798 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن مطرف عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عمر يوم بدر فاستصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجازنا يوم أحد

(1)

.

ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر يوم أحد وهو يومئذ ابن أربع عشرة سنة، فخالف ذلك ما روينا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولما انتفى أن

(1)

إسناده ضعيف مطرف متأخر السماع من أبي إسحاق.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 13،540/ 49، 14/ 377، ومن طريقه أبو يعلى (1695، والطبراني في الكبير (1166) عن مطرف به.

وأخرجه البخاري (3955، 3956)، وابن نصر في السنة (144)، وأبو يعلى (1724)، والطبراني في الكبير (1165) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق به.

ص: 9

يكون في ذلك الحديث حجة لأحد الفريقين على الآخر التمسنا حكم ذلك من طريق النظر لنستخرج من القولين اللذين ذهب أبو حنيفة إلى أحدهما، وأبو يوسف إلى الآخر قولا صحيحًا، فاعتبرنا ذلك، فرأينا الله قد جعل عدة المرأة إذا كانت ممن تحيض ثلاثة قروء، وجعل عدتها إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ثلاثة أشهر، فجعل بدلا من كل حيضة شهرًا، وقد تكون المرأة تحيض في أول الشهر، وفي آخره فيجتمع لها في شهر واحد حيضتان، وقد يكون بين حيضتيها شهران أو أكثر، فجعل الخلف من الحيضة على أغلب أمور النساء، لأن أكثرهن تحيض في كل شهر حيضةً واحدةً، فلما كان ذلك كذلك.

ورأينا الاحتلام يجب به للصبي حكم البالغين، فإذا عدم الاحتلام، وأجمع أن هناك خلفًا منه، فقال قوم

(1)

: هو بلوغ خمس عشرة سنةً.

وقال آخرون

(2)

: بل هو أكثر من ذلك من السنين جعل ذلك الخلف على أكثر ما يكون فيه الاحتلام، وهو خمس عشرة سنةً، لأن أكثر احتلام الصبيان، وحيض النساء في هذا المقدار يكون ولا يجعل على أقل من ذلك ولا على أكثر، لأن ذلك إنما يكون في الخاص، ولا نعتبر حكم الخاص في ذلك، ولكن نعتبر أمر العام كما لم نعتبر أمر الخاص فيما جعل خلفًا في الحيض، واعتبر أمر العام، فثبت بالنظر الصحيح في هذا الباب كله ما

(1)

: قلت أراد بهم أبا يوسف، ومحمدا، والشافعي رحمهم الله، كما في النخب 17/ 170.

(2)

قلت: أراد بهم: أبو حنيفة، ومن تبعه رحمهم الله، كما في المصدر السابق.

ص: 10

ذهب إليه أبو يوسف رحمة الله عليه، بالنظر لا بالأثر، وانتفى ما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد رحمة الله عليهما.

وقد روي عن سعيد بن جبير رحمة الله عليه في هذا نحو من قول أبي حنيفة رحمة الله عليه الذي رواه أبو يوسف عنه.

4799 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا عبد الله بن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أي ثماني عشرة سنةً، ومثلها في سورة بني إسرائيل

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.

وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (8089) من طريق أبي زرعة، عن يحيى بن عبد الله بن بكير.

ص: 11

‌4 - باب ما نهى عن قتله من النساء والولدان في دار الحرب

4800 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، قال: كتب نجدة

(1)

إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن قتل الولدان، فكتب إليه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقتلهم

(2)

.

4801 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب قال: ثنا أبي، قال: سمعت قيسًا، يحدث عن يزيد بن هرمز، قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقتل من صبيان المشركين أحدًا؟، فكتب إليه ابن عباس وأنا حاضر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقتل منهم أحدا

(3)

.

4802 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر الزهراني، قال: ثنا إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن حصين، عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا

(1)

بالنون والجيم، هو: نجدة بن عامر الحروري صاحب يمامة، والحروري نسبة إلى حروراء قرية بأرض العراق قريبة من الكوفة.

(2)

إسناده صحيح.

(3)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وأخرجه مسلم (1812)(140) من طريق وهب به.

وأخرجه مطولا ومختصرا أحمد (2235)، والدارمي (2471)، والنسائي في الكبرى (11513)، وابن الجارود (1086)، والطبراني (10830)، والبيهقي 6/ 332 من طرق عن جرير بن حازم به.

ص: 12

بعث جيوشه قال: "لا تقتلوا الولدان"

(1)

.

4803 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا محمد بن بشر العبدي، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا نافع عن ابن عمر قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض المغازي، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان

(2)

.

4804 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر

(3)

، قال: ثنا مالك، عن نافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله، ولم يذكر ابن عمر

(4)

.

4805 -

حدثنا فهد قال: ثنا أبو غسان قال: ثنا جويرية عن نافع عن ابن عمر عن

(1)

إسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 387، وأحمد (2728)، والبزار (1677 كشف)، وأبو يعلى (2549)، والطبراني (11562)، والبيهقي 9/ 90 من طرق عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1744) من طريق محمد بن بشر وأبي أسامة، عن عبيد الله بن عمر به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 381، وأحمد (4739)، والدارمي (2619)، والبخاري (3015)، ومسلم (1744)(25)، وأبو عوانة 4/ 93، والبيهقي 9/ 77 من طرق عن عبيد الله بن عمر به.

(3)

في الأصول والاتحاف "أبو عامر" هو العقدي، وفي ن "أبو عاصم" هو الضحاك بن مخلد وكلاهما يرويان عن مالك بن أنس.

(4)

إسناده مرسل.

وهو في الموطأ برواية يحيى بن يحيى (1291)، والمتصل هو الصحيح كما ذكر الدارقطني في العلل (2762)، قال ابن عبد البر في التمهيد 16/ 135: هكذا رواه يحيى عن مالك، عن نافع مرسلا وتابعه أكثر رواة الموطأ.

ص: 13

النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

4806 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا مالك بن أنس، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والصبيان

(2)

.

4807 -

حدثنا يونس قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال أخبرني ابن كعب بن مالك، عن عمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان حين بعث إلى ابن أبي الحقيق

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو عوانة (6586) من طريق الوليد بن مسلم، عن مالك وغيره به.

وهو في الموطأ 2/ 447، ومن طريقه أخرجه الشافعي 2/ 103، وأحمد (4746)، وابن ماجة (2841)، وابن حبان (135، 4785)، والبغوي (2694).

(3)

حديث صحيح، ورجاله ثقات غير عمه فلم نتبينه، وقال الحافظ في الإصابة في ترجمة سهل بن مالك 3/ 205: وروى أبو عوانة والطحاوي من طريق مالك عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن عمه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والصبيان، فإن كان محفوظا فاحتمل أن يكون اسم عمه سهلا، لكن أخرجه أبو عوانة والطحاوي من وجهين آخرين عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبيه انتهى، غير أنه قال في ترجمة كعب بن مالك 5/ 610: لم يكن لمالك ولد غير كعب الشاعر المشهور.

=

ص: 14

4808 -

حدثنا محمد بن عبد الله، قال: ثنا الوليد، قال: ثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين قتلوا ابن أبي الحقيق حين خرجوا إليه عن قتل النساء والولدان

(1)

.

4809 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أصبغ بن الفرج، قال: ثنا علي بن عابس، عن أبان بن تغلب، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سريةً قال لهم لا تقتلوا وليداً ولا امرأةً

(2)

.

4810 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، (ح)

وحدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا الفريابي، قالا: ثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشًا كان مما يوصيهم به أن لا تقتلوا وليدًا. قال أبو بشر في حديثه قال علقمة فحدثت به مقاتل بن حيان

فقال: حدثني مسلم بن هيصم، عن النعمان بن مقرن، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

= وأخرجه الشافعي في مسنده 2/ 118، والحميدي (874)، وسعيد بن منصور (2627)، وابن أبي شيبة 12/ 381 - 382، وأحمد (39/ 507، والبيهقي (9/ 78، والحازمي في الاعتبار (ص 213، 214) من طريق سفيان بن عيينة به، وسمى ابن كعب في رواية ابن أبي شيبة عبد الرحمن.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطبراني 19/ (146) من طريق مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه به.

(2)

إسناده ضعيف لضعف علي بن عابس، وانظر ما بعده.

(3)

إسناده صحيح. =

ص: 15

4811 -

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، (ح)

وحدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قالا: ثنا الليث، قال: حدثني جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن علقمة بن مرثد الحضرمي، عن سليمان بن بريدة عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرًا على جيش كان مما يوصيه به أن لا تقتلوا وليداً

(1)

.

4812 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا قيس بن ربيع، قال: حدثني عمير بن عبد الله، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتل النساء والولدان وقال: "هما لمن غلب"

(2)

.

4813 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون: قال ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا المغيرة بن عبد الرحمن القرشي، عن أبي الزناد، قال: حدثني المرقع بن صيفي، عن جده رباح بن أبي حنظلة الكاتب أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غزاها، وخالد بن الوليد على مقدمته حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته، فأفرجوا عن امرأة ينظرون إليها مقتولةً، فبعث إلى

= وأخرجه ابن أبي شيبة (33116)، وأحمد (23030)، ومسلم (1731)(2)، وأبو داود (2613)، والترمذي (1617)، وابن حبان (4739)، والبيهقي 9/ 49 من طرق عن سفيان الثوري به.

(1)

إسناده صحيح، وعبد الله بن صالح متابع.

وأخرجه مسلم (1731)(4)، والنسائي في الكبرى (8627، 8721) من طرق عن شعبة به.

(2)

إسناده ضعيف لضعف عطية بن سعد العوفي.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (4227) من طريق أبي الوليد الطيالسي به.

ص: 16

خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان

(1)

.

4814 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا المغيرة، عن أبي الزناد، قال: أخبرني المرقع بن صيفي، عن جده رباح بن ربيع رضي الله عنه، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكر مثله، غير أنه قال "لا تقتلوا

(2)

ذريةً ولا عسيفًا"

(3)

.

4815 -

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا المغيرة

فذكر بإسناده مثله

(4)

.

4816 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي قال: ثنا ابن المبارك، عن

(1)

إسناده حسن من أجل مرقع بن صيفي.

وأخرجه أحمد (15992)، والنسائي في الكبرى (8628)، وابن ماجة (2842)، وأبو يعلى (1546)، وابن حبان (4789)، والطبراني في الكبير (4619، 4620)، والبيهقي في السنن 9/ 91 من طرق عن المغيرة بن عبد الرحمن به.

(2)

في دس ن "تقتلن".

(3)

إسناده حسن.

وأخرجه أحمد (15992) من طريق أبي عامر العقدي به.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 3/ 314، وأبو داود (2669)، والنسائي في الكبرى (8625)، والطبراني في الكبير (4621)، والبيهقي في السنن 9/ 82، وابن عبد البر في التمهيد 16/ 140 من طريق عمر بن مرقع، عن مرقع بن صيفي به.

(4)

إسناده حسن كسابقه.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6137) بإسناده ومتنه.

وهو في سنن سعيد بن منصور (2623)، ومن طريقه أخرجه أحمد (19044).

ص: 17

سفيان، عن عبد الله بن ذكوان عن المرقع بن صيفي، عن حنظلة الكاتب رضي الله عنه، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بامرأة لها خلق، وقد اجتمعوا عليها، فلما جاء أفرجوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كانت هذه تقاتل، ثم اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدًا أن لا تقتل امرأةً ولا عسيفًا

(1)

.

4817 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا سفيان

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(3)

إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على حال، وأنه لا يحل أن يقصد إلى قتل غيرهم إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم، فكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم، فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء، وكذلك إن تحصّنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان، فحرام علينا رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف في ذلك تلف نسائهم وولدانهم، واحتجوا بالآثار التي رويناها في صدر هذا الباب.

(1)

إسناده حسن كسابقه.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6136) بإسناده ومتنه.

وأخرجه عبد الرزاق (9382)، وابن أبي شيبة 12/ 382، وأحمد (17610)، وأبو عبيد في الأموال (95)، والنسائي في الكبرى (8627)، وابن ماجة (2842)، وابن قانع في معجم الصحابة 1/ 201، وابن حبان (4791)، والطبراني في الكبير 4 / (3489) من طرق عن سفيان الثوري به.

(2)

إسناده حسن كسابقه.

(3)

قلت: أراد بهم الأوزاعي، ومالكا، والشافعي في قول، وأحمد في رواية رحمهم الله، كما في النخب 17/ 192.

ص: 18

ووافقهم آخرون

(1)

على صحة هذه الآثار، وعلى تواترها، وقالوا: إنما وقع النهي في ذلك على القصد إلى قتل النساء والولدان، فأما على طلب قتل غيرهم ممن لا يوصل إلى ذلك منه إلا بتلف صبيانهم ونسائهم فلا بأس بذلك. واحتجوا في ذلك بما

4818 -

حدثنا يونس قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الديار من المشركين يبيتون ليلاً، فيصاب من نسائهم وصبيانهم فقال:"هم منهم"

(2)

.

4819 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر قال: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم قال: قيل يا رسول الله أوطأت خيلنا أولادًا من أولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم من آبائهم"

(3)

.

(1)

قلت: أراد بهم: سفيان الثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، والشافعي في الصحيح، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 17/ 193.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي 2/ 119، وسعيد بن منصور (2631)، وابن أبي شيبة 12/ 388، وأحمد (16422)، ومسلم (1745)(46)، وأبو داود (2672)، والترمذي (1570)، والنسائي في الكبرى (8622)، وابن ماجة (2839)، وابن الجارود (1044)، وأبو عوانة 4/ 96، وابن حبان (4786)، والطبراني في الكبير (7446)، والبيهقي 9/ 78، والبغوي (2697) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطبراني في الكبير 8/ 87 (7449) من طريقين عن حماد بن زيد به.

وأخرجه عبد الرزاق كما في النخب 17/ 198 عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار به.

ص: 19

4820 -

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا سريج بن النعمان، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم، قال: قلنا يا رسول الله الدار من دور المشركين نفتحها

(1)

في الغارة، فنصيب الولدان تحت بطون الخيل، ولا نشعر؟ فقال:"إنهم منهم"

(2)

.

قال أبو جعفر: فلما لم ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارة، وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم القصد إلى قتلهم، دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول، وأن ما حظر في الآثار الأول هو القصد إلى قتل النساء والولدان، والذي أباح هو القصد إلى المشركين، وإن كان في ذلك تلف غيرهم ممن لا يحل القصد إلى تلفه حتى تصح هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتضاد.

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغارة على العدو، وأغار على الآخرين في آثار عدة، قد ذكرناها في باب الدعاء قبل القتال، ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به علمنا أنه قد كان يعلم

(1)

في د "نصبحها".

(2)

إسناده ضعيف عبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش ضعيفان لم يتابع عليهما.

وأخرجه أبو عوانة 4/ 97 من طريق سريج بن النعمان بهذا الاسناد.

وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (16686) من طريق داود بن عمرو، عن ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عبيد الله به، دون ذكر الزهري.

ص: 20

أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك، ولكنه أباح ذلك لهم، لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم، فهذا يوافق المعنى الذي ذكرت مما في حديث الصعب، والنظر يدل على ذلك أيضًا.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الذي عضّ ذراع رجل، فانتزع ذراعه فسقطت ثنيتا العاض أنه أبطل ذلك وتواترت عنه الآثار في ذلك فمنها ما

4821 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي قال: ثنا ابن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن عبد الله بن صفوان عن عميه سلمة بن أمية ويعلى بن أمية، قالا: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ومعنا صاحب لنا، فقاتل رجلا من المسلمين، فعض الرجل ذراعه، فجبذها من فيه، فنزع ثنيته، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس العقل، فقال: ينطلق أحدكم إلى أخيه، فيعضه عضيض الفحل، ثم يأتي يطلب العقل؟ لا عقل لها، فأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

4822 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، أن صفوان بن يعلى بن أمية حدثه عن يعلى بن أمية رضي الله عنه، قال: كان لي

(1)

إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث عند أحمد.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1295) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (17953)، والنسائي 8/ 30، وابن ماجة (2656)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1/ 337، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1174)، والطبراني 22/ (652)، والحاكم 3/ 424 من طرق عن محمد بن إسحاق به.

ص: 21

أجير فقاتل إنسانًا، فعض أحدهما صاحبه فانتزع إصبعه فسقطت ثنيتاه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر ثنيته، قال عطاء: حسبت أن صفوان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيدع يده في فيك فتقضمها كقضم الجمل

(1)

.

4823 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثني أبو عامر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن يعلى بن أمية رضي الله عنه، فذكر نحوه إلا أنه قال:"كقضم البكر"

(2)

.

4824 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا حبان، قال: ثنا أبان بن يزيد

(3)

، قال: ثنا قتادة، عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا عضّ ذراع رجل، فانتزع ذراعه فسقطت ثنيتا الذي عضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أردت أن تقضم يد أخيك كما

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1294) بإسناده ومتنه.

وأخرجه عبد الرزاق (17546)، والحميدي (788)، وابن أبي شيبة 9/ 336، وأحمد (17949)، والبخاري (2973، 4417، 6893)، ومسلم (1674)(23)، وأبو داود (4584)، والنسائي 8/ 31، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1170)، وابن الجارود (792)، وابن حبان (5997)، والطبراني في الكبير 22 (648)، والبيهقي 8/ 336، والبغوي (2566) من طرق عن ابن جريج به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1293) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (1421)، والبغوي في الجعديات (252)، والنسائي 8/ 29 - 30 - 31 من طريق شعبة به.

(3)

في دس "أبان بن عثمان" قلت: هو خطأ والصواب ما أثبته.

ص: 22

يقضم الفحل؟ " فأبطلها

(1)

.

4825 -

حدثنا علي بن معبد قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال أخبرنا شعبة، عن قتادة

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

فلما كان للمعضوض نزع يده وإن كان في ذلك تلف ثنايا غيره، وكان حرامًا عليه القصد إلى نزع ثنايا غيره بغير إخراج يده من فيه، ولم يكن القصد في ذلك إلى غير التلف كالقصد إلى التلف في الإثم، ولا في وجوب العقل، كان كذلك كل من له أخذ شيء، وفي أخذه إياه تلف غيره مما يحرم عليه القصد إلى تلفه، كان له القصد إلى أخذ ما له أخذه من ذلك، وإن كان فيه تلف ما يحرم عليه القصد إلى تلفه.

فكذلك العدو، قد جعل لنا قتالهم وحرم علينا قتل نسائهم وولدانهم، فحرام علينا القصد إلى ما نهينا عنه من ذلك، وحلال لنا القصد إلى ما أبيح لنا، وإن كان فيه تلف ما قد حرم علينا من غيرهم، ولا ضمان علينا في ذلك، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه النسائي في المجتبى 8/ 29، وفي الكبرى (6938) من طريق أبي هشام، عن أبان بن يزيد العطار به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1292) من طريق أسد بن موسى، عن شعبة به.

وأخرجه الدارمي (2376)، وأحمد (19829)، والبخاري (6892)، ومسلم (1673)(18)، والترمذي (1416)، والنسائي 8/ 29، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (987)، وابن حبان (5999)، والطبراني في الكبير 18/ (530)، والبيهقي 8/ 336 من طرق عن شعبة به.

ص: 23

‌5 - باب: الشيخ الكبير هل يقتل في دار الحرب أم لا؟

4826 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله عز وجل

أصحابه

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى هذا، فقالوا: لا بأس بقتل الشيخ الكبير في الحرب، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وبأن دريدًا قد كان حينئذ في حال من لا يقاتل. ورووا في ذلك

4827 -

ما حدثنا فهد قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أوطاس، فأدرك دريد بن الصمة ربيع بن رفيع، فأخذ بخطام جمله، وهو يظن أنه امرأة، فإذا هو شيخ كبير، قال ماذا تريد مني؟ قال: أقتلك، ثم ضربه بسيفه، فلم يغن شيئًا قال: بئسما سلحتك أمك، خذ سيفي هذا من

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (2884، 4323، 6383)، ومسلم (2498)، وأبو يعلى (7313)، وابن حبان (7198)، والبيهقي في الدلائل 5/ 152، 153، والبغوي (1398) من طريق محمد بن العلاء به.

وأخرجه النسائي في الكبرى (8781)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/ 85 من طريق أبي أسامة به.

(2)

قلت: أراد بهم الحسن البصري، والشافعي في أصح قوله، ومحمد بن جرير الطبري رحمهم الله، كما في النخب 17/ 212.

ص: 24

مؤخر رحلي، ثم اضرب، وارفع عن العظام، وارفع عن الدماغ فإني كذلك كنت أقتل الرجال

(1)

.

قالوا: فلما قتل دريد وهو شيخ كبير وكان لا يدفع عن نفسه، فلم يعب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، دل ذلك أن الشيخ الفاني يقتل في دار الحرب، وأن حكمه في ذلك حكم الشبان لا حكم النساء.

وخالفهم في ذلك آخرون

(2)

، فقالوا: لا ينبغي قتل الشيوخ في دار الحرب، وهم في ذلك كالنساء والذرية. واحتجوا في ذلك بما

4828 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أصبغ بن الفرج قال: ثنا علي بن عابس، عن أبان بن تغلب، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية يقول: "لا تقتلوا شيخًا كبيراً"

(3)

.

قال أبو جعفر ففي هذا الحديث المنع من قتل الشيوخ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا في حديث مرقع بن صيفي في المرأة المقتولة "ما كانت هذه تقاتل".

فدلّ ذلك أن من أبيح قتله هو الذي يقاتل، ولكن لما روي حديث دريد هذا

(1)

إسناده معضل.

وأخرجه البيهقي في السنن 9/ 92، وفي الدلائل 5/ 153 من طريق يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق به.

(2)

قلت: أراد بهم راشد بن سعد، ومجاهد بن جبر، والضحاك، والزهري، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، ومالكا، وأحمد، والشافعي في قول رحمهم الله، كما في النخب 17/ 213.

(3)

إسناده ضعيف لضعف علي بن عابس، وهو مكرر سابقه (4809).

ص: 25

وهذه الأحاديث الأخر وجب أن تصحح، ولا يدفع بعضها ببعض، والنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب من قتال ولا رأي.

وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب كما كان لدريد، فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال، ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها، فإذا كان ذلك كذلك قتلوا، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رباح أخي حنظلة في المرأة المقتولة "ما كانت هذه تقاتل": أي: فلا تقتل، لأنها لا تقاتل فإذا قاتلت قتلت وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها.

وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة إذا كانت أيضًا في تدبيرها لأمور الحرب كالشيخ الكبير في تدبيره لأمور الحرب.

فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتل أصحاب الصوامع.

4829 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر قال: ثنا إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن حصين، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال: "لا تقتلوا أصحاب الصوامع"

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6135) بإسناده ومتنه. =

ص: 26

فلما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك قتل أصحاب الصوامع الذين قد حبسوا أنفسهم عن الناس، وانقطعوا عنهم، وأمن المسلمون من ناحيتهم دلّ ذلك أيضا على أن كل من أمن المسلمون من ناحيته من امرأة أو شيخ فان أو صبي كذلك أيضًا لا يقتلون.

فهذا وجه هذا الباب، وهذا قول محمد بن الحسن، وهو قياس قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله.

= وأخرجه أحمد (2728) من طريق أبي القاسم بن أبي الزناد، عن ابن أبي حبيبة، وهو مكرر سابقه (4802).

ص: 27

‌6 - باب الرجل يقتل قتيلاً في دار الحرب، هل يكون له سلبُه أم لا؟

4830 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قال: ثنا يوسف بن، الماجشون قال: ثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل السلب للقاتل

(1)

.

4831 -

حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور، قال: ثنا الهيثم بن جميل، عن شريك، عن عبد الكريم، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: انتدب رجل من المشركين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير فخرج إليه فقتله، فجعل له النبي صلى الله عليه وسلم سلبه

(2)

.

4832 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود قال: ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو السكسكي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن خالد بن الوليد وعوف بن مالك رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (1673)، والبخاري (3141، 3964)، ومسلم (1752)، وأبو يعلى (866)، وابن حبان (4840)، والحاكم 3/ 425، والبيهقي 6/ 305 - 306 من طريق يوسف بن يعقوب الماجشون به.

(2)

إسناده ضعيف من أجل شريك بن عبد الله النخعي.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33092)، والبيهقي 6/ 308 من طريقين عن سفيان به، مرسلا دون ذكر ابن عباس.

(3)

إسناده حسن من أجل إسماعيل بن عياش وروايته هنا عن أهل بلده.

وأخرجه أبو عبيد في الأموال (772)، وسعيد بن منصور (2698)، وأبو داود (2721)، وأبو يعلى (7192)، والبيهقي في السنن 6/ 310، وابن عبد البر في الاستذكار (19753) من طريق إسماعيل بن عياش به.

ص: 28

4833 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي

(1)

، قال: قلت لخالد بن الوليد يوم موته ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس

السلب؟ قال: بلى

(2)

.

4834 -

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد، عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل أبا قتادة سلب قتيل قتله

(3)

.

4835 -

حدثنا يونس، قال ثنا ابن وهب أن مالكًا حدثه عن يحيى بن سعيد، عن عمر ابن كثير بن أفلح، عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلًا من المشركين قد علا رجلًا من المسلمين، فاستدرت له، حتى أتيته من ورائه، فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربةً حتى قطعت الدرع، فأقبل علّي فضمني

(1)

في دج س زيادة "قال: حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير، عن عوف بن مالك".

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (23997)، ومسلم (1753)(44)، وأبو داود (2719)، وابن حبان (4844) من طريق الوليد بن مسلم به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (9476)، والحميدي (423)، وسعيد بن منصور (2695)، والدارمي (2485)، والترمذي (1562)، وابن ماجة (2837)، وأبو عوانة (6634، 6636) من طريق سفيان بن عيينة به.

ص: 29

ضمةً وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت، فأرسلني، فلقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه" قال: فقمت فقلت من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثانية، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بالك يا أبا قتادة؟ " فقصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه مني يا رسول الله، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا هاء الله إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صدق، فأعطه إياه"، فقال أبو قتادة فأعطانيه، فبعت الدرع، فابتعت به مخرفًا

(1)

في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام

(2)

.

4836 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا المبارك، عن ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن الأعرج، عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قتل رجلًا

(1)

بكسر الميم هو الحائط الذي فيه تمر قد طاب وبدا صلاحه.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4785) بإسناده ومتنه.

وهو في موطأ مالك 1/ 585، ومن طريقه أخرجه الشافعي 2/ 117 - 118، والبخاري (2100، 3142، 4321)، ومسلم (1751)، وأبو داود (2717)، والترمذي (1562)، وابن الجارود (1076)، وأبو عوانة (6630، 6631، 6632)، وابن حبان (4805، 4837)، والبيهقي 6/ 306، والبغوي (2724) عن يحيى بن سعيد به.

ص: 30

من المشركين، فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه، و درعه، فباعه بخمس أواق

(1)

.

4837 -

حدثنا أبو بكرة، وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو داود عن حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين:"من قتل قتيلا فله سلبه" فقتل أبو طلحه يومئذ عشرين رجلا، فأخذ أسلابهم

(2)

.

4838 -

حدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا عمر بن يونس قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة، قال: حدثني سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، هوازن فقتلت رجلًا منهم، ثم جئت بجمله أقوده عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقال: من قتل الرجل؟ فقالوا: ابن الأكوع، فقال له سلبه أجمع

(3)

.

4839 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا أبو عميس، عن ابن سلمة بن الأكوع،

(1)

إسناده ضعيف لعنعنة مبارك بن فضالة، ولسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.

وأخرجه أحمد (22614) من طريق إسحاق بن عيسى، عن ابن لهيعة به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 369، 14/ 524، 530، وأحمد (12131)، والدارمي (2641)، ومسلم (1809)، وأبو داود (2718)، وابن حبان (4836)، والحاكم 3/ 353، والبيهقي 6/ 306 من طرق عن حماد بن سلمة به.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3011) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 372 - 373، وأحمد (16494)، ومسلم (1754)، وأبو داود (2654)، والطبراني (6241، 6242)، والبيهقي 6/ 307 من طرق عن عكرمة بن عمار به.

ص: 31

عن أبيه، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر، فجلس يتحدث عند أصحابه ثم انسل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم إليه، فقتلته وأخذت سلبه، فنفلني إياه"

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى أن كل من قتل قتيلاً في دار الحرب فله سلبه، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

وخالفهم في ذلك آخرون

(3)

، فقالوا: لا يكون السلب للقاتل إلا أن يكون الإمام قال: "من قتل قتيلًا فله سلبه" فإن كان قال ذلك ليحرض الناس على القتال في وقت يحتاج فيه إلى تحريضهم على ذلك، فهو كما قال، وإن لم يقل من ذلك شيئًا فمن قتل قتيلاً فسلبه غنيمة، وحكمه حكم الغنائم.

وكان من الحجة لهم فيما احتج به عليهم أهل المقالة الأولى من الآثار التي رويناها أن قول خالد بن الوليد، وعوف بن مالك: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلب للقاتل

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3012) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (16492)، والدارمي 2/ 219، والبخاري (3051)، وأبو داود (2653)، والنسائي في الكبرى (8793)، وابن حبان (4839)، والطبراني (6272)، والبيهقي 6/ 307، 9/ 147 من طرق عن أبي العميس به.

(2)

قلت: أراد بهم: الأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، وأبا عبيد رحمهم الله، كما في النخب 17/ 235.

(3)

قلت: أراد بهم: مالكا، والثوري، وأبا حنيفة رحمهم الله، كما في النخب 17/ 236.

ص: 32

فقد يجوز أن يكون ذلك لقول كان تقدم منه قبل ذلك جعل به سلب كل مقتول لمن قتله، وكذلك ما ذكر فيه من هذه الآثار لجعل النبي صلى الله عليه وسلم السلب للقاتل، فقد يجوز أن يكون لهذا المعنى أيضًا، ومما يدل على أن السلب لا يجب للقاتل، ما

4840 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري، قال: ثنا يوسف بن الماجشون، قال: حدثني صالح بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: إني لقائم يوم بدر بين غلامين حديثة أسنانهما، تمنيت لو أني بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما، فقال: يا عم أتعرف أبا جهل؟ فقلت: وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فعجبت لذلك، وغمزني الآخر، فقال: مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يترجل في الناس، فقلت: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه، فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال:"أيكما قتله؟ " فقال كل واحد منهما: أنا قتلته قال: "أمسحتما سيفيكما؟ " قالا: لا، قال: فنظر في السيفين، فقال:"كلاكما قتله"، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح والآخر معاذ بن عفراء

(1)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4789) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (1673)، والبخاري (3141، 3964)، ومسلم (1752)، وأبو يعلى (866)، وابن حبان (4840)، والحاكم 3/ 425، والبيهقي 6/ 305 - 306 من طرق عن يوسف بن الماجشون به.

ص: 33

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لهما في هذا الحديث "أنكما قتلتماه؟ " ثم قضى بالسلب لأحدهما دون الآخر، ففي هذا دليل على أن السلب لو كان واجباً للقاتل بقتله إياه، لكان قد وجب سلبه لهما، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينتزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر، ألا ترى أن الإمام لو قال من قتل قتيلاً فله سلبه، فقتل رجلان قتيلاً أن سلبه لهما نصفين، وأنه ليس للإمام أن يحرمه أحدهما ويدفعه إلى الآخر، لأن كل واحد منهما له فيه من الحق مثل ما لصاحبه، وهما أولى به من الإمام فلما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في سلب أبي جهل أن يجعله لأحد قاتليه دون الآخر دلّ ذلك أنه كان أولى به منهما، لأنه لم يكن قال يومئذ:"من قتل قتيلاً فله سلبه".

4841 -

وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم قال: أخبرني ابن أبي الزناد، قال: حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فلقي العدو فلما هزمهم الله تعالى اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت طائفة بالعسكر والنهب، فلما نفى الله عز وجل العدو، ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله عز وجل وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينال منه العدو غرةً، وقال الذين استولوا على العسكر والنهب والله ما أنتم بأحق به منا، نحن حويناه واستوليناه، فأنزل الله تبارك وتعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} إلى قوله {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

ص: 34

[الأنفال: 1] فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق

(1)

(2)

.

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يفضل في ذلك الذين تولوا القتل على الآخرين فثبت بذلك أن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه إلا بجعل الإمام إياه له على ما فيه من صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم.

4842 -

وقد حدثنا فهد قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن بديل بن ميسرة العقيلي عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى، فقلت: يا رسول الله لمن المغنم؟ قال الله سهم، ولهؤلاء أربعة أسهم، فقلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: لا، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه، فليس هو بأحق به من أخيه

(3)

.

4843 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي قال: ثنا عبد الله بن المبارك،

(1)

في ن "بواء" أي: سواء.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الرحمن بن الحارث بن عياش، وعبد الرحمن بن أبي الزناد.

وأخرجه عبد الرزاق (9334)، وابن أبي شيبة 14/ 456، وأحمد (22718)، والترمذي (1561)، والنسائي في المجتبى 7/ 131، وفي الكبرى (4424)، وابن ماجة (2852)، وابن حبان (4855)، والبيهقي 9/ 20 - 21 من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث به.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3452) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أبو يعلى (7179)، والبيهقي 6/ 336 من طريق حماد بن سلمة به.

وأخرجه أحمد (20351) من طريق معمر، عن بديل به.

ص: 35

عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الغنيمة خمسًا منها الله تعالى، وأربعة أخماسها لأصحابه وبين في ذلك فقال:"حتى لو أن أحدكم رمي بسهم في جنبه فنزعه، لم يكن أحق به من أخيه"، فدل ذلك أن كل ما تولاه الرجل في القتال، وكل ما تولى غيره ممن هو

حاضر القتال أنهما فيه سواء.

فإن قال قائل: إن الذي ذكرتموه من سلب أبي جهل، ومما ذكرتموه في حديث عبادة إنما كان ذلك في يوم بدر قبل أن تجعل الأسلاب للقاتلين، ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين الأسلاب للقاتلين، فقال:"من قتل قتيلاً فله سلبه"، فنسخ ذلك ما تقدمه.

قيل له: ما دل ما ذكرت على نسخ شيء مما تقدمه لأن ذلك القول الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قد يجوز أن يكون أراد به من قتل قتيلاً في ذلك الحرب لا غير ذلك كما قال يوم فتح مكة شرفها الله تعالى "من ألقى سلاحه فهو آمن" فلم يكن ذلك على كل من ألقى سلاحه في غير تلك الحرب.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3453) بإسناده ومتنه، بزيادة عن رجل بين عبد الله بن شقيق وبين رجل من بلقين.

وأخرجه البيهقي 6/ 336 من طريق مسدد، عن حماد بن زيد، عن بديل بن ميسرة، وخالد والزبير بن الخريت، عن عبد الله ابن شقيق، عن رجل من بلقين.

ص: 36

ولما ثبت أن حكم ما كان قبل حنين أن الأسلاب لا تجب للقاتلين، ثم حدث في يوم حنين هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتمل أن يكون ناسخًا لما تقدم، واحتمل أن لا يكون ناسخًا له لم نجعله ناسخًا له، حتى تعلم ذلك يقيناً، ومما قد دل أيضًا على أن

ذلك القول ليس بناسخ لما كان قبله من الحكم. أن

4844 -

يونس حدثنا، قال: ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك أخا أنس بن مالك، بارز

(1)

مرزبان

(2)

الزارة

(3)

، فطعنه طعنةً، فكسر القربوس، وخلصت إليه فقتله، فقوم سلبه ثلاثين ألفًا، فلما صلينا الصبح غدا علينا عمر، فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس الأسلاب، وإن سلب البراء قد بلغ مالاً: ولا أرانا إلا خامسيه، فقومناه ثلاثين ألفًا، فدفعنا إلى عمر رضي الله تعالى عنه ستة آلاف

(4)

.

فهذا عمر رضي الله تعالى عنه يقول: إنا كنا لا نخمس الأسلاب، ثم خمس سلب البراء. فدل ذلك أنهم كانوا لا يخمسون ولهم أن يخمسوا، وأن الأسلاب لا تجب

(1)

من المبارزة في الحرب وهو: أن يظهر بين الصفوف، ويطلب المحاربة مع شجاع مثله من الطائفة المخالفين.

(2)

بفتح الميم هو الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك.

(3)

بالزاي: لقم للمرزبان المبارز كما يلقب بالأسد.

(4)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 12/ 272 بإسناده ومتنه.

وأخرجه عبد الرزاق (9468)، ومن طريقه الطبراني (1180) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: بارز البراء بن مالك

وأخرجه سعيد بن منصور (2708) عن هشيم، أخبرنا ابن عون ويونس وهشام، عن ابن سيرين أن البراء

ص: 37

للقاتلين دون أهل العسكر، وقد حضر عمر رضي الله تعالى عنه ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين "من قتل قتيلا فله سلبه". فلم يكن ذلك عنده على كل من قتل قتيلاً ممن قد جعل الإمام له سلبه أم لم يجعله له في ذلك الحرب وفيما بعده ولكنه كان عنده على كل من قتل قتيلا في ذلك الحرب خاصةً، وقد كان أبو طلحة حضر ذلك أيضًا بحنين وقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلاب القتلى الذين قتلهم، فلم يكن ذلك عنده موجباً بخلاف ما أراد عمر رضي الله عنه في سلب المرزبان، وقد كان أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه حاضرًا ذلك أيضًا، من رسول الله بحنين، ومن عمر رضي الله عنه في يوم البراء، فكان ذلك عنده على ما رأى عمر رضي الله عنه لا على خلاف ذلك.

فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم لم يجعلوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: من قتل قتيلا فله سلبه على النسخ للحكم المتقدم لذلك في يوم بدر.

4845 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن يوسف قال: ثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثني عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أن أباه أخبره أنه سأل مكحولاً: أيخمس السلب؟ فقال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أن البراء بن مالك بارز رجلا من عظماء فارس، فقتله فأخذ البراء سلبه فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر رضي الله عنه إلى الأمير، أن اقبض إليك خمسه وادفع إليه ما بقي، فقبض الأمير خمسه

(1)

.

فهذا مكحول قد ذهب أيضًا في الأسلاب إلى ما ذكرنا. وقد

(1)

إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان.

ص: 38

4846 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد، قال: سمعت رجلًا يسأل ابن عباس عن الأنفال، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضًا: ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه

(1)

.

4847 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا مالك، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الأنفال، فقال:"السلب والفرس من الأنفال"

(2)

.

4848 -

حدثنا يونس، وربيع المؤذن، قالا: ثنا بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال: أخبرني الزهري، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت جالسًا عنده، فأقبل رجل من أهل العراق، فسأله عن السلب، فقال: السلب من النفل،

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 1/ 586 بإسناده ومتنه.

وهو في موطأ مالك 1/ 586، ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 5/ 1651، وابن زنجويه في الأموال (1130)، وابن المنذر في الأوسط (6516).

وأخرجه عبد الرزاق (987)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (333)، والقاسم بن سلام في الأموال (758) من طرق عن الزهري به.

(2)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه.

ص: 39

وفي النفل الخمس

(1)

.

فهذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد جعل في السلب الخمس، وجعله من الأنفال، وقد كان علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرناه في أول هذا الباب من تسليمه إلى الزبير سلب القتيل الذي كان قتله.

فدل ذلك أن ما تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يكن عند ابن عباس رضي الله عنهما منسوخًا، وأن ما قضى به من سلب القتيل الذي قتله الزبير رضي الله عنه إنما كان لقول كان قد تقدم منه، أو لمعنًى غير ذلك.

فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

وأما وجه النظر في ذلك، فإنا قد رأينا الإمام لو بعث سريةً وهو في دار الحرب، وتخلف هو وسائر أهل عسكره عن المضي معها، فغنمت تلك السريةً غنيمة كانت تلك الغنيمة بينهم وبين سائر أهل العسكر، وإن لم يكونوا تولوا معهم قتالاً، ولا تكون هذه السرية أولى بما غنمت من سائر أهل العسكر، وإن كانت قاتلت حتى كان عن قتالها ما غنمت ولو كان الإمام نفل تلك السرية لما بعثها الخمس مما غنمت، كان ذلك لها على ما نفلها إياه الإمام، وكان ما بقي مما غنمت بينها وبين سائر أهل العسكر، فكانت السرية

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33096)، وابن زنجويه في الأموال (1129)، وابن الأعرابي في معجمه (1081)، والقاسم بن سلام في الأموال (759)، والبيهقي 6/ 312 من طرق عن الأوزاعي به.

ص: 40

المبعوثة لا تستحق مما غنمت دون سائر أهل العسكر إلا ما خصها به الإمام دونهم.

فالنظر على ذلك أن يكون كذلك كل من كان من أهل العسكر في دار الحرب لا يستحق أخذ شيء منه دون سائر أهل العسكر، إلا أن يكون الإمام نفله من ذلك شيئًا، فيكون ذلك له بتنفيل الإمام لا بغير ذلك فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمة الله عليهم أجمعين.

4849 -

وقد حدثنا محمد بن عبد الرحمن

(1)

الهروي، قال ثنا دحيم، قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا صفوان عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن عوف قال الوليد وحدثني ثور، عن خالد بن معدان عن جبير، عن عوف وهو ابن مالك، أن مدديا رافقهم

(2)

في غزوة مؤتة، وأن روميا كان يشد على المسلمين ويغري

(3)

بهم، فتلطف له ذلك المددي، فقعد له تحت صخرة، فلما مر به عرقب، فرسه وخر الرومي لقفاه فعلاه بالسيف فقتله، فأقبل بفرسه وسيفه وسرجه ولجامه، ومنطقته، وسلاحه، كل ذلك مذهب بالذهب والجوهر إلى خالد بن الوليد، فأخذ منه خالد طائفةً، ونفله بقيته، فقلت: يا خالد، ما هذا؟ أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل القاتل السلب كله، قال بلى، ولكني استكثرته فقلت: إني والله لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عوف: فلما قدمنا على

(1)

قال في الكشف مختصر المغاني:3/ 547: محمد بن عبد الرحمن الهروي عن دحيم لا أعرفه، وفي ن ج وشرح المشكل "الرحيم" وهو خطأ.

(2)

في ن "وافقهم".

(3)

في ن "يفري".

ص: 41

رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته خبره، فدعاه وأمره أن يدفع إلى المددي بقية سلبه، فولى خالد ليفعل، فقلت: كيف رأيت يا خالد؟ أو لم أوف لك بما وعدتك؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا خالد لا تعطه وأقبل علي، فقال:"هل أنتم تاركو أمرائي؟ لكم صفوة أمره، وعليهم كدره"

(1)

.

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أمر خالداً بدفع بقية السلب إلى المددي، فلما تكلم عوف بما تكلم به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدًا أن لا يدفعه إليه، فدل ذلك على أن السلب لم يكن واجباً للمددي بقتله الذي كان ذلك السلب عليه، لأنه لو كان واجبًا له بذلك إذًا لما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه بكلام كان من غيره، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالدًا بدفعه إليه، وله دفعه إليه، وأمره بعد ذلك بمنعه منه، وله منعه منه، كقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأبي طلحة في حديث البراء بن مالك الذي قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب: إنا كنا لا نخمس الأسلاب، وإن سلب البراء قد بلغ مالا عظيمًا، ولا أرانا إلا خامسيه، قال: فخمسه.

فأخبر عمر أنهم كانوا لا يخمسون الأسلاب ولهم أن يخمسوها، وأن تركهم خمسها، إنما كان بتركهم ذلك لا لأن الأسلاب قد وجبت للقاتلين كما يجب لهم سهمانهم من الغنيمة.

(1)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه (4833).

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4787) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أبو عوانة (6651، 6653)، والطبراني 18/ 92، والبيهقي 6/ 310 من طريق الوليد بن مسلم، عن ثور به.

ص: 42

فكذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك من أمره خالدًا بما أمره به، ومن نهيه إياه بعد ذلك عما نهاه عنه إنما أمره بما له أن يأمر به، ثم نهاه عما له أن ينهاه عنه وفيما ذكرنا دليل صحيح أن السلب لا يجب للقاتلين من هذه الجهة.

4850 -

حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن زكريا، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا، فذهب شبان الرجال، وجلست الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت القسمة جاءت الشبان يطلبون نفلهم، فقالت الشيوخ لا تستأثروا علينا، فإنا كنا تحت الرايات، ولو انهزمتم كنا ردءًا لكم، فأنزل الله عز وجل {يَسْألُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ} [الأنفال: 1] فقرأ حتى بلغ {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] يقول: "أطيعوني في هذا الأمر كما رأيتم عاقبة أمري حيث خرجتم وأنتم كارهون"، فقسم بينهم بالسواء

(1)

.

ففي هذا الحديث منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبان ما كان جعله لهم. ففي هذا الحديث دليل على أن الأسلاب لا تجب للقاتلين، ولولا ذلك لما منعهم منها، ولا أعطاهم أسلاب من استأثروا نفله دون من سواهم ممن تخلف عنهم.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (2739)، والبيهقي 6/ 292 من طريق يحيى بن أبي زائدة به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 356، وأبو داود (2737)، والنسائي في الكبرى (11133)، وابن حبان (5093) من طرق عن داود بن أبي هند به.

ص: 43

فإن قال قائل: فما وجه منعه الله صلى الله عليه وسلم إياهم ما كان جعله لهم؟.

قيل له: لأن ما كان جعله لهم، فإنما كان لأن يفعلوا ما هو صلاح لسائر المسلمين، وليس من صلاح المسلمين تركهم الرايات والخروج عنها، وإضاعة الحافظين لها، فلما خرجوا عن ذلك كانوا قد خرجوا عن المعنى الذي به يستحقون ما جعل لهم، فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منه لذلك، والله تعالى أعلم.

ص: 44

‌7 - باب: سهم ذوي القربي

4851 -

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أثر الرحى في يدها وبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه سبي، فأتته تسأله خادمًا، فلم تلقه، ولقيتها عائشة، فأخبرتها الحديث فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك قال: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم فقال:"مكانكما"، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال:"ألا أدلكما على خير مما سألتما تكبرا الله أربعًا وثلاثين وتسبحا ثلاثًا وثلاثين، وتحمدا ثلاثًا وثلاثين، إذا أخذتما مضاجعكما، فإنه خير لكما من خادم"

(1)

.

4852 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه أنه قال لفاطمة ذات يوم: قد جاء الله أباك بسعة ورقيق فأتيه فاستخدميه فأتته، فذكرت ذلك له، فقال: "والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعها وأنفق عليهم، ألا أدلكما على خير مما سألتها؟ علمنيه جبرائيل عليه السلام كبرا في دبر كل صلاة عشرًا، وسبحا

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4098) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (93)، وابن أبي شيبة 10/ 263، وأحمد (740)، والبخاري (3113، 5361، 6318)، ومسلم (2727)، وأبو داود (5062)، وابن حبان (5524)، والبيهقي 7/ 293 من طرق عن شعبة به.

ص: 45

عشرًا، واحمدا عشرًا، وإذا آويتما إلى فراشكما .... " ثم ذكر مثل ما في حديث سليمان

(1)

.

4853 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني عياش بن عقبة، قال: حدثني الفضل بن حسن بن عمرو، عن ابن أم الحكم، أن أمه، حدثته أنها ذهبت هي وأختها

(2)

حتى دخلتا على فاطمة، فخرجن جميعًا، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقبل من بعض مغازيه ومعه رقيق، فسألته أن يخدمهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقكن يتامى أهل بدر

(3)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(4)

إلى أن ذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سهم لهم من

(1)

إسناده حسن، حماد -هو ابن سلمة- روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط وبعده وقد توبع.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4099) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 25، وأحمد (838) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة به.

وأخرجه الحميدي (44)، وابن أبي شيبة 10/ 232 - 233، والنسائي في المجتبى 6/ 135، وفي الكبرى (5546)، وابن ماجه (4152)، وابن حبان (6947)، والبزار (757) من طرق عن عطاء به.

(2)

في الأصول "أمها"، والمثبت من ن وهي ضباعة بنت الزبير.

(3)

إسناده ضعيف لجهالة ابن أم الحكم.

وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3474)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7898)، والطبراني 25/ 172 (422) من طرق عن زيد بن الحباب به.

وأخرجه أبو داود (2987)، والمزي في تهذيب الكمال في ترجمة عبد الله بن وهب من طريق عبد الله بن وهب، عن عياش، عن المفضل به، وليس عند الطبراني ذكر أختها وفاطمة".

(4)

قلت: أراد بهم الحسن بن محمد بن الحنفية، والحسن البصري، ومحمد بن إسحاق، وآخرين رحمهم الله، كما في النخب 17/ 281.

ص: 46

الخمس معلوم، ولا حظ لهم منه خلاف حظ غيرهم.

قالوا: وإنما جعل الله عز وجل لهم ما جعل من ذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] وبقوله {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين} [الحشر: 7] لحال فقرهم وحاجتهم، فأدخلهم مع الفقراء والمساكين فكما يخرج الفقير واليتيم والمسكين من ذلك لخروجهم من المعنى الذي به استحقوا ما استحقوا من ذلك، فكذلك ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المضمومون معهم إنما كانوا ضموا معهم لفقرهم، فإذا استغنوا خرجوا من ذلك.

وقالوا لو كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حظ لكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، إذ كانت أقربهم إليه نسبًا، وأمسهم به رحمًا، فلم يجعل لها حظا في السبي الذي ذكرنا، ولم يخدمها منه خادمًا ولكنه وكلها إلى ذكر الله عز وجل؛ لأن ما تأخذ من ذلك، إنما حكمها فيه حكم المسكين فيما يأخذ من الصدقة، فرأى أن تركها ذلك والإقبال على ذكر الله عز وجل وتسبيحه وتهليله خير لها من ذلك وأفضل.

وقد قسم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الخمس، فلم يريا القرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حقا خلاف حق سائر المسلمين، فثبت بذلك أن هذا هو الحكم عندهما، وثبت أنه لم ينكره عليهما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخالفهما فيه أن ذلك كان رأيهم فيه أيضًا.

ص: 47

وإذا ثبت الإجماع في ذلك من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت القول به ووجب العمل به، وترك خلافه، ثم هذا علي رضي الله عنه، لما صار الأمر إليه حمل الناس على ذلك أيضًا. وذكروا في ذلك ما

4854 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن محمد بن إسحاق، قال: سألت أبا جعفر فقلت: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث ولي العراق وما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى؟ قال: سلك به والله سبيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقلت: وكيف وأنتم تقولون ما تقولون؟ قال: أم والله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه، قلت: فما منعه؟ قال: كره والله أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

(1)

.

فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قد أجراه على ما كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أجرياه عليه؛ لأنَّه رأى ذلك عدلًا، ولو كان رأيه خلاف ذلك مع علمه ودينه وفضله إذًا لرده إلى ما رأى. واحتجوا في ذلك أيضًا بما

4855 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن بن محمد بن علي عن قول الله عز وجل

(1)

إسناده مرسل، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم قال أبو زرعة: محمد بن علي بن الحسين عن علي مرسل، وقال: سمعت أبا زرعة يقول: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يدرك هو ولا أبوه علياء المراسيل (ص 185 - 186).

وأخرجه البيهقي 6/ 343 من طريقين عن ابن إسحاق به.

ص: 48

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فقال: أما قوله: "فأن الله خمسه" فهو مفتاح كلام الله الدنيا والآخرة، للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين

(1)

.

واختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائل منهم: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة.

وقال قائل: سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده، ثم اجتمع رأيهم أن جعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، عز وجل، فكان ذلك في إمارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال: أفلا ترى أن ذلك مما قد اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه راجع إلى الكراع والسلاح الذي يكون عدةً للمسلمين لقتال عدوهم، ولو كان ذلك لذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما منعوا منه، ولا صرف إلى غيرهم، ولا خفي ذلك على الحسن بن محمد مع علمه في أهله، وتقدمه فيهم، وقد قال ذلك أيضًا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في جوابه لنجدة لما كتب إليه يسأله عن سهم ذوي القربى. وذكروا في ذلك ما

4856 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، قال حدثني عمي جويرية بن أسماء، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب أن يزيد بن هرمز حدثه، أن نجدة

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (9482)، وابن أبي شيبة (33451)، وابن أبي حاتم في التفسير 5/ 1702، والقاسم بن سلام في الأموال (39)، وابن زنجويه في الأموال (1247)، والنسائي 7/ 133، والحاكم 2/ 140، والبيهقي 6/ 338 من طرق عن سفيان الثوري به.

ص: 49

صاحب اليمامة كتب إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربي، فكتب إليه ابن عباس: إنه لنا، وقد كان دعانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لننكح منه أيمنا، ونقضي منه عن غارمنا، فأبينا إلا أن يسلمه لنا كله، ورأينا أنه لنا

(1)

.

4857 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت قيسًا يحدث، عن يزيد بن هرمز، قال: كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذوي القربي الذي ذكر الله وفرض لهم، فكتب إليه وأنا شاهد: كنا نرى أنهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى ذلك علينا قومنا

(2)

.

فهذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يخبر أن قومهم أبوا عليهم أن يكون لهم، ولم يظلم من أبى ذلك عليه.

فدل أن ما أريد في ذلك بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما ذكرنا من الفقر والحاجة، فهذه حجج من ذهب إلى أن ذوي القربى لا سهم لهم من الخمس، وأن ذلك لم يكن لهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعده.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو عوانة (6894) من طريق مالك به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1812) من طريق وهب به.

وأخرجه الدارمي (2471)، وأحمد (2235)، ومسلم (1812)(140)، وابن الجارود (1086)، والطبراني (10830)، والبيهقي 6/ 332 من طرق عن جرير بن حازم به.

ص: 50

وقد خالفهم في ذلك آخرون

(1)

، فقالوا: قد كان لهم سهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خمس الخمس، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضعه فيمن شاء منهم. وذكروا في ذلك ما

4858 -

حدثنا محمد بن بحر بن مطر، وعلي بن شيبة البغداديان، قالا: ثنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربي، أعطى بني هاشم وبني المطلب ولم يعط بني أمية شيئًا، فأتيت أنا وعثمان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم فضلهم الله بك، فما بالنا وبني المطلب؟ وإنما نحن وهم في النسب شيء واحد فقال:"إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية ولا في الإسلام"

(2)

.

قالوا: فلما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك السهم بعض القرابة، وحرم من قرابته منه

(1)

قلت: أراد بهم: سعيد بن المسيب، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وزفر، وأحمد في رواية، وبعض المالكية رحمهم الله، كما في النخب 17/ 291.

(2)

إسناده حسن، محمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث عند الطبري والبيهقي.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (798) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (16741)، وأبو عبيد في الأموال (842)، والنسائي في المجتبى 7/ 130 - 131، والفاكهي (2406)، وأبو يعلى (7399)، والطبراني في الكبير (1591) من طريق يزيد بن هارون به.

وأخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 20) مختصرا، والشافعي في مسنده 2/ 126، وابن أبي شيبة 14/ 460، 461، وأبو داود (2980)، والطبري في تفسيره (16119)، والطبراني في الكبير (1592)، والبيهقي في السنن 341/ 6 من طرق عن ابن إسحاق به.

ص: 51

كقرابتهم، ثبت بذلك أن الله عز وجل لم يرد بما جعل لذوي القربى كل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد به خاصا منهم، وجعل الرأي في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه فيمن شاء منهم، وإذا مات فانقطع رأيه انقطع ما جعل لهم من ذلك، كما قد جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصطفي من المغنم لنفسه سهم الصفي، فكان ذلك له ما كان حيا يختار لنفسه من المغنم ما شاء، فلما مات انقطع ذلك.

وممن ذهب إلى هذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمد، رحمهم الله وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

، فقالوا: بل ذوي القربى الذين جعل الله لهم من ذلك ما جعل هم: بنو هاشم، وبنو المطلب، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاهم من ذلك بجعل الله عز وجل ذلك لهم، ولم يكن له حينئذ أن يعطي غيرهم من بني أمية وبني نوفل؛ لأنهم لم يدخلوا في الآية، وإنما دخل فيها من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم، وبنو المطلب خاصةً.

فلما اختلفوا في هذا الاختلاف، فذهب كل فريق إلى ما ذكرنا، واحتج لقوله بما وصفنا وجب أن نكشف كل فريق منها، وما ذكرنا من حجة قائله لنستخرج من هذه الأقاويل قولًا صحيحًا.

فنظرنا في ذلك، فابتدأنا بقول الذين نفوا أن يكون لهم في الآية شيء بحق

(1)

قلت: أراد بهم طائفة من أهل الحديث، منهم: أحمد بن حنبل في رواية، وإسحاق، وأبو عبيد رحمهم الله، كما في النخب 17/ 295.

ص: 52

القرابة، وإنما جعل لهم منها ما جعل لحاجتهم وفقرهم كما جعل للمسكين واليتيم فيها ما جعل لحاجتهما وفقرهما، فإذا ارتفع الفقر عنهم جميعًا ارتفعت حقوقهم من ذلك، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قسم سهم ذوي القربى حين قسمه فأعطى بني هاشم، وبني المطلب، وعمهم جميعًا، وقد كان فيهم الغني والفقير.

فثبت بذلك أنه لو كان ما جعل لهم في ذلك، هو لعلة الفقر، لا لعلة القرابة، إذا لما دخل أغنياؤهم مع فقرائهم فيما جعل لهم من ذلك، ولقصد إلى الفقراء منهم دون الأغنياء، فأعطاهم كما فعل في اليتامى، فلما أدخل أغنياءهم وفقرائهم ثبت بذلك أنه قصد بذلك إلى أعيان القرابة لعلة قرابتهم، لا لعلة فقرهم.

وأما ما ذكروا من حديث فاطمة رضي الله عنها حيث سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخدمها خادمًا من السبي الذي كان قدم عليه فلم يفعل، ووكلها إلى ذكر الله عز وجل، والتسبيح فهذا ليس فيه عندنا دليل لهم على ما ذكروا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لها عندما سألته: لا حق لك فيه، ولو كان ذلك كذلك، لبين لها كما بينه للفضل بن العباس وربيعة ابن الحارث حين سألا أن يستعملها على الصدقة ليصيبا منها، فقال لهما: إنما هي أوساخ الناس، وأنها لا تحل لمحمد، ولا لأحد من أهل بيته.

وقد يجوز أيضًا أن يكون لم يعطها الخادم حينئذ؛ لأنَّه لم يكن قسم، فلما قسم أعطاها حقها من ذلك، وأعطى غيرها أيضًا حقه، فيكون تركه إعطاءها إنما كان لأنَّه لم يقسم، ودلها على تسبيح الله، وتحميده وتهليله الذي يرجو لها به الفوز من الله تعالى،

ص: 53

والزلفى عنده، وقد يجوز أن يكون قد منعها من ذلك بعدما قسم، ولا نعلم في الآثار ما يدفع شيئًا من ذلك.

وقد يجوز أن يكون منعها لأنها ليست قرابةً، ولكنها أقرب من القرابة؛ لأن الولد لا يقال هو من قرابة أبيه، إنما يقال ذلك لمن غيره أقرب إليه منه، ألا ترى إلى قول الله عز وجل:{قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} ، فجعل الوالدين غير الأقربين؛ لأنهم أقرب من الأقربين، فكما كان الوالد يخرج من قرابة ولده فكذلك الولد يخرج من قرابة والده.

وقد قال محمد بن الحسن رحمه الله، نحوا مما ذكرنا في رجل قال: قد أوصيت بثلث مالي لقرابة فلان أن والديه وولده لا يدخلون في ذلك؛ لأنهم أقرب من القرابة، وليسوا بقرابة، واعتل في ذلك بهذه الآية التي ذكرنا.

فهذا وجه آخر، فارتفع بما ذكرنا أن يكون لهم أيضًا بحديث فاطمة رضي الله عنها هذا حجة في نفي سهم ذوي القربى، وأما ما احتجوا به من فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكروا ذلك عليهما، فإن هذا مما يتبع فيه اجتهاد الرأي، فرأيا هما ذلك واجتهدا، فكان ما أداهما إليه اجتهادهما هو ما رأيا في ذلك فحكما به، وهو الذي كان عليهما، وهما في ذلك مثابان مأجوران.

وأما قولهم: ولم ينكر ذلك عليهما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يجوز أن ينكر ذلك عليهما أحد، وهما إماما عدل، رأيا رأيًا فحكما به، وفعلا في ذلك الذي كلفا

ص: 54

ولكن قد رأى في ذلك غيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما رأيا، فلم يعنفوهما فيما حكما به من ذلك، إذ كان الرأي في ذلك واسعًا، والاجتهاد للناس جميعًا، فأدى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما رأيهما في ذلك إلى ما رأيا وحكما، وأدى غيرهما ممن خالفها اجتهاده في ذلك إلى ما رآه، وكل مشكور وكل مأجور في اجتهاده في ذلك، مثاب مؤد للفرض الذي عليه، ولم ينكر بعضهم على بعض قوله؛ لأن ما خالفه إليه هو الرأي، والذي قاله مخالفه هو رأي أيضًا، ولا توقيف مع واحد منهما لقوله، من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع.

والدليل على أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، قد كانا خولفا فيما رأيا من ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما: قد كنا نرى أنا نحن هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى ذلك علينا قومنا، فأخبر أنهم رأوا في ذلك رأيًا، أباه عليهم قومهم، وأن عمر رضي الله عنه دعاهم إلى أن يزوج منه أيمهم ويكسو منه عاريهم، قال: فأبينا عليه إلا أن يسلمه لنا كله، فدل ذلك أنهم قد كانوا على هذا القول في خلافة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما، وأنهم لم يكونوا نزعوا عما كانوا رأوا من ذلك لرأي أبي بكر، ولرأي عمر رضي الله تعالى عنهما فدل ما ذكرنا أن حكم ذلك كان عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعند سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كحكم الأشياء التي يختلف فيها الذي يتسع فيها اجتهاد الرأي.

وأما قولهم: ثم أفضي الأمر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلم يغير شيئًا من ذلك عما كان وضعه عليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، قالوا: فذلك دليل على أنه

ص: 55

قد كان رأى في ذلك أيضًا مثل الذي رأيا، فليس ذلك كما ذكروا؛ لأنَّه لم يكن بقي في يد علي رضي الله عنه ما كان وقع في يد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من ذلك شيء؛ لأنهما لما وقع في أيديهما أنفداه في وجوهه التي رأياها في ذلك الذي كان عليهما.

ثم أفضي الأمر إلى علي رضي الله تعالى عنه، فلم يعلم أنه سبي أحدًا ولا ظهر على أحد من العدو، ولا غنم غنيمةً يجب فيها خمس الله عز وجل؛ لأنَّه إنما كان شغله في خلافته كلها بقتال من خالفه ممن لا يسبى ولا يغنم، وإنما يحتج بقول علي رضي الله عنه في ذلك لو سبى وغنم، ففعل في خمس ذلك مثل ما كان أبو بكر وعمر فعلا في الأخماس، فأما إذا لم يكن سبى ولا غنم، فلا حجة لأحد في تركه تغيير ما كان فعل قبله من ذلك، ولو كان بقي في يده من ذلك شيء، مما كان غنمه من كان قبله، فحرمه ذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في ذلك أيضًا حجة تدل على مذهبه في ذلك كيف كان؟ لأن ذلك إنما صار إليه بعدما نفذ فيه الحكم من الإمام الذي كان قبله، فلم يكن له إبطال ذلك الحكم، وإن كان هو يرى خلافه؛ لأن ذلك الحكم مما يختلف فيه العلماء، ولو كان علي رضي الله عنه رأى في ذلك ما كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رأياه لكان في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قد خالفه لقول ابن عباس رضي الله عنهما: كنا نرى أنا نحن هم، فأبى ذلك علينا قومنا.

وهذه جوابات الحجج التي احتج بها الذين نفوا سهم ذوي القربى وذوي القرابة أن يكون واجبًا لهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في حياته، وأنهم كانوا في ذلك كسائر الفقراء فبطل هذا المذهب، وثبت أحد المذاهب الآخر.

ص: 56

فأردنا أن ننظر في قول من جعله لقرابة الخليفة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده هل لذلك وجه؟ فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان فضل بسهم الصفي وبخمس الخمس، وجعل له مع ذلك في الغنيمة سهم كسهم رجل من المسلمين.

ثم رأيناهم قد أجمعوا أن سهم الصفي ليس لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأن حكم رسول الله في ذلك بخلاف حكم الإمام من بعده، فثبت بذلك أيضًا أن حكمه في خمس الخمس خلاف حكم الإمام من بعده، وإذا ثبت أن حكمه فيما وصفناه خلاف حكم الإمام من بعده، ثبت بذلك أن حكم قرابته خلاف حكم قرابة الإمام من بعده، فثبت أحد القولين من الآخرين.

فنظرنا في ذلك فإذا الله عز وجل قد قال {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] فكان سهم الرسول جاريًا له ما كان حيا إلى أن مات، وانقطع بموته، وكان سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما كان قبل ذلك.

ثم اختلفوا في سهم ذوي القربى، فقال قوم: هو لهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان لهم في حياته.

وقال قوم: قد انقطع عنهم بموته، وكان الله عز وجل قد جمع كل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:"ولذي القربى"، فلم يخص أحدا منهم دون أحد، ثم قسم ذلك النبي

ص: 57

صلى الله عليه وسلم، فأعطى منهم بني هاشم وبني المطلب خاصةً، وحرم بني أمية، وبني نوفل وقد كانوا محصورين معدودين، وفيمن أعطى الغني والفقير، وفيمن حرم كذلك.

فثبت أن ذلك السهم كان للنبي صلى الله عليه وسلم، يجعله في أي قرابته شاء، فصار بذلك حكمه حكم سهمه الذي كان يصطفيه لنفسه فلما كان ذلك مرتفعًا بوفاته غير واجب لأحد من بعده، كان هذا أيضًا كذلك مرتفعًا بوفاته، غير واجب لأحد من بعده.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله.

ص: 58

‌8 - باب النفل بعد الفراغ من قتال العدو، وإحراز الغنيمة

4859 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم عن ثور بن يزيد، عن سليمان ابن موسى، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في بدأته

(1)

الربع، وفي رجعته

(2)

الثلث

(3)

.

فذهب قوم

(4)

إلى أن الإمام له أن ينفل من الغنيمة ما أحب بعد إحرازه إياها قبل أن يقسمها كما كان له قبل ذلك، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

وخالفهم في ذلك آخرون

(5)

، فقالوا: ليس للإمام أن ينفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس، فأما من غير الخمس فلا؛ لأن ذلك قد ملكته المقاتلة، فلا سبيل للإمام عليه

(1)

أي: ابتداء الغزو.

(2)

أي: القفول عنه.

(3)

إسناده منقطع، رواية سليمان بن موسى عن زياد مرسلة، وجاء في حاشية المطبوع من تهذيب الكمال 9/ 440 في ترجمة زياد بن جارية ما نصه: جاء في حواشي النسخ من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال، ذكر في الرواة عنه سليمان بن موسى وإنما يروي عن مكحول عنه وروايته عنه مرسلة.

وأخرجه أحمد (17469) من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى به.

وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (849، 850)، والطبراني في الكبير (3530)، وفي مسند الشاميين (324، 325)، والبيهقي 6/ 313 من طرق عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن زياد بن جارية به.

(4)

قلت: أراد بهم: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 17/ 311.

(5)

قلت: أراد بهم النخعي، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا رحمهم الله، كما في النخب 17/ 313.

ص: 59

وقالوا: قد يحتمل أن يكون ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفله في الرجعة هو ثلث الخمس بعد الربع الذي كان نفله في البدأة، فلا يخرج مما قلنا.

فقال لهم الآخرون: إن الحديث إنما جاء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث، فلما كان الربع الذي كان ينفله في البدأة، إنما هو الربع قبل الخمس، فكذلك الثلث الذي كان ينفله في الرجعة، هو الثلث أيضًا قبل الخمس، وإلا لم يكن لذكر الثلث معنًى.

قيل لهم بل له معنًى صحيح، وذلك أن المذكور من نفله في البدأة هو الربع، مما يجوز له النفل منه، فكذلك نفله في الرجعة هو الثلث مما يجوز له النفل منه وهو الخمس.

فقال أهل المقالة الأولى: فقد روي حديث حبيب هذا بلفظ يدل على معنى ما قلنا. فذكروا ما.

4860 -

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس

(1)

.

4861 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن يزيد بن جابر، عن

(1)

إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان.

وأخرجه ابن أبي الجعد (3400)، والحاكم 3/ 389، وابن عدي في الكامل 4/ 1592، والطبراني في الكبير (3526) وفي الشاميين (202، 3548) من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه به.

ص: 60

مكحول، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الثلث بعد الخمس

(1)

(2)

.

4862 -

حدثنا فهد، وعلي بن عبد الرحمن، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في الغزو الربع بعد الخمس، وينفل إذا قفل الثلث بعد الخمس

(3)

(4)

.

قالوا: فدل ما ذكرنا أن ذلك الثلث الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل له في الرجعة، هو الثلث بعد الخمس. قيل لهم قد يحتمل هذا أيضًا ما ذكرنا.

واحتجوا في ذلك أيضًا بما

(1)

في الأصول هكذا، وفي "كان ينفل في الغزو الربع بعد الخمس، وينفل إذا قفل الثلث بعد الخمس".

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 457، وأحمد (17462)، والدارمي (2483)، وأبو داود (2748)، وابن ماجه (2851)، والحاكم 2/ 133، والطبراني في الكبير (3519)، وفي الشاميين (628)، والبيهقي 6/ 314 من طرق عن سفيان الثوري به.

(3)

في د هكذا وفي س م ن "كان ينفل في الغزو الربع بعد الخمس".

(4)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الله بن صالح.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (1176)، وأحمد (17465)، وأبو داود (2749)، والطبراني في الكبير (3525)، وفي مسند الشاميين (1518، 3551)، والبيهقي 6/ 314 من طرق عن معاوية بن صالح به.

ص: 61

4863 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان بن موسى عن مكحول، عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفلهم إذا خرجوا بادين الربع، وينفلهم إذا قفلوا الثلث

(1)

.

قيل لهم: وهذا الحديث أيضًا فقد يحتمل ما احتمله حديث حبيب بن مسلمة رضي عنه الذي أرسله أكثر الناس عن رضي مكحول أنه كان ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث.

وقد يجوز أيضًا أن يكون عبادة رضي الله عنه عني بقوله "وينفلهم إذا قفلوا الثلث"، فيكون ذلك على قفول من قتال إلى قتال، فإذا كان ذلك كذلك، وكان الثلث المنفل هو الثلث قبل الخمس فذلك جائز عندنا أيضًا.

لأنَّه يتوخى بذلك صلاح القوم، وتحريضهم على قتال عدوهم، فأما إذا كان القتال قد ارتفع، فلا يجوز النفل؛ لأنَّه لا منفعة للمسلمين في ذلك.

واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضًا بما

(1)

إسناده حسن في المتابعات من أجل ابن أبي الزناد.

وأخرجه أحمد (22726)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1865)، والطبري في التفسير 9/ 172، والشاشي (1176)، وابن حبان (4855)، والطبراني في الشاميين (3583)، والحاكم 2/ 135 - 136، والبيهقي 6/ 315 من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث به.

ص: 62

4864 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي،

قالا: ثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: لما قربنا من

المشركين أمرنا أبو بكر رضي الله عنه فشننا الغارة عليهم، فنفلني أبو بكر رضي الله عنه

امرأةً من فزارة أتيت بها من الغارة، فقدمت بها المدينة فاستوهبها مني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوهبتها له، فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففادى بها أناسًا من المسلمين

(1)

.

وكان من الحجة للآخرين عليهم أنه لم يذكر في ذلك الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه كان نفل سلمة قبل انقطاع الحرب أو بعد انقطاعها، فلا حجة في ذلك. واحتجوا لقولهم أيضًا بما

4865 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريةً فيها ابن عمر فغنموا غنائم كثيرةً، فكانت غنائمهم لكل إنسان اثني عشر

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3917) من طريق إبراهيم بن مرزوق، عن عبيد الله بن عبد المجيد، عن عكرمة به.

وأخرجه أحمد (16502)، ومسلم (1755)، والنسائي في الكبرى (8665)، وابن ماجه (2846)، وأبو عوانة 4/ 127، 129، 130، وابن حبان (4860)، والطبراني في الكبير (6237، 6238)، والحاكم 3/ 36، والبيهقي 9/ 129 من طرق عن عكرمة بن عمار به.

ص: 63

بعيرًا، ونفل كل إنسان منهم بعيرًا بعيراً سوى ذلك

(1)

.

قالوا: فهذا ابن عمر رضي الله عنهما يخبر أنهم قد نفلوا بعد سهامهم بعيرًا بعيرًا، فلم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل لهم: ما لكم في هذا الحديث من حجة، ولهو إلى الحجة عليكم أقرب منه إلى الحجة لكم؛ لأنَّه فيه فبلغت سهامهم اثني عشر بعيرًا، ونفلوا بعيرًا بعيرًا.

ففي ذلك دليل أن ما نفلوا منه ما نفلوا من ذلك، كان من غير ما كانت فيه سهمانهم وهو الخمس، فلا حجة لكم بهذا الحديث من النفل من غير الخمس، فلما لم يكن في شيء مما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم من الآثار ما يجب به ما قالوا أردنا أن ننظر فيما احتج به أهل المقالة الأخرى لقولهم من الآثار أيضًا، فنظرنا في ذلك

4866 -

فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان بن موسى عن مكحول، عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم حنين وبرةً

(2)

من جنب بعير، ثم قال:"يا أيها الناس، إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم، فأدوا الخيط والمخيط" قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه سعيد بن منصور (2704)، وابن أبي شيبة 14/ 456، وأحمد (5180)، ومسلم (1749)(37)، وأبو داود (2745)، وأبو عوانة 4/ 105، والطبراني في الكبير (13426)، والبيهقي في السنن 6/ 339 من طرق عن عبيد الله به.

(2)

وبرة بالفتحات، قال الجوهري: الوبر للبعير بالتحريك، والواحدة الوبرة.

ص: 64

الأنفال، وقال:"ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم"

(1)

.

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس".

فدل ذلك أن ما سوى الخمس من الغنائم للمقاتلة، لا حكم للإمام في ذلك، ثم كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال، وقال:"ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم" أي: لا يفضل أحد من أقوياء المؤمنين مما أفاء الله عليهم لقوته على ضعيفهم لضعفه، ويستوون في ذلك.

واستحال أيضًا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نفال من الأنفال ما كان يكره، فكان النفل الذي ليس بمكروه هو النفل الذي من الخمس، فثبت بذلك أن ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله مما رواه عبادة عنه في هذا الحديث، هو من الخمس.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا ما يدل على صحة هذا المذهب.

4867 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سهل بن بكار، قال: ثنا أبو عوانة، عن عاصم بن كليب، عن أبي الجويرية، عن معن بن يزيد السلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول "لا نفل إلا بعد الخمس"

(2)

.

(1)

إسناده حسن في المتابعات من أجل ابن أبي الزناد.

وأخرجه أحمد (22718)، والنسائي 7/ 131، والبيهقي 6/ 303 من طرق عن عبد الرحمن بن عياش به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (15862)، وأبو داود (2754)، والطبراني في الكبير 19/ (1073)، والبيهقي في السنن 6/ 314 من طرق عن أبي عوانة به.

وأخرجه أبو داود (2753)، والخطيب في تاريخ بغداد 5/ 150 من طريقين عن عاصم بن كليب به.

ص: 65

ومعنى قوله: إلا بعد الخمس -عندنا، والله أعلم- أي: حتى يقسم الخمس، فإذا قسم الخمس انفرد حق المقاتلة، وهو أربعة أخماس، فكان ذلك النفل الذي ينفله الإمام من بعد أن آثر به أن يفعل ذلك من الخمس، لا من أربعة الأخماس التي هي حق المقاتلة. أي: وقد دل على ذلك أيضًا ما

4868 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان مع عبيد الله بن أبي بكرة في غزاة غزاها، فأصابوا سبيًا، فأراد عبيد الله أن يعطي أنسًا من السبي قبل أن يقسم، فقال أنس: لا، ولكن اقسم، ثم أعطني من الخمس قال: فقال عبيد الله: لا، إلا من جميع الغنائم، فأبى أنس أن يقبل منه، وأبي عبيد الله أن يعطيه من الخمس شيئا

(1)

.

4869 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم عن كهمس بن الحسن، عن محمد بن سيرين، عن أنس رضي الله عنه نحوه

(2)

.

فهذا أنس رضي الله تعالى عنه، لم يقبل النفل إلا من الخمس. وقد روي مثل

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه البيهقي 6/ 340 عن الحسن بن الربيع، عن عبد الله بن المبارك به.

وأخرجه عبد الرزاق (9312) عن معمر به.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33292) من طريق أبي أسامة، عن ابن عون، عن محمد به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33296) من طريق عبد الله بن إدريس، عن كهمس به.

ص: 66

ذلك أيضًا عن جبلة بن عمرو.

4870 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار أنهم كانوا مع معاوية بن حديج في غزوة المغرب، فنفل الناس ومعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يردوا ذلك غير جبلة بن عمرو

(1)

.

4871 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، قال: سألت سليمان بن يسار عن النفل في الغزو، فقال: لم أر أحدًا صنعه غير أن ابن حديج، نفلنا بإفريقية النصف بعد الخمس، ومعنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من المهاجرين الأولين أناس كثير، فأبى جبلة بن عمرو أن يأخذ منها شيئًا

(2)

.

فإن قال قائل: ففي هذا الحديث أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى جبلة بن عمرو قد قبلوا.

قيل له: قد صدقت، ونحن فلم ننكر أن الناس قد اختلفوا في ذلك، فمنهم من

(1)

إسناده حسن، رواية عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة كانت قبل احتراق كتبه.

وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2700) من طريق عمرو بن الحارث، عن بكير به.

(2)

إسناده حسن كسابقه.

وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (1606) من طريق ثعلبة الحمراوي، عن خالد بن أبي عمران به.

ص: 67

أجاز للإمام النفل قبل الخمس، ومنهم من لم يجزه، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا في ذلك مختلفين، وإنما أردنا بما روينا عن أنس وجبلة رضي الله عنهما أن نخبر قولنا هذا قد تقدمنا فيه من ذكرنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائل: فقد روي أيضًا عن سعد بن أبي وقاص في هذا، فذكر

4872 -

ما حدثنا يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يقال له: شبر بن علقمة قال: بارزت رجلًا يوم القادسية فقتلته، فبلغ سلبه اثني عشر ألفًا، فنفلنيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

(1)

.

قيل له: قد يجوز أن يكون سعد نفله ذلك والقتال لم يرتفع، فإن كان كذلك، فهذا قولنا أيضًا، وإن كان إنما نفله بعد ارتفاع القتال، فقد يجوز أن يكون جعل ذلك من الخمس، فإن كان جعله من غير الخمس، فهذا فيه الذي ذكرنا من الاختلاف، فلم يكن في هذا الحديث لأحد الفريقين حجة إذ كان قد يحتمل ما قد صرفه إليه مخالفه ووجب بعد ذلك أن نكشف وجه هذا الباب لنعلم كيف حكمه من طريق النظر.

فكان الأصل في ذلك أن الإمام إذا قال في حال القتال: من قتل قتيلًا فله سلبه، أن ذلك جائز، ولو قال من قتل قتيلًا فله كذا وكذا درهمًا، كان ذلك جائزا أيضًا، ولو قال: من قتل قتيلًا فله عشر ما أصبنا لم يجز ذلك؛ لأن هذا لو جاز جاز أن تكون الغنيمة

(1)

إسناده ضعيف لجهالة شبر بن علقمة.

وأخرجه سعيد بن منصور (2693) عن سفيان، عن الأسود به.

ص: 68

كلها للمقاتلين، فيبطل حق الله تعالى فيها من الخمس، فكان النفل لا يكون قبل القتال إلا فيما أصابه المنفَّل بسيفه، ولا يجوز فيما أصاب غيره إلا أن يكون فيما حكمه حكم الإجارة، فيجوز ذلك كما تجوز الإجارة كقوله: من قتل قتيلًا فله عشرة دراهم، فذلك جائز.

فلما كان ما ذكرنا كذلك، ولم يجز النفل إلا فيما أصاب المنفّل بسيفه، أو فيما جعل له بعمله، ولم يجز أن ينفل مما أصاب غيره، كان النظر على ذلك أيضا أن يكون بعد إحراز الغنيمة أحرى أن لا يجوز أن ينفل مما أصاب غيره.

ففسد بذلك قول من أجاز النفل بعد إحراز الغنيمة، ورجعنا إلى حكم ما أصابه هو، فكان ذلك قبل أن ينفله الإمام إياه قد وجب حق الله تعالى في خمسه، وحق المقاتلة في أربعة أخماسه، فلو أجزنا النفل إذًا لكان حقهم قد بطل بعد وجوبه، وإنما يجوز النفل فيما يدخل في ملك المنفّل من ملك العدو، فأما ما قد زال عن ملك العدو وصار في ملك المسلمين، فلا نفل في ذلك؛ لأنَّه من مال المسلمين.

فثبت بذلك أن لا نفل بعد إحراز الغنيمة على ما قد بينا وفصلنا في هذا الباب، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد، رحمهم الله.

ص: 69

‌9 - باب: المدد يقدمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب بعدما ارتفع القتال قبل قفول العسكر، هل يسهم لهم أم لا؟

4873 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن محمد ابن الوليد الزبيدي، عن ابن شهاب الزهري، أن عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث سعيد بن العاص رضي الله عنه، قال أبو هريرة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما فتحها، وأن حزم خيلهم الليف فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، وقال أبو هريرة، فقلت: لا تقسم لهم شيئًا يا نبي الله قال أبان أنت بهذا يا وبر تحدر [علينا من رأس ضال]

(1)

، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان فلم يقسم لهم شيئًا

(2)

.

قال أبو جعفر فذهب قوم

(3)

إلى أنه لا يسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة.

(1)

أراد بهذه الكلمة تصغير شأنه وتوهين أمره، الوبر بفتح الواو وسكون الباء الموحدة هو: دويبة غبراء على قدر السنور هي من دواب الجبال، تحدر علينا، أي نزل من جبل الضال، والمراد بهذا الكلام تشبيهه بدويبة صغيرة نزلت من رأس جبل تحقيرا له.

(2)

إسناده حسن من أجل إسماعيل بن عياش فهو صدوق في روايته عن أهل بلده وهذه منها.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2906) بإسناده ومتنه.

وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة التمريض (4238) عن محمد بن الوليد الزبيدي به.

وأخرجه سعيد بن منصور (2793)، وأبو داود (2723)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (532، 541،534)، وابن الجارود (1088)، والطبراني في الأوسط (3242)، والبيهقي 6/ 334 من طرق عن إسماعيل بن عياش به.

(3)

قلت: أراد بهم: الليث، والشافعي، ومالكا، وأحمد رحمهم الله، كما في النخب 17/ 340.

ص: 70

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

فقالوا: يقسم لكل من حضر الوقعة، ولمن كان غائبًا عنها في شيء من أسبابها، فمن ذلك من خرج يريدها، فلم يلحق بالإمام حتى ذهب القتال، غير أنه لحق به في دار الحرب قبل خروجه منها قسم له. واحتجوا في ذلك بما

4874 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عيسى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا كليب بن وائل، قال: حدثني هانئ بن قيس، عن حبيب بن أبي مليكة، قال: كنت قاعدًا إلى جنب ابن عمر رضي الله عنه، فأتاه رجل، فقال: هل شهد عثمان بدرًا؟ فقال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:"إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله" فضرب له بسهم، ولم يضرب لأحد غاب يوم بدر غيره

(2)

.

4875 -

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا معاوية بن عمرو الأزدي، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن كليب بن وائل

ثم ذكر بإسناده مثله

(3)

(4)

.

(1)

قلت: أراد بهم: الشعبي، والنخعي، والثوري، والحكم بن عتيبة، والأوزاعي، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا رحمهم الله، كما في النخب 17/ 341.

(2)

إسناده حسن من أجل هاني بن قيس.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5774) بإسناده ومتنه، وقد سقط من مطبوع شرح المشكل عبد الواحد بن زياد.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (8494) من طريق عبد الواحد بن زياد، عن كليب به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 46، 47، وابن حبان (6909) من طريق زائدة بن قدامة، والحاكم 3/ 98 من طريق معتمر بن سليمان كلاهما عن كليب بن وائل به.

(3)

ساقط من الأصول.

(4)

إسناده حسن كسابقه.=

ص: 71

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب لعثمان في غنائم بدر بسهم ولم يحضرها، لأنَّه كان غائبًا في حاجة الله وحاجة رسوله، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن حضرها، فكذلك كل من غاب عن وقعة المسلمين بأهل الحرب بشغل يشغله به الإمام من أمور المسلمين، مثل أن يبعثه إلى شق آخر من دار الحرب لقتال قوم آخرين، فيصيب الإمام غنيمةً بعد مفارقة ذلك الرجل إياه، أو يبعث برجل ممن معه من دار الحرب إلى دار الإسلام ليمده بالسلاح والرجال، فلا يعود ذلك الرجل إلى الإمام حتى يغنم غنيمةً فهو شريك فيها، وهو كمن حضرها.

وكذلك من أرادها فرده الإمام عنها، وشغله بشيء من أمور المسلمين، فهو كمن حضرها، وعلى هذا الوجه -عندنا، والله أعلم- أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان في غنائم بدر، ولولا ذلك لما أسهم له كما لم يسهم لغيره ممن غاب عنها؛ لأن غنائم بدر لو كانت وجبت لمن حضرها دون من غاب عنها إذًا لما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لغيرهم فيها بسهم ولكنها وجبت لمن حضر الوقعة ولكن من بذل نفسه لها فصرفه الإمام عنها وشغله بغيرها من أمور المسلمين كمن حضرها.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فإنما ذلك -عندنا، والله أعلم- على أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه أبان إلى نجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر، فتوجه أبان إلى ذلك، ثم حدث من خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما حدث، فكان ما غاب فيه أبان من ذلك عن

= وأخرجه أبو داود (2726)، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 5 من طريق أبي إسحاق الفزاري به.

ص: 72

حضور خيبر ليس هو شغل شغله النبي صلى الله عليه وسلم عن حضورها بعد إرادته إياه، فيكون كمن حضرها.

فهذان الحديثان أصلان، فكل من أراد الخروج مع الإمام إلى قتال العدو فرده الإمام عن ذلك بأمر آخر من أمور المسلمين، فتشاغل به حتى غنم الإمام غنيمةً فهو كمن حضر مع الإمام يسهم له في الغنيمة كما يسهم لمن حضرها، وكل شيء تشاغل به رجل من شغل نفسه أو شغل المسلمين مما كان دخوله فيه متقدمًا، ثم حدث للإمام قتال العدو، فتوجه له فغنم فلا حق لذلك الرجل في الغنيمة، وهي بين من حضرها وبين من حكمه حكم الحاضر لها. واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضًا، بما

4876 -

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: إن أهل البصرة غزَوْا نُهاوند

(1)

وأمدهم أهل الكوفة فظفروا، فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة، وكان عمار رضي الله عنه على أهل الكوفة، فقال رجل من بني عطارد: أيها الأجدع

(2)

تريد أن تشاركنا في غنائمنا؟ فقال: خير أذني سينبت، قال: فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكتب: عمر: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة

(3)

.

(1)

هي بضم النون: مدينة جنوبي همدان على جبل، وكانت بها وقفة عامة المسلمين في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان فتحها في سنة إحدى وعشرين من الهجرة على يد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(2)

أي: مقطوع الأذان.

(3)

إسناده صحيح.=

ص: 73

قالوا: فهذا عمر رضي الله عنه قد ذهب أيضًا إلى أن الغنيمة لمن شهد الوقعة، فقد وافق هذا قولنا، قيل لهم قد يجوز أن تكون نُهاوَند فتحت وصارت دار الإسلام، وأحرزت الغنائم، وقسمت قبل ورود أهل الكوفة، فإن كان ذلك كذلك، فإنا نحن نقول أيضًا: إنما الغنيمة في ذلك لمن شهد الوقعة، فإن كان جواب عمر رضي الله عنه الذي في هذا الحديث لما كتب به إليه إنما هو لهذا السؤال، فإن ذلك مما لا اختلاف فيه، وإن كان على أن أهل الكوفة لحقوا بهم قبل خروجهم من دار الشرك بعد ارتفاع القتال، فكتب عمر رضي الله عنه: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة.

فإن في ذلك الحديث ما يدل على أن أهل الكوفة قد كانوا طلبوا أن يقسم لهم، وفيهم عمار بن ياسر، ومن كان فيهم غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم ممن يكافأ قولهم بقول عمر رضي الله عنه فلا يكون واحد من القولين أولى من الآخر إلا بدليل يدل عليه، إما من كتاب، وإما من سنة، وإما من نظر صحيح.

فنظرنا في ذلك، فرأينا السرايا المبعوثة من دار الحرب إلى بعض أهل الحرب أنهم إذا غنموا، فهو بينهم وبين سائر أصحابهم، وسواء في ذلك من كان خرج في تلك السرية، ومن لم يخرج؛ لأنهم قد كانوا بذلوا لهم من أنفسهم ما بذل الذين أسروا، فلم يفضل في ذلك بعضهم على بعض، وإن كان ما لقوا من القتال مختلفًا، فالنظر على ذلك

=وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 7/ 352 بإسناده ومتنه.

وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2791) عن عبد الرحمن بن زياد بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن أبي الجعد في مسنده (588)، والطبراني (8203)، والبيهقي في سننه 6/ 335، 9/ 50 من طرق عن شعبة به.

ص: 74

أن يكون كذلك من بذل نفسه بمثل ما بذل به نفسه من حضر الوقعة، فهو في ذلك كمن حضر الوقعة، إذا كان على الشرائط التي ذكرنا في هذا الباب والله أعلم.

ص: 75

‌10 - باب الأرض تفتح كيف ينبغي للإمام أن يفعل فيها؟

4877 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه قال: لولا أن يكون الناس بيَّانا

(1)

ليس لهم شيء، ما فتح الله على قرية إلا قسمتها، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر

(2)

.

4878 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول

فذكر نحوه

(3)

.

قال أبو جعفر فذهب قوم

(4)

إلى أن الإمام إذا فتح أرضًا عنوةً وجب عليه أن يقسمها كما تقسم الغنائم، وليس له احتباسها كما ليس له احتباس سائر الغنائم، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

(1)

ببائين موحدتين، قال ابن الأثير: أي: اتركهم شيئا واحدا؛ لأنَّه إذا قسم البلاد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة ومن يجيئ بعد من المسلمين بغير شيء منها، فلذلك تركها لتكون بينهم جميعهم.

(2)

إسناده حسن من أجل هشام بن سعد.

وأخرجه أحمد (213)، ويحيى بن آدم في الخراج (106)، وأبو يعلى (224) من طريقين عن هشام به.

(3)

إسناده حسن كسابقه.

وأخرجه يحيى بن آدم في الخراج (106)، وأبو يعلى (224) من طريق ابن المبارك به.

وأخرجه حميد بن زنجويه في الأموال (222)، والبخاري (4235)، وأبو داود (3020) من طريق زيد بن أسلم به.

(4)

قلت: أراد بهم طائفة من أهل الحديث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبا عبيد رحمهم الله، كما في النخب 17/ 353.

ص: 76

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

، فقالوا: إن الإمام بالخيار إن شاء خمسها وقسم أربعة أخماسها، وإن شاء تركها أرض خراج ولم يقسمها.

4879 -

حدثنا بذلك محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن أبي حنيفة وسفيان بذلك

(2)

. وهو قول أبي يوسف، ومحمد، رحمهما الله، وكان من الحجة لهم في ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما

4880 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر، ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم

(3)

.

4881 -

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر عامل أهل خيبر بشطر ما

(1)

قلت: أراد بهم: سفيان الثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وزفر، وأحمد في رواية رحمهم الله، كما في النخب 17/ 354.

(2)

إسناده صحيح.

(3)

إسناده ضعيف لعنعنة حجاج بن أرطاة وهو مدلس وقد توبع.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2676) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (2255)، وابن ماجه (2468)، وأبو يعلى (1341)، والدارقطني 3/ 37، 38 من طريق هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم به.

وأخرجه أبو داود (3410)، والطبراني (12062)، والبيهقي 6/ 114 - 115 من طرق عن جعفر بن برقان، عن ميمون ابن مهران عن مقسم به.

ص: 77

خرج من الزرع

(1)

.

4882 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عون الزيادي، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان، قال: ثنا أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: أفاء الله عز وجل خيبر، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة، فخرصها عليهم

(2)

.

4883 -

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا محمد بن سابق قال: ثنا إبراهيم بن طهمان

ثم ذكر

(3)

بإسناده مثله

(4)

.

فثبت بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قسم خيبر بكمالها ولكنه قسم طائفةً منها

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2673) بإسناده ومتنه

وأخرجه أحمد (4732)، ومسلم (1551)(3)، والدارقطني 3/ 37 من طريق ابن نمير به.

وأخرجه البخاري (2328)، ومسلم (1551)(2)، وأبو داود (3408)، وأبو عبيد في الأموال (192)، والبيهقي 6/ 113 من طريقين عن عبيد الله به.

(2)

إسناده صحيح على شرط مسلم وأبو الزبير صرح بسماعه عن جابر عند أحمد (14161).

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (722)، و شرح مشكل الآثار (2675) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (14953)، وأبو داوود (3414)، والدارقطني 2/ 133 - 134، والبيهقي 4/ 123 من طريق محمد بن سابق، عن إبراهيم بن طهمان به.

(3)

ساقط من الأصول.

(4)

إسناده حسن من أجل محمد بن سابق.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2675) بإسناده ومتنه

وهو في مشيخة ابن طهمان (37) وهو مكرر سابقه.

ص: 78

على ما احتج به عمر رضي الله عنه في الحديث الأول، وترك طائفة منها فلم يقسمها على ما روي عن ابن عباس، وابن عمر، وجابر رضي الله عنهم في هذه الآثار الآخر، والذي كان قسم منها هو الشق والنطاة، وترك سائرها، فعلمنا بذلك أنه قسم وله أن يقسم، وترك، وله أن يترك.

فثبت بذلك أنه هكذا حكم الأرضين المفتتحة للإمام، قسمتها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم من خيبر، وله تركها إن رأى في ذلك صلاحًا للمسلمين أيضًا، كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك من خيبر يفعل من ذلك ما رأى على التحري منه لصلاح المسلمين.

وقد فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرض السواد مثل ذلك أيضًا، فتركها للمسلمين أرض خراج لينتفع بها من يجيء من بعده منهم، كما ينتفع بها من كان في عصره من المسلمين.

فإن قال قائل: قد يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه لم يفعل في السواد ما فعل من ذلك من جهة ما قلتم ولكن لأن المسلمين جميعًا رضوا بذلك.

والدليل على أنهم قد كانوا رضوا بذلك أنه جعل الجزية على رقابهم فلم يخل ذلك من أحد وجهين: إما أن يكون جعلها عليهم ضريبةً للمسلمين؛ لأنهم عبيد لهم، أو يكون جعل ذلك عليهم كما تجعل الجزية على الأحرار، لتحقن بذلك دماءهم.

فرأينا قد أهمل نساؤهم ومشائخهم وأهل الزمانة منهم وصبيانهم وإن كانوا

ص: 79

قادرين على الاكتساب أكثر مما يقدر عليه بعض البالغين، فلم يجعل على أحد مما ذكرنا من ذلك شيئًا، فدل ما بقي من ذلك أن ما أوجب ليس لعلة الملك، ولكنه لعلة الذمة وقبل ذلك جميع من افتتح تلك الأرض فكان أخذهم ذلك منه دليلا على إجازتهم لما كان عمر رضي الله عنه فعل من ذلك.

ثم رأيناه وضع على الأرضين شيئًا مختلفًا، فوضع على جريب الكرم شيئًا معلومًا، ووضع على جريب الحنطة شيئًا معلومًا، وأهمل النخل فلم يأخذ منها شيئًا، فلم يخل ذلك من أحد وجهين: إما أن يكون يملك به القوم الذين قد ثبتت جزيتهم بثمار أرضيهم، والأرض ملك المسلمين، أو يكون جعل ذلك عليهم كما جعل الخراج على رقابهم، ولا يجوز أن يكون الخراج يجب إلا فيما ملكه بغير أخذ الخراج، فإن حملنا ذلك على التمليك من عمر رضي الله عنه إياهم ثمر النخل والكرم بما جعل عليهم مما ذكرنا، جعل فعله ذلك قد دخل فيما قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بيع السنين، ومن بيع ما ليس عندك، فاستحال أن يكون الأمر على ذلك، ولكن الأمر عندنا على أن تمليكه لهم الأرض التي أوجب هذا عليهم فيما قد تقدم على أن يكون ملكهم لذلك ملكا خراجيا.

فهذا حكمه فيما يجب عليهم فيه، وقبل الناس جميعًا منه ذلك، وأخذوا منه ما أعطاهم مما أخذ منهم، فكان قبولهم لذلك إجازةً منهم لفعله.

قالوا: فلهذا جعلنا أهل السواد مالكين لأرضهم، وجعلناهم أحرارًا للعلة المتقدمة، وكل هذا فإنما كان بإجازة القوم الذين غنموا تلك الأرض، ولولا ذلك لما جاز

ص: 80

وكانوا على ملكهم.

قالوا: فكذلك نقول: كل أرض مفتتحة عنوةً فحكمها أن تقسم كما تقسم الأموال: خمسها الله عز وجل، وأربعة أخماسها للذين افتتحوها، ليس للإمام منعهم من ذلك إلا أن تطيب أنفس القوم بتركها كما طابت أنفس الذين افتتحوا السواد لعمر رضي الله عنه بما ذكرنا.

وكان من الحجة للآخرين عليهم: أنا نعلم أن أرض السواد لو كانت كما ذكر أهل المقالة الأولى، لكان قد وجب فيها خمس الله بين أهله الذين جعله الله عز وجل لهم، وقد علمنا أنه لا يجوز لإمام المسلمين أن يجعل ذلك الخمس ولا شيئًا منه لأهل الذمة، وقد كان أهل السواد الذين أقرهم عمر رضي الله عنه قد صاروا أهل الذمة، وقد كان السواد بأسره في أيديهم، فثبت بذلك أن ما فعله عمر رضي الله عنه من ذلك، كان من جهة غير الجهة التي ذكروا، وهو على أنه لم يكن وجب الله عز وجل في ذلك خمس، وكذلك ما فعل في رقابهم، فمن عليهم بأن أقرهم في أرضهم، ونفى الرق عنهم، وأوجب الخراج عليهم في رقابهم وأرضهم، فملكوا بذلك أرضهم، وانتفى الرق عن رقابهم.

فثبت بذلك أن للإمام أن يفعل هذا بما افتتح عنوةً، فينفى عن أهلها رق المسلمين، وعن أرضهم ملك المسلمين منه عليها، ويوجب ذلك لأهلها، ويضع عليهم ما يجب عليهم وضعه من الخراج، كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه بحضرة أصحاب

ص: 81

رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتج عمر رضي الله عنه لذلك بقول الله عز وجل {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7]، ثم قال {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] فأدخلهم معهم، ثم قال {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يريد بذلك الأنصار، فأدخلهم معهم، ثم قال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فأدخل فيها جميع من يجيء من بعدهم، فللإمام أن يفعل ذلك، ويضعه حيث رأى وضعه، فيما سمى الله في هذه السورة.

فثبت بما ذكرنا ما ذهب إليه أبو حنيفة، وسفيان، وهو قول أبي يوسف ومحمد، رحمهم الله. فإن احتج في ذلك محتج، بما

4884 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: لما وفد جرير بن عبد الله وعمار بن ياسر، وأناس من المسلمين إلى عمر بن الخطاب، قال عمر لجرير: يا جرير! والله لولا أني قاسم مسئول لكنتم على ما قسمت لكم، ولكني أرى أن أرده على المسلمين، فرده، وكان ربع السواد لبجيلة، فأخذه منهم، وأعطاهم ثمانين دينارًا

(1)

.

4885 -

حدثنا فهد، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال ثنا أبو أسامة، قال: حدثني إسماعيل،

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه البيهقي 6/ 360 من طريق يحيى بن آدم، عن ابن المبارك به.

وأخرجه ابن سعد (411) عن محمد بن عمر، عن قيس بن الربيع به.

ص: 82

عن قيس، عن جرير، قال: كان عمر رضي الله عنه قد أعطى بجيلة ربع السواد، فأخذناه ثلاث سنين، فوفد بعد ذلك جرير إلى عمر، ومعه عمار بن ياسر، فقال عمر رضي الله عنه والله لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما كنت أعطيتكم فأرى أن تردوه على المسلمين، ففعل قال: فأجازني عمر رضي الله عنه بثمانين دينارًا

(1)

.

قالوا: فهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه قد كان قسم السواد بين الناس، ثم أرضاهم بعد ذلك بما أعطاهم على أن يعود للمسلمين.

قيل له: ما يدل هذا الحديث ظاهره على ما ذكرت، ولكن يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه فعل من ذلك في طائفة من السواد، فجعلها لبجيلة، ثم أخذ ذلك منهم للمسلمين، وعوضهم منه، عوضًا من مال المسلمين، فكانت تلك الطائفة التي جرى فيها هذا الفعل للمسلمين بما عوض عمر رضي الله عنه أهلها ما عوضهم منها من ذلك، وما بقي بعد ذلك من السواد فعلى الحكم الذي قد بيناه لما تقدم في هذا الباب، ولولا ذلك لكانت أرض السواد أرض عشر، ولم تكن أرض خراج. فإن احتجوا في ذلك بما

4886 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: جاءت امرأة من بجيلة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن قومي رضوا منك من السواد بما لم أرض، ولست أرضى حتى تملأ كفي ذهبًا،

(1)

إسناده صحيح.

ص: 83

وجملي طعامًا، أو كلامًا هذا معناه، ففعل ذلك بها عمر رضي الله عنه

(1)

.

قيل لهم: هذا أيضًا -عندنا والله أعلم-، على الجزء الذي كان سلّمه عمر لبجيلة فملكوه، ثم أراد انتزاعه منهم، بطيب أنفسهم ولم يخرج حق تلك المرأة منه إلا بما طابت نفسها، فأعطاها عمر ما طلبت حتى رضيت فسلمت ما كان لها من ذلك، كما سلم سائر قومها حقوقهم.

فهذا عندنا وجه هذا الباب كله من طريق الآثار، ومن طريق النظر على ما بينا وهو قول أبي حنيفة وسفيان وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله.

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرض مصر أيضًا،

4887 -

ما حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا محمد بن حِمْيَر، عن عمرو بن قيس السكوني، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: لما فتح عمرو بن العاص أرض مصر جمع من كان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشارهم في قسمة أرضها بين من شهدها كما قسم بينهم غنائمهم، وكما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بين من شهدها أو يوقفها حتى يراجع في ذلك رأي أمير المؤمنين، فقال نفر منهم -فيهم الزبير بن العوام-، والله ما ذاك إليك ولا إلى عمر إنما هي

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (235)، والقاسم بن سلام في الأموال (155)، والبيهقي في المعرفة (18381) من طرق عن هشيم به.

ص: 84

أرض فتحها الله علينا، وأوجفنا عليها خيلنا ورجالنا، وحوينا ما فيها، فما قسمتها بأحق من قسمة أموالها، وقال نفر منهم: لا نقسمها حتى نراجع رأي أمير المؤمنين فيها، فاتفق رأيهم على أن يكتبوا إلى عمر رضي الله عنه في ذلك، ويخبروه في كتابهم إليه مقاتلهم، فكتب إليهم عمر، بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد! فقد وصل إلى ما كان من إجماعكم على أن تغتصبوا عطايا المسلمين، ومؤن من يغزو أهل العدو، من أهل الكفر، وإني إن قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم من المسلمين مادةً يقوون به على عدوكم، ولولا ما أحمل عليه في سبيل الله وأدفع عن المسلمين من مؤنهم، وأجري على ضعفائهم وأهل الديوان منهم لقسمتها بينكم، فأوقفوها فيئًا على من بقي من المسلمين حتى تنقرض آخر عصابة تغزو من المؤمنين، والسلام عليكم

(1)

.

ففي هذا الحديث ما قد دل في حكم الأرضين المفتتحة على ما ذكرنا، وأن حكمها خلاف حكم ما سواها من سائر الأموال المغنومة من العدو.

فإن قال قائل: ففي هذا الحديث ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان قسم خيبر بين من كان شهدها"، فذلك ينفي أن يكون فيما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر حجةً لمن ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، وسفيان، ومن تابعهما في إيقاف الأرضين المفتتحة لنوائب المسلمين.

قيل له: هذا الحديث لم يفسر لنا فيه كل الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر،

(1)

إسناده ضعيف لضعف نعيم بن حماد.

ص: 85

وقد جاء غيره، فبين لنا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما

4888 -

حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: حدثني سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين، نصفًا لنوائبه وحاجته، ونصفًا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهمًا

(1)

.

ففي هذا الحديث بيان ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر، وأنَّه كان أوقف نصفها لنوائبه وحاجته، وقسم بقيتها بين من شهدها من المسلمين، فالذي كان أوقفه منها، هو الذي كان دفعه إلى اليهود مزارعةً على ما في حديث ابن عمر وجابر رضي الله عنهم اللذين ذكرناهما، وهو الذي تولى عمر رضي الله عنه قسمته في خلافته بين المسلمين لما أجلى اليهود عن خيبر.

وفيما بينا من ذلك تقوية لما ذهب إليه أبو حنيفة، وسفيان، في إيقاف الأرضين، وترك قسمتها إذا رأى الإمام ذلك.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (3010) بنفس السند.

وأخرجه الطبراني في الكبير (5634)، والبيهقي 6/ 317 من طريق سفيان بن عيينة به.

ص: 86

‌11 - باب: الرجل يحتاج إلى القتال على دابة

(1)

من المغنم

4889 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي مرزوق التجيبي، عن حنش بن عبد الله، عن رويفع بن ثابت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عام خيبر: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابةً من المغانم فيركبها، حتى إذا أنقضها

(2)

ردها في المغانم، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبًا من المغانم حتى إذا أخلقه رده في المغانم"

(3)

.

4890 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن ربيعة بن سليم التجيبي، عن حنش، عن رويفع بن ثابت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله

(4)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(5)

، منهم الأوزاعي، إلى أنه لا بأس أن يأخذ الرجل

(1)

في ن "دابة من دواب الغنيمة".

(2)

أي: أثقله، وفي د "أهزلها".

(3)

إسناده حسن لرواية ابن وهب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

وأخرجه ابن الجارود (731)، والطبراني (4484، 4489) من طرق عن جعفر بن ربيعة به.

(4)

إسناده حسن من أجل ربيعة بن سليم التجيبي.

وأخرجه ابن حبان (4850)، والبيهقي 9/ 62 من طريق ابن وهب به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 222 - 223، 14/ 465، والدارمي 2/ 230، وابن سعد 2/ 114، 115، وأبو داود (2158، 2159، 2708)، والطبراني في الكبير (4482، 4483) من طرق عن ربيعة بن سليم به.

(5)

قلت: أراد بهم: القاسم، وسالما، والأوزاعي رحمهم الله، كما في النخب 17/ 376.

ص: 87

السلاح من الغنيمة، فيقاتل به إلا في معمعة

(1)

القتال ما كان إلى ذلك محتاجًا، ولا ينتظر برده الفراغ من الحرب، فتعرضه للهلاك وكساد الثمن في طول مكثه في دار الحرب، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

وخالفهم في ذلك آخرون

(2)

، منهم أبو حنيفة، رحمة الله عليه، فيما

حدثني سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن أبي يوسف، فقالوا: لا بأس أن يأخذ ذلك الرجل من الغنيمة السلاح إذا احتاج إليه بغير إذن الإمام، فيقاتل به حتى يفرغ من الحرب، ثم يرده في المغنم.

قال أبو يوسف رحمه الله: وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احتج به الأوزاعي، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معان ووجوه وتفسير لا يفهمه ولا يبصره إلا من أعانه الله عليه، فهذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك، وهو عنه غني يبقى بذلك على دابته، وعلى ثوبه، أو يأخذ ذلك يريد به الخيانة، فأما رجل مسلم في دار الحرب ليس معه دابة وليس مع المسلمين فضل يحملونه إلا دواب الغنيمة، ولا يستطيع أن يمشي، فإن هذا لا يحل للمسلمين تركه، ولا بأس أن يركب هذا، شاءوا أو كرهوا، وكذلك هذه الحال في الثياب، وكذلك هذه الحال في السلاح، ولحال السلاح أبين وأوضح.

ألا ترى! أن قومًا من المسلمين لو تكسرت سيوفهم أو ذهبت، ولهم غناكم

(1)

في ج "المعركة"، وقال ابن الأثير: المعمعة: شدة الحرب والجد في القتال.

(2)

قلت: أراد بهم: الحسن، والثوري، والشعبي، والزهري، وآخرين رحمهم الله، كما في النخب 17/ 377.

ص: 88

المسلمين أنه لا بأس أن يأخذوا سيوفًا من الغنيمة فيقاتلوا بها ما داموا في دار الحرب، أرأيت وإن لم يحتاجوا إليها في معمعة القتال، واحتاجوا إليها بعد ذلك بيومين أغار عليهم العدو أيقومون هكذا في وجه العدو بغير سلاح كيف يصنعون أيستأسرون هذا الذي فيه توهين لمكيدة المسلمين، وكيف يحل هذا في المعمعة، ويحرم بعد ذلك؟

4891 -

وحدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه، عن أبي يوسف، قال: ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن أبي المجالد، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، يأتي أحدنا إلى طعام من الغنيمة، فيأخذ منه حاجته"

(1)

.

قال أبو جعفر: فإذا كان الطعام لا بأس بأخذه وأكله واستهلاكه لحاجة المسلمين إلى ذلك كان كذلك أيضًا لا بأس بأخذ الدواب والسلاح والثياب واستعمالها للحاجة إلى ذلك حتى لا يكون الذي أريد من حديث ابن أبي أوفى هذا غير ما أريد به من حديث رويفع حتى لا يتضادان، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله، وبه نأخذ.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3454) بإسناده ومتنه.

وأخرجه سعيد بن منصور (2740)، وأحمد (19124)، وأبو داود (2704)، وابن الجارود (1072)، والحاكم 2/ 126، 133، 134، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 60، وفي دلائل النبوة 4/ 241 من طريق أبي إسحاق الشيباني به.

ص: 89

‌12 - باب: الرجل يسلم في دار الحرب وعنده أكثر من أربع نسوة

4892 -

حدثنا أحمد بن داود: قال ثنا بكر بن خلف، قال: ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي عليه السلام:"خذ منهن أربعًا"

(1)

.

فذهب قوم

(2)

إلى أن الرجل إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة قد كان تزوجهن في دار الحرب وهو مشرك أنه يختار منهن أربعًا، فيمسكهن، ويفارق سائرهن، وسواء عندهم كان تزويجه إياهن في عقدة واحدة، أو في عقد متفرقة، وممن قال هذا القول: محمد

(1)

رجاله ثقات، وهذا الإسناد وإن كان رجاله ثقات إلى أن معمر رواه بالعراق وحدث به من حفظه فوصل إسناده، وأخطأ فيه وقال الترمذي في العلل الكبير 1/ 445: وسألت محمدا (البخاري) عن حديث معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه: أن غيلان

فقال: هو حديث غير محفوظ، وإنما روى هذا معمر بالعراق، وقد روى عن معمر عن الزهري هذا الحديث مرسلا.

وروى شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري حدثت عن محمد بن سويد الثقفي: أن غيلان بن سلمة أسلم .. قال محمد: وهذا أصح، وإنما روى الزهري عن سالم عن أبيه أن عمر قال لرجل من ثقيف طلق نساءه

وقال الحافظ في التلخيص 3/ 168 وحكم مسلم في التميز على معمر بالوهم فيه وقال ابن أبي حاتم وأبو زرعة: المرسل أصح.

وأخرجه أحمد (5027) من طريق عبد الأعلى به.

وأخرجه عبد الرزاق (12621)، وابن أبي شيبة 4/ 317، والشافعي 2/ 16، وأحمد (4609، والترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، وأبو يعلى (5437)، وابن حبان (4156، 4157)، والدارقطني 3/ 270، والحاكم 2/ 192، 193، والبيهقي 7/ 149، 181، والبغوي (2288) من طرق عن معمر به.

(2)

قلت: أراد بهم: الأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، ومالكا، وأحمد رحمهم الله، كما في النخب 17/ 384.

ص: 90

بن الحسن رحمه الله.

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

، فقالوا: إن كان تزوجهن في عقدة واحدة، فنكاحهن كلهن باطل، ويفرق بينه وبينهن، وإن كان تزوجهن في عقد متفرقة، فنكاح الأربع الأول منهن ثابت، ويفرق بينه وبين سائرهن.

وممن ذهب إلى هذا القول أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله، وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الحديث حديث منقطع، ليس كما رواه عبد الأعلى وأصحابه البصريون عن معمر. إنما أصله ما

4893 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن ابن شهاب أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرجل من ثقيف أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة: "أمسك منهن أربعًا، وفارق سائرهن"

(2)

.

4894 -

وحدثنا أحمد بن داود المكي، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا مالك، عن ابن شهاب (ح)

وحدثنا أحمد بن داود المكي، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا ابن عيينة، عر

(1)

قلت: أراد بهم: الثوري، والشعبي، وعطاء، وأبا حنيفة، وأبا يوسف رحمهم الله، كما في النخب 17/ 385.

(2)

إسناده مرسل.

وأخرجه مالك في الموطأ 2/ 99، ومن طريقه الشافعي في مسنده (ص 292)، وسعيد بن منصور (1868)، والبيهقي في السنن 7/ 182، وفي المعرفة (13957).

ص: 91

معمر، عن ابن شهاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

4895 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا عبد الرزاق عن معمر، عن ابن شهاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

فهذا هو أصل هذا الحديث، كما رواه مالك عن الزهري، وكما رواه عبد الرزاق، وابن عيينة، عن معمر، عن الزهري، وقد رواه أيضًا عقيل، عن الزهري بما دل على الموضع الذي أخذه الزهري منه.

4896 -

حدثنا نصر بن مرزوق، وابن أبي داود، قالا: ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث قال: حدثني عُقيل، عن ابن شهاب، قال: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة الثقفى حين أسلم وتحته عشر نسوة: خذ منهن أربعًا، وفارق سائرهن"

(3)

.

فبين عقيل في هذا عن الزهري مخرج هذا الحديث وأنَّه إنما أخذه عما بلغه عن عثمان بن محمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحال أن يكون الزهري عنده في هذا شيء، عن سالم،

(1)

إسناده مرسل.

(2)

إسناده مرسل.

وأخرجه أبو داود في مراسيله (234)، والدارقطني 3/ 270، والبيهقي 7/ 182 من طريق عبد الرزاق، عن معمر به.

(3)

إسناده منقطع، عثمان بن أبي سويد ذكره ابن حبان في الثقات من التابعين وقال: يروى المراسيل روى عنه الزهري وقال الحسيني: ليس بمشهور.

وأخرجه الدارقطني 3/ 189 (3645)، والبيهقي 7/ 182 من طريق أبي صالح عن الليث به.

ص: 92

عن أبيه، فيدع الحجة به، ويحتج بما بلغه عن عثمان بن محمد بن أبي سويد، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن إنما أتى معمر في هذا الحديث لأنَّه كان عنده عن الزهري في قصة غيلان حديثان، هذا أحدهما، والآخر عن سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة طلق نساءه، وقسم ماله، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، رضي الله عنه، فأمره أن يرتجع نساءه وماله، وقال: "لو مت على ذلك لرجمت قبرك كما رجم قبر أبي رغال

(1)

في الجاهلية".

فأخطأ معمر، فجعل إسناد هذا الحديث الذي فيه كلام عمر رضي الله عنه، للحديث الذي فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففسد هذا الحديث من جهة الإسناد، ثم لو ثبت هذا على ما رواه عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري لما كانت أيضًا فيه حجة -عندنا-، على من ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله في ذلك؛ لأن تزويج غيلان ذلك إنما كان في الجاهلية، قد بين ذلك سعيد بن أبي عروبة، عن معمر في هذا الحديث.

4897 -

حدثناه خلاد بن محمد الواسطي، قال: ثنا محمد بن شجاع، عن يزيد بن هارون قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن معمر، عن الزهري عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث أحمد بن داود، وزاد إنه كان تزوجهن في الجاهلية

(2)

.

(1)

بكسر الراء وبالغين المعجمة، وكان أبو رغال هذا دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة حرسها الله، فمات في الطريق بالمغمس ويرجم قبره.

(2)

حديث صحيح، ويزيد بن هارون سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط إلا أن معمرا أخطأ فيه كما سبق في أول الباب، ومحمد بن شجاع أحد أصحاب الإمام أبي حنيفة رمي بما لا ينبغي تعصبا وعنادا. =

ص: 93

فكان تزويج غيلان للنسوة اللاتي كن عنده حين أسلم في وقت كان تزويج ذلك العدد جائزًا، والنكاح عليه، ثابت ولم يكن للواحدة حينئذ من ثبوت النكاح إلا ما للعاشرة مثله.

ثم أحدث الله عز وجل حكمًا آخر، وهو تحريم ما فوق الأربع، فكان ذلك حكمًا طارئًا طرأت به حرمة حادثة على نكاح غيلان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أن يمسك من النساء العدد الذي أباحه الله عز وجل، ويفارق ما سوى ذلك، وجعل كرجل له أربع نسوة، فطلق واحدة منهن، فحكمه أن يختار منهن واحدةً فيجعل ذلك الطلاق عليها، ويمسك الأخر، وكذلك كان أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله يقولان في هذا.

فأما من تزوج عشر نسوة بعد تحريم الله عز وجل ما جاوز الأربع في عقدة واحدة، فإنما عقد النكاح عليهن عقدًا فاسدًا، فلا يثبت بذلك له نكاح، ألا ترى أنه لو تزوج ذات رحم محرم منه في دار الحرب وهو مشرك ثم أسلم أنها لا تقر عنده، وإن كان عقده لذلك كان في دار الحرب وهو مشرك، فلما كان هذا يرد حكمه فيه إلى حكم نكاحات المسلمين فيما يعقدون في دار الإسلام كان كذلك أيضًا حكمه في العشر نسوة اللاتي تزوجهن وهو مشرك في دار الحرب يرد حكمه فيه إلى حكم المسلمين في نكاحاتهم، فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة فنكاحهن باطل، وإن كان تزوجهن في عقد

= وأخرجه أحمد (5558)، والحاكم 2/ 192 من طريق يزيد بن هارون به.

وأخرجه الترمذي (1128)، والدارقطني 3/ 270، والحاكم 2/ 192، والبيهقي 7/ 149، 182 من طرق عن سعيد بن أبي عروبة به.

ص: 94

متفرقة جاز نكاح الأربع الأول منهن، ويطل نكاح سائرهن.

فإن قال قائل: فقد ترك أبو حنيفة وأبو يوسف قولهما في شيء قالاه في هذا المعنى، وذلك أنهما قالا في رجل من أهل الحرب سبي وله أربع نسوة، وسبين معه: أن نكاحهن كلهن قد فسد ويفرق بينه وبينهن، قال: فقد كان ينبغي على ما حملا عليه حديث غيلان أن يجعلا له أن يختار منهن اثنتين فيمسكهما ويفارق الاثنتين الباقيتين؛ لأن نكاح الأربع قد كان كله ثابتًا صحيحًا، وإنما طرأ الرق عليه، فحرم عليه ما فوق الاثنتين كما أنه لما طرأ حكم الله في تحريم ما فوق الأربع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غيلان باختيار أربع من نسائه، وفراق سائرهن".

قيل له: ما خرج أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله بما ذكرت عن أصلهما، ولكنهما ذهبا إلى ما قد خفي عليك، وذلك أن هذا كان تزوج الأربع في وقت ما تزوجهن بعدما حرم على العبد تزويج ما فوق الاثنتين، فإذا تزوجهن، وهو حربي في دار الحرب ما فوق اثنتين، ثم سبي وسبين معه رد حكمه في ذلك إلى حكم تحريم قد كان قبل نكاحه، فصار كأنه تزوجهن في عقدة بعدما صار رقيقًا، وهو في ذلك كرجل تزوج صبيتين صغيرتين، فجاءت امرأة فأرضعتهما معًا فإنهما تبينان منه جميعًا، ولا يؤمر بأن يختار إحداهما فيمسكها، ويفارق الأخرى؛ لأن حرمة الرضاع طرأت عليه بعد نكاحه إياهما، فكذلك الرق الطارئ على النكاح الذي وصفنا حكمه حكم هذا الرضاع الذي ذكرنا، وهما جميعًا مفارقان لما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيلان بن سلمة؛ لأن غيلان لم

ص: 95

يكن حرمة الله عز وجل لما فوق الأربع تقدمت نكاحه فيرد حكم نكاحه إليها وإنما طرأت الحرمة على نكاحه بعد ثبوته كله، فردت حرمة ما حرم عليه من ذلك إلى حكم حادث بعد النكاح، فوجب له بذلك الخيار كما يجب له في الطلاق الذي ذكرنا.

فإن احتجوا أيضًا في ذلك، بما

4898 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا ابن أبي ليلى، عن حميضة بن الشمردل، عن الحارث بن قيس، قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أختار منهن أربعًا

(1)

.

4899 -

حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم قال أخبرنا مغيرة، عن بعض ولد الحارث بن قيس، عن الحارث بن قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه

(2)

.

قيل له: قد يحتمل ذلك ما ذكرناه في حديث غيلان، وقد يجوز أيضًا أن يكون

(1)

إسناده ضعيف لضعف ابن أبي ليلى، وحميضة بن الشمردل الأسدي.

وأخرجه سعيد بن منصور (1863)، وأبو داود (2241)، وابن ماجه (1952)، وأبو يعلى (6872)، والعقيلي في الضعفاء 1/ 299، وابن قانع في معجم الصحابة 1/ 175، والطبراني في الكبير 18/ (922)، والدارقطني (3690)، والبيهقي 7/ 149، 183، وابن عبد البر في التمهيد 12/ 56 من طريق هشيم به.

(2)

إسناده ضعيف لجهالة الرجل الوارد بعد المغيرة.

وأخرجه سعيد بن منصور (1864)، وابن قانع 1/ 175، والدارقطني (3650، 3651) من طريق هشيم بن بشير، أخبرنا مغيرة بن مقسم الضبي، عن بعض ولد الحارث بن قيس، وقال بعضهم: عن رجل من ولد الحارث وسماه بعضهم: الربيع بن قيس.

ص: 96

رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: اختر منهن أربعًا، أي: اختر منهن أربعًا فتزوجهن، ولا دلالة في هذا الحديث على واحد من هذين المعنيين. وإن احتجوا في ذلك أيضًا بما

4900 -

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا أبو الأسود، وحسان بن غالب، قالا: ثنا ابن لهيعة، عن أبي وهب الجيشاني، عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه، قال: أسلمت وعندي أختان، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته، فقال:"طلق إحداهما"

(1)

.

4901 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي وهب الجيشاني، عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه، قال: أسلمت وعندي أختان، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته فقال:"طلق أيتهما شئت"

(2)

.

قيل لهم هذا يوجب الاختيار كما ذكرتم، وهو أوضح من حديث الحارث بن

(1)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.

وأخرجه أحمد (18040)، والترمذي (1129)، وابن ماجه (1951)، والطبراني في الكبير 18/ (843)، والدارقطني (3654)، والبيهقي 7/ 184، والمزي في تهذيب الكمال 13/ 278 من طرق عن ابن لهيعة به.

(2)

إسناده حسن من أجل الضحاك بن فيروز الديلمي.

وأخرجه أبو داود (2243) عن يحيى بن معين به.

وأخرجه البخاري في التاريخ 3/ 248 - 249، والترمذي (1130)، وابن أبي عاصم في الاحاد والمثاني (2748)، وابن قانع (3272)، وابن حبان (4155)، والطبراني 18 / (845)، والدارقطني (3653)، والبيهقي في السنن 7/ 184، وفي المعرفة (4196) من طريق وهب بن جرير به.

ص: 97

قيس، ولكنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خيره لأن نكاحه كان في الجاهلية قبل تحريم الله عز وجل الجمع بين الأختين وما فوق الأربع، فيكون معنى هذا الحديث مثل معنى حديث غيلان بن سلمة.

فقد ثبت بما بينا في هذا الباب ما ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله، وفسد ما ذهب إليه محمد بن الحسن رحمه الله، وقد ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف بعضُ المتقدمين.

4902 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا بكر بن خلف، قال: ثنا غندر وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة قال: يأخذ الأولى والثانية والثالثة والرابعة

(1)

.

(1)

إسناده صحيح.

ص: 98

‌13 - باب: الحربية تسلم في دار الحرب فتخرج إلى دار الإسلام، ثم يخرج زوجها بعد ذلك مسلمًا.

4903 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع على النكاح الأول بعد ثلاث سنين

(1)

.

4904 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي قال: ثنا ابن إسحاق، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: رد النبي صلى الله عليه وسلم على عكرمة بن أبي جهل أم حكيم بنت الحارث بن هشام بعد أشهر، أو قريب من سنة"

(2)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(3)

إلى أن المرأة إذا أسلمت في دار الحرب وجاءتنا مسلمةً، ثم جاء زوجها بعد ذلك فأدركها وهي في العدة فهي امرأ في العدة، فهي امرأته على حالها، وإن لم

(1)

إسناده حسن، ومحمد بن إسحاق صرح بالتحديث عند الترمذي والحاكم.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 176، وأحمد (1876)، وأبو داود (2240)، والترمذي (1143، 1144)، وابن ماجه (2009)، والحاكم 3/ 237، 638، 639، والطبراني (11575)، والدارقطني 3/ 254، والبيهقي 7/ 187 من طرق عن محمد بن إسحاق به.

(2)

إسناده مرسل، ومحمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي المدني أحد الفقهاء السبعة.

وأخرجه البيهقي في السنن 7/ 187 من طريق مالك، عن الزهري، أن أم حكيم ....

(3)

قلت: أراد بهم: الزهري، والأوزاعي، والليث بن سعد، والحسن بن حي، ومالكا، والشافعي، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 17/ 407.

ص: 99

يدركها حتى تخرج من العدة، فلا سبيل له عليها، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

، فقالوا: لا سبيل له عليها في الوجهين جميعًا، وخروجها عندهم من دار الحرب يقطع العصمة التي كانت بينها وبين زوجها وتبينها منه واحتجوا في ذلك، بما

4905 -

حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى الحماني، قال: ثنا حفص -يعني ابن غياث-، عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله رد زينب على أبي العاص بنكاح جديد

(2)

.

4906 -

حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا حفص عن داود، عن الشعبي

مثله

(3)

.

قالوا: ففي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه هذا خلاف ما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد وافق عبد الله بن عمرو على ذلك عامر الشعبي مع علمه بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالوا فهذا أولى مما قد خالفه لمعان سنبينها في هذا الباب إن شاء الله تعالى، وكان

(1)

قلت: أراد بهم: سفيان الثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا رحمهم الله، كما في النخب 17/ 409.

(2)

إسناده ضعيف لعنعنة حجاج بن أرطاة وهو مدلس.

وأخرجه عبد الرزاق (12648)، وسعيد بن منصور (2109)، وابن سعد 8/ 32، وأحمد (6938)، والترمذي (1142)، وابن ماجه (2010)، والدارقطني 3/ 253، والبيهقي 7/ 188 من طرق عن حجاج بن أرطاة به.

(3)

إسناده مرسل.

ص: 100

من الحجة لهم في ذلك على من ذهب إلى القول الأول أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اردها على أبي العاص على النكاح الأول، فليس في ذلك دليل على أنه ردها إليه؛ لأنها في العدة، ولا نعلم كيف كان الحكم يومئذ في المشركة تسلم وزوجها مشرك، أتبينها ذلك منه، أو تكون زوجته على حالها؟، وإنما يكون حديث ابن عباس حجة لأهل المقالة الأولى أنه لو كان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص لأنَّه أدركها وهي في العدة.

فأما إذا لم يتبين لنا العلة التي ردها عليه، فقد يجوز أن تكون هي العدة، وقد يجوز أن تكون غيرها؛ لأن الإسلام لم يكن حينئذ يبينها منه، ولا يزيلها عن حكمها المتقدم.

4907 -

ولقد حدثني أبو بكر محمد بن عبدة بن عبد الله بن زيد، قال حدثني أبو توبة الربيع بن نافع، قال: قلت لمحمد بن الحسن: من أين جاء اختلافهم في زينب؟. فقال بعضهم: ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص على النكاح الأول. وقال بعضهم: ردها بنكاح جديد، أترى كل واحد منهم سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما قال؟ فقال محمد بن الحسن: لم يجئ اختلافهم من هذا الوجه، وإنما جاء اختلافهم أن الله إنما حرم أن ترجع المؤمنات إلى الكفار في سورة الممتحنة بعدما كان ذلك جائزًا حلالًا، فعلم ذلك عبد الله بن عمرو، ثم رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رد زينب على أبي العاص بعدما كان علم حرمتها عليه بتحريم الله المؤمنات على الكفار، فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد، فقال: ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد، ولم يعلم عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما بتحريم الله عز وجل المؤمنات على الكفار، حتى علم برد النبي صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص فقال: ردها

ص: 101

عليه بالنكاح الأول؛ لأنَّه لم يكن عنده بين إسلامه وإسلامها فسخ للنكاح الذي كان بينهما، قال محمد رحمه الله، فمن هاهنا جاء اختلافهم لا من اختلاف سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم في ذكره ما رد زينب به على أبي العاص أنه النكاح الأول، أو النكاح الجديد

(1)

.

قال أبو جعفر: وقد أحسن محمد رحمه الله في هذا وتصحيح الآثار في هذا الباب على هذا المعنى الصحيح يوجب صحة ما قال عبد الله بن عمرو، والدليل على ذلك أن ابن عباس رضي الله عنهما قد كان يقول في النصرانية إذا أسلمت في دار الإسلام وزوجها كافر. ما قد

4908 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس، في اليهودية والنصرانية تكون تحت النصراني أو اليهودي، فتسلم هي، قال: يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى

(2)

.

4909 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود: قال ثنا قيس بن الربيع، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة عن ابن عباس

مثله، غير أنه لم يقل: الإسلام يعلو ولا يعلى

(3)

.

(1)

إسناده فيه أبو بكر محمد بن عبدة شيخ الطحاوي روى عن أبي توبة الربيع بن نافع لم يزد عليه العيني، وفي مختصر المغاني 3/ 280: لم أر له ترجمة وباقي رجاله ثقات.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (506) من طريق الحسين بن الوليد، عن حماد بن زيد به.

وأخرجه القاسم بن سلام في الأموال (327) من طريق هشيم، عن خالد، عن عكرمة به.

(3)

إسناده حسن في المتابعات من أجل قيس بن الربيع.

وأخرجه عبد الرزاق (10073) من طريق رياح، عن معمر، عن عبد الكريم أبي أمية به.

ص: 102

أفيجوز أن تكون النصرانية عنده إذا أسلمت في دار الإسلام وزوجها نصراني، أنها تبين منه، ولا ينتظر بها إسلامه إلى أن تخرج من العدة، وتكون الحربية التي ليست بكتابية إذا أسلمت في دار الحرب، ثم جاءتنا مسلمةً ينتظر بها إلحاق زوجها بها مسلمًا فيها بينه وبين خروجها من العدة؟ وهذا محال؛ لأن إسلامها في دار الإسلام إذا كان يبينها من زوجها النصراني الذمي فإسلامها في دار الحرب وخروجها إلى دار الإسلام، وتركها زوجها المشرك في دار الحرب أحرى أن يبينها، فثبت بهذا من قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يرى العصمة منقطعةً بإسلام المرأة لا بخروجها من العدة، فإذا ثبت ذلك من قوله استحال أن يكون ترك ما قد كان ثبت عنده من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده زينب على أبي العاص على النكاح الأول وصار إلى خلافه إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عنده، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

وأما النظر في ذلك فإنا رأينا المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فقد صارت إلى حال لا يجوز أن يستأنف نكاحه عليها؛ لأنها مسلمة وهو كافر، فأردنا أن ننظر إلى ما يطرأ على النكاح مما لا يجوز معه استقبال النكاح، كيف حكمه؟ فرأينا الله عز وجل قد حرم الأخوات من الرضاعة، وكان من تزوج امرأةً صغيرةً لا رضاع بينه وبينها فأرضعتها أمه حرمت عليه بذلك، وانفسخ النكاح، فكان الرضاع الطارئ على النكاح في حكم الرضاع المتقدم للنكاح في أشباه لذلك يطول الكتاب بذكرها، وكانت ثمة أشياء يختلف فيها الحكم إذا كانت متقدمةً للنكاح، وطرأت على النكاح من ذلك أن الله عز وجل حرم نكاح المرأة في عدتها من زوجها، وأجمع المسلمون أن العدة من الجماع في النكاح الفاسد

ص: 103

تمنع من النكاح كما تمنع إذا كانت بسبب نكاح صحيح، وكانت المرأة لو وطئت بشبهة ولها زوج فوجبت عليها بذلك عدة، لم تبن بذلك من زوجها، ولم تجعل هذه العدة كالعدة المتقدمة للنكاح، ففرق في هذا بين حكم المستقبل والمستدبر.

فأردنا أن ننظر في المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر، هل تبين منه بذلك؟ ويكون حكم مستقبل ذلك ومستدبره سواءً، كما كان ذلك في الرضاع الذي ذكرنا، أو لا تبين منه بإسلامها، فلا يكون حكم إسلامها الحادث كهو إذا كان قبل النكاح [فالعدة قبل النكاح] كالعدة التي ذكرنا التي فرق بين حكم المستقبل فيها وحكم المستدبر.

فنظرنا في ذلك فوجدنا العدة الطارئة على النكاح لا يجب بها فرقة في حال وجوبها ولا بعد ذلك، وكان الرضاع الذي ذكرنا تجب به الفرقة في حال كونه، ولا ينتظر بها شيء بعده، وكان الإسلام الطارئ على النكاح كل قد أجمع أن الفرقة تجب به.

فقال قوم: تجب في وقت إسلام المرأة، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال آخرون: لا تجب الفرقة حتى يعرض على الزوج الإسلام، فيأباه، فيفرق بينه وبين المرأة أو يختاره، فتكون امرأته على حالها، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال آخرون: هي امرأته ما لم يخرجها من أرض الهجرة، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسنأتي بأسانيد هذه الروايات في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى.

فلما ثبت أن إسلام الزوجة الطارئ على النكاح: موجب للفرقة بين المرأة وبين

ص: 104

زوجها في حال ما ثبت أن حكم ذلك بحكم الرضاع أشبه منه بحكم العدة، فلما كان الرضاع تجب به الفرقة ساعة تكون، ولا ينتظر به خروج المرأة عن عدتها كان كذلك الإسلام.

فهذا وجه النظر في هذا الباب أن المرأة تبين من زوجها بإسلامها في دار الإسلام كانت أو في دار الحرب، وقد كان أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد رحمهم الله، يخالفون هذا، ويقولون في الحربية، إذا أسلمت في دار الحرب وزوجها كافر، أنها امرأته ما لم تحض ثلاث حيض، أو تخرج إلى دار الإسلام، فأي ذلك ما كانت بانت به من زوجها.

وقالوا: كان النظر في هذا أن تبين من زوجها بإسلامها ساعة أسلمت، وقالوا: إذا أسلمت وزوجها في دار الإسلام فهي امرأته على حالها حتى يعرض القاضي على زوجها الإسلام، فيسلم، فتبقى تحته، أو يأبى الإسلام فيفرق بينهما، وقالوا: فكان النظر في ذلك أن تبين منه بإسلامها ساعة أسلمت، ولكنا قلدنا ما روي عن عمر رضي الله عنه. فذكروا ما

4910 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن أبي إسحاق الشيباني، عن السفاح، عن داود بن كردوس قال: كان رجل منا من بني تغلب نصراني تحته امرأة نصرانية، فأسلمت فرفعت إلى عمر رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: أسلم وإلا فرقت بينكما، فقال: لو لم أدع هذا إلا استحياءً من العرب أن يقولوا: إنه أسلم على بضع

ص: 105

امرأة لفعلت، قال: ففرق عمر بينهما

(1)

.

4911 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا هلال بن يحيى، قال: ثنا أبو يوسف، قال: ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن السفاح الشيباني، عن داود بن كردوس التغلبي، عن عمر رضي الله عنه

نحوه

(2)

.

فقلدوا ما روي عن عمر رضي الله عنه في هذا الذي أسلمت امرأته في دار الإسلام، وجعلوا للذي أسلمت امرأته في دار الحرب أجلًا إن أسلم فيه، وإلا وقعت الفرقة بينه وبين امرأته بدلًا من العرض الذي كانوا يعرضونه عليه لو كان في دار الإسلام وهو العدة إلا أن تخرج المرأة قبل ذلك إلى دار الإسلام، فينقطع الأجل بذلك، وتجب به البينونة بالإسلام، ونحن في هذا على ما روينا، عن ابن عباس رضي الله عنهما من وجوب البينونة بالإسلام ساعة يكون من المرأة.

وأما ما روي عن علي رضي الله عنه في ذلك، فما

4912 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أن عليا رضي الله عنه قال: هو أحق بنكاحها ما كانت

(1)

إسناده ضعيف لجهالة داود بن كردوس.

وأخرجه ابن أبي شيبة (18301) عن علي بن مسهر، عن الشيباني به.

(2)

إسناده ضعيف كسابقه، وهلال بن يحيى ضعفه ابن حبان، وقال العيني في المغاني 3/ 190 هذا تحامل من ابن حبان وكان هلال أجل من أن يضعف، وقال ابن الجوزي في المنتظم كان هلال الرأي فقيها كثيرا.

ص: 106

في دار الهجرة

(1)

.

وقد روي عن الزهري وقتادة في رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص أن ذلك منسوخ، واختلفا بما نسخه.

4913 -

حدثنا عبد الله بن محمد المؤدب، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، أن أبا العاص بن ربيع أخذ أسيرًا يوم بدر، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه ابنته قال الزهري: وكان هذا قبل أن تنزل الفرائض يعني ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وردها على زوجها

(2)

.

4914 -

حدثنا عبيد الله، قال: ثنا علي، قال: ثنا عباد بن العوام، عن سعيد، عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على أبي العاص ابنته، قال قتادة: كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة

(3)

.

(1)

إسناده قوي من أجل الخصيب بن ناصح.

وأخرجه ابن حزم في المحلى 5/ 370 من طريق حماد بن سلمة به.

وأخرجه ابن أبي شيبة (18308) عن هشام وشعبة، عن قتادة به.

(2)

إسناده ضعيف لضعف رواية سفيان بن حسين عن الزهري ولضعف شيخ الطحاوي.

(3)

إسناده مرسل ضعيف لضعف شيخ الطحاوي.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات 8/ 26 عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة به.

ص: 107

‌14 - باب: الفداء

4915 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر الزهراني، قال: ثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: نفلني أبو بكر رضي الله عنه امرأةً من فزارة أتيت بها من الغارة، فقدمت بها المدينة، فاستوهبها مني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففادى بها أناسًا من المسلمين

(1)

.

4916 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عمر بن يونس، قال: ثنا عكرمة

فذكر بإسناده مثله، وزاد كانوا أسارى بمكة

(2)

.

4917 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمه، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى برجل من العدو رجلين من المسلمين

(3)

.

(1)

إسناده صحيح. وهو مكرر سابقه رقم (4864).

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3917) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 8/ 685، وأحمد (16502)، والبخاري في الأدب المفرد (935، 938)، ومسلم (2993)، وأبو داود (5037)، والنسائي في الكبرى (10051)، وابن حبان (603)، والطبراني في الكبير (6234)، والبيهقي في الشعب (9357)، والبغوي (3345) من طرق عن عكرمة به.

(2)

إسناده صحيح. وهو مكرر سابقه رقم (4864).

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3916) بإسناده ومتنه.

(3)

إسناده صحيح.=

ص: 108

4918 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل

(1)

.

4919 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا مجالد، قال: ثنا أبو الوداك جبر بن نوف، عن أبي سعيد الخدري، قال: أصبنا سبيًا، فأردنا أن نفادي بهن، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله! الرجل تكون له الأمة فيصيب منها، ويعزل عنها مخافة أن تعلق منه؟ فقال: افعلوا ما بدا لكم، فما يقضي من أمرٍ يكن وإن كرهتم

(2)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(3)

إلى أنه لا بأس بأن يفدى ما في أيدي المشركين من

=وأخرجه سعيد بن منصور (2820)، والحميدي (851)، والترمذي (2714)، والنسائي في المجتبى 7/ 19، 30، وفي الكبرى (4735، 8538) من طريق سفيان بن عيينة به.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 416، وأبو عبيد في الأموال (321)، وأحمد (19827)، وأبو داود (3316) من طريق إسماعيل بن عليه، وقد قرن أبو داود حمادًا معه.

(2)

إسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد.

وهو في سنن سعيد بن منصور (2219).

وأخرجه الحميدي (765)، وأحمد (11204)، وابن أبي عاصم في السنة (365، 364) من طرق عن مجالد به.

(3)

قلت: أراد بهم: عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، والثوري، ومالكا، وأبا يوسف، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 17/ 434.

ص: 109

أسارى المسلمين بمن قد ملكه المسلمون من أهل الحرب من الرجال والنساء، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار وممن ذهب إلى هذا القول أبو يوسف رحمة الله عليه.

وكره آخرون

(1)

أن يفادى بمن قد وقع ملك المسلمين عليه؛ لأنَّه قد صارت له ذمة يملك المسلمين إياه، فمكروه أن يرد حربيا بعد أن كان ذميًا، وقالوا: إنما كان هذا الفداء المذكور في هذه الآثار في وقت كان لا بأس أن يفادى فيه بمن أسلم من أهل الحرب فيردوا إلى المشركين على أن يردوا إلى المسلمين من أسروا منهم كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة شرفها الله على أن يرد إليهم من جاء إليه منهم وإن كان مسلمًا.

فمما بين أن ذلك كذلك

4920 -

أن محمد بن خزيمة حدثنا، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: أسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من بني عامر بن صعصعة، فمر به على النبي صلى الله عليه وسلم وهو موثق، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "علام احتبس؟ قال: بجريرة

(2)

حلفائك، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه فأقبل إليه، فقال له الأسير: إني مسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتها

(1)

قلت: أراد بهم: الليث بن سعد، والحكم بن عتيبة، ومجاهدا، وأبا حنيفة رحمهم الله، كما في النخب 17/ 435.

(2)

الجريرة: الخيانة والذنب، وذلك أنه كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ثقيف موادعة، فلما نقضوها ولم ينكر عليهم بنو عقيل، وكانوا معهم في العهد صاروا مثلهم في نقض العهد فأخذه بجريرتهم.

ص: 110

وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح"، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه أيضًا، فأقبل، فقال: إني جائع فأطعمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه حاجتك" ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما

(1)

.

4921 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين، قال كانت العضباء

(2)

لرجل من بني عقيل أسر، فأخذت العضباء منه، فأتي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد علام تأخذوني، وتأخذون سابقة الحاج

(3)

، وقد أسلمت؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أخذت بجريرة حلفائك"

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4463) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن حبان (4859) من طريق ابن المبارك به.

ورواه عبد الرزاق (9395)، ومن طريقه الطبراني 18/ 453 عن معمر به.

وأخرجه الشافعي 2/ 121، والحميدي (829)، وسعيد بن منصور (2820، 2967)، وابن أبي شيبة 12/ 416، وأحمد (19894)، ومسلم (1641)، والترمذي (1568)، والنسائي في الكبرى (8592)، وابن الجارود في المنتقى (933)، والطبراني في الكبير 18/ 455، 456)، والبيهقي 9/ 72، 109، 10/ 75، والبغوي (2714) من طرق عن أيوب. السختياني به.

(2)

علم لناقة النبي صلى الله عليه وسلم منقول من قولهم: ناقة عضباء مشقوقة الأذن، وقال الزمخشري: هي القصيرة اليد.

(3)

أراد بها الناقة العضباء؛ لأنها كانت تسبق الحاج في المشي.

ص: 111

وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد، إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذه حاجتك"، ثم إن الرجل فدي برجلين، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله

(1)

.

فهذا الحديث مفسر قد أخبر فيه عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بذلك المأسور بعد أن أقر بالإسلام، وقد أجمعوا أن ذلك منسوخ، وأنَّه ليس للإمام أن يفدي من أسر من المسلمين بمن في يده من أسراء أهل الحرب الذين قد أسلموا، وأن قول الله تعالى {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} قد نسخ أن يرد أحد من أهل الإسلام إلى الكفار، فلما ثبت ذلك، وثبت أن لا يرد إلى الكفار من جاءنا منهم بذمة، وثبت أن الذمة تحرم ما يحرم الإسلام من دماء أهلها وأموالهم، وأنَّه يجب علينا منع أهلها من نقضها والرجوع إلى دار الحرب، كما نمنع المسلمين من نقض إسلامهم والخروج إلى دار الحرب على ذلك، وكان من أصبناه من أهل الحرب فملكناه، صار بملكنا إياه ذمة لنا، ولو أعتقناه لم يعد حربيا بعد ذلك، وكان لنا أخذه بأداء الجزية إلينا، كما نأخذ سائر ذمتنا، وعلينا حفظه مما نحفظهم منه، وكان حرامًا علينا أن نفادي بعبيدنا الكفار الذين قد ولدوا في دارنا لما قد صار لهم من الذمة.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4464) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الدارمي (2505)، وأحمد (19863)، ومسلم (1641)، وأبو داود (3316)، والبيهقي في السنن 9/ 109، وفي الدلائل 6/ 188 - 189 من طرق عن حماد بن زيد به.

ص: 112

والنظر على ذلك أن يكون كذلك الحربي إذا أسرناه، فصار ذمة لنا ووقع ملكنا عليه أن يحرم علينا المفاداة به ورده إلى أيدي المشركين، وهذا قول أبي حنيفة رحمة الله عليه.

ص: 113

‌15 - باب: ما أحرز المشركون من أموال المسلمين؛ هل يملكونه أم لا؟

4922 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: كانت العضباء من سوابق الحاج، فأغار المشركون على سرح المدينة، فذهبوا به، وفيه العضباء وأسروا امرأةً من المسلمين، وكانوا إذا نزلوا يريحون إبلهم في أفنيتهم، فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد نوموا، فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى إذا أتت على العضباء فأتت على ناقة ذلول، فركبتها، ثم توجهت قبل المدينة، ونذرت لئن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت عرفت الناقة، فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بنذرها فقال:"بئس ما جازيتها أو وفيتها، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم"

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى أن ما غنمة أهل الحرب من أموال المسلمين مردود على المسلمين قبل القسمة وبعدها؛ لأن أهل الحرب -في قولهم-، لا يملكون أموال المسلمين بأخذهم إياها من المسلمين، وقالوا: قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي أخذت العضباء: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" دليل على أنها لم تكن ملكتها بأخذها إياها من أهل الحرب، وأن أهل الحرب لم يكونوا ملكوها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

إسناده صحيح. وهو مكرر سابقه (4921).

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4464) بإسناده ومتنه.

(2)

قلت: أراد بهم: الشافعي، والظاهرية كما في النخب 17/ 446.

ص: 114

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

، فقالوا: ما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين، فأحرزوه في دارهم، فقد ملكوه، وزال عنه ملك المسلمين، فإذا أوجف عليهم المسلمون، فأخذوه منهم، فإن جاء صاحبه قبل أن يقسم، أخذه بغير شيء، وإن جاء بعدما قسم، أخذه بالقيمة، وكان من الحجة لهم في الحديث الأول، أن قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" إنما كان قبل أن تملك المرأة الناقة؛ لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب.

وكل الناس يقول: إن من أخذ شيئًا من أهل الحرب، فلم ينج به إلى دار الإسلام أنه غير محرز له وغير مالك، وإن ملكه لا يقع عليه حتى يخرج به إلى دار الإسلام فإذا فعل ذلك فقد غنمه وملكه، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة ما قال؛ لأنها نذرت قبل أن تملكها لئن نجاها الله عليها لتنحرنها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" لأن نذرها ذلك كان منها قبل أن تملكها.

فهذا وجه هذا الحديث، وليس فيه دليل على أن المشركين قد كانوا ملكوها على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذهم إياها منه أم لا، ولا على أن أهل الحرب يملكون بما أوجفوا من أموال المسلمين أيضًا أم لا. والذي فيه الدليل على ذلك، ما

4923 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: ثنا حماد بن سلمة،

(1)

قلت: أراد بهم: النخعي، وابن سيرين، وشريحا، ومجاهدا، والأوزاعي، وأبا حنيفة، وسفيان الثوري، وأبا يوسف، ومحمدا، ومالكا وأحمد في رواية رحمهم الله، كما في النخب 17/ 447.

ص: 115

عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة الطائي أن رجلاً أصاب له العدو بعيرًا، فاشتراه رجل منهم، فجاء به فعرفه، صاحبه، فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن شئت أعطيته ثمنه الذي اشتراه به وهو لك، وإلا فهو له"

(1)

.

4924 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن حفص الأصبهاني، قال: ثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه

(2)

.

فهذا هو الذي فيه وجه الحكم في هذا الباب كيف هو؟ وقد روي هذا عن جماعة من المتقدمين. فمما روي عنهم في ذلك ما

4925 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: فيما أحرز المشركون فأصابه المسلمون فعرفه صاحبه، قال: إن أدركه قبل أن يقسم فهو له، وإن جرت فيه السهام فلا شيء له

(3)

.

(1)

إسناده مرسل.

وأخرجه ابن حزم في المحلى 5/ 356 من طريق حماد بن سلمة به.

وأخرجه أبو داود في المراسيل (339)، والبيهقي في السنن 9/ 111 من طريق أبي الأحوص، عن سماك به.

(2)

إسناده مرسل.

وأخرجه عبد الرزاق (9358)، وابن أبي شيبة (33364)، وابن المنذر في الأوسط (6588)، والبيهقي 9/ 111 من طرق عن سفيان الثوري به.

(3)

إسناده منقطع، قبيصة بن ذويب لم يدرك عمر بن الخطاب.=

ص: 116

4926 -

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون، عن رجاء بن حيوة: أن عمر بن الخطاب وأبا عبيدة رضي الله عنهما قالا ذلك

(1)

.

4927 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن زيد بن ثابت

مثله

(2)

.

4928 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف، قال: ثنا ابن المبارك، عن زائدة بن قدامة، عن ليث، عن مجاهد، قال: إذا أصاب المشركون السبي للمسلمين، فأصابه المسلمون، فقدر عليه صاحبه قبل أن يقسم فهو له، وإن قدر عليه بعد القسمة فهو أحق به بالثمن الذي أخذ به

(3)

.

4929 -

حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: ثنا محمد بن سليمان الأسدي، قال:

=وأخرجه البيهقي 9/ 111 من طريق الحسن بن الربيع، عن عبد الله بن المبارك به.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33352)، وابن المنذر في الأوسط (6583)، وأبو إسحاق الفزاري في السير (126)، والدارقطني (4153) من طرق عن سعيد بن أبي عروبة به.

(1)

إسناده منقطع، رجاء بن حيوة لم يدرك عمر وأبا عبيدة بن الجراح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33351) عن هشيم، عن ابن عون به.

وأخرجه سعيد بن منصور (2799) عن مطر الوراق، عن رجاء بن حيوة به.

(2)

إسناده حسن لرواية عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

وأخرجه البيهقي 9/ 11 من طريق ابن المبارك به.

(3)

إسناده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33361) عن ابن إدريس، عن ليث به.

ص: 117

ثنا ابن أبي زائدة، قال: ثنا عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن غلامًا لابن عمر رضي الله عنهما أبق إلى العدو، وظهر المسلمون عليه، فرده النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قسم

(1)

.

4930 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمد، قال أخبرنا حماد، عن أيوب، وحبيب، وهشام، عن محمد أن رجلًا ابتاع جاريةً من العدو فوطئها، فولدت منه، فجاء صاحبها، فخاصمه إلى شريح، قال: فقال: المسلم أحق من رد على أخيه بالثمن، قال: فإنها قد ولدت منه، فقال: أعتقها قضاء الأمير عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(2)

.

4931 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا حماد، عن الحجاج، عن إبراهيم، وعامر، قال: وقال قتادة: عن عمر بن الخطاب رضي الخطاب رضي الله عنه، أنهم قالوا: فيما أصاب المشركون من المسلمين، ثم أصابه المسلمون بعد، قالوا: إن جاء صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (2698) من طريق يحيى بن أبي زائدة به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 445، والبخاري (3068)، وأبو داود (2699)، وابن ماجه (2847)، وابن الجارود (1068)، والبيهقي 9/ 110، والبغوي (2734) من طرق عن عبيد الله بن عمر به.

(2)

إسناده صحيح عبيد الله بن محمد هو العيشي، وحماد هو ابن سلمة، وأيوب هو السختياني، وحبيب هو ابن الشهيد، وهشام هو ابن حسان.

(3)

رجاله ثقات.=

ص: 118

4932 -

حدثنا أحمد، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، أن المشركين أصابوا فرسًا لعبد الله بن عمر، فأصابه المسلمون بعد، فأخذه عبد الله بن عمر قبل أن تقسم المغانم

(1)

.

ولم يذكر نافع ها هنا قبل أن تقسم المغانم إلا أن الحكم بعدما تقع المقاسم، بخلاف ذلك عنده. وكذلك حديث إسحاق بن إبراهيم الذي ذكرناه قبل هذا الذي ذكروا فيه، ولم يكن قسم فدل ذلك على أنه لو كان قسم كان الحكم فيه خلاف ذلك عنده.

4933 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله، قال أخبرنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن خلاس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من اشترى ما أحرز العدو، فهو جائز

(2)

.

4934 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف، قال: ثنا ابن المبارك، عن معمر عن

= وأخرجه ابن أبي شيبة (33352) من طريق قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمر به.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري تعليقا (3067)، وأبو داود (2699)، وابن ماجه (2847) من طريق عبيد الله، عن نافع به.

(2)

إسناده ضعيف للانقطاع، خلاس بن عمرو لم يدرك عليا.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33362)، وابن المنذر في الأوسط (6584)، والبيهقي في المعرفة (18209) من طرق عن حماد بن سلمة به.

ص: 119

الزهري، والحسن، قالا: ما أحرز المشركون فهو فيء للمسلمين لا يرد منه شيء

(1)

.

فكل هؤلاء الذين روينا عنهم هذه الآثار قد أثبتوا ملك المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين، وإنما اختلافهم فيما بعد ذلك، فقال الحسن والزهري: إن ما أحرز المشركون من أموال المسلمين ثم قدر المسلمون عليه بعد ذلك، فلا سبيل لصاحبه عليه.

وقد خالفهما في ذلك شريح، ومجاهد، وإبراهيم، وعامر، ومن تقدمهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمر، وعلي، وأبو عبيدة، وابن عمر، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، وشذ ما قالوه من ذلك ما قد رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تميم بن طرفة، فذلك أولى مما ذهبا إليه، وإن كان النظر مخالفًا لما ذهب إليه الفريقان جميعًا.

وذلك أنا رأينا المسلمين يسبون أهل الحرب وأموالهم، فيملكون أموالهم كما يملكون رقابهم، وكان المشركون إذا أسروا المسلمين لم يملكوا رقابهم فالنظر على ذلك أن لا يملكوا أموالهم فيكون حكم أموال المسلمين كحكم رقابهم كما كان حكم أموال المشركين كحكم رقابهم، ولكنا منعنا من ذلك لما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما حكم به المسلمون من بعده.

فلما ثبت ما حكموا به من ذلك، فنظرنا إلى ما اختلفوا فيه من حكم ما قدر عليه

(1)

إسناده صحيح من الوجه الأول، والوجه الثاني رجاله ثقات.

وأخرجه عبد الرزاق (9348) عن معمر، عن الزهري به.

وأخرجه ابن حزم في المحلى 5/ 353 من طريق معمر، عن الزهري، وعن معمر، عن رجل، عن الحسن.

ص: 120

المسلمون من ذلك، فأخذوه من أيدي المشركين فجاء صاحبه بعدما قسم، هل له أن يأخذه بالقيمة، كما قد قال بعض من روينا عنه في هذا الباب أو لا يأخذه بقيمة ولا غيرها كما قال بعض من روينا عنه في هذا الباب أيضًا.

فنظرنا في ذلك، فرأينا النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في مشترى البعير من أهل الحرب أن لصاحبه أن يأخذه منه بالثمن، وكان ذلك البعير قد ملكه المشتري من الحربيين كما يملك الذي يقع في سهمه من الغنيمة ما يقع في سهمه منها، فالنظر على ذلك أن يكون الإمام إذا قسم الغنيمة فوقع شيء منها في يد رجل، وقد كان أسر ذلك من يد آخر أن يكون المأسور من يده كذلك، وأن يكون له أخذ ما كان أسر من يده الذي وقع في سهمه بقيمته كما يأخذه من يد مشتريه الذي ذكرنا بثمنه، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله.

ص: 121

‌16 - باب ميراث المرتد لمن هو؟

4935 -

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرث الكافر المسلم، ولا يرث المسلم الكافر

(1)

.

4936 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

4937 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي في مسنده 2/ 190، والحميدي (551)، وسعيد بن منصور في سننه (135)، وابن أبي شيبة 11/ 370، والدارمي 1/ 300، وأحمد (21747)، ومسلم (1614)، وأبو داود (2909)، والترمذي (2107)، والنسائي في الكبرى (6376)، وابن ماجه (2729)، والبزار في مسنده (2581، 2583)، وابن الجارود (954)، وأبو عوانة (5593)، وابن حبان (6033)، والطبراني في الكبير (412)، والبيهقي 6/ 218، 10/ 299، والبغوي (2231) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2504) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البخاري (1588)، ومسلم (1351) من طريق ابن وهب به.

وأخرجه البخاري (3058) من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري به.

ص: 122

الكافر"

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى أن المرتد إذا قتل على ردته أو مات عليها كان ماله لبيت مال، المسلمين واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

وخالفهم في ذلك آخرون

(3)

، فقالوا: ميراثه لورثته من المسلمين، وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن ذلك الكافر الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يبين لنا فيه أيّ كافر هو فقد يجوز أن يكون هو الكافر الذي له ملة، ويجوز أن يكون هو الكافر كل كفر ما كان ملةً أو غير ملة، فلما احتمل ذلك لم يجز أن يصرف إلى أحد المعنيين دون الآخر إلا بدليل يدل على ذلك، فنظرنا، هل في شيء من الآثار ما يدل على ما أراد به من ذلك

4938 -

فإذا ربيع المؤذن قد حدثنا، قال: ثنا أسد بن موسى قال: ثنا، هشيم، عن

(1)

إسناده صحيح.

وهو في الموطأ 2/ 519 برواية يحيى بن يحيى، ومن طريقه ابن المبارك في مسنده (163)، والنسائي في الكبرى (6373، 6372، 6374، 6375)، وابن عبد البر في التمهيد 9/ 162، 171 - 172، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد 2/ 226، والذهبي في السير 4/ 400 من طرق عن مالك، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان على الصواب. ورواه أحمد (21813) من طريق مالك، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان كما هو المحفوظ عن مالك.

(2)

قلت: أراد بهم ابن أبي ليلى، وربيعة، والشافعي، ومالكا، وأحمد رحمهم الله، كما في النخب 17/ 467.

(3)

قلت: أراد بهم: سفيان الثوري، والليث بن سعد، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 17/ 468.

ص: 123

الزهري، قال: ثنا علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين، لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم"

(1)

.

فلما جاء هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا علمنا أنه أراد الكافر ذا الملة، فلما رأينا الردة ليست بملة، ورأيناهم مجمعين أن المرتدين لا يرث بعضهم بعضًا؛ لأن الردة ليست بملة، ثبت أن حكم ميراثهم حكم ميراث المسلمين.

فإن قال قائل: فأنت لا تورثهم من المسلمين، فكذلك لا تورث المسلمين منهم، قيل له: ما في هذا دليل على ما ذكرت، لأنا قد رأينا من يمنع الميراث بفعل كان منه، ولا يمنع ذلك الفعل أن يورث عنه، من ذلك أنا رأينا القاتل لا يرث من قتله، ورأيناه لو جرح رجلًا جراحةً، ثم مات الجارح، ثم مات المجروح من الجراحة، والجارح أبو المجروح أنه يرثه، فقد صار المقتول يرث ممن قتله، ولا يرث القاتل ممن قتل؛ لأن القاتل عوقب بقتله فمنع الميراث كل من قتله، ولم يمنع المقتول من الميراث ممن جرحه الجراحة التي قتلته إذ كان لم يفعل شيئًا، فكذلك المرتد منع من ميراث غيره عقوبةً لما أتاه، ولم يمنع غيره من الميراث منه إذ لم يكن منه ما يعاقب عليه، فثبت بذلك قول من يورث من المرتد ورثته من المسلمين، وقد روي ذلك عن جماعة من المتقدمين أيضًا.

4939 -

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، قال ثنا أبو معاوية، عن

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (136)، والترمذي (2107)، والنسائي في الكبرى (6349) من طريق هشيم به.

ص: 124

الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن علي رضي الله عنه، أنه جعل ميراث المستورد لورثته من المسلمين

(1)

.

4940 -

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال أخبرنا شريك، عن سماك، عن ابن عبيد بن الأبرص، أن عليا رضي الله عنه، قال للمستورد: على دين من أنت؟، قال: على دين عيسى، قال علي: وأنا على دين عيسى، فمن ربك؟ فزعم القوم أنه قال: هو ربه فقال: اقتلوه، ولم يتعرض لماله

(2)

.

4941 -

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد -يعني- ابن سعيد قال: ثنا محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا مات المرتد ورثه ولده

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه سعيد بن منصور (311)، وابن أبي شيبة (31384)، والبيهقي 6/ 254 من طرق عن أبي معاوية به. وأخرجه الدارمي (3117)، والبيهقي 6/ 254 من طرق عن الأعمش به.

(2)

إسناده ضعيف من أجل شريك بن عبد الله، وابن عبيد بن الأبرص ترجم له العيني في المغاني 3/ 233 هو: دثار بن عبيد بن الأبرص الشاعر الأسدي الكوفي، ثم ترجم بدثار بن عبيد الأبرص روى عنه سماك، وذكره ابن حبان في الثقات، وترجم له ابن حجر في اللسان.

وأخرجه ابن أبي الجعد (2335)، والبيهقي 6/ 254 من طرق عن شريك به.

وأخرجه عبد الرزاق (18710) عن الثوري عن سماك بن حرب به، دون قوله "ولم يتعرض لماله".

(3)

إسناده ضعيف لانقطاعه، القاسم لم يدرك جده عبد الله.

وأخرجه ابن أبي شيبة 11/ 354، 12/ 276، وعنه البيهقي 6/ 255 من طريق محمد بن فضيل به.

وأخرجه الدارمي (3116) من طريق ثابت بن الوليد بن جميع، عن أبيه به.

ص: 125

4942 -

حدثنا علي بن زيد الفرائضي، قال: ثنا عبدة بن سليمان، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، أن ابن مسعود، قال: ميراثه لورثته من المسلمين

(1)

.

4943 -

حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: أنا شريك، عن موسى بن أبي كثير، قال: سألت سعيد بن المسيب عن ميراث المرتد، فقال: هو لأهله

(2)

.

4944 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي كثير، قال: سألت سعيد بن المسيب عن المرتَدّين فقال: نرثهم ولا يرثوننا

(3)

.

4945 -

حدثنا علي بن زيد قال: ثنا عبدة، قال أخبرنا ابن المبارك، قال أخبرنا شعبة، وسفيان، عن موسى بن أبي كثير، عن سعيد بن المسيب

مثله

(4)

.

4946 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب قال: ثنا شعبة، عن موسى بن الصباح،

(1)

إسناده منقطع، الحكم بن عتيبة لم يدرك عبد الله بن مسعود.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل شريك بن عبد الله القاضي.

وأخرجه عبد الرزاق (10144)، وابن أبي شيبة (31389)، وسعيد بن منصور (309)، والدولابي في الكنى والأسماء (1184) من طرق عن موسى بن أبي كثير به.

(3)

إسناده حسن من أجل موسى بن أبي كثير.

وأخرجه ابن أبي شيبة (31389) من طريق وكيع، عن سفيان به.

(4)

إسناده حسن كسابقه.

ص: 126

وقال مرةً: عن أبي الصباح، عن سعيد بن المسيب، مثله

(1)

.

4947 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا معاذ بن معاذ، عن أشعث، عن الحسن في المرتد يلحق بدار الحرب، فقال: ماله بين ولده من المسلمين على كتاب الله

(2)

.

4948 -

حدثنا علي بن زيد، قال: ثنا عبدة، قال: ثنا ابن المبارك، قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: أن الحسن قال: ميراثه لوارثه من المسلمين إذا ارتد عن الإسلام

(3)

.

فهؤلاء الذين ذكرنا قد جعلوا ميراث المرتد لورثته من المسلمين، وشد ذلك من قولهم ما قد وصفته في هذا الباب مما يوجبه النظر، وفي ذلك حجة أخرى من طريق النظر أيضًا، وهي أنا رأيناهم قد أجمعوا أن المرتد قبل ردته محظور دمه وماله.

ثم إذا ارتد فكل قد أجمعوا أن الحظر المتقدم قد ارتفع عن دمه، وصار دمه مباحًا، وماله محظورًا في حالة الردة، بالحظر المقدم.

وقد رأينا الحربيين حكم دمائهم وحكم أموالهم سواء، قتلوا أو لم يقتلوا، فلم يكن الذي يحل به أموالهم هو القتل بل كان الكفر، وكان المرتد لا يحل ماله بكفره، فلما ثبت أن ماله لا يحل بكفره، ثبت أنه لا يحل بقتله.

(1)

إسناده حسن كسابقه.

(2)

إسناده صحيح.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (31387) عن علي بن مسهر، عن سعيد به.

ص: 127

وقد رأينا أموال الحربيين تحل بالغنائم، فتملك بها، ورأينا ما وقع من أموالهم في دارنا ملكناه عليهم وغنمناه بالدار وإن لم نقتلهم، فلما كان مال المرتد غير مغنوم بردته، كان في النظر أيضًا غير مغنوم بسفك دمه.

فلما ثبت أن ماله لا يدخل في حكم الغنائم لم يخل من أحد وجهين: إما أن يرثه ورثته الذين يرثونه لو مات على الإسلام، أو يصير للمسلمين، فإن صار لورثته من المسلمين فهو ما قلنا، وإن صار لجميع المسلمين فقد ورث المسلمون مرتدا.

فلما كان المرتد في حال ما يرثه المسلمون، ولم يخرج بردته من ذلك، كان الذين يرثونه هم ورثته الذين كانوا يرثونه لو مات على الإسلام لا غيرهم، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

وإنما زال ملك المرتد باللحوق بدار الحرب لخروجه من دارنا إلى دار الحرب على طريق الاستخفاف مع كونه مقاتلاً لنا مباح الدم في دارنا، بدليل الحربي يدخل إلينا بغير أمان، ثم يعود إلى دار الحرب أن أملاكه ها هنا تزول هذا المعنى، فإن قيل: المستأمن إلينا إذا عاد إلى داره، وخلف مالًا هاهنا لم يزل عنه ملكه مع وجود هذا المعنى، قيل له: ولم يخرج مستحقا له؛ لأنَّه في أماننا إلى أن يدخل في دار الحرب والله أعلم.

ص: 128

‌17 - باب: إحياء الأرض الميتة

4949 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا سعيد قال: ثنا قتادة، عن سليمان اليشكري، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال "رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحاط حائطًا على أرض فهي له"

(1)

.

4950 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، قال: ثنا كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا

(2)

أرضًا مواتًا فهي له، وليس لعرق

(3)

ظالم حق"

(4)

.

4951 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال:

(1)

رجاله ثقات، رواية قتادة عن سليمان صحيفة ولم يسمع منه.

وأخرجه عبد بن حميد (1095)، وأحمد (15088) من طريق محمد بن بشر به.

(2)

قال الخطابي: إحياء الموات إنما يكون بحفره وتحجيره وبإجراء الماء إليها ونحوها من وجوه العمارة فمن فعل ذلك فقد ملك به الأرض.

(3)

هو: أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا غصبا ليستوهب به الأرض.

(4)

إسناده ضعيف كثير بن عبد الله بن عوف متروك، وأبوه عبد الله بن عمرو بن عوف المزني مجهول، وجده عمرو بن عوف بدري.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (1052)، والبزار (3393)، والبيهقي 6/ 142 من طرق عن كثير بن عبد الله به.

ص: 129

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحاط على شيء، فهو له"

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب ذاهبون

(2)

إلى أن من أحيا أرضًا ميتةً فهي له أذن له الإمام في ذلك أو لم يأذن، وجعلها له الإمام أو لم يجعلها له، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف، ومحمد بن الحسن رحمهما الله، وقالوا: لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحيا أرضًا ميتةً فهي له"، فقد جعل حكم إحياء ذلك إلى من أحب بلا أمر.

وقالوا: قد دلت على هذا أيضًا شواهد النظر، ألا ترى أن الماء الذي في البحار والأنهار من أخذ منه شيئًا ملكه بأخذه إياه، وإن لم يأمره الإمام بأخذه ويجعله له، وكذلك الصيد من اصطاده فهو له، ولا يحتاج في ذلك إلى إباحة من الإمام، ولا إلى تمليك، والإمام في ذلك وسائر الناس سواء، قالوا: فكذلك الأرض الميتة التي لا ملك لأحد عليها، فهي كالطير الذي ليس بمملوك، وكالماء الذي ليس بملوك، فمن أخذ من ذلك

(1)

رجاله ثقات إلا أن الحسن البصري لم يصرح بسماعه من سمرة.

وأخرجه ابن أبي شيبة 7/ 76، وأحمد (20130)، وأبو داود (3077)، والنسائي في الكبرى (5763)، وابن الجارود (1015)، والطبراني في الكبير (6863، 6864)، والبيهقي 6/ 142 من طرق عن سعيد بن أبي عروبة به.

وأخرجه الطيالسي (906)، والطبراني في الكبير (6865، 6866، 6867)، وفي الشاميين (2640)، والبيهقي 6/ 148 من طرق عن قتادة به.

(2)

قلت: أراد بهم عبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وأبا ثور، والظاهرية رحمهم الله، كما في النخب 17/ 487.

ص: 130

شيئًا فهو له بأخذه إياه، ولا يحتاج في ذلك إلى أمر الإمام، ولا إلى تمليكه كما لا يحتاج إلى ذلك منه في الماء والصيد اللذين ذكرنا.

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

، منهم أبو حنيفة رحمه الله، فقالوا: لا تكون الأرض للذي يحييها إلا بأمر الإمام له في ذلك وجعلها له، وقالوا: ليس فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرنا في هذا الباب، يدافع لما قلنا؛ لأن ذلك الإحياء الذي جعل به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض للتي أحياها في هذا الحديث لم يفسر لنا ما هو؟ فقد يجوز أن يكون هو ما فعل من ذلك بأمر الإمام، فيكون قوله:"من أحيا أرضًا ميتةً فهي له" أي: من أحياها على شرائط الإحياء فهي له، ومن شرائطه تحظيرها وإذن الإمام له فيها، وتمليكه إياها.

فقد يجوز أن يكون هذا هو معنى هذا الحديث، ويجوز أن يكون على ما تأوله أبو يوسف ومحمد رحمهما الله، إلا أنه لا يجوز أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول أنه أراد معنًى إلا بالتوقيف منه، أو بإجماع ممن بعده أنه أراد ذلك المعنى.

فنظرنا إذ لم نجد في هذا الحديث حجةً لأحد الفريقين في غيره من الأحاديث، هل فيها ما يدل على شيء من ذلك؟

4952 -

فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم قال: سمعت

(1)

قلت: أراد بهم مكحولا الشامي، ومحمد بن سيرين، وابن المسيب، والنخعي رحمهم الله، كما في النخب 17/ 490.

ص: 131

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا حمى إلا الله ورسوله"

(1)

.

4953 -

حدثنا يزيد وابن أبي داود، قالا: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم النقيع

(2)

وقال: "لا حِمى إلا لله ولرسوله"

(3)

.

4954 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن عياش، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حمى إلا الله ولرسوله"

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي في مسنده 2/ 131 - 132، والحميدي (800)، وابن أبي شيبة 7/ 303، وأحمد (16422)، والبخاري (3012)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (905)، وابن حبان (136) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(2)

بفتح النون، هو موضع قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء، وكان عمر بن الخطاب قد حماه لنعم الفيء وخيل المجاهدين فلا يرعاه غيره، وقال الخطابي: النقيع مكان معروف مستنقع للمياه ينبت فيه الكلأ حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمهازيل إبل الصدقة.

(3)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد الرحمن بن عياش.

وأخرجه عبد الله بن أحمد (16659)، وأبو داود (3084)، والحاكم 2/ 81، والبيهقي في السنن 6/ 146 من طريق عبد العزيز بن محمد، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش به.

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن حبان (4685)، والطبراني في الأوسط (4669)، وفي مسند الشاميين (3230)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان 1/ 254 من طرق عن علي بن عياش به.

ص: 132

فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا الله ولرسوله والحمى: ما حمي من الأرض دل ذلك أن حكم الأرضين إلى الأئمة، لا إلى غيرهم، وأن حكم ذلك غير حكم الصيد.

وقد بينا ما يحتمل الخبر الأول، فكان أولى الأشياء بنا أن نحمل وجهه على ما لا يخالف هذا الأثر الثاني.

وأما ما يدخل لأبي حنيفة في ذلك من جهة النظر مما يفرق به بين الأرض الموات، وبين ماء الأنهار والصيد إنا رأينا الصيد وماء الأنهار لا يجوز للإمام تمليك ذلك أحدًا، ورأيناه لو ملك رجلا أرضًا ميتةً، ثم ملكها لرجل آخر جاز، وكذلك لو احتاج الإمام إلى بيعها في نائبة للمسلمين، جاز بيعه لها، ولا يجوز ذلك في ماء نهر، ولا في صيد بر، ولا بحر.

فلما كان ذلك إلى الإمام في الأرضين دل أن حكمها إليه، وأنها في يده كسائر الأموال التي في يده للمسلمين، لا رب لها بعينه، فلا يملكها أحد بأخذه إياها حتى يكون الإمام يملكها إياه على حسن النظر منه للمسلمين، ولما كان الصيد والماء ليس إلى الإمام بيعهما ولا تمليكهما أحدًا كان الإمام فيهما كسائر الناس، وكان ملكهما يجب بأخذهما دون الإمام.

فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة لما وصفنا من الآثار والدلائل التي ذكرنا. فإن احتج محتج في ذلك بما

4955 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكًا ويونس بن يزيد حدثاه، عن

ص: 133

ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وذلك أن رجالًا كانوا يتحجرون من الأرض

(1)

.

4956 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه .. مثله

(2)

.

قيل له: لا حجة لك في هذا، ومعنى هذا عندنا على ما ذكرناه، من معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحيا أرضًا ميتةً فهى له".

وقد روي عن عمر رضي الله عنه في غير هذا الحديث ما يدل على أن مراده في هذا الحديث هو ما ذكرناه.

4957 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية، عن أبي إسحاق الشيباني، عن محمد ابن عبيد الله قال: خرج رجل من أهل البصرة يقال له أبو عبد الله إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن بأرض البصرة أرضًا لا تضر بأحد من المسلمين، وليست من أرض الخراج، فإن شئت أن تقطعنيها أتخذها قضبًا وزيتونًا، ونخلا فافعل، فكان أول من أقبل الفلايا

(1)

إسناده صحيح.

وهو في موطأ مالك 2/ 288، ومن طريقه أخرجه ابن زنجويه في الأموال (107)، والقاسم بن سلام في الأموال (715)، والبيهقي في السنن 6/ 143، وفي المعرفة (12177).

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (22379)، والبيهقي في السنن 6/ 148 من طرق عن سفيان بن عيينة به.

ص: 134

بأرض البصرة، قال: فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري، إن كانت سمى فأقطعها إياه

(1)

.

أفلا ترى أن عمر رضي الله عنه لم يجعل له أخذها، ولا جعل له ملكها إلا بإقطاع خليفته ذلك الرجل إياها، ولولا ذلك لكان يقول له: وما حاجتك إلى إقطاعي إياك وأنت تملك؛ لأن لك أن تحييها دوني، وتعمرها فتملكها، فدل ذلك أن الإحياء عند عمر رضي الله عنه، هو ما أذن الإمام فيه للذي يتولاه وملكه إياه. وقد دل على ذلك أيضًا ما

4958 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، قال: قال عمر رضي الله عنه: لنا رقاب

(2)

الأرض

(3)

.

فدل ذلك على أن رقاب الأرضين كلها إلى أئمة المسلمين، وأنها لا تخرج من أيديهم إلا بإخراجهم إياها إلى من رأوا على حسن النظر منهم للمسلمين في عمارة بلادهم وصلاحها، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وبه نأخذ.

(1)

رجاله ثقات.

وأخرجه القاسم بن سلام في الأموال (689)، والبيهقي 6/ 144 من طريق أبي معاوية به.

(2)

أي: نفس الأرض أراد أن نفس الأراضي لأئمة المسلمين وأنها لا تخرج من أيديهم إلا إذا أخرجوها إلى من رأوا من المسلمين.

(3)

إسناده منقطع، محمد بن سيرين لم يدرك عمر بن الخطاب.

ص: 135

‌18 - باب: إنزاء

(1)

الحمير على الخيل

4959 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: أخبرنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن ابن زرير، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بغلةً، فركبها، فقال علي: لو حملنا الحمير على الخيل لكان لنا مثل هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون"

(2)

.

4960 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا شريك، عن عثمان، عن سالم، عن علي

(3)

بن علقمة عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه

(4)

.

4961 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد

(5)

(ح)

وحدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أبي

(1)

من أنزى الحمار على الفرس إذا حملها عليها للنسل.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (214) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (785)، وأبو داود (2565)، والنسائي 6/ 224، والبزار (889)، وابن حبان (4683)، والبيهقي 10/ 22 من طرق عن الليث بن سعد به.

(3)

في الأصول "عثمان بن علقمة"، وهو خطأ.

(4)

إسناده ضعيف لضعف شريك بن عبد الله، ولجهالة علي بن علقمة الأنماري.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (211) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (156)، وأحمد (766)، والبزار (669)، وابن عدي في الكامل 5/ 1847 من طرق عن شريك به.

(5)

في ن "سعيد بن زيد"، وهو خطأ.

ص: 136

جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن ابن عباس، قال: ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاث: إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمر على الخيل

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى هذا فكرهوا إنزاء الحمير على الخيل، وحرموا ذلك ومنعوا منه، واحتجوا بهذه الآثار.

وخالفهم في ذلك آخرون

(3)

، فلم يروا بذلك بأسًا، وكان من الحجة لهم في ذلك أن ذلك لو كان مكروهًا لكان ركوب البغال مكروهًا؛ لأنَّه لولا رغبة الناس في البغال وركوبهم إياها إذًا لما أنزيت الحمر على الخيل.

ألا ترى أنه لما نهى عن إخصاء بني آدم كره بذلك اتخاذ الخصيان؛ لأن في اتخاذهم ما يحضهم على إخصائهم، ولأن الناس إذا تحاموا كسبهم، لم يرغب أهل الفسق في

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (216) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (1977)، وأبو داود (808)، والترمذي (1701)، والنسائي 6/ 224، 1/ 89، 225، وابن خزيمة (175)، والبيهقي 10/ 23 من طرق عن أبي جهضم موسى بن سالم به.

(2)

قلت: أراد بهم: عمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي، ويزيد بن أبي حبيب المصري رحمهم الله، كما في النخب 17/ 504.

(3)

قلت: أراد بهم: جمهور العلماء، وفقهاء الأمصار، منهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور رحمهم الله، كما في النخب 17/ 506.

ص: 137

إخصائهم.

4962 -

وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا القواريري، قال: ثنا عفيف بن سالم، قال: ثنا العلاء بن عيسى الذهلي قال: أتى عمر بن عبد العزيز بخصي فكره أن يبتاعه، وقال: ما كنت لأعين على الإخصاء

(1)

.

فكل شيء في ترك كسبه ترك لبعض أهل المعاصي لمعصيتهم فلا ينبغي كسبه، فلما أجمع على إباحة اتخاذ البغال وركوبها، دل ذلك على أن النهي الذي في الآثار الأول لم يرد به التحريم، ولكنه أريد به معنًى آخر. فمما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب البغال ما قد

4963 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا القواريري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق قال: قال رجل للبراء يا أبا عمارة ولّيتم يوم حنين؟، قال: لا والله ما ولّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ولّى سرعان الناس، تلقتهم هوازن بالنبل، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، وهو يقول:"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب"

(2)

.

(1)

إسناده فيه العلاء بن عيسى الذهلي قال العيني في المغاني 2/ 428، روى عن عمر بن عبد العزيز وعنه عفيف بن سالم، وقال صاحب كشف الأستار: لم أقف على حاله فيما عندي، قلت: وباقي رجاله ثقات.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (18540)، والبخاري (2874)، ومسلم (177)(80)، والترمذي في السنن (1688)، وفي الشمائل (245) من طريق يحيى بن سعيد القطان به.=

ص: 138

4964 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا أبو إسحاق

فذكر بإسناده مثله

(1)

.

4965 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن البراء

مثله

(2)

.

4966 -

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن كثير بن عباس، أن أباه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث

= وأخرجه ابن سعد 1/ 24، والبخاري (4315)، وأبو عوانة 4/ 209، وابن السني في عمل اليوم والليلة (414)، وأبو نعيم في الحلية 7/ 132، وفي معرفة الصحابة (1142)، والبيهقي في السنن 7/ 43، 9/ 154، وفي الدلائل 1/ 177 من طرق عن سفيان الثوري به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3322) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البخاري (4316)، وابن حبان (4770) من طريق أبي الوليد بهذا الإسناد.

وأخرجه الطيالسي (707)، وابن سعد 1/ 24 - 25، وأحمد (18475)، والبخاري (2864، 4317)، ومسلم (1776)(80)، والنسائي في الكبرى (8638)، وأبو يعلى (1727)، وابن أبي عاصم في الجهاد (254)، والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 133 من طرق عن شعبة به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (2930)، ومسلم (1776)(78)، والنسائي في الكبرى (8575، 10366) من طرق عن زهير به.

ص: 139

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة

(1)

الجذامي

(2)

.

4967 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت الزهري، يحدث عن كثير بن العباس، عن أبيه

نحوه

(3)

.

4968 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الحارث بن حصيرة قال: ثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته

(4)

.

4969 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر، عن يزيد بن

(1)

كان عاملا لقيصر على معان من أرض الكرك.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الله بن صالح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4346) من طريق فهد، عن محمد بن كثير الصنعاني، عن معمر، عن ابن شهاب به.

وأخرجه الحميدي (459)، وابن سعد 4/ 18 - 19، وأحمد (1775)، ومسلم (1775)(76 - 77)، والنسائي في الكبرى (8653)، والحاكم 3/ 327 - 328، والبيهقي في الدلائل 5/ 137 - 139، والبغوي في تفسيره 2/ 278 من طرق عن الزهري به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه الحميدي (459)، وأحمد (1776)، ومسلم (1775) من طريق سفيان بن عيينة به.

(4)

إسناده ضعيف، عبد الرحمن ابن مسعود لم يسمع من أبيه.

وأخرجه أحمد (4336)، والبزار (1998)، والطبراني في الكبير (10351)، والحاكم 2/ 117، والبيهقي في الدلائل 5/ 142 من طريق عفان بن مسلم به.

ص: 140

أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند جمرة العقبة، وهو على بغلته

(1)

.

4970 -

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن ابن عبد الله بن بسر، عن أبيه، أنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، وهو راكب بغلته

(2)

.

4971 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت البناني، وحميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته شهباء، فمر على حائط لبني النجار، فإذا قبر يعذب صاحبه، فحاصت

(3)

البغلة

(1)

إسناده ضعيف لضعف يزيد وهو ابن أبي زياد القرشي، ولجهالة حال سليمان بن عمرو بن الأحوص. وأخرجه ابن أبي شيبة 4/ 194، وأبو داود (1966)، وابن ماجه (3028، 3031) من طرق عن علي بن مسهر به.

وأخرجه مطولا ومختصرا ابن سعد 8/ 306، وابن أبي شيبة 18/ 51 - 52، 11/ 492، وعبد بن حميد (1567)، وأحمد (16087)، وأبو داود (1967، 1968)، وابن ماجه (3532)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3291، 3292، 3293)، والطبراني 25/ 386، 387، 388)، والبيهقي في السنن 5/ 130، وفي الدلائل 5/ 444 من طرق عن يزيد ابن أبي زياد به.

(2)

إسناده ضعيف لجهالة ابن عبد الله بن بسر.

وأخرجه النَّسَائِي في الكبرى (6873)، والطبراني في مسند الشاميين (837) من طريق بقية، عن محمد بن زياد، عن عبد الله ابن بسر به.

وأخرجه أحمد (17676)، وابن عساكر في ترجمة عبد الله بن بسر (4445) من طريقين عن معاوية بن صالح به.

(3)

نفرت وفرت.

ص: 141

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر"

(1)

.

4972 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: ثنا فائد، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، أنه رأى بغلة النبي صلى الله عليه وسلم شهباء

(2)

، وكانت عند علي بن حسين

(3)

.

4973 -

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني إياس بن سلمة، قال: حدثني أبي، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فذكر حديثًا طويلًا فيه: فمررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزمًا وهو على بغلته الشهباء

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5204) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (12553)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (90) من طريق حسن بن موسى عن حماد بن سلمة به.

وأخرجه أحمد (12007)، والنسائي 4/ 102، وابن حبان (3126)، والآجري في الشريعة (ص 360)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (91)، والبغوي (1526) من طرق عن حميد وحده به.

وأخرجه أحمد (12791)، والآجري في الشريعة (ص (360 - 361) من طريقين عن حماد، عن ثابت وحده به.

(2)

وهذه البغلة هي التي كانت تسمى الدلدل، أهداها له صلى الله عليه وسلم المقوقس، وقد كانت عمرت حتى كانت عند علي رضي الله عنه وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند علي بن الحسين بن علي.

(3)

إسناده ضعيف الجهالة علي بن أبي رافع.

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1777)، وابن حبان (6520)، والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 140 من طريق زهير بن حرب، ابن يونس به.

ص: 142

4974 -

حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن أسلم أبي، عمران، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغلته، فاتبعته

ثم ذكر الحديث

(1)

.

فقد تواترت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة ركوب البغال، وقد روي في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما

4975 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عائذ -يعني بن حبيب-، عن الحجاج، عن: سعيد بن أَشْوع، عن حنش بن المعتمر، قال: رأيت عليا رضي الله عنه أتى ببغلة يوم الأضحى، فركبها، فلم يزل يكبر حتى أتى الجبّانة

(2)

(3)

.

4976 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا الحجاج بن محمد، عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت يحيى بن الجزار، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه خرج يوم النحر على

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن حبان (1842)، والطبراني 17/ (861) من طريق ابن وهب به.

وأخرجه أحمد (17341)، والنسائي 8/ 254، وابن حبان (795)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (696)، والبيهقي في الشعب (2566)، والبغوي (1213) من طرق عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب به.

(2)

بتشديد الباء وبعد الألف نون الصحراء وكذلك الجبان.

(3)

إسناده ضعيف لعنعنة حجاج بن أرطاة.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 14/ 38 بإسناده ومتنه.

وأخرجه الدارقطني (1695) من طريق الفضل بن دكين به.

ص: 143

بغلة بيضاء يريد الصلاة، فجاء رجل، فأخذ بخطام بغلته، فسأله عن يوم الحج الأكبر، فقال: هو يومك هذا، خل سبيلها

(1)

.

فإن قال قائل: فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون"؟.

قيل له: قد قال أهل العلم في ذلك معناه: إن الخيل قد جاء في ارتباطها واكتسابها وعلفها الأجر، وليس ذلك في البغال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما يترك حمل فرس على فرس، حتى يكون عنهما ما فيه الأجر، ويحمل حمارًا على فرس فيكون عنهما بغل لا أجر فيه الذين لا يعلمون" أي لأنهم يتركون بذلك إنتاج ما في ارتباطه الأجر، وينتجون ما لا أجر في ارتباطه. فمما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الثواب في ارتباط الخيل ما

4977 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل، فقال: هي لثلاثة: "لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر، فأما من ربطها عدةً في سبيل الله، فإنه لو طول لها في مرج خصيب

(2)

، أو روضة

(3)

خصيبة، كتب الله له عز وجل عدد ما أكلت حسنات، وعدد أرواثها حسنات، ولو انقطع طولها ذلك فاستنت

(4)

شرفًا أو

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي الجعد في مسنده (162) من طريق شعبة به.

(2)

من قولهم مكان خصيب ومخصب وهو ضد الجدب.

(3)

هي الموضع الذي يستنقع فيه الماء، ويكون به نبات مجتمع.

(4)

أي: أفلتت فمرحت، وقيل: لجّت في عدوها إقبالا وإدبارا.

ص: 144

شرفين، كتب الله له عدد آثارها حسنات، ولو مرت بنهر عجاج لا يريد السقي به، فشربت منه كتب الله له عدد ما شربت حسنات، ومن ارتبطها تغنيًا وتعففًا، ثم لم ينس حق الله في رقابها وظهورها كانت له سترًا من النار، ومن ارتبطها فخرًا ورياءً ونواءً

(1)

على المسلمين، كانت له وزرًا يوم القيامة"، قالوا: فالحمر يا رسول الله؟ قال: "لم ينزل الله علي في الحمر شيئا إلا هذه الآية الفاذة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8]

(2)

.

4978 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن بكير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو ذلك أيضًا

(3)

.

4979 -

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم

(1)

بكسر النون هو: أن ينوي إليك وتنوي إليه أي تنهض.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل هشام بن سعد.

وأخرجه مسلم (987)(25) من طريق يونس بن عبد الأعلى به.

وأخرجه البخاري (2371) من طريق مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم به.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (638) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مسلم (987)(26) من طريق ابن وهب به.

ص: 145

القيامة"

(1)

.

4980 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

4981 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

4982 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، قال: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (219) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (1844)، وابن أبي شيبة 12/ 480، وأحمد (4616)، والبخاري (3644)، ومسلم (1871)(96) من طرق عن عبيد الله به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 480، ومسلم (1871)(96) من طريق علي بن مسهر به.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (220) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أبو يعلى (2642) من طريق حماد بن زيد به.

وأخرجه مسلم (1871)، والنسائي 6/ 221 - 222، وابن ماجه (2787) من طريق نافع به.

(4)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (221) بإسناده ومتنه.=

ص: 146

4983 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا طلحة بن أبي سعيد، أن سعيدًا المقبري حدثه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعد، الله كان شبعه وريه، وبوله وروثه حسنات في ميزانه يوم القيامة"

(1)

.

4984 -

حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي، مريم، قال ثنا ابن لهيعة، قال: أخبرني عتبة بن أبي حكيم، عن الحصين بن حرملة المهري، عن أبي المصبح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخيل في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار"

(2)

.

4985 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا الفريابي، عن سفيان عن يونس بن عبيد، عن

=وهو في موطأ مالك 1/ 600، ومن طريقه أخرجه أحمد (5918)، والبخاري (2849)، ومسلم (1871)(96)، والبيهقي في السنن 6/ 329، وفي المعرفة (13046)، والخطيب في تاريخه 12/ 399، والبغوي (2644).

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه النسائي 6/ 225، وأبو يعلى (6568)، والحاكم 2/ 92، والبيهقي في السنن 16/ 10 من طريق ابن وهب به.

وأخرجه أحمد (8866)، والبخاري (2853)، وابن حبان (4673)، والبيهقي في الشعب (4303)، والبغوي في شرح السنة (2648) من طرق عن ابن المبارك، عن طلحة به.

(2)

إسناده ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة، ولجهالة حصين بن حرملة.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (323) من طريق ابن المبارك، عن عتبة به.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (8977) من طريق ابن لهيعة به.

وأخرجه أحمد (14791) من طريق ابن المبارك، عن عتبة به.

ص: 147

عمرو بن سعيد، عن أبي زرعة، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والغنيمة"

(1)

.

4986 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن يونس

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

4987 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: سمعت معاوية بن صالح يحدث، قال: حدثني زياد بن نعيم سمع أبا كبشة رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم "الخيل معقود في نواصيها الخير، وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يديه بالصدقة"

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (223) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 481، وأحمد (19196)، ومسلم (1872)(97)، والنسائي في المجتبى 6/ 221، وفي الكبرى (4414)، وأبو عوانة 5/ 11 - 13، وابن حبان (4669)، والطبراني في الكبير (2409، 2411، 2412، 2413)، والبيهقي 6/ 329، والبغوي (2646) من طرق عن يونس به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (224) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مسلم (1872)(97)، من طريق يزيد بن زريع به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن حبان (4674)، والحاكم 2/ 91، والطبراني في الكبير (22/ 849) من طريق ابن وهب به.

ص: 148

4988 -

حدثنا فهد، قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عبد الله

(1)

بن إدريس، وابن فضيل، عن حصين، عن الشعبي، عن عروة البارقي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الخير معقود في نواصي الخيل" فقيل: يا رسول الله، مِمَّ ذلك؟ قال الأجر والغنيمة إلى يوم القيامة، وزاد فيه ابن إدريس:"والإبل عزٌّ لأهلها، والغنم بركة"

(2)

.

4989 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا، فطر، عن أبي إسحاق، قال: وقف علينا عروة البارقي رضي الله عنه ونحن في مجلسنا، فحدثنا فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخير معقود في نواصي الخيل أبدا إلى يوم القيامة"

(3)

.

4990 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن عروة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(4)

.

(1)

في الأصول "بكر"، والصواب ما أثبته.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (226) بإسناده ومتنه، إلا أنه وقع في طبعته تكرار اسم ابن إدريس وابن فضيل.

وأخرجه الطيالسي (1056)، وابن أبي شيبة 12/ 480، وأحمد (19354)، والبخاري (3119)، ومسلم (1873)(99)، والترمذي (1694)، والنسائي 6/ 222، وابن ماجه (2305)، وأبو يعلى (6828)، والطبراني في الكبير 17/ (398)، وأبو نعيم في الحلية / 127 من طرق عن حصين به.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (227) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد في العلل (4309)، والعقيلي في الضعفاء 2/ 217، والطبراني في الكبير 17/ (405) من طريق فطر به.

(4)

إسناده صحيح.=

ص: 149

4991 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوحاظي، قال: ثنا زهير عن جابر عن عامر، عن عروة البارقي، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله، وزاد "الأجر والغنيمة"

(1)

.

4992 -

حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا عبد الله بن سالم، قال: ثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس، قال: حدثني الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير، قال: حدثني سلمة بن نفيل السكوني، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها"

(2)

.

فإن قال قائل: فما معنى اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم بالنهي عن إنزاء الحمير

=وأخرجه الطيالسي (1057، 1245)، وأحمد (19360)، ومسلم (1873)(99)، وأبو عوانة 5/ 10 - 11، والطبراني في الكبير (17/ (409)، وابن عبد البر في التمهيد 14/ 100 من طرق عن شعبة به.

(1)

إسناده ضعيف لضعف جابر الجعفي.

وأخرجه الحميدي (865)، وابن أبي شيبة 12/ 480، 481، وأحمد (19354)، والبخاري (2850، 3119)، ومسلم (1873)، والترمذي (1694)، والنسائي في المجتبى 6/ 222، وفي الكبرى (4400)، وابن ماجه (2305)، وأبو يعلى (6828)، وأبو عوانة 5/ 18، والطبراني في الكبير 17/ 402، والأوسط (6377) من طرق عن عامر به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (228) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مطولا ومختصرا البخاري في التاريخ 4/ 70 - 71، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1/ 336 - 337، والطبراني في الكبير 7/ (6358) من طريق عبد الله بن سالم به.

وأخرجه ابن سعد 7/ 427 - 428، وأحمد (16965)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة 2/ 298، والطبراني في الكبير (6357، 6359)، وفي مسند الشاميين (57، 1419) من طريقين عن الوليد بن عبد الرحمن به.

ص: 150

على الخيل؟ قيل له: لما

4993 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا المرجى -هو ابن رجاء-، قال: ثنا أبو جهضم، قال: حدثني عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بثلاث: أن لا نأكل الصدقة، وأن نسبغ الوضوء، وأن لا ننزي حمارًا على فرس قال: فلقيت عبد الله بن الحسن وهو يطوف بالبيت، فحدثته، فقال: صدق، كانت الخيل قليلةً في بني هاشم فأحب أن تكثر فيهم

(1)

.

فبين عبد الله بن الحسن بتفسيره هذا المعنى الذي له اختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم أن لا ينزوا الحمار على فرس، وأنَّه لم يكن للتحريم، وإنما كان لعلة قلة الخيل فيهم، فإذا ارتفعت تلك العلة، وكثرت الخيل في أيديهم صاروا في ذلك كغيرهم، وفي اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بالنهي عن ذلك دليل على إباحته إياه لغيرهم، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في ارتباط الخيل ما ذكرنا من الثواب والأجر، وسئل عن ارتباط الحمير، فلم يجعل في ارتباطها شيئًا، والبغال التي هي خلاف الخيل مثلها كان من ترك أن ينتج ما في ارتباطه وكسبه الثواب، وأنتج ما لا ثواب في ارتباطه وكسبه، من الذين لا يعلمون، فقد ثبت بما ذكرنا إباحة نتج البغال لبني هاشم ولغيرهم، وإن كان إنتاج الخيل أفضل من ذلك، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم الله.

(1)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه (4961).

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (229) بإسناده ومتنه.

ص: 151

‌14 - كتاب وجوه الفيء وخمس الغنائم

قال الله عز وجل {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7]، وقال الله عز وجل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41].

قال أبو جعفر: فكان ما ذكر الله عز وجل في الآية الأولى هو فيما صالح عليه المسلمون أهل الشرك من الأموال وفيما أخذوه منهم في جزية رقابهم وما أشبه ذلك، وكان ما ذكره في الآية الثانية، هو خمس ما غلبوا عليه بأسيافهم وما أشبهه من الركاز الذي جعل الله فيه على لسان رسول صلى الله عليه وسلم، الخمس، وقد تواترت بذلك الآثار عنه صلى الله عليه وسلم.

4994 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"في الركاز الخمس"

(1)

.

4995 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (664) بإسناده ومتنه.

وهو في موطأ مالك 1/ 340، ومن طريقه أخر ج هـ الدارمي (1668، 2378)، والبخاري (1499)، ومسلم (1710)، (45)، والنسائي في المجتبى 5/ 45، وفي الكبرى (5833)، وابن خزيمة (2326)، وابن حبان (6005)، والدارقطني 3/ 151، والبيهقي في الكبرى 4/ 155، 8/ 343.

ص: 152

المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

فقال له السائل: يا أبا محمد أمعه أبو سلمة؟ فقال: إن كان معه، فهو معه.

فكان حكم جميع الفيء وخمس الغنائم حكمًا واحدًا، ثم تكلم الناس بعد ذلك في تأويل قوله عز وجل في آية الفيء: فلله، وفي الغنيمة "فأن الله".

فقال بعضهم: قد وجب الله عز وجل بذلك سهم في الفيء، وفي خمس الغنيمة، فجعل ذلك السهم في نفقة الكعبة، ورووا ذلك عن أبي العالية

4996 -

كتب إلي علي بن عبد العزيز، حدثني عن أبي عبيد، عن حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة، فيضرب بيده، فما وقع فيها من شيء جعله للكعبة، وهو سهم بيت الله، ثم يقسم ما بقي على خمسة، فيكون للنبي صلى الله عليه وسلم سهم، ولذي القربى، سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم قال: والذي جعله للكعبة، هو السهم الذي جعله الله عز وجل

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (663) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الشافعي في السنن المأثورة (370)، وابن أبي شيبة 3/ 225، والترمذي (1377)، والنسائي 5/ 45، والدارقطني 3/ 149 - 150 من طريق سفيان بن عيينة به.

(2)

إسناده مرسل.

وأخرجه القاسم بن سلام في الأموال (38) عن الحجاج، عن أبي جعفر الرازي به.=

ص: 153

وذهب آخرون

(1)

إلى ما أضاف الله جل ثناؤه، إلى نفسه من ذلك، أنه مفتاح كلام افتتح به ما أمر من قسمة الفيء، وخمس الغنائم فيه، قالوا: وكذلك ما أضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

4997 -

حدثنا محمد بن الحجاج بن سليمان الحضرمي، ومحمد بن خزيمة بن راشد البصري، وعلي بن عبد الرحمن بن المغيرة الكوفي، قالوا: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنها، قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس: فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة فربع لله ولرسوله ولذي القربي يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان الله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع: لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين

(2)

.

=وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 5/ 1703، وابن أبي شيبة (33298)، وابن زنجويه في الأموال (71)، وأبو داود في المراسيل (374) من طرق عن أبي جعفر الرازي به.

(1)

قلت: أراد بهم: أبا بكر وعمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وإبراهيم النخعي، والحسن بن محمد بن الحنفية في قول رحمهما الله كما في النخب 19/ 18.

(2)

إسناده مرسل، قال ابن طهمان عن ابن معين: لم يسمع علي بن أبي طلحة، عن عبد الله بن عباس شيئا، سؤالاته (260)، وقال المزي: مرسل بينهما مجاهد.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 5/ 1704، وابن زنجويه في الأموال (77)، والقاسم بن سلام في الأموال (37)، وفي الناسخ والمنسوخ (440)، والبيهقي 6/ 293 من طرق عن عبد الله بن صالح به.

ص: 154

وذهب قوم

(1)

إلى أن معنى قول الله عز وجل فأن الله خمسه، مفتاح كلام، وأن قوله وللرسول، يجب به لرسول الله سهم، وكذلك ما أضافه إلى من ذكره في آية خمس الغنائم جميعًا، ورووا ذلك عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

4998 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، قال: ثنا سفيان الثوري، (ح)

وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سألت الحسن بن محمد بن علي عن قول الله عز وجل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الآية، قال: أما قوله {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فهو مفتاح كلام الله في الدنيا والآخرة {وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41].

فاختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال قائل: سهم ذوي القربي لقرابة الخليفة، وقال قائل: سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده، ثم أجمع رأيهم على أن جعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله عز وجل، فكان ذلك في إمارة أبي بكر

(1)

قلت: أراد بهم: الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، وقتادة، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبا ثور، وإسحاق، وأبا سليمان الشيباني، والنسائي، وابن عمر في قول، وابن عباس في قول، وغيرهم رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 23.

ص: 155

وعمر رضي الله عنها

(1)

.

فلما اختلفوا فيما يقسم عليه الفيء وخمس الغنائم هذا الاختلاف، فقال كل فريق منهم ما قد ذكرناه عنه، وجب أن ننظر في ذلك، لنستخرج من أقوالهم فيه قولًا صحيحًا، فاعتبرنا قول الذين ذهبوا إلى أنهما يقسمان على ستة أسهم، وجعلوا ما أضافه الله عز وجل إلى نفسه من ذلك يجب به سهم يصرف في حق الله تعالى كما ذكروا، هل له معنى أم لا؟ فرأينا الغنيمة قد كانت محرمةً على من سوى هذه الأمة من الأمم، ثم أباحه الله لهذه الأمة رحمةً منه إياها وتخفيفًا منه عنها، وجاءت بذلك الآثار عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم.

4999 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، عن سفيان، عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لم تحل الغنيمة لأحد سود الرءوس قبلنا، كانت الغنيمة تنزل النار فتأكلها، فنزلت {لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ} [الأنفال: 68] في الكتاب السابق

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي حاتم 5/ 1702، وعبد الرزاق (948)، وابن أبي شيبة (33451)، وابن زنجويه في الأموال (1247)، والقاسم بن سلام في الأموال (39)، والنسائي في المجتبى 7/ 133، والحاكم في المستدرك 2/ 140، والبيهقي 6/ 342 من طرق عن سفيان به.

(2)

إسناده موقوف، رجاله ثقات.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3312) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مرفوعًا سعيد بن منصور (2906)، وابن أبي شيبة 14/ 387، وأحمد (7433)، والترمذي (3085)، والنسائي في الكبرى (11209)، وابن الجارود (1071)، وابن حبان (4806) من طرق عن الأعمش به.

ص: 156

5000 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا محمد بن يوسف الفريابي، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تحل الغنيمة لقوم سود الرءوس قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها حتى كان يوم بدر، فوقعوا في الغنائم فاختلف بهم، فأنزل الله تعالى {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} [الأنفال: 68]

(1)

.

ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الأنفال، فانتزعها الله منهم، ثم جعلها لرسوله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله فيه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1].

5001 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن أبي مريم، قال أخبرنا ابن أبي الزناد، قال: حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فلقي العدو، فلما هزمهم الله، اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستولت طائفة بالعسكر والنهب، فلما نفى الله العدو، ورجع الذين طلبوهم، قالوا: لنا النفل، نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله عز وجل وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينال العدو منه غرةً، وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله! ما أنتم أحق به منا،

(1)

إسناده حسن في المتابعات من أجل قيس بن الربيع.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3311) بإسناده ومتنه.

ص: 157

نحن حويناه واستوليناه، فأنزل الله عز وجل {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] إلى قوله {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1] فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق

(1)

.

5002 -

حدثنا مالك بن يحيى، قال: ثنا أبو النصر، قال: ثنا الأشجعي، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ربيعة، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبي سلام، عن أبي أمامة رضي الله عنه

نحوه ولم يذكر عبادة، غير أنه قال فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم عن فواق بينهم ونزل القرآن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]

(2)

.

وقد قال قوم

(3)

: إن هذه الآية نزلت في غير هذا المعنى.

5003 -

حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، في قوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، قال: ما ندّ من المشركين إلى المسلمين من غير قتال من دابة ونحو

(1)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد.

وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (6535) من طريق ابن أبي مريم به.

وأخرجه ابن حبان (4855) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الرحمن بن الحارث به.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الرحمن بن الحارث.

(3)

قلت أراد بهم عطاء ومن تبعه كما في الذيل على النخب 18/ 39.

ص: 158

ذلك، فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وقال: والدليل على صحة هذا التأويل، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبي بكرة.

5004 -

حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث قال: ثنا أبي، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان من خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف أعتقه، فكان أبو بكرة منهم، فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

5005 -

حدثنا فهد، قال: ثنا إسماعيل بن الخليل الكوفي، قال أخبرنا علي بن مسهر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف من خرج إليه من عبيد الطائف، فكان ممن عتق يومئذ أبو بكرة وغيره، فكانوا موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف نعيم بن حماد.

(2)

إسناده ضعيف، حجاج هو ابن أرطاة مدلس وقد عنعن، والحكم بن عتيبة لم يسمعه من مقسم وإنما هو كتاب.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4269) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البيهقي 9/ 230 من طريق حفص به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 511، والدارمي (2508)، وأحمد (1959)، وأبو يعلى (2564)، والطبراني (12079، 12092)، والبيهقي 9/ 229، 230 من طرق عن الحجاج به.

(3)

إسناده ضعيف كسابقه.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4270) بإسناده ومتنه.

ص: 159

5006 -

حدثنا أحمد بن داود بن موسى، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن الفضل بن مهلهل، عن المغيرة عن الشباك، عن الشعبي، عن رجل من ثقيف قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلينا أبا بكرة، فأبى علينا وقال:"هو طليق الله وطليق رسوله"

(1)

.

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعتق أبا بكرة ومن نزل إليه من عبيد الطائف عتقًا صاروا به، مواليه فدل ذلك على أن ملكهم كان وجب له قبل العتاق دون سائر من كان معه من المسلمين، وأنهم إذا أخذوا بغير قتال كما لو لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم دون من سواه ممن كان معه من المسلمين.

وقد قال قوم

(2)

: إن تأويل هذه الآية أريد به معنًى غير هذين المعنيين.

5007 -

حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا، فذهب شبان الرجال، وجلس شيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنيمة جاء الشبان يطلبون نفلهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا تحت الرايات، ولو انهزمتم، كنا

(1)

إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن صالح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4273) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (17530) من طريق يحيى بن آدم به.

(2)

قلت: أراد بهم: الشعبي، وابن جرير، وغيرهما كما في الذيل على النخب 18/ 46.

ص: 160

ردءًا لكم، فأنزل الله عز وجل {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] فقرأ حتى بلغ {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)} [الأنفال: 5] يقول: "أطيعوا في هذا الأمر، كما رأيتم عاقبة أمري، حيث خرجتم وأنتم كارهون"، فقسم بينهم بالسوية

(1)

.

أفلا ترى أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسمه كله بينهم كما أنزل الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ، وكان ما أضافه الله إلى نفسه على سبيل الفرض، وما أضافه إلى رسوله على سبيل التمليك. وقد روي في ذلك وجه آخر أيضًا.

5008 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: نزلت في أربع آيات: أصبت سيفًا يوم بدر، فقلت: يا رسول الله نفلنيه، فقال:"ضعه من حيث أخذته"، ثم قلت: يا رسول الله، نفلنيه، فقال:"ضعه من حيث أخذته"، قلت: يا رسول الله نفلنيه، فقال: "ضعه من حيث أخذته، أتجعل

(2)

كمن لا غنى له"، أو قال: "أو جعل كمن لا غنى له"، الشك من

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (2739)، والبيهقي 6/ 292 من طريق ابن أبي زائدة به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 356، وأبو داود (2737، 2738)، والنسائي في الكبرى (11133)، وابن حبان (5093) من طرق عن داود بن أبي هند به.

(2)

أي: هل يعطى أجر كما يعطى لرجل فقير لا غنى له.

ص: 161

ابن مرزوق، قال: ونزل "يسألونك عن الأنفال" إلى آخر الآية

(1)

.

قال أبو جعفر: ففي هذه الآثار كلها التي أباحت الغنائم إنما جعلت في بدء تحليلها الله والرسول، فلم يكن ما أضاف الله سبحانه وتعالى منها إلى نفسه على أن يصرف شيء منها في حق الله تعالى، فيصرف ذلك في ذلك الحق بعينه، لا يجوز أن يتعدّى إلى غيره، ويصرف بعينها إلى سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون مقسمةً على سهمين مصروفةً في وجهين، بل جعلت كلها متصرفةً في وجه واحد، وهو إن جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يستأثر بها على أصحابه، ولم يخص بها بعضهم دون بعض بل عمهم بها جميعًا، وسوى بينهم فيها، ولم يخرج منها الله خمسًا، لأن آية الخمس في الأفياء، وآية الغنائم لم تكن نزلت عليه حينئذ.

ففيما ذكرنا ما يدل على أنه لما نزلت آية الغنائم، وهي التي وقع في تأويلها من الاختلاف ما قد ذكرنا أن لا يكون ما أضاف الله تعالى منها إلى نفسه من الغنائم، يجب به الله فيها سهم، فيكون ذلك السهم خلاف سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ولكنه كان منه على أنه له عز وجل فرض أن يقسم على ما سماه من الوجوه التي ذكرناها.

فبطل بذلك قول من ذهب إلى أن الغنيمة تقسم على ستة أسهم، ثم رجعنا إلى

(1)

إسناده حسن من أجل سماك بن حرب.

وأخرجه أبو عوانة 4/ 103 - 104، والبيهقي 6/ 291 من طريق وهب بن جرير به.

وأخرجه أحمد (1567)، ومسلم (1748)(34)، والترمذي (3189)، وابن حبان (6992) من طرق عن شعبة به.

ص: 162

قول من ذهب إلى أنها تقسم على أربعة أسهم، إلى ما احتجوا به في ذلك من خبر ابن عباس رضي الله عنهما الذي رويناه في صدر هذا الكتاب، وإن كان خبرًا منقطعًا، لا يثبت مثله، غير أن قومًا من أهل العلم بالآثار يقولون إنه صحيح، وإن علي بن أبي طلحة وإن كان لم يكن رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنما أخذ ذلك عن مجاهد وعكرمة، مولى ابن عباس رضي الله عنهما.

5009 -

حدثنا علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن فهم، قال: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: لو أن رجلًا رحل إلى مصر فانصرف منها بكتاب التأويل لمعاوية بن صالح ما رأيت رحلته ذهبت باطلةً

(1)

.

فوجدنا ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحية في آية الأنفال قد كان على التمليك لا على ما سواه، فقد كان في هذا حجة قاطعة تغنينا عن الاحتجاج بما سواها على أهل هذا القول، ولكنا نريد في الاحتجاج عليهم فنقول: قد وجدنا الله عز وجل أضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الفيء في غير الآيتين اللتين قدمنا ذكرهما في أول هذا الباب، فكان ذلك على التمليك منه إياه، ما أضافه إليه من ذلك عز وجل قال:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلِ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6].

5010 -

حدثنا يزيد بن سنان، وأبو أمية، قالا: ثنا بشر بن عمر الزهراني، قال: ثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس النصري، قال أرسل إليّ عمر بن الخطاب

(1)

إسناده فيه علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن فهم، قال في كشف الأستار 3/ 531: لم أر من ترجمه.

ص: 163

رضي الله عنه فقال: إنه قد حضر المدينةَ أهلُ أبيات قومك، وقد أمرنا لهم برَضْخ، فاقسمه بينهم، فبينا أنا كذلك، إذ جاءه حاجبه يرفأ، فقال: هذا عثمان، وعبد الرحمن، وسعد، والزبير، وطلحة رضي الله عنهم يستأذنون عليك فقال: ائذن لهم، ثم مكثنا ساعةً، فقال: هذا العباس وعلي يستأذنان عليك، فقال: ائذن لهما، فدخل العباس، قال: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا الرجل وهما حينئذ فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير، فقال القوم: اقض بينهما يا أمير المؤمنين! وأرح كل واحد منهما عن صاحبه، فقال عمر رضي الله عنه: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لا نورث ما تركنا صدقة" قالوا: قد قال ذلك، ثم قال لهما مثل ذلك، فقالا: نعم، قال: فإني سأخبركم عن هذا الفيء، إن الله خص نبيه بشيء لم يعطه غيره فقال:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} ، فوالله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، ولقد قسمها بينكم، وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، وكان ينفق منه على أهله رزق سنة، ثم يجمع ما بقي مجمع مال الله

(1)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4351) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أبو داود (2963)، والترمذي (1610) من طريقين عن بشر بن عمر به.

وأخرجه البخاري (3094)، ومن طريقه البغوي (2738) عن إسحاق بن محمد الفروي، ومسلم (1757)(49)، والبيهقي 6/ 297 من طريق عبد الله بن محمد بن أسماء، عن جويرية بنت أسماء كلاهما عن مالك بن أنس به مطولا. =

ص: 164

أفلا ترى أن قوله عز وجل، {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} ، هو على فيء تملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر الناس ليس على مفتاح الكلام الذي لا يجب له به ملك، فكذلك ما أضافه إليه أيضًا في آية الفيء وفي آية الغنيمة اللتين قدمنا ذكرهما في صدر هذا الكتاب، هو على التمليك منه ليس له على افتتاح الكلام الذي لا يجب له به ملك.

فثبت بما ذكرنا أن الفيء والخمس من الغنائم، قد كانا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفان في خمسة أوجه، لا في أكثر منها ولا فيما دونها.

5011 -

وقد كتب إلي علي بن عبد العزيز، يحدثني، عن أبي عبيد، عن سعيد بن عفير، عن عبد الله بن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت الغنائم تجزأ خمسة أجزاء، ثم تسهم عليهم، فما أصاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له، لا تحتاز

(1)

.

=وأخرجه الحميدي (22)، والشافعي 4/ 123، وأبو عبيد في الأموال (17)، وأحمد (171)، والبخاري (2904، 4885)، ومسلم (1759 (48)، والبزار (255)، وأبو داود (2965)، والترمذي (1719)، والنسائي 7/ 132، وابن الجارود (1097)، وابن حبان (1357، 6608)، والبيهقي 6/ 298 - 299، والبغوي في تفسيره 4/ 416 من طرق عن الزهري به.

(1)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.

وأخرجه أبو عبيد في الأموال (36)، ومن طريقه ابن زنجويه في الأموال (81، 1224) عن سعيد بن عفير المصري به.

وأخرجه أحمد (5397) من طريق الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة به.

وأخرجه أبو داود (2993) ومن طريقه البيهقي 6/ 304 من طريق عمر بن عبد الواحد، عن سعيد بن بشير، عن قتادة به.

ص: 165

5012 -

ثم حدثنيه يحيى بن عثمان قال: ثنا أبي، وسعيد بن عفير

فذكره بإسناده ومتنه عنهما

(1)

.

5013 -

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا ابن المبارك، قال أخبرنا ابن لهيعة

فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: مما أصاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له، ويقسم البقية بينهم

(2)

.

وقد روي ذلك أيضًا عن يحيى بن الجزار، وعن عطاء بن أبي رباح.

5014 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سمعت يحيى بن الجزار، يقول: سهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس الخمس

(3)

.

5015 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن

(1)

إسناده ضعيف كسابقه.

(2)

إسناده ضعيف لضعف نعيم بن حماد، ورواية ابن المبارك عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (19486)، وابن أبي شيبة (33300)، وابن زنجويه في الأموال (74)، والقاسم بن سلام في الأموال (35) من طريق سفيان الثوري به.

وأخرجه سعيد بن منصور (2678) عن أبي عوانة، عن موسى بن أبي عائشة به.

وأخرجه النَّسَائِي في المجتبى 7/ 133، وفي الكبرى (4430) عن أبي إسحاق، عن موسى بن أبي عائشة به.

ص: 166

عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، قال: خمس الله عز وجل وخمس الرسول واحد

(1)

.

ثم تكلموا في تأويل قوله عز وجل ولذي القربى" من هم؟

فقال بعضهم

(2)

: هم بنو هاشم الذين حرم الله عليهم الصدقة، لا من سواهم من ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الله لهم من الفيء، ومن خمس الغنائم ما جعل لهم منها بدلًا مما حرم الله عليهم من الصدقة.

وقال قوم

(3)

: هم بنو هاشم وبنو المطلب خاصةً دون من سواهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال قوم

(4)

: هم قريش كلها، الذين يجمعه وإياهم أقصى آبائه من قريش دون من سواهم، ممن يقاربه من قبل أمهاته، ممن ليس من قريش، غير أنه لم يكن عليه أن

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1703)، وابن أبي شيبة (33304)، وابن زنجويه في الأموال (1230)، والقاسم بن سلام في الأموال (40)، والنسائي في المجتبى 7/ 137، وفي الكبرى (4228)، والبيهقي 6/ 338 من طرق عن عبد الملك ابن أبي سليمان به.

(2)

قلت: أراد بهم: ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، ومحمد بن حنفية، وزيد بن أرقم، وطائفة من الكوفيين رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 72.

(3)

قلت: أراد بهم: الأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأبا ثور، وإسحاق، وأبا سليمان، وأحمد، والنسائي، وجمهور أصحاب الحديث رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 73.

(4)

قلت: أراد بهم: أصبغ بن الفرج، ومن تبعه كما في الذيل على النخب 18/ 74.

ص: 167

يعمهم، إنما كان عليه أن يعطي من رأى إعطاءه منهم دون بقيتهم.

وقال قوم

(1)

: هم قرابته من قبل آبائه إلى أقصى أب له من قريش، ومن قبل أمهاته إلى أقصى أم، لكل أم منهن من العشيرة التي هي منها، غير أنه لم يكن عليه أن يعمهم بعطيته، إنما يعطي من رأى إعطاءه منهم.

وقد احتج كل فريق منهم لما ذهب إليه في ذلك، بما سنذكره في كتابنا هذا، ونذكر ذلك ما يلزمه من مذهبه إن شاء الله تعالى.

فأما أهل القول الأول الذين جعلوه لبني هاشم خاصةً، فاحتجوا في ذلك بأن الله عز وجل اختصهم بذلك بتحريم الصدقة عليهم، فإن قولهم هذا عندنا فاسد، "لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمت الصدقة على بني هاشم، قد حرمها على مواليهم كتحريمه إياها عليهم، وتواترت عنه الآثار بذلك.

5016 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن المقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: استعمل أرقم بن أبي أرقم على الصدقات، فاستتبع أبا رافع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: يا أبا رافع! إن الصدقة حرام على محمد وآل محمد، وإن مولى القوم من أنفسهم"

(2)

.

(1)

قلت: أراد بهم: أبا يوسف، ومحمدا، وآخرين رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 75.

(2)

إسناده ضعيف لسوء حفظ ابن أبي ليلى، وقال أحمد: لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، وهذا الحديث ليس منها، وما غير ذلك فأخذها من كتاب.=

ص: 168

5017 -

حدثنا بكار بن قتيبة، وإبراهيم بن مرزوق، قالا: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما نصيبَ منها، فقال: حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال:"إن آل محمد لا يحل لهم الصدقة، وإن مولى القوم من أنفسهم"

(1)

.

5018 -

حدثنا ربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ورقاء بن عمر، عن عطاء بن السائب، قال: دخلت على أم كلثوم ابنة علي رضي الله عنه، فقالت: إن مولًى لنا يقال له هرمز أو كيسان أخبر أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فدعاني فقال: "يا أبا

(2)

فلان، إنا أهل بيت قد نهينا أن نأكل الصدقة، وإن مولى القوم من أنفسهم، فلا تأكل

=وهو عند المصنف في أحكام القرآن (794) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطبراني في الكبير (12059) من طريق محمد بن كثير به.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (2122) من طريق محمد بن يوسف الفريابي، وأبو يعلى (2728) من طريق أبي أحمد الزبيري، كلاهما عن سفيان الثوري به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (795)، وفي شرح مشكل الآثار (4390) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (972)، وابن أبي شيبة 3/ 214، وأحمد (23872)، وابن زنجويه في الأموال (2123)، وأبو داود (1650)، والترمذي (657)، والنسائي 5/ 107، وابن خزيمة (2344)، والطبراني (932)، والحاكم 1/ 404، والبيهقي (327، والبغوي (1607) من طرق عن شعبة به.

(2)

في "دونه".

ص: 169

الصدقة"

(1)

.

فلما كانت الصدقة المحرمة على بني هاشم، قد دخل فيهم مواليهم، ولم يدخل مواليهم معهم في سهم ذوي القربى باتفاق المسلمين، ثبت بذلك فساد قول من قال: إنما جعلت لذوي القربى في آية الفيء، وفي آية خمس الغنيمة بدلًا مما حرم عليهم الصدقة.

ويفسد هذا القول أيضًا من جهة أخرى، وذلك أنا رأينا الصدقة لو كانت حلالًا لبني هاشم كهي الجميع المسلمين لكانت حرامًا على أغنيائهم كحرمتها على أغنياء جميع المسلمين فمن سواهم، وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل بني هاشم في سهم ذوي القربى جميعًا، وفيهم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقد كان موسرًا في الجاهلية والإسلام جميعًا، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعجّل منه زكاة ماله عامين فلما رأينا يساره لم يمنعه من سهم ذوي القربى، وكان ذلك اليسار يمنعه من الصدقة قبل تحريم الله إياها على بني هاشم، فدل ذلك أن سهم ذوي القربى لم يجعل لمن يجعل له خلفًا من الصدقة

(1)

إسناده حسن، وعطاء بن السائب مختلط ولم يذكروا أن ورقاء بن عمر سمع منه قبل الاختلاط، وتابعه سفيان الثوري، وأم كلثوم بنت علي هي الصغرى وأمها أم ولد.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (796)، وفي شرح مشكل الآثار (4391) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطبراني 10/ (737) من طريق المقدام بن داود، عن أسد بن موسى به.

وأخرجه أحمد (16399)، والبخاري في التاريخ الكبير 7/ 427، وحميد بن زنجويه في الأموال (2126)، والبيهقي في السنن 7/ 32 من طرق عن سفيان عن عطاء به.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 7/ 428 من طريق حماد بن زيد، عن عطاء قال: سمعت أم كلثوم بنت علي .... وإسناده مرسل.

ص: 170

التي حرمت عليه.

وأما الذين ذهبوا إلى أن ذوي القربى في الآيتين اللتين قدمنا في أول هذا الكتاب، هم بنو هاشم، وبنو المطلب خاصةً، فإنهم احتجوا لقولهم بما روى جبير بن مطعم رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.

5019 -

حدثنا علي بن شيبة، ومحمد بن بحر بن مطر البغداديان قالا: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى به أعطى بني هاشم وبني المطلب، ولم يعط بني أمية شيئًا، فأتيت أنا وعثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! هؤلاء بنو هاشم فضلهم الله بك، فما بالنا وبني المطلب؟ وإنما نحن وهم في النسب شيء واحد، فقال:"إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام"

(1)

.

(1)

إسناده حسن، محمد بن إسحاق وإن كان مدلسا وقد عنعن، فقد صرح بالتحديث عند الطبري والبيهقي، ومحمد بن بحر بن مطر متابع.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (798) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (16741)، وأبو عبيد في الأموال (842)، والنسائي في المجتبى 7/ 130 - 131، والفاكهي (2406)، وأبو يعلى (7399)، والطبراني في الكبير (1591) من طريق يزيد بن هارون به.

وأخرجه الشافعي 2/ 126، وابن أبي شيبة 14/ 460 - 461، والبخاري (3502، 3140)، وأبو داود (2980)، والطبري في تفسيره (16119)، والطبراني في الكبير (1592)، والبيهقي 6/ 341، والبغوي (2736) من طرق عن الزهري به.

ص: 171

قالوا: فلما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عمّ بعطيته ما أمر أن يعطيه ذوي قرباه بني هاشم وبني المطلب، وحرم من فوقهم فلم يعطه شيئًا، دل ذلك أن من فوقهم ليسوا من ذوي قرباه.

وهذا القول أيضًا عندنا فاسد، لأنا قد رأيناه قد حرم بني أمية، وبني نوفل، ولم يعطهم شيئًا؛ لأنهم ليسوا قرابةً، وكيف لا يكونون قرابةً، وموضعهم منه، كموضع بني المطلب؟ فلما كان بنو أمية وبنو نوفل لم يخرجوا من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بتركه إعطاءهم كان كذلك من فوقهم من سائر بطون قريش لا يخرجون من قرابته بتركه إعطاءهم، وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا من سهم ذوي القربى من ليس من بني هاشم، ولا من بني المطلب، ولكنه من قريش ممن يلقاه إلى أب هو أبعد من الأب من الذي يلقاه عنه بنو أمية، وبنو نوفل، وهو الزبير بن العوام رضي الله عنه.

5020 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن هشام بن عروة، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن جده، أنه كان يقول: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر للزبير بن العوام بأربعة أسهم: سهم للزبير، وسهم لذي القربى لصفية بنت عبد المطلب، أم الزبير، وسهمين للفرس

(1)

.

(1)

إسناده حسن من أجل سعيد بن عبد الرحمن الجمحي.

وأخرجه الدارقطني (4143)، والبيهقي 9/ 52 من طريق يونس بن عبد الأعلى به.

وأخرجه النَّسَائِي في المجتبى 6/ 228، وفي الكبرى (4418) عن ابن وهب به.

وعند الدارقطني عن يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن جده، والباقي مثل المؤلف.

ص: 172

5021 -

حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي، قال: ثنا سعيد بن داود الزنبري، قال: ثنا مالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير بن العوام يوم خيبر أربعة أسهم: سهمًا له مع المسلمين، وسهمين للفرس، وسهمًا لذي القربى

(1)

.

5022 -

حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: ثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الزبير يضرب له في الغنم بأربعة أسهم: سهمين لفرسه، وسهمًا لذي القربي

(2)

.

فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى الزبير بن العوام، لقرابته منه من سهم ذوي القربى، والزبير ليس من بني هاشم، ولا بني المطلب، وقد جعله فيما أعطاه من ذلك كبني هاشم وبني المطلب، دل ذلك أن ذوي القربى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم وبنو المطلب ومن سواهم من ذوي قرابته.

(1)

إسناده ضعيف لضعف سعيد بن داود بن أبي زنبر.

وأخرجه الطبراني (4867) من طريق مالك، عن أبي الزناد به.

وأخرجه البيهقي في السنن 6/ 326، وفي الدلائل 4/ 240، والإسماعيلي في معجمه (275) من طريق ابن زنبر، عن مالك به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه النَّسَائِي 6/ 228، والدارقطني 4/ 110 - 111، والبيهقي 6/ 326 من طريقين عن هشام بن عروة، عن يحيى ابن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن جده.

ص: 173

فإن قال قائل: إن الزبير وإن لم يكن من بني هاشم، فإن أمه منهم، وهي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم فبهذا أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاه، فقام عنده بموضعه منه بأمه مقام غيره من بني هاشم.

قيل له: لو كان ما وصفت كما ذكرت، إذًا لأعطى من سواه من غير بني هاشم، ممن أمه من بني هاشم، وقد كان بحضرته من غير بني هاشم ممن أمهاتهم هاشميات، ممن هو أمس برسول الله صلى الله عليه وسلم بنسب أمه رحمًا من الزبير، منهم أمامة ابنة أبي العاص بن الربيع، وقد حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطها شيئًا من سهم ذوي القربى إذ حرم بني أمية، وهي من بني أمية، ولم يعطها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمها الهاشمية، وهي زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، وحرم أيضًا جعدة بن هبيرة المخزومي فلم يعطه شيئًا، وأمه أم هانئ ابنة أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم فلم يعطه بأمه شيئًا إذ كانت من بني هاشم، فدل ذلك أن المعنى الذي أعطى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ما أعطاه من سهم ذوي القربى، ليس لقرابته لأمه، ولكنه لمعنًى غير ذلك.

فثبت بما ذكرنا أن ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم بنو هاشم، وبنو المطلب، ومن سواهم، ممن هو له قرابة من غير بني هاشم، ومن غير بني المطلب، وقد أمر الله عز وجل رسوله في غير هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فلم يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنذارة بني هاشم وبني المطلب خاصةً، بل قد أنذر من قومه ممن هو أبعد منه رحمًا من بني أمية ومن بني نوفل.

ص: 174

5023 -

حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، قال: ثنا عباد بن يعقوب، قال: ثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله، قال: قال علي رضي الله عنه: لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي! اجمع لي بني هاشم وهم أربعون رجلًا، أو أربعون إلا رجلًا

"، ثم ذكر الحديث

(1)

.

قال أبو جعفر رضي الله عنه: ففي هذا الحديث أنه قصد بالنذارة إلى بني هاشم خاصةً.

5024 -

فحدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، قال: ثنا محمد بن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي رضي الله عنهم

مثله، غير أنه قال: اجمع لي بني المطلب

(2)

.

5025 -

حدثنا أحمد بن داود بن موسى، قال: ثنا مسدد بن مسرهد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن قبيصة بن مخارق، وزهير بن

(1)

إسناده ضعيف لضعف عباد بن عبد الله الأسدي.

وأخرجه أحمد (883)، والطبري في تهذيب الآثار (ص 60 - 61) من طريق شريك به.

(2)

إسناده ضعيف جدا عبد الغفار بن القاسم متروك، ومحمد بن حميد بن حيان ضعيف.

وأخرجه البزار في مسنده (456) عن سلمة بن الفضل به.

ص: 175

عمرو، قالا: لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتكَ الْأَقْرَبِينَ} ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضفة من جبل، فعلا، أعلاها، ثم قال: يا بني عبد مناف! إني نذير"

(1)

.

ففي هذا الحديث إدخاله بني عبد مناف مع من هو أقرب إليه منهم من قرابته.

5026 -

حدثنا ربيع بن سليمان، قال: ثنا أبو الأسود، وحسان بن غالب، قالا: ثنا ضمام بن إسماعيل، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يا بني هاشم، يا بني قصي، يا بني عبد مناف! أنا النذير، والموت المغير، والساعة الموعد"

(2)

.

ففي هذا الحديث أنه دعا بني قصي مع من هو أقرب إليه منهم.

5027 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، وعفان، عن أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (207)، والنسائي (10749، 11315) من طريق يزيد بن زريع به.

وأخرجه أحمد (15914)، ومسلم (207)، والنسائي في الكبرى (10815، 10816)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1446)، والطبري في التفسير 19/ 120، وأبو عوانة 1/ 92 - 93، والطبراني في الكبير 18/ (956)، وابن مندة في الإيمان (953، 954، 955، 956)، والبيهقي في الدلائل 2/ 178 من طرق عن سليمان التيمي به.

(2)

إسناده حسن من أجل موسى بن وردان، وحسان بن غالب ضعيف لكنه متابع.

وأخرجه أبو يعلى (6149) من طريق سويد بن سعيد، والبيهقي في الشعب (10094) من طريق محمد بن بكير، كلاهما عن ضمام بن إسماعيل به.

ص: 176

{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم فنادى: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة ابنة محمد! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا غير أن لكم رِحمًا سأبلّها ببلالها"

(1)

.

ففي هذا الحديث أنه أنذر بني كعب بن لؤي مع من هو أقرب إليه منهم، وفي الحديث أيضًا أنه جعلهم جميعًا، ذوي أرحام.

5028 -

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: "يا بني عدي، يا بني فلان" لبطون قريش، حتى اجتمعو، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر، وجاء أبو لهب وقريش، فاجتمعوا فقال:"أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ "، قالوا: نعم، ما جربنا

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (10725)، والبخاري في الأدب المفرد (48)، ومسلم (204)(349)، وأبو عوانة 1/ 93 من طرق عن أبي عوانة به.

ص: 177

عليك إلا صدقًا، قال:"فإني نذير لكم، بين يدي عذاب شديد"

(1)

.

ففي هذا الحديث أنه دعا بطون قريش كلها.

5029 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سلامة بن روح، قال ثنا [عقيل] بن خالد، قال: حدثني الزهري، قال: ثنا سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]: "يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة ابنة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا"

(2)

.

5030 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد، وأبو سلمة، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم ذكر مثله، غير أنه قال:"يا صفية، يا فاطمة"

(3)

.

(1)

إسناده صحيح، وهو مكرر لما سيأتي برقم (6949) من باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته ....

وأخرجه البخاري (1394، 3525، 4973)، والنسائي في الكبرى (11362) من طريق عمر بن حفص به.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل سلامة بن روح بن خالد.

وأخرجه الدارمي (2898)، والبخاري (2753، 4771) من طريق شعيب بن أبي حمزة به، وسيأتي برقم (6950) تحت باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته

(3)

إسناده صحيح. =

ص: 178

فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره الله عز وجل أن ينذر عشيرته الأقربين أنذر قريشًا بعيدها وقريبها، دل ذلك أنهم جميعًا ذوو قرابته، ولولا ذلك لقصد بإنذاره إلى ذوي قرابته منهم، وترك من ليس منهم بذوي قرابة له، فلم ينذره كما لم ينذر من يجمعه وإياه أب غير قريش.

فإن قال قائل: إنه إنما جمع قريشًا كلها فأنذرها؛ لأن الله عز وجل أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ولا عشيرة له أقرب من قريش، فلذلك دعا قريشًا كلها إذ كانت بأجمعها عشيرته التي هي أقرب العشائر إليه، قيل له: لو كان كما ذكرت إذًا كان يقول: وأنذر عشيرتك القربى ولكنه عز وجل لم يقل له كذلك، وقال له {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، فأعلمه أن كل أهل هذه العشيرة من أقربيه، فبطل بما ذكرنا قول من جعل ذا قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بني هاشم، وبني المطلب خاصةً وفيما ذكرنا من بعد هذه الحجة التي احتججنا بها ما يغنينا عن الاحتجاج لقول من قال: إن ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم: قريش كلها.

وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تأويل قول الله عز وجل: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] ما يدل على هذا المعنى أيضًا.

5031 -

حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال: ثنا الفريابي قال: ثنا سفيان،

=وأخرجه البخاري (4771)، ومسلم (206)، وابن حبان (6549) من طريق ابن وهب به، وسيأتي برقم (6951) من باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته.

ص: 179

عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل {قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قال: أن يصلوا قرابتي، ولا يكذبوني

(1)

.

فهذا على الخطاب لقريش كلها، فقد دل ذلك على أن قريشًا كلها ذوو قرابته وقد روي في ذلك أيضًا عن عكرمة ما يدل على هذا المعنى أيضًا.

5032 -

حدثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي، قال: سألت عكرمة عن قول الله عز وجل {قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قال: كانت قرابات النبي صلى الله عليه وسلم من بطون قريش كلها، فكانوا أشد الناس له أذًى، فأنزل الله تعالى فيهم {قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]

(2)

.

5033 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا الحجاج بن نُصَير، عن عمر بن فروخ، عن حبيب بن الزبير قال: أتى رجل عكرمة فقال: يا أبا عبد الله! قول الله عز وجل {قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قال: أسبائي أنت؟ قال: لست بسبائي، ولكني أريد أن أعلم، قال: إن كنت تريد أن تعلم فإنه لم يكن حي من أحياء قريش إلا

(1)

إسناده حسن في المتابعات من أجل شيخ الطحاوي.

وأخرجه الطبراني في الكبير (12569) عن عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم به.

وأخرجه ابن سعد 1/ 21، والحاكم 2/ 482، والبيهقي في الدلائل 1/ 185 من طريق هشيم عن داود به.

(2)

رجاله ثقات غير شيخ الطحاوي.

ص: 180

وقد عرق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كانت قريش يصلون أرحامهم من قبله، فما عدا إذا جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الإسلام، فقطعوه ومنعوه، وحرموه، فقال الله عز وجل:{قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ، أن تصلوني لما كنتم تصلون به قرابتكم قبلي"

(1)

.

وقد روي عن مجاهد في ذلك أيضًا ما يدل على هذا المعنى.

5034 -

حدثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:{قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] أن تتبعوني وتصدقوني، وتصلوا رحمي

(2)

.

ففي ما روينا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعن عكرمة، وعن مجاهد، في تأويل هذه الآية ما يدل على أن قريشًا كلها ذوو قرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وافق ذلك ما ذكرناه في تأويل قول الله عز وجل "وأنذر عشيرتك الأقربين" غير أنه قد روي عن الحسن في تأويل هذه الآية وجه يخالف هذا الوجه.

5035 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن هُشيم،

(1)

إسناده ضعيف لضعف الحجاج بن نصير.

وأخرجه ابن مردويه من طريق عكرمة به كما في الدر 7/ 6.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد كما في الدر 7/ 6.

ص: 181

عن منصور بن زاذان، عن الحسن في قوله:{قُلْ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قال التقرب إلى الله بالعمل الصالح

(1)

.

فأما من ذهب إلى أن قريشًا من ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من ذوي القربي أيضًا من مسه برَحِم من قبل أمهاته إلى أقصى كل أب، لكل أم من أمهاته من العشيرة التي هي منها، فإنه احتج لما ذهب إليه من ذلك بالنظر، وقال: رأيت الرجل بنسبته من أبيه ومن أمه مختلفًا، ولم يمنعه اختلاف نسبه منهما إن كان ابنًا لهما، ثم رأيناه يكون له قرابة لكل واحد منهما، فيكون بموضعه من أبيه قرابة لذي قرابة أبيه، ويكون بموضعه من أمه قرابة لذي قربي أمه.

ألا ترى أنه يرث إخوته لأبيه وإخوته لأمه، وترثه إخوته لأبيه وإخوته لأمه، وإن كان ميراث فريق ممن ذكرنا مخالفًا لميراث الفريق الآخر، وليس اختلاف ذلك بمانع منه القرابة، فلما كان ذوو قربي أمه قد صاروا له قرابةً، كما أن ذوي قربي أبيه قد صاروا له قرابةً كان ما يستحقه ذوو قربى أبيه بقرابتهم منه يستحق ذوو قربى أمه بقرابتهم منه مثله.

وقد تكلم أهل العلم في مثل هذا في رجل أوصى لذي قرابة فلان بثلث ماله، فقالوا في ذلك أقوالًا سنبينها، ونبين مذهب صاحب كل قول منها الذي أداه إلى قوله

(1)

رجاله ثقات.

وأخرجه عبد بن حميد عن الحسن كما في الدر 7/ 6، والبيهقي في الشعب (8987) عن الحسن به.

ص: 182

الذي قاله منها في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى، فكان أبو حنيفة رحمه الله قال: هي كل ذي رحم محرم من فلان الموصى لقرابته بما أوصى لهم به من قبل أبيه، ومن قبل أمه، غير أنه يبدأ في ذلك بمن كانت قرابته منه من قبل أبيه، على من كانت قرابته منه من قبل أمه، وتفسير ذلك أن يكون له عم وخال، فقرابة عمه منه من قبل أبيه كقرابة خاله منه من قبل أمه، فيبدأ في ذلك عمه على خاله، فيجعل الوصية له.

وكان زفر بن الهذيل يقول: الوصية لكل من قرب منه من قبل أبيه أو من قبل أمه، دون من كان أبعد منه منهم، وسواء في ذلك من كان منهم ذا رِحم للموصي لقرابته، ومن لم يكن منهم ذا رحم.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله: الوصية في ذلك لكل من جمعه، وفلانًا أب واحد، منذ كانت الهجرة من قبل أبيه، أو من قبل أمه، وسويّا في ذلك بين من بعُد منهم وبين من قُرب، وبين من كانت رحِمُه محرمةً منهم، وبين من كانت رحمه منهم غير محرمة، ولم يفصلا في ذلك بين من كانت رحمه منهم من قبل الأب على من كانت رحمه منهم من قبل الأم.

وكان آخرون يذهبون

(1)

في ذلك إلى أن الوصية بما وصفنا لكل من جمعه والموصي لقرابته أبوه الثالث إلى من هو أسفل من ذلك، وكان آخر يذهبون في ذلك إلى أن الوصية لكل من جمعه وفلانًا الموصى لقرابته أبوه الرابع إلى من هو أسفل من ذلك.

(1)

قلت: أشار إلى ما ذهب إليه السرخسي في المبسوط، كما في الذيل على النخب 18/ 130.

ص: 183

وكان آخرون يذهبون

(1)

في ذلك إلى أن الوصية فيما ذكرنا لكل من جمعه وفلانًا الموصى لقرابته، أب واحد في الإسلام أو في الجاهلية ممن يرجع بآبائه أو بأمهاته إليه، إما عن أب، وإما عن أم إلى أن يلقاه يثبت به المواريث ويقوم به الشهادات.

فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله، مما ذكرنا في هذا الفصل ففاسد عندنا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم وبني المطلب، وأكثرهم غير ذوي أرحام محرمة.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أبا طلحة أن يجعل شيئًا من ماله قد جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم لله ولرسوله فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل في فقراء قرابته، فجعله أبو طلحة لأبي بن كعب، والحسان بن ثابت رضي الله عنهما، فأما حسان فيلقاه عند أبيه الثالث، وأما أبي، فيلقاه عند أبيه السابع، وليسا بذوي أرحام منه محرمة. وجاءت بذلك الآثار، فمنها ما

5036 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا أحمد بن خالد الوهبي، قال: ثنا الماجشون، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] جاء أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، قال: وكان دار أبي جعفر والدار التي تليها إلى قصر -حُدَيلة حوائط،

(1)

قلت: أراد بهم: قوما من أهل الحديث، وجماعة من الظاهرية، والإمام أحمد رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 131.

ص: 184

قال: وكان قصر حُدَيلة حوائط لأبي طلحة فيها بئر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها فيشرب من مائها، ويأكل ثمرها، فجاءه أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: إن الله يقول: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] فإن أحب أموالي إلي هذه البئر فهي لله ولرسوله، أرجو بره وذخره اجعله يا رسول الله! حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بخ يا أبا طلحة، مال رابح، قد قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين". قال: فتصدق أبو طلحة على ذوي رحمه، فكان منهم أبي بن كعب، وحسان بن ثابت. قال: فباع حسان نصيبه من معاوية، فقيل له: إن حسانا يبيع صدقة أبي طلحة. فقال: لا أبيع صاعًا بصاع من دراهم

(1)

.

5037 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: ثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قال: أو قال: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] جاء أبو طلحة فقال: يا رسول الله! حائطي الذي بمكان كذا وكذا، لو استطعت أن أسره لم أعلنه قال: اجعله في فقراء قرابتك، وفقراء أهلك"

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري معلقا (2758) من طريق عبد العزيز الماجشون، عن إسحاق بن عبد الله به.

وأخرجه أحمد (13688)، وابن خزيمة (2455) من طريق همام، عن إسحاق به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (12781)، والدارقطني 4/ 191 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري به.

ص: 185

5038 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: ثنا أبي، عن ثمامة، قال: قال أنس: كانت لأبي طلحة أرض فجعلها الله عز وجل، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"اجعلها في فقراء قرابتك"، فجعلها لحسان وأبي. قال أبي، عن ثمامة، عن أنس رضي الله تعالى عنه، وكانا أقرب إليه مني

(1)

.

5039 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، أن مالكًا حدثه، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه حائط حديلة، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الله عز وجل يقول في كتابه:{لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وإن أحب الأموال إليّ الحائط، فإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله! حيث شئت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بخ، ذلك مال رابح، بخ، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيه، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين". فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله! فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني

(1)

إسناده صحيح على شرط البخاري.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4701) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البخاري (4555)، والدارقطني 4/ 191، والبيهقي 6/ 280 من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري.

ص: 186

عمه

(1)

.

قال أبو جعفر: فهذا أبو طلحة رضي الله عنه قد جعلها في أبيّ وحسان، وإنما يلتقي هو وأبي عند أبيه السابع؛ لأن أبا طلحة اسمه: زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وكلاهما ليس بذي رحم محرم منه، فدل ذلك على فساد قول من زعم أن القرابة ليست إلا من كانت رحمه رحمًا محرمةً.

وأما ما ذهب إليه زفر بن الهذيل بما قد حكينا عنه في هذا الفصل ففاسد أيضًا؛ لأنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعطى بني هاشم وبني المطلب ما أعطاهم من سهم ذوي القربي، قد سوي بين من قربت رحمه منه، وبين من بعدت رحمه منهم منه، وهم جميعًا له ذوو قرابة، فلو كان من قرب منه يحجب من بعد منه إذا لما أعطاه بعيدًا مع قريب؛ لأن الله عز وجل إنما أمره أن يعطي ذا قرابته ولم يكن ليخالف ما أمره به، وهذا أبو طلحة فقد جمع في عطيته أبي بن كعب، وحسان بن ثابت، وأحدهما أقرب إليه من الآخر إن كانا من ذوي قرابته، ولم يكن لما فعل من ذلك مخالفًا لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لم يكن رسول الله

(1)

إسناده صحيح.

وهو في موطأ مالك 2/ 995 - 996، ومن طريقه أخرجه الدارمي (1655)، وأحمد (12438)، والبخاري (1461، 2318، 2752، 2769، 4554، 5611)، ومسلم (998)(42)، والنسائي في الكبرى (11066)، وابن حبان (3341، 7182)، والبيهقي 6/ 164، 165، 275، والبغوي. (1683).

ص: 187

صلى الله عليه وسلم في إعطائه بني المطلب مع بني هاشم مخالفًا لما أمر الله في إعطائه من أمره بإعطائه من قرابته.

وأما ما ذهب إليه الذين قالوا: قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الرابع إلى من هو أسفل منه من آبائه ففاسد أيضًا؛ لأن أهله الذين ذهبوا إليه أيضًا دلهم عليه فيما ذكروا إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهم ذوي القربى بني المطلب، وهم بنو أبيه الرابع، ولم يعط بني أبيه الخامس ولا بني أحد من آبائه الذين فوق ذلك، وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم حرم بني أمية وبني نوفل فلم يعطهم شيئًا ليس لأنهم ليسوا من ذوي قرابته، فكذلك يحتمل أيضًا أن يكون إذ حرم من فوقهم أن يكون ذلك منه، ليس لأنهم ليسوا من قرابته، وهذا أبو طلحة فقد أعطى ما أمره الله والنبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه إياه ذا قرابته الفقراء بعض بني أبيه السابع، فلم يكن بذلك أبو طلحة رضي الله عنه لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفًا، ولا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله ذلك.

فأما ما ذهب إليه أن قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الثالث إلى من هو أسفل من ذلك فإنهم قالوا: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم جميعًا، وهم بنو أبيه الثالث، فكانوا قرابتهم منه، وأعطى بني المطلب ما أعطاهم؛ لأنهم حلفاؤه، ولو كان أعطاهم لأنهم قرابته لأعطى من هو في القرابة مثلهم من بني أمية، وبني نوفل.

فهذا القول عندنا فاسد؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان أعطى بني المطلب بالحلف

ص: 188

لا بالقرابة لأعطى جميع حلفائه، فقد كانت خزاعة حلفاءه، ولقد ناشده عمرو بن سالم الخزاعي بذلك الحلف.

5040 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، قال: لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَ مكة، وكانت خزاعةُ حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وكانت بنو بكر حلفاء قريش، فدخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في صلح قريش، فكانت بين خزاعة وبين بكر بعدُ قتالٌ، فأمدتهم قريش بسلاح وطعام وظلّلوا عليهم، وظهرت بنو بكر على خزاعة، فقتلوا فيهم.

فقدم وافد خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر بما صنع القوم، ودعاه إلى النصرة، وأنشد في ذلك:

لا همّ إني ناشد محمدًا

حلفَ أبينا وأبيه الأتْلَدا

والدًا كنا وكنتَ ولدًا

إن قريشًا أخلفوك الموعِدَا

وزعموا أن لستُ أدعو أحدًا

ونقضوا ميثاقك المؤكدًا

وجعلوا لي بكداء رُصَّدًا

وهم أذلّ وأقلّ عددًا

وهم أتونا بالوَتِير هُجَّدًا

وقتلونا ركّعًا وسجدًا

ثمّة أسلمنا ولم ننزع يدًا

فانصر رسولَ الله نصرا عتَدَا

وابعث جنود الله تأتي مَددًا

في فَلْق كالبحر يأتي مزبدا

ص: 189

فيهم رسول الله قد تجردا

إن سيم خسفًا وجهُه تربّدا

قال حماد: وهذا الشعر بعضه عن أيوب، وبعضه عن يزيد بن حازم، وأكثره عن محمد بن إسحاق

(1)

.

5041 -

حدثنا فهد بن سليمان قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري وغيره نحوه، غير أنه ذكر أن المناشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الشعر عمرو بن سالم

(2)

.

فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل خزاعة في سهم ذوي القربي للحلف الذي بينه وبينهم استحال أن يكون إعطاء بني المطلب للحلف، ولو كان إعطاؤهم للحلف أيضًا لأعطى موالي بني هاشم وهو فلم يعطهم شيئًا.

وأما ما ذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله مما قد ذكرناه عنهما، فهو أحسن هذه الأقوال كلها عندنا؛ لأنا رأينا الناس في دهرنا هذا ينسبون إلى العباس، وكذلك آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الزبير وطلحة، كل هؤلاء لا ينسب

(1)

إسناده مرسل صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (36902)، وابن زنجويه في الأموال (675) من طريق سليمان بن حرب به.

(2)

إسناده مرسل صحيح.

رواه ابن كثير في التاريخ 4/ 278 عن محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم به.

وابن هشام في السيرة 4/ 30 معلقا.

ص: 190

أولادهم إلى أبيهم الأعلى، فيقال: بنو العباس، وبنو علي، وبنو من ذكرنا، حتى قد صار ذلك يجمعهم، وحتى قد صاروا بآبائهم متفرقين كأهل العشائر المختلفة.

فإن قال قائل: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربي، إنما جعله فيمن يجمعه وإياه أب جاهلي، فكان بنو ذلك الأب من ذوي قرابته، وكذلك من أعطاه أبو طلحة ما أعطاه ممن ذكرنا فإنما يجمعهم وإياه أب جاهلي، فلم قلتم: إن قرابة الرجل هي من جمعه وإياه أقصى آبائه في الإسلام؟.

قيل له: قد ذكرنا فيها تقدم منّا في كتابنا هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى قرابةً، ومنع قرابةً، وقد كان كل من أعطاه وكل من حرمه ممن لم يعطه، ممن موضعه منه، وموضع الذي أعطاه يجمعه وإياهم عشيرة واحدة ينسبون إليها، حتى يقال لهم جميعًا: هؤلاء القريشيون، ولا ينسبون إلى ما بعد قريش، فيقال: هؤلاء الكنانيون، فصار أهل العشيرة جميعًا بني أب واحد وقرابة واحدة، وبانوا ممن سواهم فلم ينسبوا إليه.

فكذلك أيضًا كل أب حدث في الإسلام صار فخذًا أو صار عشيرةً ينسب ولده إليه في الإسلام، فكان هو وولده ينسبون جميعًا إلى عشيرة واحدة قد تقدمت الإسلام، فهم جميعًا من أهل تلك العشيرة.

هذا أحسن الأقوال في هذا الباب عندنا، والله نسأله التوفيق.

ثم رجعنا إلى ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي، قرباه فوجدنا الناس قد اختلفوا في ذلك.

ص: 191

فقال بعضهم

(1)

: أعطاه بحق قد وجب لهم بذكر الله عز وجل إياهم في آية الغنائم، وفي آية الفيء، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك، ولا التخطي به عنهم إلى غيرهم ولأنفسهم من خمس جميع الفيء، ومن خمس خمس جميع الغنائم كما ليس له منه منع المقاتلة من أربعة أخماس الغنائم، ولا التخطي به عنهم إلى غيرهم.

وقال آخرون

(2)

: لم يجب لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق في الفيء، ولا في خمس الغنائم بالآيتين اللتين ذكرتهما في أول كتابنا هذا، وإنما وكد الله أمرهم بذكره إياهم في هاتين الآيتين، ثم لا يجب بعد ذلك لهم في الفيء وخمس الغنائم إلا كما يجب لغيرهم من سائر فقراء المسلمين الذين لا قرابة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

5042 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني ثابت بن يعقوب، عن سعيد بن داود بن أبي الزنبر، عن مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل بن مالك، قال: هذا كتاب عمر بن عبد العزيز في الفيء والمغنم: أما بعد فإن الله عز وجل أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بصائر ورحمةً لقوم يؤمنون، فشرع فيه الدين، وأبهج به السبيل، وصرف به القول، وبين ما يؤتى مما ينال به من، رضوانه، وما ينتهى عنه من

(1)

قلت: أراد بهم: طائفة من أهل الحديث، منهم: أحمد بن حنبل في رواية، وإسحاق، وأبا عبيد، والشافعي رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 157.

(2)

قلت: أراد بهم: الحسن بن محمد بن الحنفية، والحسن البصري، ومحمد بن إسحاق، وآخرين رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 158.

ص: 192

مناهيه ومَسَاخطه، ثم أحل حلاله الذي وسع به، وحرم حرامه فجعله مرغوبًا عنه، مسخوطًا على أهله، وجعل مما رحم به هذه الأمة، ووسع به عليهم ما أحل من المغنم، وبسط منه ولم يحظره عليهم كما ابتلى به أهل النبوة والكتاب ممن كان قبلهم، فكان من ذلك ما نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم لخاصة دون الناس مما غنمه من أموال بني قريظة والنضير، إذ يقول الله حينئذ {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} [الحشر: 6]، فكانت تلك الأموال خالصةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب فيها خمس ولا مغنم ليولي الله ورسوله أمره، واختار أهل الحاجة بها السابقة على ما يلهمه من ذلك، ويأذن له به فلم يضر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخترها لنفسه، ولا لأقاربه، ولم يخصص بهذا منهم بفرض ولا سهمان، ولكن آثر بأوسعها وأكثرها أهل الحق والقدمة من المهاجرين {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)} [الحشر: 8]، وقسم الله طوائف منها في أهل الحاجة من الأنصار، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم فريقًا منها لنائبته وحقه وما يعروه، غير مفتقد شيئًا منها ولا مستأثر به، ولا مريد أن يؤتيه أحدًا بعده، فجعله صدقةً لا يورث لأحد فيه هادة في الدنيا، ومحقرة لها وأثرة لما عند الله، فهذا الذي لم يوجف فيه خيل ولا ركاب، ومن الأنفال التي آثر الله بها رسوله ولم يجعل لأحد فيها مثل الذي جعل له من المغنم الذي فيه اختلاف من اختلف قول الله عز وجل {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ

ص: 193

مِنكُمْ} [الحشر: 7]، ثم قال {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7]، فأما قوله:{فَلِلَّهِ} [الحشر: 7] فإن الله تبارك وتعالى غني عن الدنيا وأهلها وكل ما فيها، وله ذلك كله، ولكنه يقول: اجعلوه في سبيله التي أمر بها، وقوله {وَلِلرَّسُولِ} [الحشر: 7] فإن الرسول لم يكن له حظ في المغنم إلا كحظ العامة من المسلمين، ولكنه يقول: إلى الرسول قسمته والعمل به والحكومة فيه، فأما قوله:{وَلِذِى الْقُرْبَى} [الحشر: 7] فقد ظن جهلة من الناس أن لذي قربي محمد صلى الله عليه وسلم سهمًا مفروضًا من المغنم، قطع عنهم ولم يؤته إياهم، ولو كان كذلك، لبينه كما بين فرائض المواريث في النصف، والربع، والسدس والثمن، وما نقص حظهم من ذلك غناء كان عند أحدهم، أو فقر، كما لا يقطع ذلك حظ الورثة من سهامهم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نفل لهم في ذلك شيئًا من المغنم، من العقار، والسبي، والمواشي، والعروض، والصامت، ولكنه لم يكن في شيء من ذلك فرض يعلم، ولا أثر يقتدى به، حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد قسم فيهم قسمًا يوم خيبر لم يعم بذلك يومئذ عامتهم ولم يخصص قريباً دون آخر أحوج منه، لقد أعطى يومئذ من ليست له قرابة، وذلك لما شكوا إليه من الحاجة، وما كان منهم في جنبه من قومهم، وما خلص إلى حلفائهم من ذلك، فلم يفضلهم عليهم لقرابتهم، ولو كان لذي القربى حق كما ظن أولئك لكان أخواله ذوي قربي وأخوال أبيه وجده وكل من ضربه برحم فإنها القربى كلها، وكما لو كان ذلك كما ظنوا لأعطاهم إياه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بعدما وسع الفيء وكثر، وأبو الحسن رضي الله عنه حين ملك ما

ص: 194

ملك ولم يكن عليه فيه قائل، أفلا علّمهم من ذلك أمرًا يعمل به فيهم، ويعرف بعده، ولو كان ذلك كما زعموا لما قال الله تعالى {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] فإن من ذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن كان غنيا وكان في سعة يوم ينزل القرآن وبعد ذلك، فلو كان ذلك السهم جائزًا له ولهم كانت تلك دولة بل كانت ميراثًا لقرابته لا يحل لأحد قطعها ولا نقضها، ولكنه يقول: لذي قربي بحقهم وقرابتهم في الحاجة، والحق اللازم كحق المسلمين في مسكنته وحاجته، فإذا استغنى فلا حق، له واليتيم في يتمه، وإن كان اليتيم ورث عن وارثه فلا حق له، وابن السبيل في سفره وصيرورته إن كان كبير المال موسعًا عليه فلا حق له فيه، ورد ذلك الحق إلى أهل الحاجة، وبعث الله الذين بعث، وذكر اليتيم ذا المقربة والمسكين ذا المتربة، كل هؤلاء هكذا لم يكن نبي الله صلى الله عليه وسلم ولا صالح من مضى ليدعوا حقا فرضه الله عز وجل الذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقومون لهم بحق الله فيه، كما قال:"أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وأحكام القرآن ولقد أمضوا على ذلك عطايا من عطايا وضعها في أفياء الناس وإن بعض من أعطي من تلك العطايا لمن هو على غير دين الإسلام، فأمضوا ذلك لهم، فمن زعم غير هذا كان مفتريًا متقولًا على الله عز وجل ورسوله، وصالح المؤمنين من الذين اتبعوا غير الحق، وأما قول من يقول في الخمس: إن الله عز وجل فرضه فرائض معلومةً فيها حق من سمى، فإن الخمس في هذا الأمر بمنزلة المغنم، وقد أتى الله نبيه صلى الله عليه وسلم سبيًا، فأخذ منه أناسًا، وترك ابنته، وقد أرأته يديها من محل الرحى، فوكلها إلى ذكر الله تعالى والتسبيح، فهذه ادعت حقا لقرابته، ولو كان هذا الخمس والفيء على ما ظن من يقول هذا القول كان ذلك حيفًا على المسلمين،

ص: 195

واعتزامًا لما أفاء الله عليهم، ولما عطل قسم ذلك فيمن يدعي فيه بالقرابة والنسب والوراثة، ولدخلت فيه سهمان العصبة والنساء أمهات الأولاد، ويرى من تفقه في الدين أن ذلك غير موافق لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرِ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47) و {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} ، وقول الأنبياء لقومهم مثل ذلك، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعي ما ليس له، ولا ليدع حظا ولا قسمًا لنفسه ولا لغيره، واختاره الله لهم، وامتنّ عليهم فيه، ولا ليحرمهم إياه، ولقد سأله نساء بني سعد بن بكر، الفكاك وتخلية المسلمين من سباياهم بعدما كانوا فيئًا، ففككهم وأطلقهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل من أنعامهم شجرةً بردائه، فظن أنهم نزعوه عنه "لو كان عدد شجر تهامة نعمًا لقسمته بينكم، وما أنا بأحقَّ به منكم بقدرِ وبرةٍ آخذها من كاهل البعير إلا الخمس، فإنه مردود فيكم". ففي هذا بيان مواضع الفيء التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بحكم الله تعالى، وعدل قضائه، فمن رغب عن هذا، أو ألحد فيه، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير ما سماه به ربه كان بذلك مفتريًا مكذبًا محرفًا لقول الله عز وجل عن مواضعه، مصيرا بذلك ومن تابعه عليه على التكذيب وإلى ما صار إليه ضلال أهل الكتابين الذين يدعون على أنبيائهم

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف لضعف سعيد بن داود بن أبي زنبر.

وأخرجه عمر بن شبه في أخبار المدينة موصولا كما في الفتح 7/ 300.

ص: 196

قال أبو جعفر: وقال آخرون

(1)

إنما جعل الله أمر الخمس إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ليضعه فيمن رأى وضعه فيه من قرابته، غنيا كان أو فقيرًا مع من أمر أن يعطيه من الخمس سواهم ممن تبين في آية الخمس، ولذلك أمره في آية الفيء أيضًا.

فلما اختلفوا في هذا الاختلاف الذي وصفنا وجب أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقوالهم هذه قولًا صحيحًا.

فاعتبرنا قول من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من قرابته من أعطى ما أعطاه بحق واجب لهم، لم يذكر الله إياهم في آية الغنائم، وفي آية الفيء، فوجدنا هذا القول فاسدًا؛ لأنا رأيناه صلى الله عليه وسلم أعطى قرابةً ومنع قرابةً، فلو كان ما أضافه الله عز وجل إليهم في آية الغنائم، وفي آية الفيء على طريق الفرض منه لهم إذًا لما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحدًا، ولعمهم بما جعل الله لهم حتى لا يكون في شيء من ذلك خارجًا عما أمره الله به فيهم.

ألا يرى أن رجلًا لو أوصى لذي قرابة فلانٍ بثلث ماله، وهم يخصّون ويعرفون أن القائم بوصيته ليس له وضع الثلث في بعض القرابة دون بقيتهم، حتى يعمهم جميعًا بالثلث الذي يوصي لهم به، ويسوي بينهم فيه، وإن فعل فيه ما سوى ذلك كان مخالفًا لما أمر به وحاش لله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من فعله لما أمره الله به مخالفًا، ولحكمه

(1)

قلت: أراد بهم: سعيد بن المسيب، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وزفر، وأحمد في رواية، وبعض المالكية رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 167.

ص: 197

تاركًا.

فلما كان ما أعطى مما صرفه في ذوي قرباه لم يعم به قرابته كلها، استحال بذلك أن يكون الله عز وجل لقرابته صلى الله عليه وسلم ما قد منعهم منه؛ لأن قرابته لو كان جعل لهم شيء بعينه، كانوا كذوي قرابة فلان الموصى لهم بثلث المال الذي ليس للوصي منع بعضهم ولا إيثار أحدهم دون أحد فبطل بذلك هذا القول.

ثم اعتبرنا قول الذين قالوا: لم يجب لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق في آية الفيء ولا في آية الغنائم، وإنما وكد أمرهم بذكر الله إياهم، أي: فيعطون لقرابتهم ولفقرهم، ولحاجتهم، فوجدنا هذا القول فاسدًا؛ لأنَّه لو كان ذلك كما قالوا لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أغنياء بني هاشم، منهم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فقد أعطاه معهم، وكان موسرًا في الجاهلية والإسلام، حتى لقد تعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذي القربي ليس للفقر لكن لمعنًى سواه، ولو كان للفقر أعطاهم لكان ما أعطاهم ما سبيله سبيل الصدقة، والصدقة محرمة عليهم.

5043 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن بُريد ابن أبي مريم، عن أبي الحوراء السعدي، قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: ما تحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أذكر أني أخذت تمرةً من تمر الصدقة فجعلتها في فيّ، فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقاها في التمر، فقال رجل: يا رسول الله! ما كان عليك في

ص: 198

هذه التمرة لهذا الصبي؟ فقال: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة"

(1)

.

5044 -

حدثنا بكار بن قتيبة، وإبراهيم بن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم، عن ثابت بن عمارة، عن ربيعة بن شيبان، قال: قلت للحسن

فذكر نحوه إلا أنه قال في آخره: "ولا لأحد من أهله"

(2)

.

5045 -

حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أبي جهضم موسى بن سالم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: دخلنا على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاث إسباغ الوضوء، وأن لا نأكل، الصدقة، وأن لا ننزي الحمر على الخيل

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (787) من طريق ابن مرزوق فقط.

وأخرجه الطيالسي (1177)، والدارمي (1591)، وأحمد (1723)، وأبو يعلى (6762)، وابن خزيمة (2347)، وابن حبان (722)، والطبراني (2710) من طرق عن شعبة به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (788) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 214، وأحمد (1724)، وابن خزيمة (2349)، والطبراني (2741) من طرق عن ثابت بن عمارة به.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (216) بإسناده ومتنه.=

ص: 199

5046 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي (ح)

وحدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا شبابة بن سوّار (ح)

وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا علي بن الجعد (ح)

وحدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد قالوا ثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرةً من تمر الصدقة، فأدخلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كخٍ كخ، ألقها ألقها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"

(1)

.

5047 -

حدثنا بكار بن قتيبة، وإبراهيم بن مرزوق، قالا: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في إبل سائمة: "في كل أربعين ابنة لبون، من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فأنا آخذها منه وشطر إبله، عزمة

(2)

من عزمات ربنا، لا يحل لأحد منا منها شيء"

(3)

.

= وأخرجه أحمد (1977)، وأبو داود (808)، والترمذي (1701)، والنسائي 1/ 89 من طرق عن أبي جهضم به.

وهو مكرر سابقه رقم (4961)، وفي المطبوع حماد وسعيد ابنا زيد والتصويب من الإتحاف وشرح المشكل.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (791) بإسناده ومتنه سوى طريق ابن أبي داود.

وأخرجه الطيالسي (2482)، وإسحاق بن راهويه (51)، والدارمي (1642)، وأحمد (9308)، والبخاري (1491)، ومسلم (1069)(161)، والنسائي (8645)، والبيهقي 7/ 29، والبغوي (1605) من طرق عن شعبة به.

(2)

بالنصب أي: واجب وحق وفرض من فرائض الله.

(3)

إسناده حسن.=

ص: 200

5048 -

حدثنا علي بن معبد قال: ثنا الحكم بن مروان الضرير، ح. وحدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قالا: ثنا معرِّف بن واصل السعدي، قال: سمعت حفصة في سنة تسعين، قال ابن أبي داود في حديثه: ابنة طلق تقول: ثنا رُشَيد بن مالك أبو عميرة قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بطبق عليه، تمر، فقال: أصدقة أم هدية؟ فقال: بل صدقة. قال: فوضعه بين يدي القوم والحسن يتعفر

(1)

بين يديه، فأخذ الصبي تمرةً فجعلها في فيه، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه وجعله يترفق به، فأخرجها، فقذفها، ثم قال:"إنا آل محمد لا نأكل الصدقة"

(2)

.

5049 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا علي بن حكيم الأودي، قال أخبرنا شريك، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت الصدقة، فتناول الحسن تمرةً، فأخرجها من فيه وقال: إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة

(3)

.

=وأخرجه عبد الرزاق (6824)، وابن أبي شيبة 3/ 122، وأحمد (20016)، والدارمي (1677)، وأبو داود (1575)، والنسائي 5/ 25، وابن خزيمة (2266)، والطبراني في الكبير 19/ (984 إلى 988)، والحاكم 1/ 398، وابن حزم في المحلى 6/ 57، والبيهقي 4/ 105 - 116، والخطيب في التاريخ 9/ 448 من طرق عن بهز بن حكيم به.

(1)

أي يتمرغ على التراب وذلك لأنَّه كان صغيرا يلعب.

(2)

إسناده ضعيف لجهالة حفصة بنت طلق.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 3/ 334، والدولابي في الكنى 1/ 84، والطبراني في الكبير (4632) من طريق معرف بن واصل، وهو مكرر سابقه رقم (2772)

(3)

إسناده حسن في المتابعات من أجل شريك بن عبد الله.=

ص: 201

5050 -

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، قال: أخبرنا

شريك

فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال:"إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة" ولم يشك

(1)

.

قال أبو جعفر: أفلا يرى أن الصدقة التي تحل لسائر الفقراء من غير بني هاشم من جهة الفقر لا تحل لبني هاشم من حيث تحل لغيرهم، فكذلك الفيء والغنيمة لو كان ما يعطون منها على جهة الفقر، إذًا لما حلّ لهم.

فأما ما احتج به أهل هذا القول لقولهم من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بالتسبيح، عندما سألته أن يخدمها خادمًا عند قدوم السبي عليه فوكلها إذًا بما أمرها به من التسبيح ولم يخدمها من السبي أحدًا، فذكر في ذلك ما.

5051 -

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث عن علي رضي الله عنه، أن فاطمة رضي الله تعالى عنهما أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أثر الرحى في يديها، وبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه سبي، فأتته تسأله خادمًا، فلم تلقه ولقيتها عائشة رضي الله عنها، فأخبرتها

=وهو عند المصنف في أحكام القرآن (793) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطبراني في الكبير (6418) من طريق شريك به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 120، 14/ 172، 3/ 215، وأحمد (19059)، والدارمي (1766) من طريقين عن عيسى بن عبد الرحمن به.

(1)

إسناده حسن كسابقه.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (793) بإسناده ومتنه.

ص: 202

الحديث، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك، قال: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا أن نقوم، فقال:"ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ تكبر أن الله أربعًا وثلاثين، وتسبحان الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان ثلاثًا وثلاثين، إذا أخذتما مضاجعكما، فإنه خير لكما من خادم"

(1)

.

5052 -

حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه أنه قال لفاطمة ذات يوم: قد جاء الله أباك بسعة من رقيق، فاستخدميه، فأتته فذكرت ذلك له، فقال:"والله لا أعطيكما، وأدع أهل الصفة يطوون بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعها وأنفق عليهم، ألا أدلكما على خير مما سألتما علّمنيه جبريل صلوات الله عليه: كبرا في دبر كل صلاة عشرًا، واحمدا عشرًا، وسبحا عشرًا فإذا أويتما إلى فراشكما". ثم ذكر مثل ما ذكر في حديث سليمان بن شعيب

(2)

.

قال أبو جعفر: فإن قال قائل: أفلا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخدمها من السبي خادمًا، ولو كان لها فيه حق بما ذكر الله من ذوي القربى في آية الغنيمة وفي آية الفيء إذًا لما منعها من ذلك وآثر غيرها عليها، ألا تراه يقول:"والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة يطوون بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم".

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4098) بإسناده ومتنه. وهو مكرر سابقه رقم (4851).

(2)

إسناده حسن، حماد بن سلمة روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط وبعده وقد توبع.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4099) بإسناده ومتنه. وهو مكرر سابقه رقم (4852).

ص: 203

قيل له: منعه إياها يحتمل أن يكون لأنها لم تكن عنده قرابة، ولكنها كانت عنده أقرب من القرابة؛ لأن الولد لا يجوز أن يقال هو قرابة أبيه، وإنما القرابة من بعد الولد، ألا يرى إلى قول الله عز وجل في كتابه:"قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين" فجعل الوالدين غير الأقربين، فكما كان الوالدان يخرجان من قرابة ولدهما، فكذلك ولدهما يخرج من قرابتهما.

ولقد قال محمد بن الحسن رحمه الله في رجل أوصى بثلث ماله لذي قرابة فلان: إن والديه وولده لا يدخلون في ذلك؛ لأنهم أقرب من القرابة، فيحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعط فاطمة ما سألته لهذا المعنى.

فإن قال قائل: فقد روي عنه أيضًا في غير فاطمة رضي الله عنها من بني هاشم مثل هذا أيضًا، فذكر ما

5053 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني عياش بن عقبة، قال: حدثني الفضل بن الحسن بن عمرو، عن ابن أم الحكم، أن أمه حدثته أنها ذهبت هي وأختها حتى دخلتا على فاطمة رضي الله عنها، فخرجن جميعًا، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقبل من بعض مغازيه، ومعه رقيق، فسألنه أن يخدمهن فقال:"سبقكن يتامى أهل بدر"

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف لجهالة ابن أم الحكم.

وأخرجه الطبراني 25/ 172 (422) عن محمد بن عبد الله الحضرمي، عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، عن زيد بن الحباب به =

ص: 204

5054 -

حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، قال: ثنا محمد بن سلمة المرادي، قال أملي علينا عبد الله بن وهب عن عياش بن عقبة الحضرمي، أن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية حدثه، أن ابن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب، حدثه عن إحداهما أنها قالت:"أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيًا، فذهبت أنا وأختي وفاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه ما نحن فيه، وسألنا أن يعطينا شيئًا من السبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبقكن يتامى بدر، ولكن سأدلكن على ما هو خير لكن، تكبرن الله على إثر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تكبيرةً، وثلاثًا وثلاثين تسبيحةً، وثلاثًا وثلاثين تحميدةً، ولا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، واحدة" قال عياش: وهما ابنتا الله عم رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

5055 -

حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا أصبغ بن الفرج، قال: ثنا عبد الله بن وهب

فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: ولا أدري ما اسم الرجل ولا اسم أبيه؟

(2)

.

=وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3474)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7898) من طرق عن زيد بن الحباب به. وهو مكرر سابقه رقم (4853) من باب سهم ذوي القربى من كتاب السير.

(1)

إسناده ضعيف كسابقه.

وأخرجه أبو داود (2987)، والمزي في تهذيب الكمال في ترجمة الفضل بن الحسن من طريق عبد الله بن وهب به.

وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3474)، والطبراني في الكبر 25/ 333 من طريق زيد بن الحباب، عن عياش بن عقبة به.

(2)

إسناده ضعيف كسابقه، وهو مكرر سابقه.

ص: 205

قيل له: ليس هذا حجة لك على من أوجب سهم ذوي القربي؛ لأنَّه إنما يوجبه لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم إيثاره به، فقد يجوز أن يكون آثر به ذا قرباه من يتامى أهل بدر، ومن الضعفاء الذين قد صاروا لضعفهم من أهل الصفة.

فلما انتفى قول من رأى سهم ذوي القربى واحد بجملتهم على أنهم عنده بنو هاشم وبنو المطلب خاصةً لا يُتخطّون إلى غيرهم، وقول من قال: إن حق ذوي القربى في خمس الغنائم، وفي الفيء بفقرهم ولحاجتهم بما احتججنا به على كل واحد من القولين، ثبت القول الآخر، وهو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان له أن يخص به من شاء منهم، ويحرم من شاء منهم.

فإن قال قائل: وما دليلك على ذلك؟.

قيل له: قد ذكرنا من الدلائل على ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب ما يغنينا عن إعادته هاهنا مع أنا نزيد في ذلك بيانًا أيضًا.

5056 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، قال: ثنا جويرية بن أسماء، عن مالك بن أنس، عن الزهري، أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث حدثه، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه، قال: اجتمع ربيعه بن الحارث والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فقالا: لو بعثنا هذين الغلامين لي والفضل بن عباس على الصدقة، فأدّيا ما يؤدّي الناس، وأصابا ما يصيب الناس، قال: فبينا هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووقف عليهما، فذكرا ذلك له فقال علي: لا تفعلا، فوالله! ما

ص: 206

هو بفاعل، فقالا: ما يمنعك هذا إلا نفاسةً علينا، فوالله لقد نِلتَ صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نَفْسنا عليك، فقال علي رضي الله عنه: أنا أبو حسن أرسِلاهما فانطلقا، واضطجع، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء، فأخذ بآذاننا فقال:"أخرجا ما تضمران"، ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب ابنة جحش، فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدُنا فقال: يا رسول الله! أنت أبرّ الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح وقد جئناك لتؤمّرنا على بعض الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدون، ونصيب كما يصيبون، فسكت حتى أردنا أن نكلمه، وجعلت زينب رضي الله عنه تلمع

(1)

إلينا من وراء الحجاب: أن لا تكلماه، فقال:"إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنا هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية -وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب" فجاءاه، فقال لمحمية:"أنكح هذا الغلام ابنتك، للفضل بن عباس"، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث:"أنكح هذا الغلام ابنتك"، فأنكحني، فقال لمحمية:"أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا"

(2)

.

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر محمية أن يصدق عنهما من الخمس، ولم يقسم الخمس بعد ذلك عن عدد بني هاشم، وبني المطلب، فيعلم مقدار ما لكل واحد منهم، فدل ذلك على أنه أتى ما سمى الله لذوي القربى في الآيتين اللتين ذكرناهما في صدر كتابنا

(1)

أي تشير إلينا من خلف الستارة.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1072)(167) عن عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي به. وهو مكرر سابقه رقم (2762).

ص: 207

هذا، ليس لقوم بأعيانهم لقرابتهم، لو كان ذلك كذلك إذًا لوجب التسوية فيه بينهم، وإذًا لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسه في يد محمية دون أهله حتى يضعه فيهم، كما لم يحبس أربعة أخماس الغنائم عن أهلها، ولم يولّ عليها حافظًا دون أهلها.

ففي تولية النبي صلى الله عليه وسلم على الخمس من الغنائم من يحفظه حتى يضعه فيمن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه فيه دليل على أن حكمه إليه فيمن يرى في ذوي قرباه، ولو كان لذوي القربي حق بعينه لا يجوز أن يصرف سهم عن كل واحد منهم حظه منه إلى من سواه، وإن كانوا أولي قربي لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبس حقا للفضل بن العباس بن عبد المطلب، ولا لعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ولا عن غيرهما، حتى يؤدي إلى كل واحد منهم حقه، ولما احتاج الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة أن يصدق عنهما شيئًا قد جعله الله لهما بالآية التي ذكرهم فيها.

ففي انتفاء ما ذكرنا دليل صحيح وحجة قائمة أن ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله في ذوي قرباه الذين جعله فيهم، وما قد كان له صرفه عنهم إلى ذوي قرباه مثلهم، وإن بعضهم لم يكن أولى به من بعض إلا من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه فيه منهم، فيكون بذلك أولى ممن رأى يحظّيه به منهم، وفي ذلك أيضًا حجة أخرى وهي: أن

5057 -

فهد بن سليمان بن يحيى قد حدثنا، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بلقين، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى، فقلت: يا رسول الله! لمن المغنم؟ فقال: "الله سهم، ولهؤلاء أربعة أسهم"، قلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: "لا، حتى السهم يأخذه

ص: 208

أحدكم من جنبه فليس بأحق به من أخيه"

(1)

.

5058 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بلقين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5059 -

حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا شعبة، عن أبي جمرة قال: كنت أقعد مع ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال مَن القوم؟ أم من الوفد؟ قالوا: ربيعة، قال:"مرحبًا بالقوم، أو بالوفد، غير خزايا ولا نادمين"، قالوا: يا رسول الله! إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بأصل فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، قال:"أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن يعطوا من المغنم الخمس"

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3452) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أبو يعلى (7179)، والبيهقي 6/ 336 من طريق حماد بن سلمة به. وهو مكرر سابقه (4842).

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3453) بإسناده ومتنه. وهو مكرر سابقه من (4843).

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي (2747)، وابن أبي شيبة 6/ 11، 12/ 202، وأحمد (2020)، والبخاري (53، 87، 7266)، ومسلم (17)(24)، والنسائي 8/ 322، وابن خزيمة (307)، وابن حبان (172)، والطبراني (12949)، وابن مندة في الإيمان (21)، والبيهقي 6/ 294، والبغوي (20) من طرق عن شعبة به.=

ص: 209

5060 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

فعلم أنه قد أضاف الخمس من الغنيمة إلى الله عز وجل، ولم يضف إليه أربعة أخماسها، وأن ما سواه منها لقوم بغير أعيانهم يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم على ما يرى ولو كان لذي القربى المعلوم عددُهم لم يكن كذلك، أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الخمس ليضعه فيما يرى وضعه، ويقسم ما بقي بعده على السهمان، فدل أن ما كان يقسمه على السهمان أنه لقوم بأعيانهم، لا يجوز لأحد منعهم منه، وأن الذي يأخذه لا يقسمه حتى يدخل فيه رأيه هو الذي ليس لقوم بأعيانهم، وأنَّه مردود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يضعه فيما يرى، ثم تكلم الناس في حكم ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه في ذوي قرباه في حياته كيف حكمه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟.

فقال قائلون: هو راجع من قرابته إلى قرابة الخليفة من بعده.

وقال آخرون

(2)

: هو لبني هاشم ولبني المطلب خاصةً.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (1398، 4369)، ومسلم (17)(23)، وأبو داود (3692)، والترمذي (1599، 2611)، وابن خزيمة (2245) من طرق عن حماد بن زيد به.

(2)

قلت: أراد بهم: ابن عباس، والأوزاعي، وعطاء، ومجاهدا، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وابن جريج، والشافعي، وأحمد بن حنبل رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 218.

ص: 210

وقال آخرون

(1)

: وهم الذين ذهبوا إلى أن ما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وضعه فيه من قرابته: هو منقطع عنهم بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرنا في هذه الأقوال، لنستخرج منها قولًا صحيحًا، فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حياته في المغنم سهم الصفي لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك. وقد روي عنه فيه

5061 -

ما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا أبو هلال الراسبي، عن أبي جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن بيننا وبينك هذا الحي من مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بأمر نأخذ به، ونحدث به من بعدنا، قال:"آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن تقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتعطوا سهم الله من الغنائم والصفى، وأنهاكم عن الحنتم، والدباء، والنقير، والمزفت"

(2)

.

5062 -

حدثنا أحمد بن داود بن موسى، قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر

(3)

.

(1)

قلت: أراد بهم: الخلفاء الراشدين، والحسن بن محمد بن الحنفية، وأبا حنيفة، وأبا يوسف في الأصح، ومحمدا رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 219.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل محمد بن سليم أبي هلال الراسبي.

(3)

إسناده حسن في المتابعات من أجل ابن أبي الزناد واسمه عبد الرحمن.

وأخرجه أحمد (2445)، والترمذي إثر (1561)، وابن ماجه (2808)، والطبراني (10733)، والحاكم 3/ 39، والبيهقي في السنن 6/ 304، وفي الدلائل 3/ 136 - 137 من طرق عن ابن أبي الزناد به.

ص: 211

5063 -

حدثنا مالك بن يحيى الهمداني، قال: ثنا أبو النضر، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن مطرف، قال: سألت الشعبي عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي، قال: كان سهم النبي صلى الله عليه وسلم كسهم رجل من المسلمين، وكان الصفي يصفى به إن شاء عبدًا، وإن شاء أمةً، وإن شاء فرسًا

(1)

.

5064 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد

(2)

.

5065 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال أخبرني عبد العزيز بن محمد، عن أسامة بن زيد الليثي، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فيما يحتج به: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: بني النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير: حُبسًا لنوائبه، وأما فدك: فكانت حبسا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزاها ثلاثة أجزاء، فقسم منها جزءًا بين المسلمين، وحبس جزءًا للنفقة، فما فضل عن أهله رده إلى فقراء المهاجرين رضي الله عنهم

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه سعيد بن منصور (2673)، وابن أبي شيبة (33310)، وابن زنجويه في الأموال (67)، والنسائي في المجتبى 7/ 133، وفي الكبرى (4431) من طرق عن مطرف به.

(2)

إسناده حسن، وهو مكرر سابقه (5062).

(3)

إسناده حسن من أجل أسامة بن زيد بن الليثي.

وأخرجه أبو داود (2967) من طريق ابن وهب به.=

ص: 212

5066 -

حدثنا مالك بن يحيى الهمداني، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال أخبرنا الجُريري، عن أبي العلاء، قال: بينما أنا مع مطرف بأعلى المربد

(1)

، في سوق الإبل إذ أتى علينا أعرابي معه قطعة أديم، أو قطعة جراب -شك الجُريري-، فقال: هل فيكم من يقرأ؟ فقلت أنا أقرأ، قال: ها، فاقرأه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه لنا، فإذا فيه:"من محمد النبي، لبني زهير بن أفيش، حي من عكل، إنهم إن شهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وفارقوا المشركين، وأقروا بالخمس في غنائمهم، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه، فإنهم آمنون بأمان الله، فقال له بعضهم: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا تحدثنا؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يذهب عنه وحر

(2)

الصدر، فليصم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر" فقال رجل من القوم: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألا أراكم تروننا، أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حدثتكم اليوم حديثًا، فأخذها، ثم انطلق

(3)

.

=وأخرجه يحيى بن آدم في الخراج (87)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 33، 43)، والبزار في مسنده (256)، والبيهقي 6/ 296، 7/ 59، وابن عبد البر في التمهيد 6/ 450، والضياء في المختارة (273، 276) من طريق أسامة بن زيد به.

(1)

بكسر الميم: موضع تحبس فيه إبل وغنم وبه سمي مربد المدينة، وفي معجم البلدان: هو موضع على ميلين من المدينة.

(2)

الغيظ والحقد.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن سعد 1/ 279، وأبو عبيد في الأموال (30)، وحميد بن زنجويه في الأموال (80)، وأحمد (20737)، والنسائي 1347، وابن قانع في معجم الصحابة 3/ 165، والطبراني في الأوسط (4937)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/ 306 من طرق عن سعيد الجريري به.

ص: 213

قال أبو جعفر: وأجمعوا جميعًا أن هذا السهم ليس للخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّه ليس فيه كالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان الخليفة لا يخلُف النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان له مما خصه الله به دون سائر المقاتلين معه، كانت قرابته أحرى أن لا تخلف قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، فيما كان لهم في حياته من الفيء والغنيمة، فبطل بهذا قول من قال: إن سهم ذوي القربي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لقرابة الخليفة من بعده.

الصفي إنما كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثابتا خاصا لم يبق بعده، ولا نعلم مخالفا لهذا إلا أبا ثور، فإنه قال: إن كان الصفي ثابتا للنبي صلى الله عليه وسلم فللإمام أن يأخذه على نحو ما كان يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله، فجعل سهم النبي صلى الله عليه وسلم من خمس الخمس، قال: فجمع بين الشك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالفة الإجماع في إبقائه بعد موته

(1)

.

ثم رجعنا إلى ما قال الناس سوى هذا القول من هذه الأقوال التي ذكرناها في هذا الفصل، فأما من خص بني هاشم وبني المطلب دون من سواهم من ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل سهم ذوي القربى لهم خاصةً، فقد ذكرنا فساد قوله فيما تقدم في كتابنا هذا، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا.

وكذلك من جعله لفقراء قرابة النبي صلى الله عليه وسلم دون أغنيائهم، وجعلهم كغيرهم من سائر فقراء المسلمين، فقد ذكرنا أيضًا فيما تقدم من هذا الكتاب فساد قوله فأغنانا عن

(1)

من ن.

ص: 214

إعادته هاهنا وبقي قول الذين يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له أن يضعه فيمن رأى وضعه فيه من ذوي قرابته، وإن أحدًا منهم لا يستحق منه شيئًا حتى يعطيه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كان له أن يصطفي من المغنم لنفسه ما رأى، فكان ذلك منقطعًا بوفاته غير واجب لأحد من بعد وفاته.

فالنظر على ذلك أن يكون كذلك ما له أن يخص به من رأى من ذوي قرباه دون من سواه من ذوي قرباه في حياته، إلا أن يكون ذلك إلى أحد من بعد وفاته، ولما بطل أن يكون ذلك إلى أحد بعد وفاته بطل أن يكون ذلك السهم لأحد من ذوي قرابته بعد وفاته.

فإن قال قائل: فقد أبى ذلك عليكم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر ما

5067 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، قال: حدثني عمي جُويرية بن أسماء، عن مالك، عن ابن شهاب، عن يزيد بن هرمز، حدثه أن نجدة صاحب اليمامة كتب إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذوي القربي، فكتب إليه ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لنا، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعانا لينكح منه أيمنا، ويقضى منه غارمنا، فأبينا إلا أن يسلمه لنا كله، ورأينا أنه لنا

(1)

.

5068 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو عوانة (6897) من طريق مالك به، وهو مكرر سابقه رقم (4856).

ص: 215

قيسًا يحدث عن يزيد بن هرمز، قال: كتب نجدة إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذوي القربى الذين ذكرهم الله عز وجل، وفرض لهم فكتب إليه وأنا شاهد كتابه

(1)

: إنهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى ذلك علينا قومنا

(2)

.

قيل له: إنا لم ندفع أن يكون قد خولفنا فيما ذهبنا إليه مما ذكرنا، ولكن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، رأى في ذلك أن سهم ذوي القربى ثابت، وأنهم بنو هاشم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، وقد أخبر أن قومه أبوا ذلك عليه، وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن تابعه منهم رضوان الله عليهم، وعلى ذلك، فمثل من ذكرنا، يكون قوله معارضًا لقول عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولقد

5069 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن بشر الخثعمي، عن ابن حَمَمَة، قال: وقعت جرة فيها وَرِق من دير خرب فأتيت بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: اقسمها على خمسة أخماس فخذ أربعةً، وهاتِ خمسًا، فلما أدبرتُ قال: أفي ناحيتك مساكين فقراء؟ فقلت: نعم، قال: فخذه فاقسمه بينهم

(3)

.

(1)

في ن "كنا نرى".

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1812) من طريق ابن وهب به. وهو مكرر سابقه (4857).

(3)

إسناده ضعيف لجهالة حال جبلة بن حممة ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو عنه سوى عبد الله بن بشر.

وأخرجه البيهقي في السنن 4/ 156، وفي المعرفة (8405) من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الله بن بشر عن رجل من قومه

ص: 216

أفلا يرى أن عليا رضي الله تعالى عنه قد أمره أن يقسم الخمس من الركاز في فقراء ناحيته، فلم يوجب عليه دفع شيء منه إلى أحد من ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا خلاف ما كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رآه في ذلك.

5070 -

وقد حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أزهر بن سعد السمان، عن ابن عون، قال: حدثني عمير بن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن أمية، اللهم أو حدث القومَ وأنا فيهم، قال: حدثني عبد الرحمن بن عوف قال: أرسل إليّ عمر رضي عمر رضي الله عنه ظهرًا، فأتيته فلما انتهيت إلى الباب سمعت نحيبًا شديدًا، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أعيى عمر أمير المؤمنين، فدخلت حتى جئت فوضعت يدي عليه، فقلت: لا بأس بك يا أمير المؤمنين، فقال: أعجبك ما رأيت؟ قلت: نعم، قال: ها إن الخطاب على الله لو كرسنا عليه، كان حذا إلى صاحبي قبلي، قال: ثم قال: اجلس بنا نتفكر، فكتبنا المحقين في سبيل الله، وكتبنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن دون ذلك، فأصاب المحقين في سبيل الله أربعة آلاف، وأصاب أمهات المؤمنين، رضوان الله عليهن، ومن دون ذلك، ألفا حتى وزعنا المال

(1)

.

أفلا ترى أن عمر، وعبد الرحمن بن عوف قد سويا بين المحقين، وبين أهل الدرجة التي بعدهم، ولم يدخلا في ذلك ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقرابتهم، كما أدخلا الاستحقاق باستحقاقهم.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (12)، والقاسم بن سلام في الأموال (622) من طرق عن ابن عون به.

ص: 217

5071 -

وقد حدثنا أيضًا يزيد بن سنان، قال: ثنا محمد بن أبي رجاء الهاشمي، قال: ثنا أبو معشر عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولي أبو بكر رضي الله عنه، قدم عليه مال من البحرين، فقال: من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليأتني، وليأخذ، فأتى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه مال من البحرين أعطاني هكذا وهكذا، وهكذا ثلاث مرات ملء كفيه قال: خذ بيدك، فأخذ بيده، فوجدها خمسمائة فقال: اعدد إليها ألفًا. ثم أعطى من كان وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم قسم بين الناس ما بقي، فأصاب كل إنسان منهم عشرة دراهم، فلما كان العام المقبل، وجاءه مال كثير أكثر من ذلك فقسمه بين الناس، فأصاب كل إنسان عشرون درهمًا، وفضل من المال فضل، فقال: يا أيها الناس، قد فضل فضلٌ، ولكم خدم يعالجون لكم، ويعملون لكم، فإن شئتم رضخنا لهم، فرضخ لهم خمسة دراهم، خمسة دراهم، فقيل: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو فضلت المهاجرين والأنصار بفضلهم، قال: إنما أجورهم على الله، إنما هذا مغانم، والأسوة في المغانم أفضل من الأثرة، فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه، واستُخْلِف عمر رضي الله عنه، فُتِحت عليه الفتوح، وجاءهم مال أكثر من ذلك، فقال: كان لأبي بكر رضي الله عنه في هذا المال رأيٌ ولي رأي آخر، رأى أبو بكر أن يقسم بالسوية، ورأيت أن أفضل المهاجرين والأنصار، ولا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه، ففضّل المهاجرين والأنصار، فجعل لمن شهد بدرًا منهم خمسة آلاف، ومن كان له إسلام مع إسلامهم إلا أنه لم يشهد بدرًا، أربعة آلاف أربعة آلاف، وللناس على قدر إسلامهم ومنازلهم، وفرض

ص: 218

لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفًا، لكل امرأة منهن، إلا صفية وجويرية، فرض لهما ستة آلاف، ستة آلاف، فأبتا أن تأخذا، فقال: إنما فرضت لكن بالهجرة، فقالتا: إنما فرضت لهن لمكانهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا مثل مكانهن، فأبصر ذلك عمر رضي الله عنه فجعلهن سواءً، وفرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألفًا لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض لنفسه خمسة آلاف، وفرض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه خمسة آلاف، وربما زاد الشيء، وفرض للحسن والحسين رضي الله عنهما خمسة آلاف خمسة آلاف، ألحقهما بأبيهما لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض لأسامة بن زيد رضي الله عنه، أربعة آلاف، وفرض لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ثلاثة آلاف، فقال له عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: بأي شيء زدته عليّ؟ فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك ولم يكن له من الفضل ما لم يكن لي؟ فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان هو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرًا ألفين ألفين، فمر به عمر بن أبي سلمة فقال: زده ألفًا يا غلام، وقال محمد بن عبد الله بن جحش: لأي شيء زدته علي؟ والله ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لآبائنا، قال: فرضت لأبي سلمة ألفين، وزدته لأم سلمة ألفًا، فلو كانت لك أم مثل أم سلمة زدتك ألفًا، وفرض لأهل مكة ثماني مائة في الشرف منهم، ثم الناس على قدر منازلهم، وفرض لعثمان بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو ثماني مائة، وفرض للنضر بن أنس في ألفيْ درهم، فقال له طلحة بن عبيد الله: جاءك ابن عثمان بن عمرو -ونسبه إلى جده-، ففرضت له ثماني مائة، وجاءكَ هنْبَة من الأنصار، ففرضت له في ألفين، فقال: إني لقيت أبا هذا يوم أحد، فسألني عن رسول

ص: 219

الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما أراه إلا قد قتل، فسل سيفه، وكَسَرَ غمده، وقال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل، فإن الله حي لا يموت، وقاتل حتى قتل، وهذا يرعى الغنم بمكة، أفتراني أجعلهما سواءً؟، قال: فعمل عمر عمره كله بهذا، حتى إذا كان في آخر السنة التي قتل فيها سنة ثلاث وعشرين حجّ فقال أناس من الناس: لو مات أمير المؤمنين قمنا إلى فلان ابن فلان، فبايعناه، قال أبو معشر: يعنون طلحة بن عبيد الله، فلما قدم عمر المدينة خطب، فقال في خطبته: رأى أبو بكر في هذا المال رأيًا، رأى أن يقسم بينهم بالسوية ورأيت أن أفضل المهاجرين والأنصار بفضلهم، فإن عشت هذه السنة أرجع إلى رأي أبي بكر، فهو خير من رأيي

(1)

.

أفلا ترى أن أبا بكر رضي الله عنه، لما قسم سوّى بين الناس جميعًا، فلم يقدم ذوي قربي رسول الله صلى الله عليه وسلم على من سواهم، ولم يجعل لهم سهمًا في ذلك المال أبانهم به عن الناس، فذلك دليل على أنه كان لا يرى لهم بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا في مال الفيء سوى ما يأخذونه، كما يأخذ من ليس بذوي القربي.

ثم هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما أفضى إليه الأمر، ورأى التفضيل بين الناس على المنازل، لم يجعل لذوي القربي سهمًا يبينون به على الناس، ولكنه جعلهم وسائر الناس سواءً، وفضل بينهم بالمنازل غير ما يستحقونه بالقرابة، لو كان لأهلها

(1)

إسناده مرسل ضعيف لضعف أبي معشر، وعمر بن عبد الله مولى غفرة.

وأخرجه ابن أبي شيبة (32868)، والبزار (286)، والبيهقي 6/ 350 من طرق عن أبي معشر به.

ص: 220

سهم قائم.

فدل ذلك على ما ذهبنا إليه من ارتفاع سهم ذوي القربي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث روي عن عمر رضي الله عنه.

5072 -

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا ابن هلال، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة بن خالد، مالك عن بن أوس، قال: كنت جالسًا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاءه علي والعباس رضي الله عنهما يختصمان، قال العباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا الكذا الكذا. قال حماد: أنا أكني عن الكلام، فقال: والله لأقضين بينكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي وولي أبو بكر رضي الله عنه صدقته فقوي عليها، وأدى فيها الأمانة، فزعم هذا أنه خان وفجر، وكلمةً قالها أيوب، قال: والله يعلم أنه ما خان ولا فجر ولا كذا. قال حماد. وحدثنا عمرو بن دينار عن مالك، وغير واحد، عن الزهري أنه قال: لقد كان فيها راشدًا تابعًا للحق

(1)

.

ثم رجع إلى حديث أيوب: فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه، وليتها بعده، فقويت عليها فأديت فيها الأمانة، وزعم هذا أني خنت، وفجرت، والله يعلم أني ما خنت ولا فجرت، ولا تيك الكلمة، وفي حديث عَمرو عن الزهري: ولقد كنت فيها راشدًا تابعًا

(1)

إسناده ضعيف لضعف العلاء بن هلال أبي محمد الرقي.

وأخرجه أحمد (349)، والنسائي 2/ 179 من طريق إسماعيل، عن أيوب به.

وأخرجه مسلم (1757)(49) من طريق مالك، عن الزهري، عن مالك بن أوس به مطولا.

ص: 221

للحق، ثم رجع إلى حديث عكرمة: ثم أتياني فقالا: ادفع إلينا صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعتها إليهما، فقال هذا لهذا: أعطني نصيبي من ابن أخي، وقال هذا لهذا: أعطني نصيبي من امرأتي من أبيها، وقد علم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا يورث، ما ترك صدقة، وفي حديث عمرو، عن الزهري: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نورث، ما تركنا صدقة، ثم رجع إلى حديث عكرمة، ثم تلا عمر رضي الله عنه:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] الآية، فهذه لهؤلاء، ثم تلا:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] إلى آخر الآية، ثم قال: وهذه لهؤلاء، وفي حديث عمرو عن الزهري قال:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] إلى آخر الآية فكانت هذه خاصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يوجف المسلمون فيه خيلًا ولا ركابًا، فكان يأخذ من ذلك قوته وقوت أهله، ويجعل بقية المال لأهله ثم رجع إلى حديث أيوب، ثم تلا {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] إلى آخر الآية، ثم {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] حتى بلغ {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)} [الحشر: 8] فهؤلاء المهاجرون، ثم قرأ:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} حتى بلغ حماد: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] قال: فهؤلاء الأنصار، قال: ثم قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} حتى بلغ {رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، فهذه الآية استوعبت المسلمين فلم يبق أحد من المسلمين إلا له حق، إلا ما يملكون من رقيقكم، فإن أعش إن شاء الله لم يبق أحد من

ص: 222

المسلمين إلا سآتيه حقه حتى راعي الثلة يأتيه حظه، أو قال: حقه.

قال: فهذا عمر رضي الله عنه قد تلا في هذا الحديث: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] إلى آخر الآية ثم قال: وهذه لهؤلاء، فدل ذلك أن سهم ذوي القربى قد كان ثابتًا عنده لهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما كان لهم في حياته.

قيل له: ليس فيما ذكرت على ما ذهبت إليه، وكيف يكون لك فيه دلالة على ما ذهبت إليه، وقد كتب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى نجدة حين كتب إليه يسأله عن سهم ذوي القربي: قد كان عمر بن الخطاب دعانا إلى أن ينكح منه أيمنا ويكسو منه عارينا، فأبينا عليه إلا أن يسلمه لنا كله فأبى ذلك علينا.

فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يخبر أن عمر أبي عليهم دفع السهم إليهم؛ لأنهم لم يكن عنده له، فكيف يتوهم عليه فيما روى عنه مالك بن أوس غير ذلك ولكن معنى ما روى عنه مالك بن أوس في هذا الحديث من قوله: فهذه لهؤلاء، أي: فهي لهم على معنى ما جعلها الله لهم في وقت إنزاله الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، وعلى مثل ما عنى به عز وجل ما جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها من السهم الذي أضافه إليه، فلم يكن ذلك السهم جاريًا له صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته غير منقطع إلى يوم القيامة، بل كان جاريًا له في حياته منقطعًا عنه بموته، وكذلك ما أضافه فيها إلى ذوي قرباه كذلك أيضًا واجبًا لهم في حياته يضعه عليه السلام فيمن شاء منهم مرتفعًا بوفاته، كما لم يكن قول عمر

ص: 223

رضي الله عنه فهذه لهؤلاء، لا يجب به بقاء سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الذي قال فيه ما قال كان ذلك قوله فهي لهؤلاء لا يجب به بقاء سهم ذوي القربي إلى الوقت الذي قال فيه ما قال معارضةً صحيحةً باقيةً أن يكون حديث مالك بن أوس هذا عن عمر رضي الله عنه مخالفًا لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه في سهم ذوي القربى. ولقد

5073 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن أم هانئ أن فاطمة رضي الله عنها قالت: يا أبا بكر من يرثك إذا متَ؟ قال: وُلدي وأهلي، قالت: فما لك ترث النبي صلى الله عليه وسلم دوني؟، قال: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ورثت أباك دارًا ولا ذهبًا، ولا غلامًا، قالت: ولا سهم الله عز وجل الذي جعله لنا وصافيتنا التي بيدك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما هي طعمة أطعمنيها الله عز وجل، فإذا متُ كانت بين المسلمين"

(1)

.

5074 -

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن أم هاني، أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر: من يرثك إذا متَ؟، قال: وُلدي وأهلي، قالت: فما لك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم دوننا! قال: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما ورث أبوك دارًا، ولا مالًا، ولا غلامًا، ولا ذهبًا، ولا فضةً، قالت:

(1)

إسناده ضعيف جدا، محمد بن السائب الكلبي متهم بالكذب، وأبو صالح مولى أم هانئ ضعيف.

وأخرجه أحمد (60) من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن فاطمة ....

ص: 224

فدك التي جعلها الله لنا، وصافيتنا التي بيدك لنا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما طعمة أطعمنيها الله عز وجل، فإذا مت فهي بين المسلمين"

(1)

.

أفلا يرى أن أبا بكر رضي الله عنه قد أخبر في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كان يعطيه ذوي، قرباه، فإنما كان من طعمة أطعمها الله إياه وملكه إياها حياته، وقطعها عن ذوي قرابته بموته.

وقد ذكرنا في صدر هذا الكتاب عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أنه قال: اختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال قائل: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة.

وقال قائل: سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده، ثم اجتمع رأيهم على أن جعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، فكان ذلك في إمارة أبي بكر رضي الله عنه، فلما أجمعوا بعدما كانوا اختلفوا، كان إجماعهم حجةً، وفيما أجمعوا عليه من ذلك بطلان سهم ذوي القربى من المغانم والفيء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائل: فأما ما رويتموه عن علي رضي الله عنه، فإنما كان فيما ذهب إليه من ذلك، متابعًا لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كراهة أن يدعي عليه خلافهما. وذكر في ذلك ما

(1)

إسناده ضعيف جدا كسابقه.

ص: 225

5075 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن محمد بن إسحاق، قال: سألت أبا جعفر، قلت: أرأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث ولي العراق وما ولي من أمر الناس، كيف صنع في سهم ذوي القربى؟ قال: سلَكَ به والله سبيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قلت: وكيف أنتم تقولون ما تقولون؟ قال: أما والله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه، قلت: فما منعه؟ قال: كره والله أن يدّعى عليه خلاف أبي بكر رضي الله عنه

(1)

.

قيل له: هذا تأوله محمد بن علي، على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تركه خلاف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهو يرى في الحقيقة خلاف ما رأيا لا يجوز ذلك عندنا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا يتوهم على مثله، فكيف يتوهم عليه، وقد خالف أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في أشياء، وخالف عمر رضي الله عنه وحده في أشياء أخر منها: ما رأى من جواز بيع أمهات الأولاد بعد نهي عمر عن بيعهن، ومن ذلك ما رأى من التسوية بين الناس في العطاء، وقد كان عمر رضي الله عنه يفضل بينهم على قدر سوابقهم، ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أعرف بالله من أن يجري شيئًا على ما الحق عنده في خلافه، ولكنه أجرى الأمر بسهم ذوي القربى على ما رآه حقا وعدلًا فلم يخالف أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فيه، ولقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخالف أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في حياتهما في أشياء، قد رأيا ذلك خلاف ما رأى، فلا

(1)

إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر لم يدرك علي بن أبي طالب لكنه من قبيل رأيه في هذه المسألة لا من قبيل الرواية، وهو مكرر سابقه (4854).

ص: 226

يرى الأمر عليه في ذلك دنفًا

(1)

، ولا يمنعانه من ذلك، ولا يؤاخذانه عنه، فكيف يسعه هذا في حال الإمام فيها غيره، ثم بصق عليه في حال هو الإمام فيها نفسه، هذا عندنا محال. ولقد

5076 -

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخصيب بن ناصح قال: ثنا جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم، عن زاذان، قال: كنا عند علي رضي الله عنه فتذاكرنا الخيار، فقال: أما أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، قد سألني عنه فقلت: إن اختارت زوجها فهي واحدة وهي أحق بها، وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة، فقال عمر: ليس كذلك، ولكنها إن اختارت نفسها فهي واحدة، وهو أحق بها، وإن اختارت زوجها فلا شيء، فلم أستطع إلا متابعة أمير المؤمنين فلما آل الأمر إليّ عرفت أني مسئول عن الفروج، فأخذت بما كنت أرى، فقال بعض أصحابه: رأي رأيته، تابعك عليه أمير المؤمنين أحب إلي من رأي انفردت به، فقال: أما والله لقد أرسل إلي زيد بن ثابت فخالفني وإياه، فقال: إذا اختارت زوجها فواحدة، وهو أحق بها وإن اختارت نفسها فثلاث، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره

(2)

.

(1)

أي: عيبا.

(2)

رجاله ثقات.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7/ 345، وفي الصغير (2673)، و في المعرفة (14746) من طرق عن جرير بن حازم به.

وأخرجه عبد الرزاق (11977) عن الشعبي، عن علي به.

ص: 227

أفلا يرى أن عليا رضي الله عنه قد أخبر في هذا الحديث أنه لما خلص إليه الأمر وعرف أنه مسئول عن الفروج أخذ بما كان يرى، وأنَّه لم ير تقليد عمر رضي الله عنه فيما يرى خلافه رضي الله عنه، فكذلك أيضًا لما خلص إليه الأمر استحال مع معرفته بالله، ومع علمه أنه مسئول عن الأموال أن يكون يبيحها من يراه من غير أهلها، ويمنع منها أهلها، ولكنه كان القول عنده في سهم ذوي القربى كالقول فيما كان عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فأجرى الأمر على ذلك، لا على ما سواه.

فأما أبو حنيفة، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، رحمهما الله، فإن المشهور عنهم في سهم ذوي القربى قد ارتفع بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الخمس من الغنائم، وجميع الفيء يقسمان في ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل.

5077 -

وكذلك حدثني محمد بن العباس بن الربيع اللؤلؤي، قال: ثنا محمد بن معبد، قال: ثنا محمد بن الحسن قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن أبي حنيفة

(1)

.

وهكذا يعرف عن محمد بن الحسن، في جميع ما روي عنه في ذلك من رأيه، ومما حكاه عن أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمة الله عليهما. فأما أصحاب الإملاء

فإن جعفر بن أحمد حدثنا، قال: ثنا بشر بن الوليد قال: أملى علينا أبو يوسف في رمضان في سنة إحدى وثمانين ومائة، قال في قوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] فهذا، فيما

(1)

إسناده صحيح، غير شيخ الطحاوي فإني لم أقف على ترجمته.

ص: 228

بلغنا -والله أعلم-، فيما أصاب من عساكر أهل الشرك من الغنائم، والخمس منها على ما سمي الله عز وجل في كتابه أربعة أخماسها بين الجند الذين أصابوا ذلك: للفرس سهم، وللرجل سهم، على ما جاء من الأحاديث والآثار.

وقال أبو حنيفة رحمة الله عليه: للرجل سهم، وللفرس سهم، والخمس يقسم على خمسة أسهم خمس الله والرسول واحد، وخمس ذوي القربي لكل صنف سماه الله عز وجل في هذه الآية خمس الخمس، ففي هذه الرواية ثبوت سهم ذوي القربي.

قالوا: وأملى علينا أبو يوسف رحمه الله في مسألة: قال أبو حنيفة: إذا ظهر الإمام على بلد من بلاد أهل الشرك فهو بالخيار يفعل فيه الذي يرى أنه أفضل وخير للمسلمين، إن رأى أن يخمس الأرض والمتاع، ويقسم أربعة أخماسه بين الجند الذي افتتحوا معه فعل، ويقسم الخمس على ثلاثة أسهم: للفقراء والمساكين وابن السبيل، وإن رأى أن يترك الأرضين ويترك أهلها فيها، ويجعلها ذمةً، ويضع عليهم وعلى أرضهم الخراج، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسواد، كان ذلك كله.

قال أبو جعفر: ففي هذه الرواية سقوط سهم ذوي القربى، وهذا القول هو المشهور عنهم، والذي اتفقت عليه هاتان الروايتان في الفيء، وفي خمس الغنيمة أنهما إذا خلصا جميعًا وضع خمس الغنائم فيما يجب وضعه فيه مما ذكرنا، وأما الفيء فيبدأ منه بإصلاح القناطر، وبناء المساجد، وأرزاق القضاة، وأرزاق الجند، وجوائز الوفود، ثم يوضع ما بقي منه بعد ذلك في مثل ما يوضع فيه خمس الغنائم سواء.

ص: 229

فهذه وجوه الفيء وأخماس الغنائم التي كانت تجري عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي، وما يجب أن يمتثل فيها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، فقد بينا ذلك وشرحناه بغاية ما ملكنا والله نسأل التوفيق، وأما سفيان الثوري، فإنه ثنا مالك بن يحيى، قال: ثنا أبو النضر، قال: ثنا الأشجعي، قال: ثنا سفيان: سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس، هو خمس الخمس، وما بقي فلهذه الطبقات التي سمى الله، والأربعة الأخماس لمن قاتل عليه.

ص: 230

‌15 - كتاب الحجة في باب فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوةً

قال أبو جعفر رحمه الله أجمعت الأمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صالح أهل مكة قبل افتتاحه إياها، ثم افتتحها بعد ذلك.

فقال قوم

(1)

: كان افتتاحه إياها بعد أن نقض أهل مكة العهد، وخرجوا من الصلح، فافتتحها يوم افتتحها، وهي دار حرب لا صلح بينه وبين أهلها، ولا عقد ولا عهد، وممن قال هذا القول: أبو حنيفة، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وسفيان بن سعيد الثوري، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

وقال قوم

(2)

: بل افتتحها صلحًا.

ثم احتج كل فريق من هذين الفريقين لقوله من الآثار بما سنبينه في كتابي هذا، ونذكر مع ذلك صحة ما احتج به أو فساده إن شاء الله تعالى.

وكان حجة من ذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتحها صلحًا: أن قال: أما الصلح فقد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل مكة، فأمن كل فريق منه ومن أهل مكة من الفريق الآخر، ثم لم يكن من أهل مكة في ذلك ما يوجب نقض الصلح، وإنما كانت بنو نفاثة، وهم من غير أهل مكة، قاتلوا خزاعة، وأعانهم على ذلك رجال من قريش، وثبت بقية

(1)

قلت: أراد بهم: أبا حنيفة، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والثوري، وأبا يوسف، ومحمد بن الحسن رحمهم الله، كما في الذيل على النخب 18/ 293.

(2)

قلت: أراد بهم: طاووسا، والشافعي، وأحمد، ومن تبعهم رحمهم الله، كما في المصدر السابق.

ص: 231

أهل مكة على صلحهم، وتمسكوا بعهدهم الذي عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت بنو نفاثة، ومن تابعهم على ما فعلوا من ذلك من الصلح، وثبت بقية أهل مكة على الصلح الذي كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالوا: والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتحها لم يقسم فيها فيئًا، ولم يستعبد فيها أحدًا، وكان من الحجة عليهم في ذلك لمخالفهم أن عكرمة مولى عبد الله بن عباس، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري -وعليهما يدور أكثر أخبار المغازي-، قد روي عنهما ما يدل على خروج أهل مكة من الصلح الذي كانوا صالحوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحداث أحدثوها.

5078 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، قال: لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، وكانت خزاعةُ حلفاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وكانت بنو بكر حلفاءَ قريش، فدخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في صلح قريش، فكان بين خزاعة وبين بني بكر بعدُ قتال، فأمدّهم قريش بسلاح وطعام، وظَلّلوا عليهم، وظهرت بنو بكر على خزاعة، فقتلوا فيهم، فخافت قريش أن يكونوا قد نقضوا، فقالوا لأبي سفيان: اذهب إلى محمد فأجدَّ

(1)

الحلف، وأصلح بين الناس، وأن ليس في قوم ظلّلوا على قوم، وأمدّوهم بسلاح وطعام ما أن يكونوا نقضوا، فانطلق أبو سفيان وسار حتى قدم المدينة، فقال رسول الله

(1)

أي: جدد الميثاق والصلح.

ص: 232

صلى الله عليه وسلم: "قد جاءكم أبو سفيان، وسيرجع راضيًا بغير حاجة"، فأتى أبا بكر رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر أجِدّ الحلف، وأصلح بين الناس وبين قومك، قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: الأمر إلى الله تعالى وإلى رسوله، وقد قال فيما قال له بأن ليس في قوم ظلّلوا على قوم، وأمدوهم بسلاح وطعام ما أن يكونوا نقضوا، قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: الأمر إلى الله عز وجل، وإلى رسوله، قال: ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر له نحوًا مما ذكر لأبي بكر رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: أنقضتم؟ فما كان منه جديدًا فأبلاه الله تعالى، وما كان منه شديدًا، أو قال متينًا فقطعه الله تعالى، فقال أبو سفيان: وما رأيت كاليوم شاهد عشرة، ثم أتى فاطمة رضي الله عنها، فقال لها: يا فاطمة! هل لك في أمر تسودين فيه نساء قومك، ثم ذكر لها نحوًا مما قال لأبي بكر رضي الله عنه، ثم قال لها: فتجددين الحلف، وتصلحين بين الناس، فقالت رضي الله عنها: ليس إلا إلى الله وإلى رسوله، قال: ثم أتى عليا رضي الله عنه، فقال له نحوًا مما قال لأبي بكر رضي الله عنه، فقال علي رضي الله عنه: ما رأيت كاليوم رجلًا أضل، أنت سيد الناس فأجدَّ الحلف وأصلح بين الناس، فضرب أبو سفيان إحدى رجليه على الأخرى، وقال: قد أخذت بين الناس بعضهم من بعض. قال: ثم انطلق حتى قدم على أهل مكة فأخبرهم بما صنع، فقالوا: والله ما رأينا كاليوم وافد قوم، والله ما أتيتنا بحرب فيُحذَر، ولا أتيتنا بصلح فيأمن، ارجع ارجع. قال وقدم وفد خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع القوم، ودعاه بالنصرة وأنشد في ذلك:

لا همَّ إني ناشدٌ محمدًا

حلف أبينا وأبيه الأتْلَدا

ص: 233

والدًا كنا وكنت ولدا

إن قريشًا أخلفوك الموعدَا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي بكداء رصّدًا

وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذلّ وأقلّ عددا

وهم أتونا بالوتير هُجَّدا

نتلوا القرآن ركعًا وسجدا

ثمة أسلمنا ولم ننزع يدا

فانصر رسول الله نصرًا عتدا

وابعث جنود الله تأتي مددًا

في فَلْق كالبحر يأتي مزْبدا

فيهم رسول الله قد تجردا

إن سيمَ خَسفًا وجهُه تربَّدا

قال حماد: هذا الشعر بعضه عن أيوب، وبعضه عن يزيد بن حازم، وأكثره عن محمد بن إسحاق، ثم رجع إلى حديث أيوب، عن عكرمة قال: ما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة

رجال بني كعب تُحزُّ رقَابُها

وصفوان عود خرّ من ودق استه

فذاك أوان الحرب حان غضابها

فيا ليت شعري هل بنا لزمرةً

سهيل بن عمرو حولُها وعِقابُها

قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالرحيل، فارتحلوا فساروا حتى نزلوا بمرّ الظهران، قال وجاء أبو سفيان حتى نزل ليلًا، فرأى العسكر والنيران، فقال: ما هذا؟ قيل: هذه تميم، أمْحلتْ بلادُها فانتجعتْ بلادكم، قال: هؤلاء والله أكثر من أهل منًى، أو مثل أهل منًى، فلما علم أنه النبي صلى الله عليه وسلم تنكر وقال: دلوني على العباس بن عبد المطلب، وأتى العباس فأخبره الخبر وانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة

ص: 234

له، فقال: يا أبا سفيان! أسلم تسلم قال: وكيف أصنع باللات والعزى؟ قال أيوب: حدثني أبو الخليل عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قال عمر رضي الله عنه وهو خارج من القبة [في عنقه السيف أحرا عليهما أما والله لو كنت خارجا من القبة]

(1)

ما قلتها أبدًا، قال أبو سفيان: من هذا؟ قالوا: عمر رضي الله عنه، فأسلم أبو سفيان فانطلق به العباس، فلما أصبحوا

(2)

ثار الناس لظهورهم، قال: فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل! ما للناس أمروا في شيء؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة فأمره فتوضأ، وانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، كبَّر، فكبّر الناس، ثم ركع فركعوا، ثم رفع فرفعوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعةً قوم جمعهم من هاهنا وهاهنا، ولا فارس الأكارم ولا الروم ذات القرون باطوع منهم، قال حماد: وزعم يزيد بن حازم، عن عكرمة، قال: قال أبو سفيان يا أبا الفضل! أصبح والله ابن أخيك عظيم الملك، قال: ليس بملك، ولكنها نبوة، قال: أو ذاك، أو ذاك قال: ثم رجع إلى حديث أيوب، عن عكرمة قال: فقال أبو سفيان واصباح قريش؟ قال: فقال العباس رضي الله عنه: يا رسول الله! لو أذنت لي فأتيت أهل مكة فدعوتهم، وأمنتُهم، وجعلت لأبي سفيان شيئًا يذكر به، قال: فانطلق فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشهباء، وانطلق قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا عليّ أبي، ردوا عليّ أبي، إن عم الرجل صنو أبيه، إني أخاف أن تفعل بك قريش، كما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود، دعاهم إلى الله فقتلوه، أما والله لئن ركبوها منه،

(1)

من ج.

(2)

في ج "أصبح وأثار".

ص: 235

لأضْرمنّها عليهم نارًا" قال: فانطلق العباس رضي الله عنه: فقال يا أهل مكة! أسلموا تسلموا، فقد استَبْطنتُم بأشهب

(1)

بازلٍ، قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الزبير رضي الله عنه من قبل أعلَى مكة، وبعث خالد بن الوليد من قبل أسفل مكة، قال: فقال لهم: هذا الزبير من قِبَل أعلى مكة، وهذا خالدِ منِ قبل أسفل مكة، وخالد وما خالد، وخزاعة مجدعَةُ الأنوف، ثم قال: من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فتراموا بشيء من النبل، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر عليهم، فأمّن الناس إلا خزاعة عن بني بكر، وذكر أربعةً، مقيس بن ضبابة، وعبد الله بن أبي سرح، وابن خطل، ومارة مولاة بني هاشم، قال حماد: سبارة في حديث أيوب، أو في حديث غيره، قال: فقاتلهم خزاعة إلى نصف النهار، فأنزل الله عز وجل {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} [التوبة: 13] إلى قوله عز وجل {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14] قال: خزاعة، {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ} [التوبة: 15]

(2)

.

5079 -

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، قال: سمعت ابن إسحاق، يقول: حدثنا محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وغيره، قال:

(1)

أي: رميتم بأمر صعب لا طاقة لكم به ضرب مثل شدة الأمر الذي نزل بهم، وأشهب هو القوي الشديد، وأكثر ما يستعمل في الشدة والكراهة.

(2)

إسناده مرسل صحيح، وهو مكرر سابقه (5040).

وأخرجه ابن أبي شيبة (36902)، وابن زنجويه في الأموال (675) عن سليمان بن حرب به.

ص: 236

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح قريشًا عام الحديبية على أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة وبنو كعب وغيرهم معهم، فقالوا: نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وقامت قريش على الوفاء بذلك سنةً وبعض سنة، ثم إن بني بكر عدوا على خزاعة على ما لهم بأسفل مكة، فقال له الزبير: بيتوهم فيه، فأصابوا منهم رجلًا، وتجاوز القوم فاقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قاتل من قريش بالنبل مستخفيًا حتى جاوزوا خزاعة إلى الحرم، وقائد بني بكر يومئذ نوفل بن معاوية، فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر: يا نوفل! إلهك إلهك، إنا قد دخلنا الحرم، فقال: كلمةً عظيمةً لا إله له اليوم يا بني بكر، أصيبوا ثأركم، قد كانت خزاعة أصابت قبل الإسلام نفرًا ثلاثةً، وهم متحرفون دويبًا، وكلثومًا، وسليمان بن الأسود بن رزيق بن يعمر، فلعمري يا بني بكر إنكم تسرفون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟ قال: وقد كانوا أصابوا منهم رجلًا ليلة بيتوهم بالوتير، ومعه رجل من قومه يقال له: منبه، وكان منبه رجلًا مفردًا فخرج هو وتميم، فقال منبه: يا تميم! انج بنفسك، فأما أنا فوالله إني لميت، قتلوني أو لم يقتلوني، فانطلق تميم فأدرك منبه فقتلوه وأفلت تميم، فلما دخل مكة لحق إلى دار بديل بن ورقاء، ودار

(1)

رافع مولًى لهم، وخرج عمرو بن سالم، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوقف ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فقال عمرو: ثم:

(1)

في ج "حراب".

ص: 237

لاهمّ إني ناشدٌ محمدًا

حلفَ أبينا وأبيه الأتْلدَا

والدًا كنّا وكنتَ ولدًا

ثَمّة أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر -رسول الله- نصرًا عَدا

وادعُ عبادَ الله يأتوك مددا

فيهم رسول الله قد تجردا

إن سيم خُسفًا وجهه تربدا

في فَيلق كالبحر يأتي مزبَّدا

إن قريشًا أخلفوك الموعدا

وأنقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداءَ رصّدًا

وزعموا أن لستَ أدعو أحدًا

وهم أذل وأقل عددًا

ثم بيَّتونا بالوتير هجَّدا

فقتلونا ركعًا وسجَّدا

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد نصرت يا عمرو بن سالم" ثم عرض له عنان سحابة، فقال:"إن هذه السحابة لتستنزل بنصر بني كعب"، ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأخبروه بما أصيب منهم وقد رجعوا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كأنكم بأبي سفيان، قد قدم ليزيد في العهد، ويزيد في المدة"، ثم ذكر نحوًا مما في حديث أيوب عن عكرمة في طلب أبي سفيان الحوار من أبي بكر، ومن عمر، ومن علي، ومن فاطمة رضوان الله عليهم أجمعين، وجواب كل واحد منهم له بما أجابه في ذلك، على ما في حديث أيوب، عن عكرمة، ولم يذكر خبر أبي سفيان مع العباس رضي الله عنه، ولا أمان العباس إياه ولا إسلامه، ولا بقية الحديث

(1)

.

(1)

إسناده مرسل حسن، وهو مكرر سابقه (5041).

ص: 238

قال أبو جعفر: في هذين الحديثين أن الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة دخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم للحلف الذي كان بينهم وبينه، ودخلت بنو بكر في صلح قريش للحلف الذي كان بينهم وبينهم فصار حكم حلفاء كل فريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قريش في الصلح كحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم قريش، وكان بين حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حلفاء قريش من القتال ما كان فكان ذلك نقضًا من حلفاء قريش للصلح الذي كانوا دخلوا فيه، وخروجًا منهم بذلك منه، فصاروا بذلك حربًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ثم أمدت قريش حلفاءها هؤلاء بما قووهم به على قتال خزاعة، حتى قتل منهم من قتل وقد كان الصلح منعهم من ذلك، فكان فيما فعلوا من ذلك، نقضا للعهد، وخروجًا من الصلح، فصارت قريش بذلك حربًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم.

وقال الآخرون: وكيف يكون بما ذكرتم كما وصفتم، وقد رويتم أن أبا سفيان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد أن كان بين بني بكر وبين خزاعة من القتال ما كان، وبعد أن كان من قريش لبني بكر من المعونة لهم ما كان علم

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضعه، فلم يصله

(2)

ولم يعرض له، فدل ذلك على أنه كان عنده في أمانه على حاله غير خارج منه مما كان من بني بكر في قتال خزاعة، وما كان من قريش في معونة بني بكر بما أعانوهم به من الطعام والسلاح والتظليل، غير ناقض لأمانه بصلح الذي كان بينه وبين رسول الله

(1)

في ج "حكم".

(2)

في ج "فلم يقبله".

ص: 239

صلى الله عليه وسلم وغير مخرج له منه، فكان من الحجة عليه للآخرين أن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التعرض لأبي سفيان، لم يكن لأن الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة قائم، ولكنه تركه؛ لأنَّه كان وافدًا إليه من أهل مكة طالبًا الصلح الثاني سوى الصلح الأول، لانتقاض الصلح الأول، فلم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ولا غيره؛ لأن من سنته أن الرسل لا يقتلون. ثم قد روي عنه في ذلك، ما

5080 -

حدثنا فهد، قال: حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: ثنا عاصم بن بهدلة، قال: حدثني أبو وائل قال: ثنا ابن مُعَيز السعدي، قال: خرجت أستبق فرسًا لي بالسحر، فمررت على مسجد من مساجد بني حنيفة، فسمعتهم يشهدون أن مسيلمة رسول الله، فرجعت إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فذكرت له أمرهم، فبعث الشرط فأخذوهم، وجيء بهم إليه، فتابوا ورجعوا عما قالوا، وقالوا: لا نعود، فخلى سبيلهم، وقدَّم رجلا منهم يقال له: عبد الله بن النواحة، فضرب عنقه، فقال الناس: أخذت قومًا في أمر واحد، فخليت سبيل بعضهم، وقتلت بعضهم، فقال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا فجاءه ابن النواحة ورجل معه يقال له ابن وثال بن حجر وافدين من عند مسيلمة، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتشهدان أني رسول الله؟ " فقالا: أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله؟ فقال: "آمنت بالله وبرسوله، لو كنت قاتلًا وفدًا لقتلتكما"، فلذلك قتلت هذا

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف من أجل أبي معيز.=

ص: 240

5081 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، أن الحسن بن علي بن أبي رافع حدثه، أن أبا رافع أخبره أنه أقبل بكتاب من قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني والله لا أرجع إليهم أبدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد

(1)

، ولكن ارجع، فإن كان في قلبك الذي في قلبك الآن فارجع"، قال: فرجعت إليهم ثم أقبلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلمت، قال بكير: وأخبرني أن أبا رافع كان قبطيا

(2)

.

5082 -

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعد بن طارق، عن سلمة بن نعيم، عن أبيه، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسول مسيلمة بكتابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما:"وأنتما تقولان مثل ما يقول؟ " فقالا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والله لولا أن الرسل لا تقتل

= وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2861، 4524، 4525) بإسناده إلا أنه سقط من المطبوع فهد، وهو مكرر سابقه (4763)، وانظر سبب تضعيف الحديث فيه.

(1)

جمع بريد وهو الرسول.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (2758)، والنسائي في الكبرى (8674)، وابن حبان (4877)، والطبراني في الكبير (963)، والحاكم 5983، والبيهقي 9/ 145 من طرق عن عبد الله بن وهب به.

وأخرجه أحمد (23857) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن بكير بن عبد الله حدثه، عن الحسن بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أبي رافع به.

ص: 241

لضربت أعناقكها"

(1)

.

والدليل على خروج أهل مكة من الصلح بما كان بين بني بكر وبين خزاعة، وبما كان من معونة قريش لبني بكر في ذلك، طلب أبي سفيان تجديد الحلف، وتوكيد الصلح عند سؤال أهل مكة إياه ذلك، ولو كان الصلح لم ينتقض إذًا لما كان بهم إلى ذلك حاجة، ولكان أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما سألهم أبو سفيان ما سألهم من ذلك، يقولون: ما حاجتك وحاجة أهل مكة إلى ذلك إنهم جميعًا في صلح وفي أمان لا تحتاجون معهما إلى غيرهما، ثم هذا عمرو بن سالم وافد خزاعة يناشد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرنا من مناشدته إياه في حديث عكرمة، والزهري، وسأله في ذلك النصر ويقول فيما يناشده من ذلك:

إن قريشًا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك عليه، ثم كشف له عمرو بن سالم المعنى الذي به

(1)

إسناده حسن، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث وهو صدوق.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2863) بإسناده ومتنه.

وهو في السيرة النبوية لابن هشام 4/ 329.

وأخرجه الحاكم 3/ 52 - 53، ومن طريقه البيهقي في السنن 9/ 211، وفي دلائل النبوة 5/ 332 من طريق يونس بن بكير به.

وأخرجه أحمد (15989)، وأبو داود (2761)، والطبري في التاريخ 3/ 146، والحاكم 2/ 142 - 143 من طريق سلمة ابن الفضل، عن محمد بن إسحاق به.

ص: 242

كان نقض قريش ما كانوا عاهدوه عليه، ووافقوه بأن قال:

وهم أتونا بالوتير هُجَّدًا

فقتلونا ركَّعًا وسجَّدا

ولم يذكر في ذلك أحدا غير قريش من بني نفاثة، ولا من غيرهم، ثم أنشد حسان بن ثابت شعره الذي ذكرناه عنه، في حديث عكرمة المعنى الذي ذكره عمرو بن سالم في الشعر الذي ناشد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك دليل أن رجال بني كعب أصابهم من نقض قريش الذي به خرجوا من عهدهم ببطن مكة، ألا تراه يقول:

أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة

رجال بني كعب تحز رقابها

ثم ذكر ما بيناه لمن كان سببا من ذلك قريش ورجالها فقال:

فيا ليت شعري هل لنا

(1)

لزمرة

سهيل بن عمرو حوبُها وعقابُها

وسهيل بن عمرو هو كان أحد من عاقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح، فأما ما ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتحها، لم يقسم مالا، ولم يستعبد أحدا، ولم يغنم أرضًا، فكيف يستعبد من قد منَّ عليه في دمه وماله، فأما أراضي مكة، فإن الناس قد اختلفوا في ترك النبي صلى الله عليه وسلم التعرض لها، فمن يذهب إلى أنه افتتحها عنوةً، فقال بعضهم: تركها منة عليهم كمنّته عليهم في دمائهم، وفي سائر أموالهم، وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف رحمه الله، لأنه كان يذهب إلى أن أرض مكة تجري عليها الأملاك كما تجري على سائر الأرضين.

وقال بعضهم: لم تكن أراضي مكة مما وقعت عليها الغنائم، لأن أرض مكة

(1)

في ج "ينالن".

ص: 243

عندهم لا تجري عليها الأملاك، وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة، وسفيان الثوري رحمهما الله، وقد ذكرنا في هذا الباب الآثار التي رواها كل فريق ممن ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله - في كتاب البيوع -، من شرح معاني الآثار المختلفة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحكام فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا، ثم رجع الكلام إلى ما يثبت أن مكة فتحت عنوةً، فإن قلتم إن حديثي الزهري وعكرمة اللذين ذكرنا منقطعان، قيل لكم وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما حديث يدل على ما رويناه.

5083 -

حدثنا فهد بن سليمان بن يحيى قال: ثنا يوسف بن، بهلول، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: قال الزهري حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى لسفر وخرج لعشر مضين من رمضان، فصام وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد أفطر، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزل مرَّ الظَّهران في عشرة آلاف من المسلمين، فسمعت سليم

(1)

ومزينة، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقد عُمّيت الأخبار على قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل؟ وخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ينظرون هل يجدون خيرًا، أو يسمعونه؟ فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قلت: واصَباحَ قُريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوةً قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش

(1)

في ج "فسبقت سليم والفت مزينة"

ص: 244

إلى آخر الدهر، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها حتى دخلت الأراك، فلقي بعض الحطّابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتيهم يخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه، قال: فإني لأشير عليه، وألتمس ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا، قال بديل هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة والله أذل من أن يكون هذه نيرانهم، فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: يا أبا حنظلة قال: فعرف صوتي فقال أبو الفضل؟ قال: قلت نعم قال: ما لك فداك أبي وأمي؟ قال قلتُ: ويلك هذا والله رسول الله في الناس واصَباحَ قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوةً قبل أن يأتوه فيستأمنوه، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال: فما الحيلة، فداك أبي وأمي؟ قال قلت: لا والله إلا أن تركب في عجز هذه الدابة فآتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه والله لئن ظفر بك ليضربن عنقكَ، قال: فركب في عجز البغلة، ورجع صاحباه، قال: وكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا نظروا، قالوا: عمُّ رسول الله على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من هذا؟ وقام إلي، فلما رآه على عجز الدابة عرفه، وقال: أبو سفيان عدوّ الله؟ الحمد لله الذي أمكن منك وخرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته، كما تسبق الدابة البطية الرجل البطيء، ثم اقتحمت عن البغلة، ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء عمر رضي الله عنه فدخل فقال: يا رسول الله! هذا أبو سفيان، قد أمكن الله منه بلا عقد ولا عهد، فدعني فأضرب عنقه، قال: قلت: يا رسول الله إني قد أجرتُه، قال: ثم جلست إلى رسول الله

ص: 245

صلى الله عليه وسلم، فأخذت برأسه فقلت: والله لا يناجيه الليلة رجل دوني، قال: فلما أكثر عمر رضي الله عنه في شأنه، قلت: مهلا يا عمر والله لو كان رجلًا من بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكن عرفت أنه رجل من بني عبد مناف، قال فقال: مهلا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب، وما لي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذهب به إلى رَحْلك فإذا أصبحت فأتنا به"، قال: فلما أصبحتُ غدوتُ به إلى رسول الله، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان، أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله؟ "، قال: بأبي أنت وأمي فما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما والله لقد كاد يقع في نفسي أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئًا بعد، وقال: ويلك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تشهد أني رسول الله؟ قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله هذه فإن في النفس منها الآن شيئًا، قال العباس: قلت: ويلك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق وأسلم، قال العباس رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئًا، قال: "نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن"، فلما ذهبت لأنصرف قال يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند حطم الجند

(1)

حتى يمر به جنود الله فيراها، قال: فحبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومرت به القبائل على راياتها بها، فكلما مرت به قبيلة قال: من هذه؟ قلت: بنو سليم قال: يقول: ما لي ولبني سليم، ثم تمر به

(1)

في ج "الجبل".

ص: 246

قبيلة فيقول: من هذه؟ فأقول: مزينة فقال: ما لي ولمزينة، حتى نفدت القبائل لا تمر به قبيلة إلا سألني عنها فأخبره إلا قال: ما لي ولبني فلان، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق في الحديد، فقال: سبحان الله! من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، فقال: ما لأحد بهؤلاء قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، قال: فقلت: ويلك يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم، قال: قلتُ التجئ إلى قومك اخرج إليهم، حتى إذا جاءهم صَرَخَ بأعلى صوته يا معشر قريش! هذا محمد قد جاءكم فيما لا قل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه هند بنت عتبة بن ربيعة فأخذت شاربه فقالت: اقتلوا الحميت الدسم فبئس طليعة قوم، قال: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم وإنه قد جاء ما لا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: قاتلك الله وما يغني عنا دارك قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن

(1)

.

فهذا حديث متصل صحيح الإسناد ما فيه معنى يدل على فتح مكة عنوة، وينفي أن يكون صلحًا ويثبت أن الهدنة التي كانت تقدمت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش قد كانت انقطعت وذهبت قبل ورود رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، ألا يرى إلى قول العباس رضي

(1)

إسناده حسن ومحمد بن إسحاق صرح بالتحديث عند أحمد.

وأخرجه أحمد (2882) من طريق يحيى بن آدم عن ابن إدريس به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 503، وأحمد (2392)، والبيهقي في السنن 9/ 40، وفي الدلائل 5/ 19 - 20 من طرق عن محمد بن إسحاق به.

ص: 247

الله عنه: واصَباحَ قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوةً قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، أفترى العباس على فضل رأيه وعقله يتوهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرض قريشًا وهم منه في أمان وصلح وهدنة؟ هذا من المحال الذي لا يجوز كونه ولا ينبغي لذي لب أو لذي عقل أو لذي دين أن يتوهم ذلك عليه.

ثم هذا العباس رضي الله عنه قد خاطب أبا سفيان بذلك فقال: والله لئن ظفر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنك والله إنه لهلاك قريش إن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوةً، فلا

يدفع أبو سفيان قوله ولا يقول له: وما خوفي وخوف قريش من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونحن في أمان منه؟، إنما يقصد بدخوله أن ينتصف خزاعة من بني نفاثة دون قريش وسائر أهل مكة، ولم يقل له أبو سفيان: ولم يضرب عنقي؟، إذ قال له العباس: والله لئن ظفر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربن عنقك، وأنا في أمان منه.

ثم هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رأى أبا سفيان، يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه، ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليه، إذ كان أبو سفيان عنده ليس في أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في صلح منه، ثم لم يحاج أبو سفيان عمر رضي الله عنه بذلك ولا حاجه به عمه العباس رضي الله عنه بل قال له العباس: إني قد أجرته، فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ولا على العباس ما كان منهما من القول الذي ذكرنا عنها، فدل ذلك أنه لولا جوار العباس إذا لما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فيما أراد من قتل أبي سفيان، فأي خروج من

ص: 248

الصلح المتقدم؟ وأي نقض له يكون أبين من هذا؟.

ثم أبو سفيان لما دخل مكة بعد ذلك نادى بأعلى صوته بما جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ولم يقل له قريش: وما حاجتنا إلى دخولنا دارك وإلى إغلاقنا أبوابنا ونحن في أمان، قد أغنانا عن طلب الأمان بغيره، ولكنهم عرفوا خروجهم من الأمان الأول وانتقاض الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم عندما خوطبوا بما خوطبوا به من هذا الكلام غير آمنين إلا أن يفعلوا ما جعلهم رسول الله له به آمنين أن يفعلوه من دخولهم دار أبي سفيان أو من إغلاقهم أبوابهم، ثم قد روي عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وهي دار حرب لا دار أمان.

5084 -

حدثنا فهد قال: ثنا يوسف بن بهلول قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، أن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر إلي رجلان من أحمائي من بني مخزوم، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي، فدخل علي أخي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: لأقتلنهما، فأغلقت عليهما بيتي، ثم جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فوجدته يغتسل في جفنة أن فيها أثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى صلى الله عليه وسلم من الضحى ثماني ركعات ثم انصرف إلي فقال: مرحبا وأهلا بأم هانئ ما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي رضي الله

ص: 249

عنه فقال: "قد أجرنا من أجرتِ وأمّنا من أمّنتِ"

(1)

.

5085 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر الزهراني، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي مرة مولى عقيل عن فاختة أم هانئ رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل يوم فتح مكة، ثم صلى ثماني ركعات في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه، قال: فقلت: إني أجرت حموي من المشركين، وإن عليا يفلت عليهما ليقتلها، قالت: فقال: "ما كان له ذلك، قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت"

(2)

.

أفلا ترى أن عليا رضي الله عنه قد أراد قتل المخزوميين بمكة؟ ولو كانا في أمان لما طلب ذلك منهما فأمنتهما أم هانئ ليحرم بذلك دماؤهما على علي رضي الله عنه ولم تقل له: ما لك إلى قتلهما من سبيل لأنهما وسائر أهل مكة في صلح وأمان، ثم أخبرت أم هانئ رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من علي رضي الله عنه وبما كان من جوارها ذينك المخزوميين، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت"، ولم يعنف

(1)

إسناده حسن محمد بن إسحاق صرح بالتحديث هنا.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 453 من طريق أبي خالد الأحمر، عن ابن إسحاق به.

وأخرجه مسلم (336)(71، 72)، وابن ماجة (465) من طريق سعيد بن أبي هند به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي - (1615)، وأحمد (26892، 26906)، والترمذي بإثر (1579)، والنسائي في الكبرى (8684)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3148)، والطبراني في الكبير 24/ 1013، والحاكم 4/ 52 - 53، والبيهقي في السنن 9/ 95 من طرق عن ابن أبي ذئب به.

ص: 250

رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه في إرادته قتلهما قبل جوار أم هانئ إياهما، فدل ذلك أنه لولا جوارها إياهما لصح قتلهما، ومحال أن يكون له قتلهما وثمة أمان قائم وصلح متقدم لها، وهذا دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فأي شيء أبين من هذا؟.

ثم قد روى أبو هريرة رضي الله عنه في هذا الباب ما هو أبين من هذا.

5086 -

حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، قال: وفدنا إلى معاوية، وفينا أبو هريرة فقال: ألا أخبركم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة فبعث الزبير بن العوام على إحدى المجنتين، وبعث خالد بن الوليد على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر، فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة، فنظر فرآني فقال:"يا أبا هريرة" فقلت: لبيك يا نبي الله قال: "اهتف لي بالأنصار ولا يأتني إلا أنصاري"، قال: فهتفت بهم حتى إذا طافوا به وقد وبشت قريش أوباشها وأتباعها، فقالوا: تقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سألنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار، حين طافوا به انظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم، ثم قال بإحدى يديه على الأخرى احصدوهم حصادًا حتى توافوني بالصفا، فانطلقوا فما يشاء أحد منا أن يقتل ما شاء إلا قتل، وما توجه إلينا أحد منهم، فقال أبو سفيان: يا رسول الله! أبيحت خضراء قريش ولا قريش بعد اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أغلق بابه فهو آمن، ومن

ص: 251

دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فأغلق الناس أبوابهم، وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت فأتى على صنم إلى جنب البيت يعبدونه، وفي يده قوس فهو آخذ بسية القوس، فلما أن أتى على الصنم جعل يطعن في عينيه، ويقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} حتى إذا فرغ من طوافه أتى الصفا فصعد عليها حتى نظر إلى البيت، فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعوه بما شاء الله، والأنصار تحته، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته، فقال أبو هريرة وجاءه الوحي، به، وكان إذا جاء لم يخف علينا، فليس أحد من الناس يرفع رأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقضى الوحي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الأنصار"، قالوا: لبيك، قال:"أقلتم: أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته؟ " قالوا: قد كان ذاك، قال:"كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله عز وجل وإليكم، والمحيا محياكم، والممات ماتكم فأقبلوا يبكون إليه ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا ضنًّا بالله ورسوله، قال: "فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم"

(1)

.

فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يخبر أن قريشًا عند دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وبست أوباشها وأتباعها فقالوا: تقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي (2442)، وابن أبي شيبة 14/ 471 - 473، وأحمد (10948)، ومسلم (1780)(84)، والنسائي في الكبرى (11298)، وابن حبان (4760)، والبيهقي في السنن 9/ 117، وفي الدلائل 5/ 55 - 56 - 57 من طرق عن سليمان بن المغيرة به.

ص: 252

أعطينا الذي سألنا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على ذلك منهم، فقال للأنصار: انظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم، ثم قال بإحدى يديه على الأخرى: احصدوهم حصادًا حتى توافوني بالصفا، فما يشاء أحد منا أن يقتل من شاء إلا قتل وما توجه إلينا أحد منهم فيكون من هذا دخولا على أمان، ثم كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك المن عليهم، والصفح. وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث زيادة على ما في حديث سليمان بن المغيرة.

5087 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا القاسم بن سلام بن مسكين، قال: حدثني أبي قال: ثنا ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى مكة ليستفتحها، فسرح أبا عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام وخالد بن الوليد رضي الله عنهم، فلما بعثهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: "اهتف بالأنصار فنادى يا معشر الأنصار! أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا كما كانوا على معتاد

(1)

، ثم قال:"اسلكوا هذا الطريق ولا يشرفن أحد إلا أنميتموه أي: قتلتموه"، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح الله عليهم من قتل يومئذ الأربعة، قال: ثم دخل صناديد قريش من المشركين الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، ثم طاف وصلى ركعتين، ثم أتى الكعبة، فأخذ بعضادتي الباب، فقال:"ما تقولون وما تظنون؟ "، فقالوا:

(1)

في ج "على ميعاد".

ص: 253

نقول: أخ وابن عم حليم رحيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقول كما قال يوسف {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]، قال: فخرجوا كأنما نُشروا من القبور، فدخلوا في الإسلام، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يلي الصفا، فخطب والأنصار أسفل منه، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما إن الرجل أخذته الرأفة بقومه، وأدركته الرغبة في قرابته، قال: فأنزل الله عز وجل عليه الوحي فقال: "يا معشر الأنصار أقلتم أخذته الرأفة بقومه، وأدركته الرغبة في قرابته فما نبي أنا إذًا، كلا والله إني لرسول الله حقا، إن المحيا لمحياكم وإن الممات لمماتكم"، قالوا: والله يا رسول الله! ما قلناه إلا مخافة أن تفارقنا إلا ضنًّا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم صادقون عند الله ورسوله، قال: فوالله ما بقي منهم رجل إلا بل نحره بدموع عينيه

(1)

.

أولا ترى أن قريشًا بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قد كانوا يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، أفتراهم كانوا يخافون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمنهم قبل ذلك؟، هذا والله غير مخوف منه صلى الله عليه وسلم ولكنهم علموا أن إليه قتلهم إن شاء وأن إليه المنّ عليهم إن شاء وإن الله عز وجل قد أظهره عليهم، وصيّرهم في يده يحكم فيهم بما أراد الله تعالى من قبل، ومن بعد ذلك عليهم وعفا عنهم، ثم قال لهم يومئذ لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا.

5088 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا حامد بن يحيى قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (1871)، والنسائي في الكبرى (11234)، وأبو يعلى (6647) من طرق عن سلام بن مسكين به.

ص: 254

زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن الحارث بن البَرْصَاء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول: "لا تُغْزى مكة بعد هذا اليوم أبدا"

(1)

.

قال أبو سفيان: تفسير هذا الحديث لأنهم لا يكفرون أبدًا فلا يغزون على الكفر، هذا لا يكون إلا ودخوله إياها دخول غزو، ثم قال صلى الله عليه وسلم "لا يقتل قرشي بعد هذا اليوم صبرًا".

5089 -

حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي مريم، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن زكريا، قال: ثنا أبي، عن الشعبي، قال: قال عبد الله بن مطيع: سمعت مطيعا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول: لا يقتل قرشي صبرًا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الحميدي (572)، وأحمد (19019)، والفاكهي في أخبار مكة (768، 769)، والطبراني في الكبير (3338)، والحاكم 3/ 627 من طريق سفيان بن عيينة به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 490، وأحمد (15404)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (909)، والبيهقي في السنن 9/ 214، وفي الدلائل 5/ 75 من طرق عن زكريا به.

(2)

إسناده صحيح، وزكريا بن أبي زائدة صرح بالتحديث عن الشعبي عند أحمد وابن حبان.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1507) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/ 173، 14/ 490، وأحمد (15407)، ومسلم (1782)(88)، وابن أبي عاصم في السنة (1526)، والدارمي 2/ 198، وابن حبان (3718)، والطبراني في الكبير 20/ 692، والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 76 من طرق عن زكريا به.

ص: 255

قال: فدل ذلك أن دماء قريش إنما حرمت بعد ذلك اليوم لما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمته

(1)

يومئذ عليهم، ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خطبةً بين فيها حكم مكة دخوله إياها، وحكمها وقت دخوله إياها وحكمها بعد ذلك.

5090 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون، عن أبي يوسف، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم مكة يوم خلق الله عز وجل السماوات والأرض والشمس والقمر، ووضعها بين هذين الأخْشَبين، ثم لم تحل لأحد قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها ولا يرفع لقطتها إلا منشدها"، فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر

(2)

.

5091 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا مسدد، قال: ثنا يحيى، عن ابن أبي ذئب

(3)

، قال: ثنا سعيد المقبري، قال: سمعت أبا شُريح الكعبي، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم مكة ولم يحرِّمها الناس، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفكن فيها دمًا،

(1)

في ج "من منه".

(2)

إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد الهاشمي.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (1661)، و شرح مشكل الآثار (3139، 4790) بإسناده ومتنه. وهو مكرر سابقه (3884).

(3)

في ج هنا "ابن أبي عروبة" وهو خطأ.

ص: 256

ولا يعضدنَّ فيها شجرًا، فإن ترخص

(1)

مترخّصٌ فقال: قد أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله أحلها لي، ولم يحلها للناس، وإنما أحلها لي ساعةً"

(2)

.

5092 -

حدثنا فهد بن سليمان قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الخزاعي قال: لما بعث عمرو بن سعيد البعثَ إلى مكة لغزو ابن الزبير أتاه أبو شريح الخزاعي فكلمه بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى نادي قومه، فجلس فقمتُ إليه فجلستُ معه، فحدث عما حدث عمرو بن سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعما أجابه عمرو بن سعيد، قال قلت له إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عَدَتْ خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه بمكة، وهو مشرك، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبًا، فقال: "أيها الناس: إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا، ألا! ثم عادت كحرمتها

(3)

، ألا! فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحلها

(1)

في ج "رخص".

(2)

إسناده صحيح

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (1662)، وشرح مشكل الآثار (4792) بإسناده ومتنه.

وهو مكرر سابقه (3885).

(3)

في ج "حرمتها بالأمس".

ص: 257

فقولوا: إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لك، يا معشر خزاعة كفُّوا أيديكم، فقد قتلتم قتيلًا لأدينَّه، فمن قتل بعد مقامي هذا فهو بخير نظرين إن أحب قدم قاتله، وإن أحب فعقله"، قال: انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك، إنها لا تمنع سافك دم ولا مانع حرمة ولا خالع طاعة، قال: قلت وقد كنت شاهدًا وكنتَ غائبًا وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد أبلغتك

(1)

.

5093 -

حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث بن سعد، عن أبي سعيد المقبري، أنه قال: سمعت أبا شريح الخزاعي يقول لعمرو بن سعيد - وهو على المنبر حين قطع بعثًا إلى مكة لقتال ابن الزبير -، يا هذا! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن مكة حرام حرمها الله، ولم يحرمها الناس، وإن الله إنما أحل لي القتال بها ساعةً من النهار، ولعله أن يكون بعدي رجال يستحلون القتال بها، فمن فعل ذلك منهم فقولوا: إن الله أحلها لرسوله ولم يحلها لك، وليبلغ الشاهد الغائب" ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب ما حدثتك بهذا الحديث، قال عمرو: إنك شيخ قد خَرفتَ وقد هممتُ بك، قال: أما والله لأتكلمن بالحق وإن شددت رقابنا

(2)

.

(1)

إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث هنا.

وهو مكرر سابقه برقم (3886).

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الله بن صالح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4791) من طرق عن شعيب بن الليث، عن الليث به. =

ص: 258

5094 -

حدثنا بحر بن نصر، عن شعيب بن الليث، عن أبيه، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم

بمثل معنى حديث فهد الذي قبل هذا الحديث

(1)

.

5095 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن قال: ثنا ابن أبي مريم، قال أخبرنا الدراوردي، قال: ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجون، ثم قال:"والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وما أحلت لي إلا ساعةً من النهار، وهي بعد ساعتها هذه حرام إلى يوم القيامة"

(2)

.

5096 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن المنهال، وأبو سلمة قالا: ثنا حماد

= وأخرجه أحمد (16373، 27164)، والبخاري (104، 1832، 4295)، ومسلم (1354)، والترمذي (809)، والنسائي في المجتبى 5/ 205 - 206، وفي الكبرى (5846)، والطبراني في الكبير 22/ 484، والبيهقي في الدلائل 5/ 82 - 83 من طرق عن الليث بن سعد به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4791) بإسناده ومتنه

وهو مكرر سابقه برقم (3886 م).

(2)

إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو بن علقمة الليثي.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3146، 4796) بإسناده ومتنه.

وهو مكرر سابقه برقم (3887).

ص: 259

بن سلمة، عن محمد بن عمرو

فذكر بإسناده مثله

(1)

.

5097 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى، قال: حدثني أبو سلمة، قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله عز وجل على رسوله مكة، قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية، قال: فقام النبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها ساعتي هذه حرام، لا يُعضد شجرها، ولا يختلى شوكها، ولا يلتقط ساقطتها إلا لمنشدها"

(2)

5098 -

حدثنا بكار بن قتيبة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير

فذكر بإسناده مثله غير أنه قال: إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة الفيل" وقال: "لا يلتقط ضالتها إلا لمنشد"

(3)

.

(1)

إسناده حسن كسابقه.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4795) بإسناده ومتنه.

وهو مكرر سابقه برقم (3888).

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3144، 4794) بإسناده ومتنه.

وهو مكرر سابقه برقم (3889).

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3145، 4793، 4901) بإسناده ومتنه. وهو مكرر سابقه برقم (3890).

ص: 260

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر به في خطبته هذه أن الله تعالى أحل له مكة ساعة من النهار، ثم عادت حرامًا إلى يوم القيامة، فلو كان لا حاجة به إلى القتال في تلك الساعة إذًا لكانت في تلك الساعة، وفيما قبلها وفيما بعدها على معنى واحد، وكان حكمها في تلك الأوقات كلها حكمًا واحدًا.

فإن قال قائل: إنما أبيح له إظهار السلاح بها لا غير.

قيل له: وأي حاجة به إلى إظهار السلاح إذا كان لا يستطيع أن يقاتل به أحدًا فيها؟ هذا محال عندنا ولا يجوز إظهار السلاح بها إلا وهو مباح له القتال به، وقد بين الليث بن سعد في حديثه الذي روينا عنه في هذا الفصل عن سعيد المقبري هذا المعنى فقال فيه "وإن الله إنما أحل لي القتال فيها ساعة من نهار"، أفيجوز له أن يحل له قتال من هو في هدنة منه وأمان؟ هذا لا يجوز، ثم قد كان دخوله إياها دخول محارب لا دخول آمن لأنه دخلها وعلى رأسه المغفَر.

5099 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال أخبرنا عبد الله بن وهب، أن مالكا أخبره، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: يا رسول الله هذا ابن خَطَل متعلّق بأستار الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوه، قال مالك: قال ابن شهاب: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرمًا

(1)

.

(1)

إسناده صحيح. وهو مكرر سابقه برقم (3883).

ص: 261

5100 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا مالك بن أنس

فذكر بإسناده مثله. ولم يقل: "ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرمًا"

(1)

.

وقيل: إنه دخلها وعليه عمامة سوداء.

5101 -

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا معلى بن منصور قال: ثنا شريك، عن عمار الدهني، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء

(2)

.

5102 -

حدثنا فهد بن سليمان قال: ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، قال: ثنا شريك بن عبد الله، عن عمار الدهني، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

5103 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دُكين، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء

(4)

.

5104 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا علي بن حكيم الأودي، قال: ثنا شريك،

(1)

إسناده صحيح. وهو مكرر سابقه برقم (3883).

(2)

حديث صحيح، وإسناده ضعيف من أجل شريك بن عبد الله. وهو مكرر سابقه برقم (3881).

(3)

حديث صحيح، وإسناده ضعيف من أجل شريك بن عبد الله. وهو مكرر سابقه برقم (3881).

(4)

رجاله ثقات إلا أن أبا الزبير لم يصرح بسماعه عن جابر. وهو مكرر سابقه برقم (3882).

ص: 262

عن عمار الدهني، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

قال أبو جعفر: فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله إياها غير محارب إذا لم يدخلها إلا حراما دخلها، وهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إحلال الله مكة له، كما قد روينا عنه في هذا الفصل قد منع الناس أن يدخلوا الحرم غير محرمين.

5105 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: حماد، عن قيس، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يدخل أحد مكة إلا محرمًا

(2)

.

5106 -

حدثنا محمد قال: ثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم قال: ثنا ابن جريج، قال: قال عطاء: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا عمرة على المكي إلا أن يخرج من الحرم، فلا يدخله إلا حراما، فقيل لابن عباس رضي الله عنهما: فإن خرج رجل من مكة قريبًا؟ قال: نعم يقضي حاجته ويجعل مع قضائها عمرة

(3)

.

5107 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال أخبرنا عبد الملك، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه

(1)

حديث صحيح، وإسناده ضعيف من أجل شريك بن عبد الله. وهو مكرر سابقه برقم (3881).

(2)

إسناده صحيح. وهو مكرر سابقه برقم (3898).

(3)

رجاله ثقات.

وهو عند المصنف في شرح أحكام القرآن (1660) بإسناده ومتنه. وهو مكرر سابقه برقم (3894).

ص: 263

كان يقول: "لا يدخل مكة تاجر ولا طالب حاجة إلا وهو محرم"

(1)

.

فدل ما ذكرنا أن إحلال الله إياها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان لحاجته إلى القتال منها لا لغير ذلك.

فإن قال قائل: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن الناس جميعا إلا ستة نفر. وذكروا في ذلك ما

5108 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط بن نصر، قال: زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: لما كان يوم فتح مكة آمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خَطَل، ومقيس بن ضبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فأما عبد الله بن خطل: فأتي وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارًا وكان أشد الرجلين فقتله، وأما مقيس بن ضبابة، فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة بن أبي جهل، فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا هاهنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، لم ينجني في البر غيره، اللهم إن لك علي عهدًا إن أنت أنجيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا ثم أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوا كريما فأسلم، قال: وأما عبد الله بن أبي

(1)

إسناده صحيح. وهو مكرر سابقه برقم (3896).

ص: 264

سرح: اختبأ عند عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله قال فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك نائيًا

(1)

فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟، قالوا: ما درينا يا رسول الله! ما في نفسك، فهلا أومأت إلينا بعينك؟، فقال:"إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة عين"

(2)

.

5109 -

حدثنا أبو أمية قال: ثنا أحمد بن المفضل

فذكر بإسناده مثله

(3)

.

قيل له: هذا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أظفره الله عليهم ألا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان صالح أولا قد كان دخل في صلحه ذلك هؤلاء الستة النفر، وإن دماءهم قد حلت بعد ذلك بأسباب حدثت منهم بعد الصلح، وكذلك أبو سفيان أيضًا كان في الصلح.

(1)

في ن "يأبى.

(2)

إسناده حسن من أجل أحمد بن المفضل الحفري وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4522) بإسناده ومتنه

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 491، ومن طريقه أبو يعلى (757) عن أحمد بن المفضل الحفري به.

(3)

إسناده حسن كسابقه.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4521) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أبو داود (2683، 4359)، والنسائي 7/ 105 - 106، والبزار (1821 كشف)، والدارقطني 3/ 59، والحاكم 3/ 45، والبيهقي 7/ 40 من طرق عن أحمد بن المفضل الحفري به.

ص: 265

ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه به العباس رضي الله عنه: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاره العباس بعد ذلك فحقن دمه لجواره، وكذلك هبيرة بن أبي وهب المخزومي وابن عمه اللذان كانا لحقا بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة إلى أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، فأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتلهما، وقد كانا دخلا في الصلح الأول، ثم قد حلت دماؤهما بعد ذلك بالأسباب التي كانت منهما حتى أجارتهما أم هانئ رضي الله عنها، فحرمت بذلك دماؤهما، وكذلك من لم يدخل دار أبي سفيان يوم فتح مكة، ولا من لم يغلق عليه بابه قد كان دخل في الصلح الأول على غير إشراط عليه، فيه دخول دار أبي سفيان ولا بغلق باب نفسه عليه، ثم حل دمه بعد الصلح الأول بالأسباب التي كانت منه بعد ذلك. فدل بما

5110 -

حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي، قال: ثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: ثنا أبي، عن أبي إسحاق، قال: حدثني شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبي، عن عبد الله بن مطيع بن الأسود، عن أبيه، وكان اسمه العاص فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة، يقول:"لا تغزى مكة بعد اليوم أبدا، ولا يقتل رجل من قريش صبرًا بعد العام"

(1)

.

(1)

إسناده حسن فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث هنا.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1508) بإسناده ومتنه. =

ص: 266

فهذا يدل على أنه كان غزوها في ذلك العام بخلافه فيما بعده من الأعوام، وفي ذلك ما قد دل على أنه كان لا أمان لأهلها في ذلك العام، لأنه لا يغزى من هو في أمان، وقوله:"لا يقتل رجل من قريش صبرًا بعد ذلك العام" لذلك. وفيما روينا وذكرنا من الآثار وكشفنا من الدلائل ما تقوم الحجة به في كشف ما اختلفنا فيه، وإيضاح فتح مكة أنه عنوة، وبالله التوفيق، ولقد روي في أمر مكة ما يمنع أن يكون صلحًا ما.

5111 -

حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال: ثنا عبد الله بن صالح، (ح) وحدثنا روح بن الفرج قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قالا: ثنا عبد الله بن لهيعة قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، عن أبيه قال: لقد أظهر نبي الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلم أهل مكة، كلهم، وذلك قبل أن تفرض الصلاة، حتى إن كان ليقرأ بالسجدة ويسجد فيسجدون فما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام وضيق المكان لكثرة الناس حتى قدم رءوس قريش: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل وغيره، فكانوا بالطائف في أرضيهم، فقال: أتدعون دين آبائكم؟ فكفروا

(1)

.

= وأخرجه أحمد (15408)، ومن طريقه ابن الأثير في أسد الغابة 5/ 191 - 192 عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد به.

وأخرجه الطبراني في الكبير 20/ (691) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد والد يعقوب به.

(1)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة، وعبد الله بن صالح متابع.

وأخرجه الطبراني 20/ 5 (2) عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن عبد الله بن صالح به.

وأخرجه الحاكم 3/ 559، والبيهقي في المعرفة (18268) من طرق عن ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود، عن عروة به. =

ص: 267

قال أبو جعفر رحمه الله: ففي هذا الحديث أن إسلام أهل مكة قد كان تقدم، وأنهم كفروا بعد ذلك.

فكيف يجوز أن يؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما مرتدين بعد قدرته عليهم هذا لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم.

ولقد أجمع المسلمون جميعا أن المرتد يحال بينه وبين الطعام إلا ما يقوم بنفسه، وأنه يحال بينه وبين سعة العيش والتصرف في أرض الله حتى يراجع دين الله تعالى، أو يأبى ذلك فيمضي عليه حكم الله تعالى، وأنه لو سأل الإمام أن يؤمنه على أن يقيم مرتدا آمنا في دار الإسلام أن الإمام لا يجيبه إلى ذلك ولا يعطيه ما سأل.

ففي ثبوت ما ذكرنا من إجماع المسلمين على ما وصفنا دليلٌ صحيحٌ وحجةٌ قاطعةٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمن أهل مكة بعد قدرته عليهم وظفره بهم، والله أعلم بالصواب.

= وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (6157) من طريق سليمان بن أحمد، عن أبي الزنباع، عن يحيى بن بكير به.

وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (617) عن ابن عفير، عن ابن لهيعة به.

ص: 268

‌16 - كتاب البيوع

‌1 - باب بيع الشعير بالحنطة متفاضلًا

5112 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا النضر حدثه، أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أنه أرسل غلاما له بصاع من قمح، فقال له بعه ثم اشتر بثمنه شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعًا وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمر أخبره، فقال له معمر: لم فعلت؟ انطلق، فرده، ولا تأخذ إلا مثلا، بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الطعام بالطعام مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ، الشعير. قيل له: فإنه ليس مثله، قال: إني أخاف أن يضارعه

(1)

(2)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(3)

إلى هذا الحديث فقلدوه، وقالوا: لا يجوز بيع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل.

(1)

أي: أن يشابهه من المضارعة وهي: المشابهة.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (27251)، ومسلم (1592)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (766)، وابن حبان (5011)، والطبراني في الكبير 20/ (1095)، وفي الأوسط (327)، والدارقطني 3/ 24، والبيهقي 5/ 823 من طرق عن ابن وهب به.

(3)

قلت: أراد بهم: أبا عبد الرحمن السلمي، والقاسم، وسالما، وسعيد بن المسيب، وربيعة، وأبا الزناد، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، والليث بن سعد، ومالكا رحمهم الله، كما في النخب 18/ 404.

ص: 269

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

، فقالوا: لا بأس ببيع الحنطة بالشعير متفاضلًا، مثلين بمثل أو أكثر من ذلك.

وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في الحديث الذي احتجوا به عليهم، أن معمرًا أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان سمعه يقول:"الطعام بالطعام مثلا بمثل" ثم قال معمر: وكان طعامنا يومئذ الشعير.

فيجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله الذي حكاه عنه معمر، الطعام الذي كان طعامهم يومئذ فيكون ذلك على الشعير بالشعير، فلا يكون في هذا الحديث شيء من ذكر بيع الحنطة بالشعير، مما ذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو مذكور عن معمر، من رأيه، ومن تأويله ما كان سمع من النبي صلى الله عليه وسلم.

ألا ترى أنه قيل له: فإنه ليس مثله أي ليس من نوعه، فلم ينكر ذلك على من قاله، وكان من جوابه "إني أخشى أن يضارعه" كأنه خاف أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي سمعه يقوله، وهو ما ذكرنا في حديثه عن الأطعمة كلها، فتوقى ذلك وتنزه عنه للريب الذي وقع في قلبه منه.

فلما انتفى أن يكون في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين على صاحبه، نظرنا هل في غيره ما ينبئنا على حكم ذلك كيف هو؟ فاعتبرنا ذلك.

(1)

قلت: أراد بهم: النخعي، والشعبي، والزهري، وعطاء، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، والشافعي، وأحمد وإسحاق، وأبا ثور رحمهم الله، كما في النخب 18/ 406.

ص: 270

5113 -

فإذا علي بن شيبة قد حدثنا، قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قام فقال: يا أيها الناس! إنكم قد أحدثتم بيوعا لا أدري ما هي؟ وإن الذهب بالذهب وزنًا بوزن تبره

(1)

وعينه

(2)

، والفضة بالفضة وزنًا بوزن تبرها وعينها، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة و الفضة أكثرهما يدًا بيد، ولا يصلح نسيئًا، والبر بالبر مدا بمد، ويدا بيد، والشعير بالشعير مدا بمد يدا بيد، ولا بأس ببيع الشعير بالبر، والشعير أكثر هما يدا بيد، ولا يصلح نسيئةً، والتمر بالتمر حتى عد الملح مثلا بمثل، من زاد أو استزاد فقد أربى

(3)

.

فهذا عبادة بن الصامت رضوان الله عليه قد خالف معمر بن عبد الله فيما ذهب إليه، على ما ذكرنا عنه في الحديث الأول

وقد روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه هذا الكلام أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

5114 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا محمد بن إدريس، قال: ثنا عبد الوهاب

(1)

هي القطعة المأخوذة من المعدن.

(2)

عين الذهب هو المصوغ منه.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 157 من طريق يزيد بن هارون به.

وأخرجه النسائي في المجتبى 7/ 276، وفي الكبرى (6110)، والبزار (2733)، والشاشي (1242)، والبيهقي 5/ 276 - 277 من طريق قتادة، عن مسلم بن يسار به.

ص: 271

الثقفي، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن مسلم بن يسار، ورجل آخر، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينًا، بعين، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد، كيف شئتم". قال: ونقص أحدهما، "التمر بالملح"، وزاد الآخر:"من زاد أو ازداد فقد أربى"

(1)

.

5115 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا المعلى بن أسد، قال: ثنا وهيب، عن أيوب

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

5116 -

حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، عن أبيه، عن محمد بن الحسن، عن أبي يوسف، عن إبراهيم بن طهمان عن أيوب بن أبي تميمة، عن محمد بن سيرين، عن ابن يسار، عن أبي الأشعث، قال: سمعت عبادة بن الصامت رضي الله عنه، يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبايعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا

(1)

رجاله ثقات، والرجل المبهم هو عبد الله بن عبيد هو في عداد المجهولين ومسلم بن يسار لم يسمع هذا الحديث من عبادة.

وأخرجه الشافعي في مسنده 2/ 157، والبيهقي 5/ 276، والبغوي (2056) من طريق أيوب السختياني به.

وأخرجه أحمد (22729)، والنسائي 7/ 275، وابن ماجة (2254)، والشاشي في مسنده (1245) من طريق سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين به.

(2)

إسناده كسابقه، وهو مكرر سابقه.

ص: 272

وزنًا بوزن، ولا التمر بالتمر، ولا الحنطة بالحنطة، ولا الشعير بالشعير، ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولكن بيعوا الذهب بالورق والحنطة بالشعير، والتمر بالملح يدا بيد كيف شئتم"

(1)

.

5117 -

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن مسلم المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يباع الذهب بالذهب تبره وعينه إلا وزنا بوزن، والفضة بالفضة تبرها وعينها إلا مثلا بمثل، وذكر الشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح كيلا بكيل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الشعير بالبر يدا بيد، والشعير أكثرهما

(2)

.

5118 -

حدثنا سليمان بن شعيب قال: ثنا الخصيب قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

بمثله

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وذكره محمد بن الحسن في الحجة 2/ 601 تعليقًا وفي الأصل 2/ 588 عن إبراهيم بن طهمان به.

(2)

إسناده قوي من أجل خصيب بن ناصح.

وأخرجه أبو داود (3349)، والنسائي في المجتبى 7/ 276، وفي الكبرى (6111)، والشاشي (1244، 1249)، والدارقطني 3/ 18، والبيهقي 5/ 277، 282، 283، 291 من طريق أبي الخليل به.

(3)

إسناده قوي، من أجل خصيب بن ناصح.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (520) من طريق قتادة به. =

ص: 273

5119 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا محمد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار

وذكر آخر حدثاه، أو حدثنا قال: جمع المنزل بين عبادة بن الصامت وبين معاوية رضي الله عنهما، في كنيسة أو بيعة. فحدث عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين قال أحدهما: ولم يقل الآخر: قال عبادة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالفضة، والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا

(1)

.

قال أبو جعفر: ففي هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة بيع الشعير بالحنطة مثلين بمثل، فقد ثبت القول بذلك من طريق الآثار، ثم التمسنا حكم ذلك من طريق النظر لنعلم كيف هو؟ فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في كفارة اليمين من الحنطة كم هي؟ فقال بعضهم: هي نصف صاع لكل مسكين، وقال بعضهم: هي مد لكل مسكين.

= وأخرجه الشافعي (230)، وابن أبي شيبة 7/ 100 - 101، وأحمد (22683)، والدارمي (2579)، ومسلم (1587)، وابن حبان (5015)، ومحمد بن نصر المروزي في السنة (166)، والشاشي (1243)، والبيهقي 5/ 277 من طريق أبي قلابة به.

(1)

رجاله ثقات، والرجل المبهم هو عبد الله بن عبيد كما في رواية أحمد وهو من عداد المجهولين ومسلم بن يسار لم يسمع هذا الحديث من عبادة بن الصامت.

وأخرجه أحمد (22729)، والنسائي 7/ 275، وابن ماجة (2254)، والشاشي (1245) من طريق سلمة بن علقمة به.

ص: 274

فكان الذين جعلوها من الحنطة نصف صاع يجعلونها من الشعير صاعا، وكان الذين جعلوها من الحنطة مدا يجعلونها من الشعير مدين، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده عنهم في غير هذا الموضع.

فثبت بذلك أنهما نوعان مختلفان، لأنهما لو كانا من نوع واحد إذن لأجزي من أحدهما ما يجزئ عن الآخر.

فإن قال قائل: إنه إنما زيد في الشعير على ما جعل في ذلك من الحنطة لغلوّ الحنطة، واتساع الشعير.

فالجواب له في ذلك أنا رأينا ما يعطى من جيد الحنطة ومن رديئها في كفارة الأيمان سواء، وكذلك الشعير.

ألا ترى أن من وجبت عليه كفارة يمين فأعطى كل مسكين نصف مد يساوي نصف صاع أن ذلك لا يجزئه من نصف صاع ولا من مد.

فلما كان ما ذكرنا كذلك، وكان الشعير يؤدى منه في كفارات الأيمان مثل ما يؤدى من الحنطة، ثبت أنه نوع خلاف الحنطة.

فثبت بذلك أن لا بأس ببيعه بالحنطة مثلين بمثل وأكثر من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.

ص: 275

‌2 - باب بيع الرطب بالتمر

5120 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنا ابن وهب أن مالكا وأسامة بن زيد، أخبراه عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدًا أبا عياش أخبره أنه سأل سعدا عن السلت

(1)

بالبيضاء

(2)

، فقال سعد: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرطب بالتمر، فقال:"أينقص الرطب إذا جف؟ " فقالوا: نعم، قال:"فلا إذن وكرهه"

(3)

.

5121 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا مالك، عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

فذكر مثله

(4)

.

(1)

بضم السين المهملة هو ضرب من الشعير أبيض لا قشر به.

(2)

أي: الحنطة، ويسمى: السمراء أيضا.

(3)

إسناده قوي، من أجل زيد أبي عياش الزرقي.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6161) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن الجارود (657)، وابن عبد البر في التمهيد 19/ 172 من طريق عبد الله بن وهب عن أسامة بن زيد وحده به. ورواه مالك في الموطأ 2/ 624، ومن طريقه أخرجه الشافعي في المسند 2/ 159، والطيالسي (214)، وعبد الرزاق (14185)، وابن أبي شيبة 6/ 182، 14/ 204، وأحمد (1515)، وأبو داود (3359)، والترمذي (1225)، والنسائي 7/ 268، وابن ماجة (2264)، وأبو يعلى (712 - 713)، وابن الجارود (657)، والشاشي (161، 162، 163)، وابن حبان (4997)، والدارقطني 3/ 49، والحاكم 3/ 38، والبيهقي 5/ 294، والبغوي (2068).

(4)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6166) بإسناده ومتنه. =

ص: 276

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(1)

إلى هذا الحديث، فقلدوه وجعلوه أصلا، ومنعوا به بيع الرطب بالتمر.

وممن ذهب إلى ذلك: أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله.

وخالفهم في ذلك آخرون

(2)

، فجعلوا الرطب والتمر نوعًا واحدا، وأجازوا بيع كل واحد منهما بصاحبه مثلا بمثل، وكرهوه نسيئة.

فاعتبرنا هذا الحديث الذي احتج به عليهم مخالفهم، هل دخله شيء؟

5122 -

فإذا ابن أبي داود قد حدثنا قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، قال: ثنا معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن يزيد أن زيدًا أبا عياش، أخبره عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة

(3)

.

فكان هذا هو أصل هذا الحديث فيه ذكر النسيئة، زاده يحيى بن أبي كثير على

= وأخرجه أبو داود (3359)، والشاشي (162)، وابن حبان (4997)، والدارقطني 3/ 49، والبيهقي 5/ 294، وابن عبد البر 19/ 175 من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي بهذا الإسناد.

(1)

قلت: أراد بهم: الأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، ومالكا، والشافعي، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 18/ 449.

(2)

قلت: أراد بهم: أبا حنيفة، والمزني، وأبا ثور، وداود رحمهم الله، كما في المصدر السابق.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6171) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الحاكم 2/ 38 - 39، والبيهقي 5/ 294 من طريق حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير به.

ص: 277

مالك بن أنس فهو أولى.

وقد روى هذا الحديث أيضًا عن غير عبد الله بن يزيد على مثل ما رواه يحيى بن أبي كثير أيضًا.

5123 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله، حدثه عن عمران بن أبي أنس أن مولًى لبني مخزوم حدثه أنه سئل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل؟ فقال سعد: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا

(1)

.

فهذا عمران بن أبي أنس، وهو رجل متقدم معروف، قد روى هذا الحديث كما رواه يحيى.

فكان ينبغي في تصحيح معاني الآثار أن يكون حديث عبد الله بن يزيد لما اختلف عنه فيه أن يرتفع ويثبت حديث عمران هذا.

فيكون هذا النهي الذي جاء في حديث سعد هذا إنما هو لعلة النسيئة لا لغير ذلك.

(1)

رجاله ثقات رجال الصحيح غير مولى بني مخزوم فإنه لا يعرف.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6173) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الحاكم 2/ 43، وعنه البيهقي 5/ 295 من طريق ابن وهب، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي عياش به.

ص: 278

فهذا سبيل هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

وأما وجهه من طريق النظر، فإنا قد رأيناهم لا يختلفون في بيع الرطب بالرطب، مثلا بمثل أنه جائز.

وكذلك التمر بالتمر مثلا بمثل وإن كانت في أحدهما رطوبة ليست في الآخر، وكل ذلك ينقص إذا بقي نقصانًا مختلفًا ويجف.

فلم ينظروا في ذلك حال الجفوف، فيبطلوا البيع به، بل نظروا إلى حالة وقت وقوع البيع، فعملوا على ذلك ولم يراعوا ما يئول إليه بعد ذلك من جفوف ونقصان.

فالنظر على ذلك أن يكون كذلك التمر بالرطب، ينظر إلى ذلك في وقت وقوع البيع، ولا ينظر إلى ما يئول إليه من تغيير وجفوف.

وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وهو النظر عندنا.

ص: 279

‌3 - باب: تلقي الجَلَب

(1)

5124 -

حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا أبو الأحوص، قال: أنا سماك، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا السوق

(2)

، ولا ينفّق

(3)

بعضكم لبعض"

(4)

.

5125 -

وحدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا السوق"

(5)

.

5126 -

حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى السلع حتى تدخل

(1)

بفتحتين ما يجلب للبيع.

(2)

معناه: لا تستقبلوا السلع فتتساوموا عليها قبل أن يصل إلى السوق.

(3)

بتشديد الفاء من التنفيق، وهو: من النفاق ضد الكساد، والمعنى ها هنا لا يقصد أن ينفق سلعته على جهة النجش فإنه بزيادته فيها يرغب الناس فيكون قوله سببا لابتياعها ومنفقا لها.

(4)

إسناده ضعيف رواية سماك عن عكرمة مضطربة.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 215، 14/ 205، وأحمد (2313)، والترمذي (1268)، وأبو يعلى (2356)، والطبراني (11774)، والبيهقي 5/ 317 من طرق عن أبي الأحوص به.

(5)

إسناده ضعيف كسابقه.

ص: 280

الأسواق

(1)

.

5127 -

حدثنا فهد، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا ابن نمير

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

5128 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا صخر بن جويرية، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتلقوا البيوع"

(3)

.

5129 -

وحدثنا محمد بن عُزَيز الأيلي، قال: ثنا سلامة بن روح، عن عقيل، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتلقى السلع حتى يهبط بها الأسواق

(4)

(5)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (4738)، ومسلم (1517) من طريق عبد الله بن نمير به.

(2)

إسناده صحيح وهو مكرر سابقه.

(3)

إسناده صحيح.

وهو في مسند علي أبي بن الجعد (3014).

(4)

في ن "حتى يبلغ به سوق الطعام".

(5)

إسناده حسن بالمتابعات من أجل سلامة بن روح وشيخ الطحاوي.

وأخرجه البخاري (2165)، ومسلم (1517)، وأبو داود (3436)، والبيهقي 5/ 347، والبغوي (2092) من طرق عن مالك، عن نافع به.

ص: 281

5130 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن مسلم الخياط، عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الركبان

(1)

.

5131 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد قال: ثنا عبد العزيز بن محمد عن داود بن صالح بن دينار، عن أبيه، عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تتلقوا شيئًا من البيع، حتى يقدم سوقكم"

(2)

.

5132 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت أبا حازم يحدث، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهينا

(3)

، أو نهي عن التلقي

(4)

.

5133 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي (1930)، وابن أبي شيبة 6/ 239، وأحمد (5010) من طرق عن ابن أبي ذئب به.

(2)

إسناده حسن بالمتابعات من أجل يعقوب بن حميد.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/ 278، وابن ماجة (2185)، وابن حبان (4967)، وأبو يعلى (1354)، والبيهقي 6/ 17 من طرق عن عبد العزيز الدراوردي به مطولا ومختصرا.

(3)

في د م س "نهى" والمثبت من ن.

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (2727)، ومسلم (1515)(12 - 13)، والنسائي 7/ 255، وابن حبان (4961)، والبيهقي 5/ 317 من طرق عن شعبة به.

ص: 282

الركبان

(1)

"

(2)

.

5134 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر قال: ثنا شعبة، عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تلقوا الجلب"

(3)

.

قال أبو جعفر: فاحتج قوم

(4)

بهذه الآثار، فقالوا من تلقى شيئًا قبل دخوله السوق ثم اشتراه، فشراؤه باطل.

وخالفهم في ذلك آخرون

(5)

، فقالوا: كل مدينة يضر التلقي بأهلها، فالتلقي فيها مكروه، والشراء جائز، وكل مدينة لا يضر التلقي بأهلها فلا بأس بالتلقي فيها.

واحتجوا في ذلك بما

(1)

بضم الراء، قال ابن الأثير: معناه: أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد، ويخبره بكساد ما معه كذبا ليشتري منه سلعته بالوكس وأقل من ثمن المثل وذلك تغرير محرم.

(2)

إسناده حسن بالمتابعات من أجل مؤمل بن إسماعيل.

وأخرجه الشافعي 2/ 142، والحميدي (1028)، وأحمد (7305)، والنسائي 7/ 253، وأبو يعلى (6267)، والبيهقي 5/ 348 من طريق سفيان بن عيينة به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 596، 14/ 188، وأحمد (18819) من طريقين عن شعبة به.

(4)

قلت: أراد بهم: الليث بن سعد، وبعض المالكية، وجماعة من الظاهرية رحمهم الله، كما في النخب 18/ 466.

(5)

قلت: أراد بهم: الأوزاعي، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وزفر بن الهذيل رحمهم الله، كما في النخب 18/ 469.

ص: 283

5135 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نتلقى الركبان، فنشتري منهم الطعام جزافًا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى نحوله من مكانه، أو ننقله

(1)

.

5136 -

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا حسان بن غالب، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه، حتى يبلغوه إلى حيث يبيعون الطعام

(2)

.

ففي هذه الآثار إباحة التلقي، وفي الأول النهي عنه، فأولى بنا أن نجعل ذلك على غير التضاد والخلاف.

فيكون ما نهي عنه من التلقي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقين المقيمين في الأسواق.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3158) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 366، 394، وأحمد (4716)، والبخاري (2167)، ومسلم (1526)، وأبو داود (3494)، والنسائي 7/ 287، وابن ماجة (2229)، وابن حبان (4982، 4984) من طرق عن عبيد الله به.

(2)

إسناده ضعيف، قال الذهبي: حسان بن غالب متروك.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3159) بإسناده ومتنه

وأخرجه البخاري (2123) من طريق أبي ضمرة، عن موسى بن عقبة به.

ص: 284

ويكون ما أبيح من التلقي هو الذي لا ضرر فيه على المقيمين في الأسواق. فهذا وجه هذه الآثار عندنا والله أعلم.

واحتجوا في إجازة الشراء مع التلقي المنهي عنه بما

5137 -

حدثنا علي بن معبد قال: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: ثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه شيئًا، فهو بالخيار إذا أتى السوق"

(1)

.

5138 -

حدثنا ابن أبي داود، قال حدثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا الجلب، ولا يبيعن حاضر لباد، والبائع بالخيار إذا دخل السوق"

(2)

.

ففي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تلقي الجلب، ثم جعل للبائع في ذلك الخيار إذا دخل السوق، والخيار لا يكون إلا في بيع صحيح، لأنه لو كان فاسدًا، لأجبر بائعه ومشتريه على فسخه، ولم يكن لكل واحد منهما، إباءه عن ذلك.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الدارمي 2/ 254 - 255، وأحمد (10324)، ومسلم (1519)(16 - 17)، والنسائي 7/ 257، وابن ماجة (2178)، وأبو يعلى (6073)، والبيهقي 5/ 348 من طرق عن هشام بن حسان به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (9236)، وأبو داود (3437)، والترمذي (1221)، وأبو يعلى (6078)، والبيهقي 5/ 348 من طرق عن عبيد الله بن عمرو الرقي به.

ص: 285

فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار في ذلك البيع ثبت بذلك صحته، وإن كان معه تلقي منهي عنه.

فإن قال قائل: فأنتم لا تجعلون الخيار للبائع المتلقى كما جعله له النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.

فجوابنا له في ذلك، وبالله التوفيق، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، وتواترت عنه الآثار بذلك، وسنذكرها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

فعلمنا بذلك أنهما إذا تفرقا فلا خيار لهما.

فإن قال قائل: فأنت قد جعلت لمن اشترى ما لم يره خيار الرؤية حتى يراه فيرضاه، فما أنكرت أن يكون خيار التلقي كذلك أيضًا قيل له: إن خيار الرؤية لم نوجبه قياسًا، وإنما وجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبتوه وحكموا به وأجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه.

وإنما جاء الاختلاف في ذلك ممن بعدهم، فجعلنا ذلك خارجا من قول النبي صلى الله عليه وسلم:"البيعان بالخيار حتى يتفرقا"، وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعن ذلك لإجماعهم على خروجه منه، كما علمنا بإجماعهم على تجويز السلم أنه خارج من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك.

فإن قال قائل: فهل رويتم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيار الرؤية شيئًا؟ قيل

ص: 286

له: نعم.

5139 -

حدثنا أبو بكرة ومحمد بن شاذان قالا: ثنا هلال بن يحيى بن مسلم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن رباح بن أبي معروف المكي، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عفان مالا، فقيل لعثمان: إنك قد غُبِنتَ وكان المال بالكوفة، قال: وهو مال آل طلحة الآن بها. فقال عثمان: لي الخيار لأني بعت ما لم أر، فقال طلحة لي الخيار لأني اشتريت ما لم أر. فحكم بينهما جبير بن مطعم، فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان

(1)

.

والآثار في ذلك قد جاءت متواترةً، وإن كان أكثرها منقطعا، فإنه منقطع لم يضاده متصل.

وفي هذا أيضًا حجة أخرى وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في حديث أبي هريرة للمتلقى البائع الخيار فيما باع إذا دخل الأسواق وعلم بالأسعار.

فأردنا أن ننظر هل ضاد ذلك شيء أم لا؟ فاعتبرنا ذلك.

5140 -

فإذا أبو بكرة قد حدثنا، قال: ثنا حسين بن حفص الأصبهاني، قال: ثنا سفيان عن يونس بن عبيد، عن ابن سيرين، عن أنس رضي الله عنه قال: نهينا أن يبيع حاضر

(1)

رجاله ثقات غير رباح بن أبي معروف بن أبي سارة المكي هو ضعيف يعتبر به روى له مسلم متابعة.

وأخرجه البيهقي 5/ 268 من طريق عبيد الله بن عبد المجيد، عن رباح، عن ابن أبي مليكة به دون علقمة به.

ص: 287

لباد، وإن كان أباه أو أخاه

(1)

.

5141 -

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا عبد الله بن حمران، عن ابن عون، عن محمد، عن أنس رضي الله عنه قال: نهينا أن يبيع حاضر لباد

(2)

.

5142 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن مسلم الخياط، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع حاضر لباد"

(3)

.

5143 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا صخر بن جويرية، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(4)

.

5144 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا موسى بن أعين، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله، وزاد

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (14871)، وابن أبي شيبة 6/ 243، 14/ 278 من طريق سفيان الثوري به.

وأخرجه مسلم (1523)، والنسائي في المجتبى 7/ 256، وفي الكبرى (6040) من طريق يونس بن عبيد به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (2161)، ومسلم (1523)، والنسائي في المجتبى 7/ 256، وفي الكبرى (6041)، وأبو يعلى (2838) من طرق عن ابن عون به.

(3)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه (5130).

(4)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه (5128).

ص: 288

ولا يشترى له

(1)

.

5145 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد قال: ثنا الدراوردي، عن داود بن صالح بن دينار، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يبيع حاضر لباد"

(2)

.

5146 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، (ح)

وحدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قالا: ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

5147 -

حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال: ثنا أسباط، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(4)

.

5148 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب قال حدثني أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله

(1)

إسناده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 398، والطبراني في الكبير 12/ 419 (13546) من طريقين عن ليث به.

(2)

إسناده حسن بالمتابعات من أجل يعقوب بن حميد، وهو مكرر سابقه (5131).

(3)

إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن نافع مولى ابن عمر.

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (10324)، والدارمي 2/ 254 - 255، ومسلم (1519)(16 - 17)، والنسائي 7/ 257، وابن ماجة (2178)، وأبو يعلى (6073)، والبيهقي 5/ 348 من طرق عن هشام بن حسان به.

ص: 289

عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

5149 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن حفص، قال: ثنا سفيان، عن صالح بن نبهان مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5150 -

حدثنا حسين بن نصر قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت أبا حازم يحدث، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى أو نهي أن يبيع المهاجر للأعرابي

(3)

.

5151 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبيع حاضر

(1)

إسناده حسن بالمتابعات من أجل النعمان بن راشد.

وأخرجه مطولا ومقطعا الشافعي 2/ 146، والحميدي (1026)، وأحمد (7248)، والبخاري (2140، 2160)، ومسلم (1413)(51)، وأبو داود (2080، 3438)، وابن ماجة (1867، 2172، 2174، 2175)، والترمذي (1134، 1190، 1222، 1304)، والنسائي 6/ 71، 73، وابن الجارود (677،563)، والبيهقي 5/ 344، 346، 7/ 179 من طرق عن الزهري به.

(2)

إسناده حسن، صالح مولى التوأمة روى عنه الثوري بعد الإختلاط لكنه تابعه على هذا الحديث جمع من الثقات.

وأخرجه عبد الرزاق (14872)، وابن أبي شيبة 14/ 277، وأحمد (10235، 10275) من طرق عن سفيان الثوري به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (2727)، ومسلم (1515)(12 - 13)، والنسائي 7/ 255، وابن حبان (4961)، والبيهقي 5/ 317 من طرق عن شعبة به.

ص: 290

لباد

(1)

.

5152 -

حدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان عن صالح مولى التوأمة، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتري حاضر لباد

(2)

.

فنظرنا في العلة التي نهى الحاضر أن يبيع للبادي ما هي؟

5153 -

فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا سفيان عن أبي الزبير، قال: سمعت جابرًا رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"

(3)

.

5154 -

حدثنا فهد، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا وهيب، عن عطاء عن حكيم بن أبي يزيد أنه جاءه في حاجة، قال: فحدثني عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه (5134).

(2)

إسناده حسن، وهو مكرر سابقه (5149).

(3)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4857) بإسناده ومتنه

وأخرجه الشافعي 2/ 147، والحميدي (1270)، وابن أبي شيبة 6/ 239، وأحمد (14291)، ومسلم (1522)، والترمذي (1223)، وابن ماجة (2176)، وابن الجارود (574)، وأبو يعلى (1839)، وابن حبان (4964) من طريق سفيان بن عيينة به.

ص: 291

"دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض، وإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له"

(1)

.

فعلمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى الحاضر أن يبيع للبادي، لأن الحاضر يعلم أسعار الأسواق فيستقصي على الحاضرين فلا يكون لهم في ذلك ربح، وإذا باعهم الأعرابي على غرته وجهله بأسعار الأسواق ربح عليه الحاضرون.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلى بين الحاضرين وبين الأعراب في البيوع، ومنع الحاضرين أن يدخلوا عليهم.

فإذا كان ما وصفنا كذلك، وثبت إباحة التلقي الذي لا ضرر فيه بما وصفنا من الآثار التي ذكرنا، صار شراء المتلقي منهم شراء حاضر من باد، فهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم "دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض"، وبطل أن يكون في ذلك خيار للبائع، لأنه لو كان له فيه خيار إذا لما كان للمشتري في ذلك ربح، ولا أمر النبي صلى الله عليه وسلم حاضرا أن يعترض، ولا أن يتولى البيع للبادي منه، لأنه يكون بالخيار في فسخ ذلك البيع، أو يرد له ثمنه، إلى الأثمان التي تكون في بياعات أهل الحضر بعضهم من بعض.

ففي منع النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين من ذلك إباحة الحاضرين التماس غرة البادين في

(1)

إسناده ضعيف الجهالة حال حكيم بن أبي يزيد.

وأخرجه عبد بن حميد (438)، والطبراني في الكبير 22/ (888، 889، 890، 891) من طرق عن عطاء بن السائب، عن حكيم، عن أبيه مرفوعا.

وأخرجه أحمد (15455) من طرق عن عبد الصمد، عن أبيه، عن عطاء، عن حكيم، عن أبيه به.

ص: 292

البيع منهم، والشراء منهم.

وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.

ص: 293

‌4 - باب خيار البيعين

(1)

حتى يتفرقا

5155 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، (ح)

وحدثنا إبراهيم، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، (ح)

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: أخبرنا سفيان، (ح)

وحدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، قالوا جميعا، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا، أو يكون بيع خيار

(2)

".

5156 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا،

(1)

قال ابن الأثير: المراد من البيعين: البائع والمشتري.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي (1882)، وأحمد (5130)، والنسائي في المجتبى 7/ 250، وفي الكبرى (6070) من طرق عن شعبة به.

وأخرجه الحميدي (655)، والبخاري (2113)، وأحمد (4566)، والنسائي في المجتبى 7/ 251، وفي الكبرى (6072)، وابن الجارود في المنتقى (617)، والبيهقي في المعرفة (1096، 10963) من طريق سفيان به.

وأخرجه مسلم (1531)، والنسائي في المجتبى 7/ 250، وفي الكبرى (6023)، وابن حبان (4913)، والبغوي (2050) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.

ص: 294

أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وربما قال أو يكون بيع خيار"

(1)

.

5157 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بيعين بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون بيع خيار"

(2)

.

5158 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب قال: ثنا شعبة، عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البيعان بالخيار حتى يتفرقا - أو ما لم يتفرقا-، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"

(3)

.

(1)

إسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (14262)، وأحمد (4484)، والبخاري (2109)، ومسلم (1531)(43)، والنسائي في المجتبى 7/ 249، وفي الكبرى (6061)، والطبري في تفسيره 5/ 34، والطبراني في الصغير (841)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 2/ 253، والبيهقي 5/ 269، 273 من طرق عن أيوب به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5242) بإسناده ومتنه

وأخرجه أحمد (5158)، ومسلم (1531)(43)، والنسائي في المجتبى 7/ 248، وفي الكبرى (6058) من طرق عن عبيد الله بن عمر به.

(3)

إسناده صحيح

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5261) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (1316)، وأحمد (15327)، والدارمي 2/ 250، والبخاري (2079، 2082، 2110)، ومسلم =

ص: 295

5159 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا هشام بن حسان عن أبي الوضيء، عن أبي برزة، أنهم اختصموا إليه في رجل باع جارية، فبات معها البائع، فلما أصبح قال: لا أرضاها. فقال أبو برزة رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا في خباء شعر"

(1)

5160 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن زيد عن جميل بن مرة، عن أبي الوضيء، قال: نزلنا منزلا فباع صاحب لنا من رجل فرسا، فأقمنا في منزلنا يومنا وليلتنا فلما كان الغد قام الرجل يسرج فرسه، فقال له صاحبه: إنك قد بعتني، فاختصما إلى أبي برزة رضي الله عنه فقال: إن شئتها قضيت بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وما أراكما تفرقتها

(2)

.

= (1532)(47)، وأبو داود (3459)، والترمذي (1246)، والنسائي في المجتبى 7/ 244، 245، وفي الكبرى (6049)، والطبراني في الكبير (3115)، والبيهقي 5/ 269، والبغوي (2051) من طرق عن شعبة به.

(1)

إسناده صحيح

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5264) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البزار (3860)، والدارقطني 3/ 6 من طريق هشام بن حسان به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5263) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (19813)، وأبو داود (3457)، وابن ماجة (2182)، والبزار في مسنده (3860) من طرق عن حماد بن زيد به. =

ص: 296

5161 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: أخبرنا همام، عن قتادة، عن صالح

(1)

أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"البيعان بالخيار حتى يتفرقا أو ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، فإن كذبا وكتها فعسى أن يدور بينهما فضل، وتمحق بركة بيعهما"

(2)

.

قال همام: فسمعت أبا التياح يقول: سمعت هذا الحديث من عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا.

5162 -

حدثنا محمد بن بحر بن مطر، قال: ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، قال: ثنا أيوب بن عتبة، عن أبي كثير الغبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون بيع خياره"

(3)

.

= وأخرجه بحشل في تاريخ واسط (ص 53)، والدارقطني 3/ 6 من طريق عباد بن عباد، عن جميل بن مرة به.

(1)

في ن "صالح عن أبي الخليل" والصواب ما أثبتناه.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5262) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (1316)، وأحمد (15324)، والبخاري (2108، 2114)، والطبراني في الكبير (3116)، والبيهقي في السنن 5/ 269 من طرق عن همام به.

(3)

إسناده ضعيف، لضعف أيوب بن عتبة.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5265) بإسناده ومتنه

وأخرجه ابن أبي شيبة 7/ 125، وأحمد (8099) من طريق هاشم بن القاسم به.

وأخرجه الطيالسي (2568) عن أيوب بن عتبة به.

ص: 297

5163 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، قال: ثنا الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، ويأخذ كل واحد منهما ما رضي من البيع"

(1)

.

قال أبو جعفر: فاختلف الناس في تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا".

فقال قوم

(2)

: هذا على الافتراق بأقوال، فإذا قال البائع: قد بعت منك قال المشتري قد قبلت فقد تفرقا وانقطع خيارهما.

وقالوا: الذي كان لهما من الخيار هو ما كان للبائع أن يبطل قوله للمشتري: قد بعتك هذا العبد بألف درهم قبل قبول المشتري. فإذا قبل المشتري فقد تفرق هو والبائع، وانقطع الخيار.

وقالوا: هذا كما ذكر الله عز وجل في الطلاق فقال: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا

(1)

إسناده صحيح وقد روى الحسن عن سمرة نسخة كبيرة، قال علي بن المديني: كلها سماع، وكذلك حكى الترمذي عن البخاري نحو هذا.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (5266) بإسناده ومتنه

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 181، وأحمد (20189)، والنسائي 7/ 251، والبيهقي 5/ 271 من طرق عن همام به.

وأخرجه النسائي 7/ 251، وابن ماجة (2183) من طريق قتادة به.

(2)

قلت: أراد بهم: إبراهيم النخعي، والثوري في رواية، وربيعة الرأي، ومالكا، وأبا حنيفة، ومحمد بن الحسن رحمهم الله، كما في النخب 18/ 524.

ص: 298

مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130]. فكان الزوج إذا قال للمرأة: قد طلقتك على كذا وكذا، فقالت المرأة: قد قبلت فقد بانت وتفرقا بذلك القول، وإن لم يتفرقا بأبدانهما.

قالوا: فكذلك إذا قال الرجل للرجل: قد بعتك عبدي هذا بألف درهم، فقال المشتري: قد قبلت فقد تفرقا بذلك القول وإن لم يتفرقا بأبدانهما.

وممن قال بهذا القول وفسر بهذا التفسير، محمد بن الحسن رحمه الله.

وقال عيسى بن أبان الفرقة التي تقطع الخيار المذكور في هذه الآثار، هي الفرقة بالأبدان، وذلك أن الرجل إذا قال للرجل: قد بعتك عبدي هذا بألف درهم، فللمخاطب بذلك القول أن يقبل ما لم يفارق صاحبه، فإذا افترقا لم يكن له بعد ذلك أن يقبل.

قال: ولولا أن هذا الحديث جاء ما علمنا ما يقطع بما للمخاطب من قبول المخاطبة التي خاطبه بها صاحبه، وأوجب له بها البيع. فلما جاء هذا الحديث علمنا أن افتراق أبدانهما بعد المخاطبة بالبيع يقطع قبول تلك المخاطبة.

وقد روي هذا التفسير عن أبي يوسف رحمه الله.

قال عيسى: وهذا أولى ما حمل عليه تأويل هذا الحديث، لأنا رأينا الفرقة التي لها حكم فيما اتفقوا عليه هي الفرقة في الصرف، فكانت تلك الفرقة إنما يجب بها فساد عقد متقدم، ولا يجب بها صلاحه.

ص: 299

وكانت هذه الفرقة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيار المتبايعين إذا جعلناها على ما ذكرنا فسد بها ما كان تقدم من عقد المخاطب.

وإن جعلناها على ما قال الذين جعلوا الفرقة بالأبدان يتم بها البيع، بخلاف فرقة الصرف، ولم يكن لها أصل فيما اتفقوا عليه، لأن الفرقة المتفق عليها إنما يفسد بها ما تقدمها إذا لم يكن تم حتى كانت.

فأولى الأشياء بنا أن نجعل هذه الفرقة المختلف فيها كالفرقة المتفق عليها، فيجب بها فساد ما قد تقدمها مما لم يكن تم حتى كانت، فثبت بذلك ما ذكرنا.

وقال آخرون

(1)

: هذه الفرقة المذكورة في هذا الحديث هي الفرقة بالأبدان، فلا يتم البيع حتى تكون، فإذا كانت تم البيع.

واحتجوا في ذلك بأن الخبر أطلق ذكر المتبايعين فقال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا.

قالوا: فهما قبل البيع متساومان، فإذا تبايعا صارا متبايعين، فكان اسم التبائع لا يجب لهما إلا بعد العقد فلم يجب لهما الخيار.

(1)

قلت: أراد بهم: سعيد بن المسيب، والزهري، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي ذئب، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي، والليث بن سعد، وابن أبي مليكة، والحسن البصري، وهشام بن يوسف، وابن عبد الرحمن وعبيد الله بن الحسن القاضي والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، وأبا عبيد، وأبا سليمان، ومحمد بن جرير الطبري، وأهل الظاهر رحمهم الله، كما في النخب 18/ 529.

ص: 300

واحتجوا في ذلك أيضًا بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا بايع رجلًا شيئًا فأراد أن لا يقيله، قام يمشى ثم رجع.

قالوا: وهو قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، فكان ذلك عنده على التفرق بالأبدان، وعلى أن البيع يتم بذلك. فدل ما ذكرنا على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك أيضًا.

واحتجوا في ذلك أيضًا بحديث أبي برزة الذي قد ذكرناه عنه في أول هذا الباب، وبقوله للرجلين اللذين اختصما إليه: ما لي أراكما تفرقتها، فكان ذلك التفرق عنده هو التفرق بالأبدان، ولم يتم البيع عنده قبل ذلك التفرق.

وكان من الحجة عندنا على أهل هذه المقالة لأهل المقالتين الأوليين، أن ما ذكروا من قولهم لا يكونان متبايعين إلا بعد أن يتعاقدا البيع، وهما قبل ذلك متساومان غير متبايعين، فذلك إغفال منهم لسعة اللغة، لأنه قد يحتمل أن يكونا سميا متبايعين لقربهما من التبايع، وإن لم يكونا تبايعا، وهذا موجود في اللغة، وقد سمي إسحاق أو إسماعيل عليهما السلام ذبيحا لقربهما من الذبح، وإن لم يكن ذبح.

فكذلك يطلق على المتساومين اسم المتبايعين إذا قربا من البيع، وإن لم يكونا تبايعا.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يسوم الرجل على سوم أخيه" وقال: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه" ومعناهما واحد.

ص: 301

فلما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المساوم الذي قد قرب من البيع، متبايعًا، وإن كان ذلك قبل عقده البيع، واحتمل أيضًا أن يكون كذلك المتساومان سماهما متبايعين لقربهما من البيع، وإن لم يكونا عقدا عقدة البيع، فهذه معارضة صحيحة.

وأما ما ذكروا عن ابن عمر رضي الله عنهما من رضي الله عنهما من فعله الذي استدلوا به على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرقة، فإن ذلك قد يحتمل عندنا ما قالوا، ويحتمل غير ذلك.

قد يجوز أن يكون ابن عمر رضي الله عنهما أشكلت عليه تلك الفرقة التي سمعها من النبي الله ما هي؟ فاحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل هذه المقالة.

واحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل المقالة التي ذهب إليها عيسى.

واحتملت عنده الفرقة بالأقوال على ما ذهب إليه الآخرون، ولم يحضره دليل يدله على أنه بأحدها أولى منه مما سواه منها، ففارق بائعه ببدنه احتياطًا.

ويحتمل أيضًا أن يكون فعل ذلك لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلا بذلك، وهو يرى أن البيع يتم بغيره.

فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه حتى لا يكون لبائعه نقض البيع عليه في قوله، ولا في قول مخالفه.

وقد روي عنه ما يدل على أن رأيه كان في الفرقة بخلاف ما ذهب إليه من ذهب إلى أن البيع يتم بها، وذلك أن

ص: 302

5164 -

سليمان بن شعيب حدثنا، قال حدثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال: ثنا الزهري عن حمزة بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ما أدركت الصفقة حيًّا فهو من مال المبتاع

(1)

5165 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

قال أبو جعفر: فهذا ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قد كان يذهب فيما أدركت الصفقة حيا، فهلك بعدها أنه من مال المشتري.

فدل ذلك أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك، وأن المبيع ينتقل بتلك الأقوال من ملك البائع إلى ملك المبتاع، حتى يهلك من ماله إن هلك.

فهذا الذي ذكرنا أدلّ على مذهب ابن عمر رضي الله عنهما في الفرقة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكروا.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 13/ 256 بإسناده ومتنه.

وأخرجه الدارقطني (2986) من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 13/ 256 بإسناده ومتنه.

ص: 303

وأما ما ذكروه عن أبي برزة رضي الله عنه، فلا حجة لهم فيه أيضًا عندنا لأن ذلك الحديث إنما هو فيما رواه حماد بن زيد، عن جميل بن مرة، أن رجلًا باع صاحبه فرسا، فباتا في منزل، فلما أصبحا قام الرجل يسرج فرسه فقال له: قد بعتني، فقال أبو برزة رضي الله عنه: إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار حتى يتفرقا" وما أراكما تفرقتها.

ففي هذا الحديث ما يدل على أنهما قد كانا تفرقا بأبدانهما لأن فيه أن الرجل قام يسرج فرسه، فقد تنحى بذلك من موضع إلى موضع.

فلم يراع أبو برزة ذلك، وقال: ما أراكما تفرقتها، أي: لما كنتما متناكرين أحدكما يدعي البيع، والآخر ينكره، لم تكونا تفرقتها الفرقة التي يتم بها البيع، وهي خلاف ما قد تفرقا بأبدانهما.

ثم بعد هذا فقد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المبيع يملكه المشتري بالقول دون التفرق بالأبدان. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يقبضه".

فكان ذلك دليلًا على أنه إذا قبضه حل له بيعه، وقد يكون قابضًا له قبل افتراق بدنه وبدن بائعه.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه" وسنذكر هذه الآثار في موضعها من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

ص: 304

5166 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، (ح)

وحدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو الأسود، قال: حدثني ابن لهيعة، عن موسى ابن وردان، أن سعيد بن المسيب قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب على المنبر يقول: كنت أشتري التمر فأبيعه بربح الآصع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا اشتريت فاكتل، وإذا بعت فكل"

(1)

.

فكان من ابتاع طعامًا مكايلةً، فباعه قبل أن يكتاله لا يجوز بيعه، فإذا ابتاعه فاكتاله وقبضه، ثم فارق بائعه، فكل قد أجمع أنه لا يحتاج بعد الفرقة إلى إعادة الكيل، وخولف بين اكتياله إياه بعد البيع قبل التفرق وبين اكتياله إياه قبل البيع.

فدل ذلك أنه إذا اكتاله اكتيالا يحل له بيعه، فقد كان ذلك الاكتيال منه، وهو له مالك. وإذا اكتاله اكتيالًا لا يحل له بيعه، فقد كاله وهو غير مالك له.

فثبت بما ذكرنا وقوع ملك المشتري في المبيع بابتياعه إياه، قبل فرقة تكون بعد ذلك.

فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

(1)

إسناده حسن من الوجه الأول رواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، والوجه الثاني ضعيف لرواية أبي الأسود عنه بعد الاحتراق.

وأخرجه عبد بن حميد (52)، وأحمد (444، 560)، وابن ماجة (2230)، والبزار (379)، والبيهقي 5/ 315 من طرق عن عبد الله بن لهيعة به.

ص: 305

وأما من طريق النظر فإنا قد رأينا الأموال تملك بعقود في أبدان وفي أموال، وفي منافع، وفي أبضاع.

فكان ما تملك به من الأبضاع هو النكاح، فكان ذلك يتم بالعقد لا بفرقة بعد العقد.

وكان ما تملك به المنافع هو الإجارات، فكان ذلك أيضا مملوكًا بالعقد لا بالفرقة بعد العقد.

فالنظر على ذلك أن تكون كذلك الأموال المعقودة عليها بسائر العقود من البيوع وغيرها تكون مملوكة بالأقوال لا بالفرقة بعدها قياسًا ونظرًا على ما ذكرنا من ذلك.

وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.

ص: 306

‌5 - باب: بيع المُصرّاة

(1)

5167 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا، عوف، عن محمد بن سيرين، وخلاس بن عمرو، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى شاةً مصراةً أو لقحةً

(2)

مصراةً، فحلبها فهو بخير النظيرين: بين أن يختارها، وبين أن يردها، وإناءً من طعام"

(3)

.

5168 -

حدثنا فهد، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت أبا القاسم، صلى الله عليه وسلم يقول

(4)

.

5169 -

وحدثنا فهد، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن محمد - هو ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ابتاع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع مصراةً فهو بالخيار، إن شاء ردها وصاعًا من تمر". هكذا في حديث محمد بن زياد

(5)

. وفي حديث أيوب

(1)

أي الناقة أو البقرة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها، أي: يجمع ويحبس.

(2)

بكسر اللام وفتحها، هي: الناقة القريبة العهد بالنتاج.

(3)

إسناده صحيح، من جهة محمد بن سيرين، ومنقطع من جهة خلاس بن عمرو فإنه لم يسمع من أبي هريرة فيما نقله يحيى القطان عن عوف كما في مقدمة الجرح (ص 236 - 237).

وأخرجه إسحاق بن راهويه (498)، وأحمد (7523) من طريقين عن عوف بن أبي جميلة به.

(4)

إسناد صحيح.

وأخرجه الطيالسي (2492)، وابن أبي شيبة 6/ 595، 14/ 188، وأحمد (9006)، والترمذي (1251) من طرق عن حماد بن سلمة به.

(5)

إسناد صحيح. =

ص: 307

وصاعًا من طعام لا سمراء.

5170 -

حدثنا ربيع الجيزي، وصالح بن عبد الرحمن قالا: ثنا عبد الله بن مسلمة، (ح).

وحدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قالا حدثنا داود بن قيس، عن موسى بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى شاة مصراةً فلينقلب بها، فليحلبها، فإن رضي حِلَابها أمسكها، وإلا ردها ورد معها صاعًا من تمر"

(1)

.

5171 -

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5172 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الغفار بن داود، قال: ثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الأسود، عن عبد الرحمن بن سعد، وعن عكرمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي

= وأخرجه الحميدي (1029)، وأحمد (7380)، ومسلم (1524)(26)، والنسائي 7/ 254، وابن الجارود (565) من طريق سفيان بن عيينة، عن أيوب به.

وأخرجه مسلم (1524)، وأبو داود (3444)، وأبو يعلى (6065)، والدارقطني 3/ 74، والبيهقي 5/ 318 - 319 من طرق عن أيوب به.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (9960)، ومسلم (1524)(23)، والنسائي 7/ 253 - 254، والبيهقي 5/ 318 من طرق عن داود بن قيس به.

(2)

إسناده حسن لرواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

وأخرجه البخاري (2148)، والبيهقي 5/ 320 - 321 من طريق الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج به.

ص: 308

صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى شاة مصراةً، أو لقحة مصراةً، ولم يعلم أنها مصراة، فإنه إن شاء ردها ومعها صاع من تمر، وإن شاء أمسكها"

(1)

.

5173 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن قال: أخبرنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله، أن أبا إسحاق حدثه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من اشترى شاةً مصراةً، فلينقلب بها، فليحلبها، فإن رضي حلابها أمسكها، وإلا ردها، ورد معها صاعا من تمر"

(2)

.

قال أبو جعفر فقد رويت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا، ولم يذكر فيها لخيار المشتري وقتًا.

وقد روي عنه أنه جعل الخيار له في ذلك ثلاثة أيام.

5174 -

حدثنا بذلك أبو أمية، قال: ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: ثنا ابن عن عبيد الله بن عمر، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الشاة وهي محفلة، فإذا باعها فإن صاحبها بالخيار ثلاثة أيام، فإن كرهها، ردها ورد معها صاعًا من تمر

(3)

.

(1)

إسناده ضعيف لرواية عبد الغفار بن داود عن ابن لهيعة بعد احتراق كتبه.

وأخرجه البخاري (2151)، وأبو داود (3445)، والبيهقي 5/ 318 من طريق ثابت، عن أبي هريرة به.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الله بن صالح كاتب الليث.

(3)

إسناده صحيح. =

ص: 309

5175 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن: أن سهيل بن أبي صالح أخبره، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ابتاع شاةً مصراةً، فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، فإن شاء، أمسكها، وإن شاء ردها، ورد معها صاعا من تمر"

(1)

.

5176 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، وهشام بن حسان، وحبيب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله. غير أنه قال: "ردها وصاعًا من طعام، لا سمراء"

(2)

.

فذهب قوم

(3)

إلى أن الشاة المصراة إذا اشتراها رجل فحلبها فلم يرض حلابها

= وأخرجه الحميدي (1057 - 1058)، وأحمد (8937،7305)، والبخاري (2150)، ومسلم (1524)، وأبو داود (3443)، والنسائي 7/ 253، وأبو يعلى (6317،6267، 6345،6321)، وابن حبان (4970) من طرق عن أبي الزناد به.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (9397)، ومسلم (1524)(24) من طريق يعقوب بن عبد الرحمن به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (3444)، والبيهقي 5/ 318 من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو يعلى (6065) من طريق ابن علية، عن أيوب وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين به.

وأخرجه أحمد (10586)، والدارمي (2553)، وابن ماجة (2239)، وابن الجارود (566)، والدارقطني 3/ 74، والبيهقي 5/ 318 - 319 من طرق عن هشام بن حسان به.

(3)

قلت: أراد بهم: الليث بن سعد، والشافعي، ومالكا في قول، وأحمد، وأبا ثور، وإسحاق، وأبا عبيد، وأبا سليمان، وزفر، وأبا يوسف في بعض الروايات، ومحمد بن أبي ليلى رحمهم الله، كما في النخب 18/ 558.

ص: 310

فيما بينه وبين ثلاثة أيام كان بالخيار إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعًا من تمر، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار. وممن ذهب إلى ذلك ابن أبي ليلى إلا أنه قال: يردها ويرد معها قيمة صاع من تمر. وقد كان أبو يوسف أيضًا قال بهذا القول في بعض أماليه غير أنه ليس بالمشهور عنه.

وخالف ذلك كله آخرون

(1)

، فقالوا: ليس للمشتري ردها بالعيب، ولكنه يرجع على البائع بنقصان العيب. وممن قال ذلك، أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن رحمهما الله.

وذهبوا إلى أن ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مما تقدم ذكرنا له في هذا الباب منسوخ.

فروي عنهم هذا الكلام مجملًا، ثم اختلف عنهم من بعد ذلك في الذي نسخ ذلك ما هو؟ فقال محمد بن شجاع، فيما أخبرني به ابن أبي عمران عنه، نسخه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وقد ذكرنا ذلك بأسانيده فيما تقدم من هذا الكتاب.

فلما قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرقة الخيار، ثبت بذلك أن لا خيار لأحد بعد هذا إلا لمن استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله:"إلا بيع الخيار".

قال أبو جعفر وهذا التأويل عندي فاسد لأن الخيار المجعول في المصراة إنما هو خيار عيب، وخيار العيب لا تقطعه الفرقة.

(1)

قلت: أراد بهم: فقهاء الكوفيين، وأبا حنيفة، ومحمدا، ومالكا في رواية، وأبا يوسف في المشهور عنه، وأشهب من المالكية رحمهم الله، كما في النخب 18/ 559.

ص: 311

ألا ترى أن رجلًا لو اشترى عبدا فقبضه، وتفرقا، ثم رأى به عيبا بعد ذلك أن له رده على بائعه باتفاق المسلمين، ولا يقطع ذلك التفرق الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآثار المذكورة عنه في ذلك.

فكذلك المبتاع للشاة المصراة إذا قبضها فاحتلبها، فعلم أنها على غير ما كان ظهر له منها، وكان ذلك لا يعلمه في احتلابه مرةً ولا مرتين جعلت له في ذلك هذه المدة وهي ثلاثة أيام ليحتلبها في ذلك، فيقف على حقيقة ما هي عليه.

فإن كان باطنها كظاهرها فقد لزمته واستوفى ما اشترى. وإن كان ظاهرها بخلاف باطنها، فقد ثبت العيب، ووجب له ردها به فإن حلبها بعد الثلاثة الأيام، فقد حلبها بعد علمه بعيبها، فذلك رضاء منه بها. فلهذه العلة التي ذكرتُ وجب بها فساد التأويل الذي وصفت.

وقال عيسى بن أبان: كان ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحكم في المصراة بما في الآثار الأول في وقت ما كانت العقوبات في الذنوب تؤخذ بها الأموال.

فمن ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة أنه: "من أداها طائعا فله أجرها وإلا أخذناها منه وشطر ماله عزمةً من عزمات ربنا عز وجل".

ومن ذلك ما روي عنه في حديث عمرو بن شعيب في سارق الثمرة التي لم تحرز أنه يضرب جلدات نكالا، ويغرم مثليها.

وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في باب وطء الرجل جارية امرأته، فأغنانا ذلك عن

ص: 312

إعادة ذكرها هاهنا.

قال: فلما كان الحكم في أول الإسلام كان كذلك حتى نسخ الله عز وجل الربا فردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها إن كانت لها، أمثال وإلى قيمتها إن كانت لا أمثال لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التصرية، وروي عنه في ذلك. فذكر ما

5177 -

حدثنا الربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا المسعودي، عن جابر الجعفي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله رضي الله عنه قال: أشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن بيع المحفَّلاتِ خلابة، ولا تحل خلابة مسلم"

(1)

.

فكان من فعل ذلك وباع ما قد جعل ببيعه إياه مخالفًا لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وداخلًا فيما نهى عنه، فكانت عقوبته في ذلك أن يجعل اللبن المحلوب في الأيام الثلاثة للمشتري بصاع من تمر، ولعله يساوي آصعًا كثيرةً، ثم نسخت العقوبات في الأموال بالمعاصي، وردت الأشياء إلى ما ذكرنا.

فلما كان ذلك كذلك ووجب رد المصراة بعينها، وقد زايلها اللبن علمنا أن ذلك اللبن الذي أخذه المشتري منها قد كان بعضه في ضرعها في وقت وقوع البيع عليها، فهو

(1)

إسناده ضعيف، لضعف جابر بن يزيد الجعفي والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة لم نبتينه أن أسد بن موسى رواه عنه قبل الاختلاط أم بعده.

وأخرجه الطيالسي (292)، وابن أبي شيبة 6/ 216، وأحمد (4125)، وابن ماجة (2241)، والشاشي (386)، والبيهقي 5/ 317 من طرق عن المسعودي به.

ص: 313

في حكم المبيع، وبعضه حدث في ضرعها في ملك المشتري بعد وقوع البيع عليها، فذلك للمشتري.

فلما لم يكن رد اللبن بكماله على البائع إذ كان بعضه مما لم يملك ببيعه، ولم يمكن أن يجعل اللبن كله للمشتري إن كان ملك بعضه من قبل البائع ببيعه إياه الشاة التي قد ردها عليه بالعيب، وقد كان ملكه له بجزء من الثمن الذي كان وقع به البيع، فلا يجوز أن يرد الشاة بجميع الثمن، ويكون ذلك اللبن سالما له بغير ثمن.

فلما كان ذلك كذلك منع المشتري من ردها، ورجع على بائعه بنقصان عيبها، قال عيسى رحمه الله: فهذا وجه حكم بيع المصراة.

قال أبو جعفر: والذي قاله عيسى من هذا يحتمل ما قال غير أني رأيت في ذلك وجهًا هو أشبه عندي بنسخ هذا الحديث من غير هذا الوجه الذي ذهب إليه عيسى.

وذلك أن لبن المصراة الذي احتلبه المشتري منها في الثلاثة الأيام التي احتلبها فيها، قد كان بعضه في ملك البائع قبل الشراء، وحدث بعضه في ملك المشتري بعد الشراء، لأنه قد احتلبها مرةً بعد مرة.

فكان ما كان في يد البائع من ذلك مبيعًا إذا وجب نقض البيع في الشاة، وجب نقض البيع فيه.

وما حدث في يد المشتري من ذلك، فإنما كان ملكه بسبب البيع أيضًا، وحكمه حكم الشاة، لأنه من بدنها هذا على مذهبنا.

ص: 314

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل المشتري المصراة بعد ردها جميع لبنها الذي كان حلب منها بالصاع من التمر الذي أوجب عليه رده مع الشاة.

وذلك اللبن حينئذ قد تلف، أو تلف بعضه فكان المشتري قد ملك لبنًا دينًا، بصاع تمر دين، فدخل ذلك في بيع الدين بالدين، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الدين بالدين.

5178 -

حدثنا أبو بكرة، وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم، قال أبو بكرة في حديثه: أخبرنا موسى بن عبيدة، وقال ابن مرزوق في حديثه عن موسى بن عبيدة الربذي، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالي بالكالئ يعني: الدين بالدين

(1)

.

فنسخ ذلك ما كان تقدم منه مما روي عنه في المصراة مما حكمه حكم الدين بالدين.

ويقال للذي ذهب إلى العمل بما روي في المصراة، مما قد ذكرناه في أول هذا الباب قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الخراج بالضمان" وعملت بذلك العلماء.

(1)

إسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي.

وأخرجه ابن أبي شيبة (22127)، والدارقطني (3042)، والحاكم 2/ 66، والبزار كما في النخب 18/ 569، والبيهقي في السنن 5/ 290، وفي المعرفة (11098)، والعقيلي في الضعفاء 4/ 161 من طرق عن موسى بن عبيدة الربذي به، إلا أن عند الدارقطني والحاكم موسى بن عقبة.

ص: 315

5179 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن أبي ذئب، (ح)

وحدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن مخلد بن خفاف، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"

(1)

.

5180 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا الزنجي بن خالد، سمعته يقول: زعم لنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن رجلًا اشترى عبدا فاستغله، ثم رأي به عيبا، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده بالعيب. فقال: يا رسول الله! إنه قد استغله فقال له: "الغلة بالضمان"

(2)

.

5181 -

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا مطرف بن عبد الله، قال: ثنا الزنجي بن خالد،

(1)

إسناده حسن بالمتابعات، من أجل مخلد بن خفاف.

وأخرجه الطيالسي (1464)، والشافعي 2/ 143 - 144، وعبد الرزاق (14777)، وإسحاق بن راهويه (750، 775، 776)، وأحمد (24224)، وأبو داود (3508 - 3509)، والترمذي (1285)، والنسائي في المجتبى 7/ 254 - 255، وأبو يعلى (4575)، وابن الجارود (627)، وابن حبان (4928)، والدارقطني 3/ 53، والحاكم 2/ 15، والبيهقي 5/ 321، والبغوي (2119) من طرق عن ابن أبي ذئب به.

(2)

إسناده حسن بالمتابعات، من أجل مسلم بن خالد الزنجي.

وأخرجه أحمد (24514)، وأبو داود (3510)، وابن ماجة (2243)، وابن الجارود (626)، وأبو يعلى (4614)، وابن حبان (4927)، والدارقطني 3/ 53، والحاكم 2/ 14 - 15، والبيهقي في المعرفة (11350، 11352)، وابن عبد البر في التمهيد 18/ 205، 206، 207، والبغوي (2118) من طرق عن مسلم بن خالد الزنجي به.

ص: 316

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

5182 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون قال: ثنا مسلم بن خالد

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

فتلقى العلماء هذا الخبر بالقبول، وزعمت أنت أن رجلًا لو اشترى شاةً فحلبها، ثم أصاب بها عيبًا غير التحفيل أنه يردها ويكون اللبن له.

وكذلك لو كان مكان اللبن ولد ولدته، ردها على البائع، وكان الولد له، وكان ذلك عندك من الخراج الذي ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم للمشتري بالضمان.

فليس يخلو الصاع الذي توجبه على مشتري المصراة إذا ردها على البائع بالتصرية أن يكون عوضًا من جميع اللبن الذي احتلبه منها الذي كان بعضه في ضرعها في وقت وقوع البيع، وحدث بعضه في ضرعها بعد البيع، أو يكون عوضًا من اللبن الذي كان في ضرعها في وقت وقوع البيع خاصةً.

فإن كان عوضًا منهما فقد نقضت بذلك أصلك الذي جعلت به الولد واللبن للمشتري بعد الرد بالعيب، لأنك جعلت حكمها حكم الخراج الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم للمشتري بالضمان.

وإن كان ذلك الصاع عوضًا مما كان في ضرعها في وقت وقوع البيع خاصةً،

(1)

إسناده حسن كسابقه.

(2)

إسناده حسن بالمتابعات، من أجل مسلم بن خالد وعبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون.

ص: 317

والباقي سالم للمشتري، لأنه من الخراج، فقد جعلت للبائع صاعًا دينًا بلبن دين، وهذا غير جائز في قولك، ولا في قول غيرك.

فعلى أي الوجهين كان هذا المعنى عليه عندك، فأنت به تارك أصلًا من أصولك.

وقد كنت بالقول بنسخ هذا الحكم في المصراة أولى من غيرك، لأنك أنت تجعل اللبن في حكم الخراج، وغيرك لا يجعله كذلك.

ص: 318

‌6 - باب: بيع الثمار قبل أن تتناهى

5183 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد، قال: أخبرني يونس بن يزيد قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الثمر واشترائه حتى يبدو صلاحه

(1)

(2)

.

5184 -

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة (ح).

وحدثنا يزيد، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل قالا جميعا، عن ابن شهاب (ح)

وحدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه"

(3)

.

(1)

بدو صلاح الثمر متفاوت بتفاوت الأثمار.

(2)

إسناده صحيح، وهب الله بن راشد متابع.

وأخرجه أحمد (6058)، والنسائي في المجتبى 7/ 262، وفي الكبرى (6065)، وابن ماجة (2214) من طرق عن يونس، عن الليث، عن نافع به.

وأخرجه عبد الرزاق (14315)، والدارمي (2716)، والبخاري (2194)، ومسلم (1534)، وأبو داود (3367)، والترمذي (1270)، والنسائي 4/ 270، وأبو يعلى (5798) من طرق عن نافع به.

(3)

إسناده صحيح، وأبو صالح متابع.

وأخرجه البخاري (2183 - 2184) من طريق يحيى بن بكير، عن الليث به. =

ص: 319

5185 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه"

(1)

.

5186 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء -هو الغداني-، قال: أخبرنا شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله، وزاد: فكان إذا سئل عن صلاحها، قال: حتى يذهب عاهتها

(2)

(3)

.

5187 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع

= وأخرجه الشافعي 2/ 150، والحميدي (622)، وابن أبي شيبة 7/ 130، 14/ 215، وأحمد (4541)، ومسلم (1534)(57)، والنسائي في المجتبى 7/ 266، وأبو يعلى (5416،5415، 5477،5476)، والبيهقي 5/ 308 من طرق عن سفيان به.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1534)(52)، وابن حبان (4981)، والبيهقي 5/ 300، والبغوي (2078) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.

(2)

أي: الآفة التي تصيبها فتفسدها.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي (1886)، وأحمد (5060)، والبخاري (1486)، ومسلم (1534)(52)، وابن حبان (4989)، والبيهقي 5/ 300 من طرق عن شعبة به.

ص: 320

الثمار حتى تذهب العاهة، قال: قلت: متى ذاك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: طلوع الثريا

(1)

(2)

.

5188 -

حدثنا علي بن معبد قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا زكريا بن إسحاق، قال: ثنا عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه

(3)

.

5189 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو داود عن سليم بن حيان قال: ثنا سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تُشقح. فقيل الجابر: وما تشقح؟ قال: تحمر وتصفر ويؤكل منها

(4)

.

(1)

الثريا النجم المعروف وطلوعه يبدو صلاح الثمار بالحجاز.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2283) بإسناده ومتنه

وأخرجه الشافعي 2/ 149، وأحمد (5012)، وعبد بن حميد (837)، والطبراني في الكبير (13287)، والبيهقي 5/ 300، والبغوي (2079)، وابن عبد البر في التمهيد 2/ 192 من طرق عن ابن أبي ذئب به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1536)، والبيهقي 5/ 301 من طريق زكريا بن إسحاق به.

(4)

إسناده صحيح.

وهو في مسند الطيالسي (1781).

وأخرجه أحمد (14438)، والبخاري (2196)، وأبو داود (3370)، والبيهقي 5/ 301 من طريق يحيى، عن سليم بن حيان به.

وأخرجه مسلم (ص 1175)(83)، وابن حبان (4992)، والبيهقي 5/ 301 من طريق زيد بن أنيسة، عن أبي الوليد المكي، عن جابر، وأبو الوليد المكي قيل: هو سعيد بن ميناء، وقيل: غيره.

ص: 321

5190 -

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، وربيع الجيزي، قالا: ثنا عبد الله بن مسلمة، قال: ثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، عن أبي الرجال، عن أمه عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة

(1)

.

5191 -

حدثنا محمد بن سليمان الباغندي قال: ثنا إبراهيم بن حميد الطويل، قال: ثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار، حتى يبدو صلاحها

(2)

.

5192 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عمر بن يونس بن القاسم، قال: حدثني أبي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المحاقلة، والمزابنة، والمخاضرة، والملامسة، والمنابذة، قال عمر: فسر لي أبي في المخاضرة، قال: لا ينبغي أن يشترى شيء من ثمر النخل حتى يونع: يحمر أو يصفر

(3)

.

5193 -

حدثنا إبراهيم بن محمد أبو بكر الصيرفي، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد بن

(1)

إسناده حسن من أجل خارجة بن عبد الله.

وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد 13/ 134 من طريق عبد الله بن مسلمة، عن خارجة به.

وأخرجه أحمد (25268) من طريق أبي عامر، عن خارجة بن عبد الله به.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل صالح بن أبي الأخضر.

وأخرجه أحمد (21615) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري به.

(3)

إسناده صحيح

وأخرجه البخاري (2207) من طريق إسحاق بن وهب قال: حدثنا عمر بن يونس به.

ص: 322

سلمة، عن حميد، عن أنس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمرة حتى تزهو، وعن العنب حتى يسود، وعن الحب حتى يشتد

(1)

.

5194 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهو. فقلت لأنس: وما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر، أرأيت إن منع الله الثمرة؟ بم يستحل أحدكم مال أخيه

(2)

.

5195 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: أخبرنا عبد الله بن بكر، قال: أخبرنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ثمرة النخل حتى تزهو، قيل له: وما تزهو؟ قال: "تحمر، أو

(3)

تصفر"

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (3371)، والترمذي (1228)، وابن حبان (4993) من طريق أبي الوليد الطيالسي به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 7/ 116، وأحمد (13314)، وابن ماجة (2217)، وأبو يعلى (3744)، والدارقطني 3/ 47 - 48، والحاكم 2/ 19، والبيهقي 5/ 303، والبغوي (2082) من طرق عن حماد بن سلمة به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (2208)، ومسلم (1555) من طريق إسماعيل بن جعفر به.

وأخرجه مالك 2/ 618، وأحمد (12138)، والبخاري (1488، 2195، 2197)، ومسلم (1555)، والنسائي 7/ 264، وأبو يعلى (3740)، (3850)، وابن حبان (4990)، وأبو نعيم 6/ 340 من طرق عن حميد به.

(3)

في د ن "و".

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (290)، وأبو عوانة (5207) من طريق عبد الله بن بكر به.

ص: 323

5196 -

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يحيى بن أيوب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تتبايعوا الثمار حتى تزهو"، قلنا: يا رسول الله! وما تزهو؟ قال: "تحمر أو تصفر، أرأيت إن منع الله الثمرة، بم يستحل أحدكم مال أخيه"

(1)

.

5197 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني سعيد، وأبو سلمة، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه"

(2)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(3)

إلى هذه الآثار، فزعموا أن الثمار لا يجوز بيعها في رءوس النخل حتى تحمر أو تصفر.

وخالفهم في ذلك آخرون

(4)

فقالوا: هذه الآثار كلها عندنا ثابتة صحيح مجيئها، فنحن آخذون بها، غير تاركين لها.

(1)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الله بن صالح.

(2)

إسناده صحيح

وهو عند النسائي في المجتبى 7/ 263، وفي الكبرى (6067) عن يونس به

وأخرجه مسلم (1538)، وابن ماجة (2215) من طريق عبد الله بن وهب به.

(3)

قلت: أراد بهم: الثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، ومالكا، وأحمد وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 19/ 23.

(4)

قلت: أراد بهم: الأوزاعي، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، ومالكا في رواية، وأحمد في قول رحمهم الله، كما في النخب 19/ 32.

ص: 324

ولكن تأويلها عندنا غير ما تأولها عليه أهل المقالة الأولى.

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فاحتمل ذلك أن يكون على ما تأوله عليه أهل المقالة الأولى، واحتمل أن يكون أراد به بيع الثمار قبل أن يكون، فيكون بائعها بائعا لما ليس عنده، وقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في نهيه عن بيع السنين.

5198 -

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي الله نهى عن بيع السنين، قال يونس: قال لنا سفيان: هو بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

(1)

.

5199 -

حدثنا ربيع الجيزي، وإبراهيم بن أبي داود، قالا: ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال: ثنا كهمس بن المنهال، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين

(2)

.

5200 -

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا ابن عفير قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن ابن

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي 2/ 145، والحميدي (1281)، وابن أبي شيبة 7/ 320، وأحمد (14320)، ومسلم (ص 1178)(101)، وأبو داود (3374)، والنسائي 7/ 266، 294، وابن ماجة (2218)، وأبو يعلى (1844)، وابن الجارود (597)، وابن حبان (4995)، والبيهقي 5/ 302 من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطبراني في الكبير / (209)(6870) من طريقين عن سعيد بن عفير به.

ص: 325

جريج، عن عطاء، وأبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يطعم

(1)

.

5201 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله، قال: ثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5202 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب، وأبو الوليد، قالا: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن بيع النخل، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يأكل منه، أو حتى يؤكل منه

(3)

.

5203 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا البختري الطائي يقول: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن السلم، فقلت: إنا ندع أشياء لا نجد لها في كتاب الله عز وجل تحريمًا، فقال: إنا نفعل

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (14876)، والبخاري (2189)، ومسلم (ص 1174)(81)، والنسائي في المجتبى 7/ 37، 263، وفي الكبرى (4592، 6070، 6097)، والبيهقي 5/ 309 من طرق عن ابن جريج به.

(2)

إسناده صحيح على شرط مسلم، وأبو الزبير وإن لم يصرح بالسماع فهو متابع.

وأخرجه أحمد (14858)، والنسائي 7/ 264 من طريق هشام به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي (2722)، وعبد بن حميد (699)، وابن أبي شيبة 14/ 193، وأحمد (3173)، والبخاري (2246، 2248، 2250)، ومسلم (1537)، والطبراني (12688)، والبيهقي 6/ 24 من طرق عن شعبة به.

ص: 326

ذلك، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه

(1)

.

5204 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا المفضل بن فضالة، عن خالد، أنه سمع عطاء بن أبي رباح يسأل عن الرجل يبيع ثمرة أرضه رطبا كان أو عنبًا يسلف فيها قبل أن تطيب؟ فقال: لا يصلح، إن ابن الزبير باع ثمرة أرض له ثلاث سنين، فسمع بذلك جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما فخرج إلى المسجد. فقال في الناس منعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الثمرة حتى تطيب

(2)

.

5205 -

حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا وهب قال: ثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: سألت ابن عمر عن السلف في الثمر، فقال: نهى عمر عن بيع الثمر حتى يصلح

(3)

.

فدلت هذه الآثار التي ذكرناها على أن الثمار المنهي عن بيعها قبل بدو صلاحها ما هي؟ وأنها المبيعة قبل كونها المسلف عليها.

فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى تكون وحتى يؤمن عليها العاهة، فحينئذ

(1)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (15246) من طريق يحيى بن غيلان، عن المفضل به.

وأخرجه البخاري (1487) من طريق الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو نعيم في الحلية 4/ 386 من طريقين عن شعبة به.

ص: 327

يجوز السلم فيها.

أولا ترى أن ابن عمر رضي الله عنهما لما سأله أبو البختري عن السلم في النخل كان جوابه له في ذلك ما ذكر في حديثه من النهي عن بيع الثمار حتى تطعم.

فدل ذلك على أن النهي إنما وقع في الآثار التي قدمنا ذكرها في هذا الباب على بيع الثمار، قبل أن تكون ثمارًا.

ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ".

فلا يكون ذلك إلا على المنع من ثمرة لم تكن أن تكون.

وإنما الذي في هذه الآثار هو النهي عن السلم في الثمار في غير حينها، وهذه الآثار تدل على النهي عن ذلك.

فأما بيع الثمار في أشجارها بعدما ظهرت فإن ذلك عندنا جائز صحيح.

والدليل على ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5206 -

حدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا أبو صالح قال: ثنا الليث، قال: حدثني ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع، ومن

ص: 328

باع عبدًا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع"

(1)

.

5207 -

حدثنا يزيد قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من اشترى عبدًا ولم يشترط ماله، فلا شيء له، ومن اشترى نخلا بعد إبارها، ولم يشترط الثمر فلا شيء له"

(2)

.

5208 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عكرمة بن خالد المخزومي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلًا اشترى نخلا قد أبرها صاحبها، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الثمرة لصاحبها الذي أبرها إلا أن يشترط المشتري

(3)

.

(1)

إسناده حسن بالمتابعات من أجل عبد الله بن صالح كاتب الليث.

وأخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543)(80)، والترمذي (1244)، والنسائي 7/ 296، وابن ماجة (2211)، والبيهقي 5/ 324 من طرق عن الليث به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الدارمي (2561) من طريق عبد الله بن مسلمة، عن ابن أبي ذئب به.

وأخرجه الطيالسي (1805)، والحميدي (613)، وابن أبي شيبة 7/ 112، وعبد بن حميد (722)، وأحمد (4552)، والبخاري (2379)، ومسلم (1543)(80)، والترمذي (1244)، والنسائي في المجتبى 7/ 297، وفي الكبرى (4991)، وابن ماجة (2211)، وابن الجارود (628 - 629)، وأبو يعلى (5479)، وابن حبان (4923)، والبيهقي 5/ 324، والبغوي (2085) من طرق عن الزهري به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (4852) من طريق يزيد بن هارون به. =

ص: 329

قال أبو جعفر رحمه الله: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار ثمر النخل لبائعها إلا أن يشترط مبتاعها، فيكون له باشتراطه إياها، ويكون بذلك مبتاعًا لها.

فقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم ها هنا بيع ثمرة في رءوس النخل قبل بدو صلاحها، فدل ذلك أن المعنى المنهي عنه في الآثار الأول هو خلاف هذا المعنى.

فإن قال قائل: إنما أجيز بيع الثمر في هذه الآثار، لأنه مبيع مع غيره، وليس في جواز بيعه مع غيره ما يدل أن بيعه وحده كذلك، لأنا قد رأينا أشياء تدخل مع غيرها في البيعات، ولا يجوز إفرادها بالبيع من ذلك الطرقُ والأفنيةُ تدخل في بيع الدور، ولا تجوز أن يفرد بالبيع.

فجوابنا له في ذلك أن الطرق والأفنية تدخل في بيع الدور وإن لم تشترط، ولا يدخل الثمر في بيع النخل إلا أن يشترط.

فالذي يدخل في بيع غيره لا باشتراط، إنما هو الذي لا يجوز أن يكون مبيعًا وحده.

= وأخرجه عبد الرزاق (14621)، ومن طريقه النسائي في الكبرى (4993) من طريق مطر الوراق، والترمذي في العلل الكبير 1/ 498، وابن عدي في الكامل 6302، والبيهقي في السنن 5/ 325 من طريق قتادة كلاهما عن عكرمة بن خالد به.

وقال البيهقي: هذا منقطع وقد روى عن هشام الدستوائي عن قتادة عن عكرمة بن خالد عن الزهري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه أراد حديث الزهري عن سالم عن أبيه، قلت: قد روي عكرمة بن خالد عن ابن عمر في أسانيد صحيحة بالتحديث.

ص: 330

والذي لا يكون داخلًا في بيع غيره إلا باشتراط، هو الذي إذا اشترط كان مبيعًا، فلم يجز أن يكون مبيعًا مع غيره إلا وبيعه وحده جائز.

ألا ترى أن رجلًا لو باع دارًا وفيها متاع أن ذلك المتاع لا يدخل في البيع، وأن مشتريها لو اشترطه في شرائه الدار صار له باشتراطه إياه، ولو كان الذي في الدار خمرا أو خنزيرا فاشترطه في البيع فسد البيع. فكان لا يدخل في شرائه الدار باشتراطه في ذلك إلا ما يجوز له شراؤه وحده.

ولو اشترى وحده، وكان الثمر الذي ذكرنا يجوز له اشتراطه مع النخل فلم يكن ذلك إلا لأنه

(1)

يجوز بيعه وحده.

أو لا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال في هذا الحديث، وقرنه مع ذكره النخل من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع.

فجعل المال للبائع إذا لم يشترطه المبتاع وجعله للمبتاع باشتراطه إياه، وكان ذلك المال لو كان خمرًا أو خنزيرًا فسد بيع العبد إذا اشترطه فيه.

وإنما يجوز أن يشترط مع العبد من ماله ما يجوز بيعه وحده، فأما ما لا يجوز بيعه وحده، فلا يجوز اشتراطه في بيعه، لأنه يكون بذلك مبيعا، وبيع ذلك الشيء لا يصلح، فذلك أيضًا دليل صحيح على ما ذكرنا في الثمار الداخلة في بيع النخل بالاشتراط أنها الثمار التي يجوز بيعها على الانفراد دون بيع النخل.

(1)

في د "لا".

ص: 331

فثبت بذلك ما ذكرنا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.

وقد كان محمد بن الحسن يذهب إلى أن النهي الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب، هو بيع التمر على أن يترك في رءوس النخل حتى يبلغ ويتناهى وحتى يجد، وقد وقع البيع عليه قبل التناهي، فيكون المشتري قد ابتاع ثمرا ظاهرا، وما ينميه على نخل البائع بعد ذلك إلى أن يجد، فذلك باطل.

قال: فأما إذا وقع البيع بعدما تناهى عظمه وانقطعت زيادته فلا بأس بابتياعه واشتراط تركه إلى حصاده وجداده.

قال: فإنما وقع النهي عن ذلك لاشتراط الترك لمكان الزيادة.

قال: وفي ذلك دليل على أن لا بأس بذلك الاشتراط في ابتياعه بعد عدم الزيادة.

حدثني سليمان بن شعيب بهذا، عن أبيه، عن محمد.

وتأويل أبي حنيفة، وأبي يوسف في هذا أحسن عندنا والله أعلم.

والنظر أيضًا يشهد له، لأنه إذا وقع البيع على الثمار بعد تناهيها، على أن يترك إلى الحصاد، فالنخل هاهنا مستأجرة لتكون الثمار فيها إلى وقت جدادها عنها، وذلك لو كان على الانفراد لم يجز، فإذا كان مع غيره فهو أيضًا كذلك.

وقد قال قوم: إن النهي الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها لم يكن منه على تحريم ذلك، ولكنه على المشورة منه عليهم لكثرة ما كانوا

ص: 332

يختصمون إليه فيه، ورووا ذلك عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.

5209 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبو زرعة وهب الله، عن يونس بن يزيد قال: قال أبو الزناد كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري، أنه أخبره أن زيد بن ثابت كان يقول: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار. فإذا جدّ الناس، وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه أصاب الثمر العفن والدمان، أصابه مراق، قال أبو جعفر: الصواب: هو مراق وأصابه قشام عاهات يحتجون بها، والقشام: شيء يصيبه، حتى لا يرطب. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: "فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم

(1)

.

فدل ما ذكرنا أن ما روينا في أول هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إنما كان على هذا المعنى لا على ما سواه.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو عوانة (5041)، والبيهقي 5/ 301 من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم به.

وأخرجه أبو داود (3372)، والدارقطني (2809) من طريق يونس به.

وأخرجه البخاري (2193) عن الليث، عن أبي الزناد به.

ص: 333

‌7 - باب العرايا

5210 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى قال: ثنا محمد بن إدريس عن سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالثمر. قال عبد الله: وحدثنا زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا

(1)

.

5211 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عارم (ح)

وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزابنة. قال ابن عمر وأخبرني زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا

(2)

.

5212 -

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق،

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي في مسنده 2/ 150، والحميدي (622)، وابن أبي شيبة 7/ 130 - 14/ 215، وأحمد (4541)، ومسلم (1534)(57)، والنسائي 7/ 266، وأبو يعلى (5477،5476،5416،5415)، والبيهقي 5/ 308 من طرق عن سفيان به.

وأخرجه الحميدي (403)، وابن أبي شيبة 14/ 215، والنسائي في المجتبى 7/ 267، وفي الكبرى (6082) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد بن حميد (775) عن سليمان بن حرب به.

وأخرجه البخاري (2172)، ومسلم (1542)(75)، والبيهقي 5/ 307 من طريق حماد بن زيد به.

وأخرجه أحمد (4490)، والنسائي 7/ 266 من طريق أيوب السختياني به.

ص: 334

عن نافع، عن ابن عمر عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا

(1)

.

5213 -

حدثنا علي بن شيبة بهذا الإسناد، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة، ورخص في العرايا

(2)

.

5214 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بالتمر أو

(3)

الرطب

(4)

.

5215 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى قال: ثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: ثنا سفيان،

(1)

حديث صحيح وإسناده ضعيف، لعنعنة محمد بن إسحاق.

وأخرجه مطولا ومختصرا ابن أبي شيبة 7/ 131، والترمذي (1300)، والطبراني في الكبير (4756، 4780)، من طريق محمد بن إسحاق عن نافع بهذا الإسناد.

(2)

حديث صحيح وإسناده ضعيف، لعنعنة محمد بن إسحاق.

وأخرجه أحمد (21657) عن يزيد بن هارون بهذا الإسناد.

(3)

في ن "و".

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود (3362)، والنسائي في المجتبى 7/ 267، وفي الكبرى (6083، 11703) من طريق عبد الله بن وهب به.

وأخرجه البخاري (2173، 2184)، ومسلم (1539)، والترمذي (1346، 1347، 1350)، والنسائي (4532)، وابن ماجة (2268 - 2269) من طريق عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت به.

ص: 335

عن عمرو بن دينار، عن إسماعيل الشيباني، قال: بعت ما في رءوس نخلي بمائة وسق، إن زاد فلهم، وإن نقص فعليهم. فسألت ابن عمر رضي الله عنهما عن ذلك فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة بالتمر إلا أنه رخص في العرايا

(1)

.

5216 -

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير، قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج عن عطاء، وأبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يطعم، وقال: لا يباع شيء منه إلا بالدراهم والدنانير إلا العرايا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها

(2)

.

5217 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج عن عطاء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة إلا أنه رخص في العرايا

(3)

.

5218 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن

(1)

إسناده حسن، من أجل إسماعيل الشيباني.

وأخرجه الشافعي 2/ 150، وابن أبي شيبة 7/ 131، وأحمد (4590) من طريق سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.

(2)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه برقم (5200).

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه الحميدي (1329)، وابن أبي شيبة 7/ 129، والبخاري (2381)، ومسلم (1536)(81)، وأبو داود (3373)، والنسائي في المجتبى 7/ 263، 270، وفي الكبرى (6069، 6096)، وأبو يعلى (1845) من طريق سفيان بن عيينة به.

ص: 336

أبي الزبير، وسعيد بن ميناء عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة، والمخابرة. وقال أحدهما: والمعاومة، وقال الآخر وبيع السنين، ونهى عن الثنيا ورخص في العرايا

(1)

.

5219 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى قال: ثنا محمد بن إدريس، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها من التمر، يأكلها أهلها رطبًا

(2)

.

5220 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل دارهم، منهم سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، وقال: ذلك الربا، تلك المزابنة إلا أنه رخص في بيع العرية: النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها،

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (14921)، ومسلم (ص 1175)(85)، وأبو داود (3375)، وابن ماجة (2266)، وابن الجارود (598)، والبيهقي 5/ 304، والبغوي (2072) من طرق عن حماد بن زيد به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (738) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الشافعي 2/ 151، وابن أبي شيبة 7/ 129، والحميدي (402)، وأحمد (16092)، والبخاري (2191)، ومسلم (1540)(69)، وأبو داود (3363)، والنسائي في المجتبى 7/ 268، وفي الكبرى (6133)، وابن حبان (5002)، وابن عبد البر في التمهيد 2/ 326 - 327، والبغوي (2073) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

ص: 337

يأكلونها رطبًا

(1)

.

5221 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا القعنبي، وعثمان بن عمر قالا: ثنا مالك بن أنس، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو في ما دون خمسة أوسق، شك داود في خمسة أو في ما دون خمسة

(2)

.

5222 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن واسع بن حبان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرية في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة، وقال في كل عشرة أقناءٍ قنوٌ يوضع في المسجد للمساكين

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (739) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مسلم (1540)(67) من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو في الموطأ 2/ 142، ومن طريقه أخرجه الشافعي 2/ 151، وأحمد (7236)، والبخاري (2190، 2382)، ومسلم (1541)، وأبو داود (3364)، والترمذي (1301)، وابن الجارود (659)، وابن حبان (5007،5006)، والبيهقي في السنن 5/ 311، وفي المعرفة (3445)، والبغوي (2076).

(3)

إسناده حسن، من أجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث عند أحمد.

وأخرجه أبو يعلى (1781)، وابن خزيمة (2469)، والحاكم 1/ 417 من طريق حماد بن سلمة به.

وأخرجه أحمد (14868)، وابن حبان (5008) من طريق يعقوب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به.

ص: 338

5223 -

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق

فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: ثم قال: "الوسق، والوسقين، والثلاثة، والأربعة" ولم يذكر قوله: "في كل عشرة"

(1)

.

قال أبو جعفر: فقد جاءت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت في الرخصة في بيع العرايا، فقبلها أهل العلم جميعًا، ولم يختلفوا في صحة مجيئها، وتنازعوا في تأويلها.

فقال قوم

(2)

: العرايا أن يكون الرجل له النخلة أو النخلتان في وسط النخل الكثير لرجل آخر.

وقد كان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم، فيجي صاحب النخلة أو النخلتين بأهله، فيضر ذلك بصاحب النخل الكثير.

فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب النخل الكثير أن يعطي صاحب النخلة أو النخلتين بخرص ما له من ذلك تمرًا، لينصرف هو وأهله عنه، ويخلص تمر الحائط كله لصاحب النخل الكثير، فيكون فيه هو وأهله. وقد روي هذا القول عن مالك بن أنس رحمه الله.

وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول - فيما سمعت أحمد بن أبي عمران يذكر - أنه سمع محمد بن سماعة، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة قال: معنى ذلك عندنا أن يعري الرجلُ

(1)

إسناده حسن وهو مكرر سابقه.

(2)

قلت: أراد بهم: سعيد بن جبير، والأوزاعي، ومالك بن أنس رحمهم الله، كما في النخب 19/ 77.

ص: 339

الرجلَ ثمر نخلة من نخله، فلا يسلم ذلك إليه حتى يبدو له، فرخص له أن يحبس ذلك، ويعطيه مكانه خرصه تمرًا.

وكان هذا التأويل أشبه وأولى مما قال مالك، لأن العرية إنما هي العطية.

ألا ترى أن الذي مدح الأنصار كيف مدحهم إذ يقول:

ليستْ بسَنْهاء ولا رُجبيَّة

ولكن عرايا في السِّنين الجَوائح

أي: أنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح.

فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك إذا لما كانوا ممدوحين بها إذ كانوا يعطَون كما يعطون، ولكن العرية بخلاف ذلك.

فإن قال قائل: فقد ذكر في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا"، فصارت العرايا في هذا الحديث أيضًا بيع ثمر بتمر، قيل له: ليس في هذا الحديث من ذلك شيء، إنما فيه ذكر الرخصة في العرايا مع ذكر النهي عن بيع الثمر بالتمر، وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمها مختلف.

فإن قال قائل: فقد ذكر التوقيف في حديث أبي هريرة رضي الله عنه على خمسة أوسق، وفي ذكره ذلك ما ينفي أن يكون حكم ما هو أكثر من ذلك كحكمه.

قيل له: ما فيه ما ينفي شيئًا مما ذكرت، وإنما يكون ذلك كذلك لو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكون العرية إلا في خمسة أوسق، أو فيها دون خمسة أوسق.

ص: 340

فأما إذا كان الحديث إنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق، أو فيما دون خمسة أوسق، فذلك يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه لقوم في عرية لهم، هذا مقدارها. فنقل أبو هريرة رضي الله عنه ذلك، وأخبر بالرخصة فيما كانت، ولا ينفي ذلك أن تكون تلك الرخصة جاريةً فيما هو أكثر من ذلك.

فإن قال قائل: ففي حديث ابن عمر وجابر رضي الله عنهما "إلا أنه رخص في العرايا" فصار ذلك مستثنًى من بيع الثمر بالتمر، فثبت بذلك أنه بيع ثمر بتمر.

قيل له: قد يجوز أن يكون قصد بذلك إلى المعرى له، فرخص له أن يأخذ تمرًا بدلًا من تمر في رءوس النخل؛ لأنه يكون بذلك في معنى البيع، وذلك له حلال، فيكون الاستثناء لهذه العلة.

وفي حديث سهل بن أبي حثمة "إلا أنه رخص في بيع العرية بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا"، فقد ذكر للعرية أهلًا، وجعلهم يأكلونها رطبًا، ولا يكون ذلك إلا ومَلَكَها الذين عادت إليهم بالبدل الذي أخذ منهم، فذلك يثبت قول أبي حنيفة رحمه الله.

فإن قال قائل: لو كان تأويل هذه الآثار ما ذهب إليه أبو حنيفة لما كان لذكر الرخصة فيها معنى.

قيل له: بل له معنى صحيح، ولكن قد اختلف فيه ما هو،

فقال عيسى بن أبان: معنى الرخصة في ذلك أن الأموال كلها لا يملك بها إبدالًا إلا من كان مالكها لا يبيع الرجل مالًا يملك ببدله، فيملك ذلك البدل.

ص: 341

وإنما يملك ذلك البدل إذا ملكه بصحة ملكه للشيء الذي هو بدل منه.

قال: فالمعرى لم يكن ملك العرية، لأنه لم يكن قبضها، والتمر الذي يأخذه بدلًا منها قد جعل طيبًا له في هذا الحديث، وهو بدل من رطب لم يكن ملكه.

قال: فهذا هو الذي قصد بالرخصة إليه.

وقال غيره: الرخصة أن الرجل إذا أعرى الرجل الشيء من ثمره، وقد وعده أن يسلمه إليه ليملكه المسلم إليه بقبضه إياه، وعلى الرجل في دينه أن يفي بوعده، وإن كان غير مأخوذ به في الحكم، فرخص للمعري أن يحتبس ما أعرى بأن يعطي المعرى خرصه تمرًا بدلًا منه من غير أن يكون آثمًا، ولا في حكم من أخلف موعدًا، فهذا موضع الرخصة.

وهذا التأويل الذي ذكرناه عن أبي حنيفة -رحمة الله عليه-، أولى ما حمل عليه وجه هذا الحديث، لأن الآثار قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترةً بالنهي عن بيع الثمر بالتمر.

فمنها ما قد ذكرناه في أول هذا الباب. ومنها ما

5224 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني سعيد، وأبو سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبايعوا الثمر بالتمر". قال ابن شهاب: وحدثني سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي

ص: 342

صلى الله عليه وسلم

له سواءً

(1)

.

5225 -

حدثنا يزيد وابن أبي داود: قالا ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5226 -

حدثنا محمد بن الحجاج، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، سئل عن رجل اشترى ثمرةً بمائة فرق بكيل له؟ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا. يعني: المزابنة

(3)

.

5227 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد قال: ثنا يحيى بن زكريا، قال: ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ثمر النخل بالتمر كيلا، والزبيب بالعنب كيلا، والزرع بالحنطة كيلا

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1539) من طريق ابن وهب به.

(2)

إسناده حسن بالمتابعات من أجل عبد الله بن صالح كاتب الليث.

وأخرجه البخاري (2183) من طريق يحيى بن بكير، عن الليث بهذا الإسناد.

(3)

إسناده حسن من أجل خالد بن عبد الرحمن.

وأخرجه الطبراني في الكبير (12/ 456، 13652) من طريق عبد الواحد بن غياث عن حماد بن سلمة به.

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 182، 14/ 205، وأحمد (4647)، ومسلم (1542)(73)، وأبو داود (3361)، وابن حبان (4999) من طرق عن عبيد الله به.

ص: 343

5228 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا محمد بن عون، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن رجل باع ثمرة أرضه من رجل بمائة فرق. فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، وهو المزابنة

(1)

.

5229 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد، قال: أخبرني يونس، قال: حدثني نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، قال: والمزابنة أن يشتري الرجل أو يبيع حائطه بتمر كيلا، أو كرمه بزبيب كيلًا، أو أن يبيع الزرع كيلًا بشيء من الطعام

(2)

.

5230 -

حدثنا محمد بن عمرو بن يونس، قال: ثنا أبو معاوية، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة

(3)

.

5231 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى قال: ثنا محمد بن إدريس، عن سفيان، عن ابن

(1)

إسناده صحيح، وهو مكرر (5226).

(2)

إسناده حسن، من أجل وهب الله بن راشد.

وأخرجه مسلم (1542) من طريق يونس بن يزيد به.

وأخرجه أحمد (6058)، والبخاري (2205)، ومسلم (1542)(76)، والنسائي في المجتبى 7/ 270، وابن ماجة (2265)، والبيهقي 5/ 307، والبغوي (2070) من طرق عن الليث عن نافع به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (1960)، والبخاري (2187)، والطبراني (11795)، والبيهقي 5/ 308 من طريق أبي معاوية به.

ص: 344

جريج، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله، وزاد أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة والمزابنة: أن يبيع الثمر في رءوس النخل بمائة فرق

(1)

.

5232 -

حدثنا فهد قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي، قال: أخبرنا إبراهيم بن ميسرة قال أخبرني عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، والمزابنة، والمحاقلة

(2)

.

5233 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن حفص، قال: ثنا سفيان، قال: حدثني سعد بن إبراهيم، قال: حدثني عمر بن أبي سلمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمزابنة، قال: والمحاقلة: الشرط

(3)

في الزرع، والمزابنة: التمر بالثمر في النخل

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الحميدي (1329)، وابن أبي شيبة 7/ 129، والبخاري (2381)، ومسلم (1536)(81)، وأبو داود (3373)، والنسائي في المجتبى 7/ 263، وفي الكبرى (6069)، وأبو يعلى (1845) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(2)

إسناده حسن من أجل محمد بن مسلم الطائفي.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2694) بإسناده ومتنه.

وأخرجه النسائي في المجتبى 7/ 48، وفي الكبرى (4635)، والطبراني في الأوسط (9056) من طريقين عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار به.

(3)

في ن الشرك".

(4)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عمر بن أبي سلمة.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2692) بإسناده ومتنه. =

ص: 345

فهذه الآثار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن بيع الكيل من التمر بالتمر في رءوس النخل.

فإن حمل تأويل العرايا على ما ذهب إليه أبو حنيفة كان النهي على عمومه، ولم يبطل منه شيء.

وإن حمل على ما ذهب إليه مالك بن أنس، خرج منه ما تأول هو العرية عليه، فلا ينبغي أن يخرج شيء من حديث متفق عليه إلا بحديث متفق على تأويله، أو بدلالة أخرى متفق عليها.

وقد روي أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرناه في غير هذا الموضع، في النهي عن بيع الرطب بالتمر.

فإن حملنا معنى العرية على ما قال مالك ضاد ما روي في النهي عن بيع الرطب بالتمر. وإن حملناه على ما قال أبو حنيفة، اتفقت معانيها، ولم تتضاد.

والأولى بنا في صرف وجوه الآثار ومعانيها إلى ما ليس فيه تضاد، ولا معارضة سنة بسنة.

فقد ثبت بما ذكرنا في معنى العرايا، ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمة الله عليه والله أسأله التوفيق.

= وأخرجه عبد الرزاق (14488)، وابن أبي شيبة 7/ 130، وأحمد (10279)، والنسائي في المجتبى 7/ 39، وفي الكبرى (4597) من طرق عن سفيان الثوري به.

ص: 346

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه قال: "خففوا في الصدقات، فإن في المال العريةَ والوصيةَ".

5234 -

حدثنا بذلك أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر، قال: أخبرنا جرير بن حازم، قال: سمعت قيس بن سعد يحدث، عن مكحول الشامي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك

(1)

.

فدل ذلك أن العرية إنما هي شيء يملكه أرباب الأموال قومًا في حياتهم كما يملكون الوصايا بعد وفاتهم.

وحجة أخرى في أن معنى العرية كما قال أبو حنيفة رحمه الله، لا كما قال مخالفه.

5235 -

حدثنا أحمد بن داود قال: ثنا محمد بن عون قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى البائع والمبتاع عن المزابنة. قال: وقال زيد بن ثابت رخص في العرايا في النخلة والنخلتين توهبان للرجل، فيبيعهما بخرصها تمرًا

(2)

.

فهذا زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو أحد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة في العرية، فقد أخبر أنها الهبة، والله أعلم.

(1)

إسناده مرسل حسن.

وهو عند المصنف في أحكام القرآن (727) بإسناده ومتنه.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطبراني في الكبير 5/ (112، 4770) من طريق عبد الواحد بن غياث عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري (2171)، ومسلم (1543)(79) من طريق حماد عن أيوب به.

ص: 347

‌8 - باب: الرجل يشتري الثمرة فيقبضها فتصيبها جائحة

5236 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا محمد بن إدريس، عن سفيان، عن حميد الأعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين، وأمر بوضع الجوائح

(1)

.

5237 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى قال: ثنا محمد بن إدريس، عن سفيان، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5238 -

حدثنا بكار بن قتيبة، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا سفيان، عن حميد الأعرج، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجائحة

(3)

.

قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم

(4)

إلى أن معنى هذه الجوائح التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها هي الثمار يبتاعها الرجل فيقبضها فتصيبها في يده جائحة، فيذهب بثلثها

(1)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه برقم (5198).

(2)

إسناده صحيح، وقد صرح أبو الزبير بسماعه من جابر في حديث ابن جريج عند ابن حبان.

وأخرجه الحميدي (1319)، والنسائي في المجتبى 294/ 7، وفي الكبرى (6177) من طريق سفيان بن عيينة به.

وأخرجه أحمد (14640)، ومسلم (1178)(100)، وابن حبان (4957) من طريقين عن أبي الزبير به.

(3)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه (5236).

(4)

قلت: أراد بهم: مالكا، والشافعي في القديم، وأحمد، وأبا عبيد، وطائفة من أهل الحديث رحمهم الله، كما في النخب 19/ 103.

ص: 348

فصاعدًا. قالوا: فذلك يبطل ثمنها عن المشتري.

قالوا: وما أصابها فأذهب بشيء منها دون ثلثها ذهب ذلك من مال المشتري، ولم يبطل عنه من ثمنه شيء، قليل ولا كثير.

قالوا: وهذا مثل الحديث الآخر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكروا ما قد

5239 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج، أن أبا الزبير أخبره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن بعت من أخيك ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق"

(1)

.

5240 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

قالوا فقد بين هذا الحديث المعنى الذي ذكرنا.

وخالفهم في ذلك آخرون

(3)

، فقالوا: ما ذهب من ذلك من شيء قل أو كثر بعد

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الدارمي (2556)، ومسلم (1554)، وأبو داود (3470)، والنسائي 7/ 264 - 265، وابن ماجة (2219)، وابن الجارود (639)، وابن حبان (5034 - 5035)، والدارقطني 3/ 30 - 31، والحاكم 2/ 36، والبيهقي 5/ 306 من طريق ابن جريج به.

(2)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه.

(3)

قلت: أراد بهم جمهور السلف، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، والشافعي في الجديد، وأبا جعفر الطبري، وداود وأصحابه رحمهم الله، كما في النخب 19/ 112.

ص: 349

أن يقبضه المشتري ذهب من مال المشتري. وما ذهب في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري بطل ثمنه عن المشتري.

وقالوا: ما في هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرتموها، فمقبول صحيح على ما جاء. ولسنا ندفع من ذلك شيئًا لصحة مخرجه، ولكنا نخالف التأويل الذي تأولها عليه أهل المقالة الأولى.

ونقول: إن معنى الجوائح المذكورة فيها هي الجوائح التي يصاب الناس بها، وتجتاحهم في الأرضين الخراجية التي خراجها للمسلمين، فوضع ذلك الخراج عنهم واجب لازم، لأن في ذلك صلاحًا للمسلمين، وتقويةً لهم في عمارة أرضهم فأما في الأشياء المبيعات فلا.

فهذا تأويل حديث جابر رضي الله عنه، الذي في أول هذا الباب.

وأما حديث جابر الثاني، فمعناه غير هذا المعنى، وذلك أنه ذكر فيه البيع، ولم يذكر فيه القبض. فذلك عندنا على البياعات التي تصاب في أيدي باعتها قبل قبض المشتري لها، فلا يحل للباعة أخذ ثمنها، لأنهم يأخذونها بغير حق. فهذا تأويل هذا الحديث عندهم، فأما ما قد قبضه المشترون، وصار في أيديهم فذلك كسائر البياعات التي يقبضها المشترون لها، فتحدث بها الآفات في أيديهم. فلما كان غير الثمار يذهب من أموال المشترين لها لا من أموال باعتها، فكذلك الثمار.

فهذا هو النظر وهو أولى ما حمل عليه هذا الحديث، لأنه قد روي عن رسول الله

ص: 350

صلى الله عليه وسلم ما قد.

5241 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث (ح)

وحدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف (ح)

وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث (ح)

وحدثنا أبو أمية، قال: ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني قالوا: ثنا الليث، قالا جميعا عن بكير بن الأشج، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: أصيب رجل في ثمار، ابتاعها، فكثر دَينه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تصدقوا عليه" فتصدق عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"

(1)

.

فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار وفيهم باعتها، ولم يرده

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1879) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 7/ 318 - 319، وعبد بن حميد (992)، وأحمد (11317)، ومسلم (1556)، وأبو داود (3469)، والترمذي (655)، والنسائي في المجتبى 7/ 265، 312، وفي الكبرى (6121، 6274)، وابن ماجة (2356)، وابن الجارود (1027)، وابن حبان (5033)، والبيهقي 6/ 49 - 50، والبغوي (2135) من طرق عن الليث بن سعد به.

وأخرجه مسلم (1556)، والنسائي في المجتبى 7/ 312، وفي الكبرى (6274)، وابن الجارود (1027)، والحاكم 2/ 41، والبيهقي 5/ 305 من طريق عمرو بن الحارث، عن بكير به.

ص: 351

على الباعة بالثمن

(1)

إن كانوا قد قبضوا ذلك منه، ثبت أن الجوائح الحادثة في يد المشتري لا تكون مبطلبةً عنه شيئًا من الثمن، الذي عليه للبائع.

فإن قال قائل: إن الثمار لا تشبه سائر البياعات لأنها معلقة في رءوس النخل لا تصل إليها يد من ابتاعها إلا بقطعه إياها، وسائر الأشياء ليست كذلك. فما يكون مقبوضًا بغير قطع مستأنف، فهو الذي يذهب من مال المشتري. وما كان لا يقبض إلا بقطع مستأنف، فهو الذي يذهب من مال البائع.

قيل له: هذا الكلام فاسد من وجهين: أما أحدهما فإنا رأينا هذه الثمار إذا بيعت في رءوس النخل، فذهبت بكمالها، أو ذهب منها شيء في أيدي باعتها ذهب ذلك من أموالهم دون أموال المشترين، فكان ذهاب قليلها وكثيرها في ذلك سواء، لأنهم لم يقبضوها فإذا قبضوها فذهب منها ما دون الثلث فقد أجمع أنه ذاهب من مال المشتري، لأنه ذهب بعد قبضه إياه.

فلما استوى ذهاب قليله وكثيره في يد البائع وكان قليله إذا ذهب في يد المشتري، ذهب من ماله كان ذهاب كثيره كذلك، وكان المشتري بتخلية البائع بينه وبين ثمر النخل قابضًا له، وإن لم يقطعه فهذا وجه.

ووجه آخر: أنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع الطعام حتى يقبض، وأجمع المسلمون على ذلك، وكانت الثمار في ذلك داخلة باتفاقهم، وأجمعوا أن المشتري لها لو

(1)

في ن "بالتمر".

ص: 352

باعها في يد بائعها كان بيعه باطلًا، ولو باعها بعد أن خلى البائع بينه وبينها ولم يقطعها، كان بيعه جائزًا، فصار قابضًا لها بتخلية البائع بينه وبينها، قبل قطعه إياها.

فثبت بذلك أن قبض المشتري للثمار المعلقة في رءوس النخل، هو بتخلية البائع بينه وبينها، وإمكانه إياه منها. فإذا فعل ذلك به، فقد صارت في يده وفي ضمانه، وبرئ منها البائع.

فما حدث فيها من جائحة أتت عليها كلها أو على بعضها، فهي ذاهبة من مال المشتري، لا من مال البائع.

وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ص: 353

‌9 - باب: ما نهي عن بيعه حتى يقبض

5242 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب وعفان قالا: ثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه"

(1)

.

5243 -

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5244 -

حدثنا علي بن معبد قال: ثنا يونس بن محمد قال: ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

5245 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه"

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الطيالسي (1887)، وأحمد (5064)، والبخاري (2133) من طرق عن شعبة به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (5235) من طريقين عن سفيان الثوري به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه البزار (162) من طريق إبراهيم بن زياد الصائغ، عن يونس بن محمد به.

(4)

إسناده صحيح. =

ص: 354

5246 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه"

(1)

.

5247 -

حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عبد الله بن عمر، وعمر بن محمد، ومالك وغيرهم: أن نافعًا حدثهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:"من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه"

(2)

.

5248 -

حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله، قال مالك: حتى يقبضه

(3)

.

= وأخرجه أحمد (4736)، ومسلم (1526)(34)، وابن حبان (4986) من طرق عن عبيد الله به.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1534)(52)، وابن حبان (4981)، والبيهقي 5/ 300، والبغوي (2078) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3164) بإسناده ومتنه.

وهو في الموطأ 2/ 640، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي 2/ 142، والدارمي (2559)، والبخاري (2126، 2136)، ومسلم (1526)، وأبو داود (3492)، والنسائي 7/ 285، وابن ماجة (2226)، والبيهقي 5/ 312، والبغوي (2087).

وأخرجه مسلم (1526) من طريق عبد الله بن وهب، عن عمر بن محمد به.

(3)

إسناده صحيح. =

ص: 355

5249 -

حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث، وغيره، عن المنذر بن عبيد المدني، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه

(1)

.

5250 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه"

(2)

.

5251 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد قال: ثنا ابن أبي حازم، عن الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى

= وهو في الموطأ 2/ 640، ومن طريقه الشافعي في المسند 2/ 142، ومسلم (1526)(36)، والنسائي في المجتبى 7/ 285، وفي الكبرى (6144).

(1)

إسناده حسن، من أجل المنذر بن عبيد المديني.

وأخرجه أبو داود (3495)، والنسائي في المجتبى 7/ 286، وفي الكبرى (6153)، والطبراني (13098)، والبيهقي 5/ 314 من طريق عبد الله بن وهب به.

وأخرجه أحمد (5900)، والطبراني (13097) من طريق أبي الأسود، عن القاسم به.

(2)

إسناده صحيح، وقد صرح ابن جريج وأبو الزبير بالتحديث عند مسلم والبيهقي.

وأخرجه ابن حبان (4978) من طريق عبد الله بن وهب به.

وأخرجه أحمد (15216)، ومسلم (1529)، والبيهقي 5/ 312 من طرق عن ابن جريج به.

ص: 356

يستوفيه"

(1)

.

5252 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا ابن جريج عطاء، عن عبد الله بن عصمة الجشمي، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أنبأ أو ألم أخبرك أنك تبيع الطعام، فلا تبعه حتى تستوفيه"

(2)

.

5253 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال أخبرني عطاء، عن صفوان بن موهب، عن عبد الله بن محمد بن صيفي، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله، غير أنه قال:"حتى يقبضه"

(3)

.

5254 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا أبو الأحوص، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عطاء عن حزام بن حكيم، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: كنت أشتري طعامًا فأربح فيه قبل أن أقبضه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تبعه حتى

(1)

إسناده حسن في المتابعات من أجل يعقوب بن حميد.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 369، وأحمد (8365، 8440)، ومسلم (1528)(39) من طرق عن الضحاك بن عثمان به.

(2)

إسناده حسن من أجل عبد الله بن عصمة الجشمي.

وأخرجه الشافعي 2/ 143، والنسائي في المجتبى 7/ 286، وفي الكبرى (6194)، والبيهقي في المعرفة (11289) من طرق عن ابن جريج به.

(3)

إسناده ضعيف لجهالة عبد الله بن محمد بن صيفي وصفوان بن موهب.

وأخرجه الطبراني (3096)، والبيهقي 5/ 312 من طريق أبي عاصم به.

وأخرجه الشافعي 1/ 143، وأحمد (15329)، والنسائي في المجتبى 7/ 286، وفي الكبرى (6196)، والبيهقي في المعرفة (11288) من طرق عن ابن جريج به.

ص: 357

تقبضه"

(1)

.

قال: أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى أن من اشترى طعامًا لم يجز له بيعه حتى يقبضه، ومن اشترى غير الطعام حل له بيعه، وإن لم يقبضه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

وقالوا: لما قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي إلى الطعام، دل ذلك أن حكم غير الطعام في ذلك بخلاف حكم الطعام.

وخالفهم في ذلك آخرون

(3)

، فقالوا: ذلك النهي قد وقع على الطعام وغير الطعام وإن كان المذكور في الآثار التي ذكر ذلك النهي فيها هو الطعام. واحتجوا في ذلك بما

5255 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أحمد بن خالد الوهبي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن أبي الزناد، عن عبيد بن حنين، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ابتعت زيتًا بالسوق، فلما استوجبته لقيني رجل، فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 365 - 366، والنسائي في المجتبى 7/ 286، وفي الكبرى (6195)، وابن حبان (4985)، والطبراني في الكبير (3110) من طريق أبي الأحوص به.

(2)

قلت: أراد بهم: عثمان البتي، وسعيد بن المسيب، والحسن، والأوزاعي، وإسحاق، ومالكا في رواية، وأحمد في قول رحمهم الله، كما في النخب 19/ 128.

(3)

قلت: أراد بهم: عطاء بن أبي رباح، والثوري، وابن عيينة، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، والشافعي في الجديد، ومالكا في رواية، وأحمد في رواية، وأبا ثور، وداود رحمهم الله، كما في النخب 19/ 131.

ص: 358

من خلفي بذراعي، فالتفت إليه فإذا هو زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نبيع السلع حيث نبتاع حتى تحوزها التجار إلى رحالهم

(1)

.

فلما أخبر زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الزيت قد دخل فيما كان نهى عن بيعه قبل قبضه، وهو غير الطعام الذي كان ابن عمر رضي الله عنهما علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه بعد ابتياعه حتى يقبض، وعمل ابن عمر رضي الله عنهما على ذلك، فأراد بيع الزيت قبل قبضه لأنه ليس من الطعام، فقبل ذلك منه ابن عمر رضي الله عنهما، ولم يكن ما كان سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرناه عنه في أول هذا الباب من قصده إلى الطعام بمانع أن يكون غير الطعام في ذلك، بخلاف الطعام، ثم أكد زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه الأمر في ذلك فقال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن ابتياع السلع حيث نبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" فجمع بذلك كل السلع، وفيها غير الطعام، فدل ذلك على أنه لا يجوز بيع شيء ابتيع إلا بعد قبض مبتاعه إياه طعامًا كان أو غيره.

وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قصده بالنهي

(1)

إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث عند أحمد وابن حبان.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3166) بإسناده ومتنه

وأخرجه أبو داود (3499)، والطبراني (4782)، والدارقطني 3/ 13، والحاكم 2/ 40، والبيهقي 5/ 314 من طريق أحمد بن خالد الوهبي به.

وأخرجه أحمد (21668)، وابن حبان (4984) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق.

ص: 359

عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام. ما

5256 -

حدثنا يونس قال: ثنا سفيان عن عمرو عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيع الطعام قبل أن يستوفى. قال ابن عباس برأيه: وأحسب كل شيء مثله

(1)

.

فهذا ابن عباس رضي الله عنهما لم يمنعه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي إلى الطعام أن يدخل في ذلك النهي غير الطعام.

وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مثل ذلك أيضًا.

5257 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه في الرجل يبتاع البيع فيبيعه قبل أن يقبضه، قال: أكرهه

(2)

.

فهذا جابر رضي الله عنه قد سوى بين الأشياء المبيعة في ذلك، وقد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتصاد له بالنهي عن البيع فيه حتى يقبض إلى الطعام بعينه، فدل ذلك النهي على ما قد تقدم وصفنا لذلك.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي 2/ 142، والحميدي (508)، وأحمد (1928)، والبخاري (2135)، ومسلم (1525)(29)، والنسائي في الكبرى (6192)، وابن الجارود (606)، والبيهقي 5/ 313 من طريق سفيان بن عيينة به.

(2)

إسناده صحيح، وقد صرح بالتحديث عند عبد الرزاق فزالت شبهة التدليس.

وأخرجه عبد الرزاق (14229) عن ابن جريج به.

ص: 360

فإن قال قائل: فكيف قصد بالنهي في ذلك إلى الطعام بعينه، ولم يعم الأشياء؟ قيل له: قد وجدنا مثل هذا في القرآن قال الله عز وجل {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فأوجب عليه الجزاء المذكور في الآية.

ولم يختلف أهل العلم في قاتل الصيد خطأً أن عليه مثل ذلك، وأن ذكره العمد لا ينفي الخطأ، فكذلك ذكره الطعام في النهي عن بيعه قبل القبض لا ينفي غير الطعام.

وقد رأينا الطعام يجوز السلم فيه، ولا يجوز السلم في العروض، وكان الطعام أوسع أمرًا في البيوع من غير الطعام؛ لأن الطعام يجوز السلم فيه وإن لم يكن عند المسَلَّم إليه، ولا يكون ذلك في غيره.

فلما كان الطعام أوسع أمرًا في البيوع وأكثر جوازا، ورأيناه قد نهى عن بيعه حتى يقبض، كان ذلك فيما لا يجوز السلم فيه أحرى أن لا يجوز بيعه حتى يقبض.

فقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنهي إلى الذي إذا نهى عنه دل نهيه صلى الله عليه وسلم عنه على نهيه عن غيره، وأغناه ذكره له عن ذكره لغيره، فقام ذلك مقام النهي لو عم به الأشياء كلها.

ولو قصد بالنهي إلى غير الطعام أشكل حكم الطعام في ذلك على السامع، فلم يدر هل هو كذلك أم لا؟ لأنه يجد الطعام يجوز السلم فيه، وليس هو بقائم حينئذ، وليس يجوز ذلك في العروض، فنقول كما خالف الطعام العروض في جواز السلم فيه، وليس عند المسلم إليه، وليس ذلك في العروض، فكذلك يحتمل أن يكون مخالفا له في جواز بيعه قبل أن يقبض، وإن كان ذلك غير جائز في العروض.

ص: 361

فهذا هو المعنى الذي له قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام خاصةً.

وفي ذلك حجة أخرى، وذلك أن المعنى الذي حرم به على مشتري الطعام بيعه قبل قبضه، هو لأنه لا يطيب له ربح ما في ضمان غيره، فإذا قبضه صار في ضمانه، فطاب له ربحه فجاز أن يبيعه متى أحب.

والعروض المبيعة هو هذا المعنى بعينه موجود فيها، وذلك أن الربح فيها قبل قبضها غير حلال لمبتاعها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ربح ما لم يضمن.

فلما كان ذلك قد دخل فيه الطعام وغير الطعام، ولم يكن الربح يطيب لأحد إلا بتقدم، ضمانه، لما كان عنه ذلك الربح.

فكذلك الأشياء المبيعة كلها ما كان منها يطيب الربح فيه لبائعه، فحلال له بيعه، وما كان منها يحرم الربح فيه على بائعه، فحرام عليه بيعه.

وقد جاءت أيضًا آثار أخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن بيع ما لم يقبض، لم يقصد فيها إلى الطعام ولا إلى غيره.

5258 -

وحدثنا أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز، قال: ثنا محمد بن بشار بندار، قال: ثنا حبان بن هلال، عن أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير أن يعلى بن حكيم أخبره أن يوسف بن ماهك أخبره أن عبد الله بن عصمة أخبره، أن حكيم بن حزام رضي الله عنه أخبره قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "إذا ابتعت شيئًا فلا تبعه حتى

ص: 362

تقبضه"

(1)

.

5259 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: ثنا يعلى بن حكيم بن حزام أن أباه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني اشتريت بيوعا فما يحل لي منها؟. قال: "إذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه"

(2)

.

قال أبو جعفر: فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمهم.

غير أن أبا حنيفة قال: لا بأس ببيع الدور والأرضين قبل قبض مشتريها إياها، لأنها لا تنقل، ولا تحول، وسائر البياعات ليست كذلك.

والنظر في هذا عندنا أن تكون العروض وسائر الأشياء في ذلك سواء على ما ذكرنا في الطعام.

(1)

إسناده حسن، من أجل عبد الله بن عصمة، فقد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في الثقات.

وأخرجه الدارقطني 3/ 8 - 9 من طريق أبان بن يزيد العطار به.

وأخرجه ابن الجارود (602)، وابن حبان (4983)، والدارقطني 3/ 9 من طريق همام، عن ابن أبي كثير به.

وأخرجه عبد الرزاق (14214)، والطيالسي (1318)، وأحمد (15316)، والبيهقي 5/ 313 من طرق عن يحيى بن أبي كثير به.

(2)

إسناده فيه انقطاع والخطأ في الإسناد، ويعلى ليس من أبناء حكيم بن حزام بل هو يعلى بن حكيم الثقفي.

ص: 363

‌10 - باب البيع يشترط فيه شرط ليس فيه

5260 -

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل له فأعياه، فأدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما شأنك يا جابر؟ " فقال: أعيي ناضحي

(1)

يا رسول الله! فقال: "أمعك شيء؟ " فأعطاه قضيبًا أو عودًا، فنخسه

(2)

به، أو قال: ضربه به، فسار سيرةً لم يكن يسير مثلها، فقال لي رسول الله مثلها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بعنيه بأوقية" قال: قلت: يا رسول الله! هو ناضحك، قال: فبعته بأوقية، واستثنيت حملانه حتى أقدم على أهلي، فلما قدمت أتيته بالبعير، فقلت: هذا بعيرك يا رسول الله، قال:"لعلك ترى أني إنما حبستك لأذهب ببعيرك، يا بلال أعطه من العيبة أوقية، وقال: انطلق ببعيرك، فهما لك"

(3)

.

(1)

بالنون والضاد المعجمة: هو البعير الذي يستقى عليه.

(2)

أي: طعنه.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4408) بإسناده ومتنه

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 330، 14/ 275، وأحمد (14195)، ومسلم (1221)(109)، والترمذي (1253)، والنسائي في المجتبى 7/ 297، وفي الكبرى (8817)، وابن الجارود (635)، وأبو يعلى (2124)، وابن حبان (6519) من طرق عن زكريا بن أبي زائدة به.

وأخرجه الدارمي (2216)، والبخاري (5079، 5247،5245)، ومسلم (ص 1088)(57)، وأبو يعلى (1850، 2123) من طريق هشيم عن سيار أبي الحكم، عن الشعبي به.

ص: 364

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(1)

إلى أن الرجل إذا باع من رجل دابة بثمن معلوم على أن يركبها البائع إلى موضع معلوم أن البيع جائز، والشرط جائز، واحتجوا في ذلك بحديث جابر هذا.

وخالفهم في ذلك آخرون

(2)

، ثم افترق المخالفون لهم على فرقتين، فقالت فرقة: البيع جائز، والشرط باطل.

وقالت فرقة البيع فاسد وسنبين ما ذهبت إليه الفرقتان جميعا في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

فكان من الحجة لهاتين الفرقتين جميعًا على الفرقة الأولى في حديث جابر الذي ذكرنا أن فيه معنيين يدلان أن لا حجة لهم فيه.

فأما أحد المعنيين: فإن مساومة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه إنما كانت على البعير، ولم يشترط في ذلك الجابر رضي الله عنه ركوبًا، قال جابر رضي الله عنه: فبعته واستثنيت حُملانه إلى أهلي.

فوجه هذا الحديث أن البيع إنما كان على ما كانت عليه المساومة من النبي صلى الله عليه وسلم ثم

-

(1)

قلت: أراد بهم الأوزاعي، ومالكا، وأحمد وإسحاق وأبا ثور، وابن المنذر رحمهم الله، كما في النخب 19/ 156.

(2)

قلت: أراد بهم: ابن أبي ليلى، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، والشافعي، وأشهب، وأحمد في رواية رحمهم الله، كما في النخب 19/ 159.

ص: 365

كان الاستثناء للركوب من بعد، وكان ذلك الاستثناء مفصولا من البيع، لأنه إنما كان بعده، فليس في ذلك حجة تدلنا كيف حكم البيع لو كان ذلك الاستثناء مشروطًا في عقدته، هل هو كذلك أم لا؟

وأما الحجة الأخرى فإن جابرًا رضي الله عنه قال: فلما قدمت المدينة أتيت النبي بالبعير، فقلت: هذا بعيرك فقال: لعلك تُرى أني إنما حبستك لأذهب ببعيرك؟ يا بلال أعطه أوقيةً، وخذ بعيرك، فهما لك، فدل ذلك أن ذلك القول الأول لم يكن على التبايع.

فلو ثبت أن الاشتراط للركوب كان في أصله بعد ثبوت هذه العلة لم يكن في هذا الحديث حجة، لأن الشروط فيه ذلك الشرط، لم يكن بيعًا.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ملك البعير على جابر، فكان اشتراط جابر للركوب اشتراطًا فيما هو له مالك.

فليس في هذا دليل على حكم ذلك الشرط لو وقع في بيع يوجب الملك للمشتري كيف كان حكمه؟ وذهب الذين أبطلوا الشرط في ذلك، وجوزوا البيع إلى حديث بريرة رضي الله عنه.

5261 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك بن أنس، عن نافع عن ابن عمر أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها، فقال لها أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يمنعك ذلك، فإنما

ص: 366

الولاء لمن أعتق"

(1)

.

5262 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك، عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن بريرة جاءت تستعين عائشة، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدةً وأعتقك، فعلت. فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فقالوا: لا، إلا أن يكون ولاؤك لنا. قال مالك: قال يحيى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اشتريها، فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق"

(2)

.

5263 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر قال: ثنا شعبة، عن الحكم،

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4394) بإسناده ومتنه.

وهو في الموطأ 2/ 781، ومن طريقه أخرجه أحمد (5929)، والبخاري (2169، 2562، 6757،6752)، ومسلم (1504)(5)، وأبو داود (2915)، والنسائي في المجتبى 7/ 300، والبيهقي 5/ 338، 6/ 240، والبغوي (2113).

(2)

رجاله ثقات رجال الشيخين.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4403) بإسناده ومتنه.

وهو في الموطأ 2/ 781، ومن طريقه أخرجه الشافعي في المسند 2/ 71، وفي السنن المأثورة (611)، والبخاري (2564)، والنسائي في الكبرى (6409)، وابن حبان (4326)، والبيهقي 10/ 336 - 337، وقال النسائي: مرسل، وقال الحافظ في الفتح 5/ 195 وصورة سياقه الإرسال ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك، لكن عند البخاري (456) في أبواب للمساجد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة وفي رواية هناك عن عمرة سمعت عائشة فظهر أنه موصول، وقد وصله ابن خزيمة من طريق مطرف عن مالك كذلك.

ورواه الشافعي في السنن المأثورة (612 - 613)، والحميدي (241)، والبخاري (456، 2735)، والنسائي في الكبرى (5018، 6408)، والبيهقي 10/ 337 من طرق عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة به.

ص: 367

عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها، فاشترط مواليها ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق"

(1)

.

5264 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها أن أهل بيت بريرة أرادوا أن يبيعوها، ويشترطوا الولاء. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق"

(2)

.

5265 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها أن بريرة

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4397) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي مطولا ومختصرًا (1381)، وإسحاق بن راهويه (1540)، والدارمي (2289)، وأحمد (25426)، والبخاري (1540، 5284، 6717، 6751)، ومسلم (1075)(171)، والنسائي في المجتبى 5/ 107، 108، 6/ 163، وفي الكبرى (5643)، والبيهقي 7/ 223، 224، 10/ 338 من طرق عن شعبة به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4400) بإسناده ومتنه.

وأخرجه سعيد بن منصور (1260)، وأحمد (24150)، وإسحاق بن راهويه (1539)، والترمذي (1155) من طريق أبي معاوية به.

وأخرجه سعيد بن منصور (1259)، وابن أبي شيبة 4/ 211، 385، 396، وابن ماجة (2074)، وأبو يعلى (4520) من طرق عن الأعمش به.

ص: 368

جاءت تستعينها في كتابتها، فقالت عائشة: إن شاء أهلك اشتريتك، ونقدتهم ثمنك صبةً واحدةً. فذهبت إلى أهلها، فقالت لهم ذلك، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشتريها ولا يضرك ما قالوا، فإنما الولاء لمن أعتق"

(1)

.

قالوا: فلما كان أهل بريرة أرادوا بيعها على أن تعتق ويكون ولاؤها لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:"لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق"، دل ذلك أن هكذا الشروط كلها التي تشترط في البيوع، وأنها تبطل، وتثبت البيوع.

فكان من الحجة عليهم أن هذه الآثار هكذا رويت أنها أرادت أن تشتريها فتعتقها، فأبى أهلها إلا أن يكون ولاؤها لهم.

وقد رواها آخرون على خلاف ذلك.

5266 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم منهم يونس بن يزيد، والليث عن ابن شهاب، حدثهم عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جاءت بريرة إلي فقالت: يا عائشة إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية، فأعينيني، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا. فقالت لها عائشة:

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن سعد 8/ 258 من طريق سليمان بن بلال به.

وأخرجه البخاري (5097، 5279)، ومسلم (1504)(14)(1075) من طريق مالك عن ربيعة به.

ص: 369

ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعًا، ويكون ولاؤك لي فعلت. فذهبت إلى أهلها، فعرضت ذلك عليهم، فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون ولاؤك لنا. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق"، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال:"أما بعد، فما بال ناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله عز وجل، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، فإنما الولاء لمن أعتق"

(1)

.

قال أبو جعفر: ففي هذا الحديث غير ما في الأحاديث الأول، وذلك أن في الأحاديث الأول أن أهل بريرة أرادوا أن يبيعوها على أن تعتقها عائشة رضي الله عنها، ويكون ولاؤها لهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يمنعك ذلك اشتريها فأعتقيها، فإنها الولاء لمن أعتق".

فكان في هذا الحديث إباحة البيع، على أن يعتق المشتري، وعلى أن يكون ولاء المعتق للبائع، فإذا وقع ذلك ثبت البيع، وبطل الشرط، وكان الولاء للمعتق.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4366) بإسناده ومتنه.

وأخرجه النسائي في الكبرى (5016) من طريق يونس بن عبد الأعلى به.

وأخرجه مسلم (1504)(7)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (233) من طريقين عن ابن وهب به.

وأخرجه أحمد (24522)، والبخاري (2561)، ومسلم (1504)(6)، وأبو داود (3929)، والترمذي (2124)، والنسائي 3057، والبيهقي 10/ 299 من طريق الليث بن سعد به.

ص: 370

وفي حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت لها: إن أحب أهلك أن أعطيهم ذلك تريد الكتابة صبةً واحدةً، فعلت ويكون ولاؤك لي. فلما عرضت عليهم بريرة ذلك، قالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، لا يمنعك ذلك منها، اشتريها فأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق.

فكان الذي في هذا الحديث مما كان من أهل بريرة من اشتراط الولاء ليس في بيع، ولكن في أداء عائشة رضي الله عنها إليهم الكتابة عن بريرة، وهم تولوا عقد تلك الكتابة، ولم يكن تقدم ذلك الأداء من عائشة رضي الله عنها ملك، فذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا يمنعك ذلك منها أي لا ترجعي لهذا المعنى عما كنت نويت في عتاقها من الثواب "اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق".

فكان ذكر ذلك الشراء هاهنا ابتداءً من النبي صلى الله عليه وسلم ليس مما كان قبل ذلك، بين عائشة، وبين أهل بريرة في شيء. ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم الخطب فقال:"ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله عز وجل، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط" إنكارًا منه على عائشة رضي الله عنها في طلبها ولاء من تولى غيرها كتابتها بحق ملكه عليها، ثم نبهها وعلمها بقوله "فإنما الولاء لمن أعتق" أي أن المكاتب إذا أعتق بأداء الكتابة، فمكاتبه هو الذي أعتقه، فولاؤه له.

فهذا حديث فيه ضد ما في غيره من الأحاديث الأول، وليس فيه دليل على اشتراط الولاء في البيع كيف حكمه؟ هل يجب به فساد البيع أم لا؟ فإن قال قائل: فإن

ص: 371

هشام بن عروة، قد رواه عن أبيه، فزاد فيه شيئًا.

قلنا له: صدقت.

5267 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك بن أنس، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية، فأعينيني. فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها لهم، ويكون ولاؤك لي فعلتُ. فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم ذلك فأبوا عليها. فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم. فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها، فأخبرته عائشة فقال:"خذيها واشترطي، فإنما الولاء لمن أعتق" ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فذكر مثل ما في حديث الزهري

(1)

.

5268 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

ففي هذا الحديث مثل ما في حديث الزهري أن الذي كان فيه الاشتراط من أهل

(1)

إسناده صحيح.

وهو في الموطأ 2/ 334، ومن طريقه أخرجه الشافعي 2/ 70، 71، 72، والبخاري (2168، 2729)، ومسلم (1504)، وأبو يعلى (4435)، وابن حبان (4325)، والبيهقي 10/ 336، والبغوي (2114).

(2)

إسناده صحيح، وهو مكرر سابقه.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4368) بإسناده ومتنه.

ص: 372

بريرة أن يكون الولاء لهم وإباء عائشة رضي الله عنها إلا أن يكون الولاء لها هو أداء عائشة رضي الله تعالى عنها، عن بريرة الكتابة.

فقد اتفق الزهري وهشام على هذا الحديث، وخالفهم في ذلك أصحاب الأحاديث الأول، وزاد هشام على الزهري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "خذيها واشترطي، فإنما الولاء لمن أعتق" هكذا في حديث هشام وموضع هذا الكلام في حديث الزهري: "ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق". ففي هذا اختلف هشام والزهري.

فإن كان الذي يعتبر في هذا هو الضبط والحفظ، فيؤخذ بما روى أهله، ويترك ما روى الآخرون، فإن ما روى الزهري أولى، لأنه أتقن وأضبط وأحفظ من هشام.

وإن كان الذي يعتبر في ذلك هو التأويل، فإن قوله:"خذيها" قد يجوز أن يكون معناه: ابتاعيها، كما يقول الرجل لصاحبه:"بكم أخذت هذا العبد؟ " يريد: بذلك "بكم ابتعت هذا العبد؟ ".

وكما يقول الرجل للرجل: "خذ هذا العبد بألف درهم"، يريد بذلك البيع.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واشترطي"، فلم يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشترط. فقد يجوز أن يكون أراد: واشترطي ما يشترط في البياعات الصحاح، فليس في حديث هشام هذا - لما كشف معناه -، خلاف لشيء عما في حديث الزهري، ولا بيان فيهما كيف حكم البيع إذا وقع فيه مثل هذا الشرط، هل يكون فاسدًا أو يكون جائزًا؟ وأما ما احتج به الذين أفسدوا به البيع بذلك الشرط. فما

ص: 373

5269 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف، وعن شرطين في بيعة

(1)

.

5270 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع"

(2)

.

5271 -

حدثنا ابن أبي داود، قال ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن زيد

فذكر بإسناده مثله

(3)

.

(1)

إسناده حسن، من أجل الخصيب بن ناصح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4416) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (6628)، والدارمي 2/ 253، والنسائي 7/ 295، والدارقطني 3/ 74 - 75، والبيهقي 5/ 340 من طرق عن عمرو بن شعيب به.

(2)

إسناده حسن.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4417) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (2257)، والدارقطني 3/ 74 - 75 من طريقين عن حماد بن زيد به.

وأخرجه النسائي 7/ 295، والحاكم 2/ 16 - 17 من طرق عن أيوب به.

وأخرجه أحمد (6671)، وأبو داود (3504)، والترمذي (1234)، والنسائي 7/ 288، 295، وابن الجارود (601) من طرق عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن عمرو

، وذكر فيه عبد الله بن عمرو.

(3)

إسناده حسن كسابقه.

ص: 374

5272 -

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا محمد بن الفضل، قال: ثنا حماد بن زيد

فذكر بإسناده مثله

(1)

.

5273 -

حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور قال: ثنا الهيثم بن جميل، قال: ثنا هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع، وعن سلف وبيع

(2)

.

5274 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أخبرنا همام، عن عامر الأحول، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي

مثله

(3)

.

5275 -

حدثنا يونس، قال: أخبرني عبد الله بن نافع عن داود بن قيس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف، وعن شرطين في بيع

(4)

.

= وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4418) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الحاكم 2/ 17 من طريق إسماعيل القاضي، عن سليمان بن حرب به.

(1)

إسناده حسن كسابقه.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4419) بإسناده ومتنه.

(2)

حديث حسن.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4420) بإسناده ومتنه.

(3)

إسناده حسن.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4421) بإسناده ومتنه.

ورواه الدارقطني 3/ 74 - 75 من طريق عبد الوارث، عن عامر الأحول به.

(4)

إسناده حسن. =

ص: 375

قالوا فالبيع في نفسه شرط، فإذا شرط فيه شرط آخر فقد صار هذا شرطين في بيع، فهذا هو الشرطان المنهي عنهما عندهم المذكوران في هذا الحديث.

وقد خولفوا في ذلك فقيل: الشرطان في البيع، هو: أن يقع البيع على ألف درهم حال أو على مائة دينار إلى سنة، فيقع البيع على أن يعطيه المشتري أيهما شاء، فالبيع فاسد، لأنه وقع بثمن مجهول.

وكان من الحجة لهم في ذلك ما قد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5276 -

أن مبشر بن الحسن حدثنا، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا شعبة، عن خالد بن سلمة قال: سمعت محمد بن عمرو بن الحارث يحدث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها باعت عبد الله جاريةً، واشترطت خدمتها. فذكرت ذلك لعمر رضي الله عنه فقال: لا تقربها ولأحد فيها مشوبة

(1)

.

5277 -

حدثنا فهد قال: ثنا أبو غسان قال: ثنا زهير عن عبيد الله بن عمر قال: حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يحل فرج إلا فرج إن شاء صاحبه

= وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4422) بإسناده ومتنه

(1)

رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن الحارث ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه اثنان.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 11/ 236 بإسناده ومتنه.

ورواه مالك 2/ 616، ومن طريقه البيهقي 5/ 336 عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخبره أن عبد الله بن مسعود ابتاع جارية

ص: 376

باعه، وإن شاء وهبه، وإن شاء أمسكه، لا شرط فيه

(1)

.

5278 -

حدثنا محمد بن النعمان، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا يونس بن عبيد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يكره أن يشتري الرجل الأمةَ على أن لا يبيع ولا يهب

(2)

.

فقد أبطل عمر رضي الله عنه بيع عبد الله، وتابعه عبد الله على ذلك، ولم يخالفه فيه. وقد كان له خلافه أن لو كان يرى خلاف ذلك، لأن ما كان من عمر رضي الله عنه، لم يكن على جهة الحكم، وإنما كان على جهة الفتيا. وتابعتهما زينب امرأة عبد الله على ذلك، ولها من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة.

وتابعهم على ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من قوله: لعائشة رضي الله عنها في أمر بريرة، على ما قد رويناه عنه في هذا الباب.

فدل ذلك على أن معناه كان عنده على خلاف ما حمله عليه الذين احتجوا

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 11/ 228 بإسناده ومتنه.

ورواه مالك في الموطأ 616/ 2، ومن طريقه البيهقي 5/ 336 عن نافع، عن ابن عمر به.

ورواه ابن أبي شيبة 4/ 338 - 339 عن عباد بن العوام، عن صخر بن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، ومن طريق ابن إدريس، عن محمد بن عجلان، عن نافع عن ابن عمر به.

(2)

إسناده منقطع يونس بن عبيد لم يسمع عن نافع.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار 11/ 230 بإسناده ومتنه.

ص: 377

بحديثه، ولم نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير من ذكرنا، ذهب إلى غير ما ذهب إليه عمر رضي الله عنه، ومن تابعه على ذلك ممن ذكر في هذه الآثار.

فكان ينبغي أن يجعل هذا أصلا وإجماعًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، ولا يخالف ذلك. فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

وأما وجهه من طريق النظر، فإنا رأينا الأصل المجتمع عليه أن شروطا صحاحًا قد تعقد في الشيء المبيع مثل الخيار إلى أجل معلوم للبائع أو للمبتاع، فيكون البيع على ذلك جائزًا.

وكذلك الأثمان قد تعقد فيها آجال يشترطها المبتاع، فتكون لازمة إذا كانت معلومة ويكون البيع بها مضمنًا. ورأينا ذلك الأجل لو كان فاسدا فسد بفساده البيع، ولم يثبت البيع، وينتفي هو إذا كان معقودًا فيه.

فلما جعل البيع مضمنًا بهذه الشرائط المشروطة في ثمنه من صحتها وفسادها، فجعله جائزا بجوازها، وفاسدًا بفسادها، ثم كان البيع إذا وقع على المبيع وكان عبدا على أن يخدم البائع شهرًا، فقد ملك البائع المشتري العبد على أن ملكه المشتري بألف درهم وخدمة العبد شهرا، والمشتري حينئذ غير مالك للخدمة ولا للعبد، لأن ملكه إنما يكون بعد تمام البيع، فصار البيع واقعا بمال وبخدمة عبد لا يملكه المشتري في وقت ابتياعه بالمال، وبخدمته، وقد رأيناه لو ابتاع عبدًا بخدمة أمة لا يملكها كان البيع فاسدًا.

فالنظر على ذلك أن يكون البيع أيضًا كذلك إذا عقد بخدمة من لم يكن تقدم

ص: 378

ملكه له قبل ذلك العقد، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع ما ليس عندك.

ولما كانت الأثمان مضمنةً بالآجال الصحيحة والفاسدة على ما قد ذكرنا كان كذلك الأشياء المثمونة أيضًا المضمنة بالشرائط الفاسدة والصحيحة.

فثبت بذلك أن البيع لو وقع واشترط فيه شرط مجهول أن البيع يفسد بفساد ذلك الشرط على ما قد ذكرنا. فقد انتفى قول من قال: "يجوز البيع ويبطل الشرط" وقول من قال: "يجوز البيع ويثبت الشرط".

ولم يكن في هذا الباب قول غير هذين القولين، وغير القول الآخر:"إن البيع يبطل إذا اشترط فيه ما ليس منه".

فلما انتفى القولان الأولان ثبت هذا القول الآخر، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

ص: 379

‌11 - باب: بيع أراضي مكة وإجارتها

5279 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، عن أبيه، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها"

(1)

.

5280 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي سليمان، عن علقمة بن نضلة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ورباع مكة تدعى السوائب

(2)

، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن

(3)

.

5281 -

حدثنا ربيع المؤذن قال أخبرنا أسد، قال: ثنا يحيى بن سليم، عن عمر بن سعيد، قال: حدثني عثمان بن أبي سليمان، عن علقمة بن نضلة، قال: كانت الدور على

(1)

إسناده ضعيف، لضعف إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر.

وأخرجه البيهقي 6/ 35 من طريق إسماعيل بن إبراهيم به معلقا وقال: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ضعيف وأبوه غير قوي.

(2)

جمع سائبة وأصلها من تسييب الدواب وهو: إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت، وأراد بها أنها كانت سائبة لكل أحد من شاء يسكنها فإذا فرغ منها أسكن غيره بلا بيع ولا أجرة.

(3)

إسناده ضعيف، لجهالة حال علقمة بن نضلة وهو تابعي فالحديث مرسل.

وأخرجه الأزرقي في أخبار مكة 2/ 162 - 163، والفاكهي في أخبار مكة (2047)، وابن عدي في الكامل 7/ 2701، والدارقطني (3020) من طرق عن عمر بن سعيد به.

وأخرجه ابن أبي شيبة الجزء الذي نشره العمروي (ص 372)، وابن ماجة (3107)، والطبراني 18/ (7)، والدارقطني (3019) من طريق عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد به.

ص: 380

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ما تباع ولا تكرى، ولا تدعى إلا السوائب من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى هذه الآثار فقالوا: لا يجوز بيع أراضي مكة ولا إجارتها، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة، ومحمد، وسفيان الثوري رحمهم الله.

وقد روي ذلك أيضًا عن عطاء عطاء ومجاهد.

5282 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا قرة بن حبيب قال: ثنا شعبة، عن العوام بن حوشب، عن عطاء بن أبي رباح، أنه كان يكره أجور بيوت مكة

(3)

.

5283 -

حدثنا فهد، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال أخبرنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، أنه قال: مكة مناخ لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها

(4)

.

وخالفهم في ذلك آخرون

(5)

، فقالوا: لا بأس ببيع أرضها وإجارتها، وجعلوها في ذلك كسائر البلدان.

(1)

إسناده ضعيف كسابقه.

(2)

قلت: أراد بهم: عطاء بن أبي رباح، ومجاهدا، ومالكا، وإسحاق، وأبا عبيد رحمهم الله، كما في النخب 19/ 210.

(3)

إسناده صحيح.

(4)

إسناده ضعيف، من أجل شريك وإبراهيم بن مهاجر أبي إسحاق الكوفي.

وأخرجه ابن أبي شيبة (14691) من طريق شريك به.

(5)

قلت: أراد بهم: طاووسا، وعمرو بن دينار، والشافعي، وأبا يوسف، وأحمد، وابن المنذر، وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو مذهب الظاهرية رحمهم الله، كما في النخب 19/ 212.

ص: 381

وممن ذهب إلى هذا القول أبو يوسف واحتجوا في ذلك بما

5284 -

حدثنا يونس قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن علي بن حسين أخبره، أن عمرو بن عثمان أخبره، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟. فقال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ "، وكان عقيل ورث أبا طالب، هو وطالب، ولم يرثه جعفر، ولا علي لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل ذلك يقول: لا يرث المؤمن الكافر

(1)

.

5285 -

حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

قال أبو جعفر ففى هذا الحديث ما يدل أن أرض مكة تملك وتورث لأنه قد

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2504) بإسناده ومتنه.

ورواه البخاري (1588)، ومسلم (1351) من طرق عن ابن وهب به.

ورواه عبد الرزاق (9851)، ومسلم (1351)(440)، وأبو داود (2910)، والطبراني (412) عن معمر والأوزاعي عن الزهري به.

وقول عمر لا يرث موقوف ثبت مرفوعا بما أخرجه الشافعي في مسنده 2/ 190، وأحمد (21747)، ومسلم (1614)، وأبو داود (2909)، والترمذي (2107)، وابن ماجة (2729) من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2504) بإسناده ومتنه.

ص: 382

ذكر فيها ميراث عقيل وطالب، لما تركه أبو طالب فيها من رباع ودور، فهذا خلاف الحديث الأول. ولما اختلفا احتيج إلى النظر في ذلك، ليستخرج من القولين قول صحيح. ولو صار إلى طريق اختيار الأسانيد، وصرف القول إلى ذلك لكان حديث علي بن حسين أصحهما إسنادًا، ولكنا نحتاج إلى كشف ذلك من طريق النظر، فاعتبرنا ذلك، فرأينا المسجد الحرام الذي كل الناس فيه سواء، لا يجوز لأحد أن يبني فيه بناء، ولا يحتجز منه موضعًا، وكذلك حكم جميع المواضع التي لا يقع لأحد فيها ملك، وجميع الناس فيها سواء.

ألا ترى أن "عرفة" لو أراد الرجل أن يبني في المكان الذي يقف فيه الناس بناء لم يكن ذلك له. وكذلك منى لو أراد أن يبني فيها دارًا كان من ذلك ممنوعا، وكذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5286 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا الحكم بن مروان الضرير الكوفي، قال: ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن يوسف بن ماهك عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله ألا نتخذ لك بمنًى شيئًا

(1)

تستظل به؟. فقال: "يا عائشة، إنها مناخ لمن سبق"

(2)

.

(1)

في ن "بيتا".

(2)

إسناده ضعيف، لضعف إبراهيم بن المهاجر، وجهالة مسيكة والدة يوسف بن ماهك.

وأخرجه أحمد (25541)، والدارمي (2068)، وأبو داود (2019)، والترمذي (881)، وابن ماجة (3006 - 3007)، وأبو يعلى (4519)، وابن خزيمة (2891)، والحاكم 1/ 466 - 467، والبيهقي 5/ 139 من طرق عن إسرائيل بن يونس به.

ص: 383

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن لهم أن يجعلوا له فيها شيئًا يستظل به

(1)

، لأنها مناخ من سبق، ولأن الناس كلهم فيها سواء.

5287 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا الفريابي (ح)

وحدثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، قال: ثنا أبو نعيم، قالا: ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أمه، وكانت تخدم عائشة أم المؤمنين، فحدثته

(2)

عن عائشة، مثله. قال: وسألت أمي مكان عائشة رضي الله عنها بعدما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أن تعطيها إياه. فقالت لها عائشة: لا أحل لك ولا لأحد من أهل بيتي أن يستحل هذا المكان تعني "منى"

(3)

.

قال أبو جعفر: فهذا حكم المواضع التي الناس فيها سواء، ولا ملك لأحد عليها، ورأينا مكة على غير ذلك، قد أجيز البناء فيها.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخلها: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن".

5288 -

حدثنا بذلك ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

في دن "فيه"

(2)

في ن "فحدثتني".

(3)

إسناده ضعيف كسابقه.

(4)

إسناده صحيح. =

ص: 384

فلما كانت مكة مما تغلق عليها الأبواب، ومما تبنى فيها المنازل كانت صفتها صفة المواضع (1) التي تجري عليها الأملاك، ويقع فيها المواريث.

فإن احتج محتج في ذلك بقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25].

قيل له: قد روي في تأويل هذا عن المتقدمين ما

5289 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن عبد الله بن مسلم، سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:{سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} قال: خلق الله فيه سواء

(2)

.

5290 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، قال أردت أن أعتكف فسألت سعيد بن جبير وأنا بمكة فقال: أنت عاكف

= وأخرجه أحمد (7922)، ومسلم (1780)(86)، والبيهقي 9/ 118 من طريقين عن حماد بن سلمة به.

وأخرجه مطولا ومختصرا الطيالسي (2424)، وابن أبي شيبة 14/ 471، 473، ومسلم (1780)(84 - 85)، وأبو داود (1871، 1872، 3024)، والنسائي في الكبرى (11234)، وأبو يعلى (6647)، وابن خزيمة (2758)، وابن حبان (4760) من طرق عن ثابت بن أسلم البناني به. (1) في س "المنازل".

(2)

إسناده ضعيف، لضعف عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي.

وأخرجه الطبراني في الكبير (12496) من طريق عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الله بن مسلم به مرفوعا.

ص: 385

ثم قرأ {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]

(1)

.

5291 -

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الملك، عن عطاء، قال {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] قال: الناس في البيت سواء، ليس أحد أحق به من أحد

(2)

.

فثبت بذلك أنه إنما قصد بذلك إلى البيت أو إلى المسجد الحرام، لا إلى سائر مكة، وهذا قول أبي يوسف رحمه الله.

(1)

إسناده صحيح.

(2)

إسناده صحيح.

ص: 386

‌12 - باب ثمن الكلب

5292 -

حدثنا يونس قال: ثنا سفيان، عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي

(1)

، وحلوان

(2)

الكاهن

(3)

.

5293 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك، عن الزهري

فذكر بإسناده مثله

(4)

5294 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب،

(1)

بفتح الباء وكسر الغين وتشديد الياء: الفاجرة.

(2)

بالضم: الرشوة وهو: ما يعطى الكاهن ويجعل له على كهانته.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4647) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الحميدي (450)، وابن أبي شيبة 6/ 243، والدارمي 2/ 255، والبخاري (5346، 5761)، ومسلم (1567)، وأبو داود (3481)، والترمذي (1276)، وابن ماجة (2159)، والطبراني (728) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(4)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4648) بإسناده ومتنه.

وهو في الموطأ 2/ 185، ومن طريقه الشافعي في المسند 2/ 139، والبخاري (2237، 2282)، ومسلم (1567)(39)، والدولابي 1/ 54 - 55، والطبراني (17/ 731)، والبيهقي 1/ 251، 6/ 5 - 6، وابن عبد البر في التمهيد 8/ 398، والبغوي في شرح السنة (2037).

ص: 387

عن أبي بكر، عن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث، هن سحت

(1)

" ثم ذكر مثله

(2)

.

5295 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا هارون بن إسماعيل الخزاز، قال: ثنا علي بن المبارك، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن السائب بن يزيد حدثه، أن رافع بن خديج رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كسب الحجام خبيث، ومهر البغي خبيث، وثمن الكلب خبيث"

(3)

.

5296 -

حدثنا ربيع المؤذن، ونصر بن مرزوق، قالا: ثنا أسد، قال: ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب

(4)

.

(1)

قال ابن الأثير: السحت الحرام الذي لا يحل كسبه.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4649) بإسناده ومتنه.

ورواه الدولابي في الكنى 1/ 54 - 55، والطبراني (731) من طريقين عن عبد الله بن وهب به.

(3)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4650) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (966)، وابن أبي شيبة 4/ 375، 6/ 246، 270، وأحمد (15812)، والدارمي (2785)، ومسلم (1568)(41)، وأبو داود (3421)، والترمذي (1275)، والنسائي في الكبرى (4668، 4669)، وابن حبان (5153)، والطبراني (4259 - 4260)، والحاكم 2/ 42، والبيهقي 9/ 336 - 337 من طرق عن يحيى بن أبي كثير.

(4)

إسناده ضعيف، ابن جريج وحبيب بن أبي ثابت مدلسان وقد عنعنا. =

ص: 388

5297 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا عبد الكريم الجزري، عن قيس بن حبتر، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثمن الكلب حرام"

(1)

.

5298 -

حدثنا يونس، وحسين بن نصر، قالا: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله، عبد الكريم

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

5299 -

حدثنا مالك بن عبد الله التجيبي، قال: ثنا عثمان بن صالح (ح)

وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن خالد، قالا: ثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن صفوان بن سليم أخبره عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وإن كان ضاريًا

(3)

(4)

.

= وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4644) بإسناده ومتنه.

وأخرجه عبد الرزاق (219) عن ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب عنه به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4646) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 245، 14/ 202، وأحمد (2094) من طريق وكيع عن إسرائيل به.

(2)

إسناده صحيح

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4645) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (2512)، وأبو داود (3482)، وأبو يعلى (2600) من طرق عن عبيد الله بن عمرو به.

(3)

واصل بما قبله، أي: وإن كان كلب صيد ضاريا، يقال ضرى الكلب وأضراه صاحبه، أي: عوده للصيد وأغراه به.

(4)

إسناده ضعيف، لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (5561) من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع به.

ص: 389

5300 -

حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، قال: حدثني أبو سفيان، عن جابر رضي الله عنه أثبته مرةً ومرةً شك في أبي سفيان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب والسنور

(1)

.

5301 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله، ولم يشك

(2)

.

5302 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الغفار بن داود، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

(1)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4651) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 244، 414، 14/ 201، وأبو داود (3479)، والترمذي (1279)، وأبو يعلى (2275) من طريقين عن الأعمش به.

(2)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (2657) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الترمذي (1279)، والدارقطني 3/ 72، والبيهقي 6/ 11 من طريق عيسى بن يونس به، وصححه الحاكم على شرط مسلم 2/ 34 ووافقه الذهبي.

(3)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.

وأخرجه أحمد (14652)، وابن ماجة (2161) من طرق عن ابن لهيعة به.

وأخرجه مسلم (1569)، وابن حبان (4940)، والبيهقي 6/ 10 من طريق معقل بن عبيد الله الجزري، عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا

ص: 390

5303 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني معروف بن سويد، أن علي بن رباح حدثهم، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل ثمن الكلب"

(1)

.

5304 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي قال: ثنا حميد بن الأسود، قال: ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي

(2)

.

5305 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا رباح، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثمن الكلب من السحت"

(3)

.

5306 -

حدثنا فهد: قال ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني، قال: ثنا محمد بن الفضيل،

(1)

إسناده حسن، من أجل معروف بن سويد.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4653) بإسناده ومتنه.

ورواه النسائي 7/ 189 عن يونس بن عبد الأعلى به.

ورواه أبو داود (3484)، والبيهقي 6/ 6 من طريقين عن ابن وهب به.

(2)

رجاله رجال الشيخين غير حميد بن الأسود فمن رجال البخاري.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4654) بإسناده ومتنه.

(3)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4655) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 269 من طريق محمد بن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة به.

وأخرجه أحمد (10490) من طريق حجاج، عن عطاء، عن أبي هريرة به.

ص: 391

عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب

(1)

.

5307 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو الوليد (ح)

وحدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا روح قالا: ثنا شعبة، قال: ثنا عون بن أبي جحيفة، أخبرني عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5308 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا وكيع عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

5309 -

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا أبو

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4656) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الدارمي (2787)، والنسائي في المجتبى 7/ 311، وفي الكبرى (4680، 6226)، وابن ماجة (2160) من طرق عن محمد بن فضيل به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه البخاري (2086)، وأبو داود (3483) من طريق أبي الوليد الطيالسي به.

وأخرجه مطولا ومختصرا الطيالسي (1043، 1045)، وابن أبي شيبة 6/ 563، 4/ 375، وأحمد (18756)، والبخاري (5347،2238، 5945)، وأبو يعلى (890)، والبغوي في الجعديات (518 - 519)، وابن حبان (4939، 5852)، والطبراني في الكبير 22 (295 - 296)، والبيهقي 6/ 6، والبغوي (2039) من طرق عن شعبة به.

(3)

إسناده ضعيف من أجل محمد بن أبي ليلى.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 269 من طريق محمد بن أبي ليلى به.

ص: 392

الزبير، قال: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ثمن الكلب والسنور، فقال: زجر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

قال: أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى تحريم أثمان الكلاب كلها واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

وخالفهم في ذلك آخرون

(3)

فقالوا: لا بأس بأثمان الكلاب كلها التي ينتفع بها.

وكان من الحجة لهم في ذلك على أهل المقالة الأولى، فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا أن الكلاب قد كان حكمها أن تقتل كلها، ولا يحل لأحد إمساك شيء منها، فلم يكن بيعها حينئذ بجائز، ولا ثمنها بحلال

(4)

.

فمما روي في ذلك ما

5310 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن

(1)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة وهو متابع.

وأخرجه أحمد (15148)، وابن ماجة (2161) من طريقين عن ابن لهيعة به.

وأخرجه مسلم (1569)، وابن حبان (4940)، والبيهقي 6/ 10 من طريق معقل بن عبيد الله الجزري، عن أبي الزبير به.

(2)

قلت: أراد بهم: الحسن البصري، وربيعة، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وداود، ومالكا في رواية رحمهم الله، كما في النخب 19/ 248.

(3)

قلت أراد بهم: عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وابن كنانة، وسحنون من المالكية رحمهم الله، كما في النخب 19/ 250.

(4)

في د ج س "حلال".

ص: 393

نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب كلها، فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل

(1)

.

5311 -

حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا صوته يأمر بقتل الكلاب

(2)

.

5312 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4666) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 5/ 406، وعنه مسلم (1570)(44) عن أبي أسامة به.

وأخرجه أحمد (5775) من طريق محمد بن عبيد، عن عبيد الله به.

(2)

إسناده صحيح

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4664) بإسناده ومتنه.

وأخرجه النسائي في المجتبى 7/ 184، وفي الكبرى (4771)، وابن ماجة (3203) من طريق ابن وهب به.

وأخرجه أحمد (6171) من طريق الزبيدي، عن الزهري به.

(3)

إسناده حسن، من أجل أسامة بن زيد الليثي.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4665) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 5/ 405، وأحمد (4744)، ومسلم (1570)(45)، والطبراني في الكبير (13423) من طرق عن نافع به.

ص: 394

5313 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا هارون بن إسماعيل قال: ثنا علي بن المبارك، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني ابن بنت

(1)

أبي رافع، عن أبي رافع رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع العنزة إلى أبي رافع، فأمره أن يقتل كلاب المدينة كلها حتى أفضى به القتل إلى كلب لعجوز، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله

(2)

.

5314 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عامر العقدي (ح)

وحدثنا محمد بن خزيمة، وصالح بن عبد الرحمن قالا: ثنا القعنبي قالا ثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء، عن أبي الرجال، عن سالم بن عبد الله، عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم قتل الكلاب، فخرجت أقتلها لا أرى كلبا إلا قتلته، حتى أتيت موضع كذا، وسماه فإذا فيه كلب يدور ببيت، فذهبت لأقتله. فناداني إنسان من جوف البيت: يا عبد الله! ما تريد أن تصنع؟ قلت: إني أريد أن أقتل هذا الكلب. قالت: إني امرأة بدار مضيعة وإن هذا الكلب يطرد عني السباع، ويؤذنني بالجائي، فائت النبي

(1)

في ن "ابنة أبي رافع".

(2)

رجاله ثقات غير ابن بنت رافع، قال في كشف الأستار 3/ 572: ابن ابنة أبي رافع لا أعرفه، وفي النخب 19/ 255 ابنة أبي رافع اسمها سلمى.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4667) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أبو يعلى كما في النخب 19/ 255 من طريق هارون الخزار، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن بنت أبي رافع عنه به وبنت أبي رافع سلمى.

ص: 395

صلى الله عليه وسلم واذكر له ذلك. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأمرني بقتله

(1)

.

5315 -

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا هوذة بن خليفة، عن عوف، عن الحسن، عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم"

(2)

.

5316 -

حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، أن جبريل عليه الصلاة والسلام واعد النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة يأتيه فيها، فذهبت الساعة ولم يأته، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بجبريل عليه السلام على الباب، فقال: ما منعك أن تدخل البيت؟، قال: إن في البيت كلبًا وإنا لا ندخل بيتًا فيه كلب، ولا صورة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلب، فأخرج، ثم أمر بالكلاب أن تقتل

(3)

.

(1)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4668) بإسناده ومتنه.

ورواه الطبراني (927) عن علي بن عبد العزيز، عن القعنبي بهذا الإسناد.

وأخرجه أحمد (27188) من طريق أبي عامر، عن يعقوب بن محمد بن طحلاء به.

(2)

إسناده حسن، من أجل هوذة بن خليفة.

وأخرجه عبد بن حميد (503) من طريق سعيد بن عامر وهوذة، عن عوف به.

وأخرجه أحمد (20547)، والدارمي (2008) من طريق عوف به.

وأخرجه أبو داود (2845)، والترمذي (1486)، والنسائي 7/ 185، وابن حبان (5650، 5657،5656،5655، 5659) من طرق عن الحسن البصري به.

(3)

إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو. =

ص: 396

5317 -

حدثنا حسين بن نصر قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، قال: ثنا معاوية بن سلام، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، أن السائب بن يزيد أخبره أن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من أمسك الكلب فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط"

(1)

.

قال أبو جعفر فكان هذا حكم الكلاب أن تقتل ولا يحل إمساكها ولا الانتفاع بها. فما كان الانتفاع به حرامًا وإمساكه حرامًا فثمنه حرام.

فإن كان نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب كان، وهذا حكمها، فإن ذلك قد نسخ فأبيح الانتفاع بالكلاب وروي في ذلك، ما

5318 -

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اقتنى كلبا إلا كلبا ضاريًا يصيد، أو كلب ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان"

(2)

.

= وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (885، 4669) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البغوي (3213) من طريق إسماعيل بن جعفر به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 8/ 479، وابن راهويه (1081)، وأحمد (25100)، وابن ماجة (3651) من طريقين عن محمد بن عمرو به.

(1)

إسناده صحيح. وانظر ما بعده (5333).

(2)

إسناده صحيح. =

ص: 397

5319 -

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن الزهري عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من اقتنى كلبًا إلا كلب صيد أو ماشية، نقص من عمله كل يوم قيراطان"

(1)

.

5320 -

حدثنا يونس، قال أخبرنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله

مثله

(2)

.

5321 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله

مثله

(3)

.

= وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4671) بإسناده ومتنه

ورواه البخاري (5481)، والبيهقي 6/ 9 من طريق مكي بن إبراهيم به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 5/ 408، وأحمد (5073)، ومسلم (1574)(54)، والنسائي في المجتبى 7/ 186، وفي الكبرى (4795)، وأبو يعلى (5560) من طرق عن حنظلة به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4672) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 208، والحميدي (645)، وأحمد (4549)، ومسلم (1574)(51)، والنسائي في المجتبى 1887، وفي الكبرى (4798)، وأبو يعلى (5418، 5538)، والبيهقي 6/ 9 من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4673) بإسناده ومتنه.

وهو في الموطأ 2/ 561، ومن طريقه أخرجه الشافعي 2/ 140، وأحمد (5925)، والبخاري (5482)، ومسلم (1574)(50)، والبيهقي 6/ 8 - 9، والبغوي (2775).

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4674) بإسناده ومتنه. =

ص: 398

5322 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع

فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال "قيراط"

(1)

.

5323 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا الفريابي، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5324 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن بكير، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد، أو كلب ماشية

(3)

.

= وأخرجه أحمد (4479)، والترمذي (1487) من طريق إسماعيل بن علية، عن أيوب به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 5/ 409، والنسائي في المجتبى 188/ 7، وفي الكبرى (4797)، وابن حبان (5653) من طرق عن نافع به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4675) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 5/ 406، ومسلم (1570)(44) من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله.

وأخرجه أحمد (5775) من طريق محمد بن عبيد عن عبيد الله به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الحميدي (646)، وابن أبي شيبة 5/ 408، وأحمد (4944)، والدارمي (2136)، والبيهقي 6/ 9 من طريق سفيان به.

وأخرجه البخاري (5480)، ومسلم (1574)(52) من طريقين عن عبد الله بن دينار به.

(3)

إسناده صحيح. =

ص: 399

5325 -

حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس، قال: قال ابن شهاب حدثني سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا صوته يأمر بقتل الكلاب وكانت الكلاب تقتل إلا كلب صيد أو ماشية. قال ابن شهاب: وحدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد، ولا ماشية، ولا أرض، فإنه ينقص من أجره قيراطان في كل يوم"

(1)

5326 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت

(2)

يزيد بن هارون، قال: أخبرنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي الحكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلبًا غير كلب زرع ولا صيد، نقص من عمله كل يوم قيراطان"

(3)

.

= وأخرجه مسلم (1571)(46)، والترمذي (1488)، والنسائي في المجتبى 7/ 184، وفي الكبرى (4772)، وأبو يعلى (5630)، والبيهقي 6/ 9 من طرق عن حماد بن زيد به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4683) بإسناده ومتنه.

وقد سبقت رواية ابن عمر تحت رقم (5311) وأما رواية أبي هريرة.

فأخرجه مسلم (1575)(57)، والنسائي في المجتبى 7/ 189، وفي الكبرى (4783) من طرق عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.

(2)

في د "ثنا".

(3)

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4679) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (4813)، والبيهقي 6/ 9، والخطيب في الموضح 2/ 243 من طريق يزيد بن هارون به. =

ص: 400

5327 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير، قال: ثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله، غير أنه قال:"إلا كلبًا ضاريًا أو كلب ماشية"

(1)

.

5328 -

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أمية بن بسطام، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية

(2)

، عن بجير بن أبي بجير، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الكلاب فقال:"من اتخذ كلبًا ليس بكلب قنص أو كلب ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط"

(3)

.

5329 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الحميد بن صالح، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبي سلمة، وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلاب، وقال:"لا يتخذ الكلاب إلا صياد أو خائف، أو صاحب غنم"

(4)

.

= وأخرجه أحمد (5505)، ومسلم (1574)(56)، والبيهقي 6/ 9 من طريق شعبة، عن قتادة به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4680) بإسناده ومتنه.

(2)

ساقط من الأصول، والمثبت من ن.

(3)

إسناده ضعيف الجهالة بجير بن أبي بجير.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4681) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطبراني كما في النخب 19/ 272 من طريق أمية بن بسطام به.

(4)

إسناده حسن في المتابعات من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد.

ص: 401

5330 -

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا بشر بن بكر، قال: ثنا الأوزاعي، قال حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أمسك كلبا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية"

(1)

.

5331 -

حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة، أن أبا الزبير أخبره أنه سأل جابرًا رضي الله عنه، أقال النبي صلى الله عليه وسلم في الكلاب شيئًا؟ قال: أمر بقتلهن، ثم أذن لطوائف

(2)

.

5332 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر قال: ثنا شعبة، عن أبي التياح، عن مطرف عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما لي وللكلاب؟ ثم رخص في كلب الصيد، وفي كلب آخر نسيه سعيد

(3)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4682) بإسناده ومتنه

ورواه البيهقي 6/ 10 من طريق بشر بن بكر به.

وأخرجه مسلم (1575)(59)، وابن ماجة (3204)، وابن حبان (5652، 5654) من طرق عن الأوزاعي به.

وأخرجه أحمد (9493)، والبخاري (2322)، ومسلم (1575)، والبيهقي 6/ 10 من طرق عن يحيى بن أبي كثير به.

(2)

إسناده حسن لرواية ابن وهب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4670) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مطولا ومختصرا ابن أبي شيبة 1/ 174، 5/ 405، 406، 14/ 204، وأحمد (16792)، والدارمي (782، =

ص: 402

5333 -

حدثنا محمد بن النعمان، قال: ثنا القعنبي قال: ثنا سليمان بن بلال، عن يزيد بن خصيفة، قال: أخبرني السائب بن يزيد، أن سفيان بن أبي زهير الشنائي رضي الله عنه أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من اقتنى كلبًا لا يغني عنه في ضرع، ولا زرع، نقص من عمله كل يوم قيراط". قال: فقال السائب لسفيان: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب القبلة

(1)

.

5334 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب أن مالكًا حدثه، عن يزيد بن خصيفة

فذكر بإسناده مثله

(2)

.

= 1238)، ومسلم (280)(1573)، وأبو داود (74)، والنسائي في المجتبى 1/ 177،54، وابن حبان (1298)، والبيهقي 1/ 241، 242، 6/ 10 من طرق عن شعبة به.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4676) بإسناده ومتنه.

ورواه البخاري (3325) عن عبد الله بن مسلمة، عن سليمان بن بلال به.

وأخرجه البخاري في التاريخ 4/ 86، ومسلم (1576)، (61)، والنسائي 7/ 187 - 188، وابن قانع في معجم الصحابة بإثر (379)، والطبراني في الكبير (6415) من طرق عن يزيد بن خصيفة به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4677) بإسناده ومتنه.

وهو في الموطأ 2/ 561، ومن طريقه أخرجه الشافعي 2/ 140، وابن أبي شيبة 5/ 409، 14/ 208 - 209، والدارمي (2005)، وأحمد (21913)، والبخاري (2323)، ومسلم (1576)(61)، وابن ماجة (3206)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1598)، والطبراني في الكبير (6414)، والبيهقي 6/ 10.

ص: 403

5335 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني محمد بن جعفر قال: أخبرني يزيد بن خصيفة

فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يذكر قول السائب لسفيان: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

(1)

قال أبو جعفر: فلما ثبتت الإباحة بعد النهي، وأباح الله عز وجل في كتابه ما أباح بقوله:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] اعتبرنا حكم ما ينتفع به، هل يجوز بيعه ويحل ثمنه أم لا؟ فرأينا الحمار الأهلي قد نهي عن أكله، وأبيح كسبه والانتفاع به، فكان بيعه إذا كان هذا حكمه حلالا، وثمنه حلالا.

فكان يجيء في النظر أن يكون كذلك الكلاب لما أبيح الانتفاع بها حل بيعها وأكل ثمنها. ويكون ما روي في حرمة أثمانها كان في وقت حرمة الانتفاع بها، وما روي في إباحة الانتفاع بها دليل على حل أثمانها.

وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.

5336 -

وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن يوسف الفريابي، قال: ثنا سفيان عن موسى بن عبيدة عن القعقاع بن حكيم، عن سلمى أم رافع عن أبي رافع رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه فأذن له فأبطأ، فأخذ رداءه فخرج. فقال:"قد أذنا لك" قال: أجل يا رسول الله!

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (4678) بإسناده ومتنه.

ص: 404

ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب. فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو، فأمر أبا رافع أن لا يدع كلبًا بالمدينة إلا قتله. فإذا بامرأة في ناحية المدينة لها كلب يحرس غنمها، قال: فرحمتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرني فقتلته، فأتاه ناس من الناس، فقالوا: يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرتنا بقتلها؟. قال: فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]

(1)

.

5337 -

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن سليمان الجعفي، قال: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: ثنا موسى بن عبيدة، قال: حدثني أبان بن صالح، عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم بني رافع، عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب أتاه ناس، فقالوا: يا رسول الله! ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]

(2)

.

ففى هذا الحديث أيضًا مثل ما قبله مما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن أمر بقتلها.

(1)

إسناده ضعيف، لضعف موسى بن عبيدة الربذي ولعله سقط من النسخة أبان بن صالح بعد موسى بن عبيدة.

وأخرجه ابن أبي شيبة 5/ 405، وأبو يعلى كما في النخب 19/ 279، والطبراني 1/ (326، (972) من طريق عبد الله بن نمير، عن موسى بن عبيدة، عن أبان بن صالح، عن القعقاع به.

وأخرجه الروياني في مسنده (690) من طريق سليمان بن بلال، عن موسى بن عبيدة، عن أبان به.

(2)

إسناده ضعيف كسابقه.

ص: 405

وإن كان لم يذكر في هذا الحديث غير ما يضاد به منها، وفيه زيادة على ما قبله من الأحاديث في الإباحة التي ذكرنا، لأن فيه نزول هذه الآية بعد تحريم الكلاب، وأن هذه الآية أعادت الجوارح المكلبين إلى أن صيرتها حلالا، وإذا صارت كذلك كانت في حكم سائر الأشياء التي هي حلال في حل إمساكها، وإباحة أثمانها، وضمان متلفيها ما أتلفوا منها كغيرها.

وقد روي في ذلك عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

5338 -

حدثنا يونس قال: ثنا ابن وهب قال سمعت ابن جريج يحدث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهمًا، وقضى في كلب ماشية بكبش

(1)

.

5339 -

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أنه نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد

(2)

.

(1)

إسناده منقطع، قال البخاري: ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب، وقال الدارقطني: ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسل.

وأخرجه البيهقي 6/ 8 من طريق ابن وهب، عن ابن جريج به.

وأخرجه عبد الرزاق (18414) عن ابن جريج به.

وأخرجه عبد الرزاق (18415)، وابن أبي شيبة (20921)، والدارقطني (4551)، والبيهقي 8/ 6، والعقيلي في الضعفاء (11015) من طرق عن إسماعيل بن، جستاس، عن عبد الله بن عمرو به.

(2)

رجاله ثقات إلا أن أبا الزبير لم يصرح بسماعه عن جابر.

وأخرجه ابن أبي شيبة (20910) عن وكيع، عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير به.

ص: 406

وقد روينا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أنه نهى عن ثمن الكلب" ولم يفسر أي كلب هو؟ فلم يحل ذلك من أحد وجهين.

إما أن يكون أراد خلاف كلاب المنافع أو يكون أراد كل الكلاب، ثم ثبت عنده نسخ كلب الصيد منها ما استثناه في هذا الحديث.

5340 -

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن عطاء، قال: لا بأس بثمن الكلب السلوقي

(1)

.

فهذا عطاء يقول هذا وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أن ثمن الكلب من السحت".

فدل ذلك على المعنى الذي ذكرناه في حديث جابر رضي الله عنه.

5341 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب أنه قال: إذا قتل الكلب المعلم، فإنه يقوم قيمته فيغرمه الذي قتله

(2)

.

فهذا الزهري يقول هذا، وقد روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أن ثمن الكلب سحت".

(1)

إسناده ضعيف، لضعف جابر بن يزيد الجعفي.

وأخرجه ابن أبي شيبة (20919) عن وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عطاء به.

(2)

إسناده ضعيف، لضعف عبد الله بن صالح كاتب الليث.

ص: 407

فالكلام في هذا مثل الكلام في حديث جابر رضي الله عنه.

5342 -

حدثنا بحر، قال: ثنا ابن وهب قال: أنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري، قال: كان يقال: يجعل في الكلب الضاري إذا قتل أربعون درهمًا

(1)

.

5343 -

حدثنا فهد قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: أخبرنا شريك، ومحمد بن فضيل، عن مغيرة عن إبراهيم، قال: لا بأس بثمن كلب الصيد

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (20920) عن ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد به.

(2)

إسناده صحيح وشريك بن عبد الله متابع.

وأخرجه ابن أبي شيبة (20922) عن وكيع عن سفيان، عن سعيد، عن إبراهيم به.

وعن ابن فضيل، عن مغيرة عن إبراهيم به.

ص: 408

‌13 - باب: استقراض الحيوان

5344 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرًا

(1)

فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا جملًا خيارًا رباعيا

(2)

فقال: "أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء"

(3)

.

5345 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا شبابة بن سوار، قال: أخبرنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم دين افتقاضاه، فأغلظ له. فأقبل عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و هموا به. فقال النبي: "ذروه، فإن لصاحب الدين، مقالا، اشتروا له سنا

(4)

فأعطوه إياه"، فقالوا: إنا لا نجد إلا سنا هو خير من سنه، قال: "فاشتروه فأعطوه إياه، فإن

(1)

هو الفتي من الإبل بمنزلة الغلام من الناس.

(2)

يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رباعيته، ورباع: إذا دخل في السنة السابعة.

(3)

إسناده صحيح.

وهو في الموطأ 2/ 213، ومن طريقه أخرجه الشافعي في مسنده 2/ 171، والدارمي (2565)، وأحمد (27181)، ومسلم (1600)(118)، وأبو داود (3346)، والترمذي (1318)، والنسائي في المجتبى 7/ 291، وفي الكبرى (6210)، والطبراني في الكبير (913)، والبيهقي 6/ 21، والبغوي (2136).

(4)

أي: ذات سن، قال الأزهري: البقرة والشاة يقع عليهما اسم السن إذا أثنتا، وتثنيان في السنة الثالثة، فمعناه: طلوع سنها في السنة الثالثة.

ص: 409

خيركم أو من خيركم أحسنكم قضاء"

(1)

.

5346 -

حدثنا حسين قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا سفيان الثوري عن سلمة

فذكر بإسناده نحوه، غير أنه لم يقل:"اشتروا له" وقال: "اطلبوا"

(2)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(3)

إلى إجازة استقراض الحيوان، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

وخالفهم في ذلك آخرون

(4)

، فقالوا: لا يجوز استقراض الحيوان.

وقالوا: يحتمل أن يكون هذا قبل تحريم الربا، ثم حرم الله عز وجل الربا بعد ذلك، وحرم كل قرض جر منفعةً، وردت الأشياء المستقرضة إلى أمثالها، فلم يجز القرض

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (9390)، والبخاري (2306، 2390، 2401، 2606، 2609)، والترمذي (1317)، وابن ماجة (2423)، والبيهقي 5/ 351، والبغوي (2137) من طرق عن شعبة به.

(2)

إسناده صحيح

وأخرجه أحمد (10609) من طريق يزيد بن هارون به.

وأخرجه عبد الرزاق (14157)، وأحمد (8897)، والبخاري (2305، 2392، 2393)، ومسلم (1601)(122)، والنسائي في المجتبى 291/ 7، وفي الكبرى (6168) من طرق عن سفيان الثوري به.

(3)

قلت: أراد بهم: الأوزاعي، والليث بن سعد، ومالكا، والشافعي، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 19/ 296.

(4)

قلت: أراد بهم: الثوري، والحسن بن صالح، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وفقهاء الكوفة رحمهم الله، كما في النخب 19/ 299.

ص: 410

إلا فيما له مثل، وقد كان أيضًا قبل نسخ الربا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً.

والدليل على ذلك

5347 -

أن ابن أبي داود حدثنا قال: ثنا أبو عمر الحوضي (ح)

وحدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير، عن أبي سفيان، عن عمرو بن حريش، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص

(1)

الصدقة، فجعل يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، ثم نسخ ذلك

(2)

.

وروي في ذلك ما

5348 -

حدثنا محمد بن علي بن محرز البغدادي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان الثوري، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً

(3)

.

(1)

بكسر القاف قال العدوي: القلوص أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثنى، فإذا أثنت فهي ناقة.

(2)

إسناده ضعيف الجهالة عمرو بن حريش والاضطراب في سنده.

وأخرجه أبو داود (3357)، والدارقطني 70/ 3، والحاكم 2/ 56 - 57، والبيهقي 5/ 287 - 288 من طريق أبي عمر حفص بن عمر الحوضي، عن حماد بن سلمة به.

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن حبان (5028) من طريق أبي داود الحفري، عن سفيان الثوري به. =

ص: 411

5349 -

حدثنا فهد، قال: ثنا شهاب بن عباد، قال: ثنا داود بن عبد الرحمن، عن معمر .. فذكر بإسناده مثله

(1)

.

5350 -

حدثنا إبراهيم بن محمد الصيرفي، قال: ثنا عبد الواحد بن عمرو بن صالح الزهري، قال: ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أشعث، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى بأسًا ببيع الحيوان بالحيوان اثنين بواحد، ويكرهه نسيئة

(2)

.

5351 -

حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ، وعبد الله بن محمد بن خشيش وإبراهيم بن محمد الصيرفي، قالوا: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا محمد بن دينار الطاحي، قال: ثنا يونس بن عبيد، عن زياد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً

(3)

.

= وأخرجه عبد الرزاق (14133)، وابن الجارود (610)، والطبراني في الكبير (11996)، والبيهقي 5/ 288 - 289 من طريقين عن معمر به.

(1)

إسناده صحيح. وأخرجه ابن الجارود (610)، والطبراني (11996) من طريق داود بن عبد الرحمن العطار، عن معمر به.

(2)

إسناده ضعيف لضعف أشعث بن سوار، ولعنعنة أبي الزبير ولم يصرح بالسماع.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (2762) من طريق بحر بن كنيز، عن أبي الزبير بـ

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 113، 115، وأحمد (14331)، والترمذي (1238)، وابن ماجة (2271)، وأبو يعلى (2025) من طريق حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير به.

(3)

إسناده حسن في المتابعات من أجل محمد بن دينار الطاحي =

ص: 412

5352 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(1)

.

5353 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5354 -

حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال: ثنا مسلم، قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله

(3)

.

قال أبو جعفر فكان هذا ناسخًا لما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إجازة بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً، فدخل في ذلك أيضًا استقراض الحيوان.

فقال أهل المقالة الأولى: هذا لا يلزمنا، لأنا قد رأينا الحنطة لا يباع بعضها ببعض

= وأخرجه ابن المقرئ في المعجم (576)، والعقيلي في الضعفاء 4/ 64، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان 1/ 304، والبيهقي في المعرفة (11091) من طريق مسلم بن إبراهيم به.

(1)

إسناده صحيح، وقال الترمذي: سماع الحسن من سمرة صحيح هكذا قال علي بن المديني وغيره.

وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 116، والدارمي (2564)، وأحمد (20143)، والنسائي في المجتبى 7/ 292، وفي الكبرى (6214)، وابن الجارود (611)، والطبراني في الكبير (6849، 6851)، والبيهقي 5/ 288 من طرق عن سعيد بن أبي عروبة به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (20264)، وأبو داود (3356)، والترمذي (1237)، والطبراني في الكبير (6848)، والخطيب في التاريخ 1/ 354 من طرق عن حماد بن سلمة به.

(3)

إسناده صحيح.

ص: 413

نسيئةً، وقرضها جائز. فكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئةً، وقرضه جائز.

فكان من حجتنا على أهل هذه المقالة في تثبيت المقالة الأولى أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً، يحتمل أن يكون ذلك لعدم الوقوف منه على المثل، ويحتمل أن يكون من قبل ما قال أهل المقالة الأولى في الحنطة في البيع والقرض.

فإن كان إنما نهى عن ذلك من طريق عدم وجود المثل ثبت ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، وإن كان من قبل أنهما نوع واحد لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة، لم يكن في ذلك حجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى.

فاعتبرنا ذلك فرأينا الأشياء المكيلات لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئةً، ولا بأس بقرضها. ورأينا الموزونات حكمها في ذلك كحكم المكيلات سواء خلا الذهب والورق. ورأينا ما كان من غير المكيلات والموزونات مثل الثياب وما أشبهها، فلا بأس ببيع بعضها ببعض، وإن كانت متفاضلة، وبيع بعضها ببعض نسيئة، فيه اختلاف بين الناس.

فمنهم من يقول

(1)

: ما كان منها من نوع واحد، فلا يصلح بيع بعضه ببعض نسيئة. وما كان منها من نوعين مختلفين؛ فلا بأس ببيع بعضه ببعض نسيئة. وممن قال بهذا القول أبو حنيفة، وأبو يوسف. ومحمد رحمهم الله.

(1)

قلت: أراد بهم: عطاء، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وعكرمة بن خالد، ومحمد بن الحنفية، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا رحمهم الله، كما في النخب 19/ 314.

ص: 414

ومنهم من يقول

(1)

: لا بأس ببيع بعضها ببعض يدا بيد ونسيئة سواء عنده كانت من نوع واحد أو من نوعين.

فهذه أحكام الأشياء المكيلات والموزونات والمعدودات غير الحيوان على ما فسرنا.

فكان غير المكيل والموزون لا بأس ببيعه بما هو من خلاف نوعه نسيئةً وإن كان المبيع والمبتاع به ثيابًا كلها، وكان الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة، وإن اختلفت أجناسه لا يجوز بيع عبد ببعير، ولا ببقرة ولا بشاة نسيئةً.

فلو كان النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة إنما كان لاتفاق النوعين، الجاز بيع العبد بالبقرة نسيئةً، لأنها من غير نوعه، كما جاز بيع الثوب الكتان بالثوب القطن الموصوف نسيئة لأنها من غير نوعه.

فلما بطل ذلك في نوعه، وفي غير نوعه ثبت أن النهي في ذلك إنما كان لعدم وجود مثله، ولأنه غير موقوف عليه. وإذا كان إنما بطل بيع بعضه ببعض نسيئةً، لأنه غير موقوف عليه بطل قرضه أيضًا، لأنه غير موقوف عليه. فهذا هو النظر في هذا الباب.

ومما يدل على ذلك أيضًا ما قد أجمعوا عليه في استقراض الإماء أنه لا يجوز رهن حيوان فاستقراض سائر الحيوان في النظر أيضًا كذلك.

(1)

قلت: أراد بهم: سعيد بن المسيب، والأوزاعي، والشافعي، ومالكا في رواية، وأحمد رحمهم الله، كما في المصدر السابق.

ص: 415

فإن قال قائل: فإنا قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في الجنين بغرة عبد أو أمة، وحكم في الدية بمائة من الإبل، وفي أروش الأعضاء بما قد حكم به مما قد جعله في الإبل فكان ذلك حيوانًا كله يجب في الذمة، فلم لا كان كل الحيوان أيضًا كذلك؟.

قيل له: قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الدية وفي الجنين بما ذكرت من الحيوان، ومنع من بيع الحيوان بعضه ببعض نسيئةً على ما قد ذكرنا وشرحنا في هذا الباب.

فثبت النهي في وجوب الحيوان في الذمة بأموال، وأبيح وجوب الحيوان في الذمة بغير أموال. فهذان أصلان مختلفان نصححهما، ونرد إليهما سائر الفروع، فنجعل ما كان بدلا من مال حكمه حكم القرض الذي وصفنا وما كان بدلًا من غير مال فحكمه حكم الديات والغرة التي ذكرنا من ذلك التزويج على أمة وسط، أو على عبد وسط، والخلع على أمة وسط، أو على عبد وسط.

والدليل على صحة ما وصفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في جنين الحرة غرة عبدا أو أمة. وأجمع المسلمون أن ذلك لا يجب في جنين الأمة، وأن الواجب فيه دراهم أو دنانير على ما اختلفوا.

فقال بعضهم: عشر قيمة الجنين إن كان أنثى، ونصف عشر قيمته إن كان ذكرًا. وممن قال ذلك، أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، رحمهم الله.

وقال آخرون

(1)

: نصف عشر قيمة أم الجنين، وأجمعوا في جنين البهائم أن فيه ما

(1)

قلت: أراد بهم الليث، ومالكا، والشافعي، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله، كما في النخب 19/ 319.

ص: 416

نقص أم الجنين. وكانت الديات الواجبة من الإبل على ما أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب في أنفس الأحرار، ولا تجب في أنفس العبيد فكان ما حكم فيه بالحيوان المجعول في الذمم هو ما ليس ببدل من مال، ومنع من ذلك في الأبدال في الأموال.

فثبت بذلك أن القرض الذي هو بدل من مال لا يجب فيه حيوان في الذمم وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله وقد روي ذلك عن نفر من المتقدمين.

5355 -

حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: أسلم زيد بن خليدة إلى عتريس بن عرقوب في قلائص كل قلوص بخمسين، فلما حل الأجل جاء يتقاضاه، فأتى ابن مسعود يستنظره، فنهاه عن ذلك، وأمره أن يأخذ رأس ماله

(1)

.

5356 -

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن ابن مسعود قال: السلف في كل شيء إلى أجل مسمى، لا بأس به ما خلا الحيوان

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (14149) عن عبد الله بن كثير، عن شعبة، وابن أبي شيبة (21692) من طريق سفيان، كلاهما عن قيس بن مسلم به.

(2)

إسناده منقطع، إبراهيم هو النخعي لم يسمع من عبد الله بن مسعود.

وأخرجه ابن أبي شيبة (21411)، والبيهقي 6/ 22 من طريق سعيد به.

ص: 417

5357 -

حدثنا مبشر بن الحسن قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا شعبة، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، قال: كان حذيفة رضي الله عنه يكره السلم في الحيوان

(1)

.

5358 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب قال: ثنا حماد، عن حميد، عن أبي نضرة أنه سأل ابن عمر عن السلف في الوصفاء، فقال: لا بأس به. قلت: فإن أمراءنا ينهوننا عن ذلك، قال: فأطيعوا أمراءكم، قال: وأمراؤنا يومئذ عبد الرحمن بن سمرة، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

إسناده منقطع، قال أحمد: عمار الدهني لم يسمع من سعيد بن جبير شيئًا كما في جامع التحصيل (550) ورجاله ثقات. وأخرجه ابن أبي شيبة (21698) عن شعبة به.

(2)

إسناده حسن من أجل الخصيب بن ناصح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (21699) عن حميد به.

ص: 418

‌17 - كتاب الصرف

‌1 - باب الربا

5359 -

حدثنا فهد بن سليمان بن يحيى، قال: ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني، قال: أخبرنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إنما الربا في النسيئة"

(1)

.

5360 -

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6111) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الشافعي 2/ 159، والحميدي (545)، وابن أبي شيبة 7/ 109 - 110، وأحمد (21778)، ومسلم (1596)(102)، والنسائي 7/ 281، وأبو عوانة (5419 - 5420)، والطبراني في الكبير (445)، والبيهقي 5/ 280، وابن عبد البر في الاستذكار (28739 - (28740) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6110) بإسناده ومتنه

وأخرجه الحميدي (744)، وأحمد (21750)، ومسلم (1596)(101)، وابن ماجة (2257)، والبزار في (2547)، والنسائي 7/ 281، وأبو عوانة (5428) من طريق عمرو بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، عن ابن عباس، عن أسامة به.

ورواه الطبراني (439، 440، 441) من طرق عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح، عن ابن عباس بهذا الإسناد.

ص: 419

5361 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا خالد هو ابن عبد الله الواسطي، عن خالد - هو الحذاء -، عن عكرمة عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ربا إلا في النسيئة"

(1)

.

5362 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن عطاء، عنهم أن أبا سعيد الخدري، لقي ابن عباس رضي الله فقال: أرأيت قولك في الصرف يعني: الذهب بالذهب وبينهما فضل، أشيء سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شيء وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال ابن عباس: أما كتاب الله عز وجل فلا أعلمه، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم أعلم به مني. ولكن حدثني أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الربا في النسيئة"

(2)

.

5363 -

حدثنا يونس قال أخبرني عبد الله بن نافع عن داود بن قيس، عن زيد بن

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6112) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (21815)، والبزار (2552)، والبغوي في مسند أسامة (18)، والطبراني في الكبير (449)، والذهبي في سير أعلام النبلاء 14/ 505 من طرق عن خالد الحذاء به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1596)(104) من طريق هقل، عن الأوزاعي به.

وأخرجه أحمد (21795)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (452 - 453)، والبزار (2555، 2559،2557،2556، 2560)، والنسائي في الكبرى (6174)، وأبو عوانة (5424، 5425، 5426)، والطبراني في الكبير (428، 429، 430، 431، 432، 433، 434)، والخطيب في التاريخ 3/ 295 من طرق عن عطاء بن أبي رباح به.

ص: 420

أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قلت لابن عباس: أرأيت الذي تقول: الدينارين بالدينار، والدرهمين بالدرهم، وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما. فقال ابن عباس أنت سمعت هذا من رسول الله؟ قلت: نعم. فقال: فإني لم أسمع هذا، إنها أخبرنيه أسامة بن زيد رضي الله عنهما. قال أبو سعيد: ونزع عنها ابن عباس رضي الله عنهما

(1)

.

5364 -

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا قيس - وهو ابن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح السمان، قال: قلت لأبي سعيد: أنت تنهى عن الصرف، وابن عباس يأمر به فقال لقد لقيت ابن عباس، فقلت: ما هذا الذي تفتي به في الصرف؟ أشيء وجدته في كتاب الله، أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال: أنتم أقدم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، وما أقرأ من القرآن إلا ما تقرءون، ولكن أسامة بن زيد حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ربا إلا في الدين"

(2)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(3)

إلى أن بيع الفضة بالفضة، والذهب بالذهب مثلين بمثل جائز إذا كان يدا بيد واحتجوا في ذلك بما رويناه عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6113) بإسناده ومتنه، وهو مكرر سابقه.

(2)

إسناده حسن في المتابعات من أجل قيس بن الربيع الأسدي الكوفي.

وأخرجه الطبراني في الكبير (1/ 173، 438) من طريق سالم، عن حبيب بن أبي ثابت به.

(3)

قلت: أراد بهم: أبا مجلز لاحق بن حميد، والحكم بن عتيبة، وطاووسا رحمهم الله، كما في النخب 19/ 333.

ص: 421

وخالفهم في ذلك أكثر العلماء

(1)

فقالوا: لا يجوز بيع الفضة بالفضة، ولا الذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد.

وكان من الحجة لهم في تأويل حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن أسامة رضي الله عنه، الذي ذكرنا في الفصل الأول أن ذلك الربا إنما عنى به ربا القرآن الذي كان أصله في النسيئة، وذلك أن الرجل كان يكون له على صاحبه الدين، فيقول له: أجلني به إلى كذا وكذا بكذا وكذا درهما أزيدكها في دينك، فيكون مشتريًا لأجل بمال، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278].

ثم جاءت السنة بعد ذلك بتحريم الربا في التفاضل

(2)

في الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وسائر الأشياء من المكيلات والموزونات على ما ذكره عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رويناه عنه فيما تقدم من كتابنا هذا في "باب بيع الحنطة بالشعير" فكان ذلك ربًا حرم بالسنة وتواترت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قامت بها الحجة.

والدليل على أن ذلك الربا المحرم في هذه الآثار هو غير الربا الذي رواه ابن

(1)

قلت: أراد بهم: جماهير العلماء من التابعين، ومن بعدهم منهم: الأئمة الأربعة، وأصحابهم رحمهم الله، كما في النخب 19/ 334.

(2)

في د س "الفضل".

ص: 422

عباس، عن أسامة رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوع ابن عباس رضي الله عنهما إلى ما حدثه به أبو سعيد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه في هذا الباب.

فلو كان ما حدثه به أبو سعيد رضي الله عنه من ذلك في المعنى الذي كان أسامة رضي الله عنه حدثه به إذًا لما كان حديث أبي سعيد عنده بأولى من حديث أسامة رضي الله عنه. ولكنه لم يكن علم بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الربا حتى حدثه به أبو سعيد رضي الله عنه.

فعلم أن ما كان حدثه به أسامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ربًا غير ذلك الربا.

فمما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو ما ذكره أبو سعيد رضي الله عنه، ما

5365 -

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، قال: ثنا مالك بن أنس، عن مولًى لهم، عن مالك بن أبي عامر، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين"

(1)

.

(1)

إسناده ضعيف الجهالة مولى لهم.

وأخرجه مالك في موطئه 2/ 158 أن بلغه عن جده، مالك بن أبي عامر.

وقال ابن عبد البر في التمهيد 24/ 209 هكذا هذا الحديث عند جماعة رواته فيما علمت ورواه ابن أبي حازم عن مالك.

عن مولى لهم، عن مالك بن أبي عامر، وابن أبي حازم من كبار أصحاب مالك

وهذا الحديث يرويه بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن مالك بن أبي عامر، عن عثمان به.

وأخرجه البزار (382) من طريق سليمان بن يسار، عن مالك بن أبي عامر به.

ص: 423

5366 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك، أن حميد بن قيس حدثه، عن مجاهد المكي، أن صائغًا سأل عبد الله بن عمر: إني أصوغ، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه ذلك، وأستفضل من ذلك قدر عملي، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك. فجعل الصائغ يردد عليه المسألة، ويأباه عليه عبد الله بن عمر حتى انتهى إلى دابته، أو إلى باب المسجد، فقال له عبد الله: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا، وعهدنا إليكم

(1)

.

5367 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن أبي الخليل، عن مسلم المكي، عن أبي الأشعث الصنعاني أنه شهد خطبة عبادة أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الذهب بالذهب وزنًا بوزن والفضة بالفضة وزنًا بوزن، والبر بالبر كيلا بكيل، والشعير بالشعير ولا بأس ببيع الشعير بالتمر، والتمر أكثرهما يدا بيد، والتمر بالتمر، والملح بالملح، من زاد أو استزاد فقد أربى"

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وهو في الموطأ 2/ 158، ومن طريقه الشافعي في السنن المأثورة (221)، وفي مسنده 2/ 158، وعبد الرزاق (14574)، والنسائي 7/ 278، والبيهقي 5/ 279، والبغوي (259).

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6104) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البيهقي 5/ 282، 283، 291 من طريق عفان به.

وأخرجه أبو داود (3349)، والنسائي في المجتبى 7/ 276، وفي الكبرى (6111)، والبيهقي 5/ 277 من طرق عن همام به.

ص: 424

5368 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن حفص الأصبهاني، قال: ثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب وزنًا بوزن، والفضة بالفضة وزنًا بوزن، والبر بالبر مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلًا بمثل، والملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى"

(1)

.

5369 -

حدثنا علي بن عبد الرحمن قال: ثنا يحيى بن معين قال: ثنا الفضل بن حبيب السراج، قال: ثنا حيان أبو زهير، عن ابن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتهى تمرًا فأرسل بعض أزواجه ولا أراها إلا أم سلمة بصاعين من تمر، فأتوا بصاع من عجوة. فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أنكره، فقال:"من أين لكم هذا؟ " قالوا: بعثنا بصاعين، فأتينا بصاع، فقال:"ردوه، فلا حاجة لي فيه"

(2)

.

5370 -

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عمر بن يونس قال: ثنا عاصم بن محمد، قال: حدثني زيد بن محمد، قال: حدثني نافع، قال: مشى عبد الله بن عمر إلى رافع بن خديج،

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6105) بإسناده ومتنه.

وأخرجه عبد الرزاق (14193)، وابن أبي شيبة 6/ 158، 7/ 103 - 104، 14/ 273 - 274، وأحمد (22727)، ومسلم (1587)(81)، وأبو داود (3350)، وابن الجارود (650)، والشاشي (1250)، وابن حبان (5018)، والدارقطني 3/ 24، والبيهقي 5/ 278 من طرق عن سفيان الثوري به.

(2)

إسناده حسن من أجل حيان بن عبيد الله أبي زهير.

ص: 425

في حديث بلغه عنه في شأن الصرف، فأتاه فدخل عليه، فسأله عنه فقال رافع: سمعته أذناي، وأبصرته عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُشِفوا

(1)

الدينار على الدينار، ولا الدرهم على الدرهم، ولا تبيعوا غائبًا منها بناجز

(2)

وإن استنظرك حتى يدخل عتبة بابه"

(3)

.

5371 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا، عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، قال: انطلقت مع عبد الله بن عمر إلى أبي سعيد

فذكر مثله، غير قوله: "وإن استنظرك

" إلى آخر الحديث، فإنه لم يذكره

(4)

.

5372 -

حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا أسد بن موسى قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله

فذكر بإسناده مثله

(5)

.

5373 -

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي

(1)

أي: لا تزيدوا.

(2)

أي: حال وحاضر.

(3)

إسناده صحيح.

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (14564)، وأحمد (11006)، وأبو يعلى (1369) من طرق عن أيوب السختياني به.

(5)

إسناده صحيح.

وأخرجه البزار في مسنده كما في النخب 19/ 344 من طريق حماد بن سلمة به.

وأخرجه أحمد (11494) عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله به.

ص: 426

خالد، عن حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب مثلا بمثل الكفة بالكفة والفضة بالفضة مثلا بمثل الكفة بالكفة مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد والتمر بالتمر مثلا بمثل يدًا بيد" حتى ذكر الملح

(1)

.

5374 -

حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن، أن سهيل بن أبي صالح أخبره، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق إلا وزنًا بوزن مثلًا بمثل، سواءً بسواء"

(2)

.

5375 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدرهم بالدرهم لا زيادة والدينار بالدينار، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبا منها

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6106) بإسناده ومتنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة 7/ 104، وأحمد (22724)، والنسائي 7/ 277 - 278، وابن الجارود (652)، والشاشي (1252، 1253، 1255، 1256)، والبيهقي 5/ 278 من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6107) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (11062)، ومسلم (1584)(77) من طريق قتيبة، عن يعقوب به.

وأخرجه الطيالسي (2181) من طريق وهيب بن خالد، عن سهيل به.

ص: 427

بناجز"

(1)

.

5376 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم منهم: مالك بن أنس، أن نافعًا مولى ابن عمر حدثهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله

(2)

.

5377 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن عبد المجيد بن سهيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب

(3)

، فقال له رسول الله:"أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا والله يا رسول الله! إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6101) بإسناده ومتنه.

وأخرجه عبد الرزاق (14563، 14564)، وأحمد (11006)، ومسلم (1584)(76)، والترمذي (1241)، وابن حبان (5017)، والبيهقي 5/ 276 من طرق عن نافع به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6102) بإسناده ومتنه.

ورواه ابن الجارود (649) عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن وهب.

وهو في الموطأ 2/ 632 - 633، ومن طريقه الشافعي في السنن المأثورة (224)، وفي مسنده 2/ 157، والبخاري (2177)، ومسلم (1584)(75)، والنسائي 7/ 278 - 279، وابن حبان (5016)، والبيهقي 5/ 276، والبغوي (2061).

(3)

بفتح الجيم، قال ابن الأثير: هو نوع جيد معروف من أنواع التمر.

ص: 428

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعل، بع الجمع

(1)

بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبًا"

(2)

.

5378 -

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا المعلى بن منصور الرازي، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا أبو النضر، عن عبد الله بن حنين أن رجلا من أهل العراق قال لعبد الله بن عمر: إن ابن عباس رضي الله عنهم قال - وهو علينا أمير -: من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها، فقال عبد الله بن عمر: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنًا بوزن مثلا، بمثل فما زاد فهو ربًا"، وقال ابن عمر: إن كنت في شك فسل أبا سعيد الخدري عن ذلك، فسأله، فأخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لابن عباس رضي الله عنهما، ما قال ابن عمر، فاستغفر ربه وقال: إنما هو رأي مني

(3)

.

5379 -

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا مسدد، قال ثنا يحيى، عن التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم تمر أنكره، فقال: "أنى لك

(1)

بفتح الجيم قال ابن الأثير: كل لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع، وقيل: الجمع تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبا فيه لرداءته.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (1296) بإسناده ومتنه

وهو في الموطأ 2/ 623، ومن طريقه أخرجه البخاري (2201، 2202، 2302، 2303، 4244، 4245)، ومسلم (1593)(95)، والنسائي 7/ 271 - 272، وابن حبان (5021)، والبيهقي 5/ 291، والبغوي (2064).

(3)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة.

ص: 429

هذا؟ " قال: اشتريته بصاعين من تمر قال: "أضعفت أربيت، أو أربيت أضعفت"

(1)

.

5380 -

حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا هشام قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر ريان

(2)

، وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم بعلًا

(3)

فقال: "أنى لكم هذا؟ ". فقالوا: يا رسول الله! بعنا صاعين من تمر بصاع من هذا، فقال:"لا تفعلوا ذلك، ولكن بيعوا تمركم، واشتروا من هذا"

(4)

.

5381 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دينار بدينار، ودرهم، بدرهم وصاع تمر بصاع تمر، وصاع بر بصاع بر، وصاع شعير بصاع شعير، لا فضل بين شيء من ذلك"

(5)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه أبو يعلى (1226) من طريق زهير، عن يحيى بن سعيد به.

وأخرجه أحمد (10992)، ومسلم (1594)(97) من طريق الجريري، عن أبي نضرة به.

(2)

المراد به التمر الذي يشرب نخله من الأنهار ونحوها.

(3)

بفتح الباء هو التمر الذي يشرب نخله بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها ويجيء تمرها يابسا له صوت.

(4)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (11412)، والنسائي (7/ 272)، وأبو يعلى (1243)، وابن حبان (5020) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة به.

(5)

إسناده صحيح. =

ص: 430

5382 -

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، قال: حدثني عقبة بن عبد الغافر، قال: حدثني أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صاع تمر بصاعين، ولا صاع حنطة بصاعين، ولا درهم بدرهمين"

(1)

.

5383 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق، عن بلال رضي الله عنه قال: كان عندي مد تمر للنبي صلى الله عليه وسلم فوجدت أطيب منه صاعًا بصاعين، فاشتريته، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من أين لك هذا يا بلال؟ " فقلت اشتريته صاعًا بصاعين، فقال:"رده، ورد علينا تمرنا"

(2)

.

= وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6108) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (11457)، والبخاري (2080)، ومسلم (1595)(98)، والنسائي 7/ 272، 273 من طريق يحيى بن أبي كثير، وابن أبي شيبة (7/ 102)، وابن ماجة (2256) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة كلاهما عن أبي سلمة به.

(1)

حديث صحيح إلا أن الوليد بن مسلم مدلس وقد عنعن.

وأخرجه ابن حبان (5024) من طريق الوليد به

(2)

إسناده صحيح إن كان مسروق سمعه من بلال

وأخرجه الدارمي 2/ 257، والبزار (1367)، والطبراني (1097)، وابن عبد البر في التمهيد 5/ 134 من طريق عثمان بن عمر به.

وقال الترمذي كما في ترتيب علل الترمذي (323): سألت محمدا - يعني محمد بن إسماعيل البخاري - عن معنى الحديث؟ فقال: إنما يروي هذا عن مسروق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن يعني الدارمي قال: وقع هذا الحديث عند أهل البصرة عن مسروق عن بلال ووقع عند أهل =

ص: 431

5384 -

حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة، عن عامر بن يحيى، وخالد بن أبي عمران عن حنش بن عبد الله السبائي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، نبايع اليهود أوقية الذهب بالدينارين والثلاثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن"

(1)

.

5385 -

حدثنا علي بن معبد قال: ثنا المعلى بن منصور، قال: أخبرنا عباد، وعبد العزيز بن المختار، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيع الفضة بالفضة، والذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، وأمرنا أن نبيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب كيف شئنا

(2)

.

= الكوفة عن مسروق أن بلالا ....

(1)

إسناده حسن لرواية ابن وهب عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.

وأخرجه البزار (3756) من طريق ابن لهيعة.

وأخرجه مسلم (1591)، وابن أبي عاصم (2112)، والطبراني في الكبير 18/ 776، والبيهقي في السنن 5/ 292 - 293 من طريق عامر بن يحيى المعافري عن حنش به.

وأخرجه مسلم (1591)، وأبو داود (3351)، والترمذي (1255) من طريق خالد بن أبي عمران به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6109) بإسناده ومتنه.

وأخرجه البخاري (2182)، ومسلم (1590)، والنسائي 7/ 280، والبيهقي 5/ 282 من طرق عن عباد بن العوام به.

وأخرجه ابن أبي شيبة 7/ 106 - 107، وأحمد (20395)، والبخاري (2182)، ومسلم (1590)، والنسائي 7/ 280، وابن حبان (5014)، والبيهقي 5/ 282 من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق به.

ص: 432

5386 -

حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا نافع بن يزيد، قال: أخبرنا ربيعة بن سليم مولى عبد الرحمن بن حسان التجيبي، أنه سمع حنشًا الصنعاني يحدث، عن رويفع بن ثابت رضي الله عنه في غزوة أناس قبل المغرب، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: "بلغني أنكم تتبايعون المثقال بالنصف والثلثين، وأنه لا يصلح إلا المثقال بالمثقال، والوزن بالوزن"

(1)

.

5387 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول: حدثني موسى بن أبي تميم، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما"

(2)

.

5388 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا زهير بن محمد، عن موسى بن أبي تميم

فذكر بإسناده مثله

(3)

.

(1)

إسناده حسن من أجل ربيعة بن سليمان.

وأخرجه ابن قانع في معجم الصحابة 1/ 216 - 217، وابن حبان (4850)، والطبراني في الكبير (4479) من طريق ربيعة بن سليمان به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6103) بإسناده ومتنه.

وهو في الموطأ 2/ 632 ومن طريقه أخرجه الشافعي 2/ 157، وأحمد (8936)، ومسلم (1588)(85)، والنسائي 7/ 278، وابن حبان (5012)، والبيهقي 5/ 178، والبغوي (2058).

(3)

إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد (10293) من طريق زهير بن محمد به.

ص: 433

قال أبو جعفر فثبت بهذه الآثار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب متفاضلًا، وكذلك سائر الأشياء المكيلات التي قد ذكرت في هذه الآثار التي رويناها.

فالعمل بها أولى بنا من العمل بحديث أسامة الذي قد يجوز أن يكون تأويله على ما قد ذكرنا في هذا الباب.

ثم هذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد ذهبوا في ذلك إلى ما تواترت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا.

5389 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب قال: ثنا شعبة، عن جبلة بن سحيم، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: خطب عمر فقال: لا يشتري أحدكم دينارًا بدينارين، ولا درهمًا بدرهمين، ولا قفيزًا بقفيزين، إني أخشى عليكم الرماء

(1)

، وإني لا أوتى بأحد فعله إلا قد أوجعته عقوبةً في نفسه وماله

(2)

.

5390 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب عن شعبة عن الأشعث، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنهما: لا يأخذ أحدكم درهمًا بدرهمين، فإني أخشى عليكم

(1)

بفتح الراء والميم ممدودا هي: الزيادة على ما لا يحل، ويروى الإرماء إذا زاد عليه.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (22495) عن علي بن مسهر، عن الشيباني، عن جبلة بن سحيم به.

ص: 434

الرماء

(1)

.

5391 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب قال: ثنا أبي، قال: سمعت نافعًا، قال: حدثني ابن عمر قال خطب عمر رضي الله عنهما فقال: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، فإني أخاف عليكم الرماء

(2)

.

5392 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عارم، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما

مثله

(3)

.

قال أبو جعفر: فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب بهذا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه رضي الله عنهم فلا ينكره عليه منهم منكر، فدل ذلك على موافقتهم له عليه.

ثم قد روي في ذلك أيضًا، عن أبي بكر، وعلي، وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ذلك أيضًا.

5393 -

حدثنا بحر بن نصر، عن شعيب بن الليث، عن موسى بن عُلي حدثه، عن أبيه،

(1)

إسناده صحيح.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه البيهقي 5/ 279 من طريق جرير به.

(3)

إسناده صحيح.

ص: 435

عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، قال: كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد حين قدموا الشام أما بعد! فإنكم قد هبطتم أرض الربا، فلا تتبايعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن، ولا الورق بالورق إلا وزنًا بوزن، ولا الطعام بالطعام إلا كيلًا بكيل قال أبو قيس: قرأت كتابه

(1)

.

5394 -

حدثنا فهد، قال: ثنا الحسن بن الربيع، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن المغيرة بن مقسم عن أبيه، عن أبي صالح السمان، قال: كنت جالسًا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه رجل فقال: يكون عندي الدراهم، فلا تنفق عني في حاجتي، أفأشتري بها دراهم تجوز عني، وأهضم

(2)

فيها. قال: فقال علي رضي الله عنه: اشتر بدراهمك ذهبًا، ثم اشتر بذهبك ورقا، ثم أنفقها فيما شئت

(3)

.

5395 -

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن أبي صالح، عن شريح، عن عمر رضي الله عنه قال: الدرهم بالدرهم فضل ما بينهما ربًا. قال أبو نعيم قال بعض أصحابنا، عن سفيان: الدرهم بالدرهم، قال حسين قال لي أحمد بن صالح أبو صالح إمام مسجد حماد

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

(2)

أي: اترك منها شيئا.

(3)

إسناده ضعيف لجهالة مقسم الضبي، لم يرو عنه غير ابنه.

(4)

إسناده صحيح، وأبو صالح هو سميع مولى ابن عباس ترجم له الحافظ في التعجيل (430).

وأخرجه عبد الرزاق (14572) عن حماد، عن رجل، عن شريح به.

ص: 436

5396 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا هارون بن إسماعيل، قال: ثنا علي بن المبارك، قال: ثنا يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: كان عمر وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ينهيان عن بيع الدرهمين بالدرهم يدًا بيد، ويقولان: الدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار

(1)

.

5397 -

حدثنا بحر بن نصر، قال قرأ علي شعيب حدثك موسى بن عُلي، عن يزيد بن أبي منصور، عن أبي رافع، قال: مر بي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه ورق، فقال: اصنع لنا أوضاحًا لصبي لنا. قلت: يا أمير المؤمنين عندي أوضاح معمولة، فإن شئت أخذت الورق، وأخذت الأوضاح. فقال عمر رضي الله عنه مثلا بمثل، فقلت: نعم قال: فوضع الورق في كفة الميزان والأوضاح في الكفة الأخرى، فلما استوى الميزان، أخذ بإحدى يديه، وأعطى بالأخرى

(2)

.

5398 -

حدثنا إبراهيم بن منقذ قال: ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن قباث بن رزين، قال: حدثني علي بن رباح اللخمي، قال: كنا في غزاة مع فضالة بن عبيد رضي الله عنه، فسألته عن بيع الذهب بالذهب، فقال: مثلا بمثل ليس بينهما فضل

(3)

.

ومما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجوعه عن الصرف.

(1)

رجاله ثقات.

(2)

إسناده حسن من أجل يزيد بن أبي منصور الأزدي.

(3)

إسناده حسن من أجل قباث بن رزين.

ص: 437

5399 -

ما حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي الصهباء أن ابن عباس رضي الله عنهما نزع عن الصرف

(1)

.

فهذا ابن عباس رضي الله عنهما، وهو الذي روى عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنما الربا في النسيئة"، وتأول ذلك على إجازة الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلين بمثل، وأكثر من ذلك، فقد رجع عن قوله ذلك.

فإما أن يكون رجوعه لعلمه أن ما كان أسامة رضي الله عنه حدثه إنما هو ربا القرآن، وعلم أن ربا النسيئة بغير ذلك، أو يكون ثبت عنده ما خالف حديث أسامة رضي الله عنه مما لم يثبت منه حديث أسامة من كثرة من نقله له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قامت عليه به الحجة ولم يكن ذلك في حديث أسامة رضي الله عنه لأنه خبر واحد، فرجع إلى ما جاءت به الجماعة الذين تقوم بنقلهم الحجة، وترك ما جاء به الواحد الذي قد يجوز عليه السهو والغلط والغفلة.

وهذا الذي بينا في الصرف هو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.

(1)

إسناده حسن من أجل أبي الصهباء صهيب مولى ابن عباس.

ص: 438

‌2 - باب القلادة تباع بذهب وفيها خرز وذهب

5400 -

حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن عون الواسطي، قال: ثنا هشيم عن الليث بن سعد، عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: أصبت يوم خيبر قلادةً فيها ذهب وخرز، فأردت أن أبيعها. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:"افصل بعضها من بعض، ثم بعها كيف شئت"

(1)

.

5401 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا الليث بن سعد، قال: حدثني أبو شجاع سعيد بن يزيد الحميري، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اشتريت يوم خيبر قلادة، فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارا، ففصلتها فإذا الذهب أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تباع حتى تفصل"

(2)

.

(1)

رجاله ثقات رجال الصحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6095) بإسناده ومتنه.

وأخرجه النسائي في المجتبى 7/ 279، وفي الكبرى (6122) من طريق محمد بن محبوب، عن هشيم به.

(2)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6093) بإسناده ومتنه

وأخرجه أحمد (23962)، ومسلم (1591)(90)، وأبو داود (3352)، والترمذي (1255)، والنسائي 7/ 279، وابن قانع في معجم الصحابة 2/ 323، والطبراني في الكبير 18/ 774، والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 293 من طرق عن الليث بن سعد به.

ص: 439

5402 -

حدثنا فهد قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد قال سمعت خالد بن أبي عمران يحدث عن حنش، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلادة فيها خرز معلقة بذهب، ابتاعها رجل بسبع أو بتسع. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال:"لا، حتى تميز ما بينهما". فقال: إنما أردت الحجارة فقال: "لا، حتى تميز ما بينهما"، فرده

(1)

.

قال أبو جعفر: فذهب قوم

(2)

إلى أن القلادة إذا كانت كما ذكرنا لم يجز أن تباع بالذهب، لأن ذلك الثمن وهو ذهب يقسم على قيمة الخرز، وعلى الذهب، فيكون كل واحد منهما مبيعًا بما أصابه من الثمن، كالعرضين تباعان بذهب، فكل واحد منهما مبيع بما أصاب قيمته من ذلك الذهب.

قالوا: فلما كان ما يصيب الذهب الذي في القلادة، إنما يصيبه بالحرز والظن وكان الذهب لا يجوز أن يباع بالذهب إلا مثلا بمثل لم يجز البيع إلا أن يعلم أن ثمن

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (6096) بإسناده ومتنه.

وأخرجه الطيالسي (1011)، وابن أبي شيبة 6/ 54 - 55، 14/ 258، ومسلم (1591)(90)، وأبو داود (3351)، والترمذي (1255)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2111)، والطبراني 18/ 775، والبيهقي 5/ 293 من طرق عن عبد الله بن المبارك به.

(2)

قلت: أراد بهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وشريحا القاضي، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور رحمهم الله، كما في النخب 19/ 374.

ص: 440

الذهب الذي في القلادة مثل وزنه من الذهب الذي اشتريت به القلادة. ولا يعلم بقسمة الثمن، إنما يعلم بأن يكون على حدة بعد الوقوف على وزنه، وذلك غير موقوف عليه إلا بعد أن يفصل من القلادة.

قالوا: فلا يجوز بيع هذه القلادة بالذهب إلا بعد أن يفصل ذهبها منها لما قد ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما احتججنا به من النظر.

وخالفهم في ذلك آخرون

(1)

فقالوا: إن كانت هذه القلادة لا يعلم مقدار ذهبها أهو مثل وزن جميع الثمن أو أقل من ذلك أو أكثر، إلا بأن تفصل القلادة، فيوزن ذلك الذهب الذي فيها، فيوقف على وزنه لم يجز بيعها بذهب إلا بعد ما يفصل ذهبها منها، فيعلم أنه أقل من ذلك الثمن.

وإن كانت القلادة يحيط العلم بوزن ما فيها من الذهب، ويعلم أنه أقل من الذهب الذي بيعت به أو لا يحيط العلم بوزنه إلا أنه يعلم في الحقيقة أنه أقل من الثمن الذي بيعت به القلادة، وهو ذهب، فالبيع جائز.

وذلك أنه يكون ذهبها بمثل وزنه من الذهب الثمن، ويكون ما فيها من الخرز بما بقي من الثمن، ولا يحتاج في ذلك إلى قسمة الثمن على القيمة كما يحتاج إليه في العروض المبيعة بالثمن الواحد.

(1)

قلت: أراد بهم: الشعبي، وحماد بن أبي سليمان، والثوري، والحسن بن حي، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا رحمهم الله، كما في النخب 19/ 379.

ص: 441

والدليل على ذلك أنا رأينا الذهب لا يجوز أن يباع بذهب إلا مثلًا بمثل، ورأيناهم لا يختلفون في دينارين أحدهما في الجودة أفضل من الآخر بيعا صفقةً واحدةً بدينارين متساويين في الجودة، أو بذهب غير مضروب جيد أن البيع جائز.

فلو كان ذلك مردودًا إلى حكم القيمة كما ترد العروض من غير الذهب والفضة إذا بيعت بثمن واحد، إذًا لفسد البيع، لأن الدينار الرديء، يُصيبه أقل من وزنه إذا كانت قيمته أقل من قيمة الدينار الآخر.

فلما أجمع على صحة ذلك البيع، وكانت السنة قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الذهب تبره وعينه سواء، ثبت بذلك أن حكم الذهب في البيع إذا كان بذهب على غير القسمة على القيم، وأنه مخصوص في ذلك بحكم دون حكم سائر العروض المبيعة صفقةً واحدةً، وأن ما يصيبه من الثمن هو وزنه لا ما يصيب قيمته.

فهذا هو ما يشهد لهذا القول من النظر.

وقد اضطرب علينا حديث فضالة، الذي ذكرنا، فرواه قوم على ما ذكرنا في أول هذا الباب، ورواه آخرون على غير ذلك.

5403 -

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: ثنا أبو هانئ أنه سمع عُليّ بن رباح اللخمي، يقول: سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه، يقول: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب وخرز -وهي من المغانم تباع-. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، وزنًا

ص: 442

بوزن"

(1)

.

5404 -

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا حميد بن هانئ، عن عُلي، عن فضالة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

مثله، غير أنه لم يقل بخيبر

(2)

.

5405 -

حدثنا بكر بن إدريس، قال: ثنا المقرئ قال: ثنا حيوة، عن أبي هانئ

فذكر بإسناده مثله

(3)

.

ففى هذا الحديث غير ما في الحديث الأول في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزع الذهب فجعله على حدة، ثم قال: الذهب بالذهب وزنًا بوزن ليعلم الناس كيف حكم الذهب بالذهب.

فقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل الذهب لأن صلاح المسلمين كان في

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3215، 6098) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مسلم (1591)(89)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2113)، وابن الجارود (654)، والطبراني 18/ (803)، والدارقطني 3/ 3، والبيهقي في السنن الكبرى 5/ 292 من طريق ابن وهب به.

(2)

إسناده ضعيف لسوء حفظ عبد الله بن لهيعة ولم نتبينه أن أسد بن موسى روى عن ابن لهيعة قبل الاختلاط أم بعده. وأخرجه أحمد (23939) من طريق أبي عبد الرحمن، عن حيوة وابن لهيعة، عن أبي هاني، عن علي بن رباح، عن فضالة به.

(3)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3216، 6099) بإسناده ومتنه.

وأخرجه أحمد (23939) من طريق أبي عبد الرحمن، عن حيوة وابن لهيعة، عن أبي هاني به.

وأخرجه الطبراني في الكبير 18/ (807) من طريق أبي عبد الرحمن، به لكن فيه عمرو بن مالك بدل علي بن رباح وهو وهم منه.

ص: 443

ذلك، ففعل ما فيه صلاحهم، لا لأن بيع الذهب قبل أن ينزع مع غيره في صفقة واحدة غير جائز. وهذا خلاف ما روى مَنْ روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباع حتى تفصل.

وقد رواه آخرون على خلاف ذلك أيضًا.

5406 -

فحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا خالد بن أبي عمران، قال: حدثني حنش بن عبد الله الصنعاني، أنه كان في البحر مع فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه، قال حنش فاشتريت قلادة فيها تبر وياقوت، وزبرجد، فأتيت فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه، فذكرت له ذلك، فقال: لا تأخذ التبر بالتبر إلا مثلا بمثل فإني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فاشتريت قلادة بسبعة دنانير فيها تبر وجوهر، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تأخذ التبر بالذهب إلا مثلا بمثل"

(1)

.

ففي هذا الحديث، غير ما تقدمه من الأحاديث وذلك أن ما حكى فضالة في هذا الحديث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في التبر بالذهب مثلا بمثل، ولم يذكر فساد البيع في القلادة المبيعة بذهب إذ كان فيها ذهب وغيره. فهذا خلاف الأحاديث الأول.

وقد رواه آخرون أيضًا على خلاف ذلك

5407 -

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب قال أخبرني قرة بن عبد الرحمن، وعمرو بن الحارث، أن عامر بن يحيى المعافري أخبرهما، عن حنش أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد

(1)

إسناده ضعيف كسابقه، وهو مكرر سابقه برقم (5400).

ص: 444

رضي الله عنه في غزوة، فصارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب، وورق، وجوهر فأردت أن أشتريها. فسألت فضالة، فقال: انزع ذهبها، واجعله في الكفة، واجعل ذهبا في الكفة الأخرى، ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل"

(1)

.

فهذا خلاف لما تقدم من الأحاديث، لأن فيه أمر فضالة بنزع الذهب وبيعه وحده، ولم يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره عن النبي إلا هو نهيه عن بيع الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن.

فهذا ما لا اختلاف فيه، والأمر بالتفصيل من قول فضالة رضي الله عنه.

فقد يجوز أن يكون أمر بذلك أن البيع عنده لا يجوز فيها بالذهب حتى يفصل. وقد يجوز أن يكون أمر بذلك لإحاطة علمه أن تلك القلادة لا يوصل إلى علم ما فيها من الذهب ولا إلى مقداره إلا بعد تفصيله منها.

فقد اضطرب هذا الحديث، فلم يوقف على ما أريد منه. فليس لأحد أن يحتج بمعنى من المعاني التي روي عليها إلا ما احتج مخالفه عليه بالمعاني الآخر.

وقد قدمنا في هذا الباب كيف وجه النظر في ذلك، وأنه على ما ذهب إليه الذين

(1)

إسناده صحيح.

وهو عند المصنف في شرح مشكل الآثار (3214) بإسناده ومتنه.

وأخرجه مسلم (1591)(92)، والطبراني 18/ (813)، والبيهقي 5/ 293 من طريق ابن وهب به.

ص: 445

جعلوا حكم الذهب المبيع مع غيره بالذهب، لا على قسم الثمن على القيم، ولكن على أن الذهب مبيع بوزنه من الذهب الثمن، وما بقي مبيع بما بقي من الثمن.

وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله.

5408 -

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة السبائي، عن أبي تميم الجيشاني، قال: اشترى معاوية بن أبي سفيان قلادة فيها تبر وزبرجد، ولؤلؤ، وياقوت بستمائة دينار، فقام عبادة بن الصامت رضي الله عنه حين طلع معاوية المنبر أو حين صلى الظهر، فقال: ألا إن معاوية اشترى الربا وأكله، ألا وإنه في النار إلى حلقه

(1)

.

فقد يجوز أن تكون تلك القلادة كان فيها من الذهب أكثر مما اشتريت به فكان من عبادة ما كان لذلك. ويجوز أن تكون بيعت بنسيئة، فإنه قد روي عن معاوية أنه لم يكن يرى بذلك بأسًا.

وقد روي في ذلك وفي السبب الذي من أجله أنكر عبادة رضي الله عنه أنكر على معاوية في ذلك ما أنكر.

5409 -

ما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا محمد بن إدريس، قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث قال: كنا في غزاة علينا معاوية، فأصبنا ذهبا وفضةً، فأمر معاوية رجلًا أن يبيعها الناس في

(1)

إسناده حسن لرواية ابن وهب عن عبد الله بن لهيعة قبل احتراق كتبه.

ص: 446

أعطياتهم. قال: فتنازع الناس فيها، فقام عبادة، فنهاهم، فردوها، فأتى الرجل معاوية فشكا إليه. فقام معاوية خطيبًا فقال: ما بال رجال يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث، يكذبون فيها عليه، لم نسمعها، فقام عبادة فقال: والله لأحدثن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء يدا بيد، عينًا بعين"

(1)

.

5410 -

حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال: ثنا محمد بن إدريس، قال: ثنا عبد الوهاب عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، أنه قال: قدم أناس في إمارة معاوية، يبيعون آنية الذهب والفضة إلى العطاء. فقام عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح إلا مثلا بمثل، سواء بسواء، فمن زاد أو ازداد فقد أربى

(2)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي في السنن المأثورة (230)، وابن أبي شيبة 7/ 100 - 101، ومسلم (1587)(80)، ومحمد بن نصر في السنة (166)، والشاشي في مسنده (1243)، والبيهقي 5/ 277 من طريق أيوب السختياني به.

(2)

إسناده صحيح.

وأخرجه الشافعي في السنن المأثورة (229)، والدارمي (2579)، وأحمد (22683)، ومسلم (1587)(81)، وأبو داود (3350)، والترمذي (1240)، والنسائي في الكبرى (6112)، وابن حبان (5015) من طرق عن خالد الحذاء به.

ص: 447

فدل ذلك أن ما كان من إنكار عبادة رضي الله عنه على معاوية، وهو بيع الذهب بالذهب إلى أجل لا غير ذلك.

فأما القلادة التي فيها الذهب المبيعة بالذهب، أو القلادة التي فيها الفضة المبيعة بالفضة، فلا دلالة فيما روينا عنه على حكم ذلك إذا بيع بأكثر من وزن ذهبه أو فضته من الذهب أو الفضة.

5411 -

وقد حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال ثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"اشتر السيف المحلى بالفضة"

(1)

.

فهذا ابن عباس رضي الله عنهما قد أجاز بيع السيف الذي حليته فضة بفضة.

وقد روي في مثل ذلك أيضًا عن جماعة من التابعين اختلاف.

5412 -

حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال أخبرني حيوة، وابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، أنه سأل القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، عن اشتراء الثوب المنسوج بالذهب بالذهب، فقالا:"لا يصلح اشتراؤه بالذهب"

(2)

.

5413 -

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، أنه كان لا يرى بأسا أن يشتري ذهبا بذهب وفضة، أو

(1)

إسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي.

وأخرجه ابن أبي شيبة (20197) عن وكيع عن إسرائيل، عن عبد الأعلى به.

(2)

إسناده صحيح، ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة قبل احتراف كتبه، وهو فيها متابع.

ص: 448

فضةً بفضة وذهب

(1)

.

5414 -

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن مبارك، عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسا أن يباع السيف المفضض بالدراهم بأكثر مما فيه من الفضة، فتكون الفضة بالفضة، والسيف بالفضل

(2)

.

5415 -

حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه، عن محمد بن الحسن، عن أبي يوسف، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، أنه قال في بيع السيف المحلى: إذا كانت الفضة التي فيه أقل من الثمن، فلا بأس بذلك

(3)

.

5416 -

حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه، عن محمد، عن أبي يوسف، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عامر الشعبي، قال: لا بأس ببيع السيف المحلى بالدراهم؛ لأن فيه حمائله وجفنه ونصله

(4)

.

(1)

إسناده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (22252) عن وكيع عن سفيان به.

(2)

إسناده ضعيف لتدليس مبارك بن فضالة وقد عنعن.

وأخرجه عبد الرزاق (14344) عن معمر وسفيان الثوري وحيي بن عمر قال: معمر، عن قتادة، عن الحسن البصري به.

(3)

رجاله ثقات.

(4)

إسناده صحيح.

ص: 449