الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الأطعمة]
هذا (كتاب الأطعمة. واحدها طعام، وهو) أي الطعام: (ما يؤكل ويشرب). قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249].
(وأصلها: الحل) لقول الله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29].
وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً} [البقرة: 168].
وقوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4].
وقال سبحانه وتعالى {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157].
فجعل الطّيب صفة في المباح عامة تميزه عن المحرم. وجعلُ الخبيث صفة في المحرم عامة تميزه عن المباح. والمراد بالخبيث هاهنا: كل مستخبث في العُرف؛ لأنه لو أراد به الحرام لم يكن جواباً؛ لأنهم سألوا عما يحل. فلو أريد به الحرام وبالطيب الحلال لكان معناه الحلال هو الحلال. وليس كذلك.
والخبيث: إما أن يكون لقذارته؛ كالدود والحشرات والعذرة والميتة والدم ولحم الخنزير والكلب.
وإما لصوله، كالسباع والجوارح من الطير.
وإما لضرره؛ كالسم فإن ذلك كله مما تنفر منه الطباع وسيجئ بيان ذلك مفصلاً.
إذا تقرر هذا: (فيحلُّ كل طعام طاهر)؛ ليخرج النجس والمتنجس (لا مضرَّة فيه) احترازاً من السموم ونحوها، (حتى المسك ونحوه) مما لا يؤكل عادة؛ كقشر البيض وقرن الحيوان، إذا صارا بصفة يسوغ أكلهما؛ كما لو دقا أو نحو ذلك. وقد سأل الشالنجي الإمام أحمد عن المسك يجعل في الدواء ويشربه؟ قال: لا بأس.
(ويحرُم نجس؛ كدم وميتة)؛ لأن أكل الميتة أقبح من أن يدهن بدهنها أو يستصبح بها وهما حرامان. فلأن يحرم ما هو أقبح بطريق الأولى.
(و) يحرُم أيضاً (مضرّ كسم)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
ولأن ذلك يقتل غالبا. فيحرم أكله لإفضائه إلى الهلاك. ولهذا عُدّ من أطعم السم لغيره قاتلا.
وفي " الواضح ": المشهور أن السم نجس، وفيه احتمال؛ لأكله عليه السلام من الذراع المسمومة
(1)
.
(و) يحرم أيضاً (من حيوان البر: حُمُرٌ أهلية).
قال ابن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم اليوم في تحريمها.
وسند الإجماع ما روى جابر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمرُ الأهلية، وأذن في لحوم الخيل "
(2)
. متفقٌ عليه.
(وفيلٌ) لقول أحمد: ليس هو من أطعمة المسلمين.
وقال الحسن: هو مسخ.
(1)
أخرجه الدارمي في " سننه "(68) 1: 27 المقدمة، باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم من كلام الموتى.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5204) 5: 2102 كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمرُ الإنسية.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1941) 3: 1541 كتاب الصيد والذبائح، باب في أكل لحوم الخيل.
وكرهه أبو حنيفة والشافعي.
ورخص في أكله الشعبي.
ولنا: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي نابٍ من السباع "
(1)
وهو من أعظمها نابا.
ولأنه مستخبث، فيدخل في عموم قوله سبحانه وتعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157]
(و) يحرم أيضاً (ما يفترس بنابه) أي: يَنهش؛ (كأسدٍ ونمرٍوذئبٍ وفهدٍ وكلبٍ) لما روى أبو ثعلبة الخشني قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي نابٍ من السباع "
(2)
. متفقٌ عليه.
وعن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ذي نابٍ من السباع حرامٌ "
(3)
. رواه مسلم.
قال ابن عبد البر: هذا حديث ثابت مجمع على صحته وهو نصٌ صريح يَخصُ به عموم الآيات. فيدخل فيه من يبدأ بالعدوى وغيره. وقيل: يختص بمن
(4)
يبدأ بالعدوى
كالأسد.
(وخنزيرٍ) بلا خلاف بين المسلمين؛ لقوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5210) 5: 2103 كتاب الذبائح والصيد، باب أكل كل ذي نابٍ من السباع. من حديث أبي ثعلبة الخشني.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1934) 3: 1534 كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل كل ذى نابٍ من السباع وكل ذي مخلبٍ من الطير. من حديث ابن عباس.
(2)
أخرجه البخاري في الموضع السابق.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1932) 3: 1533 الموضع السابق.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1933) الموضع السابق. من حديث أبي هريرة. ولعل المصنف في ذكر: أبي.
(4)
في ب: من.
(وقردٌ). قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين في أن القرد لا يُأكل.
ولأن له ناب فيدخل في عموم التحريم. وهو مسخٌ أيضاً فيكون من الخبائث.
(ودبٌ ونمسٌ وابن آوىٍ وابن عرسٌ وسنورٌ مطلقاً) [أي: سواء كان أهلياً أو برياً على الأصح
(1)
]؛لحديث أبي ثعلبة المذكور.
(وثعلبٌ) على الأصح. (وسنجابٌ وسمورٌ وفنَكٌ) بفتح النون في الأصح لحديث أبي ثعلبه المذكور
(2)
.
ولأن كلاً من هذه الدواب من السباع فيدخل في عموم النهي.
(سوى ضبعٌ)؛لأن الرخصة رويت فيها عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق.
قال عروة: ما زالت العرب تأكل الضبع لا ترى بأكله
(3)
بأساً.
وقال أبو حنيفة ومالك: هي حرام. لأنها من السباع فتدخل في عموم النهي.
ولنا: ما روى جابر قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبعِ. قلت: هي صيد
(4)
؟ قال: نعم
(5)
" 0 احْتج به أحمد.
وفي لفظ قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع. فقال: هو صيد. ويجعل فيه كبشٌ إذا صاده المُحرم "
(6)
. رواه أبو داود.
(1)
ساقط من أ.
(2)
سبق تخريجه ص (7) رقم (2).
(3)
في أوب: بأكلها.
(4)
في أوب: صيد هي.
(5)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1791) 4: 252 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل الضبع.
(6)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3801) 3: 355 كتاب الأطعمة، باب في أكل الضبع.
وعن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: " قلت لجابر: الضبع أصيدٌ هي؟ قال: نعم. قلت: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم "
(1)
رواه الترمذي، وقال: حديث حسنٌ صحيحٌ. ورواه النسائيُ والدارقطنيُ
(2)
.
قال ابن عبد البر: هذا لا يعارض حديثُ: " النهي عن كل ذي نابٍ من السباعِ "
(3)
لأنه أقوى منه.
قال في "شرح المُقنع ": هذا تخصيصٌ لا معارض، ولا يعتبر في التخصيص كون المخصص في رتبة المخصص بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد.
وما روي من " أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الضبع. فقال: ومن يأكل الضبع "
(4)
فهو حديثٌ طويل يرويه عبد الملك بن أبي المخارق ينفرد به. وهو متروك الحديث.
وقد قيل: أن الضبع ليس لها ناب. فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي.
(و) يحرم (من طيرٍ، ما يصيد بمخلبه؛ كعقابٍ وبازٍ وصقرٍ، وباشقٍ وشاهينٍ، وحدأةٍ وبومةٍ). وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأصحاب الرأي.
وقال مالك والليث والأوزاعي: لا يحرم من الطير شيءٌ. واحتجوا بعموم الآيات المبيحة.
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(851) 3: 207 كتاب الحج، باب ما جاء في الضبع يصيبها المُحرم.
(2)
أخرجه النسائيُ في " سُننه "(4323) 7: 200 كتاب الصيد والذبائح والضبع.
وأخرجه الدارقطنيُ في " سُننه "(45) 2: 245 كتاب الحج، باب المواقيت.
(3)
سبق تخريجه ص (7) رقم (1).
(4)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3237) 2: 1078 كتاب الصيد، باب الضبع.
عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن حبان بن جزء عن خزيمة بن جزء.
وقول أبي الدرداء وابن عباس: " ما سكت الله تعالى عنه فهو مما عُفىَ عنه "
(1)
.
ولنا: ما رَوى ابن عباس قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلِ ذي نابٍ من السباع وكلِ ذي مِخلبٍ من الطير "
(2)
وعن خالد بن الوليد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرامٌ عليكم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلبٍ من الطير "
(3)
رواه أبو داود.
وهذا يخص عموم الآيات، فيدخل في هذا كل ماله مِخلبٍ يعدو به.
(و) يحرم أيضاً كل (ما يأكل الجيف) من الطير (كنسرٍ ورخمٍ، ولقلقٍ وعقعقٍ- وهو: القاق- وغراب البين والأبقع).
قال عروة: ومن يأكل الغراب؟ وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقاً. والله ما هو من الطيبات.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتل الغراب بالحَرم ولا يجوز قتل صيدٍ مأكولٍ في الحَرم.
وسُئِل أحمد عن أكل العقعق؟ فقال: إن لم يكن يَأكل الجيف فلا بأس به.
قال أصحابنا: هو يأكل الجيف. فيكون على هذا مُحرماً
(4)
(و) يحرم أيضاً كل (ما تستخبثه
(5)
العرب ذوو اليسار). وهم: أهل الحجاز من أهل الأمصار؛ لأنهم هم أولوا النهى، والذين نزل عليهم الكتاب، وخوطبوا به وبالسنة، فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عُرفهم دون غيرهم.
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 330 كتاب الضحايا، باب ما جاء في أكل لحوم الحمرُالأهلية. من حديث ابن عباس.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3805) 3: 355 كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل السباع.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(386) 3: 356 الموضع السابق.
(4)
في ج: حراما.
(5)
في ج: ما استخبثته.
ولا اعتبار بقول الأعراب الجفاة من أهل البوادي؛ لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون كلما وجدوه. ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون. فقال: ما دَبَ ودَرجَ إلا أمُ حبين- بالحاء المهملة والباء الموحدة - فقال: لتهنأ أم حبين العافية تأمن أن تطلب فتؤكل. وأم حبين: الخنافس الكِبار.
والذي تستخبثه العرب ذو اليسار (كالوطواطِ ويسمى خُفاشاً وخُشافاً). قال الشاعر:
مِثلُ النهارِ يزيد أبصاري الوَرى نُوراً ويعمى أعينُ الخفاشِ
قال أحمد: ومن يأكل الخشاف
(1)
؟.
(وفأرٌ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله في الحرم
(2)
، ولا يجوز قتل صيد مأكول بالحَرم.
(وزنبورٌ ونحلٌ وذبابٌ ونحوها)؛ كالفراش،؛ لأنها مستخبثة غير مستطابة.
(وهُدهدٌ وصُرَدٌ) على الأصح فيهما؛ لما روى ابن عباس قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربعٍ من الدواب: النملةُ والنحلةٌ والهدهدٌ والصُرَدٌ "
(3)
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
والصُرَد: بضم الصاد وفتح الراء: يصطاد العصافير. وهو أول طائرٍ صام للهِ سبحانه وتعالى. الجميع صُرَدان.
(وغدافٌ) وهو غُراب الغيط
(4)
.
(1)
في ج: الخُفاش
(2)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1198) 2: 856 كتاب الحج، باب ما يَندُب للمُحْرم وغيره قتله من الدواب في الحِل والحُرم.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(5267) 4: 367 كتاب الأدب، باب في قتل الذر.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3224) 2: 1074 كتاب الصيد، باب ما ينهى عن قتله.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(3067) 1: 332.
(4)
في أ: القيظ.
(وخُطافٌ) وهو طائرٌ أسود معروف.
(وقنفذ) لما رُوي عن أبي هريرة قال: " ذُكِر القنفذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو خبيثة من الخبائث "
(1)
. رواه أبو داود.
ولأنه يشبه المحرمات وكٌل الحشرات.
ورخص فيه الشافعي والليث وأبو ثَورٍ.
(وحَيةٌ). وقال مالك: هي حلال إذا ذُكِيت.
(وحشراتٌ) يعني: وباقي
(2)
الحشرات؛ كالدِيدان والجَعلان وبناتِ وَردان والخنافس والأوَزاغ والحَرباء والعَضا والعَقارب والجَراذِين.
قال في " المستوعب ": وفي معنى ذلك اللكمة
(3)
، وهي دُويبة سوداء كالسمكة، تسكن البَر، إذا رأت الانسان غابت فهي حرام. انتهى.
(و) يحرم أيضاً (كل ما أمر الشرع) أي: الشارع (بقتله). ومن ذلك: العقارب والجَراذين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خَمسُ فواسق يُقتَلن في الحِلِ والحُرم: الغُراب والحَدأة والعَقرب والفَأر والكَلب العَقُور "
(4)
.
(أو نهىٌ عنه) أي: عن قتله، ومنه: النملُ والنحلُ؛ لما روى ابن عباس قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربعٍ من الدواب: النملةُ والنحلةُ والهدهدُ والصٌرَدُ "
(5)
. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
ومن ذلك أيضا: الذباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وقع الذباب في شراب
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3799) 3: 354 كتاب الأطعمة، باب في أكل حشرات الأرض.
(2)
في أ: وما في.
(3)
في ج: اللكحة.
(4)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1198) 2: 857 كتاب الحج، باب ما يندب للمُحْرِم وغيره قتله من الدواب في الحل والحُرم.
(5)
سبق تخريجه قريبا ص (11) رقم (3).
أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه. فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء
(1)
"
(2)
.
رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه.
فلو جاز أكله لم يأمر بطرحه.
وفيه رواية بالحل.
(و) يحرم أيضاً (ما تولد من مأكولٍ وغيره) أي. غير مأكولٍ (كبغل) وهو: المتولد من الخيل والحَمير الأهلية، وكالحمار المتولد بين الحمار الوحشي والأهلي.
(و) كـ (سِمع) بكسر السين المهملة (ولد الضَبُع) بفتح الضاد وضم الباء ويجوز إسكانها، والجمع ضِباع، (من ذئب، و)، كـ (عسبار: ولد ذئبة من ضِبعان) بكسر الضاد وسكون الموحدة من أسفل. وجمعه ضَباعين على وزن مساكين. وهو ذكر الضباع تغليباً للتحريم. فيكون العِسبار عكس السمع.
وظاهره ولو تميز كحيوان من نَعجة نصفه خروف ونصفه كلب. قاله الشيخ تقي الدين. لا متولد من مباحين؛ كبغلٍ من وحشيٍ وخيلٍ ونحو ذلك.
(وما يجهله العرب) من الحيوان (ولا ذكر في الشرع يرد إلى أقرب الأشياء شبها به) بالحجاز. فإن لم يشبهه شيئا بالحجاز فهو مباح؛ لدخوله في عموم قوله سبحانه وتعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [المائدة: 145]
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ما سكت الله عنه فهو مما عفا عنه "
(3)
.
(ولو أشبه) حيواناً (مباحاً) وحيواناً (محرماً: غلب التحريم). قاله فى
(1)
في أ: دواء وهو وهم.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5445) 5: 2180 كتاب الطب، باب إذا وقع الذباب في الإناء. وأخرجه أبو داود في " سننه " (3844) 3: 365 كتاب الأطعمة، باب في الذباب يقع في الطعام.
وأخرجه ابن ماجه في" سننه "(3505) 2: 1159 كتاب الطب، باب يقع الذباب في الإناء.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(5317) 2: 246.
(3)
أخرجه الترمذي في"جامعه"، (1726) 4: 220،كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء.
" التبصرة " لقوله صلى الله عليه وسلم " دع ما يُريبك إلى ما لا يريبك "
(1)
ولقول أحمد رضي الله تعالى عنه: وكل شيءٍ اشتبه عليك فدَعه.
(وما تولد من مأكولٍ طاهٍر؛ كذبابِ باقلاء، ودود خلٍ، ونحوهما)؛ كدود جُبنٍ؛ (يؤكل) أي: يجوز أكله (تبعاً) لما تولد منه، (لا أصلا) أي: لا منفردا في الأصح.
وقال ابن عُقيل: يحل بموته.
قال أحمد في الباقلاء المدوِد: يجتنبه أحب إلي، وإن لم يتقذره فأرجو.
وقال عن تفتيش التمر المدوِد: لا بأس به إذا علمه. وكره أحمد جعل النوى مع التمر في شيء واحد.
(وما أحد أبويه المأكولين من) الحيوانات (مغصوبٌ فكأمه) يعني: فحكمه حكم أمه. فإن كانت الأم هي المغصوبة لم تحل هي ولا شيءٌ من أولادها للغاصب. وإن كان المغصوب الفحل ونزاه الغاصب على إناث في ملكه لم يحرم على الغاصب شيءٌ من أولاد الفحل الآتية به إناثه في ملكه.
* * *
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(12572) 3: 153.
[فصل: في المباح من الأطعمة]
(فصل. ويباح ما عدا هذا) الذى ذكرنا أنه حرام؛ لعموم النصوص الدالة على الإباحة. والذي عداه (كبهيمة الأنعام)،وهي: الإبلِ والبقرِ والغنمِ؛ لقوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1]
(والخَيلُ) كلها عُرابها وبُراذينها. نص عليه أحمد. ورُوي ذلك عن ابن الزبير. وبه قال الشافعي والليث.
قال سعيد بن جبير: ما أكلت شيئا أطيب من معرقة برذون.
وحرمها أبو حنيفة وكرهها مالك؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8].
وعن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرامٌ عليكم الحُمرُ الأهلية وخَيلها وبِغالها")
(1)
ولأنها ذو حافر. أشبهت الحِمار.
ولنا: قول جابر رضى الله تعالى عنه: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحُمر الأهلية، وأذِن في لحوم الخيل ")
(2)
. متفقٌ عليه.
وقالت أسماء رضى الله تعالى عنها: " نحرنا فرساً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة ")
(3)
. متفقٌ عليه.
(1)
أخرجه أبو داود في" سننه "(3806) 3: 356 كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل السباع.
(2)
أخرجه البخاري في" صحيحه "(3982) 4: 1544 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، بلفظ "رخص ".
وأخرجه مسلمٌ في" صحيحه "(1941) 3: 1541 من حديث جابر بلفظ المؤلف.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5200) 5: 2101 كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الخيل. =
ولأنه حيوان طاهر مستطاب ليس بذى نابٍ ولا مخلب. فتحل؛ كبهيمة الأنعام.
ولأنه داخل في عموم الآيات والأخبار المبيحة.
وأما الآية فإنهم إنما يتعلقون بدليل خطابها. وهم لا يقولون به.
وحديث خالد ليس له إسناد جيد. قاله أحمد. قال: وفيه رجلان لا يُعرفان. فلا نترك أحاديثنا المتفقُ عليها لمثل هذا الحديث المنكر.
(وباقي الوحشُ؛ كزرافة) وهي: دابة تشبه البعير، إلا أن عنقها أطول من عنقه، وجسمها ألطف من جسمه، ويداها أطول من رجليها. سُئل أحمد عنها هل تؤكل؟ قال: نعم. وهي مباحة لعموم النصوص المبيحة. ولأنها مستطابة.
أشبهت الإبل.
(وأرنبٌ). قال في "المُغني": أكلها سعد ابن أبى وقاص. ورخص فيها أبو سعيد وعطاءُ وابن المُسيب والليث ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذِر. ولا نعلم قائلاً بتحريمها إلا شيئاً رُوي عن عمرو بن العاص. وقد صح عن أنس أنه قال: " أنفجنا أرنباً. فسعى القوم فلغبوا. فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة. فذبحها وبعث بوركها أو قال فخذها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله ")
(1)
. متفقٌ عليه. انتهى.
(ووبرٌ) على الأصح. وبحله قال عطاء وطاووس ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي وابن المنذر وأبو يوسف. وحرمه أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف.
ولنا: أنه يُفدى في الإحرام والحَرم.
ولأنه طيب يعتلف النبات والبقول. فكان مباحا؛ كالأرنب.
(1)
= وأخرجه مسلمٌ في"صحيحه "(1942) 3: 1541 كتاب الصيد والذبائح، باب في أكل لحوم الخيل.
أخرجه البخاري في"صحيحه"(2433) 2: 909 كتاب الهبة وفضلها، باب قبول هدية الصيد.
وأخرجه مسلمٌ في"صحيحه"(19531) 3: 1547 كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الأرنب.
ولأن الأصل الإباحة وعموم النصوص تقتضيها ولم يَرد فيه تحريم.
(ويربوعٌ) على الأصح. نُصَ عليه. وبِحله قال عُروة وعطاء والشافعي وأبو ثور وابن المنذر. وحرمه أبو حنيفة؛ لأنه يشبه الفأر.
ولنا: " أن عمر رضى الله تعالى عنه حكم فيه بجُفرة لها أربعة أشهر "
(1)
.
ولأن الأصل الإباحة ما لم يرد فيه تحريم.
(وبقرُ وحشٍ) على إختلاف أنواعها من الإبل والتيتل والوعل والمَها.
وحُمره) أي: حُمر الوحش.
(وضَبٌ) في قول أكثر أهل العلم. يروى حله عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأبي سعيد الخدرى رضي الله تعالى عنهم.
قال أبو سعيد: " كنا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأن يُهدى إلى أحدنا ضبٌ أحب إليه من دجاجة ٌ".
وبحله قال مالك والشافعي.
وحرمه أبو حنيفة؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن أكل الضب"
(2)
. ورُوى نحوه عن علي رضى الله تعالى عنه.
ولنا: ما روى ابن عباس قال: " دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت مَيمونة. فأتي بضبٍ محنوذ. فقيل: هو ضب يا رسول الله! فرفع يده. فقلت: أحرامٌ هو يا رسول الله؟ قال: لا. ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدنى أعافه. قال خالد: فاجتررته"
(3)
فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر"
(4)
.متفق عليه.
(1)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى" 5: 183 كتاب الحج، باب فدية الضبع.
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3796) 3: 354 كتاب الأطعمة، باب في أكل الضب.
(3)
في ب: فاجتزرته.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5217) 5: 2105 كتاب الذبائح والصيد، باب الضب.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1945) 3: 1543 كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب.
قال عمر: " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُحرِم الضب ولكن قذره. ولو كان عندي لأكلته "
(1)
.
ولأن الأصل الحل ولم يوجد المحرم، فبقىَ على الإباحة.
(وظِباء) وهي الغُزلان على إختلاف أنواعها؛ لأنها كلها تُفدى في الإحرام والحَرم.
(وباقي الطير كنعامٍ، ودجاجٍ، وطاووسٍ، وببغاءٍ) بتشديد الباء الموحدة (وهي الدُرة، وزاغٍ) وهو طائرٌ صغير أغبر، (وغرابُ زرعٍ) وهو أسود كبير يأكل الزرع، يطير مع الزاغ، لأن مرعاهما الزرع والحبوب. أشبها الحِجل.
وقيل: هما واحد، وكالحمام بأنواعه من الفواخت، والقَمارى، والجَوازل، والرَقطي،
والدَياسي، والحِجل، والقَطا، والحَباري؛ لما روى سفينة قال:" أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حَباري "
(2)
. رواه أبو داود.
والعَصافيرُ والقنابرُ وكالكركَى والبَط والإوَز وما أشبه ذلك مما يلتقط الحب أو يُفدى في الإحرام لأن ذلك مستطاب؛ فيحل لأنه من الطيبات فيدخل في عموم قوله سبحانه وتعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157].
(ويَحِل كل حيوانٌ بحري)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96].
ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن ماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه، الحِلُ ميتتُه "
(3)
. رواه مالك.
(غير ضُفدعٍ). نُص على ذلك. واحتج بالنهي عن قتله.
ولأنها مستخبثة فتدخل في عموم قوله سبحانه وتعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157].
(1)
أخرجه أحمد في"مسنده"(194) 1: 29 ولم يذكر لفظ:"ولو كان عندي لأكلته".
(2)
أخرجه أبو داود في " سنه "(3797) 3: 354 كتاب الأطعمة، باب في أكل لحم الحباري.
(3)
أخرجه مالك في " الموطأ " 1: 50 كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء.
(و) غير (حَيةٌ)؛ لأنها من المستخبثات.
(و) غير (تِمساح). نُص عليه؛ لأن له ناب يغرس به.
وقال ابن حامد والقاضي: وغير الكُوسج. وهو سمكة لها خرطوم كالمِنشار، وتسمى القرش.
والأشهر أن الكوسج مباح؛ كخنزير الماء وإنسانه وكلبه. وبهذا قال مالك والشافعي لعموم الآية والأخبار.
ولما روى البخاري: " أن الحسن بن علي رضى الله تعالى عنهما ركب على سرج عليه جلد من جلود كلاب الماء "
(1)
(وتُحرم الجلالة التي أكثر علفها) أي: غذاءها (نجاسة، و) يحرم (ألبانها وبيضها) أيضاً على الأصح؛ لما روى ابن عمر قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها "
(2)
. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن غريب. وفي رواية أبي داود: " نهى عن ركوب جلالة الإبل "
(3)
.
ولما روى ابن عباس قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة "
(4)
.
رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
(1)
ذكره البخاري في " صحيحه " معلقاً 5: 2092 كتاب الذبائح والصيد، باب قول الله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} .
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3785) 3: 351 كتاب الأطعمة، باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1824) 4: 270 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(7039) 2: 219 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3811) 3: 357 كتاب الأطعمة، باب في لحوم الحُمر الأهلية.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3786) 3: 351 كتاب الأطعمة، باب النهى عن أكل الجلالة وألبانها.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1824) 4: 270 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(1989) 1: 226.
وأما بيضها فهو متولد منها؛ كاللبن.
والجلالة: قال القاضي: هي تأكل القذرة. فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها، وإن كان أكثر علفها الطاهر لم تحرم.
قال الموفق: وتحديد الجلالة بكون أكثر علفها النجاسة لم نسمعه عن أحد ولا هو ظاهر كلامه، لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا في مأكولها ويعفى عن اليسير.
(حتى تُحبس ثلاثا) أي: ثلاث ليال بأيامهن. نص على ذلك؛ " لأن ابن عمر كان إذا أراد أكلها يحبسها ثلاثاً ".
(وتُطعم الطاهر فقط)،إذ المانع من حلها يزول بذلك.
ولا فرق في ذلك بين الطائر والبهيمة على الأصح.
وعنه: يحبس الطائر ثلاثاً والشاة سبعاً، وما عدا ذلك أربعين يوما.
والأول أصح؛ لأن ما طهر حيواناً طهرغيره؛ كما لو كانت النجاسة بظاهره. (ويُكره ركوبها)؛لما تقدم من الحديث الوارد في ذلك.
(ويباح أن يعلف النجاسة ما) أي: حيواناً (لا يُذبح) قريبا؛ (أو) لا يُحلب قريباً.
قال في " الإنصاف ": نقله عبد الله بن الحكم.
(1)
قال في " المحرر": ويجوز أن تعلف الإبل والبقر التى لا يراد ذبحها بالقرب الأطعمة النجسة أحياناً. قال شارحه: لأنه يجوز تركها في الرعي على إختيارها، ومعلوم أنها تعلف النجاسة. انتهى.
(وما سُقي) بماء نجس من زرع وثمر (أو سمد) أي: جعل فيه السماد أي: السرقين برماد (بنجس من زرع وثمر محرم). نص عليه؛ لما روى ابن عباس قال: " كنا نكرى أراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يُدمِلوها بعذرة
(1)
هذه العبارة وردت فى أقبل قوله: بنجس من زرع وثمر محرم.
الناس "
(1)
. ولولا أن ما يزرع فيها يحرم بذلك لم يكن في إشتراط ذلك فائدة.
ولأنه يتربى بالنجاسة أجزاؤه والإستحالة لا تطهر عندنا.
وقوله: "أن لا يدملوها " أي: يسرقنوها.
قال في " القاموس ": ودَمَل الأرض دملا ودملاناً أصلحها، أو سَرْقنها فتدَّملت: صلحت به. انتهى.
(حتى يسقى بعده) أي: بعد سقيه أو بعد تسميده بالنجس (بـ) ماء (طاهر) أي: طهور (يستهلك عين النجاسة) فيطهر ويحل؛ لأن الماء الطهور معد لتطهير النجاسات.
وكالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات.
(ويكره أكل تراب وفحم).
قال في "الإنصاف": جزم به في " الرعايتين " و " الحاوي " وغيرهم.
(و) يكره أيضاً أكل (طين) لضرورة نصا، ونقل جعفر كأنه لم يكرهه.
وذكر بعضهم أن أكله عيب في المبيع. نقله ابن عقيل؛ لأنه لا يطلبه إلا من به مرض.
(و) يكره أيضاً أكل (غُدَّة وأذُنُ قلب) على الأصح. نص عليه.
وقال أبو بكر وأبو الفرج: يحرم.
ونقل أبو طالب: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أذن القلب ".
وقال في رواية عبد الله: " كره النبي صلى الله عليه وسلم أكل الغدة ".
(و) يكره أيضاً أكل (بصل وثوم ونحوهما)؛كالكراث والفجل
(2)
(ما لم ينضج بطبخ).
قال أحمد: لا يعجبني. وصرح بأنه كرهه لمكان
(3)
الصلاة في وقت الصلاة.
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 139 كتاب المزراعة، باب ما جاء في طرح السرجين والعذرة في الأرض.
(2)
زيادة من ج
(3)
في ج: بمكان.
(و) يكره أيضاً أكل (حبٍ ديس بحمر) أهلية
(1)
. نُص على ذلك.
وقال: لا ينبغي أن يدوسوه بها.
وقال حرب: كرهه كراهة شديدة. وهذا الحب كطعام الكافر ومتاعه على ما ذكره المجد.
ونقل أبو طالب: لا يباع ولا يشترى ولا يؤكل حتى يغسل.
(و) يكره أيضاً (مداومة أكل لحم).
قال في " الإنصاف ": قاله الأصحاب.
(و) يكره أيضاً (ماء بئر بين قبور، وشَوْكها وبقلها).
قال ابن عقيل: كما سمد بنجس والجلالة.
(لا لحم نيء و) ولحم (مُنتن) يعني: فلا يكره أكلها على الأصح.
قال في "الفروع": ولا بأس بلحم نئ. نقله مهنا، ولحم منتن. نقله أبو الحارث. وذكر جماعة فيهما: يكره. وجعله في " الانتصار " في الثانية اتفاقاً.
ويَحرم الترياق وهو: دواء يعالج به من السموم يجعل فيه لحوم الحَيات؛ لأن لحم الحية حرام على ما ذكرنا.
ويحرم أيضاً التداوي بألبان الأتن وكل محرم. وسُئل أحمد عن الجبن. فقال: يؤكل من كل أحد. فقيل له عن الجبن التى تصنعه المجوس. فقال: ما أدري. وذكر أن أصح حديث فيه حديث عمر " أنه سئل عن الجبن. وقيل له: يعمل فيه الأنفحة الميتة. فقال: سموا اسم الله تعالى وكلوا "
(2)
.
* * *
(1)
ساقط من أوب.
(2)
عن كثير بن شهاب، قال: " سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الجبن.
فقال: إن الجبن من اللبن واللبا فكلوا واذكروا اسم الله عليه ولا يغرنكم أعداء الله ".
أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 10: 6 كتاب الضحايا، باب أكل الجبن.
[فصل: في حكم المضطر]
(فصل. ومن اضطر: بأن خاف التلف) إن لم يأكل.
نقل حنبل: إذا علم أن النفس تكاد تتلف.
وقيل: إن خاف ضرراً.
وفي " المنتخب ": أو مرضاً أو انقطاعاً عن الرُفقة. ومراده ينقطع فيهلك كما ذكره في " الرعاية ".
(أكل وجوباً) نص عليه.
قال في " الفروع ": وذكره شيخنا وفاقاً.
قال الأثرم: سُئل أبو عبد الله عن المُضطر يجد المَيتة ولم يَأكل. فذكر قول مسروق: من اضُطر فلم يأكل ولم يشرب فمات دخل النار. وذلك لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وترك الأكل مع إمكانه في هذه الحالة إلقاء بيده إلى التهلكة.
وقيل: ندباً.
(من غير سُمٍ ونحوه) مما يضر (من محرم) أكله مع عدم الاضطرار (ما
يسد رَمقه)؛لقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173].
وقوله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 3]
(فقط) على الأصح لأن الآية دلت على تحريم الميتة، واستثنى ما اضُطر إليه. فإذا اندفعت الضروره لم يحل له الأكل؛ كحالة الابتداء.
ومحلُ إباحة الأكل من المحرم على الاضطرار: (إن لم يكن في سفرٍ مُحَرم.
فإن كان فيه) أي: في السفر المُحَرم (ولم يتب: فلا) يحل له أن يأكل من الميتة ولا من نحوها لأنه رخصة، والعاصي ليس له أن يترخص.
(وله) أي: ولمن جاز له الأكل من الميتة: (التزود إن خاف) الحاجة إن لم يتزود؛ كما يجوز له التيمم مع وجود الماء إن خاف العطش باستعماله في الطهارة.
(ويجب) على المضطر (تقديم السؤال على أكله) من المحرم. نص عليه. وقال لسائل: قم قائما؛ ليكون لك عذر عند الله.
قال القاضي: يأثم إذا لم يسأل.
ونقل الأثرم: إن اضطر إلى المسألة فهي مباحة. قيل: فإن توقف؟ قال: ما أظن أحداً يموت من الجوع. الله يأتيه برزقه.
(وإن وجد) المضطر (ميتة وطعاماً يجهل مالكه أو) وجد (ميتة وصيداً حياً) وهو مُحْرِم، (أو) وجد ميتةٌ و (بيض صيد) حال كون البيض (سليما وهو محرم: قدم الميتة) قاله الأصحاب؛ لأن كلاً من ذبح الصيد وكسر البيض جناية لا تجوز له حال الإحرام.
ولأن أكل الميتة منصوص عليه وغيره مختلف فيه. فكان العدول إلى المنصوص عليه أولى.
(ويقدم عليها) أي: على الميتة (لحم صيدٍ ذبحه محْرم) في الأصح.
قال في " التنقيح ": قاله القاضي وهو أظهر.
قال أبو الخطاب: يأكل من الميتة. انتهى.
لأن كلا منهما فيه جناية واحدة. ويتميز الصيد الذى ذبحه محرم بالإختلاف
في كونه مذكى.
(ويقدم) المضطر (على صيد حي) مع الإحرام (طعاماً يجهل مالكه) في
الأصح. يعني: أنه إذا لم يجد المحرم ميتة ووجد صيدا حياً وطعاماً يجهل مالكه أكل الطعام الذى يجهل مالكه لأنه أكل مال غيره للضرورة. فجاز بشرط الضمان؛ كما لو لم يجد غيره. ولا يأكل الصيد لأنه لا يباح له بحال بخلاف طعام الغير فإنه يباح له في حال بيع مالكه له وهبته فكان أخف حكماً لذلك.
(ويقدم مضطر مطلقاً) أي: سواء كان محرماً أو غير محرمٍ (ميتة مختلفاً فيها على) ميتة (مجمع عليها)؛لأن الميتة المختلف فيها مباحة على قول بعض المسلمين، فإذا وجدها كان واجدا للمباح على ذلك القول
(1)
،فتحَرم عليه الأخرى، وعلى قول من يرى أنها محرمه هي كالأخرى. فما اتفق على إباحته في هذه الحال أولى مما اختلف فيه.
(ويتحرى) المضطر (في مُذكاة اشتبهت بميتة) في الأصح؛ لأن ذلك غاية ما يقدرعليه لكونه لا يجد غيرهما.
(ومن لم يجد) ما يسد رمقه (إلا طعام غيره) وكان رب الطعام مضطراً أو خائفاً أن يضطر إن
(2)
بذله (فربه - المضطر، أو الخائف أن يضطر) في الأصح- (أحق به) من غيره؛ لأنه ساواه في الإضطرار وانفرد عنه بالملك. أشبه غير حاله الإضطرار.
(وليس له) أي: لرب الطعام (إيثاره) أي: إيثار غيره به في الأصح؛ لأنه إذا آثر غيره به فهلك جوعاً كان كالملقي بيده إلى التهلكة.
قال فى " الفروع ": وهل له إيثاره؟ كلامهم يدل على أنه لا يجوز. وذكر صاحب " الهدي " في غزوة الطائف. أنه يجوز، وأنه غاية الجود لقوله تعالى:(وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[الحشر: 9]. ولفعل جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في فتوح الشام. وعُد ذلك في مناقبهم. انتهى كلامه في " الفروع ".
ولعل ذلك لعلمهم من نفسهم حُسْن التوكل والصبر.
(1)
في أ: القوم
(2)
في ب: إلى.
(وإلا) أي: وإن لم يكن رب الطعام مضطراً ولا خائفاً أن يضطر: (لزمه) أي: لزم رب الطعام (ما يسد رَمقه) أي: رمق المضطر (فقط) على الأصح؛ لأنه يتعلق بذلك إحياء نفس آدمي معصوم. فلزمه بذله؛ كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الرق.
ولا يلزم رب. الطعام بذل ذلك مجاناً بل (بقيمته) نص عليه، (ولو فى ذمة معسر)؛ لوجود الضرورة.
(فإن أبى) رب الطعام بذل ما وجب عليه دفعه بقيمته (أخذه) منه المضطر (بالأسهل) فالأسهل، (ثم) إن امتنع من بذله بالأسهل أخذه منه (قهرا)؛لأنه أحق به من مالكه لإضطراره، (ويعطيه عوضه) من مثل مثلى أو قيمة متقوم لئلا يجتمع على رب الطعام، فوات العين والمالية. ويعتبر كون عوضه (يوم أخذه)، لأنه يوم تلفه.
(فإن منعه) من أخذه بعوضه (فله قتاله عليه) في الأصح؛ لأن للمضطر حق فيه، لإضطراره إليه وهو يمنعه منه. فجاز له قتاله، لمنعه حقه. (فإن قتل المضطز: ضمنه رب الطعام) لأنه قتله بغير حق. (بخلاف عكسه) يعني: بخلاف ما إذا كان المقتول رب الطعام فإن المضطر لا يضمنه ويذهب دمه هدراً لأنه ظالم بقتاله للمضطر. أشبه الصائل.
(وإن منعه) أي: منع الطعام ربه (إلا بما فوق القيمة)؛ بأن قال للمضطر: لا أبيعك طعامي إلا بكذا وكان ذلك فوق قيمته (فاشتراه منه بذلك ثم أي: بما قاله لإضطراره إليه، (كراهة أن يجري بينهما دم أو عجزاً عن قتاله: لم يلزمه إلا القيمة)؛لأنه وجب عليه بذله بقيمته، فإذا أخذ أكثر منها فقد أخذ ما لا يستحقه. فيجب عليه رده إن كان أخذه، وإلا سقط.
(وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أخذ الماء من العطشان) وكان (على كل أحد أن يقيه بنفسه وماله) وكان له طلب ذلك لقول الله سبحانه وتعالى
(1)
:
(1)
في ج: لقوله سبحانه وتعالى.
{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]
وقد عُلم مما تقدم أن المضطر إذا وجد من يطعمه ويسقيه لم يحل له الإمتناع من الأكل والشرب ولا العدول إلى الميتة، إلا إن خاف أن يسمه فيه، أو يكون الطعام الذي يأكله مما يضره.
وعلم منه أيضا: أنه إذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة وكان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله فقط لم يلزمه بذل شيء للمضطرين، وليس لهم أخذه منه كرهاً؛ لأن ذلك يُفضي إلى وقوع الضرورة به من غير أن تندفع عن المضطرين. وكذلك إن كان في سفر ومعه قدر كفايته من غير فضلة، فإنه لا يلزمه دفع ما معه للمضطرين.
قال في "شرح المقنع": ولم يفرق أصحابنا بين هذه الحال وبين كونه لا يتضرر بدفع ما معه إليهم في أن ذلك واجب عليه لكونه غير مضطر في الحال والآخر مضطر. فوجب تقديم حاجة المضطر.
ولنا: أن هذا مفض إلى هلاك نفسه وعياله. فلم يلزمه؛ كما لو أمكنه إنجاء الغريق بتغريق نفسه.
ولأن في بذله إلقاء بيده إلى التهلكة. وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك. انتهى.
(ومن اضطر إلى نفع مال الغير، مع بقاء عينه) إما لدفع برد كالثياب، وكل ما يتدثر به، والمقدحة ونحوها، أو استقاء ماء؛ كالدلو والحبل ونحو ذلك:(وجب بذله) لمن اضطر إليه (مجاناً) في الأصح أي: من غير عوض عن انتفاع المضطر في الأصح؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذم على منعه مطلقا بقوله سبحانه وتعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] وما لا يجب بذله لا يذم على منعه، وما وجب فعله لا يتوقف على بذل العوض بخلاف الأعيان، فإنه لما كان لربها منعها بدون بذل العوض لم يكن مذموماً على منعها.
ومحل وجوب بذل المَاعون على ربه: (مع عدم حاجته) أي: حاجة رب الماعون (إليه) لأنه مع حاجته إلى ماعونه أحق به من غيره.
(ومن لم يجد) من المضطرين (إلا آدمياً مباح الدم؛ كحربي، وزان محصن: فله قتله وأكله) في الأصح؛ لأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع. وكهذا إن وجده ميتاً فإنه يجوز له أكله؛ لأن أكله بعد قتله كأكله بعد موته.
(لا أكل معصوم ميت) في الأصح. يعني: أن المضطر إذا لم يجد إلا آدمياً معصوماً ميتاً لم يجز له أكله؛ لأن الحي والميت المعصومين يشتركان في الحرمة، بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم:" كسر عظم الميت ككسر عظم الحي "
(1)
وعلم مما تقدم أن [الآدمي المعصوم لا يحل للمضطر قتله ولا أكله ولا إتلاف عضو منه، سواء كان مسلماً أو ذمياً او مستأمناً وجهاً واحداً؛ لأن المعصوم
(2)
] الحي مثل المضطر. فلا يجوز له إبقاء نفسه بإتلاف مِثله.
(أو) أكل (عضوٌ من أعضاء نفسه) يعني: أنه ليس للمضطر أن يأكل عضواً
من أعضاء نفسه لأنه لا يجوز إتلاف شيء موجود لتحصيل شيء موهوم.
* * *
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1617) 1: 516 كتاب الجنائز، باب في النهى عن كسر عظام الميت.
(2)
ساقط من أ
[فصل فى أحكام الضيافة]
(فصل. ومن مر بثمرة بستانٍ لا حائط عليه ولا ناظر) له: (فله الأكل) منها. سواء كانت في شجرها أو متساقطة على الأصح، (ولو بلا حاجة) إلى الأكل، (مجاناً) أي: من غير لزوم عوض عما يأكله.
والأصل في ذلك ما روي عن أبي زينب التيمي قال: " سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي برزة رضي الله تعالى عنهم فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم "
(1)
.
وهو قول عمر وابن عباس.
قال عمر: " يأكل ولا يتخذ خبنة "
(2)
.
فيكون إجماعا؛ لأنه قول من سمينا من الصحابة من غير مخالف لهم.
والخبنة: بضم الخاء المعجمة ما يحمله في حضنه.
فإن قيل: فقد أبى سعد أن يأكل.
قلنا: امتناع سعد من أكله ليس مخالفا لمن تقدم ذكرهم، فإن الإنسان قد يترك المباح غنى عنه، أو تورعاً، أو تعذراً؛ كترك النبى صلى الله عليه وسلم أكل الضب مع حله
(3)
وعلم مما تقدم أن الثمرة. إن كانت محوطة لم يجز الدخول إليها لقول ابن
(1)
أخرجه ان أبي شيبة في مصنفه (20306) 300:4 كتاب البيوع والأقضية، من رخص في أكل الثمرة إذا مر بها.
(2)
أخرجه البيهيقى فى "السنن الكبرى"359:9 كتاب الضحايا، باب ما جاء فيمن مر بحائط إنسان أو ماشيته.
(3)
سبق ذكر حديث خالد بن الوليد وأكله للضب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر ص: (14) رقم (4)
عباس: " إن كان عليها حائط فهو حريم. فلا تأكل وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس"
(1)
. ولأن إحراز الثمرة بالحائط يدل على شح صاحبه به وعدم المسامحة.
ولأنها إذا كان لها حائط لم يجز الدخول إليها من غير إذن ربها؛ لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور: 28] وإذا لم يجز الدخول لم يجز الأكل؛ لأن السبب إذا حرم حرم المسبب.
وعلم أيضاً مما تقدم أنها إذا كان لها ناظر لم يجز الأكل؛ لأن الناظر إنما جعل لمنع الأكل منه فهو كالحائط.
(لا صعود شجره) يعني: أن من مر بثمر على شجر لا حائط عليه ولا ناظر ليس له صعود الشجر لأخذ الثمر.
(ولا ضربه أو رميه بشيء). نص عليه؛ لأن كلا من الضرب والرمي يفسد
الثمر. وقد روي عن رافع بن عمرو قال: " كنت أرمي نخل الأنصار. فأخذونى
فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: " يا رافع لم ترمي نخلهم؟ قلت: يا رسول الله
الجوع. قال: لا ترم، وكل مما وقع. أشبعك الله وأرواك "
(2)
.أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(ولا يحمل) شيئا من الثمر لقول عمر: " ولا تتخذ خبنة "
(3)
.
(ولا يأكل) المار (من) ثمر (مجني مجموع، إلا لضرورة)؛ كما لو كان مضطرا.
(1)
لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن ابن عباس قال: " إذا مررت بنخل أو نحوه وقد أحيط عليه حائط فلا تدخله إلا بإذن صاحبه. وإذا مررت به في فضاء الأرض فكل ولا تحمل "(20316) 4: 301 كتاب البيوع والأقضية، من كره أن يأكل منها إلا بإذن أهلها.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1288) 3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها.
(3)
سبق تخريجه ص: (29) رقم (2).
(وكذا) أي: وكثمر الشجر (زرع قائم، وشرب لبن ماشية) على الأصح.
أما الزرع؛ فلأن العادة جارية بأكل الفريك. أشبه الثمر.
وأما شرب لبن الماشية؛ فلما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه. وإن لم يجبه أحدا فليحتلب
(1)
وليشرب ولا يحمل "
(2)
. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والعمل عليه عند بعض أهل العلم وهو قول إسحاق.
(وألحق جماعة بذلك) أي: بالزرع القائم (باقلا وحمصاً أخضرين).
قال (المنقح: وهو قوي). انتهى.
قال في " الإنصاف ": قال المصنف يعني: الموفق ومن تابعه: يلحق بالزرع الباقلاء والحمص وشبههما مما يؤكل رطبا. بخلاف الشعير ونحوه مما لم تجر العادة بأكله.
قال الزركشي: وهو حسن. انتهى.
(ويلزم مسلماً ضيافة مسلم) لا ذمي على الأصح، (مسافر) في الأصح، (في قرية) متعلق بيلزم- (لا) إذا كان في (مصر) على الأصح (يوما وليلة، قدر كفايته مع أُدْم). والأصل في ذلك ما روى أبو شريح الخزاعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه جائزته. قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومُه وليلتًه. والضيافة ثلاثة أيام. وما زاد على ذلك فهو صدقة. لا يحل له أن يثوي عنده حتى يُخرجه "
(3)
.
(1)
في أ: يجد أحداً فليحلب.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1296) 3: 590 كتاب البيوع، باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5784) 5: 2272 كتاب الأدب، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(48) 3: 1352 كتاب اللقطة، باب الضيافة ونحوها.
وعن عقبة بن عامر قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: " إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا
فما ترى؟ فقال: إن نزلتم بقومٍ فأمُروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذى ينبغي لهم "
(1)
. متفق عليهما.
فأمر في الأول بإكرام الضيف جائزته، وفي الثانى أباح لهم الأخذ إذا لم يفعلوا. ولو لم يجب لهم شيء لم يأمرهم بالأخذ؛ لأنه أمرهم بالأخذ مع منعهم لذلك.
وإنما وجب ذلك في القرى دون الأمصار؛ لما روى المقدام بن أبي كريمة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزل بقوم فعليهم أن يُقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه "
(2)
. رواه أحمد وأبو داود.
ولحديث عقبة: " إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا " فظاهر هذا أنه للمسافر المجتاز لقوله: " من نزل بقوم " ويختص بأهل القرى؛ لأن القوم إنما ينصرف إلى الجماعات دون أهل الأمصار.
ولأن القرى مظنة الحاجة إلى الضيافة والإيواء، فإن القرية يبعد فيها البيع والشراء. فوجب ضيافة المجتاز إذا نزل بها، وإيواؤه؛ لوجوب حفظ الناس. فأما المصر فإنه يكون فيه السوق والمساجد فلا يحتاج مع ذلك الى الضيافة.
(و) يجب عليه أيضاً (إنزاله) أي: إنزال الضيف (ببيته) أي: بيت المضيف (مع عدم مسجد وغيره)؛كخان ورباط ينزل فيه.
(فإن أبى) من نزل به الضيف أن يضيفه: (فللضيف طلبه به) أي: بقدر ما وجب له بنزوله عنده (عند حاكم).
قال أحمد: له أن يطالبه بحقه الذي جعله له النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5786) 5: 2273 كتاب الأدب، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1727) 3: 1353 كتاب اللقطة، باب الضيافة ونحوها.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4604) 4: 200 كتاب السنة، باب في لزوم السنة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(17214) 4: 31.
(فإن تعذر) على الضيف طلبه بذلك عند حاكم: (جاز له الأخذ من ماله) أي: مال من نزل به بقدر ما وجب له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: " وإن لم يفعلوا فخذ منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم "
(1)
.
(وتستحب) الضيافة (ثلاثاً) أي: ثلاث ليالٍ بأيامهن، (وما زاد) على ذلك:(فصدقة) لما ذكرنا من حديث أبي شريح
(2)
.
(وليس لضيفان قسمة طعام قدم لهم).
قال في " الفروع ": ومن قدم لضيفانه طعاما لم يجز لهم قسمه؛ لأنه أباحه. ذكره في " الإنتصار " وغيره.
(ومن امتنع من الطيبات- بلا سبب شرعي- فمبتدع) مذموم.
(وما نقل عن أحمد) رضي الله تعالى عنه: (أنه امتنع من البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم البطيخ (فكذب) على الإمام أحمد. قاله الشيخ تقي الدين. والله أعلم
(3)
.
* * *
(1)
سبق تخريجه ص (32) رقم (1).
(2)
سبق تخريجه ص (31) رقم (3).
(3)
في ب: والله تعالى أعلم.
[باب: الذكاة]
هذا (باب الذكاة).
قال الزجاج: أصل الذكاة تمام الشيء، فمنه الذكاء في السن وهو تمام السن. وسمي الذبح ذكاة؛ لأنه إتمام الزهوق
(1)
.
وأصل ذلك قوله سبحانه وتعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] يعني: ما أدركتموه وفيه حياة فأتممتموه. ثم استعمل في الذبح، سواء كان بعد جرح سابق أو ابتداء. يقال: ذكى الشاة ونحوها تذكية أي: ذبحها، والإسم الذكاة والمذبوح ذكي، فعيل بمعنى مفعول.
(وهي) أي: والذكاة شرعاً: (ذبح) حيوان (أو نحر حيوان مقدور عليه، مباح أكله، يعيش في البر- لا جراد، ونحوه)؛كالدباء- (بقطع حلقوم ومريء، أو عقر ممتنع)؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى حرم الميتة. وهي: ما زهقت نفسه بسبب غير مباح أو ليس بمقصود. وما لم يذك فهو ميتة فيحرم لذلك.
(ويباح جراد ونحوه) مما يشبهه، (وسمك و) سائر (ما لا يعيش إلا في الماء بدونها) أي: بدون الذكاة؛ لحل ميتتهما؛ لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحل لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال
(2)
". رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني.
(1)
في أ: للزهوق.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3314) 2: 1102 كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(5723) 2: 97.
وأخرجه الدارقطني في " سننه "(25) 4: 271 كتاب الأشربة.
وسواءٌ مات بسبب أو بغير سبب على الأصح.
وعنه: في الجراد لا يؤكل، إلا أن يموت بسبب؛ ككبسه وتغريقه.
ولا فرق بين أن يصيده ما تباح ذبيحته أو لا على الأصح.
وعنه: يحرم سمك وجراد صاده مجوسي ونحوه.
ولا فرق في ذلك بين الطافي من السمك وغير الطافي على الأصح.
وعنه: يحرم السمك الطافي.
(لا ما يعيش فيه) أي: في بحر (وفي بر)؛ كالسلحفاة وكلب الماء، (إلا بها) أي: بالذكاة على الأصح.
قال أحمد: كلب الماء تذبحه، ولا أرى بأساً بالسلحفاء إذا ذبح.
ولأنه لما كان يعيش في البر ألحق بحيوان البر إحتياطاً.
وعنه: في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة.
(ويحرم بلع سمك) حال كونه (حياً).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وقدمه في " الفروع "،
وذكره ابن حزم إجماعاً.
(وكره شيه) أي: شي السمك (حياً؛ لا) شي (جراد) حيا.
قال في " شرح المقنع ": وسئل أحمد عن السمك يلقى في النار. فقال:
ما يعجبني، والجراد أسهل فإن هذا له دم. ولم يكره أكل السمك إذا ألقي في النار إنما كره تعذيبه بالنار، وأما الجراد فيسهل
(1)
في إلقائه؛ لأنه لا دم له.
ولأن السمك لا حاجة إلى إلقائه في النار؛ لإمكان تركه حتى يموت بسرعة، والجراد لا يموت في الحال، بل يبقى مدة طويلة.
وفي " مسند الشافعي " أن كعباً كان محرماً فمرت به رجل جراد فنسي
(1)
في ب: فسهل.
وأخذ جرادتين فألقاهما في النار فشواهما. وذكر ذلك لعمر فلم ينكر عمر تركهما في النار "
(1)
.انتهى.
(وشروط) صحة (ذكاة) سواء كانت ذبحاً أو نحراً (أربعة: أحدها: كون فاعل) للذكاة وهو الذابح أو الناحر
(2)
(عاقلا؛ ليصح) منه (قصد التذكية). فلا يباح ما ذكاه مجنون أو سكران أو طفل لم يميز لأنه لا يصح منه قصد التذكية. أشبه ما لو ضرب إنسان إنساناً بالسيف فقطع عنق شاة.
ولأن الذكاة أمر يعتبر له الدين. فاعتبر
(3)
له العقل؛ كالغسل.
فتصح ذكاة العاقل (ولو) كان (متعدياً).
قال في " الإنصاف ": يباح المغصوب لربه وغيره إذا ذكاه غاصبه أو غيره، سهوا أو عمدا، طوعا أو كرها، بغير إذن ربه على الصحيح من المذهب. نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه: يحرم عليه. فغيره أولى؛ كغاصبه. انتهى.
(أو) كان العاقل المذكي (مكرهاً). وللمكره صورتان:
إحداهما: أن يكره الأجنبي مالكا على ذكاة ملكه فيذكيه مكرهاً.
الثانية: أن يكره رب الحيوانات إنساناً على ذبح ملكه، فيباح ما أكره على ذبحه في الصورتين.
(أو) كان المذكي العاقل (مميزاً) فتحل ذبيحته في الأصح.
وفى " الموجز " و" التبصرة ": لا دون عشر.
(أو) كان العاقل المذكي (قناً) فتحل ذبيحته، (أو) كان (أنثى) ولو حائضاً؛ لعدم اشتراط الحرية والذكورية والطهارة من الحيض.
(1)
أخرجه الشافعى في " مسنده "(848) 1: 326 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم وما يحرم.
(2)
في ج: العاقر.
(3)
في ج: فيعتبر.
(أو) كان (جنباً) على الأصح.
ونقل حنبل: لا يذبح الجنب.
أو كان أقلف لا يخاف بختانه تلفاً أو فاسقاً (أو كتابياً ولو) كان (حربياً).
قال في " شرح المقنع ": أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5] يعني: ذبائحهم.
قال البخاري: قال ابن عباس: " طعامهم ذبائحهم "
(1)
.
وكذلك قال مجاهد وقتادة. وروي معناه عن ابن مسعود. وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. ولا فرق بين العادل والفاسق من المسلمين وأهل الكتاب. انتهى.
وسئل أحمد عن ذبائح نصارى أهل الحرب. فقال: لا بأس بها.
(أو) كان الكتابي (من نصارى بني تغلب) على الأصح؛ لعموم الآية.
(لا) ذبيحة (من أحد أبويه غير كتابي) فإنها لا تحل؛ تغليباً للتحريم.
(ولا وثني، ولا مجوسي، ولا زنديق، ولا مرتد)؛لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5] فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار. وإنما أخذت من المجوس الجزية لأن شبهة الكتاب تقتضى التحريم لدمائهم. فلما غلب التحريم في دمائهم وجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم ذبائحهم ونسائهم احتياطاً للتحريم في الموضعين.
(ولا) تحل ذبيحة (سكران) في حال سكره؛ لعدم صحة قصده.
(فلو احتك) حيوان (مأكول بمحدد بيده) أي: بيد إنسان لم يقصد
(1)
ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا 5: 2097 كتاب الذبائح والصيد، باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها.
ذبحه، فانقطع بانحكاكه حلقومه ومريئه:(لم يحل)؛لعدم قصده [التذكية.
(و) لكن (لا يعتبر) في التذكية (قصد الأكل).
قال في " الفروع ": وظاهر كلامهم هنا لا يعتبر قصد]
(1)
الأكل.
وفي " التعليق ": لو تلاعب بسكين على حلق شاه فصار ذبحاً ولم يقصد حل أكلها لم تبح. وعلل ابن عقيل تحريم ما قتله محرم لصوله بأنه لم يقصد أكله؛ كما لو وطئه آدمي إذا قتل. وفي " المستوعب ": كذبحه. وذكر الأزجي عن أصحابنا: إذا ذبحه ليخلص مال غيره منه يقصد الأكل لا التخليص؛ للنهي عن ذبحه لغير مأكله. وذكر شيخنا في بطلان التحليل: لو لم يقصد الأكل أو قصد مجرد حل يمينه لم يبح.
ونقل صالح وجماعة: اعتبار إرادة التذكية فظاهره تكفي. انتهى كلامه في "الفروع".
الشرط (الثاني) لصحة الذكاة: (الآلة). وهي: أن يذبح بمحدد يقطع بأن ينهر الدم بحده.
إذا تقرر هذا (فتحل) الذكاة (بكل محدد حتى حجر وقصَب وخشب).
وعلى الأصح: (وذهب وفضة، وعظم غير سن و) غير (ظُفر).نص على ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم فكل، ليس السن والظفر "
(2)
. متفق عليه من حديث رافع بن خديج.
قال: " قلت: يا رسول الله! إنا نلقى العدو غداً وليس معنا مدى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً. وسأحدثكم
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(5190) 5: 2098 كتاب الذبائح والصيد، باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1968) 3: 1558 كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام.
عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة "
(1)
.
وأما العظم غير السن فمقتضى إطلاق قول أحمد والشافعي وأبي ثور إباحة الذبح به. وهو قول مالك وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي؛ لأن العظم دخل في عموم اللفظ المبيح، ثم استثنى السن والظفر خاصة فتبقى سائر العظام داخلة فيما يباح الذبح به. والمنطوق مقدم على التعليل. ولهذا علل الظفر بكونه مدى الحبشة، ولا يحرم الذبح بالسكين وإن كانت مدية لهم.
ولأن العظام تناولها سائر الأحاديث العامة ويحصل بها المقصود. فأشبهت باقي الآلات.
وعن كعب بن مالك عن أبيه: " أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع. فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمها موتاً. فكسرت حجرا فذبحتها به. فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أرسل
(2)
إليه. فأمر من يسأله، وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أو أرسل إليه فأمره بأكلها "
(3)
. رواه أحمد والبخاري.
وقال: قال عبد الله: يعجبني أنها أمة وأنها ذبحت.
قال في " شرح المقنع ": وفي هذا الحديث فوائد سبع:
إحداها: إباحة
(4)
ذبيحة المرأة.
والثانية: إباحة ذبيحة الأمة.
والثالثة: إباحة ذبيحة الحائض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل.
والرابعة: إباحة الذبح بالحجر.
والخامسة: إباحة ذبح ما خيف عليه الموت.
(1)
ر. الحديث السابق.
(2)
في أ: وأرسل
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2181) 2: 808 كتاب الوكالة، باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت. . .
وأخرجه أحمد في " مسنده "(15338) طبعة إحياء التراث.
(4)
في أ: أنها.
والسادسة: حل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه.
والسابعة: إباحة ذبحه لغير مالكه بغير إذنه عند الخوف عليه.
وقد دل ما ذكر على أن المقصود من الآلة إنهار الدم بكل محدد غير السن والظفر، (ولو) كان المحدد (مغصوباً) على الأصح. نص عليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا"
(1)
. وهذا منهر للدم فيباح ما ذبح به.
الشرط (الثالث) لصحة الذكاة: (قطع حلقوم) وهو: مجرى النفس (ومريء) بالمد. وهو: مجرى الطعام والشراب، (لا شيء غيرهما) على الأصح؛ لأنه قطع في محل الذبح ما لا يعيش الحيوان مع قطعه. فحل؛ كما لو قطعهما من الودجين وهما: عرقان محيطان بالحلقوم.
(ولا إبانتهما) يعني: أنه لا يشترط لصحة الذكاة إبانة الحلقوم والمريء بالقطع.
قال في " الفروع ": وكلامهم أي: كلام الأصحاب في اعتبار إبانة ذلك بالقطع محتمل، ويقوى عدمه. انتهى.
(ولا يضر رفع يده) أي: يد الذابح: (إن أتم الذكاة على الفور).
قال في " الفروع ": وظاهره لا يضر رفع يده إن أتم الذكاة على الفور. واعتبر في " الترغيب " قطعاً تاماً، فلو بقي من الحلقوم جلدة ولم ينفذ القطع وانتهى الحيوان إلى حركة مذبوح ثم قطع الجلدة لم يحل.
وفي " الكافي " و" الرعاية ": يكفي قطع الأوداج، فقطع أحدهما مع الحلقوم أو المريء أولى بالحل. قاله شيخنا وذكره رواية في الأولة، وذكر وجهاً: يكفي قطع ثلاث من الأربعة. انتهى كلامه في " الفروع ".
(والسنة: نحر إبل بطعن بمحدد في لبتها، و) السنة (ذبح غيرها) أي:
(1)
سبق تخريجه ص (38) رقم (2).
غير الإبل. قال الله سبحانه وتعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:] وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67].
قال مجاهد: أمرنا بالنحر وأمر بنو إسرائيل بالذبح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في قوم ماشيتهم الإبل فسن النحر، وكانت بنو إسرائيل ماشيتهم البقر فأمروا بالذبح.
وثبت " أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنه "
(1)
.
و" ضحى بكبشين أقرنين ذبحهما بيده "
(2)
متفقٌ عليه.
والنحر: أن يطعن الإبل بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر. (ومن عكس) ذلك بأن ذبح الإبل ونحر ما سواها: (أجزأ) ـه ذلك. وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي.
وحكى ابن أبي موسى عن أحمد: أنه توقف عن أكل البعير إذا ذبح ولم ينحر.
قال ابن المنذر: إنما كرهه ولم يحرمه.
وحكي عن مالك رواية أخرى: أنه لا يجزئ في الإبل إلا النحر؛ لأن أعناقها طويلة، فإذا ذبح البعير تعذب بخروج روحه.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنهر الدم بما شئت "
(3)
.
وقالت أسماء: "نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة "
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(1764) 2: 148 كتاب المناسك، باب في الهَدي إذا عطب قبل أن يبلغ.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5245) 5: 2114 كتاب الأضاحي، باب التكبير عند الذبح.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1967) 3: 1557 كتاب الأضاحي، باب استحباب الضحيه وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2824) 3: 102 أول كتاب الضحايا، باب في الذبيحة بالمروة. بلفظ " أمْرِرِ ".
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5200) 5: 2101 كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الخيل.=
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة واحدة "
(1)
.
ولأنه ذكاة في محل الذكاة. فجاز أكله؛ كالحيوان الآخر.
(وذكاة ما عجز؛ عنه كواقع في بئر، ومتوحش: بجرحه حيث كان) أي:
في أي موضع أمكنه جرحه فيه من بدنه. وهذا قول أكثر الفقهاء. روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله تعالى عنهم. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: لا يجوز أكله إلا أن يذكى.
قال أحمد: لعل مالك لم يسمع حديث رافع بن خديج
(2)
.
واحتج مالك بأن الحيوان الإنسي إذا توحش لم يثبت له حكم الوحشي، بدليل أنه لا يجب على المحرم الجزاء بقتله، ولا يصير الحمار الأهلي مباحاً إذا توحش.
ولنا: ما روى رافع بن خديج قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير وكان في القوم خيل يسيرة. فطلبوه فأعياهم. فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش. فما غلبكم منها فاصنعوا به كذا"
(3)
.
وفي لفظ: " فما ندَّ عليكم منها شيءٌ فاصنعوا به هكذا "
(4)
. متفقٌ عليه.
(1)
= ولم يذكر لفظ:"ونحن بالمدينة".
أخرجه أبو داود في " سننه "(1750) 2: 145 أول كتاب المناسك، باب في هديِ البقر.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3135) 2: 1047 كتاب الاضاحي، باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة.
(2)
سبق تخريجه ص (38) رقم (2).
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2356) 2: 881 كتاب الشركة، باب قسمة الغنم.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5179) 5: 2095 كتاب الذبائح والصيد، باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمداً.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1968) 3: 1558 كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر =
ولأن الإعتبار في الذكاة بحال الحيوان وقت ذبحه لا بأصله بدليل الوحشي
إذا قدر عليه وجبت ذكاته في الحلق واللبة، فكذلك الأهلي إذا توحش اعتبر. بحاله. وبهذا فارق ما ذكروه فماذا تردى فلم يقدر على تذكيته فهو معجوز عن تذكيته. فأشبه الوحشى.
(فإن أعانه) أي: أعان الجارح على قتله (غيره؛ ككون رأسه) أي: رأس الواقع في بئر ونحوها (بماء ونحوه) مما يقتله لو انفرد: (لم يحل)؛لحصول قتله بمبيح وحاظر فإنه يغلب جانب الحظر؛ كما لو اشترك في قتله مسلمٌ ومجوسي.
(وما ذبح) من حيوان مأكول (من قفاه - ولو عمدا) في الأصح - (إن أتت الآلة) التي ذبح بها من سكين أو غيرها (على محل ذبحه، وفيه حياة مستقرة) أي: قبل قطع الحلقوم والمريء: (حلَّ) بذلك.
ولأن الجرح في القفا وإن كان غائرا تبقى الحياة معه ما لم يقطع الحلقوم والمريء. فإنا رأينا جماعة ضربت أعناقهم فلم تصل الضربة إلى ذلك فلم يموتوا وبقوا سنين بعد ذلك. وهذا يدل على أنه غير موح، والذبح إذا أتى على محله وفي الحيوان حياة مستقرة حل أكله، ولم يعتبر ما تقدم ذلك مما يحصل به الموت. ألا ترى أن أكيلة السبع إذا أدركت وفيها حياة مستقرة فذبحت حل أكلها وإن كانت لا تعيش مع ذلك غالباً.
(وإلا) أي: وإن لم تأت الآلة على محل الذبح وفيه حياة مستقرة: (فلا) تحل. وتعتبر الحياة المستقرة بالحركة القوية.
(ولو أبان رأسه) أي: رأس الحيوان يريد بذلك ذبحه: (حلَّ مطلقاً)
أي: سواء أتت الآلة على محل الذبح وفيه حياة مستقرة أو لا على الأصح؛ لأن علياً قال فيمن ضرب رأس ثورٍ بالسيف: " تلك ذكاة وحية "
(1)
.
(1)
= الدم إلا السن والظفر وسائر العظام.
أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(19787) 4: 257 كتاب الصيد، ما قالوا في الأنسية توحش من =
وأفتى بأكلها عمران بن حصين ولا مخالف لهما.
ولأن ذلك قطع ما لا يعيش معه في محل الذبح فحلَّ بذلك.
قال أبو بكر لأبي عبد الله: فيها قولان. والصحيح أنها مباحة؛ لأنه اجتمع قطع ما لا تبقى الحياة معه مع الذبح فأبيح.
(و) حيوان (ملتو عنقه؛ كمعجوز عنه) في الأصح. وهو قول القاضي، لأنها مع إلتواء عنقها معجوز عن ذبحها في محل الذبح فسقط إعتبار المحل؛ كالمتردية في بئر.
(وما أصابه سبب الموت) من الحيوان المأكول (من مُنخنقة) وهي: التي تخنق في حلقها، (وموقُوذة) وهي: التي تضرب حتى تُشرف على الموت، (ومُتردية) وهي: الواقعة من عُلوٍ؛ كجبلٍ وحائطٍ والساقطة في بئرٍ ونحوها، (ونطيحةٌ) وهي: التي تنطحها بقرة أو نحوها، (وأكيلة سبع) وهي: ما أكل منها ذئبٍ أو نمرٍ أو سبعٍ، (ومريضة، وما صيد بشبكة أو شَرَكٍ او أُحبُولة أو فَخٍ) فأصابها شيء من ذلك ولم تصل إلى حد لا تعيش معه، (أو أنقذه) أي: أنقذ إنسان حيواناً (من مُهلكة) ولم يصل إلى حد لا تبقى الحياة معه (فذكَّاه وحياته تمكن زيادتها على حركة مذبوحٍ: حلَّ) أكله ولو مع عدم تحركه بيَدٍ أو رجلٍ، أو طرف عينٍ، أو مصْع ذنب ونحو ذلك في الأصح؛ لقوله سبحانه وتعالى:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3].ومعلوم أن ما تقدم ذكره أسباب للموت وقد أباحها بالذكاة من غير اعتبار الأسباب الموجودة فيها.
(والإحتياط): أن لا يؤكل إلا (مع تحركه ولو بيدٍ أو رجلٍ، أو طرف عينٍ، أو مصْع ذنب) بأن حركه وضرب به الأرض، (ونحوه)؛ كما لو حرك أذنه.
(وما وجد
(1)
منه ما يقارب الحركة المعهودة في الذبح المعتاد - بعد ذبحه دل على إمكان الزيادة قبله) فيحل في المنصوص.
(1)
= الإبل والبقر.
ساقط من ب.
قال في " الفروع ": ونقل الأثرم وجماعة: ما علم موته بالسبب.
وعنه: لدون أكثر يوم لم يحل.
وعنه: حل مذكى قبل موته. ذكره أبو الحسين، واختاره شيخنا.
وفي كتاب الآدمي البغدادي: يشترط حياة يذهبها الذبح. اختاره أبو محمد الجوزي.
وعنه: إن تحرك. ذكره في " المبهج ". ونقله عبد الله والمروذي وأبو طالب.
وفي " الترغيب ": لو ذبح وشك في الحياة المستقرة [ووجد ما يقارب الحركة المعهودة في التذكية المعتادة حلَّ في المنصوص. قال وأصحابنا قالوا: الحياة المستقرة
(1)
] ما جاز بقاؤها أكثر اليوم. وقالوا: إذا لم يبق فيه إلا حركة المذبوح لم يحل، فإن كان التقييد بأكثر اليوم صحيحاً فلا معنى للتقييد بحركة المذبوح للحظر، وكذا بعكسه فإن بينهما أمرا بعيدا. قال: وعندي أن الحياة المستقرة ما ظن بقاؤها زيادة على أمد حركة المذبوح لمثله سوى أمد الذبح. انتهى كلامه في " الفروع ".
(وما قطع حلقومه، أو أُبينت حشوته ونحوه) مما لا تبقى معه حياة: (فوجود حياته كعدمها) على الأصح.
الشرط (الرابع) لصحة الذكاة: (قول: " بسم الله " عند حركة يده) أي:
يد الذابح (بذبح) في الأصح، وذكر جماعة: أو قبل الذبح قريباً منه. وإنما اعتبر لفظ باسم الله لأن إطلاق التسمية ينصرف إليها.
والأصل في اعتبار التسمية قوله سبحانه وتعالى {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]. والفسق الحرام.
(ويُجزى) أن يُسمِّى (بغير عربية ولو أحسنها) أي: أحسن العربية في
(1)
ساقط من أ
الأصح؛ لأن المقصود ذكر اسم الله تعالى، وقد حصل. بخلاف التكبير في الصلاة والسلام فإن المقصود لفظه.
(وأن يشير أخرس) إلى السماء برأسه؛ لأن إشارة الأخرس تقوم مقام نطق الناطق. ولو أنه أشار إشارة تدل على التسمية. وعلم ذلك منه كان كافياً.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة الأخرس.
(ويسنُ معه) أي: مع قول: بسم الله (التكبير)؛لما ثبت " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال: بسم الله والله أكبر "
(1)
.
وكان ابن عمر يقوله.
ولا خلاف أن قول: بسم الله يجزئه، (لا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لا يسنُ قولها عند الذبح في المنصوص.
وفي " المنتخب ": لا يجوز ذكر الذابح مع التسمية شيئاً.
(ومن بدا له) أي: للذابح (ذبح غير ما سمّى عليه)؛بأن سمى على شاة مثلا ثم أخذ غيرها: (أعاد التسمية). فلو ذبح الثانية بتلك التسمية لم تحل، سواء أرسل الأولى أو ذبحها؛ لأنه لم يقصد الثانية بتلك التسمية.
(وتسقط) التسمية (بسهوٍ، لا جهلٍ) ولذلك يفطر الجاهل بالأكل فى الصوم دون الساهي وهو الناسي. وهذا على الأصح.
ووجهه ما روى شداد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد ". أخرجه سعيد.
وأما الآية فمحمول على ما إذا ترك التسمية عامداً؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121].والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2810) 3: 99 أول كتاب الضحايا، باب في الشاة يُضحى بها عن جماعة. بمعناه. عن جابر بن عبد الله.
بفسق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان "
(1)
.
إذا ثبت هذا فالتسمية مع عدم السهو شرط لحل الذبيحة، سواء كان الذابح مسلماً أو كتابيا. ومتى لم يعلم هل سمى الذابح على الذبيحة أو لا؟ فالذبيحة حلال؛ لأن الله سبحانه وتعالى أحل لنا أكل ما ذبحه المسلم والكتابي. وقد علم أننا لا نقف على كل ذابح.
وقد روي عن عائشة أنهم قالوا: "يا رسول الله! إن قوماً حديثوا عهد بشرك يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أو لم يذكروا؟ قال: سموا أنتم وكلوا"
(2)
. أخرجه البخاري.
(ويَضمن أجير تركها) أي: ترك التسمية على الذبيحة: (إن حرمت) بأن تركها عمداً. واختار في " النوادر " لغير شافعي يعني: حلها
(3)
له.
قال في " الفروع ": ويتوجه تضمينه النقص إن حلت. انتهى.
(ومن ذكر) عند الذبح (مع اسم الله تعالى اسم غيره: حرم) عليه ذلك؛ لأنه شرك، (ولم تحل) الذبيحة. روي ذلك عن علي.
* * *
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2043) 1: 659 كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6963) 6: 2692 كتاب التوحيد، باب السؤال بأسماء الله تعالى والإستعاذة بها.
(3)
في ب: لحلها
[فصل: في ذكاة الجنين]
(فصل. وذكاة جنين مباح) ليخرج جنين الفرس من الحمار وجنين الضبع من الذئب (خرج) من بطن أمه المذكاة حال كونه (ميتاً أو متحركاً؛ كـ) تحرك (مذبوح أشَعَر، أو لا) أي: سواء نبت شعر أو لم ينبت (بتذكية أمه). روي ذلك عن علي وابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمه "
(1)
. رواه أبو داود بإسناد جيد. ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر وأبي هريرة
(2)
.
ولأن الجنين متصل بأمه اتصال خلقة يتغذى بغذائها. فيكون ذكاته بذكاتها؛ كأعضائها.
ولأن الذكاة في الحيوان تختلف على حسب الإمكان والقدرة ولا يمكن ذبح الجنين قبل إنفصاله إلا بأن تجعل ذكاه أمه ذكاته.
(واستحب أحمد) رضي الله تعالى عنه (ذبحه)؛ ليخرج دمه.
وعنه لا بأس بذبحه.
(ولم يبح) جنين خرج (مع حياة) فيه (مستقرة إلا بذبحه).نقله الجماعة عن أحمد لأنه؛ نفس أخرى وهو مستقل بحياته.
وعنه: هو كالمنخنقة؛ لأن الجنين بالمنخنقة. أشبه بغيرها من ذوات الأسباب.
وعنه: يحل بموته قريبا.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2828) 3: 103 كتاب الضحايا، باب ما جاء في ذكاة الجنين.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(24) 4: 271 من حديث ابن عمر. و (32)
4: 274 من حديث أبي هريرة. باب الصيد والذبائح. . .
وفي قياس " الواضح " لابن عقيل ما قاله أبو حنيفة لا يحل جنين بتذكية أمه أشبه؛ لأن الأصل الحظر. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في صيد عقر ووقع في ماء:
" لا تأكله لعل الماء أعان على قتله "
(1)
. فهذا تنبيه. انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " ذكاة الجنين ذكاة أمه "،من رفع جعله خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ذكاة أمه. فلا يحتاج الجنين إلى تذكية. هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. ومن نصب قدره كذكاة الجنين فلما حذف الجار نصب.
فعلى هذا يفتقر الجنين إلى ذبح مستأنف. لكن قدره ابن مالك في رواية النصب على أن المعنى ذكاة الجنين في ذكاة أمه فيكون موافقاً لرواية الرفع المشهورة.
(ولا يؤثر محرَّم) أي: كون الجنين محرم الأكل؛ (كسِمع في ذكاة أمه) المباحة التي هي الضبع؛ لأن الجنين تبع فلا يؤثر في حل متبوعه.
(ومن وجأ بطن أم جنين) بمحدد حال كونه (مسمّيا، فأصاب مذبحه) أي: مذبح الجنين: (فهو مذكى، والأم ميتة)؛لفوات شرط حلها وهو قطع الحلقوم والمريء مع القدرة على قطعهما.
قال في " الفروع ": ذكره أصحابنا. ذكره في " الإنتصار ". انتهى.
* * *
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(19336) 4: 379.
[فصل: في آداب الذبح]
(فصل. ويكره الذبح بآلة كالة)؛لما روى شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح. وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته "
(1)
. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
ولأن الحيوان يحصل له
(2)
تعذيب بذبحه بالآلة الكالة فكرهت لذلك.
(و) كره أيضاً (حدها) أي: حد الكالة وهو سَنها (والحيوان يراه)؛لما روى ابن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم "
(3)
. رواه أحمد وابن ماجه.
(و) كره أيضاً (سلخه) أي: سلخ ما ذبح (أو كسر عنقه قبل زهوق نفسه)؛لما روى أبو هريرة قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى بكلمات. منها: لا تعجلوا الأنفس أن تزهق، وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال "
(4)
. رواه الدارقطني.
وكسر العنق: إعجال لزهوق الروح والسلخ بمعناه ولا يؤثر ذلك في حلها؛
لأن الذكاة تمت بالذبح فما كان بعدها فهو غير معتبر في الأصح.
(1)
أخرجه النسائي في " سننه "(4412) 7: 229 كتاب الضحايا باب حسن الذبح.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3170) 2: 1058 كتاب الذبائح؛ باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(16664) طبعة إحياء التراث.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3172) 2: 1059 كتاب الذبائح، باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(5864) 2: 108.
(4)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(45) 4: 283 باب الصيد والذبائح والأطعمة.
وحرمهما القاضي.
ونقل حنبل: لا يفعل.
(و) كره (نفخ لحم يباع).
نقل ابن منصور: أكره نفخ اللحم.
قال في " المغني ": الذي للبيع؛ لأنه غش.
(وسنَُّ توجيهه) أي: أن يوجه المذكى بأن يجعل وجهه (للقبلة).ويجوز لغيرها ولو تعمده على الأصح.
ونقل محمد الكحال عن أحمد: يجوز لغيرها إذا لم يتعمده.
وسن كونه (على شقه الأيسر، ورفق به وحمل على الآلة بقوة، وإسراع بالشحط).
قال في " الفروع ": وسبق ما يقتضي الوجوب.
(وما ذبح فغرق) عقب ذبحه، (أو تردى من علو) أي: من محل عال يقتل التردي من مثله، (أو وطئ عليه شيء يقتله مثله: لم يحل) على الأصح؛ لأن ذلك سبب يعني: على زهوق الروح. فيحصل الزهوق من سبب مبيح وسبب محرم فغلب التحريم.
(وإن ذبح كتابي ما يحرم عليه يقيناً كذي الظفر) وهو: ما ليس بمنفرج الأصابع؛ كالإبل ونحوها من الأنعام؛ كالنعامة والبط وما ليس بمشقوق الأصابع لم يحرم علينا على الأصح؛ لأن قصده لحله غير معتبر، (أو) ذبح ما يحرم عليه (ظناً فكان) كما ظن (أو لا) يعني: أو لم يكن كما ظن (كحال الرئة).
ومعنى ذلك: أن اليهود إذا وجدوا رئة المذبوح لاصقة بالأضلاع امتنعوا من أكله زاعمين تحريم الذبيحة إذا وجدت الرئة كما ذكرنا ويسمونها اللازقة، وإن وجدوا الرئة غير لاصقة بالأضلاع أكلوها.
(ونحوها) أي: ونحو ما تقدم مما يرى الكتابي تحريمه لم يحرم علينا،
(أو) ذبح كتابي (لعيده، أو ليتقرَّب به إلى شيء يعظمه لم يحرم علينا) ما ذبحه: (إذا ذكر اسم الله تعالى فقط عليه) نص عليه؛ لأنه من جملة طعامهم فدخل في عموم الآية.
ولأنه قصد الذكاة وهو ممن تحل ذبيحته.
وعنه: يحرم.
قال في " الفروع ": اختاره شيخنا.
قال في " الفروع " أيضا: ويحرم على الأصح أن يذكر عليه اسم غير الله.
ونقل عبد الله: لا يعجبني ما ذبح للزَهرة والكواكب والكنيسة وكل شيء ذبح لغير الله. وذكر الآية. انتهى.
(وإن ذبح) كتابي (ما يحل له) من الحيوان: (لم تحرُم علينا الشحوم المحرَّمة عليهم. وهي: شحم الثرب) على وزن فلس. وهو الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء، (و) شحم (الكليتين)،وإحدهما كلية وكلوة بضم الكاف فيهما والجميع كليات وكلى؛ وذلك لقوله سبحانه وتعالى:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146].وإنما يبقى بعد ذلك هذان الشحمان.
وعنه: تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم مما يذبحونه؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5] وهذا ليس من طعامهم.
ولأن ذلك
(1)
جزء من البهيمة لم يبح لذابحها. فلم يبح لغيره؛ كدمها.
وجوابه: أن الآية حجة لنا، وأن طعامهم ذبائحهم.
فعلى هذا يجوز تملكها منهم.
وأن هذا (كذبح حنفي حيواناً) مأكولا (فيبين حاملا) يعني: فيحل لنا الحمل بغير ذكاة مع اعتقاد الحنفي تحريمه، (ونحوه)؛ [كذبح المالكي فرساً
(1)
فى ج: هذا
مسميا عليها فإنها تحل لنا وإن اعتقد تحريمها]
(1)
. ذكره ابن عقيل.
(ويحرُم علينا إطعامُهم) أي: إطعام أهل الذمة (شحماً) محرما عليهم (من ذبيحتنا؛ لبقاء تحريمه) عليهم على الأصح. نص على ذلك أحمد
(2)
؛لأن تحريم الشحم عليهم ثبت بنص كتابنا فيكون حملا لهم على المعصية؛ كما لا يجوز أن تطعم مسلماً ما يحرم عليه.
(وتحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها) عليهم؛ لأن الحكم لإعتقادنا.
(ويحل) حيوان (مذبوح منبوذ بمحل يحلُّ ذبح أكثر أهله ولو جُهلت تسمية ذابح)؛ لأنه يتعذر الوقوف على كل ذابح ليعلم هل سمى أو لا؟ وقد تقدم حديث عائشة الذي رواه البخاري في معنى ذلك
(3)
.
(ويحل) على الأصح (ما وُجِد ببطن سمك، أو) ببطن حيوان (مأكول مذكى، أو بِحَوْصَلته) يعني: حوصلة حيوان مأكول مذكى، (أو في رَوثِه) أي: روث الحيوان المأكول: (من سمك، وجراد) ببطنه، (وحب) بحوصلته أو روثه.
أما حل ما وجد ببطن ما ذكر من سمك وجراد؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: " أحلت لنا ميتتان
…
" الخبر
(4)
.
ولأنه لا تشترط له ذكاة. فأبيح؛ كالسمك الطافي، والجراد الموجود ميتاً.
وأما الحب الموجود في الحوصلة وروث المأكول؛ فلأنه طعام طاهر وجد في محل طاهر فلم يحرم بذلك.
ولأنه لم يتغير أشبه ما لو وجده ملقى.
(ويحرم بول) حيوان (طاهر) مأكول، (كروث) يعني: كما يحرم روثه؛ لأنه رجيع فيكون مستخبثاً. والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: نص أحمد على ذلك.
(3)
سبق تخريجه ص (47) رقم (2).
(4)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3314) 2: 1102 كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال.
[كتاب الصيد]
هذا (كتاب الصيد. وهو) إن أريد به الفعل: (اقتناصُ حيوان حلال، مستوحش طبعاً، غيرُ مقدور عليه.
(والمراد به) أي: بلفظ الصيد (هنا: المصيود. وهو: حيوان مقتنص) بفتح النون (حلال إلى آخر الحد) يعني: متوحَش طبعاً غير مقدور عليه.
والأصل في إباحته الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله سبحانه وتعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ)[المائدة: 96]،
وقوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4].
وأما السنة؛ فروى أبو ثعلبة الخشني قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
يا رسول الله! إنا بأرض صيد: أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم فأخبرنى ماذا يصلح لي قال: أما ما ذكرت أنك بأرض صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل "
(1)
. متفق عليه.
وأجمع المسلمون على إباحة الإصطياد والأكل من الصيد ولهذا قلت:
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5177) 5: 2094 كتاب الذبائح والصيد، باب آنية المجوس والميتة.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1930) 3: 1532 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
(ويباح) الصيد (لقاصده) في الأصح. واستحبه ابن أبي موسى.
(ويكره) حال كونه (لهواً). وفي كلام ابن عقيل ما يدل على أنه محرم؛ لأنه قال في " فنونه ": إن بعض المالكية قال له: الصيد فرجة ونزهة ميتة؛ لعدم قصد الأكل. قال ابن عقيل: وما أحسن ما قاله؛ لأنه عبث محرم ولا أحد أحق بهذا من مذهب أحمد حيث جعل في أحد الروايتين كل حظر في مقصود شرعي يمنع صحته.
(وهو) أي: الحيوان المصيود (أفضل مأكول) قاله في "التبصرة" واقتصر
عليه في " الفروع ". ولعل ذلك؛ لأنه من اكتساب المباح الذي لا شبهة فيه. (والزراعة أفضل مكتسَب). قاله الأزجي في " نهايته ". وعبارته: الزراعة أفضل المكاسب.
(وأفضل التجارة: في بَزٍ وعِطرٍ، وزرع وغرس، وماشية وأبغضها: في
رقيق وصَرْف).
قال في "الرعايه الكبرى": أفضل المعاش التجارة. وأفضلها في البز والعطر
والزرع والغرس والماشية. وأبغضها التجارة في الرقيق والصرف. انتهى.
قال في " الوجيز": ويتوجه قول: الصناعة باليد أفضل.
قال المروذي: سمعت. أحمد وذكر المطاعم يفضل عمل اليد.
(وأفضل الصناعة: خياطة. ونصَّ: أن كل ما نُصِح فيه فهو حسن).
نقل ابن هانئ عن أحمد أنه سئل عن الخياطة وعمل الخوص أيهما أفضل؟
قال: كلما نُصح فيه فهو حسن.
قال المروذي: حثني أبو عبد الله على لزوم الصنعة؛ للخبر.
(وأدناها) أي: أدنى الصناعة: (حِيَاكة وحِجَامة، ونحوهما)؛ كالقَّمام
والزبَال والدبَّاغ.
(وأشدَّها) أي: أشد الصنائع (كراهة: صبغ وصياغة وحدادة، ونحوها)؛كجزارة.
قال في " الرعاية الكبرى " أيضاً: أفضل الصنائع: الخِياطة، وأدناها: الحياكة والحجامة ونحوهما، وأشدها كراهة: الصبغ والصياغة والحدادة ونحوها. انتهى.
(ومن أدرك) صيداً (مجروحاً متحرّكاً فوق حركة مذبوح، واتسع الوقت لتذكيته: لم يبح إلا بها) أي: بتذكيته على الأصح؛ لأنه مقدور عليه. أشبه سائر ما قدر على ذكاته.
ولأن ما كان كذلك فهو في حكم الحي.
حتى (ولو خشي موته، ولم يجد ما يذكيه به) على الأصح؛ لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كان معه آلة الذكاة. فلم يبح بغير التذكية إذا لم تكن معه آلة؛ كسائر المقدور على تذكيته.
وعنه: يحل بموته قريباً.
وعنه: دون معظم يوم.
وفي " التبصرة ": دون نصفه، وبإرسال الصائد عليه ليقتله، لعدم آلة ذكاته.
وعنه: بالإرسال لا بموته.
وعنه: عكسه.
قال في " الفروع ": وأباحه القاضي وعامة أصحابنا بالإرسال. قاله في" التبصرة ".
(وإن امتنع) الصيد المجروح (بعَدْوه فلم يتمكن من ذبحه حتى مات تعباً: فحلال) في الأصح. ذكره القاضي؛ لأنه بامتناعه بالعَدو صار غير مقدور على تذكيته. أشبه ما لو وجده ميتاً.
واختار ابن عقيل: لا يحل؛ لأن الإتعاب يعينه على الموت. فصار كما لو وقع في ماء.
(وإن لم يتسع) الوقت (لها) أي: لتذكيته، (فكميّت) أي: فكما لو أدركه ميتاً.
وإذا أدركه ميتاً فإنه (يحل بأربعة شروط:
أحدها: كون صائد أهلا لذكاة) أي: تحل ذبيحته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " فإن أخذ الكلب ذكاة "
(1)
. متفق عليه.
والصائد بمنزلة المذكي تشترط فيه الأهلية.
(ولو) كان الصائد (أعمى) في الأصح.
ومرادهم باشتراط كون الصائد أهلاً للذكاة إذا كان الصيد لا يحل إلا بالذكاة. أما صيد ما لا يفتقر إلى ذكاة؛ كالسمك إذا صاده من لا تباح ذبيحته فإنه يباح؛ لأنه لا ذكاة له. أشبه ما لو وجده ميتاً.
إذا تقرر هذا (فلا يحلُّ صيد) يفتقر إلى ذكاة (شارك في قتله من لا تحل ذبيحته؛ كمجوسي، ومتولد بينه) أي: بين مجوسي (وبين كتابي)،حتى (ولو) كان قتله (بجارحه). وفي الأصح:(حتى ولو أسلم) المجوسي (بعد إرساله) أي: إرسال الجارح؛ لأن الإعتبار بحالة الإرسال؛ كما لو استمر على مجوسيته، وإنما أرسله وهو مجوسي.
ولأنه اشترك في قتله سبب الإباحة وسبب التحريم فغُلّب التحريم.
(وإن لم يصب مقتله) أي: مقتل الصيد (إلا أحدهما) أي: أحد جارحي المسلم والمجوسي: (عُمل به) أي: كان الحكم لمن أصاب جارحه المقتل.
(ولو أثخنه) أي: أثخن الصيد (كلب مسلم، ثم قتله كلب مجوسي وفيه حياة مستقرة: حُرم، ويضمنه له) يعني: ويضمنه المجوسي للمسلم بقيمته مجروحاً.
(وإن أرسل مسلم كلبه) لصيد، (فزَجره) أي: زجر كلب المسلم (مجوسي فزاد عَدْوه) بزجر المجوسي فقَتل صيداً: حلَّ؛ لأن الصائد هو المسلم.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5158) 5: 2086 كتاب الذبائح والصيد، باب التسمية على الصيد.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1929) 1530:3 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
(أو ردَّ عليه) أي: على كلب المسلم (كلبُ مجوسي الصيد فقتله) كلب مسلم: حل؛ لأن جارح المسلم انفرد بقتل الصيد. فأبيح؛ كما لو أمسك المجوسي شاة فذبحها مسلم.
(أو ذبح) المسلم (ما) أي: صيداً (أمسكه له مجوسي بكلبه، وقد جرحه) كلب المجوسي جرحاً (غير مُوح): حلَّ؛ لأن الذكاة المعتبرة حصلت من جانب المسلم.
(أو ارتد) المسلم بين رميه وإصابة سهمه، (أو مات) المسلم (بين رميه وإصابته: حلَّ) الصيد؛ لأن المعتبر حال الإرسال والرمي. وإنما رمى وهو مسلم حي. فكان حلالاً؛ كما لو استمر على إسلامه وحياته.
(وإن رمى) مسلمٌ (صيداً فأثبته، ثم رماه) ثانياً (أو) رماه (آخر فقتله، أو أوحاه) الثانى (بعد إيحاء الأول: لم يحِّل)؛ لأنه صار مقدوراً عليه بإثباته فلم يبح إلا بذبحه. (ولمثبته قيمته مجروحاً) على الرامي الثانى؛ لأنه أتلفه عليه، (حتى ولو أدرك الأول ذكاته فلم يذكه.
(إلا أن يصيب) الرامي (الأول مقتله) فيحل، (أو) يصيب الرامي (الثانى مذبحه: فيحل)؛لأنه مذكى، (وعلى الثاني أرش خرق جلده)؛لأنه لم يتلف سوى ذلك المحل
(1)
. وإن وجداه ميتاً حل؛ لأن الأصل بقاء امتناعه.
(فلو كان المرمي قِناً أو شاةً للغير) أي: غير الراميين، (ولم يوحِياه وسَرَيا) الجرحان إلى النفس:(فعلى الثاني نصف قيمته مجروحاً بالجرج الأول ويكملُها) أي: يكمل القيمة مع كون المرمي (سليماً) الرامي (الأول) في الأصح.
(وصيد قتل بإصابتهما) أي: إصابة اثنين تحل تذكيتهما (معاً) أي: في آن واحد: (حلال بينهما) نصفين؛ لاستوائهما في الإصابة؛ (كذبحه مشتركين) يعني: كما لو اشترك اثنان في ذبح حيوان بأن تحركت أيديهما في
(1)
ساقط من أوفي ب: ويحل.
ذبحه في آن واحد فإنه يكون حلالاً؛ لأن التشبيه في حله، لا أنه يكون بينهما نصفين إن لم يكن مشتركاً بينهما.
(وكذا) لو أصابه (واحد بعد واحد، ووجداه ميتاً، وجُهل قاتله) منهما؛ لأن تخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح؛ لأن الأصل بقاء امتناعه بعد إصابة الأول.
(فإن قال) الرامي الأول: أنا أَثبته ثم قتلته أنت، فتضمنَه، فقال الآخر مثله لم يحلَّ، ويتحالفان ولا ضمان)؛ لأن الأصل براءة ذمة كل منهما.
(وإن قال: أنا قتلته، ولم تثبْته أنت صُدّق بيمينه، وهو له) وحده؛ لأن الأصل بقاء امتناعه ويحرم على مدعي إثباته؛ لاعترافه بتحريمه.
* * *
[فصل: في آلة الصيد]
(فصل) الشرط (الثاني) لحل ما وجد من الصيود ميتا: (الآلة. وهي نوعان):
أحد النوعين: (محدد، فهو كآلة ذبح) يعني: أنه يشترط في المحدد من آلة الصيد ما يشترط في المحدد من آلة الذبح.
(وشرط جَرحَه به) أي: جرح الصيد بالمحدد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل "
(1)
. مفهومه: إن لم ينهر الدم لا يحل.
وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رميت فسميت فخزقت فكل وإن لم تخزق فلا تأكل [ولا تأكل] من المعراض إلا ما ذكيت، ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت "
(2)
. رواه أحمد.
وفي لفظ له " قلت: يا رسول الله لِلَّهِ إنا قوم نرمي فما يحلّ لنا؟ قال: يحل لكم ما ذكرتم اسم الله عليه وخزقتم فكلوا منه "
(3)
. فاشترط الخزق فإن قتله بثقله لم يبح لذلك.
وإذا صاد بالمعراض وهو خشبة محدده وربما جعل في رأسها حديدة فإذا أصاب بحده حل أكله؛ لما روى عدي بن حاتم قال: " قلت يا رسول الله: إنى أرمي بالمعراض الصيد فأصيب. فقال: إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله "
(4)
. متفق عليه
(1)
سبق تخريجه ص (38) رقم (2).
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده "(19411) 4: 380 وما بين الحاصرتين من
" المسند ".
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3212) 2: 1071 كتاب الصيد، باب صيد القوس.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6962) 6: 2692 كتاب التوحيد، باب السؤال بأسماء الله تعالى =
إذا تقرر هذا (فإن قتله) أي: قتل الصيد شيء (بثِقَلِه؛ كشبَكة؛ وفخٍ وعصاً؛ وبُندُقة، ولو مع شَدْحٍ أو قطع حُلقومٍ ومريءٍ، أو بعْرض معراض - وهو: خشبة محدَّدة الطرف - ولم يجرحه: لم يبح) أكله لما تقدم من الأحاديث.
(ومن نَصَب مِنْجِلاً أو سِكيناً، أو نحوهما)؛كسيفٍ (مُسمِياً: حلَّ ما قتله) شيء من ذلك (بٍجُرحٍ، ولو بعد موت ناصبٍ أو ردَّتِه).
قال في " الفروع ": فظاهره يحل ولو ارتد أو مات، وهو كقولهم: إذا ارتد أو مات بين رميه وإصابته حل.
(وإلا) أي: وإن لم يقتله بشيء من ذلك بجرحه: (فلا) يحلُّ؛ لأنه وقيذ.
(والحجر: إن كان له حدٌ فكمعراضٌ) يعني: إن جرح حل ما جرحه.
(وإلا) أي: وإن لم يجرح: (فكبندُقة ولو خرق)؛ لأنه وقيذ.
(ولم يبح ما قتل بمحدَّد فيه سمٌ، مع احتمال إعانته) أى: إعانة السم (على قتله) أي: قتل الصيد؛ لأن المقتول بالسم كالمقتول بلا آلة، والمقتول بالمحدد مباح فقد اشترك سببان: مباح ومحرم في قتله فغلب التحريم.
(وما رُمي) من صيد (فوقع في ماء، أو تردَّى من عُلو، أو وَطئ عليه شئ، وكلٌّ من ذلك) أي: من الوقوع من الماء، والتردي من العلو، والوطء عليه (يقتل مثله: لم يحل)؛لما روى عدي بن حاتم قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد. فقال: إذا رميت سهمك
(1)
فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فَكل، إلا أن تجده وقع في ماء فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك "
(2)
. متفق عليه
(1)
= والإستعاذة بها.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1929) 3: 1529 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
فى ب: بسهمك.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5167) 5: 2089 كتاب الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب =
والمتردي من جبل والموطوء عليه مثله في عدم العلم بالقاتل من الشيئين.
ولأنه اشترك فيه سببان: مبيح ومحرم فغلب المحرم.
(ولو) كان ذلك (مع إيحاء جرح) على الأصح؛ لأن الإحتمال قائم فيجب تغليب حكمه.
(وإن رماه) أي: رمى إنسان صيداً (بالهواء، أو على شجرة، أو) على (حائطٍ، فسقط فمات): حلَّ؛ لأن الموت إنما كان بإصابة الجارح له. فلا يعتبر ما حصل بعد ذلك؛ لأن وقوعه إلى الأرض لا بد منه. فلو حرم به لأدى إلى أن لا يحل طير أبداً.
(أو) رمى إنسان صيداً ثم (غاب ما عُقر) برميه يقيناً، (أو) غاب ما (أصيب) برميه (يقيناً- ولو) أنه كان رميه الصيد (ليلاً- ثم وُجد) الصيد. وعلى الأصح:(ولو بعد يومه) الذي رماه فيه (ميتاً: حل)؛ لما روى عدي بن حاتم قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أرضنا أرض صيد فيرمي أحدنا الصيد فيغيب عنه ليلة أو ليلتين فيجد فيه سهمه. فقال: إذا وجدت سهمك ولم تجد فيه أثر غيره وعلمت أن سهمك قتله فكله "
(1)
. رواه أحمد والنسائي.
وفي رواية قال: " قلت: يا رسول الله أرمي الصيد فأجد فيه سهمي من الغد. قال: إذا علمت أن سهمك قتله ولم تجد فيه أثر سبع فكل "
(2)
. رواه الترمذي وصححه.
(1)
= عنه يمينٌ أو ثلاثة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1929) 3: 1531 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
أخرجه النسائي في " سننه "(4300) 193:7 كتاب الصيد والذبائح، في الذي يرمي الصيد فيغيب عنه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(19388) 4: 377.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1468) 4: 67 كتاب الصيد، باب ما جاء في الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه.
(كما لو وجده) أي: وجد الصيد (بفمِ جارحه، أو وهو يعبث به، أو فيه سهمه)؛ لأن وجوده بهذه الحالة وعدم أثر غير ذلك فيه يغلب على الظن أن الموت حصل بجارحة أو بسهمه. فيحل أكله؛ كما لو لم يغب عنه.
(ولا يحل ما وجد به) أي: بالصيد (اثر آخر) أى: غير جارحه أو سهمه، (يحتمل إعانته في قتله)؛ لما روى عُدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس له إلا أثر سهمك فكل. وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل "
(1)
. متفق عليه.
(وما غاب) من الصيد (قبل عقرِه، ثم وجده وفيه سهمُه، أو عليه جارحُه: حلَّ) على الأصح.
قال في " المبدع ": إذا غاب قبل عقره ثم وجد سهمه أو كلبه عليه ففي " المنتخب " و " المغنى ": أنه حلال.
وعنه: يحرم؛ كما لو وجد سهمه أو كلبه ناحية. وظاهر رواية الأثرم وحنبل: حله. جزم به في " الروضة ".
وعبارته في " الفروع ": وإن غاب قبل عقره ثم وجد سهمه أو كلبه عليه ففي
" المنتخب ": أنها كذلك، وهو معنى " المغني " وغيره.
قال في " المنتخب ": وعنه: يحرم. وذكرها في " الفصول "؛كما لو وجد سهمه أو كلبه ناحية كذا. قال: وتبعه في "المحرر". وفيه نظر على ما ذكر هو وغيره من التسوية بينهما وبين التي قبلها على الخلاف. وظاهر رواية الأثرم وحنبل حله، وهو معنى ما جزم به في " الروضة ". انتهى.
(فلو وجد مع جارحه) جارحٌ (آخر، وجهل: هل سُمِّي عليه) أو لا؟ لم
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5167) 5: 2089 كتاب الذبائح، باب الصيد إذا غاب عنه يمين أو ثلاثة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه " واللفظ له (1929) 3: 1531 كتاب الصيد، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
يحل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل. قلت: أُرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر. قال: لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر "
(1)
. متفق عليه.
(أو) جهل هل (استرسل) الجارح (بنفسه أو لا؟) لم يبح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل ".
ولأن إرسال الجارحة جُعل بمنزلة الذبح. ولهذا اعتبرت التسمية عند إرسالها. فإذا لم يعلم هل استرسلت بنفسها أو لا؟ لم يبح؛ لأن الأصل في الصيد الحظر؛ فلا يحل إلا مع تحقق المبيح.
(أو جُهل حال مرسِله) أي: مرسل الجارح الذي وجده مع جارحه: (هل هو من أهل الصيد، أو لا؟ ولم يعلم أى) من الجارحين (قتله) أي: قتل الصيد: لم يبح، (أو عُلم أنهما قتلاه معاً، أو أن من جهل حاله هو القاتل: لم يبح) في جميع هذه الصور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " وإن وجدت معه غيره فلا تأكل "
(2)
. ولأن الأصل الحظر وإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله.
(وإن عُلم وجود الشرائط المعتبرة) في إباحه قتل الجارح الذي وَجَده مع جارحه، بأن تبين أن إنساناً من أهل الصيد أرسله مسمِّيا عليه:(حلَّ. ثم إن كانا) الجارحان (قتلاه معاً) أي: في آنٍ واحد: (فـ) الصيد (بين صاحبيهما) أي: صاحبي الجارحين؛ كذبيحة مشتركين، (وإن قتله أحدهما) أي: أحد الجارحين وحده: (فـ) الصيد (لصاحبه) أي: لصاحب الجارح الذي قتل وحده.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5159) 5: 2086 كتاب الذبائح والصيد، باب صيد المعراض.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1929) 3: 1529 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5158) 5: 2086 كتاب الذبائح والصيد، باب التسمية على الصيد.
وأخرجه مسلم في الموضع السابق.
(وإن جُهل الحال) بأن لم يعلم هل قتلاه الجارحان معاً أو أحدهما دون الآخر؟ وجهل قاتله منهما، (فإن وجدا متعلقين به) أي: بالصيد: (فـ) هو (بينهما) أي: بين صاحب الجارحين؛ لأن الظاهر أن جارحيهما قتلاه، (وإن وُجد أحدهما) أي: أحد الجارحين (متعلقاً به) أي: بالصيد: (فـ) هو (لصاحبه) أي: صاحب الجارح الذي وجده متعلقاً به وحده؛ لأن الظاهر أنه هو الذي قتله. (ويحلف من حُكم له) من صاحبى الجارحين
(1)
(به) أي: بالصيد لاحتمال أن يكون لصاحب الجارح الآخر، أو يكون له فيه شركة إن طلب يمينه.
(وإن وجدا) أي:
(2)
الجارحان (ناحية) من الصيد المقتول: (وقف الأمر حتى يصطلحا)؛ لأنه ليس أحدهما أحق به من الآخر. (فإن خيف فساده) أي: فساد الصيد ببقائه على حاله لتأخر صلحهما: (بِيع) بالبناء للمفعول، (واصطلحا على ثمنه)؛ لتعذر القضاء لواحدٍ منهما.
(ويحرم) على الأصح (عضوٌ أبانه صائد) من صيد (بمحدَّد، مما به) أي: بالمبان منه (حياة معتبرة)؛لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما أبين من حي فهو ميت "
(3)
.
وعنه: إن ذكى حل البائن.
وعلم من قوله: (لا إن مات في الحال) ومما تقدم: أن الصيد الذي أبان منه عضواً ولم تبق به
(4)
حياة مستقرة أنه يحل هو وما بان منه على الأصح.
(1)
في ج: الجارحتين.
(2)
زيادة من ج.
(3)
أخرجه الحاكم في " مستدركه "(7151) 4: 138 كتاب الأطعمة. ولفظه: " ما قطع من حي فهو ميت".
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2858) 3: 111 كتاب الصيد، باب في صيد قطع منه قطعة.
وأخرجه الترمذي فى " جامعه "(1480) 4: 74 كتاب الأطعمة، باب ما قطع من الحي فهو ميت. ولفظهما:" ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة ".
(4)
في ب: فيه.
قال أحمد: إنما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " ما قطع من الحي ميتة "
(1)
إذا قطعت وهي حيةٌ تمشي وتذهب. أما إذا كانت البينونة والموت جميعاً أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت فلا بأس به. ألا ترى الذي يذبح ربما مكث ساعة وربما مشى حتى يموت.
ولأن ما كان ذكاة لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه؛ كما لو قد الصائد الصيد نصفين. والخبر يقتضي أن يكون الباقي حياً حتى يكون المنفصل منه ميتاً.
(أو كان) المبان (من حُوت ونحوه) مما تحل ميتته؛ لأن أقصى ما فيه أن المبان ميتة وميتة الحوت ونحوه مباحة.
(وإن بقي) المقطوع من غير الحوت ونحوه (معلَّقا ًبجلده: حلَّ بحله) أي: بحل ما لم يقطع من الأعضاء الباقية رواية واحدة لأنه لم يبن.
(النوع الثانى) من آلة الصيد: (جارح. فيباح ما قتل) كل جارح (معلَّم)، سواء كان مما يصيد بمخلبه من الطير، أو بنابه من الفهود والكلاب؛ لقول الله
(2)
سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4].
قال ابن عباس في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] هي الكلاب المعلمة وكل طير تعلم الصيد، والفهود والصقور وأشباهها.
وأما الجارح
(3)
لغة: فهو الكاسب. قال الله سبحانه وتعالى
(4)
: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] أي: كسبتم. ويقال: فلان جارحة أهله: كاسبهم.
وقوله {مُكَلِّبِينَ} ، من التكليب وهو الإغراء.
(1)
ر. تخريج الحديث السابق.
(2)
في ب: لقوله.
(3)
في ب: الجوارح.
(4)
في أوب: قال سبحانه وتعالى.
ويستثنى من ذلك صورة أشير إليها بقوله: (غير كلبٍ أسودٍ بَهيم. وهو)
أي: والأسود البهيم: (ما لا بياض فيه) نص عليه.
وذكر السامري والموفق: هو الذي لا يخالطه لونه لون سواه.
وقال ثعلب وإبراهيم الحربي: كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم. قيل لهما: من كل لون؟ قالا: نعم.
(فيحرُم صيدُه) نص عليه؛"لأنه صلى الله عليه وسلم: أَمر بقتله. وقال: إنه شيطان "
(1)
. رواه مسلم.
فكونه شيطاناً هو علة قتله. والسواد علامة عليه؛ كما يقال: إذا رأيت صاحب السلاح فاقتله فإنه مرتد فالعلة: الردة.
(و) يحرم أيضاً (اقتناؤه)؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، وإذا لم يجَز اقتناؤه لم يجز تعليمه؛ لأن التعليم إنما يكون مع جواز الإمساك. فيكون التعليم حراماً، والحل لا يستفاد من المحرم.
ولأنه علل بكونه شيطاناً، وما قتله الشيطان لا يباح أكله؛ كالمنخنقة.
(و) ذكر الأكثر: (يباح قتله).
قال في " الفروع ": ويحرم اقتناؤه. وذكر جماعة الأمر بقتله، فدل على وجوبه. ذكره الشيخ هنا يعني: الموفق. وذكر الأكثر إباحته.
ونقل موسى بن سعيد: لا بأس به. وقد قال الأصحاب: يحرم اقتناء الخنزير والانتفاع به ولم أجد أحداً صرح بوجوب قتله. بل نقل أبو طالب: لا بأس، واحتج القاضي بأن الأمر بالقتل يمنع ثبوت اليد ويبطل حكم الفعل. انتهى كلامه في " الفروع ".
(ويجب قتل) كلب (عَقور).
قال في " الغنية ": يحرم تركه قولاً واحداً، ويجب قتله؛ ليدفع شره عن
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1572) 3: 1200 كتاب المساقاة، باب الأمر بقتل الكلاب. . . . .
الناس. ودعوى نسخ القتل مطلقاً، إلا المؤذي كقول الشافعية دعوى بلا برهان. ويقابله قتلُ الكل كما قاله مالك.
(لا: إن عقرَت كلبة من قَرُب من ولدها، أو خرَقت ثوبه) فإنه لا يباح قتلها من أجل ذلك؛ لأن عقرها ليس بعادة لها، (بل تُنقل) مع أولادها إلى محل على انفرادها.
(ولا يُباح قتل غيرهما) أي: غير الكلب الأسود البهيم والعقور.
(ثم تعليم ما يصيد بنابه؛ كفهدٍ وكلب) يكون بثلاثة أشياء:
(بأن يسترسل إذا أرسل، ويَنزجر إذا زُجر).
قال في " المغني ": لا في وقت رؤية الصيد.
وقال في " الوجيز ": لا في حال مشاهدته للصيد.
(وإذا أمسك) صيداً (لم يأكل) منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه "
(1)
. متفق عليه.
ولأن العادة في المعلم ترك الأكل؛ لأن عادة المعلم أن ينتظر صاحبه ليطعمه. فكان شرطاً؛ كالإنزجار إذا زُجر.
(لا تكرُّرُ ذلك) في الأصح؛ لأن ذلك تعلم صنعة. فلا يعتبر فيه التكرار؛ كسائر الصنائع. ولا توقيف في ذلك فيتبع.
(فلو أكل بعد) أي: بعد أن صاد صيداً ولم يأكل منه: (لم يخرج) بذلك (عن كونه معلَّما)؛لأن أكله في هذه الحالة قد يكون لجوع أو توحش فيكون الحكم مختصاً بهذه الحالة دون ما تقدم عليها، (ولم يحرم ما تقدم من صيده) على الأصح؛ لأن الصيود المتقدمة صاده في حال كونه معلماً والأصل فيها
(1)
أخرجه البخاري فى " صحيحه "(5169) 5: 2090 كتاب الذبائح والصيد، باب ما جاء في التصيد.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1929) 3: 1529 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
الحل، ولم يوجد فيها ما يمنع حلها. والأكل من الصيد بعد ذلك لا يكون مؤثراً فيها.
(ولم يبح ما) أي: ذلك الصيد الذي (أكل منه) على الأصح؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وهذا إنما أمسكه على نفسه. فلا يباح أكله؛ كغير المعلم. ثم إن صاد بعد ذلك ولم يأكل منه أبيح على ظاهر كلام أحمد؛ لأنا تحققنا بذلك أنه لم يأكل مما أكل منه لعدم تعليمه بل لجوع ونحوه.
(ولو شرب) الصائد (دمه) أي: دم المصيد: (لم يحرم) بذلك. نص عليه؛ لأنه لم يأكل منه.
(ويجب غسل ما أصابه فمُ كلب) في الأصح؛ لأنه موضع أصابته نجاسة الكلب. فوجب غسله؛ كما لو أصابت غيره من ثوب أو إناء أو غيرهما.
(وتعليم ما يصيد بمخلبه؛ كباز وصقر وعُقاب) يكون: (بأن يسترسل إذا أرسل، ويرجع إذا دُعي. لا بترك الأكل)؛لقول ابن عباس: " إذا أكل الكلب فلا تأكل، وإن أكل الصقر فكل "
(1)
. رواه الخلال.
ولأن تعليمه بالأكل ويتعذر تعليمه بدونه فلم يقدح في تعليمه. بخلاف ما يصيد بنابه.
(ويعتبر) كل ما يصيده ذو الناب أو ذو المخلب إذا قتله (جَرحه)؛لأنه آلة القتل. (فلو قتله) أي: قتل الجارح الصيد (بصدمٍ أو خَنقٍ: لم يُبح) على الأصح؛ لأن قتله بغير جرح. أشبه ما لو قتله بحجر، أو بندق، أو ضرب شاة بعصا حتى ماتت. وكل هذا وقيذ.
* * *
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 238 كتاب الصيد والذبائح، باب البزاة المعلمة إذا أكلت.
[فصل: في اشتراط قصد الصيد]
(فصل) الشرط (الثالث) لحل ما وجد من الصيود ميتاً: (قَصد الفعل).
وهو: رمي السهم قاصداً للصيد، أو بنصب ما ينصبه من منجل أو سكين قاصداً للصيد؛ لأن قتل الصيد أمر يعتبر له الدين. فاعتبر له القصد؛ كالطهارة من الحدث.
(وهو: إرسال الآلة لقصد صيد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل "
(1)
. متفق عليه.
ولأن إرسال الجارح جُعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت التسمية معه.
إذا تقرر هذا (فلو احتك صيد بمحدد) بلا قصد الصائد، (أو سقط) محدد على صيد (فعقره بلا قصد) فمات في الصورتين: لم يحل، (أو استرسل جارح بنفسه فقتل صيداً: لم يحِّل ولو زجره) أي: زجر الجارح ربه؛ لأن من لا يقصد الصيد لا يسمى صائداً، لأن الاعتبار بفعل الآدمي المضاف إلى فعل البهيمة؛ كما لو عدا الجارح على آدمي فأغراه ربه فأصاب منه شيئاً ضمنه.
(ما لم يزد) الجارح (في طلبه) أي: طلب الصيد (بزجره) أي: بأن يزجره ربه، ويسمي عند زجره، فيقتل الصيد، فإنه يحل على الأصح.
قال في " المغني ": وإن استرسل بنفسه فسمى صاحبه وزجره فزاد في عدوه
أبيح صيده. وبه قال أبو حنيفة.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5169) 5: 2090 كتاب الذبائح والصيد، باب ما جاء في التصيد.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1929) 3: 1529 كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
وقال الشافعي: لا يباح. وعن مالك كالمذهبين.
ولنا: أن زجره أثر في عدوه. فصار؛ كما لو أرسله.
ومما يتبين على ذلك أيضاً ما أشير إليه بقوله: (ومن رمى هدفاً) وهو: كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل، (أو رائداً صيداً ولم يره، أو) رمى (حجراً يظنه صيداً) فقتل صيداً: لم يحل؛ لأنه لم يقصد صيدا على الحقيقة.
(أو) رمى (ما علمه أو) رمى ما (ظنَّه غير صيد- فقتل صيداً-: لم يحل)؛لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد.
(وإن رمى. صيداً فأصاب غيره، أو) قصد برميه (واحداً) من صيود (فأصاب عدداً: حلَّ الكل، وكذا جارح) أرسل على صيد فقتل غيره، أو أرسل على واحد فقتل عدداً فإنه يحل الجميع. نص على ذلك؛ لعموم الآية والخبر.
ولأنه أرسله على صيد. فحل ما صاده؛ كما لو
(1)
أرسلها على كبار فتفرقت عن صغارٍ، أوكما لو أخذ صيداً في طريقه.
(ومن أعانت ريحٌ ما رمى به) صائداً (فقتل ولولاها) أي: ولولا الريح (ما وصل): لم يحرم؛ لأن رمي السهم له حكم الحل والريح لا يمكن الاحتراز عنها فسقط اعتبارها.
(أو رده) أي: رد ما رمى به الصائد من سهم أو نحوه (حجر أو غيره) على الصيد (فقتل: لم يحرم) ما قتله؛ لأن ذلك لا يمكن التحزر منه.
(وتحلُّ طريدة. وهي: الصيد بين قوم يأخذونه قطعاً).
قال أحمد: حدَّثنا هشام عن منصور عن الحسن " أنه كان لا يرى بالطريدة بأسا ". كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم وما زال الناس يفعلونه في مغازيهم. واستحسنه أبو عبد الله. قال: والطريدة صيد يقع بين القوم فيقطع
(1)
ساقط من أ.
ذا منه بسيفه ويقطع الآخر أيضاً حتى يؤتى عليه وهو حي. قال: وليس هو عندي إلا أن الصيد يقع بينهم لا يقدرون على ذكاته فياخذونه قطعاً. انتهى كلام الإمام أحمد.
(وكذا النادُّ) نص عليه. قاله في " الإنصاف ".
(ومن أثبت صيداً ملَكه).
قال فى " الإنصاف ": بلا نزاع أعلمه. انتهى.
وذلك لأنه أزال امتناعه بإثباته. أشبه ما لو قتله. فإن تحامل حتى أخذه غيره لم يملكه، (ويرده آخذه) إلى من أثبته؛ لأنه ملكه.
(وإن لم يثبته فدخل محل غيره) أي: غير راميه الذي لم يثبته (فأخذه ربُّ المحل): ملكه بأخذه؛ لأن الأول لم يملكه.
(أو وثب حوت فوقع بحَجْر شخص ولو بسفينة) ملكه
(1)
بذلك في الأصح، لأن السمك من الصيد المباح. فملك بالسبق إليه؛ كما لو فتح حجره لأخذه.
(أو دخل ظبي داره فأغلق بابها وجهله، أو لم يقصد تملكه): ملكه؛ لأن ذلك من الصيد المباح فملكه بحيازته.
(أو فرخ في برجه طائر غير مملوك) ملكه من البرج بيده بحق. (وفرخ مملوكة لمالكها).
قال في " الإنصاف ": ما يبنيه الناس من الأبرجة فتعشش فيها الطيور يملكون الفراخ، إلا أن تكون الأمهات مملوكة فهي لأربابها. نص عليه. انتهى.
قال في " المبدع ": ولو تحول طير من برج زيد إلى برج. عمرو لزم عمراً
رده، وإن اختلط ولم يتميز منع عمرو من التصرف على وجه ينقل الملك حتى يصطلحا، ولو باع أحدهما الآخر حقه أو وهبه صح في الأقيس. انتهى.
(1)
في أ: فهو ملكه.
(أو أحيا أرضاً بها كنز: مَلكه) بإحيائه الأرض التي بها الكنز في الأصح؛ (كنصب خيْمته) لذلك، (وفتح حجره لذلك، وكعمل بركةٍ لـ) صيد (سمك، و) كنصب (شبكة وشَرك وفخ) نص عليهما، (ومِنْجل) لصيد، (و) كـ (حبس جارح لصيد، وبإلجائه) أي: إلجاء الصائد الصيد (لمضيق لا يفلت منه) فإن الصيد يملك بذلك في جميع هذه الصور في الأصح.
وقيل: لا يملك إلا بأخذه، وقبله هو مباح لمن أخذه.
(ومن وقع بشبكته صيد فذهب بها، فصاده آخر) أي: غير صاحب الشبكة: (فـ) الصيد (للثاني)؛لأن الأول لم يملكه لبقاء امتناعه. وما معه مما ذهب به من شبكة أو شرك أو فخ لقطة. لكن إن كان يمشي بالشبكة على وجه لا يقدر معه على الامتناع ممن يقصده فهو لصاحب الشبكة؛ لأنه لم يبق على امتناعه. وإن أمسكه الصائد من الشبكة أو من نحوها وثبتت يده عليه ثم انفلت منه لم يزل ملكه عنه بأخذ غيره؛ كما لو شردت دابة إنسان فأخذها غيره.
(وإن وقعت سمكة بسفينة- لا بحجر أحدٍ) فيها-: (فـ) هي (لربها) أي: لرب السفينة؛ لأن السفينة ملكه ويده عليها. لكن إن كانت السمكة وثبت بفعل إنسان لقصد الصيد فهي له دون صاحب السفينة، ودون من وقعت في حجره فيها؛ لأن الصائد أثبتها بذلك.
(ومن حصل) بملكه صيد، (أوعشش بملكه صيد أو طائر) غير صيد مما يباح اقتناؤه؛ كالبازي والعقاب:(لم يملكه) بذلك، ولغيره أخذه؛ لأن الأرض والدار ونحوها لم تعد لذلك. أشبه البركة التي لم يقصد بها الإصطياد. نقل صالح وحنبل فيمن صاد من نخلة بدار قوم: فهو له.
(وإن سقط برمي) ما عشَّش بملكه (به: فله) أي: فهو لرب الملك، سواء كان الرامي من أهل الدار أو غيرهم لأن دارهم حريمهم.
(ويحرم صيد سمك وغيره بنجاسة) على الأصح؛ لما فيه من أكل السمك للنجاسة. فيصير كالجلالة.
وكره أحمد الصيد ببنات وردان وقال: ماؤها الحشوش وكذا بالضفادع. وقال: الضفدع نهي عن قتله.
(ويكره) صيد الطير (بشباش وهو: طير تُخيَّطُ عيناه ويربط)؛ لأن في ذلك تعذيباً للحيوان.
(و) يكره أيضاً أن يصاد صيد (من وكره) على الأصح.
(لا الفرخ) من وَكْره، (ولا الصيد ليلاً، أو بما يُسكر) الصيد. نص على ذلك.
(ويباح) الصيد (بشبكةٍ وفخٍ ودِبْق).
قال الإمام أحمد: (وكل حيلة).
وذكر جماعة: يكره بمثقل؛ كبندق. وكذا كره الشيخ تقي الدين الرمي بالبندق مطلقاً؛ لنهي عثمان.
ونقل ابن منصور وغيره: لا بأس ببيع البندق، ويرمى بها الصيد لا للعبث. وأطلق ابن هبيرة: أنه معصية.
(لا بمنع ماء) يعني: لا أن يصيده بمنع الماء عنه. وإذا صاده بذلك حل أكله على الأصح.
ونقل حنبل: لا يصاد الحمام يعني: بمنع الماء إلا أن يكون وحشياً.
(ومن أرسل صيداً وقال: أعتقتك، أو لم يقل) عند إرساله: أعتقتك: (لم يزل ملكه عنه). وذكره ابن حزم إجماعاً؛ كما لو فعل ذلك ببهيمة الأنعام؛ (كانفلاته) بدون إرساله.
قال ابن عقيل: ولا يجوز: أعتقتك في حيوان مأكول؛ لأنه فعل الجاهلية. انتهى.
وإذا لم يزل ملكه عنه فلم يبق إلا إعراضه عنه بإرساله فلا يملكه من أخذه بمقتضى إعراضه عنه.
(بخلاف نحو كِسرة أعرض عنها: فـ) إنه (يملكها آخذها)؛لأن ذلك مما لا تتبعه الهمة، وعادة الناس الإعراض عن مثل ذلك.
قال في " الفروع ": قال بعض أصحابنا في طريقته: العتق إحداث قوة
تصادف الرق وهو ضعف
(1)
شرعي يقوم بالمحل فيمنعه عن دفع يد الاستيلاء عنه، والرق غير المالية. ولهذا قال الحنفية: الحربي رقيق بالنسبة إلينا، والرق سابق على المالية فهو متعلقها. انتهى.
(ومن وجد فيما صاده علامة ملك؛ كقلادة برقبته، و) كـ (حلقة بأذنه، و) كـ (ـقص جناج طائر: فـ) هو (لُقَطة)؛لأن الذي صاده أولاً ملكه باصطياده.
* * *
(1)
في ج: ضعيف.
[فصل: في اشتراط التسمية]
(فصل) الشرط (الرابع) لحل ما وجد من الصيود ميتاً: (قول: " بسم الله " عند إرسال جارحة، أو) عند (رميٍ) بسهم أو معراض؛ لأن ذلك هو الفعل الموجود من المرسِل أو الرامي فاعتبرت التسمية عنده؛ (كما) تعتبر (في ذكاةٍ) عند الذبح، (إلا أنها لا تسقط هنا) أي: في الصيد (سهواً) على الأصح لأن في الصيد نصوصاً خاصة.
ولأن الذبيحة تكثر فيكثر السهو فيها.
ويفرق بين الذبيحة والصيد: بأن الذبح يقع في محله فجاز أن يسامح فيه. بخلاف الصيد.
وعنه: إن نسي التسمية على السهم أُبيح، وإن نسيها على الجارحة لم يبح. والفرق بينهما: أن السهم آلة حقيقة
(1)
وليس له إختيار. بخلاف الحيوان فإن له اختياراً يفعل به ما يختار.
(ولا يَضُّر تقدُّم يسير) أي: أن تتقدم التسمية على الرمي أو على إرسال الجارحة بزمن يسير عرفاً، (وكذا تأخُّر كثير في جارح: إذا زجره فانزجر).
قال في " الإنصاف ": ولا يضر التقدم اليسير كالتقدم في العبادات وكذا التأخر الكثير، بشرط أن يزجره فينزجر كما دل عليه كلام أحمد. وقاله المصنف والشارح والشيرازي وغيرهم. انتهى.
ويعني بقوله المصنف: الشيخ موفق الدين.
(ولو سمى على صيد فأصاب غيره: حلَّ. لا إن سمَّى على سهم، ثم ألقاه
(1)
في ج: حقيقية.
ورمى بغيره) فقَتل به فإنه لا يحل ما قتله؛ لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت على الآلة التي يصيد بها.
(بخلاف ما لو سمَّى على سكين ثم ألقاها وذبح بغيرها)؛لوجود التسمية على ذبيحة بعينها. بخلاف ما لو سمى على شاة ثم ذبح غيرها بتلك التسمية فإنها لا تحل، سواء أرسل الأولى أو ذبحها لأنه لم يقصد الثانية بتلك التسمية.
وإن رأى قطيعا من غنم فقال: بسم الله، ثم أخذ شاة فذبحها بغير تسمية: لم تحل.
وإن جهل كون ذلك لا يجزئ لم يجر مجرى النسيان؛ لأن النسيان تسقط المؤاخذة به والجاهل مؤاخذ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
[كتاب الأيمان]
هذا (كتاب الأيمان. واحدها يمين، وهي القسَم) بفتح السين المهملة، (و) هي أيضاً (الإيلاء، والحلف بألفاظ مخصوصة) تأتي أمثلتها.
وأصل اليمين يمين اليد. سمي بذلك الحلف؛ لأن الحالف يعطي يمينه فيه كما في العهد والمعاقدة.
(فاليمين) التي هي الحلف: (توكيد حُكم بذِكر معظَّم على وجه مخصوص).
وقيل: هي جمله خبرية تؤكد بها أخرى؛ لأن وضعها في الأصل؛ لتأكيد المحلوف عليه. قال الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53].
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7].
(وهي وجوابها كشرط وجزاء).
والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله سبحانه وتعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89].
وأما السنة؛ فمنها ما روى عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك"
(1)
متفق عليه.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6343) 6: 2472 كتاب كفارات الأيمان، باب الكفارة قبل الحنث وبعده.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1652) 3: 1273 كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يميناً.
وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين أن يمين المكلف على مستقبل ممكن تجب الكفارة بالحنث فيها.
ثم لما كان الحلف تارة يقع على مستقبل وتارة يقع على ماض أشير إلى ذلك بقوله:
(والحلف على مستقبل: إرادة تحقيق خبر فيه) أي: في المستقبل (ممكن، بقول يقصد به الحث على فعل الممكن، أو) الحث على (تركه) فالحث على الفعل نحو قوله: والله لأعتكفن
(1)
غداً، والحث على الترك نحو قوله: والله لا زنيت أبداً.
(والحلف على) أمر (ماض: إما بَرٌ وهو: الصادق، أو غموس وهو: الكاذب، أو لَغوٌ. وهو: ما) أي: حلف (لا أجر فيه ولا إثم، ولا كفارة)؛لأن اللغو لا يترتب عليه حكم.
(واليمين الموجبة للكفارة بشرط الحنث هي): اليمين (التي) يحلف فيها (باسم الله تعالى الذي لا يسمَّى به غيره؛ كالله) يعني: كقوله: والله، (والقديم الأزلي، والأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، وخالق الخلق، ورازق) العالمين، (أو) و (رب العالمين والعالم بكل شيء)، ومالك يوم الدين، ورب السموات والأرضين. وفي الأصح:(والرحمن).
قال في " الإنصاف ": قال في " الفروع ": والرحمن يمين مطلقاً على الأصح.
قال الزركشي: هذا الصحيح وجزم به في " البلغة " و " المحرر"و" النظم"
و"الوجيز". انتهى كلامه في " الإنصاف ".
ووجه ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ
(1)
في أ: لأعتقكن.
الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]. فجعل لفظة: "الله" ولفظة: "الرحمن"سواء في الدعاء. فيكونان سواء في الحلف.
(أو) باسم الله الذي (يسمِّى به غيره - ولم ينو) الحالف (الغير- كالرحيم). قال الله سبحانه وتعالى: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].
(والعظيم) قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23].
(والقادر) لقولهم: فلان قادر على التكسب.
(والرب) قال الله سبحانه وتعالى: {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42].
(والمولى)؛ لقولهم: المولى المعتق.
(والرازق) قال الله سبحانه وتعالى: {فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ} [النساء: 8].
(والخالق) قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [المائدة: 110].
(ونحوه) أي: ونحو ما تقدم؛ كقوله: والسيد. قال الله سبحانه وتعا لى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25].
وكقوله: والقوي. قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].
(أو) اليمين (بصفة له) سبحانه (كـ) قوله: و (وجه الله). نص عليه أحمد. قال الله سبحانه وتعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27].
(وعظمته، وكبريائه، وجلاله، وعزته، وعهده، وميثاقه، وحقه، وأمانته، وإرادته، وقدرته، وعلمه) يعنى: كقوله
(1)
: وعظمة الله، وكبرياء الله، وجلال الله، وعزة الله، وعهد الله، وميثاق الله، وحق الله، وأمانة الله، وقدرة الله، وعلم الله، فإن كلاً من ذلك يمين.
(1)
في ب: وكقوله.
قال في " الفروع ": والمنصوص ولو نوى مقدوره ومعلومه وكذا نية مراده.
ولهذا قلت: (ولو نوى: مراده، أو مقدوره، أو معلومه)؛لأن ذلك بإضافته إلى الله سبحانه وتعالى صار يميناً بذكر اسمه سبحانه وتعالى معه.
(و) لهذا (إن لم يضفها) إلى اسم الله سبحانه وتعالى: (لم يكن يمينا، إلا أن ينوي بها صفته تعالى) وتقدَّس فيكون يمينا؛ لأن نية الإضافة كوجودها.
(وأما ما لا يُعد من أسمائه تعالى؛ كالشيء والموجود، أو) الذي (لا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله؛ كالحي والواحد والكريم، فإن نوى به الله) سبحانه و (تعالى: فـ) هو (يمين) في الأصح؛ لأنه نوى بلفظه ما يحتمله.
فكان يميناً؛ كقوله: والرحيم والقادر. (وإلا) أي: وإن لم ينو به الله سبحانه وتعالى: (فلا) يكون يميناً؛ لأنه لم ينوه ولم ينصرف اللفظ إليه عند الإطلاق.
وقال القاضي: ليس ذلك بيمين بحال؛ لأن اليمين إنما تنعقد لحرمة الاسم ومع الاشتراك لا يكون له حرمة. فلا يبقى إلا مجرد النية، ومجرد النية لا ينعقد بها يمين.
والأول أصح؛ لأنه يصح أن يقسم الإنسان بشيء يصح أن يراد به الله سبحانه وتعالى قاصداً به الحلف. فكان يميناً مكفرة، كقوله: والمالك
(1)
.
(وقوله) أي: قول الحالف: (وايم الله) يمين، (أو) قوله:(لعمر الله يمين).
أما قوله: وايم الله فهي كقوله: وايمن الله. وهمزته همزة وصل عند البصريين وقالوا: ايمن الله بضم الميم والنون مع كسر الهمزة وفتحها. وقال الكوفيون: ألفها ألف القطع وهي جمع يمين فكانوا يحلفون باليمين فيقولون: ويمين الله قاله أبو عبيد. وهو مشتق من اليمين بمعنى البركة.
وأما قوله: لعمر الله فهو كالحلف ببقاء الله سبحانه وتعالى؛ لقوله سبحانه
(1)
في أوب: لقوله والملك.
وتعالى]
(1)
: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72].
وقال الشاعر:
إذا رضيت كرام بني قشير لعَمر الله أعجبني رضاها
إذ العَمر بفتح العين وضمها الحياة، واستعمل في القسم المفتوح خاصة، واللام للإبتداء وهو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف وجوباً تقديره: قسمي.
(لا هاء الله) يعني: أن هاء الله لايكون يميناً (إلا بنية).
قال في "الفروع": وهاء الله يمين بالنية وهي في "المستوعب " حرف قسم. (وأقسمت) بالله (أو أقسم) بالله، (وشهدت) بالله (أو أشهد) بالله، (وحلفت) بالله (أو أحلف) بالله، (وعزمت) بالله (أو أعزمُ) بالله، (وآليت) بالله (أو آلي) بالله، (وقسماً) بالله، (وحلفاً) با لله، (وأليَّة) بالله، (وشهادة) بالله، (وعزيمة بالله: يمين)، سواء نوى بذلك اليمين أو أطلق في الأصح. ويشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106]. (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ)[فاطر: 42]، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6].
ولأنه لو قال: بالله لأفعلن ولم يذكر الفعل الذي هو: " أقسم " ونحوه كان يميناً. فإذا ضم إليه ما يؤكده كان أولى وآكد.
(وإن نوى) بذلك (خبراً فيما يحتمله) الخبر؛ كما لو قال: نويت بأقسمت بالله ونحوه الخبر عن قسم ماض، أو قال: نويت بأقسم بالله ونحوه الخبر عن قسم يأتي: دين وقبل ذلك منه في الحكم في الأصح. فلا يكون يميناً.
(أو لم يذكر اسم الله تعالى عليه فيها كلها ولم ينو يميناً: فلا) يكون يميناً في الأصح؛ لأن قوله: أقسمت أو أقسم يحتمل القسم بالله سبحانه وتعالى والقسم بغيره. فلم يكن يميناً بغير نية تصرفه إلى القسم بالله سبحانه وتعالى.
(1)
ساقط من أ.
(والحلف بكلام الله تعالى) سبحانه، (أو) بـ (المصحف، أو) بـ (القرآن، أو بسورة) منه، (أو) بـ (آية منه: يمين) لأن من حلف بكلام الله عز وجل أو بالقرآن أو بآية منه كان حالفاً بصفة الله سبحانه وتعالى. والحلف بصفة الله تعالى يمين، وكذا من حلف بالمصحف؛ لتضمنه القرآن الذي هو صفة الله سبحانه وتعالى. ولذلك أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على المصحف لفظة القرآن في قوله:" لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو "
(1)
.
(فيها كفارة واحدة) على الأصح؛ لأنه لو تكررت اليمين بصفة من صفات الله سبحانه وتعالى وجبت كفارة واحدة، ولم تتكرر الكفارة بتكرار اليمين. فإذا كانت اليمين واحدة كان أولى أن لا تتكرر الكفارة.
وعنه: إن حلف بأكثر من آية فعليه بكل آية كفارة.
(وكذا) الحلف (بالتوراة ونحوها: من كتب الله تعالى)؛كالإنجيل والزبور.
قال ابن نصر الله في " حواشيه ": لو حلف بالتوراة أو الإنجيل ونحوهما من كتب الله سبحانه وتعالى
(2)
فلا نقل فيها والظاهر أنها يمين. انتهى.
وهو كما قال؛ لأن إطلاق اليمين إنما تنصرف للتوراة والإنجيل والزبور المنزل من عند الله دون المبدل، ولا تسقط حرمة شيء من ذلك كونه منسوخ الحكم بالقرآن. فغاية ذلك: أن يكون كالآية المنسوخ حكمها من القرآن، ولا تخرج بذلك عن كونها كلام الله. وإذا كانت كلامه فهي صفه من صفاته؛ كالقرآن.
* * *
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2828) 3: 1093 كتاب الجهاد والسير، باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو.
(2)
زيادة من ب.
[فصل: في حروف القسم]
(فصل. وحروف القسم) ثلاثة: (باء) وهي الأصل؛ لأنها الحرف التي تصل بها الأفعال القاصرة عن التعدي إلى مفعولاتها. و (يليها) اسم (مظهر) نحو قوله: أقسم بالله لأفعلن، (و) اسم (مضمر) نحو قوله: الله أقسم به لأفعلن.
(و) الحرف الثانى (واو) وهي بدل من الباء. و (يليها) أي: يلي الواو (مظهر) أي: اسم ظاهر فقط نحو قوله: والله لأفعلن، وقوله: ورب الكعبة لأفعلن، وقوله: وعزة الله لأفعلن. وهي أكثر استعمالا من الباء.
(و) الحرف الثالث (تاء) وهي بدل من الواو (يليها اسم الله خاصة) فتقول: تالله لأفعلن، ولا تقول: تالرحمن ولا تالقران ولا نحو ذلك.
وقد جاء مما ذكرنا في كتاب الله سبحانه وتعالى. قال الله سبحانه وتعالى:
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [فاطر: 42]،وقال سبحانه وتعالى:{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [الطور: 1 - 2]،وقال سبحانه وتعالى {قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم} [يوسف: 73].
إذا تقرر هذا فمن أقسم بأحد هذه الحروف في موضعه المستعمل فيه كانقسماً منعقداً؛ لأنه موضوع له. فإن ادعى أنه لم يرد القسم بذلك لم يُقبل منه في الأصح، وذلك لمجيء ذلك في كتاب الله العزيز وكلام العرب.
فمن قال: (بالله لأفعلن، يمين) يعني: أن من قال: بالله لأقومن، وقال: أردت أن قيامي بمعونة الله ولم أُرد عقد اليمين لم يقبل منه ذلك وكان قوله ذلك يميناً.
وفي " الترغيب ": إن نوى بالله أثق ثم ابتدأ لأفعلن احتمل وجهين باطنا. انتهى.
(و) قول الإنسان لغيره: (أسألك بالله لتفعلنَّ، نيته) يعني: إن نوى بذلك اليمين انعقدت؛ كما لو لم يقل أسألك. (فإن أطلق) بأن لم ينو شيئا: (لم تنعقد)؛ كما لو نوى غير اليمين.
(ويصح قسم بغير حروفه) أي: بدون ذكر حرف القسم؛ (كـ) قوله (الله لأفعلن جرًا) أي: بجر الاسم الكريم (ونصباً) أي: بنصب الاسم الكريم؛ لأن كلا من الجر والنصب بدون حرف القسم لغة صحيحة، وقد ورد به عرف الإستعمال في الشرع، فروى ابن مسعود:" أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل أبو جهل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك قتلته؟ قال: الله إني قتلته "
(1)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة لما طلق إمرأته: " ألله ما أردت إلا واحدة "
(2)
(فإن نصبه) أي: نصب الاسم الكريم (بواو) أي: مع الواو، (أو رفعه معها) أي: مع الواو (أو دونها: فيمين) أي: فذلك يمين منعقدة إذا لم يكن الحالف من أهل العربية؛ لأن من لا يحسن العربية لا يفرق بين الرفع والجر والنصب. فالظاهر مع اقتران الجواب به إرادة اليمين.
(إلا أن لا ينويها) أي: ينوي اليمين (عربي) أي: حالف من أهل العربية فلا تكون يميناً؛ لأنه إذا قاله مرفوعاً لم ينصرف إلى اليمين؛ لأن المقسم به لا يكون مرفوعاً وإنما هو مبتدأ أو عطف على شيء تقدم، وكذلك النصب مع الواو، فإن الواو هنا لا تكون إلا عاطفة، إذ لو كانت واو القسم لجرت. فإذا كان من أهل العربية لم يكن ذلك يميناً في حقه؛ لأن عدوله إلى الإعراب الذي يُعدل به اللفظ عن القسم دليل على أنه لم يرد اليمين. إلا إذا نوى اليمين فتنعقد اليمين؛ لأن اقتران الجواب به يدل على إرادة اليمين. وإنما لم يكن يميناً منه إذا لم ينوه؛ لأن ظاهر حاله إرادة غيره. فإذا نوى اليمين فهو لاحن واللحن لا يقاوم النية فلا يرفعها؛ كما إذا لحن في القرآن فإن لحنه لا يخرجه عن كونه قرآنا.
(1)
أخرجده أحمد في " مسنده "(4246) 1: 444.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1177) 3: 17 كتاب الطلاق، باب ما جاء في الرجل يطلق إمرأته البتة.
(ويُجاب قسم في إيجاب بإن) بكسر الهمزة (خفيفة)؛ كقوله سبحانه وتعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4].
(وثقيلة)؛ كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4].
(ولام).ومن أمثلة ذلك قوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4].
ولام
(1)
(ونونَي توكيد) أي: في الفعل المضارع المبتدأ باللام مقروناً بنونى التوكيد. فمثال اللام مع نون التوكيد الثقيلة: قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7].
ومثال اللام مع نون التوكيد الخفيفة: والله لأقومًا.
وقد يتعاقب اللام ونون التوكيد.
(وقد) أي: ويجاب قسم في إيجاب بقد. ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس: 9] فإنه جواب لقوله سبحانه وتعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)[الشمس: 1].
(و) يجاب القسم أيضاً في إيجاب (ببل عند الكوفيين) ومن وافقهم دون بقية النحاة. ومن أمثلة ذلك قوله سبحانه وتعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}
(2)
[ص: 1 - 2]،وقوله سبحانه وتعالى:{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1 - 2] وعند البصريين أن جواب القسم فى المثالين محذوف وبينهم في تقديره خلاف.
(و) يجاب قسم (في نفي بما).قال الله سبحانه وتعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3]. (وإنْ بمعناها) يعني: أنه يجاب القسم في النفي بإن بمعنى ما. قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى} [التوبه: 107]،وكقولك: والله إنْ أنا إلا شجاع.
(1)
ساقط من ب.
(2)
زيادة من ج.
(و) يُجاب أيضاً (بلا). ومنه قول الشاعر:
وآليت لا أرثي لها من كلالة ولامن جفى حتى تلاقي محمداً
(وتحذف لا لفظا نحو: والله أفعل). ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85].
(ويُكره حلفٌ بالأمانة)؛لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من حلف بالأمانة فليس منا "
(1)
. رواه أبو داود.
و (كـ) الحلف بـ (عتق وطلاق). قيل لأحمد: يكره الحلف بعتق أو طلاق أو شيء؟ قال: سبحان الله! لمَ لا يُكره لا يُحلف إلا بالله.
(ويُحرم بذات غير الله تعالى و) غير (صفته) على الأصح؛ لما روى ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر وهو يحلف بأبيه فقال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت "
(2)
. متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا
إلا وأنتم صادقون "
(3)
. رواه النسائي.
فنهى عن الحلف بغير الله عز وجل. ومخالفة النهي حرام فيكون محرماً لذلك.
وقد روي أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: " لا والكعبة ". فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "
(4)
رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3253) 3: 223 كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالأمانة.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6270) 6: 2449 كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1646) 3: 1267 كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى.
(3)
أخرجه النسائي في " سننه "(3769) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، الحلف بالأمهات.
(4)
أخرجه الترمذي في "جامعه"(1535) 4: 110 كتاب النذور، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله.
قال: وفسر أهل العلم هذا الحديث أن قوله: " كفر أو أشرك " على التغليظ.
(سواء) في الحكم بين ما إذا (أضافه) أي: أضاف الحالف المحلوف به (إليه) أي: إلى الله سبحانه (وتعالى؛ كقوله: ومخلوق الله، ومقدوره، ومعلومه، وكعبته، ورسوله، أوْ لا) يعني: أو لم يضفه؛ (كقوله: والكعبة)، وكقوله:(وأبي)؛ لاشتراكهما في الحلف بغير الله سبحانه وتعالى.
قال ابن مسعود وغيره: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً.
قال الشيخ تقي الدين: لأن حسنة التوحيد من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك، يشير إلى حديث ابن عمر المتقدم وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "
(1)
.
فعلى هذا اختار الشيخ تقي الدين: أنه يعزر لتحريمه. واختاره فيمن حلف بعتق أو طلاق، وحيث يخير بين أن يوقعه أو يكفر؛ كحلفه بالله ليوقعنه.
وذكر: أن الطلاق يلزمني ونحوه، يمين بالاتفاق. وخرجه على نصوص أحمد وهو خلاف صريحهما.
(ولا كفارة) في الحلف بغير الله سبحانه وتعالى إذا حنث؛ لأن الكفارة وجبت في الحلف بالله سبحانه وتعالى وصفاته؛ صيانة لاسمه الأعظم. وغيره لا يساويه في ذلك.
قال ابن حزم: اتفقوا أن من حلف بحق زيد أو عمرو أو بحق أبيه: أنه آثم ولا كفارة عليه. انتهى.
(وعند الأكثر) من أصحاب أحمد، ونص عليه فى رواية أبي طالب: أنه لا تجب كفارة في حلف بغير الله سبحانه وتعالى، (إلا) في حلفٍ (بـ) نبينا
(1)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(محمد صلى الله عليه وسلم؛لأنه أحد شرطي إحدى الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلماً. أشبه الحلف باسم الله سبحانه وتعالى.
والتزم ابن عقيل: أن الحلف بغيره من الأنبياء كهو.
والأشهر: أنها لا تجب به وهو قول أكثر الفقهاء؛ لدخوله في عموم الأحاديث.
وينقسم حكم اليمين إلى واجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام أشير إلى الأول منها بقوله:
(ويجب الحلف لإنجاء معصومٍ من هلكة ولو نفسه) مثل: أن تتوجه أيمان القسامة عليه في دعوى القتل وهو بريء منه.
وأشير إلى الثاني منها بقوله:
(ويندب
(1)
لمصلحة)؛كحلفٍ يحصل به إصلاح بين متخاصمين، أو إزالة حقد من قلب مسلم، أو دفع شر وهو صادق فيه.
وأشير إلى الثالث منها بقوله:
(ويباح على فعل مباح أو تركه)؛كمن حلف لايأكل سمكا مثلاً أو ليأكلنه، وكالحلف على الخبر بشئ وهو صادق فيه، أو يظن أنه صادق.
وأشير إلى الرابع بقوله:
(ويكره على فعل مكروه)؛كمن حلف ليصلين وهو حاقِن؛ (أو ترك مندوب)؛كمن حلف لا يزيد على قراءة الفاتحة في الصلاة.
وأشير إلى الخامس بقوله:
(ويحرم على فعل محرَّم)؛كمن حلف ليشربن خمراً مثلا، (أو ترك واجب)؛كمن حلف لا يصوم رمضان مثلاً، (أو) يحلف (كاذباً عالماً) بكذبه.
(1)
في ب: ومندوب.
(ومن حلف على فعل مكروه، أو) حلف على (ترك مندوب: سُن حنثه، وكره بره)؛ لما يترتب على بَرُّه من ترك المندوب دائماً.
(و) من حلف (على فعل مندوب، أو ترك مكروه: كره حنثه، وسن بره)؛ لما يترتب على بره من الثواب الحاصل بفعل المندوب وتركه المكروه.
(و) من حلف (على فعل واجب، أو) حلف على (ترك محرم: حُرم حنثه)؛لما في حنثه من ترك الواجب أو فعل المحرم، (ووجب بَرُّه)؛لما تقدم.
(و) من حلف (على فعل محرم، أو) حلف على (ترك واجبٍ: وجب حنثه)؛لما في بره من الإثم بفعل المحرم أو ترك الواجب، (وحرم بَرُّه)؛لما تقدم.
(ويخيَّر) من كان حلفه (في مباح)، سواء حلف على فعله أو على تركه بين حِنثه وبرُّه، (وحفظها فيه) أي: وحفظ اليمين فيما إذا حلف على فعل مباح أو على تركه (أولى) من حنثه. قاله في " الرعاية "؛ (كافتداء محِقٍّ) في دعوى عليه (لـ) يمين (واجبة عليه عند حاكم) يعني: فإن افتداء يمينه يكون أولى من حلفه؛ وذلك لما روي "أن عثمان بن عفان والمقداد تحاكما إلى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على المقداد فردَّها المقداد على عثمان. فقال عمر: لقد أنصفك. فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد ولم يحلف. فقيل له في ذلك. فقال: خفت أن يوافق قدر بلاء. فيقال: يمين عثمان ".
وقيل: يكره حلفه عند الحاكم.
(ويباح) الحلف (عند غيره) أي: غير الحاكم.
قال في " الفروع ": وقيل يباح الحلف عند الحاكم. ونقله حنبل كعند غير الحاكم. ويتوجه فيه: يستحب لمصلحة؛ كزيادة طمأنينة وتوكيد الأمر وغيره.
ومنه: " قوله صلى الله عليه وسلم لعمر عن صلاة العصر: والله ما صليتها "
(1)
؛تطييباً منه لقلبه.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(571) 1: 214 كتاب مواقيت الصلاة، باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.
وكذا قال بعض أصحابنا في " كتاب الهدي " عن قصة الحديبية فيها جواز الحلف، بل استحبابه على الخبر الديني الذي يريد تأكيده. وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعاً. وأمره الله سبحانه وتعالى بالحلف على تصديق ما أخبره في ثلاث مواضع من القرآن في سورة سبأ ويونس والتغابن. انتهى.
(ولا يلزم) من أقسم عليه أن يفعل شيئاً أو أن يتركه (إبرار قسم؛ كإجابة سؤال بالله تعالى).
قال في " الإنصاف ": لا يلزم إبرار القسم على الصحيح من المذهب؛ كإجابة سؤال بالله تعالى.
وقيل: يلزمه.
وقال الشيخ تقي الدين: إنما يجب على معين. فلا يجب إجابة سائل يقسم على الناس. انتهى.
(ويسنُّ) إبرار القسم، (لا تكرار حلف. فإن أفرَط) في التكرار (كُره) له ذلك؛ لقوله سبحانه وتعالى:{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ} [القلم: 10] وهذا ذم له يقتضي كراهة الإكثار. فأما إن لم يخرج إلى حد الإكثار فلا يكره، إلا أن يقترن به ما يقتضي كراهته.
ونقل حنبل: لا تكثر الحلف فإنه مكروه.
* * *
[فصل: في شروط الكفارة]
(فصل. ولوجوب الكفَّارة) أي: كفارة اليمين الواجبة على الحالف وليس على محنّث كفارة، (أربعة شروط) فلا كفارة مع فقد واحد منها:
(أحدها: قصد عقد اليمين)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89].
إذا تقرر هذا (فلا تنعقد) اليمين (لغوا: بأن سبقت) اليمين (على لسانه) أي: لسان الحالف (بلا قصد) منه لإيجابها؛ (كقوله: لا والله، وبلى والله في عَرَض حديثه). فلا تجب فيها كفارة على الأصح؛ لما روى عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته: لا والله، وبلى والله "
(1)
. رواه أبو داود.
قال: ورواه الزهري وعبد الله بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفا. وكذا رواه البخاري
(2)
.
وعُرض الشيء بضم العين: جانبه، وبفتحها: خلاف الطول.
(ولا) تنعقد اليمين أيضاً (من نائم وصغير) قبل بلوغ (ومجنون ونحوهم)؛كمغمى عليه ومعتوه؛ لأنهم لا قصد لهم.
الشرط (الثاني: كونها) أي: كون اليمين (على مستقبل ممكن)؛لأن شرط الانعقاد إمكان بره وحنثه وذلك في الماضي غير ممكن.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3254) 3: 223 كتاب الأيمان والنذور، باب لغو اليمين.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6286) 6: 2454 كتاب الأيمان، باب
(فلا تنعقد) اليمين بحلف (على ماض كاذباً عالماً به) أي: بكذبه، (وهي): اليمين (المغموس). سميت بذلك؛ (لغمسه) أي: لغمس الحالف بها (في الإثم ثم في النار) وهذا الوزن للمبالغة مثل: كذوب وأكول، (أو) على ماض (ظانا صدق نفسه فيبين بخلافه) أي: فيبين الأمر. بخلاف ما حلف عليه فلا يلزمه كفارة. وحكاه ابن عبد البر إجماعا.
وفي " الكافي ": هو ظاهر المذهب لقوله سبحانه وتعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ
…
} الآية [المائدة: 89] وهذا منه.
ولأن ذلك يكثر فلو وجبت فيه الكفاره لشق وحصل به الضرر وهو منتف شرعاً.
(ولا) تنعقد اليمين إن علق الحنث فيها (على وجود فعل مستحيل لذاته؛ كشرب ماء الكوز)؛ كقوله: والله إن شربت ماء الكوز، أو والله لا شربت ماء الكوز، أو علي يمين إن شربت ماء الكوز. (و) الحال: أنه (لا ماء فيه) أي: في الكوز. وكذا لو قال: إن جمعت بين الضدين، أو لا جمعت بين الضدين، أو إن رددت أمس، أو لا رددت أمس ونحو ذلك.
(أو) علق حنثه على فعل مستحيل لـ (غيره) أي: لا لذاته وإنما هو مستحيل في العادة؛ (كقتل الميت وإحيائه)؛كقوله: والله إن قتلت
(1)
فلاناً الميت، والله لا قتلت
(2)
فلاناً الميت، أو والله لا أحييت فلانا الميت، أو والله إن أحييت فلاناً الميت، أو والله إن طرت، أو والله لا طرت، أو والله إن صعدت السماء، أو والله لا صعدت السماء ونحو ذلك، وهذا كله في الأصح.
(وتنعقد) اليمين بتعليق حنث (بحلف على عدمه) أي: عدم المستحيل لذاته أو في العادة كقوله؛ والله لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه، أو علي يمين إن لم أشربه، أو وألله لأردن أمس، أو علي يمين إن لم أرده، أو والله لأجمعن بين
(1)
في ج: قتلنا.
(2)
في ج: قتلنا.
الضدين، أو علي يمين إن لم أجمع بين الضدين، أو والله لأطيرن، أو إن لم أطر، أو والله لأقتلن فلاناً الميت، أو إن لم أقتله ونحو ذلك في الأصح.
(وتجب الكفارة) عليه بذلك (في الحال) في الأصح؛ لإستحالة البر في المستحيل لذاته أو في العادة.
(وكلُّ مكفِّرة) أي: وكل مقالة على قائلها بها كفارة؛ كحلفه بمحمد صلى الله عليه وسلم -على قول الأكثر-، وقوله: هو بريء من الإسلام أو القرآن، أو هو يهودي أو كافر، أو زوجته عليه كظهر أمِه إن طار أو لم يطر ونحو ذلك، حكمها فيما تقدم (كيمين بالله) سبحانه وتعالى.
الشرط (الثالث) لوجوب الكفارة بالحلف: (كون حالف مختاراً) للحلف ذكره الأصحاب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما اُستكرهوا عليه "
(1)
(فلا تنعقد من مكرَه عليها) على الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على مقهور يمين "
(2)
. ولأنه قول أكره عليه بغير حق. فلم يصح؛ ككلمة الكفر.
الشرط (الرابع) لوجوب الكفارة بالحلف: (الحِنث) في يمينه؛ لأن من لم يحنث لا كفارة عليه؛ لأنه لم يهتك حرمة القسم. ويكون الحنث (بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله ولو) كان فعل ما حلف على تركه وترك ما حلف على فعله (محرَّمين)؛ لأنه لا وجود للحنث إلا مما ذكر.
(لا) إن حنث (مكرَها) بفعل الحالف أو فعل من حلف عليه في الأصح؛ كما لو قال: والله لا دخلت، أو لا دخلت زوجتي الدار، فدخل أو دخلت مكرهة؛ لأن فعله المكروه لا ينسب إليه. فلم تكن عليه كفارة؛ كما لو لم يفعله.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2043) 1: 659 كتاب الطلاق، باب طلاق المكرَه والناسي.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(35) 4: 171 النذور.
(أو) حنث؛ (جاهلاً)؛ كما لو قال: والله لا دخلت دار فلان ثم دخلها جاهلاً أنها دار فلان يعني: أنه لا تجب عليه كفارة.
(أو) حنث (ناسياً)؛ كما لو قال: والله لا كلمت زيداً فكلَّمه ناسياً ليمينه يعني: فإنه لا كفَّارة عليه؛ لأنه لا إثم عليه. وأما إن كلمه في حال جنونه فقال في " الإنصاف ": والفاعل في حال الجنون قيل: كالناسي. والمذهب عدم حِنثه مطلقاً. قال الزركشي: وهو الأصح. انتهى.
(ومن استثنى فيما يكفَّر) أي: في شيء تجب فيه كفارة؛ (كيمين بالله تعالى، و) كـ (نَذْر وظِهار، ونحوه) كقوله: هو يهودي، أو بريء من الإسلام أو نحو ذلك إن فعل كذا (بـ) قوله:(إن شاء الله، أو) بقوله: إن (أراد الله، أو) بقوله: (إلا أن يشاء الله، وقصد ذلك) أي: وقصد تعليق الفعل على مشيئة الله سبحانه وتعالى لا
(1)
إله سواه أو على إرادته؛ لاعتبار ذلك في الأصح ليخرج من سبق على لسانه من غير قصد، أو أتى به تبركاً، (واتصل) استثناوه بيمينه (لفظا) بأن لم ينقطع كلامه حتى انتهى الاستثناء، (أو) اتصل (حكما؛ كقطع) حصل (بتنفسٍ أو سعالٍ، ونحوه)؛كعطاس:
(لم يحنث) في يمينه هذا، سواء (فعل) ما حلف على فعله (أو ترك)؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف فقال: إن شاء الله لم يحنث "
(2)
. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وقال: " فله ثنياه ".
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فقال: إن
شاء الله فلا حِنث عليه "
(3)
. رواه الخمسة إلا أبا داود.
(1)
في أ: سبحانه لا.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1532) 4: 109 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في الاستثناء في اليمين.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2104) 1: 680 كتاب الكفارات، باب الاستثناء في اليمين.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(8074) 2: 309.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1531) 4: 108 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في الاستثناء في اليمين. =
ولأن الأشياء كلها إنما تحصل بمشيئة الله سبحانه وتعالى. فمن قال: لا أفعل وفعل علمنا أنه سبحانه تعالى لم يشأ تركه، وإذا قال: لأفعلن ولم يفعل علمنا أنه سبحانه وتعالى لم يشأ فعله.
ولأنه حلف على الفعل على تقدير المشيئة ولم توجد. فلا يكون حانثاً؛ كما لو علقه على مشيئة غير الله سبحانه وتعالى فلم يشأ.
وإنما اشترط اتصال ذلك باليمين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فقال: إن شاء الله "
(1)
والفاء للتعقيب فيشترط أن يكون الاستثناء عقيب"
(2)
اليمين لذلك.
ولأن الاستثناء من تمام الكلام. فاعتبر إتصاله به؛ كالشرط وجوابه، وكالاستثناء بـ
" إلا " وأخواتها.
(ويُعتبر نطق غير مظلوم خائف) ونطقه بأن يتلفظ بالاستثناء. نص الإمام أحمد على ذلك. ولم يقل في " المستوعب " خائف؛ لأن يمينه غير منعقدة، أو لأنه بمنزلة المتأول.
(و) يعتبر أيضاً (قصد استثناء قبل تمام مستثنى منه أو بعده) أي: بعد تمام مسشثنى منه (قبل فراغه) من كلامه.
(ومن شكَّ فيه) أي: شك هل استثنى في يمينه أولم يستثن: (فكمن لم يستثن) يعني: فالحكم فيه؛ كما لو تحقق أنه لم يستثن؛ لأن الأصل عدمه.
قال في " الفروع ": وكلام الأصحاب يقتضي أن رده أي: رد الاستثناء إلى يمينه لم ينفعه؛ لوقوعها، وتبين مشيئة الله سبحانه وتعالى. واحتج به الموقع - أي: من أوقع الطلاق- في قوله: أنت طالق إن شاء الله.
(1)
= وأخرجه النسائي في "سننه"(3830) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، الاستثناء.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2104) 1: 680 كتاب الكفارات، باب الاستثناء في اليمين.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(6414) 2: 153.
أخرجه أبو داود في " سننه "(3261) 3: 225 كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين.
(2)
في ب: عقب.
(وإن حلف ليفعلنَّ شيئاً وعيَّن وقتاً) لفعله: (تعيَّن) ذلك الوقت لذلك الفعل؛ لأن النية تصرف ظاهر اللفظ إلى غير ظاهره. فلأن تصرفه إلى وقت آخر بطريق الأولى.
(وإلا) أي: وإن لم يعين للفعل وقتاً: (لم يحنث حتى يَيْئس من فعله)
الذي حلف عليه: (بتلفِ محلوف عليه، أو موت حالف، أو نحوهما) مما يحصل اليأس من البر به؛ لقول عمر: " يا رسول الله لِلَّهِ ألم تخبرنا أنا سنأتى البيت ونطوف به؟ قال: بلى. أفأخبرتك أنك آتيه العام؟ قال: فإنك آتيه وتطوف به "
(1)
ولأن المحلوف على فعله لم يتوقت بوقت معين وفعله ممكن. فلم يحصل مخالفة ما حلف عليه، وذلك يوجب عدم الحنث؛ لأن شرط الحنث المخالفة.
* * *
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2581) 2: 979 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.
[فصل: فيمن حرم حلالاً]
(فصل. من حرَّم حلالاً سوى زوجته)؛لأن تحريم الزوجة ظهار يلزم فيه كفارة الظهار، سواءً كان الذي حرمه (من طعام أو أمة، أو لباس، أو غيره؛ كقوله: ما أحل الله علي حرام، ولا زوجة له، ونحوه)؛كقوله: ما يحصل من كسب فهو علي حرام، (أو) قال:(طعامي علي كالميتة والدم)، أو كلحم الخنزير، (أو علقه) أي: علق التحريم (بشرط؛ كـ) قوله عن طعام: (إن أكلته فهو علي حرام: لم يحرم) في الأصح؛ لأن الله سبحانه وتعالى سمَّاه يميناً بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} -إلى قوله سبحانه وتعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 - 2]. واليمين على الشيء لا يحرمه.
ولأنه لو حرم بذلك لتقدمت الكفارة عليه؛ كالظهار.
(وعليه كفارة يمين: إن فعله).نص عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] يعني: التكفير. وسبب نزولها أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لن أعود إلى شرب العسل "
(1)
. متفق عليه.
وعن ابن عباس وابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال يميناً ". ومقتضاه: أنه إذا ترك ما حرمه على نفسه: أنه لا شيء عليه.
(ومن قال: هو يهودي، أو كافر، أو مجوسي، أو) هو (يعبد
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4966) 5: 2016 كتاب الطلاق، باب:(zO د 9 تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ).
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1474) 2: 1100 كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق.
الصليب، أو) يعبد
(1)
(غير الله، أو) هو (بريء من الله تعالى، أو من الإسلام، أو القرآن، أو) من (النبي صلى الله عليه وسلم، أو) هو (يكفر بالله، أو لا يراه الله في موضع كذا) منجزاً كليفعلن كذا، أو معلقاً؛ كإن فعل كذا. وفي الأصح:(أو) قال: هو (يستحل الزنا، أو الخمر، أو أكل لحم الخنزير، أو ترك الصلاة، أو الصوم، أو الزكاة، أو الحج، أو الطهارة، منجزاً؛ كليفعلن كذا، أو معلقاً؛ كإن فعل كذا فقد فعل محرَّما)؛ لما روى سالم بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال "
(2)
. متفق عليه.
وعن بريدة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قال: إنه بريء من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالما "
(3)
. رواه أحمد والنسانى وابن ماجه بإسناد جيد.
(وعليه كفارة يمين: إن خالف) بأن فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله حيث يحنث. وهذا على الأصح؛ لحديث زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقول: هو يهودي، أو نصرانى، أو مجوسي، أو بريء من الإسلام، في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء؟ فقال: عليه كفارة يمين "
(4)
. رواه أبو بكر.
(1)
في ج: هو.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(1297) 1: 459 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قاتل النفس.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(110) 1: 105 كتاب الإيمان، باب غلظ قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار
…
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3258) 3: 224 كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3772) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، الحلف بالبراءة من الإسلام.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2100) 1: 679 كتاب الكفارات، باب من حلف بملة غيرالإسلام.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(23056) 5: 355.
(4)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 10: 30 كتاب الأيمان، باب من حلف بغير الله ثم حنث.
لأن قوله هذه الأشياء توجب هتك الحرمة. فكان يميناً؛ كالحلف بالله سبحانه وتعالى. بخلاف: هو فاسق إن فعل كذا؛ لإباحته في حال.
(وإن قال. عصيت الله، أو أنا أعصي الله في كل ما أمرنى، أو محوتُ المصحف، او أدخله الله النار)، أو هو زان، أو شارب الخمر، (أو قطع الله يديه ورجليه، أو لعمره ليفعلن، أو لأفعل كذا، أو: إن فعله فعبد زيد حر، أو ماله) أي: مال زيد (صدقة، ونحوه)؛ كقوله: إن فعلت كذا فعلى زيد الحج، أو فيكون زيد بريئاً من الإسلام:(فلغو)؛ لأن هذه الأشياء كلها ليس فيها ما يوجب هتك الحرمة. فلم تكن يميناً، فيبقى الحالف على البراءة الأصلية.
واختار في " المحرر " أنه إذا قال: عصيت الله في كل ما أمرنى أنه يمين؛ لدخول التوحيد فيه.
وقال ابن عقيل في: محوت المصحف: هو يمين؛ لأن الحالف لم يقصد بقوله: محوت إلا إسقاط حرمته. فصار كقوله: هو يهودى.
وعن الإمام أحمد: أن عليه كفارة إن حنث في قوله: إن فعلت كذا فعبد فلان حر؛ لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع إلا بالحنث.
والأول أصح.
(ويلزم بحلفٍ بأيمان المسلمين، ظهار وطلاق وعتاق ونذر ويمين بالله) سبحانه وتعالى، (مع النية).
قال في " الفروع ": ففي اليمين بالله الوجهان. انتهى.
وألزم القاضي في " الخلاف " الحالف بكل ذلك ولو لم ينوه.
وقال في " الإنصاف " بعد قوله اذا نوى ذلك: على الصحيح من المذهب
عن المنقول عن القاضي في " الخلاف ". وجزم به في " الوجيز " و" المنور ". وهو ظاهر ما جزم به فى " تذكرة ابن عبدوس ". وصححه فى " النظم ". وقدمه في " المحرر" و "الرعايتين " و"الحاوي الصغير" وغيرهم.
وقيل: لا يشمل اليمين بالله تعالى وإن نوى. انتهى.
(و) يلزم بحلف (بأيمان البَيْعة وهو يمينٌ رتَبها الحجَّاج) بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي، ولاه عبد الملك بن مروان قتال عبد الله بن الزبير فحاصره بمكة ثم قتله وصلبه، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فوليها عشرين سنة:(تتضمن اليمين بالله تعالى، والطلاق، والعتاق، وصدقة المال ما فيها) يعني: أنه يلزم الحالف بها.
ما فيها: (إن عرَفها) أي: عرف أيمان البيعة (ونواها)؛لأنها يمين. فتنعقد بالكتابة المنوية؛ كالطلاق والعتاق، وكما لو لفظ بكل يمين وحدها في الأصح.
(وإلا) أي: وإن لم يكن عرفها ونواها: (فلغو) أي: فلا شيء عليه
فيها؛ لأن هذا اللفظ كناية عن هذه الأيمان والكناية يعتبر فيها النية، والنية لم توجد؛ لأنه إذا لم يعلم ما فيها لم توجد النية؛ لأن قصد الشيء فرع العلم به، وإذا لم توجد النية لم تنعقد الكناية.
(ومن حلف بإحداها) أي: إحدى
(1)
ما تقدم من الأيمان؛ كما لو حلف إنسان بعتق أو طلاق أو ظهار أو نذر أو غير ذلك مما تقدم، (فقال) له (آخر: يميني في يمينك، أو عليها) يعني. لو قال له: يميني على يمينك، (أو مثلها) يعني: أو قال له آخر: يميني مثل يمينك. نص على ذلك، (أو) قال له آخر:(أنا معك في يمينك، يريد التزام مثلها: لزمه) مثلها في الأصح؛ لأن ذلك كناية عن اليمين بمثل ما حلف به وقد نواه. فوجب أن يلزمه؛ كسائر الكنايات.
(إلا في اليمين بالله تعالى) في الأصح؛ لأنه لا ينعقد بالكناية؛ لأن الكفارة إنما وجبت في اليمين؛ لما ذكر فيها من اسم الله سبحانه وتعالى المعظم المحترم ولم يوجد ذلك في الكناية.
(1)
في أ: أحد.
(ومن قال: عليَّ نذر أو يمين فقط) أي: ولم يقل: إن فعلت كذا، أو إذا فعلت كذا، (أو) قال:(عليَّ نذر أو يمين) إن فعلت كذا، (أو) قال:(علي عهد الله، أو) قال: علي (ميثاقه) أي: ميثاق الله (إن فعلت كذا وفعله)، أو لم يفعل شيئاً فيما إذا قال: عليَّ نذر أو يمين ولم يقل: إن فعلت كذا: (فعليه كفارة يمين)؛ لما روى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين "
(1)
قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
ومن قال: مالي للمساكين وأراد به اليمين فعليه كفَّارة يمين. ذكره في" المستوعب " و " الرعاية ".
(ومن أخبر عن نفسه بحلف بالله تعالى، ولم يكن حلف فكذبة: لا كفارة. فيها) على الأصح. نص على ذلك.
وعنه: عليه كفارة يمين؛ لأنه أقّر على نفسه بشيء فيجب العمل بمقتضاه.
* * *
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1528) 4: 106 كتاب النذور، باب ما جاء في كفاره النذر إذا لم يسم.
(فصل في كفَّارة اليمين)
(وتَجمعُ تخييرًا، ثم ترتيبًا).
والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ)[المائدة: 89].
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك "
(1)
.
وأجمع المسلمون على مشروعية الكفارة في اليمين بالله سبحانه وتعالى.
إذا تقرر هذا (فيُخيَّر من لزمته) كفارة يمين (بين ثلاثةٍ) أي: ثلاثة أشياء:
1 -
(إطعام عشرة مساكين من جنس) واحد (أو أكثر) من جنسٍ؛ كإطعامه خمسة برًا، وخمسة تمرًا.
2 -
(أو كسوتِهم). وهي: (للرجل ثوب تجزئه صلاتُه) المفروضة (فيه، وللمراة دِرْع وخمار كذلك) أي: تجزئها صلاتها فيهما.
3 -
(أو عتق رقبة).
ويجوز أن يكسوهم من أي صنف شاء، سواء كان من القطن، أو الكتان،
أو الصوف، أو الشعر، أو الوبر، او الخز، أو يكسو النساء من الحرير؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بكسوتهم ولم يعّين جنسها، فأيّ جنس كساهم منه خرج به
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6343) 6: 2472 كتاب كفارات الأيمان، باب الكفارة قبل
الحنث وبعده.
عن العهدة؛ لوجود الكسوة المأمور بها. ويجوز أن يكسوهم جديدًا أو لبيسًا. (ويجزئ) اللَّبيس: (ما لم تذهب قوتُه)؛ لأنه إذا ذهبت قوته صار معيبًا. فلا يجزئه؛ كالحب المعيب في الإطعام، والرقبة إذا ذهبت قوتها في العتق.
والمساكين الذي تجزئ كسوتهم هم الذين يجزئ إطعامهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)[المائدة: 89] فينصرف الضمير إليهم.
(فإن عجز) من وجبت عليه كفارة يمين عن العتق والإطعام والكسوة (كعجزٍ عن فطرة: صام ثلاثة أيام)، لقوله سبحانه وتعالى:(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ)[المائده: 89](متتابعة وجوبًا) على الأصح؛ لأن في قراءة أبيّ وابن مسعود: " فصيام ثلاثة أيام متتابعة ". والظاهر: أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون خبرًا.
ولأنه صوم في كفارة لا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن العتق. فوجب فيه التتابع؛ كصوم المظاهر.
ومحل وجوب التتابع: (إن لم يكن) له (عذر) في ترك التتابع من مرض
أو غيره.
(ويُجزئ) في الكفارة (أن يُطعم بعضًا) من المساكين (ويَكْسُوَ بعضًا) في الأصح. فلو أطعم خمسة وكسا خمسة، أو أطعم أقل أو أكثر من خمسة وكسا الباقي أجزأه؛ لأن الله سبحانه وتعالى خيّر من وجبت عليه كفارة يمين بين الإطعام والكسوة فكان مرجعهما إلى اختياره في العشرة وفي بعضهم. بخلاف ما لم يخيره فيه. ولهذا (لا) يجزئه (تكميل عتق بإطعام أو كِسوَة). فلو عتق نصف رقبة وأطعم خمسة مساكين أو كساهم لم يجزئه؛ لقوله سبحانه وتعالى:(أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)[المائدة: 89]؛ لأنه لم يحرّر رقبة.
(و) كذا (لا) يجزئه تكميل (إطعام) أو كسوة (بصوم)؛ لأنه لم. يصم
ثلاثة أيام، ولم يطعم عشرة مساكين، ولم يكس عشرة مساكين.
وعدم إجزائه في هذه الصور في كفارة اليمين (كبقية الكفارات)، وكما
لا يجزئه في المسكين الواحد أن يطعمه بعض الطعام ويكسوه بعض الكسوة؛
لأنه لم يطعمه ولم يكسه.
(ومن مالُه غائب) ممن وجبت عليه كفارة يمين: (يَستدين) ويخرج (إن
قَدر) على الاستدانة.
(وإلا) أي: وإن لم يقدر على الاستدانة: (صام) ثلاثة أيام متتابعة
وأجزأه ذلك.
(وتجب كفَّارة ونذر) أي: إخراجهما (فوْرًا بحنث). نص عليه؛
لوجوب ذلك في الذمه حالاً.
(وإخراجها) أي: إخراج الكفارة (قبله) أي: قبل الحنث (وبعده
سواء) في الفضيلة في الأصح، حتى ولو كان التكفير بالصوم؛ لما روى
عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حلفت على يمين فرأيت
غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير "
(1)
. رواه أبو داود.
وفي لفظ: " وائت الذي هو خير "
(2)
. رواه البخاري.
وروى أبوهريرة وأبو الدرداء وعدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك. رواه الأثرم.
وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنى إن شاء الله لا أحلف على يمين
فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وكفرت عن
يميني "
(3)
رواه البخاري.
(1)
أخرجه أبو داود في"سننه"(3278) 3: 229 كتاب الأيمان والنذور، باب الرجل يكفر قبل أن يحنث.
وأخرجه النسائي في"سننه"(3784) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، الكفارة قبل الحنث.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(20647) 5: 63.
(2)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(6343) 6: 2472 كتاب كفارات الأيمان، باب الكفارة قبل
الحنث وبعده.
(3)
أخرحه البخاري في"صحيحه"(6340) 6: 2470 كتاب كفارات الأيمان، باب الاستثناء في الأيمان.
ولأنه كفّر بعد وجود السبب. فأجزأ؛ كما لو كفر كفارة القتل بعد الجرح
وقبل الزهوق. والسبب هو اليمين بدليل قوله سبحانه وتعالى: (واحفظوا أيمانكم إذا حلفتم)[المائدة: 89]، وقول الله سبحانه وتعالى:(قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم)[التحريم: 2].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " وكفرت يميني "
(1)
، و " كفر عن يمينك "
(2)
وتسمية الكفارة كفارة يمين. وعلى هذا فالحنث شرط وليس سبب.
ولأن تعجيل حق الله سبحانه وتعالى في المال بعد وجود سببه قبل وجود
شرطه جائز، بدليل تعجيل الزكاة بعد وجود النصاب وقبل الحول.
قال ابن عبد البر: العجب من أصحاب أبي حنيفة أجازوا تقديم الزكاة من
غير أن يروا فيها مثل: هذه الآثار في تقديم الكفاراة، وأبَوا تقديم الكفارة هاهنا مع كثرة الرواية الواردة فيها، والحجة في السنة ومن خالفها فهو محجوج بها.
وقال ابن أبي موسى: إخراج الكفارة بعد الحنث أفضل وفاقًا لمالك. والشا فعي.
ولنا: أن الأحاديث الواردة فيها التقديم مرة والتأخير أخرى وهذا دليل التسوية.
(ولا تجزئ) الكفارة إن أخرجها (قبل حلف) إجماعًا؛ لأنه تقديم للحكم
قبل سببه؛ كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب. ولا يلتفت إلى قول ابن حزم: أن العلماء اختلفوا في تقديمها على اليمين.
(ومن لزمته أيمان مُوجِبُها واحد ولو على أفعال) على الأصح، كقوله:
والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا أعطيت، والله لا أخذت، (قَبْل تكفيرٍ: فكفارة واحدة). نص على ذلك في رواية ابن منصرر.
(1)
أخرجه أحمد في"مسنده"(19487) 4: 398.
(2)
أخرجه ابن ماجه في"سننه"(2109) 1: 681 كتاب الكفارات، باب من حلف على يمين فرأى
غيره خيراً منها.
قال القاضي: هي الصحيحة.
وقال أبو بكر: ما نقله المروذي عن أحمد من أنه إن كانت اليمين على أفعالٍ فعليه لكل يمين كفارة قولٌ لأبي عبد الله. ومذهبه: أن كفارة واحدة تجزئه وهو قول إسحاق؛ لأنها كفارات من جنس واحد. فتداخلت؛ كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها مثل: أن يسرق من جماعة، أو يزنى بنساء.
(وكذا حلفُ بنُُذُور مكرَّرة). نقل ابن منصور عن أحمد فيمن حلف نذورًا كثيرة مسماة إلى بيت الله: أن لا يكلم أباه أو أخاه: فعليه كفارة يمين.
وقال الشيخ تقي الدين فيمن قال الطلاق يلزمه: لا أفعل كذا وكرره: لم يقع أكثر من طلقة إذا لم ينو.
قال في " الفروع ": فيتوجه مثله: إن قمت فأنت طالق وكرره ثلاثاً. وسبق
فيما يخالف المدخول بها غيرها يقع بها ثلاث، وذكره الشيخ إجماعًا. وكان الفرق أنه يلزم
(1)
من الشرط الجزاء، فيقع الثلاث معًا؛ للتلازم، ولا رابط في اليمين.
ولأنها للزجر والتطهير فهي كالحدود. بخلاف الطلاق. والأصل حمل اللفظ على فائدة أخرى ما لم يعارضه معارض. انتهى.
(وإن اختلف مُوجِبُها) أي: موجب الكفارة، (ك) كفارة (ظهار، و) كفارة (يمين بالله تعالى لزمتاه
(2)
ولم يتداخلا)؛ لعدم الاتحاد.
(ومن حلف يمينًا) واحدة (على أجناس) مختلفة مثل إن قال: والله
لا أكلت، ولا شربت، ولا لبست:(فكفارة واحدة)، سواء (حنث في الجميع أو في واحد وتًنْحلُّ في البقية)؛ لأن اليمين واحدة والحنث واحد. فإن حلف أيمانًا على أجناس مثل إن قال: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، فحنث في واحدة منها فعليه كفارة. فإن أخرجها ثم حنث في يمين اخرى لزمته
(1)
في أ: يلزمه.
(2)
في ب: لزمته. وهو تصحيف.
كفاره أخرى؛ لأن الحنث في الثانية تجب به كفارة أخرى بعد أن كفّر عن الأولى. فأشبه ما لو وطئ في رمضان فكفر، ثم وطئ مرة أخرى. وإن حنث في الجميع قبل التكفير أجزأته كفارة واحدة؛ لأنها من جنس واحد فتداخلت. (وليسن لقنٍ أن يُكفّر بغير صوم)؛ لأن ذلك فرض المعسر من الأحرار وهو أحسن حالاً من العبد فإنه يملك في الجملة، (ولا لسيده منعُه منه ولا من نذرٍ) أي: من الصوم، سواء كان الحلف والحنث بإذن السيد أو بغير إذنه، وسواء أضرَّبه الصوم أوْ لا؛ لأنه صوم واجب لحق الله سبحانه وتعالى. فلم يكن لسيده منعه منه؛ كصوم رمضان وقضائه.
(ومن بعضُه حر) في وجوب الكفارة، وحكمها (كحر) كامل الحرية مع القدرة ومع العجز.
(ويُكفّر كافر) وجبت عليه كفارة- (ولو) كان (مرتدًا- بغير صوم)؛ لأن الصوم عبادة وهي لا تصح من كافر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب: جامع الأيمان]
هذا (باب جَامِع الأيمان). ومبناها ابتداءً على النية ف (يُرجع فيها إلى نية حالفٍ: ليس بها) أي: بنيته (ظالمًا). نص عليه، وسواءكان مظلومًا، أو لم يكن ظالمًا ولا مظلومًا (إدا احتملها) أي: احتمل نيته (لفظُه، كنيَّته بالسقف وبالبناء السماء، و) كنيته (بالفراش والبساط
(1)
الأرض، و) كنيته (باللباس الليل)، وبالأخوّة أخوّة الإسلام، وما ذكرت
(2)
فلانًا أي: ما قطعت ذكره، وما رأيته أي: ما ضربت رئته، (و) كنيته (بنسائي طوالق أقاربه النساء، و) كنيته (بجوارِيَّ أحرارُ سفُنَه)، وكنيته بما كاتبت فلانًا مكاتبة الرقيق، وبما عرفته جعلته عريفًا، وبما أعلمته أي: جعلته أعلمًا، أي: شققت شفته، وبما سألته حاجة، أي: شجرة صغيرة، وكنيته بما أكلت له دجاجة الكبة من الغزل، ولا فروجة وهي الدراعة، ولا في بيتي فَرش وهي صغار الإبل، ولاحصير وهو الحبس، ولا بارئة، أي: السكين التي يبرأ بها، وما أشبه ذلك.
(و) حيث ادعى نية شيء من ذلك ولم يكن ظالمًا بيمينه فإنه (يُقبل) منه
ذلك (حُكمًا) أي: في الحكم (مع قُرب احتمالٍ من ظاهر) أي: من ظاهر. لفظه. (و) على الأصح: ومع (توسُّطه) أي: توسط الاحتمال من الظاهر بأن لم يكن قريبًا منه ولا بعيدًا.
أما ما لا يحتمله اللفظ أصلاً؛ كما لو حلف لا يأكل خبرًا ويدعي انه عنى
بذلك أن لا يدخل بيتًا
(3)
فإن يمينه لا تنصرف إلى ما يدعي
(4)
أنه عناه بغير
(1)
في ج: وبالبساط.
(2)
في ب: ذكره.
(3)
في ج: إقليماً.
(4)
في أ: إلى ما لا يدعى.
خلاف؛ لأنها نية مجردة لا يحتملها لفظه. أشبه ما لو نوى ذلك بغير يمين. (فيُقدَّم) ما يُقبل منه مما يدعي نيته (على عموم لفظه). فمن حلف لا يأكل لحمًا وأراد لحمًا بعينه تقيّد حلفه به، أو حلف على فعل شيء أو تركه ونوى فعله أو تركه في وقت معّين تقيّد به. وكذا من أراد بلفظه الخاص العام؛ كمن حلف لا يشرب لفلإن ماء من عطش يريد قطع منّته ونحو ذلك فإنه يحنث بكل ما فيه منّة عليه؛ كقبول هديته، واستعارة دابته، وكل ما فيه المنة. وبهذا قال مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا عبرة بالنية فيما يخالف لفظه؛ لأن الحنث مخالفة ما وقعت عليه اليمين واليمين لفظه. فلو أحنثناه على ما سواه لأحنثناه على ما نواه لا على ماحلف.
ولأن النية بمجردها لا تنعقد بها اليمين فكذلك لا يحنث بمخالفتها.
ولنا: أنه نوى بكلامه ما يحتمله ويسوغ في اللغة التعبير به عنه. فتنصرف يمينه
إليه؛ كالمعارض. وبيان احتمال اللفظ له: أنه يسوغ في كلام العرب التعبير بالخاص عن العام. قال الله سبحانه وتعالى: (ما يملكون من قطمير)[فاطر: 13]، (ولا تظلمون فتيلا) [النساء: 77]، (فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) [النساء: 53]. والقِطْمير: لفافة النواة، والفتيل: ما في شقها. والنقير: النقرة التي في ظهرها. ولم يرد ذلك بعينه، بل نفي كل شيء.
وقال الحطيئة يهجو بني العجلان:
ولا يظلمون الناس حبة خردل
ولم يرد الحبة بعينها، إنما أراد لا يظلمونهم شيئًا.
وقد يذكر العام ويراد به الخاص؛ كقوله سبحانه وتعالى: (الذين قال لهم الناس) - أراد رجلاً واحداً- (إن الناس قد جمعوا لكم)[ال عمران: 173] يعنى: أبا سفيان.
وقال سبحانه وتعالى: (تدمر كل شئ بأمر ربها)
(1)
[الأحقاف: 25] ولم
تدمر السماء والأرض ولا مساكنهم.
(1)
زيادة من ج.
وإذا احتمله اللفظ وجب صرف اليمين إليه إذا نواه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
" وإنما لكل امرئ ما نوى "
(1)
ولأن كلام الشارع يحمل على مراده به إذا ثبت ذلك بالدليل فكذلك كلام غيره.
وقولهم: إن الحنث مخالفة ما وقعت عليه اليمين.
قلنا: وهذا كذلك، لأن اليمين إنما انعقدت على ما نواه، ولفظه مصروف إليه، وليست هذه نية مجردة، بل لفظ منوي به ما يحتمله.
(ويجوز التعريض- في مخاطبة لغير ظالم- بلا حاجة).
قال في " الفروع ": اختاره الأكثر.
وقيل: لا. ذكره شيخنا واختاره؛ لأنه تدليس كتدليس البيع. وقد كره أحمد التدليس، وقال: لا يعجبني. ونصه: لا يجوز التعريض مع اليمين. انتهى.
(فإن لم ينوِ شيئًا) يعني: فإن لم يكن للحالف نية: (ف) إنه يرجع (إلى سبب يمين وما هيَّجها)؛ لدلالة ذلك على النية.
(فمن حلف: ليقضينَّ زيذًا) حقه (غدًا، فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد عدم تجاوُزه، أو اقتضاه السبب)؛ لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء قبل خروج الغد. فإذا قضاه قبله فقد قضاه قبل خروج الغد وزاده خيرًا.
ولأن مبنى الأيمان على النية، ونية هذا بيمينه تعجيل القضاء قبل خروج الغد. فتعلقت يمينه بهذا المعنى؛ كما لو صرج به.
(وكذا أكل شيء وبيعه وفعلُه غدًا) يعني: إذا حلف على ذلك يقصد عدم تجاوزه أو اقتضاه السبب؛ لأن السبب يدل على النية.
(1)
أخرجه البخارى في"صحيحه"(1) 1: 3 كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما االأعمال بالنية".
وإن لم ينو عدم تجاوز الغد ولا كان السبب يقتضيه، فقال في " شرح المقنع ": ظاهر كلام الخرقي: أنه لا يبرأ إلا بقضائه في الغد، ولا يبرأ بقضائه قبله.
وقال القاضي: يبرأ على كل حال؛ لأن اليمين للحنث على الفعل. فمتى عجله فقد أتى بالمقصود. فيبرأ؛ كما لو نوى ذلك.
والأول أصح إن شاء الله تعالى؛ لأنه ترك فعل ما تناولته يمينه لفظًا ولم يصرفها عنه نية ولا سبب. فحنث؛ كما لو حلف ليصومن شعبان فصام رجب. انتهى.
وعبارته في " الإنصاف ": وإن حلف ليقضينه غدًا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد: أن لا يجاوزه قولاً واحدًا، وكذا لا يحنث أيضًا إذا كان السبب يقتضيه، وإلا حنث على الصحيح من المذهب.
(و) من حلف: (لأقضينَّه) غداً، (أو لا قضيتُه غدًا، وقصد مَطْلَه، فقضاه قبله: حنث)؛ لأن اليمين إنما انعقدت على ما نواه وقد فعل بخلافه. (و) من حلف عن شيء: (لا يبيعه إلا بمائة، لم يحنث إلا إن باعه بأقلَّ)
من مائة. فلا يحنث إن باعه بمائة أو أكثر
(1)
؛ لأن قرينة الحال تقتضي ذلك. (و) إن حلف: (لا يبيعه بها) أي: بالمائة، (حنث) ببيعه (بها) أي: بالمائة (وبأقلَّ) منها؛ لأن العرف في هذا أن لا يبيعه بالمائة ولا بأقل منها، بدليل أنه لو وكّل في بيعه إنسانًا وأمره أن لا يبيعه بمائة لم يكن له بيعه بأقل منها. ولأن هذا تنبيه على امتناعه من بيعه بما دون المائة، والحكم يثبت بالتنبيه كثبوته باللفظ. فلو حلف من يريد شراءه: لأشترينه بمائة فاشتراه بأقل لم يحنث، وإن اشتراه بالمائة وبأكثر منها حنث؛ لما تقدم.
(و) من حلف: (لا يدخل دارًا، وقال: نويت اليوم قُبل) ذلك منه (حُكمًا) أي: في الحكم على الأصح؛ لأن ذلك لا يُعلم إلا من جهته، ولفظه
(1)
في أوب: بأكثر.
يحتمله. (فلا يحنث بالدخول) أي: دخول الدار (في غيره) أي: غير ذلك اليوم الذى نواه؛ لأن قصده تعلق به. فاختص الحنث بالدخول فيه.
(ومن دُعي لغداء فحلف: لا يتغدَّى، لم يحنث) إذا تغدى (بغداء غيره إن قصده)؛ لاختصاص الحنث به.
(و) من حلف عن إنسان: (لا يشرب له الماء من عطش ونيَّتُه أو السببُ
قطع منَّته: حنث بأكل خبزه، واستعارة دابته، وكل ما فيه منَّة)؛ لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلا منه؛ لقول الله سبحانه وتعالى:(ولاتظلمون فتيلا)[النساء: 77] يريد: لا تظلمون شيئًا.
قال في "الفروع ": وذكر ابن عقيل (لا أقلَّ؛ كقعوده في ضوء ناره). انتهى.
لأن ذلك لا منَّة فيه.
(و) من حلف على امرأته أو غيرها: (لا تخرُج لتعزيةٍ ولا تهنئةٍ ونوى أن
لا تخرج أصلاً فخرجت لغيرهما) [حنث؛ لمخالفة ما نواه]
(1)
.
(أو) حلف: (لا يلبس ثوبًا من غزلها، قطعًا للمنَّة، فباعه واشترى بثمنه ثوبًا) ولبسه، (أو انتفع به) أي: بثمنه: (حنث)؛ لأن الأسباب معتبرة في الأيمان يتعدى الحكم بتعديها. فإذا امتن عليه بثوب فحلف: لا يلبسه قطعًا للمنة به: حنث بالانتفاع به في غير اللبس؛ لأنه نوع انتفاع تلحق المنّة به.
(لا إن انتفع بغيره).
قال في " الإنصاف " بعد ذكر هذه المسألة: ومفهومه أنه لو انتفع بشيء من مالها غير الغزل وثمنه: أنه لا يحنث. وهو صحيح وهو المذهب. جزم به في " المغني " و " الشرح" وقدمه في " الفروع ".
وقيل: يحنث بقدر منته فأزيد. جزم به في " الترغيب ". انتهى.
(و) من حلف (على شيء لاينتفع به، فانتفع به هو، أو) انتفع به (أحد
(1)
ساقط من أ.
ممن في كنَفِه)؛ كزوجته ورقيقه وولده الصغير (حنث)؛ لأن من في كنفه حكمه كحكمه.
(و) من حلف على امرأته: (لا يأوي معها بدار سمَّاها، ينوي جفاءَها ولا سببَ) من جهة الدار هيّج يمينه (فآوَى معها) أي: مع زوجته (في) دار (غيرها) أي: غير التي سماها: (حنث)؛ وذلك لأنه لما قصد جفاءها بترك الأُوِيّ معها ولم يكن للدار أثر في يمينه كان ذكر الدار كعدمه، وكأنه حلف: لا يأوي معها. فإذا أوى معها في غيرها حنث؛ لمخالفته ما حلف على تركه، وصار هذا بمنزلة سؤال الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" واقعت أهلي في نهار رمضان فقال: أعتق رقبة "
(1)
؛ لأنه لما كان ذكر أهله لا أثر له في إيجاب الكفارة حذفناه من السبب وصار السبب الوقاع، سواء كان للأهل أو لغيرهم. فإن كان للدار أثر في يمينه مثل: إن كان يكره سكناها، أو خوصم من أهلها، أو امتنّ عليه بها: لم يحنث إذا أوى معها في غيرها؛ لأنه قصد بيمينه الجفاء في الدار بعينها. فلم يخالف ما حلف عليه. وإن عدم السبب والنية لم يحنث إلا بفعل ما تناوله لفظه وهو الإيواء معها في تلك الدار بعينها؛ لأنه يجب اتباع لفظه إذا لم يكن سبب ولا نية تصرف اللفظ عن مقتضاه، أو تقتضي زيادة عليه.
ومعنى الإيواء: الدخول.
(وأقلُّ الإيواء: ساعة). فمتى حلف: لا يأوي معها فدخل معها الدار حنث، قليلاً كان لبثهما أو كثيرًا. قال الله سبحانه وتعالى مخبرًا عن فتى موسى:(قال أرءيت إذ أوينا إلى الصخرة)[الكهف: 63]. قال كم كان ذلك إلا ساعة أو ما شاء الله تعالى. يقال: أويت انا
(2)
وآويت غيري. قال الله سبحانه وتعالى: (إذ أوى الفتية إلى الكهف)[الكهف: 10]، وقال سبحانه وتعالى:(وأويناهما إلى ربوة)[المؤمنون: 50].
(و) لو حلف: (لا يأوي معها في هذا العيد، حَنِث بدخوله قبل صلاة
(1)
أخرجه البخارى في "صحيحه"(5737) 5: 2260 كتاب الأدب، باب التبسم والضحك.
(2)
ساقط من ب.
العيد، لا) بدخوله (بعدها)؛ لانقضائه بصلاته.
(وإن قال) في حلفه: والله لا أويت معك (أيام العيد، أُخذ) في يمينه (بالعُرف). فإن دخل معها في يوم اشتُهر في العرف أنه من أيام العيد حنث، وإلا فلا.
قال أحمد فيما إذا حلف لا يأوي مع زوجته هذا العيد في رواية إسماعيل بن سعيد: إذا عيّد الناس دخل إليها. قلت: فإن
(1)
قال أيام العيد. قال: على ما يعرفه الناس ويعهدون بينهم.
وقد روي عن ابن عباس قال: " حقُ على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا حتى يفرغوا من عيدهم ". يعني: من صلاتهم.
(و) من حلف على امرأته عن دار بأن قال: والله (لا عدتُ رأيتُك تدخُلِينها ينوي منعها، فدخلتْها: حنث ولو لم يَرَها)؛ لمخالفتها نيته بعدم امتناعها. (و) من حلف على امرأة عن شيء: (لا تركتِ هذا يخرُج فأُفْلت فخرج،
أو قامت تصلّي) فخرج، (أو) قامت (لحاجة فخرج) ف (إن نوى) بحلفه (ان لا يخرُج: حنث) بخروجه، (وإن نوى أن لا تدَعه يخرُج: فلا) حنث؛ لأنها لم تدعه يخرج.
(1)
في ب: فإذا.
[فصل: العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ]
(فصل. والعبرة) في اليمين (بخصوص السبب، لا بعموم اللفظ) في الأصح. (فمن حلف: لا يدخُل بلدًا لظلم) موجود (فيها، فزال) الظلم ودخلها
بعد زواله.
(أو) حلف (لوالٍ) من وُلاة أمر الناس: (لا أرى منكرًا إلا رفعه إليه) فعُزل.
(أو) حلف له: (لا يخرُج إلا بإذنه، ونحوه)؛ كلا يتزوج، أو
لا يركب، أو لا يلبس كذا إلا بإذنه (فعُزل.
أو) حلف (على زوجته) أن لا تفعل كذا إلا بإذنه (فطلَّقها.
أو) حلف على (رقيقه) لا يفعل كذا إلا بإذنه (فأعتقه، ونحوه)؛ كما لو باعه أو ملكه، وكما لو حلف على أجيره: لا يفعل كذا إلا بإذنه: (لم يحنث بذلك) أي: بما حلف عليه (بعده).
فلو دخل البلد بعد زوال الظلم منها، أو رأى المنكر بعد عزل الوالي ولم يرفعه، أو خرج بلا إذنه بعد عزله، أو فعلت الزوجة ما حلف أن لا تفعله بعد طلاقها، أو فعل الرقيق ما حلف أن لا يفعله بعد عتقه، أو فعل الأجير ما حلف عليه أن لا يفعله بعد فراغ مدة إجارته: لم يحنب بشيء من ذلك.
وفي الأصح: (ولو لم يُرد) الحالف: (ما دام) الأمر (كذلك)؛ لأن الحال تصرف اليمين إليه.
ولأن السبب يدل على النية في الخصوص كدلالتها عليه في العموم، ولو نوى الخصوص لا اختصت يمينه، فكذا إذا وُجد ما يدل عليها.
وهذا في الأصح.
وقيل: إن اللفظ إذا كان يقتضي التعميم عممناه ولو اقتضى السبب
الخصوص. فتكون العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
والأول أصح.
(إلا) إذا فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله (حال وجود صفةٍ عادت)، بأن عاد الوالي إلى ولايته بعد عزله، أو أعاد المرأة بعد أن أبانها، او أعاد الرقيق إلى ملك الحالف بعد خروجه عنه.
إذا تقرر هذا (فلو رأى المنكر في ولايته) أي: ولاية الوالي الذي حلف
لا رأى منكرًا إلا رفعه إليه، (وأمكن رفعُه) أي: أن يرفع المنكر إليه، (ولم يرفعه حتى عزل: حنث بعزله) في الأصح، (ولو رفعه إليه بعد) أي: بعد عزله؛ لأنه قد فات رفعه إليه. فأشبه ما لو مات.
(وإن
(1)
مات) الوالي (قبل إمكان رفعه: حنث) أيضًا؛ لأنه قد فات.
أشبه ما لو حلف ليضربن عبده في غد فمات العبد اليوم.
(وإن لم يُعيّن الوالي إدًا) أي: في حال حلفه: (لم يتعيَّن) في الأصح؛ لانصراف ذلك إلى الجنس. فلا يحنث بعزل الوالي الذي حلف في ولايته، ولا موته؛ لبرّه برفعه لمن يلي مكانه.
(ولو لم يعلم) الحالف (به) أي: بالمنكر (إلا بعد علم الوالي)، سواء
عينه في الحلف أو لم يعينه: (فات البَرُّ) في الأصح، (ولم يحنث؛ ما لو رآه معه)؛ كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضينه. وفيه وجهان.
قال في " الفروع ": وكذا قوله جوابًا لقولها تزوجت عليَّ: كل امراة لى طالق، تطلق على نصه. وقطع به جماعة أخذًا بالأعم من لفظ وسبب. وقوله لمن عليه دينه: إن خرجت فعبدي حر ونحوه. ويتوجه مثله من قيل له: خرجت امرأتك فطلقها، أو قال له عبده: قدم أبوك أو مات عدوك فأعتقه. ولم يوقعه ابن عقيل لبطلان الخبر، لدلالة الحال؛ لأنه مقدر بشرط أو تعليل. انتهى كلامه في " الفروع ".
(1)
في ج: ولو.
(و) من حلف (للص: لايُخبِر به أو) لا (يَغمزُ عليه، فسُئل عمن هو معهم، فبرّأهم دونه؛ ليُنبّه عليه حنث)؛ لأن الغمز هو أن يفعل فعلاً يعلم به أنه هو اللص. فإذا أبرأ غيره وسكت عنه قام السكوت مقام الغمز.
ومحل هذا: (إن لم ينو حقيقة النطق أو الغمز) فإن نوى ذلك لم يحنث؛
لأن غمزه إنما كان بالسكوت دون النطق. فلم يفعل ما حلف على تركه فلا يحنث. (و) من حلف: (ليتزوجنَّ، يَبَرُّ بعقد) أي: عقد نكاج (صحيح)
لا فاسد؛ لأن فائدة العقد الحل والنكاج الفاسد لا تحل به الزوجة. فيكون وجوده كعدمه.
(و) من حلف لزوجته: (ليتزوجنَّ عليها، ولا نية ولا سبب) هيج يمينه: (يَبَرُّ بدخوله ب) زوجة (نظيرتها). نص على ذلك؛ لأن الظاهر من يمينه قصد إغارتها بذلك والتضييق عليها في حقوقها من القسم وغيره، وذلك لا يحصل بدون من يساويها في الحق والقسم، والنفقة لا تجب إلا بعد الدخول فلا يحصل مقصود اليمين بدون ذلك على الأصح. (أو) بدخوله (بمن يَغُمُّها أو) بدخوله بمن (تتأذَّى بها) لقوله عليها.
وعبارة " الفروع ": وإن حلف ليتزوجن بَرَّ بعقد صحيح. وكذا قيل لو كانت يمينه على امرأته. والمذهب: يبر بدخوله بنظيرتها. والمراد والله أعلم بمن يغمها وتتأذى بها، كظاهر رواية أبي طالب. وفي " المفردات " وغيرها: أو تقاربها. وقال شيخنا: إنما المنصوص أن يتزوج ويدخل، ولا تُشترط مماثلتها. واعتبر في " الروضة ": حتى في الجهاز، ولم يذكر دخولا.
(و) إن حلف لزوجته: (ليطلّقنَّ ضَرَّتَها، فطلَّقها) طلاقاً (رجعًيا: بَرَّ) بذلك في الأصح.
(و) إن حلف: (لا يُكلّمُها هجرًا، فوطِئها: حنث)؛ لزوال الهجر بالوطء. (و) من حلف: (لا يأكل تمرًا لحلاوته، حنث بكل حُلوٍ. بخلاف: أعتقتُه)؛ لأنه أسود أو لسواده فيعتق وحده؛ لأن العلة التي هي السواد لا تطّرد
في كل من يعتق؛ لأن المعتوق قد يكون أبيض. بخلاف العلة التي في التمر وهي الحلاوة؛ لأنها مطردة في كل حلو يؤكل.
وقال في " الفروع ": قيل لأن التعبد منع منه.
وقال القاضي وأبو الخطاب: لأن علته يجوز أن تنتقض، وقوله:
لا يطرد.
وقيل: لأنه لا يشبه التشريع.
(أو) قال (أعتِقْه؛ لأنه أسود أو لسواده فلا يتجاوزُه)؛ لجواز المناقضة عليه والبداء
(1)
. واختار في " التمهيد ": له عتق كل أسود، قال: لأن الأصل عدم البداء في حقه. ثم النسخ يجوز أن يرد من البادئ في الحكم المنصوص عليه كما يرد البداء من الادمي. ثم لم يمنع جواز ورود النسخ من القياس كذا جواز البداء في حق الموكل. وجزم به فيه.
(وإن قال: إذا أمرتُك بشيء لعلة فقس عليه كلَّ شيء من مالي وجدت فيه تلك العلة. ثم قال: أعتق عبدي فلانًا؛ لأنه أسود: صحَّ أن يُعتق كلَّ عبد له أسود). وهو نظير قول صاحب الشرع؛ لأنه تعبّدنا بالقياس.
وقال في " العدة "
(2)
: إن المخالف احتج بأن أهل اللغة لا تستعمل القياس. فلو قال لوكيله: اشتر لي سكنجبينًا فإنه يصلح للصفراء، لم يصح أن يشتري له رُمَّانًا وإن كان يصلح للصفراء.
والجواب: أن السكنجبين يختص بمعاني لا توجد في الرمان لذلك
(3)
لم
يجز أن يشتريه. وقد ورد عن أهل اللغه ما يوجب القول بالقياس، فإن اثنين
(4)
لو ضربا أمهما فضرب الأب أحدهما لأنه ضرب أمّه، صلح الرد عليه بأن الآخر ضربها فلم لا تضربه؟.
(1)
في ج: والبذا.
(2)
في ب: العمدة.
(3)
في ب: كذلك.
(4)
في "الفروع"6: 358: ابنين.
وكذلك لو قال: لا تعط فلانًا إبرة لئلا يتعدى بها، لم يصلح أن يعطيه سكينًا؛ لأن معناهما واحد، على أنا نقول بالقياس في الموضع الذي دل الشرع عليه وكلّفنا إياه، وفي تلك المواضع لم يدل الشرع فلم يصلح القول به. فقد أجاب القاضي بوجهين: أولهما كاختيار أبي الخطاب. وهو يدل على أنه لو قال: قِسْ عليه كل ما صلح للصفراء جاز، ويدل أيضًا على أنه إذا لم يعتق غير ما اعتقد أنه أسود: أن لكل عاقل مناقضته، ويقول له: لم لا تعتق غيره من السود. وكذا قاله أبو الخطاب وغيره. وأما إذا قال: أعتقت فلانًا لأنه أسود فقيسوا عليه كل أسود، فذكر في "الروضة": أنه لا يتعدى العتق غير من أعتقه، ملزمًا به للمخالف، وفيه نظر. ولعل ظاهر ما ذكر من كلام القاضي وأبي الخطاب خلافه. وقد قال القاضي في النص على العلة: واحتج بأن الاعتبار باللفظ دون المعنى؛ لأنه لو قال: والله لا أكلت السكر لأنه حلو لم يحنث بغيره، كذا لفظ الشارع، وأجاب بجواز المناقضة، وبأن الشارع أمر بالقياس، وغيره لم يأمر بذلك. فلو قال لنا قائل: قِيسُوا كلامي بعضه على بعض ثم قال: والله لا أكلت السكر لأنه حلو، شَركَه فيه كل حلو. ذكر هذا الكلام كله في " الفروع ".
(و) من حلف على إنسان: (لا تُعط فلانًا إبرة، يريد عدم تعدّيه، فأعطاه سكّيناً: حنث)؛ لأن يمينه منعقدة على ما أراده من عدم تعديه، وقد وجد بإعطاء السكين.
(و) من حلف: (لا يكلّم زيًدا لشربه الخمر فكلَّمه وقد تركه) أي: ترك شرب الخمر: (لم يحنث)؛ لأن مراده ما دام يشرب الخمر. فإذا ترك شربه لم يحنث بكلامه ما دام تاركًا لشربه.
(ولا يُقبل تعليل بكذبٍ) ووجوده كعدمه؛ (فمن قال لقنه وهو) أي: وقنه (أكبرمنه: أنت حر؛ لأنك ابني، ونحوه)، كما لو كان قنه أصغر منه فقال له: أنت حر لأنك أبي، (أو) قال (لامرأته) وهي أصغر منه:(أنتِ طالق؛ لأنكِ جدَّتي: وقعا) أي: وقع العتق والطلاق؛ لصدورهما من أهلهما في محلهما.
[فصل: إذا عدمت النية والسبب]
(فصل. فإن عُدم ذلك) وهو ما تقدم ذكره من النية والسبب: (رجع إلى التعيين)؛ لأنه متى اجتمع التعيين مع غيره مما يعرف به كان الحكم للتعيين؛ كما لو اجتمع مع الإضافة.
ولأن التعيين أبلغ من دلالة الاسم على المسمّى؛ لأنه ينفي الإبهام بالكلية. بخلاف الاسم.
إذا تقرر هذا: (فمن حلف. لا يدخل دار فلان هذه فدخلها: وقد باعها،
أو) دخلها (وهي فضاء، أو) دخلها وهي (مسجد، أو) دخلها وهي (حمَّام.
أو) حلف: (لا لبست هذا القميص فلبسه: وهو رداء، أو) لبسه وهو (عمامة، أو) لبسه وهو (سراويل.
أو) حلف: (لاكلمت هذا الصبي فصار شيخًا.
أو) حلف: لا كلمت (امرأة فلان هذه، أو) حلف لا كلمت (عبده)
أي: عبد فلان هذا، (أو) حلف: لا كلمت (صديقه) أي: صديق فلان (هذا فزال ذلك) بأن بانت الزوجة، وزال ملكه عن العبد، وزالت الصداقة (ثم كلَّمهم.
أو) حلف: (لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشًا.
أو) حلف: لا أكلت (هذا الرُّطب فصار تمرًا، أو) صار (دِبْسًا، أو)
صار (خلاً.
أو) حلف: لا أكلت (هذا اللبن فصار جبناً، ونحوه)؛ كما لو صار أقطًا، (ثم أكله ولا نية) له (ولا سبب) هيّج يمينه يختص الحال الأولى:
(حنث)؛ لأن عين المحلوف عليه باقية؛ كحلفه: لا لبست هذا الغزل فصار ثوبًا، و (كقوله): والله لا دخلت (دار فلان فقط) أي: من غير أن يقول: هذه، (أو) حلف: لا أكلت هذا (التمر الحديث فعَتُق، أو): لا كلمت هذا (الرجل الصحيح فمرض. وكالسفينة) إذا حلف لا يدخلها ف (تُنقَض ثم تعاد) ويدخلها، (و) ك (البيضة) إذا حلف لا يأكلها ف (تصير فرخًا) ثم يأكله، وكما لو حلف: لا كلمت صاحب هذا الطيلسان فكلمه بعد بيعه.
وحيث تقرر أن التعيين أبلغ من دلالة الاسم على المسمى (فلو حلف ليأكلن
من هذه البيضة أو التُفاحة، فعمل منها) أي: من التفاحة (شرابًا، أو) عمل من البيضة (ناطفًا، فأكله: برَّ. وكهاتين) أي: البيضة والتفاحة (نحوهما). فمن حلف ليدخلن دار فلان هذه فدخلها وقد صارت مسجدًا أو حمامًا بَرَّ.
[فصل: إذا عدمت النية والسبب والتعيين]
(فصل. فإن عُدم ذلك) أي: عدمت النية والسبب والتعيين: (رَجع) في اليمين (إلى ما يتناوله الاسم).
وتنقسم الأسماء إلى ما له مسمى واحد في الشرع والعرف واللغة؛ كالأرض والسماء، والشمس والقمر، والذكر والأنثى، والرجل والمرأة، والإنسان والحيوان. فهذا ومثله ينصرف يمين الحالف إلى ما سماه بغير خلاف. وإلى ما له مسميات مختلفة من حيث الشرع والعرف واللغة.
(ويقدَّم) منها مع الإطلاق: (شرعيٌ فعُرفىٌ فلُغوفيٌ.
ثم) الاسم (الشرعيُّ: ما له موضوعٌ شرعًا) أي: في الشرع، (وموضوعٌ لغة) أي: في اللغة. وذلك؛ (كالصلاة والزكاة والصوم والحج، ونحو ذلك)؛ كالوضوء.
(فاليمين المطلقة) على فعل شيء من ذلك أو على تركة (تنصرف إلى الموضوع الشرعي)؛ لأن ذلك هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق؛ لأن الشارع إذا قال: صل تعَّين عليه فعل الصلاة المشتملة على الأفعال المعلومة. إلا أن يقترن ذلك بكلام يدل على إرادة الموضوع اللغوي فكذا يمين الحالف.
(وتتناول الصحيح منه) أي: من الموضوع الشرعي؛ لأنه ممنوع من الفاسد بأصل الشرع. فلا حاجة إلى المنع من فعله باليمين.
(فمن حلف: لاينكح، أو) حلف لا (يبيع، أو) حلف لا (يشتري والتَّشْركة) شراء، (والتَّولية) شراء، (والسَّلَم) شراء، (والصلح على مال شراء). فمن حلف لا ينكح أو لا يبيع أو لا يشتري (فعقَد عقدًا فاسدًا) من نكاح أو بيع أو شراء:(لم يحنث) على الأصح؛ لأن البيع إذا أطلق لا يتناول
الفاسد بدليل قوله سبحانه وتعالى: (وأحل الله البيع)[البقرة: 275]، وإنما أحل الصحيح من البيع. ويقاس عليه ما سواه من العقود وكذا العبادات.
(إلا إن حلف: لا يحج فحجَّ حجًا فاسدًا) يعني: فإنه يحنث وفارق سائر العبادات؛ لوجوب المضي في فاسده.
ولأنه كالصحيح فيما يحرم ويحل.
ولأنه يلزم
(1)
فيه الفدية بما يفعله من محظور كما في " الصحيح ".
ومقتضى ما تقدم: أن من حلف لا يبيع أو لا يشتري فباع أو اشترى بشرط
خيار: أنه يحنث؛ لأنه بيع صحيح. فيحنث به؛ كاللازم.
(ولو قيَّد) الحالف (يمينه بممتنع الصحة؛ ك) من حلف: (لا يبيع الخمر، أو) حلف لا يبيع (الحرَّ، أو قال لامرأته: إن سرقتِ مني شيئًا وبعتنيه) فأنت طالق، (أو) قال لها: إن (طلقت فلانة الأجنبيه فأنت طالق ففعلت) أي: فسرقت منه شيئًا وباعته إياه، (أو فعل) هو ما حلف على صورته بأن قال: فلانة الأجنبية طالق: (حنث بصورة ذلك) في الأصح؛ لتعذر حمل يمينه على عقدٍ صحيح أو طلاق واقع. فتعين كون صورة ذلك محلاً لها. والحلف على الماضي والمستقبل في جميع ذلك سواء؛ لأن ما لا يتناوله الاسم في المستقبل لا يتناوله في الماضي.
(ومن حلف: لايحج، أو) حلف (لايعتمر، حنث) من حلف لا يحج (بإحرام به) أي: بالحج، (أو) حنث من حلف أن لا يعتمر بإحرام (بها) أي: بالعمرة في الأصح.
وقيل: لا يحنث إلا بفراغ أركانه، أو بفراغ أركانها.
(و) من حلف: (لا يصوم)، حنث (بشروع صحيح) في الصوم؛ لأنه
بالشروع في الصوم يسمى صائمًا؛ كما أنه بالشروع في الصلاة يسمى مصليًا. فإذا صام يومًا تبيّنا حنثه حين شروعه. فلو كان حلفه بطلاق وولدت في أثناء ذلك
(1)
في ج: يازمه.
اليوم انقضت عدتها. وإن كان حلفه بالطلاق الثلاث وماتت في أثناء ذلك اليوم لم يرثها.
(و) من حلف: (لا يصلي) حنث (بالتكبير) أي: تكبيرة
(1)
الإحرام (ولو على جنازة) في الأصح؛ لأنه يقال صلاة الجنازة فتدخل في العموم.
و (لا) يحنث (من حلف: لا يصوم صومًا حتى يصوم يومًا، أو) من حلف: (لا يصلي صلاة حتى يفرُغ مما يقع عليه اسمها) أى. اسم الصلاة؛ لأنه لما قال: صومًا وصلاة اعتبر فعل صوم شرعي، وأقله يوم. وفعل صلاة شرعية، وأقلها ركعة؛ (كليفعلن) يعني: كما لو حلف ليصومن وليصلين، فإنه لا يَبر إلا بصوم يوم أو بصلاة ركعة.
(و) من حلف: (ليبيعنَّ كذا فباعه يعرْض أونسيئة: بَرَّ) في الأ صح.
وقيل: لا يبر إلا بقبض ثمنه.
(و) من حلف: (لا يَهَبُ، أو) حلف لا (يُهدي، أو) حلف
لا (يُوصي، أو) حلف لا (يتصدق، أو) حلف لا (يُعير: حنث بفعله)؛ لأن هذه الأشياء لا عوض فيها فكان مسماها الإيجاب فقط. وأما القبول فشرط لنقل الملك وليس هو من السبب فيحنث بمجود الإيجاب. ويشهد للوصية قوله سبحانه وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ)[البقرة: 180] فإنه إنما أراد الإيجاب دون القبول، وبقية هذه الأشياء
في معنى الوصية؛ لأن كلاً منها لا عوض فيه.
و (لا) يحنث (إن حلف: لا يبيع) فلانًا، (أو) لا (يؤجّر) فلانًا، (أو) لا (يزوّج فلانًا، حتى يقبل) فلان؛ لأنه لا يكون بيعًا ولا إجارة ولا تزويجًا إلا بعد القبول.
(و) من حلف: (لايَهَبُ زيدًا) شيئًا، (فأهدى إليه) شيئًا، (أو باعه) شيئًا (وحاباه) فيه، (أو وقف) عليه (أو تصدَّق عليه صدقة تطوع: حنث)؛ لأن ذلك كله من أنواع الهبة.
(1)
في ب: بتكبيرة.
(لا إن كانت) الصدقة التي تصدق بها عليه (واجبة)؛ كما لو كانت من زكاة (أو من نذر أو كفارة، أو ضيَّفَهُ) الشيء (الواجب) عليه من ضيافته، (أو أبرأه) من دين له عليه، (أو أعاره، أو وصّى له، أو حلف: لا يتصدَّق عليه فوهبه، أو: لا تصدَّق) عليه (فأطعم عيالَه) فإنه لا يحنث في جمييع ذلك.
أما عدم حنثه بالصدقة الواجبة؛ فلأن ذلك حق لله سبحانه وتعالى يجب عليه إخراجه. فلم يكن هبة منه، وكذا حكم ما وجب عليه من ضيافته.
وأما عدم حنثه بإبرائه من دينه؛ لأن الهبة تمليك عين [وليس له إلا دين في ذمته.
وأما عدم حنثه بإعارته؛ لأن الهبة تمليك عين]
(1)
والعارية إباحة انتفاع. فلا يملك المستعير بالعارية عينًا ولا منفعة.
وأما عدم حنثه بالوصية له؛ لأن الهبة تمليك في الحياة، والوصية إنما يحصل الملك فيها بالقبول بعد الموت.
وأما عدم حنث من حلف: لا يتصدق على فلان فوهبه؛ لأن الصدقة نوع من الهبة. ولا يحنث الحالف على نوع بفعل نوع آخر، ولا يثبت للجنس حكم النوع. ولهذا حرمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تحرم الهبة ولا الهدية، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة:" هو عليها صدقة ولنا هدية "
(2)
.
وأما عدم حنث من حلف لا يتصدق على فلان بإطعام عياله؛ لأنه
(3)
لم يتصدق عليه.
ولا يذكر في ذلك في " الفروع " خلافًا.
(وإن نذر أن يهب له) أي: لفلان شيئًا: (بَزَّ بالإيجاب) يعني: ولو رد فلان ما وهبه الحالف؛ (كيمينه) أي: كما لو حلف على ذلك.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه البخارى في "صحيحه"(4809) 5: 1959 كتاب النكاح، باب الحرة تحت العبد.
(3)
ساقط من ب.
[فصل: في الاسم العرفي]
(فصل. و) أما الاسم (العُرفيُّ) فهو: (ما اشتهَر مجازُه حتى غلَب على حقيقته؛ كالرَّاوية) فإنها في العُرف: للمزادة، وفي الحقيقة: للجمل الذي يُستقى عليه. (والظَّعينة) أي: وكالظعينة فإنها في العُرف: للمراة، وفي الحقيقة: للناقة التي يظعن عليها.
(والدابة) أي: وكالدابة فإنها في العرف لذوات الأربع، وفي الحقيقة:
اسم لكل ما دَبّ ودرج.
(والغائط) أي. وكالغائط فإنه في العرف: للخارج المستقذر، وفي الحقيقة: المكان المطمئن من الأرض.
(والعَذِرَة) أي: وكالعذرة فإنها في العرف للخارج المستقذر، وفي الحقيقة: لفناء الدار.
(ونحوه) أي: ونحو ماذكر مما اشتهر مجازه حتى غلب على حقيقته.
(ف) الحالف على شيء من ذلك (تتعلَّق اليمين) فيه (بالعرف، دون الحقيقة)؛ لأن الحقيقة في نحو ما ذكر صارت مهجورة ولا يعرفها أكثر الناس. فتعلقت اليمين بما يُعلم أن الحالف لا يريد غيره. فصار كالمصرّح به.
إذا تقرر هذا (فمن حلف: لا يأكل عيشًا، حنث بأكل خبز).
قال في " الفروع ": والعيش يتوجه فيه عرفًا: الخبز، وفي اللغة: العيش الحياة فيتوجه ما يعيش به. فيكون كالطعام. انتهى.
(و) من حلف: (لا يطأ امرأته، أو) حلف لايطأ (أمته، حنث.
بجماعها) أي: بجماع من حلف على وطئها؛ لأن هذا هو المعنى الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف. ولذلك إذا حلف على ترك وطء زوجته صار موليًا.
(و) من حلف: (لايتسرَّى، حنث بوطء أمته) مطلقًا على الأصح؛ لأن التسري مأخوذ من السّر الذي هو الوطء قال الله سبحانه وتعالى: (ولكن لا تواعدوهن سرا)[البقرة: 235].
وقال الشاعر:
ألا زعمت بسباسه القوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
ولأن كل حكم تعلق بالوطء لم يعتبر فيه الإنزال؛ كسائر الأحكام.
(و) من حلف: (لا يطأ) دارًا، (أو لايضع قدمه في دار، حنث بدخولها راكبًا وماشيًا وحافيًا ومُنتعلاً)؛ لأن ظاهر حلفه إرادة الامتناع من دخولها. فهو كما لو قال: لا أدخلها فإذا دخلها [على أيّ صفة كانت حنث؛ لأن المقصود من اليمين الامتناع من دخولها فإذا دخلها]
(1)
حنث.
(لا بدخول مقبرة)؛ لأنها لا تسمى دارًا في عرف الناس.
(و) من حلف: (لا يركب، أو) حلف: لا (يدخل بيتًا، حنث) من حلف لا يركب (بركوب سفينة)؛ لأنه ركوب؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وقال اركبوا فيها)[هود: 41]، وقال سبحانه وتعالى:(فإذا ركبوا فى الفلك)[العنكبوت: 65].
(و) حنث من حلف لا يدخل بيتًا ب (دخول مسجد، و) دخول (حمام،
و) دخول (ييت شعر، و) بيت
(2)
(أدم وخَيْمَة).
أما حنثه بدخول مسجد؛ فلقول الله سبحانه وتعالى: (فى بيوت أذن الله أن ترفع)[النور: 36]، وقوله سبحانه وتعالى:(إن أول بيت وضع للناس)[ال عمر ان: 96].
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أ. دخول.
وأما حنثه بدخول الحمام؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم " بئسَ البيتُ الحمام "
(1)
. رواه
أبو داود وغيره.
وإذا كان في الحقيقة بيتًا وفي عرف الشارع حنث بدخوله؛ كبيت الأنسان.
وأما بيت الشعر والأَدم؛ فلأن اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفًا؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا 000) الآيه [النحل: 80].
وأما الخيمة؛ فلأنها في معنى بيت الشعر. وقدم الحنث بها في " الرعايه " واقتصر عليه السامري. وحكاه في " الفروع " منصوصًا عليه.
وقيل: لا يحنث بدخول الخيمة.
وعلم مما تقدم أنه (لا) يحنث بدخول (صُفَّةٍ) أي: صفة الدار (ودِهْليزٍ) أي: دهليز دار؛ لأن ذلك لا يسمى بيتًا.
(و) من حلف: (لا يضرب فلانة، فخنقها، أو نتَف شعرَها، أو عضَّها: حنث)؛ لأن قصده بذلك ترك تأليمها وقد ألمها. لكن لو عضها للتلذذ ولم يقصد تأليمها لم يحنث. ولهذا لو حلف: ليضربنها ففعل ذلك بَرَّ؛ لوجود المقصود بالضرب، وإن ضوبها بعد موتها لم يبر.
(و) من حلف: (لا يَشممُّ الريحان فَشَمَّ وردًا أو بنَفْسَجًا أو ياسمينًا) ولو
كان يابسًا أو زنبقًا أو نسرينًا أو نرجسًا أو غير ذلك من زهر طيب الرائحة: حنث.
(أو) حلف: (لا يَشُمُّ وردًا أو بنفسجًا فشَمَّ دُهنَهما أو ماء الورد): حنث
في الأصح؛ لأن الشم إنما هو للرائحة دون الذات. ورائحة الورد والبنفسج موجودة في دهنهما ورائحة الورد موجودة في ماء الورد.
(أو) حلف: (لا يشُمُّ طيبًا فشمَّ نبتًا ريحه طيّب)؛ كالخزامى ونحوها:
(1)
ذكره الزبيدى في "الأتحاف"2: 635 عن عائشة، وعزاه إلى البيهقي في "السنن".
حنث لطيب رائحته، (أو لا يَذوق شيئًا فازْدَرَدَهُ ولم يُدرك مَذاقَه: حنث)؛ لأن الذوق
(1)
في العرف للأكل. يقال: ما ذقب لزيد طعامًا أي: ما أكلت.
وا لازدراد أكل.
قال في " الفروع ": وظاهر " المغني " لا. انتهى.
(1)
في أوب: الذواق.
[فصل: في الاسم اللغوي]
(فصل. و) أما الاسم (اللغويُّ) هنا فهو: (ما لم يَغلِب مَجازُه) على حقيقته.
إذا تقرر هذا (فمن حلف: لا يأكل لحمًا، حنث ب) أكل لحم (سمك،
و) أكل (لحم يحرم)؛ كلحم غير المأكول في الأصح؛ لأنه داخل في مسمّى اللحم. (لابمرَق لحم)؛ لأن المرق ليس بلحم.
(ولا) بأكل (مُخٍّ وكَبدٍ وكُلْيةٍ وشحمِها وشحم ثَرْبٍ وكَوشٍ ومُصْران وطِحال وقلب وألْيَةٍ ودماغ وقانصةٍ وشحم وكارع ولحم رأس ولسان)؛ لأن إطلاق اسم اللحم لا يتناول شيئًا من ذلك. وقد دل على أن الكبد والطحال ليسا بلحم؛ لقول
(1)
النبي صلى الله عليه وسلم: " أحلت لنا ميتتان ودمان: أما الدمان فالكبد والطحال "
(2)
.
ولأن الإنسان لو وكّل غيره في شراء لحم. فاشترى له رأسًا أو كارعًا لم يلزم الموكّل قبوله.
ولأن بائع الرؤوس يسمى رواسًا لا لحامًا.
ولأن كلاً مما ذكرنا منفرد عن اللحم بالاسم والصفة.
ولنا وجه: يحنث بأكل لحم الرأس وأكل الكارع وأكل اللسان.
والمذهب: لا يحنث بشيء من ذلك.
(إلا بنية اجتناب الدَّسم)؛ لأن كلاً مما ذكرنا به دسم.
(1)
في أوب: لقول.
(2)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(3314) 2: 1102 كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال.
ومن حلف: لا يشتري لحمًا فقد نقل صالح وابن هانئ عن أحمد: إن حلف
لا يشتري لحمًا فاشترى رأسًا أو كارعًا إن كان لشيء تأذى به من اللحم، فالرأس مخالف للبدن، وإن كان عقده لا يشتري لجميعه فلا يعجبني يشتري شيئًا من الشاة. (و) من حلف: (لا يأكل شَحْمًا فأكل شحم الظهر أو الجنب، أو
سمينَها، أو الأَلية أو السَّناَمَ: حنث)؛ لأن كل ما يذوب بالنار مما في الحيوان يسمى شحمًا. وقد سمى الله سبحانه وتعالى ما على الظهر من ذلك شحمًا بقوله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)[الأنعام: 146]. فاستثناه من الشحم، ولولا دخوله في مفهوم
الشحم لم يصح استثناؤه.
(لا إن أكل) من حلف: لا يأكل شحمًا (لحمًا أحمر) فإنه لا يحنث. وكذا لا يحنث من حلف: لا يأكل شحمًا بأكل لحم أبيض، ولا كبد، ولا طحال، ولا كارع، ولا رأس، ولا لسان، ولا قلب، ولا قانصة ونحو ذلك مما ليس بشحم.
(و) من حلف: (لا يأكل لبنًا، فأكله ولو من صيد، أو) من (آدمية: حنث)؛ لأن الاسم يتناوله حقيقة وعرفًا، وسواء كان حليبًا أو رائبًا أو مائعًا أو مجمدًا؛ لأن الجميع لبن.
و (لا) يحنث من حلف: لا يأكل لبنًا (إن أكل زُبْدًا أو سَمْنًا أو كَشْكًا أو مَصْلاً).
قال في " القاموس ": المَصْل والمصالةُ: ما سال من الأقِطِ إذا طبخ ثم عُصر انتهى.
(أو) أكل (جُبنًا أو أَقِطًا) بكسر القاف وهو اللبن المجفف، (أو نحوه)
مما يصنع من اللبن ويختص باسم.
وعنه: إن أكل الجبن أو الأقِط أو الزُّبد حنث.
والأول المذ هب.
(أو) من حلف: (لا يأكل زُبْدًا، أو) حلف لا يأكل: (سمنًا فأكل الآخر)
يعني: أن من حلف لا يأكل زبدًا فأكل سمنًا أو حلف لا يأكل سمنًا فأكل زبدًا (ولم يظهر فيه طعمه) أي: فيما أكله منهما طعم الآخر: لم يحنث؛ لأن لكل واحد منهما اسم يختص به ولم يظهرطعم واحد مما حلف عليه.
(أو) من حلف: (لا يأكلُهما) أي: يأكل الزبد والسمن (فأكل لبنًا) يعني: أنه لا يحنث؛ لأن يمينه إنما تنصرف إلى المسمى.
(و) من حلف: (لا يأكل رأسًا ولا بيضًا حنث بأكل رأس طير، و) رأس (سمك، و) رأس (جراد، وبيضِ ذلك) في الأصح؛ لأن ذلك يدخل تحت مسمى الرأس والبيض فيحنث به.
(و) من حلف: (لا يأكل من هذه البقرة، لا يعمُّ ولدًا، و) لا (لبنًا)؛ لأنهما ليسا من أجزائها.
(و) من حلف: (لا يأكل من هذا الدَّقيق، فاستفَّه، أو خبَزَه وأكله: حنث)؛ لأنه أكل منه.
(و) من حلف: (لا يأكل فاكلهة، حنث بأكل بِطيخ) في الأصح؛ لأنه ينضج ويحلو ويُتفكه به. فكان داخلاً في مسمى الفاكهة، (و) بأكل (كلّ تمر شجر غير بَري)؛ كبلح وعنب ورمان وسفرجل وتفاح وكمثرىوخوخ ومشمش وأترج وتوت وتين وموز وجمينر.
وقال أبو حنيفة وأبو ثور: لا يحنث بأكل تمر النخل والرمان؛ لقوله سبحانه وتعالى:
(فيهما فاكهة ونخل ورمان)[الرحمن: 68] والمعطوف يغاير المعطوف عليه.
ولنا: أنهما ثمرتان يُتفكه بهما فكانا
(1)
من الفاكهه التي في عرف الناس. ويسمى بائعها فاكهانيًا، وموضع بيعها دار الفاكهة، والأصل في العرف الحقيقة، وعطفهما على الفاكهة؛ لتشريفهما؛ كقوله سبحانه وتعالى:(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ)[أببقرة: 98] هما من الملائكة.
(ولو) كان ثمر الشجر غير البري (يابسًا، كصَنُوبَر وعُنَّابٍ، وجَوْز
(1)
في ج: فكانتا.
ولَوْز، وبُندق وفُستُق، وتمرٍ وتُوت، وزَبيب وتين، ومِشْمِش وإجاص ونحوها)؛ لأن يبس ذلك لا يخرجه عن اسم الفاكهة.
(لا) بأكل (قَثَّاء وخيار)؛ لأن ذلك من الخضر. فلا يحنث بهما من حلف: لا يأكل فاكهه.
(و) لا بأكل (زيتون)؛ لأنه لا يُتفكه بأكله، وإنما المقصود زيته.
(و) لا بأكل (بَلُّوط)؛ لأنه لا يتفكه به
(1)
وإنما يؤكل عند المجاعة أو
للتداوي.
(و) لا بأكل (بُطْم)؛ لأنه في معنى الزيتون؛ لأن المقصود زيته.
(و) لا بأكل (زُعْرُور أحمر وآسٍ، وسائر ثمر شجر بري لا يُستطاب)؛ كثمر القيقب والعفص.
(ولا) بأكل (قرع وباذنجان) وكرنب؛ لأن ذلك من الخضر.
(ولا) بأكل (ما يكون بالأرض؛ كجزر ولِفْت وفُجْل وقُلقاس، ونحوه)؛ ككماً ة وسوطل؛ لأن ذلك كله ليس من الفاكهة. وإنما الفاكهة لما تحمل الشجر.
(و) من حلف: (لا يأكل رُطُبًا، أو) حلف: لا يأكل (بُسْرًا فأكل مُذَنَّبًا) وهو: ما بدا فيه الأرطاب من ذنبه: (حنث) في الأصح؛ لأن المذنب يجميع بين البسر والرطب.
(لا إن أكل تمرًا)؛ لأنه لم يأكل رطبًا. ولا بسرًا.
(أو حلف) إنسان: لا (يأكل رُطبًا أو بُسرًا فأكل الآخر) أي: بأن حلف:
لا يأكل رطبًا فأكل البسر، أو حلف لا يأكل بسرًا فأكل الرطب، فإنه لا يحنث بواحد منهما؛ لأنه لم يأكل ما حلف على تركه.
[(و) لا من حلف: (لا يأكل تمرًا فأكل رُطبًا أو بُسرًا أو دِبْسًا أو ناطِفًا)
(1)
ساقط من ب.
مصنوعان
(1)
من تمر النخل؛ لأنه لم يأكل تمراً
(2)
]
(3)
.
(و) من حلف: (لا يأكل أُدْمًا، حنث بأكل بيض، و) أكل (شِواء
(4)
،
و) أكل (جبن، و) أكل (ملح، و) أكل (تمر) في الأصح فيه؛ لما روى يوسف بن عبد الله بن سلام قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع تمرة على كسرة، وقال: هذه أدام "
(5)
. رواه أبو دا ود. وذكره الإمام أحمد.
(و) أكل (زيتون، و) أكل البن، و) أكل (خل، و) أكل (كل مُصْطبِغ به) أي: ما جرت العادة بأكل الخبز به؛ كالزيت والعسل والسمن واللحم؛ لأن هذا معنى التأدّم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة "
(6)
. رواه ابن ماجه.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سيد الإدام اللحم "
(7)
.
وقال: " سيد إدامكم اللحم "
(8)
. رواه ابن ماجه.
(و) من حلف: (لا يأكل قوتًا، حنث بأكل خبز وتمر وزبيب وتين ولحم ولبن، وكلّ ما تبْقَى معه البنية)؛ لأن كل واحدة من هذه المذكورات يقتات به في بعض البلدان. وكذا يحنث إن أكل سويقًا أو سَفّ دقيقًا؛ لأنه يقتات بذلك. ولهذا قال بعض اللصوص:
لاتخبزَا خبزًا وبُسّا بسّا ولا تطْيلَا بمُقام حبسا
(1)
في ج: معمولان.
(2)
في ج: لأنه لم يأكل ما حلف على تركه.
(3)
ساقط من ب.
(4)
في ج شوي.
(5)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3259) 3: 225 كتاب الأيمان والنذور، باب الرجل يحلف أن لا يتأدم.
(6)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(3319) 2: 1103 كتاب الأطعمة، باب الزيت
(7)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"وأبو نعيم في "الطب النبوي". ر. "إتحاف السادة المتقين"5: 255.
(8)
أخرجه ابن ماجه في"سننه"(3305) 2: 1099 كتاب الأطعمة، باب اللحم. عن أبي الدرداء
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم".
وكذا يحنث إن حلف: لا يأكل قوتًا بأكل حب يُقتات خبزه؛ لما روي " أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر قوت عياله سنة "
(1)
. وإنما كان يدخر الحب.
(و) من حلف: (لا يأكل طعامًا ما حنث، ب) استعمال (كلّ ما يُؤكل ويُشرب) من قوت وأدَم وحلوى وفاكهة وجامد ومائع. قال الله سبحانه وتعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ)[آل عمران: 93]
وقال أيضا سبحانه وتعالى: (ويطعمون الطعام على حبه)[الإنسان: 8] أي:
على محبة الطعام وحاجتهم إليه.
وقيل: على حب الله سبحانه وتعالى.
وقال أيضًا سبحانه وتعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ)[الأنعام: 145].
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم اللبن طعامًا، فقال:" لا أعلم ما يجزئ عن الطعام. والشراب إلا اللبن "
(2)
. رواه ابن ماجه.
(لا) بشرب (ماء ودواء، و) لا بأكل (ورق شجر وتراب، ونحوها)؛ كنشارة خشب.
(و) من حلف: (لايشرب ماء، حنث بماء ملح و) ماء (نجس)؛ لأنه
ماء. (لاب) شرب (جُلاّب)
(3)
؛ لأنه لا يسمى ماء.
(و) من حلف: (لا يتغدَّى فأكل بعد الزوال، أو) حلف (لا يتعَّشى فأكل
بعد نصف الليل، أو) حلف:(لا يتسحَّر فأكل قبله) أي: قبل النصف من الليل: (لم يحنث) ما لم تكن له نية؛ لأن الغداء مأخوذ من الغدوة وهي:
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه"(2965) 3: 141 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال.
وأخرجه النسائى فى "سننه "(14140) 7: 132 كتاب قسم الفئ.
(2)
اخرجه ابن ماجه فى "سننه"(3322) 2: 1103 كتاب الاطعمه، باب اللبن.
(3)
هو ماء الورد.
من
(1)
طلوع الفجر إلى الزوال. والعشاء مأخوذ من العشي وهو: من زوال الشمس إلى مضي نصف الليل الأول. والسحور مأخوذ من السحر وهو: من نصف الليل إلى طلوع الفجر.
(ومن أكل ما حلف لا يأكله) حال كون ما حلف لا يأكله (مستهلَكًا في غيره؛ كسمن) أي: كمن حلف: لا يأكل سمنًا (فأكله في خَبيص، أو) من حلف: (لا يأكل بيضًا فأكل ناطفًا، أو) من حلف: (لا يأكل شعيرًا فأكل حنطة فيها حبات شعير: لم يحنث)؛ لأن ما أكله لا يسمى سمنًا ولا بيضًا ولا يطلق على حنطة فيهاحبات شعير اسم شعير.
(إلا إذاظهرطعم شيء من محلوف عليه)؛ كما لو ظهرطعم السمن في الخبيص، أوطعم الشعير فيما صنع من تلك الحنطة فإنه يحنث.
(و) من حلف: (لا يأكل سويقًا، أو) حلف: لا يأكل (هذا السَّويق فشربه، أو) حلف: (لا يشربه فأكله: حنث) على الأصح؛ لأن اليمين على ترك أكل شيء أو شربه يقصد بها في العرف اجتناب ذلك الشيء فحُملت اليمين عليه. ألا ترى أن قوله سبحانه وتعالى: (ولا تأكلوا أموالهم)[النساء: 2]،
و (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما)[النساء: 10] لم يرد به الأكل على الخصوص. ولو قال طبيب لمريض: لا تأكل العسل كان نهيًا له عن شربه.
(و) من حلف عن شيء: (لا يطعمه، حنث بأكله ومصّه)؛ لأن الطعم
كما يتناول الأكل يتناول الشرب بدليل قوله سبحانه وتعالى: (فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى)[البقرة: 249]، ولو لم يكن الشارب طاعمًا لكان الشارب من النهر من قائل: فمن شرب منه فليس مني؛ لأنه لم يطعمه. وأما المص فلا يخرج
(2)
عن كونه أكلاً أو شربًا.
(لا بذَوْقِه)؛ لأن الذوق لا يجاوز اللسان فلا يكون طاعمًا. بخلاف الأكل والشرب فإن كلاً منهما يجاوز الحلق.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ج: يخلو.
(و) من حلف: (لا يأكل، أو) حلف (لا يشرب، أو) حلف
(لا يفعلُهما) أي: لايأكل ولا يشرب: (لم يحنث بمصّ قصب سكر، و) مصّ (رمان) على الأصح؛ لأن ذلك لا يسمى في العرف أكلاً ولا شربًا.
(ولا) يحنث (ببلع ذَوْب سكر في فيه بحلفه: لايأكل سُكرًا) على الأصح؛ لأن الأصحاب خرجوه على الروايتين في مص القصب السكر والصحيح
فيه عدم الحنث فكذا هذا
(1)
.
(و) من حلف: (لا يأكل مائعًا فأكله بخبز) حنث؛ لأن ذلك يسمى
أكلاً. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوا الزيت وادهنوا به "
(2)
.
(أو) حلف: (لا يشرب من النهر، أو) حلف: لا يشرب من (البئر
فاغترف بإناء) من النهر أو البئر (وشرب) منه: (حنث)؛ لأن النهر والبئر ليسا بآلة للشرب، والشرب منهما في العادة إنما يكون بالاغتراف، إما بيده أو بإناء غيرها
(3)
. فيحمل على ما جرت به العادة في الشرب فيحنث بوجوده.
(لا إن حلف: لايشرب من الكوز فصبَّ منه في إناء وشربه) فإنه.
لا يحنث؛ لأن الكوز آلة للشرب. فحقيقة الشرب منه أن يكون فيه، وإذا صبّ
منه في إناء وشرب منه لم يكن شاربًا منه.
(و) من حلف: (لا يأكل من هذه الشجرة، حنث بثمرتِها) أي: بأكله من
ثمرتها (فقط). يعني: فلا يحنث بأكل ورقها ونحوه؛ لأن الثمرة هي المتبادرة إلى الذهن فيحنث بأكلها (ولو لقَطها من تحتها) أي: تحت الشجره أو أكلها في إناء؛ لأنها من الشجرة.
(1)
في ج: هنا.
(2)
أخرجه الترمذي في "جامعه"(1851) 4: 285 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل الزيت.
وأخرجه انب ماجه في "سننه"(3320) 2: 1103 كتاب الأطعمة، باب الزيت.
(3)
في ج: غيره.
[فصل: في مسائل من الحلف]
(فصل. ومن حلف: لا يلبس شيئًا، فلبس ثوبًا أو دِرْعًا أو جَوْشَنًا) أو عمامة أو قلنسوة (أو خُفًا أو نَعلاً: حنث)؛ لأن الخف والنعل ملبوس حقيقة وعرفًا فحنث بذلك كالثياب. لكن لو أدخل يده في الخف أو في النعل لم يحنث؛ لأنهما لا يُلبسان في اليد.
وقيل لابن عمر: " إنك تلبس هذه النعال. قال: إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسهما"
(1)
.
(و) من حلف: (لا يلبس ثوبًا، حنث كيف لبسَه، ولو تعمَّم به أو ارتدَى بسراويل) حلف لا يلبسها، (أو اتَّزر بقميص) حلف لا يلبسه؛ لأن ذلك لبس.
(لا بطيّه وتركه على رأسه) مطويًا، (ولا بنومه عليه أو تدثُّره به) بأن جعله مكان اللحاف من النائم في الأصح؛ لأن ذلك ليس بلبس.
(و) من حلف: (لا يلبس قميصًا فارتَدى به) بأن جعله مكان الرداء: (حنث) في الأصح؛ لأن المرتدي لابس.
(لا إذا اتَّزر به) بأن جعله مكان الإزار فإنه لا يحنث.
(و) من حلف: (لا يلبس حُلِياً فلبس حِلْية ذهب أو فضة أو جوهر، أو) لبس (مِنطقة محلاَّة) بذهب أو فضة، (أو) لبس (خاتمًا) من ذهب أو فضة (ولو في غير خنصر، أو) لبس (دراهم أو دنانير في مرسلة) أو مخنقة من لؤلؤ
(1)
أخرجه البخاري في "سننه"(164) 1: 73 كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين في النعلين ولا
يمسح على النعلين.
أو جوهر وحده: - (حنث)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)[فاطر: 12].
وقال تعالى وتبارك: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا)[فاطر: 33].
ولأن الفضة حليًا [إذا كان سوارًا أو خلخالاً، فكانت حليًا إذا كانت خاتمًا.
ولأن اللؤلؤ والجوهر حلي مع غيره. فكان حليًا]
(1)
وحده؛ كالذهب.
و (لا) يحنث من حلف: لايلبس حليًا إن لبس (عقيقًا أو سَبَجًا أو حريرًا)؛ لأن ذلك لا يسمى حليًا. أشبه ما لو لبس خرز الزجاج. (ولا إن حلف: لا يلبس قلنسوة فلبسها في رجله)، لأن ذلك ليس بلبس لها.
(و) من حلف: (لا يدخل دار فلان، أو) حلف (لا يركب دابته، أو) حلف (لا يلبس ثوبه، حنث بما جعله) فلان (لعبده) من دار ودابة وثوب؛ لأن دار العبد ودابته وثوبه ملك لسيده، (أو) بما (آجره) فلان، (أو استأجره) فلان؛ لأن الدار تضاف إلى ساكنها كما تضاف إلى مالكها؛ لقول الله سبحانه وتعالى:(لا تخرجوهن من بيوتهن)[الطلاق: 1]، وقول الله سبحانه وتعالى:(وقرن فى بيوتكن)[لأحزاب: 33].
ولأن الإضافة للاختصاص وساكن الدار يختص بها. فكانت إضافتها إليه صحيحة، وهي مستعملة في العرف.
و (لا) يحنث (بما استعاره) أي: لا يحنث بدخول دار استعارها فلان على الأصح، أو بركوب دابة استعارها فلان، أو لبس ثوبًا استعاره فلان؛ لأن فلانًا لا يملك منافع ما استعاره.
وعنه: إن دخل دارًا استعارها فلان، فإن كان فلان ساكنًا بها فدخلها الحالف: حنث؛ لأن الدار تضاف إلى ساكنها، وإن لم يكن ساكنًا بها حال دخول الحالف: لم يحنث؛ لأنها حينئذ لم تضف إلى فلان ولا يملك فلان منافعها.
(1)
ساقط من أ.
(و) من حلف: (لا يدخل مسكنَه) أي: مسكن فلان (حنث بمستأجَر ومستعار) يسكنه
(1)
. وفي
(2)
الأصح (ومغصوب يسكنه) فلان؛ لأئه مسكنه،
و (لا) يحنث (بملكه) أي: بدخول ملكه (الذي لا يسكنه) في الأصح؛ لأن الحلف على مسكنه وهذا ليس بمسكنه.
(وإن قال: مِلكَه) يعني: وإن كان حلفه على أن لا يدخل ملك فلان (لم
يحنث بمستأجر) أي: بدخول ما استأجره فلان في الأصح؛ لأنه ليس ملكه.
(و) من حلف: (لا يركب دابة عبد فلان، حنث بما جُعل) من الدواب (برَسْمه) أي: برسم عبد فلان؛ لأنه مختص به؛ (ك) ما يحنث ب (حلفه:
لا يركب رَحْل هذه الدابة) أي: المختص بها، (أو لا يبيعه) إذا ركب عليه أو باعه.
(و) من حلف: (لا يدخل) دارًا (معيَّنة فدخل سطحها) حنث؛ لأن
الهواء تابع للقوار. فدخول السطح كدخول قراوه، ولذلك تمنع الحائض من اللُّبث بسطح المسجد، ويصح الاعتكاف فيه؛ لأنه من المسجد.
(أو) حلف: (لا يدخل بابها فحُوّل
(3)
ودخله: حنث)؛ لأن الباب المحدث هو بابها وقد حلف عليه فيحنث بدخوله.
(لا إن دخل طاقَ الباب) فإنه لا يحنث في الأصح؛ لأن الدار في العرف
عبارة عما يغلق عليه الباب منها، وما هو خارج عنها كطاق الباب فليس منها. (أو) إن (وقف على حائطها) فإنه لا يحنث في الأصح؛ لأنه لا يسمى داخلاً، كما لو تعلق بغصن شجرة خارج الدار وأصلها في الدار.
(و) من حلف: (لا يكلّم إنسانًا حنث بكلام كل إنسان)؛ لأن ذلك نكرة
في سياق النفي فتعم. ولفعله المحلوف عليه، (حتى ب) قوله له. (تَنَحَّ أو
(1)
ساقط من أوب.
(2)
في ب: في.
(3)
في ج: فحول الباب.
اسكُت) وبزجره بكل لفظ في الأصح؛ لأن ذلك كلام فيدخل فيما حلف على عدمه.
(لا بسلام من صلاة صلاها إماماً) نص عليه؛ لأن السلام قول مشروع في الصلاة. فلم يحنث به؛ كالتكبيرات.
(و) من حلف: (لا كلمت زيدًا، فكاتبه أو راسله: حنث) على الأصح، (ما لم ينو مشافهتَه) يعني: إلا أن ينوي بحلفه أنه لا يشافهه فلا يحنث حينئذ بمكاتبته ولا مراسلته؛ لأنه لم يشافهه، (إلا إذا أُرتج عليه في صلاة) كان فيها إمامًا للحالف، (فَفَتح عليه) الحالف فإنه لا يحنث، لأن ذلك كلام الله سبحانه وتعالى وليس بكلام الآدميين.
(و) إن حلف: (لا بدأْتُه بكلام فتكَّلما معًا: لم يحنث)؛ لأن مقتضى يمينه أن لا يوجد كلامه لفلان قبل كلام فلان. فإذا تكلما معًا لم يوجد كلامه قبله فلايحنث.
(و) إن حلف: (لا كلمته) أي: لا كلمت فلانًا (حتى يكلمني أو) حتى (يبدأني بكلام، فتكلَّما معًا: حنث)؛ لأن يمينه هذه تقتضي ترتيب كلامه على كلام فلان. فإذا تكلما معًا لم يوجد الترتيب فيحنث لذلك.
(. و) إن حلف: (لا كلمته) أي: لاكلمت فلان (حِينًا، أو) حلف
لا كلمته (الزمان ولا نيَّة) للحالف على زمن معين: (فستة أشهر).
أما كون المدة سته أشهر فيما إذا حلف: لا كلمته حينًا فهو المنصوص عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه؛ لأن الحين المطلق في كلام الله سبحانه وتعالى أقله ستة أشهر.
قال عكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيد في قوله عز وجل: (تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها)[إبراهيم: 25] إن الحين ستة أشهر. وهو قول ابن عباس ولا مخالف له من الصحابة. فيكون إجماعًا أوحجة.
وأما كون الزمان معرفًا كالحين في الأصح؛ فلقوله في " الإنصاف ":
الزمان كحين على الصحيح من المذهب. اختاره القاضي وأبو الخطاب. وقدمه في " النظم " و" الفروع " و" الرعايتين ".
(و) من حلف: لا كلمت زيدًا (زمنًا، أو أمَدًا، أو دهرًا، أو بعيدًا، أو مَليًا، أو عمرًا، أو طويلاً، أو حُقبًا، أو وقتًا: فأقلُّ زمان) في الأصح؛ لأن هذه الأشياء لاحد لها في اللغة، وتقع على القليل والكثير. فوجب حمله على أقل ما يتناوله الاسم، وقد يكون القريب بعيدًا بالنسبة إلى ما هو أقرب منه، وقد يكون البعيد قريبا بالنسبة إلى ما هو أبعد منه، ولا يجوز التحديد بالتحكم وإنما يُصار إليه بالتوقيف ولا توقيف هاهنا فيجب حمله على اليقين وهو أقل ما تناوله
(1)
الاسم.
(و) إن حلف: لا كلمته (العمر) معرفًا، (أو) حلف لا كلمته (الأبد) معرفًا، (أو) حلف: لا كلمته (الدهر) معرفًا: (ف) ذلك (كلُّ الزمان) " لأن الألف واللام هاهنا للاستغراق، وذلك يوجب دخول الزمان.
(و) إن حلف: لا كلمته (أشهرًا، أو) حلف: لا كلمته (شهورًا، أو) حلف: لا كلمته (ايامًا: ف) ذلك (ثلاثة) اي: ثلاثة أشهر إذا قال: لا كلمته أشهرًا أو شهورًا أو ثلاثة أيام إذا حلف: لا كلمته أيامًا. وهذا في الأصح في الشهور؛ لأن الثلاثة أقل الجمع والزائد مشكوك فيه فيحمل على اليقين.
ومن عين حلفه أيامًا تبعتها الليالي.
(و) من حلف: لا كلمت زيدًا (إلى الحصاد، أو) لا كلمته (إلى الجُذاذ، ف) إنه لم تدخل مدة الحصاد ولا الجذاذ في الحلف على الأصح، بل تنتهي مدة الحلف (إلى أول مدته) أي: أول مدة الحصاد أو الجذاذ؛ لأن " إلى " لانتهاء الغاية فقد جعل غاية امتناعه من تكليمه للحصاد والحصاد وُجد بأوله فتنحل يمينه بذلك، ولا يدخل زمان الحصاد كله في يمينه؛ كما لو قال: سرت من الكوفة إلى البصرة فإنه لا يلزم من ذلك دخول البصرة، وكذا القول فيما إذا حلف: لا يكلمه إلى الجذاذ.
(1)
في ج: تناول.
(و) من حلف: لا كلمت زيدًا (الحوْل: ف) مدة الحلف (حول كامل)
من زمن الممين، (لاتتمته) إن حلف في اثناء حول.
قال في " الفروع ": أومأ إليه أحمد. ذكره في " الانتصار ". انتهى.
(و) من خلف: (لا يتكلم فقرأ، أو سبَّح، أو ذكر الله تعالى، أو قال لمن
دقَّ عليه:
(1)
ادخلوها بسلام آمنين، يقصد القران وتنبيهه: لم يحنث).
أما كونه لا يحنث إذا قرأ أو سبح أو ذكر الله سبحانه وتعالى؛ فلأن الكلام
في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين. ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله يحدث من أمره ما شاء وقد أحدث لا تتكلموا في الصلاة "
(2)
.
وقال زيد بن أرقم: " كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل: (وقوموا لله قا نتين) [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام "
(3)
.
وقال الله سبحانه ولعالى: (آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ)[آل عمران: 41] فأمره بالتسبيح مع قطع الكلام عنه. ولأن ما لا يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجًا عنها؛ كالإشارة.
وأما كونه لا يحنث بقوله لمن دق عليه: (ادخلوها بسلام آمنين) يقصد القرآن والتنبيه؛ لأن ذلك مع قصده القرآن من المقرآن. (و) لهذا (إن لم يقصد به القرآن: حنث)؛ لأنه لا يكون من كلام الادميين.
(وحقيقة الذّكْر: ما نْطق به)؛ لأن مالا ينطق به من حديث النفس.
(و) من حلف: (لا مِلك له: لم يحنث بدَين) له؛ لأن الملك يختص
الأعيان
(4)
من الأموال فلا يعم الدَّين؛ لأن الدين إنما يتعين الملك فيما يقبضه
(5)
منه.
(1)
في ج: عليه الباب.
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(924) 1: 243 كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة.
(3)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(539) 1: 383 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام
في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة.
(4)
في ج: بالأعيان.
(5)
في ب: لا يقبضه.
(و) من حلف: (لا مال له، أو) حلف أنه (لايملك مالاً، حنث ب) مال (غير زكويٍّ، وبدين) له، (وضائع لم ييأْس من عَوْدِه، و) ب (مغصوب) منه؛ لأن المال ما تناوله الناس عادة لطلب الربح، مأخوذ من الميل من يد إلى يد، ومن جانب إلى جانب، فيشمل ذلك غير ما تجب فيه الزكاة من النقود
(1)
وغيرها؛ لأن غير النقود
(2)
أموال.
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: " أصبت أرضًا بخيبر لم أُصِب مالاً قط هو أنفس عندي منه "
(3)
وقال أبو طلحه للنبي صلى الله عليه وسلم: " إن أحب أموالي إليّ بِيَرْحِاء يريد حديقة "
(4)
.
وقال أبو قتادة: " اشتريت مخرفًا فكان أول مال تأثَّلته "
(5)
.
وفي الحديث: " خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة "
(6)
.
والسكة: الطريقة المصطفة من النخل.
وقوله: مأبورة، أي: ملحقة من قولهم: أبرت النخلة، أي: لحقتها،
فهي مأبورة، والاسم الإبار.
وقيل: المراد بالسكة: سكه الحرث.
وبقوله: مأبورة أي: مصلحة له أراد خير المال نتاج أو زرع.
(1)
في ج: المنقود.
(2)
في ب: المنقود.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2586) 3: 1004 كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف.
وأخرجه مسلم في " صحيحه"(1632) 3: 1255 كتاب الوصية، باب الوقف.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2607) 3: 1014 كتاب الوصايا، باب من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1994) 2: 741 كتاب البيوع، باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها.
(6)
أخرجه أحمد في "مسنده"(15877) 3: 468.
وأما حنثه بالدَّين؛ فلأنه مال ينعقد عليه حول الزكاة ويصح إخراجها عنه ويصح التصرف فيه بالإبراء والحوالة والمعاوضة عنه لمن هو في ذمته والتوكيل في استيفائه.
وأما حنثه بالضائع الذي لم ييأس من عوده وبالمغصوب منه في الأ صح فيهما؛ لأن الأصل بقائه في ملكه فحنث به.
(لا بمستأجر) يعني: انه من حلف أنه لا يملك مالا وبيده عين مستأجرة لم يحنث بذلك؛ لأن ذلك لا يسمى مالاً في العرف.
ولأن المستأجر لا يملك سوى منفعة العين.
(و) من حلف على إنسان: (ليضربنَّه بمائة فجمعها وضربه بها ضربة) واحدة: (بَرَّ) في يمينه؛ لأنه ضربه بالمائة كما حلف، (لا إن حلف: ليضربنَّه مائة) فجمعها وضربه بها ضربة واحدة (ولو آلمه) بها في الأصح؛ لأن الظاهر من هذا
(1)
اليمين أنه يريد ضربه بالسوط مائة ضربة ليتكرر ألمه بتكرر الضرب بدليل أنه لو ضربه مائة ضربة بسوط واحد بر، ولو كان المقصود تعدد السوط لم يبر؛ لأن السوط لم يتعدد.
ولأن السوط هاهنا آلة أقيمت مقام المصدر وانتصب انتصابه فتعدد الضرب بتعدده. هذا هو المفهوم من يمينه والذي تقتضيه اللغة فلا يبرّ بدونه.
(1)
في ج: هذه.
[فصل: إذا حلف على شيء وهو ملابس له]
(فصل. وإن حلف) إنسان على امرأة: (لا يلبس من غزلها وعليه منه) واستدام ذلك حنث. نص عليه؛ لأنه باستدامته يسمى لابسًا له. وقد اعتبر الشرع هذا في الإحرام، حيث حرّم لبس المخيط وأوجب الكفارة في استدامته كما أوجبها في ابتدائه.
(أو) حلف: (لا يركب، أو لا يلبس، أو لا يقوم، أو لا يعقد، أو.
لا يسافر) واستدام ذلك حنث؛ لأنه يصح أن يقول: ركبت يومًا، ولبست يومًا، وقمت يومًا، وقعدت يومًا، وسافرت شهرًا.
(أو) حلف: (لا يَطأ) فاستدام ذلك حنث. ذكره في " الانتصار "؛ لأنه
يصح أن يقول: وطئت يومًا.
(أو) حلف: (لا يُمسك) شيئًا فاستدام مسكه حنث. ذكره القاضي في
" الخلاف " في إمساك المحرم الصيد.
(أو) حلف: (لا يُشارك) زيدًا وهو مشاركه واستدام ذلك حنث. ذكره
في " الروضة "؛ لأنه يصح أن يقول: شاركته شهرًا.
(أو) حلف: (لا يصوم) واستدام ذلك حنث؛ لأنه يسمى صائمًا.
(أو) حلف: (لا يحجُّ أو لا يطوف وهو كذلك) أي: وهو محرم بالحج
أي: وهو طائف، أي: مستديم الطواف حنث.
(أو) حلف: (لا يدخُل دارًا وهو داخلَها) ودام فيها حنث في الأصح؛
لأن استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم.
قال أحمد في رجل حلف على امرأته: لا دخلت أنا وأنت هذه الدار وهما
فيها قال: أخاف أن يكون قد حنث.
(أو) حلف على امرأة: (لا يُضاجعُها على فراش فضاجعَتْه ودام) حنث؛
لأن المضاجعة تقع على الاستدامة. ولهذا يقال: اضطجع على الفراش ليلة، فإذا ضاجعته ودأم حنث.
(أو) حلف إنسان: (لا يدخل على فلانٍ بيتًا فدخل فلانٌ عليه، فأقام معه: حنث) في الأصح قياسًا على حلفه: لا يضاجعها فضاجعته ودام.
وهكذا كل فعل ينقضي ويتجدد بتجدد الزمان؛ كمن حلف لا يكتب، أو
لا يخيط، أو لا يبني، واستدام ذلك فإنه يحنث بالاستدامة، وكذا بقية الصناعات.
ومحل الحنث في جميع ما تقدم: (ما لم تكن) للحالف (نية). فلو نوى
لا يلبس من غزلها غير هذا الثوب، أو لا يركب غير هذا اليوم، أو لا يسافر أو لا يطأ غير هذه المرة، وهكذا في بقية الأمثلة، فإنه يرجع في ذلك إلى نيته، وإن لم تكن له نيه رُجع إلى سبب اليمين وما هيّجها.
(لا إن حلف: لا يتزوَّج، أو) لا (يتطهَّر، أو) لا (يتطئَّب فاستدام ذلك) فإنه لا يحنث؛ لأنه لا يُطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاتة. فلا يقال: تزوجت شهرًا، ولا تطهرت شهرًا، ولا تطيبب شهرًا. وإنما يقال: منذ شهر، ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة ابتدائهما في الإحرام.
(و) من حلف: (لا يسكُن) مع فلان، (أو لا يُساكِن فلانًا وهو ساكن)
معه (أو مساكن) له، (فأقام فوق زمنٍ يمكنُه الخروج فيه عادة نهارًا، بنفسه وأهله ومتاعه المقصود) حنث، (ولو بنى بينه وبين فلانٍ حاجزًا، وهما مُتساكنان: حنث) أيضًا في الأصح؛ لأنهما قد تساكنا قبل بناء الحاجز بينهما فيحنث بذلك.
(لا إن أودَع متاعه أو أعاره أو ملّكه) لغيره، (أو لم يجد مسكنًا) ينتقل إليه، (أو) لم يجد (ما ينقُلُه) أي: ما ينقل متاعه (به، أو أبتْ زوجته الخروج معه ولا يمكنُه إجبارها ولا النُّقْلة. بدونها، مع نية النقلة اذا قَدَر) عليها، (أو أمكنَتْه بدونها) أي: بدون زوجته (فخرج وحده) فإنه لا يحنث، (او كان
بالدار حُجْرتان. لكلّ حجرة) منهما (باب ومرْفق) مختص بها (فسكن كلُّ واحد
(1)
حجرة، ولا نية) للحالف تمنع من ذلك (ولا سبب) ليمينه يقتضي عدم ذلك: لم يحنث.
(ولا إن حلف على) دا ر (معيَّنة: لا ساكنْتُه) أي: لا ساكن فلانًا (بها وهما) أي: والحالف وفلان (غير مُتساكنين) حال الحلف (فبنَيا بينهما) أي: بين الموضعين اللذين عزما أن يسكن كل واحد واحدًا منهما (حائطًا، وفتح كلٌّ) منهما (لنفسه بابًا، وسكنَاها) فإنه لا يحنث حيث لا نية ولا سبب.
(و) من حلف: (ليخرُجنَّ) من هذه البلدة، (أو) حلف (ليرحلنَّ من)
هذه (الدار، أو) حلف (لا يأوي) في هذه الدار (أو لا ينزل فيها؛ ك) حلفه (لا يسكنُها) فيما تقدم. (وكذا) حكم (البلد إلا أنه يبرُّ بخروجه) من البلد (وحده إذا حلف: ليخرجَنَّ منه)؛ لأنه إذا حلف ليخرجنّ من هذه البلدة تناولت يمينه الخروج بنفسه؛ لأن الدار يخرج منها صاحبها في اليوم مرات في العادة، فظاهر حاله أنه لم يرد الخروج المعتاد. وإنما أراد الخروج الذي هو النقلة والخروج من البلد. بخلاف ذلك، (ولا يحنث بعَوْد)
(2)
[يعني: إلى الدار أو البلد]
(3)
(إذا حلف: ليخرجَنَّ أو ليرحلنَّ من الدار، أو) من (البلد وخرج) على الأصح؛ لأن يمينه على الخروج وقد خرج فانحلت يمينه بفعل ما حلف على فعله.
ومحل ذلك: (ما لم تكن) له (نية أو) يكن هناك (سبب) يقتضي هجران
ما حلف على الرحيل منه فيحنث بعوده.
ومن حلف على الرحيل من بلد لم يبرَّ في يمينه إلا بالرحيل بأهله، إلا إذا
أبت زوجته الخروج معه ولم يمكنه إخراجها.
(والسفر القصير: سفر يَبَرُّ به من حلف: ليُسافرن، ويحنث بهء من حلف: لايسافر).
(1)
في ب: واحدة.
(2)
في ج: بعوده.
(3)
زيادة من ج.
قال في " الفروع ": والسفر القصير سفر. ويتوجه بَرُّ حالف ليسافرن به. ولهذا نقل الأثرم: أقل من يوم يكون سفرًا، إلا أنه لا تقصر فيه الصلاة.
وفي " الإرشاد ": إن بقية أحكام السفر غير القصر تجوز فيها.
(وكذا النوم اليسير) يعني: أنه يبرّ به من حلف: لينامن، ويحنث به من حلف: لاينام.
(و) من حلف: (لا يسكُن الدار، فدخلها أو كان فيها غير ساكن، فدام جلوسه: لم يحنث) في الأصح.
وقال القاضى: ولو بات ليلتين لم يحنث.
وإن دخلها زائرًا فقال في " الفروع ": قال شيخنا: والزيارة ليست سكنى اتفاقًا ولو طالت مدتها. انتهى.
(و) من حلف: (لا يدخل دارًا، فحُمل فأُدخلها، وأمكنه الامتناع فلم يمتنع) حنث " لأنه دخلها غير مكره. فأشبه ما لو حُمل بأمره.
وعلم مما تقدم أنه إذا لم يمكنه الامتناع لم يحنث. نص عليه أحمد في روايه
أبي طالب؛ لأن الفعل غير موجود منه ولا منسوب إليه.
(أو) حلف إنسان: (لا يَستخدِمُ رجلاً) أو امرأة، عبدًا كان أو حرًا (فخدمه) الذي حلف أنه لا يستخدمه (وهو) أي: والحالف (ساكت: حنث) في الأصح؛ لأن إقراره على خدمته استخدام له. ولهذا يقال: فلان يستخدم عبده إذا خدمه وإن لم يأمره.
ولأن ما حنث به في عبد نفسه حنث به في عبد غيره؛ كسائر الأشياء.
[فصل: إذا حلف على مستقبل]
(فصل. ومن حلف ليشربنَّ هذا الماء) غدًا أو في غد، (أو) حلف
(ليضربنَّ غلامه غدًا، أو في غد، أو أطلق) بأن لم يقل: غدًا أو في غد، (فتلف المحلوف عليه) بأن أريق الماء، أو مات الغلام فيما إذا قال: غدًا أو في غد (قبل الغد، أو فيه) أي: في الغد (قبل الشرب أو) قبل (الضرب: حنث حال تلفه) في الأصح؛ لأنه لم يفعل ما حلف على فعله في وقته من غير إكراه ولا نسيان وهو من أهل الحنث. فحنث؛ كما لو أتلفه باختياره، وكما لو حلف: ليحجن العام فلم يقدر على الحج لمرض أو عدم نفقه.
(لا إن جُنَّ حالف) فيما إذا فال: غدًا أو في غد (قبل الغد حتى خرج الغد)
فإنه لا يحنث؛ لعدم صدق الحنث عليه في حال جنونه؛ لأنه لا ينسب إليه فعل ولا ترك يعتد به.
(وإن أفاق قبل خروجه) أي: خروج الغد: (حنث)، سواء (أمكنه فعلُه
أوْ لا)؛ لأنه ادرك جزءًا يصح أن ينسب فيه إلى الحنث. إلا أنه يحكم عليه بالحنث (من اول الغد)؛ كما لو افاق جزءًا
(1)
لا يمكنه الفعل فيه من أول الغد، ثم لم يفق حتى مضى الغد.
(لا إن مات) الحالف (قبل الغد، أو أُكره) على ترك ما حلف على فعله حتى خرج الغد.
(وإن قال: اليوم) أي: وإن حلف ليشربنَّ هذا الماء اليوم، أو حلف: ليضرينَّ غلامه اليوم، (فأمكنه) الفعل في اليوم، (فتلف) قبله:(حنث عقبَه)؛ لليأس من فعله بتلفه في بقية اليوم.
(1)
في ج: في جزءٍ.
(ولا يَبَرُّ) حالف (بضربه) مَن حلف أن يضربه (قبل وقتٍ عيَّنه) بحلفه؛
لأنه لم يفعل المحلوف عليه في وقته الذي عيّنه؛ كما لو حلف ليصومن يوم الجمعة فصام يوم الخميس، (ولا) بضربه (ميتًا)؛ لأنه لم يفعل ما حلف على فعله لمعنى في المحل. فأشبه ما لوترك ضربه لصعوبته.
ولأن اليمين إنما تنصرف إلى ضربه حيًا ضربًا يتألم به. ولهذا قلت:
(ولا) يَبَرّ أيضًا (بضربٍ لا يُؤلم) المضروب؛ لأن اليمين إنما تنصرف إلى ضرب يتألم به.
(ويبرُّ) الحالف (بضربه مجنونًا) أي: في حالة جنون المضروب؛ لأنه
حيٌ يتألم بالضرب. أشبه ما لو ضربه وهو عاقل.
(و) من حلف عن إنسان: (ليقضينَّه حقَّه غدًا، فأبرأه) رب الحق (اليوم) لم يحنث في الأصح؛ لأنه مُنع من أن يقضيه بإبراءه. فأشبه المكره على فعل ماحلف على ترك فعله.
ولأنه لم يكن. عليه حق حين مجيء الغد. والظاهر أن المقصود من هذه اليمين البراءة إليه في الغد، وقدحصلب فلا يحنث.
(أو أخذ عنه) أي: أخذ رب الحق عن حقه (عَرْضًا) لم يحنث أيضًا؛ لأن
المقصود من هذه اليمين الإيفاء وهو حاصل بأخذ العرض؛ كحصوله بجنس الحق، (أومُنع) الحالف (منه) أي: من قضاء الحق (كَرهًا) بأن أكره على عدم القضاء إلى أن فات الغد فإنه لا يحنث؛ كما لو حلف على ترك فعل فأكره على فعله، (أو مات) رب الحق (فقضاه لورثته: لم يحنث) في الأصح؛ لأنه قضى الحق إلى من يقوم مقام ربه فَبَرّ؛ كما لو قضاه لوكيله.
(و) من حلف لإنسان: (ليقضينَّه) حقَّه (عند رأس الهلال، أو مع) رأسه، (أو إلى رأسه، أو) إلى (استهلاله، أو عند) رأس الشهر، (أو مع رأس الشهرفمحَلُه) في هذه الصور:(عند غروب الشمس من آخر الشهر) فيبَر بقضائه قبل غروب الشمس من آخر الشهر، (ويحنث) إن قضاه (بعده) أي:
بعد غروب الشمس من آخر الشهر، (ولا يضُرُّ تأخُّرُ فراغ كيلِه ووزِنه وعدّه وذَرْعِه وأكلِه) إن حلف: ليأكلنه عند رأس الهلال ونحوه؛ (لكثرته) إن كان ابتداء ذلك قبل غروب الشمس من آخر الشهر.
(و) من حلف على غريمه: (لا أخذتَ حقَّك مني فأُكره على دفعه) فأخذه غريمه، (أو أخذه حاكم فدفعه إلى غريمه فأخذه) غريمه:(حنث). نص عليه؛ (ك) حلفه: (لا تأخذْ حقَّك عليَّ) فأخذه؛ لوجود ما حلف على تركه.،
(لا إن أُكره) على أخذه (قابضٌ) أي: رب الحق؛ لأنه لا يُنسب له فعل الأخذ؛ لأنه مكره عليه، (ولا إن وضعه) الحالف (بين يديه) أي: يدي من قال الحالف [في يمينه: لا أخذت حقك مني ولم يأخذه، (أو) وضعه الحالف (في حجْره) - بفتح الحاء وكسرها- أي: حِجر غريمه ولم يأخذه؛ لأنه لم يوجد منه ما حلف]
(1)
غريمه على تركه. (إلا إن كانت يمينه: لا أُعطيكَه) فيحنث بوضعه بين يديه أو في حجْره؛
لأن ذلك إعطاء؛ (لبراءته) أي: براءة من عليه حق (بمثل هذا) أي: بوضع الحق بين يدي مستحقه أو في حجره، (من ثمن، ومُثْمَن، وأجرة، وزكاة) ونحو ذلك.
(و) من حلف على غريمه: (لا فارقتني حتى أستوفيَ حقّي منك، ففارق أحدهما الآخر)، طوعًا (لا كَرهًا، قبل استيفاءٍ) أي: استيفاء حق الحالف: (حنث)؛ لأن معنى اليمين لا حصل منا فرقه وقد حصلت من غير إكراه عليها فحنث.
(و) إن حلف: (لا افترقنا- أو لا فارقتك- حتى استوفيَ حقّي منك فهرب) منه حنث. نص عليه على الأصح؛ لأن المفاعلة لا تكون إلا من اثنين فتكون على الفرقة من الجهتين وقد حصلت فيحنث، (أو فلسه حاكم وحكم
(1)
ساقط من أ.
عليه بفراقه) حنث، لما تقدم، (أوْ لا) يعني: أو لم يحكم عليه الحاكم بفراقه، (ففارقه لعلمه بوجوب مفارقته: حنث)؛ لما تقدم.
(وكذا) يكون الحكم (إن أبرأه) أي: أبرأ الحالف غريمه من حقه، (أو
أذن له أن يفارقَه، أو فارقَه من غير إذن) فإنه يحنث؛ لحصول المفارقة طوعًا.
(لا إذا أُكرها) على المفارقة؛ لأن فعلها لا ينسب إلى واحد منهما، (أو قضاه بحقّه عرْضًا)؛ لأن المقصود من هذه اليمين عدم مفارقته قبل استيفاء حقه وهو حاصل بأخذ العرض؛ كحصوله بجنس الحق.
(وفعلُ وكيله) في جميع ما تقدم (كهو) أي: كفعل نفس الحالف. فمن حلف لا يفعل شيئًا فوكل فيه من فعله حنث؛ لأن الفعل يضاف إلى من فُعل عنه، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى:(محلقين رءوسكم)[الفتح: 27]، وقال سبحانه وتعالى:(ولا تحلقوا رءوسكم)[البقرة: 196] وإنما الحالق غيرهم. وإذا أضيف فعل الوكيل إلى الموكل حنث بوجود المحلوف عليه. وكذا إذا حلف: لا يضرب عبده فضُرِب بأمره فإنه يحنث لما سيق من أن الفعل يضاف إلى الموكّّل، وكذا من أمر به فيقال: قتل السلطان فلانًا وإنما قتله القائم في خدمة السلطان لمثل ذلك.
(وكذا لو حلف) إنسان: (لا يبيع زيدًا) شيئًا (فباع) ذلك (ممن يعلم أنه يشتريه له) أي: لزيد يعني: فإنه يحنث؛ لأن المشتري لزيد وكيل زيد، وإذا باعه لوكيل زيد فكأنه باعه لزيد؛ لأن الفعل يضاف إلى من اشتري له.
(و) لهذا (لو توكَّل حالف: لا يبيع، ونحوه)؛ كحالف لا يستأجر (في بيع) أو في إجارة وباع أو استأجر بطريق التوكيل عن غيره (لم يحنث)؛ لأن فعله مضاف إلى موكله دونه. ولا فرق في ذلك: بين ما إذا (أضافه لموكّله) بأن قال للمشتري: بعتك هذا عن موكلي فلان، أو قال للمؤجر: استأجرت منك هذا لموكلي فلان (أو لا) يعني: أو لم يقل ذلك؛ لأن العقد في نفس الأمر مضاف لموكله دونه.
(و) من حلف لمن له عليه حق بأن قال: والله (لا فارقتك حتى أُوَفّيك
حقَّك، فأُبْرئ منه) لم يحنث إذا فارقه في الأصح؛ لأنه لم يبق له حق يوفيه له، (أو أكره على فراقه) ففارفه:(لم يحنث) أيضًا؛ لأن المكرَه على فعل
لا ينسب إليه لإكراهه عليه.
(وإن كان الحق عينًا)؛ كوديعة وغصب، (فوُهبت له) أي: وهبها له الغريم، (وقَبِل) منه الهبة ثم فارقه:(حنث)؛ لأنه ترك إيفاءها له باختياره.
(لا إن أقبضها) الحالف لغريمه (قَبلُ) أي: قبل أن يهبها له ثم وهبها إياه ثم فارقه فإنه لا يحنث؛ لأنه لم يبق له حق يوفيه إياه.
(وإن كان حلف: لا أُفارقُك ولك في قِبَلي حق فأُبرئ) منه، (أو وُهب
له: لم يحنث مطلقًا) أي: سواء كان الحق دينًا أو عينًا، وسواء أقبضه العين. قبل أن يهبها له أو لا.
(وقَدْرُ الفِراق) الذي يحنث به من حلف: أن لا يفارق: (ما عُدَّ عُرفًا)
أي: ما عُد في العرف (فراقًا كبيع) يعني: وذلك كفرقة المتبايعين التي يسقط بها خيار المجلس؛ لأن الشرع رتّب على الفرقة أحكامًا ولم يبين مقدارها. فوجب الرجوع فيها إلى العادة؛ كالقبض والحرز.
(و) من حلف: (لا يكْفُلُ مالاً فكَفَل بَدَنًا وشرط البراءة) من المال إن
عجز عبن إحضاره: (لم يحنث)؛ لأنه لم يكفل مالاً.
وعُلم من هذا صحة الكفالة بشرط البراءة من المال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب: النذر]
هذا (باب النذر). وهو لغة: الإيجاب. يقال: نذر فلان دم فلان أي: أوجب قتله. ومنه قول جميل:
فليت رجالاً فيك قد نذروا دمي وهموا بقتلي يا بثين لقوني
والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله سبحانه وتعالى: (يوفون بالنذر)[الإنسان: 7]، وقوله سبحانه وتعالى:(وليوفوا نذورهم)[الحح: 29].
واما السنة؛ فما روت عائشة رضى الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" من نذرأن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه "
(1)
. رواه الجماعة إلامسلمًا.
وأجمع المسلمون على صحة النذر في الجملة ولزوم الوفاء به.
(وهو) أي: والنذر في الشرع: (إلزام مكلَّف مختار ولو) كان المكلف المختار (كافرًا بعبادة) على الأصح. نص عليه؛ لأن نذره للعبادة ليس بعبادة،
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6322) 6: 2464 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية.
وأخرجه أبو داود في "سننه"(3289) 3: 232 كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذرفي المعصية.
وأخرجه الترمذي في "جامعه"(1526) 4: 104 كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر أن يطيع الله فليطعه.
وأخرجه النسائي في"سننه"(3807) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، النذر في المعصية.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(2126) 1: 687 كتاب الكفارات، باب النذر في المعصية.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(25918) 6: 224.
ويدل لصحه نذره بالعبادة حديث عمر: " إنى كنت نذرت فى الجاهلية أن أعتكف ليلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك "
(1)
.
(نفسه) مفعول إلزام، (لله) متعلق بإلزم (تعالى)؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى "
(2)
. رواه أحمد وأبو داود.
(بكل قول يدلُّ عليه) أي: على الإلزام؛ لما تقدم من أن النذر لغة: الإيجاب، فلا بد من لفظه أوما يدل عليه.
ولأنه التزام. فلم ينعقد بغير المول؛ كالنكاح والطلاق.
(شيئًا غيرلازم بأصل الشرع)؛ كنذر صوم الدهر، (ولا مُحالٍ) معطوف
على لازم. فلوقال: لله عليّ أن أجمع بين النقيضين لم ينعقد.
وحيث تقرر أنه لا بد فيه من القول (فلا تكفي نيته) أي: نية إلزام نفسه كاليمين.
(وهو) أي: والنذر (مكروه) وفاقًا لأبي حنيفة.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب؛ لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: " النذر لا يأتى بخير "
(3)
. انتهى.
(لايأتي بخير) وإنما يستخرج من البخيل.
(و) قال ابن حامد: (لا يَرُدّ قضاء) ولا يملك به شيئًا محدثًا،
قال في " "الفروع ": وتوقف شيخنا في تحريمه. ونقل عبد الله: نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6319) 6: 2464 كتاب الأيمان والنذر، باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنساناً في الجاهلية ثم أسلم.
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(2192) 2: 258 تفريع أبو الطلاق قبل النكاح.
وأخرجه أحمد في"مسنده"(6732) 2: 185
(3)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(1639) 3: 1261 كتاب النذر، باب النهي عن النذر وإنه لا يرد شيئً. ا
وقال ابن حامد: المذهب: مباح، وحرّمه طائفة من أهل الحديث.
وظاهر ما سبق يصلي النفل كما هو، لا بنذره ثم يصليه، خلافًا للأرجح للحنفية. انتهى.
(وينعقد في واجب؛ كلله عليَّ صوم رمضان، ونحوه)؛ كلله عليَّ فطر
يوم العيد. (فيكفّر إن لم يَصُمه) أي: إن لم يصم رمضان المنذور صومه؛ (كحلفه عليه) يعني: كقوله: والله لأصومن رمضان فتلزمه كفارة إن لم يصمه. (وعند الأكثر، لا؛ ك) قوله: (لله عليّ صوم أمس، ونحوه من المحال) ولا يوجب شيئًا؛ لأنه لا يتصور انعقاده ولا الوفاء به.
ولأنه لو حلف على فعله لم تلزمه كفارة فالنذر أولى.
ولأن موجَب النذر موجَب اليمين إلا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فعله؛ لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كفارة النذر كفارة اليمين "
(1)
. أخرجه مسلم.
ولأنه قد ثبت أن حكم النذر حكم اليمين في أحد أقسامه وهو نذر اللجاج فكذلك في سائره سوى ما استثناه الشرع.
(وأنواع) نذرٍ (منعقدٍ ستةٌ:
أحدها): النذر (المطلق؛ ك قول من يصح منه عقد اليمين: (لله عليّ نذر، أو) يقول: (إن فعلت كذا) فلله علي نذر، (ولا نية) له بشيء علمه، (وفعله) أي: فعل ما علق نذره عليه: (ف) عليه (كفارة يمين). وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لما روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين "
(2)
. رواه ابن ماجه والترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(1)
أخرجه مسلم في"صحيحه"(1645) 3: 1265 كتاب النذر، باب في كفارة النذر.
(2)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(1528) 4: 106 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في كفارة النذر إذا لم يسم.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2127) 1: 687 كتاب الكفارات، باب من نذر نذراً ولم يسمه.
وهذا نص في المسألة فلا يعدل عنه.
النوع (الثاني) من أنواع النذر الستة: (نذر لَجَاج وغضب. وهو: تعليقه) أي: تعليق النذر (بشرطٍ يَقصدُ المنع من شيء، أو الحملَ عليه) أي: على شيء. وصورة المنع: (ك) قوله: (إن كلمتُك) فعليَّ الحج أو العتق أو صوم سنة، أو مالي صدقة.
وصورة الحمل ما أشير إليه بقوله: (أو إن لم أُخبرْك) بكذا (فعليَّ الحج أو
العتق أو صوم سنة، أو مالي صدقة. فيخيَّر) على الأصح من صدر منه ذلك (بين فعلٍ وكفارة يمين) أي: بين أن لا يكلمه في صورة المنع، أو يكلمه ويكفر كفارة يمين، وبين أن يخيره في صورة الحمل أو لا يخيره ويكفر كفارة يمين؛ وذلك لما روى عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين "
(1)
. رواه سعيد في " سننه ".
ولأنها يمين. فيتخير فيها بين الأمرين؛ كاليمين بالله سبحانه وتعالى.
ولأن هذا جمع للصفتين فيخرج عن العهدة بكل واحدة منهما.
وعنه: تتعين الكفارة فلا يجزئه غيرها.
(ولا يضرُّ قولُه: على مذهب من يُلزم بذلك، أو) قوله: (لا أُقلّد من يرى الكفارة، ونحوه). ذكره الشيخ تقي الدين؛ لأن الشرع لا يتغير بتوكيد.
(ومن عَّلق صدقةَ شيء. يبيعه، وآخرُ بشرائه فاشتراه: كفَّر كلُّ واحدٍ كفارةَ يمين) نصًا. ذكر ذلك السامري وابن حمدان.
النوع (الثالث) من أنواع النذر الستة: (نذر) فعل (مباح؛ ك) قوله:
(لله عليّ أن ألبس ثوبي، أو) لله عليّ أن (أركب دابتي. فيُخيَّر أيضًا) على الأصح: بين أن يلبس ثوبه، أو يركب دابته ولا يكفر، وبين أن لا يفعل شيئًا من ذلك ويكفر كفارة يمين؛ لما روي أن امرأه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: " إنى نذرت
(1)
أخرجه النسائي في"سننه"(3846) 7: 4 كتاب الإيمان والنذور، كفارة النذر.
وأخرحه البيهقي في "السنن الكبرى"10: 70 كتاب الإيمان، باب من جعل فيه كفارة يمين.
أن أضرب على رأسك بالدف، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك "
(1)
. رواه أبو داود.
ولأنه لو حلف على فعلٍ مباح برَ بفعله فكذلك إذا نذره؛ لأن النذر كاليمين.
وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين؛ كما لو حلف ليفعلنه ولم يفعله.
النوع (الرابع) من أنواع النذر الستة: (نذر) شيء (مكروه؛ كطلاق، ونحوه)؛ كمنع زوجته من خروجها إلى المسجد إذا استأذنته إليه. (فيُسن أن يُكفّر ولا يفعله) أي: يفعل المكروه؛ لأن ترك المكروه أولى من فعله، وإن فعله فلا كفارة.
النوع (الخامس) من أنواع النذر الستة: (نذر) فعل (معصية) وينعقد على الأصح. نص عليه وهو من مفردات المذهب. ومثّل المعصية بقوله: (كشرب خمر، وصوم يوم عيد، أو) صوم يوم (حيض، أو) صوم (أيام التشريق فيحرُم الوفاء به) أي: بهذا النذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه "
(2)
.
ولأن معصية الله سبحانه وتعالى لا تباح بحال من الأحوال.
(ويُكفّر من لم يفعله) على الأصح كفارة يمين. روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وعمران بن حصين وسمرة بن جندب رضي الله تعالى عنهم. وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
(ويقضي) من نذر صومًا محرّمًا (غير) صوم (يوم حيض). فمن نذر صوم يوم عيد قضى يومًا، ومن نذر صوم أيام التشريق قضى ثلاثه أيام ولا يصوم يوم العيد ولا أيام التشريق؛ لانعقاد نذره. فعتصح منه القربة ويلغو تعيينه؛ لكونه
(1)
أخرجه أبو داود في"سننه"(3312) 3: 237 كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر.
(2)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(6322) 6: 2464 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية.
معصية؛ كنذر مريض صوم يوم يخاف عليه فيه ينعقد نذره ويحرم صومه، وكذا الصلاة في ثوب حرير، والطلاق زمن الحيض صادف التحريم ينعقد على قول الأصحاب، ونذر صوم ليلة لا ينعقد ولا كفارة؛ لأنها ليس بزمن صوم.
(ومن نذر ذبْح معصوم- حى نفسِه-: فكفارة) يعني: فعليه كفارة لاغير.
قال في " الإنصاف ": وهذا المذهب. انتهى.
ووجه ذلك: كونه نذر معصية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين "
(1)
. رواه سعيد في " سننه ".
ولأن النذر حكمه حكم اليمين بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " النذر حلفة وكفارته كفارة
يمين "
(2)
.
وعنه: يلزمه ذبح كبش ويطعمه للمساكين. وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن ابن عباس.
(وتتعدَّد) الكفارة على من نذر ذبح ولده (بتعدُّد ولد، ما لم ينو) ذبح واحد من أولاده (معيَّنًا).
قال في " الرعاية ": إذا كان بَنوه ثلاثة ولم يعين أحدهم لزمه ثلاثة كباش أو ثلاث كفارات يعني: على الخلاف فيما أوجبه النذر.
قال في " الشرح ": لأن لفظ الواحد إذا أضيف اقتضى العموم.
النوع (السادس) من أنواع النذر الستة: (نذر تَبَرُّرٍّ؛ كصلاة وصيام واعتكاف وصدقة وحج وعمرة) وعيادة مريض وشهود جنازة، (بقصد التقرُّب مطلقًا) أي: من غير أن يعلق بشرط، (أوعلَّق بشرط) وجود (نعمةٍ)
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3292) 3: 233 كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.
(2)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(866) 17: 313 عن عقبة بن عامر، ولفظه:"النذر يمين، وكفارته كفارة يمين".
يرجوها، (أو دفع نقمةٍ) يخافها؛ (ك) قوله:(إن شفى الله مريضي، أو سَلِمَ مالي) لأتصدقن بكذا، (أو حلف بقصد التقرُّب؛ ك) قوله:(والله لئن سَلِمَ مالي لأتصدقنَّ بكذا فوُجد شرطه: لزمه) الوفاء بما نذره. نص عليه.
وعلم مما تقدم أن نذر التبرر يتنوع ثلاثة أنواع:
أحدها: إذا كان في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها؛ كقوله: إن شفاني الله فلله عليّ صوم شمهر.
قال في " المبدع ": وكذا إن لم يكن كذلك؛ كطلوع الشمس وقدوم الحاج. قاله في " المستوعب ". أو فعلت كذا لدلالة الحال. ذكره ابن عقيل. ونص أحمد في: إن قدم فلان تصدقت بكذا. وكذا قال الشيخ تقي الدين فيمن قال: إن قدم فلان أصوم كذا، هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة ولا أعلم فيه نزاعًا. انتهى كلامه في " المبدع ".
وتكون الطاعة الملتزمة بما له أصل في الشرع؛ كالصوم والصلاة والصدقة والحج فهذا إذا كان في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم.
النوع الثانى: التزام طاعة من غير شرط؛ كقوله ابتداء: لله عليّ صوم شهر. فيلزم الوفاء به في قول أكثر أهل العلم. وهو قول أهل العراق، وظاهر مذهب الشافعي.
وقال بعض أصحابه: لا يلزم الوفاء به؛ لأن أبا عمرو غلام ثعلب قال: النذر عند العرب وعْدٌ بشرط.
ولأن ما التزمه الآدمي بعوض يلزمه؛ كالبيع والإجارة، وما التزمه بغير عوض لا يلزمه بمجرد العقد؛ كالهبة.
النوع الثالث: نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب؛ كالاعتكاف وعيادة المريض فيلزم الوفاء به عند عامة أهل العلم.
وحكي عن أبي حنيفة: أنه لايلزمه الوفاء به؛ لأن النذر فرع على
المشروع. فلا يجب به ما لا يجب له نظير بأصل الشرع.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه "
(1)
. رواه البخاري.
و" ذمَّ صلى الله عليه وسلم الذين ينذرون ولا يوفون "
(2)
.
وقال الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ 000) الآيات- إلى قوله سبحانه وتعالى: (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[التوبة: 75 - 77].
ولأنه التزام على وجه القربة. فلزمه؛ كموضع الإجماع، وكالعمرة فإنهم سلموها وهي غير واجبة عندهم، وما حكوه عن أبي عمرو لا يصح، فإن العرب تسمى الملتزم نذرًا وإن لم يكن بشرط، والجعالة وعد بشرط وليست بنذر. ومن نذر فعل طاعة وما ليس بطاعة لزمه فعل الطاعة دون ما عداها؛ لما روى ابن عباس قال:" بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه. فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه "
(3)
. رواه البخاري.
فأمره بإتمام الصوم وترك ما سواه؛ لكونه ليس بطاعة.
ويكفّر لما تركه كفارة واحدة ولو كان المتروك خصالاً كثيرة؛ لأنه نذر واحد. فتكون كفارته واحدة.
(ويجوز إخراجُه) أي: إخراج ما نذره من الصدقة وفعل ما نذره من الطاعة (قبله) أي: قبل وجود شرطه المعلق عليه؛ لوجود سببه وهو النذر؛ كإخراج كفارة اليمين قبل الحنث.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6322) 6: 2464 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(3450) 3: 1335 كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6326) 6: 2465 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية.
(ولو نذر الصدقة من تُسنُّ له) الصدقة (بكل ماله أو بألف ونحوه) من العدد، (وهو) أي: والألف أو نحوه من العدد الذي ذكره (كلّ ماله بقصد القُربة: أجزأَ ثلثه) أي: أن يتصدق بثلثه على الأصح ولا كفارة عليه. نص على ذلك؛ لما روى الحسين بن السائب " أن أبا لبابه بن عبد المنذر لما تاب الله تعالى عليه قال: يا رسول الله لِلَّهِ إن من توبتي أن أهجر دارقومي وأساكنك، وأن أنخلع من مالي صدقة لله عز وجل ولرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزئ عنك الثلث "
(1)
. رواه أحمد.
فقوله صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة: " يجزئك الثلث " دليل على أن أبا لبابة أتى بلفظ يقتضي إيجاب الصدقة على نفسه؛ لأن الإجزاء إنما يستعمل غالبًا في الواجبات، ولو كان مخيرًا بإرادة الصدقة كما يقوله المخالف لما لزمه شيء يجزئ عنه بعضه.
(و) إن نذر الصدقة (ببعضٍ) من ماله (مسمٍّى) بأن لم يكن ما سماه من العدد كل ماله: (لزمه) ما سماه من العدد؛ لأنه التزم مالاً يمنع منه شيء. فلزمه الوفاء به؛ كسائر النذور.
(وإن نوى) بنذره شيئًا (ثمينًا) من ماله، (أو) نوى (مالاً دون مال: اخذ
بنبته) على الأصح؛ كما لو حلف عليه.
(وإن نذرها) أي: نذر الصدقة (بمالي- ونيته الف
(2)
-: يُخرج ما شاء)
من ماله.
(ويصرفه
(3)
للمساكين كصدقة مطلقة)؛ وذلك لأن اسم المال يقع على القليل، وما نواه زيادة على ما تناوله الاسم، والنذر لا يلزم بالنية.
(ولا يُجزئه إسقاط دَينٍ) يعني: إذا نذر الصدقة بقدر من المال فأبرأ غريمه
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3319) 3: 240 كتاب الأيمان والنذور، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله.
وأخرجه أحمد في"مسنده"(16124) 3: 502.
(2)
في ج: ألف ونحوه.
(3)
في ج: ونوى بصرفه.
من قدره يقصد به وفاء النذر لم يجزئه وإن كان الغريم من أهل الصدقة.
قال أحمد: لا يجزئه حتى يقبضه؛ وذلك لأن الصدقة تمليك وهذا إسقاط. فلم يجزئه؛ كما في الزكاه.
(ومن حلف أو نذر: لا ردَدتُ سائلاً)، قال في " الفروع ":(ف) قياس قولنا أنه (كمن حلف أو نذر الصدقة بماله) يعني: فتجزئه الصدقة بثلثه، (فإن لم يتحصَّل له) أي: للحالف والناذر من كسبه أو نحوه (إلا. ما يحتاجه) في أكل وشرب وكسوة ونحو ذلك (فكفارة يمين) يعني: كان عليه كفارة يمين لترك نذره، (وإلا) بأن كان يحصل له قدر زائد على ما يحتاجه (تصدَّق بثلث الزائد) على ما يحتاجه فيما ذكرنا.
(وحبَّة بُرٍّ ونحوُها)؛ كحبة فول أو شعير (ليست سؤالَ السائل)؛ لأن المقاصد معتبرة. ويحتمل خروجه من نذره بحبة بُرٍّ؛ لتعليق حكم الربا عليها. ذكره في " الفنون ".
(و) من قال: (إن ملكت مالَ فلان فعليَّ الصدقة به فملَكَه: فكمالِه) يعني: فيكون ذلك كمال القائل فيلزمه الصدقة بثلثه.
(ومن حلف فقال: عليَّ عتقُ رقبة فحنث: فكفارة يمين).
ومن نذر الصدقة بماله أو ببعضه وعليه دين أكثر مما يملكه أجزأه إخراج ثلثه؛ لانه صلى الله عليه وسلم أمر أبا لبابة بالثلث
(1)
. فإن نفذ هذا المال وأنشأ غيره وقضى دينه فإنما يجب إخراج ثلث ماله يوم حنثه.
قال في " الهدي ": يريد بيوم حنثه يوم نذره، وهذا صحيح. فال: فينظر
قدر الثلث ذلك اليوم فيخرجه بعد قضاء دينه.
قال في " الفروع ": كذا قال، وإنما نصه أنه يخرج قدر الثلث يوم نذره،
ولا يسقط عنه قدر دينه، وهذا على أصل أحمد صحيح في صحة تصرف المدين.
(1)
سبق ذكر حديث أبي لبابة رضي الله عنه في الصفحة السابقة.
[فصل: فيمن نذرصوم سنة معينة]
(فصل. ومن نذر صوم سنة معيَّنة: لم يدخل في نذره رمضان، ويوما العيدين، وأيام التشريق) على الأصح؛ لأن رمضان لا يُقبل صوم غيره، وأيام النهي لا يقبل صوم النذر فيها. أشبه ما لو نذر صوم الليل. فلا كفارة بفطر يومي العيدين وأيام التشريق ولا قضاء؛ لأنها لم تدخل في نذره.
(وإن نذر صوم شهر معيَّن فلم يَصُمْه لعذر أو غيره) أي: غير عذر: (فالقضاء) أي: فعليه القضاء؛ لأنه ترك الصوم الواجب عليه. فكان عليه. قضاؤه؛ كما لو ترك صيام رمضان، (متتابعًا) على الأصح؛ لأنه بتعبيره بالشهر أوجبه عليه متتابعًا. فيجب قضاؤه متتابعًا؛ لأنه لما لم يأت به في الشهر المعين لزمه في وقت آخر كما نذره. (و) عليه (كفارة يمين) على الأصح؛ لتأخر صوم النذر عن وقته.
(وإن صام قبلَه) أي: قبل مجيء الشهر المعين: (لم يجزئه)؛ كما لو
صام شعبان عن رمضان الذي يعده.
(وإن أفطر منه) يومًا أو أكثر (لغير عذر استأنف شهرًا) على الأصح؛ لأنه يجب عليه الإتيان بصوم شهر متتابع. فلو جاز له البناء على ما مضى لبطل التتابع؛ لتخلل الفطر فيه. ويكون استئنافه (من يوم فطره)؛ لأن باقي الشهر منذور فلا يجوز ترك الصوم فيه، (وكفَّر) يعني: وتلزمه كفارة أيضًا؛ لإخلاله بصوم الأيام التي أفطرها.
(و) إن أفطر منه يومًا فأكثر (لعذر: بنى) على ما مضى من صيامه، (وقضى
ما أفطره) قضاء (متتابعًا متصلاً بتمامه، وكفَّر) أيضًا؛ لأنه فات ما نذره. فلزمته كفارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأخت عقبة بن عامر: " ولتكفّر عن يمينها "
(1)
.
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3295) 3: 234 كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا =
(وإن جُنَّهُ) أي: جن الناذر الشهر الذي نذر صومه (كَلَّه: لم يقضه) ولا كفارة عليه؛ لأنه ليس من أهل التكليف في وقت الوجوب. فلم يلزمه قضاء ولا كفارة؛ كما لو كان شهر رمضان.
(وإن نذر صوم شهر، وأطلق) يعني: ولم يقل شهر كذا: (لزمه التَّتابع)
في الأصح؛ لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع، سواء صام شهرًا بالهلال أو ثلاثين يومًا بالعدد. (فإن قطعه بلا عذر: استأنفه)؛ لأنه لو جاز له البناء لبطل التتابع؛ لتخلل الفطر فيه. (و) إن قطعه (لعذر: يُخيَّر بينه) أي: بين الاستئناف (بلا كفارة)؛ لأنه فعل المنذور (وبين البناء) على ما مضى (ويُتم ثلاثين ويكفّر) كفارة يمين؛ لأنه لم يأت بالمنذور على وجهه. أشبه ما لو حلف عليه.
(وكذا سنة) لو نذر صوم سنة (في) وجوب (تتابع) في الأصح. (ويصوم) من نذر صوم سنة (اثني عشر شهرًا، سوى) أي: غير (رمضان وأيام النهي) وهو يوما العيدين وأيام التشريق؛ لأن نذره انصرف إلى صوم سنة كاملة بالنذر وهي اثني عشر شهرًا فلزمه ذلك. (ولو شرط التتابع) في الأصح (فيقضي)؛ لأن نذره انصرف إلى صوم سنه كاملة بالنذر وهي اثني عشر شهرًا كاملة فلزمه قضاء رمضان وأيام النهي كذلك.
(و) من نذر صوم (سنة من الآن، أو) نذر صوم سنة (من وقت كذا: فكمعيَّنة) يعني: فكمن نذر صوم سنه معينة على الأصح؛ لأن تعيين أولها تعيين لها، إذ السنة عبارة عن اثني عشر شهرًا، فإذا عين أولها تعين أن يكون آخرها انقضاء الثانى عشر. وتقدم: أنه لا يدخل في نذره رمضان ولا أيام النهي.
(وإن نذر) مكلف
(1)
(صوم الدهر: لزمه) كبقية النذور، (فإن أفطر:
كفَّر فقط) أي: من غير قضاء (بغير صوم)؛ لأن الزمن مستغرق بالصوم
(1)
في ج: مطلق.
= كان في معصية.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2829) 1: 310.
المنذور ويكفر لترك المنذور، (ولا يدخل) في نذره (رمضان، و) لا (يوم نهيٍ)؛ لما تقدم من أن رمضان لا يقبل صوم غيره ويوم النهي لا يقبل صوم النذر فيه، (ويقضي فطَره به) أي: برمضان لعذر أو غيره؛ لأنه واجب بأصل الشرع فيقدم على ما أوجبه على نفسه؛ كتقديم حَجة الإسلام على الحجة المنذورة، ويكفر بفطره رمضان لغير عذر؛ لأنه سببه.
(ويُصام لظهار، ونحوه)؛ ككفارة الوطء في نهار رمضان (منه) أي: من صوم الدهر المنذور، (ويكفّر مع صوم ظِهار ونحوه)؛ لأنه سببه.
وإن لزمت من نذر صوم الدهر كفارة لتركه صوم يوم أو أكثر وكانت كفارته الصيام احتمل أن لا يجب؛ لأنه لا يمكن التكفير إلا بترك الصوم المنذور وتركه يوجب كفارة، فيفضي ذلك إلى التسلسل وترك المنذور بالكلية، ويحتمل أن تجب الكفارة ولا يجب بفعلها كفارة؛ لأن ترك المنذور لعذر لا يوجب كفارة فلا يفضي إلى التسلسل. قاله في " شرح المقنع ".
(وإن نذر صوم يوم الخميس، ونحوه)؛ كبقية أيام الأسبوع، (فوافق)
ما نذر صومه (عيدًا، أو) وافق (حيضًا) فيما إذا كان الناذر امرأة، (أو) وافق (أيام تشريق أفطر)؛ لأن الشرع حرم الصوم في يوم من هذه الأيام، (وقضى وكفَّر)؛ لأنه نذر نذرًا منعقدًا وقد فاته الصيام فيه. فلزمه القضاء والكفارة على الأصح؛ كما لو فاته لمرض.
(وإن نذر صوم يوم يَقدُم فلان، فقدم) فلان (ليلاً: فلا شيء عليه) أي:
على الناذر؛ لأنه لم يقدم في يوم من الأيام. (و) إن قدم (نهارًا وهو) أي: والناذر (صائم، وقد بَيَّتَ النية بخبر سمعه: صح) صومه، (وأجزأَه) ذلك وفاء بنذ ره.
(وإلا) أي: وإن لم يكن بَيَّت النية لخبر سمعه، (أو كان مفطرًا، أو وافق قدومه يومًا من رمضان، أو) وافق قدومه (يوم عيد، أو) وافق (حيض) فيما إذا كان الناذر امرأة: (قضى وكفَّر) على الأصح؛ لأنه نذر صومًا نذرًا صحيحًا ولم يف به. فلزمه القضاء والكفارة؛ كسائر المنذورات.
(وإن وافق قدومه) أي: قدوم فلان (وهو) أي: والناذر (صائم عن نذرٍ معيَّن: أتمَّه، ولا يُستحبُّ قضاؤه، ويقضي نذر القدوم؛ كصائم في قضاء رمضان، أو كفارة أو نذر مطلق).
قال في " الفروع ": وإن قدم وهو صائم عن نذر معين فعنه يكفيه لهما وفاقًا لأبي حنيفة. والأصح: يتمه. ولا يستحب قضاؤه، بل يقضى نذر القدوم؛ كصومه في قضاء رمضان وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، أو كفارة وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، أو نذر مطلق وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي.
(وإن وافق يوم نذره) وهو الذي قدم فيه فلان (وهو) أي. والناذر (مجنون، فلا قضاء) عليه (ولا كفارة)؛ لأنه خرج عن أهلية الكليف قبل وقت النذر. أشبه ما لو فاته.
قال في " الفروع " لمن نذر صو شهر بعينه وجنَّ كل الشهر: لم يقض على
الأصح. انتهى.
(ونذْرُ اعتكافه) فيما تقدم (ك) نذر (صومه) فيه.
(وإن نذر صوم أيام معدودة- ولو) كانت الأيام المنذورة (ثلاثين-: لم يلزمه تتابع) فيها. نص عليه؛ لأن الأيام لا دلاله لها عل التتابع بدليل قوله سبحانه وتعالى: (فعدة من أيام أخر)[البقرة: 184].
(إلا بشرط) بأن يقول: متتابعات، فيلزمه التتابع؛ لاشتراطه لوفاء نذره، (أو) إلا ب (نية)؛ لأن نية التتابع تقوم مقام التلفظ به.
(ومن نذر صومًا متتابعًا غير معيَّن، فأفطر) فيه (لمرض يجب معه الفطر،
أو) كان الناذر امرأة فأفطرت فيه (لحيض خُيّر) الناذر (بين استئنافه) أي: استئناف الصوم بأن يبتدئه من أوله (ولا شيء عليه)؛ لأنه أتى بالمنذور على وجهه، (وبين البناء) على ما مضى من صيامه (ويكفّر) كفارة يمين على الأصح. ذكره الخرقي وقدمه في " المحرر " و " الرعاية " و " الفروع "؛ لأن الكفارة تلزم لترك المنذور وإن كان تركه لعجز، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أخت
عقبة بن عامر بالكفارة لعجزها عن المشي
(1)
.
(و) إن أفطر (لسفر أو ما) يعني: أو لشيء (يُبيح الفطر مع القدرة على الصوم)؛ كالمرض الذي يجوز معه الفطر: (لم ينقطع التتابُع).
قال في "الإنصاف ": وهو الصحيح من المذهب صححه في "التصحيح "،
وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، والوجه الثانى: ينقطع التتابع بذلك.
قال ابن منجا: ويجيء على قول الخرقي: يخير بين الاستئناف وبين البناء والقضاء والكفارة كما تقدم.
قلت: وهو ظاهر كلام الخرقي والأصحاب؛ لعدم تفريقهم في ذلك. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
وما قاله في " الإنصاف " آخرًا لا يعدل عنه فإنه لا وجه؛ لكون المرض الذي يجب معه الفطر يقطع التتابع، والفطر في السفر لا يقطعه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(و) إن أفطر في الصوم المنذور المتتابع غير المعين (لغير عذر: يلزمه أن يستأنفـ) ـه (بلا كفارة)؛ لأنه ترك التتابع المنذور لغير عذر مع إمكان الإتيان به. فلزمه فعله؛ كما لو نذر صومًا معينًا فصام قبله.
(ومن نذر صومًا، فعجز عنه لكبر أو مرض لا يُرجَى برؤه) أطعم لكل يوم مسكينًا وكفّر كفارة يمين؛ لأن المنذور يحمل على المشروع، ولو عجز عن الصوم لكبرأو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكينًا وكفر كفارة يمين فكذلك هاهنا
(2)
.
والمنصوص عن أحمد وجوبهما- يعني: الإطعام مع الكفارة- وهو اختيار الخرقي والقاضي؛ لأن سبب الكفارة عدم الوفاء بالنذر وسبب الإطعام العجز عن واجب الصوم فقد اختلف السببان واجتمعا. فلم يسقط واحد منهما؛ لعدم ما يسقطه.
(1)
سبق تخريجه (166) رقم (1).
(2)
في أوب: هذا.
(أو نذره) أي: نذر صومًا (حال عجزه) عنه: (أطعم لكل يوم مسكينًا، وكفَّر كفارة يمين). وظاهر هذا انعقاد نذره وإن لم يطق ما نذره وهو الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من نذر نذرًا لم يطقه فكفارته كفارة يمين "
(1)
، ولولا انعقاد نذره لم تجب فيه كفارة، ومع الانعقاد يجب أن يكون حكمه حكم ما لو عجز عنه بعد عقده؛ لأن العجز إنما هو عن فعل المنذور. فلا فرق بين أن يكون العجز حاصلاً عند عقد النذر ويستمر، وبين أن يطرأ عليه.
(وإن نذر صلاة، ونحوها)؛ كجهاد (وعجز)[عن ذلك]
(2)
: (فعليه الكفارة فقط)؛ لترك نذره. وإن عجز أو كان عاجزًا لعارض يُرجى زواله من مرض أو نحوه: انتظر زواله، ولا يلزمه كفارة ولا غيرها؛ لأنه لم يفت الوقت فيشبه المريض في شهر رمضان. فإن استمرَّ عجزه إلى أن صار غير مرجو الزوال صار كالعاجز ابتداءً عجزًا غير مرجو الزوال. وتقدم حكمه مفصلاً.
(و) إن نذر (حجًا: لزمه) مع قدرته عليه؛ كبقية العبادات. (فإن لم يُطقْه ولا شيئًا منه: حُجَّ عنه.
وإلا) بأن أطاق بعض ما نذره من الحج؛ كما لو نذر مائة حجة أو نحو ذلك: (أتى بما يُطيقه، وكفَّر للباقي) الذي لا يطيقه.
(ومع عجزه عن زادٍ وراحلة حال نذره، لا يلزمه) شيء؛ كالحج الواجب بأصل الشرع. (ثم إن وجدهما) أي: وجد الزاد والراحله: (لزمه) بالنذر السابق.
(وإن نذر) مكلف (صومًا) وأطلق، (أو) نذر (صوم بعض يوم) بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أصوم، أو فلله عليَّ صوم ولم ينو عددًا، أو فلله عليَّ صوم نصف يوم، أو فلله عليَّ صوم نصفي يوم:(لزمه يوم) أي:
(1)
أخرجه أبو داود في"سننه"(3322) 3: 241 كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر نذراً لا يطيقه.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2128) 1: 687 كتاب الكفارات، باب من نذر نذراً ولم يسمه.
(2)
زيادة من ج.
أن يصوم يومًا كاملاً (بنيته من الليل)؛ لأنه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم فلزمه؛ لأنه اليقين.
(ونذر صوم ليلة لا ينعقد) نذره بذلك، (ولا كفَّارة) عليه؛ لأنه نذر ما
لا يمكنه فعله. فلم ينعقد نذره؛ كما لو نذر فعلاً مستحيلاً. (وكذا نذر صوم يوم أتى فيه بمنافٍ)؛ لعجزه عن ذلك شرعًا.
(وإن نذر صلاه) وأطلق (فـ) الواجب عليه بذلك (ركعتان قائمًا لقادر؛
لأن الركعة) الواحدة (لا تجزئ في فرض). أما إن
(1)
حلف ليوترن الليلة أجزأته ركعة يصليها في وقت الوتر.
(و) إن نذر (أربعًا) أي: أن يصلي أربع ركعات (بتسليمتين، أو أطلق)
بأن لم يقل بتسليمتين: (يُجزئ) أن يصلي الأربع ركعات (بتسليمة) واحدة (كعكسه) يعني: كما لو نذر أن يصلي أربع ركعاب بتسليمة واحدة فصلاها بتسليمتين.
(ولمن نذر صلاة جالسًا أن يصليها قائمًا)؛ لأنه أتى بأفضل مما نذره.
(وإن نذر المشى إلى بيت الله الحرام، أو) إلى (موضعٍ من مكة)؛ كالصفا والمروة وثنية كداء وجبل أبي قبيس، (أو) إلى (حرَمِها وأطلق) بأن لم يقل: في حج ولم يقل في عمرة، (أو قال: غير حاجٍ ولا مُعتمرٍ لزمه المشي في حج أو) في (عمرة)؛ لأن المشي إليه في الشرع هو المشي في حج أو عمرة. فإن أطلق الناذر ذلك أو أراد غيره لم يتلفت إليه وحمل على المعهود الشرعى. ويكون ذلك (من مكانه) الذي وقع النذر فيه يعني: من دُوَيرة أهله؛ لأن النذر محمول على أصله في الفرض، والحج المفروض بأصل الشرع يجب كذلك، (لا إحرام) يعني: أنه لا يلزمه إحرام (قبل ميقاته)؛ لأن النذر المطلق محمول على المعهود فى الشرع، والإحرام الواجب إنما هو من الميقات.
ومحل وجوب المشي من مكانه والإحرام من ميقاته: (ما لم ينو مكانًا
(1)
في ب: إذا.
بعينه) للمشى منه أو لإحرامه. فيلزمه أن يمشي أو يُحرم من ذلك الموضع الذي عينه؛ لأن ذلك طاعة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه "
(1)
.
(أو) ينوي بنذر المشى (إتيانه) أي: إتيان بيت الله الحرام (لا حقيقة المشي). فلا يلزمه المشي، ويكون مخيرًا بين المشى والركوب. وكذلك أذا نذر أن يحج البيت أو يزوره؛ لأن الحج والزياره يحصلان بكلٍّ من المشي والركوب. فلم يتعين واحد منهما.
وعلم مما تقدم أنه لو نذر المشي إلى موضع خارج عن الحرم؛ كعرفة ومواقيت الإحرام لم يزمه. وكذا لو نذر إتيان مسجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى، ويكون ذلك كنذر المباح يخيّر بين فعله والتكفير.
(وإن ركب لعجزٍ أو غيره) مَن نذر المشي في حج أو عمرة أو غيرهما مما ينعقد نذره به، (أو نذر الركوب فمشى: فـ) عليه (كفارة يمين) في الأصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كفارة النذر كفارة اليمين "
(2)
.
ولأن المشى مما لايوجبه الإحرام. فملا يجب به في حج أو عمرة دم.
(وإن نذر المشي إلى مسجد المدينة أو) إلى المسجد (الأقصى لزمه ذلك): أي: المشي إليه، (والصلاة فيه)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تشد الرحال إلاإلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"
(3)
.
ويلزمه بهذا النذر: أن يصلي في المسجد الذي يأتيه من ذلك ركعتين؛ لأن القصد بالنذر القربة والطاعة، وإنما يحصل ذلك بالصلاة. فتضمن ذلك نذره؛
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6322) 6: 2464 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لايملك وفي معصية.
(2)
سبق تخريجه ص (158) رقم (1).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1765) 2: 659 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب حج النساء.
كما يلزم ناذر المشي إلى بيت الله الحرام أحد النسكين؛ لأن الصلاة في ذلك أفضل من غيرها بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام "
(1)
. متفق عليه.
وإذا كانت الصلاة في غير فريضة وقربة لزمت بالنذر؛ كما لو طوّل القراءة
في الصلاة. ولهذا إذا نذر الصلاة في المسجد الحرام لم تجزئه الصلاة في غيره؛ لأنه أفضل المساجد وأكثرها ثوابًا للمصلي فيها.
وإن نذر الصلاة في الأقصى أجزأته الصلاة في المسجد الحرام؛ لما روى جابر " أن رجلاً قام يوم الفتح. فقال: يا رسول الله! إنى نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في بيت المقدس ركعتين. قال: صل هاهنا. ثم أعاد عليه. قال: صل هاهنا. ثم أعاد عليه. قال: صل هاهنا. ثم أعاد عليه. قال: شأنك "
(2)
. رواه الإمام أحمد.
ولفظه: " والذي نفسي بيده لو صليتَ هاهنا لأجزأ عنك كل صلاة في بيت المقدس "
(3)
.
(وإن عيَّن) بنذره أن يأتي (مسجدًا في غير حرَم: لزمه عند وصوله ركعتان) يصليهما فيه؛ لأن القصد بالنذر القربة ولا تحصل إلا بالصلاة. فتضمن ذلك نذره.
(وإن نذر) أن يعتق (رقبة: فـ) عليه عتق (ما يُجزئ عن واجب) في ظهار
أو نحوه على ما بيناه في باب الظهار، وهي المسلمة السليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررًا بينًا؛ لأن النذر المطلق يحمل على المعهود في الشرع والواجب
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1133) 1: 398 أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1394) 1: 1013 كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(14961) 3: 363.
(3)
أخرجه أبو داود في"سننه"(3306) 3: 236 كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس.
بأصل الشرع، (إلا أن يُعيّنها) بنذره بأن يقول: لله علي أن أعتق هذا العبد أو هذه الأمة (فيجزئه ما عيَّنه)؛ لأن المطلق يتقيد بالنية؛ كالقرنية اللفظية.
(لكن: لو مات المنذور) المعَّين، (أو أتلفه ناذر قبل عتقه: لزمه كفارة يمين بلا عتق) على الأصح. نص عليه؛ لفوات نذره.
وقيل: بل تصرف قيمته في الرقاب.
(وعلى متلف) للمنذور عتُقه قبل عتقه (غيره) أي: إذا كان غير ناذره، (قيمته له) أي: للناذر.
(و) من قال: (إن ملكت عبدَ زيد فلله عليَّ أن أعتقه يقصد القربة) بذلك (أُلزم بعتقه إذا ملكه)؛ لوجوب الوفاء بنذر التبرر.
(ومن نذر طوافًا أو) نذر (سعيًا، فأقلُّه) أي: أقل ما يحصل به وفاء النذر (أسبوع) واحد.
(و) من نذر الطواف على أربع أو نذر السعي (على أربع فـ) أقل ما يجزئه (طوافان أوسعيان). والأصل في ذلك ما روى معاوية بن خديج الكندي: " أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أمه كبشة بنت معد يكرب عمة الأشعب بن قيس. فقالت: يا رسول الله لِلَّهِ آليت أن أطوف بالبيت حبوًا. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوفي على رجليك سبعْين: سبعًا عن يديك وسبعًا عن رجليك "
(1)
. أخرجه الدارقطني.
وهذا قول ابن عباس في الطواف. رواه سعيد. ونص عليه أحمد.
قال الشيخ تقي الدين: لأنه بدل واجب.
ولأن في الطواف على أربع مثله. وقيس عليه السعي.
(ومن نذر طاعة على وجه منهيٍّ عنه؛ كالصلاة عُريانًا، أو الحج حافيًا حاسِرًا، ونحوه)؛ كالصلاة بثوب نجس: (وفَّى بها) أي: بالطاعة المنذورة
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه"(173) 2: 273 كتاب الحج.
(على الوجه المشروع، وتُلغَى تلك الصفة)؛ لما روى عكرمه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فى سفر فحانت منه نظرة. فإذا امرأة ناشرة شعرها. [فقال: ما هذه؟ قالوا: يا رسول الله لِلَّهِ نذرت أن تحج ماشية ناشرة شعرها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروها فلتغطي رأسها ولتركب] "
(1)
.
و" مرّ برجلين مقرونين. فقال: أطلقا قرانكما
(2)
".
(ويُكفّر) في الأصح؛ لإخلاله بصفة نذره وإن كان غير مشروع؛ كما لو
كان أصل النذر غير مشروع.
وإن أفسد الحج المنذور ماشيًا وجب القضاء ماشيًا؛ لأن القضاء يكون على
صفة الأداء، وكذلك إن فاته الحج، لكن إن فاته الحج سقط توابع الوقوف من المبيت بمزدلفه ومنى والرمي وتحلَّلَ بعمرة، ويمضي في الحج الفاسد ماشيًا حتى يحل منه.
(ولا يلزم الوفاء بوعد). نص عليه وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي؛ لأنه يحرم
بلا استثناء؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (??) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [الكهف: 23 - 24].
قال القرافي في " قواعده ": اتفق العلماء على الاستدلال بقوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (??) إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [الكهف: 23].
ووجه الدليل منه في غاية الإشكال؛ فإن " إلا " ليست للتعليق، و " أن " المفتوحة ليست للتعليق، فما بقي في الآية شيء يدل على التعليق ولا الالتزام. فكيف يصح الاستدلال بشيء لايدل على ذلك؟ وطول الأيام يحاولون الاستدلال بهذه الآية ولا يكاد يُتفطن لوجه الدليل منها وليس فيها إلا الاستثناء، و " أن " الناصبة لا الشرطية، ولا يفطنون لهذا الاستثناء من أي شيء هو وما هو
(1)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى" 10: 80 كتاب النذور، باب الهدي فيما ركب. وما بين
الحاصرتين زيادة من "السنن". وفي الأصول: فمروها فلتختمر ".
(2)
في ب: قرناكما.
المستثنى منه؟ فتأمله فهو في غاية الإشكال وهو أصل في اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال.
والجواب أنا نقول: هذا أستثناء من الأحوال والمستثنى حالة من الأحوال وهي محذوفة قبل " أن " الناصبة، وعامله فيها - أعني الحال - عامله في " أن " الناصبة، وتقديره:(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا) في حالة من الأحوال إلا معلقًا بـ (إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)[الكهف: 23] ثم حذفت معلقًا، والباء من " أن " فيكون النهي المتقدم مع " إلا " المتأخرة قد حصرت القول في هذه الحال دون سائر الأحوال فتختص هذه الحالة بالإباحة وغيرها بالتحريم، وترك المحرم واجب وليس شيء هناك يُترك به الحرام إلا هذه فتكون واجبة. فهذا مدرك الوجوب، وأما مدرك التعليق فهو كقولنا معلقًا فإنه يدل على أنه تعلق في تلك الحالة كما إذا قال: لا تخرج إلا ضاحكًا فإنه يفيد الأمر بالضحك للخروج، وانتظم معلقًا مع " أن " بالباء المحذوفه واتجه الأمر بالتعليق على المشيئة من هذه الصيغة عند الوعد بالأفعال. انتهى.
وأما العهد فهو غير الوعد ويكون بمعنى اليمين والأمان والذمة والحفظ والرعاية والوصية وغير ذلك.
وفي سيد الاستغفار: " وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت "
(1)
.
قال ابن الجوزي: قال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به الذي يحسن فعله، والوعد من العهد، وقال في:(وأوفوا بالعهد)[الإسراء: 34]: عام فيما بينه وبين ربه وبين الناس. ثم قال: قال الزجاج: كل ما أمر الله سبحانه وتعالى به ونهى عنه فهو من العهد. نقله عنه في " الفروع ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5947) 5: 2323 كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار.
[كتاب القضاء]
هذا (كتاب القضاء والفُتْيا. وهي) أي: والفتيا: (تبيين الحكم الشرعي)
لمن يسأل عنه. وينبغي للمستفتي: أن يحفظ الأدب مع المفتي ويجلّه ويعظمه، ولا يفعل ما جرت عادة العوام به؛ كإيماء بيده في وجهه، ولا يقول له: ما مذهب إمامك في كذا، أو ما تحفظ في كذا، أو أفتانى غيرك بكذا، [أو أفتانى فلان بكذا]
(1)
، أو كذا قلت أنا، أو إن كان جوابك موافقًا فاكتب وإلا فلا تكتب. لكن إن علم المفتى غرض السائل في شيء لم يجز أن يكتب بغيره. ولا يسأله عن ضجرٍ أو همٍ أو قيامٍ ونحوه ولا يطالبه بالحجة.
(ولا يلزم) المفتي (جوابُ ما لم يقع، ولا ما لا يحتمله سائل، ولا ما لانفع فيه).
وقد سئل الإمام أحمد عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟ فقال للسائل: أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا؟.
وسئل عن مسألة في اللعان. فقال: سل رحمك الله عما ابتليت به.
وسأل مهنا عن مسألةٍ فغضب. وقال: خذ ويحك فيما تنتفع به، وإياك وهذه المسائل المحدثة، وخذ فيما
(2)
فيه حديث.
وسئل عن مسألةٍ. فقال: ليت أنّا نحسن ما جاء فيه الأثر.
ولأحمد عن ابن عمر: " لاتسألوا عما لم يكن، فإن عمر نهى [عن ذلك]
(3)
".
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: بما.
(3)
زيادة من ج.
ولأحمد أيضًا عن ابن عباس أنه قال عن الصحابة: " ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم ".
واحتج الشافعي على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله سبحانه
وتعالى: (لا تسئلوا عن أشياء 000) الآية [المائده: 101].
و" كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال "
(1)
.
وفى لفظ: " إن الله كره لكم ذلك "
(2)
. متفق عليهما.
وقال ابن عباس لعكرمة: " من سألك عما لا يعنيه فلا تُفته ".
وسأل المروذي أحمد عن شيء من أمر العدل. فقال: لا تسأل عن هذا فإنك
(3)
لا تدركه.
وذكر ابن عقيل: أنه يحرم إلقاء علم لا يحتمله السامع؛ لاحتمال أن يفتنه.
وقال البخاري: قال علي: " حدثوا الناس بما يعرفون. أتريدون أن يُكَذَّبَ الله ورسوله "
(4)
.
وفي " مقدمة مسلم " عن ابن مسمعود: " ما أنت بمُحدّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم "
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6862) 6: 2659 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره
من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(593) 3: 1341 كتاب الاقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجه والنهي عن منع وهات.
(2)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(1407) 2: 537 كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى:(لا تسألوا الناس إلحافًا).
وأخرجه مسلم في الموضوع السابق.
(3)
في أ: فإنه.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(127) 1: 59 كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا.
(5)
أخرجه مسلم في " صحيحه" 1: 11 المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع.
(ومن عَدِمَ مُفتيًا في بلده وغيرِه، فحكمه: حكمُ ما قبلَ الشرع) من إباحة
أو حظر أو وقف.
قال في " آداب المفتي ": فإن لم يجد العامي من يسأله عنها في بلده ولا غيره، فقيل: له حكم ما قبل الشرع على الخلاف في الحظر والإباحة والوقف. وهو أقيس. انتهى.
وقطع به ابن مفلح في " أصوله ".
(ويحرُم تساهلُ مفتٍ) فيصا يفتي به.
(و) يحرم أيضًا (تقليد معروفٍ به) أي: بالتساهل؛ لأن أمر الفتيا خطر. فينبغي أن يتبع السلف الصالح في ذلك، فقد كانوا يهابون الفتيا كثيرًا، ويشددون فيها، ويتدافعونها حتى ترجع إلى الأول؛ لا فيها من المخاطرة.
وقد أنكر الإمام أحمد وغيره من المعلماء الأعيان على من يهجم على الجواب. وقال: لا ينبغي أن يجيب في كل ما يُستفتى فيه. وقال: إذا هاب الرجل شيئًا لا ينبغي أن يُحمل على أن يقوله
(1)
.
(ويقلَّدُ العدل ولو) كان (ميتًا)؛ لأن قوله باقٍ فى الإجماع. وهذا قول جمهور العلماء. وفي هذا يقول الإمام الشافعي: المذاهب لا تموت بموت أربابها. انتهى.
وكالحاكم والشاهد لا يبطل حكمه بموته ولا شهادته بموته. وهذا الأصح
من الأقوال.
وقيل: ليس له تقليد مجتهد ميت إن وجد مجتهدًا حيًا، وإلا جاز.
(ويُفتي مجتهدٌ فاسقٌ نفسَه) فقط في الأصح؛ لأنه ليس بأمين على ما يقول.
وقال ابن القيم في " إعلام الموقعين ": قلت: الصواب جواز استفتاء
(1)
في أوب: يقول.
الفاسق، إلا أن يكون معلنًا بفسقه داعيًا إلى بدعته، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته. انتهى.
(ويقلّدُ) يعني: يجوز
(1)
أن يقلّد (عامّي من ظنَّه عالماً) ولو عبدًا أو أنثى، أو أخرس بإشارة مفهومة أو كتابة، (لا إن جهل عدالته)، وكذا من رآه منتصبًا للإفتاء والتدريس معظَّمًا؛ لأنه إذا كان كذلك، كان ذلك دليلاً على علمه؛ لأن المقصود من الاستفتاء سؤال العالم العدل. ولا يجوز الاستفتاء في ضد ذلك عند العلماء. وذكره الآمدي اتفاقًا.
(ولمفتٍ ردُّ الفتيا إن كان بالبلد عالم قائم مقامه) في الأصح؛ لأن الافتاء
في حقه مع كون في البلد من يقوم مقامه سنة.
(وإلا) أي: وإن لم يكن في البلد عالم يقوم مقامه: (لم يجز) له رد الفتيا؛ لأن الفتيا تتعين عليه مع عدم غيره؛ (كـ) عدم جواز (قول حاكم لمن ارتَفَع إليه) ليقضي بينه وبين خصمه: (امضِ إلى غيري) ولو كان في البلد من يقوم مقامه؛ لما يلزم على جواز تدافع الحكام الحكومات من ضياع الحقوق. (ويحرُم) على المفتي (إطلاق الفُتيا في اسم مشتَرَك).
قال ابن عقيل: إجماعًا.
(فمن سُئل: أيُؤكل في رمضان بعد الفجر؟ لا بدَّ أن يقول): الفجر
(الأول، أو) الفجر (الثانى).
قال ابن عقيل: ومن هنا إرسال أبي حنيفة من سأل أبا يوسف: عمن دفع
ثوبًا إلى قصار فقصره وجحده هل له أجره إن عاد سلمه لربه؟ وقال: إن قال: نعم أو لا فقد أخطأ. فجاء إليه فقال: إن كان قصره قبل جحوده فله الأجرة؛ وإن كان بعد جحوده فلا أجرة له؛ لأنه قصره لنفسه.
واختبر أبو الطيب الطبري أصحابًا له في بيع رطل تمر برطل تمر، فأجازوا فخطّأهم فمنعوا فخطأهم. فخجلوا. فقال: إن تساويا مكيلاً يجوز.
(1)
في ج: ويجوز.
فهذا يوضح خطأ المطلق في كل ما احتمل التفصيل.
قال ابن مفلح عن قول ابن عقيل: كذا قال. ويتوجه عمل بعض أصحابنا بظاهر. انتهى كلام ابن مفلح.
(وله) أي: وللمفتي (تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه. و) ذلك
لأن المستفتي يجوز له أنه (يتخيَّر وإن لم يُخيّره) المفتي على الأصح. اختاره القاضي والمجد وأبو الخطاب، وذكره ظاهر كلام أحمد فإنه سئل عن مسألة في الطلاق فقال
(1)
: إن فعل حنث. فقال السائل: إن أفتانى إنسان لا أحنث. قال: تعرف حلقة المدنيين
(2)
؟ قلت: فإن أفتونى حل؟ قال: نعم.
(لا لمن انتسب لمذهب
(3)
إمام أن يتخيَّر في مسألةٍ ذاتِ قولين) لإمامه، فيفتي أو يحكم بحسب ما يختار من القولين، بل عليه أن ينظر أيهما أقرب من الأدلة أو من قواعد مذهبه فيعمل به.
(ومن لم يجد إلا مفتيًا) واحدًا: (لزمه أخذه بقوله).
قال ابن مفلح: فإن لم يجد مفتيًا آخر لزمه؛ كما لو حكم عليه به حاكم، وقطع به ولم يحك فيه خلافًا.
قال ابن الصلاح: والذي تقتضيه القواعد أنه إن لم يجد سواه تعين عليه الأخذ بفتياه، ولا يتوقف ذلك على التزامه ولا سكون نفسه إلى صحته.
(وكذا ملتزمٌ قولَ مفتٍ وثَمَّ غيرُه).
قال في " شرح التحرير": لو أفتى المقلد مفتٍ واحد وعمل به المقلد لزمه قطعًا، وليس له الرجوع عنه إلى فتوى غيره في تلك الحادثة بعينها إجماعًا. نقله ابن الحاجب والهندي وغيرهما. وإن لم يعمل به فالصحيح من المذهب: أنه يلزمه بالتزامه.
(1)
في ج: فقال أحمد.
(2)
في ب: المدينين.
(3)
في ج: استنبط مذهب.
قال ابن مفلح في " أصوله ": هذا الأشهر. انتهى.
(ويجوز تقليد مفضول من المجتهدين) مع وجود أفضل منه على الأصح؛
لأن المفضول من الصحابة والسلف كان يفتي مع وجود الفاضل مع الاشتهار والتكرار، ولم ينكر ذلك أحد فكان إجماعًا على جواز استفتائه، مع القدرة على استفتاء الفاضل.
قال الله سبحانه وتعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43].
وقال صلى الله عليه وسلم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "
(1)
.
وفيهم الأفضل من غيره.
وأيضًا العامي لا يمكنه الترجيح؛ لقصوره عنه، ولو كلف بذلك لكان تكليفًا بضرب من الاجتهاد.
فائدة: لا يجوز التقليد في معرفة الله سبحانه وتعالى والتوحيد والرسالة. ذكره القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وذكره عن عامة العلماء. وذكر غيره أنه قول جمهور العلماء، واستدل بذلك بأمر الله سبحانه وتعالى بالتدبر والتفكر والنظر.
وفي " صحيح ابن حبان ": " لما نزل في آل عمران: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ)[آل عمران: 190]
قال: ويل لمن قرأهن ولم يتدبرهن، ويل له ويل له "
(2)
.
والإجماع على وجوب معرفة الله سبحانه وتعالى، ولا تحصل بتقليدٍ؛ لجواز كذب المخبر، واستحالة حصوله؛ كمن قلد في حدوث العالم، وكمن قلد في قدمه.
(1)
أخرجه الذهبي في ميزان الاعتدال (1511) 1: 412 وفي (2299) 1: 606.
(2)
قال الزبيدي: أخرجه عبد حميد وابن المنذر وابن مردوبه وابن أبي الدنيا في التفكر وابن حبان في
"صحيحه" وابن عساكر، كلهم من طريق عطاء [عن عائشة]. ر "إتحاف السادة المتقين" 9:47.
ولأن التقليد لو أفاد
(1)
علمًا فإما بالضرورة وهو باطل، وأما بالنظر فيستلزم الدليل، والأصل عدمه، والعلم يحصل بالنظر واحتمال الخطأ؛ لعدم تمام مراعاة القانون الصحيح.
ولأن الله سيحانه وتعالى ذم التقليد بقوله: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)[الزخرف: 22] وهي فيما يُطلب للعلم فلا يلزم الفروع.
(و) أما (القضاء) فهو في الأصل أحكام الشيء والفراغ منه؛ كقوله سبحانه وتعالى: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت: 12]. ويكون بمعنى إمضاء
الحكم، ومنه قوله سبحانه وتعالى:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ)[الإسراء: 4] أي: أمضينا وأنهينا. وسمي الحاكم قاضيًا؛ لأنه يمضي الأحكام ويحكمها. ويكون بمعنى أوجب فيجوز أن يكون سمي يه؛ لإيجابه الحكم على من يجب عليه.
والقضاء اصطلاحًا: (تبيينُه) أي: تبيين الحكم الشرعي، (والإلزام به، وفصل الحكومات).
والأصل فيه قوله سبحانه ولعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى)[ص: 26].
وقوله سبحانه وتعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ)[النساء: 65].
وقوله صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر "
(2)
. متفق عليه من حديث عمرو بن العا ص.
(1)
في ب: أفاده.
(2)
أخرجه البخاري في: صحيحه" (6919) 6: 2676 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر
الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ.
وأخرحه مسلم في "صحيحه"(1716) 3: 1342 كتاب الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ.
وأجمع المسلمون على نصب القضاة؛ [للفصل بين الناس]
(1)
.
(وهو: فرض كفاية) على الأصح؛ لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه.
فكان واجبًا؛ (كالإمامة) والجهاد.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس؟.
وقال الشيخ تقي الدين: قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماعٍ
القليل العارض في السفر وهو تنبيه على أنواع الاجتماع، والواجب اتخاذها دينا وقربه، فإنها من أفضل القربات. وإنما فسد حال بعضهم؛ لطلب الرئاسة والمال بها، ومن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجزعنه.
وعنه: هو سنة.
وعنه: لا يسن دخوله فيه.
نقل عبد الله: لا يعجبني هو أسلم.
وذلك الخلاف لأن فيه فضلاً عظيمًا لمن قوي عليه وأراد الحق فيه، وفيه
خطر عظيم لمن لم يُرد الحق فيه.
(فعلى) المذهب: يجب على (الإمام أن ينصب بكل إقليم) هو بكسر
الهمزة أحد الأقاليم السبعة (قاضيًا)؛ لأن الإمام لا يمكنه أن يتولى الخصومات والنظر فيها في جميع البلدان، والخصومات بين الناس تكثر. فوجب أن يرتب في كل إقليم من يتولى فصل الخصومات؛ لئلا يتوقف ذلك على السفر إلى الإمام. فتضيع الحقوق في السفر إلى الإمام من المشقة، وكلفة النفقة.
ولأن الإمام هو القائم بأمر الرعية المتكلم بمصلحتهم المسؤول عنهم فيبعث
القضاة إلى الأمصار؛ كفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وللحاجة إلى ذلك؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليًا إلى اليمن قاضيًا "
(2)
.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3582) 3: 301 كتاب الأقضية، باب كيف القضاء.
وبعث معاذًا قاضيًا أيضًا وقال له: " بم تحكم؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. قال: الحمد الله الذي وفّق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم "
(1)
.
وعن عقبة بن عامر قال: " جاء خصمان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اقض بينهما. قلت: أنت أولى بذلك. قال: وإن كان. قال: على ما أقضي؟ قال: اقض فإن أصبت فلك عشر أجور، وإن أخطأت فلك أجر واحد "
(2)
. رواه سعيد في " سننه ".
و" ولّى عمر شريحًا قضاء الكوفة، وولّى كعبَ بن سور قضاء البصرة "
(3)
.
و" كتب إلى أبي عبيدة ومعاذ يأمرهما بتولية القضاة في الشام ".
ولأن أهل كل بلد يحتاجون إلى القاضى ولا يمكنهم المصير في كل قضية
إلى بلد الإمام. فوجب إغناوهم عن ذلك.
(و) على الإمام أيضًا أن (يختار لذلك) أي: لنصب القضاء (أفضلَ من يجد علمًا وورعًا) أي: في العلم والورع؛ لأن الإمام ناظر للمسلمين فيجب عليه اختيار الأصلح لهم، فيختار أفضلهم علمًا؛ لأنه إنما يمكنه القضاء بين المترافعين مع العلم؛ لأن القضاء بالشيء فرع عن العلم به، والأفضل أولى من المفضول؛ لأنه أثبت وأمكن، وكذا كل ما كان ورعه أكثر كان سكون النفس فيما يحكم به أعظم، وكان من ترك التحري والميل في جانب أبعد.
(ويأمره) عند ولايته (بالتقوى)؛ لأن التقوى رأس الدين.
(و) يأمره أيضًا بـ (تحرّي العدل)، والعدل: إعطاء الحق لمستحقه من
غير ميل. وهذا هو المقصرد من القضاء.
(1)
أخرجه أحمد في"مسنده"(21759) 5: 230.
(2)
أخرجه أحمد في"مسنده"(17859) 4: 205.
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبري" 10: 86 كتاب آداب القاضي.
(و) يأمره (أن يستخلف في كل صُقْعٍ) أي: في كل ناحية من نواحي عمله (أفضلَ من يجد لهم)؛ لأن القاضي إذا كان في إقليم لم يمكنه أن يتولى الخصومات في جميع بلدانه. فلو وقف ذلك عليه يشق على الناس. فوجب أن يستخلف لهم في كل ناحية أفضل من يجد لذلك كما ذكرنا في الإمام؛ لأنه إنما يفعل ذلك لمصلحتهم .. فيجب عليه النصح لهم. وإنما يتحقق نصحه باختيار الأصلح لهم.
(ويجب على من يصلُح) للقضاء- (إذا طُلب) له (ولم يوجد غيره ممن
يوثق به - أن يدخُل فيه) على الأصح؛ لأن القضاء فرض كفاية ولا يقدرعلى القيام به غيره. فيتعين عليه؛ كغسل الميت وتكفينه.
ولأن في ترك قبوله ضياع حقوق الناس وتلف أموالهم. فوجب عليه القبول؛ كمانقاذ الهلكى وإنجاء الغرقى. وقد روى عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن. وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا "
(1)
. رواه أحمد ومسلم والنسائي.
ومحل وجوب الدخول في القضاء عليه: (إن لم يُشغله عما هو أهمُّ منه)
أي: من القضاء؛ لما في الاشتغال بما هو أهم من القضاء من النفع مع الأمن من الغرر.
وعنه: لا يجب نصبه القضاء ولا الإجابه إليه؛ لما في ذلك من الخطر وقد
روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من حكمٍ يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقفه على جهنم، ثم يرفع رأسه إلى الله
(1)
أخرجه مسلم في"صحيحه"(1827) 3: 1458 كتاب الإمارة، باب فضيلة الحاكم العادل.
وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية.
وأخرجه النسائي في "سننه"(5379) 8: 221 كتاب آداب القضاة، فضل الحاكم العادل في حكمه.
وأخرجه أحمد في"مسنده"(6492) 2: 160.
عزوجل. فإن قال: ألقه ألقاه في مهوًى فهوى اربعين خريفًا "
(1)
.رواه أحمد وابن ماجه.
(و) من طلب ليولى القضاء (مع وجود) صالح للقضاء (غير)،
فـ (الأفضل) في حقه: (أن لايُجيب) في الأصح؛ لما في الأجابة من الخطر والغرر، ولما في ترك الإجابة من السلامة، ولما ورد في القضاء من التشديد والذم. ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي.
(وكره له طلبه إذًا) أي: مع وجود صالح للقضاء غيره؛ لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سأل القضاء وكل إلى نفسه، ومن جبر عليه نزل ملك يسدده "
(2)
. رواه الخمسة إلا النسائي.
وفى رواية أخرى: " من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعًا وكل إلى نفسه، ومن
أكره عليه أنزل عليه ملكًا ليها يسدده "
(3)
. قال الترمزي: هذا حديث حسن عريب. قال في " الفروع ": وظاهر تخصيصهم الكراهة بالطلب؛ لأنه لا يكره توليه الحريص ولا ينفي أن غيره أولى. ويتوجه وجه: يكره.
وفي " الصحيحين " عن أبي موسى مرفوعًا: " إنا والله لا نولي هذا العمل أحدًا سأله ولا أحدً حريصًا عليه "
(4)
. انتهى.
(1)
أخرحه ابن ماجه في"سننه"(2311) 2: 775 كتاب الأحكام، باب التغليظ في الحيف والرشوة.
وأخرجه أحمد في"مسنده"(4097) 1: 430.
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3578) 3: 300 كتاب الأقضية، باب في طلب القضاء والتسرع إليه.
وأخرجه الترمذي في "جامعه"(1323) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2309) 2: 774 كتاب الأحكام، باب ذكر القضاة.
وأخرجه أحمد في"مسنده"(13311) 3: 220
(3)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(1324) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي.
(4)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(6730) 6: 2614 كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الأمارة.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1733) 3: 1456 كتاب الأمارة، باب النهي عن طلب الأمارة والحرص عليها.
(ويحرُم بذل مالٍ فيه) أي: في القضاء.
(و) يحرم على من بُذل له مال في القضاء (أخذه.
و) يحرم أيضا (طلبه) أي: طلب القضاء (وفيه مباشِر أهل) للقضاء،
حتى ولو كان الطالب أهلاً للقضاء في هذه الصورة؛ لما في ذلك من التعرض لمن هو قائم بمنصب القضاء مع أهليته من غير موجب يقتضي عزله. كما يحرم الدخول في القضاء على من لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه.
(وتصحُ تولية مفضول) مع وجود من هو أفضل منه؛ لأن المفضول من الصحابة
كان يولى مع وجود الفاضل مع الاشتهار والتكرار ولم ينكر ذلك أحد فكان إجماعاً. (و) يصح أيضًا تولية (حريص عليها) أي: على توليه القضاء [بلا كراهة
في الأصح؛ لأن الحرص
(1)
على تولية القضاء]
(2)
ليس بقادج في صحة الولاية. ولافي أهليه المولى.
(و) يصح أيضًا (تعليق ولاية قضاء، و) تعليق ولاية (إمارة بشرطٍ).
فإذا قال الإمام: إن مات فلان القاضي فقد وليت فلاناً عوضه، أو إن مات أمير جيش كذا ففلان عوضه [فمات صحت ولاية فلان]
(3)
؛ لتعيين الموَلّى باسمه. بخلاف ما لو قال الإمام: من نظر في الحكم في البلد
(4)
الفلانى من فلان وفلان فقد وليته؛ لأنه لم يعين الولاية لأحد منهما.
(وشُرط لصحتها) أي: صحة الولاية)
(5)
: (كونها من إمام أو نائبه فيه)
اي: في القضاء؛ لأن ولاية القضاء من المصالح العامة. فلم يجز إلا من جهة الإمام؛ كعقد الذمة.
ولأن الإمام صاحب الأمر والنهي وهو واجب الطاعة، مسموع الكلمة، مالك لجميع الولايات، حسًا وشرعًا.
(1)
فى ج: الحريص.
(2)
ساقط من ب.
(3)
ساقط فى أ.
(4)
فى ج: بالبلد.
(5)
فى ج: التوليه.
(وأن يَعرِف) الإمام أو نائبه في القضاء (أن المولَّى) بفتح اللام (صالح للقضاء)؛ لأن جهالة حاله في الصلاحية كالعلم بعدمها؛ لأن الأصل العدم. فلا تجوز توليته مع عدم العلم بذلك؛ كما لا تجوز توليته مع العلم بعدم صلاحيته. وحاصله: انه إن كان يَعرف صلاحيته ولّاه، وإلا سأل أهل المعرفة به.
(و) يشترط لصحة تولية القضاء أيضًا (تعيين ما يولّيه) الإمام أو نائبه في القضاء (الحكمَ فيه: من عمل) وهو ما يجمع بلداناً أو قرى متفرقة؛ كالعراق ونواحيه، (وبلد)؛ كمكة والقاهرة؛ ليعلم محل ولايته فيحكم فيه ولا يحكم في غيره. وقد " ولى النبي صلى الله عليه وسلم عليًا قضاء اليمن "
(1)
.
و" ولى عمرُ شريحًا قضاء الكوفة وولى كعبَ بن سور قضاء البصرة "
(2)
.
و" بعب في كل مصرٍ قاضيًا وواليًا ".
(ومشافَهتُه بها) أي: بالولاية إن كان حاضرًا بالمجلس (أو مكاتبتُه) بالولاية إن كان غائبًا؛ لأن التولية تحصل بالمشافهة في الحضرة وبالمكاتبة في الغيبة كالتوكيل. وحينئذ يكتب له الإمام عهدًا بما ولاه " لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن "
(3)
.
و" كتب عمر إلى أهل الكوفة، اما بعد: فإنى قد بعثت إليكم عمّارًا أميرًا وعبدالله قاضيًا فاسمعوا لهما وأطيعوا ".
(وإشهاد عدلين عليها) أي: على توليته إن كان العمل أو البلد الذي ولي قضاءه بعيدًا لا يستفيض فيه أخبار ما يكون ببلد الإمام. وهو ما زاد على خمسة أيام. وذلك باًن يكتب العهد ويُقرأ على العدلين بحضرة المولى
(4)
وهو الإمام أو
(1)
أخرجه أبو داود فى "سننه"(3582) 3: 301 كتاب الأقضيه، باب كيف القضاء.
(2)
أخرجه البيهقى فى "السنن الكبرى " 10 10: 87 كتاب آداب القاضى.
(3)
اخرجه النسائى فى "سننه"(4853) 8: 57 كتاب القسامه، باب ذكر حديث عمرو بن حزم فى العقول
…
واخرجه مالك فى "موئئته "(1) 2: 647 كتاب العقول، باب ذكر العقول.
(4)
فى ج: الولى.
نائبه في ذلك. ويقول لهما: اشهدوا عليَّ أنى قد وليت قضاء العمل الفلانى أو قضاء البلد الفلاني، وتقدمت إليه بما يشتمل عليه هذا العهد. ليمضيا إلى محل ولايته)
(1)
فيقيما له الشهادة هناك.
(أو استفاضتُها) أي: استفاضة الولاية: (إذا كان بلد الإمام) من البلد الذي ولي فيه (خمسة أيام فما دون) على الأصح؛ لأن الاستفاضة آكد من الشهادة ولهذا يثبت بها النسب والموت والأملاك المطلقة فلا ضرورة إلى الشهادة مع الاستفاضة.
(لا عدالة المولّى بكسر اللام) على الأصح؛ لأن ولاية الإمام الكبرى تصح
من كل بر وفاجر. فلو اعتبرت في المولّي العداله أفضى إلى تعذر التولية بالكلية فيما إذا كان الإمام غير عدل.
(وألفاظها) أي: ألفاظ التولية (الصريحةُ سبعةٌ):
الأول: (ولّيتُك الحكم.
و) الثانى: (قلَّدتُك الحكم.
و) الثالث: (فوَّضتُ) إليك الحكم.
و) الرابع: (رددتُ) إليك الحكم.
و) الخامس: (جعلتُ إليك الحكم.
و) السادس: (استخلفتُك) في الحكم.
و) السابع: (استنبتُك في الحكم.
فإذا وُجد أحدُها) أي: أحد هذه الألفاظ السبعة، (وقَبِل مُؤَلَّى) بفتح اللام (حاضرٌ في المجلس) انعقدت الولاية؛ كالبيع والنكاج، (أو) قبِل التولية (غائب) عن المجلس (بعده، أو شرَع الغائب في العمل: انعقدت) أيضًا في الأصح.
(1)
فى ج: ولا يتهما.
(والكناية) من ألفاظ التولية (فحو: اعتمدت) عليك، (أو عوَّلت عليك، ووكلت) إليك، (أو أسنَدت إليك لا تنعقد) الولاية (بها) أي: بألفاظ الكناية، (إلا بقرينة نحو: فاحكم) ما وكلت إليك فيه، (أو فَتوَلَّ ما عوَّلتُ عليك فيه)، لأن هذه الألفاظ تحتمل التولية وغيرها من كونه يأخذ برأيه وغير ذلك. فلا تنصرف إلى التولية إلا بقرنية تنفي الاحتمال.
(وإن قال) الإمام أو من له أن يُولي بالنيابة عن الإمام: (من نظر في الحكم
في بلد كذا، من فلان وفلان، فقد ولَّيته: لم تنعقد) الولاية (لمن نظر؛ لجهالته)، لأنه لم يعين بالولاية أحدًا منهم، فهو كما لو قال: بعتك أحد هذين الثوبين.
(وإن قال: ولَّيتُ فلاناً وفلاناً، فمن نَظر منهم) في الحكم (فهو خليفتي: انعقدت) الولاية الهما) جميعًا بقوله: وليت فلانًا وفلاناً، (ويتعيَّن) منهما (من سبَق) بالنظر بقوله: فمن نظر منهما فهو خليفتي.
[فصل: فيما تفيده ولايةُ حكمٍ عامة]
(فصل. وتُفيد ولاية حكمٍ عامَّة) وهي: التي لم تخص بحالة دون حالة (النظرَ في أشياء، والإلزامَ بها) وهي:
(فصلُ الحكومة، وأخذُ الحق) ممن يجب عليه، (ودفعه لربّه.
والنظرُ في مال يتيم، و) مال (مجنون، و) مال (سفيه، و) مال (غائب، والحجرُ لسفه وفَلَس.
والنظرُ في وقوفِ عملِه، لتجريَ على شرطها، و) النظر (في مصالح طرقِ عمله وأفْنِيَته.
وتنفيذُ الوصايا، وتزويج من لا وليَّ لها) من النساء.
(وتصفُحُ) حال (شهودِه وأُمَنائه، ليستبدل بمن ثبت جَرحُه.
وإقامة حدٍ، و) إقامة (إمامةِ جمعةٍ وعيدٍ: ما لم يُخَصَّا بإمام)؛ لأن العادة
من القضاة تولي ذلك. فعند إطلاق تولية القضاء تنصرف إلى ولاية ما جرت العادة بولايته للقاضي.
(وجِبايةُ خَراجٍ وزكاةٍ ما لم يُخَصَّا) أي: جباية الخراج والزكاة (بعامل.
لا الاحتساب على الباعةِ والمشترين، وإلزامَهم بالشرع)؛ لأن العادة لم تثبت بتولي القضاة لذلك.
(وله) أي: للقاضي (طلبُ رزقٍ من بيت المال لنفسه وأُمنائه وخلفائه). رخص في ذلك شريح وابن سيرين والشافعي وأكثر أهل العلم.
وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه " أنه استعمل زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقاً ".
و" رزق شريحًا في كل شهر مائة درهم "
(1)
.
(1)
قال فى ابن حجر: لم أره هكذا. وروى عبد الرازق فى "مصنفه" عن الحسن بن عماره عن الحكم، أن
عمر رزق شريحاً وسلمان بن ربيعه الباهلى على القضاء. وهذا ضعيف منقطع، وفى البخارى تعليقا:=
و" بعث إلى الكوفة عمارًا وابن مسعود وعئمان بن حنيف ورزقهم كل يوم شاة: نصفها لعمار ونصفها لابن مسعود وعثمان. وكان ابن مسعود قاضيهم ومعلمهم "
(1)
. و " كتب إلى معاذ بن جبل وأبي عبيدة حين بعثهما إلى الشام: أن انظرا رجالاً من صالحي مَن قبلكم فاستعملوهم على القضاء، وأوسعوا إليهم، وارزقوهم، واكفوهم من مال الله تعالى ".
(حتى مع عدم حاجة) في الأصح؛ " لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما ولي الخلافة فرضوا له رزقًا كل يوم درهمين ".
ولما ذكرناه من أن عمر رَزق زيدًا وشريحًا وابن مسعود، وأمر بفرض الرزق لمن يولى من القضاه.
ولأن بالناس حاجة إلى القضاء ولو لم يجز فرض الرزق لتعطل القضاء وضاعت
الحقوق.
فأما الاستئجار عليه فلا يجوز، قال عمر رضي الله تعالى عنه:" لا ينبغي لقاضي المسلمين ان يأخذ على القضاء أجرًا "؛ لأنه قربة يختص فاعله أن يكون من أهل القربة. فأشبه الصلاة.
(فإن لم يُجعل له) أي: للقاضي (شيءٌ) من بيت المال (وليس له ما يكفيه) له ولعائلته، (وقال للخصمَيْن: لا أقضي بينكما إلا بجُعل، جاز) في الأصح. قاله في " المغني " و " الشرح ".
(لا من تعين أن يفتي وله كفاية.
ومن يأخذ من بيت المال: لم يأخذ أجرة لفُتياه، ولا لخطّه) في الأصح.
فال في " إعلام الموقعين ": ومن أخذ رزقًا من بيت المال لم يأخذ أجرة لفتياه، وفي أجرة خطّه وجهان. انتهى.
(1)
= كان شريح يأخذ على القضاء أجراً. "تلخيص الحبير"
أخرجه البيهقى فى "السنن الكبرى " 6: 354 كتاب قسم الفئ والغنيمه، باب ما يكون للوالى الأعظم
ووالى الإقليم من مال الله.
[فصل: في أنو اع الولاية]
(فصل. ويجوزُ أن يولّيه) أي: أن يولي الإمام القاضي (عمومَ النظر في عموم العمل) وذلك بأن يوليه سائر الأحكام في سائر البلدان.
(و) يجوز (أن يولّيه خاصًا في أحدهما أو) خاصًا (فيهما:
فيوليه عموم النظر) في محلة خاصة، (أو) يوليه شيئًا (خاصًا)؛ كعقود الأنكحة مَثلاً (بِمحَلّةٍ خاصَّةٍ، فَينفُذُ حكمه في مقيمٍ بها) أي: بتلك المحلة، (و) في (طارئ إليها) من غير أهلها (فقط)؛ لأن الطارئ على البلد يعطى حكم أهله في كثير من الأحكام، بدليل أن الدماء الواجبة لأهل مكة يجوز تفريقها في الطارئ إليها كأهلها.
(لكنْ: لو أذنت له) امرأة (في تزويجها) وهي في عمله، (فلم يزوّجها حتى خرجت من عمله: لم يصح) تزويجها، لأنها
(1)
حالةَ التزويج لم تكن في عمله. فلم يكن له عليها ولاية، (كما لو أذنت له) في تزويجها (وهي في غير عمله، ثم) زوجها بعد أن (دخلت إلى عمله)، لأن إذن المراة في تزويجها لحاكم
(2)
ليست في عمله لا عبرة به. فلم يصح التزويج، كما لو لم تدخل إلى عمله بعد إذنها.
(و) كما (لا) يصح منه أنه (يسمع بينة في غير عمله. وهو) أي: وعمله (محلُّ) نفوذ (حكمه).
أما لو قالت امرأة في غير عمل القاضي: إذا دخلت في عمله فقد أذنت له في
(1)
فى أ: لأنه.
(2)
فى أ: الحاكم.
تزويجي، أو قالت للقاضي: إذا دخلت أنا في عملك فقد أذنت لك أن تزوجني فزوجها وقد دخلب عمله: صح تزويجها ولو كان قولها ذلك للقاضي وهو في غير عمله، لصحة تعليق الإذن بالشرط.
(وتجب إعادة الشهادة) التي سمعها في غير محل حكمه (فيه) أي: في محل حكمه، (كتعديلها) أي: تعديل البينة، لأن المحل الذي سمعها فيه لا ينفذ فيه حكمه؛ كما لو سمعها قبل أن يتولى القضاء ثم تولاه بعد ذلك.
(او يوليَه) أي: يولي الإمام القاضي (الحكمَ في المداينات) أي: في إثبات الديون (خاصَّة، أو) يوليه الحكم (في قدرٍ من المال لا يتجاوزُه)؛ كما قال أبو عبيدالله الزبيري: لمٍ تزل الأمراء عندنا بالبصرة برهة من الدهر يستقضون على المسجد الجامع رجلاً يسمونه قاضي المسجد يحكم في مائتي درهم وعشرين دينارًا فما دونهما.
(أو يَجعل إليه) أي: يجعل الإمامُ إلى القاضي (عقود الأنكحة، دون غيرها) في بلد خاص أو في جميع البلاد؛ لأن ذلك جميعه إلى الإمام، وله الاستنابة في الكل فتكون له الاستنابة في البعض، فإن من ملك الاستنابة في الكل ملك الاستنابة في البعض.
وقد صح ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنيب أصحابه كلاًّ في شيء: ف " ولى عمر القضاء "، و " بعث عليًا قاضيًا إلى اليمن "
(1)
.
وكان يرسل أصحابه في جمع الزكاة وغيرها وكذلك الخلفاء.
ولأن ذلك نيابة فكان على حسب الاستنابة.
(وله) أي: للمولّي بكسر اللام (أن يولّي) قاضيًا (من كير مذهبه) في الأصح.
قال في " الرعاية الكبرى ": ويجوز لكل ذي مذهب أن يولي من غير مذهبه. ذكره في مكانين من هذا الباب. وقال: فإن نهاه عن الحكم في مسالة احتمال وجهين.
(1)
أخرجه أبو داود فى "سننه"(3582) 3: 301 كتاب الأقضيه، باب كيف القضاء.
قال في " الإنصاف ": قلت: الصواب الجواز. وقال ذلك في " الرعاية الصغرى " ايضًا و" الحاوي الصغير " أيضًا.
وقال الناظم:
وتولية المرء المخالف مذهب المولي أجز
(1)
من غير شرط مقيد وقال الشيخ تقي الدين: ومتى استناب الحاكم من غير أهل مذهبه إن كان
لكونه أرجح فقد أحسن مع صحة ذلك، وإلا لم يصح.
قال في " الفروع " في باب الوكالة: ويتوجه جوازها إذا جاز له الحكم ولم
يمنع منه مانع، وذلك مبني على جواز تقليد غير إمامه، وإلا
(2)
انبنى على أنه هل. يستنيب فيما لا يملكه؟ كتوكيل مسلم ذميًا في شراء خمر ونحوه. انتهى.
(و) له أيضا أن يولي (قاضيين فأكثر ببلد) واحد (وإن اتَّحد عملُهما) في الأصح، لأنه يجوز للقاضي أن يستخلف في البلد الذي هو فيه فيكون فيه قاضيان. فجاز أن يكون فيها
(3)
قاضيان أصليان؛ لأن الغرض فصل الخصومات، وإيصال الحق إلى مستحقه وهو حاصل بذلك. فأشبه القاضي وخلفائه.
ولأنه يجوز للقاضي ان يستخلف خليفتين في موضع واحد فالإمام أولى؛
لأن توليته أقوى.
ولأنه لا مانع أن يُخص واحد بالنظر في بعض الأحكام فلا مانع أن يخص
واحد بمن يحتكم إليه من الغرماء، لعدم الفرق بينهما.
ولكل منهما ان يحكم بمذهبه وليس للآخر الاعتراض عليه.
(و) على هذا لو تنازع خصمان في الحكم عند أحدهما بأن قال أحدهما:
لا نتحاكم إلا عند هذا، وقال الآخر: لا نتحاكم إلا عند الآخر فإنه (يقدَّم قول طالبٍ). من الخصمين (ولو) كان الطالب (عند نائبٍ) وكان الآخر عند
(1)
فى ب: أجزه.
(2)
فى أ: ولا.
(3)
فى ب: فيهما.
مستنيب، (فإن استويا) بأن كان كل منهما طالبًا؛ (كمُدّعيَيْن اختلفا في ثمن مبيع باق: ف) إنه يقدم بالحكم بينهما (أقرب الحاكمين)؛ لأنه لا حاجة إلى التكلف إلى المضي إلى الأبعد منهما.
(ثم) إذا استوى
(1)
الحاكمان في القرب كان المقدم من الحاكمين من خرجت له (قرعةٌ)؛ لعدم الترجيح بدون القرعة.
مسألة:
قال في " شرج المقنع ": ولا يجوز أن يقلّد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه. وهذا مذهب الشافعي. ولا نعلم فيه خلافاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (فاحكم بين الناس بالحق)] ص: 26] والحق لا يتعين في مذهب وقد يظهر له الحق في غير ذلك المذهب. فإن قلده على هذا الشرط بطل الشرط. وفي فساد التولية وجهان بناءً على الشروط الفاسدة في البيع. انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين: من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل. قال: وإن قال: ينبغي كان جاهلاً ضالاً، قال: ومن كان متبعًا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم أو أتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته بلا نزاع. قال: وفي هذه الحال يجوز عند أئمة الإسلام. وقال أيضًا: بل يجب، وأن الإمام احمد نص عليه. انتهى.
(وإن زالت ولاية المولّي بكسر اللام) بموتٍ أو غيره، (أو عَزل المولَّى بفتحها) أي: فتح اللام (مع صلاحيته لم تبطل ولايته) في الأصح.
أما كونه لا ينعزل بزوال ولاية المولي له؛ لأن الخلفاء رضي الله تعالى عنهم
ولوا حكاما في زمانهم. فلم ينعزلوا بموتهم.
ولأن في عزل المولى بفتح اللام بموت الإمام ضررًا على المسلمين فإن البلد تتعطل من الحكام، وتقف أحكام الناس إلى أن يولي الإمام الثانى قاضيًا وفي ذلك ضرر عظيم.
(1)
فى ج: استويا.
وأما كون القاضي لا ينعزل اذا عزله الإمام مع صلاحيته؛ (لأنه نائب المسلمين، لا الإمام)؛ لأن ولاية القضاء الصادرة من الإمام للقاضي عقدٌ لمصلحة المسلمين. فلم يملك عزله مع سداد حاله، كما لو عقد النكاح على موليته لم يكن له فسخه.
وقيل: ينعزل.
والأول المذهب.
قال في " الإنصاف " لما ذكر الوجهين أحدهما: لا تبطل ولايته ولا ينعزل، وهو الصحيح من المذهب. جزم به الأدمي
(1)
في " منتخبه "، وقدمه. في " الرعايتين " و " الحاوي الصغير " و " الفروع " و " المحرر "، واختاره الشيخ تقي الدين. انتهى.
(ولو كان المستنيبُ قاضيًا، فعَزَل نُوَّابَه، أو زالت ولايتُه بموت أو غيره:
انعز لو ا).
قال في " شرج المقنع ": وأما إذا استخلف القاضي خليفة فإنه ينعزل بموته وعزله؛ لأنه نائبهء أشبه الوكيل. وهذا بخلاف من ولاه الإمام قاضيًا فانه يتعلق به قضايا الناس وأحكامهم عنده وعند نوابه بالبلدان فيشق ذلك على المسلمين. (وكذا والٍ، ومحتسِبٌ، وأميرُ جهادٍ، ووكيلُ بيتِ المال، ومن نُصِب لجبايةِ مالٍ وصرفه).
قال في " الفروع " بعد أن تكلم على مسألة عدم انعزال القاضي بزوال ولاية
من ولاه: ومثله
(2)
كل عقد لمصلحة المسلمين؛ كوال، ومن ينصبه لجبايه مال وصرفه، وأمير الجهاد، ووكيل بيت المال، والمحتسب. ذكره شيخنا، وهو ظاهر كلام غيره.
وقال أيضًا في الوكيل: لا ينعزل بانعزال المستنيب وموته حتى يقوم غيره
(1)
فى ج: الآمدى.
(2)
فى ب: ومسألة.
مقامه. وفي " الرعاية ": في نائبه في الحكم وقيّم الأيتام وناظر الوقف ونحوهم أوجه، ثالثها: إن استخلفهم بإذن من ولاه، وقيل وقال: استخلف
(1)
عنك: انعزلو ا.
(ولا يبطل ما فرضه فارضٌ في المستقبل) يعني: بموت فارض.
(ومن عَزَل نفسه) ممن ذكرنا (انعزل).
قال في " الفروع ": في الأصح.
وقال صاحب " الرعاية ": إن لم يلزمه قبوله.
وقال القاضي: عزل نفسه يتخرج على روايتين، بناء على أنه هل هو وكيل المسلمين أم لا؟ وفيه روايتان نص عليهما في خطأ الإمام. فإن قلنا: في بيت المال فهو وكيل، فله عزل نفسه، وإن قلنا: على عادلته فلا.
(لا بعزلٍ قبل علمه)؛ لأنه يتعلق به قضايا الناس وأحكامهم فيشق. بخلاف الوكيل فإنه متصرف في أمر خاص.
(ومن أُخبر بموت) قاض (مولًّى ببلدٍ، وولَّى غيره، فبان حيًا: لم ينعزل) في الأصح. فيؤخذ من هذه المسألة: أن من أنهى شيئًا فولي بسبب إنهائه ولاية ثم تبين بطلان إنهائه: أن ولايته لا تصح؛ لأنها كالمعلقه على صحة الإنهاء. وهذه مسألة كثيرة الوقوع، فليتنبه لها.
(1)
فى ب: استخلفت.
[فصل: في صفات القاضي]
(فصل. ويُشترط كون قاضٍ) متصفاً بعشر صفات. أشار اليها بقوله: (بالغاً عاقلاً)؛ لأن غير البالغ العاقل تحت ولاية غيره. فلا يكون والياً على غيره.
(ذكراً)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة "
(1)
.
ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة، والمرأة ناقصة العقل ضعيفة الرأي، ليست أهلاً للحضور في محافل الرجال، ولا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف امرأة ما لم يكن معهن رجل، وقد نبَّه الله سبحانه وتعالى على ضلالهن ونسيانهن بقوله سبحانه وتعالى:{أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282].
ولا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان. ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه امرأة قضاء.
(حراً)؛ لأن غير كامل الحرية منقوص بما فيه من الرق، مشغول بحقوق سيده. فلم يكن أهلاً للقضاء؛ كالمرأة.
(مسلماً)؛ لأن الإسلام شرط للعدالة. فأولى أن يكون شرطا للقضاء.
(عدلاً ولو تائباً من قذف).نص على ذلك الإمام أحمد؛ فلا تجوز تولية الفاسق، ولا من
(2)
فيه نقص يمنع قبول شهادته؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] فأمرنا بالتبين
(3)
عند
(1)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(4163) 4: 1610 كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر.
(2)
في ج: ولأن من.
(3)
في ج: بالتبيين.
قول الفاسق، ولا يجوز أن يكون الحاكم ممن لا يقبل قوله ويجب التبين
(1)
عند حكمه.
ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهداً. فلئلا يجوز أن يكون قاضيا أولى.
(سميعاً)؛ لأن الأصم لا يسمع كلام الخصمين.
(بصيراً)؛ لأن الأعمى لا يعرف المدعِي من المدعَى عليه، ولا يعرف المقر من المقر له.
(متكلّماً)؛ لأن الأخرس لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم جميع الناس إشارته.
(مجتهداً). قال في " الفروع ": إجماعاً. ذكره ابن حزم، وأنهم أجمعوا: أنه لا يحل لحاكم ولا مفتي تقليد رجل، فلا يحكم ولا يفتي إلا بقوله.
ولأن فاقد الاجتهاد إنما يحكم بالتقليد، والقاضي مأمور بالحكم بما أنزل الله.
ولقوله سبحانه وتعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105].
وقال الله سبحانه وتعالى: َ {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59].
ولقوله: " القضاة ثلاث: اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار "
(2)
. رواه أبو داود ورجاله ثقات.
لأن المفتي لا يجوز أن يكون عامياً مقلداً فالحاكم أولى.
وفي " الإفصاح ": أن الإجماع انعقد على تقليد كلٍّ من المذاهب الأربعة، وأن الحق لا يخرج عنهم.
وقال الموفق في خطبة " المغني ": النسبة إلى إمام في " الفروع " كالأئمة
(1)
في ج: التبيين.
(2)
أخرجه أبو داود في"سننه "(3573) 3: 299 كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ.
الأربعة ليست بمذمومة، فإن اختلافهم رحمة واتفاقهم حجة قاطعة.
(ولو) كان اجتهاده (في مذهب إمامه) إذا لم يوجد غيره (للضرورة). واختاره في
" الترغيب ". واختار في " الإفصاح " و " الرعاية ": أو مقلداً.
قال في " الإنصاف ": قلت: وعليه العمل من مدة طويلة، وإلا تعطلت أحكام الناس. انتهى.
(فـ) على ما اختاره في " الترغيب " وعلى ما قاله في " الإنصاف " فإنه (يراعي ألفاظ إمامه، و) يراعي من أقواله (متأخّرَها، ويقلّد كبار مذهبه في ذلك) أي: في كون ذلك لفظ إمامه، وفي كون هذا القول متأخراً عن هذا القول، (ويَحُكم به ولو اعتقد خلافه).
قال في " الفروع ": وظاهره أنه يحكم ولو اعتقد خلافه؛ لأنه مقلد، وأنه لا يخرج عن الظاهر عنه، فيتوجه مع الاستواء- أي: استواء القولين عنده- الخلاف في مجتهد. ثم قال بعد أسطر: ويحرم الحكم والفتوى بالهوى إجماعاً، وبقولٍ أو وجهٍ عن غير نظر في الترجيح إجماعاً. ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعاً. قاله شيخنا. انتهى.
ثم قال بعد ذلك: وقال شيخنا: الولاية لها ركنان: القوة والأمانة، فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم، والأمانة ترجع إلى خشية الله سبحانه وتعالى. وهذه الشروط تعتبر حسب الإمكان.
ويجب تولية الأمثل فالأمثل، وأن على هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعدمٍ أنفع الفاسقين وأقلهما شراً، وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد. وهو كما قال، فإن المروذي نقل فيمن قال: لا أستطيع الحكم بالعدل: يصير الحكم إلى أعدل منه.
قال شيخنا: قال بعض العلماء: إذا لم يوجد إلا فاسق عالم، أو جاهل دَيّن قُدّم ما الحاجة إليه أكثر إذا. وقد وجدت بعض فضلاء أصحابنا في زماننا كتب للأنس به ما يوافق ذلك. وهو ما قاله أبو بكر الخوارزمي: الولاية أنثى تكبر
وتصغر بواليها، ومطيّة تحسن وتقبح بممتطيها، فالأعمال بالعمال كما أن النساء بالرجال، والصدور مجالس ذوي الكمال.
وقد عرف
(1)
مما سبق أنه لا يعتبر غير ذلك.
و (لا) يعتبر (كونه كاتباً) في الأصح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمياً وهو سيد الحكام، وليس من
(2)
ضرورة الحكم الكتابة فلا يعتبر شرطها.
(أو) كونه (ورِعاً، أو زاهداً، أو يقِظاً، أو مثبِتاً للقياس) في الأصح في الجميع، (أو حسَنَ الخُلق. والأولى كونه كذلك)؛ كالأسن مع مساواته للشاب في جميع الصفات.
(وما يمنعُ التولية ابتداءً: يمنعها دواماً). فمتى جُن أو فسق أو وجد منه نحو ذلك أزال الولاية؛ لأن وجود العقل والعدالة ونحو ذلك شروط
(3)
في صحة الولاية. فتبطل بزوالها؛ لفقد شرطها.
(إلا فقْد السمع والبصر فيما ثبت عنده) في حال كونه سميعاً وبصيراً (ولم يحكم به) حتى عمي أو طرش، (فإن ولاية حكمه باقية فيه) فإنها إنما منع منهما ابتداء؛ لأن الأعمى لا يفرق بين المدعي والمدعى عليه، والأصم لا يفرق بين اللفظ إذا سمعه فلا يمكنه الحكم. فإذا كان قد عرفهما قبل العمى وسمع منهما قبل الصمم وثبت عنده المحكوم عليه من الخصم، واللفظ
(4)
لم يمنع العمي والصمم الحكم؛ لأن فقدهما ليس من مقدمات الاجتهاد. فيصح الحكم منه مستنداً إلى حال السمع والبصر. وإذا جاز الحكم مع ذلك لم يوجب ذلك العزل عن الولاية. بخلاف غيرهما من الفسق والجنون والردة ونحوها.
(ويتعيَّن عزلُه) أي: عزل القاضي (مع
(5)
مرض يمنعُه القضاء).
(1)
في ج: علم.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
في ج: شرط.
(4)
ساقط من ب.
(5)
في ب: عن.
قال في " الإنصاف ": لو مرض مرضاً يمنعه القضاء تعين عزله. قدمه في" الفروع ".
وقال المصنف والشارح: ينعزل. ومراده بالمصنف: الموفق.
(ويصح أن يولى عبدُ إمارةَ سرية، وقَسْم صدقة، و) قسم (فيءٍ، وإمامةَ صلاة).
قال في " الإنصاف ": يصح ولاية العبد إمارة السرايا، وقسم الصدقات، والفيء، وإمامة الصلاة. ذكره القاضي محل وفاق.
(والمجتهد) مأخوذ من الاجتهاد وهو: استفراغ الفقيه وسعه؛ لتحصيل ظن بحكم شرعي. وهو: (من يَعرف من الكتاب) أي: كتاب الله سبحانه وتعالى (و) من (السنة) أي: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحقيقة) من القول وهي: اللفظ المستعمل في وضع أول.
(والمجاز) وهو: اللفظ المستعمل في غير وضع أول. زاد بعضهم على وجه: يصح استعماله فيه.
(والأمر) وهو: القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به.
(والنَّهي) وهو: اقتضاء كفٍ عن فعلٍ لا بقول كف.
(والمُجْمَل) وهو: ما لا يفهم منه عند الإطلاق شيء.
(والمُبيَّن) وهو: الشيء المخرج من حيز الإشكال إلى حيز التجلي والوضوح.
وقال الشافعي: هو اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة " الفروع ".
(والمحْكَم) هو: اللفظ المتضح المعنى.
(والمتشابَه): مقابله إما الاشتراك أو ظهور تشبيه.
(والعام): ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقاً.
(والخاص): قصر العام على بعض
(1)
مسمياته.
(1)
ساقط من أ.
(والمطلَق): ما دل على شائع في جنسه.
[(والمقَّيد) هو: ما دل على شيء معين]
(1)
.
(والناسِخ) هو: الرافع لحكم شرعي.
(والمنسُوخ) هو: ما ارتفع حكمه شرعاً بعد ثبوته شرعاً.
(والمستثنى) هو: المخرج بإلا وما في معناها من لفظ شامل له.
(والمستثنى منه) هو: العام المخصوص بإخراج بعض ما دل عليه بـ " إلا "وما في معناها.
(و) يَعرف (صحيح السنة) وهو: ما نقله العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة.
(وسقيمَها) أي: سقيم السنة وهو: ما لم يوجد فيه شروط الصحة؛ كالمنقطع والمنكر والشاذ وغيرها.
(و) يَعرف (مُتواترها) وهو: الخبر الذي نقله جمعُ لا يتصور تواطؤهم على الكذب، مستوفياً في ذلك طرفاه ووسطه. والحق: أنه لا ينحصر في عدد، بل يُستدل بحصول العلم على حصول العدد. والعلم الحاصل عنه ضروري في الأصح.
(و) يعرف (آحادَها) أي: آحاد السنة وهي: ما عدا المتواتر. وليس المراد به أن يكون رواية واحد، بل كل ما لم يبلغ التواتر فهو آحاد.
(و) يعرف (مُسنَدَها) أي: مسند السنة وهو: ما اتصل إسناده من رواته إلى منتهاه. وأكثر استعماله فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(و) يعرف (المنقطِعَ) من الأحاديث. وهو: ما لم يتصل سنده على أيّ وجه كان الانقطاع.
وزاد بعضهم (و) يعرف (مرسلَها) أي: مرسل السنة. وهو: قول غير
(1)
ساقط من ب.
الصحابي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما مرسل الصحابي فهو حجة عند الجمهور. (و) يعرف (متصلَها) أي: متصل السنة. وهو: ما اتصل إسناده وكان كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه، سواء كان مرفوعاً أو موقوفاً.
(مما يتعلَّق بالأحكام) خاصة.
وظاهر ما تقدم أنه لا يجب على المجتهد حفظ القرآن، وإنما المعين عليه حفظ خمسمائة آية كما نقله المعظم؛ لأن المجتهد هو من يعرف الصواب بدليله؛ كالمجتهد في القبلة. ولكل مما ذكرنا دلالة لا يمكن معرفتها إلا بمعرفته. فوجب معرفة ذلك؛ لتعرف دلالته ووقف الاجتهاد على معرفه ذلك.
(و) يعرف (المجمَعَ عليه، والمختلَفَ فيه)؛ لأنه إذا كان الحكم مجمعاً عليه يكون الاجتهاد فيه خطأ. فيحتاج إلى العلم به؛ لئلا يؤديه الدليل إلى مخالفته فيكون مخطئاً قطعاً. ويحتاج إلى معرفة المختلف فيه وأقوال الأئمة فيه؛ لئلا يؤديه اجتهاده إلى قولٍ يخرج عن أقوال السلف، وذلك لا يجوز عند من يقول: لا يجوز إحداث قول في المختلف فيه لا قائل به.
(و) يَعرف (القياس) وهو: رد فرع إلى أصل.
(و) يَعرف (شروطَه)؛ لأنه ليس كل مسألة يوجد فيها نص. فاحتيج إلى القياس؛ ليعلم به الحكم فيما لا نصَّ فيه
(1)
برده إلى أصله، (وكيف يستنبط) القياس؟ فإنه تارة ينظر إلى الأصل، وتارة إلى الفرع، وتارة إلى العلة على الكيفية المذكورة في محالّها.
(و) يعرف (العربيَّة المتداولَة بالحجاز والشام والعراق).
قال في " المستوعب " و " المحرر ": واليمن.
(وما يُواليهم) أي: ومن يوالي
(2)
هذه البلاد من العرب. قيل: المراد بالعربية الإعراب والألفاظ العربية. والأشهر: أنها اللغة العربية من حيث
(1)
في أزيادة: أي ومن في بوادي هذه البلاد من العرب. وسوف تأتي بعد عدة أسطر.
(2)
فى أ: أي ومن في بوادي، وفي ب: أي ومن بوادي.
اختصاصها بأحوال هي الإعراب لا توجد في غيرها من اللغات، ليعرف بذلك استنباط الأحكام من أصناف علوم الكتاب والسنة. وقد نص أحمد على اشتراط ذلك في المفتى، فالقاضي مثله، بل أشد. وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه.
(فمن) وقف عليه ورُزق فهمه و (عرف أكثر ذلك فقط: صلُح للفُتْيا والقضاء)، لأنه صار يمكنه الاستنباط والاجتهاد والترجيح بمن الأقوال. وبالله التوفيق لصالح الأعمال.
قال في " آداب المفتي ": ولا يضر جهله ببعض ذلك
(1)
؛ لشبهة أو إشكال، لكن يكفيه معرفة وجود دلالة الأدلة، ويكفيه أخذ الأحكام من لفظها ومعناها. زاد ابن عقيل في
"التذكرة": ويعرف الاستدلال، واستصحاب الحال، والقدرة على إبطال شبهة المخالف، وإقامة الدليل
(2)
على مذهبه. انتهى.
***
(1)
في ج: جهله بذلك.
(2)
في أ: الدلائل.
[فصل: في الحَكَم]
(فصل. وإن حكَّم) بتشديد الكاف (اثنان فأكثر بينها) رجلاً (صالحاً للقضاء) يعني: متصف بصلاحيته للقضاء فحكَم بينهما: (نفذ حكمه في كل ما ينفذُ فيه حكم من ولاَّه إمام أو نائبه) في الأصح؛ لما روى أبو شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إن الله هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟ قال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتونى فحكمت بينهم فرضي عليّ الفريقان. قال: ما أحسن هذا لِلَّهِ فمن أكبر ولدك؟ قال: شريح. قال: فأنت أبو شريح "
(1)
أخرجه النسائي.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما
فهو ملعون "
(2)
. ولولا أن حكمه يلزمهما
(3)
لما لحقه هذا الذم.
و" لأن عمر وأبياً تحاكما إلى زيد بن ثابت "
(4)
.
و" تحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم "
(5)
. ولم يكن أحد ممن ذكرنا قاضياً.
(1)
أخرجه النسائي في "سننه"(5387) 8: 226 كتاب آداب القضاة، إذا حكموا رجلاً فقضى بينهم.
(2)
أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق" ر. " تلخيص الحبير " 4: 185
(3)
في ج: ولو أن حكمهما يلزمه.
(4)
عن الشعبى، قال:" كان بين عمر وأُبيّ رضي الله عنه خصومة فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلاً. قال: فجعلا بينهما زيد بن ثابت. قال: فأتوه قال: فقال عمر رضي الله عنه: أتيناك لتحكم بيننا، وفي بيته يؤتي الحكم. قال: فلما دخلوا عليه أجلسه معه على صدر فراشه. قال: فقال: هذا أول جور جرت في حكمك أجلسني وخصمى مجلساً. قال: فقصا عليه القصة. قال: ففال زيد لأبيِّ: اليمين على أمير المؤمنين فإن شئت أعفيته. قال: فأقسم عمر رضي الله عنه على ذلك. ثم أقسم له لا تدرك باب القضاء حتى لا يكون لي عندك على أحد فضيلة ".
أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 10: 144 كتاب آداب القاضي، باب القاضي لا يحكم لنفسه.
(5)
عن ابن أبي مليكة " أن عثمان إبتاع من طلحة بن عبيد الله أرضا بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة، فلما =
(لكنْ: لكلٍّ منهما) أي: من المتحاكمين (الرجوع) عن تحكيمه (قبل شُروعه في الحكم)، لأنه لا يلزم حكمه إلا برضى الخصمين. أشبه رجوع الموكل عن التوكيل قبل التصرف فيما وكّله فيه.
وقال القاضي: لا ينفذ حكم غير من ولاه الإمام إلا في المال خاصة.
وعلى الأول الذي هو المذهب: له أن يشهد على نفسه بحكمه، ويلزم الحكام قبوله. وكتابه ككتاب حاكم الإمام. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي " عُمَد الأدلة " بعد ذكر التحكيم: وكذا يجوز أن يتولى متقدموا
(1)
الأسواق والمساجد الوساطات
(2)
، والصلح عند الغورة، والمخاصمة، وصلاة الجنازة، وتفويض المال إلى الأوصياء، وتفرقة زكاته بنفسه، وإقامة الحدود على رقيقه، وخروج طائفة إلى الجهاد تلصصاً وبياتاً، وعمارة المساجد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعزير لعبيد وإماء وأشباه ذلك.
وقال في " المستوعب" عمن حكاه: وينبغي أن يشهد عليهما بالرضى بحكمه قبل أن يحكم بينهما؛ لئلا يجحد المحكوم. عليه منهما أنه حكمه، فلا يقبل قوله عليه إلا ببينة. انتهى.
***
(1)
= تباينا ندم عثمان. ثم قال: بايعتك ما لم أره. فقال طلحة: إنما النظر لي إنما ابتعت مغيباً وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت فجعلا بينهما حكماً. فحكما جبير بن مطعم فقضى على عثمان أن البيع جائز وأن النظر لطلحة أنه ابتاع مغيباً ".
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 5: 267 كتاب البيوع، باب من قال يجوز بيع العين الغائبة.
في ب: مقدموا.
(2)
في ج: والرباطات.
[باب: أدب القاضي]
هذا (باب أدب
(1)
القاضي. وهو) أي: وأدبه
(2)
: (أخلاقه التي ينبغي)
له (التخلُّق بها. والخُلُق: صورتُه الباطنة). والحاصل: أن هذا الباب معقود لما يجب على القاضي أن يأخذ به نفسه وأعوانه من الآداب والقوانين التي تنضبط بها أمور القضاء وتحفظهم عن الميل والزيغ.
إذا علمت ذلك فإنه (يُسن كونه) أي: كون القاضي: (قوياً بلا عُنْف) وهو ضد الرفق. وذلك " لئلا يطمع فيه الظالم.
(ليّناً بلاضعف)، لئلا يهابه صاحب الحق.
(حليماً) لئلا يغضب من كلام الخصم فيمنعه ذلك من الحكم بينهم.
(متأنياً) اسم فاعل من التأنى وهو ضد العجلة؛ لئلا تؤدي عجلته إلى ما لاينبغي.
(متفطّناً)؛ لئلا يخدع من بعض الخصوم لغرة.
قال في " شرح المقنع ": عالماً بلغات أهل ولايته.
(عفيفاً) وهو الذي يكف نفسه عن الحرام؛ لأنه لا يطمع في ميله بأطماعه. (بصيراً بأحكام الحكَّام قبله)؛ لقول علي رضي الله تعالى عنه: " لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضياً حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في الله لومة لائم "
(3)
.
(1)
في ج: آداب.
(2)
في ج: وآدابه.
(3)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى " 10: 110: من قول عمر بن عبد العزيز كتاب آداب القاضي، باب مشاروة الوالي والقاضى في الأمر.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال: " ينبغي للقاضي أن يكون فيه سبع خصال إن فاتته واحدة كانت فيه وصمة: العقل، والعفة، والورع، والنزاهة، والصرامة، والعلم بالسنن، والحكم ". رواه سعيد.
ولأنه إذا كان بصيراً بأحكام الحكام قبله سهل عليه الحكم واتضح له طريقه.
(و) يسن (سؤاله) أي: سؤال القاضي: (إن وُلّيَ في غير بلده عن علمائه)؛ ليشاورهم فى حوادثه ويستعين بهم على قضائه، (و) عن (عُدوله)؛ لأنهم هم الذين يثبت بهم الحقوق عنده، وهم الذين يستند أحكامه إليهم فيَقبل من يرى قبوله ويَترك من يرى تركه، وليكون على بصيرة منهم، (وإعلامُهم) بأن يُنفذ عند مسيره من يُعلمهم (يومَ دخولهِ؛ ليتلقّوه)؛ لأن ذلك أعظم لحشمته وأوقع له في النفوس. (من غير أن يأمرهم بتلقّيه) في الأصح. وقال جماعة: ولأمرهم
(1)
بتلقّّيه.
(و) يست (دخولُه) البلد الذي ولي الحكم فيه (يوم اثنين، أو) يوم (خميس، أو) يوم (سبت)؟ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في الهجرة المدينة يوم الإثنين "
(2)
.
و"دخل صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك المدينة يوم الإثنين ".
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " بورك لأمتي في سبتها وخميسها ".
وينبغي أن يكون دخوله (ضَحْوَة)؛ لاستقبال الشهر تفاؤلاً، (لابساً أجملَ ثيابه) أي: أحسنها؛ لأن الله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال، وقد قال الله سبحانه وتعالى:
{خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]؛لأنها مجامع الناس وهذا موضع يجتمع فيه ما لا يجتمع في المساجد. فكان أولى بالزينة.
(وكذا أصحابه)؛ ليكون ذلك أعظم له في النفس فإن النفوس تزدري الإنسان لرثاثة حاله، وتعظمه بحسن ملبوسه ونظافته.
(1)
في ج: يأمرهم.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(3694) 3: 1421 كتاب فضائل الصحابة، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
(ولا يتطيَّر) بشيء، (وإن تفاءل فحسن.
فيأتي الجامع: فيصلي) فيه (ركعتين، ويجلس مستقبلاً) القبلة، لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة، (ويأمُرُ) القاضي (بعهده فيُقرأُ على الناس)؛ ليعلموا توليته، ويعلموا احتفاظ الإمام على اتباع أحكام الشرع والنهي عن مخالفته، وقدر المولَّى بفتح اللام عنده، ويعلموا حدود ولايته وما فُوض إليه الحكم فيها.
(و) يأمرُ (بمن يناديهم بيوم جلوسه للحكم)، ليعلم من له حاجة ليأتي إليه يوم جلوسه للحكم.
(ويُقلُّ من كلامه إلا لحاجة) إلى الكلام.
(ثم يمضي إلى منزله) الذي أُعد له ليستريح من نصب سفره، (ويُنْفِذُ: فيتسلَّم ديوانَ الحكم) بكسر الدال وحكي فتحها، وهو فارسي معرب (ممن) كان قاضياً (قبله)، وديوان الحكم هو: الدفتر المنصوب المعدّ لكَتْب ثبوت
(1)
حجج الناس ووثائقهم وسجلاتهم وودائعهم؛ لأنه الأساس الذي ينبني عليه، وهو في يد الحاكم بحكم الولاية
(2)
، وقد صارت إليه فوجب أن ينتقل ذلك إليه.
قال في " التبصرة ": (و) لـ (يأمر كاتباً ثقةً: يُثْبتُ ما تسلَّمه بمحضَر عَدْلين.
ثم يخرُج يومَ الوعد) أي: يوم وعد الناس بالجلوس فيه للحكم (بأعدل أحواله: غير غضبان، ولا جائع، ولا حاقن، ولا مهموم بما يَشغلُه عن الفهم)" ليكون ذلك أجمع لقلبه، وأبلغ في تيقظه للصواب. فإن كلاً من هذه الصفات مما يشغل خاطره عن الفهم ويمنعه عن الفكر. (فيسلّمُ على من يَمُرُّ به ولو صبياً) " لأن السنة في الراكب والماشي أن يسلما على الجالس وهو لا يخلو أن يكون راكباً أو ماشياً (ثم) يسلم (على من بمجلسه) " لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ج: الولاة.
" إن
(1)
من حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه "
(2)
. وهذا وقت لقاء من في مجلسه. فوجب أن يسلم عليهم لذلك.
(ويصلّي إن كان بمسجد تحيتَه)، لاستحباب ذلك.
(وإلا) أي: وإن لم يكن بمسجد: (خُيّر) بين أن يصلي وأن لا يصلي؛ كسائر المجالس. (والأفضل: الصلاة)، لما فيها من الثواب.
(ويجلس على بِساط ونحوه) يختص به؛ ليتميز به عن غيره في المجلس؛ لأن ذلك أهيب له، وأوقر لحرمته، وأوفى لوقاره في النفوس؛ لأن هذا مقام عظيم يجب فيه إظهار الحرمة؛ تعظيماً للشرع والناس سيّما العوام فإنهم قل أن يعظموا إلا ذوي الهيئات من الملابس وغيرها.
(ويدعو) الله سبحانه وتعالى (بالتوفيق) للحق (والعِصْمة) من زلل القول والعمل، لأنه مقام خطر يجب ان يكون (مستعيناً) بالله و (متوكلاً) عليه.
ويسن أن يدعو بذلك كله (سراً)، لأن ذلك أرجى للإجابة.
(وليكُن مجلسُه)[في موضع]
(3)
(لا يتأذى فيه بشيء)؛ لئلا يلام مع وجود التأذي.
وليكن مجلسه (فسيحاً، كجامع).
ويجوز القضاء في الجامع والمساجد من غير كراهة في قول أحمد ومالك وإسحاق وابن المنذر. وروي عن عمر وعلي وعثمان رضي الله تعالى عنهم: أنهم كانوا يقضون في المسجد.
قال مالك: القضاء في المسجد من أمر الناس القديم.
ولأن القضاء قربة وطاعة وإنصاف بين الناس. فلا يمتنع كونه بالمسجد.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه الترمذي في "جامعه"(2736) 5: 75 كتاب الأدب، باب ما جاء في تشميت العاطس.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه "(1433) 1: 461 كتاب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض.
(3)
ساقط من أوب.
وأما الحائض فإن عرضت لها حاجة إلى القضاء وكّلت أو أتت القاضي في منزله، والجنب يغتسل ويدخل. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد مع حاجة الناس إليه للحكومة والفتيا وغير ذلك من حوائج المسلمين، وكان أصحابه يطالب بعضهم بعضا بالحقوق في المسجد وربما رفعوا أصواتهم
(1)
. فقد روي عن كعب بن مالك قال: " تقاضيت ابن أبي حَدْرد ديناً في المسجد حتى ارتفعت أصواتنا. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إليّ أن ضع الشطر. فقلت: نعم يا رسول الله! فقال: قم فاقضه "
(2)
.
وما روي " أن عمر كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن أن لا يقضي في المسجد؛ لأنه تأتيك الحائض والجنب "، فلم يعلم له صحة، وقد روي عن عمر خلاف ذلك.
(ويصُونُه) أي: يصون المسجد (مما يُكره فيه) أي: في المسجد، (و) كـ (دار واسعة وسط البلد: إن أمكن)؛ ليستوي أهل البلد في المضي إليه.
(ولا يتخذ حاجباً ولا بواباً بلا عذر)؛ لما روى عمرو بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجات والخلة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته "
(3)
. رواه أحمد والترمذي.
ولأن الحاجب والبواب إنما جعلا ليمنعا وإنما هو منتصب لحاجاب الناس.
فإذا جَعل له حاجباً أو بواباً ربما منعا ذا الحاجة عن حاجته لهوى النفس أو غرض الحطام
(4)
.
(إلا في غير مجلس الحكم إن شاء)؛ لأنه يحتاج الى الخلوة بنفسه.
(1)
في ج: له أصواتهم.
(2)
أخرجه البخاري فى "صحيحه "(459) 1: 179 أبواب المساجد، باب رفع الصوت في المسجد.
(3)
أخرجه الترمذي في "جامعه "(1332) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في إمام الرعية.
وأخرجه أحمد فى " مسنده "(18062) 4: 231.
(4)
في ب: الحكام.
(ويعرض القِصَص، ويجب تقديم سابق)؛ كسبقه الى مباح، و (لا) يقدم سابق (في أكثر من حُكومة) واحدة؛ لئلا يستوعب المجلس فيضر بغيره، (ويُقرع) بينهم:(إن حضروا دفعة) واحدة (وتشاحُّوا) في أيهما يقدم.
(وعليه) أي: على القاضي (العدلُ) أي: أن يعدل (بين متحاكمين) ترافعا إليه: (في لَحْظه، ولفظه، ومجلسه، ودخولٍ عليه. إلا إذا سلَّم احدهما فيردُّ) عليه (ولا ينتظر سلام الثاني) في الأصح.
(وإلا المسلم) إذا تخاصم (مع كافر: فيقدَّم) المسلم (دخولاً) أي: في الدخول على القاضي، (ويُرفَعُ
(1)
جلوساً) أي: في الجلوس في الأصح؛ لحرمة الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى:{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]. ووجه
وجوب العدل بين الخصمين ما روى عمرو بن شَبَّة
(2)
في كتاب القضاء بإسناده عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده، ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ولا يرفعه على الآخر "
(3)
.
وفي رواية: " فليسوي بينهم في النظر والمجلس والإشارة ".
ولأنه إذا ميَّز أحد الخصمين عن الآخر حصر وانكسر وربما لم تقم حجته فيؤدي ذلك إلى ظلمه.
(ولا يُكره قيامه) أي: قيام القاضي (للخَصمَين) في الأصح. فإن قام لأحدهما وجب أن يقوم للآخر.
(ويحرم أن يُسارَّ أحدهما، أو يلقّنه حُجة، أو يُضيّفه)؛ لما في ذلك
(4)
من الإعانة على خصمه وكسر قلبه.
(1)
في ب: ويرفعه.
(2)
فى أوب: شيبة.
(3)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 10: 135 كتاب آداب القاضى، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه والاستماع منهما.
(4)
ساقط من أ.
وقد روي عن علي رضى الله تعالى عنه " أنه نزل به رجل. فقال له: ألك خصم؟ قال: نعم. قال: تحوّل عنا، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تضيفوا أحد الخصمين إلا وخصمه معه "
(1)
.
(أو يُعلّمه كيف يدَّعي؟ إلا أن يترك ما يلزم ذكره) في الدعوى؛ (كشرط عقد، و) ذكر (سبب ونحوه فله أن يسأل عنه) في الأصح ليتحرر؛ لأنه لا ضرر على صاحبه في ذلك.
ولأن أكثر الخصوم لا يعلم ذلك فيحتاج إلى السؤال عنه. فلو لم يكلفه السؤال لضاعت حقوق الناس؛ لأن الحاكم لا يمكنه الحكم إلا بعد تحرير الدعوى، فإذا سأل عن ذلك اتضح له وجه الحكم.
(وله) أي: للحاكم (أن يَزِنَ) عن أحد الخصمين (ويشفع) له عند خصمه (ليضع عن خصمه) شيئا من الحق على الأصح (أو يُنظِرَه).
أما جواز الوزن عنه، فإن في ذلك نفعاً لخصمه.
وأما جواز الشفاعة فيه، فلأنها شفاعة حسنة. وقد قال الله سبحانه وتعالى:{مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} [النساء: 85].
وقد روى كعب بن مالك " أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَد فى ديناً كان عليه في المسجد. فارتفعَتْ أصواتُهُما حتى سمعها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته. فخرج إليهما حتى كشفَ سِجْفَ حُجْرَتِه. فنادى: يا كعب! فقال: لبيك يارسول الله! فقال: ضع من دينك هذا. وأومأ إليه أي: الشطر. قال: قد فعلتُ يا رسول الله لِلَّهِ قال: قُمْ فاقْضِه "
(2)
. رواه الجماعة إلا الترمذي.
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 0 1: 137 كتاب آداب القاضي، باب لا ينبغي للقاضي أن يضيف الخصم إلا وخصمه معه.
(2)
أخرجه البخاري فى "صحيحه"(459) 1: 179 أبواب المساجد، باب رفع الصوت في المسجد.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1558) 3: 1192 كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(3595) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح. =
وأدنى هذا الأمر أن يكون شفاعة في الوضع عنه. وإذا جاز في الوضع فالإنظار أولى.
(و) للحاكم أيضاً (أن يُؤدّب خصماً افتاتَ عليه) بأن قال: حكمت عليَّ بغير الحق، أو ارتشيت عليَّ أو نحو ذلك بضربٍ لا يزاد على عشر وحبس، وأن يعفو عنه (ولو لم يثبُت) افتياته
(1)
(ببينة.
و) له أيضاً (أن ينتَهِرَه إذا التَوى) عن الحق.
(وسُن) للقاضي (أن يُحضر مجلسَه فقهاء المذاهب، ومشاورتُهم فيما يُشكل) إن أمكن، حتى إذا حدثت حادثة تفتقر إلى سؤالهم سألهم عنها ليذكروا أدلتهم فيها، وجوابهم عنها، فإنه أسرع لاجتهاده، وأقرب لصوابه.
(فإن اتَّضح) للحاكم الحكم حكم باجتهاده، وليس لأحد منهم خالف الحكم اجتهاده أن يعترض على الحاكم؛ لأن في ذلك افتياتاً عليه. (وإلا) أي: وإن لم يتضح له الحكم: (أخَّره).والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159].
قال الحسن: " إن كان رسول الله لغني عن مشاورتهم. وإنما أراد أن يستن بذلك الحاكم بعده "
(2)
.
وقد " شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر "
(3)
.
و"في مصالحة الكفار يوم الخندق "
(4)
.
(1)
وأخرجه النسائي في " سننه "(5408) 8: 239 كتاب آداب القضاة، حكم الحاكم في داره.
وأخرجه ابن ماجه في سننه " (2429) 2: 811 كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(27220) 6: 390.
ساقط من أ.
(2)
أخرجه البيهقي في" السنن الكبرى " 7: 46 كتاب النكاح، باب ما أمره الله تعالى به من المشورة فقال:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} .
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1714) 4: 213 كتاب الجهاد، باب ما جاء في المشورة.
(4)
ذكره ابن هشام في " السيرة النبوية " 3: 223.
و" شاور أبو بكر الناس في ميراث الجدة "
(1)
.
و"عمر في دية الجنين "
(2)
.
وروي " أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يكون عنده الجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عثمان وعلي
(3)
وطلحة والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف إذا نزل به الأمر شاورهم فيه ".
ولا مخالف في استحباب ذلك.
قال أحمد: لما ولي سعيد بن إبراهيم قضاء المدينة كان يجلس بين القاسم وسالم ويشاوهما.
ولأن القاضي يتنبه بالمشاورة ويتذكر ما نسيه بالمذاكرة.
ولأن الإحاطة بجميع العلوم متعذرة، وقد يتنبه للإصابة ومعرفة الحادثة من هو دون القاضي، فكيف بمن يساويه أو يزيد عليه.
وقد روي " أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه جاءته الجدتان أم الأم وأم الأب فورّث أم الأم وأسقط أم الأب. فقال له عبد الرحمن بن سهل: يا خليفة رسول الله أسقطت التي لو ماتت ورثها وورّثت التي لو ماتت لم يرثها. فرجع أبو بكر فشرك بينهما "
(4)
.
والمشاورة هنا؛ لاستخراج الأدلة، وتعرّف الحق بالاجتهاد.
إذا تقرر هذا (فلو حَكم ولم يجتهد: لم يصحَّ) حكمه، (ولو أصاب الحق) حيث كان من أهل الاجتهاد.
(1)
سيأتي ذكره في أدنى الصفحة رقم (4).
(2)
أخرجه النسائي في " سننه "(4816) 8: 47 كتاب القسامة، باب دية جنين المرأة.
(3)
ساقط من أ.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(82) 1: 55 كتاب الفرائض، باب الجدات، عن القاسم بن محمد.
ورواه الترمذي في "سننه "(2100) 4: 419 كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة، عن قبيصة بن ذؤيب، نحوه.
(ويحرُم) عليه (تقليد غيره ولو كان) غيره (أعلم) منه؛ كالمجتهدين في القبلة. نقل أبو الحارث: لا تقلد أمرك أحدا وعليك بالأثر.
وقال أحمد للفضل بن زياد: لا تقلّد دينك الرجال فإنهم لم يسلموا أن يغلطوا.
(و) يحرم على القاضي أيضاً (القضاء وهو غضبان كثيراً)؛ لخبر أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقضينَّ حاكم بين اثنين وهو غضبان "
(1)
. متفق عليه.
ولأنه ربما حمله الغضب على الجور في الحكم.
وفيه [من الوعيد]
(2)
ما روى ابن أبي أوفى مرفوعاً: " إن الله مع القاضي ما لم يجر. فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان ")
(3)
. رواه الترمذي.
وقد جاء في حديث مخاصمة الأنصاري والزبير في شَراج الحرة لما قال الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: " أن كان ابن عمتك. فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال للزبير: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر "
(4)
. رواه الجماعة.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6739) 6: 2616 كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1717) 3: 1342 كتاب الأقضية، باب كراهة قضاء القاضى وهو غضبان.
(2)
ساقط من أ.
(3)
أخرجه الترمذي في "جامعه"(1330) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في الإمام.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2233) 2: 832 كتاب المساقاة الشرب، باب شرب الأعلى إلى الكعبين.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(2357) 4: 1829 كتاب الفضائل، باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(3637) 3: 315 كتاب الأقضية، أبواب من القضاء.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1363) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء.
وأخرجه النسائى في "سننه"(5407) 8: 238 كتاب آداب القضاة، الرخصة للحاكم الأمين أن يحكم وهو غضبان.
وأخرجه ابن ماجه " سننه "(15) 1: 7 المقدمة، باب تعظيم حديب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه.
وأخرجه أحمد في" مسنده "(16161) 4:4.
فلم يمنعه ذلك الغضب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يقضي وهو غضبان.
ومحل ذلك: إذا كان الغضب كثيراً يمنع فهم الحكم، إذ لو كان كل غضب ولو كان يسيراً يمنع الحكم وجب أن يمتنع
(1)
من الحكم عند غضبه.
(أو) يقضي وهو (حاقِنُ، أو في شدة جوعٍ، أو) في شدة (عطشٍ، أو هَمٍّ أو مَللٍ أو كسلٍ أو نُعاسٍ، أو بَرٍد مؤلمٍ، أو حَرٍ مُزعجٍ)؛ لأن ذلك كله يَشغل الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب ويمنع حضور القلب فهو في معنى الغضب المنصوص عليه فيجري مجراه.
(وإن خالف) وحكم في حالة لا يحل له الحكم فيها؛ كما لو حكم وهو غضبان أو نحو ذلك (فأصاب الحقَّ: نفذ) حكمه في الأصح. ذكره القاضي في " المجرد ". وهو مذهب الشافعي؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم للزبير حال غضبه "
(2)
. والأصح: أن ذلك مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ذلك أشير بقوله:
(وكان للنبي صلى الله عليه وسلم القضاء مع ذلك) أي: مع ما يحرم على غيره القضاء معه مما تقدم ذكره؛ (لأنه) صلى الله عليه وسلم (لا يجوز عليه غلطُ يُقَرُّعليه) أي: يقره الله سبحانه وتعالى عليه، (لا قولاً ولا فعلاً في حُكم). بخلاف غيره من الأمة.
(ويحرُم) على الحاكم (قبولُه رِشوة) بتثليث الراء. وقد اتفق العلماء على تحريمها؛ لما روى عبد الله بن عمر قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي "
(3)
. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه أبو هريرة وزاد " في الحكم " رواه أبو بكر في " زاد المسافر "، وزاد:
" والرائش " وهو: السفير بينهما.
(1)
في ب: يمنع.
(2)
سبق تخريجه قريباً ص (221) رقم (4).
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3580) 3: 300 كتاب الأقضية، باب في كراهية الرشوة.
وأخرجه الترمذي في "جامعه "(1336) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم.
وقال الحسن وسعيد بن جبير في تفسير قوله سبحانه وتعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] هو: الرشوة.
ولأن الحاكم إنما يرتشى ليحكم بغير الحق أو ليوقف الحكم عن الحق، وذلك من أعظم الظلم.
(وكذا) يحرم على الحاكم قبوله (هدية)؛ لما روى أبو حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هدايا العمال غلول "
(1)
. رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد.
ولأن الهدية يُقصد
(2)
بها في الغالب استمالة الحاكم؛ ليعتنى به في الحكم فتشبه الرشوة.
قال مسروق: إذا قبل القاضي الهدية أكل السحت، وإذا قبل الرشوة بلغت به الكفر.
وقد روى أبو حميد أيضاً قال: " بعث رسولط الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة. فقالط: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي إليَّ. ألا جلس في بيت أمه فينظر أيهدى إليه أم
(3)
لا؟ والذي نفس محمد بيده لا نبعث
(4)
أحداً منكم فيأخذ شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته: إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تبعر. فرفع يده حتى رأيت عفرة إبطيه. فقال: اللهم! هل بلغت ثلاثاً"
(5)
. متفق عليه.
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده "(23271) 5: 424.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ج: أو.
(4)
في أ: يبعث.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(2457) 2: 917 كتاب الهبة وفضلها، باب من لم يقبل الهدية لعلة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1832) 3: 1463 كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال.
ولأن حدوث الهدية عند حدوث الولاية يدل على أنها من أجلها؛ ليتوسل بها إلى ميل الحاكم معه على خصمه. فلم يجز قبولها.
(إلا) إذا كانت الهدية (ممن كان يُهاديه قبل ولايته: إذا لم تكن له حكومة)، لأن التهمة منتفية في هذه الحالة؛ لأن المنع إنما كان من أجل الاستمالة، أو من أجل الحكومة وكلاهما منتفٍ:(فيباح) له أخذها (كمفتٍ) أي: كما يباح للمفتي أخذ الهدية. (وردُّها) أي: والتنزُّه عن أخذها في هذه الحا لة (أوْلى) للحاكم.
قال في " شرح المقنع ": قال القاضي: ويستحب له التنزه عنها. فإن أحس أنه يقدمها بين يدي خصومه، أو فعلها حال الحكومة: حرُم أخذها في هذه الحال، لأنها كالرشوة. وهذا كله مذهب الشافعي. انتهى.
(فإن خالف). الحاكم فأخذ الرشوة وقبل الهدية: (رُدَّتا لمعطٍ) أي: لأربابهما وجوباً؛ لأن أخذ الحاكم لذلك بغير حق. فأشبه المأخوذ بعقد فاسد. وقيل: يؤخذان إلى بيت
(1)
المال.
(ويُكره بيعُه وشراؤه) أي: أن يبيع الحاكم أو يشتري (إلا بوكيل: لا يُعرَف به) أنه وكيل الحاكم؛ لأنه إن عرف بذلك يحابى. فتكون محاباته؛ كالهدية.
(وليس له) أي: للقاضي (ولا لوالٍ أن يَتَّجِرَ)؛ لما روى أبو الأسود المالكي عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما عَدَلَ والٍ اتَّجَرَ في رعيته أبداً "
(2)
.
وإن احتاج إلى مباشرة عقد البيع ولم يكن له ما يكفيه لم يكره له أن يتجر؛" لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قصد السوق ليتجر فيه حتى فرضوا له ما يكفيه ".
(1)
في ج: يؤخذان لبيت.
(2)
ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (14676) 6: 23 الفصل الثانى في الترهيب عن الإمارة.
ولأن القيام بعياله فرض عين. فلا يتركه لوهم مضرة.
(ويُسنُّ له) أي: للقاضي (عيادة المرضى، وشهادة الجنائز، وتوديعُ غازٍ وحاجٍ: ما لم يَشغله) ذلك عن الحكم؛ لأن ذلك كله من القرب، وقد وعد الشارع على ذلك أجراً عظيماً. وله حضور بعض ذلك وترك بعضه؛ لأن هذا يفعله لنفع نفسه بتحصيل الأجر والقربة. بخلاف الولائم؛ لأنه يراعى فيها حق الداعي فينكسر فيها
(1)
قلب من لم يجبه إذا أجاب غيره.
(وهو) أي: والقاضي (في دعواتٍ) إلى الولائم (كغيره)، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحضرها وأمر بحضورها وقال:" من لم يجب فقد عصى الله ورسوله "
(2)
. ومتى كثرت وازدحمت تركها كلها.
(ولا يجيب قوماً ويدَعُ قوماً بلا عذر)؛ لأن في ذلك كسراً لقلب من لم يجبه. والعذر: أن يكون في إحداها منكراً وفي مكان بعيد دون الباقي، أو يشتغل بها زمناً طويلاً، والأخرى بخلاف ذلك.
(ويوصّي) القاضي وجوباً (الوكلاء والأعوان) الذين (ببابه بالرّفق بالخصوم، وقلَّة الطمع)؛ لأن في ضد ذلك ضرراً بالناس. فيجب أن يوصيهم بما يزول به الضرر عن الناس.
(ويجتهد أن يكونوا شيوخاً أو كُهولاً: من أهل الدين والعفة والصيانة)؛لأن كونهم كذلك أقل شراً. فإن الشباب شعبة من الجنون.
ولأن الحاكم تأتيه النساء وفي اجتماع الشباب بهن ضررعظيم.
(ويُباح) للقاضي، قال في " المبدع ": والأشهر: أنه يسن له، (أن يتخذ كاتباً)، " لأن النبي صلى الله عليه وسلم استكتب زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان "
(3)
. وغيرهما.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3741) 3: 341 كتاب الأطعمة، بابا ما جاء في إجابة الدعوة.
(3)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"10: 126 كتاب آداب القاضي، باب اتخاذ الكتاب.
ولأن الحاكم يكثر اشتغاله ونظره في أمر الناس. فلا يمكنه أن يتولى الكتابة بنفسه.
وإن أمكنه الكتابة بنفسه جاز له اتخاذ الكاتب. والاستنابة في الكتابة أولى من توليها بنفسه.
(ويُشترط كونه) أي: كون كاتب القاضي: (مسلماً)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118].
(عدلاً) والعدل لا يكون إلا
(1)
مسلماً.
وقد روي " أن أبا موسى قدم على عمر رضي الله تعالى عنه ومعه كاتب نصراني. فأحضر أبو موسى شيئاً من مكتوباته عند عمر. فاستحسنه وقال: قل لكاتبك يجيء ويقرأ كتابه. فقال: إنه لا يدخل المسجد. قال: ولم؟ قال: إنه نصراني. فانتهره عمر، وقال: لا تُؤمّنوهم وقد خونهم الله سبحانه وتعالى، ولا تقرّبوهم وقد أبعدهم الله تعالى، ولا تعزُّوهم وقد أذلُّهم الله تعالى "
(2)
.
وإنما اشترطت فيه العدالة؛ لأن الكتابة موضع أمانة.
(ويُسنُّ كونه حافظاً، عالماً)؛ لأن في ذلك إعانة على أمره، وكونه حراً؛ ليخرج من الخلاف، وكونه جيد الخط؛ ليكون أكمل، وكونه عارفاً. قاله في " الكافي "؛ لأنه إن لم يكن عارفاً أفسد ما يكتبه بجهله.
(ويجلس) أي: ويكون مجلس الكاتب (بحيث يُشاهد) القاضى (ما يكتبه)؛ لأنه أبعد للتهمة، وأمكن، لإملائه عليه.
(ويجعل) القاضي (القِمَطْر) بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"10: 127 كتاب آداب القاضي، باب لا ينبغي للقاضي ولا للوالي أن يتخذ كاتباً ذمياً
…
أعجمي معرب (وهو: ما يجمع فيه القضايا مختومة بين يديه)؛ لأنه أحفظ له من أن يُغيّر.
(ويُسنُّ حكمُه) أي: أن يحكم القاضي (بحضرة شهود)؛ ليستوفي بهم الحقوق، وتثبت بهم الحجج والمحاضر.
(ويحرُم) على القاضي (تعيينُه قوماً بالقبول) أي: بقبول الشهادة دون قوم؛ لأن من تثبت
(1)
عدالته وجب قبول شهادته.
(ولا يصحُّ، ولا ينفُذُ حكمه) أي: حكم القاضي (على عدوّه). وجوَّز الماوردي من الشافعية حكمه على عدوه؛ لأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب الشهادة خافيه. واستشكله الرافعي بالتسوية بينهما في عمودي نسبه، وأن المشهور لا يحكم على عدوه كالشهادة عليه.
(بل يُفتي) على عدوه في الأصح؛ لأنها لا إلزام فيها. بخلاف القضاء.
(ولا) يصح ولا ينفذ حكمه (لنفسه، ولا لمن لا تُقبل شهادتُه لهم)، كما لا يجوز أن يشهد لنفسه ولا لعمودي نسبه، ولو كانت الخصومة بين والديه أو بين والده وولده في الأصح؛ لعدم قبول شهادته لأحدهما على الآخر.
ومتى عرضت له أو لأحد ممن ذكرنا حكومة تحاكما إلى بعض خلفائه أو بعض رعيته، " فإن عمر رضي الله تعالى عنه حاكم أبيُّا إلى زيد بن ثابت "
(2)
.
و"حاكم رب عراقياً إلى شريح ".
و"حاكم علي رضي الله تعالى عنه رجلاً يهودياً إلى شريح "
(3)
.
(1)
في ج: تثبت.
(2)
سبق ذكره وتخريجه ص (210) رقم (4).
(3)
عن الشعب، قال: " خرج على بن أبي طالب رضي الله عنه إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعاً قال: فعرف علي رضي الله عنه فقال: هذه درعي بيني وبينك قاضي المسلمين. قال: وكان قاضي المسلمين شريح كان علي رضى الله عنه استقضاه قال: فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء وأجلس علياً رضي الله عنه في مجلسه، وجلس شريح قدامه إلى جنب النصرانى. فقال له علي رضي الله عنه: أما يا شريح لو كان خصمي مسلماً لقعدت معه مجلس الخصم، ولكني سمعت رسول الله =
و"حاكم عثمان رضي الله تعالى عنه طلحة إلى جبير بن مطعم "
(1)
.
(وله استخلافُهم) أي: وللقاضي استخلاف والده وولده على القضاء؛ (كحكمه لغيرهم) أي: لغير من لا تقبل شهادته له (بشهادتهم) أي: بشهادة من لا تقبل شهادته له، يعني: كحكم القاضي على أجنبي بشهادة ولديه أو والده وولده، (وعليهم) يعني: وكالحكم على أولاده بشهادة أجنبيين
(2)
.
***
(1)
= صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصافحوهم، ولا تبدؤهم بالسلام، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا عليهم، ولجوهم إلى مضايق الطرق، وصغروهم كما صغرهم الله. اقضي بيني وبينه يا شريح. فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: فقال علي رضي الله عنه: هذه درعي ذهبت مني منذ زمان. قال: فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ قال: فقال النصراني: ما أكذب أمير المؤمنين الدرع هي درعي. قال: فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة؟ فقال علي رضي الله عمه: صدق شريح. قال: فقال النصرانى: أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه هي والله يا أمير المؤمنين درعك ابتعتك من الجيش، وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها، فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قال: فقال علي رضي الله عنه: أما إذا أسلمت فهى لك وحمله على فرس عتيق. قال: فقال الشعبى.: لقد رأيتة يقاتل المشركين ".
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 10: 136 كتاب آداب القاضي، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه والاستماع منهما.
سبق ذكره وتخريجه ص (210) رقم (5).
(2)
في ب: الأجنبيين.
[فصل: ويسن أن يبدأ بالمحبوسين]
(فصل. ويُسنُّ) لمن ولي القضاء (أن يَبدأَ بالمحبوسين) أي: بالنظر في أمرهم؛ لأن الحبس عذاب، وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه فاستُحب البدائة بهم. (فيُنفِذ ثقة) إلى الحبس (يكتُب أسماءهم، و) أسماء (من حبسهم وفيم ذلك) أي: وفي أيّ أمر حبسهم اسم كل واحد منهم في رقعة منفردة؛ لئلا يتكرر بكتابة الجميع في رقعة النظر في حال الأول فالأول منها، بل يخرج واحدة من الرقاع بالاتفاق كما في القرعة. (ثم يُنادى في البلد: أنه) أي. أن القاضي (ينظُر في أمرهم) أي: أمر
(1)
المحبوسين في يوم كذا. فمن له خصم محبوس فليحضر؛ لأن ذلك أقرب لحضورهم من التفتيش عليهم. (فإذا جلس) القاضي (لموعده) نظر قبل كل شيء في رقاع المحبوسين فيخرج رقعة من رقاعهم، ويقال: هذه رقعة فلان فمن خصمه؟ (فمن حضر له خصم نظر بينهما، فإن كان) المحبوس (حُبس لتُعَدَّل البينةُ) أي: بينة خصمه عليه (فإعادته) إلى الحبس (مبنيَّة على حبسه في ذلك). والأصح حبسه في ذلك فيعاد إلى الحبس في الأصح. (ويُقبل قول خصمه) أي: خصم المحبوس: (في أنه) أي: أن القاضي (حبسه بعد تكميل بينته و) بعد (تعديلها)؛ لأن الظاهر أن الحاكم إنما حبسه لحق ترتَّب عليه.
(وإن) ذكر المحبوس أنه (حبس بقيمة كلب أو خمر ذمي، وصدَّقه غريمه) على ما ذكره: (خُلّي) سبيله؛ لأن غرم هذا ليس بواجب، إن كذبه غريمه وقال: بل حُبست بحق واجب غير هذا فالقول قوله؛ لأن الظاهر أن حبسه بحق واجب.
(1)
في ب: في أمر.
(وإن بان حبسُه) أنه (في تُهمَة أو تعزير؛ كافتيات على القاضي قبله، ونحوه)، ككونه غائباً:(خلاَّه) أي: خلا سبيله، (أو أبقاه) في الحبس (بقدر ما يََرَى) في الأصح.
قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب. ولعله مراد من أطلق وتعليل الشارع يدل عليه. انتهى.
وحيث تقرر: أن إبقاءه في الحبس وإطلاقه راجع إلى رأي الحاكم (فإطلاقُه) المحبوس، (وإذنه ولو في قضاء دين و) إذنه في (نفقة؛ ليرجع، ووضع ميزَاب و) وضع (بناء وغيره)، كوضع خشبة على بناء جاره، (وأمرُه) أي: أمر الحاكم (بإراقة نبيذ). ذكر القاضي مسألة إطلاقه وأمره بإراقة النبيذ في " الأحكام السلطانية " في المحتسب، (وقُرعتُه) أي: قرعة الحاكم (حكم: يَرفعُ الخلاف إن كان).
قال في " الفروع " في هذا الباب: وتقدم أن إذنه في ميزابٍ وبناءٍ وغيره يمنع الضمان؛ لأنه كإذن الجميع. ومن منع، فلأنه ليس له عنده أن يأذن، لا لأن إذنه لا يرفع الخلاف، ولهذا يرجع بإذنه في قضاء دين ونفقه وغير ذلك. ولا يضمن بإذنه في النفقة على لقيط وغيره بلا خلاف، وإن ضمن لعدمها. ولهذا إذن الإمام في أمر مختلف فيه كاف بلا خلاف. وسبق قول شيخنا: الحاكم ليس هو الفاسخ، وإنما يأذن أو يحكم به. فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ فعقد أو فسخ لم يحتج بعد ذلك إلى حكمه بصحته، بلا نزاع. لكن لو عقد هو أو فسخ فهو فعله. وهل فعله حكم، فيه الخلاف المشهور. هذا كلامه وكذا فعله. ذكر الأصحاب في حِمَى الأئمة أن اجتهاد الإمام لا يجوز نقضه، كما لا يجوز نقض حكمه، وذكروا خلا الشيخ- يعني: الموفق-أن الميزاب ونحوه. يجوز بإذن، واحتجوا بـ"نصبه صلى الله عليه وسلم ميزاب العباس"
(1)
.
وفي " المغنى " وغيره في بيع ما فتح عنوة: إن باعه الإمام لمصلحة رآها صحَّ؛ لأن فعل الإمام كحكم الحاكم.
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده "(1789) 1: 210.
وفيه أيضا: لا شفعه فيها، إلا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه.
وفيه
(1)
أيضاً: أن تركها بلا قسمة وَقْفُ لها، وأن ما فعله الأئمة ليس لأحد نقضه انتهى.
(وكذا نوعُ من فعله) أي: فعل الحاكم؛ (كتزويجـ) ـه (يتيمة، وشراء عينٍ غائبة، وعقدِ نكاج بلا ولي) يعني: أن كلاً من ذلك حكم يرفع الخلاف.
قال في " الفروع ": وفعله حكمُ؛ كتزويج يتيمة، وشراء عين غائبة، وعقد نكاح بلا ولي. ذكره الشيخ يعني: به الموفق في عقد النكاح بلا وليّ وغيره، وذكره شيخنا أصح الوجهين. وذكر الأزجي فيمن أقر لزيد فلم يصدقه، وقلنا يأخذه الحاكم ثم ادّعاه المقرّ لم يصح؛ لأن قبض الحاكم
(2)
بمنزلة الحكم بزوال ملكه عنه. وذكر الأصحاب في القسمة والمطلقّة المنسية أن قرعة الحاكم كحكمه لا سبيل إلى نقضه. وفي"التعليق "و "المحرر": فعله حكمُ إن حكم به هو أو غيره وفاقاً كفتياه. فإذا قال: حكمت بصحته نفذ حكمه باتفاق الأئمة. قاله شيخنا. انتهى كلامه في " الفروع ".
(وحكمُه) أي: حكم القاضي (بشيء حكمُ بلازِمه) أي: بلازم ذلك الشيء المحكوم به.
قال في " الإنصاف ": ذكره الأصحاب في المفقود.
قال في " الفروع ": ويتوجه وجه. يعني: أن الحكم بالشيء لا يكون حكماً بلازمه.
وقال في " الانتصار " في لعان عبدٍ: في إعادة فاسق شهادته لا تقبل؛ لأن رده لها حكم بالرد فقبولها نقض له فلا يجوز. بخلاف رد صبي وعبد لإلغاء قولهما.
(1)
في أ: وفيها.
(2)
في " الفروع " 6: 455: الحاكم له.
وقال في " الانتصار " أيضاً في شهادة في نكاح: لو قبلت لم يكن نقضاً للأول، فإن سبب الأول الفسق وزال ظاهراً كقبول
(1)
سائر شهاداته، وإذا تغيرت صفة الواقعة فتغير القضاء بها لم يكن نقضاً للقضاء الأول، بل ردت للتهمة؛ لأنه صار خصماً فيه فكأنه شهد لنفسه أو لوليه.
وقال في " المغني ": ردّ شهادة الفاسق باجتهاده فقبولها نقض له
(2)
.
وقال الإمام أحمد في رد عبد: لأن الحكنم قد مضى والمخالفة في قضية واحدة نقض مع العلم. وإن حكم ببينة خارج وجهل علمه ببينة داخل لم ينقضر؛ لأن الأصل جريه على العدل والصحة. ذكره المصنف في " المغني " في آخر فصول من ادعى شيئاً في يد غيره. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
(وإقرارُه) أي: إقرار القاضي إنساناً (غيرَه) مكلفاً (على فعل مختلف فيه) أي: في صحته أو
(3)
في حله ليس كحكمه بصحة ذلك أو بحله؛ لأن الإقرار هنا عدم التعرض فقط.
(وثبوت شيء عنده) أي: عند القاضي (ليس حكماً به) منه.
قال في " الفروع ": على ما ذكروه في صفة السجل، وفي كتاب القاضي وكلام القاضي هناك يخالفه. انتهى.
(وتتفيذ الحكم يتضمَّن الحكم بصحة الحكم المنفَّذ). قاله ابن نصر الله. (وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنه) أي: أن التنفيذ (حكم).
قال شارح " المحرر ": نفس الحكم في شيء لا يكون حكماً بصحة الحكم فيه. لكن لو نفذه حاكم آخر لزمه إنفاذه؛ لأن الحكم المختلف فيه صار محكوماً به. فلزم تنفيذه كغيره.
قال ابن قندس: قد فُهم من كلام الشارج أن الإنفاذ حكم؛ لأنه قال: لو
(1)
في أوب: لقبول.
(2)
في ج: لها.
(3)
في ج: أي.
نفذه حاكم آخر لزم تنفيذه؛ لأن الحكم المختلف فيه صار محكوماً به، وإنما صار محكوماً به بالتنفيذ؛ لأنه لم يحكم به وإنما نفذه فجعل التنفيذ حكماً. وكذلك فسر التنفيذ بالحكم في " شرح المقنع الكبير " فإنه قال عند قول المصنف: فهل ينفذه: على روايتين:
إحداهما: ينفذه وعلله بأنه حكم حاكم لم يعلمه فلم يجز إنفاذه إلا بيينة.
والرواية الثانية: يحكم به.
ففسر رواية التنفيذ بالحكم. لكن قال في مسألة: ما إذا ادعى أن الحاكم حكم له بحق فذكر الحاكم حكمه أمضاه وألزم خصمه بما حكم به عليه، وليس هذا حكماً بالعلم وإنما هو إمضاء لحكمه السابق. فصرح أنه ليس حكماً مع أن رواية التنفيذ المتقدمة التي فسرها بالحكم إنما هي إمضاء لحكمه الذي وجده في قِمَطْره فهما بمعنى واحد، وقد ذكروا في السجل: أنه لأنفاذ ما ثبت عنده والحكم به وأنه يكتب، وأن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب فى مثله ونفذه وأشهد الماضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه من حضره من الشهود، فذكروا الإنفاذ والحكم والإمضاء، وذكروا أنه يكتب على كل نسخة من النسختين أنها حجة فيما أنفذه فيهما فدل على الإنفاذ حكم؛ لأنهم اكتفوا به عن الحكم والإمضاء والمراد الكل. انتهى كلام ابن قندس.
(وفي كلام بعضهم) أي: بعض الأصحاب: (أنه) أي: التنفيذ (عملُ بالحكم) المنفذ، (وإجازة له، وإمضاء كتنفيذ الوصية) أي: كتنفيذ الوارث الوصية وإجازتها فيما إذا أوصى المورث بقدر زائد على الثلث. وقد
(1)
تقدم كلام ابن نصر الله: أن تنفيذ الحكم يتضمن الحكم بصحة الحكم المنفذ " وقد قدم قوله هذا في " التنقيح " وتبعته عليه.
وقال ابن نصر الله أيضاً في "حواشي الفروع ": لم يتعرض الأصحاب للتنفيذ هل هو حكم أم
(2)
لا؟ والظاهر أنه ليس بحكم بالمحكوم به، إذ [الحكم
(1)
في أوب: قد.
(2)
في ج: أو.
بالمحكوم
(1)
به تحصيل للحاصل وهو محال، وإنما هو عمل بالحكم وإمضاء له كتنفيذ الوصية وإجازة له، فكأنه يجيز هذا]
(2)
المحكوم به بعينه لحرمة الحكم وإن كان جنس ذلك المحكوم به غير جائز عنده. انتهى
(3)
.
وقال ابن الفرس الحنفي: وأما التنفيذ فالأصل فيه [أن يكون حكماً]
(4)
إذ من صيغ القضاء قول القاضي: أنفذت عليك القضاء. وقالوا: وإذا رفع إليه قضاء قاض أمضاه بشروطه المذكورة في كتب الفقه وهذا هو التنفيذ الشرعي في الأصل. ومعنى رفع إليه أي: حصلت عنده فيه خصومة شرعية من مدع على خصم لا على الصفة التي يرفع بها الآن، فإذا حصل التنفيذ على هذا الوجه فهو حكم. والأصل في ذلك: أن الحادثة الشخصية الواحدة يجوز شرعاً أن تتوارد عليها الأحكام المتعددة المتفقة في الحكم الشرعي في المسألة الذي هو مذكور في كتب الفقه الذي هو
(5)
مورد الحكم الذي هو القضاء، والظاهر: أن هذا الأصل إجماعاً
(6)
. وأما التنفيذ المتعارف الآن فهو المستعمل غالباً ومعناه إحاطه القاضي الثاني علمه
(7)
بحكم القاضي الأول على وجه التسليم له، وأنه غير مغير
(8)
عنده. ويسمى اتصالاً ويتجوز بذكر الثبوت والتنفيذ فيه. انتهى.
(والحكم بالصحة) في عقود المعاوضات (يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعاً.
والحكم بالموجب حكم بموجَب الدعوى الثابتة ببينة أو غيرها)، كبالإقرار. (فالدعوى المشتملة على ما يقتضي صحة العقد المدعَى به الحكمُ
(1)
في ج: بالموجب.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ج: به غيره انتهى.
(4)
ساقط من ب.
(5)
في ب: الفقه وهو.
(6)
في أوب: إجماعي.
(7)
في ب: علما.
(8)
في ب: معترض.
فيها بالموجَب: حكمُ بالصحة. وغيرُ المشتملة على ذلك) أي: على ما يقتضي صحة العقد (الحكمُ فيها بالموجَب ليس حكماً بها) أي: بالصحة. قال ذلك ابن نصر الله.
(وقال بعضهم) وهو الشيخ الإمام الشيخ تقي الدين السبكي
(1)
وتبعه عليه ابن قندس من أصحابنا: (الحكم بالموجَب يستدعي صحة الصيغة، وأهليَّة التصرُّف. ويزيدُ الحكم بالصحة كونَ تصرُّفِه في محله.
وقال) السبكي (أيضاً: الحكم بالموجب هو: الأثرُ الذي يوجبه اللفظ، وبالصحة كون اللفظ بحيث يترتَّب عليه الأثر. وهما مختلفان: فلا يُحكم بالصحة إلا باجتماع الشروط. والحكم بالإقرار ونحوه كالحكم بموجبه) في الأصح. (والحكم بالموجَب لا يشمل الفساد. انتهى).
قال (المنقح: والعمل على ذلك. وقالوا) أي: الأصحاب: (الحكم بالموجَب يرفع الخلاف).
قال ابن نصر الله
(2)
: كثيراً ما يقع في سجلات القضاة الحكم بالموجب تارة والحكم بالصحة أخرى. وقد اختلف كلام المتأخرين من الفقهاء في الفرق بينهما وعدمه. ولم أجد لأحد من أصحابنا كلاماً منقولاً في ذلك. والذي نقوله بعد الاعتصام بالله ورسوله وسؤاله التوفيق: أن
(3)
الحكم بالصحة لا شك أنه يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعاً. فإذا ادعى رجل أنه ابتاع من آخر عيناً واعترف المدعى عليه
(4)
بذلك لم يجز للحاكم الحكم بالصحة، أي: بصحة البيع بمجرد ذلك حتى يدعي المدعي أنه باعه العين المذكورة وهو مالك لها، ويقيم البينة بذلك. فأما لو اعترف له البائع بذلك لم يكفِ في جواز الحكم بالصحة؛ لأن اعترافه يقتضي ادعاء ملك العين المبيعة وقت البيع ولا يثبت ذلك بمجرد دعواه
(1)
في أ: الشيخ الإمام السبكي.
(2)
في ب: قال المحب ابن نصر الله.
(3)
في أ: إلى.
(4)
في ج زيادة: ببينة.
فلا بد من بينة تشهد بملكه وحيازته حالة البيع حتى يسوغ للحاكم الحكم بالصحة.
وأما الحكم بالموجَب بفتح الجيم من الموجِب فمعناه
(1)
الحكم بموجب الدعوى الثابتة بالبينة أو غيرها هذا هو معنى الموجب، ولا معنى للموجب غير ذلك. فإذا قيل في السجل وحكم بموجب ذلك، فإنما يقال ذلك بعد أن ذكر أنه ثبت عنده الأمر الفلانى بدعوى مدعٍ وقيام البينة على دعواه أو
(2)
بدعواه الثابتة
(3)
بطريق من طرق الثبوت؛ كعلم القاضي وغير ذلك.
وحينئذ تكون الإشارة بذلك في قوله: حكم بموجب ذلك إلى الأمر المدعى به
(4)
الثابت، وحينئذ ينظر في الدعوى فإن كانت مشتملة على ما يقتضي صحة العقد المدعى به كان الحكم بموجبها حكماً بالصحة، وإن لم يشتمل على ما يقتضي صحة العقد المدعى به لم يكن الحكم بموجبها حكماً بالصحة. ويتبين ذلك بمثالين:
الأول: أن يدعي أنه باعه هذه العين وهي في ملكه وحيازته ولا مانع له من بيعها وتشهد البينة بذلك كله، فإذا حكم الحاكم في ذلك بموجبه كان ذلك حكماً بصحة البيع؛ لأن موجب الدعوى في هذه الصورة صحة انتقال الملك إليه؛ لاستيفاء شروطه وصحة العقد وقد حكم به فيكون حكماً بالصحة. وهذا ظاهر جلي، إذ موجب الدعوى هو الأمر الذي أوجبته فهي موجبة له وهو موجب لها والذي أوجبته في هذه الصورة صحة العقد كما ذكرناه.
فإن قيل: الصحة لم يقع لها دعوى فكيف يصح الحكم بها؟
قيل: إن لم تقع في الدعوى صريحاً فهي واقعه فيها ضمناً؛ لأن مقصود المشتري من الحاكم ذلك.
(1)
في ب: فمعناها، وفي ج: معتاه.
(2)
في ب: أي.
(3)
في: الثانية.
(4)
ساقط من أ.
المثال الثانى: أن يدعي أنه باعه هذه العين ولا يدعي أنها ملكه فيعترف له البائع بالبيع أو ينكر، فتقوم البينة فيحكم الحاكم بموجب ذلك. فموجب الدعوى في هذه الصورة هو حصول صورة بيع بينهما ولم تشتمل
(1)
الدعوى على ما يقتضي صحة ذلك البيع؛ لأنه لم يذكر في دعواه أن العين كانت ملكاً للبائع ولم تقم بذلك بينة وصحة العقد متوقفة على ذلك. فلا يكون الحكم بالموجب هنا حكماً بالصحة أصلاً. بخلاف التي قبلها.
وقد تبين مما ذكرناه أن الحكم بالموجَب تاره يكون الحكم
(2)
بالصحة وتارة لا يكون كذلك. وهذا إشكال وهو أن يقال: أي فائدة تبقى للحكم بالموجب إذا لم تجعلوه حكماً بالصحة إن قلتم فائدته ثبوت ذلك؟ قيل: الثبوت قد يستفاد مما يكون قد سبق من الألفاظ، وأيضاً الثبوت لا يقال له
(3)
حكم به. وإن قلتم فائدته الإلزام بتسليم العين. قيل: ذلك لم يقع في الدعوى فكيف يحكم بما لم يدع به؟
وجوابه: أن فائدة الحكنم بالموجَب أنه حكم على العاقد بمقتضى ما ثبت عليه من العقد لا حكم بالعقد. وفائدته: أنه لو أراد العاقد رفع هذا العقد إلى من لا يرى صحته ليبطله لم يجز له ذلك ولا للحاكم حتى يتبين موجب لعدم صحة العقد. فلو وقف على نفسه ورفعه إلى حنبلي فحكم بموجبه لم يكن لحاكم شافعى بعد ذلك أن يسمع دعوى الواقف في إبطال الوقف بمقتضى كونه وقفاً على النفس. وحاصله: أنه حكم على العاقد بمقتضى عقده لا حكم بالعقد ولا يخفى ما بينهما من التفاوت. انتهى.
وقد صنف الشيخ ولي الدين أبو زرعة العراقي الشافعي تغمده الله برحمته وُريقات في الفرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجَب
(4)
فأحببت إيرادها كلها هنا لعموم النفع بها. وهي:
(1)
في أ: أو لم تشتمل.
(2)
في ب: كالحكم.
(3)
في ب: فيه.
(4)
رسالة الشيخ ولي الدين أبو زرعة العراقي الشافعي وقفت على نسختين منها، الأولى: نسخة شيستربتى تحب رقم 4463/ 2 ضمن مجموع، وتاريخ نسخها سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة، وتقع في أربع=
أما بعد. حمداً لله ولي النعم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد العرب والعجم، وعلى آله وصحبه خير الأمم. فقد عهدنا الحكام على طريقة في الحكم بالصحة والحكم بالموجب وهي: أنهم إن قامت عندهم البينة العادلة باستيفاء العاقد شروط ذلك العقد الذي يراد الحكم به حكم بصحته، وإن لم تقم البينة باستيفاء شروطه حكم بموجبه فالحكم بالموجب عندهم أحط مرتبة من الحكم بالصحة. ويرد على ذلك شيئان:
أحدهما: أن المرجح فيما لو طلب جماعة في أيديهم أرض من القاضي قسمتها بينهم من غير إقامة البينة على أنها ملكهم لا يجيبهم القاضي إلى ذلك.
وقال شيخنا الإمام البلقيني في " حواشي الروضة ": يخرج من هذا
(1)
: أن القاضي لا يحكم بالموجب بمجرد اعتراف المتعاقدين بالبيع ولا بمجرد قيام البينة عليهما بما صدر منهما؛ لأن المعنى الذي قيل هنا
(2)
يأتي هناك.
قلت: وفي هذا نظر فإن القسمة تتضمن إفراز نصيب كل واحد وصيرورته معيناً بعد أن كان مشاعاً وقد لا يكون الرافعون له مالكين لذلك فيكون متصرفاً في ملك غيره [بغير إذنه.
[وأما الحكم بالصحة أو الموجَب فإنما هو في تصرف صدر من غير الحاكم ورفع إليه فقد يحكم بصحته وقد يحكم بموجبه]
(3)
، والاصطلاح: أن الأول: يكون عند قيام البينة [باستيفاء الشروط، والثانى: يكون عند إهمال البينة بذلك. فأما لو قامت البينة بـ]
(4)
وقوعه على خلاف الشروط المعتبرة فإنه لا يحكم فيه بصحة ولا موجب. وعلى كل تقدير فلم يتصرف الحاكم في ملك
(1)
= ورقات. والأخرى مصورة عن نسخة شيستربتي أيضاً تحت رقم 78 ضمن مجموع وعدد أوراقها ست ورقات. وقد استفدت منهما كثيراً في تصحيح بعض المواضع.
في ج: هنا.
(2)
في ج: قبل هذا.
(3)
ساقط من ب.
(4)
ساقط من النسخ المخطوطة، والزيادة من نص رسالة العراقي.
غيره]
(1)
بل الغير هو المتصرف، والصادر من الحاكم حكم على ذلك التصرف
(2)
فلا يلزم من امتناع الحاكم من القسمة هنا امتناعه من الحكم بالموجب، وإن لم تقم البينة باستيفاء الشروط. ثم إن قول الأصحاب: أنه لا يجيبهم هل أرادوا به لا تجب إجابتهم أو لا تجوز إجابتهم؟ لم أر تصريحاً بذلك. والظاهر الأول وهو انتفاء الوجوب لا الجواز.
الشيء الثانى: أن ما نقلته من عمل الحكام
(3)
يدل على أن الحكم بالموجَب لا يزيد على الثبوت المجرد شيئاً، لكن ما زالوا يرون للحكم بالموجب تمييزاً على مجرد الثبوت. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ووجدت لشيخنا الإمام البلقينى رحمه الله تعالى فروقاً أبدأها في الفرق بين الحكم بالصحة
(4)
والحكم بالموجَب وكنت سمعتها منه أو بعضها، وفي كلها أو بعضها نظر سأذكره.
فالفرق الأول: أن الحكم بالصحة منصب إلى إنفاذ ذلك الصادر من بيع ووقف ونحوهما والحكم بالموجب منصب إلى أثر ذلك الصادر.
قلت: وفيما ذكره نظر، فإنه إذا كان الحكم بالصحة منصباً إلى إنفاذ ذلك الصادر ترتب عليه إنفاذ آثاره. وكيف ينفذ ذلك الأمر ولا ينفذ أثره المقصود منه؟ ولا سيما قد عّرف غير واحد من أهل الأصول الصحة بأنها استتباع الغاية أي: كون الشيء بحيث تتبعه غايته ويترتب وجودها على وجوده. فإذا حكم بالصحة فقد حكم بترتب آثاره عليه؛ لأن هذا هو معنى الصحة. وكيف يقال في الحكم بالموجَب أنه منصب إلى الآثار خاصة؟ وكيف تثبت الآثار بدون ثبوت المؤثر لها؟ فالحكم بثبوت الآثار مرتب على الحكم بثبوت المؤثر بلا شك. فلولا صحة ذلك العقد لما حكم القاضي بترتب آثاره عليه. فالصواب تضمن الحكم بالموجب الحكم بالصحة وإلا لما يترتب عليه الآثار، فالصحة هي الحكم
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ج: الأحكام.
(4)
ساقط من أ.
الجامع
(1)
لجميع الآثار. وحينئذ فيظهر استواء الحكم بالصحة والحكم بالموجَب؛ لأنه لا يحكم إلا بموجب ما صح عنده
(2)
دون ما فسد ولا يصح الشيء وتتخلف آثاره عنه. فإذا حكم بالصحة فقد حكم بترتب آثاره عليه. والتحقيق: أن الحكم بالموجب يتناول الآثار بالتنصيص عليها للاتيان بلفظ عام يتناول جميع آثارها، فإن موجب الشيء هو مقتضاه وهو مفرد مضاف فيعم كل موجب. بخلاف لفظ الصحة فإنه إنما يتناول الآثار بالتضمين لا بالتنصيص عليها. ومقتضى ذلك: أن يكون الحكم بالموجب أعلا وهو بخلاف الاصطلاح. وكأن الحكم بالصحة إنما علت مرتبته عندهم لاختصاصه بما ثبت فيه وجود الشروط، وانحطت مرتبة الحكم بالموجب عندهم؛ لعدم ثبوت وجود الشروط
(3)
فيه. لكن هذا راجع إلى الاصطلاح فيما أظن ولا يظهر للفرق المذكور معنا من جهة اللغة
(4)
ولا من جهة الشرع. فلا ينبغي أن يصدر من حاكم حكم إلا بحجة معتبرة إما ببينة، وإما بعلم، وإما إقرار الخصم الذي هو صاحب اليد، وإما يمين المدعي المردودة بعد نكول الخصم، سواء كان ذلك الحكم بإقرار أو ببينة. وإنما نازعت شيخنا في استنباط هذا من مسألة القسمة لا في أصل الحكم فإنى أوافق عليه. فإذا قامت البينة فحكم بالصحة فقد حكم بترتب غايته عليه من غير تنصيص علمها لا لعموم ولا لخصو ص، وإن حكم بالموجب فقد أتى بصيغة شاملة لجميع أحكامه، فإن صيغة العموم في تناولها لكل فرد فرد كلية فكأنه نص بذلك على جميع آثاره.
فإن قلت: فهل يترتب عليه بذلك جميع آثاره المتفق عليها والمختلف فيها؟.
قلت: أما المتفق عليها فلا يحتاج فيها
(5)
إلى حكم
(6)
.
(1)
في ج: فالصحة بالحاكم الجامع.
(2)
زيادة من رسالة الحافظ العراقي.
(3)
في ج: الشرط.
(4)
في ج: اللفظ.
(5)
في أ: فيه.
(6)
في أزيادة: لكن إذا حكم فيها فماذا؟ ولعله يقول بالصحة. ولهذا سكت عنها اكتفاء بما ذكر.=
وأما المختلف فيها فما كان منها قد جاء وقت الحكم فيه نفذ وما لم يجيء وقت الحكم فيه لم ينفذ.
مثال الأول: أن يحكم حنفي بموجب التدبير. فمن موجبه منع بيع المدبر فقد حكم الحنفي بذلك في وقته؛ لأنه منع السيد المدبر من بيع عبده المدبر، فليس له بمقتضى الحكم المذكور الإقدام على بيعه [لمنع الحاكم له من ذلك، وليس للشافعي أن يأذن له بعد ذلك في بيعه؛ لما فيه من نقض حكم الحنفي بمنع البيع، ولا أن تحكم بصحة بيعه لو صدر فإنه ارتكب ببيعه محرماً قد منعه منه جائز الحكم، فصار هذا المدبر بهذا الحكم كأم الولد.
ومثال الثانى: أن يعلق شخص طلاق امرأة أجنبية منه على التزويج بها فيحكم مالكي أو حنفي بموجَبه. فإذا تزوج بها وبادر شافعي وحكم باستمرار العصمة وعدم وقوع الطلاق نفذ حكمه ولم يكن ذلك نقضاً لحكم الحاكم الأول بموجب التعليق؛ لأن حكم الأول لم يتناول وقوع الطلاق لو تزوج بها فإنه أمر يقع إلى الآن فكيف يحكم على ما لم يقع؟.
والحكم إنما يكون في شخص فما هذا منه إلا فتوى وتسميته حكماً جهل أوتجوّز يعني: به أن هذا حكم الشرع عنده، لا أنه منه وألزم به وكيف يُلزم بما لم يقع؟.
ومما يوضح ذلك: أنه لو لم يأت بصيغة عموم وهو الموجب بل حكم بهذه الجزئية
(1)
خاصة فقال: حكمت بوقوع الطلاق إن تزوجها لم يصادف ذلك محلاً وعد سفهاً وجهلاً. وكيف يحكم الإنسان بالشيء قبل وقوعه؟ فيقول: حكمت بصحة بيع هذا العبد لو وقع بشروطه، وبصحة نكاح هذه المرأة لو وقع بشروطه. بخلاف قول الحنفي في المدبر بعد تدبيره حكمت بمنع بيعه، فإنه حكم
(1)
= والظاهر: أن الحكم فيها بالصحة والموجَب سيان، وأن الحكم فيها هما في ورفعة على الثابت المجرد. وهي ليست في موجودة في رسالة الشيخ العراقى.
في ج: الجزية.
صحيح على مذهبه وقع في محله ووقته فنفذ
(1)
وما لم يجز نقضه. فافهم ذلك فإنه حسن وقع بسبب عدم تدبيره خبط في الأحكام وقد ظهر أن توجيه الحنفي أو المالكي حكمه إلى وقوع الطلاق على التي لم يتزوج بها مُحال وحكمه بمنع التزويج بها أفسدُ منه، فإن النكاح صحيح بلا توقف وإنما الكلام في وقوع الطلاق بعد صدور النكاح ولا يدرى هل بينهما نكاح أم لا؟ فلا يمكن توجيه الحكم إلى منع النكاح، كما وجه الحنفي حكمه إلى منع بيع المدبر، ولا إلى وقوع الطلاق في عصمة لا يدرى هل هذه تقع في الوجود أو لا؟ فإن نفس الطلاق لم يقع قبل النكاح وإنما وقع تعليقه خاصة والتعليق غير موقع في الحال فكيف يحكم على شيء لم يوجد بشيء لم يقع؟ وهذا واضح لصاحب الألمعية الخالي عن العصبية. والله تعالى أعلم.
وقس على هذين المثالين بقية الأمثلة فقد عرفت المدرك الذي أوجب الفرق بينهما.
الفرق الثانى بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب: أن الحكم بالصحة لا يختص بأحد والحكم بالموجب يختص بالمحكوم عليه بذلك.
قلت: وفي هذا الفرق أيضاً
(2)
نظر. فإذا وقف الإنسان شيئاً من أملاكه على نفسه ومات قبل الحكم بصحته وبطلانه، فأراد أحد ورثته أن يبيعه فمنعه حنفي وحكم بموجب الوقف المذكور لم يختص ذلك الحكم به في حصته، فلو أراد وارث آخر أن يبيع حصته منه لم يصح وكيف يصح ذلك بعد حكم الحنفي بموجبه؟ فلو بادر شافعي وحكم عند إرادة أحد الورثة بيع حصته بموجب الوقف المذكور وهو البطلان عنده أيحكم حنفي بعد ذلك بمنع بيع الوارث الآخر حصته مع حكم الشافعي ببطلان الوقف المذكور؟ هذا بعيد. والله أعلم.
الفرق الثالث: أن الحكم بالصحة يقتضي استيفاء الشروط والحكم
(1)
في ج: فينفذ.
(2)
ساقط من أ.
بالموجب لا يقتضي استيفاء الشروط وإنما مقتضاه ثبوت
(1)
صدور ذلك الحكم على المصدر بموجب ما صدر منه.
قلت: وفيه نظر أيضاً فقد قدمت عن شيخنا المذكور أنه استنبط من مسألة امتناع القاضى من القسمة فيما إذا لم تقم بينة بأنه ملك طالبها أن الحكم لا يقع بصحة ولا بموجب إلا بعد استيفاء الشروط. وهذا الفرق هو الذي يعمل به الناس الآن وفيه ما قدمته. ثم إن في تعبير الشيخ عن هذا الفرق نظراً، فكان ينبغي التعبير بأن الحكم بالصحة متوقف على ثبوت أن المتعاطي لذلك التصرف استوى الشروط فيه؛ فإذا رفع إلى القاضي بيع لا يحكم بصحته حتى تثبت شروط البيع من كون المبيع طاهراً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه مملوكاً للعاقد أو لمن وقع له العقد معلوماً. بخلاف الحكم بالموجب فلا يتوقف على ثبوت استيفاء الشروط. وليت شعري كيف يكون حكم القاضى بثبوت جميع الآثار ثابتاً فيما إذا لم يثبت عنده أن العاقد استوفى الشروط [وينتفي فيما إذا ثبت أنه استوفى الشروط]
(2)
. هذا مما
(3)
لا يعقل. والله أعلم.
الفرق الرابع: أنه إذا كان الصادر صحيحاً باتفاقٍ ووقع الخلاف في موجبه فالحكم بالصحة لا يمنع من العمل بموجبه عند غير الحاكم بالصحة، ولو حكم فيه بالموجب امتنع العمل بموجبه عند غير الحاكم بالموجب.
قلت: لا بأس بهذا الفرق، لكن إطلاقه في الحكم بالموجب أنه يمتنع العمل بموجبه عند غير الحاكم بالموجب لا بد من تقييده بأن يكون قد جاء وقت الحكم بموجبه فمتى لم يجيء وقته فلغيره عند مجيء وقته الحكم بموجبه عنده وإن لم يكن موجبه عند الحاكم الأول. والله أعلم.
الفرق الخامس: أن كل دعوى كان المطلوب فيها إلزام المدعى عليه بما أقر
(1)
زيادة من رسالة الشيخ العراقي.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
في أوب: ما.
به أو قامت به البينة كان الحكم حينئذ بالإلزام وهو الموجب ولا يكون الحكم بالصحة، ولكن يتضمن الحكم بالموجب الحكم بالصحة، ومن ذلك: أن ما ليس له وجهان صحة وإبطال لا يدخل فيه الحكم بالصحة إنما يدخل فيه الحكم بالموجب.
قلت: لم يظهر لي هذا الفرق فإن مقتضاه: أنه إذا ادعى على إنسان بمائة درهم مثلاً واعترف بذلك بمجلس الحكم أو قامت عليه بينة بالاعتراف لم يسغ
(1)
القاضي الحكم بالصحة في الاعتراف
(2)
المذكور، وإنما يسوغ له الحكم بالموجب. ولا يظهر له معنى فليتأمل. وقد رجع الشيخ رحمه الله تعالى إلى ما ذكرته أولاً من أن الحكم بالموجب يتضمن الحكم بالصحة. والله أعلم.
الفرق السادس: أن تنفيذ الحكم المختلف فيه يكون بالصحة عند الموافق وكذا عند المخالف الذي يجيز التنفيذ فى المختلف فيه ويكون بالموجب إذا أريد به الإلزام بحكم الحاكم فى الحكم المختلف فيه، فيكون الأمر فيه كما تقدم في الحكم بالصحة فيكون قول القاضي: حكمت بصحة حكم فلان مساو لقوله: حكمت بموجب حكم فلان إذا أريد به
(3)
هذا المعنى وهو: الإلزام بحكم الحاكم، وإن أريد الإلزام بذلك الشيء المحكوم فيه فيجوز ذلك من الموافق ولا يجوز من المخالف؛ لأنه ابتداء حكم بذلك الشيء من غير تعرض للحكم الأول وذلك لا يجوز عند المخالف.
قلت: لم يتحرر من هذا الكلام فرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجَب، لأنه ذكر أنه إذا أريد الإلزام بحكم المخالف في موضع الخلاف استوى الحكم بالصحة والحكم بالموجب في الجواز، وإن أريد الإلزام بذلك الشيء من غير توسط حكم المخالف امتنع ذلك بالصحة وبالموجب فإن المخالف لا يراه وليس هذا تنفيذ بل ابتداء حكم بما لا يراه الحاكم به. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ب: يسمع.
(2)
في ج: بالاعتراف.
(3)
ساقط من أوب.
وذكر شيخنا الإمام البلقيني رحمه الله تعالى: أنه يستوي الحكم بالصحة والحكم بالموجب في مسائل:
منها: حكم الحنفي بصحة النكاح بلا ولي أو بموجبه ليس للشافعي نقضه.
ومنها: حكمه بشفعه الجوار لا ينقضه الشافعي، سواء حكم بصحه ذلك أو بموجبه.
ومنها: حكمه بالوقف على النفس لا ينقضعه الشافعي، سواء حكم في ذلك بالصحة أو بالموجب.
ومنها: حكم الشافعي في إجازة الجزء الشائع من دار أو عبد أو نحوهما ليس للحنفي إبطاله، سواء حكم فيه بالصحة أو بالموجَب.
وذكر شيخنا المذكور رحمه الله تعالى افتراقهما في مسائل يكون في بعضها الحكم بالصحة أقوى وفي بعضها
(1)
الحكم بالموجب أقوى.
فالقسم الأول: كما لو حكم شافعي
(2)
بموجَب الوكالة بغير رضى الخصم. فللحنفي الحكم بإبطالها ولو حكم بصحتها لم يكن للحنفي الحكم بإبطالها؛ لأن موجبها المخاصمة صحت أو فسدت لأجل الإذن. فلم يتعرض الشافعي للحكم بالصحة، وإنما تعرض للأثر، فساغ للحنفي الحكم بإبطالها؛ لأنه يقول للشافعي: جردت
(3)
حكمك للازم ولم تتعرض لصحة الملزوم ولا عدمه، وأنا أقول بإبطالها فلم توقع الحكم في محل الخلاف؟ هذا كلام شيخنا. وفيه نظر لما تقدم من أن الحكم بالآثار يتوقف على الحكم بالمؤثر فلولا صحة عقد الوكالة لما حكم بترتب آثارها. وقد تقدم من كلامه الأخير: أن بيان الحكم بالموجب يتضمن الحكم بالصحة.
فإن قلت: الوكالة يترتب عليها أثرها وهو صحة التصرف بعموم الإذن ولو كانت فاسدة.
(1)
في ج: ويكون في بعضها.
(2)
في ج: الشافعي.
(3)
في ب: جردتك، وفي ج: جرت.
قلت: من جملة موجبها ومقتضاها صحتها عند الشافعي ولو لم يرض الخصم اللازم فقد تناوله حكمه. ولا نسلم قول الحنفي أن الشافعي جرد حكمه للازم ولم يتعرض لصحة الملزوم ولا بطلانه، بل قد تعرض لها ضمناً كما اعترف به الشيخ رحمه الله تعالى، أو صريحاً كما اعتقده؛ لأن الصحة من جملة الموجب فقد دخل في حكمه بالموجب. لأنه مفرد مضاف فيعم جميع الواجب. ولو كان التوكيل عند الشافعي فاسداً كالوكالة المعلقة لم يسغ له الحكم بموجب الوكالة اعتماداً على صحة التصرف بعموم الإذن؛ لما ذكرناه من أن من جملة المواجب الصحة والوكالة المذكورة باطلة
(1)
فلم يثبت جميع موجبها. فإذا حكم فليوجه حكمه إلى ما يترتب من الآثار وهو صحة التصرف، ولا يأتي بصيغة تعم جميع المواجب لفساد ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.
والقسم الثانى له أمثلة:
منها: لو حكم الحنفي بصحة التدبير لم يمتنع على الشافعي الحكم بالبيع؛ لأنه عند الشافعي صحيح ولكن يباع. فلو حكم بموجب التدبير لم يكن للشافعي الحكم بالبيع؛ لأن من موجب التدبير عنده عدم البيع.
ومنها: لو حكم شافعي بصحة شراء الدار التي لها جار فإنه يسوغ للحنفي أن يحكم بأخذ الجار
(2)
بالشفعة؛ لأن البيع عنده صحيح مسلط لأخذ الجار كما يقول الشافعي في بيع أحد الشركاء. ولو حكم الشافعي بموجب شراء الدار المذكورة فليس للحنفي أن يحكم بأخذ الجار؛ لأن من موجبه عنده دوامه واستمراره.
ومنها: لو حكم شافعي بصحة إجارةٍ ثم مات المؤجر فإن للحنفي إبطالها بالموت ولو حكم بموجب الإجارة لم يكن للحنفي الحكم بإبطالها بالموت؛ لأن من موجبها الدوام والاستمرار للورثة.
(1)
زيادة من رسالة الشيخ العراقي.
(2)
في أوب: الدار.
قلت: هذه الصورة الثالثة ممنوعة. والفرق بينها وبين الصورتين التي
(1)
قبلها: أنه وقع الحكم فيها بالموجب بعد دخول وقته فنفذ؛ لأنه لما حكم فيها بموجب التدبير فقد منعه من البيع الذي يسوغه الشافعي، ولما حكم بموجب شراء الدار التي لها جار فقد منع الجار من الأخذ بالشفعة. فامتنع ذلك عليه؛ كما لو وجه الحكم إلى ذلك صريحاً فإنه ينفذ ويعمل به. ولا فرق بين الحكم بالشيء بخصوصه وبين الحكم بصيغة عامة تشمله.
وأما الصورة الثالثة: لما حكم الشافعي فيها بموجب الإجارة قبل موت المستأجر لم يكن توجه حكمه إلى عدم الانفساخ؛ لأنه لم يجئ وقته ولم يوجد سببه ولو وجه الحكم إليه فقال: حكمت بعدم انفساخ الإجارة إذا مات المستأجر لم يكن ذلك حكماً. وكيف يحكم على ما لم يقع ولا يدري هل يقع أو لا؟ فتسميته هذا حكماً إما جهل وإما تجوز كما قدمناه.
وفي حكم مالكي أو حنفي بموجب تعليق طلاق امرأة معينة على التزويج بها قبل التزويج بها، فإنه لا يدخل في موجبه
(2)
وقوع الطلاق بعد التزويج. فإن التزويج إلى الآن لم يقع وقد لا يوجد فلا يمكن الحكم على معدوم لم يدخل في الوجود. فهذه الصورة وتلك من واد واحد. وإذا ظهر ما ذكرناه من الفرق عرفت المسائل واتضحت ولم يشكل منها شيء.
وذكر شيخنا المذكور رحمه الله تعالى أن ضابط ذلك: أن المتنازع فيه إن كان صحة ذلك الشيء وكانت لوازمه لا تترتب إلا بعد صحته كان الحكم بالصحة رافعاً للخلاف واستويا حينئذ، وإن كان المتنازع فيه الآثار واللوازم كان الحكم بالصحة غير رافع للخلاف وكان الحكم بالموجب رافعاً وقوى الموجب حينئذ، وإن كانت آثاره تترتب مع فساده قوى الحكم بالصحة على الحكم بالموجب. قلت: قوله: فيما إذا كان النزاع في الآثار واللوازم أن الحكم بالموجب
(1)
زيادة من رسالة الشيخ العراقي.
(2)
في ج: موجبها.
رافع للخلاف محله: أن يكون ذلك بعد دخول وقته ووجود سببه وتمكنه من الحكم بذلك الشيء بعينه فأدرجناه في الحكم بموجبه الذي هو من صيغ العموم؛ لأنه في جملة أفراده وقد جاء وقته. وقد قدمنا الأمثلة في ذلك بحيث اتضح الحال فيه. وقد عرفت الكلام معه فيما ذكر أن الحكم بالصحة أقوى من الموجب لترتب آثاره عليه مع فساده كالوكالة فأغنى بذلك عن إعادته. والله سبحانه وتعالى أعلم
(1)
.
وقد ظهر بذلك أن حكم الحنفي بموجب التدبير يمنع الشافعي من الحكم بجواز بيعه وحكم الشافعي بموجب شراء الدار التي لها جار يمنع الحنفي من الحكم بجواز الأخذ بالشفعة، وحكم الشافعي بموجب الإجارة لا يمنع الحنفي من الحكم بعد موت المستأجر بانفساخها
(2)
، وحكم الحنفى أو المالكي بموجب تعليق طلاق امرأة على التزوج بها لا يمنع الشافعي من الحكم بدوام العصمة واستمرارها بعد وقوع التزوج بها. والفرق بين المسائل ما قدمناه: من أن الحكم في الصورتين الأولتين على الشيء بعد وجوده ولهذا صح توجيه الحكم إليه بعينه، وفي الصورتين الأخيرتين الحكم على الشيء قبل وجوده، ولهذا لم يصح توجيه الحكم فيهما إلى ذلك الشيء بعينه كما قدمناه. ولنذكر مثالاً آخر فيه توقف وهو: ما إذا وقف إنسان وقفاً وجعل لنفسه التغيير
(3)
فيه والزيادة فيه والنقص منه وحكم حنفي بموجبه ثم وقع منه التغيير هل للشافعي المبادرة بعد التغير إلى الحكم بإبطاله؟ يحتمل أن يكون كالمسألتين الأولتين فيمتنع على الشافعي الحكم فيه بالبطلان، لأن حكم الحنفي بموجبه يتضمن الإذن للواقف في التغيير فقد فعل ما هو مأذون له فيه من حاكم شرعي، فليس لحاكم آخر منعه منه ولا الحكم بإبطاله لو وقع، ويحتمل أن يكون كالمسألتين الأخيرتين؛ لأن التغيير إلى الآن لم يقع ولا يلزم من إذن الحنفي له في التغيير وقوعه فقد يغير وقد لا يغير فلا يدخل
(1)
في أوب: والله أعلم.
(2)
في أ: بانقسامها.
(3)
فى ج: التعيين.
ذلك بعد الحكم بالموجَب، فإن الحنفي لو وجه حكمه الآن إليه بعينه وقال: حكمت بموجب التغيير أو صحته لم يصح؛ لأنه حكم على الشيء قبل وقوعه. والله أعلم.
وقد تحرر في الفرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب أن الحكم بالصحة متوجه إلى نفس العقد صريحاً وإلى اثاره تضمناً، وأن الحكم بالموجب متوجه إلى آثاره صريحا وإلى نفس العقد تضمناً فليس أحدهما أقوى من الآخر إلا على ما بحثته من توجه الحكم بالموجب إلى صحة العقد وجميع آثاره صريحاً، فإن الصحة من مواجبه
(1)
. فيكون الحكم بالموجب حينئذ أقوى مطلقاً لسعته وتناوله الصحة وآثارها. والله تعالى أعلم بالصواب. انتهى كلام الشيخ ولي الدين العراقي.
ولنرجع الآن إلى ما في المتن من قوله: وإن بان حبسه في تهمة أو تعزير كافتيات على القاضي قبله ونحوه خلاه أو أبقاه بقدر ما يرى.
(ومن لم يُعرف خصمه، وأنكره) أي: أنكر المحبوس أن يكون له خصم بأن قال: حبست ظلماً ولا حق عليّ ولا خصم لي: (نُودي بذلك) في البلد.
قال في " المقنع " ومن تبعه: ثلاثاً.
وقال في "المحرر" و "الفروع " وغيرهما: نودي بذلك من غير ذكرهم ثلاثاً.
قال في " الإنصاف ": قلت: يحتمل أن مراد من قيد بالثلاث.: أنه يشتهر بذلك، ويظهر غريم إن كان في الغالب.
ومراد من لم يقيد: أنه ينادى عليه حتى يغلب على الظن أنه ليس له غريم ويحصل ذلك في الغالب في ثلاث فيكون المعنى في الحقيقة واحداً. انتهى.
(فإن لم يُعرف) له خصم بعد ما ذكر (حلَّفَه) أي: حلف الحاكم المحبوس (وخلاَّه) أي: أطلقه؛ لأن الظاهر أنه لو كان له خصم لظهر.
(1)
في ج: موجبه.
(ومع غَيبة خصمه) أي: ومع معرفة خصمه وغيبته (يَبعث إليه، [ومع تأخُّره بلا عذر يُخلَّى، والأولى) أن يكون ذلك (بكفيل)]
(1)
.
قال في " الإنصاف ": لو كان خصمه غائباً: أبقاه حتى يبعث إليه على الصحيح من المذهب. قدمه في " الفروع " و" الرعايتين ".
وقيل: يخلى سبيله؛ كما لو جهل مكانه، أو تأخر بلا عذر.
قلت: وهو ضعيف.
وقال في " الفروع ": والأولى: أن لا يطلقه إلا بكفيل. واختاره في" الرعا ية ".
قلت: وهو عين الصواب إذا قلنا: يطلق. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
***
(1)
ساقط من أ.
[فصل: النظر في أمر الأيتام]
(فصل. ثُم) بعد نظره في أمر المحبوسين ينظر (في أمر أيتام ومجانين ووُقوف ووصايا)، حيث كان الأيتام والمجانين (لا وليَّ لهم، و) كانت الوقوف والوصايا (لا ناظر) لها؛ لأن هذه أموال يتعلق به حفظها وصرفها في وجوهها فلا يجوز إهمالها. فينظر فيما ليس له منها ناظر معين؛ لأن المنظور عليه إن كان من الأيتام أو من المجانين لم تمكنهم المطالبة؛ لأنهم لا قول لهم، وإن كان مستحقوا الأوقاف من الفقراء لم يملكوا التكلم على الوقوف؛ لعدم تعيينهم لذلك.
إذا تقرر هذا (فلو نفَّذ) الحاكم (الأول وصية موصَّى إليه: أمضاها الثانى) وجوباً؛ لأن الأول ما نفذ وصيته إلا بعد معرفة أهليته في الظاهر، ولكن يراعيه. فإن تغيرت حاله بفسقٍ أو ضعف أضاف إليه أميناً قوياً يعينه، وإن كان الأول ما نفذ وصيته نظر فيه، فإن كان قوياً أميناً أقره، وإن كان ضعيفاً أميناً ضم إليه من يعينه، وإن كان فاسقاً عزله وأقام غيره على الأصح، وإن كان قد تصرف أو فرق الوصية وهو أهلُ للوصية نفذ تصرفه، وإن كان ليس بأهل وكان الموصى لهم بالغين عاقلين معينين صح دفعه إليهم، لأنهم قبضوا حقوقهم.
(فدلَّ) وجوب إمضاء الحكم الثانى ما نفذه الأول من الوصايا (أن إثبات صفةٍ) من الحاكم (كعدالة، وجَرح، وأهليَّة موصى إليه، ونحوه)؛كأهلية حضانة ونظر على وقف (حكمُ) خلافا لمالك (يقبله حاكم) آخر وان له إثبات خلافه.
(ومن كان من أُمناء الحاكم للأطفال، أو الوصايا التي لا وصيَّ لها ونحوِه بحاله: أقره، ومن فسق: عزَلَه.
ويَضُم إلى ضعيف أميناً. وله إبدالُه) وتقدمت الإشارة إلى ذلك في الشرح، (و) له (النظر في حال قاضٍ قبله، ولا يجب) عليه ذلك في الأصح؛ لأن الظاهر صحة أحكامه، وأنه لا يولى القضاء إلا من هو أهل للولاية.
(و) حيث تتبعها فإنه (يحرُم أن يَنقُضَ من حكم) قاض (صالح للقضاء غيرَ ما) أي: غير حكم (خالف نصَّ كتاب الله تعالى، أو) خالف نص (سنة متواترة، أو) غير حكم خالف نص (آحاد) من السنة. والمخالف لذلك؛ (كـ) الحكم بـ (قتل مسلم بكافر، و) كالحكم بـ (جعل من وُجد عينُ ماله عند
(1)
من حُجر عليه) لفلس (أسوةَ الغرماء، أو) غير حكم خالف (إجماعاً قطعياً)؛ لأنه لو قيل بجواز نقض غير ما ذكر من أحكام القاضي لأدى إلى جواز نقض الحكم بمثله، ولأدى إلى أنه لا يلزم حكم أصلاً وهذا هو الأصح.
وقيل: ينقض ما خالف إجماعاً ظنياً.
وقيل: وما خالف قياساً جلياً.
وعن مالك وأبي حنيفة أنهما قالا: لا ينقض الحكم إلا إذا خالف الإجماع.
ثم ناقضاً قولهما فقال مالك: إذا حكم بالشفعة للجار نقض حكمه.
وقال أبو حنيفة: إذا حكم ببيع متروك التسمية أو حكم بين العبيد بالقرعة نقض حكمه.
وقال محمد بن الحسن: إذا حكم بالشاهد واليمين نقض حكمه.
وهذه مسائل خلاف موافقة للسنة.
واحتجوا على أنه لا ينقض ما لم يخالف الإجماع بأنه يسوغ فيه الخلاف.
فلم ينقض حكمه فيه؛ كما لا نص فيه.
ولنا: على نقضه إذا خالف نصاً؛ لأنه قضاء لم يصادف شرطه. فوجب نقضه؛ كما لو خالف الإجماع.
(1)
في ج: عين مال عينه عند.
وبيان مخالفته للشرط
(1)
: أن شرط الحاكم بالاجتهاد عدم النص
(2)
، بدليل خبر معاذ بن جبل
(3)
.
ولأنه إذا ترك الكتاب والسنة فقد فرّط. فوجب نقض حكمه؛ كما لو خالف الإجماع، أو كما لو حكم بشهادة كافرين.
(أو ما يعتقده) يعني: أنه متى حكم القاضي بحكمٍ لايعتقد صحته: (فـ)، إنه (يلزم نقضه)، لاعتقاده بطلان حكم نفسه.
وأما إذا اعتقد صحته وقت الحكم ثم تغير اجتهاده من غير أن يخالف ما حكم به نصاً ولا إجماعاً، أو خالف اجتهاده اجتهاد من قبله لم ينقض؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا على ذلك؛ فإن أبا بكر رضي الله تعالى عنه حكم في مسائل باجتهاده وخالفه عمر فلم ينقض أحكامه
(4)
، وعلي رضي الله تعالى عنه خالف عمر في اجتهاده فلم ينقض أحكامه.
و"جاء أهل نجران إلى علي. فقالوا: يا أمير المؤمنين! كتابهك بيدك وشفاعتك بلسانك. فقال: ويحكم إن عمر كان سيد الأمر. لا أرد قضاء قضى به عمر " رواه سعيد.
وروي " أن عمر رضي الله تعالى عنه حكم في مسألة المشركة بإسقاط الأخوة من الأبوين. ثم شرك بينهم بعد، وقال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي
(5)
"
(6)
.
وقضى في إرث الجد بقضايا مختلفة ولم يرد القضاء الأول
(7)
.
(1)
في ج: الشرط.
(2)
في ج: النقض.
(3)
سبق ذكره وتخريجه ص (187) رقم (1).
(4)
في ج: حكمه.
(5)
في أوب: قضينا.
(6)
أخرجه الدارمى فى " سننه "(648) 1: 112 في المقدمة، باب الرجل يفتي بالشئ ثم غيره.
(7)
ر. " سنن سعيد بن منصور " 1: 47.
ولأن ذلك يؤدي إلى نقض الحكم بمثله، وإلى ان لا يثبت حكم أصلاً؛ لأن الحاكم الثانى يخالف الذي قبله، والثالث يخالف الثانى فلا يلزم حكم أصلاً.
وأما إذا تغير اجتهاده قبل الحكم فلا يحكم إلا بما تغير اجتهاده إليه؛ لأنه إذا حكم باجتهاده الأول فقد حكم بما يعتقد أنه باطل. وهذا كما قلنا فيمن تغير اجتهاده في القبلة بعد ما صلى فإنه لا يعيد، وإن كان قبل أن يصلي صلى إلى الجهة التي تغير اجتهاده إليها. وكذلك إذا بان فسق الشهود قبل الحكم بشهادتهم فإنه لا يحكم بها، ولو بان فسقهم بعد الحكم لم ينقض.
(ولا يُنقضُ حكمُ بتزويجها) يعني: تزويج المرأة (نفسَها) مع حضور وليها في الأصح؛ لاختلاف الأئمة في صحتها.
(ولا) ينقض أيضاً (لمخالفة قياسٍ)؛لأن من الأحكام الشرعية ما ورد على خلاف القياس.
(ولا) ينقض حكم أيضاً (لعدم علمه) أي: علم القاضي الحاكم (الخلاف في المسألة) المحكوم بها؛ لأن علمه بالخلاف لا أثر له في صحة الحكم ولا في بطلانه حيث وافق مقتضى الشرع.
(ولا) ينقض حكم القاضي أيضاً (إن حكم ببينةِ خارجٍ) مع جهل علمه ببينة تقابلها، (أو) حكم ببينة (داخل وجُهل علمه ببينة تُقابلُها) حيث وقع حكمه على وقف الشرع.
(وما قلنا) أنه (يُنقض، فالناقضُ له حاكمه إن كان) موجوداً. (فيثبُت) عنده (السبب) الموجب لنقضه، (وينقضه. ولا يُعتبر) لصحة نقضه (طلب ربّ الحق) في الأصح.
(وينقضُه) يعني: وينقض الحاكم حكم نفسه: (إن بان بمن شهد عنده ما) أي: شيء (لا يَرى) الحاكم (معه) أي: مع ما بان من الشاهد (قبولَ الشهادة) مع وجوده؛ كما لو بان الشاهد ابن المشهود له أو أباه.
(وكذا كلُّ ما صادف ما حَكمَ به) أمر (مختلَفٍ فيه) لا يرى الحاكم الحكم معه؛ كما لو حكم ببيع عبد منذور عتقه نذر تبرر (ولم يعلمه) ثم بان له ذلك فإنه ينقض حكم نفسه.
(وتُنقض أحكام مَن) أي حاكم (لا يَصلُح) للقضاء (وإن وافقتْ الصواب) في الأصح. ذكره أبو الخطاب وفاقاً للشافعي؛ لأن حكمه غير صحيح وقضاؤه بمنزلة عدمه؛ لفقد شرط
(1)
القضاء فيه.
***
(1)
في ج: لعقد شروط.
[فصل: في إحضار الخصم]
(فصل. ومن استَعْداه) أي: استعدى القاضيَ أحدُ (على خصم بالبلد) أي: بالبلد الذي به القاضي، (بما) أي: بشيء (تتبعه الهمة: لزمه) على الأصح (إحضارُه). أي: إحضار خصمه، (ولو لم يُحرّر) المستدعي (الدعوى). نص على ذلك في رواية الأثرم؛ لأن في ترك ذلك تضييعاً للحقوق وإقراراً للظلم. فإنه قد يثبت للشخص الحق على من هو أرفع منه بغصب، أو يشتري شيئاً ولا يوفيه ثمنه، أو يودعه شيئاً أو يعيره شيئاً فلا يرده إليه، فإذا لم يعد عليه ذهب حقه. وهذا أعظم ضرراً من حضور مجلس الحاكم فإنه لا نقص فيه، وقد حضر عمر وأبيّ عند زيد بن ثابت، وحضر عمر وآخر عند شُريح، وحضر المنصور عند رجل من ولد طلحة بن عبد الله.
وللمستعدى عليه أن يوكل من يقوم مقامه إن كره الحضور.
(ومن طلبه خصمُه أو حاكم حيث يلزمُه إحضارُه بطلبه منه لمجلس الحكم: لزمه الحضور) ومتى لم يحضر لم يرخص له في تخلفه
(1)
. فإن فعل ما لزمه من الحضور لمجلس الحاكم. (وإلا: أعلم) القاضي (الواليَ به) أي: بامتناعه من الحضور. (ومتى حضر) مع أعوان الوالي (فله) أي: فللقاضي (تأديبه) على امتناعه (بما يراه) من انتهار وغيره مما يراه زجراً له.
(ويُعتبر تحريرها) أي: تحرير الدعوى (في) ما إذا استعداه أحد على (حاكم معزول ومن في معناه) من ذوي المناصب صيانة له عن الامتهان. (ثم) إن قال المستعدي: له عليه دين من معاملة أو رشوة (يُراسله) بذلك. (فإن خرج من العهدة) أي: عهدة ما ذكره خصمه من غير أن يحضر لمجلس الحكم،
(1)
في ج: تحليفه.
(وإلا: أحضره) كغيره. فإن أقام بينة حكم عليه. وكذا لو قال: حكم عليَّ بشهادة فاسقين أو عدوين
(1)
وأقام عليه بينة بذلك حكم بمقتضاها.
(ولا يعتبر لإحضار مَن) أي: امرأة (تَبْرُز لحوائجها) غير مخدرة إذا استعدى عليها أحد (مَحْرَم) لها يحضر معها. نص عليه.
(وغير البَرْزةِ) وهي: المخدرة التي لا تبرز لقضاء حوائجها إذا استعدى عليها (تُوكّل؛ كمريض ونحوه) من ذوي الأعذار.
(وإن وجبب) عليها (يمين: أرسل) الحاكم إليها (من يحلّفها) فيبعث أمينا معه شاهدان فيستحلفها بحضرتهما.
(ومن ادَّعى على غائب بموضع لا حاكم به) في عمل القاضي، (بعث) القاضي (إلى من) أي: إلى إنسان في ذلك الموضع (يتوسَّط بينهما) أي: بين المستعدي والمستعدى عليه. (فإن تعذَّر) ذلك باًن لم لكن بذلك الموضع من هو أهل للتوسط بين الخصمين، أو لم يقبلا ما قال لهما المتوسط بينهما:(حرَّر) المستعدي (دعواه)؛ لأنه يجوز أن يكون ما يدعيه المستعدي ليس بحق على المستعدى عليه؛ كشفعة جوار وقيمة كلب. (ثم) إنه إذا حررها بكونها ثمن مبيع يجوز بيعه أو بدل قرض أو نحوهما (أحضره ولو بعُد) مكانه إذا كان (بعمله)؛لأنه لا بد من فصل الخصومة بين المتخاصمين. فماذا لم يمكن إلا بمشقة لم يمهل؛ كما لو امتنع من الحضور فإنه يؤدب.
ولأن إلحاق المشقة به أولى من إلحاقها بمن ينفذه الحاكم ليحكم بينهما.
(ومن ادَّعى قبل إنسان شهادةً: لم تُسمع دعواه، ولم يُعْدَ عليه، ولم يُحلَّف) على ذلك.
قال في " الفروع ": خلافاً لشيخنا في ذلك، وأنه ظاهر نقل صالح وحنبل. وقال: لو قال: أنا أعلمها ولا أؤديها فظاهر، ولو نكل لزمه ما ادعى به إن قيل كتمانها موجب لضمان ما تلف ولا يبعد كما يضمن من ترك الإطعام
(1)
في ج: عبدين.
الواجب. وكونه لا يحصل المقصود لفسقه بكتمانه
(1)
لا يبقى ضمانه في نفس الأمر. واحتج القاضي بالأول على أن الشهادة ليست حقاً على الشاهد. انتهى كلامه في
" الفروع ".
(ومن قال لحاكم: حكمت عليَّ بفاسقين) أي: بشهادة فاسقين (عمداً، فأنكر) القاضي:
(لم يُحلَّف) أي: لم يجب عليه يمين في الأصح؛ لأنه لو لم يقبل قوله في ذلك، لتطرق المدعى عليهم إلى إبطال ما عليهم من الحقوق بالقول المذكور. وفي ذلك ضرر عظيم، واليمين إنما تجب للتهمة والقاضي ليس من أهلها.
(وإن قال) قاض (معزول عدل لا يُتَّهَم: كنت حكمتُ في ولايتي لفلان على فلان بكذا) وبيّنه، (وهو ممن يَسُوغ الحكم له) بأن كان المحكوم له ليس أباه أو ابنه أو نحوهما ممن لا يصح حكمه له:(قُبل) قوله في المنصوص. وفي الأصح: (ولو لم يذكر مستنده) في حكمه، (ولو أن العادة تسجيل أحكامه، وضبطُها بشهود)، لأن عزله لا يمنع قبول قوله؛ كما لو كتب كتاباً إلى قاضٍ آخر ثم عزل ووصل الكتاب بعد عزله، فإنه يلزم المكتوب إليه قبول كتابه بعد عزله كاتبه.
ولأنه أخبر بما حكم به وهو غير متهم. أشبه إخباره حال ولايته.
(قال بعض المتأخرين) وهو القاضي مجد الدين: قبول قوله مقيد بـ (ما) إذا (لم يشتمل على إبطال حكم حاكم) آخر. فلو حكم حنفي برجوع واقف على نفسه فأخبر حاكم حنبلي أنه حكم بصحة الوقف المذكور قبل حكم الحنفي برجوعه لم يقبل. نقله القاضي محب الدين في " حواشي الفروع ".
(وحسَّنه بعضُهم) أي: بعض المتأخرين فإن القاضي محب الدين لما نقل ذلك قال: هذا تقييد حسن ينبغي اعتماده.
وقال القاضي محب الدين: ومقتضى إطلاق الفقهاء قبوله
(2)
ولو كانت
(1)
في ج: بفسقه وكتمانه.
(2)
في ج: قبول قوله.
العادة تسجيل أحكامه وضبطها بشهود ولو قيد ذلك بما إذا لم تكن عادة كان متجهاً لوقوع الريبة لمخالفته للعادة. انتهى كلام القاضي محب الدين.
قال في " الإنصاف ": قلت: ليس الأمر كذلك بل يرجع إلى صفة الحاكم ويدل عليه ما قاله أبو الخطاب وغيره.
(وإن أخبرَ حاكمُ حاكماً) آخر (بحكمِ أو ثبوتٍ ولو) كان إخباره إياه (في غير عملهما) [أي: عمل الحاكمين: (قُبِل وعُمل به) المخبَر- بفتح الباء- (إذا بلغ عمله) في الأصح.
قال في " الإنصاف ": يقبل خبر الحاكم لحاكم آخر في غير عملهما]
(1)
،
وفي عمل أحدهما على الصحيح من المذهب. وهو ظاهر كلام الخرقي، واختاره ابن حمدان وصححه في " النظم ".
قال الزركشي: وإليه ميل أبي محمد. وقدمه في " الشرح " و" الفروع " وابن رزين والزركشي.
وعند القاضي لا يقبل في ذلك كله إلا أن يخبر في عمله حاكماً في غير عمله، فيعمل به إذا بلغ عمله. وجاز حكمه بعلمه. وقدمه في "المحرر"و" الرعايتين " وجزم به في " الوجيز " و " المنور " و " الترغيب ". ثم قال يعني: في " الترغيب ": وإن كان في ولاية المخبر فوجهان. وفيه أيضاً إذا قال: سمعت البينة فاحكم، لا فائدة له مع حياة البينة بل عند العجز عنها.
فعلى قول القاضي ومن تابعه: يفرق بين هذه المسألة، وبين ما إذا قال الحاكم المعزول: كنت حكمت في ولايتي لفلان بكذا أنه يقبل هناك ولا يقبل هنا. فقال الزركشي: وكأن الفرق ما يحصل من الضرر بترك قبول قول المعزول. بخلاف هذا. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
(لا مع حضور المخبِر) - بكسر الباء- (وهما بعملهما بالثبوت) يعني: أنه لو أخبر قاضٍ قاضياً آخر وكل منهما بعمله بثبوت شيء عنده ولم يحكم به فليس
(1)
ساقط من أ.
للمخبَر- بفتح الباء- العمل بما أخبره به الحاكم الآخر من الثبوت دون الحكم مع حضور المخبِر- بكسر الباء-؛ لأن ذلك كنقل الشهادة فاعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة على الشهادة.
(وكذا إخيارُ أميرِ جهادٍ، وأمينِ صدقةٍ، وناظرِ وقفٍ) بعد عزله بأمر صدر منه في حال ولايته يعني: فإنه يقبل منه.
قال في " الإنصاف ": نظير مسألة إخبار الحاكم في حال الولاية والعزل: أمير الجهاد، وأمين الصدقة، وناظر الوقف. قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في " الفروع ".
قال في " الانتصار ": كل من صح منه إنشاء أمر صح إقراره به. انتهى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
[باب: طريق الحكم وصفته]
هذا (باب طريق الحكم وصفته. طريق كل شيء: ما تُوُصّل به إليه) أي: إلى ذلك الشيء. (والحكمُ: الفصل) أي: فصل الخصومات.
(إذا حضر إليه) أي: إلى القاضي (خَصمان: فله أن يسكت حتى يُبْدَأَ) بالبناء للمفعول يعني: حتى تكون البداءة بالكلام من جهتهما، وعلى الأشهر (وأن يقول: أيُّكما المدَّعِي؟)؛ لأن سؤاله عن المدعي منهما لا تخصيص فيه لواحد منهم فجاز لذلك.
(ومن سبق) منهما (بالدعوى: قدم) أي: قدمه الحاكم على خصمه، (ثم) إن ادعيا معاً أقرع بينهما؛ لأن القرعة تعين المستحق فيقدم منهما (من قَرَع) أي: من خرجت له القرعة. (فإذا انتهت حكومته) أي: حكومة الأول: (ادَّعى الآخر)؛ لأن الأول استوفى حقه. وإن بدأ أحدهما فادعى. فقال خصمه: أنا المدعي لم يلتفت الحاكم إليه. وقال له: أجب عن دعواه ثم ادع بعد ما شئت. قاله في " شرح المقنع ".
ويستحب للحاكم أن يُجلس الخصمين بين يديه؛ لم روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم "
(1)
. رواه أبو داود.
ولما روى سعيد بإسناده عن الشعبي قال: " كان بين عمر بن الخطاب وأبىّ بن كعب رضي الله تعالى عنهما مداراة في شيء. فجعلا بينهما زيد بن ثابت. فأتياه في منزله. فقال له عمر: أتيناك تحكم بيننا. في بيته يؤتى الحكم. فوسع زيد بن ثابت عن صدر فراشه. فقال: هاهنا يا أمير المؤمنين.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(588 3) 3: 302 كتاب الأقضية، باب كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي.
فقال له عمر: جُرت في أول القضاء. ولكن أجلس مع خصمي. فجلسا بين يديه. فادعى أبي فأنكر عمر. فقال زيد لأبيّ: اعف أمير المؤمنين من
(1)
اليمين. فحلف عمر ثم أقسم لا يدرك زيد باب القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء ".
و" قال علي رضي الله تعالى عنه حين خاصم اليهودي درعه إلى شريح: لو أن خصمي مسلم لجلست معه بين يديك ".
ولأن ذلك أمكن للحاكم في العدل بينهما.
(ولا تُسمع دعوى مقلوبة) في الأصح؛ لأن الأصحاب عرّفوا المدعي: بأنه الذي يطالب غيره بحق يذكر استحقاقه عليه ولا ينطبق هذا التعريف على من ادعى دعوى مقلوبة.
قال في"الإنصاف": على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، وقدمه في "الفروع"، وقال: وسمعها بعضهم واستنبطها.
قلت: الذي يظهر: أنه استنبطها من الشفعة فيما إذا ادعى الشفيع على شخص أنه اشترى الشقص، وقال: بل اتهبته أو ورثته فإن القول قوله مع يمينه. فلو نكل عن اليمين أو قامت للشفيع بينة بالشراء: فله أخذه ودفيع ثمنه. فإن قال: لا أستحقه. قيل له: إما أن تقبل، وإما أن تبرئه على أحد الوجوه. وقطع به المصنف هناك.
فلو ادعى الشفيع عليه بذلك: ساغ. وكانت شبيهة بالدعوى المقلوبة. انتهى كلامه في
" الإنصاف ".
ومن ذلك أيضاً: لو ترافع اثنان إلى حاكم فقال أحدهما: أدعي على هذا أنه يدعي علي ديناراً فاستحلفني له أنه لا حق له قبلي فإنه لا يسمع منه ذلك.
وسميت مقلوبة؛ لأن المدعي فيها يطلب أن يعطي المدعى عليه، والمدعي في غيرها يطلب أن يأخذ من المدعي عليه فانقلب فيها القصد المعتاد.
(1)
في ب: عن.
(ولا) تسمع دعوى (حِسْبةُ) أيضاً (بحق الله تعالى
(1)
؛كعبادة وحد وكفارة ونذر، ونحوه)، كجزاء صيد قتله في الحرم أو محرماً فيه في الأصح.
وفي "الرعاية": تسمع دعوى حسبة.
(وتُسمع) من غير دعوى (بينةُ بذلك، وبعتق ولو أنكر معتوقُ) العتق المشهود به.
(و) تسمع البينة أيضاً من غير دعوى (بحق غيرِ معيَّن، كوقف ووصية على فقراء أو) على (مسجد على خصم) في جهته ذلك.
(و) تُسمع البينة أيضاً (بوكالةٍ وإسنادِ وصيةٍ من غير حضور خصم.
لا) بينة (بحق) شخص (معيَّن قبل دعواه) بحقه، (و) لا تسمع (يمينه إلا بعدها) أي: بعد الدعوى، (وبعد شهادة الشاهد إن كان) فيما إذا قضى بالشاهد واليمين. وهذا على الأصح.
(وأجاز بعض أصحابنا سماعهما) أي: الدعوى والبينة (لحفظ وقف وغيره بالثَّبات بلا خصم. و) أجاز ذلك (الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض أصحابنا بخصمٍ مسخَّر.
قال الشيخ تقي الدين: وعلى أصلنا وأصل مالك: إما أن نُثبت الحقوق بالشهادة على الشهادة- وقاله بعضُ أصحابنا- وإما أن يُسمَعا ويحكم بلا خصم. وذكره بعض المالكية و) بعض (الشافعية. وهو مقتضى كلام أحمد وأصحابهِ في مواضعَ؛ لأنا نسمعها، على غائب وممتنع ونحوه، فمع عدم خصمٍ أولى. فإن المشتريَ- مثلا- قبض المبيع وسلَّم الثمن، فلا يَدَّعي ولا يُدَّعى عليه. وإنما الغرضُ الحكمُ؛ لخوف خصمٍ، وحاجة الناس- خصوصاً فيما فيه شُبهةُ أو خلافُ- لرفعِه).
قال (المنقح: وعملُ الناس عليه) أي: على ما قاله الشيخ تقي الدين، (وهو قوي) يعني: من جهة النظر.
***
(1)
في ج: بحق الله سبحانه وتعالى.
[فصل: في الدعوى بالقليل]
(فصل. وتصح) الدعوى (بالقليل) وظاهره ولو لم تتبعه الهمة. ولا ينافي ذلك قولهم: أن القاضى لا يستعدي فيما لا تتبعه الهمة؛ لما في الاستعداء من المشقة الحاصلة بسبب ما هو أسهل منها.
(ويشترط) لصحتها شروط:
الأول: (تحريرها)؛ لأن الحكم مرتب عليها؛ ولذلك قال رسول صلى الله عليه وسلم: "وإنما
(1)
أقضي على نحو ما أسمع "
(2)
.
ومتى لم تحرر الدعوى لم يمكن الحكم عليها فوجب تحريرها لذلك.
إذا تقرر هذا (فلو كانت) الدعوى (بدَين على ميت: ذكر موته، وحرَّر الدَّين). ثم إن كان الدين أثماناً فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء: الجنس، والنوع، والقدر. (و) حرر (التركة). ذكره القاضي.
وفي " المغني ": أو أن المدعى عليه وصل إليه من تركة مورثه ما يفي بدينه.
(و) الشرط الثانى: (كونها معلومة) أي: كون الدعوى بشيء معلوم؛ لأن المدعى عليه إذا اعترف بما ادعي به عليه وطلب المدعي من الحاكم إلزامه به وجب على الحاكم إلزامه والإلزام بالمجهول لا يصح. فلهذا اعتبر كونها بمعلوم
(3)
.
(1)
في ج: إنما.
(2)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(6748) 6: 2622 كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1713) 3: 1337 كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.
(3)
في ج: بمعلومة.
(إلا في وصية) بمجهول؛ كما لو أوصى له بأحد دوابه، (و) إلا في (إقرار)، كما لو قال له: في ذمتي مال، (و) إلا في (خُلع على مجهول)؛ كما لو سأله إنسان أن يخلع زوجته على أحد عبيده فإن للموصى له مطالبة الوارث بما يجب له بمقتضى الوصية، وللمقر له مطالبة المقر بما يوجبه
(1)
إقراره. ولمن خلع زوجته مطالبة من سأله الخلع بما أوجبه سؤاله.
وحيث علمتَ أنه يشترط العلم بالمدعى به في غير هذه الصور (فلا يكفي قوله) أي: قول المدعي (عن دعوى بورقة: أدَّعي بما فيها) حتى يبينه.
ثم الشرط الثالث: كون المدعي (مصرَّحاً بها، فلا يكفي) قول المدعي: (لي عنده كذا، حتى يقول: وأنا) الآن (مطالبه به). ذكره في " الترغيب ". قال في " الفروع": وظاهر كلام جماعة: يكفي الظاهر. انتهى.
(ولا) يكفي قول المدعي أيضاً: (إنه أقرَّ لي بكذا ولو) كان ما أقر به (مجهولاً، حتى يقول) المدعي: (وأطالبه به، أو) وأطالبه (بما يُفسّرُه به).
الشرط الرابع: أن تكون الدعوى (متعلّقةً بالحال). فلا بد في الدعوى بدين أن يكون حالاً حينئذ، (فلا تصح بمؤجَّل لإثباته). قدمه في " الفروع ".
وقال في " الترغيب ": الصحيح تُسمع فيثبت أصل الحق للزوم في المستقبل كدعوى تدبير. انتهى.
وقيل: تسمع لإثباته إذا خاف سفر الشهود.
(وتصح) الدعوى (بتدبير وكتابة واستيلاد)، لصحة الحكم بذلك.
الشرط الخامس: أن تكون الدعوى (منفكَّةً، عما يُكذّبُها. فلا تصح)
على إنسان: (بأنه قتل أو سرق من عشرين سنة وسِنُّهُ دونَها، ونحوه)؛ كما لو ادعى بنوة إنسان لا يمكن كونه منه.
(1)
في ج: يوجب.
(لا ذكرُ سبب الاستحقاق) فإن ذلك ليس بشرط لصحة الدعوى.
قال في " الفروع ": ومن ادعى عيناً أو ديناً لم يعتبر ذكر سببه وجهاً واحداً؛ لكثره سببه وقد يخفى على المدعي. انتهى.
(ويُعتبر تعيين مدعىً به) إذا كان حاضراً (بالمجلس)؛ لانتفاء اللبس بالتعيين.
(و) يعتبر أيضاً (إحضار عينٍ) مدعى بها إذا كانت (بالبلد، لتُعَيّن) بمجلس الحكم، لانتفاء اللبس بتعيينها.
(ويجب على المدَّعى عليه: إن أقرَّ أن بيده مثلَها) فيوكل به حتى يحضرها؛ فمن ادعي عليه بغصب عبد وأقر أن بيده عبداً أمره الحاكم بإحضاره لتكون الدعوى على عينه.
(ولو ثبت أنها) أي: المدعى بها (بيده) أي: يد المدعى عليه بها (ببينةٍ أو نكولٍ) وامتنع من إحضارها (حُبس حتى يُحضِرَها، أو) حتى (يدَّعيَ تلفَها: فيُصدَّق للضرورة، وتكفي القيمة) يعنى: ويكفي المدعي أن يقول: قيمتها كذا. (وإن كانت) العين المدعى بها (غائبة عن البلد، أو) كانت (تالفةً، أو) كانت (في الذمةِ ولو غير مِثليَّةٍ)، كالأمة المسلم فيها:(وصَفَها) المدعي (كَسَلَمٍ) وذلك بأن يستقصي في الدعوى ما يشترط ذكره في السلم، (والأولى) مع ذلك (ذكر قيمتها أيضاً).
وفي "الترغيب": يكفي ذكر قيمة غير مثلي، وهذا الذي عليه عمل الناس.
(ويكفي) في الدعوى (ذكر قدر نقدِ البلد) إذا لم يكن بها إلا نقد واحد.
وقيل: ويصفه.
(و) ذكر (قيمةِ جوهرٍ، ونحوه) مما لا يصح السلم فيه؛ لأنها تجب بتلفه.
ومن ادعى عقاراً غائباً عن البلد فلا بد من بيان موضعه وحدوده، فيدعي أن هذه الدار بحدودها وحقوقها ملكي وأنه غصبنيها، أو بيده ظلماً، أو أنه يمنعني منها وأنا مطالبه بردها. وإن كان العقار بالبلد عيّنه.
(و) تكفي (شهرةُ عَقارٍ عندهما) أي: عند المتداعيين (وعند حاكم
(1)
عن تحديده)؛ لحديث الحضرمي والكندي.
(ولو قال) المدعي: (أطالبه بثوب غصَبَنِيه قيمته عشرة، فيردُّه: إن كان باقياً. وإلا) أي: وإن لم يكن باقياً (فقيمته.
أو) قال: أطالبه (بثوبٍ قيمته عشرة، أخذه مني ليبيعه بعشرين) وأبى أن يرده لي أو يعطيني ثمنه، (فيُعطيها) أي: العشرين (إن كان باعه، أو) يعطني (الثوب إن كان باقياً أو) يعطني
(2)
(قيمته إن) كان (تلف)
(3)
وقيمته كذا (صح) ذلك (اصطلاحاً) يعني: فقد اصطلح القضاة على قبول هذه الدعوة المرددة
(4)
للحاجة. ذكره في " الترغيب ".
وقيل: بل يدعي الثوب المغصوب. فإن حلف المدعى عليه على تلفه طالبه بقيمته.
(ومن ادَّعى عقداً ولو غير نكاح)؛كبيع وإجارة: (ذكر شروطه) في الأصح؛ لأن الناس مختلفون في الشروط مختلفون في العقود، فقد يكون العقد المدعى به مما لا يصح عنده فلا تسمع الدعوى فيه للاختلاف المذكور.
(لا إن ادَّعى) زوج (استدامة الزوجيَّة) فإنه لا يشترط أن يستوعب شروط النكاح. فإنه
(5)
لم يدع عقداً وإنما يدعي خروجها عن طاعته. فمن ادعى عقد نكاح فلا بد من تعيين الحاضرة بالإشارة إليها، وذكر شروط النكاح، وأنه تزوجها بولي رشيد وشاهدي عدل، ورضاها إن كانت ممن
(6)
يعتبر رضاها؛
(1)
في أزيادة: لا وجه لعندية الحاكم إلا إن قيل يشترط معرفته لتحديد المحكوم فيه أو المتخاصم فيه، وفيه نظر، فليتأمل إلا إن قيل أن عندية الحاكم أولوية لا شرطية.
(2)
في ب: يعطيني.
(3)
في ج: تلفه.
(4)
في ب: المردودة.
(5)
في ج: لأنه.
(6)
في ج: مما.
لأن العلماء اختلفوا في شرائط النكاح فمنهم من يشترط الولي والشهود، ومنهم من لا يشترط إذن البكر البالغ لأبيها في تزويجها. وقد يدعي نكاحاً يعتقده صحيحاً والحاكم لا يرى صحته. ولا ينبغي أن يحكم بصحته مع جهله بها ولا يعلمها ما لم تذكر الشروط وتقوم البينة بها.
ومن ادعى بيعاً فلا بد أن يقول: اشتريت منه هذه العين بكذا، وهو جائز التصرف في ماله وتفرقا عن تراضٍ. وكذا إن ادعى عقد إجارة.
(ويُجزئ عن تعيين المرأة) المدعى نكاحها: (إن غابت ذكر اسمها ونسبها.
وإن ادَّعته) أي: ادعت عقد النكاح (المرأة، وادَّعت معه) أي: مع عقد النكاح (نفقة أو مهراً ونحوهما)؛ كمسكن: (سُمعت دعواها).
قال في " شرح المقنع": بغير خلاف نعلمه؛ لأنها تدعي حقاً لها تضيفه إلى سببه. فتسمع دعواها؛ كسائر الدعاوي.
(وإلا) أي: وإن لم تدع سوى النكاح: (فلا) تسمع دعواها في الأصح؛ لأن النكاح حق الزوج عليها فلا تسمع دعواها بحقٍّ لغيرها.
(ومتى جحد) الزوج (الزوجيةََّ، ونوى به) أي: بجحده (الطلاق: لم تطلُق) بمجرد ذلك.
قال في " المبدع ": لأن إنكاره النكاح ليس بطلاق إلا أن ينويه.
وفال الحجاوي في " الإقناع ": ولا يكون جحوده طلاقاً ولو نواه؛ لأن الجحود هنا لعقد النكاح لا لكونها امرأته. وإن كان يعلم أنها ليست امرأته لعدم عقد أو لبينونتها منه لم تحل له. انتهى.
(ومن ادَّعى قتل مورثه: ذكر) المدعي (القتل)، وكونه (عمداً أو شِبْهَه) أي: شبه عمد، (أو) كونه (خطأ، ويصفه) أي: يصف القتل؛ لأن الحال تختلف باختلاف ذلك. فلم يكن بد من ذكره؛ ليترتب حكم الحاكم عليه
(1)
،
(1)
في أزيادة: لأنه لا يؤمن أن ممن لا يجب القصاص عليه وذلك مما لا يمكن تلافيه فوجب الاحتياط فيه. وسوف تأتى بعد ذلك.
(وأن القاتل انفرد) بقتله (أوْ لا) يعني: أو أنه شاركه في القتل غيره؛ لأنه لا يؤمن أن يقتص ممن لا يجب القصاص عليه وذلك مما لا يمكهن تلافيه. فوجب الاحتياط فيه.
(ولو قال) المدعي: أن المدعى عليه (قَدَّه) أي: قدَّ مورثه (نصفين وكان حياً) حين قدّه، (أو) أنه (ضربه وهو حيُ) فمات من ذلك (صح) أن يطالب خصمه بالجواب.
(وإن ادَّعى) إنسان على غيره (إرثاً: ذكَر سببَه) وجوباً؛ لأن أسباب الإرث تختلف. ولا بد في الشهادة من أن تكون على سبب معين فكذلك الدعوى. (وإن ادَّعى) شيئاً (مُحلىً بأحد النقدين: قَوَّمَه بـ) النقد (الآخر) فيقوم المحلى بذهب بالفضة والمحلى بفضة بالذهب؛ لئلا يؤدي تقويمه بجنسه إلى الربا، (و) إن كان المدعى به شيئاً محلىً (بهما) أي: بالذهب والفضه جميعاً (فـ) نقومه (بأيّهما) أي: بأي النقدين بالنقدين (شاء، للحاجة). إذ الثمينة منحصرة في النقدين.
***
[فصل: ثم يسأل الحاكم المدعى عليه]
(فصل. وإذا حرَّرها) أي: حرر المدعي الدعوى: (فللحاكم سؤال خصمه) عنها، (وإن لم يَسأل سؤالَه) في الأصح. يعني: وإن لم يقل المدعي للقاضي: اسأل سؤال المدعى عليه من ذلك؛ لأن شاهد الحال يدل على طلب المطالبة؛ لأن إحضاره والدعوى إنما يراد أن يسأل الحاكم المدعى عليه فقد أغنى ذلك عن سؤاله.
(فإن أقرَّ) المدعى عليه بما ادعاه المدعي: (لم يُحكم له) أي: للمدعي على المدعى عليه (إلا بسؤاله) أي: سؤال المدعي الحاكمَ الحكم على المدعى عليه؛ لأن الحكم
(1)
حق للمدعي المقَر له فلا يستوفيه الحاكم إلا بمسألة مستحقة. فيقول الحاكم للمدعى عليه: اخرج إليه من حقه، أو قضيت عليك له، أو ألزمتك بحقه، أو حكمت عليك بالخروج منه.
(وإن أنكر) المدعى عليه ما ادعاه المدعي (بأن قال) المدعى عليه (لمدعٍ قرضاً أو) مدع
(2)
(ثمناً) عن مبيع: (ما أقرضني، أو) قال: (ما باعني، أو) قال: (ما يستحقُّ عليَّ ما ادَّعاه ولا شيئاً منه، أو) قال: (لا حقَّ له عليَّ صح الجواب) لنفيه عين ما ادعى عليه به بقوله: ما أقرضني أو ما باعني.
ولأن قوله: لا حق له عليّ نكرة في سياق النفي فتعم كل حق.
ومحل صحة الجواب في قوله: ما يستحق عليَّ ما ادعاه ولا شيئاً منه أو لا
(3)
حق له عليَّ: (ما لم يعترف بسبب الحق). فلو ادعت امرأة على رجل يعترف
(1)
في ج: الحق.
(2)
في ب: لمدع.
(3)
في ج: ولا.
أنها زوجته بمهرها فقال: لا تستحق عليّ شيئاً لم يصح الجواب، ويلزمه المهر إن لم يُقم بينة بإسقاطه، كجوابه في دعوى قرض اعترف به لا يستحق علي شيئاً.
(ولهذا لو أقرَّت) امرأة (بمرضها: أن لا مهر لها) على زوجها: (لم يُقبل) منها ذلك (إلا ببينة أنها أخذته).نقله مهنا عن أحمد، (أو) أنها (أسقطته) عنه (في الصحة) أي: قبل مرضها.
(و) لو قال مدعٍ لمدعى عليه: (لي عليك مائة) أطالبك بها، (فقال) المدعى عليه:(ليس لك) عليَّ (مائة اعتُبر قوله) أي: أن يقول: (ولا شيء منها).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.
(كيمين. فـ) على المذهب: (إن نكل) عن اليمين (عما دون المائة: حُكم عليه بمائة إلا جزءاً) من أجزاء المائة.
(ومن أجاب مدعي
(1)
استحقاقٍ مبيع بقوله: هو مِلْكي اشتريته من زيد وهو مِلْكُه، لم يمنع) ذلك (رجوعه) أي: على بائعه زيد (بثمنٍ) أي: بثمن المبيع المستحق في الأصح.
قال في"تصحيح الفروع "عند إطلاق صاحب"الفروع " الوجهين في ذلك:
أحدهما: له الرجوع عليه إذا بان مستحقاً. وهو الصواب لا سيما إن كان المشتري جاهلاً والإضافة إلى ملكه في الظاهر.
والوجه الثاني: ليس له الرجوع؛ لاعترافه له بالملك وهو بعيد. انتهى.
فصوب الرجوع وبَعّد عدمه؛ (كما لو أجاب) مدعيه (بمجرَّد إنكارٍ، أو انتزاع من يده ببينة مِلك سابق) على شراء المدعى عليه، فإنه يرجع عليه فيهما بلا خلاف في المذهب، (أو) انتزاع من يده ببينة ملك (مطلق).
(1)
في ج: مدع.
قال في " الفروع ": في ظاهر كلامهم، وفي " الترغيب ": يحتمل عندي أن لا يرجع؛ لأن المطلقة تقتضي الزوال من وقته؛ لأن ما قبله غير مشهود به. انتهى.
(ولو قال) مدعى عليه (لمدَّع ديناراً: لا يستحقُّ عليَّ حبَّه صح الجواب) خلافاً لابن عقيل [ووفاقاً
(1)
للشيخ تقي الدين وصوّبه في "تصحيح الفروع ".
(وَيعُمُّ الحبَّات، و) يعم (ما لم يندرج في لفظ " حبة " من باب الفَحْوَى).
قال في " الفروع "]
(2)
: ولو قال لمدعي
(3)
ديناراً لا يستحق عليّ حبة، فعند ابن عقيل ليس بجواب، لأنه لايكتفى في دفع الدعوى إلا بنص
(4)
لا بظاهر. ولهذا لو حلف: والله إنى لصادق فيما ادعيته عليه أو حلف المنكر أنه لكاذب فيما ادعاه عليّ لم يقبل. وعند شيخنا: يعم الحيات وما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى، إلا أن يقال: يعم حقيقة عرفية. انتهى.
قال في "تصحيح الفروع"عند ذكر هذه المسألة قلت: الصواب ما قاله الشيخ تقي الدين وهو الظاهر. انتهى.
قال الأزجي: ولو قال: لك عليّ شئ؟ فقال: ليس لي عليك شيء وإنما لي عليك ألف درهم لم يقبل منه دعوى الألف؟ لأنه نفاها بنفي الشيء. ولو قال: لك عليّ درهم؟ فقال: ليس لي عليك درهم ولا دانق وإنما لي عليك ألفُ قبل منه دعوى الألف؛ لأن معنى نفيه ليس حقي هذا القدر. قال: ولو قال: ليس لك علىّ شيء إلا درهم صح ذلك. انتهى.
(ولمدَّعٍ) إذا أنكر خصمه (أن يقول: لي بينة) وهذا موضع البينة، (وللحاكم) إن لم يقل المدعي ذلك (أن يقول: ألك يينة؟) لما روي " أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حضرمي وكندي فقال الحضرمي:
(1)
في ج: وفاقاً.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ج: لمدع.
(4)
في ج: بالنص.
يا رسول الله! إن هذا غلبني على أرضٍ لي، فقال الكندى: هي أرضي وفي يدي فليس له فيها حق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمى: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك. يمينه "
(1)
. وهو حديث حسن صحيح.
(فإن قال) المدعي جواباً لسؤال الحاكم) نعم) لي بينة، (قال له) الحاكم (إن شئت فأحضرها. فإذا أحضرها لم يسألها) الحاكم عما عندها حتى يسأله المدعي ذلك؛ لأنه حق له فلا يتصرف فيه بغير إذنه، (ولم يُلَقّنها) الحاكم الشهادة. ولكن إذا سأله المدعي أن يسأل البينة قال: من كانت عنده شهادة فليذكرها إن شاء ولا يقول لهما: اشهدا؛ لأنه أمر. وكان شريح يقول للشاهدين: ما أنا دعوتكما ولا أنهاكما
(2)
أن ترجعا، وما يقضي على هذا المسلم غيركما، وإنى بكما أقضى اليوم وبكما أتقي يوم القيامة.
(فإذا شهدت) عنده البينة: (سمعها، وحرُم) عليه (ترديدُها).
وفي " الرعاية ": إن ظن الصلح أخّر الحكم.
وفي "الفصول": أحببنا له أمرهما بالصلح ويؤخره فإن أبيا حكم.
وفي " المغني ": ويقول قد شهدا عليك فإن كان قادح فبيته عندي. يعني: يستحب. ذكره غير صاحب"المغني"وذكره في"المذهب"و"المستوعب" فيما إذا ارتاب فيهما.
قال في " الفروع ": فدل أن له الحكم مع الريبة.
قال في "الإنصاف ": قلت: الحكم مع الريبة فيه نظر بيّن. انتهى.
وفي " المبدع ": وروي عن عمر أنه قال: "ردوا الخصوم حتى يصطلحا، فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن "
(3)
0 انتهى.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(139) 1: 123 كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار.
(2)
في ج: إنهما كما.
(3)
أخرجه البيهقي في" السنن الكبرى " 6: 66 كتاب الصلح، باب ما جاء في التحلل وما يحتج به من أجاز الصلح على الانكار.
(ويكره تَعنُّتُها) أي: طلب
(1)
زلتها، (وانتهارُها) أي: زجرها، (لا قوله) أي: قول الحاكم (لمدَّعىً
(2)
عليه: ألك فيها دافِعُ أو مَطْعَن).
إذا علمت ذلك (فإن اتَّضح) للحاكم (الحكم، وكان الحق لمعين وسأله) أي: سأل الحاكم أن يحكم له: (لزمه) الحكم. وليس له الحكم بدون سؤال صاحب الحق؛ لأن الحكم بالبينه حق له فلا يستوفيه إلا بمسألة مستحقة.
(ويحرُم) الحكم (ولا يصح مع علمه) أي: علم الحاكم (بضدّه، أو معَ لَبْسٍ قبلَ البيان).
قال في " الترغيب " وغيره: لا يجوز الحكم بضد ما يعلمه بل يتوقف.
ومع اللبس بأمر بالصلح. فإن عجّل فحكم قبل البيان حرم ولم يصح.
(ويحرُم الاعتراض عليه) أي: على الحاكم؛ (لتركه تسمية الشهود).
ذكره القاضي وغيره في مسألة المرسل وابن عقيل.
(قال في"الفروع"): وذكر شيخنا أن له طلب تسمية البينة؛ ليتمكن من القدح بالاتفاق، (ويتوجه مثله: حكمت بكذا، ولم يَذكر مستنده). انتهى.
(وله الحكم ببينة وبإقرار في مجلس حكمه وإن لم يسمعه غيره) على الأصح. نص عليه في رواية حرب؛ لأن مستند قضاء القاضي هو الحجج الشرعية وهي البينة والإقرار، فيجوز له الحكم بهما إذا قامت البينة عنده أو أقر في مجلسه وإن لم يسمعه أحد؛ لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إليّ، ولعل أن يكون بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار "
(3)
. رواه الجماعة.
(1)
في ج: أي ويكره طلب.
(2)
في ج: لمدعٍ.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6748) 6: 2622 كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1713) 3: 1337 كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة. =
فجعل قضاءه مستنداً إلى ما يسمعه لا إلى غيره.
ولأنه إذا جاز الحكم بشهادة غيره فبسماعه هو أولى.
ولأنه لو لم يعمل بما يقَر به عنده أفضى ذلك إلى ضياع الحقوق؛ لأنه قد يقر عنده ولا يحضره أحد من الشهود، فإذا لم يحكم به ضاع حق المقر له.
وقال القاضي: لا يحكم حتى يسمعه معه شاهدان ولا يكون حكماً بعلمه.
(لا بعلمه) يعني: وليس له الحكم بعلمه (في غير هذه) الصورة (ولو في غير حد) على الأصح؛ لما روت عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم على الصدقة فَلَاجَّهُ
(1)
رجل في فريضة. فوقع بينهما شجاج. فأتوا للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم الأرش. ثم قال: إنى خاطب
(2)
ومخبرهم أنكم قد رضيتم. أرضيتم؟ قالوا: نعم. فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر القصة. وقال: أرضيتم؟ قالوا: لا. فهمَّ بهم المهاجرون. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم. ثم صعد فخطب الناس. فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم "
(3)
. رواه الخمسة إلا الترمذي.
فهذا يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ بعلمه.
وروي عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قال: " لو رأيت حداً على رجل لم آخذه حتى تقوم البينة ".
(1)
= وأخرجه أبو داود في " سننه "(3583) 3: 301 كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1339) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في التشديد على ما يقضي له بشيء ليس له أن يأخذه.
وأخرجه النسائي في" سننه "(5422) 8: 247 كتاب آداب القضاة، ما يقطع القضاء.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2317) 2: 777 كتاب الأحكام، باب قضية الحاكم لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً.
وأخرجه أحمد فى " مسنده "(26668) 6: 308.
في أ: فلاحاه، وفي ب: فلاجاه. وما أثبتناه من " السنن ".
(2)
في ج: أخاطب.
(3)
أخرجه أبو داود في"سننه"(4534) 4: 181 كتاب الديات، باب العامل يصاب على يديه خطأ.
وأخرجه النسائي في"سننه "(4778) 8: 35 كتاب القسامة، السلطان يصاب على يده.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2638) 2: 881 كتاب الديات، باب الجارح يفتدي بالقود.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(26000) 6: 232.
ولأن تجويز القضاء بعلم القاضي يفضي إلى تهمته، وحكمه بما يشتهي ويحيله على علمه.
إذا تقرر هذا فليس له الحكم بعلمه في غير الصورة التي في المتن، (إلا على) رواية (مرجوحة).
قال (المنقح: وقريب منها) أي: من صورة الحكم بعلمه (العمل) أي: عمل الحكام (بطريق مشروع) أي: بصورة سميت بطريق مشروع وهي: (بأن يُولَّي الشاهدُ الباقي) أي: المتخلف
(1)
بعد موت من كان شهد معه (القضاء للعذر) فيقضي بما سمعه من المقر. قال. (وقد عمل به) أي: بالطريق المشروع (كثير من حكامنا وأعظمهم الشارح) يعني: شارح " المقنع ". (انتهى) كلام المنقح.
وظاهره ولو كانت شهادته على حاكم بحكم أو تنفيذ
(2)
.
(ويَعمل) حاكم (بعلمه في عدالة بينةٍ، وجرحِها) بغير خلاف؛ لأنه لو لم يجز له الحكم في ذلك بعلمه لتسلسل، فإن المزكين يحتاج إلى معرفة عدالتهم أو جرحهما، فإذا لم يعمل في ذلك بعلمه لاحتاج كل واحد من المزكين إلى مزكين [ثم كل واحد منهما إلى مزكين]
(3)
فيتسلسل الأمر، وما نحن فيه بخلاف ذلك.
(ومن جاء) من الأخصام (ببينةٍ فاسقةٍ: استشهدها الحاكم)؛ لئلا يفضحها، (وقال لمدع: زِدْنى شهوداً)، ولم يقبلها؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]
***
(1)
في ب: المختلف.
(2)
في ب: وتنفيذ.
(3)
ساقط من أ.
[فصل: في العدالة]
(فصل. ويعتبر في البينة العدالة ظاهراً، وكذا) تعتبو (باطناً) على الأصح؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: 2]، وقوله سبحانه وتعالى:
{مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} [البقرة: 282]، وقوله سبحانه وتعالى {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
والفاسق: لا وازع له فلا يؤمن منه الكذب فلا تقبل شهادته لذلك.
(لا
(1)
فى عقد نكاح) يعني: وإنما تعتبر العدالة باطناً في غير عقد النكاح.
فلو تبين أن شهود عقد النكاح فساق باطناً لم يبطل النكاح بذلك؛ لما يترتب على ذلك من تحريم الوطء الصادر في ذلك النكاح.
وعنه: تقبل شهادة كل ممسلم لم تظهر منه ريبة. اختارها الخرقي وأبو بكر وصاحب " الروضة "؛لـ " قبول النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابي برؤية الهلال "
(2)
. ولقول عمر رضي الله تعالى عنه: " المسلمون عدول "
(3)
.
ولأن ظاهر المسلم العدالة؛ لأن العدالة أمر خفي سببها الخوف من الله سبحانه وتعالى، ودليل ذلك الإسلام، فإذا وجد فلْيُكتف به ما لم يقم دليل على خلافه.
(1)
في ج: إلا.
(2)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(691) 3: 74 كتاب الصوم، باب ما جاء في الصوم بالشهادة.
وأخرجه النسائى في " سننه "(2112) 4: 131 كتاب الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان.
(3)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى "10: 197 كتاب الشهادات، باب من جرب بشهادة زور لم تقبل شهادته.
فعلى هذه إن جهل إسلامه رجيع إلى قوله.
والعمل على الرواية الأولى.
وقولهم: أن ظاهر المسلم العدالة ممنوع، بل الظاهر عكس ذلك؛ لأن عادة الناس إظهار الطاعات وإسرار المعاصي.
وقول عمر معارَض بما روي عنه " أنه أتي بشاهدين، فقال لهما: لست أعرفكما ولا يضركما أنى لم أعرفكما ".
ولأن الأعرابي الذي قبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بروية الهلال صار صحابياً وهم عدول.
(و) يعتبر على المذهب (في مُزَكّينَ: معرفة حاكم خِبْرتهما الباطنة، بصحبة أو معاملة، ونحوهما)؛ ككونه جاراً لهما. (و) يعتبر أيضاً (معرفتهم) أي: معرفة المزكين (كذلك) أي: كالمعرفة المتقدمة (لمن يُزكُّونه) من شهود الأصل.
(ويكفي) في تزكية الشاهد عدلان بقول كل واحد منهما: (أشهد أنه عدلٌ)؛ لدخوله بذلك في عموم قوله سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: 2].ولا يحتاج أن يقول: أرضاه لي وعليّ؛ لأنه إذا كان عدلاً لزم ما يشهد به على مزكيه وعلى سائر الناس. ولا يكفي في المزكي أن يقول: لا أعلم إلا خيراً.
(وبينة بجَرح مقدَّمةٌ) يعني: أنه لو شهدت بينة بتعديله وبينة بجرحه قدمت بينة الجرح؛ لأن الجارح يخبر بأمر باطن خفي على العدل، وشاهد العدالة يخبر بأمر ظاهر.
ولأن الجارح مثبت للجرج والمعدل ناف، والمثبت مقدم على النافي.
قال في " المبدع ": فرع: إذا عصى في بلده فانتقل عنه فجرحه اثنان في بلده وزكاه اثنان في البلد الذي انتقل إليه قدمت التزكية ويكفي فيه الظن. بخلاف الجرح. انتهى.
(وتعديل الخصم وحده) للشاهد عليه تعديل له في الأصح؛ لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه وقد اعترف بها.
ولأنه إذا أقر بعدالته فقد أقر بما يوجب الحكم لخصمه عليه. فيؤخذ بإقراره، كسائر أقاريره.
(أو تصديقُه) يعني: أن تصديق الخصم (للشاهد) عليه: (تعديل له) يعني: أنه يؤخذ بتصديقه الشاهد؛ كما لو أقر بدون شهادة الشاهد.
(ولا تصحُّ التزكية في واقعة واحدة) فقط، بأن قال المزكي: أشهد أنه عدل في شهادته في هذه القضية فقط في الأصح.
(ومن ثبتت عدالته مرة) في شهادةٍ في قضية ثم حضر فشهد في قضية أخرى (لزم البحث عنها) أي: عن عدالته (مع طول المدة) بين الشهادتين؛ لأن الأحوال تتغير مع طول الزمان. والذي يظهر أن المدة الطويلة ما تتغير فيها الأحوال غالباً. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(ومتى ارتاب) الحاكم (من عدلين- لم يختبرْ قوةَ ضبطِهما و) قوة (دينها- لزمه البحث) عما شهدا به: (بسؤال كل واحد) منهما (منفرداً عن كيفيَّة تحمُّله) بأن يقول له: هل رأيت ما شهدت به، أو أخبرك بذلك مخبر، أو سمعته يقر؟ (ومتى) تحملت الشهادة؟ ليذكر تاريخ التحمل، (وأين) تحملت الشهادة؟ أي: في أيّ مكان من سوق أو دار أو سطح أو نحو ذلك، (و) يسأل (هل تحمَّل وحده؟) أي: هل كان وحده حين التحمل، (أو) كان (مع صاحبه.
فإن اتَّفقا) في مقالتهما (وَعَظَهُما وخوُّفهما) روى أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه قال: " كنت عند مُحارب بن دِثار وهو قاضي الكوفة، فجاء رجل فادعى على رجل حقاً فأنكره. فأحضر المدعي شاهدين شهدا له. فقال المشهود عليه: والذي تقوم به السماء والأرض لقد كذبا عليّ الشهادة. وكان محارب بن دثار متكئاً فاستوى جالساً. وقال سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الطير لتخفق بأجنحتها وترمي ما في حواصلها من هول يوم القيامة، وإن شاهد
الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار. فإن صدقتما فاثبتا، وإن كذبتما فغطيا رؤوسكما وانصرفا. فغطيا رؤوسهما وانصرفا "
(1)
.
(فإن ثبتا) بعد أن وعظهما: (حَكم) بشهادتهما إذا سأله المدعى.
(وإلا) أي: وإن لم يثبتا: (لم يَقْبَلْهما).
قال أحمد رحمه الله تعالى
(2)
: ينبغي للقاضى أن يسأل عن شهودٍ كل قليل، لأن الرجل ينتقل من حال إلى حال. انتهى.
(ومن أقام بينة وسألَ حبسَ خصمِه) حتى تزكى بينته: أجيب إلى حبسه ثلاثة أيام. ويقال له: إن جئت بالتزكية إلى ثلاثة أيام وإلا أطلقناه.
(أو) سأل من أقام بينه على خصمه (كفيلاً به في غير حدٍّ) حتى يزكى شهوده: أجيب إلى ثلاثة أيام.
(أو) سأل من أقام بينة على خصمه بعين (جَعْل مدعىً به بيد عدلٍ حتى تُزَكَّى) بينته أجيب إلى ثلاثة أيام.
(أو أقام) مدعٍ على خصمه (شاهداً بمالٍ، وسأل حبسه حتى يُقيم الآخر: أجيبِ ثلاثةَ أيام) في الأصح فقط؛ لأن في حبسه أكثر من ذلك ضرراً كثيراً.
ولأنها مدة يمكن البحث فيها فلا حاجة إلى أكثر منها. ولا يتعذر على المدعي إحضار المزكين والشاهد الثانى في الغالب أكثر من ثلاثه أيام.
(لا إن أقامه) أي: أقام شاهداً (بغير مال) وسأل حبسه حتى يقيم الآخر في الأصح.
(وإن جَرَحَهَا) أي: جرج البينة (الخصمُ، أو أراد جَرْحَها: كُلّف)
الخصم (به) أي: بالجرح (بينة.
ويُنظر لجرحٍ وإرادتِه ثلاثة أيام)؛ لما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى"10: 122 كتاب آداب القاضي، باب وعظ القاضي الشهود وتخويفهم وتعريفهم عند الريبة.
(2)
في أوب: رحمه الله سبحانه وتعالى.
قال في كتابه إلى أبي موسى الأشعري: " واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه. فإن أحضر بينة أخذتَ له حقه، وإلا استحالت القضية عليه. فإنه أنفى للشك وأجلى للغم ".
(ويلازمه المدَّعِي) في الثلاثة أيام؛ لئلا يهرب فيضيع حقه. (فإن أتى بها) أي: ببينة الجَرح في الثلاثة أيام، (وإلا: حُكم عليه)؛لأن عجزه عن إقامة البينة على الجرح في المدة المذكورة دليل على عدم ما ادعاه من الجرح.
(ولا يُسمع جَرحٌ لم يُبيَّن سببه: بذكرِ قادحٍ فيه) على الأصح (عن رؤية). فيقول جارح: أشهد أنى رأيته يشرب الخمر، أو سمعته يقذف، أو رأيته يظلم الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم، أو يعامل الناس بالربا، (أو استفاضة) أي: يستفيض ذلك عنه. وذلك؛ لأن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شاربِ يسير النبيذ. فوجب أن لا يقبل بمجرد الجرح؛ لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحاً.
ولأن الجرح ينقل عن الأصل. فإن الأصل في المسلمين العدالة، والجرح ينقل عنها. فلا بد أن يعرف الناقل؛ لئلا يعتقد نقله بما لا يراه الحاكم ناقلاً.
(ويُعرّضُ جارحٌ بزنا. فإن صرَّح ولم تكمُل بينته) بأن لم يشهد معه ثلاثة: (حُدَّ) للقذف؛ لقوله سبحانه وتعالى: {لَوْلا جَاؤُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13].
وإن أقام المدعى عليه بينة أن هذين الشاهدين شهدا بهذا المدعى به عند حاكم فردت شهادتهما لفسقهما بطلب شهادتهما؛ لأن الشهادة إذا رُدّت لفسق لم تقبل مرة ثانية.
(وإن جَهلَ) الحاكم (لسانَ خصم: تَرجم له) أي: للحاكم عن الخصم (من يعرفُه) أي: من يعرف لسان الخصم.
قال أبو حمزة: " كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس ".
و" أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت فتعلم كتاب اليهود. قال: حتى كنت أكتب
للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرا له كتبهم إذا كتبوا إليه "
(1)
. رواه أحمد والبخاري.
(ولا يقبل في ترجمة، و) في (جرح، و) في (تعديل، و) في (رسالة، و) في (تعريفٍ عند حاكم) إذا كان ذلك كله (في) حد (زناً، إلا أربعة) أي: أربعة رجال موصوفون بالصفة المذكورة في باب حد الزنا.
(و) لا يقبل (في غير مال)؛ كنكاح وطلاق ونسب وقذف وقصا ص في ترجمة وجرح وتعديل ورسالة وتعريف عند حاكم، (إلا رجلان) على الأصح؛ لأنه نقلُ ما يخفى على الحاكم بما يستند الحاكم إليه. فوجب العدد فيه؛ كالشهادة عليه.
(و) لا يقبل (في مال إلا رجلان أو رجل وامرأتان) على الأصح. (وذلك شهادة يعتبر فيه) أي: فيمن يترجم، أو يجرح، أو يعدل، أو يرسل، أو يعرّف، (وفيمن رتَّبَهُ حاكمٌ. يسأل سِراً عن الشهود، لتزكيةٍ أو جَرح شروط الشهادة. وتجب المشافهة) وحيث كان الأمر كما ذُكر فيكتب للمرتب للسؤال عن الشهود أسماءهم، وصنائعهم، ومعايشهم، وموضع مساكنهم، وصلاتهم ليسأل عنهم جيرانهم وأهل سوقهم ومسجدهم ومحلتهم. وحلاهم فيكتب أسود أو أبيض، أو أنزع أو أغم، أو أشهل أو أكحل، أقنى الأنف أو أفطس، رقيق الشفتين أو غليظهما، طويل أو قصير أو رَبْعة ونحو هذا التمييز. ولا يقع اسم على اسم، ويكتب المشهود له والمشهود عليه وقدر الحق، ويكتب ذلك كله لأصحاب مسائله لكل واحد رقعة. وإنما ذكرنا المشهود له؛ لئلا يكون بينه وبين الشاهد قرابة تمنع الشهادة أو شركة. وإنما ذكرنا اسم المشهود عليه " لئلا يكون بينه وبين الشاهد عداوة. وذكرنا قدر الحق؛ لأنه ربما كان ممن يرون قبوله في اليسير دون الكثير فتطيب نفس المزكي به إذا كان يسيراً ولا يطيب به إذا كان كثيراً. وينبغي للقاضي أن يخفي عن كل واحد من أصحاب مسائله ما يعطي الآخر من الرقاع " لئلا يتواطؤا. وإن شاء الحاكم عين لصاحب مسائله من يسأله
(1)
أخرجه أبو داود في"سننه"(3645) 3: 318 كتاب العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب.
وأخرجه أحمد في "مسنده "(21658) 5: 186 ولم أره في البخاري.
ممن يعرفه من جيران الشاهد وأهل الخبرة به، وإن شاء أطلق ولم يعين المسؤول. ويكون السؤال سراً؛ لئلا يكون فيه هتك المسؤول عنه. وربما يخاف المسؤول من الشاهد والمشهود له أو المشهود عليه أن يخبر بما عنده أو يستحيي.
وينبغي أن يكون أصحاب مسائله غير معروفين؛ لئلا يقصدوا بهدية أو رشوة، وان يكونوا أصحاب عفاف في الطعمة والأنفس ذوي
(1)
عقول وافرة، أبرياء من الشحناء والبغضة؛ لئلا يطعنوا في الشهود، أو يسألوا عن الشاهد عدوه فيطعن فيه فيضيع حق المشهود له، ولا يكونون من أهل الأهواء والعصبية يميلون إلى من وافقهم على من خالفهم، ويكونون أمناء ثقات؛ لأن هذا موضع أمانة.
فإذا رجع أصحاب مسائله فأخبر اثنان بالعدالة قَبل شهادته وإن أُخبر بالجرح رَد شهادته، وإن أخبر أحدهما بالجرح والآخر بالتعديل بعث آخرين فإن عاد فأخبر بالتعديل تمت بينة التعديل وسقط الجرح؛ لأن البينة لم تتم وإن أُخبر بالجرح ثبت وردت الشهادة بالتعديل.
(ومن نُصِبَ للحكم بجرح، أو) نصب للحكم بـ (تعديل، أو) نصب بـ (سماع بينة: قَنِعَ الحاكم بقوله وحده: إذا قامت البينة عنده)؛ لأنه حاكم.
فاكتفي بإخباره؛ كغيره من الحكام.
(ومن سأله حاكم عن تزكية من شهد عنده: أخبره) وجوباً.
(وإلا) أي: وإن لم يسأله الحاكم: (لم يجب) عليه إخباره؛ لأن ذلك لم يتعين عليه.
***
(1)
في ج: ذي.
[فصل: إذا لم يكن للمدعي بينية]
(فصل. وإن قال المدَّعي: ما لي بينة، فقول منكر بيمينه) على صفة جوابه.
(إلا النبي صلى الله عليه وسلم إذا ادَّعى) على غيره (أو ادُّعي عليه: فقوله بلا يمين)؛ لعصمته.
(فيُعلمه) أي: يعلم المدعى (حاكمٌ بذلك) أي: بأنه ليس له على خصمه إلا اليمين؛ لما روى وائل بن حجر " أن رجلاً من حضرموت ورجلاً من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الحضرمي: إن هذا غلبني على أرض ورثتُها من أبي. وقال الكندي: أرضي وفى يدي لا حق له فيها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه. قال: إنه لا يتورع من شيء. قال: ليس لك إلا ذلك "
(1)
. رواه مسلم بمعناه.
(فإن سأل) المدعي (إحلافه) أي: إحلاف خصمه المنكر (ولو عَلِمَ) حالة إحلافه (عدمَ قدرتِه) أي: قدرة المنكر (على حقّه.- ويُكره) له إحلافه في هذه الحالة-: (أُحلف على صفة جوابه). نص عليه.
وعه: بصفة الدعوى.
وعنه: يكفي تحليفه: لا حق لك عليّ.
أما كونه يكره له إحلافه في الحالة المذكورة؛ فلأنه ربما يضطره إلى اليمين لخوفه على نفسه من الحبس إذا أقر لعسرته.
وأما كون حلفه يكون على صفه جوابه على الأصح؛ لأنه لا يلزمه أكثر من ذلك الجواب فيحلف عليه.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(139) 1: 123 كتاب الأيمان، باب وعيد من اقتطع حق المسلم بيمين فاجرة بالنار.
(و) إذا حلف (خُلّيَ)[سبيله؛ لأنه لم يبق علمه شئ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لغريم الكندي: " ليس لك إلا ذلك]
(1)
"
(2)
.
(وتحرُم دعواه)[أي: دعوى المدعي]
(3)
بما ادعاه أولاً (ثانياً وتحليفُه) أيضاً (كبريءٍ).
قال في " الإنصاف ": ظاهر قوله: أَحلفه وخلَّى سبيله؛ أنه لا يحلفه ثانياً بدعوى أخرى. وهو صحيح. وهو المذهب مطلقاً فيحرم تحليفه. أطلقه المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في " الفروع ".
وقال في " المستوعب " و " الترغيب " و"الرعاية": له تحليفه عند من جهل حلفه عند غيره؛ لبقاء الحق. بدليل أخذه ببينة. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
(ولا يُعتدُّ بيمين) حلفها المنكر (إلا) إن كانت (بأمر حاكمٍ بسؤال مدَّعٍ طَوْعاً). فلو أحلفه الحاكم من غير سؤال المدعي، أو بسؤال المدعي مكرهاً، أوحلف المنكر من تلقاء نفسه لم تسقط عنه اليمين؛ لأن تحليفة حق للمدعي فلا يستوفيه غيره. وإذا لم يسأل تحليفه لم يكن مستوفياً لحقه. فإذا سأل المدعي الحاكم إعادتها أعادها؛ لأن الأولى لم تكن يمينه الواجبة له.
(ولا يَصِلُها) أي: يصل الحالف اليمين (باستثناء).
قال في " الإنصاف ": يشترط في اليمين أن لا يصلها باستثناء.
وقال في " المغني ": وكذا بما لا يفهم؛ لأن الاستثناء يزيل حكم اليمين.
وقال في " الترغيب ": هي يمين كاذبة.
وقال في "الرعاية": لا ينفعه الاستثناء إذا لم يسمعه الحاكم المحلف له. انتهى.
(وتحرمُ تَوْرِيَةٌ) وهي: إطلاق لفظٍ له معنيان قريب وبعيد، ويراد بالبعيد اعتماداً على قرينة خفية.
(1)
ساقط من أ.
(2)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(3)
ساقط من أ.
(و) يحرم أيضاً (تأويل) وهو: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره.
وقال النواوي
(1)
في " تهذيب الأسماء واللغات ": التأويل قال العلماء: هو صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله. أوجبه برهان قطعي في القطعيات وظني في الظنيات.
(إلا لـ) حالف (مظلوم).
قال في "الفروع ": وقال في "الترغيب ": كل ما ليس بجار في محل الاجتهاد فالنية على نية الحاكم المحلّف واعتقادِه فالتأويل على خلافه لا ينفع. انتهى.
(و) يحرم أيضاً (حلف معسرٍ خاف حبساً) إن أقر بما عليه: (أنه لا حقَّ له عليَّ، ولو نوى) أنه لا حق له عليَّ؛ لكونى معسراً (الساعة) أي: في هذه الساعة.
قال في " الإنصاف ": لا يجوز أن يحلف المعسر: لا حق له عليَّ ولو نوى الساعة، سواء خاف أن يحبس أو لا. نقله الجماعة عن أحمد، وجوّزه صاحب " الرعاية " بالنية.
قال في " الفروع ": وهو متجه.
قلت: وهو الصواب إن خاف حبساً. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
[(و) يحرم أيضاً حلف (من عليه) دين (مؤجَّل أراد غريمه منْعَه من سفر)؛ لأنه لا حق عليه الساعة.
قال في " الإنصاف "]
(2)
: ولا يجوز أيضاً أن يحلف من عليه دين مؤجل، إذا أراد غريمه منعه من سفر. نص عليه.
قال في " الفروع ": ويتوجه كالتي قبلها. انتهى.
ووجه المذهب والله أعلم: أنه وإن لم يلزمه دفعه الساعة لكونه معسراً، أو
(1)
في ج: النووي.
(2)
ساقط من أ.
يكون الدين مؤجلاً لم يصح نفيه؛ لبقائه في ذمته. فيبهون كاذباً في يمينه.
(ولا يحلف) مدعى عليه أنه لاحق له علي (في) شيء (مختلف فيه لا يعتقده) المدعى عليه حقاً، (نصاً) أي: نص على كونه لا يحلف في ذلك الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه. (وحمله الموفَّق) أي: وحمل الشيخ موفق الدين نص الإمام أحمد المتقدم (على الورَع) دون الحرمة.
(ونُقل عنه) أي: عن الإمام أحمد: (لا يعجبني) يعني: أن يحلف على ما لا يعتقده.
ومن أمثلة ذلك: لو باع شافعي حنبلياً لحماً ترك ذكر اسم الله عليه عند ذبحه عمداً بدينار مثلاً، فطالبه البائع عند الحاكم بدينار يستحقه في ذمته فأجابه المشتري بأنه
(1)
لا حق له عليّ فالتمس يمينه على حسب جوابه. فقال الإمام أحمد: لا يحلف؛ لأنه يقتطع بهذه ما يعتقده المدعي مالاً عنده. وحمل الموفق النص على الورع؛ لأن المدعى عليه لا يعتقد أن في ذمته شيئاً، لعدم صحة بيع ذلك في اعتقاده.
(وتوقَّف فيها) أي: في هذه المسألة وهي: ما إذا تخالف فيها اعتقاد المدعي والمدعى عليه (فيمن عامل بحيلةٍ كعينة) أي: كمسألة العينة إذا رأى أحد المتعاملين حرمتها دون الآخر.
قال في " الفروع " في الشفعة: ولو قدم من لا يراها لجار إلى حاكم
(2)
لم يحلف وإن أخرجه خرج. نص عليه.
وقال أيضاً: لا يعجبني الحلف على أمر
(3)
اختلف فيه.
قال القاضي: لأن يمينه هنا على القطع ومسائل الاجتهاد ظنية. وحمله الشيخ على الورع، وأن للمشتري الامتناع به من تسليم المبيع باطناً.
وقال شيخنا: توقف أحمد فيمن عامل بحيلة ربوية هل يحلف أنه ما عليه إلا
(1)
في ب: أنه.
(2)
في ج: الحاكم.
(3)
في ج: وقال: لا يعجبني الحلف على من.
رأس ماله؟ نقله حرب. انتهى كلامه في " الفروع ".
ومتى أمسك مدع عن إحلاف خصمه المدعى عليه ثم أراد إحلافه بالدعوى المتقدمة كان له ذلك؛ لأنه لم يَسقط حقه منها وإنما أخرها.
(فلو أُبرئ منها) بأن قال المدعي للمدعى عليه: أبرأتك من هذه اليمين: (برئ) المدعى عليه منها (في هذه الدعوى) وسقط حقه من تحليفه في هذه الدعوى المتقدمة. (فلو جدَّدها) أي: استأنف الدعوى عليه فأنكر، (وطلب) المدعي (اليمين: كان له ذلك)؛ لأن حقه لم يسقط بالإبراء من اليمين، وإن حلف لم يكن للمدعي أن يحلفه مرة أخرى.
(ومن لم يَحلف) يعني: ومتى امتنع المدعى عليه من اليمين، (قال له حاكم: إن حلفت، وإلا قضَيت عليك بالنُّكول). نص عليه أحمد.
قال في " المقنع ": واختاره عامة شيوخنا.
(ويُسن تكرارُه) فيقول: إن حلفت وإلا قضيت عليك (ثلاثاً) أي: ثلاث مرات. (فإن لم يحلف: قضى عليه) القاضي (بشرطه) وهو أن يسأله المدعي ذلك.
والأصل في ذلك: ما روى أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
(1)
" أنه باع زيد بن ثابت عبداً. فادعى عليه زيد أنه باعه إياه عالماً بعيبه. فأنكره ابن عمر. فتحاكما إلى عثمان رضي الله تعالى عنه. فقال عثمان لابن عمر: احلف أنك ما علمتَ به عيباً. فأبى ابن عمر أن يحلف فرد عليه العبد "
(2)
.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اليمين على المدعى عليه "
(3)
. فحصرها في جهته
فلم تشرع لغيره. وهذا مذهب أبي حنيفة.
(وهو) أي: النكول (كإقامة بينة) بموجب الدعوى على ناكلٍ،
(1)
في أ: عنه.
(2)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى" 5: 328 كتاب البيوع، باب بيع البراءة.
(3)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(1341) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
(لا كإقرار) في الأصح؛ لأن الناكل قد صرح بالإنكار، وأن المدعي لا يستحق المدعى به وهو مصرٌّ على ذلك متورع عن اليمين. فكيف يقال إنه مقر مع إصراره على الإنكار ويجعل مكذباً لنفسه، وأيضاً فإن الإقرار إخبار وشهادة المرء على نفسه فكيف يجعل مقراً شاهداً على نفسه بسكوته.
(ولا كبَذْل) في الأصح؛ لأن البذل إباحة وتبرع وهو لم يقصد ذلك ولم يخطر على قلبه، وقد يكون المدعى عليه مريضاً مرض الموت. فلو كان النكول بذلاً أو إباحة اعتبر خروج المدعى به من الثلث. فيتبين أنه لا إقرار ولا إباحة وإنما هو جار مجرى الشاهد أو البينة، فإن البينة اسم لما بيّن الحق. ونكوله مع تمكنه من اليمين الصادقة التي يبرأ بها من المدعى به ويخلص بها من خصمه فى دليل ظاهر على صحة دعوى خصمه، وبيان أنها حق فقام مقام شاهد القرائن. ذكر ذلك أو معناه الشيخ شمس الدين ابن القيم في كتابه
(1)
المسمى بـ " الطرق الحكمية ".
(لكن) يدخل في عموم كلام الشيخ شمس الدين ابن القيم أن الصحيح أن النكول يقوم مقام الشاهد والبينة، لا مقام الإقرار ولا البذل صورة وهي: أنه لما تقرر أن المحجور عليه لفلس يتعلق حق غرمائه الذين أرادوا حجره من الحاكم بماله، فلا يقبل إقراره عليه لغيرهم، ولو قال أن الذي أقر به سابق على حجره بخلاف ما إذا ادعي عليه بمال لزم ذمته في زمن سابق على حجره وأقام المدعي بسبقه على الحجر بينة، فإنه يشاركهم في مال المحجور عليه وقت حجره. فإذا ادعى عليه إنسان بمائة اقترضها قبل حجره فأنكر المحجور عليه ذلك ولم يكن للمدعي بينة فالتمس يمين المحجور عليه أنه ما اقترض ذلك منه: قبل حجره فنكل عن اليمين فقضى عليه القاضى بمقتضى نكوله فإنه يشاركه. والحال: أنه (لا يُشارك من قضي له به) أي: بالنكول (على محجور لفلس، غُرماءَه) أي: غرماء المحجور عليه الذين حجر بطلبهم؛ لاحتمال تواطئ المحجور عليه مع المدعي على الدعوى والإنكار والنكول عن اليمين ليقتطعوا بذلك حق الغرماء من مال المحجور عليه وقت حجره.
(1)
في أ: كتاب.
(وإن قال مدَّعٍ) أنكر خصمه وسُئل عن البينة: (لا أعلم لي بينة، ثم أتى بها) أي: أتى ببينة سُمعت، لأنه يجوز أن تكون له بينة لا يعلمها ثم علمها.
ولأن نفي العلم بها ليس بنفي لها فلا يكون مكذباً لها.
(أو قال عدلان: نحن نشهد لك، فقال: هذه بينتي سُمعت)، لما ذكرنا.
(لا إن قال) المدعي: (ما لي بينة ثم أتى بها) فإنها لا تسمع. نص على ذلك.
قال في"الإنصاف": وهو المذهب. نص عليه وجزم به في"المغني"و"الكافي"و
"الترغيب"و"الوجيز"و" الهداية"و"المذهب"و"الخلاصة"وغيرهم. وقدمه في"المحرر" و"الشرح "و"الرعايتين"و"الحاوي الصغير"و"الفروع"وغيرهم. وهو من مفردات المذهب. انتهى.
(أو قال) من قامت له بينة: (كذب شهودي، أو قال) مَنِ البينة في جهته: (كلُّ بينةٍ أُقيمُها فهى زُور، أو) هي (باطلة، أو) قال: فـ (لا حق لي فيها): لم تقبل منه بينة؛ لأنه مكذبٌ لها، ولإقراره أنه لا حق له فيها، أو أنها زور، أو أنها باطلة. (ولا تبطُل دعواه بذلك) في الأصح. فله تحليف المدعى عليه.
(ولا تُرَدُ) البينة (بذكرِ السبب) الذي سكت المدعي عنه في دعواه؛ لأنه لا منافاة بين الدعوى التي لم يذكر فيها السبب والبينة التي ذكرت السبب، (بل) ترد (بذكر سببٍ ذكر المدعي) في دعواه سبباً (غيره)، كما لو طالبه المدعي بألف قرضاً فشهدت البينة أن ذلك أجرة أو ثمن مبيع أو غصب؛ لوجود المنافاة بين ما ادعاه وبين ما شهدت به البينة.
(ومتى شهدت) البينة (بغير مدَّعىً به)؛كما لو ادعى بدنانير فشهدت بدراهم، أو ادعى أنه غصبه فرساً فشهدت أنه غصبه بغلاً ونحو ذلك (فهو) أي: فالدعوى (مكذّبٌ لها) فيما شهدت به فلا تسمع في الأصح.
قال في"الفروع ": ولو ادعى شيئاً فشهدوا له بغيره فهو مكذب لهم. قاله أحمد وأبو بكر. واختار في " المستوعب ": تُقبل فيدعيه ثم يقيمها. وفيه وفي
" الرعاية ": إن قال: أستحقه وما شهدوا به وإنما ادعيت بأحدهما لأدعي الآخر وقتاً آخر ثم ادعاه ثم شهدوا به قبلت. انتهى كلامه في " الفروع ".
(ومن ادَّعى شيئاً: أنه له) أي: أنه يملكه (الآن، لم تُسمع بيّنتُه) إذا شهدت: (أنه كان له أمس، أو) كان (في يده) أمس في الأصح، (حتى تُبين) البينة (سبب يد الثانى، نحو: غاصبةٍ.
بخلاف ما لو شهدت) البينة: (أنه كان مِلْكَهُ بالأمس، اشتراه من ربّ البلد فإنه يُقبل). قاله في " الإنصاف ".
وقال الشيخ تقي الدين: إن قال: ولا أعلم له مزيلاً قُبِل، كعلم الحاكم بلبس عليه.
وقال أيضاً: لا يعتبر في أداء الشهادة قوله: وأن الدَّين باق في ذمة الغريم إلى الآن. بل يحكم الحاكم باستصحاب الحال إذا ثبت عنده سبق
(1)
الحق إجماعاً.
وقال أيضاً: فيمن بيده عقار فادعى رجل بثبوته
(2)
عند الحاكم: أنه كان لجده إلى موته ثم لورثته ولم يثبت أنه مخلف عن موروثه لا ينزع [منه بذلك؛ لأن الأصلين تعارضا وأسباب انتقاله أكثر من الإرث، ولم تجر العادة بسكوتهم المدة الطويلة. ولو فتح هذا لانتزع]
(3)
كثير من عقار الناس بهذه الطريق.
وقال: فيمن بيده عقار فادعى آخر أنه كان ملكاً لأبيه فهل تسمع بغير بينة؟
قال: لا تسمع إلا بحجة شرعية، أو إقرار من هو في يده أو تحت حكمه.
وقال في بينة شهدت له بملكه إلى حين وقفه وأقام الوارث بينة: أن موروثه اشتراه من الواقف قَبْل وقفه: قدمت بينة وارث؛ لأن معها مزيد علم؛ كتقديم من شهد بأنه ورثه من أبيه وآخر أنه باعه. انتهى.
(1)
في ج: بسبب.
(2)
في أوب: بمثبوت.
(3)
ساقط من أ
(ومن ادُّعي عليه بشيء، فأقرَّ) المدعى عليه (بغيره: لزمه) أي: لزم المدعى عليه ما أقر به للمدعى عليه (إذا صدّقه المقَرُّ له. والدعوى) بما ادعاه المدعي (بحالها). نص عليه فللمدعي تحليفه وله إقامة البينة بدعواه.
(وإن سأل) مدع له بينة بدعواه (إحلافَه) أي: إحلاف المدعى عليه (ولا يُقيمُها) أي: ولا يقيم بينة (فحلف) المدعى عليه: (كان له) أي: للمدعي (إقامتُها) أي: إقامة البينة بعد قوله للمدعى عليه: احلف ولا أقيمها في الأصح من الوجهين؛ لأن البينة لا تبطل بالاستحلاف؛ كما لو كانت غائبة عن البلد. وإن كان للمدعي شاهد واحد بالمال عرفه الحاكم أن له أن يحلف مع شاهده ويستحق. فإن قال: لا أحلف وأرضى أنا بيمينه استحلف له، فإذا حلف سقط الحق عنه. فإن عاد المدعي بعدها وقال: أنا احلف مع شاهدي لم يستحلف ولم يسمع منه.
قال في " شرح المقنع ": ذكره القاضي. وهو مذهب الشافعي؛ لأن اليمين فعله وهو قادر عليها فأمكنه أن يسقطها. بخلاف البينة. وإن عاد قبل أن يحلف المدعى عليه فبذل اليمين لم يكن له ذلك في هذا المجلس. انتهى.
فأما إن وجد المدعي شاهداً آخر فشهدا عند القاضي بحقه كملت بينته وقضي له بها.
(وإن قال) المدعي: (لي بينة وأُريد يمينه، فإن كانت) البينة (حاضرة بالمجلس فليس له إلا أحدهما) أي: أن يقيم البينة أو تحليف خصمه في الأصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه. ليس لك إلا ذلك"
(1)
.و"أو"للتخيير بين شيئين. فلا يكون له الجمع بينهما.
ولأنه أمكن فصل الخصومة بالبينة. فلم يشرع غيرها معها مع إرادة المدعي إقامتها وحضورها؛ كما لو لم يطلب يمينه.
ولأن اليمين بدل. فلم يجب الجمع بينها وبين مبدلها؛ كسائر الأبدال مع مبدلاتها.
(1)
سبق تخريجه ص (284).
(وإلا) أي: وإن لم تكن البينة حاضرة بالمجلس: (فله ذلك)؛لقول عمر رضي الله تعالى عنه: " البينة الصادقة أحب إليّ من اليمين الفاجرة ".
وظاهر هذه البينة الصدق ويلزم من صدقها فجور اليمين المتقدمة فتكون أولى.
ولأن كل حالة يجب عليه الحق فيها بإقراره يجب عليه البينة كما قبل اليمين. (وإن سأل) المدعي (ملازمتَه) أي: ملازمة المدعى عليه (حتى يُقيمها) أي: يقيم بينته: (أُجيب) إن كانت بينته بمحل يمكن إحضارها منه (في المجلس) في الأصح؛ لأنه لا ضرر على المدعى عليه بذلك.
ولأن ذلك من ضرورة إقامة البينة فإنه لو
(1)
لم يتمكن من ملازمته لذهب من مجلس الحاكم، ولا يمكن إقامتها إلا بحضرته.
ولأنه لما تمكن من إحضاره مجلس الحكم حتى يقيم البينة عليه تمكن من ملازمته فيه حتى يحضر البينة. وتفارق البينة البعيدة ومن لا يمكن حضورها، فإن إلزامه الإقامة إلى حين حضورها يحتاج إلى حبس أو ما يقوم مقامه ولا سبيل إليه.
(فإن لم يُحضِرْها فيه) أي: يحضر المدعي البينة في المجلسلى: (صرَفَه) ولم يكن له ملازمة خصمه. نص عليه أحمد؛ لأنه لم تثبت له قبله حق يحبس به ولا يقيم به كفيلاً.
ولأن الحبس عذاب فلا يلزم معصوماً ما لم يتوجه عليه حق. ولو جاز ذلك لتمكن كل ظالم من حبس ما شاء من الناس من غير حق.
(وإن سألها) أي: سأل المدعى ملازمة خصمه (حتى يَفرُغَ له الحاكم من شغله مع غيبةِ بينته وبُعدِها) بضم الباء. يعني: ومع بعدها: (أُجيب) في الأصح.
قال الميمونى حكاية عن الإمام أحمد: لم أره يذهب في الملازمة إلى أن
(1)
في ج: إن.
يعطله
(1)
من عمله، ولم يمكن أحداً من عنت خصمه
(2)
.
(وإن سكت مدعىً عليه) بأن لم يقر بالدعوى ولم ينكرها، (أو قال) المدعى عليه:(لا أُقِرُّ ولا أُنكر، أو) قال: (لا أعلم قدر حقّه ولا بينة) للمدعي بما ادعاه (قال الحاكم) للمدعى عليه في الأصح: (إن أجبتَ، وإلا جعلتُك ناكلاً وقضيتُ عليك. ويُسن تكرارُه ثلاثاً) فإن أجاب وإلا جعله ناكلاً وحكم عليه؛ لأنه ناكل عما توجه عليه الجواب فيه. فيحكم عليه بالنكول عنه؛ كالنكول عن اليمين.
(ولو قال) المدعى عليه في جوابه للمدعي: (إن ادعيت ألفاً بِرهنِ كذا لي. بيدك: أجتـ) ـك، (أو) قال:(إن ادعيت هذا) المبلغ (ثمن
(3)
كذا بِعتَنيه ولم أقبضه: فنعم، وإلا) فإن ادعيت من غير ذلك:(فلا حقَّ عليَّ) لك قبلي (فجواب صحيح).
قال في "شرح المحرر": لأنه مقر له على قيدٍ يحترز به عما سواه منكراً له فيما سواه.
(لا إن قال) المدعى عليه في جوابه: (لي مَخرجٌ مما ادَّعاه) فإنه لا يكون جواباً صحيحاً؛ لأن الجواب أحد أمرين: إما إقرار أو إنكار. وليس هذا واحد منهما.
ولأن المَخرج من الدعوى. أعم من أن يكون له قبله شيء وقضاه أو أبرأه، ومن أن يكون لا حق له عليه وغير ذلك فلا يكون جواباً لذلك.
(وإن قال) المدعى عليه في جوابه: (لي حسابٌ أريد أن أنظر فيه) وسأل الإنظار أنظر ثلاثة أيام في الأصح وللمدعي ملازمته فيها؛ لأن ما يدعيه ممكن فتكليفه الإقرار في الحال إلزام له بما لا يتحققه؛ لأنه يجوز أن يكون له حق
(1)
في ج: يعطيه.
(2)
في ج: أحداً من عنت الحذر به.
(3)
في ج: بثمن.
لا يعلم به، ويخاف إن حلف عليه كاذباً وأن لا يكون عليه حق فيقر بما ليس عليه. فوجب إنظاره قدراً من الزمان لا ضرر على المدعي في إنظاره إليه وهو ثلاثة أيام جمعاً بين الحقين.
(أو) قال المدعى عليه (بعد ثبوت الدعوى) عليه (ببينة: قضَيْتُه) أي: قضيت المدعى به ولي بينة بقضائه، (أو) قال:(أبرأني) منه المدعي، (ولي بينة به) أي: بإبرائه (وسأل الإنظار: لزم إنظارُه ثلاثة أيام) فقط؛ لأن ما زاد على ذلك يكون تأخير الحق المستحق بلا ضرورة؛ لأنه يدعي محتملاً. فلو ألزمناه بالحق في الحال لكان ذلك تضييعاً لحقه. فوجب إنظاره قدراً يمكنه فيه تحصيل شهوده وغالبه ثلاثة أيام؛ لأن ما زاد على ذلك يكون تأخير الحق المستحق بلا ضرورة.
(وللمدَّعي ملازمتُه) زمن الإنظار، لئلا يهرب ولا يؤخر الحق عن المدة التي أُنظرها.
(ولا يُنظَرُ إن قال: لي بينة تدفع دعواه). ذكره الأصحاب ولم يذكروا فيه خلافا. (فإن عجز) المدعى عليه عن بينة بالقضاء أو بالإبراء في المدة المنتظر فيها: (حلف المدَّعِي على نفي ما ادَّعاه) المدعى عليه من القضاء أو الإبراء، (واستحقَّ) ما ادعى به. (فإن نكل) عن اليمين على ذلك:(حُكم عليه) بنكوله (وصُرِف)؛ لأنه منكر وجبت عليه اليمين. فنكل عنها فحكم عليه بالنكول؛ كما لو كان مدعى عليه ابتداء.
(هذا) كله يعني: قبول بينته إن أحضرها والقضاء بنكول المدعي وغير ذلك مما تقدم ذكره: (إن لم يكن) المدعى عليه (أنكر سبب الحق) ابتداء: (فأمَّا إن أنكره
(1)
ثم ثبت، فادَّعى قضاء أو) ادعى (إبراءً) صدر من المدعي (سابقاً على) زمن (إنكاره) أي: إنكار المدعى عليه: (لم يُقبل) ما يدعيه من ذلك؛ كما لو ادعى عليه ألفاً من قرض فيقول: ما اقترضت منه شيئاً، أو من ثمن مبيع
(1)
في ج: إن كان أنكره.
فيقول: ما اشتريت منه شيئاً ثم ثبت أنه اقترض أو اشترى ببينة أو إقرار فيقول: قضيته من قبل هذا الوقت، أو أبرأنى من قبل هذا الوقت فإنه لا يقبل منه ذلك.
(وإن أقام به) أي: القضاء أو الإبراء (بيّنة) على الأصح. نص عليه؛ لأن القضاء أو الإبراء لا يكون إلا عن حق سابق. فإنكار الحق يقتضي نفي القضاء أو الإبراء مثه، فيكون مكذباً لدعواه فلا تسمع لذلك. واحترز بقوله: سابقاً على إنكاره؛ كما لو ادعى قضاءً أو إبراء بعد إنكاره فإنه تسمع دعواه بذلك وتقبل بينته؛ لأن قضاءه بعد إنكاره كالإقرار به فيكون قاضياً لما هو مقر به. فتسمع دعواه به؛ كغير المنكر. وإبراء المدعي بعد الإنكار إقرار بعدم استحقاقه بذلك فلا تنافي بين إنكاره وإبراء المدعي فتسميع البينة بذلك.
(وإن قال مدَّعىً عليه بعين) كانت بيده مجيباً لمدعيها: (كانت بيدِك) أمس، (أو) قال له: كانت (لك أمس، لزمه) أي: لزم المدعى عليه (إثبات سبب زوالء يده) أي: يد المدعي عن العين المدعى بها؛ لأن الأصل بقاء اليد أو بقاء الملك. فإن عجز عن إثبات سبب زوال اليد حلف المدعي أن العين باقية في ملكه لم تخرج عنه بوجه وأخذها.
***
[فصل: إذا أقر بالعين لغير المدعي]
(فصل. ومن ادُّعي عليه عيناً بيده) ولا بينة لمدعيها، (فأقرَّ) المدعى عليه (بها) أي: بالعين المدعى بها (لحاضرٍ مكلفٍ) غير المدعي: (جُعل) المقَرُّ له بها (الخصم فيها)، لأن من بيده العين اعترف أن يده نائبة عن يد من أقر له بها، وإقرار الإنسان بما في يده لغيره إقرار صحيح، (وحُلّف مدعى عليه) أنها ليست للمدعي إن صدقه المقر له، وإلا فلا، لعدم التفويت في الأصح. (فإن نكل) المدعى عليه عن اليمين:(أُخذ منه) أي: أخذ المدعي منه (بدلُها)؛ كما لو أقر للمدعي بها بعد أن أقر بها لغيره. فإن من قال: هذه العين لزيد ثم قال: هي لعمرو فإنها تدفع لزيد ويغرم قيمتها لعمرو. ومن لزمه الغرم مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار.
فعلى هذا إن نكل عن اليمين مع طلبها أخذ منه مع النكول بدلها. (ثم إن صدقه المقَر له) أي: صدق المقَر له المقِر أن العين ملكه (فهو) أي: فالمقر له (كأحد مدَّعِيَيْن على ثالث أقرَّ له الثالثُ، على ما يأتي) في باب الدعاوى والبينات.
(وإن قال) مدعى عليه عين في يده: (ليست لي ولا أعلَمُ لمن هي؟) وجُهل لمن هي سُلمت لمدع، (أو قال ذلك المُقَرُّ له) بأن أقر المدعى عليه بالعين لإنسان فقال المقر له: ليست لي ولا أعلم لمن هي؟ (وجُهل لمن هي سُلمّتْ لمدَّعٍ) في الأصح؛ لأنه يدعيها ولا منازع له فيها.
ولأن من هي في يده لو ادعاها ثم نكل
(1)
قضينا له بها. فمع عدم ادعائه لها أولى.
(1)
في ج: ونكل.
(فإن كانا)
(1)
أي: كان مدعيها (اثنين: اقترعا عليها) في الأصح. فمن خرجت له القرعة أخذها وحلف لصاحبه
(2)
.
(وإن عاد) المقر (ادَّعَاها) أي: العين (لنفسه، أو) ادعاها (لثالث)[في الأصح]
(3)
غير المدعي وغير المقَر له [أوّلاً لم يقبل]
(4)
، (أو عاد المقَرُّ له أولاً إلى دعواه ولو قبل ذلك) أي: قبل أن يدعيها المقِر لنفسه في الأصح: (لم يُقبل).
مثال ذلك: لو ادعى زيد داراً بيد عمرو. فقال عمرو: الدار لبكر وبكر حاضر مكلف صار بكر هو الخصم في الدار وصاحب اليد عليها؛ لأن عمراً اعترف أن يده نائبه عن يد بكر، وإقرار الإنسان بما في يده إقرار صحيح فيصير خصماً للمدعي. وحلف عمرو لريد أنها ليست له حيث لا بينة لزيد. فإن نكل عمرو عن اليمين أخذ منه زيد بدلها؛ لأنه لو أقر له بها لزمه؛ كما لو قال: هذه العين لزيد ثم قال: هي لعمرو فإنها تدفع إلى زيد ويغرم قيمتها لعمرو.
ومن لزمه الغرم مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار.
فعلى هذا إن نكل عن اليمين مع طلبها أخذ منه بدلها، ثم إن صدق بكر عمرو على إقراره له بالدار، فإن بكراً يكون كأحد مدعيين على ثالث بعين فأقر له الثالث دون رفيقه بالعين على ما يأتى في باب الدعاوى والبينات. وإن كان عمرو قال في جواب دعوى زيد عليه بالدار: ليست لي ولا أعلم لمن هي؟ أو قال ذلك بكر المقَر له وجُهل لمن هي: سُلّمت لزيد في الأصح بلا بينة؛ لأنه لا منازع له فيها.
ولأن عمراً لو ادعاها لنفسه ثم أقر بها لزيد قضي لزيد بها. فمع عدم ادعاء عمرو أولى.
فلو كان مع زيد في هذه الصورة مدع آخر اقترعا على الدار، فمن خرجت له
(1)
في ج: فإن كان.
(2)
في أزيادة: أوّلاً لم يقبل. وستأتي بعد قليل. ولم يذكر جملة: وحلف لصاحبه.
(3)
ساقط من أ.
(4)
ساقط من أ.
القرعة أخذها [وحلف لصاحبه]
(1)
. وإن عاد عمرو بعد ذلك ادعى الدار لنفسه أو ادعاها لثالث وهو غير من أقر له اوّلاً: لم يقبل منه ذلك؛ لأنه مكذب لهذه الدعوى، أو الإقرار بقوله: هي لفلان، أو بقوله: ليست لي ولا أعلم لمن هي؛ لأن ذلك نفي لها عن نفسه وعن غيره فلا يسمع منه خلافه. ولو عاد بكر فادعاها لنفسه بعد أن قال: ليست لي ولا أعلم لمن هي: لم تقبل دعواه ولو كانت قبل أن يدعيها المقر لنفسه في الأصح؛ لأن ذلك فيه تكذيب لنفسه بقوله: ليست لي.
(وإن أقرَّ) المدعى عليه (بها) أي: بالعين المدعى بها (لغائب) عن البلد (أوغيرمكلَّف) يعني: أوأقر بها لصغيرأومجنون (وللمدَّعي بينة) تشهد له بأنها ملكه: (فهى) أي: فالعين المدعى بها (له) ببينته؛ لأن جانبه قد ترجح بالبينة (بلا يمين) في الأصح، لأن البينة وحدها كافية، لخبر:" البينةُ على المدعِي. واليمينُ على من أنكر "
(2)
.
(وإلا) أي: وإن لم يكن للمدعي بينة، (فأقام المدَّعَى عليه بينة: أنها) أي: العين المدعى بها (لمن سّماه) المدعى عليه (لم يحلف)، وتسمع بينة المدعى عليه أنها لمن سماه؛ لزوال التهمة، وسقوط اليمين عنه. ولا يقضى بها؛ لأن البينة للغائب، والغائب لم يدعها هو ولا وكيله.
(وإلا) أي: وإن لم يُقم المدعى عليه بينه أن العين لمن سماه: (استُحْلف) المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليم العين إلى المدعي. وأقرت العين بيده؛ لأن المدعي اندفعت دعواه باليمين. (فإن نكل) المدعى عليه عن هذه اليمين: (غَرِم بَدَلَها) أي: بدل العين المدعى بها. وبدلها مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة (لمدَّعٍ. فإن كانا) أي: كان مدعيها (اثنين) كل
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه الدارقطني في"سننه"(98) 3: 110 كتاب الحدود. بلفظ: " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة ".
وأخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"10: 252 كتاب الدعوى والبينات، باب البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه.
واحد منهما يدعي جميعها (فـ) على الناكل (بدلان) لهما، لكل واحد بدل. (وإن أقرَّ) المدعى عليه (بها) أي: بالعين المدعى بها (لمجهول)؛ كما لو قال: هي لإنسان لا أسميه، أو لإنسان لا أعرفه، (قال) له (حاكم: عَرّفْه، وإلا جعلتك ناكلاً) [أي: ممتنعاً]
(1)
، (وقضيتُ عليك)؛ لأن الإقرار بها لمجهول عدول عن الجواب؛ لأنه يجعل الخصم غير معين. فيقال له: إما أن تعين المقر له لتنتقل
(2)
الخصومة إليه، أو تدعيها لنفسك لتكون الخصومة معك، أو تقر بها للمدعي لتندفع الخصومة عند. فإن عين المجهول وإلا قضي عليه بها.
(فإن عاد ادَّعاها لنفسه: لم يُقبل منه) ذلك في الأصح؛ لأن ظاهر جوابه أولاً أنها لغيره فلا تقبل منه دعواها لنفسه؛ لمخالفته لدعواه الأولى.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: لتنقل.
[فصل: في الدعوى على الغائب]
(فصل. من ادَّعى على غائب) عن البلد (مسافةَ قصر بغير عمله) أي: عمل القاضي المدعى عنده، (أو) على (مستتر إما بالبلد أو بدون مسافة قصر، أو) على (ميتٍ، أو) على (غير مكلَّف وله بينة: سُمعت، وحُكم بها) إذا كملت الشروط. وبهذا قال مالك والشافعي.
وكان شريح لا يرى القضاء على الغائب، وعن أحمد مثله، وبهذا قال أبو حنيفة، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي: " إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقضي للأول
(1)
حتى تسمع كلام الآخر. فإنك لا تدري بما
(2)
تقضي"
(3)
. قال الترمذي: هذا حديث حسن.
ولأنه قضاء لأحد الخصمين وحده. فلم يجز؛ كما لو كان الآخر في البلد. ولأنه يجوز أن يكون للغائب ما يبطل البينة ويقدح فيها. فلم يجز الحكم عليه.
ولنا: " أن هنداً قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي. قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"
(4)
. متفق عليه.
(1)
في ب: الأول.
(2)
في ج: ما.
(3)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(1331) 3: 618 كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضى لا يقضي بين الخصمين حتى يسمع كلامهما.
(4)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(5049) 5: 48 كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1714) 3: 1338 كتاب الأقضية، باب قضية هند.
فقضى لها ولم يكن أبو سفيان حاضراً.
ولأن هذا المدعي له بينة عادلة. فجاز الحكم بها؛ كما لو كان الخصم حاضراً. وقد وافق
(1)
أبو حنفية في سماع البينة دون الحكم.
ولأن ما تأخر عن سؤال المدعي إذا كان حاضراً يقدم عليه إذا كان غائباً؛ كسماع البينة.
وأما حديثهم فنقول به: إذا تقاضى إليه رجلان لم يجز الحكم قبل سماع كلامهما، وهذا يقتضي أن يكونا حاضرين. ويفارق الحاضر الغائب، فإن البينة لا تسمع على حاضر إلا بحضرته والغائب بخلافه.
وأما تقييد الغيبة بمسافة القصر، فإنها التي ينبني عليها الأحكام.
وأما اعتبار كونه بغير عمل القاضي، فإنه إذا كان بعمله أحضره؛ ليكون الحكم عليه مع حضوره.
وأما كون البينة تسمع على المستتر في البلد ويحكم عليه بمقتضاها؛ فلأنه متعذر الحضور. أشبه الغائب، بل أولى، فإن الغائب معذور ولا عذر للمستتر. نص عليه أحمد في رواية حرب. وروى حرب بإسناده عن أبي موسى قال:" كان الخصمان إذا اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذ الموعد فوفى أحدهما ولم يوف الآخر قضى للذي وفى ".
ولأنه لو لم يحكم على المستتر لجعل الاستتار وسيلة إلى تضيييع الحقوق.
وأما كون الميت كالغائب بل أولى؛ فلأن
(2)
الغائب قد يحضر. بخلاف الميت.
قال الشاعر:
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
(1)
في ب: وبهذا أفتى.
(2)
في أ: لأن.
وكذا الصبي والمجنون المدعى عليهما يجوز سماع البينة عليهما والحكم عليهما بها؛ لأن كل واحد منهما لا يعبر عن نفسه فهو كالغائب.
ولا يصح الحكم على الغائب فيما لا يقبل فيه كتاب القاضي. وإلى ذلك أشير بقوله:
(لا في حقٍّ لله تعالى) سبحانه، (فيُقضَى في سرقةٍ) ثبتت على غائب (بغُرمٍ) أي: بالمال المسروق (فقط) يعني: دون القطع.
(ولا يجب عليه) أي: على المحكوم له (يمين على بقاء حقّه) في ذمة الغائب أو المستتر أو الميت أو غيرهم على الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " البينةُ على المدَّعِي. واليمينُ على المدَّعَى عليه "
(1)
؛لأنه حصرها في جانب المدعى عليه.
ولأنها بينة عادلة. فلم تجب اليمين معها؛ كما لو كانت على خصم حاضر.
(إلا على روايةٍ). قال (المنقح: والعمل عليها) أى: على الرواية التي فيها وجوب اليمين (في هذه الأزمنة). انتهى.
لفساد أحوال غالب الناس. وبهذا قال الشافعي؛ لأنه يجوز أن يكون استوفى ما شهدت له البينة به، أو ملّكه العين التي قامت بها البينة. ولو كان خصمه حاضراً أو حياً فادعى ذلك لوجبت اليمين، فإذا تعذر ذلك منه لغيبته أو موته أو نحوهما وجب أن يقوم الحاكم مقامه فيما يمكن دعواه.
ولأن الحاكم مأمور با لاحتياط.
(ثم إذا كُلّف غير مكلَّف ورَشَدَ) بعد الحكم عليه، (أو حضر الغائب) بعد الحكم عليه، (أو ظهر المستتر) بعد الحكم عليه:(فـ) هو (على حجته) إن كانت؛ لأن المانع إذا زال صار كالحاضر المكلف؛ لأن الحكم بثبوت أصل
(1)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(1341) 3: 626 كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
الحق لا يبطل دعوى القضاء ولا الإبراء ولا دعوى غيرهما مما يسقط الحق. (فإن جرحَ) المحكومُ عليه (البينةَ بأمرٍ، بعد أداء الشهادة أو مطلقاً) يعني: أو بأمرٍ ويطلق باًن لم يقل: قبل الشهاده ولا بعد الشهادة: الم يقبل) جرحه، ولم يبطل الحكم؟ لجواز أن يكون ما صدر منه مما يقتضي جرحه بعد الحكم.
(وإلا) بأن جرحها بأمر قبل الحكم: (قُبِل) جرحه، وبطل الحكم؛ لفوات شرطه.
(والغائب دون ذلك) أي: دون مسافة القصر: (لم تُسمع دعوى ولا بينة عليه، حتى يحضر كحاضر)؛ لأنه أمكن سؤاله. فلم يجز الحكم عليه قبل سؤاله؛ كحاضر المجلس. ويفارق الغائب البعيد فإنه لا يمكن سؤاله.
(إلا أن يمتنع) من الحضور: (فيُسمَعا) أي: تسمع عليه الدعوى والبينة على الأصح.
(ثم إن) كان المدعى به على الغائب عيناً وقضي بها للمدعي سُلمت إليه، وإن كان ديناً فإن (وَجد) الحاكم (له مالاً: وفَّاه) أي: وفى المدعي (منه.
وإلا) أي: وإن لم يجحد للغائب مالاً (قال للمدَّعي: إن عرفتَ له مالاً وثبت عندي) أنه مال الغائب: (وفَّيتُك منه).
قال أحمد في رواية حرب: في رجل أقام بينة أن له سهماً من ضيعةٍ في أيدي قوم فتواروا عنه: يُقسم عليهم شهدوا أو غابوا يعني: حضروا أو غابوا ويُدفع إلى هذا حقه.
وروى عنه أبو طالب: في رجل وجد غلامه - يعني عبده- عند رجل فأقام البينة] أنه غلامه. فقال الذي عنده الغلام: أودعني هذا رجل. فقال أحمد: أهل المدينة يقضون على الغائب ويقولون أنه لهذا الذي أقام البينة]
(1)
وهو مذهبٌ حسن.
(1)
ساقط من أ.
ولأنه ثبت حقه بالبينة. فيسلم
(1)
إليه؛ كما لو كان المدعى عليه حاضراً.
(والحكم للغائب لا يصحُّ)؛ لأنه لم تتقدم منه دعوى بنفسه ولا بوكيله، (إلا) أن يكون (تبعاً) لمدع حاضر؛ (كمن ادّعى موتَ أبيه عنه وعن أخ له غائب أو غير رشيد، وله) أي: وللميت (عند فلانٍ عينٌ أو دينٌ، فثبت) المدعى به على فلان (بإقرار) أي: إقراره (أو بينةٍ) قامت عليه أو نكولٍ: (أخَذ المدعي نصيبَه) أي: نصيب نفسه، (و) أخذ (الحاكم نصيب الآخر) أي: نصيب الأخ الغائب فجعله في يد أمينٍ للغائب، يكريه له إن كان مما يكرى أو يحفظه له حتى يحضر؛ لأن بقاءه في ذمة الغريم إذا كان ديناً معرض للتلف بفلس الغريم، أو موته، أو عزل الحاكم، أو تعذر البينة عند حضور الغائب، وكالمنقول، وكما لو أجره صغيراً أو مجنوناً. ثم إذا دفعنا للحاضر نصف العين أو نصف الدين لم يكن للمدعى عليه أن يطالبه
(2)
بضمين؛ لأن في ذلك طعناً على الشهود.
قال في"الفروع": وقيل يترك نصيبه من الدين في ذمة غريمه حتى يقدم ويرشد وتعاد البينة
(3)
في غير الإرث. ذكره في "الرعاية ".
(و) من أمثلة ما يكون الحكم فيه للغائب على سبيل التبعية: (كالحكم بوقف يدخُلُ فيه) أي: في الحكم بالوقف الحكم لـ (من لم يُخلَقْ) من المستحقين حال الحكم بالوقف، (تبعاً) لمسحتقه الآن.
(وكإثبات أحد الوكيلين الوكالة في غيبة الآخر فتثبت
(4)
له) أي: للوكيل الآخر (تبعاً).
قال في"المغني": إن ادعى أحد الوكيلين الوكالة والآخر غائب وثَم بينةٌ حكم
(5)
لهما. فإن حضر لم تعد البينة.
(1)
في ب: فسلم.
(2)
في ج: يطالب.
(3)
في ج زيادة: به عند حضور الغائب.
(4)
في ج: لتثبت.
(5)
في ج: حاكم.
(وسؤال أحد الغرماء الحجر) على المدين، (كالكل) يعني: كسؤال الكل. (فالقضية الواحدة المشتملة على عدد أو) على (أعيان، كولد الأبوين في) المسألة الملقبة بـ (المشرّكة) والجارية في كتاب الفرائض وهي: زوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأبوين: (الحكم فيها لواحد أو عليه) يعني: أو على واحد فيها، (يعُمُّه و) يعم (غيره).
قال في " الفروع " بعد أن ذكر أن سؤال غريم الحجر كالكل: فيتوجه أن يفيد أن القضية الواحدة المشتملة على عدد أو أعيان؛ كولد الأبوين في المشرّكة أن الحكم على واحد [أوْ لَه]
(1)
يعمه وغيره. وذكر شيخنا المسألة، وأخذها من دعوى موت موروثه، وحكمه بأن هذا يستحق هذا، أو الآن من وقف بشرط شامل يعم.
(وحكمُه) أي: حكم الحاكم (لطبقةٍ) أي: لأهل طبقة في وقف (حُكمٌ للثانية) أي: يكون حكماً للطبقة الثانية: (إن كان الشرط) أي: شرط الواقف (واحداً) أي: غير مختلف، (حتى من أبدى) من أهل الطبقة الثانية (ما) أي أمراً (يجوز أن يمنع الأول من الحكم عليه) أي: على المستحق الأول الذي من الطبقة الأولى (لو عَلمه) الأول
(2)
(فلثانٍ) أي: فللذي من الطبقة الثانية (الدَّفع به)؛كما لو كان ذلك الدفع للأول لو علمه.
قال في"الفروع": [وهل هو نقض للأول كحكم مُغَيّى بغاية، أو هل هو نسخ؟ انتهى.
قال في تصحيح " الفروع "]
(3)
: هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين. والمصنف قد قدم حكماً وهو قوله قبل ذلك: ويصح تبعاً. انتهى.
***
(1)
ساقط من ب.
(2)
في أ: الأولى.
(3)
ساقط من ب.
[فصل: إذا أدعى أن الحاكم حكم له بحق]
(فصل. ومن ادَّعى: أن الحاكم حَكَم له بحق، فصدَّقه) الحاكم على ما ادعاه من الحكم، لكونه ذاكراً له:(قُبل) قول الحاكم في ذلك (وحدَه) أي: من غير أن يشهد عليه رجلان حين الحكم، ويلزم خصمه بما حكم عليه. وليس هذا حكماً بالعلم، إنما هو إمضاء لحكمه السابق؛ (كقوله) أي: كقول الحاكم (ابتداء: حكمتُ بكذا) فإنه يقبل منه ذلك.
(وإن لم يذكره) أي: وإن لم يذكر الحاكم أنه حكم بحق، (فشَهد به) أي: بحكمه (عدلان) بأن قالا للحاكم: نشهد عندك أنك حكمت لفلان على فلاناً بكذا: (قَبِلهما وأمضاه، لقدرته على إمضائه، على ما لم يتيقَّن صواب نفسه)؛كوجوب رجوع الإمام إلى اثنين فصاعداً من المأمومين ما لم يتيقن صواب نفسه.
ولأنهما لو شهدا عنده بحكم حاكم غيره قبلهما فكذلك إذا شهدا عنده بحكم نفسه.
وهذا (بخلاف من نسي شهادته، فشهدا) أي: فشهد عدلان (عنده) أي: عند من نسي شهادته (بها) بأن قالا: نشهد عندك أنك شهدت لفلان على فلان بكذا؛ لأن الحاكم يمضي ما حكم به إذا ثبتت عنده، والشاهد لا يقدر على إمضاء شهادته وإنما يمضيها الحاكم.
(وكذا) أي: وكشهادة عدلين عنده أنه حكم بكذا في إمضاء ما شهدا به:
(إن شهدا) عنده (أن فلاناً وفلاناً شهدا عندك بكذا) يعني: أنه يقبلهما ويمضى ما شهد به فلان وفلان عنده، كما يقبل شهادتهما على حق نفسه.
(وإن لم يشهد بحكمه) ولا بأن أحداً شهد عنده بشيء (أحد، ووجده)
مكتوباً عنده (ولو في قِمَطْرِه
(1)
تحت ختمه) ولم يذكره لم يعمل به على الأصح؛ لأنه حكم حاكم لم يعلمه. فلم يجز إنفاذه إلا ببينة؛ كحكم غيره.
ولأنه يجوز أن يزوّر عليه وعلى خطه وختمه والخط يشبه الخط.
(أو) وجد شاهد (شهادته بخطّه، وتيقَّنه ولم يذكره) أي: يذكر الأمر المشهود به: (لم يَعمل به) أي: بما وجده بخطه ولم يذكره على الأصح. نص عليه؛ لأنه يحتمل أنه زور على خطه وقد وجد ذلك كثيراً، (كـ) وجدان (خط أبيه بحكمٍ) يعني: أن الحاكم لو وجد حكم أبيه مكتوباً بخط أبيه لم يجز له إنفاذه، (أو) وجد أنه خط أبيه بـ (شهادة) فإنه لا يجوز أن يشهد بها على شهادة أبيه.
إذا علمت ذلك فلا يجوز لحاكمٍ وجد حكمه في قِمَطْره تحت ختمه أن يعمل به، ولا يجوز لشاهد رأى شهادته بخطه وتيقنه ولم يذكر المشهود به أن يشهد بها، (لا على) قو ل (مرجوح).
قا ل (المنقح: وهو أظهر، وعليه العمل). انتهى.
قال في"شرح المقنع ": قال شيخنا: - يعني الموفق- وهذا الذي رأيته عن أحمد في الشهادة؛ لأنه إذا كان في قِمَطْره تحت ختمه لم يحتمل أن يكون إلا صحيحاً. انتهى.
(ومن تحقَّق الحاكم منه أنه لا يُفرّق بين أن يذكر الشهادة) التي يشهد بها (أو يعتمد على معرفة الخط) وأنه (يتجوَّز بذلك) أي: بعدم الفرق بين الصورتين: (لم يجز) للحاكم الذي يتحقق منه ذلك (قول شهادته.
وإلا) أي: وإن لم يتحقق الحاكم منه ذلك: (حرُم) عليه (أن يسأله عنه).
قال في " الفروع ": (ولا يجب أن يخبره بالصفة) ذكره ابن الزاغونى يعني: أنه لا يجب على الشاهد إذا سأله الحاكم أن يخبره بالصفة التي شهد بها يعني: هل ذكر ما شهد به أو رآه مكتوباً عنده بخطه ولم يذكره عند أداء الشهادة به.
(1)
في ج: قطعة.
وقال أبو الخطاب: لا يلزم الحاكم سؤالهما عن ذلك ولا يلزمهما جوابه.
وقال أبو الوفاء: إذا علم تجوزهما فهما كمغفل ولم يجز قبولهما.
(وحُكم الحاكم لا يزيل الشيء) أي: لا يحيله (عن صفته باطناً) أي: في باطن الأمر ولو عقداً أو فسخاً على الأصح. وبهذا قال مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا حكم الحاكم بعقد أو فسخ أو طلاق نفذ حكمه ظاهراً وباطناً. وعلى هذا لو أن رجلين تعمدا الشهادة على رجل أنه طلق امرأته فقبلها القاضي لظاهر عدالتهما ففرق بين الزوجين لجاز لأحد الشاهدين نكاحها بعد قضاء عدتها وهوعالم بتعمد الكذب.
ولو أن رجلاً ادعى نكاح امرأة وهو يعلم أنه كاذب وأقام شاهدي زور فحكم الحاكم: حلت له بذلك وصارت زوجته.
قال ابن المنذر: وتفرد أبو حنيفة فقال: لو استأجرت امرأة شاهدين شهدا لها بطلاق زوجها وهما يعلمان كذبها وتزويرها فحكم الحاكم بطلاقها، يحل لها أن تتزوج، وحل لأحد الشاهدين نكاحها، واحتج بما روي عن علي رضي الله تعالى عنه " أن رجلاً ادعى على امرأة نكاحاً فرفعها إلى علي. فشهد له شاهدان بذلك فقضى بينهما بالزوجية. فقالت: والله ما تزوجني يا أمير المؤمنين. اعقد بيننا عقداً حتى أحل له. فقال: شاهداك زوجاك ".
فدل على أن النكاح ثبت بحكمه.
ولأن اللعان يُفسخ به النكاح. وإن كان أحدهما كاذباً فالحكم أولى.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضَكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحوِ ما أسمع منه: فمن قضيت له بشيءٍ من حق أخيه، فلا يأخذ منه شيئاً، فإنما اقطع له قطعةً من النار "
(1)
. متفق عليه.
وهذا يدخل فيه: من ادعى أنه اشترى منه شيئاً فحكم له.
(1)
سبق تخريجه ص (274) رقم (3).
ولأنه حكم بشهادة زور. فلا يحل له ما كان محرماً عليه؛ كالمال المطلق.
وأما الخبر عن علي رضي الله تعالى عنه إن صح فلا حجة فيه؛ لأنه أضاف التزويج إلى الشاهدين لا إلى حكمه. ولم يجبها إلى التزويج؛ لأن فيه طعناً على الشهود. فأما اللعان فإنما حصلت الفرقة به لا بصدق الزوج، ولهذا لو قامت البينة لم ينفسخ النكاح.
إذا ثبت هذا (فمتى علمها حاكم كاذبة) أي: علم الحاكم أن البينه كاذبة:
(لم ينفُذ) حكمه بها، (حتى ولو في عقد وفسخ.
فمن حَكم له) حاكم (ببينةِ زور بزوجيَّة امرأة) لم تحل له باطناً، (فإن وطئ مع العلم) أي: مع علمه بأنها لم تحل له: (فكزنا) يعني: فإنه يجب عليه الحد بذلك في الأصح. وعليها أن تمتنع منه ما أمكنها فإن أكرهها فالإثم عليه دونها. (ويصح نكاحُها غيره) يعني: ولها أن تتزوج غيره في الأصح؛ لأن ذلك النكاح كلا نكاح.
(وإن حكم) حاكم (بطلاقها ثلاثاً، بشهود زور: فهى زوجته باطناً، ويُكره له اجتماعه بها ظاهراً)؛لأن في ذلك طعناً على الحاكم. (. ولا يصحُّ نكاحها غيره ممن يَعلم بالحال)؛لأنها باقية في عصمة الأول.
(ومن حكم لمجتهدٍ أو عليه) يعني: أو على مجتهد، (بما يُخالف اجتهاده: عَمِل) المجتهد (باطناً) أي: في باطن أمره (بالحكم) الذي حكم به عليه الحاكم في الأصح. ذكره القاضي وقدمه في "الفروع ".
(وإن باع حنبلي متروك التسمية، فحكم بصحته) أي: بصحة البيع حاكم (شافعي: نفذ) حكمه.
قال في " الفروع ": عند أصحابنا خلافاً لأبي الخطاب.
وكذا إن حكم حنفي لحنبلي بشفعة جوار في الأصح؛ لشمول الرواية لها.
وقال الشيخ تقي الدين: اختلفت الرواية عن أحمد لو حكم الحاكم بما يرى المحكوم له تحريمه فهل يباح بالحكم؟ على روايتين. فحكى الخلاف روايتين ثم
قال: والتحقيق في هذا أنه ليس للرجل أن يطلب من الإمام ما يرى أنه حرام عليه. فليس له أن يطلب أن يحكم. له بشفعة أو ميراث
(1)
وهو في حال طلبه يرى أن ذلك حرام عليه؛ لأنه جمع بين طلب شيء وبين اعتقاد تحريمه. ومن فعل هذا فقد فعل ما يعتقد تحريمه وهذا لا يجوز. لكن لو كان الطالب غيره أو ابتدأ الإمام بحكم أو قسم فهنا
(2)
يتوجه القول بالحل؛ لأنه لم يصدر منه فعل محرم. ثم قال: والأشبه
(3)
أن هذا لا يحرم عليه. انتهى.
(وإن ردَّ حاكم شهادة واحد بـ) روية هلال (رمضان: لم يُؤثر) ذلك في الحكم بعدالته؛ (كـ) ما لو شهد بـ (ملك مطلق) عند من لا يرى رفع اليد بذلك (وأولى) ممن
(4)
شهد بالملك المطلق؛ (لأنه) أي: لأن الحاكم (لا مَدخل لحكمه في عبادةٍ ووقتٍ، وإنما هو) أي: رد شهادته برمضان (فتوى. فلا يقال: حَكَم بكذبه، أو بأنه لم يرَه) أي: لم ير الهلال.
(ولو رُفع إليه) أي: إلى الحاكم (حُكمٌ في مختلَف فيه)؛كحكمه بنكاح امرأة زوجت نفسها ونحوه من كل حكم مختلف فيه: (لم يلزمه نقضُه، ليُنفّذه: لزمه تنفيذُه، وإن لم يره) أي: وإن لم ير ما حكم به ذلك الحاكم صحيحاً عنده؛ لأنه حكم ساغ الخلاف فيه. فإذا حكم به حاكم لم يجز نقضه، فوجب تنفيذه لذلك.
(وكذا إن كان نفس الحكم مختلَفاً فيه؛ كحكمه بعلمه، وتزويجه يتيمة)، وكالحكم على غائب، وكالحكم بصحة الثبوت بطريق الشهادة على الخط ونحو ذلك في الأصح.
وفي "المحرر": لم يلزمه تنفيذه، إلا أن يحكم به حاكم آخر قبله.
قال شارح"المحرر": وأما إذا كان نفس الحكم مختلفاً فيه فإن نفس
(1)
في ب: بشفعة جوار وميراث.
(2)
في ج: فهاهنا.
(3)
في ج: الأشبه.
(4)
في أ: من.
الحكم في شيء لا يكون حكماً بصحة الحكم ديه. لكن لو أنفذه حاكم آخر لزمه إنفاذه؛ لأن الحكم المختلف فيه صار محكوماً به. فلزمه تنفيذه كغيره. انتهى.
وهذا مبني على أن تنفيذ الحكم حكم بصحة الحكم المنفذ. وتقدم الخلاف الذي في التنفيذ.
(وإن رَفع إليه) أي: إلى حاكم (خصمان عقداً فاسداً عنده) أي: عند ذلك الحاكم (فقط) أي: مع كون حاكم غيره يرى أن ذلك العقد صحيح، (وأقرَّا) أي: أقر الخصمان (بأن) حاكماً (نافذَ الحكم حَكم بصحته) أي: بصحة ذلك العقد الذي هو فاسد عند الحاكم الذي ترافعا إليه (فله إلزامُهما ذلك) العقد الذي أقرَّا أن نافذ الحكم حكم بصحته؛ لأنه حق أقرا به. فلزمهما؛ كما لو أقرا بغيره، (وله ردُّه والحكم) عليهما (بمذهبه)؛لأن حكم الحاكم به لا يثبت بإقرارهما، وإنما يثبت بالبينة ولا بينة هاهنا. فلا يلزمه العمل به؛ لعدم ثبوته عنده. ذكره القاضي واقتصر عليه في"المحرر"و"الفروع". (ومن قلَّد) مجتهداً (في صحة نكاح: لم يُفارق) زوجته (بتغيُّر اجتهاده) أي: اجتهاد المجتهد الذي قلده في صحته؛ (كحكمٍ) أي: كما لو حكم به حاكم مجتهد يرى صحته حال الحكم ثم تغير اجتهاده فرأى أنه باطل. (بخلافِ مجتهدٍ نَكح) امرأة بعقد أداه اجتهاده إلى صحته (ثم رأى بطلانَه) يعني: ثم أداه اجتهاد إلى أن العقد باطل فإنه يلزمه أن يفارق زوجته بتغير
(1)
اجتهاده إلى صحته في الأصح؛ لأنه صار يعتقد تحريم وطئها.
(ولا يلزم) مجتهداً قلده عامي في صحة نكاح ثم تغير اجتهاده (إعلامُ المقلّد) أي: من قلده في صحة النكاح (بتغيُّره) أي: بتغير اجتهاده؛ لما تقدم من أن المقلد في صحة النكاح لم يلزمه فراق زوجته بتغير اجتهاد من قلده في ذلك.
(وإن بان خطؤه). أي: خطأ لحاكم في حكمه (في إتلافٍ بمخالفة) دليل (قاطع) يعني: لا يحتمل التأويل، (أو) بان (خطأُ مفتٍ ليس أهلاً)
(1)
في ج: بتعين.
بإتلافٍ؛ كقتل في شيء ظناه ردة، أو قطع في سرقة لم يجب فيها قطع، أوتلف ما يسري إليه جلد غير واجب؛ كشارب مسكر
(1)
كرهاً حدّه فمات: (ضمِنَا) أي: الحاكم والمفت ما تلف بالحكم أو الإفتاء؛ لأنه إتلاف حصل بفعلهما. فضمناه؛ كما لو باشرا ذلك بأيديهما.
***
(1)
في ب: سُكر.
[فصل: من قدر على عين ماله المغضوب]
(فصل. ومن غصبه إنسان مالاً جهراً، أو كان عنده) أي: عند إنسان (عينُ ماله) أي: عين مال غيره: (فله) أي: فللمغصوب منه مالاً جهراً (أخذ) أي: أن يأخذ (قدر) ماله (المغصوب) منه من مال الغاصب (جهراً).
قال في " الفروع ": ذكره شيخنا وغيره.
(و) لمالك العين التي عند غيره أن يأخذ (عين ماله) ممن هي عنده (ولو قهراً).
قال في " الفروع ": ومن قدر على عين ماله أخذه قهراً. زاد في" الترغيب ": ما لم يفض إلى فتنة. انتهى.
(لا أخذ قدر دَينه) أي: لا مَن له في ذمة إنسان دين أن يأخذ قدر دينه (من مال مَدين تعذَّر أخذُ دينِه منه بحاكم؛ لجحد أو غيره)؛ ككونه من سكان البوادي التي يتعذر إحضار الخصوم منها على الأصح.
قال في " المقنع ": نص عليه واختاره عامة شيوخنا. انتهى.
لقوله صلى الله عليه وسلم: " أَدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُن من خانك "
(1)
. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
ومتى أخذ قدر حقه من ماله بغير إذنه فقد خانه فيدخل في عموم الخبر.
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيبِ نفسٍ منه "
(2)
.
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1264) 3: 564 كتاب البيوع.
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده"(21119) 5: 113.
ولأنه إن أخذ من غير جنس حقه كان معاوضة بغير تراض، وإن أخذ من جنسه فليس له تغيير الحق بغير رضى صاحبه. ألا ترى أنه لا يجوز له أن يقول: لا آخذ حقي إلا من هذا الكيس دون هذا.
ولأن كل ما لا يجوز له تملكه إذا لم يكن له دين لا يجوز له أخذه إذا كان له دين، كما لو كان باذلاً.
وعنه.: يجوز له ذلك. والحال ما ذكر. وذهب إليه بعض الأصحاب من المحدثين؛ لحديث هند: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "
(1)
.
والأول المذهب؛ لأن حديث هند قد أشار أحمد إلى الفرق بينه وبين ما تقدم: أن حقها واجب عليه في كل وقت. وهذا إشارة منه إلى الفرق بالمشقة في المحاكمة في كل وقت والمخاصمة كل يوم تجب فيه النفقة. بخلاف الدين.
وفرّق أبو بكر بينهما بفرق آخر وهو: أن قيام الزوجية كقيام البينة. فكأن الحق صار معلوماً بعلم قيام مقتضيه. وبينهما فرقان آخران:
أحدهما: أن للمرأة التبسط في مال الزوج بحكم العادة ما يؤثر في إباحة أخذ الحق وبذل اليد فيه بالمعروف. بخلاف الأجنبي.
الثانى: أن النفقة تراد لإحياء النفس وإبقاء المهجة، وهذا مما لا صبر عنه. فجاز أخذ ما تندفع به هذه الحاجة. بخلاف الدين. حتى نقول: لو صارت النفقة ماضية لم يكن له أخذها، ولو وجب لها عليه دين آخر لم يكن لها أخذه بغير إذنه.
فعلى المذهب: إن أخذ ربُّ الدين شيئاً بغير إذن المَدين لزمه رده إن كان باقياً، وإن كان تالفاً وجب عليه مثل المثلي وقيمة المتقوم، وإن كان من جنس دينه تقاصّا وتساقطا.
قال في " شرح المقنع ": في قياس المذهب.
(1)
سبق تخريجه ص (301) رقم (4).
ويستثنى من عدم جواز الأخذ ما أشير إليه بقوله:
(إلا إذا تعذَّر على ضيفٍ أخذُ حقّه بحاكم). وتقدم ذلك في كتاب الأطعمة.
وبقوله: (أو منَع زوج ومن في معناه) ممن تجب عليه نفقة غيره؛ كقريبه ومولاه (ما وجب عليه) لمستحقه (من نفقة، ونحوها)؛ كالكسوة. وتقدم ذلك في كتاب النفقات. فيجوز لكلٍّ من هؤلاء الأخذ بغير إذن في هذه الصور.
(ولو كان لكلٍّ) أي: لكل واحد (من اثنين على الآخر دينٌ من غير جنسه) أي: من غير جنس ما على الآخر من الدَّين؛ كما لو كان دين أحدهما ذهباً ودين الآخر فضة، (فجحد أحدُهما) ما عليه من الدين لصاحبه:(فليس للآخر أن يجحد) ما عليه للذي جحده.
قال في"الترغيب": ولو كان لكل منهما على الآخر دين من غير جنسه فجحد أحدهما فليس للآخر أن يجحد وجهاً واحداً؛ لأنه كبيع دين بدين لا يجوز ولو رضيا. انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
(باب: حكم كتاب القاضي إلى القاضي)
والأصل في المكاتبات الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب، فقوله سبحانه وتعالى:{إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29].
وأما السنه؛ فـ " إن النبي صلى الله عليه وسلم كاتب الصلوك فكتب إلى النجاشي، وإلى قيصر، وإلى كسرى يدعوهم إلى الإسلام "
(1)
.
و" كاتب ولاته وعمّاله وسعَاته ".
وأجمعت الأمة على قبول كتاب القاضي إلى القاضي، إذ الحاجة تدعو إلى ذلك: فإن مَن له حق في بلد غير بلده لا يمكنه إثباته والمطالبة به بغير ذلك، إذ يتعذر عليه السفر بالشهود. وقد يكون البلد الذي يسافرون إليه غير معروفين به فيتعذر إثبات الحق لهم عند حاكمه. فوجب أن يقبل المكاتبة فيه.
(و) حيث تقرر هذا فإنه (يقبل) كتاب القاضي إلى القاضي (في كل حق لآدمي)، كالقرض، والغصب، والبيع، والإجارة، والرهن، والصلح، والوصية بالمال، والجناية الموجبة للمال رواية واحدة؛ لأن هذا في معنى الشهادة على الشهادة.
وعلى الأصح (حتى فيما لا يُقبل فيه إلا رجلان؛ كقوَد وطلاق، ونحوهما)؛كنكاح، ونسب، وتوكيل في غير مال، وإيصاء على أولاده، وحد قذف، لأنه حق آدمي لا يدرأ بالشبهات.
(لا في حدٍ لله تعالى؛ كحد زناً، و) حد (شربٍ) على الأصح؛ لأن حقوق الله سبحانه وتعالى مبنية على المساهلة والمسامحة، والستر والدرء
(1)
"الأموال" لأبي عبيد ص: 25 - 28.
بالشبهات، والسقوط بالرجوع عن الإقرار بها. ولهذا لا تقبل فيها الشهادة على الشهادة، فكذا كتاب القاضي إلى القاضي؛ لأنه لا يقبل إلا فيما تقبل فيه الشهادة على الشهادة؛ لأنه في معناها. ولهذا قلت كغيري:
(وفي هذه المسألة ذكر الأصحاب: أن كتاب القاضي حكمُه كالشهادة على الشهادة؛ لأنه شهادة على شهادة.
وذكروا فيما إذا تغيَّرت حالُه) أي: حال القاضى الكاتب. (أنه أصل، ومن شهد عليه فرع) وجزم به ابن الزاغونى وغيره. (فلا يسوغ نقض حكم مكتوب إليه بإنكار) القاضي (الكاتب، ولا يقدح في عدالة البينة. بل يَمنعُ إنكارُه) أي: إنكار القاضي الكاتب (الحكم) أي: حكم المكتوب إليه إذا كان إنكار الكاتب قبل حكم المكتوب إليه، (كما يمنعه) أي: كما يمنع الحكم بالشهادة على الشهادة (رجوع شهود الأصل.
فدلَّ: أنه) أي: أن القاضي الكاتب (فرعٌ لمن شهد عنده، وأصلٌ لمن شَهدَ عليه. و) دلَّ ذلك أيضاً: (أنه يجوز أن يكون شهودُ فرعٍ أصلاً لفرع) آخر
(1)
. يؤيده قول الأصحاب في التعليل: أن الحاجة داعية إلى ذلك وهذا المعنى موجود في فرع الفرع.
(ويُقبل) كتاب القاضي (فيما حُكم به ليُنفّذَه، وإن كانا) أي: الكاتب والمكتوب إليه (ببلد واحد)؛لأن حكم الحاكم يجب إمضاوه على كل حال، (لا فيما ثبت عنده ليحكم به) المكتوب إليه، إلا في مسافة قصر فأكثر؛ لأنه نقل
(2)
شهادة إلى المكتوب إليه. فلم يجز مع القرب؛ كالشهادة على الشهادة.
(و) كذا (لا) يجوز (إذا سمع) القاضي (البينة وجعل تعديلَها إلى) القاضي (الآخر، إلا في مسافة قصر فأكثر) في الصورتين؛ لأن مسافة القصر غيبة. فجاز قبول كتاب القاضي في ذلك؛ كغيبة الشاهد إليها في قبول فرعه في الشهادة على الشهادة.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: نفذ.
واختلف الأصحاب في الثبوت هل هو حكم أو ليس بحكم؟ والأشهر: أنه ليس بحكم، بل خبر بالثبوت كشهود الفرع؛ لأن الحكم أمر ونهي يتضمن إلزاماً.
قال الشيخ تقي الدين: ويجوز نقله إلى مسافة قصر فأكثر، ولو كان الذي ثبت عنده لا يرى جواز الحكم به؛ لأن الذي ثبت عنده ذلك الشيء مخبر بثبوت ذلك عنده. أشبه الشاهد فإنه مخبر بوقوع ما شهد به وقد يكون لا يجيز الحكم به، ومع ذلك للمشهود عنده الحكم بشهادته فكذلك ما أثبته
(1)
الحاكم الأول وهو لا يجيزه. وللحاكم الذي اتصل به الثبوت الحكم به إذا كان يرى صحته.
قال في " الفروع ": فيتوجه لو أثبت حاكمٌ مالكيٌ وقفاً لا يراه؛ كوقف الإنسان على نفسه بالشهادة على الخط، فإن حكم للخلاف في العمل بالخط كما هو المعتاد فلحاكم حنبلي يرى صحة الحكم أن ينفذه في مسافة قريبة، وإن لم يحكم المالكي بل قال: ثبت كذا
(2)
فكذلك؛ لأن الثبوت عند المالكي حكم. ثم إن رأى الحنبلي الثبوت حكماً نفذه وإلا فالخلاف
(3)
في قرب المسافة. ولزوم الحنبلي تنفيذه ينبني
(4)
على لزوم
(5)
تنفيذ الحكم المختلف فيه، وحكم المالكي مع علمه باختلاف العلماء في الخط لا يمنع كونه مختلفاً فيه. ولهذا لا تنفذه الحنفية حتى ينفذه حاكم، وللحاكم الحنبلى الحكم بصحة الوقف المذكور مع بعد المسافة، ومع قربها الخلاف. انتهى كلامه في"الفروع":
(وله) أي: وللقاضي الكاتب (أن يكتُب إلى) قاض (معيَّن، و) أن يكتب (إلى من يَصِلُ إليه) كتابي هذا (من قُضاة المسلمين) وحكامهم من غير تعيين. ويلزم من وصله قبوله. وبهذا قال أبو ثور واستحسنه أبو يوسف.
(1)
في ب: أشبه.
(2)
في ج: هذا.
(3)
في ج: فاختلاف.
(4)
فى ب: مبني.
(5)
زيادة من"الفروع"6: 499.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يكتب إلى غير معين.
ولنا: أنه كتاب حاكم من ولايته وصل إلى حاكم. فلزمه قبوله؛ كما لو كان الكتاب إليه بعينه.
(ويُشترط لقبوله) أي: قبول كتاب القاضي إلى القاضي والعمل به: (أن يُقرأ) الكتاب (على عدلَين، ويُعتَبر ضبطُهما لمعناهُ وما يتعلَّق به الحكم) منه (فقط) يعني: دون ما لا يتعلق به الحكم.
قال الأثرم: سمعب أبا عبد الله يُسأل عن قوم شهدوا على صحيفة وبعضهم ينظر فيها وبعضهم لا ينظر. قال: إذا حفظ فليشهد. قيل: كيف وهو كلام كثير؟ قال: يحفظ ما كان عليه الكلام والوضع. قلب: يحفظ المعنى
(1)
؟ قال: نعم. قيل له: والحدود واليمين وأشباه ذلك. قال: نعم.
(ثم يقول) القاضي الكاتب إلى غيره: (هذا كتابي إلى فلان ابن فلان)،أو إلى من يصل إليه من القضاة، (ويدفعُه إليهما) أي: إلى العدلين اللذين شهدا عليه بما في الكتاب.
(فإذا وصلا) بالكتاب إلى عمل المكتوب إليه (دفَعَاه إلى المكتوب إليه، وقالا: نشهد أنه) أي: هذا الكتاب (كتاب) القاضي (فلان إليك، كتبه بعمله) وأشهدنا
(2)
عليه؛ لأن الكتاب لا يقبل إلا من قاضٍ، وذلك يستدعي وجود الكتابة والإشهاد عليه في موضع قضائه.
(والاحتياط: ختمه بعد أن يُقرأ عليهما، ولا يُشترط) الختم؛ لأن الاعتماد على شهادتهما لا على الختم.
وقال أبو حنيفة: لا يقبل الكتاب حتى يشهد شاهدان على ختم القاضي.
ولنا " أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً إلى قيصر ولم يختمه. فقيل له: إنه لا يقرأ كتابا غير مختوم فاتخذ الخاتم "
(3)
.
(1)
في ب: العين.
(2)
في ج: وشهدنا.
(3)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(6743) 6: 2619 كتاب الأحكام، باب الشهادة على الخط =
واقتصاره أوّلاً على الكتاب دون الختم دليل على أن الختم ليس بشرط في القبول. وإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ كتابه.
ولأن العدلين شهدا بما في الكتاب وعرفا ما فيه. فوجب قبوله؛ كما لو وصله مختوماً وشهدا بالختم.
(ولا) يشترط أيضاً لقبول الكتاب (قولُهما) أي: قول العدلين: (وقُرِئ علينا، وأُشهِدْنا عليه، ولا قول كاتبٍ: اشهدا عليَّ)
(1)
بما فيه في الأصح؛ لأن المقول على شهادتهما بما يتعلق به الحكم دون غيره.
(وإن أشهَدَهما) أي: أشهد القاضي الكاتب العدلين (عليه) أي: على كتابه، حال كونه (مدرُوجاً مختوماً: لم يصحَّ)؛لأن أحمد قال: فيمن كتب وصية وختمها ثم أشهد على ما فيها: فلا يشهد
(2)
حتى يعلمه ما فيها. ويتخرج الجواز؛ لقول أحمد: إذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه من غير أن يكون أشهد أو أعلم أحدا بها عند موته وعُرف خطه وكان مشهوراً فإنه يُنفذ ما فيها.
فعلى هذا إذا عَرف المكتوبُ إليه أنه خط الكاتب
(3)
وختمه جاز قبوله.
والعمل على الأول؛ لأن ما أمكن إثباته بالشهادة لم يجز الاقتصار فيه على الظاهر؛ كإثبات العقود.
ولأن الخط يشبه الخط والختم يشبه الختم فيمكن التزوير عليه ويمكن الرجوع إلى الشهادة. فلم يعول على الخط؛ كالشاهد لا يعول في شهادته على الخط.
(وكتابُه) أي: كتاب القاضي (في غير عمله، أو) كتابه (بعد عزله؛ كخبَره) أي: كما لو أخبر بحكم في غير عمله، أو أخبر بحكم بعد عزله. وتقدم الكلام على ذلك.
(1)
= المختوم
…
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2092) 3: 1657 كتاب اللباس والزينة، باب في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً
…
في ج: أشهد عليّ.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ج: القاضي الكاتب.
(ويُقبل كتابه) أي: كتاب القاضي إلى القاضي (في حيوانٍ) في الأصح (بالصفة اكتفاء بها) أي: بالصفة؛ لأن الحيوان الموصوف ثبت في الذمة بعقد السلم كالدين؛ (كمشهود عليه، لا له) يعني: أنه متى كانت الشهادة على إنسان اكتفي فيها بالصفة؛ لأنه يبعد أن يجيء إنسان بصفته فيقول: أنا المشهود عليه. بخلاف ما إذا كانب الشهادة له بالصفة.
ولأن المشهود له لايشهد له إلا بعد دعواه. بخلاف المشهود عليه والمشهود به.
(فإن لم تثبُت مشاركته له) أي: للحيوان أو العبد المشهود فيه بالصفة (في صفتِه) بأن زال اللبس بعدم من يشاركه في صفته: (أخذَه مدَّعيه) المشهود له به (بكفيلٍ مختوماً عنقُه) أي: عنق الحيوان أو العبد المشهود فيه بالصفة وهو: أن في عنقه خيط أو نحوه ويختم عليه بشمع أو نحوه، (فيأتي به القاضي الكاتب لتشهد البينة على عينه)؛ليزول الإشكال ويرتفع الاختلاف، (ويُقضى له به ويكتُب له كتاباً) آخر إلى القاضي الذي سلمه له بكفيل، (ليبْرأ كفيلُه)، لئلا يُطلب به بعد ذلك.
(وإن لم يثبُت ما ادَّعاه) بأن قال الشهود: ليس هذا المشهود به؛ (فكمغصوب) يعني: فحكمه في يده حكم المغصوب؛ لأنه واضع يده عليه بغيرحق.
(ولا يحكم) القاضي (على مشهود عليه بالصفة) بأن قال الشهود: نشهد على رجل صفته كذا وكذا أنه اقترض من هذا كذا (حتى يُسمَّى) يعني: وينسب.
قال في"الفروع": وظاهر كلامهم: أنه لا يعتبر ذكر الجد في النسب بلا حاجة. قال يعني: المجد في"المنتقى"في صلح الحديبية: فيه أن المشهود عليه إذا عُرف باسمه واسم أبيه أغنى عن ذكر الجد. وكذا ذكره
(1)
غيره أي: غير المجد.
(1)
في أ: ذكر.
(أو) حتى (تشهد) البينة (على عينه)؛ ليزول اللبس.
(وإذا وصل الكتاب) إلى القاضي المكتوب إليه، (فأُحضر الخصم المذكور فيه باسمه ونسبه وحِلْيته، فقال: ما أنا بالمذكور) في الكتاب (قُبل قوله بيمينه)، لأنه منكر، (فإن نكَل) عن اليمين:(قُضِي عليه) بالنكول. (وإن أقرَّ بالاسم والنَّسب، أو ثبت) اسمه ونسبه (ببينةٍ، فقال: المحكوم عليه غيري: لم يُقبل) منه ذلك، (إلا ببينة تَشهَدُ أن بالبلدِ) شخص (آخر كذلك) يعني: يساويه في الاسم والنسب والصفة. (ولو) كان المساوي له في الاسم والصفة (ميتاً يقع به إشكال، فيُتوقَّف) الحكم (حتى يُعلم الخصم) منهما. فيحضر الحاكم
(1)
المساوي له فيما ذكر ويسأله عن الحق، فإن اعترف به ألزمه وتخلص الأول، وإن أنكره
(2)
وقف الحكم، ويكتب إلى القاضي الكاتب يُعلمه بما وقع من الإشكال حتى يحضر الشاهدين فيشهدا عنده
(3)
على أحدهما بعينه فيلزمه بالحق
(4)
.
(وإن مات القاضي الكاتب أو عُزل: لم يَضُرَّ) أي: لم يمنع ذلك قبول كتابه والعمل به؛ (كبينة أصل) يعني: كشهادة [الشاهد [على الشاهد]
(5)
إذا مات الأصل فإنه يحكم بشهادة الفرع مع رفيقه أو مع المدعي
(6)
.
(وإن فُسّقَ)]
(7)
القاضي الكاتب: (فَيقدَحُ) ذلك (فيما ثبت عنده ليحكُم به) القاضي المكتوب إليه (خاصة) يعني: فلا يصح أن يحكم المكتوبُ إليه بما ثبت عند القاضي الكاتب مع تغير حاله بفسقه؛ لأن بقاء عدالة شاهدي الأصل
(1)
في ج: القاضي.
(2)
في ج: أنكر.
(3)
في ج: عليه عنده.
(4)
في ب: الحق.
(5)
ساقط من ب.
(6)
في ج: يمين.
(7)
ساقط من أ.
شرط في الحكم بشاهدي الفرع، فكذلك بقاء عدالة الحاكم فيما ثبت عنده ولم يحكم به؛ لأنه بمنزلة شاهدي الأصل.
وقوله: خاصة ليخرج ما لو حكم المكتوب إليه بما ثبت عند القاضى
(1)
الكاتب ثم فسق فإن
(2)
ذلك لا يؤثر في حكم القاضي المكتوب إليه بما ثبت عند الكاتب؛ كما لو فسق الحاكم وقد حَكم بشيء فإنه لا يُنقض ما مضى من أحكامه.
(ويلزم من وصل إليه) الكتاب من الحكام، (العمل به) أي: بالكتاب، (تغيَّر المكتوب إليه) الكتاب (أوْ لا). يعني: أنه متى عُزل القاضي المكتوب إليه أو فسق أو مات، فلمن قام مقامه قبول الكتابة والعمل به (اكتفاءً بالبينة، بدليل ما لو ضاع) الكتاب (أو انمحَى) وشهد شاهدان بما فيه؛ لكونهما يحفظانه. وقد حكي عن الحسن. أن قاضي الكوفة كتب إلى إياس بن معاوية قاضي البصرة كتاباً فوصل إليه وقد عُزل وولي الحسن فعمل به؛ لأن المعول على شهادة الشاهدين الأول.
قال في " شرح المقنع ": وقياس ما ذكرناه أن الشاهدين إذا حملا الكتاب إلى غير المكتوب إليه في حال حياته وشهدا عنده عَمل به، لما بيناه. فإن كان المكتوب إليه خليفة الكاتب فمات الكاتب أو عزل انعزل المكتوب إليه؛ لأنه نائب عنه. فينعزل بعزله وموته؛ كوكلائه. انتهى.
(ولو شهدا) حاملا كتاب القاضي عند المكتوب إليه
(3)
. (بخلاف ما فيه) أي: ما في الكتاب: (قُبل) ما شهدا به (اعتماداً على العلم) بما أشهدهما به القاضي الكاتب على نفسه.
(ومتى قَدمََِ الخصم المُثبتُ عليه) الحق عند الكاتب قبل الحكم به (بلدَ الكاتب: فله الحكم عليه) أي: على القادم بلد الكاتب (بلا إعادة شهادة) عليه. قاله في "الانتصا"واقتصرعليه فى"الفروع" إذا سأله في ذلك رب الحق.
***
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: لأن.
(3)
ساقط من ب.
[فصل: إذا سأل المحكوم له أن يُشهد له]
(فصل. وإذا حَكم عليه المكتوبُ إليه) أي: حكم المكتوب إليه على من ثبت [عليه الحق فقط عند الكاتب، (فسأله) أي: سأل المحكومُ عليه من حكم عليه (أن يُشهدَ عليه بما جرى) عنده من]
(1)
الحكم عليه؛ (لئلا يحكُم عليه) القاضى (الكاتب) حكماً ثانياً أجابه لذلك في الأصح؛ لأنه من الممكن أن يلقاه الخصم في بلد الكاتب فيطالبه بالحق مرة أخرى. فوجب ذلك؛ لدفع الضرر عنه.
(أو) سأل (من ثبتت براءتُه) عند الحاكم؛ (كمن أنكر وحلَّفه) الحاكم.
(أو) سأل (من ثبت حقُّه عنده) أي: عند الحاكم، (أن يُشهِدَ له) عليه (بما جرى: من براءةٍ، أو ثبوت مجرَّدٍ، أو) ثبوت (متصل بحكم، أو) ثبوت حكم متصل بـ (تنفيذ.
أو) سأل (الحكم له بما ثبت عنده: أجابه)،سواء ثبت حقه بإقرار أو بينة على الأصح؛ لأنه من الجائز أن يطول الزمان على الحق. فإذا أراد المطالبه به لم تكن بيده حجة. وربما نسي القاضي أو مات أو يطالبه الغريم في صورة البراءة مرة أخرى عنده إذا نسى، أو عند غيره. فوجب الإشهاد به؛ لئلا يضيع حقه من ذلك.
(وإن سأله) أي: سأل الخصمُ الحاكم (مع الإشهاد) على الحاكم (كتابتَه، أتاهُ بورقةٍ)،أو كان هناك ورقة من بيت المال لذلك:(لزمه) إجابته لذلك في الأصح؛ لأن ذلك وثيقة للخصم، فلزمه وكتابتها؛ (كـ) كتابة (ساعٍ بأخذِ زكاة).
(1)
ساقط من أ.
ولأن في ترك
(1)
ذلك تضييعاً لحقه.
قال في "المستوعب": وكل من قضي له بحق فاستوفاه وله به كتاب ثابت لم يلزمه تسليم الكتاب إلى الذي كان عليه الحق بعد الإشهاد على نفسه باستيفائه؛ لأنه ربما خرج ما قبضه مستحقاً فيحتاج إلى حجة بحقه. وكذلك بائع العقار لا يلزمه تسليم كتاب ابتياعه إلى المشتري منه بعد الإشهاد على نفسه بالبيع؛ لأن ذلك حجة له عند الدرك. انتهى.
(وما تَضمَّنَ الحكم ببينة يُسمَّى: سِجِلًا، وغيرُه) أي: وغير ما تضمن الحكم بالبينة يُسمَّى: (مَحْضَراً) بفتح الميم والضاد المعجمة وهو: عبارة عن الصك. سمي محضراً؛ لما فيه من حضور الخصمين والشهود. والمحضر شرح ثبوت الحق عند الحاكم، لا الحكم بثبوته. وهذه التسمية اصطلاحية.
أما السجل فأصله الصحيفة المكتوبة.
قال ابن دريد: السجل: الكتاب.
فعلى هذا كل كتاب يسمى سِجلاً، إلا أنه لما اختص غيره بصفة حضور المتداعيين وما جرى فيه سمي محضراً. وخصّ ما تضمنه الحكم باسم السجل اصطلاحاً على ذلك.
(والأوْلى: جعل السجلّ نُسختين: نسخة يدفعها إليه)، لتكون وثيقة بيده، (و) يجعل النسخة (الأخرى عنده) أي: عند الحاكم؛ ليرجع إلى النسخة التي عنده عند ضياع ما بيد الخصم أو عند الاختلاف فيها؛ لأن ذلك أحوط.
(وصفة المحضر: بسم الله الرحمن الرحيم حضرَ القاضيَ (بنصب الياء على أنه مفعول مقدم (فلانُ بن فلان) ويذكر ما يميزه (قاضيَ عبد الله الإمام على) مدينة (كذا. وإن كان) القاضي (نائباً كتب: خليفة القاضي فلان) بن فلان (قاضي عبد الله الإمام في مجلس حكمه وقضائه، بموضع كذا، مدَّعٍ) هذا
(1)
ساقط من ب.
فاعل حضر (ذكَر: أنه فلان بن فلان، وأحضر معه مدَّعىً عليه ذكر: أنه فلان بن فلان. ولا يُعتبر ذكر الجد بلا حاجة) إليه. (والأوْلى ذكر حِليَتِهما) أي: حلية المدعي والمدعى عليه، (إن جهلهما. فادَّعى عليه) أي: فادعى فلان على فلان (كذا فأقرَّ له أو فأنكر، فقال) القاضي (للمدعي: ألك بينة؟ قال: نعم. فأحضرها وسأله سماعَها، ففعل أو فأنكر) المدعى عليه (ولا بينة) للمدعي، (وسأل) من القاضي (تحليفه فحلَّفه. وإن نكل) المدعى عليه عن اليمين:(ذكره، وأنه حكم) عليه (بنُكُوله وسأله) أي: وسأل الخصم الحاكم (كتابةَ مَحضَرٍ) بما جرى بينهما، (فأجابه) إلى ذلك وجرى ذلك (في يوم كذا، من شهر كذا، من سنة كذا.
ويعلّمُ) القاضي (في الأقرار والإنكار والإحلاف) على رأس المحضر: (جرى الأمرُ على ذلك. وفي) شهادة (البينة: شهدا عندي بذلك)؛لأن الشهادة تتضمن كل ما هو من مقدماتها من الدعوى والجواب وغير ذلك.
(وإن ثبت الحق بإقرار، لم يُحتَج) أن يقال: (في مجلس حُكمه)؛لأن الإقرار يصح في غير مجلس الحكم. وإن كتب أنه شهد على إقراره شاهدان كان آكد.
(وأما السجل، فـ) هو: (لإنفاذ ما ثبت عنده، والحكم به.
وصفتُه): أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم (هذا ما أشهد عليه القاضي فلان) بن فلان- (كما تقدم) في أول المحضر- (مَن حضرَه من الشهود أشهدَهم: أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان، وقد عرفَهما بما رأى معه قبول شهادتهما، بمحضرٍ من خصمين ويذكُرُهما إن كانا معروفين. وإلا) أي: وإن لم يكونا معروفين (قال: مدَّعٍ ومدَّعىً عليه جاز حضورُهما وسماعُ الدعوى من أحدهما على الآخر، معرفة فلان بن فلان- ويذكر المشهود عليه- وإقرارُه طَوْعاً في صحةٍ منه وجوازِ أمرٍ، بجميع ما سُمي ووُصف) به (في كتابٍ نسختُه كذا. وينسَخُ الكتاب المثبِتَ أو المحْضَر جميعه حرفاً بحرف. فإذا فرغ) من نسخه (قال: وإن القاضي أمضاه وحَكم به على ما هو الواجب في مثله) يعني: على
صورة الحكم التي تجب في مثله، (بعد أن سأله ذلك، و) سأل (الإشهاد به الخصم المدَّعِي وينْسُبُه. ولم يدفعه خصمه) الحاضر معه (بحجة. وجعل كل ذي حُجة) في ذلك (على حجته، وأشهد القاضي فلان على إنفاذه، وحكمه، وإمضائه مَن حضره من الشهود، في مجلس حُكمه، في اليوم المؤرَّخ أعلاه.
و) أنه (أمَر بكَتْب هذا السجلّ نُسختين متساويتين: نسخة) تكون (بديوان الحُكم، ونسخة يأخُذها من كتبها له)؛لتكون كل واحدة من النسختين وثيقة بما أنفذه، ويكتب ذلك؛ ليعلم أن بها نسخة أخرى.
(ولو لم يُذكر) في السجل: (بمحضر من الخصمين، جاز) ذلك؛ (لجواز القضاء على الغائب).
وأما صفة كتاب القاضي إلى القاضي فقال في " شرح المقنع ":
بسم الله الرحمن الرحيم. سبب هذه المكاتبة أطال الله بقاء من تصل إليه من قضاة المسلمين وحكامهم أنه ثبت عندي في مجلس حكمي وقضائي الذي أتولاه في مكان كذا وإن كان نائباً قال: الذي أنوب فيه عن القاضي فلان- بمحضر من خصمين مدعٍ ومدعىً عليه جاز استماع الدعوى منهما وقبول البينة من أحدهما على الآخر، بشهادة فلان وفلان. وهما من الشهود المعدلين عندي عرفتهما وقبلت شهادتهما بما رأيت معه قبولها معرفة فلان بن فلان الفلانى بعينه واسمه ونسبه. فإن كان في إثبات أسر أسير قال: وإن الفرنج خذلهم الله تعالى أسروه من مكان كذا، في وقت كذا، وحملوه إلى مكان كذا، وهو مقيم تحت حوطتهم، وأنه فقير من فقراء المسلمين ليس له شيء من الدنيا، لا يقدر على فكاك نفسه، ولا على شيء منه، وأنه مستحق الصدقة على ما يقتضيه كتاب المحضر المتصل أوله بآخر كتابي المؤرخ بكذا. وإن كان في إثبات دين قال: وأنه يستحق في ذمة فلان بن فلان الفلانى ويرفع في نسبه ويصفه بما يتميز به من الدين كذا وكذا ديناً له عليه، حالاً وحقاً واجباً لازماً، وأنه يستحق مطالبته به واستيفاؤه منه. وإن كان في إثبات عين كتب وأنه مالك لما. في يدي فلان من الشيء الفلانى، ويصفه بصفة يتميز بها مستحق، لأخذه وتسليمه على ما يقتضيه
كتاب المحضر المتصل بآخر كتابي هذا المؤرخ بتاريخ كذا. وقال الشاهدان المذكوران إنهما عالمان بما شهدا به وله محققان
(1)
وأنهما لا يعلمان خلاف ما شهدا به إلى حين أقاما الشهادة عندي، فأمضيت ما ثبت عندي من ذلك وحكمت بموجبه بسؤال من جاز مسألته. وسألني من جاز سؤاله وشرعت الشريعة المطهرة إجابته للمكاتبة إلى القضاة والحكام فأجبته إلى ما التمسه لجوازه شرعاً، وتقدمت بهذا فكتبت وبإلصاق المحضر المشار إليه فألصق. فمن وقف عليه منهم وتأمل ما ذكرته وتصفح ما سطرته واعتمد في إنفاذه والعمل بموجبه ما يوجب الشرع المطهر. أَحْرز من الأجر أجْزله. وكتب من مجلس الحكم المحروس من مكان كذا في وقت كذا.
ولا يشترط أن يذكر القاضى اسمه في العنوان ولا ذكر المكنوب إليه في باطنه. وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا لم يذكر اسمه فلا يقبله؛ لأن الكتاب ليس إليه ولا يكفي ذكر اسمه في العنوان دون باطنه؛ لأن ذلك لم يقع على وجه المخاطبة.
ولنا: أن المعول فيه على شهادة الشاهدين على الحاكم الكاتب بالحكم وذلك لا يقدح. ولو ضاع الكتاب أو انمحى سمعت شهادتهما وحكم بها. انتهى.
(ويَضُمُّ) الحاكم والشاهد (ما اجتمع) عنده: (من مَحضر وسجلِ ويَكتُب عليه) أي: على ما ضمه من ذلك: (مَحاضِرُ كذا من وقتِ كذا)؛ ليسهل عليه كشف ما يحتاج إليه من ذلك عند الاحتياج إليه. وألله سبحانه وتعالى أعلم.
***
(1)
في ج: تحققان.
[باب: القسمة]
هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام القِسْمة. ولما كان منها ما يقع بإجبار الحاكم على القسمة ناسب وضعها هنا
(1)
. وهي بكسر القاف، اسم مصدر: من قسمت الشيء إذا جعلته أقساماً. والقِسم بكسر القاف: النصيب المقسوم، وبفتحها مصدر قسمت الشيء فانقسم، وقاسمه المال وتقاسماه واقتسماه. وإذا أردت
(2)
تعريفها قلت:
(القِسْمَة: تمييزُ بعض الأنصباء عن بعض، وإفرازُها عنها). والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ} [النساء: 8].
وقوله سبحانه وتعالى: [وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ][القمر: 28].
وأما السنة؛ فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الشفعة فيما لا
(3)
يُقسم "
(4)
.
وقد " قسّم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على ثمانية عشر سهماً "
(5)
.
وأجمعت الأمة على جواز القسمة: فروي
(6)
أنه كان لعلي قاسم يقال له:
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: زدت.
(3)
في ب: لم.
(4)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(2363) 2: 883 كتاب الشركة، باب الشركة في الأرضين وغيرها.
(5)
أخرجه أبو داود في"سننه"(3010) 3: 159 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.
(6)
في ج: يروى.
علي بن يحيى، وكان يرزقه من بيت المال. ولم يوجد له مخالف من الصحابة ولا من بعدهم إلى عصرنا هذا.
ولأن بالناس حاجة إلى قِسمة الأملاك المشتركة؛ لأن الناس تختلف أغراضهم وطباعهم. فربما حصل النزاع بين الشريكين في العين المشتركة فيؤدي [عدم القسمة]
(1)
إلى تعطيلها وترك الانتفاع بها؛ لما فيها من النزاع بينهما.
فوجب قسمتها بينهما إذا أمكن ذلك، فناسب أن يفصل بينهما بالقسمة؛ لقطع النزاع، كما وجب الحكم بين المتنازعين؛ لقطع النزاع.
(وهي) أي: القسمة (نوعان:
أحدُهما) أي: أحد النوعين: (قسمةُ تَراض) وهي: ما يتفق فيها الشركاء على القسمة.
(وتحرُم) القسمة (في) شيء (مشترَك لا ينقسم إلا بضرر) على الشريكين أو على أحدهما، (أو) بـ (ردّ عوض) منهما أو من أحدهما، إما لأنه يتعطل الانتفاع به مقسوماً؛ (كحمَّام ودورٍ صغارٍ)، أو لأنه لا تتعدل أجزاوه إلا بالتجزئة وهو جعلها أجزاء ولا بالقيمة
(2)
(و) ذلك؛ كـ (شجر مفرد، وأرض ببعضها بئر أو بناء، ونحوه)؛ كمعدن.
(ولا تتعدَّل بأجزاء ولا قيمة) فهذه تحرم قسمتها، (إلا برضا الشركاء كلّهم)؛لما في ذلك من الضرر.
وقد روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً قال: " لا ضرر ولا ضرار "
(3)
. رواه ابن ماجه والدارقطني.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: لا ينعدل أجزاء ولا بالتجزئة وهو جعلها أجزاء ولا بالقيمة، وفي ج: لا يعدل أجزاء ولا بالتجزئة وهو جعلها أجزاء ولا بالقسمة.
(3)
أخرجه ابن ماجه في"سننه"(2341) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره.
وأخرجه الدارقطني (84) 4: 228 كتاب الأقضية.
ولهما أيضاً من حديث عمرو بن يحيي المازنى عن أبيه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار"
(1)
. رواه مالك في"الموطأ"عن عمرو عن أبيه مرسلاً
(2)
.
قال الثوري: حديث حسن وله طرق يقوي بعضها بعضاً.
ولأن فيها إما ضرر أو رد عوض، وكلاهما لا يجبر الإنسان عليه.
(وحُكم هذه) القسمة (كبيع) يعني: لا (يجوز فيها) إلا (ما يجوز فيه) أي: في البيع (خاصة)؛لما فيها من الرد وبهذا تصير بيعاً، لأن صاحب الرد بذل المال عوضاً عما حصل له من حق شريكه وهذا هو البيع.
(لمالك وولي) هذه عبارة " الفروع ". ومعنى ذلك: أن قسمة التراضي المذكورة تتعقد وتلزم من مالك النصيب ومن وليه إذا لم يكن مكلفاً كشراء ولي اليتيم لليتيم، وبيع ماله للمصلحة.
(ولو قال أحدهما) أي: أحد الشريكين: (أنا آخذ الأدنى) أي: الأسفل، (ويبقي لي في الأعلى تتمَّة حصَّتي فلا إجبار) أي: لم يجبر شريكه على ذلك. قاله في"الترغيب" وغيره. وقدمه في"الفروع". ولعل ذلك؛ لما فيه من إسقاط حق شريكه من الأدنى بغير رضاه.
(ومن دعا شريكه إلى بيعٍ فيها) أي. في قسمة التراضي: (أُجبر) على البيع، (فإن أبى) [أي: امتنعٍ]
(3)
شريكه أن يبيع معه: (بِيع عليهما) يعني: باعه الحاكم عليهما (وقُسّم الثمن) عليهما على قدر حصصهما.
قال في " الفروع ": نقله الميمونى وحنبل. وذكره القاضي وأصحابه، وذكره في
"الإرشاد"و"الفصول"و"الإيضاح"و"الترغيب" وغيرهما. وكلام الشيخ و"المحرر" يقتضي المنع. انتهى.
(1)
أخرجه الدارقطنى (85) 4: 228 كتاب الأقضية. ولم أره في ابن ماجه عن أبي سعيد.
(2)
أخرجه مالك في"المؤطأ"(31) 2: 571 كتاب الأقضية في المرفق.
(3)
ساقط من أ.
(وكذا لو طلب) أحد الشريكين (الإجارة) أي: أن يؤجر معه ما هو مشترك بينهما، (ولو) كان شريكاً (في وقف) يعني: فإن الممتنع من الاجارة يجبر عليها، فإن أبى أجّره الحاكم عليهما وقسم الأجرة بينهحا على قدر حصصهما.
قال في " الفروع ": وكذا الإجارة ولو في وقف. ذكره شيخنا. وللشافعية وجهان في الإجارة.
قال أبو عمرو بن الصلاح: وددت لو محي من المذهب. قال: وقد عُرف من أصلنا أنه إذا امتنع السيد من الإنفاق على مماليكه باعهيم الحاكم عليه، فإذا صرنا إلى ذلك دفعاً للضرر عن شريك له علمه حق وملك فلمَ لا نصير إلى ذلك دفعاً للضرر
(1)
عن شريك لا حق له ولا ملك؟. انتهى.
(والضرر المانع من قسمة الإجبار: تقص القيمة بها) أي: بالقسمة على الأصح.
وعنه: عدم النفع به مقسوماً منفعته التي كانت قبل القسمة. اختاره الخرقي.
والأول المذهب، سواء انتفعوا به مقسوماً أو لم ينتفعوا.
قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد؛ لأنه قال في رواية الميموني: إذا قال بعضهم نقسم وبعضهم لا نقسم: فإن كان فيه نقصان من ثمنه بيع وأعطي الثمن.
فاعتبر نقصان الثمن. [وهذا ظاهر]
(2)
كلام الشافعي؛ لأن نقص قيمته ضرر والضرر منفي شرعاً.
وقال مالك: يجبر الممتنع وإن استضر قياساً على ما لا ضرر
(3)
فيه.
قال في"شرح المقنع": ولا يصح؛ لقوله: "لا ضرر ولا ضرار"
(4)
. من " المسند ".
(1)
زيادة من " الفروع " 6: 506.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ج: على الاضرار.
(4)
سبق تخريجه ص (331) رقم (3).
ولأن في قسمته ضرراً. فلم يجبر عليه؛ كقسمة الجوهرة بكسرها.
ولأن في قسمته إضاعة مال. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
ولا يصح القياس على ما لا ضرر فيه؛ لما بينهما من الفرق. انتهى.
(وإن انفرد أحدُهما) أي: أحد الشريكين (بالضرر، كرب ثلُث مع رب ثلثين) يعني: كما لو كان لأحدهما الثلث ولشريكه الثلثان: (فـ) أيهما طلب القسمة وأبى شريكه لم يجبر على الأصح " (كما لو تضرَّرَا).
قال في " الإنصاف ": والصحيح من المذهب: أنه لا إجبار على الممتنع من القسمة منهما. وعليه أكثر الأصحاب. وحكاه المصنف والشارح عن الأصحاب. وقالوا: هو المذهب. وقدمه في " الفروع ".
قال الزركشي: جزم به القاضي في "الجامع"،والشريف وأبو الخطاب في"خلافيهما "، والشيرازي. وهو ظاهر رواية حنبل. انتهى.
قال في "الفروع"بعد أن قدم المذهب: واختار جماعة إن طلبها المتضرر يعني: صاحب الثلث: أجبر الآخر.
وعنه: عكسه. انتهى.
ووجه المذهب: " نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعه المال"
(1)
.
ولأن طلب القسمة من المستضر سفه فلا تجب إجابته إلى السفه.
قال الشريف: متى كان أحدهما يستضر لم يجب إلى القسمة.
(وما تَلاصَق من دُورٍ) مشتركة (وعَضائدَ، وأقْرِحَةٍ، وهي: الأراضي التي لا ماء فيها ولا شجر؛ كمتفرّقٍ) يعني: (فـ) إنه (يُعتبر الضرر) وعدمه (في كل عين) منه (على انفرادها)؛لأنها أعيان تختص كل واحدة منها
(2)
باسم وصورة، لأنها لو بيعت إحداها
(3)
لم تجب الشفعة لمالك التي بجانبها. فاعتبرت كل عين منها على حدتها.
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(18216) 4: 250.
(2)
في ج: واحد منهما.
(3)
في ج: إحداهما.
(ومَن بَيْنَهما عبيدٌ، أو) بينهما (بهائم، أو) بينهما (ثياب، ونحوها)؛كالأوانى وهي (من جنس) واحد؛ كالعبيد إذا كانت كلها من النوبة أو من الحبش، والبهائم إذا كانت كلها بقراً أو جمالاً، والثياب إذا كانت كلها من كتان أو من قطن، والأوانى إذا كانت كلها من زجاج أو نحاس، (فطلب أحدهما) أي: أحد الشريكين فيها (قسْمَها أعياناً بالقيمة) أي: بأن تعدل بالقيمة وأبى شريكه: (أُجبر الممتنع إن تساوت القِيَم) على الأصح؛ لحديث عمران بن حصين " أن رجلاً أعتق في مرضه ستة أعبد. وأن النبي صلى الله عليه وسلم جّزأهم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرَقّ أربعة"
(1)
.
وهذه قسمة لهم؛ لأن ذلك عين أمكن قسمتها ولا ضرر ولا رد عوض. فأجبر الممتنع؛ كما لو كانت أرضاً.
(وإلا) أي: وإن لم تكن قيمها متساوية: (فلا) يجبر الممتنع؛ (كما لو اختلف الجنس)، بأن كان بعض العبيد بيضاً وبعضهم سوداً ونحو ذلك.
(وآجرٌّ) وهو اللبن المشوي (ولَبِن) بكسر الباء الموحدة وهو غير المشوي. والحال: أن كلاً منهما (متساوي القوالِب) في الصغر أو الكبر (من قِسمة الأجزاء) لتساويهما في القدر، (ومتفاوتُهما من قسمة التعديل) بالقيمة.
(ومَن بينهما) أي: بين اثنين شركة (حائط، أو) كان بينهما (عَرْصَة حائط وهي: التي) كان بها حائط وصارت (لا بناء فيها فطلب أحدُهما) أي: أحد الشريكين (قَسْمَه) أي: قسم الحائط (ولو) كان طلبه لقسم الحائط (طولاً في كمال العرض) وذلك بأن يكون لأحدهما من الحائط قطعة من أسفلها إلى
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3958) 4: 28 كتاب العتق، باب فيمن أعتق عبيداً له لم يبلغهم الثلث.
وأخرجه الترمذي في"جامعه"(1364) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم.
وأخرجه النسائى في"سننه"(1958) 4: 64 كتاب الجنائز، الصلاة على من يحيف في وصيته.
وأخرجه أحمد في"مسنده"(19838) 4: 438.
أعلاها في كمال عرض الحائط وللآخر كذلك وأبى شريكه: لم يجبر في الأصح.
(أو) طلب أحدهما قسمة (العَرْصة عَرْضاً ولو وَسعِت حائطين) وامتنع شريكه: (لم يُجبر ممتنع) من القسمة في الأصح.
قال في " الإنصاف ": وإن كان بينهما حائط: لم يجبر الممتنع من قَسْمِه.
فإن استَهْدَم يعني: حتى بقي عرصة: لم يُجبر على قَسْمِ عَرْصَتِه. هذا أحد الوجهين، والمذهب منهما. انتهى.
وقال في " المحرر ": وإن كان بينهما حائط أو عرصة حائط فقيل:
لا إجبار في قسمتها بحال وهو الأصح. انتهى.
قال شارحه: لأنه إن كان الحائط مبنياً لم تمكن قسمته عرضاً في تمام طوله بدون نقصه لينفصل أحدهما من الآخر وذلك لا يجوز الإجبار عليه. ولا طولاً في تمام العرض؛ لأن كل قطعة من الحائط ينتفع بها على حدتها والنفع فيها مختلف. فلا يجوز إجبار واحد منهما على ترك انتفاعه بمكان منه وأخذ غيره؛ كما لو كانا دارين أو عضادتين
(1)
متلاصقتين. وهذا بخلاف الأرض الواسعة فإن الانتفاع بالجميع منها على وجه واحد. وإن كان الحائط غير مبني فهو كالعرصة الضيقة، والعرصة الضيقة لا يجوز الإجبار في قسمتها فكذلك هذه. انتهى.
وذلك ايضاً، (كمن بينهما دارٌ لها عُلوٌ وسُفل: طلب أحدهما) أي: أحد الشريكين في العلو والسفل (جعل السفل لواحد) منهما (والعُلوّ للآخر) وامتنع شريكه: لم يجبر الممتنع؛ لأن السفل والعلو يختلفان في المنفعة والاسم. ولو كان كل واحد منهما لواحد فباع أحدهما لم تجب الشفعة للآخر، فهما كالدارين المتلاصقين المشتركين إذا طلب أحدهما أن يقسما بينهما كل دار لواحد وأبى الآخر: لم يجبر الممتنع؛ لأنه طلب نقل حقه من عين إلى أخرى بغير رضاه فلا يجبر
(2)
كذلك هنا
(3)
.
(1)
في ب: عضاوتين.
(2)
في ج: يجوز.
(3)
في أ: هذا.
(أو) طلب أحدهما (قَسْم سِفل لا) قسم (علو، أو عكسه) بأن طلب أحدهما قسم العلو دون السفل، (أو) طلب أحدهما قسم (كل واحد) من العلو والسفل (على حدة) وامتنع الآخر: لم يجبر الممتنع؛ لما تقدم.
(وإن طلب) أحد الشريكين (قَسْمَهما) أي: قسم السفل والعلو (معاً ولا ضرر) في ذلك: (وجب) على الشريك أن يجيبه، (وعُدّل) القسم في ذلك (بالقيمة)؛لأنه أحوط، (لا) جعل (ذراعِ سُفل بذراعِي عُلُوٍّ) أو عكسه، (ولا ذراعٍ بذراعٍ) إلا أن يتراضيا
(1)
على ذلك.
(ولا إجبار في قسمة المنافع) على الأصح؛ لأن المهايأة معاوضة حق بحق. فلا يجبر عليها الممتنع؛ كالبيع.
ولأن قسمة المنافع إنما تكون بقسمة الزمان، والزمان إنما يقسم بأن يأخذ أحدهما قبل الآخر وهذا لا تسوية فيه، فإن الآخر يتأخر حقه فلا يجبر على ذلك.
(وإن اقتسماها) أي: أقتسم الشريكان في المنافع (بزمان أو مكان: صح) ذلك (جائزاً) أي: غير لازم على الأصح، سواء عيَّنَا مدة أو لم يعيناها؛ كالعارية من الجهتين يعني: كما لو استعار كل واحد من الآخر شيئاً فلكل منهما الرجوع متى شاء.
(فلو رجع أحدهما بعد استيفاء نوْبته: غَرِم ما انفرد به) يعني: أنه يعطي شريكه أجرة المثل من حصته زمن انفراده بالانتفاع.
(ونفقة الحيوان) المشترك (مدة كل واحد) من الشريكين المتهايئين في نوبته (عليه)؛ لتراضيهما على المهايأة.
(ومَن بينهما) أرض (مزروعة، فطلب أحدهما قِسمتَها دون زرع) وأبى الآخر: أجبر، و (قُسِمت كخالية) من الزرع؛ لأفها أرض أمكن أن تقسم من غير ضرر. فأجيب من طلب
(2)
قسمها
(3)
.
(1)
في ب: تراضيا.
(2)
في أ: طلبها.
(3)
في ب: قسمها.
ولأن الزرع في الأرض كالقماش في الدار، وهو لا يمنع قسمة الدار. فكذا هنا.
ولا فرق في ذلك بين كون الزرع بذراً أو قصيلاً أو مشتد الحب.
(و) إن طلب قسم الأرض (معه) أي: مع الزرع، (أو) طلب قسم (الزرع فى دونها) أي: دون الأرض: (لم يُجبر ممتنع) من ذلك في الصورتين في الأصح.
أما في قسمة الزرع مع الأرض؛ فلأن الزرع مودع في الأرض للنقل عنها فلا يقسم معها؛ كالقماش الذي في الدار.
وأما في قسم الزرع وحده؛ فلأن القسمة لا بد فيها من تعديل المقسوم. وتعديل الزرع بالسهام لا يمكن؛ لأن الزرع يكون فيه جيد ورديء. فإذا أريدت قسمته فلا بد وأن يجعل الكثير من الرديء في مقابلة القليل من الجيد. فيكون صاحب الرديء منتفعاً من الأرض بأكثر من حقه؛ لأن الزرع يجب بقاؤه في الأرض إلى حين حصاده.
(فإن تراضيا) أي: رضي كل واحد من الشريكين (على أحدهما) أي: على قسم الأرض مع الزرع، أو على قسم الزرع وحده (والزرع قَصيلٌ) لم يشتد له حب، (أو) والزرع (قطن: جاز)؛لأن الحق لا يخرج عنهما ولا محذور عليهما في ذلك؛ لجواز التفاضل فيما ذكر. (وإن كان) الزرع (بَذراً أو سُنبُلاً مشتدَّ الحب: فلا) يجوز لهما ذلك في الأصح.
أما إذا كان بذراً؛ فلجهالته.
وأما إذا كان سنبلاً مشتد الحب؛ فلأنه بيع السنبل بعضه ببعض. وذلك لا يصح؛ لعدم العلم بالتساوي، وذلك كالعلم بالتفاضل.
(وإن كان بينهما) أي: بين الشريكين (نهْر أو قناة أو عين ماء: فالنفقة) على ذلك (لحاجة) إلى النفقة (بقدر حقَّيهما) أي: حق كل واحد منهما من الماء؛ كنفقة العبد
(1)
المشترك، (والماء) بينهما (على) قدر (ما شرطا) هـ
(1)
في ج: الولد.
(عند الاستخراج) أي: استخراج الماء؛ لقوله: "المسلمون على شروطهم "
(1)
.
ولأن ذلك تملك مباح. فكان على ما شرطاه؛ كما لو اشتركا في احتشاشٍ أو اصطياد.
(ولهما) أي: للشريكين (قِسمتُه) أي: قسمة الماء (بمُهايأة بزمن)؛لأن الله سبحانه وتعالى ذكر المهايأة بالزمان في القرآن وسماه قسمة، فقال سبحانه وتعالى:[وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ][القمر: 28]. وكان للناقة شرب يوم ولهم شرب يوم آخر.
(أو) قسمته (بنصْب خشبة، أو) بنصب (حجر مستوٍ في مصطدَم الماء، فيه ثقبان بقدر حقَّيْهما)؛لأن ذلك طريق إلى التسوية بينهما؛ كقسم الأرض بالتعديل.
(ولكلٍ) من الشريكين (سقيُ أرضٍ، لا شِرْبَ) بكسر الشين المعجمة وهو النصيب (لها منه) أي: لا نصيب لها من هذا الماء (بنصيبه) في الأصح؛ لأن له أن يفعل بنصيبه من الماء ما شاء من شرب وسقي أرض وبهائم.
قال في " المقنع ": ويحتمل أن لا يجوز. ويجيء على أصلنا: أن الماء لا يُملك. وينتفع كلٌّ منهما على قدر حاجته. وقاله قبله أبو الخطاب؛ لأنه يكون من المباحات. والمباح ينتفع كل واحد منه بقدر
(2)
حاجته.
***
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.
(2)
في ب: ينتفع به كل واحد بقدر.
[فصل: في قسمة الإجبار]
(فصل) النوع (الثاني) من نوعي القسمة: (قِسمةُ إخْبار. وهي: ما لا ضرر فيها) على أحد من الشركاء، (ولا) فيها (ردّ عوض) من واحد من الشركاء. وسميت قسمة إجبار؛ لأن الحاكم يُجبر الممتنع منها إذا كملت عنده شروط الإجبار. ويأتى تفصيلها.
إذا علمت ذلك فإنه (يُجبر شريكه أو ولُّيه) أي: ولي الشريك إذا كان الشريك غير مكلف ولو كان وليه حاكماً في الأصح بطلب الشريك الآخر أو وليه؛ (وتَقسم حاكم على غائب منهما) أي: من الشريك أو وليه؛ لأن قسمة الإجبار حق على الغائب. فجاز الحكم به عليه؛ كسائر الحقوق، (بطلب شريك) للغائب، (أو وليه) أي: ولي شريك الغائب إن لم يكن مكلفاً، (قَسْمَ) بنصب الميم على أنه مفعول طلب مضاف إلى قوله:(مشترَك) يعني: أنه متى طلب شريك أو وليه قسم مشترك بينه وبين غيره (من مَكيلِ جنسٍ)؛كالحبوب كلها والمعاينات، وما يكال من الثمار؛ كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق، أو يكال من غير الثمار؛ كالأشنان، (أو موزونه) أي: موزون جنس؛ كالذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص ونحوها من الجامدات. وسواء كان ذلك مما (مسَّته النار؛ كدبسٍ وخلّ تمرٍ، أوْ لا) يعني: أو لم تمسه النار؛ (كدُهنٍ ولبنٍ وخلّ عنب.
و) كذا لو كان المشترك (من قريةٍ ودار كبيرةٍ، ودُكَّان وأرض واسعتين، وبساتين ولو لم تتساوَ أجزاؤها) أي: أجزاء هذه المذكورات: (إذا أمكن قسْمُها بالتعديل، بأن لا يُجعل شيء معها).
ويشترط لحكم الحاكم بالإجبار على
(1)
القسمة ثلاثة شروط:
أحدها
(2)
: أن يثبت عند الحاكم ملك الشركاء لذلك المقسوم بالبينة؛ لأن في الإجبار عليها حكمٌ على الممتنع من القسمة من الشركاء. فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه. بخلاف حالة الرضى فإنه لايحكم على أحد من الشريكين، إنما يقسم بقولهما ورضاهما.
الشرط الثانى: أن يثبت عنده أن لا ضرر فيها. فإن كان فيها ضرر لم يجبر الممتنع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرَرَ ولا ضِرَار
(3)
"
(4)
. رواه ابن ماجه.
وفي لفظ."أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرَرَ ولا ضِرَار
(5)
"
(6)
.
الشرط الثالث: أن يثبت عنده إمكان تعديل السهام في العين المقسومة من غير شيء يجعل فيها. وإلا لم يجبر الممتنع، لأنها تصير بيعاً والبيع لا يجبر فيه أحد المتبايعين.
ومن أمثلة ذلك: أرض قيمتها مائة فيها شجرة
(7)
، أو بئر تساوي مائتين.
فإذا جعلت الأرض سهماً كانت الثلث فيُحتاج أن يجعل معها خمسين درهماً يردها على شريكه الذي لم يخرج له البئر أو الشجرة ليكونا نصفين متساويين فهذه فيها بيع. ألا ترى أن الذي أخذ الأرض قد باع نصيبه من البئر أو الشجرة بالخمسين درهماً الذي أخذها. والبيع لا يجبر عليه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].
(1)
في ج: في.
(2)
في ب: أحدهما.
(3)
في أ: إضرار.
(4)
سبق تخريجه ص (331) رقم (3).
(5)
في أوب، بضرار.
(6)
أخرجه ابن ماجه في"سننه "(2340) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره. عن عبادة بن الصامت.
(7)
في ج: شجر.
فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة
(1)
أجبر الممتنع من القسمة على القسمة؛ لأنها تتضمن إزالة ضرر الشركة عنهما وحصول النفع لهما؛ لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره. ويتمكن من إحداث الغِراس والبناء والساقية ونحو ذلك ولا يمكنه ذلك مع الاشتراك.
(ومن دعا شريكه في بستانٍ إلى قَسْم شجره فقط) يعني: دون أرضه: (لم يُجبر) شريكه على قسم
(2)
الشجر؛ [لأن الشجر]
(3)
المغروس تابع لأرضه غير مستقل بنفسه. ولهذا لا تثبت الشفعة فيه إذا بيع منه جزء دون أرضه.
(و) إن دعا شريك في بستان شريكه (إلى قَسم أرضه) أي: أرض البستان: (أُجبر، ودخل الشجر) في القسمة (تبعاً) للأرض؛ كالأخذ بالشفعة.
(ومَن بينهما أرض: في بعضها نخل وفي بعضٍ) آخر (شجر غيره) أي: غير النخل، (أو) بعضها [(يشرب سَيْحاً وبعضها) يشرب (بَعْلاً) وطلب أحد الشريكين قسمة كل عين على حدة وطلب الآخر قسمتها
(4)
أعياناً بالقيمة: (قدم من]
(5)
يطلب قسمة كلّ عين على حدة إن أمكنت تسويتُه في جيّده ورديئه)؛لأن ذلك أقرب إلى التعديل؛ لأن لكل واحد منهما حقاً في الجميع.
ولأن الحامل على القسمة زوال الشركة وهو حاصل بما ذكر.
(وإلا) بأن لم تمكن التسوية في جيده ورديئه [(قُسمت أعياناً بالقيمة إن أمكن التعديل) فيجبر الممتنع من القسمة.
(وإلا) أي: وإن لم يمكن التعديل]
(6)
(فأبى أحدهما) أي: أحد
(1)
في ب: الثلاث.
(2)
في ب: قسمة.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في ج: قسمها.
(5)
ساقط من ب.
(6)
ساقط من أ.
الشريكين من القسمة: (لم يُجبر)؛لفقد شرط الإجبار وهو إمكان تعديل السهام
(1)
.
(وهذا النوع) من القسمة وهو قسمة الإجبار: (إفرازٌ) أي: إفراز
(2)
حق أحد الشريكين من الآخر.
قال في " المقنع ": في ظاهر المذهب يقال: فرزت الشيء وأفرزته
(3)
إذا عزلته. والإفراز: مصدر أفرز. واصل الفرز من الفرزة، وهي: القطعة، فكان الإفراز اقتطاع لحق أحدهما من الآخر وليست بيعاً؛ لأنها تخالف البيع في الأحكام والأسباب. فلم تكن بيعاً؛ كسائر العقود.
ولأنها لو كانت بيعاً لم تنفذ بقدر نصف الشريك. ولما صحت بغير رضى الشريك، ولوجبت فيها الشفعة ولما لزمت بالقرعة.
وحيث تقرر أن قسمة الإجبار لم تكن بيعاً (فيصحُّ قَسْم لحم هَدْي و) لحم (أضاحي) ولا يصح بيع شيء منها.
(لا رَطب) بفتح الراء (من شيء) ربوي (بيابسه) يعني: أنه متى كان بين اثنين قفيز تمر وقفيز رطب، أو كان بينهما رطل لحم طري ورطل لحم قديد: لا يجوز [أن يأخذ أحدهما التمر والآخر الرطب، ولا]
(4)
أن يأخذ أحدهما اللحم الطري والآخر
(5)
القديد؛ لوجود الربا المحرم بالشرع؛ لأن حصة كل واحد من الرطب تقع بدلاً عن حصة شريكه من اليابس، وبيع الرطب من ذلك بيابسه حرام مع التراضي. فهنا أولى.
(و) يصح قسم (ثمر يُخْرَصُ) من رطب وعنب (خَرْصاً) أي: حال كون القسم بالخرص.
(1)
في ج: الشهادة.
(2)
في ج: إفراغ.
(3)
في أ: ففرزته.
(4)
ساقط من أ.
(5)
في ج: والآخر اللحم.
(و) يصح قسم (ما يُكال) من حب ومائع (وزناً) أي: بالوزن، (وعكسه) أي: ويصح قسم ما يوزن من برادة الحديد ونحوه بالكيل.
ويصح قسم ما يشترط لصحة بيعه قبضه بالمجلس؛ كبيع الذهب بفضة بعضه ببعض والفضة بعضها ببعض. (وإن لم يُقبض) المقسوم من
(1)
ذلك (بالمجلس.
و) يصح قسم (مرهون، و) قسم (موقوف ولو) كان موقوفاً (على جهة) واحدة على ما ظهر لصاحب " الفروع " من كلام الأصحاب. فإنه حكى أوّلاً أن الشيخ تقي الدين قال: صرح الأصحاب بأن الوقف إنما يجوز قسمته إذا كان على جهتين. فأما الوقف على جهة واحدة فلا تقسم عينه قسمة لازمه
(2)
اتفاقاً؛ لتعلق حق الطبقة الثانية والثالثة لكن تجوز المهايأة بلا مناقلة. ثم قال: والظاهر أن ما ذكره
(3)
شيخنا عن الأصحاب يعنى: من كون أن
(4)
الوقف إنما تجوز قسمته إذا كان على جهتين وجه. يعني: كغيره من الوجوه المحكية في المذهب. قال: وظاهر كلامهم أي: كلام الأصحاب لا فرق يعني: بين كون الوقف على جهة أو جهتين. قال: وهو أظهر.
وفي " المبهج ": لزومها إذا اقتسموا بأنفسهم. انتهى.
وإنما تصح قسمة الوقف إذا كان على
(5)
جهة أو أكثر (بلا ردٍ) أي: بلا رد عوض من أحد الجانبين؛ لأن العوض إنما يرده من يكون نصيبه أرجح فيبقى
(6)
العوض في مقابلة الزائد فيكون عوضاً عن بعض عين الوقف. فكأن آخذ العوض باع الزائد عن نصيبه لدافع العوض فيصير ذلك بيعاً لبعض الوقف.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: فلا يقسم عيناً لازمة.
(3)
في أ: ذكر، وفي ب: نقل.
(4)
زيادة من ب.
(5)
ساقط من أ.
(6)
في ب: ليبقى.
(و) يصح قسم (ما) أي: قسم مكان (بعضه وقف) وبعضه غير وقف (بلا رد من رب الطّلْق) بكسر الطاء وهو: لغة الحلال وسمي المملوك طِلقاً؛ لأن جميع التصرفات فيه حلال من البيع والهبة والرهن وغير ذلك. والموقوف ليس كذلك؛ لأن أهل الوقف
(1)
إذا أخذوا شيئاً من رب الطّلق كان عوضاً عن بعض الوقف وذلك لا يجوز، لأن بيع الوقف غير جائز.
(وتصح) قسمة ما بعضه وقف (إن تراضيا) أي: تراضيا
(2)
الموقوف عليه ورب الطّلق (بردٍّ من أهل الوقف) يعني: وإن كان الرد من أهل الوقوف جاز؛ لأنهم يشترون بعض الطلّق وهو جائز.
(لا يحنث بها) أي: بالقسمة (من حلف: لا يبيع)، لأن هذه القسمة ليست بيعاً. وحكي عن أبي عبد الله بن بطة ما يدل على أنها كالبيع. فتنعكس هذه الأحكام.
(ومتى ظهر فيها) أي: في قسمة الإجبار (غَبن فاحش: بطلت)، لتبيّن فساد الإفراز. وإن قلنا: هي بيع لم تبطل وثبت خيار الغبن.
قال في " الإنصاف ": ذكره في " المستوعب " و" البُلغة ".
(ولا شُفعة في نوعَيْها) وهما قسمة التراضي وقسمة الإجبار في الأصح من الطريقتين؛ لأنه لو ثبت
(3)
لأحدهما على الآخر لثبت
(4)
للآخر عليه فيتنافيان، (ويُفسخان) بغبن. ويثبت الفسخ في كلٍّ من نوعي القسمة (بعيب) يظهر في نصيب أحد الشريكين في الأصح.
وقيل: تبطل بفوت التعديل.
(ويصحُّ) من الشريكين (أن يتقاسما بأنفُسهما، وأن يَنْصِبا قاسماً) من عند أنفسهما؛ لأن الحق لهما فكيف ما اتفقا عليه جاز، (وأن يسألا حاكماً نَصْبَه)
(1)
في ج: الموقف.
(2)
في ب: تراضي.
(3)
في ب: لأنها لو ثبتت.
(4)
في ب: لثبتت.
أي: أن ينصب قاسماً يقسم بينهما؛ لأن الحاكم أعلم بمن يصلح للقسمة. فإذا سألوه إياه وجبت عليه إجابتهم؛ لقطيع النزاع بين الشريكين.
(ويُشترط: إسلامه) أي: إسلام القاسم الذي ينصبه الحاكم، (وعدالتُه) ليقبل قوله في القسمة، (ومعرفتُه بها) أي: بالقسمة ليحصل منه المقصود؛ لأنه إذا لم يعرف ذلك لم يكن تعيينه للسهام مقبولاً كحاكم يجهل ما يحكم به. لا حريته فتصح قسمته ولو كان عبداً.
(ويكفي) قاسم (واحد) حيث لم يكن في القسمة تقويم؛ لأن القاسم كالحاكم، والحاكم يكفي وحده في الحكم، (لا مع تقويمٍ) في الأصح فلا بد من اثنين؛ لأن التقويم شهادة بالقيمة. فلم يقبل فيه أقل من اثنين؛ كباقي الشهادات.
(وتُباح أجرتُه) أي: إعطاوها له وأخذه إياها؛ لأنها عوض عن عمل لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة. (وتُسمى) أجرة القاسم: (القُسَامة بضم القاف).
قال الخطابي: القُسامة بضم القاف: اسم لما يأخذه القاسم لنفسه في القسمة.
وقيل: يكره أخذ الأجرة على القسمة؛ لما روى أبو سعيد مرفوعاً: " إياكم والقُسامة. قيل: وما القُسامة؛ قال: الشيء يكون بين الناس فينتقص منه "
(1)
. رواه أبو داود.
قال الخطابي: وإنما جاء هذا فيمن ولي أمر قوم وكان عريفاً لهم أو نقيباً.
فإذا قسم بينهم سهامهم أمسك منها شيئاً
(2)
لنفسه يستأثر
(3)
به عليهم. ثم ذكر ما رواه أبو داود بإسناد جيد عن عطاء بن يسار مرسلاً نحوه، قال فيه:"الرجل يكون على الفَئامِ من الناس فيأخذ من حظ هذا ومن حظ هذا "
(4)
.
الفئام: الجماعات.
(1)
أخرجه أبو داود في"سننه"(2783) 3: 91 أول كتاب الجهاد، باب في كراء المقاسم.
(2)
في ج: أشياء.
(3)
في ب: ليستأثر.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2784) الموضع السابق.
(وهي) أي: والقُسامة على الشركاء (بقدر الأملاك). نص عليه، (ولو شرط خلافه) على المذهب.
وقال في "الكافي": هي على ما شرطاه.
(ولا ينفرد بعضٌ) أي: بعض الشركاء (باستئجار) أي: استئجار القاسم " لأن أجرته على الشركاء كلهم على قدر أملاكهم.
(وكقاسم) في وجوب أجرة (حافظ ونحوه).
فعلى المذهب: تكون أجرة شاهد يخرج لقَسم البلاد، وأجرة وكيل وأمين للحفظ على مالك، وفلاح، كأملاك. ذكره الشيخ تقي الدين قال: فإذا جاءهم
(1)
الفلاح بقدر ما عليه أو ما يستحقه الضيف حل لهم. قال: وإن لم يأخذ الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف والزيادة يأخذها المقطع، فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين. فإذا أعطى الوكيل المقطع من الضريبة ما يزيد على أجرة مثله ولم يأخذ لنفسه إلا أجرة عمله جاز له ذلك. انتهى.
(ومتى لم يثبُت عند حاكم أنه لهم) أي: أن
(2)
ما
(3)
بيد من يريدون قسمته ملكهم: (قَسَمَهُ) عليهما بإقرارهما وتراضيهما؛ لأن اليد دليل الملك وإن لم يثبت بها المالك. ولا منازع لهم في الظاهر.
قال القاضي: والقضاء عليهما بإقرارهما لا على غيرهما.
(وذكر في كتاب القسمة: أنها) أي: أن القسمة (بمجرَّد دعواهم مِلكَه) أي: ملك المقسوم، لا عن بينة شهدت لهم بملكه؛ لئلا يتوهم الحاكم بعده أن القسمة وقعت بعد ثبوت ملكهم فيؤدي ذلك إلى ضرر من يدعي في العين حقاً. وحينئذ إن لم يتوقفوا على طلب القسمة لم يقسمه حتى يثبب عنده أنه ملكهم.
***
(1)
في أ: جاء.
(2)
ساقط من أ.
(3)
ساقط من ب.
[فصل: تعديل سهام القسمة بالأجزاء]
(فصل. وتُعدَّلُ سهامٌ) أي: يُعدل القاسم سهام القسمة (بالأجزاء) أي: أجزاء المقسوم: (إن تساوت) كالمائعات كلها، والمكيلات من الحبوب إن لم تكن مختلفة، وكالأرض التي ليس بعضها بأجود من بعض.
(و) تعدل السهام (بالقيمة: إن اختلفت) فيجعل السهم من الرديء أكثر منه من الجيد، بحيب إذا قوّما كانت قيمتهما سواء. وذلك مثل: أرضٍ أحد جوانبها يساوي مثل الآخر فهذه تعدل بالقيمة؛ لأنه لما تعذر التعديل بالأجزاء لم يبق إلا التعديل بالقيمة ضرورة؛ لأن قسمة الإجبار لا تخلو من أحدهما. وهذا مع اتفاق السهام واختلافها.
(و) تعدل السهام (بالرد: إن اقتضته) أي: اقتضت الرد. ومعنى ذلك: أنه متى لم يمكن تعديل السهام بالأجزاء ولا بالقيمة فإنها تعدل بالرد. وهو: أن يجعل لمن يأخذ الردئ أو القليل دراهم أو دنانير على من يأخذ الجيد أو الأكثر. (ثم يُقرَعُ) بينهم لإزالة الإبهام الحاصل، قياساً لبعض موارد الشرع على بعض. فمن خرج له سهم صار له؛ لأن هذا شأن القرعة.
(وكيف ما أُقْرعَ جاز) في ظاهر كلام أحمد. فإنه قال في رواية أبي داود: إن شاء رقاعاً وإن شاء خواتيم: يطرح ذلك في حجر من لم يحضر، ويكون لكل وأحمد خاتم معين، ثم يقال: أخرج خاتماً على هذا السهم، فمن خرج خاتمه فهو له. وعلى هذا لو أقرع بالحصا أو غيره جاز.
(والأحْوط: كتابة اسم كل شريك بُرقعة، ثم تُدْرج) الرقاع (فى بَنادقَ من طينٍ أو شمعٍ متساوية، قدراً ووزناً) أي: في الحجم والوزن، (ويقال لمن لم يحضر ذلك) يعني: ويطرح في حجر من لم يحضر عمل البنادق ويقال لهه:
(أَخرج بُندقة على هذا السهم، فمن خرج اسمه فهو له) أي: فالسهم الذي خرج اسمه عليه له، لأن اسمه خرج عليه وتميز سهمه به. (ثم كذلك) الشريك (الثاني) يعني: أنه يفعل به كما فعل بالأول. (و) السهم (الباقي للثالث: إذا استوت سهامهم وكانوا ثلاثة)؛لأن السهم الثالث تعين لمن تأخر خروج اسمه، لزوال الإبهام بخروج اسم الأولين.
(وإن) اختار القاسم إخراج السهام على الأسماء (كَتب اسم كل سهم برقعة)، فيكتب في رقعه السهم الذي من جهة كذا وفي أخرى السهم الذي من جهة كذا إلى آخر السهام ودرجها كما تقدم، (ثم قال) لمن لم يحضر عمل البنادق:(أَخرج بُندقة لفلان) كان السهم المسمى فيها له. وكذا إذا قال: (وبُندقة لفلان إلى أن ينتهُوا) يعني: إلى أن لا يبقى إلا بندقة، فيكون السهم المكتوب فيها لمن تأخر اسمه من الشركاء:(جاز) للقاسم ذلك.
(وإن اختلفت سهامُهم؛ كنصف وثلث وسدس) يعني: كما لو كان لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس من المقسوم: (جُزّئ مقسوم) أي: جزأ القاسم المقسوم (بحسب أقلها) أي: أقل السهام، (وهو هنا) أي: في هذه الصورة؛ (ستة)؛ لأن الستة مخرج السدس، (ولزم إخراج الأسماء) أي: أسماء الشركاء (على السهام) لما يأتي تعليله: (فيكتُب باسم ربّ النصف ثلاثة رقاع، و) باسم رب (الثلث ثنتين، و) باسم رب (السدس رُقعة بحسب التجزئة. ثم يُخرج بندقة على أول سهم، فإن خرج اسم رب النصف أخذه مع ثاني وثالث) يليانه، ويخرج الرقعة
(1)
الثانية على السهم الرابع، (وإن خرج اسم رب الثلث أخده مع) سهم (ثان) يليه، وتخرج الرقعة
(2)
الثانية على السهم الثالث. وإن خرج اسم صاحب السدس أخذه فقط، وتخرج الرقعة
(3)
الثانية على السهم الثانى. (ثم يقرع بين الآخرين كذلك، والباقى للثالث).
(1)
في ج: القرعة.
(2)
في ب: القرعة.
(3)
في ب: القرعة.
فإن خرجت القرعة الثانية لصاحب الثلث وكانت الأولى خرجت لصاحب النصف أخذ صاحب الثلث السهم الرابع والخامس، وكان السهم السادس لصاحب السدس. وإن خرجت لصاحب السدس أخذ السهم الرابع، وكان الخامس والسادس لصاحب الثلث. وإن خرجت القرعة الثانية لصاحب النصف وكانت الأولى خرجت لصاحب الثلث أخذ السهم الثالث والرابع والخامس، وكان السادس لصاحب السدس. وإن خرجت القرعة الثانية لصاحب السدس وكانت الأولى خرجت لصاحب الثلث أخذه، وكان الرابع والخامس والسادس لصاحب النصف. وإن خرجت القرعة الثانية لصاحب النصف وكانت الأولى خرجت لصاحب السدس أخذ السهم الثانى والثالث والرابع، وكان الخامس والسادس لصاحب الثلث. وإن خرجت لصاحب الثلث أخذ الثانى والثالث، وكان الرابع والخامس والسادس لصاحب النصف. وإنما لزم إخراج الأسماء على السهام في مثل هذه الصورة؛ لأنه إذا أخرج
(1)
قرعة فيها السهم الثانى لصاحب السدس ثم أخرج
(2)
أخرى لصاحب النصف أو الثلث فيها السهم
(3)
الأول احتاج إلى أن يأخذ نصيبه متفرقاً فيتضرر بذلك.
ثم اعلم أن قسمة الإجبار تنقسم أربعة أقسام:
أحدها: أن تكون السهام متساوية وقيمة الأجزاء متساوية.
الثاني: أن تكون السهام مختلفة وقيمة الأجزاء متساوية. وهذان القسمان مذكوران في المتن.
القسم الثالث: أن تكون السهام متساوية وقيمة الأجزاء مختلفة، فإن الأرض تعدّل بالقيمة وتجعل
(4)
ستة أسهم متساوية القيمة، ويفعل في إخراج السهام مثل القِسم الأول الذي في المتن.
(1)
في أ: خرج.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ج: والثلث فيها اسم.
(4)
في ب: تعد بالقسمة تجعل.
القسم الرابع: أن تكون السهام مختلفة [والقيمة مختلفة]
(1)
فإن القاسم يُعدّل السهام بالقيمة ويجعلها ستة أسهم متساوية القيمة، ثم يخرج الرقاع فيها الأسماء على السهام كالقسم الثالث سواء
(2)
، إلا أن التعديل هاهنا بالقيمة وهناك بالمساحة.
(وتلزم) القسمة (بخروج قُرعة)؛لأن القاسم كالحاكم وقرعته كالحكم.
نص أحمد على ذلك. (ولو) كانت القسمة (فيما فيه رَدٌ أو ضرر) إذا تراضيا عليها وخرجت القرعة؛ بدليل أن القاسم يجتهد في تعديل السهام كاجتهاد الحاكم في طلب الحق. فوجب أن تلزم قرعته؛ كقسمة الإجبار.
(وإن خَيّر أحدهما) أي: أحد الشريكين (الآخر) بأن قال لشريكه: اختر أيّ القسمين شئت فيما تقاسماه بأنفسهما من غير قرعة: (فـ) إن القسمة تلزم (برضاهما) بالقسمة (وتفرُّقهما) بأبدانهما كتفرق متبايعين.
قال في"الفروع": وإن خير أحدُهما الآخر فبراضاهما وتفرقهما. ذكره جماعة ولم يذكر ما يخالف ذلك
(3)
.
***
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ب: ما يخالفه.
[فصل: إذا ادعى أحد المتقاسمين غلطاً]
(فصل. ومن ادَّعى) من المتقاسمين (غلطاً)، أو ادعى حيفاً (فيما تقاسماه بأنفُسِهما، وأشهدا على رضاهما به: لم يُلتفت إليه) يعني: لم تسمع دعواه. فلا تقبل بينته، ولا يحلف غريمه في الأصح؛ لأنه رضي بالقسمة على الصورة التي وقعت، ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه تلزمه
(1)
.
(و) إن ادعى غلطاً أو حيفاً في غير هذه الصورة المتقدمة فإن دعواه (تقبل) إن أتى (ببينة) تشهد بصحة دعواه (فيما) أي: فى شيء (قَسمهُ قاسمُ حاكمٍ)؛لأن قاسمَ الحاكمِ حكم عليه بالقسمة. وإنما سكت سكوتاً مستنداً إلى ظاهر حال القاسم. فإذا قامت البينة بغلطه كان له الرجوع فيما غلط به؛ كما لو. كان على إنسان عشرة مكاكيل حنطة فأعطاه ثمانية على وجه الغلط وهو يعتقدها عشرة فرضي بذلك، ثم بان له بعد ذلك أنها ثمانية لم يسقط حقه من الرجوع برضاه لذلك.
(وإلا) أي: وإن لم تقم لمدعي الغلط بينة بصحة دعواه: (حلَف منكِر) أي: من أنكر الغلط. وإنما قدمنا قول المنكر بيمينه؛ لأن الظاهر صحة القسمة وأداء الأمانة فيها.
(وكذا) أي: وكحكم دعوى الغلط فيما قسمه قاسم الحاكم حكم دعواه فيما قسمه (قاسمٌ نصَبَاه) من عند أنفسهما في أن القول فيه قول المنكر، إلا أن يقيم مدعي الغلط بينة بدعواه فيعمل بمقتضاها.
(وإن استُحقَّ بعدها) أي: بعد القسمة شيء (معيَّن من حِصَّتَيْهِما على
(1)
في ج: لزمه.
السَّواء) بأن اقتسما أرضاً فاستحق من حصتيهما على السواء قطعة معينة: (لم تبطل) القسمة (فيما بقي) من الأرض في الأصح؛ كما لو كان المقسوم عينين فاستحقت إحداهما، (إلا أن يكون ضرر) المعين (المستحقّ في نصيب أحدهما) أي: أحد الشريكين (أكثر) من ضرر الشريك الآخر؛ (كسدّ طريقة، أو) سدّ (مجرى مائه، أو) سدّ (ضوئه، ونحوه) أي: ونحو ذلك من كل ما كان فيه الضرر لأحدهما أكثر من الآخر: (فتبطل) لفوات التعديل؛ (كما لو كان) المستحق المعين (فى إحداهما) أي: إحدى حصتيهما، (أو) كما لو كان المستحق (شائعاً ولو) كان شيوعه (فيهما) أى: في حصتي الشريكين في الأصح؛ لأنه إذا استحق ما هو شائع في الحصتين فهو شريك لهما، فإن كانت القسمة بالتراضي فالشريك لم يرض، وإن كان بالإجبار فالثالث لم يحكم عليه بالقسمة فلا تصح.
وإن قلنا: تكون حصتهما مشاعة مع من ثبت له الاستحقاق لم يصح؛ لأن عليه ضرراً ببقاء حصته مشاعة مع كل واحد منهما، وذلك تشقيص لحصته والتشقيص ضرر فى الملك الواحد فوجب بطلانه لذلك.
(وإن ادَّعى كلٌّ) من الشريكين (شيئاً) من المقسوم: (أنه من سهمه) وأنكره
(1)
الآخر، (تحالَفا) أي: حلف كل منهما للآخر على نفي ما ادعاه، (ونُقِضَت) القسمة؛ لأن ملك المدعى به لم يخرج عنهما ولا سبيل إلى دفعه لمستحقه منهما بدون نقض القسمة.
(ومن كان) من المستقمين (بنى أو غرس) في نصيبه، (فخرج) المقسوم (مستحَقاً فقُلِع) بنائه أو غرسه:(رجع على شريكه بنصف قيمته، في قسمةِ تراضٍ فقط)؛ كما لو اقتسم اثنان
(2)
دارين بينهما بالسوية على أن تكون كل دار منهما لواحد؛ لأن الدارين إنما يقسمان كذلك بالتراضي. فتكون هذه القسمة جارية مجرى البيع. ولو باعه الدار جميعها فبنى فيها أو غرس فخرجت مستحقة
(1)
في ج: وأنكر.
(2)
ساقط من ب.
فقلع غرسه أو بنائه رجع عليه بجميع قيمته. فإذا باعه نصفها رجع عليه بنصف قيمته. وكذا يخرج في كل قسمة جارية مجرى البيع وهي قسمة التراضي كالتي فيها رَدُّ عوض، وما لا يجبر على قَسمه لضرر في قسمه ونحو ذلك. فأما قسمة الإجبار إذا ظهر نصيب أحدهما مستحقاً بعد البناء أو الغرس فيه وقلع فإنه لا يرجع على شريكه بشيء؛ لأن شريكه لم يغره ولم ينتقل إليه من جهته ببيع، وإنما أفرز حقه من حقه. فلم يضمن له مما غرمه شيئاً.
قال في " شرح المقنع ": هذا الذي يقتضيه قول الأصحاب.
(ولمن خرج في نصيبه) من الشريكين (عيبٌ جَهِلَه) حال القسمة (إمساكٌ) لنصيبه المعيب (مع) أخذ (أرشٍ) من شريكه؛ (كفسخٍ) يعني: كما أن له أن يفسخ القسمة؛ لأن ظهور العيب في نصيبه نقص. فخير بين الأرش والفسخ؛ كالمشتري.
وقيل: تبطل القسمة؛ لاشراط التعديل فيها. بخلاف البيع.
(ولا يَمنع دينٌ على ميت نَقْل) ملك (تركتِه) إلى ملك ورثته على الأصح.
نص عليه الإمام أحمد فيمن أفلس ثم مات فقال على الأصح: قد انتقل المبيع إلى الورثة وحصل ملكاً لهم.
فعلى هذا إذا نمت التركة مثل: إن غلت الدار، وأثمرت النخل، أو نتجت الماشية فهو للوارث ينفرد به ولا يتعلق به حق الغرماء؛ لأنه نماء ملكه. أشبه كسب الجاني. (بخلاف ما يخرُج من ثلثها) أي: ثلث التركة (من) شيء (معيّن موصىً به)؛كما لو كانت التركة أرضاً وثبت أن المتوفىَّ أوصى بثلث الأرض لمن تصح الو صية له، فإنه لا ينتقل الملك في الموصى به إلى ورثة الموصي.
وحيث تقرر: أن الدين لا يمنع انتقال التركة إلى ملك الورثة (فظهورُه بعد قسمةٍ) أي: قسمة التركة (لا يُبطلها) أي: لا يبطل القسمة إن قيل هي إفراز، ولا في الأصح إن قيل هي بيع.
(ويصحُّ بيعُها) أي: بيع التركة (قبلَ قضائه) أي: قضاء الدين (إن
قُضي) الدين، وإلا نقض البيع؛ كما لو كان التصرف بهبة أو نحوها.
إذا علمت ذلك (فالنَّماء) الحادث بعد الموت (لوارثٍ، كنماء جان) لا حق لرب الدين فيه؛ كولي الجناية.
(ويصحُّ عتقُه) يعني: أنه لو كان على الميت دين وكانت التركة رقيقاً فأعتقه الوارث صح عتقه وغرم قيمته لرب الدين.
(ومتى اقتسما) أي: اقتسم الشريكان داراً أو نحوها، (فحصل الطريق في حصة واحد) من الشريكين مثل: أن يقتسماها نصفين فيحصل لأحدهما ما يلي الباب ويحصل للآخر النصف الداخل. (و) الحال: أنه (لا مَنْفَذَ للآخر) الذي حصل له النصف الداخل؛ كما إذا لم يكن للدار طريق من جهة أخرى، ولا لمن حصل له النصف الداخل ملك يجاورها ينفذها
(1)
إليه: (بطلت) القسمة؛ لأن الداخل لا يتمكن من الانتفاع بما حصل له بالقسمة؛ لأنه لا يمكنه السلوك في حصة الآخر فلا تكون السهام معدلة؛ لأن التعديل في جميع الحقوق واجبة. (وأي) أي: وأي شريك (وَقعتْ ظُلَّةُ دار في نصيبه) عند المقاسمة: (فله) أي: فالظلة له بمطلق العقد؛ لأن القسمة وقعت على ذلك.
قال في " القاموس ": والظلة، شيء كالصفَّة، يستتر به من الحر والبرد. انتهى.
***
(1)
في ج: ينفذ.
[باب: الدّعاوى والبيّانات]
هذا (باب الدَّعاوى والبيذنات)، واحد الدعاوى: دعوى. وأصلها في اللغة من الدعاء وهي: الطلب. قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ} [يس: 57] أي: يتمنون ويطلبون. ومنه في الحديث: "ما بال دعوى الجاهلية "
(1)
؛لأنهم كانوا يدعون بها عند الأمر الشديد بعضهم بعضاً. وهي قولهم: يا لَفلان.
والدعوى في الاصطلاح ما ذكر في المتن وهو قوله: (الدَّعوى: إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاقَ شيء في يد غيره، أو) في (ذمَّته) أي: ذمة غيره.
(والمدَّعِي: من يُطالب غيرَه بحقٍّ يذكرُ استحقاقَه عليه) أي: على غيره.
(والمدَّعى عليه: المطالَبُ) بفتح اللام أي: من يطالبه غيره بحق يذكر استحقاقه عليه. والبينات. جمع بينة، من بان يبين
(2)
فهو بيّن، والأنثى بينة.
(والبينة) في الاصطلاح: (العلامةُ الواضحةُ؛ كالشاهد فأكثر).
والأصل في هذا الباب ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: " لو يُعطى الناس
(3)
بدعواهم لادَّعى ناسى دماءَ رجالٍ وأموالَهم. ولكن اليمين على المدعى عليه "
(4)
. رواه أحمد ومسلم.
(1)
أخرجه البخاري فى"صحيحه"(3330) 3: 1296 كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية.
وأخرجه أحمد في"مسنده"(15168) 3: 385.
(2)
في ج: الشيء.
(3)
في أ: الإنسان.
(4)
أخرجه مسلم في"صحيحه "(1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(3188) 1: 343.
(ولا تصحُّ دعوى إلا من) إنسان (جائزٍ تصرُّفُه.
وكذا) أي: وكمثل الدعوى (إنكارٌ) فلا تصح إلا من جائز التصرف، (سوى إنكار سفيه فيما يؤخَذُ به) لو أقر به (إذاً) أي: في حال سفهه، (وبعد فكّ حجرٍ) عنه. (ويحلف إذا أنكر) حشما تجب اليمين.
(وإذا تداعَيا) أي: ادعى كل واحد من اثنين (عيناً) أنها له، (لم تَخْلُ من أربعة أحوال:
أحدها: أن لا تكون) العين (بيد أحدٍ، ولا ثَمَّ) بفتح المثلثة (ظاهر) أي: ولم يوجد أمر ظاهر يُعمل بمقتضاه. (ولا بينة) لواحد منهما وادعى كل واحد أن كلها له: (تحالَفا) أي: حلف كل واحد منهما أنها له ولا حق للآخر فيها، (وتناصفًاها)
(1)
أي: قسمت بينهما نصفين في الأصح. قدمه في " المحرر " و 9 الرعايتين " و" الحاوي "؟ لأنهما استويا في الدعوى. وليس أحدهما به أولى من الآخر؛ لعدم اليد. فوجب أن يقتسمانه؛ كما لو كان بأيديهما.
(وإن وُجد ظاهر لأحدهما)؛كما لو كانت من آلة صنعته: (عُمل به) أي: بهذا الظاهر فيأخذها ويحلف للآخر.
إذا علمت ذلك (فلو تنازعا عَرْصَة بها شجر، أو) بها (بناء لهما) أي: للمتنازعين فيها: (فهى) أي: فالعرصة (لهما)؛لأن اسيفاء المنفعة دليل الملك، والبناء أو الشجر استيفاء لمنفعة العرصة واستيلاء عليها بالتصرف. فوجب أن يحكم لهما بالعرصة؛ لوجود اليد. (و) إن كان الشجر أو البناء (لأحدهما: فـ) العرصة (له) أي: لرب الشجر أو البناء وحده؛ لما تقدم.
(وإن تنازعا مُسَنَّاةً) وهي: السد الذي يرد ماء النهر من جانبه، وكانت (بين نهر أحدهما) أي: أحد المتنازعين فيها (وأرض الآخر) حلف كل واحد
(1)
في ج: ويتناصفاها.
منهما أن نصفها له وتناصفاها في الأصح؛ لأنها حاجز بين ملكيهما ينتفع به كل واحد منهما. أشبه الحائط بين الدارين.
(أو) تنازعا (جداراً بين مِلكَيْهما: حلف كلٌ) أي: كل واحد من المتنازعين: (أن نصفه له، ويُقرَع) بينهما (إن تشاحَّا في المبتدئ) منهما بالحلف.
قال في"الفروع": وفي البخاري عن أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قومٍ اليمين فأسرعوا. فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف "
(1)
.
قال ابن هبيرة: هذا فيمن تساووا في سبب الاستحقاق لكون الشيء في يد. مدعيه ويريد يحلف، ويستحقه. انتهى.
(ولا يَقدح) في حكم المسألة (إن حلف) أحدهما أو حلف كل واحد منهما: (أن كلَّه له، وتناصفاه) أي: تناصفا الجدار الذي بين ملكيهما؛ (كمعقود ببنائهما) يعني: كما لو كان الحائط معقوداً ببنائهما؛ لأن كل واحد منهما يده على نصف الحائط، لكون الحائط في أيديهما.
(وإن كان) الحائط (معقوداً ببناء أحدهما وحدَه، أو متصلاًً به) أي: ببناء أحدهما (اتصالاً لا يمكن إحداثه عادة) أي: إحداث ذلك الاتصال في العادة في الأصح، (أو له) يعني: أو كان لأحدهما (عليه أَزَجٌ). قال الجوهري: هو ضرب من الأبنية.
وقال ابن المنجى: هو القبو.
(أو) كان لأحدهما عليه (سُتْرة) مبنية أو قبة: (فله) أي: فالجدار لمن له ذلك (بيمينه) دون الآخر. وإنما وجبت اليمين؛ لأن ذلك ظاهر وليس بيقين إذ يحتمل أن يكون أحدهما بنى الحائط لصاحبه متبرعاً مع حائطه، أو كان له فوهبه إياه، أو بناه بأجرة. فشرعت اليمين من أجل الاحتمال، كما شرعت في
(1)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(2529) 2: 950 كتاب الشهادات، باب إذا تسارع قوم في اليمين.
حق صاحب اليد. فأما إن كان معقوداً ببناء أحدهما عقداً يمكن إحداثه؛ كالبناء باللبن والآجر فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنته أو آجره ويجعل مكانها لبنة صحيحة.
(ولا ترجيح) أي: ولا يرجح أخذ المتنازعين على الآخر (بوضع خشبة) على الجدار المتنازع فيه؛ لأن هذا مما يسمح به الجار. وقد ورد الخبر بالنهي عن المنع منه
(1)
. فلا ترجح به الدعوى؛ كإسناد متاعه إليه.
(ولا بوجوه آجُرٍّ) أو حجارة، ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي أحدهما وقطع الآجر مما يلي ملك الآخر، (و) لا بـ (تَزْويقٍ وتَجْصيصٍ ومعَاقدِ قِمْطٍ في خُصٍ)؛لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" البينةُ على المدَّعِي. واليمين على من أنكر "
(2)
.
ولأن وجوه الآجر ومعاقد القمط إذا كانا شريكين في الجدار أو في الخص لا بد أن يكون إلى أحدهما، إذ لا يمكن كونه إليهما جميعاً. فبطلت دلالته؛ كالتزويق.
ولأن التزويق والتجصيص مما يمكن إحداثه فلا ترجح به الدعوى.
(وإن تنازع ربُّ عُلوٍ وربُّ سُفل في سقف بينهما): تحالفا، و (تناصفاه)؛لأنه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به غير متصل ببناء أحدهما دون الآخر. فكان بينهما؛ كالحائط بين الملكين.
(و) إن تنازع رب علو ورب سفل (في سُلَّمٍ منصوب، أو) تنازعا في (درجة) يصعد منها ولم يكن تحتها مرفق لصاحب السفل؛ كسلم مسمر أو دكة: (فـ) السلم المنصوب والدرجة التي يصعد منها (لرب العلوّ، إلا أن يكون تحتها مسكنٌ لرب السفل: فـ) يتحالفا، و (يتناصفاها) أي: يتناصفان الدرجة؛ لأن يدهما عليها
(3)
.
(1)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه ".
أخرجه أبو داود في " سننه "(3634) 3: 314 كتاب الأقضية، أبواب من القضاء.
(2)
سبق تخريجه ص (299) رقم (2).
(3)
في أ: عليهما.
ولأنها سقف للسفلاني وموطئ للفوقانى.
(وإن تنازعا) أي: تنازع رب علو ورب سفل (الصَّحْن) الذي يُتوصل منه إلى الدرجة، (و) تنازعا أيضاً (الدرجة) وكانت (بصدره) أي: صدر الصحن: (فـ) الصحن والدرجة (بينهما)، لأن يدهما عليهما.
(وإن كانت) الدرجة (في الوسط) أي: وسط الصحن: (فما) أي: فالمكان الذي يُتوصل منه (إليها) أي: إلى الدرجة (بينهما)؛لأن يدهما عليه، (وما وراءه) أي: وراء المكان الذي يتوصل منه إلى الدرجة (لربّ السّفل) وحده في الأصح؛ لأنه لا يد لرب العلو عليه.
(وكذا) الحكم: (لو تنازع ربُّ بابٍ بصدرِ دَرْبٍ غيرِ نافذٍ، وربُّ بابٍ بوسطه) أي: وسط الدرب الذي غير نافذ. وكان التنازع (في) عين (الدَّرب) فإن الدرب من أوله إلى وسطه بينهما، وما وراء الباب الذي في وسط الدرب إلى صدره لمن بابه بصدره في الأصح؛ لأنه لا يد لمن بابه في وسط الدرب على ما وراء ذلك.
[فصل: إذا كانت العين بيد أحدهما]
(فصل) الحال (الثاني: أن تكون) العين المتنازع فيها (بيد أحدهما) أي: أحد المتنازعين (فهى له، ويحلف) أنه لا حق للآخر فيها: (إن لم تكن) لمن ليست العين في يده (بينة)؛ لما روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه "
(1)
. متفق عليه.
وقال النبي في قصة الحضرمي والكندي: " شاهداك أو يمينه، ليس لك إلا ذلك "
(2)
.
ولأن الظاهر من اليد الملك.
(وإن سأل المدّعَى عليه الحاكم كتابةَ مَحضرٍ بما جرى: أجابه) وجوباً، (وذكر فيه) أي: في المحضر: (أنه) أي: أن الحاكم (بقَّى العين بيده؛ لأنه لم يثُبت ما يرفعُها) أي: ما يرفع يده عنها.
(ولا يثبُت مِلكٌ بذلك) أي: بوضع اليد، (كلما يثبت) الملك (ببينة.
فلا شُفعة له) أي: لرب اليد (بمجرَّد اليد)؛لأن الظاهر لا تثبت به الحقوق وإنما ترجح به الدعوى. ثم في كلام القاضي في مسألة النافي للحكم: يمين المدعى عليه دليل.
وفي " الروضة ": إنما لم يحتج إلى دليل؛ لأن اليد دليل الملك.
وفي " التمهيد ": يده بينة.
(1)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(4277) 4: 1656 كتاب التفسير، باب: [إن الذين يشترون يعهد الله
…
].
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(3188) 1: 343.
(2)
سبق تخريجه ص (284).
[فصل: إذا كانت العين بيديهما]
(فصل) الحال (الثالث: أن تكون) العين المتنازع فيها (بيدَيْهما) أي: يد المتنازعين؛ (كطفل) مجهول النسب، (كل) منهما (ممسك لبعضه. فيحلف كل) منهما (كما مرَّ) وهو: أن يحلف كل واحد منهما أنها له لا حق للآخر فيها (فيما ينتصَّف) يعني: فيما إذا ادعى كل واحد منهما كل العين (وتناصفَاه)
(1)
أي: تناصفا المدعى به؛ وذلك لما روى أبو موسى " أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارٍ ليس لأحدهما بينة فجعلها بينهما نصفين "
(2)
. رواه الخمسة إلا الترمذي.
ولأن يد كل واحد منهما عليها
(3)
فهما سواء، فلا رجحان لواحد منهما على الآخر. فيقسم بينهما كذلك بالسوية؛ لتساويهما في اليد.
(إلا أن يدَّعي أحدهما) أي: أحد المتنازعين (نصفاً) أي: نصف المتنازع
فيه (فأقلَّ) من النصف، (و) يدعي (الآخر الجميع) أي: جميع المدعى به، (أو) يدعي الآخر (أكثر مما بقي) عما يدعيه الآخر؛ كما إذا ادعى أحدهما الثلث وادعى الآخر ثلاثة أرباع العين أو كلها:(فيحلف مدَّعي الأقلَّ) وحده، (ويأخذُه)؛ لأنه يدعي أقل مما يده
(4)
عليه في الظاهر. فكان القول قوله بيمينه؛ كما لو انفرد باليد.
(1)
في ج: ويتناصفاه.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3613) 3: 310 كتاب الأقضية، باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة.
وأخرجه النسائي في " سننه "(5424) 8: 248 كتاب آداب القضاة، القضاء فيمن لم تكن له بينة.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2330) 2: 780 كتاب الأحكام، باب الرجلان يدعيان السلعة وليس بينهما بينة. كلهم بلفظ:" اختصما في دابة "،ولم أر لفظ:" الدار ".
(3)
في ج: عليهما.
(4)
في ب: بيده.
(وإن كان) الصغير الذي بيديهما (مميزاً، فقال: إني حرٌّ خُلّيَ) إلى حال سبيله ومنعا منه (حتى تقوم بَيّنةٌ برِقّه)؛ لأن الظاهر الحرية وهي الأصل في بني آدم والرق طارئ عليها. فإن كان لمدعي رقّه بينة قدمت على الأصل الذي هو الحرية؛ لأنها تشهد بزيادة.
وقيل: لا تقبل دعواه الحرية؛ لأنه غير مكلف. أشبه الطفل.
والأول أصح؛ لأن المميز يصح تصرفه بالوصية ويُلزم بالصلاة. أشبه البالغ؛ لأنه يعرب عن نفسه في دعوى الحرية
(1)
.
فأما البالغ إذا ادعي رقه فأنكر لم يثبت رقه إلا ببينة. وإن لم تكن بينة فالقول قوله مع يمينه في الحرية؛ لأنها الأصل.
(فإن قَويَت يدُ أحدهما) أي: أحد المتنازعين في عيٍن بأيديهما؛ (كحيوان) يدعيه كل من اثنين، (واحد سائقه أو آخذ بزمامه، وآخَرُ راكبُه أو عليه حِمْلُه) فهو للثانى الذي هو راكبه أو عليه حمله بيمينه؛ لأن تصرفه أقوى ويده آكد وهو المستوفي لمنفعة الحيوان.
(أو) كان (واحد) منهما (عليه حِمْلُه وآخر راكبه) فهو للثاني الذي هو راكبه بيمينه؛ لأنه أقوى تصرفاً.
وإن اتفقا على أن الدابة للراكب وادعى كل منهما ما عليها من الحمل فهو للراكب بيمينه؛ لأن يده على الدابة والحمل معاً.
(أو) كـ (قميصٍ واحدٌ آخذ بكُمّه، وآخرُ لابِسُه: فـ) هو (للثاني) الذي هو لابسه (بيمينه)؛ لأن تصرفه أقوى وهو المستوفي لمنفعته. فإن كان كمه في يد أحدهما وباقيه بيد الآخر، أو تنازعا عمامة طرفُها في يد أحدهما وباقيها في يد الآخر، فهما سواء فيهما؛ لأن يد الممسك بالطرف
(2)
عليها؛ بدليل أنه لو كان باقيها على الأرض فنازعه
(3)
فيها غيره كانت له. ولو كانت دار فيها أربعة أبيات
(1)
في أوب زيادة: أشبه البالغ.
(2)
في ج: للطرف.
(3)
في ج: فينازعه.
في أحد أبياتها ساكن وفي الثلاثة الباقية ساكن آخر وتنازعا الدار كلها كان لكل واحد ما هو ساكن فيه؛ لأن كل بيت ينفصل عن صاحبه ولا يشارك الخارج منه الساكن فيه في ثبوت اليد عليه. وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما بالسوية؛ لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها. فأشبهت العمامة فيما ذكرنا.
(ويُعمل بالظاهر) أي: بظاهر الحال (فيما بيديهما) أي: في عين بيدي المتنازعين (مشاهَدة، أو) فيما بيديهما (حُكماً) أي: في الحكم، (أو) فيما (بيد واحد) منهما (مشاهدة، و) بيد (الآخر حكماً). وتأتى أمثلة ذلك:
(فلو نُوزع ربُّ دابة في رَحْلٍ عليها) يعني: وكلٌّ منهما آخذ ببعضه فهو لرب الدابة بيمينه؛ لأن ظاهر الحال في العادة أن الرجل يكون لصاحب الدابة.
(أو) نوزع (ربُّ قِدْر، ونحوه) من الأواني؛ كالزنبيل (فى شيء فيه) من لحم أو تمر أو نحوهما. والقدر أو نحوه بأيديهما، إلا أنهما متفقان أن القدر أو نحوه لأحدهما:(فله) أي: فما في القدر أو نحوه لربه بيمينه؛ لأن ظاهر الحال أن ما في الظرف يكون لصاحبه.
(ولو نازع ربُّ دارٍ خيّاطاً فيها) أي: في داره
(1)
(في إبرةٍ أو) فى (مِقصٍ) فللثاني وهو الخياط؛ لأن ظاهر الحال أن الإنسان إذا دعى خياطاً يخيط له فالعادة أن يحمل معه إبرته ومقصه. ولهذا لو تنازعا القميص الذي يخيطه حكم لصاحب الدار؛ لأنه ليس في العادة أن يحمل الخياط القميص ليخيطه في دار غيره.
(أو نازع) رب دار (قَرَّاباً في قِرْبةٍ) في الدار: (فللثاني) أي: فالقربة للقَراب
(2)
، والمقص للخياط بيمينه.
(وعكسُه) أي: وعكس ما تقدم: (الثوب والخابِيَة) يعني: لو نازع الخياط رب الدار الثوب الذي يخيطه فى داره، أو نازع القراب رب الدار الخابية
(1)
في ج: دار.
(2)
في ج: للثانى.
التي يصب فيها الماء في داره فهما لرب الدار بيمينه؛ لما تقدم من أن ذلك هو ظاهر الحال في العادة.
(وإن تنازع مُكْرٍ) أي: مكري الدار ومكتريها (في رفٍّ مقلوع) له شكل منصوب في الدار، (أو) في (مِصْراع) مقلوع (له شكل منصوب في الدار: فلربها). يعني: أنه متى تنازع المكري والمكتري في شيء في الدار فإن كان مما ينقل ويحول؛ كالأثاث والأوانى والكتب فهو للمكتري؛ لأن العادة أن الأنسان يكري داره فارغة، وإن كان تنازعهما في شيء مما يتبع الدار في البيع؛ كالأبواب المنصوبة، والخوابي المدفونة، والرفوف المسمّرة، والسلاليم المسمرة، والرحى المنصوبة فهو للمكري، لأنه من توابع الدار. فأشبه الشجرة المغروسة في الدار. وإن كان المتنازع فيه رفاً مقلوعاً وله شكل منصوب في الدار أو مصراعُ بابٍ له شكل منصوب في الدار فهو لصاحب الدار مع يمينه؛ لأن المنصوب تابع للدار. والظاهر: أن أحد الرفين أو أحد المصراعين لمن له الآخر وذلك في الأصح؛ لأن أحدهما لا يستغني عن صاحبه. فكان أحدهما لمن له الاخر، كالحجر الفوقانى مع الرحا والمفتاح مع القفل.
(وإلا) أي: وإن لم يكن للرف
(1)
المقلوع أو المصراع شكل منصوب في الدار: (فبينهما) أي: فهو بين المكري والمكتري بيمين كل واحد أنه لا حق للآخر فيه.
(وما جرت عادة به) أي: بأنه للمكري (ولو لم يدخل في بيع) أي: فى بيع الدار، كمفتاحها: (فلربها.
والا) أي: وإن لم تجر العادة بأنه للمكري، كالحبل الذي يستقى به من البئر:(فـ) هو (لمُكترٍ) بيمينه؛ لأن ظاهر الحال في العادة أنه للمكتري.
(وإن تنازع زوجان، أو) تنازع (ورثتُهما، أو) تنازع (أحدُهما) أى: أحد الزوجين (وورثة الآخر ولو مع رق أحدهما) نصاً.
(1)
في: مع الرف.
قال أحمد في رواية مهنا: وكذلك إن اختلفا وأحدهما مملوك.
(في قُماش البيت ونحوه) مما ليس من قماش البيت أو في بعضٍ من ذلك، فقال كل واحد منها: جميعه لي، أو قال كل واحد منهما: هذه العين لي وكان لأحدهما بينة بما ادعاه: أخذه.
وإن لم يكن لواحدٍ منهما بينة (فما) كان (يصلح لرجل) من العمائم وقمصان الرجال وجبابهم وأقبيتهم والطيالسة والسلاح وأشباه ذلك: (فله) أي: فهو للزوج. (و) ما كان يصلح (لها) أي: للمرأة من الحلي وقمص النساء ومقانعهن ومغازلهن: (فلها) أي: فهو للزوجة. (و) ما كان يصلح (لهما)؛ كالفرش والقماش الذي لم يفصّل والأواني ونحو ذلك: (فلهما) أي: فهو بينهما، سواء
(1)
كان في يديهما من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة.
قال أحمد في رواية الجماعة: منهم يعقوب بن بختان في الرجل يطلق زوجته أو يموت فتدعي المرأة المتاع: فما كان يصلح للرجل فهو للرجل، وما كان من متاع النساء فهو للنساء، وما استقام أن يكون للرجال والنساء فهو بينهما.
نقل الأثرم عن أحمد: المصحف لهما. فإن كانت لا تقرأ ولا تعرف بذلك: فله.
فإن كان المتاع على يد غيرهما فمن أقام البينة دفع إليه، وإن لم تكن لهما بينة: أقرع. فمن كانت له القرعة حلف وأعطي المتاع
(وكذا) إن تنازع (صانعان في آلة دكانها) يعني: (فـ) إنه تكون (آلة كلّ صنعةٍ لصانعها)؛ كنجار وحداد يكونان بدكان ويتنازعان في آلتها أو في بعضها فإن آلة النجارين تكون للنجار، وآلة الحداد تكون للحداد، سواء كانت أيديهما على الآلة من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة في الأصح؛
(1)
في ب: وسواء.
لأن هذا هو الظاهر كما قلنا في قماش البيت عند تنازع الزوجين فيه.
وقال القاضي: إن كانت أيديهما على ما في الدكان إنما هو لضرورة أن يدهما على الدكان يد على ما فيه؛ كالمظروف مع الظرف فالحكم على ما تقدم؛ لكون ذلك في يدهما الحكمية. أما ما كان في يد أحدهما من طريق المشاهدة؛ كما لو كان ممسكاً بيده من ذلك شيئاً أو في حجره منه شيء فإنه يكون له بيمينه؛ لأن اليد المشاهدة أقوى من اليد الحكمية.
وما في المتن هو المذهب. فأما إذا لم تكن لأحدهما يد حكمية؛ كما لو تنازع رجل وامرأة في عين غير قماش بينهما، أو تنازع صانعان في آلة ليست بدكانهما: فلا نرجح أحدهما بشيء مما ذكرنا. بل إن كانت في أيديهما فهي بينهما، وإن كانت في يد أحدهما فهي له بيمينه، وإن كانت في يد غيرهما ولم ينازع: اقترعا عليها.
(وكل من قلنا) عن شيء (هو له فـ) إنما يكون له (بيمنيه)؛ لاحتمال صدق غريمه.
ومحل ذلك: إن لم يكن لواحد منهما بينة.
(ومتى كان لأحدهما بينة: حُكم له بها) ولم يحلف في الأصح؛ لحديث الحضرمي والكندي
(1)
.
ولأن البينة أحد حجتي الدعوى. فيكتفى بها؛ كاليمين. وهذا قول أهل الفتيا من أهل الأمصار.
وقال شريح والنخعي والشعبي ومن وافقهم: يستحلف الرجل مع بينته.
قيل لشريح: ما هذا الذي أحدثت في القضاء؟ فقال: رأيت الناس أحدثوا فأحدثت.
(وإن كان لكلٍّ) من المتنازعين في شيء (بينة) به، (وتساوَتا) أي: بينتاهما (من كل وجه تعارضتا وتساقطتا) يعني: أن البينتين تسقطان
(1)
سبق تخريجه ص (284).
بالتعارض؛ لأن كل بينة تشهد بعكس ماتشهد به الأخرى فلا يمكن العمل بواحدة منهما فيتساقطان ويصيران كمن لا بينة لهما في الأصح. (فيتحالفان، ويتنَاصفان ما بأيديهما). والأصل في هذا الباب حديث أبي موسى " أن رجلين ادعيا بعيراً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبعث كل واحد منهما بشاهدين. فقسّمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين"
(1)
. رواه أبو داود.
(ويُقرع) بين المتنازعين (فيما) أي: في شيء (ليس بيد أحد، أو) في شئ (بيد ثالث ولم يُنازِع) واحداً من المتداعين. فمن قرع صاحبه حلف وأخذه على الأصح؛ كما لو لم يكن لواحد منهما بينة. روي هذا عن ابن عمر وابن الزبير. وبه قال إسحاق وأبو عبيد. وهو رواية عن مالك وقديم قولي الشافعي؛ لما روى ابن المسيب " أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرٍ. وجاء كل منهما بشهودٍ عدول على عين واحدة. فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ". رواه الشافعي في "مسنده".
ولأن البينتين حجتان تعارضتا من غير ترجيح لإحداهما على الأخرى.
فسقطتا؛ كالخبرين.
(وإن كن) الشيء المتنازع فيه
(2)
(بيد أحدهما) أي: أحد المتنازعين فيه وقد أقام كل واحد منهما بينة أنه له: (حُكم به للمدَّعِي) على الأصح. (وهو: الخارج ببينته، سواء أُقيمت بينة منكر) أي: رب اليد (وهو: الداخل بعد رفع يده أوْ لا) يعني: أو لم تقم، (وسواء شهدت له) أي: لرب اليد: (أنها نُتِجت في ملكه، أو قطيعة من إمام أوْ لا) يعنى: أو لم تشهد بذلك على الأصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدَّعِي. واليمين محلى المدَّعَى عليه "
(3)
. فجعل جنس البينة في جنبة المدعي فلا يبقى في جنبة المدعى عليه بينة.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3613) 3: 310 كتاب الأقضية، باب الرجلين يدعيان شيئاً وليست لهما بينة.
(2)
في أ: أي أحد المتنازعين فيه.
(3)
سبق تخريجه ص (303).
ولأن بينة المدعي أكثُر فائدة. فوجب تقديمها؛ كتقديم بيّنة الجَرح على التعديل. ودليل كثرة فائدتها: أنها تثبت سبباً لم يكن، وبينة المنكر إنما تثبت ظاهراً تدل اليد عليه. فلم تكن مفيدة
(1)
؛ لأن الشهادة بالملك يجوز أن يكون مستندها رؤية اليد والتصرف، فإن ذلك جائز عند كثير من أهل العلم فصارت البينة بمنزلة اليد المفردة فتُقدم عليها بينة المدعي كما تُقدم على اليد. كما أن شاهدي الفرع لما كانا مبنيين على شاهدي الأصل لم يكن لهما مزية عليهما. ومن قدمنا بينته لم يحلف معها؛ لوجوب الحكم بها منفردة، كما لو تعارض خبران خاص وعام أو أحدهما أرجح بوجه من الوجوه.
نقل الأثرم: ظاهر الأحاديث
(2)
اليمين على من أنكر، فإذا جاء بالبينة فلا يمين عليه.
(وتُسمعُ بَينتُه) أي: بينة رب اليد (وهو مُنكرٌ) صحة دعوى الخارج؛ (لادّعائه الملك) أي: ملك ما بيده.
(وكذا من ادُّعي عليه تعدياً ببلد ووقت معيَّنين، وقامت به بينة وهو منكر فادَّعى كذبها، وأقام بينة: أنه كان به) أي: بالزمن (بمحلٍّ بعيد عن ذلك البلد).
قال في "الانتصار": لا تسمع إلا بينة مدع باتفاقنا. وفيه: وقد تثبت في جنبة منكر. وهو: ما إذا ادعى عليه عيناً بيده فيقيم بينة بأنها ملكه وإنما لم يصح أن يقيمها في الدين؛ لعدم إحاطتها به. ولهذا لو ادعى بأنه
(3)
قتل وليه ببغداد يوم الجمعة فأقام بينة أنه كان فيه بالكوفة صح.
(ولا تُسمع بينةُ داخلٍ، مع عدم بينة خارجٍ)؛ لعدم حاجته إليها؛ كما لو أقر مدعى عليه فإنه لا تسمع بينة مدع لعدم حاجته إليه.
(1)
في أوب: معتدة.
(2)
في ج: الآثار.
(3)
في ب: أنه.
(ومع حضور البينتين، لا تُسمع بينة داخل قبل بينة خارج وتعديلها).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. وفيه احتمال.
(وتسمع بعد التَّعديل: قبل الحكم، وبعده: قبل التسليم) وتُقدم بينة الخارج على الأصح.
(وإن كانت بينة المنكر غائبة حين رفعْنا يده، فجاءت وقد ادَّعى مِلكاً مطلقاَ: فهى بينةُ خارجٍ.
وإن ادَّعاه) أي: ادعى الملك (مستنِداً لما قبْل يدِه: فبينةُ داخلٍ).
قال في " الترغيب ": ولو لم يكن للمنكر بينة حاضرة فرفعنا يده فجاءت بينته يعني: بينة المنكر: فإن ادعى ملكاً مطلقاً فبينة خارج، وإن ادعاه مستنداً إلى قبل رفع يده فبينة داخل.
قال في " الفروع ": والمراد فمن يقدم بينة الداخل يقدمها وينقض الحكم ببينة الخارج. والمراد: إن كان يرى تقديمها عند التعارض؛ لأنه إنما حكم بناء على عدم بينه داخل فقد تبين إسناد ما يمنع
(1)
الحكم إلى حالة الحكم وهذا الأشهر للشافعية. انتهى.
(وإن اقام الخارج بينةً: أنه اشتراها من الداخل، وأقام الداخل بينة: أنه اشتراها من الخارج قُدّمت بينة الداخل) في الأصح؛ (لأنه الخارج معنى)؛ لأنه ثبت بالبينة أن المدعي صاحب اليد، وأن يد الداخل ثابتة عنده.
(وإن أقام الخارج بينة: أنها ملكه، و) أقام (الآخر)
(2)
الذي العين بيده: (أنه) أي: أن الخارج (باعها منه) أي: من رب اليد، (أو وقفها عليه) أي: على من العين بيده، (أو) كان المدعى به استرقاق أمة أقرت له بالرق قبل الدعوى فأقامت بينة أنه (أعتقها قُدّمت) البينة (الثانية)؛ لأنها تشهد بأمر حادثٍ على الملك خفي، فثبت الملك للأول والبيع أو الوقف أو العتق منه، (ولم
(1)
في ب: إسناده يمنع.
(2)
في "منتهى الإرادات": زيادة: بينة.
تَرفع بينة الخارج يده) أي: يد المدعى عليه؛ (كقوله: أبرأَني من الدَّين) ويقيم بذلك بينة.
(أما لو قال: لي بينة غائبة) يعني: بالبيع أو الوقف أوالعتق، (طُولب بالتسليم) أي: تسليم المدعى به مع قيام البينة به؛ (لأن تأخيره يطول) وقد يكون كاذباَ.
(ومتى أُرّختا) أي: بينة كل واحد من المتنازعين (والعيُن) يعني: والحال أن العين (بيدَيْهما) أي: يد المتنازعين فيها (في شهادةٍ بملك) بأن قالت إحدى البينتين: نشهد أن هذه العين ملك هذا في وقت كذا، وقالت الأخرى: نشهد أن هذه العين ملك هذا في وقت كذا، (أو) في شهادة بـ (يد، أو) أرخت (إحداهما فقط) يعني: ولم تؤرخ الأخرى: (فهما) أي: فالبينتان (سواء) في الأصح؛ لما روى أبو موسى " أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهما نصفين
(1)
"
(2)
. رواه أبو داود.
ولأن كل واحد منهما داخل في نصف العين خارج في نصفها فتقدم
(3)
بينة كل واحد منهما فيما بيده عند من يقدم بينة الداخل، وفيما بيد صاحبه عند من يقدم بينة الخارج فيستويان على كل واحد من القولين.
وقال القاضي: إن أُرختا قدم أسبقهما تاريخاً؛ لأن من شهدت له بينة بالتاريخ المتقدم أثبتت له الملك في وقتٍ لم تعارضه فيه البينة الأخرى، وتعارضت البينتان في الملك في الحال فسقطتا، وبقي ملك السابق تحت استدامته.
وما في المتن المذهب.
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه أيو داود في "سننه"(3613) 3: 310 كتاب الأقضية، باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة.
(3)
في ج: فقدم.
ووجهه: أن الشاهد بالملك الحادث أحق بالترجيح؛ لجواز أن يعمل به دون الأول؛ بدليل أنه لو ذكر
(1)
أنه اشتراه من الآخر أو أنه وهبه إياها
(2)
لقدمت
(3)
بينته بذلك اتفاقاً. فإذا لم يرجح بها فلا أقل من التساوي.
وفيما إذا أفتت الأخرى ما يقتضي الترجيح من تقدم إحدى البينتين وأطلقت الأخرى قول: أنه يحكم بالعين لمن لم تؤقت بينته.
وما في المتن هو المذهب؛ لأنه ليس في أحدهما ما يقتضي الترجيح من تقدم الملك ولا غيره. فوجب استواؤهما؛ كما لو أطلقا.
(إلا أن تشهد المتأخرة) تاريخاً فيما إذا أُرختا (بانتقاله) أى: انتقال الملك (عنه) أي: عمن شهدت بينته بالملك في تاريخ متقدم.
(ولا تقدم إحداهما) أي: إحدى البينتين على الأخرى (بزيادة نَتاج) يعني: في صورة ما إذا شهدت إحدى البينتين أن الدابة المتنازع فيها نتجت في ملكه بأن شهدت أنها بنت
(4)
فرسه أو بنت بقرته ونحوه، (أو سببِ ملك) يعني: أنه لا تقدم البينة الشاهدة بسبب الملك على البينة الشاهدة بالملك فى دون سببه في الأصح في الصورتين؛ لأن البينتين تساوتا فيما يرجع إلى المختلف فيه وهو ملك العين الآن. فوجب تساويهما في الحكم.
(أو اشتهارِعدالةٍ) يعني: أنه لا تقدم إحدى البينتين على الأخرى باشتهار عدالتها، (أو كثرةِ عددٍ)؛ كما لو كانت إحدى البينتين أربعة رجال والأخرى رجلين، (ولا) يقدم (رجلان على رجلٍ وامرأتين، أو) على رجل (ويمين) في الأصح؛ لأن الشهادة مقدَّرة بالشرع فلا تختلف بالزيادة.
ولأن كل واحد من ذلك حجة بمفرده. فأشبه الرجلين مع الرجل والمرأتين.
(1)
في أ: فكر.
(2)
في أوب: إياه.
(3)
في ج: قدمت.
(4)
في ج: شهدت بأنها نتجت.
(ومتى ادَّعى أحدُهما) أي: أحد المتنازعين في عين: (أنه اشتراها من زيد وهي مِلكُه، و) ادَّعى (الآخر: أنه اشتراها من عمرو وهي مِلكُه، وأقاما بذلك بينتين) أي: أقام كل واحد بينة بما ادعاه: (تعارضَتَا) إن لم تكن العين بيد أحدٍ. ثم إن كانت العين بأيديهما تحالفا وتناصفاها، وإن كانت بيد ثالث أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه حلف وأخذها. وإن كانت بيد أحدهما انبنى على الروايتين في تقديم بينة الخارج أو الداخل. وإن كانت بيد أحد البائعين فأنكرهما وادعاها لنفسه حلف وكانت له؛ لتساقط البينتين. وإن أقر بها لأحدهما صار المقر له كداخل، والآخر كخارج. وفي ذلك تفصيل يأتي في المتن.
(وإن شهدت إحداهما) أي: إحدى البينتين (بالملك) لأحد المتنازعين، (و) شهدت البينة (الأخرى بانتقاله عنه له) أي: بانتقال الملك عنه للآخر؛ (كما لو أقام رجل بينة: أن هذه الدار لأبي خلَّفها ترِكَة، وأقامت امرأته) أي: امراة أبيه (بينة: أن أباه أصْدَقَها إيَّاها) أي: أصدقها الدار (قُدمت الناقلةُ) وحُكم
(1)
بالدار للمرأة؛ لأن بينتها شهدت بالسبب المقتضى لنقل الملك، وقول الابن: أن أباه خلّفها تركة لا يعارضها؛ لأن مستندها استصحاب الملك وقد تبين قطعه بقيام البينة على سبب النقل فقدمت؛ (كبينة ملكٍ على بينة يدٍ). فإن بينة الملك تقدم على بينة اليد التي هي دليل الملك بغير خلاف.
***
(1)
في ج: ويحكم.
[فصل: إذا كانت العين بيد ثالث]
(فصل) الحال (الرابع: أن تكون) العين المنتازع فيها (بيد ثالث) أي: غير المتنازعين فيها. (فإن) ادعياها على الثالث
(1)
و (ادَّعاها) الثالث (لنفسه: حلف لكل واحدٍ) من المتداعيين (يميناً) بغير خلاف؛ لأن المدعيين اثنان فوجب أن يحلف لكل واحد يميناً. (فإن نكل عنهما) أي: عن اليمينين: (أخذاها) أي: أخذا العين المتنازع فيها (منه) أي: من الثالث، (و) أخذا منه أيضاً (بدلها) وهو: قيمتها إن كانت متقومة، ومثلها إن كانت مثلية؛ لأن العين تلفت بتفريطه وهو ترك اليمين للأول. فوجب عليه بدلها؛ كما لو أتلفها، (واقترعا عليهما) أي: على العين وبدلها؛ لأن المحكوم له بالعين غير معين. فوجبت القرعة؛ لتعيينه.
(وإن أقرَّ بها) أي: أقر الثالث بالعين (لهما) أي: بأن قال: هي للاثنين: أخذاها منه و (اقتسماها) نصفين، (و) لكل واحد منهما تحليفه على ذلك. فمتى طلبا يمينه (حلف لكل) منهما (يميناً بالنسبة إلى النصف الذي أقرَّ به لصاحبه)؛ لأن كل واحد منهما يدعي الزيادة على ما أقر له به من النصف، فهو في النصف الآخر مقر لغيره فيجب عليه اليمين لصاحبه؛ كما لو أقر بجميع العين لأحدهما فإنه يجب عليه يمين للآخر، (وحلف كل) من المدعيين (لصاحبه على النصف المحكوم له به)؛ كما لو كانت العين بأيديهما ابتداء.
(وإن نكَل المقرُّ) بالعين لهما (عن اليمين لكلٍ منها) أي: من المدعيين للعين: (أُخذ منه بدلُها، واقتسماه أيضاً)؛ كما لو أقر لكل منهما بالعين.
(1)
في ج: ثالث.
(و) إن أقر (لأحدهما بعينه) أي
(1)
: بالعين جميعها: (حلف) المُقَر له أنه لا حق لغيره فيها، (وأخذها)؛ لأنه لما أقَر له من هي في يده صارت العين كأنها في يده. فيكون الآخر مدعياً عليه وهو منكر له، فيحلف له لنفي دعواه، (ويحلفُ المقِرُّ للآخر) أي: للمدعي الآخر في الأصح إن التمس يمينه؛ لأنه يمكن أن يخاف من اليمين فيقر للآخر. (فإن نكل) عن حلفه للآخر: (أُخذ منه بدلُها) أي: بدل العين بالحكم بنكوله.
(وإذا أخذها) أي: أخذ العين (المقرُّ له) بها بمقتضى إقرار من هي بيده له، (فأقام) المدعي (الآخر بينة) أنها ملكه:(أخذها منه) أي: من المقَر له؛ لثبوت الملك لمن شهدت البينة بملكه.
قال في " الروضة ": (وللمُقَرّ له قيمتُها على المقِرّ) ولم يعرف ذلك لغير صاحب
"الروضة ".
(وإن قال) من العين بيده: (هي لأحدهما) أي: أحد المدعيين (وأجهَلَه فصدَّقاه) على جهله بمستحقها منهما: (لم يحلف)؛ لأنهما مصدقان له في دعواه فلا يمين.
(وإلا) أي: وإن لم يصدقاه: (حلف) لهما (يميناً واحدة)؛ لأن صاحب الحق منهما واحد غير معين ولا يلزمه اليمين إلا بطلبهما جميعاً؛ لأن أحدهما لم يتعين مستحقاً لليمين، (ويُقرَعُ بينهما) أي: بين المدعيين للعين، (فمن قرع) صاحبه:(حلف وأخذها) نص عليه؛ لأن أبا هريرة روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا. فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف "
(2)
. رواه البخاري.
وفي لفظ: " أن رجلين تداعيا في دابة ليس لواحد منهما بينة. فأمر
(3)
(1)
ساقط من أ.
(2)
سبق تخريجه ص (375).
(3)
في ب: فأمرهما.
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما
(1)
على العين أحبا أو كرها "
(2)
. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
ولأن صاحب اليد أَقر بها لأحدهما لا بعينه، فصار ذلك المقَر له هو صاحب اليد دون الآخر، فبالقرعة يتعين المقر له فيحلف على دعواه. فيستحق؛ كما لو أقر له عيناً.
(ثم إن بيَّنَهُ) أي. بين من كانت العين بيده المستحق لها بعد قوله: هي لأحدهما وأجهله
(3)
. (قُبِل)؛ كتبيينه ابتداء.
ونقل الميمونى: إن أبى اليمين من قرع أخذها أيضاً أي: بلا يمين.
وقيل لجماعة من أصحابنا: لا يجوز أن يقال ثبت الحق لأحدهما لا بعينه بإقراره وإلا لصحت الشهادة لأحدهما لا بعينه، فقالوا: الشهادة لا تصح لمجهول ولا به. يعني: بخلاف الإقرار.
(ولهما) أي: للمدعيين اللذين قال من العين بيده: هي لأحدهما وأجهله (القرعةُ بعد تحليفه الواجبِ وقبلَه) أي: قبل تحليفه؛ لأن القرعة لا تتوقف على يمينه ولذلك لو صدقاه لم تسقط القرعة، فهي سواء بالنسبة إلى اليمين قبلها وبعدها. (فإن نكل) من كانت العين بيده عن حلفه أنه لا يعلم عين المستحق للعين:(قُدّمت القرعة)؛لأن القرعة؛ تعين المقر له. فإذا خرج كان كمن أقر له فلا يمين له عليه؛ لأنه قد أخذ حقه فلم يبق له حق آخر.
(ويحلف للمَقْروع إن كذَّبه) في عدم العلم؛ لأنه متى صدقه لم يكن له عليه يمين فيحلفه. (فإن نكل: أُخذ منه بدلُها) كما قلنا فيما إذا أقر لواحد منهما دون الآخر.
(1)
في ج: يسهما.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3616) 3: 311 كتاب الأقضية، باب الرجلين يدعيان شيئاً وليست لهما بينة.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2346) 2: 786 كتاب الأحكام، باب القضاء بالقرعة.
وأخرجه أحمد في "مسنده "(10352) 2: 489 عن أبي هريرة.
(3)
في ج: وإن جهله.
(وإن أنكرهما) أي: أنكر من العين في يده كونها لهما أو لأحدهما (ولم يُنازع: أُقرع) بين المدعيين.
قال في "الفروع": وإن أنكرهما الثالث ولم ينازع فنقل الجماعة وجزم به الأكثر: يقرع؛ كإقراره لأحدهما لا بعينه.
وفي " الواضح ": وحكي عن أصحابنا: لا يقرع؛ لأنه لم يثبت لهما حق؛ كشهادة البينة بها لغيرهما، وتقر بيده حتى يظهر ربها. وكذا في "التعليق"منعاً. أومأ إليه أحمد ثم تسليماً.
(فلو عُلم أنها للآخر) الذي خرجت القرعة لصاحبه: (فقد مضى الحكم) لمن خرجت له القرعة.
قال في "الفروع": فعلى الأول إن اخذها من قرع ثم علم أنها للآخر فقد مضى الحكم. نقله المروذي.
(وإن كان لأحدهما) أي: لأحد المدعيين (بينة: حُكم له بها)؛ كما لو أنكرهما رب اليد ونازع.
(وإن كان لكلٍّ) من المدعيين (بينة: تعارضتَا)؛ لتساويهما في عدم اليد. فتسقطان بالتعارض؛ لأن كل واحدة تشهد بعكس ما تشهد به الأخرى فلا يمكن العمل بواحدة منهما، (سواء أقرَّ لهما) رب اليد، (أو) أقرَّ (لأحدهما لا بعينه، أو) كانت العين المدعى بها (ليست بيد أحد) فيصيران كمن لا بينة لهما على الأصح.
(وإن أنكرهما) رب اليد (فأقاما بيّنتين، ثم أقرَّ لأحدهما بعينه: لم ترجح) بينة المقر له (بذلك، وحُكْم التعارضِ بحاله)؛لأنهما بينتان قامتا على ما ليس في يديهما. فلا تترجح واحدة منهما برجوع اليد إلى صاحبها؛ لأنها يد طارئة فلا عبرة بها، (وإقرارُه)[لأحدهما بعينه]
(1)
(صحيح) على المذهب.
(1)
زيادة من ج.
وهو رواية التساقط. فيعمل به؛ كما لو لم يكن لواحد منهما بينة، وأقر من العين بيده لواحد منهما.
(وإن كان إقراره) لأحدهما (قبل إقامتهما) البينتين: (فالمقَرُّ له كداخل)؛ لأن اليد انتقلت إليه بإقرار من هي في يده له، فهو كما لو كانت بيده ابتداء، (والآخر كخارج)؛ لأنها ليست بيده حقيقة ولا حكماً.
(وإن لم يدَّعِها) أي: وإن لم يدع العين لنفسه من هي بيده، (ولم يُقرّض بها لغيره، ولا بينة) لواحد من المدعيين: (فهى لأحدهما بقُرعة). فمن قرع صاحبه حلف وأخذها؛ لأنهما تساويا في الدعوى ولا بينة لواحد منهما ولا يد، والقرعة تميز عند التساوي؛ كما لو أعتق في مرض موته عبيداً لا مال له غيرهم.
(فإن كان المدَّعَى به مكلَّفاً، وأقاما بينةً برِقّه) أي: أقام المدعيان بينة برقه، (وأقام) الرقيق (بينة بحريَّتِه: تعارضتا).
قال في " الفروع ": وإن ادعيا رقَّ بالغٍ ولا بينة فصدقهما فهو لهما، وإن صدق أحدهما فهو له كمدَّعٍ واحد. وفيه رواية ذكرها القاضي وجماعة.
وعنه: لا يصح إقراره؛ لأنه متهم. نصره القاضي وأصحابه.
وإن جحد قُبل قوله. وحكي: لا.
وإن أقاما بينتين تعارضتا. ثم إن أقرَّ لأحدهما لم يرجح به على رواية استعمالهما.
وظاهر " المنتخب ": مطلقاً؛ لأنه إن كان حراً لم يصح إقراره بالعبودية، وإن كان مملوكاً فلا يَدَ له على نفسه. وإن أقاما بينة برقه وأقام بينه بحريته تعارضتا.
وقيل: تقدم بينة الحرية.
وقيل: عكسه. انتهى.
(وإن لم يدَّع حريةً، فأقرَّ لأحدهما: فهو له. و) إن أقر (لهما: فهو لهما.
وإلا) أي: وإن لم يكن مكلفاً حين قال: أنا عبدهما أو أنا عبد أحدهما:
(لم يُلتفت إلى قوله)
(1)
أي: إلى إقراره بالرق؛ لعدم إقرار غير المكلف.
(ومن ادَّعى داراً و) ادعى (آخرُ نصفها، فإن كانت) الدار (بأيديهما) أي: أيدي المدعيين، (وأقاما بينتين) أي: أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه: (فهى لمدَّعِي الكل) بناء على المذهب في تقديم بينة الخارج؛ [لأن مدعي النصف [مقر بالنصف]
(2)
الآخر لصاحبه فلا منازع له فيه، والنصف الآخر يدعيه صاحب الكل ويد صاحب النصف عليه لاستوائهما في اليد. فإذا قلنا تقدم بينة الخارج]
(3)
فهو له؛ لأنه هو الخارج.
(وإن كانت) الدار (بيد ثالث، فإن نازع) الثالث: (فلمدع كلها نصفٌ)؛ لأن مدعي صاحب النصف مقر بعدم استحقاقه، (و) النصف (الآخر لرب اليد بيمينه) في الأصح؛ لأنه صاحب اليد وهو مدعى عليه ولا بينة للمدعي
(4)
؛لأن البينتين سقطتا للتعارض.
(وإن لم يُنازع) الثالث: (فقد ثبت أخذ نصفها لمدَّعي الكل)؛لما ذكرنا، (ويقترعان علي) النصف (الباقي)،بناءاً على المذهب في تساقط البينتين، ولكونه في يد غير المدعيين.
(وإن لم تكن بينة) لواحد منهما وهي بيد ثالث ولم ينازع: (فلمدَّعي كلّها نصفها)؛ لأنه لا منازع
(5)
له فيه، (و) يقترعان على النصف الباقي. ثم (من قرع) أي: خرجت له القرعة (في النصف) الباقي: (حلف) أنه لا حق للآخر فيه (وأخذه)؛ لأن النصف الباقي هو المتنازع فيه، والقاعدة في مثل ذلك: القرعة. وتقدم
(6)
دليل ذلك.
(1)
في ج: إقراره.
(2)
ساقط من ب.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في ب: للمدعى عليه.
(5)
في ب: مانع.
(6)
في ب: في تقديم.
(ولو ادَّعى كلٌ) منهما (نصفها) أي: نصف الدار أو نحوها، (وصدَّق من بيده العينُ أحدِهما) أي: أحد المدعيين، (وكذَّب الآخر، ولم يُنازع) في نصف الذي كذبه: أخذ المصدق نصفه، وأما النصف الآخر (فقيل: يُسلَّّم إليه) أي: إلى مدعيه؛ لأنه لا مدعي له غيره.
(وقيل: يَحفظه حاكمٌ)؛ كالمال الضائع.
(وقيل: يُبقَى بحالِه) بيد من هو بيده حتى يظهر مستحقه.،
***
[فصل: مسائل في تعاوض البينتين]
(فصل. ومن بيده عبد ادّعَى: أنه اشتراه من زيد، وادَّعى العبد: أن زيداً أعتقه)، وأقام كل واحد منهما بما ادعاه بينة: صححنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ.
(أو ادَّعى شخص: أن زيداً باعه) هذا العبد، (أو وهبه له، وادَّعى آخرُ مثلَه، وأقام كلٌ) منهما (بينةً) بصحة دعواه: (صحَّحنا أسبَق التصرُّفين: إن عُلِم التاريخ)؛ لأن التصرف الثانى صادف ملك غيره. فوجب أن يبطل لذلك. (وإلا) بأن جُهل التاريخ أو اتفق البينتان على تاريخ واحد: (تساقطتا) أي: بينتاهما في الأصح؛ لأنه لا مرجح لواحدة منهما.
(وكذا: إن كان العبد بيد نفسه) على الأصح إلغاءً لهذه اليد للعلم بمستندها.
نص على ذلك أحمد. واختاره أبو بكر؛ لأنا نعلم أن هذه اليد مستندها الدعوى، والدعوى لم تثبت فتكون اليد عادِيَة فلا ترجح بذلك؛ كما لو كان في يده عبد فادعى أنه اشتراه من زيد فأنكره زيد، فإنه لا يحكم بهذه اليد كذلك هذا
(1)
.
(ولو ادَّعيا) أي: ادعى اثنان (زوجيَّة امرأة) فأنكرتهما، أو أنكرت أحدهما دون الآخر، (وأقام كلٌ) منهما (البينة) بدعواه، (ولو كانت) المرأة (بيد أحدهما) أي: أحد المتداعيين؛ لأن اليد لا تثبت على الحرة: (سقطتَا) يعنى: البينتين، لأن كل واحدة تشهد بضد ما تشهد به الأخرى. فكانا كمن لابينة لهما.
قاله في " شرح المقنع ": إذا ادعى رجل زوجيَّة امرأة فأَقرت بذلك: قُبل إقرارها؛ لأنها أقرت على نفسها وهي غير متهمة؛ لأنها لو أرادت ابتداء النكاح
(1)
في ج: هنا.
لم تمنع منه. فإن ادَّعاها اثنان فأَقرت لأحدهما لم يقبل منها؛ لأن الآخر يدعي ملك نصفها وهي معترفة أن ذلك قد ملك عليها فصار إقرارها بحق غيرها.
ولأنها متهمة فإنها لو أرادت ابتداء تزويج أحد المتداعيين لم يكن لها قبل الانفصال من دعوى الآخر.
فإن قيل: فلو تداعيا عيناً في يد ثالث فأقر لأحدهما قُبل؟
قلنا: لا يثبت الملك بإقراره في العين إنما نجعله كصاحب اليد فيحلف، والنكاح لا يُستحق باليمين فلا يقع الإقرار به هاهنا.
فإن كان لأحد المدعيين بينة حُكم له بها؛ لأن البينة حجة في النكاح وغيره. وإن أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا، وحيل بينهما وبينها، ولا يرجح أحد المتداعيين بإقرار المرأة لما ذكرنا، ولا بكونها في بيته ويده؛ لأن اليد لا تثبت على حرة، ولا سبيل إلى القسمة هاهنا، ولا إلى القرعة؛ لأنه لا بد مع القرعة من اليمين. ولا مدخل لها هاهنا. انتهى.
(ولو أقام كلٌّ ممن العين بيدَيْهما بينةً بشرائها من زيد، وهي ملكه) يعني: والعين ملك زيد (بكذا، و) قد (اتَّحد تاريخهما: تحالفا، وتناصفاها)؛ لأن بينة كل واحد منهما داخلة في أحد النصفين خارجة في النصف الآخر. فكانت العين بينهما نصفين.
(ولكل) منهما (أن يرجع على زيد بنصف الثمن) الذي وقع عقده عليه إن كان قبضه.
(و) لكل منهما أيضاً (أن يفسخ) العقد؛ لأن الصفقة تبعَّضت في حقه، (ويرجع بكلّه) أي: بكل الثمن مع فسخ العقد.
(و) لكل منهما أيضاً (أن يأخذ كلَّها) أي: كل العين بكل الثمن (مع فسخ الآخر) العقد فيما يملكه من العين.
(وإن سبق تاريخ) بينة (أحدهما: فهى له)؛ لأن نقل الملك حاصل لمن سبق. فوقوع العقد بعد ذلك لا يصح، (وللثاني) على زيد (الثَّمن) إن كان قبضه.
(وإن أَطلَقتا) أي: بينتاهما (أو إحداهما: تعارضتَا في ملكٍ إذاً، لا في شراءٍ)؛ لجواز تعدده، (فيُقبل من زيد دعواها) لنفسه (بيمينٍ) واحدة في الأصح (لهما): أن العين لم تخرج عن ملكه.
(وإن ادَّعى اثنان ثمن عين بيد ثالث، كلٌّ منهما) يذكر في دعواه: (أنه اشتراها) كلها (منه بثمن سمّاه) كل واحد في دعواه. (فمن صدَّقه) منهما من بيده العين
(1)
: أخذ ما ادعاه من الثمن، (أو) من (أقام) منهما (بينة) بدعواه:(أخذ ما ادَّعاه) من الثمن.
(وإلا) أي: وإن لم يصدق واحداً منهما ولم تقم بينة لواحد منهما: (حلف) لكل واحد منهما يميناً؛ لجواز تعدد العقد.
(وإن أقاما بينتين وهو منكِر) دعواهما
(2)
، (فإن اتَّحد تاريخُهما) أي: تاريخ ما شهدت به البينتان: تعارضتا و (تساقطتا)؛ لعدم إمكان الجمع بينهما. ويكون كما لو ادعيا عيناً في يد ثالث وأقاما بينتين.
(وإن اختلف) تاريخهما بأن قالت إحدى البينتين: اشتراها منه في المحرم، وقالت الأخرى: اشتراها منه في رجب، (أو أطلقتَا) باًن قالت كل واحدة من البينتين: نشهد أنه اشتراها منه بكذا ولم تذكر واحدة منهما تاريخاً، (أو) أطلقت (إحداهما) دون الأخرى بأن قالت إحداهما: نشهد أنه اشتراها منه بكذا ولم تذكر تاريخاً، وقالت الأخرى: نشهد أنه اشتراها منه بكذا في شهر رمضان: (عُمِل بهما) أي: بالبينتين؛ لأن ظاهر هذا أنهما عقدان شهد بهما بينتان في عين واحدة على مشترٍ واحد. وعقد الشراء فيه دليل على اعتراف المشتري للبائع بالملك. ومن الجائز أن يكون اشتراه من الأول ثم انتقل عنه ببيع أو هبة إلى الثاني ثم اشتراه مرة ثانية. فيعمل بالبينتين ويجب عليه الثَّمنان
(3)
المدعى بهما.
(1)
في ج: من العين بيده.
(2)
في ج: دعواها.
(3)
في ج: القيمتان.
(وإن) كانت بيد إنسان عين فجاء اثنان يدعيانها (قال أحدهما: غصَبَنِيها، و) قال (الآخر: ملَّكنيِها، أو) قال الآخر: (أقرَّ لي بها، وأقاما بينتين) أي: أقام كل واحد منهما بينة تشهد له بما ادعاه: (فهى للمغصوب منه) يعني: فالعين لمن شهد بالغصب منه؛ لأن عند بينة الغصب زيادة علم وهو سبب ثبوت اليد، والبينة الأخرى إنما تشهد بتصرفه فيها فلا معاوضة بينهما فيأخذ، (ولا يَغرم) المدعى عليه (للآخر) الذي ادعى أنه ملكه العين أو أقر بها (شيئاً)؛ لأنه لا يوجد منه ما يعود به عليه. وإنما بطل التمليك أو الإقرار؛ لثبوت الملك لغيره بغير فعله. بخلاف البيع فإنه يجب عليه رد الثمن؛ لأنه أخذ بغيرحق.
وإن قال كل واحد من المدعيين: غصبنيها وأقاما بذلك بينتين، فالحكم فيها كالحكم فيما إذا ادعى كل واحد منهما أنه اشتراها منه على ما مضى من التفصيل.
(وإن ادَّعى) رب دار على آخر: (أنه آجره البيت) أي: بيتاً معيناً من الدار (بعشرة، فقال المستأجر: بل) آجرتني (كلَّ الدار) بالعشرة، (وأقاما بينتين) تشهد كل واحد لمن أقامها بما ادعاه:(تعارضتا، ولا قِسمةَ هنا). قدمه في"المغني"و"الشرح"و"الرعاية الكبرى ".
وقيل: تقدم بينة المستأجر للزيادة. وأطلقهما في " الفروع ".
فائدة:
قال في " شرح المقنع ": نقل ابن منصور عن أحمد في رجل أخذ من رجلين ثوبين أحدهما بعشرة والآخر بعشرين، ثم لم يدر أيهما ثوب هذا من ثوب هذا. فادعى أحدهما ثوباً من هذين الثوبين، وادعاه الآخر: يقرع بينهما. فأيهما أصابته القرعة حلف وأخذ الثوب الجديد والآخر للآخر. وإنما قال ذلك؛ لأنهما تنازعا ثوباً بيد غيرهما. انتهى.
***
[باب: في تعارض البينتين]
هذا (باب في تَعارُض البينتين. وهو: التَّعادُل من كلّ وجه). يقال: تعارضت البينتان إذا تقابلتا
(1)
. وعارض زيد عمراً: إذا أتاه بمثل ما أتاه به. وتساقط البينتين هو: اختلافهما بأن تُثبت كل واحدة ما تنفيه الأخرى. فلا يمكن العمل بواحدة منهما فيسقطان.
(من قال لقِنّه) من ذكر أو أنثى: (متى قُتلتُ فأنت حر، لم تُقبل دعوى قنّه) بعد موت سيده (قَتْلَه) أي: أنه مات مقتولاً (إلا ببينة)؛ لأن الأصل عدم القتل، (وتُقدَّم) بينة القن أنه مات مقتولاً (على بينة وارثٍ) إن أقام الوارث بينة أنه مات حتف أنفه في الأصح؛ لأن بينة القن تشهد بزيادة وهو القتل.
وإذا ادعى القن أنه مات مقتولاً ولم تكن له بينة كان له تحليف الورثة على نفي القتل
(2)
.
(وإن) قال من له عبدان: (متُّ في المحرم فسالم حر، و) إن متُّ (في صفر فغانم حر). ثم مات (وأقام كلٌ) من العبدين (بينةً بموجب عتقه: تساقَطَتا) أي: بينتاهما (ورُقَّا) في الأصح، لأن بينة كل واحد منهما تنفي ما شهدت به الأخرى.
ولجواز أن يكون مات في غير المحرم وصفر؛ (كما لو لم تقم بينة) لواحد منهما (وجهل وقتُه) أي: وقت موته.
(وإن عُلم موته في أحدهما) أي: أحد الشهرين، وجهل هل هو المحرم أو
(1)
في أوب: تقابلا.
(2)
في ج: العلم.
صفر: (أُقرع) بين العبدين. فمن خرجت له القرعة عتق ورق الآخر.
(و) إن قال: (إن متُّ في مرضي هذا فسالم حر، وإن برئتُ) منه (فغانم) حر. ثم مات (وأقاما بينتين) أي: أقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه: (تساقطَتَا) أي: بينتاهما (ورُقَّا) في الأصح.
وحكاه في "المقنع" عن الأصحاب؛ لأن كل واحدة من البينتين تنفي ما شهدت به الأخرى. ثم قال في "المقنع": والقياس: أن يعتق أحدهما بالقرعة. وزيف في " شرح المقنع " ما نقله عن الأصحاب.
(وإن جُهل: مِم َّ
(1)
مات؟ ولا بينة أقرع) بين العبدين. فمن خرجت له القرعة عتق ورق الآخر؛ لأنه لا يخلو من أن يكون برئ أو لم يبرأ. فيعتق أحدهما على كل حال ولم يعلم عينه. فيخرج بالقرعة؛ كما لو أعتق أحدهما وأشكل علينا.
(وكذا إن أتَى بـ "مِنْ" بدلَ "في") بأن قال: إن مت من مرضي هذا فسالم حر، وإن برئت منه فغانم حر (في) صورة (التعارض). وهي: ما إذا أقام سالم بينة أن سيده مات من مرضه الذي علق فيه، وأقام غانم بينة أنه لم يمت منه. فإن بينتاهما تتعارضان ويبقيان على الرق في الأصح، لاحتمال أن يكون مات في المرض بحادث. ومتى كان العتق متوقفاً على شرط فلا بد من وجود الشرط يقيناً.
(وأما في صورة الجهل) وعدم البينة: (فيَعتِقُ سالم) في الأصح؛ لأن الأصل دوام المرض وعدم البرء.
(وإن شَهِدَت على ميت بينة: أنه وصَّى بعتق سالم، و) شهدت بينة (أخرى) عليه: (أنه وصَّى بعتق غانم، وكل واحد) من سالم وغانم (ثلثُ ماله، ولم تُجِز الورثة) عتقهما معاً: (عتَقَ أحدُهما بقُرعة) في الأصح؛ لأنه لم تترجح بينة أحدهما على الأخرى، والقرعة مرجحة بدليل الإمامة في الصلاة.
(1)
في ج: ثم.
وقال أبو بكر وابن أبي موسى: يعتق نصف كل واحد منهما بغير قرعة؛ لأن القرعة إنما تجب إذا كان أحدهما عبداً والآخر حراً ولا كذلك هاهنا. فيجب أن تقسم الوصية بينهما، ويدخل النقص على كل واحد منها بقدر وصيته؛ كما لو أوصى لاثنين بمال.
وجوابهما: أن الإعتاق بعد الموت كالإعتاق في مرض الموت. وقد ثبت في الإعتاق في مرض الموت: أنه يقرع بينهما؛ لحديث عمران بن حصين
(1)
. كذلك بعد الموت.
ولأن المعنى المقتضي في أحد العبدين في الحياة موجود بعد الموت فيثبت.
وعلم مما تقدم أن الورثة إذا أجازوا الوصيتين عتقا؛ لأن الحق لهم. فأشبه ما لو أعتقوهما بعد موته.
(ولو كانت بينة غانمٍ وارثةً فاسقةً)، ولم تكذب الأجنبية:(عتَق سالم) بلا قرعة؛ لأن بينة سالم العادلة لا تعارضها بينة غانم الفاسقة، (ويعتِقُ غانم بقُرعة) بأن يكتب في رقعة: يعتق، وفي رقعة أخرى: لا يعتق وتُدرج كل رقعة في بُندقة من شمع أو طين بحيث لا تتميز إحداهما من الأخرى، ويقال لمن لم يحضر ذلك: أخرج بُندقة. فإن خرجت التي فيها: يعتق عتق، وإن خرجت الأخرى: لم يعتق.
ووجه ذلك: أن البينة الوارثة مقرة بالوصية بعتق غانم أيضاً فاقتضى ذلك القرعة بين العبدين. لكن لما كانت بينة سالم عادلة عتق أولاً؛ لعدم المعارض، وأعتقنا غانماً بخروج القرعة له.
(وإن كانت) الوارثة (عادلةٍ، وكُذّبتْ) البينة (الأجنبيَّةَ: عُمل بشهادتها، ولَغَا تكذيبُها) الأجنبية. (فينعكسُ الحكم) فيعتق غانم بلا قرعة ويقف عتق سالم على القرعة؛ لأن تصديقها أو تكذيبها للأخرى غير معتبر في
(1)
سبق ذكره وتخريجه ص (335).
حق المشهود له. لكن شهادتها إذا كانت عادلة معتبرة فيعتق غانم لشهادتها بعتقه وإقرارها أنه لم يعتق سواه، ويقف عتق سالم على القرعة؛ كما لو شهد بذلك البينتان من غير تكذيب.
(ولو كانت) البينة الوارثة (فاسقةً، وكذَّبت) العادلةُ الأجنبيةَ، (أو شَهِدَت برجوعه عن عتقِ سالمٍ: عَتقا).
أما عتق سالم؛ فلأنه لم يثبت عتق غانم.
وأما عتق غانم؛ فلإقرارها بعتقه دون الآخر.
ولأن شهادتها بالرجوع عن الوصية بعتق سالم يتضمن الإقرار بالوصية بعتق غانم وحده، فهو كما لو كانت مكذبة للأخرى.
(ولو شهدت) الوارثة (برجوعه) عن عتق سالم، (و) الحال: أنه (لا فِسْقَ ولا تكذيب) يعني: أنها ليست فاسقة ولا مكذبة للبينة التي شهدت بأنه أوصى بعتق سالم: (عتق غانم) وحده؛ لأنها بينة عادلة شهدت بالرجوع عن الوصية بعتق سالم وليست متهمة فقبلت؛ (كأجنبية) يعني: كما لو كانت اجنبية؛ لأنهما لا يجران إلى أنفسهما [نفعاً بشهادتهما بالرجوع، ولا يدفعان بذلك عن أنفسهما ضرراً.
فإن قيل: إن الشاهدان برجوعهما عن عتق سالم يجران إلى أنفسهما]
(1)
ولاء غانم؟
قيل: وهما يسقطان ولاء سالم أيضاً. على أن الولاء إنما هو سبب ثبوت الميراث. ومثل ذلك لا ترد الشهادة فيه كما يثبت النسب بالشهادة. وإن كان الشاهد يجوز أن يرث المشهود له به، وتقبل شهادة الإنسان لأخيه بالمال وإن جاز أن يرثه.
(فلو كان في هذه الصورة) وهي: ما إذا كانت البينة الشاهدة برجوعه عن عتق سالم وارثة (غانمٌ) أي: قيمته (سُدسَ مالِه: عَتقَا) أي: عتق سالم
(1)
ساقط من أ.
وغانم، (ولم تُقبل شهادتُهما) في حق سالم؛ لأنها متهمة بدفع السدس الآخر عنها، فلا تقبل شهادتها لذلك.
(وخَبَرُ) بينة (وارثةٍ عادلةٍ، كـ) خبر وارثة (فاسقة).
قال في "المحرر": والوراثة العادلة فيما تقوله خبراً لا شهادة؛ كالفاسقة
في جميع ما ذكرنا. انتهى.
فيكون خبرهما إقراراً. وهو سواء من العدل والفاسق في الحكم.
(وإن شهدت بينة بعتق سالمٍ في مرضه، و) شهدت بينة (أخرى بعتق غانم فيه: عتَقَ السابق) تاريخ عتقه منهما؛ لأن المريض إذا تبرع تبرعات يعجز ثلثه عن جميعها، قدم الأول فالأول. (فإن جُهل) التاريخ بأن أطلقت بينتاهما أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى:(فـ) إنه يعتق (أحدُهما بقُرعة)؛كما لو اتحد تاريخهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر. فيعتق من خرجت له القرعة؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون أعتقهما معاً فيقرع بينهما؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد الستة الذين أعتقهم سيدهم عند موته ولم يكن له مال غيرهم
(1)
، أو يكون أعتق أحدهما قبل الآخر وأشكل علينا فُيخرج بالقرعة؛ كما في مسألة الطائر. وهي: ما لو طار طائر فقال سيد سالم وغانم: إن كان الطائر غراباً فسالم حر، وإن لم يكن غراباً فغانم حر، ومضى الطائر ولم يعلم هل هو غراب أو غير غراب؟ فإنه يُقرع بين العبدين. فمن خرجت له القرعة منهما عتق دون الآخر.
(وكذا لو كانت بينة أحدِهما) أي: أحد العبدين (وارثةً) ولم تكذب الأجنبية يعني: فإنه يعتق السابق إن علم، وإن لم يعلم السابق منهما فإنه يعتق أحدهما بقرعة.
(فإن سبقت) البينة (الأجنبية) يعني: بأن ذكرت تاريخاً سابقاً على ما ذكرته البينة الوارثة؛ بأن قالت الأجنبية: أعتق سالماً في أول المحرم أو أعتق
(1)
سبق تخريجه ص (335).
غانم في ثانيه (فكذَّبتها الوارثة)؛بأن قالت: ما أعتق في أول المحرم إلا غانماً وأعتق سالماً في ثانيه: عتق العبدان.
أما عتق سالم؛ فلشهادة البينة العادلة أنه السابق.
وأما عتق غانم؛ فلإقرار الورثة أنه المستحق للعتق؛ لاعترافهم بسبق عتقه على عتق سالم.
(أو سبقَت) البينة (الوارثة) البينة الأجنبية، (وهي) أي: والبينة الوارثة (فاسقةٌ) بأن قالت الوارثة الفاسقة: أعتق سالماً قبل غانم وشهدت البينة
(1)
العادلة أنه أعتق غانماً قبل سالم: (عَتَقا).
أما عتق غانم؛ فلشهادة البينة العادلة أن عتقه سابق
(2)
على عتق سالم.
وأما عتق سالم؛ فلإقرار الورثة أنه هو المستحق للعتق دون غانم.
(وإن جُهل أسبقُهما) أي: الأسبق عتقا منهما، بأن اتفقا على أنه عتق العبدين، وأنهما لا يعلمان أسبقهما عِتقاً:(عتَق واحدٌ) منهما (بقُرعةٍ)؛كما لو شهدا أنه أعتقهما بلفظ واحد؛ لأن جادة المذهب: أن كل متساويين في ثبوتٍ لا يمكن الجمع بين الدعوتين فيهما فإنه يجب إخراج المستحق منهما بالقرعة.
(وإن قالت) البينة (الوارثة: ما أعتق إلا غانماً) وحده يطعنان بذلك في بينة سالم (عتَقَ) غانمُ (كلُّه)؛ لإقرار الورثة بعتقه، (وحُكْم سالم) في هذه الصورة
(3)
[مع طعن الوارثة في نيته]
(4)
(كحكمه) في الصور المتقدمة (لو لم تَطعن) الوارثة
(5)
(في بينته: في أنه يعتِق إن تقدَّم عتقُه) أي: تاريخ عتقه، (أو خرَجت له القُرعة) حيث قلنا يقرع بينهما؛ لأن طعن الوارثة في الأجنية غير مقبول؛ لأن الأجبية مثبتة والوارثة نافية، والمثبت مقدم على النافي، وإذا لم
(1)
في أوب: الأجنبية.
(2)
في أ: إن أعتقه سابقاً، وفي ب: أن عتقه سابقاً.
(3)
في ب: الصور.
(4)
زيادة من أ.
(5)
في ج: الورثة.
يقبل الطعن صار طعنها
(1)
كلا طعن، ولو لم تطعن الوارثة في الأجنبية لكان الحكم كما ذكر فكذا ما هو بمنزلته. فيعتقان جميعاً إن تقدم تاريخ عتق سالم أو خرجت له القرعة، ويرق إذا تأخر تاريخ عتقه أو خرجت القرعة لغيره.
(وإن كانت (البينة) الوارثةُ فاسقةً، ولم تَطعن. في بينة سالم: عَتق) سالم (كُّله)؛ لأن البينة العادلة شهدت بعتقه ولم يوجد ما يعارضها، (ويُنظَرُ في غانم: فمعَ سبْق) تاريخ (عتقِه، أو) مع (خروج القرعة له يَعتق كلُّه)؛لإقرار الورثة أنه هو المستحق للعتق دون غيره، (ومع تأخُّره) أي: تأخر تاريخ عتق غانم (أو خروجِها) أي: خروج القرعة (لسالم، لم يَعتِق منه) أي: من غانم (شيء)؛لأن بينته لو كانت عادلة لم يعتق منه شيء. فإذا كانت فاسقة أولى.
(وإن كذَّبت) الوارثة (بينةَ سالم) الأجنبية: (عتَقَا) أي: سالم وغانم جميعاً؛ لأن سالماً مشهود بعتقه، وغانماً مقر له بأنه لا مستحق للعتق سواه.
(وتَدبِيرٌ) للرقيق (مع تَنْجيزٍ) للعتق في مرض الموت المخوف (كآخِرِ تنجيزَيْن مع أسبقهما)؛لأن التدبير تنجيز بالموت. فوجب أن يتأخر عن المنجز في الحياة. فلذلك ساوى
(2)
أحد التنجيزين في الأحكام المذكورة.
***
(1)
في ب: طعناً.
(2)
في ج: تساوى.
[فصل: من مات عن ابنين مسلم وكافر]
(فصل. ومن مات عن ابنين مسلم وكافر. فادَّعى كلٌ) من الابنين: (أنه) أي: أن أباه (مات على دينه، فإن عُرف أصله) من إسلامٍ أو كفرٍ: (قُبل قولُ مدَّعِيه)؛لأن الأصل بقاء ما كان عليه من الدين؛ كسائر المواضع.
(وإلا) أي: وإن لم يُعرف أصل دينه (فميراثه للكافر: إن اعترف المسلم بأُخُوَّتِه، أو ثبتت ببَيّنة) على الأصح؛ لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام.
ولأنه معترف بأن أباه كان كافراً وهو يدعي إسلامه. فجعل أصل دينه الكفر. والقول قول مدعي الأصل.
(وإلا) أي: وإن لم يعترف المسلم أنه أخوه ولم يثبت ذلك ببينة: (فـ) ميراثه (بينهما)؛ لأنهما سواء في اليد والدعوى. أشبه ما لو تداعيا عيناً في أيديهما.
(وإن جُهل أصل دينه، وأقام كل) منهما (بينة بدعواه: تساقطتَا) وتناصفا التركة؛ كما لو لم تكن لواحد منهما بينة.
(وإن قالت بينة: نعرفُه مسلماً، و) قالت بينة (أخرى: نعرفُه كافراً، ولم يُؤَرّخا) أي: يؤرخ كل واحدة من البينتين معرفتها له بالدين الذي ذكرته، (وجُهل أصل دينه: فميراثُه للمسلم)؛لأن العمل بهما ممكن، إذ الإسلام يطرأ على الكفر، وعكسه خلاف الظاهر؛ لعدم إقرار المرتد على ردته.
(وتُقدَّم الناقلة) أي: يقدم العمل بما تشهد به البينة الناقلة: (إذا عُرف أصل دينه فيهنَّ)؛ لأن المبقية له على أصل دينه ثبتت شهادتها
(1)
على الأصل الذي تعرفه، والبينة الأخرى معها عِلم لم تعلمه الأولى. فقدمت عليها؛ كما لو
(1)
في ج: شهادتهما.
شهدا أن هذا العبد كان ملكاً لفلان إلى أن مات، وشهد آخران أنه أعتقه أو باعه قبل موته، فإن بينة البيع أو العتق
(1)
مقدمة.
(ولو شهدت) بينة: (أنه مات ناطقاً بكلمة الإسلام، و) شهدت بينة (أخرى أنه مات ناطقاً بكلمة الكفر: تساقطتا) على الأصح. سواء
(2)
(عُرف أصل دينه، أوْ لا) يعني: أو لم يعرف؛ لأن البينتين أَرختا وقتاً واحداً هو ساعة موته. فتعارضتا وتسا قطتا لذلك.
(وكذا) أي: وكالحكم المتقدم فيما إذا خلَّف ابنين مسلماً وكافراً يكون الحكم (إن خلَّف أبوين كافرين وابنَيْن مسلمين، أو) خلّف (أخاً وزوجةً مسلمين وابناً كافراً)؛لأن هؤلاء مع ثبوت دعواهم ورثة لا فرق بين دعواهم ودعوى الابن.
قال في " المستوعب ": وعلى كلٍّ يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين. انتهى.
قال في"الفروع": ويصلى عليه تغليباً له مع الاشتباه.
قال القاضي: ويدفن معنا.
وقال ابن عقيل: وحده. انتهى.
(ومتى نصّفْنا المال) المخلّف عن الميت المختلف في دِينه فأعطينا الابنين المنازعين للأبوين
(3)
نصفه: (فنصفه للأبوين على ثلاثة)، للأب ثلثاه وللأم ثلثه.
ومتى أعطينا الابن المنازع للأخ والزوجة نصفه فإن الباقي (و) هو (نصفه) يكون (للزوجة والأخ على أربعة)، للزوجة ربعه وباقيه للأخ.
(ومن) كان كافراً و (ادَّعى تقدم إسلامه على موت مورثه، أو) ادّعى تقدم إسلامه (على قَسم تركتِه) أي: تركة مُورّثه المسلم: (قبل) منه ذلك (ببينة) يقيمها، (أو تصديق وارث) معه على دعو اه. وإلا فلا.
(1)
في ب: البيع والعتق.
(2)
في ج: وسواء.
(3)
في ج: المتنازعين لأبوين.
مثال ذلك: لو مات مسلم وله ابنان مسلم وكافر فأسلم الكافر، وقال: أسلمت قبل موت أبي، أو أسلمت قبل قسم تركة أبي، وقال أخوه: بل بعد ذلك: فلا إرث له؛ لأنه مقر بالكفر أولاً مدع للإسلام فيما قبل الموت أو فيما قبل قسم التركة، والأصل بقاؤه على كفره. فيكون القول قول أخيه المسلم بيمينه؛ لأنه منكر. إلا أن يقيم بينة بدعواه أو يصدقه أخوه فيرث؛ لأن الحق لا يعدوهما.
(وإن قال) من كان كافراً: (أسلمتُ في محرَّمِ ومات) أي: مورثي (في صفر، وقال الوارث) الذي هو أخوه: (مات قبل محرَّم: وَرِثَ)، لأنهما اتفقا على الإسلام في محرم، وإنما اختلفا في أن الموت هل كان قبله أو بعده؟ والأصل حياة الأب. فيكون القول قول المدعي للموت آخراً. فلذلك يجب أن يكون الإرث بينهما.
(ولو خلَّف حرٌ ابناً حراً وابناً كان قِناً، فادَّعى) الذي كان قناً: (أنه عَتَق وأبوه حي) أي: في حال حياته، (ولا بينة) له بما ادعاه:(صُدّق أخوه في عدم ذلك) أي: في أنه لم يعتق قبل موت أبيه؛ لأن الأصل بقاء الرق.
(وإن ثبت عتقُه برمضان، فقال الحر: مات أبي في شعبان، وقال العَتيق: بل بشوال صُدّقَ العتيق)؛لأن الأصل بقاء حياة الأب إلى شوال.
(و) متى أقام العتيق بينة أنه مات في شوال، وأقام الحر بينة أنه مات في شعبان:(تُقدَّم بينةُ الحرّ، مع التعارُض) أي: تعارض البينتين المذكورتين؛ لأن معها زيادة علم.
(وإن شهد اثنان على اثنين بقتلٍ، فشهدا) المشهود عليهما (على الأوَّلين) اللذين شهدا عليهما أوّلًا (به) أي: بالقتل، (فصدَّق الوليُّ) أي: مستحق القصاص الشاهدين (الأوَّلين فقط) أي: دون المشهود عليهما أوّلاً: (حُكم بهما) أي: بالشاهدين الأولين؛ لرجحانه
(1)
بتصديق المشهود له.
(1)
في ب: لرجحانها.
(وإلا) باًن صدق الجميع، أو كذب الجميع، أو صدق المشهود عليهما فقط:(فلا شيء) له؛ لأن شهاده المشهود عليهما غير معتبرة؛ لأنهما متهمان بالدفع عن أنفسهما بذلك، وتصديق الولي لهما غير معتبر. وكذا لو صدق الجميع بأن قال: قتلوه كلهم؛ لأن كل اثنين من البينتين تدفع عن نفسها القتل بالشهادة فلا يقبل. وكذا لو كذب الجميع؛ لأنه يصير كمن لا بينة له.
(وإن شهدت) بينة (بتلف ثوب، وقالت: قيمتُه عشرون، و) شهدت (أخرى) أن قيمته (ثلاثون: ثبت الأقلُّ) وهو العشرون على الأصح؛ لأن الإتلاف ثابت في شيء واحد. وإنما اختلفا في قيمته، فهو كما لو اختلف المقومان في القيمة، فإنه يثبت ما اتفقا عليه دون ما اختلفا فيه.
(وكذا: لو كان بكلّ قيمةٍ شاهدٌ) واحد؛ لأن بينة الأقل تثبت دون الأكثر.
(و) العين (القائمةُ؛ كعينٍ ليتيم يُريد الوصيُّ بيعَها، أو) يريد
(1)
(إجارتَها إن اختلفا في قيمتها) عند إرادة بيعها (أو) اختلفا في (أِجر مثلها) عند إرادة إجارتها (أُخذ) أي: عمل (بـ) مقتضى (من يصدّقُها الحِسُّ) من البينتين. (فإن احتمَل) ما شهدتا
(2)
به: (أُخذ ببينة الأكثر) أي: البينة التي تشهد بالأكثر، (كما لو شهدت بينة أنه آجَرَ حصَّة مَوْليّه) أي: من هو في حجره (بأجرة مثلها، و) شهدت (بينة) أخرى أنه آجرها (بنصفها) أي: بنصف أجرة مثلها.
قال في " التنقيح " قلت: فلو كانت العين قائمة قدمت بينة من يصدقها الحسّ. فإن احتمل فقد قال ابن نصر الله: لو اختلفت
(3)
بينتان في قيمة عين" قائمة ليتيم يريد الوصي بيعها أخذ ببينة الأكثر فيما يظهر. انتهى.
وكذا فال الشيخ تقي الدين: لو شهدت بينة أنه آجر حصة موليه بأجرة مثله وبينة بنصفها. انتهى كلامه في " التنقيح ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: شهدت.
(3)
في ج: اختلف.
[كتاب الشهادات]
هذا (كتاب الشهادات. واحِدُها شهادة). واشتقاقها من المشاهدة؛ لأن الشاهد يخبر عما شاهده. يقال: شهد الشيء إذا رآه. ومن ذلك قيل لمحضر الناس مشهد؛ لأنهم يرون فيه ما يحضرونه. ومنه قوله سبحانه وتعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] يعني: علمه برؤية هلاله أو إخبار من رآه. والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله سبحانه وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282].
وقال سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: 2].
وقال سبحانه وتعا لى: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282].
وأما السنة؛ فروى وائل بن حجر قال: " جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الحضرمي: يا رسول الله!
(1)
إن هذا غلبني على أرضٍ لي. فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي فليس له فيها حق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه قال: يا رسول الله! الرجل فاجر لا يبالي طى ماحلف عليه وليس يتورع من شيء. فال: ليس لك منه إلا ذلك. قال: فانطلق الرجل ليحلف له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما أدبر: لئن حلف على ماله ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض
(2)
"
(3)
. فال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وأما الإجماع فمنعقد على قبول الشهادة في الجملة. ودليله ما تقدم.
(1)
في ج: فقال يا رسول الله.
(2)
في أ: معروض.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1340) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
ولأن الحكمة تقتضي مشروعية الشهادة فإن الحاجة داعية إليها؛ لحصول التجاحد من الناس. فوجب الرجوع إليها.
قال شريح: القضاء جَمر فنحه عنك بعودين- يعني: الشاهدين- وإنما الخصم داء والشهود شفاء. فأفرغ الشفاء على الداء.
(وهي) أي: الشهادة: (حُجَّة شرعية)؛ لما تقدم من الحديث (تُظهٍرُ الحق) المدعى به أي: تُبينه، ولهذا سميت بينة (ولا تُوجبه). قاله في " الرعايتين " و" الحاوي ".
إذا علمت ذلك (فهى) أي: فالشهادة: (الإخبار بما علمه) الشاهد، (بلفظٍ خاص) وهو: أشهد أو شهدت.
وأما حكم الشهادة فقد أشير إليه بقوله:
(تَحمُّل المشهود به) أي: الشهادة، في (غير حق الله) سبحانه و (تعالى) فدخل جميع حقوق الآدميين من الأموال وغيرها، (فرضُ كفاية) إذا قام به من يكفي سقط عن بقية المسلمين، فإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه. وإن كان عبدا لم يجز لسيده منعه.
والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ} [البقرة: 282].
وقد قال ابن عباس وقتادة والربيع: المراد به التحمل للشهادة وإثباتها عند الحاكم.
ولأن الحاجة تدعو
(1)
إلى ذلك؛ لإثبات الحقوق والعقود. فكان واجباً؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولأن الشهادة لو لم تجب لامتنع الناس من تحملها وأدائها، وذلك يؤدي إلى ضياع الحقوق.
(وتُطلَق الشهادة على التحمُّل وعلى الأداء). فيكون الأداء أيضاً فرض
(1)
في ج: داعية.
كفاية؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]. وإنما خص القلب بالإثم، لأنه موضع العلم بها.
ولأن الشهادة أمانة. فلزم أداؤها؛ كسائر الأمانات.
وقد قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
(ويجبان) أي: التحمل والأداء: (إذا دُعي) إنسان من أهلها إلى واحد منهما؛ لأن مقصود الشهادة لا يحصل ممن ليس من أهلها.
ومحل الوجوب: إذا دعي (لدون مسافة قصر).
قال في " الفروع ": يجب في مسافة كتاب القاضي عند سلطان لا يخاف تعديه. نقله مهنا، أو حاكم عدل. قال في " المبدع ": وهذا إذا كان دون مسافة قصر
(1)
. وقيل: ما يرجع إلى منزله ليومه. حكاه ابن حمدان. انتهى.
(و) محل ذلك أيضاً: إذا (قدَرَ بلا ضررٍ يَلحقُه). فلو كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء
(2)
، أو كان ممن لا يقبل الحاكم شهادته، أو يحتاج إلى التبذّل في التزكية: لم يلزمه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار
(3)
"
(4)
.
ولأنه لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره.
وأما إذا كان الحاكم غير عدل فنقل ابن الحكم عن أحمد: كيف أشهد عند رجل ليس عدلاً؟ لا يشهد.
(1)
في ب: القصر.
(2)
في ج: والأداء.
(3)
في أوب: إضرار.
(4)
أخرجه ابن ماجه في"سننه"(2341) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(2867) 1: 313.
وأخرجه الدارقطني في " سننه "(83) 4: 227 كتاب في الأقضية والأحكام وغير ذلك.
و (8584) 4: 228 بلفظ: " لا ضرر ولا إضرار ".
قال في " الفروع ": وقال في رواية عبد الله: أخاف أن لا يسعه
(1)
أن لا يشهد عند الجهمية. عن ابن المبارك عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً: " يكوُن في آخر الزمان أمراءُ ظلمة، ووزراءُ فسقة، وقضاةُ خونة، وفقهاءُ كذبة، فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم كاتباً ولا عريفاً ولا شرطياً"
(2)
. رواه الطبرانى وقال: لم يروه عن قتادة إلا ابن أبي عروبة، ولا عنه إلا ابن المبارك، تفرد به داود بن سليمان، وهو شيخ لا بأس به. انتهى كلامه في " الفروع ".
إذا تقرر هذا (فلو) تحمّل شاهدان ثم (أدّى شاهدٌ، وأبى الآخر وقال) للمشهود له: (احلف بَدَلي: أثِم) اتفاقاً. قاله في " الترغيب ".
(ولا يُقيمُها) أي: يقيم إنسان الشهادة (على مسلم، بقتل كافر).
قال في " الفروع ": وظاهره: يحرم.
(ومتى وجبتْ) أي: وجبت الشهادة على إنسان: (وجبتْ) عليه (كتابتُها).
قال في " الفروع ": وكتابةٌ كشهادة في ظاهر كلام الشيخ وشيخنا.
(وإن دعي فاسقٌ لتحمُّلها) أي: تحمل الشهادة: (فله الحضور مع عدم غيره). ذكره في " الرعاية ".
وفي " المغني " وغيره: أن التحمل لا يعتبر له العدالة. فلو لم يؤد حتى صار عدلاً قبلت.
(ولا يحرُم أداؤه) أي: أداء الفاسق الشهادة (ولو لم يكن فسقُه ظاهراً).
قال في " المغني ": إن من شهد مع ظهور فسقه لم يعزر؛ لأنه لا يمنع صدقه. فدل على أنه لا يحرم أداء الفاسق، وإلا لعزر. ويؤيده أن الأشهر: لا يضمن من بان فسقه، ويتوجه التحريم عند من ضمنه، ويكون علة لتضمينه. قاله في " الفروع ".
(1)
في " الفروع " 6: 549: أن يسمعه.
(2)
ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 5: 233 كتاب الخلافة، باب في عمال السوء وأعوان الظلمة.
(ويحرُم أخذُ أجرة) على الشهادة (و) أخذ (جُعْل عليها) أيضاً، (ولو لم تتعَّين عليه) في الأصح؛ لأن فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع منه فرضاً، وذلك لا يجوز أخذ الجُعل عليه؛ كصلاة الجنازة.
(لكن: إن عجز) من دعي إلى الشهادة (عن المشى) إلى محلها (أو تأَذّى به) أي: بالمشي، (فله أخذ أجرة مركوب).
قال في " الإنصاف ": حيث قلنا بعدم الأخذ. فلو عجز عن المشي أو تأذى به، فأجرة المركوب على رب الشهادة. قاله في "الترغيب"وغيره، واقتصر عليه في " الفروع ".
قال في " الرعاية ": فأجرة المركوب والنفقة على ربها. ثم قال: قلت: هذا إن تعذر حضور المشهود عليه إلى محل الشاهد، لمرضٍ، أو كبرٍ، أو حبسٍ، أو جاهٍ، أو خَفَرٍ.
وقال أيضاً: وكذا حكم مزكٍ، ومُعرّفٍ، ومترجمٍ، ومُفتٍ، ومقيم حدٍ وقودٍ، وحافظ مال بيت المال، ومحتسب، والخليفة. واقتصر عليه في " الفر وع ". انتهى.
(ولمن عنده شهادة بحد لله) سبحانه و (تعالى إقامتُها وتركُها) أي: أن يشهد بها وأن لا يشهد؛ لأن حقوق الله سبحانه وتعالى مبنية على المساهلة ولا ضرر في تركها على أحد وهو مأمور بالستر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَقيلُوا ذوي الهيئات عَثراتِهم "
(1)
.
ولذلك اعتبر في الزنا أربعة شهود
(2)
وشدَّد فيه على الشهود ما لم يشدد على غيرهم؛ طلباً للستر، ولئلا يثبت.
قال في " الفروع ": واستحب القاضي وأصحابه وأبو الفرج والشيخ
(1)
أخرجه أبو داود في"سننه"(4375) 4: 133 كتاب الحدود، باب في الحد يشفع فيه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(25515) 6: 181.
(2)
زيادة من ج.
و" الترغيب " تركه، للترغيب في الستر. وهذا يخالف ما جزم به في آخر "الرعاية " من وجوب الإغضاء عمن ستر المعصية، فإنهم لم يفرقوا. وهو ظاهر كلام الخلال. ويتوجه فيمن عُرف بالشر والفساد أن لا يستر عليه. انتهى.
(وللحاكم أن يُعرّض لهم) أي: للشهود (بالتوقُّف عنها) أي: عن الشهادة في الأصح، (كتعريضه لمُقِرٍ) بحد (ليرجع) عن إقراره؛" لأن عمر رضي الله تعالى عنه لما شهد عنده الثلاثة على المغيرة بالزنا وجاء زياد يشهد عَرّض له بالرجوع، وقال له: ما عندك يا سلح العقاب وصاح به. فلما لم يصرح بالزنا وقال: رأيت أمراً قبيحاً فرح عمر وحمد الله سبحانه وتعالى ". وكان هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكر أحد على عمر ذلك.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للسارق: " ما أخالك سرقت. مرتين "
(1)
.
وأعرض عن المقر بالزنا حتى أقر أربعاً
(2)
، كل ذلك طلباً للرجوع.
وعلم مما تقدم أنه إن شهد لم يُكره له ذلك؛ لأنه إخبار بما كان على وجهه فجاز، وأنه يجوز أن يقيم الشهادة في حدود الله سبحانه وتعالى من غير تقدم دعوى، [لأن أبا بكرة وأصحابه شهدوا على المغيرة من غير تقدم دعوى]
(3)
.
وشهد الجارود وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما على قدامة بن مظعون بشرب الخمر من غير تقدم دعوى فأجيزت شهادتهم
(4)
.
(وتُقبل) الشهادة (بحدٍّ قديم).
قال في " الإنصاف ": قال في " الرعاية ": هل تقبل الشهادة بحد قديم؟
على وجهين. انتهى.
(1)
أخرجه النسائي في " سننه "(4877) 8: 67 كتاب قطع السارق تعظيم السرقة، تلقين السارق.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(22561) 5: 293.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4419) 4: 145 كتاب الحدود، باب رجم ماعز بن مالك.
(3)
ساقط من أ.
(4)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 8: 316 كتاب الأشربة، باب من وجد منه ريح شراب أو لقي سكران.
والصحيح من المذهب: القبول. قدمه في " الفروع ". انتهى.
ووجه ذلك: أنها شهادة بحق. فجازت مع تقادم الزمان؛ كالشهادة بالقصاص.
ولأنه قد يعرض للشاهد
(1)
ما يمنع الشهادة حينها
(2)
ويتمكن منها بعد ذلك.
(ومن قال) لرجلين: (احضُرا لتسمعا قذفَ زيدٍ لي، لزمهما) ذلك.
قال في"الفروع": قار في "الرعاية ": وإن قال احضرا لتسمعا قذف زيد لي لزمهما. ويتوجه إن لزم إقامة الشهادة. انتهى.
وقال في"الفروع" أيضاً: وإن دعى زوجٌ أربعة لتحملها بزنا امرأته جاز؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ
…
} الآية [النساء: 15].
وقيل: لا. كغيره، أو لإسقاط الحد.
وفي " الأحكام السلطانية ": إن ظن قوم من المتطوعة استسرار قوم بمعصية في انتهاك حرمة يموت استدراكها؛ كقتل وزنا فلهم الكشف والإنكار؛ كالذي كان من شأن المغيرة وشهوده، ولم ينكر عليهم هجومهم وإنْ حدَّهم؛ لقصور الشهادة. انتهى.
(ومن عنده شهادة لآدمي) وذلك الآدمي (يعلمُها، لم يُقِمْها حتى يسأله) رب الشهادة إقامتها؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم ينذرون ولا يوفون، ويشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون "
(3)
. رواه البخاري.
ولأن أداءها حق للمشهود له. فلا تستوفى إلا برضاه؛ كسائر حقوقه.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ج: بعينها.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6317) 6: 2463 كتاب الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر.
(ولا يقدح فيه) يعني: ولا يقدح في عدالة الشاهد شهادته قبل أن يسأله صاحب الحق الشهادة (كشهادة حِسبة).
قال في " الفروع ": (ويقيمها بطلبه ولو لم يطلبها حاكم، ويحرُم كتمها).انتهى.
(وإلا) أي: وإن لم يعلم رب الحق بأن هذا عنده شهادة له: (استُحبَّ) لمن عنده الشهادة (إعلامُه) اي: إعلام رب الحق بأن عنده له شهادة (قبل إقامتِها) وله إقامتها قبل إعلامه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا أنبئكم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها"
(1)
. رواه مسلم.
وترك إطلاق هذا الحديث لأجل الحديث الآخر جمعاً بينهما.
قال في " الإنصاف ": هذا المذهب. وقطع به الأكثر وأطلقوا. وقال الشيخ تقى الدين: الطلب
(2)
العرفي أو الحالي كاللفظي، علمها أو لا.
قلت: هذا عين الصواب.
ويجب عليه إعلامه إذا لم يعلم بها وهذا مما لا شك فيه. انتهى كلامه في"الإنصاف".
(ويجب إشهادٌ على نكاح)، لأن الإشهاد شرط فيه فلا ينعقد بدونه.
(ويُسن) الإشهاد (في كل عقدٍ سواه) أي: سوى النكاح، كالبيع والإجارة والرهن ونحو ذلك؛ لأن ذلك ليس من شرطه الإشهاد. ويحمل قوله سبحانه وتعالى:{وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] على الاستحباب؛ لأنه قال بعده: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] وهذا إنما يكون مع عدم الشهادة. فدل على أن المراد بالأمر: الاستحباب.
(ويحرُم أن يشهد) أحد (إلا بما يعلمه)؛بدليل قوله سبحانه وتعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86].
(1)
أخرجه مسلم في"صحيحه"(1719) 3: 1344 كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود.
(2)
في أ: المطلب.
قال المفسرون هنا: وهو يعلم ما شهد به عن بصيرة وإتقان. ومعناه: لكن من شهد بالحق فيكون الاستثناء منقطعاً.
وقال ابن عباس: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة. قال: ترى الشمس؟ قال على مثلها فاشهد أو دع "
(1)
. رواه الخلال في " جامعه ".
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36].
وتخصيص هذه الثلاثة بالسؤال؛ لأن العلم بالفؤاد وهو يستند إلى السمع والبصر؛ لأن مدرك الشهادة غالباً: الرؤية والسماع، وهما بالبصر والسمع.
قال القرافي في الفرق السادس والعشرين والمائتين: تنبيه: اعلم أن قول العلماء: لا يجوز الشهادة إلا بالعلم ليس على ظاهره، فإن ظاهره يقتضي: أنه لا يجوز أن يؤدي إلا ما هو قاطع به وليس كذلك، بل جائز له الأداء بما عنده من الظن الضعيف في كثير من الصور، بل المراد بذلك أن يكون أصل المدرك علماً فقط. فلو شهد بقبض
(2)
الدين جاز أن يكون الذي عليه الدين قد دفعه فتجوز الشهادة عليه بالاستصحاب الذي لا يفيد إلا الظن الضعيف، وكذلك الثمن في المبيع
(3)
مع احتمال دفعه، ويشهد بالملك الموروث لوارثه مع جواز بيعه بعد أن ورِثه، ويشهد بالإجارة ولزوم الأجرة مع جواز الإقالة بعد ذلك بناء على الاستصحاب. والحاصل في هذه الصور كلها هو الظن الضعيف، ولا يكاد
(1)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"10: 156 كتاب الشهادات؛ باب التحفظ في الشهادة والعلم بها. نحوه.
وأخرجه الحاكم في "مستدركه"(7045) 4: 110 كتاب الأحكام. وصححه. قال ابن حجر: [أخرجه] العقيلي والحاكم وأبو نعيم في "الحلية"وابن عدي والبيهقي من حديث طاووس عن ابن عباس، وصححه الحاكم، وفي إسناده محمد بن سليمان بن مسمول. وهو ضعيف، وقال البيهقي: لم يرو من وجه يعتمد عليه. "تلخيص الحبير " 4: 198.
(2)
في أوب: نقيض.
(3)
في ب: البيع.
يوجد ما يبقى
(1)
فيه العلم إلا القليل من الصور. من ذلك: النسب والولاء فإنه لا يقبل النقض
(2)
فيبقى العلم على حاله.
ومن ذلك: الشهادة بالإقرار، فإنه إخبار عن وقوع النطق في الزمن الماضي وذلك لا يرتفع.
ومن ذلك: الوقف إذا حَكم به حاكم. أما إذا لم يحكم به حاكم، فإن الشهادة [إنما فيها الظن فقط إذا شهد بأن هذه الدار وقف؛ لاحتمال أن يكون حاكم حنفي حكم بنقضه. فتأمّل هذه المواطن، فأكثرها]
(3)
إنما فيها الظن فقط. وإنفا العلم في أصل المدرك لا في دوامه.
قلت: وقوله: شهد بقبض الدين، وقوله: شهد بالإجارة كمسألة الإقرار؛ لأن وقوع الإجارة لفظ وقع في الزمن الماضي، وقبض الدين فعل وقع في الزمن الماضي فهو معلوم لا يرتفع. وإنما يرتفع بقاء حكمه، كما أن الإقرار لا يرتفع، بل هو معلوم. وإنما الظن في بقاء المقر به ودوام الإقرار. والذي يظهر أن مراده أنه شهد
(4)
ببقاء الإجارة وبقاء المقبوض، وتصرفه يدل على هذا المراد. انتهى.
إذا علمت ذلك فإن مدرك العلم الذي يقع به الشهادة يكون (برؤيةٍ أو سماع غالباً، لجوازها) أي: جواز الشهادة (ببقية الحواسّ)، كالذوق واللمس (قليلاً)، كدعوى مشتر مأكولاً غبنه لمرارته أو نحو ذلك فتسمع البينة به. فإذا تحمل الشاهد الشهادة على من يعرفه بعينه واسمه ونسبه جاز أن يشهد عليه مع حضوره، وفي
(5)
غيبته على الأصح.
(فإن جَهِلَ حاضراً) أي: جهل الشاهد اسم رجل ونسبه وقد تحمل الشهادة
(1)
في ج: ينفى.
(2)
في أوب: النقل.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في ب: يشهد.
(5)
في ب: في.
عليه، (جاز أن يشهد) عليه (في حضْرته) فقط؛ (لمعرفة عينه). نص على ذلك. قال مهنا: سألت أحمد عن رجل يشهد لرجل بحق على آخر وهو لا يعرف اسم هذا ولا اسم هذا، إلا أنه يشهد له. فقال: إذا قال: أشهد أنّ لهذا على هذا كذا وهما شاهدان جميعاً فلا بأس، فإذا كان غائباً فلا يشهد حتى يعرف اسمه.
(و) أما (إن كان غائباً فعرَّفه به من يسكُن إليه) الشاهد ولو واحداً على الأصح. وعنه: اثنان. وعنه: جماعة: (جاز) له (أن يشهد) عليه، (ولو) كانت الشهادة (على امرأة).
وعنه: المنع، سواء كان الغائب رجلاً أو امرأة.
وعنه: إن عرفها لنفسه.
وعنه: أو نظر إليها شهد وإلا فلا.
ونقل حنبل: يشهد عليها بإذن زوجها. وعلله بأنه أملك لعصمتها. وقطع به في " المبهج" للخبر. وعلله بعضهم بأن النظر حق للزوج وهو سهو. قاله في " الفروع ".
(ولا تُعتبرُ إشارتُه) أي: إشارة الشاهد عند الشهادة (إلى) مشهود عليه (حاضر، مع) ذكر (نسبه ووصفه) في الأصح.
(وإن شهد) على إنسان (بإقرارٍ بحق: لم يُعتبر) أي: لم يشترط لصحة الشهادة (ذكرُ سببه) أي: سبب الحق؛ (كاستحقاق مال) أي: كما لا يشترط ذكر استحقاق المال مع الشهادة بالإقرار به، وكما لا يشترط ذلك لصحة الدعوى بالإقرار.
(ولا قوله: طَوْعاً في صحته مكلَّفاً) يعني: أن من شهد على إنسان أنه أقر بحق لم يشترط أن يقول: أنه أقر وهو مكلف مختار في حال صحته، (عملاً بالظاهر) أي: بظاهر الحال؛ لأن من سوى ذلك يحتاج إلى تقييد الشهادة بتلك الحالة.
(وإن شهد) الشاهد (بسببٍ يوجبُ الحقَّ)، كتفريط
(1)
في أمانة، (أو) شهد بـ (استحقاق غيره) أي: غير ما يوجبه السبب؛ بأن قال: أشهد أن هذا يستحق في ذمة هذا كذا: (ذَكرَه) أي: اشترط ذكر الموجب للاستحقاق؛ لأنه قد لا يعتقده الحاكم موجباً.
(والرؤية تختصُّ الفعل؛ كقتل، وسرقة، وغصب، وشرب خمر، ورضاع، وولادة) والعيوب المرئية في المبيع ونحو ذلك؛ لأنه يمكن الشهادة على ذلك قطعاً فلا يرجع إلى غير ذلك.
(والسَّماع ضربان) أي: صنفان:
الأول: (سماعٌ من مشهود عليه؛ كعتق وطلاق، وعقد) من نكاح وغيره (وإقرار) بمال ونسب وحد وقود ورِق وغير ذلك، (وحكمٍ حاكمٍ وإنفاده) حكم غيره. فإذا سمع إنسان من غيره شيئاً من ذلك وعرف القائل يقيناً - كما ذكره في " الكافي "- (فتلزمه الشهادة بما سمع) منه، (سواء وقَّت الحاكمُ الحكمَ) بأن قال: حكمت بذلك في وقت كذا، أو لم يقل: في وقت كذا، (أو استَشْهده مشهود عليه) أو لم يستشهده. فإنا لو اشترطنا الاستشهاد لامتنع ثبوت الغصب وسائر الأفعال المتضمنة للعدوان بالإقرار، فإن فاعلها لا يشهد بها على نفسه، (أو كان الشاهد مستخفِياً حين تحمُّلِه أوْ لا) يعني: أو لم يكن مستخفياً.
ومن صور المستخفي: مثل: أن يكون لإنسان على آخر حق وهو ينكره بحضور من يشهد عليه فيسمع إقراره من لا يعلم به المقر، فإنه يجوز أن يشهد عليه بما سمعه منه، لأنه بسماعه من المقر حصل له العلم بالمشهود به، كما لو رآه يفعل شيئاً من غير أن يعلم الفاعل أن أحداً رآه فإنه يجوز أن يشهد عليه بما رآه فعله
(2)
.
(و) الصنف الثانى من الشهادة بالسماع: (سماعٌ بالاستفاضة). وهي: أن يشتهر المشهود به بين الناس فيتسامعون به بإخبار بعضهم لبعض. ولا تسمع
(1)
في ج: كتفريطه.
(2)
في ب: يفعله.
الشهادة بالاستفاضة إلا (فيما يَتعذَّر علمه) أي: علم المشهود به (غالباً بدونها) أي: بدون الاستفاضة، وذلك (كنسب) إجماعاً.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً من أهل العلم منع منه.
ولو مُنع ذلك لاستحالت معرفته به، إذ لا سبيل إلى معرفته قطعاً بغير ذلك، ولا تمكن المشاهدة فيه. ولو اعتبرت المشاهدة لما عرف أحد أباه ولا أمه ولا أحداً من أقاربه. وقد قال الله سبحانه وتعالى:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146].
وكولادة (وموتٍ، ومِلكٍ مطلَق) نصاً.
قال أحمد في رواية المروذي: أشهد أن دار بختان لبختان؛ لأن الولادة قد لا يباشرها إلا المرأة الواحدة، والموت قد لا يباشره إلا الواحد أو الاثنين
(1)
ممن يحضره ويتولى غسله وتكفينه، والملك قد يتقادم السبب المترتب عليه الملك
(2)
. فلو توقفت الشهادة في ذلك على المباشرة لأدى ذلك إلى العسر وخاصة مع طول الزمان.
(و) كـ (عتيقٍ) وهو: أن يشهد
(3)
أن هذا عتيق زيد، لا أن زيدً أعتقه.
(وولاءٍ وولايةٍ وعزل)، لأن ذلك إنما يحضره في الغالب آحاد الناس، ولكن انتشار ذلك في أهل المحلة أو القرية يغلب الظن على صحته عند الشاهد، بل ربما قطع به لكثرة المخبرين فجازت الشهادة به؛ لأن الحاجة داعية إليه.
(و) كـ (نكاح) عقد ودوامِه في الأصح.
وقال جماعة: دوامه لا عقده.
(وخُلعٍ وطلاق) نص عليهما أحمد، لأن ذلك مما يشيع ويشتهر غالباً، والحاجة تدعو إليه.
(1)
في ج: والاثنين.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ب: يشتهر.
(و) كـ (وقف) في الأصح. وهو: أن يشهد أن هذا وقف زيد، لا أن زيداً وقفه.
(و) كـ (مَصْرِفِه) يعني: أن مما تجوز فيه الشهادة بالاستفاضة في الأصح مصرف الوقف. وحكاه في"المغنى" عن الأصحاب. وجزم به في"الكافي"،وكذا ما أشبه ذلك.
قال الخرقي: وما تظاهرت به الأخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به.
وقال أبو حنيفة: لا يقبل في النكاح والموت ولا في الملك المطلق. وقال صاحبه: تقبل في الولاء مثل: أن يشهد أن عكرمة مولى ابن عباس.
ولنا: أن هذه الأشياء يتعذر
(1)
الشهادة عليها في الغالب بمشاهدتها ومشاهدة أسبابها. فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة؛ كالنسب.
قال مالك: ليس عندنا من يشهد على أحباس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالسماع. وقال: السماع في الأحباس والولاء جائز.
فإن قيل: يمكن العلم بذلك بمشاهدة سببه؟
قلنا: الإمكان لا ينافي التعذر غالباً، ووجود السبب لا يفيد العلم بكونه سبباً صحيحاً يقيناً، فإنه يجوز أن يشتري ما ليس ملكاً للبائع، ويصطاد صيداً صاده غيره ثم انفلت منه. وإن تُصور ذلك فهو نادر.
وفي " عُمَد الأدلة ": تعليل أصحابنا بأن جهات الملك تختلف تعليل يوجد في الدَّين، فقياس قولهم: يقتضي أن يثبت الدين، بالاستفاضة.
(ولا يشهد) أي: ولا
(2)
يجوز لأحد أن يشهد (باستفاضة، إلا) إن علم ما يشهد به (عن عددٍ يقع بهم) أي: بأخبارهم (العلم) في الأصح. وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي؛ لأن لفظ الاستفاضة مأخود من فيض الماء؛ لكثرته. ويكون ذلك العدد عدد التواتر؛ لأنها شهادة. فلا يجوز أن يشهد بها عن غير
(1)
في ج: متعددة.
(2)
في ج: لا.
علم؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
ومحل النزاع: العدد الذي لا يحصل به العلم. فوجب أن لا يقبل لذلك. (ويلزم الحكم بشهادةٍ لم يُعلم تلقّيها من الاستفاضة.
ومن قال: شهدتُ بها، ففَرْع). هذه عبارة "الفروع" و"التنقيح".وعبارة " المستوعب ": ومتى لم يعلم الحاكم أنها تلقيت من طريق الخبر لزمه قبولها والحكم بها قولاً واحداً.
وفي " المغني ": شهادة أصحاب المسائل- يعني: عن الشهود
(1)
- شهادة استفاضة لا شهادة على شهادة. فيكتفى بمن يشهد بها كبقية شهادة الاستفاضة.
وفي " الترغيب ": ليس فيها فرع.
وفي " التعليق " وغيره: الشهادة بالاستفاضة خبر لا شهادة، وأنها تحصل بالنساء والعبيد.
قال في " الفروع ": وقال شيخنا: هي نظير أصحاب المسائل عن الشهود على الخلاف. وذكر ابن الزاغونى: إن شهد أن جماعة يثق بهم أخبروه بموت فلان، أو أنه ابنه، او أنها زوجته، فهي شهادة الاستفاضة، وهي صحيحة. وكذا أجاب أبو الخطاب: يقبل في ذلك ويحكم فيه بشهادة الاستفاضة. وأجاب أبو الوفاء: إن صرحا بالاستفاضة أو استفاض بين الناس قُبلت في الوفاة والنسب جميعاً. ونقل الحسن بن محمد: لا يشهد إذا ثبت عنده بعد موته. ونقل معناه جعفر، وهو غريب. وإذا شهد بالأملاك بتظاهر الأخبار فعمل ولاة المظالم بذلك أحق. ذكره في " الأحكام السلطانية "، وذكر القاضي: أن القاضي يحكم بالتواتر. انتهى كلامه في " الفروع ".
(ومن سمع إنسانا يُقرُّ بنسبِ أبٍ أو ابنٍ، ونحوهما)، كأم وبنت (فصدَّقه المقَرُّ له): جاز أن يشهد له به؛ لتوافق المقر والمقر له على ذلك، (أو سكت) المقر له:(جاز أن يشهد له به) أيضاً على الأصح. نص عليه، لأن
(1)
في ج: المشهود.
السكوت في النسب إقرار به أيضاً، بدليل من بُشّر بولد فسكت فإنه يلحق نسبه، ويكون سكوته كالإقرار به؛ لأن الإقرار على الانتساب الباطل غير جائز
(1)
. بخلاف سائر الدعاوى.
ولأن النسب يغلب فيه الإثبات. ألا ترى أنه يلحق بالإمكان في النكاح.
(لا إن كذّبه) المقر له، فإنه لا يجوز أن يشهد، لتكذيبه إياه.
(وإن قال المتحاسبان) لمن حضرهم: (لا تشهَدُوا علينا بما يجري بيننا لم يمنع ذلك الشهادة) عليهما بما يجري بينهما، (ولزوم إقامتها).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. انتهى.
ووجه ذلك: أن للشاهد أن يشهد بكل ما علمه وهذا منه. فكان له أن يشهد به وإن منعه المشهود عليه؛ كما لو غصب شيئاً بحضرة إنسان وقال له: لا تشهد عليَّ بذلك.
(ومن رأى شيئاً بيد إنسان يتصرَّفُ فيه مدة طويلة) عرفاً (كمالك) يعني: كتصرف الملاّك في أملاكهم، (من نقض وبناء، وإجارة وإعارة: فله الشهادة) يعنى: جاز أن يشهد له (بالملك) في الأصح؛ لأن التصرف فيه على هذا الوجه من غير منازع يدل على صحة الملك. فجاز أن يشهد به؛ (كمُعاينة السبب) أي: سبب الملك، (من بيع وإرث) مع أنه يحتمل أن البائع والمورّث ليس بمالك.
(وإلا) أي: وإن لم يره يتصرّف كما ذكر مدة طويلة: (فـ) إنما يشهد (باليد، والتصرُّف)؛لأن المدة القصيرة لا تدل على الملك غالباً.
***
(1)
في ب: الأنساب الباطل غير جائزة.
[فصل: من شهد بعقد اعتبر ذكرُ شروطه]
(فصل. ومن شهد بعقدٍ) أي عقد كأن: (اعتُبر) لصحة شهادته به (ذكرُ شروطه)؛ لاختلاف الناس في بعض الشروط. فربما يكون ترك فيه شرط يعتقد الشاهد صحته بدونه
(1)
دون الحاكم.
(فيعتبر) في الشهادة (في نكاح) أن يشهد: (أنه تزوَّجها برضاها، أن لم تكن مُجبرة، و) أن يذكر (بقية الشروط) من كونه وقع بولي مرشد وشاهدي عدل، وأنها حين العقد خالية من الموانع.
قال في " الفروع ": ومن شهد بنكاح اعتبر ذكر شروطه، وعلله الشيخ وغيره؛ لئلا يعتقد الشاهد صحته وهو فاسد. فلعل ظاهره إذا اتحد مذهب الشاهد والحاكم لا يجب التبيين.
ونقل عبد الله: فيمن ادعى أن هذه الميتة امرأته وهذا ابنه منها فإن أقامها بأصل النكاح ويصلح ابنه فهو على أصل النكاح والفراش ثابت يلحقه.
وأن ادعت أن هذا الميت زوجها لم يقبل، إلا أن تقيم بينة بأصل النكاح وتعطى الميراث. والبينة أنه تزوجها بولي وشهود في صحة بدنه وجواز من أمره. ويأتي في أداء الشهادة لا يعتبر- يعني: أن يقول الشاهد- في صحته وجواز أمره. ومراده هنا: إما لأن المهر فوق المثل، أو رواية كمذهب مالك، أواحتياطا لنفي الاحتمال. انتهى.
(و) يعتبر في الشهادة (في رَضاع): أن يذكر الشاهد (عدد الرضعات، وأنه شرب من ثديها، أومن لبن حلب منه)؛ لأن الناس يختلفون في عدد الرضعات وفي الرضاع المحرم. فإن شهد أنه ابنها من الرضاع لم يكف؛ لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها. ولا بد أن يذكر أن ذلك في الحولين.
(1)
في أ: بدون.
(و) يعتبر في الشهادة (في قتل: ذكرُ القاتل، و) أن يذكر (أنه ضربه بسيف) فمات، (أوجرحه فقتله، أو) يشهد أنه (مات من ذلك) الجرح. (ولا يكفي) أن يشهد أنه (جَرحه فمات)؛ لجواز أن يكون مات بغير هذا. وقد روي عن شريح " أنه شهد عنده رجل فقال: اتكأ عليه بمرفقه فمات. فقال شريح: فمات منه أوقتله. فأعاد القول الأول. وأعاد عليه شريح سؤاله فلم يقل: فقتله أومات منه. فقال له شريح: قم فلا شهادة لك ". رواه سعيد. (و) يعتبر في الشهادة (في زناً: ذِكرُ) زانٍ، و (مزني بها، وأين) يعني: وفي أيّ مكان، (وكيف) زنى بها، من كونهما نائمين أوجالسين أوقائمين، (وفي أيّ وقت) زنى بها، لاحتمال أن يكون الزنا الذي يشهد به أحد الشهود غير الذي يشهد به الآخرون، فاعتبر ذكر ما يختلف به؛ ليزول هذا الاحتمال، (وأنه رأى ذَكَره في فرجها)؛ لأن اسم الزنا يطلق على ما لا يوجب الحد، وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنا زنا. فاعتبر ذكر صفته، واعتبر ذكر المرأة؛ لئلا تكون ممن تحل له، أوله في وطئها شبهة.
(و) يعتبر في الشهادة (في سرقة: ذكر مسروقُ منه، و) ذكر (نصاب،
و) ذكر (حرْزٍ، و) ذكر) صفتِها) أي: صفة السرقة. مثل أن يقول: خلع الباب ليلاً وأخذ الفرس، أوأزال رأسه عن ردائه وهو نائم في المسجد وأخذ الرداء أو نحو ذلك، لأن الحكم يختلف باختلاف السرقة، ولتتميز السرقة الموجبة للقطع من غيرها.
(و) يعتبر في الشهادة (في قذف: ذكرُ مقذوف) ليُعلم هل يجب بقذفه الحد أوالتعزير؛ (و) ذكر) صفة قذف) بأن يقول: أشهد أنه قال له: يا زانى، أوقال له: يا لوطي أوغير ذلك.
(و) يعتبر في الشهادة (في إكراه) على فعل أوقول يؤاخذ به لو لم يكن مكرها: أن يذكر (أنه ضربَه أوهدَّدَه) على ذلك (وهو قادر على وقوع الفعل) الذي هدده (به، ونحوه)؛ كما لو شهدا بأنه أوقع به شيئاً من العذاب، كعصر الساق ونحوه.
(وإن شهدا: أن هذا ابنُ أمته) يعنى: شهد شاهدان أن
(1)
هذا العبد ابن أمة
هذا، (لم يحكم له به)؛ لجواز أن تكون ولدته قبل أن يملكها (حتى يقولا): وأنها (ولدته) وهي (في ملكه).
أوادعى إنسان ثمرة شجرة فشهد له شاهدان أنها ثمرة شجرته، لم يحكم له
بها حتى يقولا: وأنها أثمرتها وهي في ملكه. فإذا شهدا بذلك حكم له بالعبد والثمرة لأن البينة شهدت أن ذلك نماء ملكه، ونماء ملكه له ما لم يرد
(2)
سبب بنقله عنه.
فإن قيل: فقد قلتم لا تقبل الشهادة بالملك السابق على الصحيح وهذه شهادة بملك سابق.
قلنا: الفرق بينهما على تقدير التسليم: أن النماء تابع للملك في الأصل،
فإثبات ملكه في الزمن الماضي [على وجه التبعية، وجرى مجرى ما لو قال: ملكته منذ سنة وأقام البينة بذلك فأن الملك يثبت في الزمن الماضي]
(3)
تبعاً للحال. فيكون له النماء فيما مضى.
ولأن البينة هاهنا شهدت بسبب الملك وهو ولادة الجارية، أو وجود الثمرة
في ملكه فقويت بذلك. ولهذا لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي فقالت: أقرضه ألفا، أو باعه سلعة بألف ثبت الملك وإن لم يذكره. فمع ذكره أولى.
(وإ ن شهدا: أن هذا الغزل من قطنه، أو) شهدا: أن هذا (الدَّقيق من
حنطته، أو) شهدا: أن هذا (الطير من بيضته حُكم له به)، لأنه لا يتصور أن يكون الغزل من قطنه قبل ملكه له، أو أن يكون الدقيق من حنطته قبل ملكه للحنطة، أو أن يكون الطير من بيضته قبل ملكه للبيضة.
ولأن الغزل ليس غير القطن وإنما تغيرت صفته، والدقيق ليس غير الحنطة
(1)
في ج: بأن.
(2)
في أ: له لم يرد.
(3)
ساقط من أ
وإنما تفرقت أجزاؤها، والطير ليس غير البيضة وإنما استحالت. فكأن البينة قالت: هذا غزله ودقيقه وطيره وليس كذلك الولد والثمرة، فأن ذلك غير الأم
والشجر ة
(1)
.
(لا إن شهدا: أن هذه البيضة من طَيره) فأنه لا يحكم له بالبيضة حتى يشهدا
أنها باضتها وهي في ملكه كما قلنا في ابن أمته؛ لجواز أن تكون الطيرة باضتها قبل أن يملكها، (أو) شهد شاهدأن:(أنه اشترى هذا) العبد، أوهذه الدار، أوهذا الثوب (من زيد، أو) شهدا أن زيداً (وقفه عليه، أو) شهدا لعبد زيد أن زيداً (أعتقه) لم يحكم بشيء من ذلك (حتى يقولا) أي: يقول الشاهدان: وأن زيداً باع ذلك أو وقفه أو أعتقه: (وهو في مِلكه)؛ لأنه يجوز أن يكون باع أو وقف أو أعتق ما ليس في ملكه.
ولأنه لو لم يشترط قول الشاهدين: وهو في ملكه لتمكن كل من أراد أن ينزع
شيئا من يد غيره أن يتفق هو وشخص ويبيعه إياه بحضره شاهدين ثم ينزعه المشتري من يد صاحبه ثم يقتسمانه، وفي ذلك ضرر عظيم لا يرد الشرع بمثله. (ومن ادَّعى إرْث ميتٍ، فشهدا) أي: شهد شاهدان: (أنه وارثُه،
لا يَعلمان) له وارثاً (غيره). فإن كانا من أهل الخبرة الباطنة سلم المال إليه
وجهاً واحداً، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي؛ لأن هذا مما لا يمكن علمه. فكفى فيه الظاهر مع شهادة الأصل بعدم وارث آخر.
وعلى المذهب: (أو قالا): لا نعلم له وارثاً غيره (في هذا البلد)؛ لأن
الأصل عدمه في غير هذا البلد وقد تيقنّا العلم به في هذا البلد. فصار في حكم المطلق.
وعلى المذهب: (سواء كانا) أي: الشاهدين
(2)
(من أهل الخبرة الباطنة، أولا) وشهدا أنهما لا يعلمان له وارثاً مطلقاً أوفي هذه البلدة سواه:
(1)
في ج: أوالشجرة.
(2)
في ج: الشاهدان.
(سُلّم) المال (إليه بغير كفيل)؛ لأنه قد ثبت إرثه والأصل عدم الشريك فيه. فلا يطالب بكفيل، كغيره من الحقوق. (وبه) أي: ويسلم إليه المال بكفيل (إن) كان شاهداه (شهدا بإرثه فقط) أي: من غير أن يقولا: ولا نعلم له وارثاً سواه؛ لعدم قولهما ذلك.
قال الأزجي: فيمن ادعى إرثاً لا يحوج في دعواه إلى بيان السبب الذي يرث
به وإنما يدعي الإرث مطلقا؛ لأن أدنى حالاته أن يرثه بالرحم وهو صحيح على أصلنا، فإذا أتى ببينة فشهدت له بما ادعاه من كونه وارثا حكم له به. انتهى.
(ثم إن شهدا لآخر: أنه وارثُه، شارَك الأول) يعني: أنه لو شهد
(1)
شاهدان ل إنسان بإرثه هذا الميت ثم شهدا لآخر أنه وارثه: شارك الأول في إرث الميت.
قال في " الفروع ": ذكره ابن الزاغونى وهو معنى كلام أبي الخطاب
وابي الوفاء.
وقيل: لا يقبل في المسألة الأولى وهي إذا قالا: لا نعلم غيره. انتهى.
قال الشيخ موفق الدين
(2)
في فتأويه: إنما احتاج إلى إثبات لا وارث سواه "
لأنه يعلم ظاهراً، فإن
(3)
بحكم العادة يعلمه جاره ومن يعرف باطن أمره. بخلاف دينه على الميت لا يحتاج إلى إثبات لا دين عليه سواه؛ لخفاء الدين. ولأن جهات الإرث يمكن الاطلاع على يقين انتفائها. نقله عنه في "الفروع ". (ولا تردُّ الشهادة على نفي محصورٍ، بدليل هذه المسألة، و) مسألة
(الإعسار، وغيرهما).
فألقي " الفروع ": ولا ترد الشهادة على النفي مطلقاً، بدليل المسألة المذكورة والإعسار. والبينة فيه تثبت ما يظهر ويشاهد. بخلاف شهادتهما.
(1)
فى ب: شهدا.
(2)
في ج: تقي الدين.
(3)
في ج: فأنه
لا حقّ له عليه. ويدخل في كلامهم قبولها إذا كان النفي محصوراً؛ كقول الصحابي: " دُعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ "
(1)
.
ولهذا قيل للقاضي في " الخلاف ": أخبار الصلاة على شهداء أحد مُثْبِتة وفيها زيادة، وأخباركم نافية، وفيها نقصان والمثبِتُ أولى. فقال: الزيادة هاهنا مع النافي، لأن الأصل في الموتى الغسل والصلاة.
ولأن العلم بالترك والعلم بالفعل سواء في هذا المعنى، ولهذا نقول: أن من قال: صحبت فلاناً في يوم كذا فلم يقذف فلاناً قبلت شهادته، كما تقبل في الإثبات.
وذكر أيضاً: أنه لا تسمع بينة المدعى عليه بعينٍ بيده، كما لا تسمع بأنه
لا حقَّ عليه في دين ينكره. فقيل له: لا سبيل للشاهد
(2)
إلى معرفته، فقال: لهما سبيل وهو: إذا كانت الدعوى ثمن مبييع فأنكره وأقام البينة على ذلك، فإن للشاهد سبيلاً إلى معرفة ذلك بأن يشاهده أبرأه من الثمن أوأقبضه إياه، فكان يجب أن يقبل.
وفي " الروضة " في مسألة النافي للحكم: لا سبيل إلى إقامة دليل على النفي، فأن ذلك إنما يعرف بأن يلازمه الشاهد من أول وجوده إلى وقت الدعوى، فيعلم إنتفاء سبب اللزوم قولاً وفعلاً، وهو محال.
وفي " الواضح ": العدالة بجمع كل فرض وترك كل محظور، ومن يحيط
به علما، والترك نفي، والشهادة بالنفي لا تصح. انتهى كلامه في " الفروع ". (وإن شهد اثنان: أنه ابنُه) أي: ابن هذا الميت، (لا وارثَ له غيره، و) شهد (آخران: أن هذا ابنَه، لا وارثَ له غيرُه قسم الإرثُ بينهما) ولا تعارض؛ لأنه يجوز أن تعلم كل بينة ما لم تعلمه الأخرى.
(1)
أخرجه البخاري فى " صحيحه "(643) 1: 239 كتاب الجماعة والإمامة، باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما ياكل.
(2)
في أ: للشاهدان.
[فصل: فيما تبطل به الشهادة]
(فصل. وأن شهدا) أي: شهد شاهدان (أنه طلَّق) من نسائه واحدة ونسيا عينها، (أو) أنه (أعتق) من إمائه واحده ونسيا عينها، (أو) أنه (أبطل من وصاياه وأحدةً ونسيَا عينها: لم تقبل) هذه الشهادة في الأصح؛ لأنها شهادة بغير معين فلا يمكن العمل بها؛ فلم تقبل؛ كما لو قال: نشهد أن إحدى هذين الأمتين معتقة.
(وإن شهد أحدهما) أي: أحد شاهدين على إنسان (بغصبِ ثوبٍ أحمر،
و) شهد (الآخر بغصب) ثوب (أبيض، أو) شهد (أحدهما: أنه غصبه) أي: غصب التوب (اليوم، و) شهد (الآخر: أنه) غصبه (أمس: لم تَكمُل) البينة في الصورتين؛ لأن اختلاف الشاهدين فيما ذكر يدل على تغاير الفعلين؛ لأن ما شهد به أحد الشاهدين غير ما شهد به الاخر.
(وكذا كلُّ شهادةٍ على فعلٍ مُتَّحدٍ في نفسه؛ كقتل زيد) فأنه لا يكون إلا مرة واحدة، (أو) على فعل متَّحدٍ (باتفاقهما) أي: باتفاق المشهود له والمشهود عليه على أن الفعل لم يقع إلا مرة واحدة، كمسألة الغصب المتقدمة، و (كسرقة) ونحو ذلك:(إذا اختلفا) أي: اختلف الشاهدان (في وقته) أي: وقت الفعل، (أومكانه، أوصفةٍ متعلّقةٍ به) أي: بالمشهود به، (كلونه، وآلة قتل مما يدُّل على تغايُر الفعلين) فأن البينة لم تكمُل للتنافي، لأن كل واحد من الشاهدين مكذب للآخر. فيتعارضان،؛ كما لو كان المشهود به قتلاً. ويسقطان في الأصح.
(وإن أمكن تعدُّده) أي: تعدد الفعل، (ولم يَشهدا) يعني: الشاهدين (بأنه) أي: بأن الفعل (متحد)، ولم يصدق المشهود له على أن الفعل
واحد: (ف) يكون (بكل شيء شاهد، فيعمل بمقتضى ذلك) فله أن يحلف مع حل كل شاهد يمينا ويقضى له بشهادة الشاهدين واليمينين حيث ادعى وجود الفعلين، (ولا) يكون هناك (تنافى) بين شهادة الشاهدين.
(ولو كان بدله) أي: بدل كل شاهد (بينة: ثبتا) يعني: البينتين (هنا) اي: في صورة ما إذا لم يشهد أوصدق
(1)
المشهود له أن الفعل متحد (إن ادعاهما) أي: ادعى المشهود له وجود الفعلين.
(وإلا) أي: وإن لم يدع إلا أحد الفعلين: ثبت (ما ادعاه) دون الاخر، (وتساقطتا في) المساًلة (الأولى) وهي مساًله اتحاد الفعل في نفسه أوباتفاقهما.
(وكفعل من قول) يعني: وكحكم الفعل من الأقوال (نكاح وقذف فقط) يعني: دون غيرهما من الأقوال. فإذا شهد شاهد أنه تزوجها أمس وشهد آخر أنه تزوجها اليوم لم تكمل البينة؛ لأن النكاح الذي وقع أمس غير النكاح الذي وقع اليوم، فلم يشهد بكل واحد من النكاح إلا شاهد واحد. فلم يثبت؛ كما لو كانت الشهادة على فعل.
ولأن من شرط صحته. حضور الشاهدين له، فإذا اختلفا فى الوقت لم يتحقق حصول الشرط. فلم يثبت المشروط مع عدم تحقق وجود شرطه.
وإذا شهد شاهد أنه قذفه غدوة وشهد آخر أنه قذفه عشية، أوشهد أحدهما أنه قذفه خارج البلد وشهد آخر أنه قذفه داخل البلد، أوشهد أحدهما أنه قذفه بالعجميه وشهد الآخر أنه قذفه بالعربية: لم تكمل البينة على قذفه في الأصح؛ لأناختلاف الشهود في الوقت ونحوه شبهه، والحدود تدرأ بالشبهات.
(ولو كانت الشهاده على إقرار بفعل)؛ كقتل وسرقة وغصب، (أوغيره) يعني: أوكان الإقرار بغير فعل ولو) كان المقر به (نكاحا أوقذفا)، كما لو شهد عليه شاهد أنه
أقر أنه غصب زيدا كذا
(2)
وهو عندي بدمشق، أوأنه قتله أو
(1)
فى أ: يصدق
(2)
في ج: عليه بشاهد أنه غصبه كذا.
قذفه، أوأن له في ذمته كذا، وشهد آخر أنه أقر عندي بهذا بمصر: جمعت شهادتهما، وعمل بمقتضاها وفاقا لأبي حنيفة والشافعي؛ لأن المقر واحد وفارق الشهادة على الفعل، فإن الشهادة هناك على فعلين مختلفين.
ونظير ذلك من الإقرار: أن يشهد أحدهما أنه أقر عندي أنه قتله يوم الخميس وشهد الآخر أنه أقر عندي أنه قتله يوم الجمعة، فإن شهادتهما لا تقبل هاهنها. ويحق ما ذكرناه: أنه لا يمكن جمع [الشهود لسماع الشهادة في حق كل أحد، والعادة جارية بطلب الشهود في أماكنهم لا في جمعهم إلى]
(1)
المشهود فيمضي إليهم في أوقات متفرقة وأماكن مختلفة فيشهدهم على إقراره.
(أوشهد) شاهد (واحد بالفعل، و) شهد شاهد (آخر على إقراره) بذلك الفعل: (جمعت) وحكم بها وذلك؛ كما لو شهد واحد أنه غصبه هذا العبد، وشهد أخر أنه أقر بغصبه منه؛ لأن الشهادة لم تختلف؛ كما لوشهدا على إقراره في وقتين أنه غصبه منه.
(لا
(2)
إن شهد واحد، بعقد نكاح أو قتل خطأ، و) شهد (آخر على إقراه) بذلك فإنها لا تجمع.
قال في " الإنصاف ": لو شهد واحد بعقد نكاح أوقتل خطا
(3)
وآخر على إقراره: لم تجمع.
(ولمدعي القتل أن يحلف مع أحدهما) أي: مع أحد الشاهدين، (ويأخذ الدية)، سواء حلف مع الشاهد بالقتل، أومع الشاهد على الإقرار به.
(ومتى حلف مع شاهد الفعل) وهو الشاهد بالقتل: (فعلى العاقلة) يعني: أخذ الدية من عاقلة القاتل؛ لأن القتل ثبت بالبينة.
(و) متى حلف (مع شاهد الإقرار) بالقتل: (ففي مال القاتل) يعني:
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ج: إلا.
(3)
ساقط من ب.
أخذت الدية من مال القاتل؛ لأن القتل ثبت بالإقرار، والعاقلة لا تحمل ما ثبت بالإقار.
(ولو شهدا) أي: شهد شاهدان (بالقتل، أو) شهد شاهدأن (الإقرار به) أي: بالقتل، (وزاد أحدهما) في شهادته: كون القتل (عمدا) ولم يذكر الاخر كونه عمدا أوخطأ: (ثبت القتل)؛ لاتفاق الشاهدين عليه، (وصدق المدعى عليه) بالقتل (في صفته) أي: في كون القتل عمدا، أوخطاً بيمينه. (ومتى جمعنا) شهادة الشاهدين (مع اختلاف وقت) أي: مع اختلافهما
في وقت، وكانت شهادتهما (في قتل أوطلاق: فالإرث) فيما إذا جمعنا شهادتهما في القتل (والعدة) فيما إذا جمعنا شهادتهما في الطلاق (يليان آخر المدتين)؛ لأن الأصل بقاء الحياة أوبقاء الزوجية إلى اخر المدتين.
(وإن شهد احدهما) أي: أحد الشاهدين على إنسان: (أنه أقر له) أي: لآخر (بألف أمس، و) شهد (الآخر: أنه اقر له به) أي: بالألف (اليوم): كملت البينة، (أو) شهد (أحدهما: أنه باعه داره امس، و) شهد (الآخر: أنه باعه إياها اليوم: كملت) أيضا وثبت الإقرار والبييع؛ لأن الألف التي شهد بها أحدهما في صورة الإقرار هي الألف التي شهد بها الآخر؛ لأن الشاهدين شهدا باًلف واحد.
ولأن البيع الذي شهد به أحدهما في صورة البيع هو البيع الذي شهد به الآخر.
وكذا إذا شهد أحدهما أنه طلق زوجته أمس وشهد الاخر أنه طلقها اليوم؛
لأن المشهود به شيئ واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى ويكون واحدا، فاختلافهما في الوقت ليس باختلاف فيه. فلم يؤثر؛ كما لو شهد أحدهما أنه أقر أوباع أوطلق بالعربية وشهد الآخر أنه أقر أوباع أوطلق بالفارسية.
(وكذا كل شهادة على قول غير نكاح وقذف). وتقدمت الإشارة إلى تعليلها.
(ولو شهد أحدهما: أنه أقر له بألف، و) شهد (الآخر: أنه اقر له بألفين): كملت البينة بألف واحد؛ لاتفاقهما عليه. (أو) شهد (أحدهما:
أن له عليه ألفا، والآخر: أن له عليه ألفين: كملت) البينة (بألف) أيضا)
(1)
؛لاتفاقهما عليه. (وله) أي: وللمشهود له
(2)
(أن يحلف على الألف الآخر مع شاهده) ويستحقه. وهذا فيما إذا أطلق الشهادة أو لم تختلف الأسباب والصفات. ويأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
(ولو شهدا) أي: شهد شاهد أن لآخر (بمائة، و) شهد (اخران بعدد
أقل) من المائة: (دخل) الأقل من المائة في المائة، (إلا مع ما) أي: مع شيء (يقتضي التعدد)، كما لو شهد اثنان بمائة قرضا وشهدا اخران بخمسين من ثمن مبيع:(فيلزمانه) يعني: أن يلزمه المائة والخمسون، لاختلاف سببهما. (ولو شهد واحد بألف) وأطلق، (و) شهد (آخر بألف من قرض: كملت) شهادتهما، حملا للمطلق على المقيد.
لا إن شهد واحد بألف من قرض، و) شهد (آخر بألف من ثمن مبيع) فإن شهادتهما لم تكمل، وكان للمشهود له أن يحلف مع واحد منهما ويستحقهما، أويحلف مع أحدهما ويستحق ما شهد به.
(وإن شهدا) أي: شهد شاهدان على إنسان: (أن عليه ألفا) لزيد،
(وقال أحدهما: قضاه بعضه: بطلت شهادته). نص عليه، وذلك لأنه شهد بأن الألف جميعه عليه. فإذا قضاه بعضه لم يكن الألف كله عليه. فيكون كلامه
متناقضا فتفسد شهادته.
(وإن شهدا: أنه اقرضه الفا، ثم قال أحدهما: قضاه نصفه صحت شهادتهما)، لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه وهذا
لا يقول ذلك على وجه الرجوع. والمنصوص عن أحمد: أن شهادته تقبل بخمسمائة، فأنه قال: إذا شهدا بألف ثم قال أحدهما قبل الحكم: قضاه منه خمسمائة أفسد شهادته يعني: في الخمسمائة وللمشهود له ما اجتمعا عليه وهو
(1)
في ج: واحد أيضا.
(2)
في ب: عليه
خمسمائة. فصحح شهادته في نصف الألف الباقي وأبطلها في النصف الذي ذكر أنه قضماه، لأنه بمنزلة الرجوع عن الشهادة به. فأشبه ما لو قال: أشهد باًلف بل بخمسمائة
قال أحمد: ولو جاء بعد هذا المجلس فقال: أشهد
(1)
أنه قضاه منه خمسمائة لم يقبل منه، لأنه قد أمضى الشهادة.
قال في " شرح المقنع ": فهذا يحتمل أنه أراد إذا جاء بعد الحكم فشهد بالقضاء لم يقبل منه، لأن الألف قد وجب بشهادتهما وحكم الحاكم ولا تقبل لشهادته بالقضاء؛ لأنه لا يثبت بشاهد واحد. فأما إن شهدا
(2)
أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه منه خمسمائة قبلت شهادته في باقي الألف وجها واحدا، لأنه لا تناقض في كلامه ولا اختلاف. انتهى.
(ولا يحل لمن) تحمل شهادة بحق إذا (اخبره عدل باقتضاء الحق أوانتقاله، أن يشهد به).
قال في " الإنصاف ": لو شهد عند الشاهد عدلان أوعدل: أنه اقتضاه ذلك الحق، أوقد باع ما اشتراه: لم يشهد له. نقله ابن الحكم.
وسأله ابن هانئ: لو قضاه نصفه، ثم جحده بقيته: أله أن يدعيه أو بقيته؛ قال: يدعيه كله وتقوم البينة فتشهد على حقه كله، ثم يقول للحاكم: قضانى نصفه. نتهى.
(ولو شهدا) أي: شهد شاهدان (على رجل: أنه أخذ من صغير الفا) من الدراهم أوالدنانير أوغيرهما، (و) شهد (اخران على) رجل (آخر: أنه اخذ من الصغير الفا) من دراهم ودنانير أوغيرهما الزم وليه) أي: ولي الصغير (مطالبتهما) أي: أن يطالب الرجلين (بألفين)؛ لأن الأصل أن الألف التي أخذها أحد الرجلين غير التي أخذها الاخر، فيلزم الولي أن يطالب بمال
(1)
ساقط من ب.
(2)
في اب: شهد.
محجوره خشية ضياعه، (إلا أن تشهد البينان على ألف بعينها) يعني: أن الألف الذي أخذها أحد الرجلين هى عين الألف التي أخذها الاخر: (فيطلبها) أي: يطلب الولي الألف المعينة (من أيهما) يعني: من أي الرجلين (شاء) الولي؛ لأنها مضمونة على كل من الرجلين،
(ومن له بينة بألف فقال: أريد أن تشهد إلي بخمسمائة لم يجز) على الأصح، (ولو كان الحاكم لم يول الحكم فوقها) أي: فوق الخمسمائة في الأصح.
قال أحمد: إذا شهد على ألف وكان الحاكم لا يحكم إلا على مائتين فقال له صاحب الحق: أريد أن تشهد لي على مائة لم يشهد إلا بألف.
قال القاضي: وذلك أن على الشاهد نقل الشهادة على ما شهد. قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} ] المائدة: 108].
ولأنه لو ساغ للشاهد أن يشهد ببعض ما شهد لساغ للقاضي أن يقضي ببعض
ما شهد به الشاهد.
ولأن شهادته بمائة ربما أوهم أن هذه المائة غير الألف فيؤدي إلى إيجاب المائة عليه مرتين، مرة في ضمن الألف ومرة عند الشهاده بها منفرده عن الألف. قال أحمد: إذا فال: أشهد على مائة درهم، ومائة درهم [ومائة درهم]
(1)
، فشهد على مائة دون مائة: كره. إلا أن يقول: أشهدوني على مائة ومائة ومائة يحكيه كله للحاكم كما كان. انتهى كلام احمد.
وعبارته في " المحرر ": إذا قال من له بينة بألف: أريد أن تشهد بخمسمائة
(2)
لم يجزذلك، إذا كأن الحاكم لم يول الحكم بأكثر منها. وأجازه ابو الخطاب. انتهى.
قال في " الإنصاف ": قال شيخنا في حواشيه على " المحرر ": وهذا مشكل من جهة المعنى والنقل.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ج: تشهدا بخمسمالة
أما من جهة المعنى: فأنه إذا كان قد ولى بأكثر منها، فليس معنا حاجة داعية
إلى الشهادة بالبعض. بخلاف العكس فأنه إذا لم يول بأكثر منها، فالحاجة داعيه إلى الشهادة بالبعض. وهو المقدار الذي يحكم به. ولهذا لم يذكر الشيخ في " المقنع "
وهذا القيد، ولا " الكافي " " لأنه- والله أعلم- فهم أنه ليس بقيد يحترز به.
ولا يقال: أنه لم يطلع عليه، لأنه في كلام أبي الخطاب وهو قد نقل كلامه.
وأما النقل فقال الإمام أحمد: إذا قال: اشهد على مائة درهم، ومائة درهم، ومائة درهم، فشهد على مائة دون مائة: كره. إلا أن يقول: أشهدوني على مائة ومائة ومائة يحكيه كله للحاكم كما كأن.
وقال الإمام أحمد: إذا شهد على ألف وكان الحاكم لا يحكم إلا على مائة ومائتين. فقال صاحب الحق: أريد أن تشهد لي على مائة لم يشهد إلا بالألف. وأطال الكلام على ذلك ولعل في كلام " المحرر " تقديم وتأخير تقديره
- والله سبحانه وتعالى أعلم-: وأجازه أبو الخطاب إذا كأن الحاكم لم يول الحكم بأكثر منها.
(ولو شهد اثنان- في محفل- على واحد منهم: أنه طلق أو أعتق، أو على خطيب: أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما، مع المشاركة في سمع وبصر: قبلا). ذكره في " المغني " وغيره.
(ولا يعارضه) أي: يعارض ما تقدم (قول الأصحاب: إذا انفرد) شاهد (واحد فيما) أي: في نقل شيء (تتوفر الدواعي على نقله) أي: تدعو الحاجة إلى نقله، (مع مشاركة) خلق (كثيرين، رد) قوله، للفرق بين ما إذا شهد واحد، وبين ما إذا شهد اثنان، وبين تقييدهم بكون ذلك الشيء مما تتوفر الدواعي على نقله، وبين عدم ذلك القيد. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب: شروط من تقبل شهادته]
هذا (باب شروط من تقبل شهادته). وذلك لأنه لو لم يعتبر لقبول من يقول: أشهد بكذا شروط يغلب على الظن صدقه مع توفرها فيه لأدى ذلك إلى أن يشهد الفجار بعضهم لبعض، فتؤخذ الأموال بذلك بغير حق ولا سابق ملك. فلذلك اعتبر أحوال الشهود بخلوهم عما يوجب التهمة فيهم، ووجود ما يوجب تيقظهم وتحرزهم.
(وهي) أي: والشروط المعتبرة لذلك (ستة:
أحدها: البلوغ. فلا تقبل) الشهادة (من صغير)، ذكرا كان أو أنثى (ولو) كان الصغير ممن هو (في حال أهل العدالة مطلقا) أي: سواء شهد بعضهم على بعض، أوفي جراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها على الأصح، وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه والشافعي؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ} [البقرة: 282]. والصبي لا يسمى رجلا.
ولأنه غير مقبول القول في حق نفسه. ففي حق غيره أولى.
ولأنه غير كامل العقل. فهو في معنى المعتوه.
(الثانى: العقل، وهو: نوع من العلوم الضرورية) يستعد بها لفهم دقيق العلوم وتدبير الصنائع الفكرية. وإنما قالوا نوع منها؛ لأنه لو كان جميعها لوجب أن يكون الفاقد للعلم
(1)
بالمدركات لعدم الإدراك المعلق عليها غير عاقل. والعلم الضروري هو الذي لا يمكن ورود الشك عليه.
(1)
في ج: لعلم
(والعاقل: من عرف الواجب عقلا- الضروري وغيره- والممكن، والممتنع)، كوجود البارئ سبحانه وتعالى، وكون الجسم الواحد ليس في مكانين، واستحالة اجتماع الضدين، وكون الواحد أقل من الاثنين، (و) عرف (ما ينفعه و) ما (يضره غالبا)، لأن الناس لو اتفقوا على معرفة ذلك لما اختلفت الآراء.
ولأن من لا عقل له لا يمكنه لحمل الشهاده ولا أداؤها
(1)
لاحتياجها إلى الضبط وهو لا يعقله.
إذا تقرر هذا (فلا تقبل) الشهادة (من معتوه، ولا مجنون إلا من يخنق أحيانا: إذا شهد) أي. تحمل الشهاده وأداها (فى إفاقته)، لأنها شهادة من عاقل. أشبه من لم يخنق
(2)
.
(الثالث: النطق) أي: كون الشاهد متكلما.
وقال مالك والشافعي وابن المنذر: تقبل الشهادة من الأخرس إذا فهمت إشارته " لقيام الإشارة منه مقام نطقه في أحكامه من طلاق ونكاح وغير ذلك فكذلك في شهادته. واستدل ابن المنذر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار وهو جالس إلى الناس وهم قيام أن اجلسوا فجلسوا
(3)
.
ولنا: أنها شهادة بالإشارة فلم تجز كإشارة الناطق؛ لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين. ولذلك لا يكتفى بإيماء الناطق. وإنما اكفتي بإشارة الأخرس في أحكامه المختصة به للضرورة.
وما استدل به أبن المنذر لا يصح، فأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادرا على الكلام وعمل بإشارته في الصلاة. ولو شهد الناطق بالإشارة أو الإيماء
(4)
لم تصح شهادته إجماعا.
(1)
في ج: ولا من أدائها
(2)
في ج: يجن
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(62 0 1) 1: 374 أبواب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد.
(4)
في ج: للإيماء
إذا تقرر هذا (فلا تقبل) الشهادة (من أخرس). نص على ذلك أحمد،
(إلا إذا أداها) الأخرس (بخطه) في الأصح. واختاره في " المحرر ".
قال في " الإنصاف " قلت: وهو الصواب.
(الرابع) من شروط الشهادة: (الحفظ)؛ لأن من لا يحفظ لا تحصل
/ الثقة بقوله ولا يغلب على الظن صدقه، لاحتمال أن يكون من غلطه.
إذا تقرر هذا (فلا تقبل) الشهادة (من مغفل، و) لا من (معروف- بكثرة
غلط و) كثرة (سهو).
وعلم مما تقدم أنها تقب ممن يقل منه الغلط والسهو، لأن ذلك لا يسلم منه أحد.
(الخامس: الإسلام) إلا في مساًله تأتي، لقول الله سبحانه وتعالى:(وأشهدوا ذوي عدل منكم) الطلاق: 2 [والكافر ليس منا.
وقوله سبحانه وتعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)] البقرة: 282] والكافر ليس من رجالنا ولو قبلت شهادة غير
المسلمين لم يكن لقوله "منكم" فائدة.
ولأن الكافر غير مأمون.
وعنه: تقبل شهادة بعضهم على بعض. نقلها حنبل، لما روى جابر " أن
النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض
(1)
. رواه ابن ماجه
وكالمسلمين. -
وجواب ذلك: أن الخبر مردود بضعفه، فأنه من رواية مجالد
(2)
. ولو سلم فيحتمل أنه أراد اليمين، لأنها تسمى شهاد؛ لقوله سبحانه، وتعالى (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) [النور: 6].
(1)
1 أخرجه ابن ماجه ي " سننه "(2374) 2: 794 كتاب الأحكام باب شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض
(2)
في ج: مجاهد.
ولأن من لا تقبل شهادته على غير أهل دينه لا تقبل شهادته على أهل دينه.
إذا تقر هذا (فلا تقبل) الشهادة (من كافر- ولو على مثله- غير رجلين كتابيين، عند عدم) أي: عدم مسلم، (بوصية ميت بسفر مسلم أوكافر) أي: سواء كان الموصي مسلما أوكافرا على أصح الروايتين. نقلها الجماعه عن أحمد حتى قال الموفق وغيره: روى ذلك عن أحمد نحو من عشرين نفسا. (ويحلفهما) أي: يحلف الشاهدين الكتابيين (حاكم وجوبا) في الأصح. وقيل: لا يجب بل يندب.
(بعد العصر)؛ لخبر أبي موسى الآتي.
وقال ابن قتيبة: لأنه وقت تعظمه أهل الأديأن.
فيحلفان لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى، وما خانا ولا حرفا، وإنها لوصيته) أي: وصية الرجل الموصي.
قال ابن المنذر: وبهذا قال أكابر الماضين.
والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ} ] المائدة: 106]. وممن قال بذلك شريح والنخعي والأوزاعي
ويحيى بن حمزة. وقضى بذلك عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما.
(فإن عثر على أنهما) يعني: الشاهدين الكتابيين (استحقا إثما، قام اخران) أي: رجلأن (من أولياء الموصي فحلفا بالله تعالى: لشهادتنا أحق من شهادتهما، ولقد خانا وكتما. ويمضى لهم)؛ لقوله
(1)
سبحانه وتعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ
(1)
فى ب: لقول الله
فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 107].
وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك والشافعي، وقالوا: لا تقبل، لأن من
لا تقبل شهادته على غير الوصية لا تقبل على الوصية، كالفاسق. واختلفوا في تأويل الآيه فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء، ومنهم من قال المراد بقوله:{مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أي: من غير عشيرتكم، ومنهم من قال المراد بالشهادة: اليمين.
ولنا: نص الكتاب.
وقد قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده؛ فروي عن ابن عباس قال:
" خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن زيد. فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم. فلما قدما بتركته فقدوا جام
(1)
فضة مخوصا بذهب. فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم وجد الجام بمكة. فقالوا: اشتريناه من تميم وعدي. فقام رجلان من أولياء السهمي: فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام
(2)
لصاحبهم. فنزلت فيهم: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ
…
} الآية [المائد-: 106] "
(3)
.
وعن الشعبي " أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا
(4)
ولم يجد حدا
من المسلمين يشهد على وصيته. فاًشهد رجلين من أهل الكتاب. فقدما الكوفة. فآتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه وقدما بتركته ووصيته. فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاًحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا، وأنها لوصية الرجل وتركته
(1)
في ج: لجام
(2)
في ج: اللجام
(3)
3 أخرجه البخاري في " صحيحه "(2628) 3: 1022 كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى:(يخايها اثذينءامنوا ثهد- 000) الاية.
(4)
دقوقاء: بلد بين بغداد هاربل، تقصر وتمد
فأمضى شهادتهما"
(1)
. رواه أبو داود. وروى الخلال حديث أبي موسى بإسناده. وأما حمل الاية على أنه أراد من غير عشيرتكم لا يصح، لأن الاية نزلت في قصة عدي وتميم بلا خلاف بين المفسرين.
وقد فسر الآية بما قلنا سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعبيدة وسعيد بن جبير وسليمان التيمي وغيرهم. ودلت عليه
(2)
الأحاديث.
ولأنه لو صح ما ذكروه لم يجب عليهما يمين، لأن الشاهدين من المسلمين
لاقسامة عليهما.
وحملها على التحمل لا يصح أيضا، لأنه أمر بإحلافهم ولا يمين في التحمل. وحملها على اليمين لا يصح أيضا، لقوله سبحانه وتعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106].
وقد روى أبو عبيدة في " الناسخ والمنسوخ ": أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان.
قال أحمد: أهل المدين ليس عندهم حديث أبي موسى من أين يعرفونه؛
وقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله سبحانه وتعالى، وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضاء الصحابة به، وعملهم بما ثبت
(3)
في الكتاب والسنة فتعين المصير إليه والعمل به، سواء وافق القياس أوخالفه.
الشرط (السادس: العدالة). وهي في اللغة: عبارة عن الاستقامة
وا لاستواء " لأن العدل ضد الجور، والجور: الميل.
(وهي) في الشرع: (استواء أحواله) أي: أحوال المتصف بها (في دينه، واعتدال أقواله وأفعاله.
(1)
أخرجه أيو داود في (سنته " (5 360) 3: 307 كتاب الأقضية، باب شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر.
(2)
في ج: عليها.
(3)
فى ج: وعملهم به أثبت
ويعتبر لها) أي: لكون ال إنسان متصفا بها (شيئان): -
أحدهما: (الصلاح في [الدين. وهو) نوعان:
أحدهما: (أداء الفرائض) أي: الصلوات الخمس والجمعة (برواتبها) أي: بسننها الراتبة في الأصح. وأومأ إلى ذلك أحمد بقوله فيمن يواضب
(1)
على ترك سنن الصلاة: رجل سوء.
ونقل أبو طالب: الوتر سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم فمن ترك سنة من سننه فهو رجل سوء.
ووجه ذلك: أن تهاون ال إنسان بالسنن يدل على عدم محافظته على أسباب
إذا تقرر هذا (فلا تقبل) شهادة (ممن داوم على تركها) أي: ترك السنن
الراتبة.
وعلم مما تقدم أن الشهاده تقبل ممن تركها في بعض الأيام.
(و) الثاني من النوعين: (اجتناب المحرم)، وذلك: (بأن لا يأتي كبيرة
ولا يدمن) أي: يداوم (على صغيره) في الأصح.
وقيل: ولا يتكرر منه صغيرة.
وقيل: ثلاثا.
وفي " الترغيب ": بأن لا يكثر منها ولا يصر على واحدة منها
(2)
.
وفي الخبر الذي رواه الترمذي: " لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار
(3)
.
وذلك لأن اعتبار اجتناب كل محرم يؤدي إلى أن لا تقبل شهادة أحد، لأنه
(1)
في ج: وا ضب.
(2)
في ج زيادة: وقيل: العدل هو الذي لا يظهر منه إلا الخير.
(3)
3 أخرجه الترمذي في " جامعه " عن أبي بكر قال قال رسول الله عي: " ما أصر من استغفر، ولو فعله في اليوم سعبين مرة "(3559) 5: 558 كتاب الدعواب
لا يخلو من ذنب. وقد قال الله سبحانه وتعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} [النجم: 32]
مدحهم [الله سبحاله وتعالى]
(1)
" لاجتنابهم ما ذكر، وأن كان وجد منهم الصغائر.
واللمم: صغائر الذنوب.
وقيل: أن يلم بالذنب ولا يعود فيه.
ولأن التحرز من ذلك عسر. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أن تغفر اللهم
تغفر جما وأي عبد لك لا ألما
(2)
أي: لم يلم. فأن" لا " مع الماضي بمنزلة " لم "مع المستقبل.
وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن قبول شهادة القاذف؛ لكون القذف كبيرة فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة.
(والكذب صغيرة). فلا ترد الشهادة بالكذبة الواحدة.
وعنه: ترد بكذبه. وهو ظاهر " المغني "،] لأن الشهادة إخبار عما يعلمه، ومن علم منه كذب فهو غير مأمون في شهادته فوجب رد شهادته]
(3)
. (إلا) الكذب (في شهادة زور، وكذب على نبي، و) كذب في (رمي فتن، ونحوه) " ككذب على أحد الرعية عند حاكم ظالم: (فكبيرة).
قال أحمد: ويعرف الكذب بخلف المواعيد. نقله عبد الله.
(ويجب) الكذب التخليص مسلم من قتل). جزم به في " الفروع ".
قال ابن الجوزي: أو كان المقصود واجبا.
(ويباج) الكذب الإصلاج) بين الناس، (و) لى (حرب، و) لى (زوجة فقط) في الأصح، للخبر
(4)
.
(1)
زيادة من ج
(2)
2 الترمذي في " جامعه (3284) 5: 396 كتاب تفسير القران، باب ومن سورة والنجم.
(3)
ساقط من أوب.
(4)
4 عن حميد بن عبد الرحمن، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة، قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرخص في-
وقال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به، وهو التورية
في ظاهر نقل حنبل وظاهر نقل ابن المنصور والأصحاب مطلقا.
ومن جاءه طعام فقال: لا آكله ثم أكله فكذب لا ينبغي أن يفعل. نقله المروذي. ومن كتب لغيره كتابا فأملى عليه كذبا لم يكتبه. نقله الأثرم.
وقال ابن حامد: وقد يقع الفسق بكل ما فيه ارتكاب لنهي وأن خلا عن حد
أو وعيد. وأنه مذهب مالك. وأن الشافعي لم يفسقه بشرب مسكر للخلاف، ولا بكذبة أوتدليس، في بيع وغش في تجارة.
قال في " الفروع ": وظاهر " الكافي ": العدل من رجح خيره ولم يأت كبيرة؛ لأن الصغائر تقع مكفرة أولا فأولا فلا تجتمع.
قال ابن عقيل: لولا الإجماع لقلنا به. - وظاهر " العدة " للقاضي: ولو أتى كبيرة.
قال شيخنا: صرح به في قياس الشبه.
واحتج في " الكافي " و" العدة " بقوله: فَمَنْ ثَقُلَتْ
…
) الآية [المؤمنون: 102]،.
وعنه: فيمن أكل الربا: إن أكتر لم يصل خلفه.
قال القاضي وابن عقيل: فاعتبر الكثرة.
وفي " المغنى ": إن أخذ صدقة محرمة وتكرر ردت.
(والكبيرة
(1)
: ما) أي: كل شيء (فيه حد في الدنيا)؛ كالزنا والسرقة، (أو) فيه (وعيد) خاص (في الآخرة)؛ كأكل الربا، وأكل مال اليتيم،
شيء من الكذب إلا في ثلاث كأن رسول الله يقول: " لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدث أمرأته، والمرأه تحدث زوجها ".
أخرجه أبو دأود في " سننه "(4921) 4: 281 كتاب الأدب؛ باب في إصلاج ذات البين.
(1)
في ب: وعنه والكببرة
وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، وما أشبه ذلك. والصغيرة ما دون ذلك من المحرمات مثل: التجسس، وسب الناس بما دون القذف، واستماع كلام النساء الأجانب لغير ضرورة، والنظر المحر، والنبز باللقب
قال البيضاوي فى قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: 11]: ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء، فإن النبز يختص بلقب السوء عرفا. انتهى. وفي " الفصول " و " الغنية " و " المستوعب ": الغيبة والنميمة من الصغائر.
إذا تقرر هذا (فلا تقبل شهادة فاسق بفعل؛ كزان وديوث، أو باعتقاد، كمقلد في خلق القرآن، أو) في (نفي الرؤية، أو) في (الرفض، أو) في (التجهم) بتشديد الهاء، (ونحوه) " كمقلد في التجسيم وفيما يعتقده الخوارج والقدرية ونحوهم على الأصح.
(ويكفر مجتهدهم الداعية). فالرافضة: هم الذين يعتقدون كفر الصحابة
أو فسقهم بتقديم غير علي عليه في الخلافة.
والجهمية: هم الذين يعتقدون أن الله ليس بمستو على عرشه، وأن القرآن المكتوب في المصاحف ليس بكلام الله سبحانه وتعالى، بل هو عبارة عنه. والمعتزلة: هم الذين يقولون أن الله سبحانه وتعالى ليس بخالق للشر، وإن العبد يخرج من الإيمان بالمعصية، وينكرون الشفاعة.
قال في " الإنصاف ": من قلد في خلق القرآن، ونفي الرؤية ونحوهما:
فسق على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب.
قال في " الفروع ": اختاره الأكثر. قاله في " الواضح ".
وعنه: يكفو كمجتهد.
وعنه فيه: لا يكفر. اختاره المصنف في رسالته إلى صاحب
" التلخيص "؛ لقول أحمد للمعتصم: يا أمير المؤمنين
ونقل يعقوب الدورقي- فيمن يقول: القرآن مخلوق-: كنت لا أكفره حتى قرأت: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ] النساء: 166 [وغيرها.
فمن زعم أنه لا يدري: علم الله مخلوق أولا؛ كفر.
وقال في " الفصول "- في الكفارة، في جهمية وواقفيه وحرورية وقدرية ورافضية
(1)
- إن ناظر ودعا: كفر، وإلا لم يفسق؛ لأن أحمد قال: يسميع حديثه ويصلى خلفه.
قال: وعندي أن عامة المبتدعة فسقة كعامة أهل الكتابين كفار مع جهلهم.
قال: والصحيح لا كفر، لأن أحمد أجاز الرواية عن الحرورية والخوارج. وذكر ابن حامد: أنقدرية أهل الأثر، كسعيد بن أبي عروبة، والأصم: مبتدعة. وفي شهادتهم وجهان، وأن الأولى: لا تقبل " لأن اقل ما فيه: الفسق. وذكر جماعة في خبر غير الداعية: روايات. الثالثة: إن كانت مفسقة: قبل، وإن كانت مكفرة: رد.
واختار الشيخ تقي الدين: لا يفسق أحد. وقاله القاضي في " شرح الخرقي " في المقلد، " الفروع ".
وعنه: للداعية، كتفضيل علي على الثلاثة أو أحدهم، أولم ير مسح الخف أوغسل الرجل.
وعنه: لا يفسق من فضل عليا على عثمان رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
قال في " الفروع ": ويتوجه فيه- وفيمن رأى " الماء من الماء " ونحوه: التسوية.
نقل ابن هانى: في الصلاة خلف من يقدم عليا على ابي بكر وعمر: إن كان جاهلا لا علم له: أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال المجد: الصحيح أن كل بدعة لا توجب الكفر لا يفسق المقلد فيها
(1)
في أ: ورافضة
لخفتها مثل: من يفضل عليا على سائر الصحابة، ونقف عن تكفير من كفرناه من المبتدعة.
وقال المجد أيضا: الصحيح أن كل بدعة كفرنا فيها الداعية، فإنا نفسق المقلد فيها؛ كمن يقول بخلق القران، أو بأن ألفاظنا به مخلوقة، أو أنعلم الله سبحانه وتعالى مخلوق
(1)
، أو أن أسمائه مخلوقة، أوأنه لا يرى في الآخرة،- أويسب الصحابة تدينا، أوأن الإيمان مجرد الاعتقاد، وما أشبه ذلك. فمن كان عالما في شيء من هذه البدع يدعو إليه ويناظر عليه: فهو محكوم بكفره. نص أحمد صريحا على ذلك في مواضع.
قال: واختلف عنه في تكفير القدرية بنفي خلق المعاصي، على روايتين.
وله في الخوراج كلام يقتضي في تكفيرهم روايتين.
نقل حرب: لا تجوز شهادة صاحب بدعة. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
وبعدم قبول شهادة المبتدعة يقول مالك وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور.
قال القاضي شريك
(2)
أربعة لا تجوز شهادتهم: رافضي يزعم أن له إماما مفترضه
(3)
طاعته، وخارجي يزعم أن الدنيا دار حرث، وقدري يزعم أن المشيئه إليه، ومرجئ. ورد شهادة يعقوب وقال: ألا أرد شهادة قوم يزعمون أن الصلاة ليست من الإيمان؛.
(ولا) تقبل شهادة (قاذف حد أولا) يعني أولم يحد (حتى يتوب)؛
لقول الله سبحانه وتعالى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4 - 5] فدل
أنه لا تقبل شهادتهم قبل التوبة وهذا عام فيما قبل الحد وبعده.
ولأنه قال (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (ضضض 4)) [النور: 4] فأخرجه مخرج التعليل لرد
(1)
في أ: علم الله سبحانه مخلوق
(2)
في أ: علم الله سبحانه مخلوق
(3)
في أ: مفترضا
الشهادة. ثم استثنى من ذلك الذين تابوا من بعد. ذلك. فدل على عدم الفسق مع التوبة. فوجب قبول الشهادة حينئذ؛ لزوال علة المنع وهي: الفسق بالتوبة. وروي عن عمر " أنه كان يقول لأبي بكرة حين شهد على المغيرة بن شعبة بالزنا: تب أقبل شهادتك "
(1)
. ولم ينكر ذلك منكر، فكان إجماعا.
قال سعيد بن المسيب: " شهد على المغيرة ثلاثة رجال: أبو بكرة، وشبل بن معبد، ونافع بن الحارث، ونكل زياد. فجلد عمر الثلاثة، وقال لهم: توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجلان وقبل عمر شهادتهما وأبى أبو بكرة فلم تقبل شهادته. وكان قد عاد مثل النصل من العبادة ".
ولأنه تائب من ذنبه. فقبلت شهادته، كالتائب من الزنا. يحققه: أن الزنا أعظم
من القذف به، وكذلك سائر الذنوب إذا تاب فاعلها قبلت شهادته. فهذا أولى. ومحل ذلك: ما لم يحقق القاذف قذفه ببينة، أو إقرار مقذوف، أو لعان قاذف أن كان زوجا، فإن حققه لم يتعلق بقذفه فسق ولا حد ولا رد شهادة. (وتوبته) أي: توبة القاذف: (تكذيب نفسه ولو كان صادقا) في الأصح. فيقول: كذبت فيما قلت. وهذا منصوص الشافعي.
قال ابن عبد البر: وممن قال بهذا سعيد بن المسيب وعطاء وطاووس والشعبي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، لما روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه قال في قوله تعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 5]، قال: توبته إكذاب نفسه ".
ولأن عرض المقذوف تلوث بقذفه.، فإكذابه نفسه يزيل ذلك التلويث.
ولأن الله سبحانه وتعالى سمى القاذف كاذبا إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق بقوله سبحانه وتعالى: {لَوْلا جَاؤُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13]. فتكذيب الصادق نفسه يرجع
إلى أنه كاذب في حكم ألله سبحانه وتعالى وإن كان في نفس الأمر صادقا
(1)
أخرجه الشافعي في " مسنده "(642) 2: 181 كتاب الشهادات.
قال في " شرح المقنع ": والقاذف في الشتم ترد شهادته وروايته حتى يتوب، والشاهد بالزنا إذا لم تكمل
(1)
البينة تقبل روايته دون شهادته.
وحكي عن الشافعي: أن شهادته لا ترد.
ولنا: أن عمر رضي الله تعالى عنه: لم يقبل شهادة أبي بكرة وقال له:
" تب أقبل شهادتك
(2)
. وروايته مقبولة. ولا نعلم خلافا في قبول روايه أبي بكرة مع رد عمر شهادته. انتهى.
(وتوبة غيره) أي: غير القاذف (ندم) بقلبه على ما مضى من ذنبه، (وإقلاع) بأن يترك فعل الذنب الذي تاب منه، (وعزم على أن لا يعود) وهو:
أن يضمر أن لا يعود إلى ذلك الذنب الذي تاب منه. ولا يعتبر مع ذلك إصلاج العمل على الأصح.
وعنه: يعتبر في التائب إصلاج الحمل سنة.
والأول المذهب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنب بمجرد التوبة " لقوله سبحنه وتعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110]. ومع المغفرة يجب أن تترتب الأحكام لزوال المانع منها
وهو الفسق، لأنه لا فسق مع زوال الذنب.
(وإن كان) فسق الفاسق (بترك واجب: فلا بد) لصحة توبته (من فعله)
أي: فعل الواجب الذي تركه، (ويسارع). فمن تاب من ترك الصلاه أو نحوها سارع إلى قضائها، وإن كان فسقه بترك حق لآدمي
(3)
؛ كقصاص وحد قذف اشترط لصحته توبته التمكين من نفسه ببذلها للمستحق.
(ويعتبر رد مظلمة) يعني: وإن كان فسقه بترك رد مظلمة " كمغصوب ونحوه: رده أورد بدله إن تلف، فإن عجز عن ذلك نوى رده متى قدر عليه،
(1)
في ج: يحمل
(2)
سبق تخريجه قى الحديث السابق
(3)
في ج: الآدمي
(أويستحله) اي: يستحل رب المظلمة بأن يطلب أن يحالله
(1)
، (ويستمهله معسر) أي: ويستمهل التائب رب المظلمة إن عجز عن ردها، لعسرته.
وأما البدعة فالتوبة منها بالاعتراف بها والرجوع عنها، واعتقاد ضد ما كان يعتقده من مخالفة أهل السنة.
(ولا تصح) التوبة (معلقة) على شرط لا
(2)
في الحال ولا عند وجود الشرط.
(ولا يشترط لصحتها) أي: صحة التوبة إن كانت (من قذف وغيبة، ونحوهما)؛ كنميمة (إعلامه) اي: إعلام المقذوف أو إعلا الذي اغتابه التائب أو نم عليه (والتحلل منه) على الأصح.
قال أحمد: إذا قذفه ثم تاب لا ينبغي أن يقول له: قد قذفتك، هذا يستغفر الله. انتهى.
قال بعض الأصحاب: ولعل أحمد إنما منع من قوله له: قد قذفتك؛ لما
فيه من تكرير قذفه وتجديد اذاه صريحا. ولم يمنع أحمد من استحلاله بغير هذه الصفة، ولا بلفظ عام مبهم. فإن الإبراء من المجهول صحيح.
(ومن أخذ بالرخص) بأن كان يتبع الرخص من المذاهب فيعمل بها: (فسق).
قال في " الفروع ": ومن إخذ بالرخص فنصه: يفسق. وذكره ابن عبد البر إجماعا.
وقال شيخنا: كرهه العلماء. وذكر القاضي غير متأول ولا مقلد
(3)
. ويتوجه أيضا تخريج ممن ترك شرطا أوركنا مختلفا فيه لا يعيد في رواية. ويتوجه تقييده بما لم ينقض فيه حكم حاكم.
(1)
في ج: يحله
(2)
في ج: إلا
(3)
في أوب: أو لا مقلد
وقيل: لا يفسق إلا العالم مع ضعف الدليل فروايتأن.
وأما لزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره في مسألة فيها ففيها وجهان، وفاقا لمالك والشافعي، وعدمه أشهر.
وفي لزوم طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه. وهو خلاف الإجماع.
قاله شيخنا. وقال: جوازه فيه ما فيه. قال: ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل. قال: وإن قال ينبغي كان جاهلآ ضالا. قال: ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو يكون لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته، بلا نزاع.
وقال أيضا: في هذه الحال يجوز عند أئمة الإسلام.
وقال أيضا: بل يجب، وأن أحمد نص عليه. انتهى كلامه في
" الفروع ".
(ومن إتى فرعا) من فروع الفقة) مختلفا فيه) أي: في جوازه؛) كمن تزوج بلا ولي، أو) تزوج (بنته من زنا، أوشرب من نبيذ ما لا يسكر) أي: شيئا
(1)
لم يسكر به، (أو أخر الحج قادرا) أي: حال كونه مستطيعا) أن أعتقد تحريمه) أي: تحريم شيء مما ذكر: (ردت) شهادته على الأصح المنصوص عن أحمد؛ لأنه فعل ما يعتقد تحريمه عمدا. فوجب أن ترد شهادته؛ كما لو كان ذلك الفعل مجمعا على تحريمه.
(وإن تأول) أي: وأنفعل شيئا من ذلك مستدلا على حله
(2)
باجتهاده أومقلدا للمستدل: (فلا) ترد شهادته؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يختلفون في " الفروع "، وقبلوا شهادة كل مخالف لهم فيها
(3)
.
ولأنه اجتهاد سائغ. فلا يفسق به المخالف فيه؛ كالمتفق عليه.
(1)
في ج: شربا.
(2)
في ج: حكمه
(3)
ساقط من أ
الشيء (الثانى) مما يعتبر للعدالة (استعمال المروءة).
قال في القاموس: مرؤ ككرم، مروءه فهو مريء، أي: ذو مروءة وإنسانية انتهى.
ويكون استعمالها (بفعل ما يجمله ويزينه) في العاده؛ كالسخاء وحسن الخلق، وبذل الجاه
(1)
، وحسن المجاورة ونحو ذلك، (وترك ما يدنسه ويشينه عادة) اي: في العادة من الأمور الدنيئة
(2)
المزرية
(3)
(فلا شهادة) مقبولة المصافع ومتمسخر ورقاص ومشعبذ ومغن.
ويكره الغناء) بالمد وكسر الغين المعجمة. وهو: رفع الصوت بالشعر،
أو ما قاربه من الرجز على نحو
(4)
مخصوص (واستماعه.
وطفيلي ومتزي بزي يسخر منه).
قال في " القاموس ": سخر منه وبه كفرح، سخرا وسخرا وسخرة ومسخرا وسخرا وسخرا: هزى، كا ستسخر انتهى.
(ولا لشاعر يفرط في مدح بإعطاء، و) يفرط (في ذم بمنع) من إعطاء،
(أو يشبب بمدح خمر، أوبمرد، أو بامرأة معينة- محرمة، ويفسق بذلك، ولا تحرم روايته.
ولا للاعب بشطرنج غير مقلد كمع عوض.
أوترك واجب، أو) مع (فعل محرم إجماعا، أو) لاعب (بنرد. ويحرمان) اي: الشطرنج والنرد، (أو) لاعب (بكل ما فيه دناءة حتى في ارجوحة، أو رفع ثقيل.
وتحرم مخاطرته بنفسه فيه) اي: في رفع الثقيل، (وفي ثقاف، أو) لاعب (بحمام طيارة.
(1)
في ج: الحيا ة.
(2)
في ج: الشنيئة.
(3)
في ب: المزرية به.
(4)
في ب: نوع.
ولا) شهادة مقبولة أيضا (لمسترعيها) أي
(1)
: مسترعي الحمام (من المزارع
(2)
، أو) لمن يقتنيها
(3)
(ليصيد بها حمام غيره.
ويباح) اقتناؤها (للأنس بصوتها واستفراخها، وحمل كتب. ويكره حبس طير لنغمته. .
ولا) شهادة مقبوله أيضا (لمن يأكل بالسوق) شيئا كثيرا، (لا) شيئا (يسيرا؛ كلقمة وتفاحة، ونحوهما) من الأشياء اليسيرة.
(ولا) شهادة مقبولة ايضا لمن يمد رجليه بمجمع الناس، أويكشف من
بدنه ما العاده تغطيته)؛ كصدره وظهره، (أو يحدث بمباضعة أهله) أي: زوجته (أو أمته
(4)
، أو يخاطبهما بـ) ـخطاب (فاحش بين الناس، أو يدخل الحمام بغير مئزر، أو ينام يين جالسين، أويخرج عن مستوى الجلوس بلا عذر، أو يحكي المضحكات، ونحوه) أي: ونحو ذلك من كل ما فيه سخف ما ودناءة؛ لأن من رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة ولا تحصل الثقة بقوله.
وقد روى أبو مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت "
(5)
. يعنى: أن من لم يستحيي
(6)
صنع ما شاء.
ولأن المروءة تمنع الكذب وتزجر عنه ولهذا يمنع منه ذو المروءة وأن لم يكن متدينا.
ولأن الكذب دناءة والمروءة تمنع من الدناءة، وإذا كانت المروءة مانعة من الكذب اعتبرت في العدالة؛ كالدين.
(1)
في أ: أو
(2)
في ج: الزارع.
(3)
في أ: يقنيها
(4)
في ج: أوسريته.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه (0769) 4: 2268 كتاب الأدب، باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت
(6)
في ج: يستح.
قال في " شرح المقنع ": ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به لم يمنع من قبول شهادته؛ لأن مروءته لا تسقط به، وكذلك أن فعله مرة أوشيئا قليلا لم ترد شهادته؛ لأن صغير المعاصي لا يمنع قبول
(1)
الشهادة إذا قل فهذا أولى.
ولأن المروءة لا تختل بقليل هذا ما لم لكن عادة. انتهى.
ثم أعلم أن المصافعين هم: الذين يصفع بعضهم بعضا لا يرون بذلك بأسا.
وأما المتمسخرون هم: الذين يسمونهم العامه المحبظين.
وأما المشعبذون وهم: المشعوذون فصفتهم الشعوذ.
قال ابن فارس: ليست هذه الكلمة في كلام أهل البادية. وهي: خفة في اليدين كالسحر. انتهى.
وأما الغناء فقد تقدم في المتن: أنه مكروه. وهو الذي قدمه صاحب
" الرعاية "-وصا ب " الفروع ".
وعبارة " الرعاية ": ويكره سماع الغناء والنوح بلا آلة لهو، ويحرم معهما. وقيل: وبدونهما، من رجل وامرأة.
وقيل: يباح، ما لم يكن معه منكر اخر.
وأن داومه أو اتخذه صناعه يقصد له، أواتخذ مخلاصا أوجارية مغنيين يجمع عليهما الناس: ردت شهادته.
وأن ستتر به وأكثر منه: ردها من حرمه أو كره
(2)
.
وقيل: أ. وأباحه، لأنه سفه ودناءة يسقط المروءه.
وقيل: الحداء ونشيد
(3)
الأعراب، كالغناء في ذلك.
وقيل: يباح سماعهما. انتهى.
(1)
ساقط من أوب.
(2)
في ج: حرمة أو كراهة.
(3)
في " الانصاف " 13: 1: الحداء: نشيد.
وعبارة " الفروع ": ويكره غناء.
وقال جماعة: يحرم.
قال في " الترغيب ": اختاره الأكثر.
قال أحمد: لا يعجبني.
وقال في الوصى: يبيع أمة للصبي على أنها غير مغنية، وعلى أنها لا تقرأ
بالألحان.
وذكر في " الشفاء " للقاضي عياض: الإجماع على كفر من استحله.
وقيل: يباح، وكذا استماعه.
وفي " المستوعب " و " الترغيب " وغيرهما: يحرم مع آلة لهو، بلا خلاف بيننا. وكذا قالوا هم وابن عقيل: إن كان المغني امرأة أجنبية.
ونقل المروذي ويعقوب: أن أحمد سئل عن الدف في العرس بلا غناء: فلم يكرهه. انتهى.
وأما الحداء بضم الحاء المهملة وهو: الإنشاد الذي تساق به الإبل فمباح فعله واستماعه؛ لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر. وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء وكان مع الرجال. وكان أنجشة مع النساء. فقالط النبي صلى الله عليه وسلم لابن رواحة: حرك بالقوم. فاندفع ينشد فتبعه أنجشة فأعنقت الإبل. فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأنجشة: رويدك. رفقا بالقوارير. يعني: النساء"
(1)
.
وكذلك سائر أنواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حد الغناء.
وأما الشعر: فقيل لأحمد في رواية ابن منصور ما تكره منه؟ قال: الهجاء والرقيق الذي يشبب به النساء، وأما الكلام فما أنفعه.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5857) 5: 2294 كتاب الأدب، باب المعاريض مندوحة عن الكذب. عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقال الشافعي: الشعر كالكلام حسنه كحسنه، وقبيحه كقبيحه.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أن من الشعر حكما "
(1)
.
و"كأن يصنع لحسان منبرا يقوم عليه فيهجو من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين".
وأنشده كعب بن زهير
(2)
قصيدته:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
في المسجد
(3)
.
وقال عمرو بن الشريد: " أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أمعك من شعر أمية؟ قلت: نعم. فأنشدته بيتا فقال: هيه. فأنشدته بيتا. فقال: هيه حتى أنشدته مائة قافية "
(4)
.
قال في " شرح المقنع ": وليس لنا
(5)
في إباحة الشعر اختلاف. وقد قاله الصحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية والاستشهاد به في التفسير، ويعرف معاني كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستدل به أيضا على النسب
(6)
والتاريخ وأيام العرب، ويقال: الشعر ديوان العرب.
فإن قيل: فقد قال الله سبحاله وتعالى: [وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ][الشعراء: 224].
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3756) 2: 1236 كتاب الأدب؛ باب الشعر. عن ابن عباس.
(2)
كعب بن زهير: أحد فحول الشعراء المخضرمين المجيدين، صنفه ابن سلام في الطبقة الثانية من فحول الجاهلية مع أوس بن حجر، وبشر بن أبي خازم، والحطيئة. وقصيدته هذه من أشهر قصائده.
ر. " جمهرة أشعار العرب في الجاهلحة والاسلام " لأبي زيد القرشي 2: 289.
(3)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 10: 243 كتاب الشهادات، باب باب من شبب فلم يسم أحدا.
(4)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3758) 2: 1236 كتاب الأدب، باب الشعر.
(5)
زيادة من ج.
(6)
في ج: ويستبدل به على النسب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا "
(1)
. رواه أبو دأود وأبو عبيد
(2)
.
وقال: معنى " يريه ": يأكل جوفه، يقال: وراه يريه.
قال الشاعر:
وراهن ربي مثل ما قد ورينني وأحمى على أكبادهن المكاويا
قلنا: أما الآية فالمراد بها من أسرف وكذب بدليل وصفه لهم بقوله:
[أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ] [الشعراء:
225 -
226]. ثم استثنى المؤمنين بقوله: [إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 5][الشعراء: 227].
ولأن الغالب على الشعراء قلة الدين والكذب وقذف المحصنات وهجاء الأبرياء،
لا سيما من كان في ابتداء الإسلام ممن يهجو المسلمين ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويعيب الإسلام ويمدح الكفار. فوقع الذم على الأغلب واستثني منهم من لا يفعل الخصال المذمومة. فالآية دليل على إباحته ومدج أهله المتصفين بالصفات الجميلة.
وأما الخبر فقال أبو عبيد
(3)
معناه: أن يغلب عليه الشعر حتى يشغله عن القرآن والفقه.
وقيل: المراد به: ما كان هجاء وفحشا، فما كان من الشعر يتضمن هجاء المسلمين والقدح في أعراضهم أو التشبب بامرأة بعينها بالإفراط في وصفها فذكر أصحابنا أنه محرم
(4)
. انتهى.
وأما ما اتخذه أرباب الدنيا من العادات والنزاهة التي لم يقبحها السلف ولا اجتنبها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: تقذرهم عن حمل الحوائج وأقوات العيال،
(1)
أخرجه أبو داود في"سننه "(5009) 4: 302 كتاب الأدب، باب ما جاء في الشعر.
(2)
في ب: وأبو عبيده.
(3)
في ب: عبيدة.
(4)
في ج: يحرم.
ولبس الصوف، وركوب الحمار، وحمل الماء على الظهر، والرزمة
(1)
إلى السوق فلا يعتبر شيء من ذلك فى المروءة الشرعية. فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يحمل الماء لأهله، وهذا يحمل الرزمة لسوقه وقد " ركب النبي صلى الله عليه وسلم الحمار "، و " لبس الصوف واحتذى المخصوف "
(2)
مع كونه قد أوتى مكارم الأخلاق، فلا ازدراء
(3)
في ذلك ولا إسقاط مروءة. قاله في "المستوعب ".
وأما قراءة القرآن بالألحان من غير تلحين فلا بأس بها. وإن حسن صوته فهو أفضل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" زينوا أصواتكم بالقرآن"
(4)
.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى: " لقد مررت بك البارحة وأنت تقرأ، ولقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود. فقال أبو موسى: لو أعلم أنك تسمع لحبرته. تحبيرا
(5)
"
(6)
.
وقال صالح في روايته: قلت لأبي: زينوا القرآن بأصواتكم ما معناه؟ قال: أن يحسنه.
وقيل له: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن"
(7)
قال: يرفع صوته به. وهكذا قال الشافعي.
وقال الليث: يتحزن به ويتخشع به ويتباكى به.
وقال ابن عيينة وعمرو بن الحارث ووكيع والقاضي وأبو يعلى: يستغني به.
(1)
في ج: والرزية.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3556) 2: 1178 كتاب اللباس، باب لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
في أوب: إزراء.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(1468) 2: 74 كتاب الوتر، باب استحباب الترتيل في القراءة.
(5)
في أوب: لخيرته تخييرا.
(6)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3: 12 كتاب الصلاة، باب من جهر بها إذا كان من حوله لا يتأذى بقراءته.
(7)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(7089) 6: 2737 كتاب التوحيد، باب قول الله
تعالى: [وأسروا قولكم أواجهروا به إنه عليم بذات الصدور].
وقال صلى الله عليه وسلم: " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر
به "
(1)
.
ومعنى قوله: " أذن " أي: استمع.
فأما من أسرف في المد والتمطيط وإشباع الحركات بحيث يجعل الضمة وأوا، والفتحة ألفا، والكسرة ياء: كره له ذلك.
وقد روي عن أحمد أن رجلا سأله عن ذلك. فقال له: ما اسمك؟ قال: محمد. قال: أيسرك أن يقال لك يا: موحامد؟
قال في " شرح المقنع ": واتفق العلماء على أنه يستحب قراءة القرآن بالتحزن
(2)
والتحسين.
وروى بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقروا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن"
(3)
.
وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله قال لرجل: لو قرأت. وجعل أبو عبد الله ربما تغرغرت عينه.
وقال زهير بن حرب: كنا عند يحيى القطان فجاء محمد بن سعيد الترمذي. فقال له يحيى: اقرأ. فقرأ فغشي على يحيى حتى حمل فأدخل.
وقال محمد بن صالح العدوي: قرأت عند يحيى بن سعيد القطان فغشي
عليه حتى فاته خمس صلوات. انتهى.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(7105) 6: 2743 كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الماهر بالقرآن مع السفرة ".
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(792) 1: 545 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن.
(2)
في ب: بالتحزين.
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1337) 1: 424 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في حسن الصوت بالقرآن. عن سعد بن أبي وقاص.
وأما الطفيلي وهو: الذي يأتي طعام الناس من غير دعوة فترد شهادته. وبهذا قال الشافعي.
قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم فيه خلافا؛ وذلك لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى إلى الطعام لم يدع إليه، دخل سارقا وخرج مغيرا "
(1)
.
ولأنه يأكل محرما ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة. انتهى.
وأما اللعب فكل لعب فيه قمار فهو حرام أي لعب كان. وهو من الميسر الذي أمر الله سبحانه وتعالى باجتنابه. ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته. وما خلا من القمار وهو العوض من الجانبين أومن أحدهما، فمنه ما هو محرم؛ كالنرد وهو قول أبي حنيفة وأكثر أصحاب الشافعي؛ لما روى أبو موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من لعب بالنردشير فقد عصى الله ور سو له "
(2)
.
وروى أبو دأود عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه "
(3)
. رواهما أبو داود.
وأما الشطرنج فهو في معنى النرد في التحريم، إلا أن النرد آكد؛ لورود النص في تحريمه.
وممن ذهب إلى تحريم الشطرنج علي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والقاسم، وسالم، وعروة، ومحمد بن علي بن الحسين، ومطر الوراق، وأبو حنيفة، ومالك.
وذهب الشافعي إلى إباحته، وحكى ذلك أصحابه عن أبي هريرة وسعيد بن جبير.
فأن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته، إلا أن يشغله عن الصلاة في
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3741) 3:341 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4938) 4: 285 كتاب الأدب، باب في النهي عن اللعب بالنرد.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4939) الموضع السابق.
أوقاتها، [أويخرجه]
(1)
إلى الحلف الكاذب أو نحوه من المحرمات، أويفعل في لعبه ما يستخف به من أجله مما يخرجه عن المروءة فترد شهادته.
ومنه ما هو مباح؛ كالمسابقة بالخيل وغيرها، وكذا ما في معنى ذلك من الثقاف واللعب بالحراب.
وقد " لعب الحبشة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقامت عائشة رضي الله تعالى عنها تنظر إليهم وتستتر به حتى ملت "
(2)
.
وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضررا ولا شغلا عن فرض فالأصل إباحته، فما كان منه فيه دناءة يترفع عنه ذو المروءات؛ كاللعب بحمام يطيرها منع الشهادة.
أما مع أذى جيرانه وإشرافه على دورهم ورميهم بالحجارة فحرام، وما كان من اللعب لا دناءة فيه لا ترد به الشهاده بحال.
وأما الذي يتحدث بمباضعته أهله أو أمته؛ فلما فيه من الدناءة وقلة المبالاة.
وقد روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أن من شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة ثم ينشر سرها "
(3)
.
(ومتى وجد الشرط) اي: شرط قبول الشهادة ممن منعنا قبولها قبل وجود الشرط: (بأن بلغ صغير، أوعقل مجنون، أو أسلم كافر، أو تاب فاسق: قبلت شهادته بمجرد ذلك)؛ لأن ردها إنما كان لمانع وقد زال.
وعنه: يعتبر في التائب إصلاح العمل سنة.
وعنه: يعتبر ذلك في توبة المبتدع.
وقيل: يعتبر مضي مدة يعلم حاله فيها.
* * *
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3337) 3: 1298 كتاب المناقب؛ باب قصة الحبش.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4870) 4: 268 كتاب الأدب، باب في نقل الحديث.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(11673) 3: 69.
[فصل: فيما لا يشترط في الشاهد]
(فصل. ولا تشترط) في الشاهد (الحرية. فتقبل شهادة عبد وأمة في كل
ما يقبل فيه حر وحرة) على الأصح؛ لعموم آيات الشهادة وهو داخل فيها، فإنه من رجالنا وهو عدل تقبل روايته وفتواه وأخباره الدينية.
وروى عقبة بن الحارث قال: "تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب. فجاءت أمة سوداء فقالت: قد
(1)
أرضعتكما. فذكرت ذلك لرسول الله وفقال: كيف وقد زعمت ذلك"
(2)
. متفق عليه.
وفي رواية أبي داود: " فقلت يا رسول الله!: إنها لكاذبة. قال: وما يدريك؟ وقد قالت ما قالت. دعها عنك "
(3)
.
ولأن القن إذا كان عدلا غير متهم، فإن شهادته تقبل؛ كالحر.
وقول المخالف: أنه ليس للقن مروءة ممنوع، بل هو كالحر ينقسم إلى من
له مروءة ومن لا مروءة له. وقد يكون من الأرقاء العلماء والأمراء والصالحون
(4)
والأتقياء.
سئل إياس بن معاوية عن شهادة العبد، فقال: أنا أرد شهادة عبد العزيز صهيب.
(ومتى تعينت) الشهادة (عليه) أي: على الرقيق: (حرم) على سيده (منعه) منها.
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2516) 2: 941 كتاب الشهادات، باب شهادة الإماء والعبيد. ولم أره في مسلم.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3603) 3:306 كتاب الأقضية، باب الشهادة في الرضاع.
(4)
في ج: العلماء والصالحين.
نقل المروذي: من أجاز شهادته فلم يجز لسيده منعه من قيامها ولو عتق بمجلس الحكم فشهد: حرم رده.
قال في " الانتصار " و" المفردات ": فلو رده الحاكم مع ثبوت عدالته فسق أي:
الحاكم.
(ولا) يشترط أيضا (كون الصناعة) أي: صناعة الشاهد (غير دنيئة عرفا)
في الأصح؛ (فتقبل شهادة حجام وحداد وزبال) وهو: الذي يجمع الزبل.
(وقمام) وهو: الذي يقم المكان من زبل وغيره.
(وكناس) وهو: الذي يكنس الأسواق وغيرها.
(وكباش) وهو الذي يربي الكباش.
(وقراد) وهو: الذي يربي القرود ويطوف بها في الأسواق وغيرها متكسبا.
(ودباب) وهو: الذي يفعل بالدب كما يفعل القراد بالقرود.
(ونفاط) وهو: الذي يلعب بالنفط.
(ونخال) وهو: الذي تسميه العامة: المقلش. وهو: الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها.
(وصباغ ودباغ وجمال وجزار، وكساح) وهو: الذي ينظف الحشوش.
(وحائك وحارس، وصائغ، ومكار، وقيم) إذا حسنت طريقتهم بأن كانوا محافظين على أداء الفرائض واجتناب المعاصي والريب؛ لأن بالناس حاجة إلى هذه الصناعات. فإن كل أحد لا يليها بنفسه. فلو قلنا: ترد الشهادة بذلك أفضى إلى أن يتركها الناس
(1)
فيشق ذلك عليهم.
(وكذا) تقبل شهادة (من لبس غير زي بلد يسكنه، أو زيه المعتاد بلا عذر: إذا حسنت طريقتهم) كما تقدم.
(1)
ساقط من أ.
(وتقبل شهادة ولد زنا)؛لأنه مسلم عدل في نفسه. فيدخل في عموم الآية، (حتى به) أي: حتى إذا شهد بالزنا؛ لأن كونه ولد من زنا ليس من فعله.
ولأنه لا مانع من جهته في شهادته بالزنا. فوجب أن يستوي في قبول شهادته الزنا وغيره.
(و) تقبل شهاده (بدوي على قروي) على الأصح. وفاقا لأبي حنيفة والشافعي.
وعن أحمد: أخشى أن لا تقبل.
واحتج من قال: لا تقبل بما روى أبو داود في " سننه " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية "
(1)
.
ولأنه متهم حيث عدل عن أن يشهد قرويا، وأشهد بدويا.
قال أبو عبيد: ولا أرى شهادتهم ردت، إلا لما فيه من الجفاء لحقوق الله سبحانه وتعالى، والجفاء في الدين.
واحتج من قال: تصح شهادته بأن الحديث محمول على من لم تعرف عدالته
من أهل البدو
(2)
ونخصه بهذا.
(و) تقبل شهادة (أعمى بما سمع: إذا تيقن الصوت) خلافا لأبي حنيفه والشافعي، (وبالاستفاضة) وفاقا للشافعي.
قال المانع: لأن من لا تجوز شهادته على الأفعال لا تجوز على الأقوال؛ كالصغير.
ولأن الأصوات تشتبه فلا يحصل اليقين. فلم يجز أن يشهد بها؛ كالخط.
ولنا: قول الله سبحأنهوتعالى: [وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ][البقرة: 282].
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه "(3602) 3:306 كتاب الأقضية، باب شهادة البدوي على أهل الأمصار.
(2)
في ج: البلد.
ولأنه رجل عدل مقبول الرواية. فقبلت شهادته؛ كالبصير، وفارق الصغير
فأنه ليس برجل ولا عدل ولا مقبول الرواية.
ولأن السمع أحد الحواس التي يحصل بها اليقين وقد يكون المشهود عليه ممن ألفه الأعمى، وكثرت
(1)
صحبته له، وعرف صوته يقينا ولا يشك فيه.
فوجب أتقبل شهادته؛ كالبصير. ولا سبيل إلى إنكار
(2)
حصول اليقين في بعض الأحوال.
قال قتادة: السمع قيافة كقيافة البصر.
إذا ثبت هذا فأنه لا يجوز أن يشهد إلا إذا علم صوت المشهود عليه يقينا.
فأن جوز الأعمى أن يكون صوب غيره لم يجز أن يشهد على الصوت؛ كما لو
اشتبه على البصير المشهود عليه فإنه لا يشهد.
(و) تصح شهادة الأعمى أيضا (بمرئيات: تحملها قبل عماه) إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وما يتميز به؛ لأن العمى فقد حاسة تخل بالتكليف. فلم تمنع قبول الشهادة؛ كالصمم فيما طريقه السمع.
(و) كذا (لو لم يعرف المشهود عليه إلا بعينه: إذا وصفه للحاكم بما يتميز به) في الأصح؛ لأن المقصود تميز المشهود عليه من
(3)
غيره وقد حصل. فوجب فبوله لذلك.
قال في " المقنع ": ويحتمل أن لا يجوز؛ لأنهذا مما لا ينضبط غالبا.
(وكذا) في الحكم: (إن تعذرت رؤية مشهود له، أو) مشهود (عليه، أو) مشهود (به لموت أوغيبة) فوصفه الشاهد للحاكم بما يتميز به.
قال في " الفروع ": قال شيخنا: وكذا أن تعذر رؤية العين المشهود لها أو
عليها أو بها لموت أوغيبة واقتصر عليه ولم يذكر ما يخالفه.
(1)
في ج: وكثر.
(2)
في ج: إمكان.
(3)
في أ: عن.
(والأصم كسميع فيما رآه) مطلقا؛ لأنه فيما رآه كغيره، (أو) فيما (سمعه قبل صممه) كغيره ممن ليس به صمم.
(ومن شهد بحق عند حاكم، ثم عمي أوخرس أوصم أوجن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته أنكان عدلا)؛لأن ما طرأ بعد أداء الشهادة معنى لا يقتضي تهمته في حال الشهادة فلم يمنع قبولها. ولا يقاس ذلك على الفسق فأنه يورث تهمة حال الشهادة.
(وأنحدث مانع) للشاهد: (من كفر، أوفسق، أوتهمة قبل الحكم: منعه) أي: منع الحكم بشهادته؛ لاحتمال وجود ذلك عند الشهادة وانتفاء ذلك
(1)
حال الشهادة شرط
(2)
لصحة الحكم. فوجب أن يمنعه.
(غير عداوة ابتدأها مشهود عليه: بأن قذف البينة، أو قاولها عند الحكومة)
فإن ذلك لا يمنع الحكم؛ لأنا لو منعنا الحكم بذلك لتمكن كل مشهود عليه من إبطال الشهادة عليه بابتداء عداوة الشاهد. فوجب أن لا يمنع لذلك.
قال في "الفروع": وإن شهد عنده ثم حدث مانع لم يمنع الحكم إلا فسق أو كفر أوتهمة، إلا عداوة ابتدأها المشهود عليه؛ كقذفه البينة، وكذا مقاولة وقت غضب ومحاكمة بدون عداوه ظاهرة سابقة.
قال في " الترغيب ": ما لم يصل إلى حد العداوة أو الفسق. وحدوث مانع
في شاهد أصل كحدوثه فيمن أقام الشهادة.
وفي " الترغيب ": إن كان بعد الحكم لم يؤثر. انتهى.
(وبعده) أي: وإن حدث المانع بعد الحكم وقبل استيفاء المحكوم به: (يستوفى مال) حكم به فقط، (لا حد مطلقا) أي: سواء كأن لله أو لآدمي؛ كحد قذف في الأصح، (ولا قود)؛ لأن ذلك إتلاف لا يمكن تلافيه.
(1)
في أ: ملك.
(2)
في أ: بشرط.
(وتقبل شهادة الشخص على فعل نفسه؛ كحاكم على حكمه بعد عزل
(1)
، وقاسم ومرضعة على قسمته وإرضاعها ولو بأجرة)؛لأن كلا ممن ذكرنا يشهد لغيره. فصح على فعل نفسه؛ كما لوشهد على فعل غيره.
ولحديث عقبة بن الحارث في الرضاع
(2)
. والباقي بالقياس عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
(1)
في ج: عزله.
(2)
سبق ذكره وتخريجه ص (453) رقم (2) و (3).
[باب: موانع الشهادة]
هذا (باب موانع الشهادة). الموانع: جمع مانع. وهو: اسم فاعل من منع الشيء، إذا حال بينه وبين مقصوده. فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودها. فإن المقصود من الشهادة قبولها والحكم بها.
(وهي) أي: موانع قبول الشهادة (سبعة:
أحدها: كون مشهود له يملكه) أي: يملك الشاهد له جميعه (أو بعضه)؛ لأن العبد يتبسط
(1)
في مال سيده، وتجب نفقته على سيده إن كان واحدا، أوعلى جميع المشتركين فيه، فهو كالأب مع ابنه.
(أو) كون مشهود له (زوجا) للشاهد (ولو في الماضي) يعني: ولو كانت شهادة أحد الزوجين للآخر بعد الطلاق البائن
(2)
أوالخلع.
قال في " التنقيح ": ولو بعد الفراق.
وقال في " المبدع ": وظاهره ولو بعد الفراق. انتهى.
ولعل ذلك؛ لتمكنه من بينونتها ثم تشهد في حال البينونة ثم يعيدها.
ومنع قبول شهادة أحد الزوجين على الأصح؛ لتبسط كل واحد منهما في مال الآخر، واتساعه بسعته، وإضافة مال كل واحد من الزوجين إلى الآخر. قال الله سبحاله وتعالى:[وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ][الأحزاب: 33]. وقال سبحانه وتعالى: [لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ][الأحزاب: 53] فأضاف البيوت إليهن تارة، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرى.
(1)
في ب: ينبسط.
(2)
ساقط من أ.
ولأن يسار الرجل يزيد في نفقة امرأته، ويسارها يزيد في قيمة بضعها المملوك لزوجها.
ولأن كل واحد منهما يرث الآخر من غير حجب. فأوجب التهمة في شهادته.
(أو) كون مشهود له (من عمودي نسبه) أي: نسب الشاهد؛ فلا تقبل شهادة والد لولده، ولا ولد لوالده على الأصح. وسواء في ذلك ولد البنين وولد البنات. وسواء في ذلك الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، وآباؤهما وأمهاتهما من قبل الأب والأم وإن علو. (ولو لم يجر) الشاهد بما شهد (به نفغا غالبا) للمشهود له؛ (كـ) ما لو شهد له (بعقد نكاح أوقذف).
وذكر الترمذي أن هذا قول أكثر العلم. وذلك؛ لما روى الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا ظنين في قرابة ولا ولاء "
(1)
. وفي إسناده يزيد بن زياد وهو ضعيف. قال الترمذي: لا يصح عندنا من قبل إسناده. ورواه الخلال بنحوه من حديث عمر وأبي هريرة.
والظنين: المتهم، وكل من الوالدين والأولاد متهم في حق صاحبه؛ لأنه يميل إليه بطبعه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " فاطمة بضعة
(2)
مني يريبني ما أرابها "
(3)
. وسواء اتفق دينهما أو اختلف.
(وتقبل) شهادة الشاهد (لباقي أقاربه؛ كأخيه وعمه).
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنشهادة الأخ
(4)
لأخيه جائزة.
(1)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(2298) 4: 546 كتاب الشهادات، باب ما جاء فيمن لا تجوز شهادته.
(2)
في ب: مضغة.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4932) 5: 2004 كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والأنصاف.
(4)
في أزيادة: مع قربه كان ذلك تنبيها. وسوف تأتى هذه العبارة بعد عدة أسطر.
روي ذلك عن ابن الزبير
(1)
. وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأصحاب الرأي؛ لعموم الآيات.
ولأنه عدل غير متهم. فتقبل شهادته له؛ كالأجنبي.
ولا يصح القياس على الوالد والولد؛ لأن بينهما بضعية
(2)
وقرابة قوية.
بخلاف الأخ. وأما العم ونحوه كالخال فإنه لما أجيزت شهادة الأخ مع قربه كان ذلك تنبيها على قبول شهادة من هو أبعد منه بطريق الأولى.
(و) تقبل شهادة العدل (لولده) من زنا ورضاع
(3)
، (ووالده من زنا ورضاع)
(4)
؛لعدم وجوب الإنفاق والصلة، وعتق أحدهما على صاحبه، وعدم التبسط في ماله. قاله القاضي وأصحابه والموفق وصاحب "الترغيب".
(و) تقبل (لصديقه وعتيقه ومولاه).وهذا قول عامة أهل العلم؛ لعموم الآيات.
ولأنه لا تهمة في ذلك.
ورده ابن عقيل بصداقة وكيدة، وعاشق لمعشوقه؛ لأن العشق يطيش.
(وإن شهدا) أي: شهد عدلان (على أبيهما بقذف ضرة أمهما وهي تحته)
أي: وأمهما تحت أبيهما، (أو) بـ (طلاقها: قبلا) في الأصح.
قال في " الفروع ": وأنشهدا على أبيهما بقذف ضوة أمهما وهي تحته أو
طلاقها فاحتمالان في "المنتخب".وفي "المغني" في الثانية وجهان في القذف بناء على أن جر النفع
(5)
للأم مانع. انتهى.
قال في " الإنصاف ": قطع الشارح بقبولها فيهما، وقطع الناظم بقبولها في
(1)
في: أبي الزبير.
(2)
في أ: بعضية.
(3)
في ج: أو رضاع.
(4)
في ج: أو رضاع.
(5)
في أ: المنفع.
الثانية. وفي " المغني ": في الثانية وجهان. قاله في " الفروع ".
قلت: قطع في " المغني " بالقبول في كتاب الشهادات عند قول الخرقي:
ولا تجوز شهادة الوالدين وإن علوا. انتهى.
(ومن ادعى على معتق عبدين: أنه غصبهما منه) أي: غصب العبدين اللذين أعتقهما، (فشهد العتيقان بصدقه) أي: صدق مدعي غصبهما: (لم تقبل) شهادتهما، (لعودهما) بقبولها (إلى الرق).
قال في " الإنصاف ": ذكره القاضي وغيره.
(وكذا لو شهدا) بعد عتقهما: (أن معتقهما كان حين العتق) أي: عتقه إياهما (غير بالغ، ونحوه)؛كشهادتهما أنه كان مجنونا حين عتقهما، (أو جرحا شاهدي حريتهما) فإن شهادتهما لا تقبل؛ لعودهما إلى الرق بذلك.
(ولو عتقا بتدبير أو وصية، فشهدا بدين)؛ كما لو شهدا بدين مستوعب للتركة، (أو
وصية مؤثرة في الرق: لم تقبل) شهادتهما؛ (لإقرارهما بعد الحرية برقهما لغير سيد).
قال في " الإنصاف ": ولا يجوز.
قلت: فيعايا بذلك كله. انتهى.
(الثانى) من موانع الشهادة: (أن يجر بها) أي: يجر الشاهد بشهادته (نفعا لنفسه؛ كشهادته) أي: شهادة
(1)
الإنسان (لرقيقه ولو) كان مأذونا له أو (مكاتبا)؛ لأن المكاتب رقيق، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:" المكاتب عبد ما بقي عليه درهم "
(2)
.
(أو) شهادته
(3)
(لمورثه بجرح قبل اندماله) فإنها لا تقبل؛ لأنه ربما
(1)
في ج: كشهادة.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3926) 4:20 كتاب العتق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت.
(3)
في ج: شهادة.
يسري الجرح إلى النفس. فتجب الدية للشاهد بشهادته، فيصير كأنه شهد لنفسه.
(أو) شهادته (لموصيه)
(1)
؛ لأنه ثبت له فيه حق التصرف فهو متهم في هذه الشهادة.
(أو) شهادته لـ (موكله فيما وكل فيه)؛ لأنه ثبت له فيه حق التصرف، حتى (ولو) كانت شهادة الوصي والوكيل (بعد انحلالهما) أي: انحلال الوصية والوكالة في الأصح.
قال في " الإنصاف ": ترد الشهادة من وصي ووكيل بعد العزل لموليه وموكله. على الصحيح من المذهب. انتهى.
ولعل ذلك: لوجود التهمة؛ لتمكنه من عزل نفسه ثم يشهد.
(أو) شهادته (لشريكه فيما هو شريك فيه).
قال في " المبدع ": لا نعلم فيه خلافا لاتهامه، وكذا المضارب بمال المضاربة. انتهى.
وإنما لم تقبل؛ لأنها شهادة لنفسه.
(أو) شهادة (لمستأجره بما استأجره فيه). نص عليه.
ومن أمثلة ذلك: ما لو استأجر إنسان قصارا على أن يقصر له ثوبا ثم نوزع في الثوب فشهد القصار أنه ملك لمن استأجره على قصارته فإنها لا تقبل.
(أو) شهادة ولي صغير أو مجنون أو سفيه لـ (من في حجره)؛ لأنها شهادة بشيء هو خصم فيه، فإنه الذي يطالب بحقوقهم ويخاصم فيها ويتصرف فيها. فلم تقبل شهادته بها؛ كما لو شهد بمال لنفسه.
ولأنه يأكل من أموالهم عند الحاجة فيكون متهما بالشهادة بها.
(أو) شهادة (غريم بمال لمفلس بعد حجر)؛ لتعلق حق غرمائه بماله
(1)
في ج: لوصيه.
بالحجر عليه، أو لمفلس مات، فأنه لو ثبت للمفلس أو للميت دين أو مال، تعلقت حقوقهم به فكأنهم شهدوا لأنفسهم.
(أو) شهادة
(1)
(أحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته)؛ لأنه متهم في ذلك بأخذ الشقص
(2)
كله بالشفعة.
فإن قيل: فلم قبلتم شهادة الوارث لمورثه مع أنه إذا مات ورثه فقد جر إلى
نفسه بشهادته نفعا.
قلنا: لا حق له في ماله حين الشهادة، وإنما يحتمل أن يتجدد له حق.
وهذا لا يمنع قبول الشهادة؛ كما لو شهد لامرأة يحتمل أن يتزوجها أو لغريم له بمال يحتمل أن يوفيه منه أو يفلس فيتعلق حقه به. وإنما المانع ما يحصل به نفع حال الشهادة.
فإن قيل: فقد منعتم شهادته لموروثه بالجرح قبل الاندمال لجواز أن يتجدد
له وإن لم يكن له حق في الحال، فإن قلتم: قد انعقد سبب حقه. قلنا: فالشاهد لموروثه المريض بحق، فإن شهادته تقبل مع انعقاد سبب استحقاقه بدليل أن عطيته له لا تنعقد، وعطيته لغيره تتوقف على الخروج من الثلث.
قلنا: إنما منعنا الشهادة لموروثه بالجرح؛ لأنه ربما أفضى إلى الموت به.
فتجب الديه للوارث الشاهد به ابتداء. فيكون شاهدا لنفسه، موجبا له بها حقا ابتداء. بخلاف الشاهد للمريض أو المجروح بمال فإنه إنما يجب للمشهود له.
ثم يجوز أن ينتقل ويجوز أن لا ينتقل. فلم لمنع الشهادة له؛ كالشهادة لغريمه.
فإن قيل: قد أجزتم شهادة الغريم لغريمه بالجرح قبل الاندمال كما أجزتم شهادته له بالمال.
قلنا: إنما أجزناها؛ لأن الدية لا تجب للشاهد إبتداء إنما تجب للقتيل أو لورثته ثم يستوفي الغريم منها. فأشبهت الشهادة بالمال.
(1)
في ب: شهادته.
(2)
في ج: الشخص.
(أو) شهادة (من له كلام أو استحقاق وإن قل) ذلك (في رباط أو مدرسة بمصلحة لها).
قال في " الإنصاف ": قال في " الفروع ": ظاهر كلام الأصحاب: عدم القبول ممن له الكلام في شيء، أويستحق منه، وإن قل نحو مدرسة ورباط.
قال الشيخ تقي الدين في قوم في ديوان أجروا شيئا: لا تقبل شهادة أحد منهم على مستأجره؛ لأنهم وكلاء أو ولاة.
قال: ولا شهادة ديوان الأموال السلطانية على الخصوم. انتهى.
(وتقبل) شهادة الوارث (لمورثه في مرضه بدين) في الأصح؛ لأن المانع من قبول الشهادة ما يحصل للشاهد به نفع حال أداء الشهادة، وهذا الذي يجوز أن ينتقل إلى الشاهد، ويجوز أن لا ينتقل. (وإن حكم بها) أي: بهذه الشهادة (ثم مات) المريض فانتقل الدين إلى الشاهد، (فورثه: لم يتغير الحكم)؛ لوقوعه صحيحا ولم يطرأ عليه ما يفسده.
ولأنه حكم ساغ فيه الخلاف. فلا ينقض؛ كسائر الأحكام.
الأمر (الثالث) من موانع قبول الشهادة: (أن يدفع بها) أي: يدفع الشاهد بشهادته (ضررا عن نفسه؛ كـ) شهادة (العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ)؛ لأنهم متهمون؛ لما في ذلك من دفع الدية عن أنفسهم. حتى ولو كان الشاهد بالجرح فقيرا أوبعيدا في الأصح؛ لجواز أن يؤسر أو يموت من هو أقرب منه.
(و) كشهادة (الغرماء بجرح شهود دين على مفلس)؛ لما في ذلك من توفير المال عليهم، وكشهادة الولى بجرج الشاهد على من في حجره، وكشهادة الشريك بجرج الشاهد على شريكه للتهمة.
(و) كشهادة (كل من لا تقبل شهادته له: إذا شهد بجرح شاهد عليه)؛ كالسيد يشهد بجرح من شهد على مكاتبه أوعبده يدين؛ لأنه متهم فيها؛ لما يحصل بها من دفع الضررعن نفسه. فكأنه شهد لنفسه.
وقد قال الزهري: مضت السنه في الإسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا
ظنين، والظنين: المتهم، وروى طلحة بن عبد الله بن عوف قال:" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا شهادة لخصم ولاظنين "
(1)
.
الأمر (الرابع) من موانع قبول الشهادة: (العداوة)، ويعتبر كونها (لغير الله) سبحانه و (تعالى، سواء كانت موروثة أو مكتسبة).
وفي " الترغيب ": ظاهره (كفرحه بمساءته، أوغمه بفرحه، وطلبه له الشر).
قال في " الفنون ".: اعتبرت الأخلاق فإذا أشدها وبالا الحسد.
وقال ابن الجوزي: الإنسان مجبول على حب الترفع على جنسه، وإنما يتوجه الذم إلى من عمل بمقتضى التسخط على القدر، أو ينتصب لذم المحسود. قال: وينبغي أن يكره ذلك من نفسه.
قال في " الفروع ": وذكر شيخنا أن عليه أن يستعمل معه التقوى والصبر، فيكره ذلك من نفسه ويستعمل معه الصبر والتقوى، وذكر قول الحسن: لا يضرك ما لم تعد به يدا أو لسانا. قال: وكثير ممن عنده دين لا يعين من ظلمه، ولا يقوم بما يجب من حقه، بل إذا ذمه أحد لم يوافقه، ولا يذكر محامده، وكذا لو مدحه أحد لسكت، وهذا مذنب في ترك المأمور لا معتد.
وأما من اعتدى بقول أو فعل فذاك يعاقب.
ومن اتقى وصبر نفعه الله بتقواه، كما جرى لزينب بنب جحش.
وفي الحديث: " ثلاثة لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة. وسأحدثكم بالمخرج من ذلك: إذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض ". انتهى.
(فلا يقبل) من شهد (على عدوه) في شيء (إلا في عقد نكاح). وتقدم ذلك في النكاح؛ لأن العدو متهم في حق عدوه وفاقا لمالك والشافعي.
(1)
أخرجه أبو داود في "المراسيل " ص: 203.
إذا علصت ذلك (فتلغو) الشهادة (من مقذوف على قاذفه، ومقطوع عليه الطريق على قاطعه) فلا تقبل شهادتهم إن شهدوا أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا أوعلى القافلة، بل على هؤلاء. وليس للحاكم أن يسأل هل قطعوها عليكم معهم أولم يقطعوها عليكم معهم، لأنه لا يبحث عما شهد به الشهود. وإن شهدت البينة أنهم
(1)
عرضوا لنا وقطعوا الطريق على غيرنا، ففي " الفصول ": تقبل.
قال: وعندي لا. يعني: لا تقبل.
(و) تلغوا الشهادة أيضا (من زوج) إذا شهد على امرأته (في زنا).
قال في " المغني ": لأنه يقر على نفسه بعداوته لها، لإفسادها فراشه.
(بخلاف) شهادته عليها في (قتل وغيره)؛كسرقة ومال؛ لما في ذلك من بيع آخرته بدنيا غيره فافترقا.
(وكل من) قلنا (لا تقبل شهادته له)؛كعمودي النسب ونحو ذلك ممن قلنا لا تقبل شهادته له (فإنها) أي: فإن شهادته (تقبل عليه)؛ لأنه لا تهمة.
فوجب أن تقبل عليه، كغيره.
الأمر (الخامس) من موانع الشهادة: (الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها، قبل الدعوى أوبعدها).
قال في " الإنصاف ": فائدتان:
إحداهما: قال في " الترغيب ": ومن موانع الشهادة: الحرص على أدائها
قبل استشهاد من يعلم بها، قبل الدعوى أوبعدها. فترد.
وهل يصير مجروحا بذلك؟ يحتمل وجهين.
وكذا ذكره في " الفروع " عن صاحب " الترغيب " وأقره عليه. ويستثنى من ذلك ما أشير إليه بقوله:
(إلا في عتق وطلاق، ونحوهما)؛ كظهار؛ لعدم اشتراط تقدم الدعوى على الشهادة بذلك.
(1)
في أوب: أنه.
الأمر (السادس) من موانع الشهادة: (العصبية. فلا شهادة لمن عرف بها وبالإفراط في الحمية).
قال في " الإنصاف " عن صاحب " الترغيب ": ومن موانعها العصبية. فلا شهادة لمن عرف بها، وبالإفراط في الحمية؛ كتعصب قبيلة على قبيلة وإن لم يبلغ رتبة العداوة. انتهى.
واقتصر عليه في " الفروع ".
وقال في " الرعايتين " و " الحاوي ": ومن حرص على شهادة لم يعلمها، وأداها قبل سؤاله: ردت، إلا في عتق وطلاق ونحوهما من شهاده الحسبة.
قلت: والصواب عدم قبولها مع العصبية خصوصا في هذه الأزمنة. وهو في بعض كلام ابن عقيل. لكنه قال: في حيز العداوة. انتهى كلامه في "الإنصاف ". الأمر (السابع) من موانع الشهادة: (أن ترد) شهادة شاهد (لفسقه ثم يتوب، ويعيدها فلا تقبل للتهمة) فى أدائها؛ لكونه يعير بردها. فربما قصد بأدائها أن تقبل لإزالة العار الذي يلحقه بردها.
ولأنها ردت باجتهاد فقبولها نقض لذلك الاجتهاد.
وعنه: تقبل. حكاها في " الرعاية ".
(ولو لم يؤدها حتى تاب: قبلت)؛ لأن التهمة إنما كانت من أجل العار الذي يلحقه في الرد وهو منتف هنا.
(ولو شهد) إنسان حال كونه (كافرا، أو) شهد حال كونه (غير مكلف، أو) شهد حال كونه (أخرس، فزال ذلك) المانع، بأن أسلم الكافر، أو بلغ الصغير، أو زال الخرس، (وأعادوها) بعد ذلك:(قبلت)؛ لأن رد الشهادة في الحالات المذكورة لا غضاضة فيها فلا تقع تهمة في إعادة الشهادة. بخلاف المسألة التي قبلها.
(لا إن شهد) إنسان (لمورثه بجرح قبل برئه) فردت، (أو) شهد إنسان (لمكاتبه) بشيء فودت، (أو) شهد شريك (بعفو شريكه في شفعة عنها)
أي: عن شفعته
(1)
(فردت) شهادته، (أو ردت)؛ لكونها (لدفع ضرر، أو جلب نفع، أوعداوة فبرأ مورثه) من الجرح، (وعتق مكاتبه، وعفا الشاهد عن شفعته، وزال المانع ثم أعادوها) فإنها لا تقبل في الأصح؛ لأن ردها كان باجتهاد الحاكم. فلا ينقض بالاجتهاد
(2)
الثانى.
ولأنها ردت للتهمة. أشبهت المردودة للفسق.
(ومن شهد بحق مشترك بين من ترد شهادته له وأجنبى ردت).نص عليه؛ (لأنها) أي: الشهادة (لا تتبعض في نفسها).
وقيل: تصح للأجنبي. والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
(1)
في ج: الشفعة.
(2)
في ج: اجتهاد.
[باب: أقسام المشهود به]
هذا (باب أقسام المشهود به) من جهة عدد الشهود؛ لأن عدد الشهود يختلف باختلاف المشهود به. قال الله سبحانه وتعالى: [وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ][البقرة: 282]. وهذا في الأموال.
وقال في الزنا: [لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ][النور: 13].فدل هذا على اعتبار العدد في الجملة.
(وهي) أي: وأقسامه (سبعة:
أحدها: الزنا. وموجب حده)؛كاللواط. (فلا بد) في ثبوته (من أربعة رجال) عدول ظاهرا وباطنا (يشهدون به) أي: بالزنا أو اللواط، (أو أنه) أي: المشهود عليه بذلك (أقر أربعا) أي: أربع مرات بذلك على الأصح؛ لقوله سبحانه وتعالى: [لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ][النور: 13].فجعلهم كاذبين إذ لم يأتوا بالأربعة. فوجب أن لا تقبل الثلاثة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أثبت كونهم كاذبين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية:"أربعة شهداء وإلا حد في ظهرك "
(1)
.
وأما اعتبار الأربعة في الإقرار بالزنا؛ فلأنه إثبات للزنا. فاعتبر فيه أربعة؛ كشهود الفعل.
القسم (الثاني: إذا ادعى من عرف بغنى: أنه فقير) ليأخذ الزكاة، (فلا بد من ثلاثة رجال). وتقدم دليل ذلك في باب ذكر أهل الزكاة.
(1)
أخرجه الترمذي في"جامعه"(3179) 5: 331 كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النور.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2067) 1: 668 كتاب الطلاق، باب اللعان.
القسم (الثالث: القود) أي: ما يوجبه، (والإعسار، ووطء يوجب التعزير).
قال ابن نصر الله عند قول صاحب " الفروع": ومن عزر بوطء فرج ثبت برجلين، وقيل: أربعة: يدخل في هذا مني وطئ زوجته في حيض، أو إحرام، أو صوم، أو واطئ البهيمة
(1)
ونحو ذلك. فأما إن
(2)
كان الوطء مباحا لا يوجب حدا ولا تعزيرا؛ كوطء الرجل أمته أو زوجته إذا احتاج إلى إثبات ذلك فالظاهر أن حكمه كذلك. وهو: أن يثبت برجلين؛ لأنه لا يوجب حدا وليس مما يختص به النساء غالبا حتى يكتفى فيه بامرأة. ولم أجد هذه المسألة في كلام الأصحاب مصرحا بها. انتهى.
(وبقية الحدود)؛ كحد القذف وحد الشرب (فلا بد من رجلين).
وعنه: لا يقبل في القود إلا أربعة.
والأول المذهب؛ لأنه أحد نوعي القصاص. فيقبل فيه اثنان؛ كقطع الطرف.
وأما كونه لا يقبل فيه شهادة النساء؛ فلأن الشهادة بذلك شهادة بما يحتاط فيه ويسقط بالشبهة. فلم يقبل فيه شهادة النساء؛ لنقصهن بدليل قوله سبحانه وتعالى: [أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى][البقرة: 282].
ولأنه لا تقبل شهادتهن منفردات وإن كثرن.
(ويثبت القود بإقرار مرة).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.
وعنه: أربع.
نقل حنبل: يردد، ويسأل عنه لعل به جنونا أوغير ذلك، على ما ردد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.
(1)
في ب: وواطئ البهيمة.
(2)
في ج: إذا.
القسم (الرابع: ما ليس بعقوبة ولا مال، ويطلع عليه الرجال غالبا؛ كنكاح ورجعة، وخلع وطلاق، ونسب وولاء. وكذا توكيل وإيصاء في غير مال فـ) إن حكم ذلك (كالذي قبله) على الأصح؛ لأنه ليس بمال، ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال. فلم يكن للنساء في شهادته مدخل؛ كالحدود والقصاص.
قال القاضي: المعول عليه في المذهب أن هذا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال.
وقد نص أحمد رحمه الله في رواية الجماعة على أنه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق.
وقد نقل عن أحمد
(1)
في الوكالة: إن كانت بمطالبة دين- يعني: تقبل فيها شهادة رجل وامرأتين- فأما غير ذلك فلا.
ووجه ذلك: أن الوكالة في اقتضاء الدين يقصد منها المال. فيقبل فيها شهادة رجل وامرأتين؛ كالحوالة.
القسم (الخامس: المال، وما يقصد به المال؛ كقرص، ورهن، ووديعة، وغصب، وإجارة، وشركة، وحوالة، وصلح، وهبة، وعتق، وكتابة، وتدبير، ومهر وتسميته، ورق مجهول، وعارية، وشفعة، وإتلاف مال وضمانه)، وعلى الأصح (وتوكيل) فيه (وإيصاء فيه، ووصية به لمعين ووقف عليه، وبيع وأجله وخيار، وجناية خطأ وعمدا: لا توجب قودا بحال، أو توجب مالا وفي بعضها قود؛ كمأمومة وهاشمة ومنقلة، له قود موضحة في ذلك، وفسخ عقد معاوضة، ودعوى قتل كلافر لأخذ سلبه، ودعوى أسير تقدم إسلامه لمنع رقه، ونحوه) أي: ونحو ذلك مما يقصد به المال؛ لأن المال لما انحطت رتبته عن غيره من الأشياء المشهود بها لكونه يدخله البدل والإباحة وتكثر
فيه المعاملة، وهو مما يطلع عليه النساء والرجال وسع الشرع باب ثبوته.
إذا علمت ذلك: (فيثبت المال برجلين، ورجل وامرأتين)؛ لقوله سبحانه
(1)
في ج: حنبل.
وتعالى: [فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ][البقرة: 282].وسياق الآية يدل على اختصاص ذلك بالأموال. والإجماع منعقد على ذلك.
(و) يثبت المال أيضا (برجل ويمين)؛ لما روى ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد "
(1)
.رواه أحمد وابن ماجه والترمذي. وأحمد في رواية:
"إنما ذلك في الأموال"
(2)
.
وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد "
(3)
.رواه أحمد وابن ماجه والترمذي.
ولأحمد من حديث عمارة بن حزم وحديث سعد بن عبادة مثله
(4)
.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق "
(5)
.
و" قضى به علي رضي الله تعالى عنه بالعراق "
(6)
.رواه أحمد والدارقطني وذكره الترمذي.
وعن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين
(1)
أخرجه الترمذي في "جامعه "(1344) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في اليمين مع الشاهد، عن جابر.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2370) 2: 793 كتاب الاحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(2970) 1: 323.
(2)
هو جزء من الحديث السابق عند أحمد.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1344) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في اليمين مع الشاهد.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه "(2369) 2: 793 كتاب الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين.
وأخرجه أحمد فى " مسنده "(14292) 3: 305.
(4)
أخرجه أحمد في " مسنده "(22513) 5: 285.
(5)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى "10: 170 كتاب الشهادات، باب القضاء باليمين مع الشاهد.
(6)
أخرجه أحمد في " مسنده "(14292) 3: 305.
وأخرجه الدارقطنى في " سننه "(29) 4: 212 كتاب الأقضية والأحكام.
وذكره الترمذي في " جامعه "3: 628 كتاب الأحكام، باب ما جاء في اليمين مع
الشاهد.
مع الشاهد الواحد "
(1)
. رواه ابن ماجه والترمذي وأبو داود.
وهذا الحديث هو الذي كان سهيل يقول: حدثني ربيعة عني أنى حدثته؛ لأنه كان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه. وهذا الحديث يروى عن ثمانية من الصحابة على وابن عباس وأبي هريرة وجابر وعبد الله بن عمر وأبي وزيد بن ثابت وسعد بن عبادة، وعن عمارة بن حزم أيضا كما سبق.
ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه وقوي جانبه ولذلك شرعت في حق
صاحب اليد والمنكر، لقوة جانبهما. فصاحب اليد بالتصرف، والمنكر لموافقة الأصل، والمدعي هاهنا قوي جانبه بالشاهد وظهر صدقه. فوجب أن يشرع اليمين في حقه لذلك. وسواء كان المدعي مسلما أو كافرا، رجلا أو امرأة؛ لأن من شرعت اليمين في حقه لا يختلف حكمه باختلاف هذه الأوصاف كالمنكر.
(لا) بشهادة (امرأتين ويمين) يعني: أنه لا يثبت المال بشهادة امرأتين ويمين مكان رجل ويمين في الأصح، لأن النساء لا تقبل شهادتهن في الأموال منفردات. ولهذا لو شهد أربع نسوة لم يقبلن
(2)
. فكذلك هاهنا.
(ويجب تقديم الشهادة) أي: شهادة الرجل الواحد (عليه) أي: على الحلف
(3)
؛ لأن اليمين إنما شرعت في حق من قوي جانبه، ولا يقوى جانب المدعي إلا بشهادة الشاهد قبل حلفه. ولا يشترط أن يقول المدعي في حلفه: وأن شاهدي صادق في شهادته في الأصح، لأنه لا يعتبر يمين المشهود له في ثبوت شهادة الشاهد. ولذلك لو طلب المشهود عليه ذلك لم يلزمه أن يجيبه. وقد ثبتت
(4)
شهادة الشاهد هاهنا. فلم يجب حلف المشهود له على صحتها؛ كما لو كان مع الشاهد غيره.
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه "(3610) 3: 309 كتاب الأقضية، باب القضاء باليمين والشاهد.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1343) 3: 492 الموضع السابق.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه "(2368) 2: 793 كتاب الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين.
(2)
في ج: يقبلهن.
(3)
في ج: الحالف.
(4)
في ج: ثبت.
(ولو نكل عنه) أي: عن الحلف (من أقام شاهدا) واحدا: (حلف مدعى عليه، وسقط الحق. فإن نكل) المدعى عليه عن الحلف (حكم عليه) بالنكول. نص عليه. ولا ترد اليمين على المدعي؛ لأنها كانت في جنبته وقد أسقطها بنكوله عنها وصارت في جنبة غيره. فلم تعد إليه؛ كالمدعى عليه إذا نكل عنها.
(ولو كان لجماعة حق بشاهد) واحد (فأقاموه. فمن حلف: أخذ نصيبه)؛ لكمال النصاب من جهته. (ولا يشاركه) فيما يأخذه (من لم يحلف)؛ لأنه لاحق له فيه؛ لأنه لم يجب له شيء قبل حلفه. (ولاتحلف ورثة ناكل) أقام شاهدا ونكل عن اليمين مع شاهده ثم مات، إلا أن يموت قبل امتناعه من الحلف فيحلف وارثه ويأخذ ما شهد به الشاهد.
القسم (السادس) من أقسام المشهود به: (داء دابة وموضحة، ونحوهما)؛ كداء بالعين. (فيقبل) في ذلك (قول طبيب) واحد، (وبيطار واحد)، وكحال واحد؛ (لعدم غيره في معرفته) أي: معرفة ما تقدم ذكره ونحوه. نص أحمد على ذلك؛ لأن ما يقوله الطبيب أوالبيطار
(1)
[أو الكحال]
(2)
في ذلك حكم يخبر به عن بصره واجتهاده. فوجب قبول قوله وإن كان واحدا؛ كالقاضي يخبر عن حكمه في غير ذلك. واطلق في
" الروضة " قبول الواحد.
(فإن لم يتعذر) بأن كان بالبلد أكثر من واحد يعلم ذلك: (فاثنان) يعني: فلا يثبت ذلك إلا بشهادة طبيبين، أو بيطارين، أوكحالين.
(وإن اختلفا) بأن قال أحدهما بوجود الداء، وقال الآخر بعدمه:(قدم قول مثبت) على قول ناف؛ لأنه يشهد بزيادة لم يدركها النافي.
القسم (السابع) من أقسام المشهود به: (ما لا يطلع عليه الرجال غالبا؛
(1)
في ب: والبيطار.
(2)
ساقط من أوب.
كعيوب النساء تحت الثياب، والرضاع والاستهلال، والبكارة والثيوبة، والحيض ونحوه) فيدخل في ذلك البرص في الجسد تحت الثياب، والرتق والقرن والعفل ونحو ذلك، (وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس، ونحوهما مما لا يحضره رجال. فيكفي فيه امرأة عدل) على الأصح. (والأحوط اثنتان)؛ لما روى حذيفة " أن النبي أجاز شهادة القابلة وحدها "
(1)
. ذكره الفقهاء في كتبهم.
وروى أبو الخطاب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" يجزئ في الرضاع شهادة امرأة واحدة ".
ولأن ذلك معنى يثبت بقول النساء المنفردات
(2)
.فلا يشترط فيه العدد؛ كالرواية وأخبار الديانات.
(وإن شهد به) أي: بما يقبل فيه شهادة المرأة الواحدة (رجل) واحد، (فأولى) أي: فالاكتفاء بقبوله فيه أولى؛ (لكماله) أي: لأنه أكمل من المرأة.
ولأن كل ما يقبل فيه قول المرأة يقبل فيه قول الرجل؛ كالرواية.
* * *
(1)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى " 10: 151 كتاب الشهادات، باب ما جاء فى عددهن.
(2)
في ج: المفردات.
[فصل: مسائل في الشهادة]
(فصل. ومن ادعت إقرار زوجها بأخوة رضاع) أي: بأن زوجته أخته من الرضاع، (فأنكر) ذلك الإقرار:(لم يقبل فيه) أي: في ثبوته (إلا رجلان)؛ لأن الإقرار بذلك ليس بمال ولا يقصد به المال، ومما يطلع عليه الرجال في غالب الأحوال.
(وإن شهد بقتل العمد رجل وامراتأن: لم يثت شيء) يعني: لا قصاص ولا دية على الأصح؛ لأن قتل العمد يوجب القصا ص، والمال بدل منه. فإذا لم يثبت الأصل لم يجب بدله. وإن قلنا موجبه أحد شيئين لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار. فلو أوجبنا بذلك الدية أوجبنا معينا بدون الاختيار.
ومن ادعى على رجل أنه ضرب أخاه بسهم عمدا فقتله ونفذ إلى أخيه الآخر فقتله خطأ، وأقام بذلك شاهدا وامرأتين أوشاهدا وحلف معه ثبت قتل الثانى لأنه خطأ موجبه المال
(1)
ولم يثبت قتل الأول؛ لأنه عمد موجب للقصاص.
(وإن شهدوا) أي: الرجل والمرأتان (بسرقة: ثبت المال)؛ لكمال بينته (دون القطع)؛ لأن السرقة توجب المال والقطع. فإذا قصرت عن أحدهما ثبت الآخر. (ويغرمه ناكل) يعني: أنه متى ادعى إنسان على آخر بسرقة فأنكر فالتمس يمينه فنكل عن اليمين غرم المال، ولا يلزمه قطع؛ لأنه لا يقضى بنكول في غير المال.
(وإن ادعى زوج خلعا) أي: عوضا في خلع: (قبل فيه رجل وامرأتان، أو) رجل (ويمينه)؛ لأنه يدعي بالمال الذي خالعته به زوجته. (فيثبت العوض) بشهادة الرجل والمرأتين، (وتبين بمجرد دعواه).ذكره أصحابنا.
(1)
في ج: أنه خطأ موجب للمال.
(وإن ادعته) أي: ادعت الخلع المرأة: (لم يقبل فيه إلا رجلان)؛لأنها لا تقصد بذلك إلا الفسخ ولا يثبت إلا بعدلين.
(ومن أقامت رجلا وامرأتين) فشهدوا
(1)
على رجل (بتزوجها بمهر) معين: (ثبت المهر) دون النكاح؛ لأن النكاح حق للرجل. فلا يصح إقامة البينة به من قبل المرأة ولا الدعوى به منها، إلا لإثبات مهرها.
(ومن حلف بطلاق: ما سرق أو ما غصب، ونحوه)؛ كما لو حلف بالطلاق ما باع، أوما اشترى، أوما وهب، أوما قتل، (فثبت فعله) أي: فعل ما حلف على عدمه (برجل وامرأتين، أو) برجل (ويمين: ثبت المال ولم تطلق) زوجته في الأصح؛ لأنه لم تكمل البينة المثبتة للطلاق.
(وإن شهد رجل وامرأتان لرجل): أن فلانة أم ولده وولدها منه، (أو) شهد له (رجل وحلف معه: أن فلانة أم ولده، وولدها منه قضي له بها) أي: بالجارية (أم ولد)؛ لأن أم الولد مملوكه. ولهذا يملك وطئها وإجارتها وتزويجها، ويثبت له حكم الاستيلاد
(2)
بإقراره؛ لأن إقراره نافذ في ملكه. والملك يثبت بشهادة الرجل والمرأتين والشاهد واليمين. (ولا تثبت حرية ولدها ولا نسبه) من المدعي على الأصح؛ لأنه لم يدع الولد ملكا وإنما يدعي حريته ونسبه، وهذان لا يثبتان بهذه البينة.
فعلى هذا يقر الولد في يد المنكر مملوكا له.
(ولو وجد على دابة مكتوب: حبيس في سبيل الله) حكم بأنها حبيس.
قال في " المغني " في كتاب الجهاد: وإن وجد شيء موسوم عليه حبيس في سبيل الله رد كما كان. نص عليه أحمد. وبه قال الأوزاعي والشافعي. انتهى.
(أو) وجد (على أسكفة
(3)
دار) مكتوب: وقف، أومكتوب: مسجد،
(1)
في ج: يشهدوا.
(2)
في أ: الاستيلاء.
(3)
في ج: أسقفة.
(أو) وجد على (حائطها) أي: حائط دار مكتوب (وقف أو مسجد حكم به) أي: حكم بأن الدار وقف أو مسجد بمقتضى الكتابة المذكورة. ذكر ذلك ابن القيم في كتابه "الطرق الحكمية ".
قال في " التنقيح ": نصا. وصرح به الحارثي في الثانية. انتهى.
(ولو وجده) أي: وجد الحاكم مكتوبا (على كتب علم في خزانة مدة طويلة): هذا وقف: (فكذلك) يعني: فإنه يحكم بوقفيتها.
(وإلا) أي: وإن لم تكن مدتها طويلة (عمل بالقرائن) فيتوقف حتى تظهر له قرينة فيعمل بمقتضاها.
قال في " التنقيح " ذكره ابن القيم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *
[باب: الشهادة على الشهادة]
هذا (باب الشهادة على الشهادة، و) باب (الرجوع عنها) أي: عن الشهادة، (و) باب (أدائها) أي: الألفاظ التي يحصل بها أداء الشهادة.
قال جعفر بن محمد: سمعت أحمد يسأل عن الشهادة على الشهادة فقال
(1)
: هي جائزة. وكان قوم يسمونها التأويل.
والأصل فيها الإجماع.
قال أبو عبيد: أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال.
والمعنى شاهد بذلك، والحاجة داعية إليها، لأنه
(2)
لما كانت الشهادة وثيقة مستدامة لحفظ الأموال والاحتياط في تحصيلها؛ لأنه ربما مات المقر بها فتعذر
(3)
الرجوع إلى إقراره واستيفاء الحق ممن هو عليه جوز الإشهاد عليه لهذا المعنى. وقد يطرأ على الشاهد من اخترام المنية
(4)
، والعجز عن الشهادة بغيبة أومرض أونسيان، وما أشبه ذلك ما يوجب ضياع حق المشهود له، فاستدرك ذلك بتجويز الإشهاد على الشاهد؛ لتدوم الوثيقة بذلك، ولا يضيع الحق على مستحقه.
ولأن من الحقوق ما يحتاج فيه إلى التأبيد مثل: الوقوف الدارة على أهلها.
فلو لم تجز الشهادة على الشاهد ربما أدى إلى تلفها، لأن الشاهد لا يعيش أبدا.
(1)
في ج: قال.
(2)
في ج: لأنها.
(3)
في ج: فيتعذر.
(4)
في أ: احترام الميتة.
فاقتضت هذه المصلحة قبول الشهادة على الشهادة كالأصل.
ثم اعلم أنها (لا تقبل الشهادة على الشهادة إلا يثمانية شروط).
قال ابن نصر الله: فائدة لخصتها من كلام الأصحاب يشترط لقبول شهادة الفرع ثمانية شروط:
الأول: كونها في حق الله تعالى على الصحيح.
الثانى: تعذر شهود الأصل.
الثالث: استرعاؤهم لشهود الفرع.
الرابع: أن يؤدي شاهد الفرع ما يحمله على صفته وكيفيته.
الخامس: أن يعين شهود الأصل.
السادس: ثبوت عدالة شهود الأصل والفرع.
السابع: دوام تعذر الأصول إلى صدور الحكم.
الثامن: دوام عدالة الأصول والفروع إلى صدور الحكم. انتهى.
ونحن نمشي على ذلك مفصلا على ترتيب المتن:
(أحدها) أي: أحد الشروط. (كونها) أي: كون الشهادة على الشهادة (في حق: يقبل فيه كتاب قاض لقاض)
(1)
. والذي يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي حقوق الآدميين دون حقوق الله سبحانه وتعالى؛ لأن الحدود
(2)
مبنية على الستر والدرء بالشبهات والإسقاط بالرجوع عن الإقرار. والشهادة على الشهادة فيها شبهة فإنها
(3)
يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع مع احتمال ذلك في شهود الأصل، وهذا احتمال زائد لا يوجد في شهود الأصل. وهو معتبر بدليل أنها لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل. فوجب أن لا يقبل فيما يندرء بالشبهات.
(1)
في ج: قاضي إلى قاض.
(2)
في ج: الحقوق.
(3)
في ج: فإنه.
ولأنها إنما تقبل للحاجة ولا حاجة إليها في الحد؛ لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه.
ولأنه لا نص فيها ولا يصح قياسها على الأموال؛ لما بينهما من الفرق في الحاجة والتساهل فيها. ولا يصح قياسها على شهادة الأصل لما ذكرنا.
الشرط (الثاني: تعذر) شهادة (شهود الأصل بموت)، وعلى الأصح:
(أو مرض، أو خوف من سلطان أوغيره، أوغيبة مسافة قصر)؛ لأنه إذا أمكن الحاكم أن يسمع شهاده شاهدي الأصل استغنى عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع، وكان أحوط للشهادة. فإن سماعه من شهود الأصل معلوم، وصدق شاهدي الفرع عليهما مظنون، والعمل باليقين مع إمكانه أولى من اتباع الظن.
ولأن شهادة الأصل تثبت نفس الحق، وشهادة الفرع إنما تثبت الشهادة عليه.
الشرط (الثالث: دوام تعذرهم) أي: تعذر شهود الأصل (إلى صدور الحكم)؛ لأن الشرط الذي هو تعذر الأصول زال.
إذا علمت ذلك (فمتى أمكنت شهادتهم) أي: شهادة شهود الأصل (قبله) أي: قبل الحكم: (وقف) الحكم (على سماعها)؛ كما لو كانوا حاضرين أصحاء.
الشرط (الرابع: دوام عدالة) شاهدي (أصل و) شاهدي (فرع إليه) أي: إلى صدور الحكم. (فمتى حدث قبله) أي: قبل الحكم بشهادة شاهدي الفرع (من أحدهم) أي: أحد شهود الأصل والفرع (ما يمنع قوله) من فسق وجنون ونحوهما: (وقف) الحكم؛ لأنه مبني على شهادة الجميع.
وقد علم مما تقدم أنه يشترط استمرار عدالة الشهود إلى صدور الحكم. فإذا فقد شرط الصحة قبل وجود المشروط وقف الحكم
(1)
.
الشرط (الخامس: استرعاء) شهود (الأصل) شهود (الفرع، أو) أن يسترعوا (غيره) وهو: أن يسترعي شاهد الأصل إنسانا غير شاهد الفرع،
(1)
ساقط من أوب.
(وهو) أي: وشاهد الفرع (يسمع) استرعاء شاهد الأصل ذلك الإنسان.
وأصل الاسترعاء من قول المحدث لمن يحدثه: أرعني
(1)
سمعك يريد: اسمع مني. وصفة الاسترعاء ما أشير إليه بقوله:
(فيقول) شاهد الأصل لشاهد الفرع: (اشهد على شهادتي) أنى أشهد،
(أو) يقول له: (اشهد أني أشهد: أن فلانا بن فلان، وقد عرفته، أشهدنى على نفسه، أو) يقول: (شهدت عليه، أو) يقول: (أقر عندي بكذا.
وإلا) أي: وإن لم يسترعه: (لم يشهد)؛لأن الشهادة على الشهادة فيها معنى النيابة ولا ينوب عنه إلا بإذنه.
(إلا إن سمعه) أي: سمع شاهد الفرع شاهد
(2)
الأصل (يشهد عند حاكم، أو يعزوها) أي: يعزو شهادته (إلى سبب؛ كبيع وقرض ونحوهما) فيشهد على شهادته على الأصح؛ لأنه بالشهادة عند الحاكم وبنسبة الحق إلى سببه يزول الاحتمال. أشبه ما لو استرعاه.
الشرط (السادس: أن يؤديها) أي: يؤدي الشهادة (الفرع بصفة تحمله).
قال في " الفروع ": ويؤديها الفرع بصفة تحمله. ذكره جماعة. قال في" المنتخب " وغيره: وإلا لم يحكم بها. وفي " الترغيب ": ينبغي ذلك. انتهى.
(وتثبت شهادة شاهدي الأصل بفرعين، ولو على كل) شاهد (أصل) شاهد (فرع) على الأصح. نص عليه؛ كما لو شهدا بنفس الحق.
ولأن شهود الفرع بدل من شهود الأصل. فاكتفي بمثل عددهم.
ولأن شاهدي الفرع لا ينقلان عن شاهدي الأصل حقا عليهما. فوجب أن
يقبل في كل واحد قول واحد؛ كأخبار الديانات فإنهما إنما ينقلان الشهادة
(1)
في أ: أوعني.
(2)
في ج: شاهدي.
وليست حقا عليهما. ولهذا لو أنكراهما لم يعد الحاكم عليهما ولم يطلبها منهما.
وقال أبو عبد الله ابن بطة: لا تثبت حتى يشهد أربعة على كل شاهد أصل شاهدا
(1)
فرع.
(ويثبت الحق) أيضا (بـ) شهادة (فرع) واحد (مع أصل آخر)، لأن شاهد الفرع بدل من شاهد الأصل فيكفي في عددهما ما يكفى في شهادة الأصل.
(ويصح تحمل فرع على فرع).
قال في " الفروع " في باب حكم كتاب القاضي إلى القاضي: يؤيده قولهم في؛ التعليل: أن الحاجة داعية إلى ذلك وهذا موجود في فرع الفرع. انتهى.
وقال في باب الشهادة على الشهادة: وهل يتحمل فرع على فرع؟ تقدم في أول كتاب القاضي [إلى القاضي]
(2)
. انتهى.
(و) يصح (أن يشهد النساء في أصل وفرع، و) في (فرع فرع) على الأصح، لأن المقصود بشهادتهن إثبات الحق الذي يشهد به شهود الأصمل فيدخل النساء فيه.
إذا علمت ذلك (فيقبل رجلان على رجل وامرأتين، و) يقبل (رجل وامرأتان على مثلهم أوعلى رجلين أصلين أو فرعين، و) تقبل (امرأة على امرأة فيما تقبل فيه المرأة) الواحدة وتقدم
(3)
.
وقال القاضي: لا تجوز شهادة رجلين على رجل وامرأتين. نص عليه أحمد.
قال أبو الخطاب: وفي هذه الرواية سهو من ناقلها، لأنه إذا قبل شهادة امرأة على مثلها. فلأن يقبل شهادة رجل على امرأة بطريق الأولى؛ لأن الرجل أحسن حالا منها.
ولأن ناقل هذه الرواية دال فيها: أقبل شهادة رجل على شهادة رجلين وهذا مما لا وجه له.
(1)
في ج: شاهدى أصل شاهدي.
(2)
زيادة من ج.
(3)
زيادة من ج.
الشرط (السابع: تعيين) شاهدي (فرع لأصل) أي: لشاهدي الأصل.
قال في " الفروع ": ويعتبر تعيينهم لهم.
قال القاضي: حتى لو قال تابعيان: أشهدنا صحابيان لم يجز حتى يعيناهما. انتهى.
الشرط (الثامن: ثبوت عدالة الجميع) أي: عدالة شهود الأصل وشهود الفرع؛ لأنهما شهادتان. فلا يحكم بهما بدون عدالة الشهود.
قال في " شرح المقنع ": لأن الحكم ينبني على الشهادتين جميعا. فاعتبرت الشروط في كل واحدة منهما. ولا نعلم في هذا خلافا. فإن عدل شهود الأصل شهود الفرع فشهدا بعدالتهما وعلى شهادتهما جاز بغير خلاف نعلمه.
وإن شهدا بعدالتهما جاز ويتولى الحاكم ذلك، فإذا
(1)
علم عدالتهما حكم وإن لم يعرفهما بحث عنهما. انتهى.
(ولا يجب على) شهود (فرع تعديل) شهود (أصل)؛ لأنه يجوز أن لا يعرفهما فيرجع في ذلك إلى بحث الحاكم. ويجوز أن يعرفا عدالتهما ويتركاها اكتفاء بما ثبت عند الحاكم من عدالتهما.
(وتقبل به) يعني: أنه تقبل شهادة الفرع بتعديل أصله. وتقدمت الإشارة إلى ذلك. (وبموته، ونحوه)؛ كمرضه وغيبته يعني: أنه تقبل شهاده الفرع بموت أصله وتعذر حضوره.
قال ابن نصر الله في "حواشي الفروع " عند قوله: ولا يجب على الفروع تعديل أصولهم: ويقبل. أي: ويقبل تعديلهم لهم إن عدلوهم. وصرح به في "الرعاية " وقال: وفيه نظر، وكذا شهادتهم بموت أصولهم أوغيبتهم أو مرضهم. ولم أجده في كلام الأصحاب، لكنه قياس القول بقول تعديلهم لهم.
[وتوقف
(2)
فيه قاضي القضاة علاء الدين بن المغلي. انتهى.
(1)
في ج: فإن.
(2)
في ب: ووافق.
(لا تعديل شاهد لرفيقه).
قال ابن نصر الله عند قول صاحب " الفروع ": ولا يزكي أصل رفيقه: يريد بالأصل كل من صلح كونه أصلا برجوع فرع له، سواء كان أصلا أو فرعا فإن الفرع أصل بالنسبة إلى من قد يشهد على شهادته. ولو قيل: ولا يزكي شاهد رفيقه كان أبين]
(1)
. ووافق فيه قاضي القضاة علاء الدين بن مغلي. والمراد منع تزكيته له بعد شهادتهما. فلو كان قد زكاه قبل ذلك ثم شهدا
(2)
قبلت شهادتهما؛ لانتفاء التهمة إذا. ولم أجد ذلك مصرحا به ولكنه مفهوم من قولهم: رفيقه، إذ المراد رفيقه في شهادته. انتهى.
(ومن شهد له شاهدا فرع على أصل) واحد، (وتعذر الآخر) أي: شهادة الأصل الآخر أوالشهادة على شهادته: (حلف) المشهود له على استحقاق ما شهد له به، (واستحقـ) ـه. ذكره في " التبصرة " واقتصر عليه في " الفروع ".
(وإذا أنكر الأصل شهادة الفرع: لم يعمل بها).
قال في " الفروع ": وأطلق جماعة إذا انكر الأصل شهادة الفرع لم يعمل بها؛ لتأكد الشهادة. بخلاف الرواية. انتهى.
(ويضمن شهود الفرع) المحكوم بتلف شهادتهم (برجوعهم بعد الحكم)؛ لأن الإتلاف كان بشهادتهم؛ كما لو باشروا التلف بأيديهم، (ما لم يقولوا: بان لنا كذب الأصول، أوغلطهم) يعني: فلا يضمنون. ذكره في"المحرر" و" الوجيز " و" الفروع "؛ لأن هذا القول منهما ليس برجوع عن شهادتهما؛ لأن ذلك لا ينافي شهادتهما على الأصول. فلم يضمنا لذلك.
(وإن رجع شهود الأصل بعده) أي: بعد الحكم، (لم يضمنوا) شيئا في الأصح من الوجهين؛ لأن الإتلاف حصل بشهادة غيرهم. فلم يلزمهم ضمان؛ كالمتسبب. مع المباشر.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: شهد.
ولأنهم لم يلجئوا الحاكم الى الحكم.
(إلا إن قالوا: كذبنا، أو) قالوا: (غلطنا) فيلزمهم الضمان؛ لاعترافهم بتعمد الإتلاف بقولهم: كذبنا، أو بخطإهم بقولهم: غلطنا.
(وإن قالا) أي: قال شاهدا الأصل (بعده) أي: بعد الحكم: (ما أشهدناهما) أي: ما أشهدنا شاهدي الفرع (بشيء) مما شهدا به على شهادتنا، (لم يضمن الفريقان) يعني: لا شهود الأصل ولا شهود الفرع (شيئا) مما حكم بتلفه؛ لأن شاهدي الفرع لم يثبت كذبهما، وشاهدي الأصل لم يثبت رجوعهما، لأن الرجوع إنما يكون بعد الشهادة. فإنكار أصل الشهادة لا يكون رجوعا عنها فلذلك لم يضمنا.
* * *
[فصل: فيمن غير شهادته]
(فصل. ومن زاد في شهادته أو نقص) بحضرة الحاكم أو قبل أن يحضر إلى الحاكم، (لا بعد حكم) يعنى: ما لم يحكم بشهادته: قبل. نص عليه. وذلك مثل: أن يشهد بمائة ثم يقول: بل هي مائة وخمسون، أو: بل هي تسعون، فأنه يقبل منه رجوعه ويحكم بما شهد به أخيرا. وبهذا قال أبو حنيفة "لأن شهادته الأخيرة شهادة من عدل غير متهم لم يرجع عنها. فوجب الحكم بها؛ كما لو لم يتقدمها ما يخالفها. ولا تعارضها الشهادة الأولى؛ لأنها قد بطلت برجوعه عنها. ولا يجوز الحكم بها، لأن شرط الحكم بالشهادة استمرارها إلى القضاء به. ويفارق ذلك رجوعه بعد الحكم؛ لأن الحكم قد تم باستمرار شرطه فلا ينقض بعد تمامه.
(أو أدى بعد إنكارها: قبل) يعني: أنه لو شهد إنسان على آخر بعد قوله: ليس لي عليه شهادة ثم شهد عليه وقال: كنت أنسيتها: قبل. نص عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في حق المرأتين: [أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى][البقرة: 282] فقبلها بعد إثبات الضلال والنسيان في حقها. فوجب أن يقبل قول العدل فيما نسيه ثم ذكره بعد ذلك.
ولأن الإنسان معرض للخطإ والنسيان. فلو لم يقبل منه ما ذكره بعد أن نسيه لضاعت الحقوق بتقادم العهد عنها.
(وكذا قوله: لا أعرف الشهادة ثم يشهد)؛ لأن شهادته إذا قبلت مع إنكارها فمع قوله: لا أعرفها من باب أولى.
(وإن رجع) الشاهد عن شهادته قبل الحكم بها: (لغت) شهادته؛ لأنه رجع عنها قبل العمل بها. فوجب أن تلغو، إذ الرجوع أوجب ظنا في الشهادة
ببطلانها، ومع الظن لا يجوز العمل بها؛ كما لو كانت من جهة أخرى.
(ولا حكم) أي: ولا يجوز الحكم بها بعد رجوعه عنها ولو أداها بعد ذلك، (ولم يضمن)؛ لأن الحكم لم يتم.
(وإن لم يصرح برجوع) عن شهادته، (بل قال للحاكم: توقف) عن الحكم، (فتوقف) كما قال له الشاهد، (ثم أعادها) أي: أعاد شهادته بعد أن قال للحاكم: توقف: (قبلت) فى الأصح. ففي وجوب إعادتها احتمالان.
قال في " الإنصاف ": قلت: الأولى عدم الإعادة. انتهى.
(وإن رجع شهود مال أو) شهود (عتق بعد حكم قبل استيقاء) لمال
(1)
(أو بعده: لم ينقض) الحكم؛ لأن الحكم قد تم ووجب المشهود به للممثمهود له، ورجوع
(2)
الشاهد عن شهادته المحكوم بها لا توجب نقضه؛ لأنهما إن قالا: عمدنا فقد شهدا على أنفسهما بالفسق فهما متهمان بإرادة نقض الحكم. فلا ينقض؛ كما لو شهد فاسقان على الشاهدين بالفسق، فإنه لا يوجب التوقف في شهادتهما، وإن قالا: أخطأنا لم يجب النقض أيضا؛ لجواز أن يكونا قد أخطآ في قولهما الثانى بأن اشتبه عليهما الحال ونحو ذلك.
(ويضمنون) بدل المال الذي شهدوا به، سواء قبض أو لم يقبض، وسواء كان قائما أو تالفا؛ لأنهما أخرجاه من يد مالكه بغير حق وحالا بينه وبينه. فلزمهما ضمانه؛ كما لو أتلفاه. وإن كانت الشهادة بعتق غرما قيمة من شهدا بعتقه؛ لأنهما أزالا يد السيد عن عبد أوأمته بشهادتهما المرجوع عنها. أشبه ما لو قتلا من شهدا بعتقه.
ومحل ذلك: (مالم يصدقهم) على بطلان شهادتهم (مشهود له) فلا يضمن الشهود
(3)
. ثم إن كان قبض شيئا من مال المحكوم عليه لزمه رده أو بدله
(1)
في ج: مال.
(2)
في ج: ورجع.
(3)
في ج: المشهود.
إن تلف؛ لاعترافه بأخذ ذلك بغير حق، وإن لم يكن قبض شيئا بطل حقه من المشهود به
(1)
.
(أو) ما لم (تكن الشهادة بدين فيبرأ منه) المشهود له (قبل أن يرجعا) عن شهادتهما. ذكره في " المغني " في كتاب الصداق؛ لأن المشهود عليه لم يغرم شيئا.
وكذا لو شهدا على سيد عبد أنه أعتقه على مائة وقيمته مائة ثم رجعا عن شهادتهما لم يغرما شيئا؛ لأنهما لم يفوتا على رب العبد شيئا.
(ولو قبضه) أي: قبض المال المشهود به (مشهود له، ثم وهبه لمشهود عليه، ثم رجعا) عن شهادتهما به: (غرماه) أي: غرما المال المشهود به؛ كما لو تنصف الصداق بعد هبتها إياه لزوجها فإن المرأة تغرم للزوج نصفه. وتقدم ذلك في كتاب الصداق.
(ولا يغرم مزك) شيئا (برجوع مزكى) عن شهادته؛ لأن الحكم تعلق بشهادة الشهود ولا تعلق له بالمزكين؛ لأن المزكين أخبروا بظاهر حال الشهود، وأما باطنه فعلمه إلى الله سبحانه وتعالى. فلم يدخلوا في الضمان لذلك.
(وإن رجع- بعد حكم- شهود طلاق) بعد دخول: (فلا غرم)؛لأن المهر قد تقرر عليه كله بالدخول. فلم يقرروا عليه شيئا برجوعهم، ولم يخرجوا عن ملكه شيئا متقوما. أشبه ما لو أخرجوا البضع عن ملكه بقتلها، أو أخرجته هي بردتها.
(إلا) إذا أخرجوه بشهادتهم (قبل الدخول) أي: دخول الزوج بها، فإنهم يغرمون (نصف المسمى أوبدله) أي: بدل مهرها أنلم يكن سمي لها مهر؛ لأن الشهود ألزموه للزوج بشهادتهم بطلاقها؛ كما يغرم ذلك من يفسخ نكاحه برضاع أونحوه قبل الدخول.
(وإن رجع شهود القرابة وشهود الشراء). وصورة ذلك: أن يشهد اثنان
(1)
في ج: المشهود له.
على إنسان أنه اشترى هذا العبد وشهد
(1)
اثنان أن العبد أب للمشتري أو ابنه فحكم الحاكم بعتقه عليه بالقرابة، ثم رجع الأربعة عن شهادتهم:(فالغرم على شهود القرابة) دون شهود الشراء؛ لأن شهود القرابة هم المفوتون عليه العبد؛ كما لو شهدا
(2)
بعتقه.
(وإن رجع شهود قود، أو) رجع شهود (حد بعد حكم) بما شهدوا به (وقبل استيفاء) للقود أوللحد: (لم يستوف) القود ولا الحد؛ لأن المحكوم به عقوبة لا سبيل إلى جبرها إذا استوفيت. بخلاف المال.
ولأن رجوع الشهود شبهة في وجوب الاستيفاء؛ لاحتمال صدقهم. فوجب أن لا يستوفى؛ كما لو رجعوا قبل الحكم.
(ووجبت دية قود) شهدوا به للمشهود له على الأصح من كون الواجب أحد شيئين، وأما إن قلنا أن الواجب القصاص عينا فلا يجب للمشهود له شيء، ويرجع المشهود عليه بما غرمه من دية على الشهود.
(وإن استوفي) يعني: وإن لم يرجع الشهود حتى استوفي القود أوالحد (ثم قالوا: أخطأنا غرموا دية ما تلف، أو أرش الضرب) نصا. نقله أبو طالب. ولا تحمل العاقلة شيئا من ذلك.
(ويتقسط الغرم على عددهم)؛ لأن التفويت حصل منهم كلهم. فوجب تقسيط الغرامة على عددهم؛ كما لو اتفق جماعة واتلفوا ملكا لإنسان
(3)
.
إذا تقرر هذا (فلو رجع رجل وعشر
(4)
نسوة) شهدوا (في مال، غرم) الرجل (سدسا وهن) أي: والنساء (البقية) كل واحدة
(5)
نصف سدس في الأصح. وقيل: مناصفة.
(1)
في ج: ويشهد.
(2)
في ج: شهدوا.
(3)
في ج: أو أتلفوا مالا لإنسان.
(4)
في ج: وعشرة.
(5)
في ب: واحد.
(وكذا رضاع)
(1)
يعني: وكذا لو شهدوا برضاع بين زوجين وفرق بينهما قبل الدخول.
ولو كان الشهود رجل وثمانى نسوة غرم الرجل خمسا وكل امرأة العشر؛ لأن الرجل بامرأتين في الشهادة.
وقيل: مناصفة. .
(ولو شهد ستة بزنا) فزجم المشهود عليه ثم رجعوا، (أو) شهد (أربعة) بالزنا (واثنان) من غيرهم (بإحصان) أي: إحصان: المشهود عليه بالزنا، (فرجم ثم رجعوا) أي: رجع الشهود الستة عن شهادتهم في الصورتين: (لزمتهم الدية أسداسا)؛لأن قتله حصل بشهادة الجميع. (وإن كانوا) أي: كان الشهود (خمسة بزنا: فأخماسا) أي: كانت دية المرجوم بشهادتهم عليهم أخماسا. (ولو رجع بعضهم) أي: بعض الشهود: (غرم بقسطه). فلو شهد عليه ستة بزنا فرجم، ثم رجع منهم اثنان غرما ثلث الدية؛ لأنهما ثلت البينة.
(ولو شهد أربعة بزنا و) شهد (اثنان منهم بالإحصان، فرجم ثم رجعوا: فعلى من شهد بالإحصان) والزنا (ثلثا الدية) في الأصح. الثلث لشهادتهما بالإحصان، والثلث الآخر لشهادتهما بالزنا، (وعلى الآخرين
(2)
ثلثهما) أي: ثلث الدية لشهادتهما بالزنا وحده.
(وإن رجع زأئد على البينة)؛كما لو شهد بالزنا خمسة ثم رجع واحد منهم (قبل الحكم
(3)
أوبعده: استوفي) حد الزنا، (ويحد الراجع) من الخمسة حد القذف؛ (لقذفه) برجوعه عن شهادته.
(ولو رجع شهود زنا) دون إحصان، (أو) رجع شهود (إحصان) فقط:(غرموا الدية) أي: دية المرجوم بشهادتهم (كاملة).
(1)
في ب: إرضاع.
(2)
في ب: الآخر.
(3)
في ب: حكم.
أما ضمان شهود الزنا برجوعهم الدية كاملة؛ لأن الإحصان فرع على الشهود بالزنا، لأن الإحصان ليس بموجب وإنما هو شرط. فالرجم حصل بشهادة شهود الزنا، فإذا رجعوا ضمنوا الدية كاملة لذلك.
وأما ضمان شهود الإحصان برجوعهم الديه كاملة؛ لأن القتل حصل بشهادتهم، إذ لولا ثبوت الإحصان لم يجب القتل. فإذا رجعوا ضمنوا الدية كاملة؛ لأنهم لو لم يشهدوا بالإحصان لم يرجم.
(ورجوع شهود تزكية كرجوع من زكوهم) في جميع ما تقدم من المسائل.
(وإن رجع شهود تعليق عتق) وشهود شرطه، (أو) رجع شهود (طلاق) قبل دخول، (وشهود شرطه: غرموا بعددهم) في الأصح؛ كما قلنا في رجوع شهود الزنا مع رجوع شهود الإحصان، لأن شهود العتق هاهنا كشهود الزنا، وشهود شرطه كشهود
الإحصان. والطلاق كالعتق.
وقيل: تغرم كل جهة النصف.
وقيل: يغرم الجميع شهود التعليق.
(وإن رجع شهود كتابة: غرموا ما بين قيمته) أي: قيمتي
(1)
المشهود له بالكتابة (قنا ومكاتبا) أي: حالة كونه قنا وحالة كونه مكاتبا لنقص قيمة المكاتب عن القن الحاصل بشهادتهما. (فإن عتق) المكاتب بأداء مال الكتابة ثم رجعوا عن شهادتهم بالكتابة: (فـ) إنهم يغرمون (ما بين قيمته ومال كتابة) إن نقص مال الكتابة وعن قيمته، وإلا فلا يغرمون شيئا.
(وكذا) أي: وكشهود إذا رجعوا (شهود باستيلاد) إذا رجعوا. قا له في"الفروع".
قال: وقال بعضهم في طريقته في بيع وكيل بدون ثمن مثل: لو شهدا بتأجيل وحكم ثم رجعا: غرما تفاوت ما بين الحال والمؤجل.
(1)
في ج: قيمة.
(ولا ضمان برجوع شهود كفالة بنفس، أو براءة منها) أي: من الكفالة بنفس، (أو أنها زوجته) يعني: أو رجع شهود بزوجية
(1)
، (أو) شهود على ولي قتيل:(أنه عفا عن دم عمد؛ لعدم تضمنه) أي: تضمن الرجوع (مالا).
قاله
(2)
في " الفروع ".
وفي " المبهج " قال القاضي: وهذا لا يصح؛ لأن الكفالة تتضمن المال بهرب المكفول والقود قد يجب به مال. انتهى.
(ومن شهد- بعد الحكم- بمناف للشهادة الأولى: فكرجوع) عن شهادته، (وأولى).
قال في " الفروع ": قاله شيخنا. وقال في شاهد
(3)
قاس بلدا وكتب خطه بالصحة فاستخرج الوكيل على حكمه، ثم قاس وكتب خطه بزيادة فغرم الوكيل الزيادة قال: يضمن الشاهد ما غرمه الوكيل من الزيادة بسببه، تعمد الكذب أو أخطأ؛ كالرجوع. انتهى.
(وإن حكم بشاهد ويمين، فرجع الشاهد: غرم المال كله).نص على ذلك أحمد
(4)
في رواية الجماعة
(5)
؛ وذلك لأن الشاهد حجة الدعوى. فكان الضمان عليه؛ كالشاهدين. يحققه: أن اليمين قول الخصم، وقول الخصم ليس بحجة على خصمه، وإنما هو شرط الحكم. فجرى مجرى مطالبته للحاكم بالحكم.
وإن شهد رجلان على رجل بنكاح امرأة بصداق ذكراه، وشهد آخران بدخوله بها ثم رجعوا بعد الحكم عليه بصداقها، فعلى شهود النكاح الضمان دون شهود الدخول؛ لأنهم ألزموه المسمى. وأن شهد مع ذلك شاهدان بالطلاق لم يلزمهما شيء؛ لأنهما لم يفوتا عليه شيئا يدعيه، ولا أوجبا عليه شيئا لم يكن واجبا.
(1)
في ب: بز وجة، وفي ج: بزوجته.
(2)
في ب: قال.
(3)
في ج: شاهد فاسق.
(4)
ساقط من ب.
(5)
في ج: في روايته.
ولو شهد أربعة بأربعمائة فحكم الحاكم بها ثم رجع واحد عن مائة وآخر عن مائتين والثالث عن ثلاثمائة والرابع عن الأربعمائة، فعلى كل واحد مما رجع عنه بقسطه. فعلى الأول: خمسة وعشرون، وعلى الثانى: خمسون، وعلى الثالث: خمسة وسبعون، وعلى الرابع: مائة، لأن كل واحد منهم مقر بأنه فوت على المشهود عليه ربع ما رجع
(1)
عنه.
(وإن بان- بعد حكم- كفر شاهديه) أي: الشاهدين اللذين وقع الحكم بشهادتهما، (أو) بان (فسقهما، أو) بأن (أنهما من عمودي نسب محكوم له، أو) بان أنهما (عدوا محكوم عليه: نقض) الحكم بلا خلاف إن بانا كافرين، وعلى الأصح إن بانا فاسقين، أو من عمودي نسب محكوم له، أو عدوا محكوم عليه، (ورجع بمال) قائم، (أو ببدله) أن كان تالفا على محكوم له.
(و) يرجع أيضا (ببدل قود مستوفى على محكوم له)؛لأن الحكم قد نقض فيرجع الحق إلى مستحقه.
(وإن كان الحكم لله تعالى) جل وعز (بإتلاف حسي)؛كالرجم في الزنا، (أوبما سرى إليه)؛كالجلد في شرب المسكر إذا سرى إلى النفس (ضمنه مزكون إن كانوا)؛لأن المحكوم به فد تعذر رده وشهود التزكية ألجؤا الحاكم إلى الفعل فلزمهم الضمان. ولا ضمان على الحاكم؛ لأنه أتى بما عليه من تزكية الشهود. ولا على شاهدي الأصل؛ لأنهما مقيمان على أنهما صادقان في شهادتهما، وإنما الشرع منع قبول شهادتها. بخلاف الراجعين في شهادتهما؛ لاعترافهما بكذبهما.
(وإلا) أي: وإن لم يكن مزكون، (أو كانوا) أي: كإن المزكون (فسقة: فحاكم) أي: فيكون الضمان على الحاكم، لأن التلف حصل بفعله وهو حكمه. فلزمه الضمان؛ لتفريطه بتركه التزكية.
(1)
في ج: شهد.
(وإذا علم حاكم بشاهد زور: بإقراره) على نفسه أنه شهد بالزور، (أو) بـ (تبين كذبه يقينا)؛ وذلك بأن يشهد بما يقطع يكذبه [بأن يشهد بقتل رجل وهو حي، أو أن هذه البهيمة ملك هذا منذ ثلاثة أعوام وسنها دون ذلك، أو يشهد على رجل أنه فعل كذا في وقت كذا وقد علم موته قبل ذلك، وأشباه ذلك مما يعلم به كذبه ويعلم تعمده لذلك]
(1)
(عزره).وفي الأصح: (ولو تاب)؛كما لو تاب من وجب عليه حد فإنه لا يسقط بتوبته.
ثم أعلم أن شهادة الزور من أكبر الكبائر، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه الكريم مع نهيه عن عبادة الأوثان. فقال سبحانه وتعالى:[فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ][الحج: 30].
وروى أبو بكرة
(2)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى
يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس. فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت "
(3)
.متفق عليه.
وروى أبو حنيفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار "
(4)
.
وبتعزيره يقول شريح والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله والأوزاعى وابن أبي ليلى ومالك والشافعي؛ لأنه قول محرم يحصل به. الضرر للناس. فأوجب العقوبة على قائله؛ كالسب والقذف.
ولا يتقدر تعذيره، بل يكون (بما يراه) حاكم إن رأى ذلك؛ بالجلد فعله،
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: أبو بكر.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(2511) 2: 939 كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور.
وأخرجه مسلم في "صحيحه "(87) 1: 91 كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها.
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"10: 122 كتاب آداب القاضي، باب وعظ القاضى الشهود وتخويفهم وتعريفهم عند الريبة.
وإن رآه بحبسه أو كشف رأسه وتوبيخه فعل، (ما لم يخالف) في ذلك (نصا أو معناه)، أويخالف معنى النص.
(وطيف به) أي: بشاهد الزور (في المواضع التي يشتهر فيها)؛فيوقف في سوقه إن كان من أهل السوق، أوفي قبيلته إن كان من أهل القبائل، أو في مسجده أن كان من أهل المساجد، وينادى عليه (فيقال: إنا وجدناه شاهد زور، فاجتنبوه).يعني: لقول الموكل به: إد الحاكم يقرأ عليكم السلام ويقول: هذا شاهد الزور فاعرفوه.
(ولا يعزر) شاهد (بتعارض البينة)، فإن التعارض لا يعلم به كذب إحدى البينتين بعينها، (ولا بغلطه في شهادته)؛ لأن الغلط قد يعرض للصادق العدل ولا يتعمده، (أو رجوعه) يعني: ولا يعزر شاهد برجوعه عن شهادته. ذكره فى " المغني"؛ لاحتمال أن رجوعه لما تبين له من خطئه.
ولا يعزر أيضا لظهور فسقه؛ لأن الفسق لا يمنع الصدق.
(ومتى ادعى شهود قود خطأ عزروا). قاله في "الترغيب" واقتصر عليه في
"الفروع ".
* * *
] فصل: في ألفاظ الشهادة]
(فصل. ولا تُقبل الشهادة إلابـ) لفظ: (أشهدُ، أو) بلفظ: (شَهِدتُ) لأن الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة. فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق
(1)
منها.
ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها من اللفظات بدليل أنها تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها
(2)
.
إذا علمت ذلك: (فلا يكفي) قوله: (أنا شاهد)؛ لأن ذلك إخبار عما هو متصف به؛ كما لو قال: أنا متحمل شهادة على زيد بكذا. بخلاف قوله: أشهد، أو: شهدت بكذا فإن هذه جملة فعلية تدلُّ على حدوث فعل الشهادة بقوله: أشهد، أو شهدت.
(ولا) يكفي قوله: (أعلم، أو أُحِق) أو أعرف، أو أتحقق، أو أتيقن؛ لأنه لم يأت بالفعل المشتق من لفظ الشهادة.
(ولو قال) الشاهد: (أشهدُ بما وضعتُ به خطّي، أو مّن تقدَّمَه غيرُه) بشهادة: (أشهدُ بمثل ما شَهد به، أو: وبذلك) أشهد (أو كذلك أشهد صحَّ في الأخيرتين) وهما قوله: وبذلك أشهد، أو كذلك أشهد (فقط).
قال في " الإنصاف ": لو شهد شاهد عند حاكم، فقال آخر: أشهد بمثل ما شهد
(3)
به، أو بما وضعت به خطي، أو وبذلك أشهد، أو وكذلك أشهد، فقال في " الرعاية ": يحتمل أوجهاً: الصحة، وعدمها.
(1)
في ب: المستحق.
(2)
في ب: في غيرها.
(3)
في " الإنصاف " 12: 109: شهدت.
والثالث: يصح في قوله: وبذلك أشهد، وكذلك أشهد.
قال: وهو أشهر وأظهر. انتهى.
وقال في " النكت ": والقول بالصحة في الجميع أولى.
واقتصر في " الفروع " على حكاية ما في " الرعاية ".
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
] باب: اليمين في الدعاوَى]
هذا (باب اليمين في الدعاوى) أي: ذكر ما يجب فيه اليمين، وذكر صفتها ولفظها.
(وهي: تَقطع الخصومة حالاً) أي: في الحال، (ولا تُسقِط حقاً).
فتسمع البينة بعد اليمين ولو رجع الحالف إلى الحق وأدى
(1)
ما عليه قبل منه وحل للمدعي أخذه.
(ويُستحلَفُ منكر) توجهت عليه يمينٌ في دعوى صحيحة (في كل حق آدمي) إلا ما يستثنى على الأصح لقوله صلى الله عليه وسلم: " لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى قومٌ دماءَ رجال وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه "
(2)
. فجعل اليمين على المدعى عليه بعد ذكر الدماء.
ومحل ذلك: إذا كانت
(3)
بقتل خطأ أو شبه عمد بدليل ما أشير إلى استثنائه بقوله: (غير نكاح ورجعة، وطلاق وإيلاءٍ) إلا إذا أنكر المولي مضي الأربعة أشهر فإنه يستحلف، (وأصل رقٍ؛ كدعوى رق لقيط) فإنه لا يستحلفه إذا أنكر، (و) غير (ولاءٍ، واستيلادٍ ونسبٍ، وقذفٍ وقصاصٍ في غير قَسامة) يعني: فلا يمين في واحد من هذه العشرة.
(ويُقضى في مال، وما يُقصد به مالٌ بنُكول). وكل ناكلٍ قلنا لا يُقضى عليه بالنكول ولم تقم عليه بينه فإنه يخلى سبيله في الأصح.
(1)
في ج: وادعى.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4277) 4: 1656 باب (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لاخلاق لهم).
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.
(3)
في ج: كان.
وقيل: يحبس حتى يقر أو يحلف.
قال في " الإنصاف " قلت: هذا المذهب في اللعان. انتهى.
(ولا يُستحلَف) منكر (في حقٍ لله تعالى؛ كحدٍ، وعبادةٍ، وصدقةٍ، وكفارةٍ، ونذرٍ).
أما الحدود فلا خلاف في أنها لا تشرع فيها يمين لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه وخلي سبيله من غير يمين. فلئلا يستحلف مع عدم الإقرار أولى. ولأنه يستحب ستره، والتعريض للمقر بالحد ليرجع عن إقراره، وللشهود ترك الشهادة بالحد والستر عليه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهَزّال في قصة ماعز: " يا هَزّال لِلَّهِ لو سترته بثوبك لكان خيراً لك "
(1)
. فلا تشرع في الحدود يمينٌ بحال.
وأما ما عدا ذلك من حقوق الله سبحانه وتعالى من دعوى دفع الزكاة، والكفارة، والنذر فالقول في ذلك قول المخرِج بغير يمين؛ لأن ذلك حق لله سبحانه وتعالى. فأشبه الحد.
ولأن ذلك عبادة. فلا يستحلف عليها؛ كالصلاة.
(ولا) يستحلف (شاهد) أنكر تحمّل الشهادة، (و) لا (حاكم) أنكر الحكم، (ولا وصيٌ على نفي دين موصٍ
(2)
.
ولا) يستحلف (مدَّعِّى عليه بقول مدَّعٍ ليحلف: أنه ما حلَّفني، أني ما أُحلّفه.
ولا) يستحلف (مدَّعٍ طلب يمين خصمه، فقال: ليحلف أنه ما أحْلَفني)؛ لأن ذلك كله لا يقضى فيه بنكول. فلا تحصل فائدة بإيجاب اليمين.
(وإن ادَّعى وصيٌ وصيةً للفقراء فأنكر الورثة) وصية مورثهم للفقراء:
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4377) 4: 134 كتاب الحدود؛ باب في الستر على أهل الحدود.
(2)
في ج: دين على موصيه.
(حُلّفوا) على نفي ذلك، (فإن نكلوا) عن اليمين:(قُضي عليهم) بما ادعاه الوصي في الأصح؛ لأن ذلك دعوى بمال.
(ومن حلف على فعل غيره) مثل: أن] يدعي أن [
(1)
زيداً غصب
(2)
ثوبًا أو غير ثوب، أو أنه استعار منه شيئًا أو اشتراه منه، أو استأجره منه فينكر ويقيم المدعي شاهداً بذلك ويريد أن يحلف
(3)
مع شاهده: حلف على البت وهو القطع.
(أو دعوى عليه) أي: على غيره (في إثبات)؛ كما لو ادعى على غيره أنه يستحق في ذمته ديناراً فأنكر فأقام المدعي شاهداً بدعواه: حلف معه على البت. (أو) على (فعل نفسه)؛ كما لو ادعى عليه إنسان أنه غصبه شيئا فأنكر ولم
يكن للمدعي بينة وأراد يمينه حلف على البت؛ لأن فعل نفسه تمكنه الإحاطة به. فوجب أن يحلف عليه على البت.
(أو) على (دعوى عليه)؛ كما لو ادعى عليه إنسان أنه يستحق فى ذمته ديناراً فأنكر ولم يكن للمدعي بينة وأراد يمينه: (حلف على البَتّ)] على الأصح؛ لما روى ابن عباس " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ حلّفه قل: والله الذي لا إله إلا هو ما له عندي شيء "
(4)
. رواه أبو داود.
ومن ذلك: لو ادعى عليه إنسان عيناً في يده فأنكر وأراد تحليفه فيقول:
والله الذي لا إله إلا هو هذه العين ملكي، ولا يكفي قوله: والله لا أعلم إلا
(5)
أنها ملكي]
(6)
.
(ومن حلف على نفي فعلِ غيره) فإنه يحلف على نفى العلم، (أو) من
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: غصبه.
(3)
في ب: يحلفه.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3620) 3: 311 كتاب الأقضية، باب كيف اليمين.
(5)
ساقط من ب.
(6)
ساقط من أ.
حلف على (نفي
(1)
دعوى عليه) أي: على غيره: (ف) إنه يحل (على نفي العلم)؛ " لأن النبي صص قال للحضرمي: ألك بينة؛ قال: لا. ولكن أحلفه، والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين "
(2)
. رواه أبو داود. ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأنه لا تمكنه الإحاطة بفعل غيره. بخلاف فعل نفسه. فوجب أن لا يكلف اليمين فيه على البت؛ لئلا يكون حملا له على اليمين على ما لا يعلمه
(3)
. (ورقيقه كأجنبي في حلفه على نفي علمه). فمن ادعى على إنسان أن عبده جنى عليه فأنكر وأراد تحليفه، حلف أنه لا يعلم أن عبده جنى على المدعي. (وأما بهيمته) اي: جناية بهيمة المدعى عليه، (فما ينسب) المدعى عليه (إلى تقصير وتفريط) فيه:(فـ) إنه يحلف (على البت).
ومن أمثلة ذلك: لو ادعى إنسان على آخر بأن بهيمة المدعى عليه أفسدت زرعه ليلا بترك ربها إياها من غير ربط ولا حبس فأنكر ذلك وأراد المدعي تحليفه، فإنه يحلف على البت.
(وإلا) أي: وإن لم ينسب المدعى عليه جناية بهيمته إلى تقصير وتفريط: (فـ) إنه يحلف (على نفي العلم).
ومن أمثله ذلك: لو ادعى إنسان على راكب بهيمة أو سائقها أنها أتلفت شيئا بوطئها بيدها او رجلها فأنكر وأراد المدعي تحليفه، فإنه يحلف على نفي العلم. (ومن توجه عليه حلف لجماعة: حلف لكل واحد يمينا)؛ لأن لكل
(4)
واحد منهم حقا غير حق الآخر. فإذا طلب كل واحد منهم يمينا كان له ذلك؛ كسائر الحقوق إذا انفرد بها.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3622) 3: 312 كتاب الأقضية، باب الرجل يحلف على علمه فيما غاب عنه.
(3)
في ب: يفعله.
(4)
في أ: كل.
وقد حكى الاصطخري: أن إسماعيل بن إسحاق القاضي حلف رجلا بحق لرجلين يمينا واحدة. . فخطأه أهل عصره.
(ما لم يرضوا) كلهم (بـ) يمين (واحدة) فيكتفى بها؛ لأن الحق لهم وقد رضوا بإسقاطه فسقط.
وقيل: لا يكفي حتى يحلف لكل واحد يمينا؛ لأن اليمين حجه في حق الواحد. فإذا رضوا بيمين واحدة صارت الحجة في حق كل واحد ناقصة، والحجة الناقصة لا تكمل- برضى الخصم؛ كما لو رضي أن يحكم عليه بشاهد واحد.
والصحيح الأول؛ لأن الحق لهم فإذا رضوا به جاز. ولا يلزم من رضاهم بيمين واحدة أن يكون لكل واحد بعض اليمين؛ كما أن الحقوق إذا قامت بها بينة واحدة لجماعة لا يكون لكل واحد
(1)
بعض البينة.
** *
(1)
في ج: واحدة.
[فصل: تجزئ اليمين بالله وحده]
(فصل. وتجزى) اليمين (بالله تعالى وحده) سبحانه. فلو قال الحاكم في يمين وجبت على إنسان قل: والله ما له عندك شيء. كفى.
وقال مالك: لا يكفي حتى يقول: والله الذي لا إله إلا هو.
قال ابن المنذر: وهذا أحب إلي، لأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا. فقال له قل: والله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء "
(1)
. رواه أبو داود.
ولنا: قول الله سبحانه وتعالى: (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا)[الما ئدة: 106].
وقال سبحانه وتعالى أيضا: (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا)[الما ئدة: 107].
وقال سبحانه وتعالى أيضا: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ)[النحل: 38].
قال بعض المفسرين: من أقسم بالله فقد أقسم بالله جهد اليمين.
و" استحلف النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد في الطلاق. فقال: والله لِلَّهِ ما أردت إلا واحدة "
(2)
.
وقال عثمان لابن عمر رضي الله تعالى عنهم: " تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه "
(3)
.
(1)
سبق تخريجه ص (502) رقم (4).
(2)
أخرجه الترمذى فى " جامعه "(1177) 3: 17 كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة.
وأخرجه ابن ماجه فى " سننه "(2051) 1: 661 كتاب الطلاق، باب طلاق البتة.
(3)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 328 كتاب البيوع، باب بيع البراءه.
ولأن في الله سبحانه وتعالى كفاية. فوجب أن يكتفى
(1)
باسمه في اليمين. (ولحاكم تغليظها فيما فيه خطر) وهو المثل في الغلو كالخطير: وذلك؛ (كجناية لا توجب قودا، وعتق، ونصاب زكاة). ومن التغليظ تغليظها (بلفظ: كوالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الطالب، الغالب، الضار، النافع، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) فالطالب: اسم فاعل من طلب الشيء إذا قصده.
والغالب: اسم فاعل من غلبه بمعنى قهره.
والضار النافع: من أسماء الله الحسنى أي: قادر على ضر من شاء ونفع من شاء. وخائنة الأعين: يفسر بأنه يضمر في نفسه شيئا ويكف لسانه عنه ويومئ بعينه. فإذا ظهر ذلك سميت خائنة الأعين.
وقال الشافعي: رأيتهم يؤكدون اليمين بالمصحف. ورأيت ابن مازن قاضي صنعاء يغلظ اليمين به.
قال ابن المنذر: لا نترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم لفعل ابن مازن ولا غيره.
(ويقول يهودي) مع التغليظ باللفظ: (والله لِلَّهِ الذي أنزل التوراة على موسى، وفلق له البحر، وأنجاه من فرعون وملائه.
ويقول نصرانى) مع التغليظ باللفظ: (والله لِلَّهِ الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وجعله يحصي الموتى، ويبرى الأكمه والأبرص.
ويقول مجوسي ووثني) مع التغليظ باللفظ: (والله لِلَّهِ الذي خلقني وصورنى ورزقني)؛ لأنه يعظم خالقه ورازقه. أشبه كلمة التوحيد عند المسلم. (ويحلف صابئي) وهو: الذي يعظم النجوم (ومن يعبد غير الله تعالى: بالله تعالى).
(و) لحاكم تغليظ اليمين أيضا (بزمن؛ كبعد العصر)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ)[المائدة: 106].
(1)
في أ: يكفى.
قال بعض المفسرين: المراد صلاة العصر.
(أو بين أذان وإقامة)؛ لأن ذلك وقت ترجى فيه إجابة الدعاء. فترجى به معاجلة الكاذب بالعقوبة.
(و) لحاكم تغليظ اليمين أيضا
(1)
(بمكان؛ فـ) يحلف (بمكة: بين الركن والمقام)؛ لأنه مكان شريف زائد على غيره في الفضيله.
(و) يحلف (بالقدس: عند الصخرة)؛ لأنها زائدة على غيرها في الفضيلة. وقد ورد في " سنن ابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هي من الجنة"
(2)
.
(و) يحلف (ببقية البلاد: عند المنبر) قياسا على الخبر الوارد في منبر النبي صلى الله عليه وسلم رواه مالك والشافعي وأحمد من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف على منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار "
(3)
.
وفي " الواضح ": هل يرقى متلاعنان المنبر؛ الجواز وعدمه.
(ويحلف ذمي: بموضع يعظمه)؛ لأن اليمين تغلظ في حق أهل الذمة بالزمان فكذا
(4)
بالمكان
(5)
.
قال الشعبي لنصرانى: اذهب إلى البيعة.
وقال كعب بن سوار
(6)
في نصرانى: اذهبوا به إلى المذبح.
(زاد بعضهم: وبهيئة؛ كتحليفه قائما مستقبل القبلة).
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه ابن ماجه فى " سننه "(3456) 2: 1143 كتاب الطب، باب الكمأة والعجوة.
(3)
أخرجه أحمد في " مسنده "(14704) 3: 344.
وأخرجه مالك في موطئه (10) 2: 558 كتاب الأقضية، باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الشافعي في " مسنده " (241) 2: 73 كتاب الأيمان والنذور. باب فيما يتعلق باليمين.
(4)
في ب: فكذلك.
(5)
ساقط من أ.
(6)
في أوب: سور.
قال ابن نصر الله في " حواشيه على المحرر": ومن التغليظ التغليظ بالهيئة؛ ككون الحالف قائما؛ كالملاعن، وكونة مستقبل القبلة. انتهى. (ومن أبى تغليظا) بأن قال: ما أحلف إلا بالله فقط: (لم يكن ناكللا) عن اليمين.
قال في " الإنصاف ": لو أبى من وجبت عليه اليمين التغليظ: لم يصر ناكلا. وحكى إجماعا، وقطع به الأصحاب.
قال في " النكت ": لأنه قد بذل الواجب عليه. فيجب الاكتفاء به، ويحرم التعرض له.
قال: وفيه نظر؛ لجواز أن يقال: يجب التغليظ إذا رآه الحاكم وطلبه.
قال الشيخ تقي الدين: قصة مروان مع زيد تدل على أن القاضي إذا رأى التغليظ فامتنع من الإجابه ادعى ما ادعى به. ولو لم يكن كذلك ما كان في التغليظ زجر قط. قال في " النكت ": وهذا الذي قاله صحيح. والردع والزجر علة التغليظ.
فلو لم يجب برأي الإمام لتمكن كل أحد من الامتناع منه؛ لعدم الضرر عليه في ذلك، وانتفت فائدته.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا: متى قلنا هو مستحب فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم يصير ناكلا. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
(وإن رأى حاكم تركه) أي: ترك التغليظ، (فتركه: كان مصيبا) في ذلك؛ لموافقته مطلق النص.
ومن وجبت عليه يمين فحلف وقال: إن شاء الله أعيدت عليه اليمين؛ لأن الاستثناء يزيل حكم اليمين. وكذلك إن وصل يمينه بشرط أو كلام غير مفهوم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
[كتاب الإقرار]
هذا (كتاب الإقرار). والإقرار: الاعتراف بالحق. مأخوذ من المقر وهو المكان، كأن المقر جعل الحق في موضعه.
والأصل فيه: قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81]،
وقال سبحانه وتعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102].
وقد جاء في حديث الرجم قوله صلى الله عليه وسلم: " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "
(1)
.
واجمع المسلمون على صحة الإقرار، وذلك لأنه إخبار بالحق على وجه
منفية عته التهمة والريبة. فإن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضر بها. ولهذا قدم على الشهادة فيما إذا أقر المدعى عليه، فإن الشهادة لا تسمع إذا وإنما تسمع إذا أنكر، ولو
(2)
كذب المدعي بينته
(3)
لم تسمع وإذا أنكر ثم أقر سمع إقراره.
(وهو) أي: الإقرار في عرف الفقهاء: (إظهار مكلف) فلا يصح من صغير ولا مجنون، لقوله صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقط "
(4)
.
(1)
أخرجه البخارى في " صحيحه "(2190) 2: 813 كتاب الوكالة، باب الوكالة في الحدود.
(2)
في ج: وإن.
(3)
في ج: بينة.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4401) 4: 140 كتاب الحدود، باب فى المجنون يسرق أويصيب حدا.
وأخرجه النسائى في " سننه "(3432) 6: 156 كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج. =
ولأنه قول ممن لا يصح تصرفه. فلم يصح، كفعله.
(مختار)" لقوله صلى الله عليه وسلم: " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"
(1)
.
ولأنه قول أكره عليه بغير حق. فلم يصح، كالبيع.
(ما عليه) أي: إظهار مكلف مختار الذي عليه من الحق، سواء كان إظهاره (بلفظ، أو كتابة، أو إشارة أخرس، أو) إظهار مكلف مختار ما (على موكله، أو) ما على (موليه، أو) ما على (مورثه، بما) أي: بشيء (يمكن صدقه) فيه. يحترز بذلك عما لو ادعى عليه جناية منذ عشرين سنة وعمره عشرون سنة أو أقل فهذا لا يصح إقراره بذلك. صرح به في " التلخيص " وغيره. (وليس) الإقرار (بإنشاء)، بل هو إخبار عما في نفس الأمر.
إذا علمت ذلك (فيصح) إقرار الإنسان لغيره (ولو مع إضافة الملك إليه) أي: إلى المقر " كما لو قال: عبدي هذا لزيد فيكون ذلك إقرار بالعبد لزيد. قال في "الفروع": ويصح مع إضافة الملك إليه. انتهى.
ونقل ابن منصور عن أحمد إذا قال: فرسي هذا لفلان فإقراره جائز.
(و) يصح الإقرار أيضا ولو (من سكران)، لأن أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي فكذلك أقراله.
(أو) من (أخرس بإشارة معلومة). أما غير الأخرس فلا يصح إقراره بإشارة بغير خلاف في المذهب.
(أو) من (صغير، أو) من (قن أذن لهما في تجارة في قدر ما أذن لهما فيه) من المال.
قال أحمد في رواية مهنا في اليتيم: إذا أذن له يعني: وليه في التجارة
(1)
= وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2041) 1: 658 كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير
والنائم.
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2043) 1: 659 كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي.
وهو يعقل البيع والشراء فبيعه وشراؤه جائز. وإن أقر أنه اقتضى شيئا من ماله جاز بقدر ما أذن له وليه فيه
(1)
.
(لا من مكره عليه) أي: على الإقرار.
وهذا محترز قوله: مختار، إلا أن يقر بغير ما أكره عليه مثل: أن يكره على إقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها، أو على الإقرار بدنانير فيقر بدراهم فيصح إقراره " لأنه أقر بما لم يكره
(2)
عليه. فصح " كما لو أقر به ابتداء.
(ولا بإشارة معتقل لسانه)، لما تقدم أن غير الأخرس لا يصح إقراره
بالإشارة.
ويعتبر لصحة الإقرار: أن يكون (بمتصور من مقر التزامه). فلو أقر بمجهول نسبه أنه ابنه وهو في سنه، أو أكثر منه أو دون سنه ولكن لا يمكن كونه منه، كما لو كان المقر أسن من المقر به بتسع سنين لم يلتفت إلى إقراره. (بشرط كونه) أي: كون المقر به إن كان عينا (بيده) أي: بيد المقر (وولايته واختصاصه) يعني: أو ولايته أو اختصاصه. فلا يصح إقرار مقر بشيء في يد غيره أو في ولاية غيره؛ كما لو أقر اجنبي على صغير أو وقف في ولاية غيره أو اختصاصه.
(لا) كون المقر به (معلوما)؛ لصحة الإقرار بالمجهول. ويأتي الكلام على ذلك. ولا كون المقر به ليس بملك للمقر حال الإقرار.
(وتقبل) من المقر (دعوى إكراه) على الإقرار (بقرينة) تدل على الإكراه (كتوكيل به) أي: كترسيم عليه أو سجنه، (أو أخذ ماله، أو تهديد قادر) على ما يهدده به من ضرب أو سجن أو أخذ مال.
قال الأزجي: لو أقام بينة بأمارة الإكراه استفاد بها أن الظاهر معه. انتهى.
وقال في " شرح المقنع ": ومن أقر بحق ثم ادعى انه كان مكرها لم يقبل
(1)
في ج: أذن فيه وليه.
(2)
في ج: يكن.
قوله إلا f بينة. سواء أقر عند سلطان أو عند غيره، لأن الأصل عدم الإكراه، إلا أن تكون هناك دلالة على الإكراه؛ كالقيد والحبس والتوكل به. فيكون القول قوله مع يمينه، لأن الحال تدل على الإكراه. انتهى.
(وتقدم بينة إكراه على) بينة (طواعية)، لأن مع بينه الإكراه زيادة علم.
(ولو قال من) أي: مقر (ظاهره الإكراه) بمقتضى توكيل به: (علمت
أنى لو لم أقر أيضا أطلقوني، فلم أكن مكرها: لم يصح) ذلك منه، (لأنه ظن منه، فلا يعار ض) ذلك (تقين الإكراه). قدمه في " الفروع ". ثم قال: وفيه احتمال؛ لاعترافه بأنه أقر طوعا.
ونقل ابن هانئ: فيمن تقدم إلى سلطان فهدده فيدهش فيقر يؤخذ به
(1)
فيرجع ويقول: هددنى ودهشت يؤخذ. وما علمه أنه أقر بالجزع والفزع. وترجم عليه أبو بكر في الرجل يقر عند الجزع. انتهى.
(ومن أكره ليقر بدرهم فأقر بدينار، أو) أكره ليقر (لزيد فأقر لعمرو)، أو أكره على أن يقر بدار فأقر بدابة: صح إقراره؛ لأنه أقر بما لم يكره عليه. فصح منه؛ كما لو أقر بذلك ابتداء.
(أو) أكره (على وزن مال فباع داره، ونحوه)؛ كعبده (في ذلك) أي:
فيما أكره على وزنه من المال: (صح) البيع. نص عليه؛ لأنه لم يكره على البيع، (وكره الشراء منه) أي: ممن باع المتاع في وزن مال أكره على وزنه للخلاف في صحة البيع.
(ويصح إقرار صبي: أنه بلغ باحتلام إذا بلغ عشرا) يعني: إذا تم له عشر سنين.
قال في " التلخيص ": فإذا ادعى أنه بلغ بالإحتلام في وقت إمكانه
(2)
صدق. ذكره القاضي، إذ لا يعلم إلا من جهته.
(1)
في ب: فدهش فيؤخذ.
(2)
في ج: إمكان.
(ولا يقبل) منه أنه بلغ (بسمن إلا ببينة)، لإمكان علم ذلك من غير جهته.
(وإن أقر) من جهل حاله حال الإقرار (بمال، وقال بعد) تحقق (بلوغه:
لم أكن حين إقراري بالغا لم يقبل) منه ذلك ويلزمه ما أقر به.
قال ابن رجب في " قواعده ": لو ادعى البالغ أنه كان صبيا حين البيع، أو
غير مأذون له، أو غير ذلك وأنكر المشتري، فالقول قول المشتري على المذهب. ونص عليه أحمد في صورة دعوى الصغر في رواية ابن منصور؛ لأن الظاهر وقوع العقود على وجه الصحة دون الفساد، وإن كان الأصل عدم البلوغ والإذن.
قال: وذكر الأصحاب وجها آخر في دعوى الصغر: أنه يقبل؛ لأنه لم يثبت تكليفه والأصل عدمه. بخلاف دعوى عدم الإذن من المكلف فإن المكلف لا يتعاطى في الظاهر إلا الصحيح.
قال الشيخ تقي الدين: وهكذا يجيء في الإقرار وسائر التصرفات إذا اختلفا
هل وقعت قبل البلوغ أو بعده؟. وقد سئل عمن أسلم أبوه فادعى أنه بالغ فأفتى بعضهم بأن القول قوله. وأفتى الشيخ تقي الدين بأنه إذا كان لم يقر بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم إسلامه قبل الإقرار بالبلوغ، بمنزلة ما إذا ادعت انقضاء العدة بعد أن ارتجعها.
قال: وهذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ] بعد حق ثبت في حق الصبى. مثل: الإسلام وثبوت أحكام الذمة تبعا لأبيه، ولو ادعى البلوغ [
(1)
بعد تصرف الولي وكان رشيدا أو بعد تزويج ولي أبعد منه. انتهى.
(وإن أقر من شك في بلوغه، ثم أنكر بلوغه حال الشك: صدق) في ذلك (بلايمين).
قال في " شرح المقنع " ومعناه في " المغني ": فإن أقر مراهق غير مأذون له
ثم اختلف هو والمقر له في بلوغه فالقول قول المقر، إلا أن تقوم بينة ببلوغه؛ لأن الأصل الصغر. ولا يحلف المقر؛ لأننا حكمنا بعدم بلوغه. انتهى.
(1)
ساقط من أ.
(وإن) أدر من أنبت و (ادعى أنه أنبت بعلاج أو دواء، لا ببلوغ لم يقبل)
منه ذلك ولزمه ما أقر به.
قال في " الفروع ": ذكره الشيخ في " فتاويه " واقتصر عليه.
ووجه ذلك: أن الأصل عدم ما يدعيه.
(ومن) أقر بشيء ثم (ادعى جنونا) حال إقراره: (لم يقبل) ذلك منه (إلا ببينة).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.
وذكر الأزجي: يقبل أيضا إن عهد منه جنون في بعض أوقاته، وإلا فلا.
قال في " الفروع ": ويتوجه قبوله ممن غلب عليه. انتهى.
(والمريض ولو) كان مرضه (مرض الموت المخوف يصح إقراره
بوارث).
قال في " الفروع ": على الأصح.
قال ابن نصر الله: يسأل عن صورة الإقرار بوارث هل معناه أن يقول: هذا
وارثي ولا يذكر سبب إرثه، أو معناه أن يقول: هذا أخي أو عمي أو ابني أو مولاي فيذكر سبب الإرث؛ وحينئذ يحتاج إلى ثبوت شرط صحة الإقرار بذكر النسب. فإن كان السبب نسبا اعتبر صحة إقراره بذلك النسب
(1)
من الإمكان والتصديق وأن لا يدفع به نسبا معروفا. انتهى.
(و) يصح إقرار المريض أيضا (بأخذ دين من غير وارث)، لأن ذلك إقرار
لمن لايتهم في حقه فقبل.
(و) يصح إقرار المريض أيضا
(2)
(بمال له) أي: لغير الوارث على الأصح، لأنه غير متهم في حقه.
(1)
في ج: السبب.
(2)
ساقط من أ.
قال في " شرح المقنع ": قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز.
وحكى أصحابنا رواية: أنه لا يقبل؛ لأنه إقرار في مرض الموت. أشبه
الإقرار للوارث.
وفيه رواية أخرى: أنه لا يصح بزيادة على الثلث. ذكرها أبو الخطاب؛
لأنه ممنوع من عطية ذلك للأجنبي كما هو ممنوع من عطية الوارث. فلا يصح إقراره بما لا يملك عطيته. بخلاف الثلث فما دون.
ولنا: أنه إقرار غير متهم فيه. فقبل؛ كالإقرار في الصحة. يحققه: أن
حالة المرض أقرب إلى الاحتياط لنفسه، وإبراء ذمته
(1)
، وتحري الصدق، فكان أولى بالقبول. وفارق الإقرار للوارث فإنه متهم فيه. انتهى كلامه في "الشرح ".
(ولا يحاص مقر له) في المرض (غرماء الصحة) أي: من أقر لهم في
حال صحته، بل يبدأ بمن أقر لهم في حال صحته.
قال في " الإنصاف ": وهذا مبني على المذهب. وهو الصحيح. انتهى.
ولا فرق بين أن يخبر بلزومه له قبل المرض أو بعده؛ لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته؛ كما لو أقر بالدين مفلس بعد الحجر عليه.
(لكن لو أقر) المريض (في مرضه بعين ثم بدين، أو عكسه) بأن أقر بدين
ثم بعين: (فرب العين أحق) بها
(2)
من رب الدين؛ لأن الإقرار بالدين يتعلق بالذمة، والإقرار بالعين يتعلق بذاتها فتعلقه بالذات أقوى. ولهذا لو أراد بيع العين لم يصح ومنع منه؛ لحق المقر له بها.
(ولو أعتق) المريض (عبدا لا يملك غيره، أو وهبه ثم أقر بدين): لم
يؤثر إقراره فى العتق ولا في الهبة، و (نفذ عتقه وهبته، ولم ينقضا بإقراره).
(1)
في ج: لنفسه بما يراه منه.
(2)
ساقط من أ.
نص على ذلك أحمد.، لأنه تصرف منجز تعلق بعين مال أزاله عن ملكه. فلم ينقضه ما تعلق بذمته، كما لو أعتق أو وهب ثم حجر عليه لفلس.
ولأنه غير محجور عليه في حق صاحب الدين. فلم ينقض الدين عتقه وهبته، كالصحيح.
(وإن أقر) المريض (بمال لوارث: لم يقبل) إقراره بذلك (إلا ببينة، أو إجازة)، لأنه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته. فلم يصح بغير رضى بقية ورثته، كهبته.
ولأنه محجور عليه في حقه. فلم يصح الإقرار له.
إذا علمت ذلك: (فلو أدو لزوجته بمهر مثلها لزمه). نص عليه، وكان لزومه (بالزوجيه) يعني: بمقتضى كونها زوجته، (لا بإقراره)؛ لأن الز وجية دلت على المهر ووجوبه عليه، فإقراره إخبار بأنه لم يوفه. فوجب أن يقتل؛ كما لو كان عليه دين ببينة فأخبر ببقائه في ذمته. وإن كان أكثر مق مهر المثل رجع إلى مهر المثل، لأنه لو ثبت بإقراره لثبت جميعه عليه.
(وإن أقر لها) أي: لزوجته (بدين، ثم أبانها، ثم تزوجها: لم يقبل) إقراره لها، لأنه إقرار لوراث في مرض الموت. أشبه ما لو لم
(1)
يبنها. وفارق ما إذا صح من مرضه ثم مات من غيره، لأنه لا يكون مرض الموت.
ولأن الاعتبار إما بحال الإقرار أو بحال الموت، والزوجه وارثه في الحالين.
وفي " الرعايه الكبرى " لو أقر لها بدين ثم تزوجها ومات بطل، إلا أن تجيزه
الورثة.
(وإن أقرت) زوجة: (أنها لا مهر لها) على زوجها وهي مريضة مرض الموت المخوف (لم يصح) إقرارها ذلك، ولورثتها مطالبة زوجها بمهرها، (إلا أن يقيم) الزوج (بينة بأخذه) أي: بأخذ
(2)
مهرها، (أو إسقاطه) عنه بحواله أو نحوها. نقله مهنا عن أحمد.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: أخذ.
(وكذا) أي: وكإقرار الزوجة بأخذ مهرها (حكم كل دين ثابت على وارث)
إذا اقر المريض بقبضه منه، فإنه لا يبرأ بذلك حتى يقيم البينة على أخذه منه. (وإن أقر) المريض بدين (لوارث وأجنبي: صح للأجنبي) في الأصح بحقه ولم يصح في حق الوارث، كما لو أقر بلفظين، أو كما لو جحد الأجنبي شركة الوارث.
وقيل: لايصح في حق الأجنبى، كما لو شهد لابنه وأجنبي بشيء فإن الشهادة لا تصح في حقهما.
وجوابه: أن الإقرار يفارق الشهادة لقوته. ولذلك لا يعتبر فيه العدالة ولو
أقر بشيء يتضمن دعوى على غيره قبل فيما عليه دون الذي له؛ كما لو قال لامرأته: خالعتك على ألف بانت بإقراره والقول قولها في نفى العوض. (والاعتبار) في لزوم إقرار المريض وعدم لزومه: (بحالة إقراره) على الأصح؛ لأنه قول تعتبر فيه التهمة. فاعتبرت حالة وجوده دون غيره، كهالشهادة.
(فلو أقر لوارث) حالة الإقرار، (فصار عند الموت غير وارث)، كما لو
أقر لأخيه من أبيه بشيء فحدث له أخ شقيق: (لم يلزم) إقراره، لاقتران التهمة به حال وجوده. فلا ينقلب لازما.
ولأنه أقر لوارث. فلم يلزم؛ كما لو استمر وارثا.
(وإن أقر لغير وارث)؛ كما لو أقر مريض له ابن لأخيه بشئ: (لزم، ولو صار) المقر له (وارثا) للمقر؛ كما لو مات ابنه قبله؛ لوجود الإقرار من أهله خاليا عن التهمة. فثبت
(1)
الحق به ولم يوجد ما يسقطه. وكذا الحكم إن أعطاه وهو غير وارث ثم صار وارثا. ذكره في " الترغيب " وغيره.
(1)
في ج: فيثبت.
] فصل: إذا أقر قن بحد]
(فصل. وإن أقر قن ولو آبقا) أي: ولو كان إقراره في حال إباقه (بحد،
أو قود، أو طلاق، ونحوه)؛ كموجب تعزير وكفارة:(صح) إقراره (وأخد به في الحال)؛ لأنه أقر بما يمكن استيفاؤه من بدنه وذلك له دون سيده؛ لأن السيد لا يملك منه إلا المال.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " الطلاق لمن أخذ بالساق "
(1)
.
ومن ملك إنشاء شيء ملك الإقرار به. ويستثنى من ذلك ما أشير إليه بقوله:
(ما لم يكن القود في نفس) ويكذبه سيده (فبعد عتق). يعني: فلا يؤخذ بإقراره بالقود في النفس إلا بعد العتق على الأصح. نص عليه أحمد؛ لأنه إقرار برقبته
(2)
وهو لا يملكها.
ولأن هذا الإقرار يسقط به حق سيده. فأشبه الإقرار بقتل الخطأ.
ولأنه متهم في ذلك؛ لأنه يجوز أن يقر بذلك لإنسان ليعفو عنه ويستحق أخذه فيتخلص بذلك من سيده.
(فطلب جواب دعواه) أي: دعوى القود في النفس، (منه) أي: من
القن (ومن سيده جميعا) على المذهب. وعلى مقابل المذهب من القن وحده. وعليه أيضا ليس للمقر له به العفو على رقبته أو مال.
(ولا يقبل إقرار سيده) أي: سيد القن (عليه بغير ما يوجب مالا فقط)؛
لأن غير ما يوجب المال كالعقوبة إقرار على غير نفس المقر. فلم يقبل؛ كإقرار
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2081) 1: 672 كتاب الطلاق، باب طلاق العبد.
(2)
في ج: برقبة.
غير السيد عليه. بخلاف إقراره بما يوجب المال؛ لأنه إيجاب حق في مال السيد. فلزمه موجبه؛ كما لو ثبت بالبينة.
وفي " الكافي ": إن أقر السيد بقود على العبد وجب المال ويفدي السيد منه
ما يتعلق بالرقبة.
(وإن أقر) قن (غير مأذون له بمال أو بما يوجبه) أي: يوجب المال؛ كجناية الخطإ وإتلاف المال والقرض والعارية، (أو) أقر قن (مأذون له) في التجارة (بما) أي: بشيء (لا يتعلق بالتجارة فـ) الحكم فيه (كمحجور عليه) لا يؤخذ به في الحال؛ لأنه إقرار من محجور عليه في حق غيره، وإنما يؤخذ به بعد فك حجر الرق عنه. وحينئذ فإنه (يتبع به بعد عتقه). نص عليه عملا بإقراره على نفسه؛ كالمفلس.
(وما صح إقرار قن به فهو الخصم فيه) دون سيده، (وإلا) أي: وما لم يصح إقرار قن به: (فسيده) هو الخصم فيه.
(وإن أقر مكاتب بجناية) أي: بأنه جنى على غيره: (تعلقت) الجناية التى أقر بها على نفسه (بذمته) والأصح: (ورقبته) جميعا. يعني: أنه إن أعتق أتبع بها بعد العتق.
وإن عاد إلى الرق بعجزه فهي في رقبته؛ كما لو ثبتت بالبينة
(1)
.
(ولا يقبل إقرار سيده) أي: سيد المكاتب (عليه) أي: على المكاتب (بذلك) أي: بجنايته
(2)
؛ لأنه إقرار على غيره.
(و) إن أقر (قن بسرقة مال بيده) أو
(3)
يد سيده (وكذبه سيده: قبل) إقراره (في قطع)؛ لأنه إقرار بما يمكن استيفاؤه من بدنه وذلك دون سيده. (دون مال)؛ لأن المال حق للسيد. فلم يقبل إقرار العبد به.
(1)
في أ: قلادة: وفي " الكافي ": إن أقر السيد بقود على العبد وجب المال ويفدي السيد منه ما يتعلق. وقد ذكرت سابقا.
(2)
في أ: بجناية.
(3)
في ج: أي.
وقيل: لا يقطع؛ لأن ذلك شبهة دارئة للحد.
قال في " المبدع ": وعلى الأول المنصوص: أنه لا يقطع حتى يعتق، ويتبع بالمال بعد العتق. ذكره في " المحرر " و" الرعاية ".
وعنه: يتعلق برقبته فيفديه سيده أو يسلمه به، لعدم التهمة. انتهى.
(وإن أقر) عبد (غير مكاتب لسيده، أو) اقر (سيده له بمال: لم يصح) إقرار واحد منهما.
اما إقرار العبد غير المكاتب لسيده بمال، لأنه لم يفد شيئا، لأنه لا يملك شيئا يقر به.
واما إقرار السيد لعبده، فلأن مال العبد لسيده. فلم يصح إقرار الإنسان لنفسه.
(وإن أقر) سيد: (أنه باعه) أي: باع عبده (نفسه بألف عتق)، كإقرار زوج أنه خلع زوجته على ألف فإنها تبين، (ثم إن صدقه) أي: صدق العبد السيد على ذلك: (لزمه) الألف، لاتفاقهما على ذلك ويكون كالكتابة. (وإلا) أي: وإن لم يصدقه العبد (حلف) على الأشهر، فإن نكل قضي
عليه بالألف.
(والإقرار) ممن يصح إقراره بشيء (لقن غيره: إقرار لسيده)، لأن السيد
هو الجهة التي يصح لها الإقرار فتعين جعل المال له. وحينئذ يلزم المقر ما أقر به بتصديق السيد ويبطل برده، لأن يد العبد كيد سيده.
(و) الإقرار (لمسجد، أو مقبرة، أو طريق، ونحوه)، كثغر وقنطرة:(يصح). وفي الأصح: (ولو أطلق) بأن لم يعين سببا، كغلة وقف ونحو ذلك، لأن ذلك إقرار ممن يصح إقراره. فلزمه، كما لو عين السبب.
(ولا يصح) الإقرار (لدار إلا مع) ذكر (السبب) من غصب أو استئجار أو غيرهما، لأن الدار لا تجري عليها صدقة في الغالب. بخلاف المسجد والمقبرة ونحوهما.
(ولا) يصح الإقرار (لبهيمة إلا إن قال: علي كذا بسببها).
قال في " الفروع ": ولا يصح لبهيمة.
وقيل: يصح، كقوله: بسببها. زاد في " المغنى ": لمالكها، وإلا لم
يصح. انتهى.
(و) إن قال المقر عن مالك بهيمة (لمالكها: علي كذا بسبب حملها)
وهي حامل، (فانفصل) حملها (ميتا، وادعى) ما لكها: (أنه) أي: أن
المقر بها بسببه) أي: سبب الحمل الذي انفصل ميتا (صح) إقراره وأخذ منه ما
أقر به.
(وإلا) أي: وإن لم ينفصل حملها ميتا: (فلا) يصح إقراره؛ لتبين
بطلانه.
(ويصح لحمل) أي: حمل آدمية (بمال) وإن لم يعزه إلى سبب في
الأصح؛ لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح. فصح له الإقرار المطلق؛ كالطفل. (فإن وضع) الحمل (ميتا، أو لم يكن) في بطنها (حمل: بطل)
إقراره؛ لأنه إقرار لمن لا يصح أن يملك.
(وإن ولدت) أم الحمل (حيا وميتا: فللحي) جميع المقر به.
قال في " الإنصاف ": بلا نزاع. انتهى.
وذلك لفوات شرطه في الميت.
(و) إن ولدت (حيين: فلهما) ما أقر به (بالسوية ولو) كانا (ذكرا
وأنثى)؛ لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه؛ كما لو أقر لرجل وامرأه بمال،
(ما لم يعزه) أي: يعز إقراره (إلى ما) أي: إلى سبب (يوجب تفاضلا،
كإرث أو وصية يقتضيانه) أي: يقتضيان التفاضل: (فيعمل به) أي: يما يقتضيه. ذلك السبب الذي يقتضي التفاضل في الأصح؛ لأنه إقرار مستند إلى سبب صحيح فيعمل به.
] وقيل: يقسم بينهما أثلاثا.
(وله علي) يعني: لو قال إنسان للحمل: علي (ألف جعلتها له، أو نحوه) أي: أو قال نحو ذلك؛ كقوله: وهبتها أو تصدقت عليه بها، أو أعددتها
(1)
له [
(2)
:
(فـ) قوله ذلك (وعد) لا يلزمه به
(3)
شيء.
(و) إن قال: (للحمل: علي ألف أقرضنيه، يلزمه) الألف المقر به،
لأن قوله للحمل: علي ألف إقرار للحمل بألف، ولا يبطل بقوله بعد ذلك: أقرضنية. (لا إن قال) ابتداء: (أقرضني ألفا) فإنه لا يلزمه شيء؛ لأن الحمل لا يتصور منه قرض.
قال في " الفروع ": وإن قال: له علي ألف جعلتها له أو نحوه فوعد. ويتوجه: يلزمه؛ كقوله: علي
(4)
ألف أقرضنيه، عند غير التميمي. وجزم الأزجي: لا يصح، كأقرضني ألفا.
وفي " مختصر ابن رزين ": يصح بمال لحمل يعزوه. ثم ذكر خلافا في اعتباره من الموت أو من حينه. انتهى.
(ومن أقر لمكلف بمال في يده ولو برق نفسه) مع جهل نسبه، (أو كان
المقر به قنا فكذبه المقر له) فيما أقر به: (بطل) إقراره، لأنه إقرار لمن لم يصدقه فبطل لذلك، (ويقر) المقر به (بيد المقر) في الأصح، لأنه مال في يده لا يدعيه غيره. فيقر بيده؛ كما لو كان لقطة.
وقيل: يؤخذ منه لبيت المال " كالمال الضائع.
(و) على المذهب: (لا يقبل عود مقر له إلى دعواه) أي: أن يدعي المقر
به له، لأنه مكذب لنفسه.
(وإن عاد المقر، فمادعاه) أي: ادعى المقر به أنه (لنفسه، أو) أنه
(1)
في ب: أعدتها.
(2)
ساقط من أ.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: له علي.
(لثالث: قبل) منه ذلك؛ لأنه في يده
(1)
، فيقبل دعواه أنه لنفسه وإقراره به لغيره. وأما الإقرار بالرق فحكمه حكم الإقرار بالمال في الأصح، فيبقى من أقر برق نفسه وكذبه المقر له في يد نفسه ويبقى بيد من هو في يده] من
(2)
أقر برقه لغير من هو في يده]
(3)
.
(1)
في ج: بيده.
(2)
في ج: ومن.
(3)
ساقط من أ.
] فصل: مسائل من الإقرار]
(فصل. ومن تزوج من جهل نسبها، فأقرث برق لم يقبل مطلقا) يعني:
لا في حق نفسها ولا في حق زوجها وأولادها على الأصح، لأن الحرية حق لله فلم ترتفع بقول أحد؛ كالإقرار على حق الغير.
(ومن أقر بولد أمته: أنه ابنه، ثم مات ولم يبين: هل حملت به) وهي
(في ملكه أو غيره؟) يعني. أو حملت به وهي في غير ملكه (لم تصر به) أي: بإقرارها بولده (أم ولد) يعني: فلا تعتق بموته، لاحتمال أنها أتت به في غير ملكه. في الأصح، (إلا بقرينة) تدل على أنها حملت. به وهي في ملكه.
(وإن أقر رجل بأبوة صغير، أو) بأبوة (مجنون، أو) أقر (بأب، أو) أقرت المرأة بـ (زوج)، أو الرجل بزوجة، (أو) أقر مجهول النسب بـ (مولى أعتقه: قبل إقراره)، لأنه إقرار من مكلف مختار فقبل، حتى (ولو أسقط به وارثا معروفا)؛ لأنه غير متهم في إقراره، لأنه لا حق للوارث فهي الحال وإنما يستحق الإرث بعد الموت بشرط خلوه عن مسقط.
ويشترط لصحة الإقرار المذكور ثلاثة شروط:
الأول: ما أشير إليه بقوله: (إن أمكن صدقه)] أي، صدق المقر [
(1)
،
لئلا يكذبه فيه ظاهر حاله
(2)
. فإن لم يمكن صدقه، كإقرار الإنسان لمن
(3)
في سنه أو أكبر منه: لم يقبل.
(1)
ساقط من أوب.
(2)
في ج: يكذبه فبظاهر حاله.
(3)
في ج: بمن.
الشرط الثانى: ما أشير إليه بقوله: (ولم يدفع به نسبا لغيره)؛ بأن يقر
بولد له أب معروف، أو بإعتاق مولى وله عتق معروف فإنه لا يقبل؛ لأنه إقرار في حق غيره.
الشرط الثالث: ما أشير إليه بقوله: (وصدقه
(1)
مقر به، أو كان) المقر به (ميتا) ويرثه المقر في الأصح.
(ولا يعتبر تصديق ولد) مقر به (مع صغر أو جنون) أي: صغر الولد أو جنونه. (ولو بلغ) الصغير (وعقل) المجنون (وأنكر) كونه ابنا للمقر: (لم يسمع إنكاره).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.
وقيل: يبطل نسب المكلف باتفاقهما على الرجوع عنه. انتهى
(2)
.
(ويكفي في تصديق والد بولد، وعكسه) وهو تصديق ولد بوالد (سكوته:
إذا أقر به)؛ لأنه يغلب في ذلك ظن التصديق. (ولا يعتبر في تصديق أحدهما) الآخر
(3)
(تكراره) أي: تكرار التصديق بالسكوت.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. ونص
(4)
عليه وعليه
أكثر الأصحاب.
(فيشهد الشاهد بنسبهما، بدونه) أي: بدون تكرار التصديق بالسكوت فى الأصح.
(ولا يصج إقرار من له نسب معروف، بغير هؤلاء الأربعة) وهم الأب والابن والزوج والمولى؛ كالجد يقر بابن ابن وكابن الابن يقر بجد، وكالأخ يقر بأخ، والعم يقر بابن أخ، (إلا ورثة أقروا بمن لو أقر به مورثهم: ثبت نسبه)؛
(1)
في ج: (وصدقه " المقر.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ج: بالآخر.
(4)
في ج: نص.
كالبنين يقرون بابن، والإخوة يقرون بأخ؛ فإنه يثبت نسبه بذلك؛ لانتفاء التهمة في حقهم. فإن الإنسان لا يقر بمن يشاركه في الميراث من غير حق.
ولأن الورثة قاموا مقام الميت في ماله وديونه والديون التي عليه وبيناته ودعاويه فكذلك في النسب.
(ومن ثبت نسبه، فجاءت أمه بعد موت مقر فادعت زوجيته) أي: زوجية المقر، (أو) جاءت (أخته غير توأمته) فادعت (البنوة: لم يثبت بذلك)، لأنها مجرد دعوى. فلم يثبت بها ذلك؛ كما لو كان حيا؛ لاحتمال أن يكون المقر به من وطء شبهة أو نكاح فاسد.
وعلم مما تقدم أن المراد جميع الورثة. فلو كان المقر بعض الورثة لم يثبت النسب؛ لأنه إقرار على بقية الورثة بإلحاق نسبه بهم. لكن يعطى المقر له ما فضل في يد المقر من حقه إن لم يسقطه، كما لو ماتت امرأة وخلفت زوجا وأخا فأقر الزوج بابن لها فإنه يعطيه الربع؛ لأنه مقر أن الزائد على الربع مما في يده حق لمن أقر به فوجب دفعه إليه لذلك. أو جميعه إن كان يسقطه؛ كما لو أقر الأخ بالابن وأنكر الزوج، فإن الأخ يعطيه النصف الذي بيده؛ لأن إقراره يتضمن أنه حقه فوجب دفعه إليه لذلك. وإلى ذلك أشير بقوله
(1)
:
(ومن أقر بأخ في حياة أبيه، أو) أقر (بعم في حياة جده: لم يقبل.
وبعد موتهما ومعه وارث غيره: لم يثبت النسب، وللمقر له من الميراث ما فضل بيد مقر أو كله) أي: كل ما بيد مقر: (إن اسقطه) أي: أسقط المقر. (وإلا) أي: وإن لم يكن معه وارث غيره؛ كما لو كان الوارث ابنا فأقر بأخ
له: (ثبت) نسبه من الميت؛ لأنه غير متهم.
(وإن أقر مجهول نسبه - ولا ولاء عليه - بنسب وارث حتى أخ وعم، فصدقه، وأمكن) صدقه: (قبل)، لأن نسبه لا يعرف من غيره وهو غير متهم فيه. فوجب تصديقه فيه؛ كما لو أقر بحق غيره.
(1)
فى أ: ولذلك أشير إليه بقوله.
(لا مع ولاء حتى يصدقه مولاه) يعني: وأما إن كان عليه ولاء فلا يقبل إقراره حتى يصدقه مولاه. نص عليه، لأنه إقرار يسقط به حق مولاه من ميراثه. فلا يقبل حتى يصدقه مولاه؛ لأنه متهم بدفع مولاه عن ميراثه فلا يقبل لذلك. (ومن عنده أمة: له منها أولاد فأقر بها لغيره: قبل) إقراره (عليها) أي:
على الأخذ. فللمقر له أخذها من المقر، (لا على الأولاد) يعني: أنه لا يقبل إقراره على أولاده منها برقهم لأحد. نقله ابن مشيش عن أحمد.
قال في " الفروع ": ويتوجه احتمال: يقبل مطلقا تبعا، واحتمال: يقبل عليها
(1)
في حق نفسه فيغرم القيمة.
وقال القاضي: المسألة على أنه وطئ يعتقدها ملكه ثم علمها ملك غيره. انتهى كلامه في " الفروع ".
(ومن أقرت بنكاح - على نفسها - ولو) كانت (سفيهة، أو) كان إقرارها بالنكاح (لاثنين: قبل) إقرارها على الأصح. وهذه المسألة تشتمل على صورتين:
إحداهما: إذا كان المدعي لنكاحها واحد
(2)
فهذا فيه روايتان: أصحهما: يقبل إقرارها، لأنه حق عليها. فيقبل
(3)
إقرارها به؛ كما لو أقرت بمال، ولزوال التهمة بإضافة الإقرار إلى شرائطه؛ كما لو أقرت أن وليها
(4)
باع أمها قبل بلوغها.
الصورة الثانية: إذا كان المدعي لنكاحها أكثر من واحد
(5)
وهذه الصورة فيها روايتان أيضا: أصحهما: يصح إقراره.
(فلو أقاما) من اقرت لهما بالنكاح (بينتين: قدم أسبقهما) تاريخا، (فإن
(1)
في أ: عليهما.
(2)
في ج: واحدا.
(3)
في ج: فقبل.
(4)
في ج: أنه أمتها.
(5)
في ب: واحدة.
جهل) التاريخ (فقول ولي) يعني: فإنه يقدم منهما من صدقه الولي إن كان على سبق تاريخ نكاحه، (فإن جهله) أي: جهل الولي أسبقهما: (فسخا) أي. فسخ النكاحان. نقله الميمونى عن أحمد.
(ولا ترجيح بيد) يعني: أنه لا يرجح أحدهما بكونها
(1)
بيده.
قال في " الإنصاف ": لو ادعى الزوجية اثنان، وأقرت لهما، وأقاما بينتين: قدم أسبقهما. فإن جهل: عمل بقول الولي. ذكره في " المبهج "
(2)
و" المنتخب ". ونقله الميمونى وقدمه في " الفروع".
وقال في " الرعاية ": يعمل بقول الولي المجبر. انتهى.
وإن جهله: فسخا. نقله الميموني.
وقال في " المغني ": يسقطان، ويحال بينهما وبينها
(3)
. ولم يذكر الولي.
ولا يحصل الترجيح باليد. على الصحيح من المذهب.
وقال الشيخ تقي الدين: مقتضى كلام القاضي: أنها إذا كانت بيد أحدهما: مسألة الداخل والخارج. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
(وإن أقر به) أي: بالنكاح (عليها) أي: على المرأة (وليها وهي مجبرة)
قبل إقراره عليها. نص على ذلك؛ لأن المرأة لا قول لها في حالة الإجبار، (أو) لم تكن مجبرة ولكنها (مقرة بالإذن: قبل) إقراره عليها بالنكاح. نص على ذلك؛ لأنه يملك عقد النكاح عليها بمقتضى الإذن. فملك الإقرار به؛ كالوكيل. (ومن ادعى نكاح صغيرة بيده) ولم تقم له بينة بدعواه: (فسخه حاكم) وفرق بينهما. (ثم إن صدقته إذا بلغت: قبل.
فدل أن. من ادعت: أن فلانا زوجها، فأنكر فطلبت الفرقة: يحكم عليه)
] بالفرقة.
(1)
في أوب: لكونها.
(2)
في أ: " المنهج ".
(3)
زيادة من " الإنصاف " 12: 152.
قال في " الإنصاف ": لو ادعى نكاح صغيرة بيده فرق بينهما وفسخه
حاكم. فلو صدقته بعد بلوغها: قبل.
قال في " الرعاية ": قبل
(1)
على الأظهر.
قال في " الفروع ": فدل ان من ادعت أن فلانا زوجها، فأنكر، فطلبت
الفرقة: يحكم عليه]
(2)
.
وسئل عنها المصنف- يعني: الموفق- فلم يجب فيها بشيء. انتهى كلامه
في " الإنصاف ".
(وإن أقر رجل، أو) أقرت (امرأة بزوجية الآخر، فسكت) صح وورثه؛
لأنه إذا صح الإقرار ثبتت الزوجية. فوجب أن يرث؛ لقيام الزوجية بينهما.
(أو جحده) يعني: أو أقر أحدهما بزوجية الآخر فجحده (ثم صدقه:
صح) أيضا (وورثه) في الأصح؛ لأن الإقرار حصل من الميت، والتصديق قد
وجد من المقر له في حياة المقر، ولا يضر جحده قبل إقراره " كالمدعى عليه
يجحد ثم يقر بالحق.
(لا إن بقي) الجاحد (على تكذيبه) المقر (حتى مات) المقر، لأنه متهم
في تصديقه بعد موته.
(وإن أقر ورثة يدين على مورثهم: قضوه) وجوبا (من تركته) يعني: إن
خلف الميت تركة. فإن لم يخلف تركة لم يلزمه الوارث شيئا؛ لأنه لا يلزمه أداء
دينه إذا كان حيا مفلسا فكذلك إذا كان ميتا. وإن خلف تركة تعلق الدين بها تعلق جناية، فإن أحب الوارث تسليمها في الدين فله ذلك، وإن أحب استخلاصها
ووفاء الدين من ماله فله ذلك. ويلزمه أقل الأمرين من قيمة التركة أو قدر الدين
بمنزلة الجانى. وكذا إذا
(3)
ثبت الدين ببينة أو إقرار الميت.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ب: إن.
(وإن أقر) بالدين على الميت (بعضهم) أي: بعض الورثة دون باقيهم (بلا شهادة) بالدين من الورثة أو من غيرهم: أن المقر يلزمه من الدين: (بقدر إرثه) من التركة، (إن ورث النصف) من التركة:(فـ) إنه يكون عليه (نصف الدين)، وإن ورث الربع فربع الدين وهكذا، قل أو كثر؛ (كإقراره) أي: إقرار بعض الورثة (بوصية) دون باقيهم، لأن كل جزء من الدين تعلق بمثله من التركة. فوجب أن يوزع عليها؛ كما يثبت بالبينة. والخيرة إلى المقر من الورثة في تسليم نصيبه في الدين أو استخلاصه ووفاء قدره من ماله.
(وإن شهد منهم) أي: من الورثة لرب الدين (عدلان أو عدل) واحد (وحلف معه) رب الدين: (ثبت) الدين، لأنه حق شهد به عدلان أو عدل مع يمين المشهود له. فوجب أن يثبت؛ كما لو شهد على غير مورثهم.
(و) متى كان على الميت دين آخر ثابت ببينة أو إقرار الميت فإنه (يقدم ثابت ببينة) نصا، (فبإقرار ميت على ما) أي: على دين (أقر به ورثة)؛ لأن إقرار الورثة إقرار في حقهم، وإنما يستحقون التركة بعد أداء الدين الثابت عليها. فوجب أداء ما ثبت] بغير إقرارهم أولا ثم ما ثبت [
(1)
بإقرارهم، لأنه إقرار على ما بقي من التركة بعد الدين الثابت بغير إقرارهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
ساقط من أو ب.
] باب: ما يحصل به الإقرار]
هذا (باب ما)
(1)
أي: اللفظ الذي (يحصل به الإقرار وما) إذا وصل
بإقراره ما (يغيره) أي: يغير الإقرار.
(من ادعي عليه بألف) مثلا، (فقال) في جوابه:(نعم، أو) قال: (أجل) بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام وهو حرف تصديق كنعم.
قال الأخفش: إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام. ويدل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى:{فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ} ] الأعراف 44].
و" قيل لسلمان
(2)
رضي الله تعالى عنه: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل "
(3)
.
(أو) قال مدعى عليه بشيء في جوابه: (صدقت). وفي الأصح: (أو) قال: (مقر به، أو) قال: (إنى مقر به، أو) قال: إني مقر (بدعواك، أو) قال: (مقر فقط) فقد أقر؛ لأن هذه الألفاظ تدل على تصديق المدعي.
(أو) كان المدعى به دنانير أو دراهم أو نحوها فقال المدعى عليه في جواب الدعوى: (خذها أو اتزنها أو اقبضها أو أحرزها، أو) قال: (هي صحاح، أو) قال: (كأنى جاحد لك، أو كأنى جحدتك حقك فقد أقر)؛ لوقوع ذلك عقب الدعوى فنصرفه إليها.
ولأن الضمير يرجع إلى ما تقدم.
(1)
في أ: هذا باب ما يحصل به الإقرار وما يغيره.
(2)
في ب: لسليمان.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(262) 1: 223 كتاب الطهارة، باب الاستطابة.
وكذا إذا قال: أقررت فقط.
قال الله سبحانه وتعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا} ] آل عمران: 81 [، ولم يقولوا: إقررنا بذلك، فكان منهم إقرارا.
(لا إن قال) مدعى عليه في جوابه: (أنا أقر) فإنه لا يكون إقرارا في
الأصح؛ لأنه وعد بإقرار، والوعد بالشيء لا يكون إقرارا به.
(أو) قال: أنا (لا أنكر)؛ لأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار. فإن بينهما قسما آخر وهو السكوت عنهما.
(أو) قال في جوابه: (يجوز أن يكون محقا)؛ لجواز أن لا
(1)
يكون محقا. (أو) قال في جوابه: (عسى، أو) قال: (لعل)، لأنهما وضعا للشك.
(أو) قال: (أظن، أو أحسب، أو أقدر)؛ لأنها تستعمل في الشك أيضا.
(أو) قال: (خذ)؛ لاحتمال أن يكون مراده: خذ الجواب مني.
(أو) قال: (اتزن، أو) قال: (احرز، أو) قال: (افتح كمك)؛ لاحتمال ان يكون ذلك شيء غيرالمدعى به.
(و) قول المدعى عليه: (بلى في جواب: أليس لي عليك كذا؛ إقرار)
بلا خلاف. (لا) قوله: (نعم إلا من عامي) في الأصح.
قال في " الفروع ": وإن قال: أليس لي عليك ألف؛ فقال: بلى. فقد أقر، لا نجم. ويتوجه: بلى من عامي، كقوله: عشره غير درهم- بضم الراء- يلزمه تسعة. ويتوجه في غيره احتمال.
وفي " مختصر ابن رزين ": إذا قال: لي عليك كذا؛ فقال: نعم أو بلى. فمقر.
وفى " عيون المسائل ": لفظ الإقرار مختلف باختلاف الدعوى. فإن قال:
لي عليك كذا فجوابه: نعم، وكان إقرارا. وإن قال: أليس لي عليك كذا؛ كان الإقرار بـ " بلى". وفي قصة إسلام عمرو بن عبسة: " فقدمت المدينة
(1)
ساقط من ب.
فدخلت عليه. فقلت. يا رسول الله لِلَّهِ أتعرفني؛ فقال: نعم. أنت الذي لقيتنى بمكة؛ قال: فقلت: بلى"
(1)
.
قال في " شرح مسسلم ": فيه صحة الجواب ببلى، وإن لم يكن قبلها نفي، وصحه الإقرار بها، قال: وهو الصحيح من مذهبنا، انتهى.
قال في " الإنصاف ": لو قال: أليس لي عليك ألف؟ فقال: بلى فهو إقرار، ولا يكون مقرا بقوله " نعم ".
قال في " الفروع "؛ ويتوجه أن يكون مقرا من عامي؛ كقوله: عشرة غير درهم يلزمه تسحعة.
قلت: وهذا التوجيه عين الصواب الذي لا شك فيه. وله نظائر كثيرة. ولا يعرف ذلك إلا الحذاق من أهل العربية. فكيف يحكم بأن. العامى يكون كذلك؛ هذا من أبعد ما يكون. انتهى.
(وإن قال) إنسان لآخر: (اقضني ديني عليك ألفا) فقال: نعم، (أو)
قال له: (اشتر)
(2)
ثوبي هذا فقال: نعم، (أو) قال له:(أعطني) ثوبي هذا فقال: نعم، (أو) قال له:(سلم إلي ثوبي هذا) فقال: نعم، (أو) قال له: سلم إلي (فرسي هذه) فقال: نعم، (أو) قال له: أعطني (ألفا من الذي عليك) فقال: نعم، (أو) قال له:(هل لي) عليك ألف؛ فقال: نعم، (أو) قال له:(ألي عليك ألف؛ فقال: نعم) فقد أقر له؛ لأن نعم للتصديق. (أو) فقال له: (أمهلني يوما أو) أمهلني (حتى أفتح الصندوق) فقد أدر له؛ لأن طلبه الإمهال يقتضى أن الحق عليه. (أو) قال: (له علي ألف إن شاء الله) فقد أقر له به. نص على ذلك أحمد؛ لأنه وصل إقراره بما يرفعه كله ولا يصرفه إلى عير الإقرار. فلزمه ما أقر به وبطل ما وصله به؛ كما لو قال له علي ألف إلا ألفا.
(1)
أخرجه مسلم: في " صحيحه "(832) 1: 569 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(17060) 4: 113.
(2)
فى ب: اشتري.
ولأنه عقب الإقرار بما لا يفيد حكم آخر ولا يقتضي دفع الحكم. أشبه ما لو قال: له علي ألف في مشيئة الله.
(أو) قال: له علي ألف (لا تلزمني إلا أن يشاء الله) فقد أقر له بالألف؛
لأنه علق رفع الإقرار على أمر لا يعلم فلم يرتفع.
(أو) قال: له علي الف لا تلزمني (إلا أن يشاء زيد) فقد أقر له بالألف في الأصح في الصورتين؛ لأنه علقه بما يرفعه فصح الإقرار دون ما يرفعه؛ كما لو قال له: علي ألف إلا ألفا.
(أو) قال: له علي ألف (إلا أن أقوم) فقد أقر له به؛ لأن القيام
لا يسقطه. وكذا لو قال: إلا أن أنام ونحو ذلك.
(أو) قال: له علي ألف (في علمي، أو) قال: في (علم الله، أو) قال: (فيما أعلم.
لا) إن قال: (فيما أظن فقد أقر) له بالألف؛ لأنه مثبت لإقراره بالعلم به
إذ ما في علمه لا يحتمل غير الوجوب.
(وإن علق) الإقرار (بشرط قدم) عليه؛ (كـ) قوله: (إن قدم زيد) فلعمرو علي كذا، (أو) قال: إن (شاء) زيد فله علي كذا، (أو) قال: إن (جاء رأس الشهر: فله علي كذا) لم يكن مقرا؛ لأنه لم يثبت على نفسه في الحال شيئا. وإنما علق ثبوته على شرط؛ لأن الإقرار إخبار بحق سابق فلا يتعلق على شرط مستقبل. ويفارق التعليق على مشيئة الله سبحانه وتعالى فإن مشيئة الله سبحانه وتعالى تذكر في الكلام تبركا وصلة وتفويضا إلى الله سبحانه وتعالى، لقول الله سبحانه وتعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ} ] الفتح: 27 [وقد علم الله سبحانه وتعالى أنهم سيدخلونه بلا شك،
ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا يتوقف الأمر على وجودها، والماضي لا يمكن وقفه. فيتعين حمل الأمر هاهنا على المستقبل، فيكون وعدا لا إقرارا.
(أو) قال: (إن شهد به) أي: بكذا علي (زيد فهو صادق)، أو صدقه
(لم يكن مقرا)؛ لأن ذلك وعد بالتصديق على الشهادة لا تصديق في الأصح.
(وكذا) أي: وكالحكم الذي في تقديم الشرط (إن أخر) الشرط؛
(كـ) ما لو قال: (له علي كذا إن قدم زيد، أو شاء) زيد، (أو شهد به) زيد، (أو) قال: له علي كذا إن (جاء المطر، أو) إن (قمت) فإن إقراره
لا يصح في الأصح؛ لما بين الأخبار والمعلق على شرط مستقبل من التنافي. ويستثنى من ذلك صورة أشير إليها بقوله:
(إلا إذا قال): له علي كذا (إذا جاء وقت كذا) فإنه يكون مقرا، لأنه قد
بدأ بالإقرار فعمل به.
وقوله: إذا جاء رأس الشهر يحتمل أنه اراد المحل، فلا يبطل الإقرار بأمر محتمل.
(ومتى فسره) أي: فسر قوله: إذا جاء وقت كذا (بـ " أجل "، أو
" وصية ": قبل) ذلك منه (بيمينه)؛ لأن ذلك لا يعلم إلا منه ويحتمله لفظه؛ وذلك (كمن أقر) بحق (بغير لسانه) الذي يعرفه، (وقال: لم أدر ما قلت) فإنه يقبل ذلك منه بيمينه.
(وإن رجع مقر بحق آدمي، أو) مقرب (زكاة، أو كفارة: لم يقبل) منه رجوعه؛ لتعلق حق الآدمي المعين، أو حق أهل الزكاة به.
] فصل: إذا وصل بإقراره ما يغيره]
(فصل. فيما إذا وصل به) أي: بإقراره (ما يغيره).
ومن ذلك: (إذا قال.) إنسان عن آخر: (له علي من ثمن خمر ألف، لم يلزمه) شيء؛ لأنه أقر بثمن خمر وقدره بألف فلا يلزمه؛ لأن ثمن الخمر لايجب.
(و) لو قال: (له علي ألف من مضاربة، أو) قال: له علي ألف من (وديعة، أو) قال: له علي ألف (لا تلزمني، أو) قال: له علي ألف (قبضه، أو) قال: له علي ألف (استوفاه، أو) قال: له علي ألف (من ثمن خمر، أو) قال: له علي ألف من (ثمن مبيع لم أقبضه، أو) قال: من ثمن مبيع (تلف قبل قبضه، أو) قال: له علي ألف من (مضاربة تلفت وشرط علي ضمانها، أو) قال: له علي ألف (بكفالة) تكلفت بها (على أني بالخيار) فيها، (لزمه) الألف في جميع ذلك؛ لأن ما يذكره بعد قوله: له علي ألف رفع لجميع ما أقر به. فلا يقبل؛ كاستثناء الكل. وتناقض كلامه غير خاف فإن ثبوت الألف عليه في هذه الأمثلة لا يتصور، وإقراره إخبار بثبوته فتنافيا
(1)
.
ولأنه أقر بالألف وادعى ما لم يثبت معه فلم يقبل منه.
ولأنه في صورة ما إذا قال.: قبضه أو استوفاه إقرار على المقر له بالقبض أو الاستفياء، والإنسان لا يقبل إقراره على فعل غيره.
(و) إن قال: (له) علي كذا ويسكت، (أو) قال:(كان له علي كذا ويسكت: إقرار) في الصورتين.
(1)
في ج: فتناقض.
قال في " شرح المقنع ": فإن قال: كان له علي ألف وسكت لزمه الألف
في ظاهر قول أصحابنا. وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي.
وقال في الآخر: لا يلزمه شيء، وليس هذا بإقرار، لأنه لم يذكر عليه شيئا
في الحال إنما أخبر بذلك في زمن ماض فلا يثبت في الحال. وكذلك لو شهدت البينة به لم يثبت.
ولنا: أنه أقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فبقي
(1)
على ما كان عليه. ولهذا
لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه حكم له بها. إلا أنه هاهنا إن عاد فادعى القضاء أو الإبراء سمعت دعواه، لأنه لا تنافي بين الإقرار وبين ما يدعيه. وهذا على أحد الروايتين. انتهى.
وقال في " الإنصاف ": لو قال: كان له علي ألف وسكت فهو إقرار. قاله الأصحاب، ويخرج أنه ليس بإقرار. قاله في " المحرر " وغيره. انتهى.
(وإن وصله) أي: وصل إقراره في الصورتين (بقوله: وبرئت منه، أو) بقوله: (وقضيته، أو) بقوله: وقضيت (بعضه، أو قال) مدعي مائة: (لي عليك مائة، فقال: قضيتك منها) ولم يقل من المائة التي علي (عشرة ولم يعزه) أي: يعز إقراره (لسبب) مثل أن يقول: كان له
(2)
علي كذا من قرض أو من ثمن دار أو نحو ذلك: (فمنكر) أي: فهو غير مقر: (يقبل قوله بيمينه) طبق جوابه، ويخلى سبيله إن لم تقم عليه بينة على الأصح، لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلا. فكان القول قوله.
قال في " المحرر ": وإذا قال: له علي كذا وقضيته فهو منكر والقول قوله
مع يمنيه. نص عليه في رواية ابن منصور وغيره.
وعنه: أنه مقر بالحق مدع لقضائه، فيحلف خصمه أو يأتى بيينة به.
وعنه: أن هذا ليس بجواب صحيح، فيطالب برد الجواب.
(1)
في ب: فيبقى، وفي ج: رفعه فيبقى.
(2)
في أ: لي.
وإن قال: له علي كذا وقضيته إياه ففيه الروايتان الأولتان.
وعنه: ثالثة أنه قد أقر بالحق وكذب نفسه في الوفاء، فلا يسمع منه ولو أتى ببينة.
وإذا قال: كان له علي كذا وسكت فهو إقرار. ويتخرج أنه ليس بإقرار. انتهى.
وقال في " الإنصاف ": وإذا قال: كان له علي ألف وقضيته أو قضيت منه خمسمائة فقال الخرقي: ليس بإقرار. والقول قوله مع يمينه. وهو المذهب. اختاره القاضي وقال: لم أجد عن أحمد رواية بغير هذا.
قال أبو يعلى الصغير: اختاره عامة شيوخنا.
قال الزركشي: هذا منصوص أحمد في رواية جماعة.
وجزم به الجمهور: الشريف وأبو الخطاب والشيرازي وغيرهم.
وجزم به أيضا
(1)
في " الوجيز " و" المنور " و" منتخب الأدمي " وغيرهم. وقدمه في " المحرر " و" الفروع " وغيرهما. وصححه في " الخلاصة " و" النظم " وغيرهما.
وعنه: يقبل قوله في الخمسمائة مع يمينه. ولا يقبل قوله في الجميع.
وقال أبو الخطاب: يكون مقرا مدعيا للقضاء. فلا يقبل إلا ببينة. فإن لم
تكن بينه: حلف المدعي أنه لم يقبض ولم يبرأ واستحق.
وقال: هذا رواية واحدة. ذكرها ابن أبي موسى.
قال في " الفروع ": وعنه يكون مقرا. اختاره ابن أبي موسى وغيره. فيقيم
بينه بدعواه ويحلف
(2)
خصمه. اختاره أبو الخطاب وأبو الوفاء وغيرهما كسكوته
] قبل دعواه [
(3)
. انتهى.
(1)
في أ: أيضا به.
(2)
في أ: أو يحلف.
(3)
زيادة من " الإنصاف " 12: 169
قلت: واختاره ابن عبدوس في " تذكرته ". وقدمه في " المذهب "
و" الرعايتين " و" الحاوي الصغير ".
وعنه: أن ذلك ليس بجواب. فيطالب برد الجواب.
قال في "الترغيب " و"الرعاية": وهي أشهر. انتهى كلامه في "الإنصاف ".
ثم قال أيضا: لو قال: له علي ألف وقضيته، ولم يقل " كان " ففيها طرق للأصحاب:
أحدها: أن فيها الروايه الأولى.
ورواية أبي الخطاب ومن تابعه.
ورواية ثالثة: يكون قد أقر بالحق، وكذب نفسه في الوفاء فلا يسمع منه،
ولو أتى ببينة.
وهذه الطريقة: هي الصحيحة من المذهب. جزم بها في " المحرر " وغيره. وقدمها في " الفروع " وغيره. وقد علمت المذهب من ذلك. انتهى كلامه في "الإنصاف ".
وذكر فيه بعد ذلك ثلاث طرق غير هذه الطريقة.
وقد علمت من كلام الأصحاب أن ليس فيه ما يدل على ذكر السبب؛ لأف إذا
ذكر السبب فقد اعترف بما يوجب الحق من عقد أو غصب أو غيرهما فلا يقبل قوله في أنه بريء منه إلا ببينة.
ويصح الاستثناء في الإقرار. والاستثناء: إخراج ما تناوله موضوع اللفظ
بـ: " إلا " أو إحدى أخواتها. مأخوذ من ثنيت الدابة بالعنان إذا صرفتها عن وجهها.
أما استثناء ما دون النصف فيصح وجها واحدا. وقد جاء به الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا} ] العنكبوت: 14]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الشهيد: " تكفر عنه خطاياه كلها إلا الدين "
(1)
.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1885) 3: 1501 كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت =
وذلك في كلام العرب كثير.
وأما استثناء النصف ففيه وجهان: أصحهما يصح.
قال في " الإنصاف ": وهو المذهب. انتهى.
وأما استثناء ما زاد على النصف فلا يصح.
قال في " الإنصاف ": وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب. حتى قال صاحب "الفروع " في أصوله؛ استثناء الأكثر باطل عند أحمد وأصحابه. ونص عطيه الإمام أحمد في الطلاق في رواية إسحاق.
قال في " النكت ": قطع به أكثر الأصحاب.
فال المصنف في " المغني ": لايختلف المذهب فيه. وجزم به في
" الوجيز " وغيره. انتهى.
وقيل: يصح استثناء أكثر من النصف. وهو قول أكثر أهل العلم؛ لقوله سبحانه وتعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ] ص: 82 - 83].
وجوابه: أن المخلصين من بني آدم أقل ممن سواهم. وقد قال الزجاج:
لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير. ولو قال: مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية. ومعناه قول القتبي
(1)
وغيره.
(و) حيث تقرر ذلك فإنه (يصح استثناء النصف فأقل) من النصف: (فيلزمه) أي: يلزم المقر لإنسان (ألف) في قوله: له علي ألف (إلا ألفا، أو) في قوله: له علي ألف (إلا ستمائة)؛ لعدم صحة الاستثناء.
(و) يلزمه (خمسة في) قوله: (ليس لك علي عشرة إلاخمسة)؛ لصحة استثناء النصف.
(1)
= خطاباه إلا الدين.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2778) 2: 928 كتاب الجهاد، باب فضل غزو البحر.
في أ: القتببي، وفي ج: القيتني.
ويشترط لصحه الاستثناء ما أشير إليه بقوله،:(بشرط أن لايسكت) المستثني بين ذكره المستثنى والمستثنى منه (ما) أي: زمنا (يمكنه كلام فيه)، وألا يأتى بينهما بكلام أجنبي. والحاصل: أنه لا يصح الاستثناء إلا إذا كان الكلام متصلا بعضه ببعض؛ لأنه إذا سكت ما يمكنه كلام فيه، أو عدل عن إقراره إلى شيء آخر استقر حكم ما أدر به فلم يرتفع. بخلاف ما إذا كان كلامه متصلا فإنه لا يثبت حكمه وينتظر ما يتم به كلامه ويتعلق به حكم الاستثناء.
(و) يشترط لصحة الاستثناء أيضا (أن يكون) المستثنى (من الجنس والنوع) أي: من جنس المستثنى منه ونوعه؛ لأن الاستثناء إخراج بعض ما يتناوله اللفظ بموضوعه وغير ذلك لا يتناوله اللفظ؛ لأنه ليس بموضوع له.
(فـ) من قال عن إنسان: (له علي هؤلاء العبيد العشر إلا واحدا) فاستثناوه (صحيح)؛ لأنه مما تناوله اللفظ بموضوعه. (ويلزمه تسليم تسعة). ويرجع في تعيين المستثنى إليه؛ لأن الحكم تعلق بقوله وهو اعلم بمراده. (فإن ماتوا، أو قتلوا، أو غصبوا إلا واحدا، فقال: هو المستثنى قبل) ذلك منه (بيمينه) في الأصح.
وحكم الاستثناء بباقي أدواته حكم الإستثناء بـ " إلا ". فإذا قال: له علي عشرة سوى درهم، أو ليس درهماً، أو خلا درهما، أو عدا درهما، أو ما خلا درهما، أو ما عدا درهما
(1)
، أو لا يكون درهما، أو غيرهم بفتح الراء كان مقرا بتسعة.
وإن قال: غير درهم بضم الراء وهو من أهل العربية كان مقرا بعشرة"، لأنها تكون صفة للعشرة المقر بها، ولا يكون استثناء فإنها لو كانت استثناء كانت منصوبة، وإن لم يكن في أهل العربية لزمه تسعة، لأن الظاهر أنه يريد الاستثناء وإنما ضمها جهلا منه بالعربيةلا قصد الصفة.
(و) من قال عن إنسان: (له هذه الدار ولى نصفها، أو) قالب: (إلا
، أو) قال؛ (إلا هذا البيت، أو) قال؛ (هذه الدار له، وهذا البيت
(1)
في ج: أو ليس درهما، أو عدا درهما، أو خلا درهما، أو ما عدا درهما، أو ما خلا درهما.
لي: قبل) منه ذلك حيث لا بينة بما يخالف ذلك. (ولو كان) ذلك البيت (أكثرها) أي: أكثر الدار؛ لأن البيت لم يدخل في إقراره في الصورة التي ليس فيها " إلا "، وأما التي فيها "إلا " فاستثناء صحيح؛ لأنه استثناء النصف.
ولأن الإشارة حصرت الإقرار
(1)
فيما عدا المستثنى وعينته
(2)
. فيكون المقر
به معينا. فوجب أن يصح وإن كان أكثر الدار.
(لا إن قال: إلا ثلثيها ونحوه)، كما لو قال: إلا ثلاثة أرباعها، لأن المقر به شائع
(3)
وهو أكثر من النصف فوجب أن لا يقبل.
(و) من قال عن إنسان: (له) على (درهمان وثلاثة إلا درهمين، أو) قال: له علي (خمسة) أي: خمسة دراهم (إلا درهمين ودرهما، أو) قال: له علي (درهم ودرهم إلا درهما)، فإنه (يلزمه في) الصورتين (الأوليين خمسة خمسة) في الأصح فيهما.
أما في الصورة الأولى فإن الاستثناء يعود إلى أقرب المذكورين وهو الثلاثة،
لأن عوده إلى ما يليه متيقن، وما زاد مشكوك فيه. فيكون استثناؤه الدرهمين من الثلاثة وهما أكثر من نصف الثلاثه. فلا
(4)
يصح الاستثناء.
وأما في الصورة الثانية، فلأنه استثنى ثلاثه
(5)
من خمسة وهي أكثر من نصفها. فلم يصح الاستثناء.
) و) يلزمه) في) الصورة) الثالثة) وهي قوله: درهم ودرهم إلا درهما
) درهمان) في الأصح، لأنه استثناء للكل فلم يصح.
(و) من قال عن إنسان: (له علي مائة درهم إلا ثوبا، أو) قال: علي
مائة درهم (إلا دينارا: تلزمه المائة) درهم في الصورتين، لأنه استثناء من غير
(1)
في ب: الاستقرار.
(2)
في ج: وعينه.
(3)
في ج: سائغ.
(4)
في ب: ولا.
(5)
في ب: استثناء لأنه.
الجنس. فلم يصح؛ لأن الاستثناء صرف اللفظ بحرف الاستثناء عما كان يقتضيه لولاه، وغير الجنس ليس بداخل في الكلام. فإذا ذكره فما صرف الكلام عن صوبه فلا يكون استثناء. وإنما سمي استثناء تجوزا وإنما هو في الحقيقة استدراك. وإلا الواردة في نحو قول الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
(1)
بمعنى: لكن. هكذا قال أهل العربية منهم ابن قتيبة، وحكاه عن سيبويه. والاستدراك لا يأتى إلا بعد الجحد، ولذلك لم يأت الاستثناء في
(2)
كتاب الله سبحانه وتعالى من غير الجنس
(3)
إلا بعد النفي، ولا يأتي بعد الإثبات إلا أن يوجد بعده جملة.
إذا تقرر هذا فلا مدخل للاستدراك في الإقرار؛ لأنه إثبات للمقر به. فإذا
ذكر الاستدراك بعده كان باطلا. وإن ذكر بعده جملة كأنه قال: له عندي مائة درهم إلا ثوبا لي عليه، فمكون مقرا بشيء مدعيا لشيء سواه. فيقبل إقراره وتبطل دعواه.
(ويصح الاستثناء من الاستثناء)؛ لقوله سبحانه وتعالي: {قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ}
] الحجر: 58 - 60].
ولأن الاستثناء إبطال، والاستثناء منه رجوع إلى موجب الإقرار.
إذا تقرر هذا (فـ) من قال عن إنسان: (له علي سبعة، إلا ثلاثة، إلا درهما)، فإنه (يلزمه خمسة)؛ لأنه كما صح الاستثناء من الأصل صح من المستثنى، فيعود كل استثناء إلى ما قبله. فيعود استثناء الدراهم إلى الثلاثة فيبقى درهمان، تعود إلى السبعة فيبقى خمسة وهي المقر بها.
(1)
في ج: وبلدة ليس فيها أنيس إلا العيافير ولا العيس.
(2)
في ب: من.
(3)
فى ب: تمييزاً لجنس.
(وكذا) يلزمه خمسة في الأصح فيما إذا قال: له علي (عشرة إلا خمسة،
لا ثلاثة، إلا درهمين، إلا درهما)؛ لأن استثناء الثلاثه يبطل وما بعده. فكأنه استثنى خمسة فقط؛ لأن الاستثناء يستدعي ثبوت المستثنى منه. فإذا لم يكن ثابتا بطل لذلك.
وفي هذه المسألة أربعة أوجه غير المذكور:
أحدها: يلزمه ستة.
وفي الآخر: سبعة.
وفي الآخر: ثمانية.
وفي الآخر: عشرة.
وإن قال: له علي ثلاثة دراهم، إلا ثلاثة دراهم، إلا درهمين: بطل الاستثناء كله؛ لأن الاستثناء الأول باطل فكذا فرعه.
] فصل: إذا أقر بمؤجل]
(فصل. إن قال) إنسان عن إنسان: (له علي ألف) اي: ألف درهم مثلا (مؤجلة إلى كذا) أي: إلى زمن معين: (قبل قوله في تأجيله). نص عليه، لأنه مقر بالمال بصفة التأجيل. فلم يلزمه إلا كذلك؛ كما لو قال: له علي ألف درهم سواء. وفي الأصح: (حتى ولو عزاه) أي: عزى التأجيل (إلى سبب قابل للأمرين) أي: للحلول والتأجيل، كقوله: ضمنت له عن فلان ألفا مؤجلة، أو له علي ألف من ثمن مبيع مؤجلة إلى كذا، لأنه مقر به كذلك. (وإن) قال: له علي مائة درهم ثم (سكت ما) أي: زمنا (يمكنه كلام فيه، ثم قال: مؤجلة، أو) قال: (زيوف، أو) قال: (صغار لزمته) مائة درهم (حالة جياد وافية)، لأن الإقرار حصل منه بالمائة مطلقا. فينصرف إلى الجيد الحال الوافي.
ولأن ما أتى به بعد سكوته لا يلتفت إليه، كما لو لم يأت به.
(إلا من) كان (ببلد أوزانهم) أي: أوزان أهلها (ناقصة، أو نقدهم مغشوش: فيلزمه من دراهمها) أي: دراهم تلك البلد في الأصح، لأن إطلاق الدراهم تنصرف إلى نقد البلدة
(1)
التي هو
(2)
فيها. ولهذا لو قال: بعتك بعشرة دراهم انصرف إليه فكذلك الإقرار.
(و) لو قال: (له علي ألف زيوف، قبل تفسيره) الدراهم (بمغشوشة)،
لأن الدراهم المغشوشة تسمى زيوفا، (لا) تفسيره (بما) أي: بشيء (لا فضة فيه)؛ لأن ما لا فضة فيها لا تسمى دراهم فلا ينصرف إقراره إليها.
(1)
في ب: البلد، وفي ج: تلك البلدة.
(2)
ساقط من ب.
(وإن قال): له علي مائة درهم (صغار، قبل) تفسيره (بناقصة) أي: بالدراهم الناقصة. وهي دراهم طبرية كان كل درهم منها أربعة دوانق وذلك ثلثا درهم. (وإن قال): له علي مائة درهم (ناقصة، فـ) تلزمه دراهم (ناقصة)؛
لأن الدراهم يعبر بها عن
(1)
الموازنة والمناقصة والزيوف والجيدة. فإذا وصفها بشيء من ذلك تقيدت به، كالثمن.
(وإن قال): له على مائة درهم (وازنة، لزمه العدد والوزن) في الأصح.
قاله في تصحيح " الفروع " وهو الصواب. وقدمه في " الرعاية الكبرى ".
(وإن قال): له علي مائة درهم (عددا، وليس) المقر (ببلد يتعاملون) أي: يتعامل أهلها (بها) أي: بالدراهم (عددا: لزماه) أي: لزمه العدد والوزن في الأصح.
(و) إن قال: (له علي درهم) وأطلق، (أو) قال:(درهم كبير، أو) قال:
] (دريهم: فـ) إنه يلزمه (درهم إسلامي وازن)؛ لأن الدرهم كبير في العرف، والتصغير قد يكون لصغر
(2)
في ذاته، وقد يكون لقلة قدره عنده، وقد [
(3)
يكون لمحبته؛ كما قال الشاعر:
بذيالك الوادي أهيم
(4)
ولم أقل بذيالك الوادي وذياك من زهد
(و) من قال عن إنسان: (له عندي ألف، وفسره بدين، أو) فسره
بـ (وديعة: قبل) منه ذلك.
قال في " شرح المقنع ": لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا، سواء فسره بكلام متصل أومنفصل، لأنه فسر لفظه بما يقتضيه فقبل. انتهى.
(فلو) فسره بوديعة، ثم (قال: قبضه، أو) قال: (تلف قبل ذلك،
أو) قال: (ظننته) أي: ظننت الألف الذي هو وديعة (باقيا ثم علمت تلفه:
(1)
في ب: على.
(2)
في أ: لصغره.
(3)
ساقط من ب. وذكر لفظ: درهم فإنه.
(4)
في ب: بذلك الوادى أخيم.
قبل) قوله بيمينه؛ لثبوت أحكام الوديعة بتفسيره بالوديعة. وإن فسره بدين عليه قبل أيضا؛ لأنه مقر على نفسه بما هو أغلظ فيؤخذ به.
(وإن قال) من ادعي عليه بألف هو: (رهن، فقال المدير): بل (وديعة): فالقول قول المدعي بيمينه؛ لأن العين ثبتت بالإقرار له، وادعاء المدعى عليه دينا لا يعترف له به المدعي القول قوله فيه؛ لأنه منكر.
ولأنه أقر بمال لغيره وادعى أن له به تعليقا. فلم يقبل منه، كما لو ادعاه بكلام منفصل.
وكذا لو أقر له بدار وقال: استأجرتها سنة، أو أقر له بثوب وادعى أنه قصره
له بأجرة، أو خاطه له بأجرة: يلزم المقر الثوب ولا تقبل دعواه؛ لأنه مدع على غيره حقا فلا يقبل منه إلاببينة.
نقل أحمد بن سعيد عن الإمام أحمد: إذا قال: لي عندك وديعة، قال:
هي رهن علي كذا فعليه البينه أنها رهن.
(أو قال): لزيد علي ألف (من ثمن مبيع لم أقبضه، فقال) مدعي ذلك: (بل) هو (دين في ذمتك: فقول مدع) بيمينه أنه دين في الأصح؛ لأنه اعترف له بالألف وادعى عليه مبيعا. أشبه ما لو قال: له علي ألف ولي عنده مبيع
(1)
لم أقبضه.
(و) لو قال: (له علي) ألف وفسره متصلا بوديعة، (أو) قال المقر:
لزيد (في ذمتي ألف، وفسره متصلا بوديعة: قبل) تفسيره بالوديعة في الصورتين في الأصح، لأن الوديعة عليه حفظها وردها.
(ولا يقبل دعوى تلفها، إلا إذا انفصلت عن تفسيره).
قال في " الفروع ": وإن قال: له علي أو في ذمتي ألف: لم يقبل تفسيره بوديعة.
وقيل: بلى، كمتصل، فإن زاد المتصل وقد تلفت لم يقبل. ذكره القاضي
(1)
في ج: ألف.
وغيره. بخلاف المنفصل؛ لأن إقراره تضمن الأمانة ولا مانع. انتهى.
قال في " الإنصاف ": وإن قال: له علي ألف وفسره بوديعة: لم يقبل.
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.
تم قال بعد قليل: تنبيه: محل الخلاف: إذا لم يفسره متصلا، فإن فسره به.
متصلا: قبل قولا واحدا. لكن إن زاد في المتصل وقد تلفت لم يقبل. ذكره القاضي وغيره. بخلاف المنفصل؛ لأن إقراره تضمن الأمانة ولا مانع. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
(وإن) قال: لزيد علي ألف ثم (أحضره) أي: أحضر المقر الألف (وقال: هو هذا) الألف الذي اقررت به (وهو وديعة، فقال مقر له: هذا وديعة، وما أقررت به دين: صدق) المقر له في ذلك بيمينه في الأصح.
قال في " تصحيح الفروع ": وهو الصحيح. وهو ظاهر ما جزم به في
" الرعايتين " و" الحاوي الصغير ". وصححه في " النظم ". وقدمه في
" الكافي " و" شرح ابن رزين ".
قال الشيخ- يعني الموفق-: وهو مقتضى كلام الخرقي.
(و) من قال عن إنسان: (له في هذا المال ألف): فهو إقرار يلزمه تسلميه، (أو) قال: له (في هذه الدار نصفها) فهو إقرار (يلزمه تسليمه) إلى المقر له، (ولا يقبل تفسيره بإنشاء هبة). يعني: فلو قال: قصدت إنشاء الهبة
لم يقبل منه؛ لأنه خلاف الظاهر؛ لأن قوله: له في هذا المال أو في هذه الدار ظاهر في الإقرار ولم يوجد ما يصرفه عن ظاهره. فوجب أن لا
(1)
يقبل خلافه. (وكذا) إن قال: (له في ميراث أبي ألف) فإنه يكون إقرارا، (وهو دين
على التركة)؛ لأنه بإضافة الإقرار إلى ميراث أبيه اقتضى استحقاق الألف، ومال الميت إنما يستحق بالإرث أو الدين
(2)
. فإذا لم يكن المقر له وارثا تعين الدين.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ج: والدين.
(ويصح) من جائز التصرف في ماله أن يقول: (ديني الذي على زيد لعمرو)] لأن إضافة الدين إلى نفسه لا تمنع استحقاق عمرو له [
(1)
؛ لأنه قد يكون وكيلا لعمرو أو عاملا له في مضاربة أو غير ذلك. (كـ) قوله عن إنسان: (له من مالي) ألف، (أو) له (فيه) ألف، (أو) له (في ميراثي من أبي الف، أو) له فيه (نصفه، أو) له (داري هذه، أو) له (نصفها، أو) له (منها) نصفها، (أو) له (فيها نصفها): فإن ذلك كله يصح، ويكون إقرارا في الأصح، (ولو لم يقل: بحق لزمني) في الأصح؛ لأنه يجوز أن يضيف الإنسان إلى نفسه مال غيره؛ لاختصاص له به، بأن يكون له عليه يد أو ولاية
(2)
. قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} ] النساء: 5].
وقال سبحانه وتعالى في النساء: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} ] الطلا ق: 1].
وقال لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ] الأحزاب: 33 [فلا
يبطل إقراره
(4)
مع احتمال صحته.
(فإن فسره) أي: فسر إقراره (بهبة، وقال: بدا لي من تقبيضه قبل) منه ذلك؛ لأنه محتمل. وإن امتنع من تقبيضها لم يجبر عليه؛ لأن الهبة لا تلزم قبل القبض.
(و) إن كان قال: (له الدار ثلثاها، أو) قال: له الدار (عارية، أو) قال: له الدار (هبة، أو) قال: له الدار (هبة سكنى، أو) قال: له الدار (هبة عارية: عمل بالبدل) وهو قوله: ثلثاها، أو قوله: عارية، أو قوله: هبة الذي هو بدل من الدار. ولا يكون إقرارا بالدار؛ لأنه رفع بآخر كلامه ما. دخل في أوله، وهو بدل اشتمال في غير قوله: له الدار ثلثاها أو نصفها أو نحو ذلك؛
(1)
في أ: لأنه لا يمنع استحقاق عمرو له إضافة الدين إلى نفسه.
(2)
في ب: بدار أو لاية، وفي ج: بدار ولاية.
(3)
في ب: النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
فى ب: إقرار.
لأن الأول مشتمل على الثانى؛ كقوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} ] البقرة: 217 [فالشهر يشتمل على القتال.
وقوله: له الدار إقرار بالملك.
وقوله: هبة بدل اشتمال من الملك فقد أبدل من الملك بعض ما يشتمل عليه وهو الهبة فكأنه قال: له ملك الدار هبة.
(و) حينئذ (يعتبر شرط هبة) فيصح ذلك مع توفر شروط الهبة. وهذا في الأصح.
وقيل: لا يصح؛ لكونه من غير الجنس.
قال في " الفروع ": ويتوجه عليه منع: له هذه الدار ثلثاها. وذكر الشيخ صحته. انتهى.
(ومن أقر أنه وهب واقبض، أو) أنه (رهن وأقبض، أو أقر بقبض ثمن أو غيره) أي: غير الثمن، (ثم قال: ما أقبضت) الهبة، أو: ما قبضت الرهن (ولا قبض)
(1)
ثمن المبيع (وهو غير جاحد لإقراره، أو) باع أو وهب أو رهن وادعى (أن العقد وقع تلجئة، ونحوه)، كعينة، (ولا بينة) بالإقباض أو القبض ولا بما يدعيه من كون العقد وقع تلجئة أو نحوه، (وسأل إحلاف خصمه) على ذلك:(لزمه) أن يحلف على الأصح، لأن العادة جارية بالإقرار بالمبض قبله وبيع التلجئة ونحوه فيحتمل صحه ما قاله. فوجب أن يحلف، لنفي الاحتمال. (ولو
(2)
أقر) من يصح إقراره (يبيع، أو) أقرب (هبة، أو) أقرب (إقباض ثم ادعى فساده) أي: فساد ما أقر به (وأنه أقر يظن الصحة: لم يقبل) قوله ذلك، (وله تحليف المقر له)؛ لاحتمال صحة دعوى فساده. (فإن نكل) المقر له عن اليمين. (حلف هو) أي: المدعي فساده (ببطلانه) اي: أنه باطل وبرئ مما أقر به.
(ومن باع) شيئا، (أو وهب) شيئا، (أو أعتق عبدا، ثم أقر به) أى:
(1)
في ج: ولا قبضته.
(2)
في ب: فلو.
بما باعه أو وهبه أو أعتقه (لغيره: لم يقبل) فوله على المشتري ولا على الموهوب له ولا على العبد الذى أعتقه؛ لأنه إقرار على غيره ولا ينفسخ البيع ولا الهبة ولا يبطل العتق. (ويغرمه) يعنى: وتلزمه غرامته (للمقر له)؛ لأنه فوته عليه بالبيع أو الهبة أو العتق.
(وإن قال: لم يكن ملكي، ثم ملكته بعد: قبل) قوله (ببينة) أى: أن تقام
بما قاله بينة لا بدونها؛ لأن الأصل أن الإنسان إنما يتصرف فيما له التصرف فيه. ومحل قبول قوله بالبينة: (ما لم يكذبها، بأن كان أقر: أنه ملكه
(1)
، أو قال: قبضت ثمن ملكي، ونحوه) أي: نحو ذلك، فإن بينته
(2)
لا تسمع؛ لأنها تشهد. بخلاف ما أقر به. وذو الشيخ تقي الدين فيما إذا ادعى بائع بعد البيع أنه كان وقفا عليه أنه بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن.
] (ومن قال) عن إنسان: (قبضت منه ألفا وديعة، قتلفت، فقال) ذلك الإنسان: بل الألف (ثمن مبيع لم يقبضنيه
(3)
: لم يضمن) الألف ولا ضيئا منه، وحلف أن الأمر كما ذكره [
(4)
؛ لأنه لم يقر بفعل الدافع، (ويضمن) الألف (أن قال): قبضته منه (غصبا)؛ لأن الغصب مضمون بكل حال. (وعكسه) أي: عكس قوله
(5)
: قبضب منه ألفا لو قال
(6)
: (أعطيتني ألفا وديعة، فتلفت، فقال) المقر له بل أخذت مني الألف (غصبا): حلف المقر له أنه غصبه الألف وضمنه للمقر له؛ لأن المقر أقر بفعل الدافع بقوله: أعطيتنى
(1)
فى ج: ملكها.
(2)
في ب: فالبينة.
(3)
في ج: تقبضنيه.
(4)
ساقط من أ
(5)
ساقط من ب.
(6)
في ب: ألفا وديعة قال.
] فصل: في الإضراب في الإنكار]
(فصل. ومن قال: غصبت هذا العبد من زيد، لا بل من عمرو): لزمه دفعه إلى زيد لإقراره له به. ولم يقبل رجوعه عنه، لأنه حق لآدمي على ما سبق. ويغرم قيمته لعمرو؛ لأنه حال بينه وبين ملكه لإقراره به لغيره. فلزمه ضمانه؛ كما لو أتلفه.
ولأنه أضرب عن الأول وأثبته للثانى
(1)
. فلا يقبل إضرابه بالنسبة إلى الأول، لأنه إنكار بعد إقرار. ويقبل بالنسبة إلى الثانى؛ لأنه لا دافع له. فإذا تعذر تسليمه إليه من أجل تعلق الأول به تعين دفع القيمة إليه في الأصح.
(أو) قال: (غصبته منه) أي: من زيد، (وغصبه هو من عمرو): لزمه دفعه لزيد، لأن إقراره تضمن كونه له بإقراره بالغصب منه فوجب دفعه إليه. ويغرم قيمته لعمرو، لأن إقراره أن زيدا غصبه من عمرو إقرار بالملك لعمرو دون زيد، وقد فوت ملكه عليه بإقراره به لزيد أولا، فوجب أن يغرم قيمته لعمرو. (أو) قال إنسان عن شى بيده:(هذا لزيد، لا بل لعمرو): فهو لزيد؛ لإقراره بالملك له. ويغرم قيمته لعمرو؛ لإقراره له به، وتفويت عينه عليه لإقراره به لزيد أولا وعدم قبول رجوعه عن إقراره الأول.
(أو) قال: (ملكه لعمرو، وغصبته من زيد: فهو لزيد)؛ لإقراره له باليد، (ويغرم قيمته لعمرو)؛ لإقراره بالملك له ووجود الحيلولة بالإقرار باليد لزيد.
وقيل: يلزمه دفعه إلى عمرو ويغرم قيمته لزيد.
(و) إن قال: (غصبته من زيد، وملكه لعمرو: فهو لزيد)، لأنه قد أقر
(1)
في ج: وأثبت الثانى.
بالغضب منه، (ولا يغرم لعمرو شيئا)؛ لأنه إنما شهد بالملك له. أشبه ما لو شهد له بمال في يد غيره.
وقيل: يغرم قيمته لعمرو كالتي قبلها.
(وإن قال: غصبته من أحدهما)، أو هو
(1)
لأحدهما صح الإقرار
(2)
؛ لأنه
يصح بالمجهول فصح للمجهول. و (لزمه تعيينه) فمن عينه منهما لزمه دفعه إليه، لإقراره أنه هو المستحق، (ويحلف للآخر) إن ادعى أنه هو المغصوب منه؛ لتكون اليمين سببا لثبوت رد العبد أو بدله. ولا يغرم
(3)
لمن حلفه
(4)
شيئا؛ لأنه لم يقر له
(5)
بشيء
(6)
.
(وإن قال: لا أعلمه) أي: لا أعرف عين
(7)
الذي غصبته منه، (فصدقاه) على عدم علمه به:(انتزع) المغصوب (من يده)؛ لأنه ظهر بإقراره أنه لا حق له فيه، (وكانا خصمين فيه)، لأن كلا منهما يدعيه ولم يتعين مستحقه
(8)
منهما.
(وإن كذباه) بأن قال كل منهما: أنت تعلم أنه لي ولم تبين ذلك: (حلف
لهما يمينا واحده) في الأصح. ثم إن كان لأحدهما بينة حكم له ببينته، وإن لم يكن لواحد منهما بينه أقرعنا بينهما، فمن قرع صاحبه حلف وأخذ العبد. ثم إن عين الغاصب بعد ذلك أحدهما قبل منه، وكان لمن عينه له الغاصب، كما لو بينه قبل ذلك. وإن نكل عن اليمين لهما أنه لا يعلم عين المغصوب منه: سلم العبد إلى أحدهما بقرعة، وغرم قيمته للآخر.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ج: أي أحد هؤلاء صح إقراره.
(3)
في ب: يلزم.
(4)
في ج: حلف.
(5)
ساقط من ب.
(6)
في ج: لم يغرم له شيء.
(7)
في ج: يمين.
(8)
في ب: مستحق.
ومن كان بيده عبدان فقال: أحد هذين العبدين لزيد، فادعى] عليه زيد بموجب إقراره: طولب بالتبيان، فإذا عين أحدهما فصدقه زيد أخذه، وإن قال: هذا لي والعبد للآخر
(1)
فعليه اليمين في [
(2)
الذي ينكره. وإن قال زيد: إنما لي العبد الآخر: فالقول قول المقر مع يمينه في العبد الذي أنكره، ولا يدفع إلى زيد العبد الذي أقر له به؛ لأنه لم يصدقه على اقراره.
وإن أبى التعيين فعينه المقر له، وقال: هذا عبدي: طولب المقر بالجواب. فإن أنكر حلف وكان ذلك بمنزلة تعيينه للعبد الآخر. وإن نكل عن اليمين قضى عليه، وإن أقر له فهو كتعيينه.
(و) من بيده عبد أو نحوه وقال: (أخذته من زيد) فطلبه زيد، (لزمـ) ــه (رده) إليه؛ (لاعترافه) له (باليد.
و) إن كان قال: (ملكته) على يد زيد، (أو) كان
(3)
قال: (قبضته) على يد زيد، (أو) كان قال:(وصل إلي على يده) أي. يد زيد: (لم يعتبر لزيد قول) من قبول أو تصديق أو إنكار؛ لأنه لم يعترف له بيد، بل كان سفيرا. (ومن قال: لزيد علي مائة درهم، وإلا) أي: وإن لم يكن مائة درهم لزيد (فلعمرو) على مائة درهم (أو) كان قال: (لزيد) علي (مائة درهم، وإلا) أي: وإن لم يكن لزيد علي مائة درهم (فلعمرو) علي (مائة دينار: فهى) أي: فالمائة درهم (لزيد)؛ لأنه أقر له بها، (ولا شيء لعمرو)؛ كقوله بعد: لزيد وإلا فلعمرو في الأصح.
وقيل: لهما المقدران
(4)
.
وإن أقر لأحدهما أو بأحدهما: لزمه ومحليه تعيينه.
(1)
في أ: الآخر.
(2)
ساقط من ب.
(3)
ساقط من ب.
(4)
فى ب: المقداران.
(ومن أقر) لإنسان (بألف في وقتين، فإن ذكر) في إقراره (ما) أي:
شيئا (يقتضي التعدد) أي: تعدد الألف الذي أقر به؛ وذلك (كسببين) مثل أن يقول: له علي ألف من قرض، ثم يقول: له علي ألف من ثمن مبيع؛ (أو أجلين) مثل أن يقول. له علي ألف محله المحرم، ثم يقول: له علي ألف محله صفر، (أو سكنين). مثل أن يقول:] له علي ألف ضرب مصر، ثم يقول [
(1)
: له علي ألف ضرب اليمن، أو نحو ذلك:(لزماه ألفان)؛ لأن الذي سببه القرض غير الذي سببه كقد البيع.
ولأن الذي محله المحرم غير الذي محله صفر.
ولأن مضروب مصر غير مضروب اليمن أو نحوها؛ فهو مقر بكل ألف على صفة. فوجبا؛ كما لو أقر بهما دفعة واحدة.
(وإلا) أي: وإن لم يذكر ما يقتضي التعدد: لزمه (ألف) واحدا، (ولو لكرر الإشهاد) عليه بالألف؛ لأنه يجوز أن يكون كرر الخبر عن الأول؛ كما كرر الله سبحانه وتعالى الخبر عن إرساله نوحا وهودا وصالحا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، ولم يكن المذكور منهم في قصة غير المذكور في أخرى. كذا هاهنا. وكذا إذا قال إنسان: رأيت زيدا، ثم قال بعده: رأيت زيدا، فهما رؤية واحدة.
ولأن احتمال كونهما ألفا واحدا قائم، والأصل براءة الذمه من الزائد، فوجب الحمل على ذلك.
(وإن قيد أحدهما) أي: أحد الألفين (يشيء) مثل أن يقول: لزيد علي ألف من قرض، ثم يقول. لزيد علي ألف ولم يزد على ذلك:(فيحمل) هذا (المطلق) وهو قوله: لزيد علي ألف (عليه) أي: على المقيد وهو قوله: لزيد على ألف من قرض؛ لما تقدم من كون الأصل براءة الذمة من الزائد. فوجب حمل المطلق على المقيد.
(1)
ساقط من ب.
قال في " الفروع ": قال الأزجي: لو أقر بالألف ثم أقام بينة أن المقر له أقر
في شعبان بقبض خمسمائة، وبينة أنه أقر في رمضان بقبض ثلاثمائة، وبينة أنه أقر في شوال بقبض مائتين، لم يثبت إلا قبض خمسمائة والباقي تكرار. ولو شهدت البينتان بالقبض في شعبان وفي شوال ثبت الكل؛ لأن هذه تواريخ] القبوض، والأول تواريخ [
(1)
الإ قرار.
قال: ولو أقر بألف ثم في وقت آخر بخمسمائة لزماه؛ لنقص الواجب.
قال القاضي: عندنا
(2)
لو شهد في كتاب بدين ثمن مبيع أو قرض تم نقل شهادته إلى كتاب آخر
(3)
: شهد مثل تلك
(4)
الشهادة، ولا يفتقر قوله في الكتاب الثانى: أقر عندي بما في كتاب ما في هذا الكتاب نسخته. ذكره القاضي خلافا لأبي حنيفة.
وقال: الاحتياط قوله " لأنه قد يشهد به عند حاكم يرى أنهما إقراران. فوجب رفع الاحتمال. انتهى كلامه في " الفروع ".
(وإن ادعى اثنان دارا بيد غيرهما) وهما مقران بكونهما (شركة بينها بالسوية، فأقر) من هي بيده (لأحدهما بنصفها: فالمقر به بينهما)، لأنهما اعترفا أن الدار لهما مشاعة. فإذا غصب غاصب نصفها كان منهما والباقي بينهما. هذا المذهب.
وقيل: إن أضافا الشركة إلى سبب واحد، كالشراء والإرث ونحوهما فالنصف بينهما، وإلا فلا.
(ومن قال بمرض موته: هذا الألف لقطة، فتصدقوا به، ولا مال له غيره:
لزم الورثة الصدقة بجميعه) أي: جميع الألف على الأصح، (ولو كذبوه) أي: كذب الورثة مورثهم في الأصح، لأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من ب.
(3)
زيادة من " الفروع " 6: 631.
(4)
في أ: ذلك.
على وجه تلزمه به الصدقة بجميعه
(1)
. فيكون ذلك إقرارا منه لغير وارث فيجب امتثاله. وكا لإقرار
(2)
في الصحة.
ولو قال فيها لوكيله: هذا الألف لقطة فتصدق به لزمه، فكذا إذا قال ذلك
في مرضه.
(ومن ادعى دينا على ميت- وهو جميع تركته - فصدقه الورثة، ثم) ادعى (آخر مثل ذلك فصدقوه)، وكان تصديق الورثة للمدعيين (في مجلس) واحد:(فـ) التركة (بينهما)؛ لأن حالة المجلس كلها كحالة واحدة؛ بدليل صحة القبض فيما يعتبر له القبض فيه، وإمكان الفسخ في الخيار فيه، ولحوق الزيادة في العقد فكذا في الإقرار.
(وإلا) أي: وإن لم يكن تصديق الورثة للمدعين بمجلس واحد: (فـ) التركة جميعها (للأول) أي: لمن صدقه الورثة أولا، ولم يقبل إقرارهم للآخر " لأنهم يقرون] بحق على غيرهم، فإنهم يقرون [
(3)
بما يقتضي مشاركة الأول في التركة وينقص
(4)
حقه منها ولا يقبل إقرار الإنسان على غيره.
(وإن اقروا بها) أي: أقر الورثة بالتركة مع عدم دين على التركة (لزيد،
ثم) أقروا بها (لعمرو: فهى لزيد) سواء أقروا بذلك في مجلس أو أكثر؛ لأنهم بإقرارهم لزيد ثبت له الملك فيما أقروا له به. فصار إقرارهم لعمرو إقرار بملك غيرهم فلم يقبل منهم. (ويغرمونها) أي: يغرم الورثه (لعمرو) نظير التركة؛ لأنهم فوتوها عليه بإقرارهم بها لزيد. .
(وإن أقروا) أي: أقر لورثة (لهما) أي: لزيد وعمر و (معا) أي: في وقت واحد: (فـ) التركة (بينهما) أي: بين زيد وعمرو بالسوية.
(و) إن أقر الورثة بالتركة (لأحدهما) أي: أحد الرجلين دون الآخر:
(1)
في ب: جميعه.
(2)
في ج: فكالإقرار.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: وتنقيص، وفي ج: وينتقض.
(فهى لى) وحده، لأنه بإقرارهم له ثبت له الملك فيما أقروا له به. (ويحلفون للآخر) إن ادعاها من غير أن تكون له بينة.
(ومن خلف ابنين ومائتين) مثلا، (وادعى شخص مائة دينا
(1)
على الميت، فصدقه أحدهما) أي. أحد الابنين، (وأنكر) الابن (الآخر: لزم) الابن (المقر نصفها) أي: نصف المائة المدعى بها أنها دين على الميت؛ لأنه مقر على أبيه بدين ولا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه.
ولأنه يقر على نفسه وأخيه فلا يقبل إقراره على أخيه ويقبل على نفسه.
(إلا أن يكون) المقر بالدين (عدلا، ويشهد) لرب الدين بالمائة،
(ويحلف معه) رب الدين: (فيأخذها) أي: فيأخذ المائة التي شهد له بها أحد الابنين، (وتكون) المائة (الباقية بين الابنين). وإنما لزم المقو بالدين نصف المائة، لأنه يرت نصف التركة فيلزمه نصف الدين، لأنه بقدر ميراثه ولو لزمه جميع الدين لكونه ضامنا لأبيه لم تقبل شهادته على أخيه، لكونه يدفع بشهادته عن نفسه ضررا.
ولأنه يرث نصف التركة. فيلزمه نصف الدين؛ كما لو ثبت الدين ببينه أو
إقرار
(2)
الميت.
(وإن خلف) ميت (ابنين وقنين)، عبدين أو أمتين، أو عبد أو أمة
(متساويى القيمة لا يملك غيرهما، فقال أحد الابنين) عن أحد القنين: (أبي أعتق هذا بمرض موته، وقال) الابن (الآخر) عن الآخر: (بل) أعتق (هذا: عتق من كل) بالتنوين أي: من كل واحد من القنين (ثلثه، وصار لكل ابن) من (الابنين) سدس من) أي. القن الذي (أقر بعتقه، ونصف) القن (الآخر) الذي أنكر عتقه؛ لأن كل واحد من الابنين حقه نصف العبدين. فيقبل قوله قي عتق حقه من الذي عينه وهو ثلثا النصف الذي له وذلك ثلث جميعه.
(1)
في الأصول: دينار. وما أثبتناه من " منتهى الإرادات " 2: 704.
(2)
في ب: الإقرار.
ولأنه يعترف
(1)
بحرية ثلثيه فيقبل قوله في حقه منهما وهو الثلث، ويبقى الرق في ثلثه فيكون له نصفه وهو السدس ونصف العبد الذي ينكر عتقه؛ لأن كل ابن منهما يملك نصف كل قن من القنين وقد عتق ثلث الذي أقر بعتقه يبقى سدسه ونصف الآخر على ما كانا علمه قبل الإقرار.
(وإن قال أحدهما) أى: أحد الابنين عن قن من القنين: (أبي أعتق هذا، وقال) الابن (الآخر. أبي أعتق أحدهما، وأجهله) يعني: ولا أدري من أعتقه منهما: (أقرع بينهما) أي: بين القنين؛ لأن القرعة تقوم مقام تعيين الذي لم يعين، (فإن وقعت) أي: خرجت القرعة (على من عينه أحدهما) أي: أحد الابنين من القنين: (عتق ثلثاء)؛ كما لو عينا من خرجت له القرعة بقولهما: (إن لم يجيزا باقيه) أي: عتق بافيه، وإن أجازا عتق باقيه عتق كله عملا بالعتق السالم عن المعارض.
(وإن وقعت) القرعة (على الآخر) وهو الذي لم يعينه أحد الابنين، (فكما لو عين) الابن (الاخر الثاني) يعني: كان الأمر كما لو عين كل واحد من الابنين قنا غير الذي عنه الآخر، فيكون لكل واحد من الابنين
(2)
سدس العبد الذي عينه، ونصف العبد الذي أفكر عتقه، ويصير ثلث كل واحدة من القنين حرا. وإن قال كل واحد من الابنين: أبونا] أعتق أحدهما ولا ندري من أعتقه منهما: أقرع بمن القنين. فمن خرجت له القرعة عتق ثلثاه إن لم يجيزا
(3)
]
(4)
عتق جميعه وكان الآخر رقيقا.
ومن رجع من الابنين الذي ذكر أنه يجهل عين المعتق وقال: قد عرفت المعتق منهما وكان ذلك قبل القرعة. فهو كما لو عينه ابتداء من غير دعوى جهل.
(1)
فى ب: معترف.
(2)
في ج: الاثنين.
(3)
في ج: يجيزوا.
(4)
ساقط من ب.
وإن كان ذلك بعد
(1)
القرعة فوافقها تعيينه لم يتغير
(2)
الحكم، وإن خالفها عتق من الذي عينه ثلثه بتعيينه. فإن عين الذي عينه أخوه عتق ثلثاه، وإن عين الآخر عتق منه ثلثه. وهل يبطل العتق في الذي عتق بالقرعة؛ على وجهين.
قال في " الإنصاف ": واطلقهما في " المغني " و " الشرح " و " شرح الوجيز " ولم يزد على ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم
(3)
.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: يعتبر.
(3)
في ب: والله أعلم.
] باب: الإقرار بالمجمل]
هذا (باب الإقرار بالمجمل. وهو) أي: والمجمل: (ما احتمل أمرين فأكثر على السواء).
وقيل: هو ما لا يفهم معناه عند إطلاقه.
(ضد المفسر). ومن المجمل قوله سبحانه وتعالى: (وثبثة قروء)
] البقرة: 228 [؛ لأن الأقراء موضوعة لكل واحد من الطهر والحيض.
(من قال) عن إنسان: (له علي شيء، أو) قال: له علي (كذا، أو كرر) ذلك (بواو) بأن قال: له علي كذا وكذا وكرره، (أو بدونها) أي: بدون واو بأن قال: له علي كذا كذا. صح إقراره حيث كان يصح منه إقراره بالمبين. و (قيل له: فسر)
(1)
يعنى: ولزمه تفسيره.
قال في " شرح المقنع ": بغير خلاف.
ويفارق الإقرار الدعوى حيث لا تصح بالمجهول؛ لكون الدعو ى للمدعي والإقرار على المقر، فلزم تبيين ما عليه من الجهالة دون الذي له.
ولأن المدعي إذا لم يصح دعواه فله داع إلى تحريرها، والمقر
(2)
لا داعي له
إلى تحرير ما أقر به، ولا يؤمن رجوعه عن إقراره. فيضيع حق المقر له. فلذلك ألزمناه تفسيره مع الجهالة.
(وإن أبى) أن يفسره: (حبس حتى يفسر) في الأصح.
وقال القاضي: يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان، فإن بين شيئا فصدقه
(1)
في ج: فسره.
(2)
في ب: والمدعى.
المقر ثبت عليه، وإن كذبه وامتنع من البيان قيل له: إن بينت وإلا جعلناك ناكلا. ووجه الأول: أنه ممتنع من حق عليه. فيحبس به؛ كما لو عينه وامتنع من
أدائه.
ومع ذلك متى عينه المقر له وادعاه فنكل المقر فهو على ما ذكر القاضي. (ويقبل) منه تفسيره (بحد قذف) عليه للمقر له في الأصح؛ لأنه حق علمه ويلزمه بتفسيره حد القذف فقبل لذلك.
(و) يقبل تفسره أيضا (بحق شفعة)
(1)
في الأصح، لأنه حق واجب ويؤول إلى المال فقبل لذلك.
(و)
(2)
يقبل تفسيره أيضا (بما يجب رده؛ ككلب مباح نفعه)؛ ككلب الصيد والماشية في الأصح؛ لأنه شيء يجب رده وتسليمه إلى المقر له والإيجاب يتناوله. فقبل لذلك.
(و) يقبل تفسيره أيضا (بأقل مال)؛ لأنه شيء
(3)
، وكذا يصدق عليه أقل مال
(4)
.
(لابميتة نجسعة) يعني: أنه لا يقبل تفسير
(5)
علي شيء، أوعلى كذا بميتة نجسمه (وخمر وخنزير)؛ لأن قوله: على شيء، أو على كذا اعتراف بحق عليه، والميته النجسة والخمر والخنزير ليسوا بحق علمه.
(و) لا بـ (رد سلام، وتشميت عاطس، وعيادة مريض، وإجابة دعوة، ونحوه)؛ كصلة رحم؛ لأن ذلك كله لا يثبت فى الذمه وإقراره يدل على ثبوت الحق في الذمة.
(1)
فى ب، منفعة.
(2)
فى ب: كما.
(3)
في أوب: الشئ
(4)
في ب: ماله.
(5)
في ب: تقسيره.
(ولا) يقبل تفسيره أيضا (بغير متمول) في العادة؛ (كقشر جوزه، وحبه
بر، أو) حبة (شعير)، أو نواة، أو نحو ذلك؛ لأن إقراره اعتراف بحق عليه يثبت مثله في الذمة. وهذا لا يثيت مثله في الذمة.
(فان مات) المقر بالمجمل (قبله) أي: قبل تفسيره: (لم لؤخذ وارثه بشيء، ولو خلف تركة) فى الأصح.
قال في " التنقيح ": فإن أبى حتى مات أخذ وارثه
(1)
بمثل ذلك إن خلف شيئا. وقلنا: لا يقبل بحد قذف. انتهى.
وقد تقدم أن الصححح قبول تفسيره بحد القذف.
وفي " الفروع ": وإن مات ولم يفسر فوارثه كهو إن ترك تركة ولم يقبل تفسيره بحد قذف.
وفي " الإنصاف ": فإن مات أخذ وارثه بمثل ذلك. وإن
(2)
خلف الميت شيئا: يقضي منه.
وقلنا: لا يقبل تفسيره بحد قذف، وإلا فلا. وهذا المذهب وعليه جماهير
الأصحاب. انتهى.
فقوله: وإلا فلا يعني: وإن قلنا يقبل تفمعميوه بحد القذف فلا يؤاخذ
(3)
الوارث بشيء.
(وإن) لم يمت ولم ينكر الإقرار، و (قال: لا علم لي بما أدررت به) يعنى: من قوله: لزيد علي شيء، أو لزيد علي كذا:(حلف) على ذلك، (ولزمه ما يقع عليه الاسم؛ كالوصية بشيء).
قال في " الإنصاف ": لو ادعى المقر قيل موته عدم العلم بمقدار ما أقر به وحلف ققال في " النكت ": لم أجدها في كلام الأصحاب، إلا ما ذكره الشيخ
(1)
ساقط من ب.
(2)
في الأصول: إن. وما أثيتناه من " الإنصاف "، 12:204.
(3)
في ب: يؤخذ.
شمس الدين في " شرحه " بعد أن ذكر قول صاحب " المحرر " فإنه قال: ويحتمل أن يكون المقر كذلك، إذا حلف: أنه لا يعلم كالوارث.
وهذا الذي قاله متعين، ليس في كلام الأصحاب ما يخالفه. انتهى كلام صاحب "النكت ".
وقد علم مما تقدم أنه إن فسره بشيء وصدقه المقر له عليه ثبت، وإن كذبه وفسره بما لا يقبل تفسيره به ليس له غيره.
(و) من قال عن إنسان: (غصبت منه) شيئا، (أو) قال:(غصبته شيئا: يقبل) تفسيره (بخمر، ونحوه)؛ ككلب وجلد ميتة ونجاسة؛ لأن اسم الشيء يقع عليه. والغصب: هو الاستيلاء عليه فوجب أن يقبل لذلك.
(لا) تفسيره (بنفسه) أي: بغصب نفس المقر له، (أو) بغصب (ولده) أي: ولد المقر له؛ لأن الغصب لا يثبت عليه ولا على ولده.
(و) إن قال: (غصبته فقط) يعني: دون أن يقول شيئا: (يقبل) تفسيره (بحبسه وسجنه)؛ لأن غصب الآدمي يكون بذلك. فقد فسر لفظه بما يحتمله فوجب قبوله لذلك.
(و) من قال عن إنسان: (له علي مال) يقبل تفسيره بأقل متمول؛ لأن
اسم المال يقع عليه حقيقة وعرفا.
(أو) قال: له علي (مال عظيم، أو) قال: مال (خطير، أو) قال: مال (كثير، أو) قال: مال (جليل
(1)
، أو) قال: مال (نفيس، أو) قال: مال (عزيز، أو زاد: عند الله) بأن قال: عظيم عند الله، أو خطير عند الله، أو كثير عند الله، أو جليل عند الله، أو نفيس عند الله، أو عزيز عند الله، (أو) قال:(عندي: يقبل تفسيره) ذلك (بأقل متمول)؛ لأن العظيم والخطير والكثير والجليل والنفيس والعزيز لا حد له في الشرع ولا في اللغة ولا في العرف، ويختلف الناس فيه، فمنهم من يعظم القليل، ومنهم من يعظم الكثير، ومنهم
(1)
في ج: قليل.
من يحتقر الكثير، فلم يثبت في ذلك حد يرجع إلى تفسيره به.
ولأنه ما من مال إلا وهو عظيم كثير
(1)
خطير جليل نفيس] عزيز بالنسبة إلى ما دونه.
ولأن القليل هو اليقين في ذلك، لعدم الدليل على الزائد [
(2)
فيقبل تفسيره
بأقل متمول لذلك.
قال ابن عقيل: وإن قال عظيم عند الله قبل بالقليل، وإن قال: عظيم عندي احتمل كذلك، واحتمل: يعتبر حاله.
(و) قبل أيضا تفسيره ذلك (بأم ولد)
(3)
.
قال في " المبدع ": فإن فسره بأم ولد قبل.
وقال ابن حمدان: ويحتمل رده. انتهى.
(و) من قال عن إنسان: (له) علي (دراهم، أو) قال: (دراهم كثيرة: يقبل) تفسيره (بثلاثة فأكثر) من الدراهم. وكذا لو قال: دراهم عظيمة أو وافرة، لأن الكثيرة والعظيمة والوافرة لا حد لها في الشرع ولا في اللغة ولا في العرف، وتختلف باختلاف الإضافات واحوال الناس، فالثلاثة أكثر مما دونها وأقل مما فوقها، ومن الناس من يستعظم اليسير ومنهم من يحتقر الكثير.
ولأن الثلاثة أقل الجمع وهي اليقين. فلا تجب زيادة عليها بالاحتمال.
(لا بما يوزن بالدراهم) يعني: ولا يقبل تفسيره بما يوزن بالدراهم (عادة؛ كإبريسم، ونحوه)، كالمسك والزعفر ان في الأصح. اختاره القاضي.
قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب.
(و) من قال عن إنسان: (له علي حبة، أو قال): له علي (جوزة، أو نحوها: ينصرف) إطلاقه (إلى الحقيقة، ولا يقبل تفسيره) ذلك (بحبة بر
(1)
في أ: كبير.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ج: (بأم ولده ".
ونحوها) من حبات المكيلات، (و) لا يقبل تفسيره أيضا (بشيء) من خبز
(1)
أو نحوه (قدر جوزة)؛ لأنه غير حقيقة الجوزة.
(و) من قال عن إنسان: (له على كذا درهم) بالرفع، (أو كذا وكذا) درهم بالرفع، (أو كذا كذا درهم بالرفع): لزمه درهم في الصور الثلاث في الأصح؛ لأن تقديره مع عدم التكرار شيء هو
(2)
درهم، فيجعل الدرهم بدل من كذا، والتكرار لأجل التأكيد لا يقتضي زيادة؛ كأنه قال: شيء هو درهم، والتكرار مع الواو بمنزلة قوله: شيئان هما درهم؛ لأنه ذكر شيئين ثم أبدل منهما درهما فصار كأنه قال: هما درهم.
وقال التميمي: فلزمه
(3)
مع التكرار درهمان.
) أو) قال: له علي كذا درهما، أو كذا وكذا درهما، أو كذا كذا درهما
(بالنصب: لزمه درهم) في الصور الثلاث؛ لأن الدرهم وقع مميزا لما قبله، والمميز مفسر.
وقال بعض النحاة: هو منصوب على القطع كأنه قطع ما ابتدأ به وأقر بدرهم.
(وإن قال الكل) أي: الصور الثلاث (بالجر) أي: بجر درهم: لزمه بعض درهم في الأصح؛ لأن الدرهم مخفوض بالإضافة. فيكون المعنى له علي بعض درهم. ويرجع في تفسير البعض إلى المقر. فلو قال: أردت نصف درهم، أو أردت ربع درهم، أو أردت ثمن درهم قبل منه.
ولأنه إذا كرر يحتمل أن يكون أضاف جزءا إلى جزء ثم أضاف الجزء الأخير
إلى الدرهم.
(أو وقف) بأن قال: له
(4)
علي كذا درهم، أو
(5)
كذا وكذا درهم، أو كذا
كذا درهم ولم يرفع الدرهم ولم ينصب الدرهم ولم يخفضه: (لزمه بعض
(1)
في أ: خمير، وفي ب: خمر.
(2)
فى ب: نحو.
(3)
في ب: يلزمه.
(4)
ساقط من ب.
(5)
في ب: أو قال.
درهم)؛ لأنه يحتمل أنه أسقط حركة الجر بالوقف، (ويفسره) أي: ويقبل منه أن يفسر البعض بما يختار. فلو قال: أردت جزءا من ألف جزء من درهم قبل منه. (و) من قال عن إنسان: (له علي ألف وفسره بجنس) واحد؛ كما لو قال:] له علي [
(1)
ألف درهم، أو ألف ثوب، أو ألف تفاحة، أو لوزه، أو نحو ذلك. (أو) فسره بـ (أجناس) بأن قال: مائة من الدراهم، ومائة من الثياب، ومائة من الرمان، وعدد
(2)
الأجناس حتى استوفى الألف. (لا) إن فسر الألف (بنحو كلاب) في الأصح: (قبل) تفسيره بكل ما يثبت في الذمة؛ لأنه يحتمله لفظه. فوجب أن يقبل كذلك، لا إن فسره بنحو الكلاب؛ كالذئاب والسباع ونحوهما مما لا يصح بيعه؛ لأن إقراره اعتراف
(3)
بحق عليه يثبت مثله في الذمة، ونحو الكلاب لا يثبت مثله في الذمة.
(و) من قال عن إنسان: (له علي ألف ودرهم، أو) قال: (له علي ألف ودينار
(4)
، أو) قال:(ألف وثوب)، أو قال: ألف وفرس، أو ألف وعبد، (أو) قال:(ألف ومدبر)، أو قال: ألف وتفاحة، أو نحو ذلك.
(أو أخر الألف) بأن قال: له علي درهم وألف، أو دينار وألف، أو ثوب وألف، أو فرس وألف، أو عبد وألف، أو مدبر وألف، أو تفاحة وألف. (أو) قال: له علي (ألف وخمسمائة درهم، أو) قال: (ألف وخمسون دينارا)، أو قال:] له علي [
(5)
ألف وعشرون ثوبا،] (أو لم يعطف) بان قال: له علي ألف وخمسمائة درهم، أو قال: له علي ألف خمسون دينارا [
(6)
، (أو عكس)
(7)
بأن قال: له علي خمسمائة درهم وألف
(8)
، أو
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: وعد.
(3)
في أ: اعترافه.
(4)
في ب: دينار.
(5)
ساقط من أ.
(6)
ساقط من ب.
(7)
في ب: أو عكسه.
(8)
في أ: ألف.
قال: له علي خمسون دينار وألف
(1)
: (فالمبهم) في جميع هذه الأمثلة (من جنس ما ذكر معه) في الأصح؛ لأن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن تفسير
(2)
الأخرى. قال الله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} ] الكهف: 25 [ومعلوم: أنه أراد تسع سنين فاكتفى بذكرها في الأول.
وقال سبحانه وتعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ] ق: 17 [وإنما أراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد. فحذف الأول اكتفاء بالثاني فكذلك هذا.
ولأنه ذكر مبهما مع مفسر لم يقم
(3)
الدليل على أنه ليس من جنسه. فوجب حمله عليه.
وأما مثل قوله: أحد وعشرون درهما وتسعة وتسعون درهما فالكل دراهم.
قال في " شرح المقنع ": بغير خلاف نعلمه.
(ومثله) أي: ومثل ما تقدم في الحكم لو قال: لزيد علي (درهم ونصف)
فإن النصف يكون من درهم.
قال في " الإنصاف ": مثل ذلك في الحكم: له علي درهم ونصف] على الصحيح من المذهب.
قال في " الرعاية ": لو قال: له علي درهم ونصف [
(4)
فهو من درهم.
وقيل: له تفسيره بغيره.
وقيل: فيه وجهان؛ كمائة ودرهم. انتهى.
(و) مثله أيضا من قال: لزيد علي (ألف إلا درهما) فإن الجميع يكون دراهم في الأصح.
(أو) قال: له علي ألف (إلا دينارا) فالجميع دنانير في الأصح؛ لأن
(1)
في أ: دينارا ألف.
(2)
زيادة من أ.
(3)
في ب: مع من ثم يقيم.
(4)
ساقط من ب.
العرب لا تستثني في الإثبات إلا من الجنس. فمتى علم أحد الطرفين علم أن الآخر من جنسه؛ كما لو علم المستثنى منه؛ وعلة ذلك تلازم المستثنى والمستثنى منه في الجنس، فما ثبت في أحدهما. ثبت في الآخر.
(و) من قال عن إنسان: (له علي دراهم بدينار: لزمه دراهم بسعره) أي: بسعر الدينار.
ولو قال: له علي اثنا عشر درهما ودينار بالرفع لزمه دينار واثنا عشر درهما. وإن نصبه نحوي بأن قال: له
(1)
علي اثنا عشر درهما ودينارا فمعناه: أن الاثني عشر دراهم ودنانير، فيلزمه ستة دنانير وستة دراهم. ذكر ذلك الموفق في
" فتاويه ".
(و) من قال عن إنسان: (له؛ في هذا) العبد، أو في هذا الثوب، أو في
هذه الدار، أو نحو ذلك (شرك، أو) قال: (هو شريكي فيه، أو) قال: هو (شركلة بيننا، أو) قال: هو (لي وله، أو) قال: (له فيه سهم: قبل تفسيره حق الشريك) أي: في قدر حق الشريك؛ لأن الشركة تقع على النصف تارة وعلى أقل منه وأكثر تارة أخرى.
ومتى تردد اللفظ بين شيئين فصاعدا رجع في تفسيره إلى المقر؛ لأن ذلك
لا يعرف إلا من جهته. فكان له تفسيره بما شاء؛ كتفسيره بالنصف، وليس إطلاق الشركة على ما دون النصف مجازا ولا مخالفا لظاهر اللفظ.
ولأن السهم يطلق على القليل والكثير.
ولأن السهم يطلق على الجزء والنصف، فتقول في الغنيمة: سهم الراجل وسهم الفرس. فوجب أن يحمل عليه في تفسيره كذلك. وهذا في الأصح. وقال القاضي: فيما إذا قال: له فيه سهم أنه يحمل على السدس؛ لأن السهم في كلام العرب السدس. فيحمل عليه؛ كالوصية بسهم من ماله.
(وإن قال) من بيده عبدا ونحوه عن إنسان: (له على فيه) ألف، (أو)
(1)
ساقط من ب.
قال: له علي (منه ألف): صح إقراره، و (قيل له: فسر) سبب ذلك؛ لأن ذلك لا يعلم إلا من جهته. فرجع إليه في تفسير سببه.
(ويقبل) تفسيره (بجناية) على المقر له، (وبقوله: نقده) أي: نقد
الألف (في ثمنه) أي: ثمن العبد أو نحوه، (أو) بقوله:(اشترى) المقر له (ربعه) أي: ربع العبد (به) أي: بالألف، (أو) بقوله:(له فيه شرك)، أو بقوله: إن مورثي أوصى له بألف من ثمنه. (لا بأنه رهنه عنده به) أي: بالألف فإنه لا يقبل في الأصح؛ لأن حقه في الذمة.
(و) من قال عن إنسان: (له علي أكثر مما لفلان) علي، (ففسره) بأكثر
منه قدرا قبل، وإن قل الزائد على ما لفلان بلا نزاع.
وإن فسره (بدونه)، وقال: أردت بقولي أكثر مما لفلان (لكثرة نفعه لحله، ونحوه)؛ كقوله: لبركته؛ لأن الحلال أنفع من الحرام: (قبل) منه ذلك في الأصح بيمينه؛ لاحتمال كذبه. ولا فرق في ذلك بين كون المقر عالما بما لفلان أو جاهلا، أو قامت عليه بينة أنه قال: أعلم ان الذي لفلان كذا أو لم تقم؛ لأنه فسر إقراره بما يحتمل. فوجب أن يقبل لذلك.
وإن قال: أردت اكثر من جنسه وقدره رجعنا إليه أيضا في تفسير جنس ما
لفلان وقدره. فإن قال: ما لفلان ألف دينار أو ألف درهم. قلنا: فسر الأكثر. فإن فسره بأكثر منه] ولو بدانق: قبل منه [
(1)
. فإن قال: له علي أكثر من عدد ما لفلان. ثم قال: قد علمت أن عدد
(2)
ما لفلان ألف. قلنا: قد فسرت المقدار وعينت العدد وأقررت بأكثر منه عددا، غير أنك أبهمت جنس ما أقررت به. فإن قال: أردت بالجنس فلوسا أو حبة حنطة، فالقول قوله؛ كما لو قال: علي اكثر عدد
(3)
من ألف فإنه يرجع في تفسير الجنس المقر به إليه. كذلك هاهنا. ذكر ذلك في " المستوعب ".
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ج: عددا.
(و) من قال عن إنسان: (له علي مثل ما في يد زيد: يلزمه مثله). قاله
في " الفروع " ولم يذكر فيه خلافا.
(و) لو قال إنسان لآخر: (لي عليك ألف. فقال) مجيبا له: (أكثر: لزمه) في الأصح أكثر من ألف، (ويفسره) أي: ويقبل تفسيره الأكثر.
وقال أيضا في " الفروع ": ولو قال: لي عليك الف درهم، فقال: أكثر
لم يلزمه عند القاضي أكثر، ويفسره. وخالفه الشيخ وهو أظهر. انتهى.
قال في " تصحيح الفروع ": والصواب ما قاله الشيخ. وتابعه عليه جماعة
(1)
. انتهى.
(ولو ادعى عليه) يعني: لو ادعى إنسان على آخر (مبلغا، فقال) مجيبا
له: (لفلان علي أكثر مما لك) علي، (وقال: أردت التهزؤ، لزمه حق لهما) أي: للمدعي ولفلان في الأصح، لأنه أقر لفلان بحق موصوف بالزيادة على ما للمدعي. فيجب عليه ما أقر به لفلان ويجب للمدعي حقه؛ لأن لفظه يقتضي أن يكون له شيء، وإراده التهزئ دعوى تتضمن الرجوع عن الإقرار فلا تقبل، وحينئذ فإنه (يفسره) يعني: يرجع في تفسيره إليه.
قال في " المستوعب ": فإن قال له رجل: لي عليك ألف، فقال له: لك علي من الذهب أكثر: لم يلزمه ألف دينار ولا أكثر منها، بل يرجع في معنى الأكثر وفي نوع الذهب إليه، لأن قوله: لك علي من الذهب اكثر؛ فقد عين شيئين العدد] وأنه الف وجنس العدد [
(2)
وانه ذهب، وأبهم شيئين قوله: أكثر ونوع الذهب فيرجع في تفسير قوله: أكثر إليه. فإن قال: أكثر بقاء فالقول قوله، وإن قال: أكثر عددا فالقول قوله في قدر الأكثر أيضا، ويرجع إليه في تفسير نوع الذهب. فإن فسره بجيد أو رديء أو مضروب أو غير مضروب فالقول قوله مع يمينه، لأن الذهب أنواع فيرجع في تفسير قوله إليه. انتهى.
(1)
في أ: تابعه جماعة عليه.
(2)
ساقط من أ.
] فصل: إذا قال: له ما بين درهم وعشرة]
(فصل. من قال) عن إنسان: (له علي ما بين درهم وعشرة، لزمه) له (ثمانية) أي: ثمانية دراهم، لأن ذلك ما بينهما. وكذا إن عرفهما بأن قال: له ما بين الدرهم والعشرة.
(و) إن قال: له علي (من درهم إلى عشرة)، لزمه تسعة في الأصح،
لأنه جعل العشرة غاية، وابتداء الغاية يدخل في معناها. بخلاف انتهاء الغاية. قال الله سبحانه وتعالى:{ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} ] البقرة: 187].
وقيل: يلزمه ثمانية. وجزم به ابن شهاب؛ لأن الأول والعاشر حدان فلا يدخلان في الإقرار.
وقيل: يلزمه عشرة، لأن العشرة غاية ما
(1)
يجب عليه، كما لو قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره.
(أو) قال
(2)
: له علي (ما بين درهم إلى عشرة: لزمه تسعة) في الأصح،
لما تقدم من أن انتهاء الغاية لا يدخل.
(وإن أراد) المقر بذلك (مجموع الأعداد) كلها أي: الواحد والاثنان كذلك إلى العشرة: (لزمه خمسة وخمسون).
قال في " شرح المقنع ": واختصار حسابه: أن تزيد أول العدد وهو واحد على العشرة فيصير أحد عشر، ثم اضربها في نصف العشرة فما بلغ فهو الجواب. انتهى.
(1)
في أ: لما.
(2)
في ب: وإن قال.
(و) إن قال: (له) علي (من عشرة إلى عشرين، أو) فال: له علي (ما
بين عشرة إلى عشرين: لزمه تسعة عشر) في الأصح؛ لأن ما قبل العشرين هو تسعة عشر؛ لما تقدم من أن انتهاء الغاية لا يدخل. بخلاف ابتدائها.
(و) لو قال إنسان عن آخر: (له ما بين) هذين (الحائطين، لم يدخلا) يعني: لم يدخل الحائطان في إقراره؛ لأنه لم يقر إلا بما بينهما. وإن قال: له علي ما بين كر حنطة إلى كر شعير: لزمه كران إلا قفيزا من الحنطة
(1)
.
(و) من قال عن غيره: (له) علي (درهم فوق درهم، أو): له علي درهم (تحت درهم، أو) له علي درهم (فوقه) درهم، (أو) له علي درهم (تحته)
(2)
درهم، (أو) له علي درهم (قبله) درهم، (أو) له علي درهم (بعده) درهم، (أو) له علي درهم (معه درهم): يلزمه درهمان في الأصح؛ لأن هذه الألفاظ تجري مجرى العطف؛ لأن معناها الضم. فكأنه أقر بدرهم وضم إليه آخر
(3)
. فهو كما لو قال: له علي درهم ودرهم.
ولأن قوله: علي يعني: في ذمتي وليس للمقر في ذمة نفسه درهم مع دوهم المقر له، ولا فوقه ولا تحته، فإنه لا يثبت للإنسان في ذمة نفسه شيء.
(أو) قال: له علي (درهم بل درهمان
(4)
، أو) قال: له علي (درهمان بل درهم، أو) قال: له علي (درهم بل درهم، أو) قال: له علي (درهم لا بل درهم، أو) قال: له علي (درهم لكن درهم، أو) قال: له علي (درهم فدبى هم: يلزمه درهمان) في الأصح؛ حملا لكلام العاقل على الفائدة؛ لأن ما أقر به عليه
(5)
لا يسقط بإضرابه.
ولأن العطف يقتضي المغايرة.
(1)
في ب: قفيز من حنطة.
(2)
في ب: تحت.
(3)
في أ: آخر إليه. وسقط لفظ: آخر من ب.
(4)
في ج: درهما.
(5)
في أ: ولأن ما أضرب عليه.
(وكذا) لو قال: له علي (درهم ودرهم) يعني: فإنه يلزمه درهمان.
(فلو كرره) أي: كرر إقراره (ثلاثا بالواو) " باًن قال: له علي درهم
ودرهم ودرهم.
] (أو) كرره ثلاثا بـ (الفاء) بأًن قال: له علي درهم فدرهم فدرهم]
(1)
.
(أو) كرره ثلاثا بـ (تم) بأن قال: له علي درهم ثم درهم ثم درهم.
(أو قال): له علي (درهم درهم درهم ونوى بالثالث) المكرر (تأكيد الثاني) المكرر: (لم يقبل في) المسألة (الأولى) وهي المذكور فيها حرف العطف؛] لأن العطف يقتضي المغايرة [
(2)
، (وقبل) منه ذلك (في) المسألة (الثانية) وهي قوله: له
(3)
علي درهم درهم درهم، كقوله: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، لأنه لم يعطف.
ولأن الإتيان بهذه الصيغة قابل للتأكيد أكثر من غيرها.
(و) لو قال: (له علي درهم قبله درهم وبعده درهم، أو) قال: له علي
(هذا الدرهم بل هذان الدرهمان: لزمته الثلاثة)، لأنه متى كان الذي أضرب عنه لا يمكن أن يكون المذكور بعده ولا بعضه لزمه الجميع؛ كقوله: له علي درهم بل درهمان بل ثلاثة.
(و) لو قال: (له) علي (قفيزحنظة بل قفيز شعير): لزماه.
(أو) قال له علي: (درهم بل دينار: لزماه)، لأن الأول لا يمكن أن
يكون الثانى ولا بعضه. فكان مقرا بهما، ولا يقبل رجوعه عن شيء منهما. وكذلك كل جملتين أقر بإحداهما ثم رجع إلى الأخرى فإنهما يلزمانه.
(و) لو قال: (له) علي (درهم في دينار، وأراد العطف) أي: أراد
درهم ودينار، أو أرأد درهم فدينار، أو أراد درهم ثم دينار، (أو) أراد (معنى
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من أ.
(3)
ساقط من ب.
" مع ") بأن أراد درهم مع دينار: (لزماه) أي: لزمه الدرهم والدينار؛ كما لو صرح بحرف العطف.
(وإلا) أي: وإن لم يرد العطف ولا معنى " مع ": (فدرهم) أي فلا
يلزمه إلا درهم، لأنه المقر به دون غيره.
ولأن قوله: في دينار لا يحتمل الحساب.
(وإن فسره) أي: فسر الدرهم (برأس مال سلم باق عنده) بأن قال: تعاقدت
(1)
أنا والمقر له على سلم رأس ماله درهم باق عندي للمقر له (في دينار، وكذبه المقر له: حلف) المقر له على نفي ذلك، (وأخذ الدرهم) من المقر، لأن المقر وصل إقراره بما يسقطه. فلزمه الدرهم الذي أقر به وبطل
قوله: في دينار.
(وإن صدقه) أي: صدق المقر له المقر في كون الدرهم رأس. مال سلم في
دينار بطل إقراره؛ لأن سلم أحد النقدين في النقد الآخر لا يصح، وإذا بطل إقراره (لم يلزمه شيء) للمقر له.
(و) لو قال: (له) علي (درهم في ثوب، وأراد العطف) اي: أراد
درهم وثوب، (أو) أراد (معنى " مع ") بأن أراد درهم مع ثوب:(لزماه) أي: لزمه
(2)
الدرهم والثوب؛ كما لو صرح بما أراده.
(وإن فسره) أي: فسر الدرهم: (برأس مال سلم باق عنده) أي: عند
المقر في ثوب، (أو قال): له علي درهم (في ثوب اشتريته منه إلى سنة) يأتيني بعدها بالثوب (وكذبه المقر له) في الصورتين: (حلف) المقر له، (وأخذ الدرهم)؛ لأن المقر وصل إقراره بما يسقطه. فلزمه الدرهم وبطل ما وصل إقراره به.
(وإن صدقه) أي: صدق المقر له المقر فيما ذكره: (بطل إقراره)؛ لأنه
(1)
في ب: تعاقدنا.
(2)
في ج: لزم.
إن كان ذلك بعد التفرق بطل السلم وسقط الثمن، وإن كان قبل التفرق فالمقر بالخيار بين الفسخ والإمضاء.
(و) من قال عن إنسان: (له) علي (درهم في عشرة) ولم يرد شيئا بل أطلق لفظه: (يلزمه درهم)؛ لأنه أقر بالدرهم وجعل العشرة محلا له فلا يلزمه سواه، (ما لم يخالف عرف) أي: عرف البلد التي بها المقر: (فيلزمه مقتضاه) أي: مقتضى عرف تلك البلد في الأصح.
(أو) وما لم (يرد الحساب ولو) كان (جاهلا به) أي: بالحساب في الأصح: (فيلزمه عشرة) أي: عشرة دراهم مضروب الدرهم في عشرة؛ لأن ذلك هو المصطلح عليه عند الحساب.
(أو) ما لم يرد (الجمع) بأن يريد درهما مع عشرة، لأن كثيرا من العوام يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى ولو كان حاسبا في الأصح:(فيلزمه أحد عشر) درهما.
ومن قال عن إنسان: قبضت منه ثوبا في درهم إلى شهر: فالثوب مال السلم
أقر بقبضه فيلزمه الدرهم. قاله في " الفروع ". .
(و) من قال عن إنسان: (له) عندي (تمر
(1)
في جراب، أو) له عندي (سكين في قراب، أو) له عندي (ثوب في منديل، أو) له عندي (عبد عليه عمامة، أو) له عندي (دابة عليها سرج، أو) له عندي (منديل في ثوب، أو) له عندي (دابة مسرجة، أو) له عندي
(2)
(سرج على دابة، أو) له عندي (عمامة على عبد، أو) له عندي (داز مفروشة، أو) له عندي (زيت في زق، ونحوه)؛ كما لو قال: له عندي تكة في سراويل: (ليس بإقرار بالثاني) في الأصح.
والحاصل من ذلك: أن من أقر بشيء وجعله مظروفا؛ كقوله: له عندي
(1)
في ب: ثمر.
(2)
في ج: له عليه.
تمر
(1)
في جراب، أو جعله ظرفا، كقوله: له عندي جراب فيه تمر: لا يكون مقرا بالثانى منهما. في الأصح؛ لأنهما شيئان متغايران وإقراره لم يتناول الثانى وإنما جعله ظرفا أو مظروفا. ولا يلزم من ذلك: أن يكون الظرف أو المظروف للمقر أو لغيره، ومع الاحتمال لا يكون مقرا بهما؛ لأن الإقرار لا يثبت إلا مع التحقيق.
و (كجنين في جارية، أو) جنين في (دابة، و) كـ (دابة في بيت) يعني:
وكما لو قال: له عندي جنين في جارية أو دابة، وكما لو قال: له عندي دابة في بيت، فإن الجارية والدابة والبيت لا يدخلون في إقراره. ولم يذكر في " الإنصاف" في ذلك خلافا.
(وكالمائة الدرهم الثي في هذا الكيس) يعني: أنه لو قال لزيد: عندي المائة الدرهم التي في هذا الكيس فإنه لا يكون مقرا بالكيس، (ويلزمانه) أي: تلزمه الدابة والمائة درهم
(2)
(إن لم يكن فيه، وكذا) يلزمه (تتمتها) إن كان في الكيس بغضها.
وقيل: لا يلزمه شيءإن لم يكن في الكيس شيء.
وأصل الوجهين: هل يحنث من حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه؛
(ولو لم يعرف المائة) بل قال له: مائة في هذا الكيس: (لزمته) مائة إن
لم يكن في الكيس شيء، (و) يلزمه (تتمتها) إن كان في الكيس بعضها.
قال في " الرعاية الكبرى ": وإن قال له علي الألف درهم الذي في هذا الكيس فهو مقر به دون الكيس. فإن لم يكن فيه لزمه الف درهم في الأقيس. فإن كان فيه بعضه لزمه تمامه. وقيل: لا. انتهى.
وقال في " التلخيص ": إن قال: له عندي الألف درهم التي في هذا الكيس
(1)
في ب: لي عنده ثمر.
(2)
في أ: المائة الدرهم والدابة والكيس.
كان إقرارا بالألف دون الكيس. ثم إن لم يكن في الكيس شيء فهل يلزمه الألف درهم أم لا؟ على وجهين: أصلهما إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه. فعلى قول أبي الخطاب يحنث، فيصح الإقرار ويلزمه الألف هاهنا، وعلى قول القاضي: لا يحنث فالإقرار لغو ولا يلزمه شيء. وعليه يخرج إذا خرج ما في الكيس ناقصا هل يلزمه إتمامه؛ على الوجهين. فإن لم يعرف الألف بالألف واللام بل قال: ألف درهم في هذا الكيس لزمه ألف، وإن لم يكن فيه شيء وجها واحدا، وإن خرج ناقصا احتمل أن يلزمه الإتمام؛ كما لو لم يخرج فيه شيء، واحتمل أن لا يلزمه غير ما في الكيس للحصر. انتهى. (و) إن قال:(له) عندي (خاتم فيه فص، أو) قال: له عندي (سيف بقراب)، فهو (إقرار بهما). والفرق بين هذه الصورة وبين قوله: له عندي جراب فيه تمر ونحو ذلك: أن الفص جزء من أجزاء الخاتم. فيكون مقرا بهما؛ كما لو قال: له عندي ثوب فيه علم، وأما
(1)
الجراب ونحوه فإنه غير الذي هو فيه. (وإقراره) أي: إقرار الإنسان (بشجر أو شجرة ليس إقرارا بأرضها: فـ) يتفرع على هذا: أنه (لا يملك غرس) شجرة (مكانها لو ذهبت، ولا أجرة) على ربها (ما بقيت).
قال في " الفروع ": وليس لرب الأرصى قلعها، وثمرتها للمقر له.
وفي " الانتصار ": احتمال كالبيع.
قال أحمد فيمن أقر بها: هي له بأصلها. فيحتمل أنه أراد ارضها، ويحتمل: لا. وعلى الوجهين: يخرج هل له إعادة غيرها؛.
والثاني: اختاره أبو إسحاق.
قال أبو الوفاء؛ والبيع مثله. كذا قال. ورواية مهنا: هي له بأصلها، فإن ماتت أو سقطت لم يكن له موضعها. انتهى كلامه في " الفروع ".
(و) إقرار الإنسان (بأمة) حامل (ليس بإقرار بحملها) في الأصح؛ لأنه
(1)
في ب: فأما.
ظاهر اللفظ وموافق
(1)
للأصل، ودخوله مشكوك فيه.
وذكر في " الإنصاف " فوائد، ثم قال: ومنها:
لو قال عندي عبد بعمامة أو بعمامته، أو دابة بسرج أو مسرجة
(2)
، أو سيف بقراب أو بقرابه، أو دار بفرشها، أو سفرة بطعامها، أو سرج مفضض، أو ثوب مطرز: لزمه ما ذكره. بلا خلاف أعلمه. انتهى.
(و) من قال عن إنسان: (له علي درهم أو دينار، ونحوه)؛ كما لو قال:
له عندي عبد أو أمة: (لزمه احدهما، ويعينه) يعني: ويلزمه ان يعينه؛ كسائر المجملات. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
(3)
وعنده علم الكتاب.
وهذا آخر ما تيسر جمعه. والله أسأله ان يجعله خالصا لوجهه الكريم، نافعا للناظرفيه، مصلحا ما فيه من سقم
(4)
.
(1)
في أ: لأن ظاهر اللفظ موافق.
(2)
في أ: بسرجه. وفي " الإنصاف " 12: 235: يسرجها.
(3)
في ج: والله أعلم بالصواب.
(4)
في ب: سقيم.
[قاعدة في بيان معنى الروايات والأوجه]
ثم اعلم أن ما في هذا الشرح من قولي: على الأ صح فهو من الروايتين أو الروايات عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه، ومن قولي: في الأصح فمن الوجهين، أو الأوجه للأصحاب.
ثم اعلم أيضا أن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه لم يؤلف كتابا مستقلا في
الفقه كما فعله بعض الأئمة، وإنما أخذ أصحابه مذهبه من أجوبته عما يسأل عنه، ومن بعض تأليفه في غير الفقه، ومن أقواله وأفعاله. فإن ألفاظه إما صريحة في الحكم بما لا يحتمل غيره، أو ظاهرة فيه مع احتمال غيره، أو محتملة لشيئين فأكثر على السواء. ثم كلامه قد يكون صريحا، وقد يكون تنبيها؛ كقولنا " أوما إليه "، أو " أشار إليه "، أو نحو ذلك.
فمذهبه ما قاله بدليل ومات قائلا به. قاله في " الرعاية ".
وقال ابن مفلح في " أصوله ": مذهب الإنسان ما قاله أو جرى مجراه من
تنبيه أو غيره
(1)
. انتهى.
وإن قال قولا بدليل ثم آخر بدليل يخالف الأول فالثانى مذهبه دون الأول.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح. اختاره في " التمهيد "،
و" الروضة "، و" العمدة " وغيرهن. وقدمه في " الرعاية " وغير ها.
فإذا
(2)
نقل عن الإمام أحمد - رضي الله تعالى عنه - قولان صريحان،
مختلفان في وقتين، وتعذر الجمع بينهما. فإن علم التاريخ: فالثانى فقط مذهبه
(1)
في ج: تنبيه ونحوه، وفي ب: وغيره.
(2)
في أ: فإن.
في
(1)
الأصح. فيحمل عام كلامه على
(2)
خاصه، ومطلقه على مقيده. فيكون كل
(3)
واحد منهما مذهبه؛ لإمكان الجمع بينهما. وهذا في الأصح، فيعمل بكل واحد منهما في محله، وفاء باللفظ. وإن جهل التاريخ فمذهبه: أقربهما من الكتاب والسنة أو الأجماع والأثر
(4)
، أو من قواعده أو عوإئده أو مقاصده أو أدلته.
قال في (الفروع): فإن جهل- أي: التاريخ- فمذهبه أقربهما من الأدلة
ودو اعده. انتهى.
وإن تساويا نقلا ودليلا: فالوقف أولى. قاله في " الرعاية "،
فإن وافق أحد قوليه مذهب غيره: فهل الأولى ما وافقه، أو ما خالفه؛
يحتمل وجهين. قاله في " الرعاية ".
قال في " الإنصاف ": قلت: الأولى ما وافقه. انتهى.
وإن علم تاريخ أحد القولين دون الآخر، فكما لو جهل تاريخهما في الأصح.
ويخص عام كلامه بخاصه في مسألة واحدة في أصح الوجهين. قاله في
" الفروع "
(5)
.
والمقيس على كلامه: مذهبه في الأصح.
قال في " الفروع ": مذهبه في الأشهر. وهو مذهب الأثرم والخرقي وغيرهما. قاله ابن حامد في " تهذيب الأجوبة ".
وقيل: لا يكون مذهبه.
(1)
في ج: على.
(2)
في أ: في.
(3)
في أ: على.
(4)
فى ب: أو الأثر.
(5)
في ج: " الرعاية ".
قال ابن حامد:] قال [عامة شيوخنا- مثل: الخلال، وأبي بكر
عبد العزيز، وأبي] علي [، وإبراهيم، وسائر من شاهدناه- إنه لا يجوز نسبته إليه. وأنكروا على الخرقي ما رسمه في كتابه، من حيث إنه] قاس [على قوله.] انتهى.
وأطلقهما ابن مفلح في " أصوله " [. قاله ابن حامد.
والمأخوذ أن يفصل: فما كان من جواب له في أصل يحتوي] على [مسائل، خرج جوابه على بعضها: فإنه جائز أن ينسب إليه بقية مسائل ذلك الأصل من حيث القياس. وصور له صورا كثيرة.
فأما أن يبتدئ بالقياس في مسائل لا شبه لها في أصوله، ولا يأخذ غير منصوص يبني عليه فذلك غير جائز
(1)
.
وإن أفتى في مسألتين متشابهتين في حكمين مختلفين في وقتين: فقيل واختاره كثير من الأصحاب: أنه يجوز. نقله الحكم، وتخريجه من كل واحدة إلى الأخرى بشرط: أن لا يفضي إلى خرق إجماع.
قال في " آداب المفتي ": أو يدفع
(2)
ما اتفق عليه الجم الغفير من العلماء أو عارضه نص كتاب أو سنة.
والصحيح من المذهب: أنه لا يجوز، كقول الشارع. ذكره أبو الخطاب
في " التمهيد " وغيره. وقدمه ابن مفلح في " أصوله "، والطوفي في " أصوله "، وصاحب " الحاوي الكبير " وغيرهم. وجزم به الموفق في " الروضة "؛ كما لو فرق بينهما، أو منع النقل والتخريج.
قال في " الرعايتين " و" آداب المفتي ": أو قرب الزمن، بحيث يظن أنه ذاكر حكم الأولة حين أفتى بالثانية.
وإذا توقف الإمام أحمد في مسألة تشبه مسألتين فأكثر، أحكامهما مختلفة:
(1)
ما بين الحاصرتين [] في الفقرات السابقه من كتاب " الإنصاف " 12: 243 - 244.
(2)
في ج: ولدفع. وما أثبتناه من " الإنصاف " 12: 245.
فهل تلحق بالأخف
(1)
، أو بالأثقل، أو يخير المقلد بينهما؟ فيه ثلاثة أوجه. وأطلقهن في " الرعاية الكبرى "، و" آداب المفتي والمستفتي "،
و" الحاوي الكبير "، و" الفروع ".
قال في " الرعاية " و" آداب المفتي " و" الحاوي ": الأولى العمل بكل منهما لمن هو أصلح له. انتهى.
وإن أشبهت مسألة واحدة: جاز إلحاقها بها، إن كان حكمها أرجح من غيره. قاله في " الرعاية " و" الحاوي ".
وما انفرد به بعض الرواة وقوى دليله: فهو مذهبه في الأصح. قدمه في
" الرعايتين " و" آداب المفتي ".
واختاره ابن حامد، وقال: يجب تقديمها على سائر الروايات؛ لأن الزيادة
من العدل مقبولة في الحديث عن أحمد فكيف والرأوي عنه ثقة، خبير بما رواه عنه. انتهى.
وما دل عليه كلامه: فهو مذهبه، إن لم يعارضه ما هو أقوى منه. قاله في
" الرعايتين " و" الفروع " و" آداب المفتي ".
فقوله: " لا ينبغي "، أو " لا يصلح، أو " استقبحه "، أو " هو قبيح "،
أو " لا أراه ": للتحريم. قاله الأصحاب.
لكن ذكر صاحب " الفروع " مسائل أجاب فيهاب: لا ينبغي وليست محرمة.
وإن قال: هذا حرام ثم قال: " أكرهه "، أو " لا يعجبني ": فحرام.
وقيل: بل يكره. قاله في ". الرعاية ".
وقوله: " أحب كذا "، أو " يعجبني "، أو " هذا اعجب إلي ": للندب
في الأصح.
(1)
في أ: الأخف.
وقيل: للو جوب.
وقوله: " لا بأس به "، أو " ارجو أن لا بأس ": للإباحه
(1)
.
وقوله: " أخشى "، أو " أخاف أن يكون "، أو " أن لا يكون ": ظاهر
في المنع. قاله في " الرعايتين " و" الحاوي " وقدماه. واختاره ابن حامد والقاضي.
قال في " آداب المفتي " و" المستفتي " و" الفروع ": فهو: " يجوز "،
أو " لا يجوز ". انتهى.
وإن أجاب الإمام أحمد في مسألة في شيء، ثم قال في نحوه:" هذا أهون "، أو "أشد "، أو " هذا أشنع " فقيل هما عنده سواء.
واختاره أبو بكر عبد العزيز والقاضي.
وقيل: بالفرق.
قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الظاهر. واختاره ابن حامد في " تهذيب
الأجوبة ". وأطلقهما في " الرعاية " و" الفروع ".
قال
(2)
في " الرعاية ": قلت: إن اتحد المعنى، وكثر التشابه: فالتسوية أولى، وإلا فلا.
وقيل: قوله: هذا أشنع عند الناس يقتضي المنع.
وقيل: لا.
وقول الإمام عن شيء: أجبن عنه للجواز. قدمه في " الرعايتين ".
وقيل: يكره. اختاره في " الرعاية الصغرى " و" آداب المفتي ".
وقال في " الفروع ": " وأجبن عنه " مذهبه.
وما أجاب الإمام فيه بكتاب أو سنة أو إجماع أو قول بعض الصحابة: فهو
(1)
في أ: أرجو ما لا بأس للإباحة.
(2)
في أ: قاله.
مذهبه؛ لأن قول احد الصحابة عنده
(1)
حجة على الأصح.
وما رواه من سنة، أو أثر، وصححه أو حسنه، أو رضي سنده، أو دونه
في كتبه، ولم يرده ولم يفت بخلافه: فهو مذهبه في الأصح. اختاره الأكثر.
وقيل: لا.
وأطلقهما في " آداب المفتي " و" الفروع ".
وقال: فلهذا أذكر روايته للخبر، وإن كانت في الصحيحين. انتهى.
وإن أفتى بحكم، فاعترض عليه فسكت: فليس رجوعا في الأصح.
وإن ذكر عن الصحابة قولين، فمذهبه: أقربهما من الكتاب أو السنة
(2)
أو الإجماع، سواء عللهما أو لا، اذا لم يرجح أحدهما ولم يختره في الأصح. وقيل: لا مذهب له منهما عينا؛ كما لو حكاهما عن التابعين فمن بعدهم.
ولا مزية لأحدهما بما ذكر؛ لجواز إحداب قول ثالث يخالف الصحابة. قاله
(3)
في "الرعاية ".
وإن علل أحدهما واستحسن الآخر، أو فعلهما في أقوال التابعين فمن بعدهم: فأيهما مذهبه؛ فيه وجهان.
قال في " الإنصاف ": قلت: الصواب أن الذي استحسنه مذهبه، ولا يلزم
من تعليله القول أن يكون قد أخذ به، ولا يدل عليه.
ثم وجدته في " آداب المفتي " قدمه، وقال: اختاره ابن حامد. وقال- عن الثانى- فيه بعد.
وإن حسن أحدهما، أو علله: فهو مذهبه قولا واحدا. جزم به في
" الفروع " وغيره.
(1)
في أ: عنه.
(2)
في أ: والسنة.
(3)
في أ: قال.
وإن اعاد
(1)
ذكر أحدهما، أو فرع عليه: فهو مذهبه. قدمه في "اداب المفتي ". وقيل: لا. انتهى.
وإن نص في مسألة على حكم، وعلله بعلة، فوجدت تلك العلة في مسائل أخر: فمذهبه في تلك المسائل كالمسألة المعللة.
قال في " الرعاية ": سواء قلنا بتخصيص العلة أو لا كما سبق.
وإن نقل عنه في مسألة روايتان، دليل إحداهما قول النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل الأخرى: قول صحابي وهو أخص- وقلنا هو حجة يخص به العموم- فأيهما مذهبه؛ فيه وجهان.
أحدهما: مذهبه ما كان دليله قول النبي
قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب. وقدمه في " تهذيب
الأجوبة ". ونصره في " آداب
(2)
المفتي ". انتهى.
وإن كان قول النبي صلى الله عليه وسلم أخصهما وأحوطهما: تعين.
وإن ذكر اختلاف الناس وحسن بعضه: فهو مذهبه، إن سكت عن غيره.
وإن سئل مرة فذكر الاختلاف، ثم سئل
(3)
مرة ثانية فتوقف، ثم سئل مرة ثالثة فأفتى
(4)
فيها
(5)
: فالذي أفتى به مذهبه.
وهل يجعل فعله، أو مفهوم كلامه مذهبا له؛ على وجهين.
قال في " تهذيب الأجوبة ": عامة أصحابنا يقولون: إن فعله مذهب
(6)
له. وقدمه هو. ورد غيره.
(1)
في الأصول: عاد، وما أثبتناه من " الإنصاف " 12:252.
(2)
في الأصول: وآداب. وما أثبتناه من " الإنصاف ". الموضع السابق.
(3)
في أ: سأله.
(4)
في ب وج: فتوقف.
(5)
في أ: فيهما.
(6)
في الأصول: مذهبا. وما أثبتناه من " الإنصاف " 12: 254.
لكن إن نص في مسألة على خلاف مفهوم كلامه في مسألة أخرى: بطلت المفهومية
(1)
.
وصيغة الواحد من اصحابه ورواته في تفسير مذهبه، وإخبارهم عن رأيه: كنصه في وجه. قاله في " الرعايتين ".
قال في " الفروع ": هو مذهبه في الأصح.
قال في " تهذيب الأجوبة ": إذا بين أصحاب أبي عبد الله قوله
(2)
بتفسير جواب له، أو نسبوا
(3)
إليه بيان حد في سؤال: فهو منسوب إليه، ومنوط به، وإليه يعزى. وهو
(4)
بمثابة نصه. ونصره.
قال في " آداب المفتي ": اختاره ابن حامد وغيره. وهو قياس قول الخرقي وغيره.
قال ابن حامد: وخالفنا في ذلك طائفة من أصحابنا: مثل الخلال، وأبي يكر عبد العزيز. انتهى.
(1)
في أ: المرسومة. وفي ب: المفهومة.
(2)
في أ: قولا.
(3)
في أ: تفسيرا.
(4)
في أ: بغير أو هو.
فصل] في الألفاظ الواردة عن الأصحاب]
هذا الذي تقدم ذكره هو الوارد عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه. وأما الوارد عن الأصحاب فهو: إما وجه، واما احتمال، وإما تخريج، وزاد في " الفر وع ": التوجيه.
فأما الوجه: فهو قول بعض الأصحاب وتخريجه، إن كان مأخوذا من قواعد الإمام احمد، أو إيمائه أو دليله، أو تعليله، أو سياق كلامه وقوله.
وإن كان مأخوذا من نصوص أحمد ومخرجا منها: فذلك روايات مخرجة له ومنقولة من نصوصه إلى ما يشبهها
(1)
من المسائل إن قلنا أن ما قيس على كلامه: مذهب له.
وإن قلنا: لا. فهي أوجه لمن خرجها وقاسها.
فإن خرج من نص ونقله إلى مسألة فيها نص يخالف ما خرج فيها: صار فيها رواية منصوصة، وروايه مخرجة منقولة من نصه. إذا قلنا المخرج من نصه مذهبه.
وإن قلنا: لا. ففيها رواية أحمد ووجه لمن خرجه.
وإن لم يكن فيها وجه يخالف القول المخرج من نصه في غيرها: فهو وجه لمن خرجه.
فإن خالفه غيره من الأصحاب في الحكم، دون طريق التخريج: ففيها للمخرج ولمن خالفه في الحكم وجهان.
(1)
في ب: يشابهها.
وإن جهلنا مستندهما
(1)
فليس لأحدهما
(2)
قولا مخرجا للإمام، ولا مذهبا له.
ومن قال من الأصحاب عن مسألة: فيها رواية واحدة: أراد نص الإمام.
ومن قال: فيها روايتان فإحداهما بنص، والأخرى بإيماء، أو تخريج من نص آخر له أو نص جهله
(3)
منكره.
ومن قال: فيها وجهان أراد: عدم نصه عليهما، سواء جهل مستنده أو علمه. ولم يجعله مذهبا لأحمد. فلا يعمل إلا بأصح الوجهين وأرجحهما، سواء وقعا معا أو لا، من واحد أو أكثر، وسواء علم التاريخ أو جهل.
وأما الاحتمال الذي للأصحاب: فقد يكون
(4)
لدليل مرجوج
(5)
بالنسبه إلى
ما خالفه، أو دليل مساو له
(6)
.
وأما التخريج: فهو نقل حكم مسألة الى ما يشابهها، والتسوية بينهما فيه.
(1)
في أ: سندها، وفي ب: مسندها، وفي ج: مستندها. وما أثبتناه من "الإنصاف " 12: 257.
(2)
في ج: أحدهما.
(3)
في ج: جهل.
(4)
في ج زيادة: عبارة " الإنصاف " وقد يكون.
(5)
في أوب: فقد يكون مرجوحاً.
(6)
في أ: أي ما خالفه أو دليله مساو له.
فصل] في أقسام المجتهد]
ثم اعلم أن صاحب هذه الأوجه والاحتمالات والتخاريج: لا يكون إلا مجتهدا.
وينقسم المجتهد إلى أربعة اقسام:
الأول: " المجتهد المطلق " وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد المذكورة في كتاب القضاء إذا استقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية العامة والخاصة، وأحكام الحوادث منها. ولا يتقيد بمذهب أحد.
قال في " آداب المفتي والمستفتي ": ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق
مع أنه الآن أيسر منه في الزمن الأول؛ لأن الحديث والفقه قد دونا، وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات، والآثار، وأصول الفقه، والعربية، وغير ذلك. لكن الهمم قاصرة، والرغبات فاترة
(1)
. وهو فرض كفاية، قد أهملوه وملوه، ولم يعقلوه ليفعلوه. انتهى.
قال في " الإنصاف ": قلنا: قد ألحق جماعة من الأصحاب المتأخرين بأصحاب هذا القسم: الشيخ تقي الدين بن تيمية. وتصرفاته في فتاويه وتصانيفه تدل على ذلك.
القسم الثانى: " مجتهد في مذهب إمامه وإمام غيره ".
وأحواله أربعة:
الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه
(2)
في الحكم والدليل. لكن سلك طريقه
(1)
في حاشية أزيادة: ونار الجد والحذو خامدة، وعين الخوف والخشية جامدة، اكتفاء بالتقليد، واستغناء عن التعب الوكيد، وهربا من الأثقال.
(2)
في أ: لإمام.
في الاجتهاد والفتوى، ودعا إلى مذهبه. وقرأ كثيرا منه على أهله فوجده صوابا وأولى من غيره، وأشد موافقة فيه وفي طريقه.
الحالة الثانية: أن يكون مجتهدا في مذهب إمامه، مستقلا بتقديره بالدليل.
لكن لا يتعدى أصوله وقواعده، مع إتقانه للفقه وأصوله، وأدلة مسائله- أي: مسائل الفقه- عالما بالقياس ونحوه. تام الرياضة. قادرا على التخريج والاستنباط، وإلحاق " الفروع " بالأصول، والقواعد التي لإمامه.
وهذا شأن أهل الأوجه والطرق في المذاهب.
وهو حال أكثر علماء الطوائف الآن.
فمن علم يقينا هذا، فقد قلد إمامه دونه؛ لأنه مقر له على إضافة ما يقول إلى إمامه؛ لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع بلا واسطة إمامه. والظاهر: أنه لا بد من معرفة ما يتعلق بذلك من حديث، ولغة، ونحو.
فالمجتهد في مذهب أحمد مثلا إذا أحاط بقواعد مذهبه، وتدرب في مقاييسه وتصرفاته: ينزل- من إلحاق منصوصاته وقواعد مذهبه- منزلة المجتهد المستقل في إلحاقه ما لم ينص عليه الشارع بما نص عليه.
وهذا أقدر على ذا من ذاك. فإنه يجد في مذهب إمامه قواعد ممهدة، وضوابط مهذبة، ما لم يجده المستقل في أصول الشارع ونصوصه.
والحاصل: أن المجتهد في مذهب إمامه: هو الذي يتمكن من التفريع على أقراله، كما يتمكن المجتهد المطلق من التفريع على كل ما انعقد عليه الإجماع، ودل عليه الكتاب والسنة والاستنباط.
وليس على المجتهد: أن يفتي في كل مسألة. بل يجب عليه أن يكون على بصيرة فيما يفتي به
(1)
.
الحالة الثالثة: أن لا يبلغ باجتهاده رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق. غير أنه فقيه النفس، حافظ لمذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم
(1)
في ب: فيه.
بتقديره ونصرته، يصور ويحرر، ويمهد ويقرر، ويزيف ويرجح. لكنه قصر عن درجة أولئك: إما لكونه لم يبلغ- في حفظ المذهب- مبلغهم. وإما لكونه غيرمتبحر في أصول الفقه ونحوه. على أنه لا يخلو مثله- في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أدلته- عن أطراف من قواعد اصول الفقه ونحوه.
وإما لكونه مقصرا في غير ذلك من المعلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصل
(1)
لأصحاب الوجوه والطرق.
وهذه صفة كثير من المتأخرين الذي رتبوا المذاهب، وحرورها، وصنفوا
فيها تصانيف، بها يشتغل الناس.
وأما فتاويهم فكانوا يستنبطون فيها استنباط أولئك أو نحوه ويقيسون على المنقول
نحو قياس المرأة على الرجل في رجوع البائع إلى عين ماله عند تعذر الثمن.
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب، ونقله وفهمه.
فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهب: من منصوصات
إمامه أو تفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه، وتخريجاتهم.
وأما ما لا يجده منقولا في مذهبه: فإن وجد في المنقول ما هذا في معناه،
بحيب يدرك من غير فضل فكر وتأمل
(2)
أنه لا فارق بينهما كما في الأمة بالنسبة إلى العبد المنصوص عليه في إعتاق الشريك: جاز له إلحاقه به والفتوى به. وكذلك
(3)
ما يعلم اندراجه تحت ضابط، ومنقول ممهد في المذهب.
وما لم يكن كذلك: فعليه الإمساك عن الفتيا به.
ثم إن هذا الفقيه: لا يكون إلا فقيه النفس، لأن تصور المسائل على وجهها، ونقل أحكامها: لا يقوم به إلا فقيه النفس. ويكفيه استحضار أكثر المذهب، مع قدرته على استحضار بقيته قريبا.
(1)
في أ: والحاصل.
(2)
في أ: وتأمله.
(3)
في أ: كذلك.
القسم الثالث من المجتهدين.: " المجتهد في نوع من العلم ".
فمن عرف القياس وشروطه: فله أن يفتي في مسائل منه قياسية، لا تتعلق بالحديث.
ومن عرف الفرائض: فله أن يفتي فيها، وإن جهل أحاديث النكاح وغيرها وعليه الأصحاب.
وقيل: يجوز ذلك في الفرائض دون. غيرها.
وقيل: بالمنع فيهما. وهو بعيد. ذكره في " آداب المفتي ".
القسم الرابع من المجتهدين: " المجتهد في مسائل، أو مسألة واحدة ".
وليس له الفتوى في غيرها، وأما فيها فالأظهر
(1)
: جوازه.
ويحتمل المنع؛ لأنه مظنة القصرر والتقصير. قاله في "آداب المفتي والمستفتي ".
قال في " الإنصاف ": قلت: المذهب الأول.
قال ابن مفلح في أصوله: يتجزأ الاجتهاد عند أصحابنا وغيرهم. وجزم به الآمدي خلافا لبعضهم. وذكر بعض أصحابنا مثله.
وذكر أيضا قولا يتجزأ في باب، لا في مسألة. انتهى.
وقد ختم صاحب " الرعاية " كتابه بفصل من الآداب، فأحببت أن أختم به
هذا الكتاب. وهو قوله
(2)
:
يا أخي عليك بتقوى الله عز وجل، وإيثار طاعته ورضاه على كل شيء سرا وجهرا، مع صفاء القلب من كل كدر، وترك حب العلو والترأس والترفع، وكل وصف مذموم شرعا أو عقلا أو عرفا؛ كغل وحقد وحسد ونكد وغضب وعجب وكبر وخيلاء وزهو ورياء وهوى، وغرض سوء، وقصد رديء، ومكر وخديعة، ومجانبة كل مكروه لله سبحانه وتعالى.
(1)
في أ: وما فيها قال أظهر.
(2)
في أ: وقوله.
وإذا جلست مجلس
(1)
ذكر أو غيره فاجلس بسكينة ووقار، وتلق الناس بالبشر والاستبشار
(2)
، وحادثهم بما ينفع من الأخبار، ولا تجالس غير الأمناء الأتقياء الأخيار، وأقبل على من يقبل عليك
(3)
، وارفع منزلة من عظم لديك، وأنصف حيث يجب الإنصاف، واستعفف
(4)
حيث يجب الاستعفاف، ولا تسرف فإن الله عز وجل لا يحب المسرفين
(5)
.
وإن رأيت نفسك مقبلة على الخير فاشكر الله عز وجل، وإن رأيتها مدبرة عنه فازجر، وإن بليت بضر فاصبر، وإن جنيت فاستغفر، وإن غفوت فاعتذر، وإن ذكرت بالله عز وجل فاذكر.
وإذا قمت من مجلسك فقل: سبحانك الله وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك. انتهى.
وهذا آخر الكتاب. والحمد لله الفتاح العليم الوهاب
(6)
.
وصلى الله على سيدنا محمد الذي جاء بالحق المبين وعلى آله وصحبه أجمعين آمين
(7)
.
(1)
في ج: في مجلس.
(2)
في ب: والاستبشارة.
(3)
في أ: وأقبل على طريقتك.
(4)
في ب: واستعف.
(5)
في ب: الإسراف.
(6)
في ج: الفتاح الوهاب.
(7)
في ب: والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين دائما أبدا آمين آمين.
وفي ج: والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين دائما أبدا آمين.
انتهى هذا الكتاب الجليل وهو كتاب " شرح منتهى الإرادات " لمؤلفه الشيخ الإمام الحبر اليمام محمد تقي الدين بن شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد الفتوحي الحنبلي. وكان الفراغ من انتهائه يوم الاثنين المبارك اثني عشر شعبان سنة 1284 ألف ومائتين وأربعة وثمانون على يد كاتبه الفقير محمد برعي السقطي الشافعي. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.