المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنائز   [الجنائز] بفتح الجيم وهو جمع جِنازة بالكسر، والفتح: لغة. - شرح منتهى الإرادات لابن النجار = معونة أولي النهى - جـ ٣

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

‌كتاب الجنائز

[الجنائز] بفتح الجيم وهو جمع جِنازة بالكسر، والفتح: لغة. وقيل: بالفتح للميت، وبالكسر للنعش عليه ميت. ويقال: عكسه. فإن لم يكن عليه ميت فلا يقال. نعش ولا جنازة، وإنما يقال: سري. وهي مشتقة من جَنَزَ إذا ستر، يجنِز بكسر النون.

(يُسن الاستعداد للموت) بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم.

(والإكثار من ذكره)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أكثروا من ذكر هاذم اللذات " (

(1)

). هو بالذال المعجمة يعني: الموت.

(و) تسن (عيادة) مريض (مسلم)؛ لما روي عن أبي هريرة مرفوعاً: " خمس تجب للمسلم على أخيه: ردَُ السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوى، وعيادة المريض، واتباع الجنازة "

(2)

.

وفي لفظ: " حق المسلم على المسلم ست. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فحمد الله تعالى فشمّته، وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتبعه "

(3)

. متفق على ذلك. إلا أن البخاري لم يذكر لفظ حديث الست، ولا ذكر فيه " النصيحة ". (غير مبتدع يجب هجره؛ كرافضي).

قال في " الإنصاف ": نص الإمام أحمد: أن المبتدع لا يعاد.

وقال في " النوادر ": تحرم عيادته.

وعنه: لا يعاد الداعية فقط.

(1)

أخرجه الترمذى فى"جامعه"(2307) 4: 553 كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكرالموت

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه"(5030) 4: 07 3 كتاب الأدب، باب في العطاس.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1183) 1: 418 كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز.

وأخرجه مسلم في "صحيحه "(2162) 3: 1705 كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام.

ص: 5

واعتبر الشيخ تقى الدين: المصلحة في ذلك.

(أو) إنسان (يسن) هجره؛ (كمتجاهر بمعصية) يعني: أنه يسن أن لا يعاد إذا مرض. بخلاف غير المتجاهر. نقل حنبل: إذا علم من رجل أنه يقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه

(1)

حتى يرجع، وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرًا عليه ولا جفوة من صديق.

وتُكره عيادة رجل لامرأة غير محرم أو تعوده. قاله ابن الجوزي. قال في " الفروع ": وأطلق غيره عيادتها. انتهى.

والأولى: حمل من منع على خوف الفتنة، وحمل من لم يمنع على من لا يخاف منها فتنة؛ كالعجوز.

وتشرع العيادة في كل مرض على ظاهر كلام الأصحاب.

وقال أبو المعاًلي: لا تشرع لوجع الضرس والدمل

(2)

والرمد. قال: ولايسمى صاحبها مريضا. واحتج بما رواه الدارقطني في " العلل " أنه عليه الصلاة والسلام قال: " ثلاث لا يعادون: صاحب الضرس، وصاحب الرمد، وصاحب الدمل ". لكن هذا الحديث غير ثابت. قال الحافظ عبدالحق: يرويه مَسلمة ابن علي الخشني. وهو ضعيف.

على أنه قد ثبتت

(3)

العيادة في الرمد عن زيد بن أرقم. ولفظه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم عاده من وجع كان بعينه "

(4)

. أخرجه أبو داود وصححه الحاكم.

ويسن كون عيادة المريض (غِبْاً).

قال في " الفروع ": قال جماعة: ويغبٌ بها. وظاهر إطلاق جماعة

(1)

فى أ: موجباته.

(2)

ذكره المتقي الهندي في " كنز العمال (25158) 9: 97 كتاب الصحبة، حق عيادة المريض. ولم أره في القسم المطبوع من كتاب " العلل " للدارقطني.

(3)

في أ: ثبت

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3102) 3: 86 كتاب الجنائز، باب في العيادة من الرمد.

وأخرجه الحاكم في " المستدرك "(1265) 1: 492 كتاب الجنائز. وقال الذهبي في " التلخيص ": على شرطهما.

ص: 6

خلافه. ويتوجه اختلافه باختلاف الناس، والعمل بالقرائن وظاهر الحال، ومرادهم في الجملة، وهي تشبه الزيارة.

وذكر ابن الصيرفي الحرانى في " نوادره ": الشعر المشهور وهو:

لا تُضجِرَنٌَ عليلاُ في مُساءلةٍ إن العيادة يومٌ بين يومَين

بل سَلْه عن حاله وادعُ الإله له واجلسْ بقدر فُوَاقٍ بين حَلُبَيْن

(1)

من زار غِباً أخاً دامت مودتُه وكان ذاك صلاحاً للخليلَََين

وتكون العيا دة (من أول المرض)، وتكون (بُكرةً وعشياً)، وتكون (فى رمضان ليلاُ).

قال أحمد: يعود بكرة وعشياً. وقال عن قرب وسط النهار: ليس هذا وقت عيادة.

وقال بعضهم: تكره إذاً. نص عليه.

قال صاحب " المحرر ": لا بأس آخر النهار؛ للخبر. ونص أحمد: العيادة في رمضان ليلاُ.

(و) يسن للعائد (تذكيره) أي: تذكير المريض (التوبة)؛ لأنها واجبة

على كل حال. والمريض أحوج إليها من غيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يقبلُ توبةََُ العبد ما لم يُغرغِر "

(2)

. أي: تبلغ روحه إلى حلقه.

(و) تذكيره أيضاً (الوصية)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ما حقُّّّ امرئ مسلم له شيء يوصي به، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "

(3)

. متفق عليه من حديث ابن عمر.

(ويدعو) العائد للمريض (بالعافية والصلاح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم " من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم

(1)

في ج: فراق بين خلين.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(0 616) 2: 132

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(87 5 2) 3: 5 00 1 كتاب الوصايا، باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: وصية الرجل مكتوبة عنده.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1627) 3: 1249 كتاب الوصية، باب العمرى.

ص: 7

أن يشفيك. إلا عافاه الله من ذلك المرض "

(1)

. أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن، والحاكم وصححه.

ويستحب أن يقرأ عنده فاتحة الكتاب، لقوله في الحديث الصحيح:" وما يدريك أنها رقية "

(2)

.

وأن يقرأ عنده سورة الإخلاص والمعوذتين. فقد ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء رجل يعود مريضاً فليقل: اللهم لِلَّهِ اشف عبدك. يَنُكَأُ لك عدواً ويمشي لك إلى صلاة "

(4)

.

وصح " أن جبريل عليه السلام عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بسم الله أرقيك. من كل شيء يؤذيك. من شر كل نفس أو عين حاسد. الله يشفيك. باسمه أرقيك "

(5)

. وأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على من يعوده قال: لا بأس. طهور إن شاء الله "

(6)

.

(و) يستحب أن العائد (لا يُطيل الجلوس) عند المريض؛ لما في إطاالة الجلوس عنده من إضجاره، ومنع بعض تصرفاته، والتضييق عليه.

وعنه: يستحب أن يكون الجلوس بقدر الجلسة بين الخطبتين.

(ولا بأس بوضع يده) أي: يد العائد (عليه) أي: على المريض؛ لما روي في " الصحيحين ": " أنه صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله، ويمسح بيده اليمنى، ويقول: اللهم لِلَّهِ رب الناس، أذهب الباس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(83 0 2) 4: 10 4 كتاب الطب.

وأخرجه الحاكم في " المستدرك "(1268) 1: 493 كتاب الجنائز.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(156 2) 2: 795 كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1 220) 4: 1727 كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرةعلى الرقية بالقرآن والأذكار.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(20424) 5: 128.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(7 0 31) 3: 187 كتاب الجنائز باب الدعاء للمريض عند العيادة

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(11574) 3: 58.

(6)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(7032) 6: 2717 كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ u ن! $ t±o- اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ $ ̧ J` خ=t م $ VJ 9 إ 3 ym}

ص: 8

شفاؤك، شفاء لا يغادرسقماً "

(1)

.

وفي " الفنون ": إن سألك وضع يدك على رأسه للتشفي

(2)

فجدد توبة لعله يتحقق ظنه فيك. وقبيحٌ تعاطيك ما ليس لك. وإهمال هذا وأمثاله يعمي القلوب ويخمر العيون ويعود بالرياء.

(و) لا بأس بـ (إخبار مريض بما يجد بلا شكوى)؛ لما ذكر القاضى أبو الحسين عن عبد الرحمن طبيب السنة قال: دخلت على أحمد بن حنبل أعوده. فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أنا بعين الله. ثم دخلت على بشر بن الحارث. فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أحمد الله إليك. أجد كذا، أجد كذا. فقلت: أما تخشى أن يكون هذا شكوى؟ فقال: حدثنا المعافى بن عمران عن سفيان بن سعيد عن منصورعن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا: سمعنا عبدالله بن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك ". فدخلت على أحمد فحدثته. فكان إذا ساًلته قال: أحمد الله إليك. أجد كذا، أجد كذا. (وينبغي) للمريض (إن يُحسن ظنٌه بالله تعالى)؛ لما في " الصحيحين " عن أبي هريرة مرفوعاً:" أنا عند ظن عبدي بي "

(3)

. زاد أحمد " إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله "

(4)

.

وقال ابن هبيرة في حديث أبي موسى: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه "

(5)

. متفق عليه. قال: يدل على استحباب تحسين

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5410) 5: 2167 كتاب الطب، باب رقية النبى صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم في " صحيحه "(2191) 3: 1722 كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض.

(2)

في ج: المتشفي.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6970) 6: 2694 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:(ويحذركم الله نفسه).

وأخرجه مسلم فى " صحيحه "(2675) 4: 2061 كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(9065) 2: 391

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6143) 5: 2387 كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

ص: 9

العبد ظنه عند إحساسه بلقاء الله؛ لئلا يكره أحد لقاء الله. يود أن لو كان الأمر على خلاف ما يكرهه، والراجي السرور يود

(1)

ثبوت ما يرجو حصوله.

ويُغََلُب رجاه. قدمه في " الفروع ".

وفي " النصيحة ": يغلب الخوف لحمله على العمل وفاقاً للشافعية، وقاله الفضيل بن عياض وغيره، ونصه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه وأحداً، زاد في رواية: فأيهما غلب صاحبه هلك.

قال في " الفروع ": قال شيخنا: وهذا هو العدل. ولهذا: من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط، إما في نفسه وإما في أمور الناس.

[ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف اوقعه في نوع من الأمن لمكر الله، إما في نفسه وإما في الناس]

(2)

.

والرجاء في

(3)

رحمة الله التي سبقت غضبه يجب ترجيحه؛ كما قال تعالى: " أنا عند حسن ظن عبدي بي. فليظن بي خيراً "

(4)

.

وأما الخوف فيكون بالنظر إلى تفريط العبد وتعدْيه.

فإن الله عدل لا يأخذ إلا بالذنب.

وعند الحنفية: يُغلب الشاب الرجاء، والشيخ الخوف.

(ويُكرهُ الأنين) على أصح الروايتين؛ لأنه يترجم عن الشكوى المنهى عنها. مالم يغلبه.

ويستحب للمريض الصبر على المرض والرضاء بقضاء الله سبحأنه وتعالى؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 46 ا]، ولقوله تعالى:

(1)

= وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2686) 4: 2067 كتاب الذكر والدعاء والتوبه والاستغفار، باب من أحب الله أحب الله لقاءه. . .

() في او ج زيادة: زيادة.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في او ج: بحسب

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(16059) 3: 491 ولفظه: " أنا عند ظن عبدي بي. فليظن بي ما شاء "

ص: 10

{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

واعلم أن الثواب في المصائب على الصبر عليها، لا على المصيبة نفسها. فإنها

(1)

ليست من كسبه، وإنما يثاب على كسبه، والصبر من كسبه، والرضى بالقضاء فوق الصبر، فأنه يوجب رضى الله سبحأنه وتعالى. وإن أخبر بما يجده على وجه الشكوى لربه الذي ابتلاه لا لأحد من خلقه لم يكن ذلك مذموماً اتفاقاً، ولا منافياً للصبر. بل هو مطلوب شرعاً.

ومنه قول أيوب {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، وقول يعقوب:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86].

وقال ابن عيينة: أن الشكوى للخلق مع الرضى بقضاء الله تعالى لا بأس بها. واحتج لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه لجبريل عليه السلام: " أجدنىِ مغموماً، أجدنى مكروباً ".

ومنه قول موسى لفتاه: {لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62]. فهذه الآية تدل على إباحة إظهار

مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من الأذى والتعب. ولا يكون مثل ذلك من الشكوى المذمومة إذا كان راضياً بقضاء الله تعالى. وهذا هو اللائق بحال موسى عليه السلام.

(و) يكره أيضاً (تمني الموت) نزل به ضر أو لم ينزل على الصحيح. ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: " لا يتمنى أحدكم الموت من ضُرٍ أصابَه. فإن كان لابُدَّ فأعلا فليقل: اللهم لِلَّهِ أَحْيني ما كانت الحياةُ خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي "

(2)

: على الغالب من أحوال الناس. ويستثنى من ذلك حالتان لا يكره تمني الموت فيهما:

(1)

في ج: لأنها.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5347) 5: 2146 كتاب المرضى، باب نهي تم المريض الموت.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(268.) 4: 2. 64 كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب تمنى كراهة الموت لضر نزل به.

ص: 11

الأولى: عند مخافة الفتنة في دينه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مالك: " وإذا أردتَ بعبادك فتنة فاقْبِضْني إليك غير مَفْتُون

(1)

.

الحالة الثانية: تمني الشهادة لا سيما عند حضور أسبابها فتستحب؛ لما روي في الصحيح: " من تمنى الشهادة خالصاً من قلبه أعطاه الله منازل الشهداء "

(2)

.

(و) يكره أيضاً (قطعُ الباسور) وهو داء معروف. (ومع خوفِ تلف بقطعه يحرم) قطعه؛ لما في ذلك من التعريض إلى أهلاك نفسه. (و) مع خوف التلف (بتركه) أي: بعدم قطعه (يباح) قطعه.

(ولا يجب التداو ي) من المرض (ولو ظُن نفعُه). لكن يجوز اتفاقاً، ولا ينافى التوكل. فإن الله سبحأنه وتعالى خلق الداء والدواء. [أخرج أبو داود عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال:" إن الله أنزل الداء والدواء "

(3)

، وجعل لكل داء دواء. فتداووا ولا تتداووا بالحرام "

(4)

.

(وتركُه) أي: ترك التداوي (أفضل) من فعله. نص عليه؛ لأنه أقرب إلى التوكل.

وقيل: فعله أفضل.

وقيل: بل يجب؛ لظاهر الأمر.

(ويحرم) التداوي (بمحرم) من مأكول وغيره، حتى ولو بصوت آلة لهو؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" ولا تتداووا بالحرام "

(5)

.

ونقل الجماعة عن أحمد: تحريم التداوي بألبان الأُُتن والترياق والخمر.

وجوّز في " الأيضاًح " التداوي بالترياق.

(1)

أخرجه مالك في " الموطأ "(4.) 1: 19. كتاب القرآن، باب العمل في الدعاء

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(19. 9) 3: 1517 كتاب الإمارة، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه أبوداود فى " سننه "(3874) 4: 7 كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة.

(5)

سبق تخريجه قريباً.

ص: 12

وقيد التحريم في " البُلغة " بالأكل والشرب. فخرج الادهان ونحوه.

ويجوز ببول إبل في المنصوص، وكذا بول كل ما أُكل لحمه.

وفي الأصح: وكل ما فيه سمية من النبات، إن كان الغالب مع استعماله السلامة.

(ويباح كَتبُ قرآن) بإناء، (و) كتب (ذكر بإناء لحاملٍ لعسر الولادة، ومريض، ويُسقَيأنه) أي: الحامل والمريض. نص عليه؛ لقول ابن عباس.

(وإذا نزل به) أي: نزل الملك بالمريض لقبض

(1)

روحه: (سن تعاهد) أرفق أهل المريض به وأتقاهم لربه: (بلُ حلقه) أي: حلق المريض (بماء اوشراب)، وتعاهد أيضاً (تنديَةِ شفتيه بقطنة)؛ لأن ذلك يطفئ ما نزل به من الشدة، ويسهل عليه النطق بالشهادة.

(و) سن أيضاً (تلقينُه) أي: تلقين المريض المنزول به قول: (لا إله إلا الله)؛ لما روى مسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله "

(2)

.

وأُطلق على المحتضر اسم الميت باعتبار ما هو واقع لا محالة.

وعن معاذ مرفوعاً: " من كان اخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "

(3)

. رواه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد.

واقتصر عليها؛ لأن إقراره بها إقرار بالأخرى.

قال في " الفروع ": ويتوجه احتمال كما ذكر جماعة من الحنفية والشافعية: يلقن الشهادتين؛ لأن الثانية تبع. فلهذا اقتصر في الخبر على الأولى.

ويلقن (مرة). نقله مهنا وأبو طالب وفاقاً للأئمة الثلاثة، واختارالأكثر ثلاثاً. (ولم يزد على ثلاث، إلا أن يتكلم) بعد الثلاث (فيُعيدُه) أي: يعيد

(1)

في ج: لقلب

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(916) 2: 631 كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى: لا إله إلا الله.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1786 2) 5: 233.

وأخرجه الحاكم في " المستدرك "(1842) 1: 678 كتاب الدعاء والتكيبر والتهليل والتسبيح والذكر.

ص: 13

التلقين (برفق).

وذكر أبو المعاًلي: يكره التلقين من الورثة بلا عذر.

(و) سن أيضاً (قراءة الفاتحة، و) قراءة [(يس) عنده] أي: عند من نزل به. وهو المحتضر. نص عليهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " اقراوا على موتاكم يس "

(1)

. رواه أبو داود وصححه ابن حبان.

ولأحمد: " يس قلب القرآن. لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفرله. واقرؤوها على موتاكم "

(2)

.

ولأن قراءة ذلك يسهل خروج الروح.

وفي " المستوعب ": ويقرأ (تبارك) أيضاً.

(و) سن أيضاً (توجيههُ إلى القبلة على جنبه الأيمن)؛ لما روي " أن حذيفة أمر أصحابه عند موته أن يوجهوه ".

وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث أبي قتادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فسأل عن البراء بن معرور فقالوا: توفي وأوصى بثلثه لك، وأن يوجه إلى القبلة لما احتُضر، فقال صلى الله عليه وسلم: أصاب الفطرة. وقد رددت ثلثه على ولده. ثم ذهب وصلى عليه "

(3)

. وصححه الحاكم. وقال: لا أعلم في توجيه المحتضر إلى القبلة غيره.

ولما روي: " أن فاطمة رضي الله تعالى عنها قالت لأم رافع: استقبلي بي

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3121) 3: 191 كتاب الجنائز، باب القراءة عند الميت.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1448) 1: 466 كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(9789 1) طبعة إحياء التراث.

وأخرجه ابن حبان في " صحيحه "(2991) 5: 3. كلهم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(20301) 5: 26 من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البيهقى في "السنن الكبرى " 3: 384 كتاب الجنائز، باب ما يستحب من توجيهه نحو القبلة.

وأخرجه الحاكم في " المستدرك "(1305) 1: 505 كتاب الجنائز، وقال الذهبي في " التلخيص ": صحيح.

ص: 14

القبلة. ثم قامت واغتسلت أحسن ما تغتسل، ولبست ثياباً جدداً وقالت: إنى الآن مقبوضة، ثم استقبلت القبلة متوسدة يمينها "

(1)

.

وهذا (مع سعة المكان، وإلا) أي: وإن لم يمكن توجيهه لضيق المكان (فعلى ظهره) أي: فيُلقى على قفاه وأخمصاه إلى القبلة؛ كالموضوع على المغتسَل. زاد جماعة: ويرفع رأسه قليلاُ؛ ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء.

(وينبغي) للمريض (إن يشتغلَ بنفسه) باًن يستحضر في نفسه: أنه حقيرمن مخلوقات الله تعالى، وأن الله سبحأنه وتعالى غني عن عباداته وطاعاته

(2)

، وأنه لا يُطلب الإحسان والعفو [إلا منه]

(3)

، وأنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. وأن يُكثر ما دام حاضر الذهن: من قراءة القرآن، وشكر الله سبحأنه وتعالى بقلبه ولسأنه، وأن يبادر إلى أداء الحقوق إلى أهلها، برد المظالم والودائع والعواري، واستحلال أهله من والد وزوجة وأولاد وغلمان وجيران وأصحاب

(4)

، وكل من كان بينه وبينه معاًملة أو تعلق في شيء، ويحافظ على

(5)

الصلوات واجتناب النجاسات، ويصبرعلى مشقة ذلك، ويحذر نفسه من التسأهل في ذلك. فإن من أقبح الأمور: أن يكون اخر عمره وخروجه من الدنيا التي هي مزرعة الآخرة مفرطاً فيما وجب عليه أو ندب إليه، ولا يقبل قول من يخذله عن ذلك، بل يجتهد في ختم عمره بأًكمل الأحوال، وأن يتعاهد نفسه بتقليم أظفاره وأخذ شعر شاربه وإبطه وعانته؛ لحديب خبيب " أنه لما أراد كفار قريش قتله استعار موسى فاستحد بها "

(6)

.

(و) أن (يعتمد على الله تعالى فيمن يُحب) من بنيه وغيرهم، (ويوصي)

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27653) 6: 462.

(2)

في ج: وطاعته.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في ج: وأ صحابه.

(5)

ساقط من أ.

(6)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2880) 3: 1108 كتاب الجهاد، باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأًسر، ومن ركع ركعتين عند القتل. ()

ص: 15

?

على غير البالغ الرشيد من أولاده (للأرجح في نظره) من قريب وأجنبي؛ لأن ذلك هي المصلحة المرئية في حق الموصى

(1)

عليه. (فإذا مات: سن تغميضُه)؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة وقال: أن الملائكة يؤّمنون على ما تقولون "

(2)

. رواه مسلم.

وعن شداد مرفوعاً: " إذا احتضر الميت فأغمضوا البصر. فإن البصر يتبع الروح

(3)

. وقولوا خيراً. فأنه يؤمن على ما قال "

(4)

. رواه أحمد.

ولئلا يقبح منظره ويساء به الظن.

(ويُباح) تغميضُه (من محرَم ذكر أو) محرم (أُنثى. ويكره) تغميضه (من حائض و) من (جنب، أو أن يَقْرُباه) أي: يكره أن يقرب الميت جنب أو حائض.

(و) سن عند تغميضه (قول: بسم الله وعلى وفاة رسول الله). نص عليه؛ لما رواه البيهقي عن بكر بن عبد الله المزنى. ولفظه: " وعلى ملة رسول الله "

(5)

.

(و) سن أيضاً (شَدُّ لََحْيَيْه) بعصابة أو نحوها تأخذ جمع لََََحييه. ويربطها فوق رأسه؛ لئلا يبقى فمه مفتوحاً فتدخله الهوام ويتشوه خََلْقه.

(و) سن أيضاً (تليينُ مفاصله) بأن يرد ذراعيه إلى عضديه ثم يردهما، ويرد أصابع يديه إلى كفيه ثم يبسطهما، ويرد فخذيه إلى بطنه وساقيه إلى فخذيه ثم يمدهما. والمعني في التليين: سهولة الغسل. فإن البدن بعد مفارقة الروح تبقى فيها حرارة، فإن لينت المفاصل في تلك الحال، وإلا فلا يمكن تليينها بعد ذلك. ومن ثم سن فعل ذلك عقب الموت قبل قسوة الأعضاء ببرودة الميت.

(و) سن أيضاً (خلعُ ثيابه، وسترُه بثوب).

أما خلع ثيابه؛ فلئلا يحمى جسده فيسرع إليه الفساد ويتغير، وربما خرج

(1)

في أ: الوصي.

(2)

() أخرجه مسلم في " صحيحه "(919) 2: 633 كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المريض والميت

(3)

في ج زيادة: أي لينظر أين تذهب.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(17176) 4: 125

(5)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 385 كتاب الجنائز، باب ما يستحب من إغماض عينيه إذا مات.

ص: 16

منه شيء فلوثها.

وأما ستره بثوب؛ فلما روت عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي بثوب حبرة وهو البرد "

(1)

؛ لأن في ذلك احتراماً للميت، وصيانة له عن الهوام. وينبغي أن يُجعل أحد طرفيه تحت رأسه والآخر تحت رجليه؛ لئلا ينكشف. (و) سن أيضاً (وضع حديدة)؛ كمرآة وسيف وسكين؛ لما روي " أنه مات مولى لأنس بن مالك عند مغيب الشمس. فقال أنس: ضعوا على بطنه حديداً "

(2)

. أخرجه البيهقي.

(أو نحوها) أي: ونحو الحديدة من شيء ثقيل؛ كقطعة طين رطب (على بطنه)؛ لئلا تنتفخ بطنه فيقبح منظره. حكى ابن المنذر أن ذلك من السنة. وحكي عن بعض أهل العلم: أنه قدر زنة الموضوع بعشرين درهما، أو ما قارب ذلك. ويصان عنه المصحف إحتراماً له، وكذا كتب الفقه والحديث والعلم النافع. (و) سن أيضاً (وضعُه على سرير غُسله)؛ لأنه يبعد بذلك عن الهوام، ويرتفع عن نداو ة الأرض. حال كونه (متوجهاً) إلى القبلة (منحدراً نحو رجليه) أي: بأن يكون رأسه أعلا من رجليه؛ لينصَب عنه ماء الغسل وما يخرج منه.

(و) سن أيضاً (إسراعُ تجهيزِه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله "

(3)

رواه أبو داود.

ولأنه أصون له وأحفظ من التغيْر.

ومحل ذلك: (إن مات غير فجأة). فإن مات فجأة أو شك فى موته، انتظر به حتى يعلم موت

(4)

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5477) 5: 2189 كتاب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة 0

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(942) 2: 651 كتاب الجنائز، باب تسجية الميت 0

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3: 385 كتاب الجنائز، باب ما يستحب من وضع شيء على بطنه 000

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3159) 3: 200 كتاب الجنائز، باب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها 0

(4)

فى أوج زيادة: قال أحمد: من غدوة الى الليل. وقال القاضى: يترك يومين أو ثلاثة ما لم يخف فساده. أهـ. وسوف ياتى ذكرها بعد قليل عند قوله: وينتظر بمن مات فجأة ......

ص: 17

(و) سن أيضاً إسراع (تفريق وصيته)؛ لما في ذلك من تعجيل الأجر.

(ويجب) الإسراع (في قضاء دينه) أي: ما على الميت من الدين. واقتضى ذلك تقديم الواجب الذي هو قضاء الدين على تفريق الوصية؛ لقول علي رضي لله عنه: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية "

(1)

.

وإنما قدمت في القرآن بالذكر

(2)

؛ لأن في إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على إخراجها.

قال الزمخشري: ولذلك جيء بكلمة " أو " للتسوية أي: فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع لواحد منهما.

(ولا بأس ان يُنتظر به) أي: بالميت (من يحضُره من ولي أو غيره إن قرُب) المنتظر، (ولم يُخشَ عليه) أي: على الميت، (أو يَشُقُ) الانتظار (على الحاضرين). نص عليه.

(ويُنتظرُ بمن مات فجأة، أو شُك في موته حتى يُعلم) موته.

[قال أحمد: من غدوة إلى الليل.

وقال القاضي: يترك يومين أو ثلاثة ما لم يُخف فساده]

(3)

.

ويتيقن موته (بانخساف صُدغَيٍِِِْه، وميلِِِِِِِ أنفه. ويُعلمُ موتُ غيرهما) أي: غيرمن مات فجأًة أو شك في موته (بذلك) أي: بانخساف صدغيه وميل أنفه، (وبغيره؛ كانفصال كفيه) بأن ينخلعا عن ذراعيه؛ لأنه تسترخي عصبة اليد فتبقى كأنه امنفصلة في جلدها عن عظمة الزند، (واسترخاء رجليه) لأنه يحصل لهما ما يحصل لكفيه. فيرتخيان؛ كإمتداد جلدة وجهه، وتقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلدة.

ويكره ترك الميت ليلاُ في بيت وحده

(4)

، بل يبيت معه أهله. قاله الآجري.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1 0 91) 1: 131

(2)

وذلك قوله تعالى (مِنْ د 0÷ èt/ 7 p9 د1 ur سإ"q م' بِهَا أَوْ Aû ّ ïy`) : النساء 11.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في ج: واحدة.

ص: 18

قال النخعي: كانوا لا يَدَعونه في بيت وحده يقولون: يتلاعب به الشيطان.

ولا يستحب النعي وهو الأعلا م بموته، خلافاً لمالك بل يكره. نص عليه خلافاً لأبي حنيفة. ونقل صالح: لا يعجبني.

وعنه: يكره إعلام غير قريب أو صديق. ونقل حنبل: أوجار. وعنه: أو أهل دين.

قال في " الفروع ": ويتوجه استحبابه، ولعله

(1)

المراد " لى " إعلامه عليه الصلاة والسلام أصحابه بالنجاشي "

(2)

، وقوله عليه الصلاة والسلام عن الذي. يقم المسجد أي: يكنسه: " أفلا كنتم آذنتموني "

(3)

أي: أعلمتمونى.

ولا يلزم أعلا م قريب.

(ولا بأس بتقبيله والنظر إليه) أي: أن يقبل من يباح تقبيله للحى بعد موته

وان ينظرإليه، (ولو بعد تكفينه). نص عليه، لما روت عائشة قالت:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل "

(4)

.

ولما روى جابر قال: " لما قتل ابي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي.

والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهانى "

(5)

.

قال في " شرح المقنع ": والحديثان صحيحان.

* * *

(1)

في ج: وأ هله.

(2)

سيأ تى تخريجه ص (66) رقم (2 - 4)

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(446) 1: 175 أبواب المساجد، باب كنس المسجد. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(956) 2: 659 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

(4)

أخرجه أبو داود في " سنته "(3163) 3: 1 0 2 كتاب الجنائز، باب في تقبيل الميت.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1456) 1: 468 كتاب الجنائز، باب ما جاء في تقبيل الميت.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه " (11: 0 42 كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه.

ص: 19

[فصل: في غسل الميت]

(فصل. وغُسله مرة) واحدة، (أو يُيَمَّمُ لعذر: فرض كفاية) إجماعاً عل كل من عرف به وأمكنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته:" اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه "

(1)

. متفق عليه من حديث ابن عباس.

وهذا أمر. والأمر للوجوب.

فإن تركه أهل قرية عالمين به أثموا جمعاً. ولو لم يعلم به إلا واحد تعين عليه القيام به

(2)

. وهو من حقوق الله تعالى الواجبة للإنسان المسلم بعد موته، حتى لو وصى بإسقاطه مسلم لم يسقط.

وأما كون تيممه عند تعذر غسله فرض كفاية " فلأن غسل الميت طهارة بدني تجب بالماء مع وجوده. فوجب أن ينوب عنها التيمم عند عدمه " كطهارة الحي. وكذا إذا تعذر غسله للخوف عليه من التقطع والتهري بالغسل " كالمحترق والمسموم، قياسا على الحي إذا كان به قروح لا يستطيع معها الغسل.

قال في " التنقيح ": وغسله فرض كفاية. ويتعين مع جنابة أو حيض ويسقطان به. انتهى.

فإن حملنا ذلك على أنه يتعين غسله على كل من علم به لم يصح هذا الحمل؛ لسقوط فرض الغسل بفعل واحد منهم. وإن حملناه على أن الغسل تعين على الميت قبل موته ثم مات وهو في ذمته، وأن الذي يتولى غسله يقوم مقامه في ذلك، ويكون ثوابه كثوابه فصحيح. ولهذا قلت:

(وينتقل إلى ثواب فرض عين، مع) وجوب غسل (جنابة أو حيض) على

(1)

أخرجه البخاري في (صحيحه " (1753) 2: 656 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب سنة المحرم إذا

وأخرجه مسلم في (صحيحه " (12. 6) 2: 866 كتاب الحج، باب ما يفعل يالمحرم إذا مات.

(2)

في ج: له.

ص: 20

الميت، (ويسقطان) أي: غسل الجنابة والحيض (به) أي: بغسل الميت. ويستثنى من كون غسل الميت أو تيممه فرض كفاية ما أشير إليه بقوله:

(سوى شهيد معركة). وهذا قول عامة أهل العلم، إلا ما يروى عن ابن المسيب والحسن أنهما قالا: يغسل، لأن كل ميت جنب.

وشهيد المعركة من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال. فلو مات لا بسبب من أسباب القتال في المعركة لم يثبت له هذا الحكم؛ لقوله سبحأنه وتعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران: 169 [والحي: لا يغسل.

ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه في شهداء أحد: " أنه أمر بدفنهم بدمائهم ولم يغسلهم "

(1)

. ولا يقال إن ذلك خاص بهم؛ لأننا نقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك بعلة توجد في سائر الشهداء. فروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد: " لا تغسلوهم. فإن كل جرج، أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة. ولم يصل عليهم "

(2)

. رواه أحمد.

وعن عبدالله بن ثعلبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " زَمِّلُوهُم بدمائهم. فأنه ليس كََلْمٌ يُكْلَمُ في الله إلا يأتي يوم القيامة يَدْمَى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك "

(3)

. رواه النسائي.

وهذه العلة توجد في غيرهم بدليل ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" والذي نفسي بيده، لا يُكْلَمُ أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله، إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك "

(4)

. متفق عليه.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(288 1) 1: 4 5 4 كتاب الجنائز، باب اللحد والشق في القبر.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(14208) 3: 299.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(2 00 2) 4: 78 كتاب الجنائز، مواراة الشهيد في دمه.

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(2649) 3:. 32 0 1 كتاب الجهاد، باب من يجرج في سبيل الله عز وجل.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1876) 3: 496 1 كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله.

ص: 21

?

وسمي شهيداً، لأنه حي.

وقيل: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة.

وقيل: لأن الملائكة تشهده.

وقيل: لقيامه بشهادة الحق حتى قتل.

وقيل: لأنه يشهد ما أعد له من الكرامة بالقتل.

وقيل: لأنه شهد لله بالوجود والإلهية بالفعل، كما شهد غيره بالقول.

وقيل: لسقوطه بالأرض، وهي الشاهدة.

وقيل: لأنه شهد له بوجوب الجنة.

وقيل: من اجل شاهده، وهو دمه.

وقيل: لأن عليه شاهدا بكونه شهيداً.

وقيل: لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل.

(و) سوى (مقتول ظلماً)، كمن قتله اللصوص، أو أريد منه الكفر فقتل دونه، أو أريد على ماله أو نفسه أو حرمته فقاتل دون ذلك فقتل في أصح الروايتين في المقتول ظلما، لما روى سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "]

(1)

من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، و [من فتل دون أهله فهو شهيد "

(2)

. رواه أبو داود والترمذي وصححه.

ولأنهم مقتولون بغير حق. أشبهوا قتلى الكفار. فلا يُغَسّلون.

(ولو) كان شهيد المعركة والمقتول ظلماً (أُنَثيَيْن، أو) كانا (غير

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبوداود في " سننه "(4772) 4: 46 2 كتاب السنة، باب في قتال اللصوص.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1421) 4: 30 كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد.

ص: 22

?

مكلفَين) كما لو كانا صغيرين، لأن عمومات الأخبار تقتضي أن جراحة الشهيد تأتي يوم القيامة ريحها ريح المسك. فينبغي ألا تزال على الصغير كما لا تزال عن البالغ.

ولأن أحمد نص على أن

(1)

الصبي إذا استشهد حكمه حكم البالغ. وبهذا قال مالك والشافعي وأبويوسف ومحمد.

(فـ) على المذهب: (يكره) غسل شهيد المعركة والمقتول ظلما.

وقيل: يحرم.

(ويغسلان) أي: شهيد المعركة والمقتول ظلما وجوباً على الأصح (مع وجوب غسل عليهما قبل موت بجنابة، أو حيض، أو نفاس، أو إسلام)، لأنه غسل واجب لغير الموت. فلم يسقط بالموت، كغسل النجاسة. فوجب أن يغسلا (كغيرهما) ممن لم يمت شهيدا.

(وشُرط) بالبناء للمفعول لصحة الغسل: (طَهوريةُ ماء) " كسائر الطهارات (وإباحته) أي: إباحة الماء، كباقي الأغسال، (وإسلام غاسل)[في أصح الوجهين، لأن غسل الميت عبادة، والكافر ليس من أهلها. والمراد: (غير نائب عن مسلم نواه). فلو خص المسلم غسل الميت وباشره الكافر بأمر المسلم مع حضور المسلم صح غسله]

(2)

في أصح الوجهين " كمحدث نوى رفع حدثه وأمر كافراً بغسل أعضائه.

ولا يشترط في الغاسل ولا الغاسلة الطهارة. فيصح من كل

(3)

منهما الغسل، (ولو) كان الغاسل أو الغاسلة (جنباً، أو) كانت الغاسلة (حائضاً)، لأن كلاً منهما يصح منه الغسل لنفسه فكذا لغيره.

(وعقله ولو مميزاً) يعني: أنه يشترط في الغاسل العقل لا البلوغ لصحة غسل المميز لنفسه.

(1)

ساقط من أ

(2)

ساقط من أ

(3)

ساقط من أ

ص: 23

(والأفضل) أن يختار لتغسيل الميت (ثقة عارف بأحكام الغسل). ونقل حنبل: لا ينبغي إلا ذلك، واو جبه أبو المعالي.

(والأولى به) أي: بغسل الميت (وصيه العدل) " لأنه حق للميت. فقدم فيه وصيه على غيره.

و" لأن)

(1)

أبو بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء "

(2)

.

و" أوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ".

(فأبوه) يعني: أن الأولى بغسل الميت بعد وصيه العدل أبوه؛ لاختصاصه بالحنو والشفقة.

ولأنه مقدم على الابن في ولاية النكاج فكذلك في الصلاة.

(وإن علا) يعني: أن الأولى بغسل الميت بعد أبيه أبو أبيه. فإن عدم فأبوه

وإن علا " لمشاركة الجد الأب في المعنى.

وعنه: يقدم الابن على الجد.

(ثم الأقرب فالأقرب من عصباته نسبا) أي: من النسب. فيقدم الابن ثم

ابنه وإن نزل، ثم الأخ من الأبوين ثم من الأب على ترتيب الميراث.

(ثم نعمة) يعني: أن الأحق بغسله بعد عصباته من النسب الأقرب فالأقرب

من جهة معتقه. فيقدم معتقه ثم ابنه وإن نزل، ثم أبوه وإن علا على ترتيب الميراث.

(ثم ذَوو أرحامه) أي: أرحام الميت، (كميراث الأحرار في الجمع)

أي: في العصبات من النسب والعصبات

(3)

من جهة النعمة.

(ثم) بعد من تقدم يلي غسله (الأجانب.

(1)

في ج: وكان.

(2)

أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 3: 397 كتاب الجنائز، باب غسل المرأة زوجها.

وأخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(10969) 2: 455 كتاب الجنائز، في المرأة تغسل زوجها ألها ذلك.

(3)

في أ: العصابة من النسب والعصابه.

ص: 24

و) الأولى (بـ) غسل (أُنثى وصيتُها) كما قلنا في الرجل. (فأمها وإن علت) يعني: ثم أم أمها، ثم أم أم امها. فإن لم يكن لها امهات (فبنتها وإن نزلت) يعني: ثم بنت بنتها، ثم بنت بنت بنتها، (ثم) إن لم يكن لها بنات فالأولى بغسلها من أقاربها (القربى فالقربى؛ كميراث. وعمة وخالة) لها سواء في القرابة

(1)

، (أو بنتا أخ وأخت سواء) في القرابة

(2)

والمحرمية. أشبهتا العمتين والخالتين.

(وحكم تقديمهن كرجال) يعني: أنه يقدم منهن من يقدم من الرجال لو كن رجالاً.

(وأجنبي وأجنبية أولى من زوجة وزوج) يعني: إذا مات رجل وعنده أجنبي وزوجته فالأجنبي أولى بغسله من زوجته، وإذا ماتت امرأة وعندها أجنبية وزوجها فالأجنبية أولى بغسلها من زوجها.

(وزوج وزوجة أولى من سيد وام ولد) يعني: أنه إذا ماتت امرأة رقيقة ليس عندها إلا زوجها وسيدها فزوجها أولى بغسلها من سيدها، وإذا مات رجل وليس عنده إلا زوجته وام ولده فزوجته أولى بغسله من أم ولده.

أما كون الأجنبي والأجنبية أولى من الزوجة والزوج؛ فللخروج من الخلاف في تغسيل أحد الزوجين الآخر.

وأما كون الزوج أولى بالأمة من السيد؛ فلإباحة استمتاعه بها إلى حين موتها. بخلاف السيد.

وأما كون الزوجة أولى من أم ولد الزوج؛ فلباقي علق الزوجية من الإعتداد والإحداد. بخلاف أم الولد.

وعلم مما تقدم أنه يجوز أن يغسل كل من الزوجين الآخر وهو أصح الروايتين؛ لقول عائشة: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت. ما غسَل

(1)

في ج: القربة.

(2)

مثل السابق.

ص: 25

?

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه "

(1)

. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

و" أوصى أبو بكر الصديق زوجته أسماء أن تغسله. فغسلته "

(2)

.

و" غسل أبو موسى زوجته أم عبدالله "

(3)

. ذكرهما أحمد وابن المنذر.

و" اوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته "

(4)

.

و" اوصى عبدالرحمن بن الأسود امرأته أن تغسله "

(5)

. رواهما سعيد في " سننه ".

وعلى المذهب: لها تغسيله ولو كانت غير مدخول بها، أو كانت مطلقة طلاقا رجعيا، أو انقضت عدتها بوضع عقب موته ما لم تتزوح. فلو وضعت عقب موته وتزوجت في الحال لم يجز أن تغسله، لأنها بالتزوج صارت صالحة بأن تغسل الثانى لو مات.

ولأنها لا يجوز أن تكون غاسلة لزوجين في وقت واحد.

وحيث جوزنا ان يغسل أحد الزوجين الآخر جاز أن يَنظُرَ كل

(6)

منهما إلى غير العورة من الآخر. ذكره الجماعة.

(1)

() أخرجه أبو داود في " سننه "(3141) 3: 196 كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله. وأخرجه ابن ماجه في " سننه " (1464) 1: 0 47 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأه زوجها.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(26349) 6: 267 قال السدي: والحديث قد رواه أبو داود، ومع ذلك ذكره صاحب " الزوائد " أيضاً فقال: إسناده صحيح، ورجاله ثقات؛ لأن محمد بن اسحاق هان كان مدلساً. لكن قد جاء عنه التصريح بالتحديث في رواية الحاكم وغيره.

(2)

() سبق تخريجه ص (24) رقم (2).

(3)

أخرج ابن أبي شيبه في " مصنفه " عن إبراهيم بن مهاجر " أن أبا موسى غسلته امرأته ") 976 0 1) 2: 456 كتاب الجنائز، في المراة تغسل زوجها ألها ذلك.

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 397 كتاب الجنائز، باب غسل المرأة زوجها.

وأخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(971 0 1) 2: 455 كتاب الجنائز، في المرأة تغسل زوجها ألها ذلك.

(5)

أخرجه البيهقى في الموضع السابق.

(6)

في أوج: كلاً.

ص: 26

قال في " الفروع ": وفاقاً لجمهور العلماء، وجوزه في " الانتصار " وغيره

بلا لذه واللمس والخلوة. ويتوجه: أنه ظاهر كلام أحمد، وظاهر كلام ابن شهاب. واختلف كلام القاضي في نظر الفرج، فتارة أجازه بلا لذة وتارة منع. (ولسيد غُسل امته) القن والمدبرة ولو كانتا مزوجتين، (وام ولده، ومكاتبته مطلقاً) أي: سواء شرط وطأها في عقد الكتابة أم لم يشترطه؛ لأنه يلزمه كفنها ومُؤْنة تجهيزها ودفنها.

(ولها تغسيله إن شرط وطأها)؛ لإباحتها له. لا إن لم يشترطه؛ لحرمتها عليه من قبل الموت.

(وليس لآثم) اسم فاعل من الإثم (بقتلٍ حقٌ في غُسل مقتول) ولو كان أباً اوابنا للمقتول.

قال في " الفروع ": قال أبو المعاًلي: والقاتل لا حق له في المقتول إن لم يرثه؛ لمبالغته في قطيعة الرحم. ولم أجد ذكره غيره، ولا يتجه

(1)

في قتل. لا يأثم به. انتهى كلامه في " الفروع ".

(ولا) أي: وليس الرجل غسل ابنة سبع) أي: سبع سن ين فأكثر في أصح الروايات؛ لأنها مأمورة بالصلاة، ولعورتها حكم. بخلاف من لم يتم لها سبع سن ين.

(ولا امراة) أي: وليس لامرأة (غسل ابن سبع) أي: سبع سن ين فأكثر؛ لما قلنا في ابنة سبع.

(ولهما) أي: وللرجل والمرأة (غسل من دون ذلك) أي: من لم يبلغ سبع سن ين من الذكور والإناث. نص على ذلك واختاره الأكثر؛ لأنه لا حكم لعورته بدليل " أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء ".

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أن المرأة تغسل الصبي الصغير. فتغسله مجرداً من غير سترة، وتمس عورته وتنظر إليها.

(1)

في ج: يتوجه.

ص: 27

ولأنه لا يؤمر بالصلاة، ولا يخيّر بين أبويه في الحضانة؛ لأنه طفل. بخلاف ابن سبع فإنه مميز.

(وإن مات رجل بين نساء لا يباح لهن غُسله) بأن لم يكنّ زوجاته ولا إماءه،

(أو عكسه) بأن ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوجها ولا سيدها، (أو) ماتت (خنثى مشكل) تم

(1)

له سبع سن ين فأكثر (لم تحضُره امةٌ له) أي: للخنثى: (يُمْم) كل من الثلاثة المذكورين على الأصح؛ لما روى تمام في " فوائده " عن واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تُيمم كما يتيمم الرجال "

(2)

.

ولأنه لا يحصل بالغسل من غير مس تنظيف ولا إزالة النجاسة، بل ربما كثرت.

(وحرم) أن يُيمم (بدون حائل على غير محرَم). فيلف غير المحرم على

يده خرقه عليها تراب فييممه بها؛ لئلا يمسه.

(ورجل) في التيمم (أولى بخنثى) من الأُنثى إذا مات الخنثى بين رجال ونساء.

قال في " شرح الهداية ": وظاهر كلام أحمد: أن مباشرة الرجال أولى؛ لأن الصنفين قد اشتركا في احتمال المحذور. وامتاز الرجل بفضيلة الذكورية. لكن إذا ماتت المرأة مع الرجال فيهم صبي لا شهوة له علموه الغسل وباشره. نص عليه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي. وكذا الرجل يموت مع نسوة فيهن صغيرة تطيق الغسل.

قال في " شرح الهداية ": ولا أعلم في ذلك خلافاً.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 398 كتاب الجنائز، باب المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة، عن مكحول مرسلاً.

وذكره المتقي الهندي فى كنز العمال (42232) 5 1: 574 الباب الثانى في أمور قبل الدفن، الفصل الثانى في الغسل.

ص: 28

?

(و) إذا ماتت جماعة دفعة بهدم أو حريق أو نحوهما فإنه (تُسن بُداءةً بـ) غسل

(1)

(من يخاف عليه) بتأخيره (ثم بأبٍ، ثم بأقرب، ثم أفضل، ثم أسن، ثم قرعة) يعني: أنه يقرع بينهم مع التساوي فيما تقدم.

(ولا يغسّلُ مسلم كافراً) سواء كان قريباً أو أجنبياً في أصح الروايتين؛ للنهي عن موالاة الكافر، وهو عام.

ولأن فيه تعظيماً وتطهيراً له. فلم يجز؛ كالصلاة عليه.

وما ذكر من الغسل في قصة أبي طالب فليس بثابت، ولذلك قال ابن المنذر: وليس في غسل المشرك سنة تتبع، وذكر حديث علي بالمواراة فقط. (ولا يكفْنه ولا يصلي عليه).

أما تكفينه فإنه تَوَلُّ. وقد قال سبحأنه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13].

أما الصلاة عليهم فهي شفاعة للميت، والكافر ليس من أهلها.

(ولا يَتْبَعُ جنازته)؛ لأن في ذلك تعظيماً له.

[ولا يدفنه]

(2)

(بل يوارَى لعدم) أي: عدم من يواريه من الكفار، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في حق كفار أهل بدر حيث واراهم في القليب)

(3)

.

ولا فرق في ذلك بين الذمي والحربي والمرتد والمستأمن؛ لأن قي تركه تسبياً إلى المثلة به، وهي ممنوعة في حقه. بدليل عمومات النهي عنها.

(وكذا كلُُّ صاحب بدعةٍ مكفُُرة) يعني: أن حكم صاحب البدعة المكفرة

(1)

في أ: تجهيز وغسل.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(498) 1: 194 أبواب سترة المصلى، باب المرأة تطوح عن المصلى شيئًا مئ الأذى.

وأخرجه مسلم فى " صحيحه "(1794) 3: 1418 كناب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.

ص: 29

حكم الكافر الأصلي فيما تقدم.

(وإذا أخَذ) أي: شرع الغاسل (في غُسله سترَ عورتَه) أي: عورة الميت (وجوباً) وهي: ما بين سرته وركبته، لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي:" لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت "

(1)

. أخرجه أبو داود.

وهذا في ميت تم له سبع سنين. أما من دون سبع، فلا بأس بغسله مجرداً ومس عورته.

(وسُن تجريده) نص على ذلك في رواية الأثرم، لأن ذلك أمكن)

(2)

في تغسيله، وأبلغ في تطهيره، وأشبه بغسل الحي، وأصون له من التنجيس. إذ يحتمل خروجها منه، ولفعل الصحابة بدليل أنهم قال وا:" لا ندري لِلَّهِ أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا أو لا؟ "

(3)

.

(إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم " لما اختلفوا هل يجردونه أو لا؛ أوقع الله تعالى عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنُه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه.

فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه

(4)

بالقميص دون أيديهم "

(5)

. رواه أحمد وأبو داود.

ولأن فضلاته كلَّها طاهرةٌ. فلم يخش تنجيس قميصه.

(و) يسن أيضاً (ستره عن العيون تحت ستر) في خيمة أو بيت إن أمكن،

لأنه أستر له، وأمنع من التطلع)

(6)

عليه.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4. 15) 4: 4. كتاب الحمام، باب النهى عن التعري.

(2)

في ج: أبلغ.

(3)

هو جزء من الحديث الاتي وسيأتي تخريجه.

(4)

في ج: ويدلكون.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3141) 3: 196 كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(26349) 6: 267.

(6)

في ج: التطليع.

ص: 30

ولئلا يستقبل السماء بعورته، لأنها

(1)

قد تبدو.

ولما روى أبو داود بإسناده " ان الضحاك أوصى أخاه سالماً بأنه إذا غسله: أن يجعل حوله ستراً، وان يجعل بينه وبين السماء ستراً ".

و" كان ابن سيرين يستحب ان يكون البيت الذي يُغَسْل فيه الميت مظلماً ". ذكره أحمد.

(وكُره حضورُ غير مُعين في غسله)، لأنه ربما كان في الميت عيب يكتمه ويكره أن يطلع عليه بعد موته، وربما حدث منه عيب من شيء يكره الحي أن يطلع منه على مثله، وربما ظهر فيه شيء هو في الظاهر منكر

(2)

فيتحدث به فيكون فضيحة، والحاجة غير داعية إلى حضوره. بخلاف من يعين الغاسل بصب ماء ونحوه.

(و) كره أيضاً (تغطيةُ وجهه).

قال في " الفروع ": ولا يغطْى وجهه. نقله الجماعة وفاقاً للأئمة الثلاثة. انتهى.

وقال أبو بكر: يسن.

والأول المذهب، لقول الصحابة:" ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا، أم نغسله في ثيابه؟ "

(3)

وهذا ظاهر في كشف الوجه على كلا التقديرين.

(ثم) أول ما يبدأ به أنه (يَرفعُ رأس غير) أُنثى (حامل إلى قرب جلوسه)

بحيب يكون كالمحتضن في صدر غيره، (ويَعصرُ بطنه برفق) ليخرج ما هو للخروج، لئلا يخرج بعد الأخذ في الغسل. فتعظم النجاسة وتنتشر، (ويكون ثَم) بفتح المثلثة أي: بمكان يشم منه رائحة ما يخرج (بخُور) " لئلا يتاًذى

(1)

في أ: ولأنها.

(2)

ساقط من أ.

(3)

سبق تخريجه ص (30) رقم (5).

ص: 31

?

برائحة الخارج، (ويُكثرُ صبّ الماء حينئذ) أي: حين أن يخرج ما في بطنه

بالعصر؛ ليدفع الماء ما يخرج بالعصر.

وأما كون الحامل لا يعصر بطنها؛ فلئلا يتأذى الولد بالعصر.

ولما روت أم سليم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا توفيت

(1)

المرأة فاًرادوا

غسلها فليبدأ ببطنها، فلتمسح مسحاً رفيقاً إن لم تكن حبلى، وإن كانت حبلى

فلا تحركها "

(2)

. رواه الخلال.

(ثم يَلُف) الغاسل (على يده خِرقة فيُنجِّّيه) أي: يمسح مخرجه (بها)

أي: بالخرقة.

(ويجب غَسل نجاسة به) أي: بالميت؛ لأن المقصود بالغسل تطهيره

حسسب الإمكان.

(و) يجب (إن لا يمسَّ عورة من بلغ سبع سنين)؛ لأن التطهير يمكن بدون ذلك. فاً شبه حال الحياة.

وروي " أن علي بن ابي طالب حين غسل النبي صلى الله عليه وسلم لفَّ على يده خرقة حين غسل فرجه ". ذكره المروذي عن أحمد.

ولأن اللمس أعظم من النظر. وهو محرم.

(وسن أن لا يمسَّ) الغاسل (سائره) أي: باقي بدن الميت (إلا بخرقة)؛ لفعل علي مع النبي صلى الله عليه وسلم. فحينئذ يُعِدّ الغاسل خرقتين أحداهما للسبيلين، والأخرى لبقية بدنه.

(ثم ينوي) الغاسل (غُسله) أي: غسل الميت؛ لأن غسله طهارة تعبدية. فاشترطت له النية؛ كغسل الجنابة.

وعنه: لا؛ لأن القصد التنظيف. أشبه غسل النجاسة.

(ويسمي) وجوباً، وتسقط مع السهو؛ كغسل الجنابة.

(1)

في ج: توفت.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 4 كتاب الجنائز، باب في غسل المرأة.

ص: 32

(وسُن أن يُدخلَ) الغاسل (إبهامَه وسبَّابته- عليهما خرقةٌٌ مبلولة بماء- بين شفتيه) أي: شفتي الميت (فيمسح) بها

(1)

(أسنانه، و) يدخلهما أيضاً (في مَنْخِريه فينظفَهما). نص على ذلك. وعلى كون ذلك بعد أن يغسل الغاسل كفي الميت؛ لأن غسل ذلك تعذر؛ لما يخشى من تحريك النجاسة بدخول الماء إلى جوفه وقد أمكن المسح الذي يؤمن معه ذلك وهو بعض الغسل، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" إذا أمَرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "

(2)

.

(ثم يوضئه) وضوءه للصلاة؛ لما روت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها "

(3)

. رواه الجماعة.

ولأن البداءة بالوضوء تسن لغسل الجنابة. فكذلك غسل الميت.

(ولا يُدخل ماء في أنفه ولا فمه)؛ لما تقدم من خشية تحريك النجاسة.

(ثم يَضربُ سِدْراً أو نحوه)؛ كخطمي (فيغسل برغوته رأسه ولحيته فقط) على الأشهر؛ لأن الرأس أشرف الأعضاء.

ولهذا جعل كشفه شعار الإحرام، وهو مجمع الحواس الشريفة.

ولأن الرغوة تزيل الدرن ولا تتعلق بالشعر. فناسب أن تغسل بها اللحية؛

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6858) 6: 2658 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسن ن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2619) 5: 110 كتاب مناسك الحج، باب وجوب الحح.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2) 1: 3 المقدمة، باب اتباع سنة رسول الها صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(7492) 2: 258.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(197 1) 1: 423 كتاب الجنائز، باب يبدأ بميامن الميت. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (939) 2: 648 كتاب الجنائز، باب في غسل الميت. وأخرجه أبو داود في " سننه " (3145) 3: 197 كماب الجنائز، باب كيف غسل الميت. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (990) 3: 315 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت.

وأخرجه النسائي في " سننه ") 1884) 4: 30 كتاب الجنائز، ميامن الميت ومواضع الوضوء منه.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه ") 1459) 1: 469 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت. وأخرجه أحمد في " مسنده ") 27341) 6:408.

ص: 33

لتزول الرغوة بمجرد جري الماء عليها. بخلاف تفل السدر.

(ثم يغسلُ شقَّه الأيمن ثم) شقه (الأيسر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " ابدأن بميامنها "

(1)

.

ولأن التيامن مسن ون في غسل الحي. فكذا في غسل الميت.

(ثم يُفيضُ الماء على جمع بدنه)؛ ليعمه بالغسل، (ويُثَلْثُ ذلك) يعني: أنه يكرر ذلك ثلاث مرات. (إلا الوصوء) فأنه يفعله مرة واحدة (يُمِرُّ في كل مرة) من الثلاث (يده على بطنه) أي: على بطن الميت برفق؛ لأن في ذلك إخراجاً لما تخلف، وأمناً من فساد الغسل بما يخرج منه بعد.

(فإن لم يَنْقَ بثلاث) أي: بالغسلات الثلاث، (زاد) غسلة ثم أخرى (حتى ينقى ولو جاو ز السبع) مرات.

(وكُره اقتصار في غسل على مرة) واحدة (إن لم يخرج) منه (شئ)، وأما إن خرج منه شيء فأنه يحرم الاقتصار ما دام يخرج شيء على ما دون السبع مرات. (ولا يجب الفعل) أي: مباشرة الغسل.

(فلو تُرك) الميت (تحت مِيزابٍ ونحوه) أي: محل ينصب منه الماء، (وحضر من) أي: إنسان (يصلح لغسله) أي: يصلح

(2)

منه أن يغسل الميت (ونوى) غسل الميت، (ومضى زمن يمكن غسله فيه) أي: في ذلك الزمن (كفّى) ذلك وسقط به فرض الغسل.

(وسن قطع) أي: قطع عدد الغسلات (على وتر)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطيه في غسل ابنته: " اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن "

(3)

. متفق عليه.

(و) سن (جعلُ كافورٍ وسدرٍ في الغسلة الأخيرة). نص عليه.

(1)

سبق تخريجه قريباً.

(2)

في ا: يصح.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1204) 1: 425 كتاب الجنائز، باب) يلقي شعر المرأة خلفها.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(939) 2: 3 648 كتاب الجنائز، باب فى غسل الميت.

ص: 34

قال في " الفروع ": ونقله الجماعة وعليه العمل. ذكره الخلال. انتهى. والحكمة في جعل الكافور في ماء الغسل: أنه يصلب الجسد ويبرده ويطيبه، ويطرد عنه الهوام برائحته.

ومحل جعل الكافور في غسل الميت: أن لم يكن محرما؛ لأنه من الطيب. اما إن كان محرما فأنه يجنبه؛ كالحي.

(و) سن (خِضابُ شعره) بحناء (وقصُ شارب غير محرِِِِم، وتقليم أظفاره إن طالا) أي: الشارب والأظفار، (واخذ شعر إبطيه) في المنصوص؛ لأن ذلك تنظيف لا يتعلق بقطع عضو. أشبه إزالة الاوساخ والأدران. ويعضد ذلك العمومات في سن ن الفطرة.

(وجعلُه) أي: جعل الماً خوذ من شاربه وإبطه واظفاره (معه كعضو ساقط)؛ لما روى أحمد في " مسائل صالح " عن أم عطية قالت: " يغسل رأس الميتة. فما سقط من شعرها في أيديهم غسلوه ثم ردوه في رأسها ".

ولأن دفن الشعر والظفر مستحب في حق الحي. ففي حق الميت أولى.

(وحرم حلق رأس) في الأصح وفاقاً للأئمة الثلاثة؛ لأن ذلك إنما يكون لزينة أو نسك، والميت لا نسك عليه

(1)

ولا يزين.

(و) حرم أيضاً (اخذ) شعر (عانة)؛ لما فيه من لمس عورته، وربما احتاج إلى نظرها وهو محرم. فلا يرتكب من أجل مندوب؛ (كخَتْن) أي: كما يحرم ختن الميت الأغلف بغير نزاع في المذهب؛ لأنه قطع لبعض عضو من الميت.

ولأن التعبد بذلك قد زال.

ولأن المقصود من الختان التطهير من النجاسة وقد زال ذلك بموته.

(وكُره ماء حار) في غسل الميت؛ لأنه يرخي الجسد فيسرع إليه الفساد.

(1)

في أ: فيه.

ص: 35

بخلاف البارد فأنه يصلبه ويبعده عن الفساد.

(و) كره أيضاً (خِلال واُشنان إن لم يحتج إليه) أي: إلى الماء الحار لشده البرد، وإلى الخلال باًن يكون بين أسن أنه شئ يحتاج إلى إخراجه به، وإلى الأُثشان بأن يكون على الميت وسخ كثير يحتاج إلى إخراجه به، وإلا فيكون من العبث المستغنى عنه.

(و) كره أيضاً (تسريحُ شعره) أي: شعر الرأس واللحية. نص على ذلك؛ لما في ذلك من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه.

ولما روي عن عائشة " أنه امرت بقوم يسرحون شعر ميت فنهتهم عن ذلك وقالت: علام

(1)

تنصُون ميتكم "

(2)

.

واستحبه ابن حامد إذا كان خفيفاً.

(وسن ان يظَفَّّر شعر أُنثى ثلاثة قرون، وسدلُه) أي: إلقاؤه (وراءها). نص عليه؛ لقول أم عطية: " فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها "

(3)

. رواه البخاري.

وقال ى أبو بكر: أمامها.

(و) سن أيضاً (تنشيفٌ) لأثر ماء الغسل بثوب؛ لأنه هكذا فُعل بالنبي صلى الله عليه وسلم

(4)

. ولئلأ يبتلّ كفنه فيفسد به.

(ثم إن خرج) من الميت (شيء بعد سبع) أي: سبع غسلات (حُشيَ) محل

(5)

الخارج (بقطن)؛ ليمنع الخارج كالمستحاضة. (فإن لم يستمسك)

(1)

في ج: علم.

(2)

أخرجه أبو عبيد في " الغريب " 2: 352.

وأخرجه عبدالرزاق في " مصنفه ") 6232) 3: 437 كتاب الجنائز، باب شعر الميت وأظفاره.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 390 كتاب الجنائز، باب المريض يأخذ من أظفاره وعانته.

أخرجه الترمذي في " جامعه "(53) 1: 74 كتاب الطهاره، باب ما جاء في التمندل بعد الضوء.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1204) 1: 425 كتاب الجنائز، باب يلقي شعر المرأة خلفها.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1204) 1: 425 كتاب الجنائز، باب يلقي شعر المرأة خلفها.

(5)

في ج: مع.

ص: 36

الخارج بعد حشى محله (فـ إنه يحشى (بطين حُرّ) أي: خالص؛ لأن فيه قوة تمنع الخارج، (ثم يغسل المحل) الذي تنجس بخروج النجاسة،) ويوضَّا) الميت وجوباً؛ كالجنب إذا أحدث بعد غسله؛ لتكون طهارته كاملة.

وعنه: لا يجب الوضوء.

(وإن خرج) منه شيء، قليل أو كثير (بعد تكفينه لم يُعْد الغسل)؛ لما في ذلك من المشقة بالاحتياج إلى إخراجه من الكفن، وإعادة غسله، وتطهير أكفأنه، وتجفيفها أو إبدالها، ثم لا يؤمن أن يخرج شيء بعد ذلك.

(ولا بأس بغسله) أي: غسل الميت (في حمام). نص عليه في رواية مهنا.

(ولا) بأس (بمخاطبة غاسل له) أي: للميت) حال غسله بـ: " انقلب يرحمك الله " ونحوه)، فقد قال الفضل بن عباس

(1)

وهو محتضن للنبي

(2)

صلى الله عليه وسلم: " أرحني فقد قطعت وتيني، إنى أجد شيئًا يتنزل عليَّ ".

و" قال على عليه السلام لما لم يجد من النبي صلى الله عليه وسلم ما يجده من سائر الموتى، يا رسول الله لِلَّهِ طبت حياً وميتاً "

(3)

.

(ومُحرم) بحج أو عمرة (ميت كحي) فيما يُمنع منه المحرم الحى: (يُغَسّل بماء وسدر) بلا كافور، (ولا يقربُ طيباً) مطلقاً،) ولا يُلبسُ ذكرٌ المخيط) من قميص ولا غيره،) ولا يُغطَّى رأسُه) أي: رأس الذكر المحرم، (ولا) يُغطّى (وجهُ أُنثى) محرمة.

ولا يؤخذ شيء من شعره ولا أظفاره؛ لما فى " الصحيحين " من حديث ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في محرم مات: غسلوه بماء وسدر وكفنوه في

(1)

في الأصول: عياض. وهو تصحيف.

(2)

في أ: وهو محتضر أن النبي.

(3)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(467 1) 1: 471 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي صلى الله عليه وسلم. قال في " الزوائد ": هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. لأن فيه يحى بن خذام ذكره ابن حبان في الثقا ت، وصفوان بن عيسى احتج به مسلم. والباقي مشهورون.

ص: 37

ثوبيه، ولا تحنّطوه، ولا تخّمروا رأسه. فأنه يبعث يوم القيامة ملبياً "

(1)

.

(ولا تُمنعُ معتَدةٌ) ميتة (من طيب)؛ لأن الأحداًد يسقط بموتها.

(وتُزالُ اللصوق) وهي: الجبائر المانعة من إيصال الماء إلى الجسد (للغُسل الواجب) إن لم يسقط من جسد الميت شيء بإزالتها، (وإن سقط منه شيء) بإزالتها (بقيت، ومسح عليها)؛ كجبيرة حي.

(ويُزال خاتم ونحوه)؛ كخلخال وحلقة

(2)

(ولو ببرده) بالمبرد؛ لأن في تركه معه إضاعة للمال من غير غرض صحيح.

(لا أنف من ذهب) فأنه لا يزال؛ لما في إزالته من المثلة. (ويحطُّ ثمنه إن لم يؤخذ) يعني: بأن لم يكن بائعه أخذه من الميت. فأنه يحط (من تركة) خلفها الميت.

(فإن عُدمت) التركة بأن لم يكن الميت خلف شيئًا: (أُخذ) أي: أخذ

(3)

الأنفَ الذهب صاحبه (إذا بليّ الميت)؛ لأنه لا مانع له من أخذه حين ذلك.

(ويجب بقاء دم شهيد عليه)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشهداء بدمائهم "

(4)

. (إلا ان تخالطه نجاسة: فيغُسلا) على المذهب.

وقيل: لا؛ حذرا من إزالة أثر العبادة. ووجه ذلك: أن دفع المفاسد وهو غسل النجاسة أولى من جلب المصالح وهو إبقاء أثر العبادة. (و) يجب (دفنُه) أي: دفن الشهيد (في ثيابه التي قُتل فيها، بعد نزع لأمةِ حرب ونحو فروٍ وخف). نص على ذلك؛ لما روى ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتلى أحد ان ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم "

(5)

. رواه أبو داود وابن ماجه.

(1)

سبق تخريجه ص (2.) رقم (1).

(2)

في أ: ونحوه.

(3)

() في ج: (أخذه). وسقط من ألفظي: أي أخذ.

(4)

سبق تخريجه ص (21) رقم (1).

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3134) 3: 195 كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل.

ص: 38

وقيل: يجوز أن يكفن في غير ثيابه التي قتل فيها، لما روي " أن صفية أرسلت إلى النبى صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر

(1)

رجلاً اخر "

(2)

. رواه يعقوب بن شيبة. وقال: هو صالح الإسن اد. وأجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن ثيابه سلبت لما أخذت هند بنت عتبة كبده ولاكتها، أو أن الثوب ضم إلى ما كان عليه.

(وإن سقط) من حضر صف القتال (من شاهق أو دابة لا بفعل العدو، أو مات برفسةٍ أو حَتْفَ أنفِه، أو وُجد ميتاً ولا أثرَ به، أو عاد سهمُه عليه، أو حُمِل فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عُرفاً: فـ) أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه (كغيره).

أما من مات بغير فعل العدو كمن سقط من شاهق، أو سقط من دابة، أو تردى من جبل، أو مات برفسة، أو حتف أنفه- يعني: كأنه سقط لأنفه فمات-، أو وجد ميتاً وليس به أثر بحال موته عليه، أوعاد سهمه أو سيفه عليه فإن المذهب: أن يغسل ويصلى عليه نصاً، فلأنه لم يمت بفعل العدو مباشرة ولا سبب. أشبه ما لو مات بمرض. ولأن الأصل وجوب الغسل والصلاة. فلا يسقط يقين ذلك بالشك في مسقطه. وأما من فعل به العدو شيئًا وحمل بعده فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عرفاً فإن المذهب: أن يغسل ويصلى عليه؛ لأن ذلك لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة، والأصل وجوب الغسل والصلاة.

(وسقْطٌ لأربعة أشهر) فاً كثر؛ (كمولود حياً) يعني: أنه يغسل ويصلى عليه. نص على ذلك، لما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والسقط يصلى

(1)

= أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1515) 1: 485 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم.

() في ج: الآخر ى.

(2)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(6194) 3: 427 كتاب الجنائز، باب الكفن

ص: 39

عليه "

(1)

. رواه أبو داود والترمذي.

وفي رواية الترمذي: " والطفل يصلى عليه "

(2)

. وقال: هذا حديث حسن صحيح. ذكره أحمد واحتج به.

(ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة). قاله القاضي وغيره.

ويستحب ظن الخير بالأخ المسلم. وقال: ولا ينبغي تحقيق ظنه في ريبة. وفي " نهاية المبتدئين ": حسن الظن بأهل الدين حسن.

وذكر المهدوي والقرطبي عن أكثر العلماء: أنه يحرم ظن السوء بمن ظاهره الخير، وأنه لا حرج بظن السوء لمن ظاهره الشر. وأما ما روي من حديث أبي هريره مرفوعاً:" أياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "

(3)

، فهو محمول والله أعلم على الظن المجرد الذي لم تعضده قرينة تدل على صدقه.

(ويجب على طبيب ونحوه)؛ كجرائحي (إن لا يحدّث بعيب) في بدن من يطبه.

(و) يجب (على غاسل سترُ شر)؛ لما في الخبر مرفوعاً: " ليغسل موتاكم المأمونون "

(4)

. رواه ابن ماجه.

وعن عائشة مرفوعاً: " من غسل ميتاً وأدى فيه الأمانة ولم يفش عيبه، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "

(5)

. رواه أحمد من رواية جابر الجعفي.

و (لا) يجب عليه (إظهارخير) في الميت؛ ليترحم عليه.

قال في " الفروع ": وقال جماعة: إلا على مشتهر بفجور أو بدعة.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3180) 3: 205 كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1031) 3: 349 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6345) 6: 2474 كتاب الفرائض، باب تعليم الفرائض.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(4917) 4: 280 كتاب الأدب، باب في الظن

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1461) 1: 469 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(24954) 6: 122.

ص: 40

فيستحب ظهور شره وستر خيره.

ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء. ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي صص ص. ذكره الأصحاب.

وقال شيخنا: أو اتفقت الأمة على الثناء أو الإساءة عليه، ولعل مراده الأكثر، وأنه الأكثر ديانة. وظاهر كلامه: ولو لم تكن أفعال الميت موافقة لقولهم، وإلا لم تكن علامة مستقلة. انتهى.

ومن جُهل إسلامه ووجد عليه علامة المسلمين وجب غسله والصلاة عليه،

ولو كان أقلف بدارنا لا بدار حرب ولا علامة. نص على ذلك، ونقل علي بن سعيد: يستدل بثياب وختان.

وعنه: أن لم يُدر صُلّيَ عليه لا يضره، ودفن معنا. وجزم به ابن عقيل في كتابه " المنثور فيمن بين دارنا ودار الحرب.

* * *

ص: 41

?

[فصل: في الكفن]

(فصل) في الكلام على الكفن.

(وتكفينُه) أي: تكفين الميت (فرض كفاية) على كل من علم به.

(ويجب لحق الله) سبحأنه و (تعالى. وحقه) أي: حق الميت (ثوب) واحد (لا يصف البشرة، يستر جمعه) أي: جمع الميت، (من ملبوس مثله) أي: مثل الميت. (ما لم يوص) الميت (بدونه) أي: دون ملبوس مثله.

(ويكره) أن يكفن في (أعلا) من ملبوس مثله.

(و) يجب أيضاً (مُؤْنة تجهيز بمعروف. ولا بأس بمسك فيه). نص عليه (من رأس ماله) يعني: أن الكفن ومُؤْنة التجهيز يجبان من رأس مال الميت. فيخرج من المال (مقدَّّماً حتى على دين برهن، وأرش جناية ونحوهما)؛ لأن سترته واجبة في الحياة وكذلك بعد الموت.

ولأن حمزة ومصعباً رضي الله تعالى عنهما لم يوجد لكل واحد منهما إلا ثوب فكفن فيه.

ولأن لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت. ولا ينتقل إلى الورثة من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية. وهذا قول أكثر أهل العلم في الكفن.

وأما مُؤْنة تجهيزه ودفنه وما لا بد للميت منه؛ فقيس على الكفن.

وأما من أخرج فوق العادة فأكثر الطيب والحوائج، وأعطى المقربين بين يدي الجنازة، وأعطى الحَمالين والحفّارين زيادة على العادة على طريق المروءة لا بقدر الواجب فمتبرع. فإن كان من التركة فمن نصيبه. قاله في " الفصول ".

وأما كون الكفن يكره ان يكون أعلا من ملبوس مثله؛ فلما روى أبو داود بإسناد جيد عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: " لا تغالوا في الكفن. فإنه

ص: 42

?

يسلبه سلباً سريعاً "

(1)

.

(فإن عدم) مال الميت بأن لم يخلّف تركة، أو تلفت قبل أن يجهز (فـ) الكفن ومُؤْنة تجهيزه (عمن تلزمه نفقته) أي: الذي يلزمه أن ينفق على الميت حال حياته؛ لأن ذلك يلزمه حال الحياة. فكذلك بعد الموت.

(إلا الزوج) فأنه لا يلزمه كفن امرأته ولا مُؤْنة تجهيزها. نص عليه.

وقيل: بلى. وحكي رواية؛ كسيد العبد.

ووجه المذهب: أن النفقة والكسوة وجبت في النكاج للتمكين من الاستمتاع، ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة، وقد انقطع ذلك بالموت. فأشبهت الأجنبية. وفارقت العبد فإن نفقته تجب بحق الملك لا بالانتفاع، ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته.

فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقتها من أقاربها لو لم تكن مزوَجة.

(ثم) إن لم يكن للميت مال ولا أقارب تلزمهم نفقته. فأنه يجب أن يخرج كفنه ومُؤْنة تجهيزه (من بيت المال إن كان) الميت (مسلماً). بخلاف الكافر ولو كانوا ذميين؛ لأن الذمة إنما أوجبت ان تعصمهم فلا نؤذيهم، أما إيجاب إرفاقهم فلا.

(ثم) إن لم يكن بيت مال، أو كان وتعذر إخراج ذلك منه فكفنه ومُؤْنة تجهيزه (على مسلم عالم به) أي: بالميت؛ كنفقة الحي وكسوته.

(وإن تبرع به بعض الورثة لم يلزم بقيتهم قبولُه)؛ لما في ذلك من المنة عليهم [وعلى الميت، وكذلك إن تبرع أجنبي بتكفين فأبى الورثة أو بعضهم]

(2)

.

(لكن ليس لهم) أي: لبقية الورثة (سلبُه) أي: سلب الكفن الذي تبرع به بعضهم (منه) أي: من الميت (بعد دفنه)، لأنه ليس في تبقيته

(3)

إسقاط حق لأحد.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3154) 3: 199 كتاب الجنائز، باب كراهية المغالاة في الكفن.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: بقيته.

ص: 43

(ومن نُبِش وسُرق كفنُه كفّن من تركته) في المنصوص (ثانياً وثالثاً ولو قسمت) كما لو قسمت قبل تكفينه الأول. فأنه يؤخذ للكفن من كل وارث بنسبة حصته من التركة. (ما لم تُصرف) التركة (في دين أو وصية). ثم إن تبرع به أحد من الورثه أو غيرهم، وإلا ترك بحاله.

(وإن أكل) الميت بأن أكله سبع (ونحوه وبقي كفنه)؛ كما لو بلي دون كفنه (فما من ماله) أي: فالكفن الذي من مال الميت (تركة) يقسم بين ورثته على قدر انصابهم.

(وما تبرع به) يعني: إذا تبرع إنسان بكفن الميت ثم عدم الميت وبقي الكفن (فـ) هو (لمتبرع)؛ لأن تكفينه أياه ليس تمليك بل إباحه. بخلاف ما لو وهبه للورثة اولاً فكفنوه به ثم وجدوه. فأنه يكون لهم.

(وما فضل مما جُبِيَ) أي: من مال جبي لأجل كفن بعد صرف ما احتيج إليه (فلربه) إن عُلم ربّ الفاضل؛ لأنه دفعه ظناً أنه محتاج فتبين أنه مستغن عنه فيرد إليه.

(فإن جهل) ربه باًن خلط ما جيء ولم يعلم رب الفاضل (فـ) أنه يصرف (في كفن اخر) إن أمكن. (فإن تعذر تصدق به).

قال في " الفروع ": وأطلق بعضهم أنه يصرف في التكفين مطلقاً. نص عليه.

وفي " المنتخب ": كزكاة في رقاب أو غرم. انتهى.

(ولا يُجْبَى كفن لعدم إن سُتر) أي: أن أمكن ستر الميت (بحشيش). ذكره في " الفنون " خلافاً لأبي حنيفة.

(وسن تكفين رجل في ثلاث لفائف بيضٍ من قطن)؛ لما روت عائشة قالت: " كُفّن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحُولية، جدد يمانية، ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيها إدراجاً "

(1)

. متفق عليه.

زاد مسلم في رواية: " وأما الحلة فاشتبه على الناس فيها أنها اشتريت ليكفن

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1321) 1: 467 كتاب الجنائز، باب موت يوم الاثنين.

ص: 44

فيها. فتركت الحلة، وكفّن في ثلاثة أثواب بيض سحُولية "

(1)

.

قال أحمد رضي الله تعالى عنه: أصح الأحاديث في كفن النبي صلى الله عليه وسلم حديث عائشة؛ لأنها أعلم من غيرها.

وقال الترمذي: قد روي في كفن النبي صلى الله عليه وسلم روايات

(2)

مختلفة، وحديث عائشة أصح الروايات التي رويت في كفنه. قال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم

(3)

. انتهى كلام الترمذي.

(وكره) تكفين الرجل (في أكثر) من ثلاثة أثواب في أصح الوجهين؛ لما في ذلك من وضع المال في غير وجهه.

(و) كره (تعميمُه) أي: تعميم الميت.

قال في " تصحيح الفروع " بعد أن ذكر الخلاف: أن القول بالكراهة هو الصواب.

ثم إذا شرع في التكفين فأنه (تُبسطُ) اللفائف الثلاث (على بعضها) بأن تبسط واحدة، ثم أخرى فوقها، ثم أخرى فوقها؛ ليوضع الميت عليها مرة واحدة، ولا يحتاج إلى حمله ووضعه على واحدة بعد واحدة. (بغد تبخيرها) بعود أو نحوه، بعد رشها بماء الورد؛ لتعلق رائحة البخور بها. ومحل ذلك: حيث لم يكن الميت محرماً.

(وتُجعل) اللفافة (الظاهرة) وهي السفلى من الثلاث المبسوطات (أحسنها)؛ لأن عادة الحي أن يجعل الظاهر من ثيابه أفخرها. فكذا الميت.

(و) يجعل (الحنوط وهو: أخلاط من طيب).

قال الأزهري: يدخل في الحنوط الكافور وذريرة القصب والصندل

(4)

الأحمر والأبيض. انتهى.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(941) 2: 649 كتاب الجنائز، باب في كفن الميت.

(2)

في ج: روايتان.

(3)

ر. " جامع الترمذي " 3: 322 كتاب الجنائز، باب ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

في ج: الصندالي.

ص: 45

?

ولا يقال حنوط في غير طيب الميت.

(فيما بينها) يعني: أنه يذر بين الثلاث لفائف.

(ثم يوضع) الميت (عليها) أي: على اللفائف الثلاث المبسوطة (مستلقيا)

(1)

، لأنه أمكن لادراجه.

(ويُحطُّ من قطن محنط) أي: فيه حنوط (بين إليتيه) أي: إليتي الميت، (وتشد فوقه) أي: فوق القطن المحنط (خرفة مشقوقة الطرف كالتُبَّان) وهو السراًويل بلا أكمام، (تجمع إليتيه ومثانته) أي: مثانة الميت " ليكون ذلك مرداً لما يخرج، ومخفياً لما يظهر من الروائح.

(ويجعل الباقي) أي: باقي القطن الذي جعل فيه الحنوط (على منافذ وجهه)، كعينيه وفمه وأنفه، ويلحق بذلك أذناه.

(و) يجعل منه أيضاً على (مواضع سجوده) وهي ركبتاه ويداه وجبهته وأطراف قدميه تشريفا لها؛ [لكونها مختصة]

(2)

بالسجود، وكذا مغابنه " كطي ركبتيه وتحت إبطيه، وكذا سرته؛ " لأن ابن عمر كان يتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك "

(3)

.

(وإن طُيب كلّه) أي: كل الميت فحسن؛ " لأن أنساً رضي الله تعالى عنه طلي بالمسك "

(4)

.

و" طلى ابن عمر ميتاً بالمسك "

(5)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(6141) 3: 414 كتاب الجنائز، باب الحناط

(4)

أخرج ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11031) 2: 460 عن عبدالله بن مبارك عن حميد عن أنس " أنه جعل في حنوطه صرة من مسك أو مسك فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم " كتاب الجنائز، في المسك في الحنوط من رخص فيه.

(5)

أخرجه ابن أبي شييه فى " مصنفه "(11038) 2: 461 الموضع السابق.

وأخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(6140) الموضع السابق.

ص: 46

?

وذكر السامري: أنه يستحب تطييب جمع بدنه بالصندل والكافور؛ لدفع الهوام.

(وكره) أن يطيب (داخل عينيه) في المنصو ص؛ لأنه يفسدهما.

(كـ) ما يكره أن يطيب (بوَرْس وزعفران).

قال أبو المعاًلي: لأنه لم تجر العادة بالتطييب به، وإنما يستعمل في غذاء أو زينة.

(و) كره أيضاً (طليُه) أي: طلي الميت (بما يمسكه كصبِِر) بكسر الموحدة ولا تسكن إلا في ضرورة الشعر (ما لم ينقل) أي: ما لم تدع الحاجة إلى نقل الميت من مكان إلى اخر. فيباح للحاجة.

(ثم يُردُ طرف) اللفافة (العليا من الجانب الأيسر) أي: جانب الميت الأيسر (على شقه الأيمن، ثم) يرد (طرفُها) أي: طرف اللفافة (الأيمن على) شق الميت (الأيسر، ثم الثانية) كذلك، (ثم الثالثة كذلك). فيدرجه فيها إدراجاً.

(ويُجعل أكثر الفاضل) عن الميت من اللفائف (مما عند رأسه)؛ لأن الرأس أحق بالستر من الرجلين؛ لشرفه. فكان الاحتياط بستره بتكثير ما عنده أولى.

(ثم يَعقدُها) لئلا ينتشر. (وتحل) العقد (في القبر)؛ لأن الميت إذا وضع في القبر أمن انتشاره.

قال ابن مسعود: " إذا أدخلتم الميت اللحد فحلوا العقد "

(1)

. رواه الأثرم.

قال أبو المعاًلي وغيره: فإن نسي الملحد أن يحلها نبش ولو كان بعد تسوية التراب عليه وحُلّت، لأن حلها سنة.

(وكره تخريقُها) أي: تخريق اللفائف؛ لما في ذلك من إفساد الكفن

(1)

لم أقف عليه عن ابن مسعود. وقد أخرج ابن أبي شيبه في " مصنفه " عن إبراهيم قال: " إذا أدخل الميت القبر حل عنه العقد كلها "(11669) 3: 17 كتاب الجنائز، ما قال وا في حل العقد عن الميت.

ص: 47

?

وتقبيحه مع الأمر بتحسينه.

وجوزه أبو المعاًلي خوف نبشه.

وقال أبو الوفاء: ولو خيف نبشه.

(لا تكفينُه) أي: تكفين الرجل (في قميص ومِئْزَر ولِفافة) فإن ذلك لايكره في أصح الوجهين؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبدالله بن أبيَ قميصه لما مات "

(1)

. رواه البخاري.

وعن عمرو بن العاص: " إن الميت يؤزر ويقمص ويلف بالثالثه "

(2)

. وهذه عادة الحي.

و" أوصى عبدالله بن المغفل أن يكفن في قميص وبرد حبرة ". قاله ابن المنذر.

والمشروع فيما إذا كفن في قميص ومئزر ولفافة: أن يجعل المئزر مما يلي جسده كما يفعل بالحي، ثم يلبس القميص.

والمشروع: أن يكون كقميص الحي بكمين ودخاريص. نص عليه.

وهل الأفضل أن يزر أو لا يزر؟ فيه روايتان.

ثم تكون اللفافة فوق القميص؛ لتجمع للميت أثوابه.

ولا يحل الإزار في القبر. نص عليه.

ولا يكره تكفين الرجل في ثوبين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته دابته: " كفنوه في ثوبين "

(3)

. رواه البخاري.

(و) الكفن (الجديد أفضل) من العتيق؛ لما روي عن أبي سعيد الخدري

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2846) 3: 1095 كتاب الجهاد والسير، باب الكسوة للأسارى.

(2)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(6188) 3: 426 كتاب الجنائز، باب الكفن.

وأخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11058) 2: 463 كتاب الجنائز، ما قالوا في كم يكفن الميت. كلاهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1208) 1: 426 كتاب الجنائز، باب كيف يكفن المحرم.

ص: 48

?

" أنه لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها "

(1)

.

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاث أثواب بيض جدد "

(2)

.

ولأن الجديد أحسن وليس فيه مغالاة، لأنه من ملبوس الحي المعتاد. فيدخل في ظاهر قوله عليه السلام:" إذا ولي أحدكم أخاه فليُحسن كفنه "

(3)

.

(وكُره رقيق) أي: أن يكون الكفن رقيقاً (يحكي الهيئة) أي: هيئة البدن من أجل دقته، ولو

(4)

لم يصف البشرة. نص عليه.

(و) كره كون الكفن (من شعر، و) من (صوف)؛ لأنه خلاف فعل السلف.

(و) كره كفن (مزعفَر ومعصفَر) ولو لامرأة؛ لأنه غير لائق بحال الميت.

(وحرُم) التكفين (بجلد)؛ " لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنزع الجلود عن الشهداء، وأن يدفنوا في ثيابهم "

(5)

.

(وجاز) تكفين الذكر والأُنثى (في حرير ومُذهَب لضرورة) أي: عند عدمٍ في ثوب واحد يستر جمعه؛ لوجوبه.

ولأن الضرورة تندفع به.

وحَرم تكفينهما عند عدم الضرورة في شيء من ذلك: أما في حق الذكر؛ فظاهر.

وأما في حق الأُنثى؛ فلأنه إنما أُبيح لها ذلك في حال الحياة؛ لأنها محل الزينة والشهوة، وقد زال ذلك بموتها.

(1)

أخرجه أبوداود قي " سننه "(3114) 3: 190 كتاب الجنائز، باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت.

(2)

سبق تخريجه ص (44).

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(995) 3: 320 كتاب الجنائز، باب منه. من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

(4)

في أ: أي أن يكون رقيقاً (يحكى الهيئة) ولو.

(5)

سبق تخريجه ص (38) رقم (5).

ص: 49

?

وعنه: أن ذلك في حق المرأة يكره ولا يحرم.

وقيل: يباح لها ذلك من غير كراهة.

(ومتى لم يوجد ما يستر) الميت (جمعه ستر عورته) مقدمة على

ما سواها

(1)

من جسده.

(ثم) إن وجد ما يستر رأسه ستر (رأسه. و) متى لم يوجد غير ما يستر به عورته ورأسه (جُعل على باقيه) أي: باقي الميت (حشيش أو ورق)؛ لما روي " أن مُصعب قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة. فكانت إذا وضعت على رأسه بدت رجلاه، وإذا وضعت على رجلاه خرج رأسه. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطى رأسه ويجعل على رجليه الإذْخِر "

(2)

. رواه البخاري.

(وسن تغطيةُ نعش) ساتر؛ لأن المبالغة في ستر الميت وصيانته مطلوبة.

(وكره) أن يغطى (بغير أبيض)؛ لما روي " أن البياض من خير الثياب "

(3)

.

(وسن لأتتى وخنثى خمسة أثواب بيض من قطن) تكفن فيها. وهي: (إزار وخمار وقميص ولفافتان).

قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى: أن تكفن المرأة في خمسة أثو اب.

(ولصبي ثوب) واحد.

(ويباح) أن يكفن الصبي (في ثلاثة) من الثياب (ما لم يرثه غير مكلّف من صغير أو مجنون، فلا.

(1)

في أ: سواهما.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(083 6) 5: 2369 كتاب الرقاق، باب فضل الفقر.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4061) 4: 51 كتاب اللباس، باب في البياض.

وأخرجه ابن ماجه في (سننه " (3566) 2: 181 1 كتاب اللباس، باب البياض من الثياب.

وأخرجه الشافعي في " مسنده "(573) 1: 207 كتاب الصلاة، باب في صلاة الجنائز وأحكامها.

ص: 50

?

(و) يسن (لصغيرة قميص ولفافتان) نصاً.

قال المروذي: سألت أبا عبدالله في كم تكفن الجارية إذا لم تبلغ؟ قال: في لفافتين وقميص، لا خمار فيه.

و" كَفن ابن سيرين بنتاً له قد أعصرت أو قاربت المحيض في قميص ولفافتين.

وروي " في نقير ولفافتين "

(1)

.

قال أحمد: النقير: القميص الذي ليس

(2)

له كمان.

* * *

(1)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11105) 2: 466 كتاب الجنائز، في الجارية في كم تكفن.

(2)

ساقط من ب وج.

ص: 51

?

(فصل) في الصلاة على الميت

(والصلاة على من) أي: على ميت (قلنا يغسل) أي: يشرع تغسيله (فرض كفاية)؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها في غير حديث؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا على أطفالكم فأنهم أفراطكم "

(1)

، وقوله في الغالّ:" صلوا على صاحبكم "

(2)

، وقوله " إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه "

(3)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:" صلوا على من قال: لا إله إلا الله "

(4)

. والأمر للوجوب.

وإنما تجب على العالم بالميت من المسلمين؛ لأن من لم يعلم معذور.

(وتسقط) فرض الصلاة على الميت (بـ) صلاة واحد

(5)

(مكلّف).

سواء كان ذكراً أو أُنثى أو خنثى؛ لأن الصلاة على الميت فرض تعلق به. فسقط بالواحد؛ كغسله وتكفينه ودفنه.

(وتسن) الصلاة عليه (جماعة) كما كأن النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها هو وأصحابه. واستمر الناس على ذلك في جمع الأعصار.

(إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فأنه م لم يصلوا عليه بإمام احتراماً وتعظيماً لقدره.

قال ابن عباس: " دخل الناس على النبى صلى الله عليه وسلم أرسالاً يصلون عليه، حتى إذا

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1509) 1: 483 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الطفل. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال في " الزوائد ": في إسناده البختري بن عبيد. قال فيه أبو نعيم الأصبهانى والحاكم والنقاش: روى عن أبيه موضوعات. وضعفه أبو حاتم وابن عدي وابن حبان والدارقطني. وكذبه الأزدي. وقال يعقوب بن شيبه: مجهول.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 271) 3: 68 كتاب الجهاد، باب قي تعظيم الغلول.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2848) 2: 950 كتاب الجهاد، باب الغلول. كلاهما من حديث زيد ابن خالد الجهني رضي الله عنه.

(3)

سيأتي تخريجه ص (66) رقم (4).

(4)

أخرجه الدراقطني في " سننه "(3) 2: 56 كتاب العيدين، باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

في أ: واحدة.

ص: 52

?

فرغوا أدخلوا النساء، حتى إذا فرغوا أدخلوا الصبيان. ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد "

(1)

. رواه ابن ماجه.

وفي البزار والطبرانى: " أن ذلك كان بوصية منه صلى الله عليه وسلم ".

(و) يسن أيضاً (إن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة)؛ لما روي عن مالك بن " هبيرة: " أنه كان إذا صلى على ميت جزأ الناس ثلاثة صفوف. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى عليه ثلاثة صفوف من الناس فقد اأوجبت "

(2)

. أخرجه جماعة منهم الترمذي وحسنه وقال الحاكم: هو صحيح على شرط مسلم.

قال أحمد: أحب إليّ إذا كان فيهم قلة ان يجعلهم ثلاث

(3)

صفوف. قيل له: فإن كان وراءه أربعة؟ قال: يجعلهم صفين في كل صف رجلين.

وكره أن يقف الرجل فيها صفاً وحده

(4)

. فلو فعل لم تصح صلاته، خلافاً لابن عقيل والقاضي في " التعليق ".

(والأولى بها) أي: بالصلاة على الميت (وصيُّه العدل) لإجماع الصحابة. فأنه م ما زالوا يوصون بذلك ويقدمون الوصي، فـ " أوصى أبو بكر أن يصلي عليه عمر، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب "

(5)

.

و" أوصت أم سلمة أن يصلي عليها سعيد بن زيد "

(6)

.

?

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1628) 1: 520 كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3166) 3: 02 2 كتاب الجنائز، باب في الصفوف على الجنازة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(028 1) 3: 347 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(490 1) 1: 478 كتاب الجنائز، باب ماجاء فيمن صلى عليه جماعةمن المسلمين.

وأخرجه الحاكم في " المستدرك "(1341) 1: 516 كتاب الجنائز.

(3)

كذا في الأصول.

(4)

في ج: وأحداً.

(5)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج عبدالرزاق في " مصنفه " عن معمر عن الزهري قال: " صلى عمر على أبي بكر، وصلى صهيب على عمر "(6364) 3: 471 كتاب الجنائز، باب من أحق بالصلاة على الميت.

(6)

() أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 29 كتاب الجنائز، باب من قال الوصى بالصلاة عليه أولى إن كان قد أوصى بها إليه.

ص: 53

و" أوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو برزة ". حكى ذلك كله أحمد.

ولأنه ولاية تستفاد بالنسب. فصح الأيصاء بها " كالمال وتفرقته.

(وتصح الو صية بها) أي: بالصلاة عليه (لاثنين).

قال في " الفروع ": [ووصيته إلى اثنين]

(1)

: قيل: يصليان معاً، وقيل: منفردين.

قال في " تصحيح الفروع ": أحدهما: يصليان معاً صلاة واحدة. قدمه في " الرعاية ".

قال: وفيه نظر.

والقول الثاني: يصليان منفردين.

قلت: ويحتمل أن يقرع بينهما إن أوصى إليهما معاً، وأن الوصية إلى الثانى عزل للأول.

ويحتمل أيضاً: بطلان الوصية إذا أوصى إليهما معاً. والله أعلم. انتهى كلامه في " تصحيح الفروع ".

وحيث كان الميت رقيقاً (فسيد) أولى (برقيقه) أي: بأن يصلي عليه من غيره.

(فالسلطان) أي: فالأولى بعد وصي الميت وسيد الرقيق السلطان في أصح الروايتين، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يُؤمُّنَّ الرجلُ في سُلطأنه، ولاْ يجلس على تكْرمَتِه إلا بإذنه "

(2)

. رواه مسلم وغيره.

(1)

= وأخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11299) 2: 482 كتاب الجنائز، ما قال وا فيمن أوصى أن يصلي عليه الرجل.

() ساقط من أ.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(673) 1: 465 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق با لإمامة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(235) 1: 58 4 أبواب الصلاة، باب ما جاء من أحق بالإمامة.

ص: 54

?

وخرج منه الوصي؛ لما تقدم. فيبقى فيما عداه على مقتضى العموم.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده كانوا يصلون على الموتى. ولم ينقل عن أحد منهم: أنه استأذن العصبة.

وعن أبي حازم قال: " شهدت حسيناأ حين مات الحسن، وهويدفع في قفا سعيد بن العاص أمير المدينة وهويقول: لولا السنة ما قدمتك "

(1)

.

وهذا يقتضي أنها

(2)

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولأنه اصلاة يسن لها الاجتماع. فإذا حضرها السلطان كان أولى بالتقديم " كالجمع والأعياد.

والمراد بالسلطان الإمام الأعظم بدليل قوله: (فنائبه الأمير) أي: أمير بلد الميت. فإن لم يحضر الأمير (فالحاكم) وهو القاضي.

فإن لم يحضر (فالأولى) بالصلاة من عصبة الميت الأولى (بغسل رجل) فكل من قلنا يقدم بغسله فأنه يقدم بالصلاة عليه، فيقدم أبو الميت وإن علا، ثم الأقرب فالأقرب على الترتيب المتقدم ذكره. (فزوج بعد ذوي الأرحام، ثم) الأولى بالصلاة (مع تساو)؛ كابنين وأخوين وعمين (الأولى بإمامة، ثم) مع تساويهما في كل شيء (يُقَرَع) بينهما.

(ومن قدَّّمه ولي) وكان من قدمه الولي ممن تصح مباشرته للإمامة فهو. بمنزلته، كولأية النكاح.

و (لا) يكون من قدمه (وصي بمنزلته) أي: بمنزلة الوصي؛ لتفويته على الموصي ما أَّمله في الوصي من الخير والديانة. فينتقل الحق إلى من بعد الوصي إن لم يصلّ هو.

(1)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه ") 6369) 3: 471 كتاب الجنائز، باب من أحق بالصلاة على الميت.

وأخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 4: 28 كتاب الجنائز، باب من قال: الوالي أحق بالصلاة على الميت من الولى.

(2)

ساقط من أ.

ص: 55

(وتباح) الصلاة على الميت (في مسجد إن أُمن تلويثُه) أي: تلويث المسجد بانفجار الميت أو غير ذلك؛ لما روى مسلم " أن سعد بن أبي وقاص لما توفي طلب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد

(1)

ليصلين عليه. ففعلوا ووقفوا على حجرهن به فصلين عليه. فبلغهن أن الناس عأبوا ذلك. فقالت عائشة: ما أسرع الناس أن يعيبوا ما لا علم لهم به. عأبوا علينا أن نمر بجنازة في المسجد، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهل بن بيضاء إلا في جوف المسجد "

(2)

.

وفي رواية: " لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد "

(3)

.

وجاء: " أن أبا بكر وعمر صلي عليهما في المسجد "

(4)

.

وهذا كان بمحضر من الصحابة ولم ينكروا.

ولأنه اصلاة. فلم يمنع من فعلها بالمسجد، كسائر الصلوات.

(وسن قيام إمام) في صلاة جنازة (ومنفرد عند صدر رجل، ووسط امرأة). نص أحمد على ذلك في رواية صالح وأبي الحارث وأبي طالب وجعفر ومحمد بن القاسم وابن منصور وأبي الصقر وحنبل وحرب وسندي الخواتيمي، (وبين ذلك من خنثى) يعني: أنه يسن قيام الإمام والمنفرد فيما بين الصدر والوسط من الميتة الخنئى.

(و) يسن أيضاً (أن يليَ إماماً)

(5)

من الموتى (من كل نوع أفضل) إفراد ذلك النوع؛ لأن الفضيلة يستحق بها التقدم في الإمامة. فكذا في تقديم جنازة إلى الإمام. يؤيد ذلك: " أنه كان صلى الله عليه وسلم يقدم في القبر من كان أكثر قرآناً "

(6)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(973) 2: 668 كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(973) 2: 669 الموضع السابق.

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 52 كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد. من عدة أوجه.

(5)

في الأصول: إمام. وما أثبتناه من (منتهى الإرادات " 1: 159.

(6)

سيأتي تخريجه ص (108) رقم (3).

ص: 56

?

إذا تقرر هذا فيقدم إلى الإمام الحر المكلف، ثم العبد المكلف، ثم الصبي، ثم الخنثى، ثم المرأة. نقله الجماعة؛ كالمكتوبة.

(فأسن فأسبق) فيما إذا استويا في الفضيلة، (ثم يُقرع) مع استوائهما في كل شيء.

(وجمعُهم) أي: جمع الموتى إذا تعددوا (بصلاة) واحدة (أفضل) من إفراد كل واحد بصلاة. (فيقدم من أوليائهم) في الصلاة على جمعهم (أولاهم بإمامة) كغيرها من الصلوات، (ثم يقرع) مع استوائهم في الصفات. (ولولي كل) من الموتى (أن ينفرد بالصلاة عليه) أي: على ميته.

(و) إذا صفت جنائز للصلاة فيها رجال ونساء فأنه (يجعل وسط أُنثى حذاءِ صدر رجل، وخنثى بينهما) ليقف الإمام أو المنفرد من كل واحد من الموتى موقفه، (ويسوَّى بين رؤوس كل نوع)؛ لأن موقف النوع واحد.

وصفة صلاة الجنازة: أنه ينويها وإن لم يذكر ذلك في المتن؛ لما علم من أن كل عبادة تشترط لها النية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات "

(1)

.

الصلاة على هذا الميت أو على هؤلاء الموتى إذا كانوا جماعة عرف عددهم أولا. ولا يشترط معرفة كونهم رجالاً أو نساء.

وإن نوى الصلاة على هذا الرجل فبان امرأة أو عكسه فالقياس الإجزاء لقوة التعيين على الصفة في باب الأيمان وغيرها. ذكره أبو المعاًلي.

قال في " الفروع ": وهو معنى كلام غيره.

(ثم يكبر أربعاً) أي: أربع تكبيرات (يُحرِِمُ بالأولى، ويتعوّذ، ويسمي، ويقرأ الفاتحة) فيها، (ولا يستفتح) في أصح الروايتين؛ لأنها صلاة مبنية على التخفيف. ولذلك لا تشرع قراءة سورة فيها بعد االفاتحة.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1) 1: 3 بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صص ص.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنية. . . ".

ص: 57

(وفي) التكبيرة (الثانية: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلي عليه (في تشهد)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه كيف نصلي عليك علمهم ذلك "

(1)

.

(ويدعو في) التكبيرة (الثالثة) مخلصاً في دعائه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا صليتم على الميت فاًخلصوا له الدعاء "

(2)

. رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان.

لنفسه وللمسلمين وللميت (بأحسن ما يحضُره) من الدعاء، ولا توقيت فيه. نص عليه.

(وسن) أن يدعو (بما ورد. ومنه) أي: من الذي ورد: " اللهم لِلَّهِ اغفر لحيّنا وميّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا. إنك تعلم منقلَبَنا ومثْوانا وأنت على كل شيء قدير.

اللهم لِلَّهِ من أحييته منّا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفّيته منّا فتوفّه عليهما "

(3)

. روى ذلك أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة.

زاد ابن ماجه: " اللهم لِلَّهِ لا تحرمنا أجره ولا تضلنا

(4)

بعده "

(5)

. وفيه ابن إسحاق.

قال الحاكم: حديث أبي هريرة صحيح على شرط الشيخين. لكن زاد فيه الموفق: وأنت على كل شيء قدير، ولفظ: والسنة.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5999) 5: 2339 كتاب الدعوات، باب هل يُصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(407) 1: 306 كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. كلاهما من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3199) 3: 0 21 كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(497 1) 1: " 480 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة. كلاهما من حديث أبي هريره رضي الله عنه.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(024 1) 3: 343 كتاب الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت. وأخرجه أحمد في " مسنده " (8795) 2:368.

(4)

في ج: تفتنا.

(5)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1498) 1: 480 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة.

ص: 58

?

" (اللهم لِلَّهِ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُله) - بضم الزأي وقد تسكن- (وأوسِعْ مدخله) - هو بفتح الميم موضع الدخول وبضمها الإدخال - (واغسله بالماء والثلج والبَرَد، ونقّه من الذنوب والخطايا كلما ينقى الثوبُ الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعِذْْه من عذاب القبر وعذاب النار) "

(1)

. روى ذلك مسلم من حديث عوف بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على جنازة حتى تمنى أن يكون ذلك الميت وفيه: " وأبدله أهلاً خيراً من أهله وأدخله الجنه ". وزاد الموفق لفظ: " من الذنوب ". (وافسِحْ له في قبره، ونوَّر له فيه)؛ لأنه لائق بالمحل. واستحب المجد تبعاً للخرقي وابن عقيل وغيرهما أن يزيد على ذلك: اللهم لِلَّهِ أنه عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به. وهذا إن كان الميت رجلاً. وإن كانت امرأة قال: اللهم لِلَّهِ أنها أمتك بنت أمتك، نزلت بك وأنت خير منزول بها. وزاد الخرقي وابن عقيل وجماعة بعد قوله:" وأنت خير منزول به ": " ولانعلم إلا خيراً "؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من مسلم يموت فيشهد له ثلاثة أبيات من جيرأنه الأدنين إلا قال الله تعالى: قد قبلت شهاده عبادي فيما علموا، وغفرت له ما أعلم "

(2)

. رواه أحمد.

قال ابن عقيل وغيره: ولا يقول ذلك إلا إن علم خيراً. فإن لم يعلم أمسك عن ذكر الخير؛ لئلا يكون كاذباً.

وروى أبو داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة على الجنازة: " اللهم لِلَّهِ أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاً له. فاغفر له "

(3)

.

وروى أبو داود وابن ماجه عن واثلة أنه قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل فسمعته يقول: اللهم لِلَّهِ إن فلاناً ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِ فتنة

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(963) 2: 662 كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة.

(2)

() أخرجه أحمد في " مسنده "(8977) 2: 384.

(3)

() أخرجه أبو داود في " سننه "(3200) 3: 210 كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت.

ص: 59

?

القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والمجد. اللهم لِلَّهِ اغفر له وارحمه. إنك أنت الغفور الرحيم "

(1)

.

(وإن كان) الميت (صغيراً، أو بلغ مجنوناً واستمرّ قال) من يصلي عليه بعد قوله: " ومن توفيته منا فتوفه عليهما ": (اللهم لِلَّهِ اجعله ذُخراً لوالديه وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً. اللهم لِلَّهِ ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقهِ برحمتك عذاب الجحيم)، لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" السّقْط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة "

(2)

.

وفي لفظ: " بالعافية والرحمة "

(3)

. رواهما أحمد.

وإنما لم يسن له الاستغفار، لأنه شافع غير مشفوع فيه، ولا جرى عليه قلم. فلم يُستغفر له من ذنب، ولا سطر عليه شيء. فالعدول إلى الدعاء لوالديه أولى من الدعاء له.

وقوله: " فرطاً: أي: سابقاً مهيئاً لمصالح والديه في الآخرة.

ولا فرق في هذا المعنى بين أن يموت في حياة أبويه أو بعد موتهما.

(وإن لم يعلم) المصلي

(4)

(إسلام والديه) أي: والدي الصغير، (دعا لمواليه).

ولا بأس بالإشارة بالإصبع أو غيره إلى الميت حالة دعائه له نصا. نقله الأثرم وغيره.

(ويؤنث الضمير) في الصلاة (على أُنثى) فيقول: اللهم لِلَّهِ اغفر لها وارحمها. . . إلى اخره.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3202) 3: 211 المو ضبع السابق.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1499) 1: 480 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(18199) 4: 249.

(3)

() أخرجه أحمد في " مسنده "(18206) 4: 249.

(4)

ساقط من أ.

ص: 60

?

(ويُشير) المصلي (بما يصلح لهما) أي: للذكر

(1)

والأُنثى في الصلاة (على) ميت (خنثى) باًن يقول: اللهم لِلَّهِ اغفر لهذا الميت أو نحو ذلك. (ويقف بعد) تكبيرة (رابعة) زمنا (قليلاُ)؛ لما روى الجوزجانى عن زيد ابن أرقم " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعاً، ثم يقف ما شاء الله. فكنت احسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف ".

(ولا يدعو) بعد الرابعة في أصح الروايتين.

(ويسلم) تسليمة (واحدة عن يمينه). نص عليه؛ لأن ذلك أشبه بالحال، وأكثر ما روي في التسليم.

(ويجوز) كونها (تلقاء وجهه) نص عليه. (و) يجوز أيضاً أن يسلم تسليمة (ثانية).

والمنصوص هنا: أنه لو قال: السلام عليكم: أنه يجزئه، ولو لم يقل: ورحمة الله؛ لما روى الخلال وحرب بإسنادهما عن علي " أنه صلى على زيد بن المكفف فسلم واحدة عن يمينه. السلام عليكم "

(2)

.

لكن ذكره

(3)

الرحمة أليق بالصلاة على الميت فكان أولى. ويحمل فعل علي على أنه مذهب له، أو على الجواز.

(وسُن وقوفه) أي: وقوف من يصلي على الجنازة (حتى تُرفَع). استحبه أحمد.

وروي عن مجاهد أنه قال: " إذا صليت- أي: على الجنازة- فلا تبرح " عن مصلاك حتى ترفع. وقال: رأيت عبدالله بن عمر لا يبرح من مصلاه حتى يراها على أيدي الرجال "

(4)

]

(5)

.

(1)

في ج: الذكر.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 43 كتاب الجنائز، باب ما يروى في التحلل من صلاة الجنازة بتسليمه واحده.

(3)

في أ: ذكر.

(4)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج عبدالرزاق في " مصنفه " عن عبدالله بن كثير أن مجاهداً قال: " كان يقال: اذا ما صليتم على الجنازة فقوموا حتى ترفع. فحولها الناس فقال وا: قوموا حتى توضع "(6325): 463 كتاب الجنائز، باب القيام حين ترى الجنازة.

(5)

ساقط من أ.

ص: 61

?

وروي عن أحمد

(1)

: أنه صلى ولم يقف.

(وواجبها) أي: والواجب في صلاة الجنازة ستة أشياء:

الأول

(2)

: (قيامٌ) من قادر (في فرضها). فلا تصح من قاعد ولا من على راحلة إلا لعذر فيهما كبقية الصلوات المفروضة؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " صلَّ قائماً. فإن لم تستطع فقاعداً "

(3)

.

وعلم من قوله: في فرضها: أن الصلاة لو تكررت لم يجب القيام على من صلى على الجنازة بعد أن صلى عليها غيره؛ لسقوط الفرض بالصلاة الأولى على

(4)

المذهب من كون الثانية نفلاً؛ كبقية النوافل.

(و) الثانى: (تكبيرات) أربع؛ لما في " الصحيح " من حديث أنس وغيره: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الجنازة أربعاً "

(5)

.

وفي " صحيح مسلم ": " أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه. فخرج إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات "

(6)

.

و" فيه ": عن ابن عباس " أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعدما دفن، وكبر أربعاً "

(7)

. وقد صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي "

(8)

.

(1)

في ج زيادة لفظ: أيضاً.

(2)

في ج: الأولى.

(3)

() أخرجه البخاري في " صحيحه "(66 0 1) 1: 376 أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(952) 1: 250 كتاب الصلاة، باب في صلاة القاعد. كلاهما من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

(4)

في أوج: وعلى

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3194) 3: 208 كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عيله.

(6)

أخرجه مسلم في " صحيحه لِلَّهِ (951) 2: 656 كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة.

(7)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(954) 2: 658 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

(8)

أخرجه البخاري في صحيحه " (605) 1: 226 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر. . .

ص: 62

?

(فإن ترك) منها (غير مسبوق) ولو

(1)

(تكبيرة) واحدة (عمداً: بطلت) صلاته؛ لأنه ترك واجباً في صلاته عمداً. فبطلت؛ كسائر الصلوات.

(و) إن تركها (سهوا ً) فأنه (يكبرها) وجوباً (ما لم يطل الفصل)،

وصحت صلاته على الصحيح من المذهب؛ كما لو نسي ركعة وأتى بها مع عدم طول الفصل؛ لأن هذا التكبير يقضى مفرداً فأشبه الركعات. وعكسه تكبير المكتوبة فأنه لا يشرع قضاؤه مفرداً. فحق حكم هذا التكبير.

(فإن طال) الفصل (أو وُجد منافٍ) للصلاة من كلام أو غيره (استأنف)

الصلاة أي: ابتدأها؛ لما روي عن قتادة: " أن أنساً صلى على جنازة فكبر عليها ثلاثاً وتكلم. فقيل له: إنما كبرت ثلاثاً فرجع وكبر أربعاً "

(2)

. رواه حرب في " مسائله " والخلال في " جامعه ".

وعوده إلى ذلك لما أنكروه عليه دليل إجماعهم على أنه لا بد من أربع تكبيرات.

وعن حميد الطويل قال: " صلى بنا أنس فكبر ثلاثاً ثم سلم. فقيل له: أنت كبرت ثلاثاً. فاستقبل القبلة وكبر الرابعة "

(3)

. أخرجه البخاري.

فرواية حميد محمولة على عدم وجود المنافي، ورواية حرب والخلال

محمولة على وجود المنافي فإن فيها: " وتكلم ".

(و) الثالث من واجبات صلاة الجنازة: (قراءة الفاتحة) على الأصح؛

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاه إلا بفاتحة الكتاب "

(4)

.

وعن أم شريك قالت: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب "

(5)

. رواه ابن ماجه.

(1)

زيادة من أ.

(2)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(6417) 3: 486 كتاب الجنائز، باب السهو والصلاة على الجنائز. . .

(3)

ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقاً 1: 447 كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعاً.

(4)

() أخرجه أحمد في " مسنده (22729) 5: 314.

(5)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1496) 1: 479 كتاب الجنائز، باب ما جاء في القراءة على الجنازة.

ص: 63

?

وعن ابن عباس: " أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: لتعلموا

أنه من السنة "

(1)

. رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه.

ولأنه اصلاة مفروضة. فوجبت القراءة فيها؛ كالمكتوبة.

(وسن إسراًرُها) أي: إسراًر قراءة الفاتحة (ولو) كان الوقت (ليلاُ)؛

لما روى الزهري عن أبي أمامة بن سهل فال: " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثاً والسلام "

(2)

.

وعن الزهري عن محمد بن سويد الدمشقي عن الضحاك بن قيس نحوه

(3)

.

رواهما النسائي.

ولأن المداومة على الإسرار نقلُ الخلف عن السلف فيتعين فعله، ولا يقاس

على المكتوبة؛ لأن المكتوبة مؤقتة وهذه غير مؤقتة. فأشبهت تحية المسجد

ونحوها.

(و) الرابع من واجب صلاة الجنازة: (الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما

روى الشافعي والأثرم بإسنادهما عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن السنة في الصلاة على الجنازة: يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم،

ويُخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، لا يقرأُ في شيء منهن، ثم يسلم سراً في نفسه "

(4)

. زاد الأثرم: " والسنة ان يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم ".

(1)

() أخرجه البخاري قي " صحيحه "(1270) 1: 448 كتاب الجنائز، باب قراءه فاتحة الكتاب على الجنازة.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(3198) 3: 210 كتاب الجنائز، باب ما يقرأ على الجنازة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(027 1) 3: 346 كتاب الجنائز، باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(1989) 4: 75 كتاب الجنائز، الدعاء.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(1990) الموضع السابق.

(4)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(581) 1: 210 كتاب الصلاة، صلاة الجنائز وأحكامها.

ص: 64

ولأن تقديمها على الدعاء أقرب إلى إجابته.

(و) الخامس من واجب صلاة الجنازة: (أدنى دعاء للميت)؛ لما روى مالك في " الموطأ " عن أبي هريرة قال

(1)

: " إذا وُضعت ـ يعنى: الجنازة- كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم أقول: اللهم لِلَّهِ عبدك ابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا انت وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به. اللهم لِلَّهِ إن كان محسناً فزد في إحسأنه، وإن كان مُسيئاً فتجاوز عن سيئاته

(2)

. اللهم لِلَّهِ لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده "

(3)

.

ولأن الدعاء للميت هو المقصود بالصلاة. فلا يجوز الإخلال به.

(و) السادس من واجب صلاة الجنازة وبه تتم: (السلام)؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم على الجنائز "

(4)

. وقد قال: " صلوا كما رأيتمونى أصلي "

(5)

.

(وشُرط) بالبناء للمفعول (لها) أي: لصلاة الجنازة (مع ما) شرط (لمكتوبة، إلا الوقت). فأنه مشروط للمكتوبة دون صلاة الجنازة شروط ثلاثة:

الأول. (حضور الميت بين يديه) أي

(6)

: يدي المصلي. فلا تصح الصلاة على جنازة محمولة. صرح به جماعة في المسبوق وفاقاً؛ لأنها كإمام، ولهذا لا صلاة بدون الميت.

قال صاحب " المحرر " وغيره: قربها من الإمام مقصود كقرب الماًموم من الإمام؛ لأنه يسن الدنو منها. ولو صلى وهي من وراء جدار لم تصح.

(1)

في ج: قال يعنى.

(2)

في أ: فتجاوز عنه.

(3)

() أخرجه مالك في " الموطأ "(17) 1: 198 كتاب الجنائز، باب ما يقول المصلي على الجنازة.

(4)

روى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً وسلم تسليمة. أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 43 كتاب الجنائز، باب ما روي في التحلل من صلاة الجنازة بتسليمة واحدة.

(5)

سبق تخريجه ص (62) رقم (8).

(6)

في ج زيادة: بين.

ص: 65

وفي كتاب " الخلاف " للقاضي: صلاة الصف الأخير جائزة، ولو حصل

بين الجنازة وبينه مسافة بعيدة، ولو وقف في موضع الصف الأخير بلا حاجة لم يجز.

(إلا) إذا صلى (على غائب عن البلد) على الأصح، (ولو) كان منها

(دون مسافة قصر، أو) كان البلد الذي مات به الميت (في غير قبلته) أي: قبلة المصلي ولو صار

(1)

وراءه حال الصلاة. فتجوز صلاة الإمام والآحاد على الغائب بالنية. نص عليه؛ لما روى جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة بالصاد والحاء المهملتين- النجاشي، وكبر عليه أربعاً "

(2)

.

وفي لفظ قال: " قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلمّ فصلوا عليه. فصففنا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن صفوف "

(3)

. متفق عليهما.

وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه قال: فقمنا فصففنا عليه كما نصف على الميت، وصلينا عليه كما نصلي على الميت "

(4)

. رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

فوجه الحجة من هذا: أنه أمرهم بالصلاة على الميت معللاً بكونه أخاً لهم

مات ببلد آخر، وهذه العلة موجودة في غيره. وقول المانع من صحة الصلاة على الغائب بأن الأرض زويت للنبي صلى الله عليه وسلم وكشف له النجاشي حتى رآه حين صلاته عليه، لو كان له أصل لذكره لأصحابه ولنقل؛ لما فيه من المعجزة العظيمة كما أخبرهم بموته يوم مات.

(1)

في ج: قدم.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1269) 1: 447 كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعاً.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(952) 2: 657 كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1257) 1: 443 كتاب الجنائز، باب الصفوف على الجنازة.

وأخرجه مسلم في الموضع السابق.

(4)

() أخرجه الترمذي في " جامعه "(039 1) 3: 357 كتاب الجنائز، باب ما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.

وأخرجه النسائي في " سننه "(1975) 4: 70 كتاب الجنائز، الصفوف على الجنازة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(19848) 4: 439.

ص: 66

?

(و) إلا إذا صلى (على غريق ونحوه)، كأسير. فأنه يسقط شرط الحضور للحاجة. وكذا غسل الغريق والأسير، لتعذره كالحريق

(1)

. أشبه الحي إذا عجز عن الغسل والتيمم.

إذا تقرر هذا (فـ) أنه (يصلى عليه) أي: على من ذكر (إلى شهر) من حين موته (بالنية)، لأنه لا يعلم بقاؤه من غير تلاشٍ أكثر من ذلك.

وعلم مما تقدم: أنه لا تجوز الصلاة عليه مع عدم حضوره إذا كان في أحد جانبي البلد والمصلي في الجانب الآخر في أصح الوجهين، لأنه يمكنه الحضور للصلاة عليه، أو على قبره. أشبه ما لو كان المصلى والميت في جانب واحد.

(و) الشرط الثانى: (إسلامه) أي: إسلام الميت، لأن الصلاة على الميت شفاعة، والكافرلا تقبل فيه الشفاعة، ولا يستجاب فيه دعاء. وقد نهينا عن الاستغفار للكافرين.

(و) الشرط الثالث: (تطهيره) أي: تطهير الميت (ولو بتراب لعذر) مثل: فقد الماء، أو أن لايمكن غسله؛ كما لو خشى بصب الماء عليه تفريق أجزائه وتفسخه فإنه ييمم.

(فإن تعذر) أن يُيَمم لفقد التراب أو غير ذلك سقط تطهيره و (صلي عليه) بدونه؛ لأن فرض الطهارة لا يُسقط فرض الصلاة وفاقاً لمالك والشافعي، فإن فاقد الطهورين يجب عليه أن يصلي على حسب حاله. فكذا هنا.

(ويُتابَعُ) بالبناء للمفعول وجوباً (إمام زاد على) تكبيرة (رابعة)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به "

(2)

، (إلى سبع) أي: سبع تكبيرات (فقط).

قال الخلال: ثبت القول عن أبي عبدالله أنه يكبر مع الإمام إلى سبع ثم لا يزاد عليه.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(63 0 1) 1: 5 37 أبواب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد.

ص: 67

?

قال أحمد: هو أكثر ما جاء فيه، " لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر على حمزة سبعاً "

(1)

. رواه ابن شاهين.

و" كبر على أبي قتادة سبعاً "

(2)

.

و" على سهل بن حنيف ستاً "

(3)

.

وقال أنه يروى: " أن عمر جمع الناس فاستشارهم. فقال بعضهم: كبر النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً، وقال بعضهم: أربعاً. فجمع الناس عمر على أربع تكبيرات. وقال: هو أطول الصلاة "

(4)

. يعني: أن كل تكبيرة على الجنازة مقام ركعة من الصلاة ذات الركوع. أطول المكتوبات أربع ركعات.

(ما لم تُظن بدعته) أي: بدعة الإمام (أو رفضُه) فلا يتابع في زيادة على أربع " لما في المتابعة من إظهار شعائرهم.

(وينبغي أن يسبّح به) أي: بالإمام إذا كبر (بعدها) أي: بعد الرابعة

(5)

. وقبلها لا يسبح به. قاله في " الفروع ".

(ولا يدعو) الماًموم (في متابعة) لإمامه (بعد) التكبيرة (الرابعة) في أصح الاحتمالاًت. قدمه في " الفروع " و " الرعاية الكبرى "؛ لأن ما بعد التكبيرة الرابعة لا يجب في أصل صلاة الجنازة ولا يستحب.

(ولا تبطل) صلاة الجنازة (بمجاوزة سبع) من التكبير؛ لأنه زيادة قول مشروع في أصله داخل

(6)

الصلاة. أشبه تكرار الفاتحة والتشهد وسائر الأذكار.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 12 كتاب الجنائز، باب من زعم أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 36 كتاب الجنائز، باب من ذهب في زيادة التكبير على الأربع إلى تخصيص أهل الفضل بها.

(3)

أخرجه البيهقي فى الموضع السابق.

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 37 كتاب الجنائز، باب ما بستدل به على أن أكثر الصحابة اجتمعوا على أربع. . .

(5)

في ج: السابقة.

(6)

في أ: وأصل.

ص: 68

?

أو نقول تكرار تكبيرة. فأشبه تكبير الصلوات. وعكسه زيادة الركعة؛ لأنها زيادة أفعال. ولهذا لو زاد ركوعاً أو سجوداً أبطل الصلاة. وإن كان لا يُقضى منفرداً لكونه فعلاً.

(وحرم) على المأموم (سلام قبله) أي: قبل إمامه الذي جاوز تكبيره سبعاً. نص على ذلك وفاقاً لمالك؛ لأنه زيادة ذكر لا يقطع الصلاة. فلا يقطع من أجله المتابعة؛ كما لو أطال الدعاء.

ولأن المتابعة واجبة يبطل تركها في الجملة. فكيف تترك لما لا يبطل.

(ويخيّر مسبوق) سلم إمامه (في قضاء) لما فاته، (و) في (سلام معه) أي: مع إمامه. ويستحب للمسبوق الإحرام بالصلاة خلف الإمام على أيّ حالة صادفه فيها، ولا ينتظر تكبيره في أصح الروايتين؛ لأنها صلاة أمر فيها باتباع الإمام. فاستحب للمأموم الإحرام بها على أيّ حالة صادف الإمام فيها " كغيرها من الصلوات.

وعنه: ينتظر تكبيره، لأن كل تكبيرة كركعة. فلا يشتغل بقضائها.

ورده الموفق باًن هذا ليس اشتغالاً بقضاء ما فاته وإنما يصلي معه ما أدركه.

(ولو كبّر) إمام أو منفرد على جنازة (فجيء بـ) جنازة (أخرى فكبر) تكبيرة (ونواها) أي: نوى التكبيرة (لهما) أي: للجنازتين (وقد بقي من تكبيره) السبع (أربع) كما لو كانت التكبيرة للتي جيء بها ثانية أو ثالثة أو رابعة: (جاز). نص عليه، لا إن جيء بجنازة بعد التكبيرة الرابعة. فأنه لا يجوز إدخالها في الصلاة؛ لئلا يؤدي إلى تنقيصها عن أربع، أو زيادة ما قبلها على سبع.

فإذا نوى بالتكبيرة الرابعة الجنازة التي جيء بها والجنازة السابقة لها (فـ) أنه (يقرأ) الفاتحة (في) تكبيرة (خامسة، ويصلي) على النبي صلى الله عليه وسلم (في) تكبيرة (سادسة، ويدعو) للميت (في) تكبيرة (سابعة). هذا كلامه في " التنقيح " وتبعته عليه.

ص: 69

?

وفي " الكافي ": يقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة، وفي الخامسة يصلي على النبي، ويدعو لهم في السادسة؛ لتكمل الأركان لجمع الجنائز. انتهى.

وقيل: لا يعيد الفاتحة ولا الصلاة على النبي صص ص. بل يدعو عقب كل

تكبيرة.

قال في " شرح الهداية ": وهو أصح. واختاره القاضي في " الخلاف "؛ لأن هذا محل الدعاء للسابقة ومحل غيره للمسبوق. فغلب حكم من امتاز بالسبق.

(ويقضي مسوق) إذا سلم إمامه تكبيرات فاتته (على صفتها) في أصح الروايتين؛ لأن القضاء يحكي الأداء

(1)

؛ كباقي الصلوات. فإذا أدرك الإمام في الدعاء تابعه فيه. فإذا سلم الإمام أتى بالحمد، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كبر، ثم سلم.

وعنه: أنه يقضي التكبير متتابعاً.

ومحل [قضاء التكبيرات]

(2)

على صفتها: ما لم يخش رفع الجنازة. (فإن خشي رفعها تابع) التكبير رفعت أو لم ترفع. قدمه في " الفروع " وحكاه نصاً

(3)

.

(وإن سلم) المسبوق عقب سلام الإمام (ولم يقض) شيئاً: (صحت)

صلاته على أصح الروايتين؛ لما روي عن

(4)

عائشة: " أنها قالت: يا رسول الله لِلَّهِ إنى أصلي على الجنازة ويخفى عليّ بعض التكبير قال: ما سمعت فكبري وما فاتك فلا قضاءعليك ".

وهذا صريح في عدم وجوب القضاء. لكن يستحب.

(1)

في ج: القضاء.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: أيضاً.

(4)

ساقط من أ.

ص: 70

?

ولأنها تكبيرات متواليات حال القيام. فلم يجب قضاء ما فات منها؛ كتكبيرات العيد.

(ويجوز دخوله) أي: دخول المسبوق في صلاة الجنازة (بعد) تكبير)

(1)

الإمام التكبيرة (الرابعة، ويقضي الثلاث) تكبيرات استحباباً، وله أن يسلم معه.

(ويصلي على من قُبِر) بالبناء للمفعول أي: دفن في القبر (من فاتته) الصلاة (قبله) أي: قبل أن يقبر (إلى شهر من دفنه)؛ لما روى أبو هريره " أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم أو فقده، فسأل عنها أو عنه. فقالوا: ماتت أو مات. فقال: أفلا كنتم آذنتمونى؟ قال: فكأنه م صغّروا أمرها أو أمره. فقال: دلوني على قبرها أوعلى قبره، فدلوه فصلى عليها أو عليه "

(2)

.

وعن ابن عباس قال: " انتهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرٍ رَطْبٍ فصلى عليه، وصفُّوا خلفه، وكبَّر أربعاً "

(3)

متفق عليهما.

قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر؟ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان.

وتتقيد بشهر على المذهب؛ لما روى سعيد بن المسيب " أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب. فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر "

(4)

.

قال أحمد: أكثر ما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر.

(1)

في ج: تكبيرة.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(446) 1: 175 أبواب المساجد، باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(956) 2: 659 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

(3)

أخرجه البخاري فى " صحيحه "(1256) 1: 443 كتاب الجنائز، باب الصفوف على الجنازة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(954) 2: 658 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(038 1) 3: 356 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على القبر.

ص: 71

?

ولأنها مدة يغلب على الظن بقاء الميت فيها.

وقيل: تتقيد بسنة.

وقيل: بعدم بلائه.

(ولا تضر زيادة يسيرة) على الشهر.

قال القاضي: كاليوم واليومين.

(وتحرم) الصلاة (بعدها) أي: بعد الزيادة اليسيرة على الشهر. نص على ذلك؛ لأنه لم يتحقق بقاؤه بعد المدة المذكورة.

وإنما لم يجز أن يصلى على قبره صلى الله عليه وسلم إجماعاً؛ لئلا يتخذ قبره

(1)

مسجداً.

والمسجد: ما اتُخِذَ للصلاة. ذكره في " الانتصار " وغيره.

[وقال صاحب " الخلاف " و " المحرر ": إنما لا يصلى عليه الآن؛ لئلا يتخذ قبره مسجداً، وقد نهي عنه. أو للمنع من الصلاة على الميت بعد شهر]

(2)

.

(ويكون الميت) الذي يصلى على قبره (كإمام) يعني: أنه يجعل القبر بين الذي يصلى عليه وبين القبلة.

(وإن وُجد بعضُ ميت تحقيقاً) أي: بعض من تحقق موته، وكان بعض الميت الذي وجد (لم يصلَّ عليه) وهو (غير شعر وظفر وسن فـ) حكم ذلك (ككله) أي: كما لو وجد الميت كله. فيغسل ذلك البعض ويكفن ويصلى عليه في أصح الروايتين وجوباً في الجمع إن لم يكن صلي عليه، وإن كان قد صلي عليه فيجب التغسيل والتكفين.

وتستحب الصلاة عليه؛ " لأن أبا أيوب صلى على رِجْل أنسان "

(3)

. قاله أحمد.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11901) 3: 40 كتاب الجنائز، في الصلاة على العظام وعلى الرؤوس.

ص: 72

?

و" صلى عمر على عظام بالشام "

(1)

.

و" صلى أبو عبيدة على رؤوس "

(2)

. رواهما عبدالله بن أحمد بإسناده.

وقال الشافعي: " ألقى طائر يداً بمكة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم، وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد. فصلى عليها أهل مكة "

(3)

. وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يعرف من الصحابة مخالفاً في ذلك.

ولأنه بعض من جملة ميت تجب الصلاة عليها. فيصلى على ذلك البعض؛ كما لو كان أكثر الجملة.

(وينوى بها) أي: بصلاته على البعض الموجود (ذلك البعض) الموجود (فقط). قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.

وقيل: ينوي الجملة، واختاره في " التلخيص ". انتهى.

(وكذا إن وجُد الباقي) بعد دفن البعض الأول. يعني: أنه يفعل به كما يفعل في البعض الموجود قبله، (ويُدفن بجنبه) أي: إلى جانب القبر.

(وتُكره إعادة الصلاة) أي: يكره لمن صلى على جنازة أن

(4)

يعيد الصلاة عليها مرة ثانية.

وفي " الفصول ": لا يصليها مرتين؛ كالعيد.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وعليه الأكثر، ونص عليه.

وقيل: يحرم. وذكره في " المنتخب " نصاً. انتهى.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11902) 3: 41 الموضع السابق.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11899) 3: 40 الموضع السابق. وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 18 كتاب الجنائز، باب ما ورد في غسل بعض الأعضاء إذا وجد مقتولاً في غير معركة الكفار والصلاة عليه.

(3)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(4)

في ج: أي.

ص: 73

?

ويستثنى من ذلك صور أشار إلى الأولى منها بقوله:

(إلا إذا وجد بعض ميت بشرطه) أي: بأن يكون غير شعر وظفر وسن (صُليَ على جملته) سوى هذا البعض الذي وجد (فـ) أنه (تسن) الصلاة عليه بعد تغسيله وتكفينه؛ (كـ) استحباب (صلاة من فاتته) الصلاة على الجنازة مع أول من صلى عليها، (ولو) كان الذي فاتتهم الصلاة

(1)

(جماعة).

قال في " شرح المقنع ": وأما من أدرك الجنازة ممن لم يصل فله أن يصلي عليها. فعله علي وأنس وسليمان بن ربيعة

وأبو حمزة رضي الله تعالى عنهم.

وأشير إلى الصورة الثانية بقوله: (أو من صلي عليه بالنية إذا حضر).

قال في " الإنصاف ": لو حضر الغائب الذي كان قد صلي عليه استحب أن يصلى عليه ثانياً. جزم به ابن تميم وابن حمدان واقتصر عليه في " الفروع ".

قلت: فيعايى بها، وهي مستثناة من قولهم:[لا تستحب]

(2)

إعادة الصلاة عليه على ما تقدم. انتهى.

وأشير إلى الصورة الثالثة بقوله: (أو صلي عليه بلا إذن الأوْلى بها) أي: بالإمامة عليه (مع حضوره) أي: حضور الأولى بها: (فتعاد) الصلاة عليه مع الأولى بالإمامة (تبعاً) له.

قال في " الفروع ": وإن بدر أجنبي وصلى فإن صلى الولي خلفه صار إذناً. ويشبه تصرف الفضولي إذا أجيز، وإلا فله أن يعيد الصلاة؛ لأنه احقه. ذكره أبو المعالي.

وظاهره: ولا يعيد غير الولي. انتهى.

(ولا توضع) الجنازة (لصلاة) أي: من أجل أن يصلى عليها (بعد حملها) تحقيقاً للمبادرة إلى مواراة الميت.

(ولا يصلّى على مأكول) أي: على أنسان أكله سبع أو نحوه (ببطن آكل،

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 74

?

و) لا على (مستحيل بإحراق) أي: بأن صار رماداً في الأصح ولو مع مشاهدة الآكل؛ لأنه لم يبق منهما شيء يصلى عليه، (ونحوهما) أي: نحو المأكول والحريق كالواقع بالملاحة فيصير ملحاً.

(ولا) يصلى (على بعض حي)؛ كالعضو الساقط من حي بأكَلة أو نحوها، والمقطوع في سرقة أو قصاص (في وقت لو وُجدت فيه الجملة) أي: البقية (لم تغسَّل، ولم يصلَّ عليها) لبقاء حياتها؛ لأن الصلاة على الميت دعاء له وشفاعة ليخفف عنه. وهذا عضو لا حكم له في الثواب والعقاب. فلا حاجة إلى الصلاة عليه لذلك، وكذا إن شك في موت البقية في الأصح؛ لأن الأصلى والسبب غير متحقق.

(ولا يسن للإمام الأعظم و) لا (إمام كل قرية وهو واليها) أي. والي القرية (في القضاء الصلاة) أي: أن يصلي (على غالٍّ). وهو: من كتم شيئاً ممن غنمه ليختص به.

(و) لا على (قاتل نفسه عمداً). نص على ذلك؛ لما روى زيد بن خالد الجهني قال: " توفي رجل من جهينة يوم خيبر. فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا على صاحبكم. فتغيرت وجوه القوم. فلما رأى ما بهم قال: إن صاحبكم غلً في سبيل الله. ففتشنا متاعه فوجدنا فيه حرزاً من حرز اليهود ما يساوي درهمين "

(1)

. رواه الخمسة إلا الترمذي، واحتج به أحمد.

فامتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه وهو الإمام وأمر غيره بالصلاة عليه.

وكذلك روى جابر بن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاؤوه برجل قد قتلَ نفسه بمَشاقِص فلم يُصلَّ عليه "

(2)

. رواه مسلم وغيره.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 271) 3: 68 كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول.

وأخرجه النسائي في " سننه "(1959) 4: 64 كتاب الجنائز، الصلاة على من غل.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2848) 2: 950 كتاب الجهاد، باب الغلول وأخرجه أحمد في " مسنده " (17072) 4:114.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(978) 2: 672 كتاب الجنائز، باب ترك الصلاة على القاتل نفسه.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(68 0 1) 3: 0 38 كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن قتل نفسه.

ص: 75

?

والمشاقص: جمع مشقص.

قال في " القاموس ": والمِشْقَصُ، كمِنْبَر: نَصلّ عريض، أو سهمّ فيه

ذلك، والنصلُ الطويل، أو سهمّ فيه ذلك، يُرمى به الوحش. انتهى.

قال أحمد: وسئل عمن قتل نفسه يصلى عليه؟

قال: أما الإمام فلا يصلي عليه، وأما الناس فيصلون عليه. هكذا فعل

النبي صلى الله عليه وسلم بالذي قتل نفسه فلم يصل عليه، وأمرهم أن يصلوا عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام فأُلحق به من ساواه في ذلك.

فإن قيل: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟

قلنا: ما ثبت في حقه ثبت في حق غيره، ما لم يقم على اختصاصه به دليل.

فإن قيل: فقد " ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من مات وعليه دين لا وفاء له "

(1)

، ولم يثبت ذلك في حق غيره؟

فالجواب: أن ذلك منسوخ بما روى أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول: هل ترك لدينه من وفاء؟ فإن حَدث أنه ترك وفاء صلى عليه. وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم. فلما فتح الله عليه الفتوح قام فقال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن توفي من المؤمنين وترك ديناً فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته "

(2)

. أخرجه الترمذي وصححه.

ولم يثبت حكم نسخ الصلاة على الغالّ وقاتل نفسه.

(وإن اختلط) من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه، (أو اشتبه من يصلَّى عليه بغيره) ممن لم تجز الصلاة عليه؛ كما لو اختلط الأموات من المسلمين والكفار ولم يتميزوا، باًن أنه دم عليهم سقف، أو غرقت بهم سفينة ونحو ذلك: (صُلي

(1)

= وأخرجه النسائي في " سننه "(1964) 4: 66 كتاب الجنائز، ترك الصلاة على من قتل نفسه.

() أخرجه الترمذي في " جامعه "(69 0 1) 3: 381 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على المديون.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1070) 3: 382 الموضع السابق. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ص: 76

على الجميع. يُنوى) بالصلاة (من يُصلَّى عليه) أي: من تجب عليه الصلاة منهم، (وغُسّلوا وكُفُّنوا) كلهم؛ لأن الصلاة على المسلمين واجبة. ولا طريق إليها هنا إلا بالصلاة على جمعهم.

ولا تصح الصلاة على الميت إلا بعد غسله وتكفينه مع القدرة على ذلك. فوجب أن يغسلوا ويكفنوا كلهم.

ولا فرق في ذلك بين دار الإسلام وغيرها، ولا بين أن يكثر المسلمون منهم أو يقلوا على المذهب المنصو ص.

وعنه: إن اختلطوا بدار الحرب فلا صلاة تغليباً للدار.

وصفة الصلاة عليهم: أن يصفهم بين يديه ويصلي عليهم دفعة واحدة، وينوي بالصلاة المسلمين منهم.

(و) بعد الصلاة عليهم (إن أمكن عزلهم) عن مقابرنا دفنوا منفردين، (وإلا) أي: وإن لم يكن دفنهم منفردين (دفنوا معاً).

وإن وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر نظر إلى العلامات من الختان والثياب والخضاب. فإن لم تكن عليه علامات وكان في دار الإسلام غسل وصلي عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل ولم يصل عليه. نص عليه أحمد " لأن الأصل أن من كان في دار فهوأهلها. يثبت له حكمهم، ما لم يقم على خلافه دليل.

ولو مات من نعهده ذمياً فشهد عدل أنه مات مسلما لم يحكم بشهادته في توريث قريبه المسلم، وحكم بها في الصلاة عليه، بناء على القول بثبوت هلال رمضان بشاهد واحد.

(وللمصلي) على الجنازة (قيراط) من الأجر. (وهو) أي: القيراط المذكور: (أمر معلوم عند) أهل (الله تعالى.

وله) أي: وللمصلي عليها (بتمام دفنها) أي: دفن الجنازة التي صلى عليها قيراط (آخر)، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله

ص: 77

?

قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؛ قال: مثل الجبلين العظيمين "

(1)

.

ولمسلم: " أصغرهما مثل أحد "

(2)

.

وإنما يكون له قيراطان (بشرط: أن لا يفارقها من الصلاة حتى تُدفن)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: " فكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها "

(3)

. وذكر ابن عقيل في قوله صلى الله عليه وسلم: " فله قيراط " أن نسبته من أجر صاحب المصيبة كنسبة. القيراط من الدرهم مثلاً. والله أعلم.

وسُئل أحمد عمن يذهب إلى مصلى الجنائز فيجلس فيه متصدياً للصلاة على من يحضر من الجنائز؛ فقال: لا بأس.

قال في " الفروع ": وكأنه رأى إذا تبعها من أهلها فهو أفضل

قال في حديث يحيى بن جعدة: " وتبعها من أهلها ". يعني: من صلى على جنازة فتبعها من أهلها فله قيراط. انتهى.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1261) 1: 445 كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(945) 2: 653 كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها.

(2)

أخرجه مسلم في الموضع السابق.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(0396 1) 2: 493.

ص: 78

[فصل: في حمل الجنازة]

(فصل. وحملُها) إلى محل دفنها) فرض كفاية) إجماعاً.

ويكره أخذ الأجرة عليه وعلى الغُسل ونحوه.

قال فى " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. انتهى.

وعنه: لا بأس.

وقيل: يحرم.

(وسن تربيعٌ فيه) أي: في حمل الجنازة. فيسن أن يحملها أربعة؛ لأن التربيع هو الأخذ بقوائم السرير الأربع. ويدل لكون التربيع سنة قول ابن مسعود: " إذا تبع أحدكم جنازة فليأخذ بقوائم السرير الأربع، ثم ليتيطوع بعد أو ليذر "

(1)

. رواه سعيد في " سننه ".

وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وصفة التربيع على الأصح من الروايتين: (بأن يضع) مريدُه (قائمةَ السرير اليسرى المقدمة) في حالة اليسار وهي: التي تلي يمين الميت) على كتفه اليمنى، ثم) يدعها لغيره و (ينتقل إلى) قائمة السرير اليسرى (المؤخرة) فيضعها

(2)

على كتفه اليمنى أيضاً ثم يدعها لغيره، (ثم) يضع قائمة السرير (اليمنى المقدمة) وهي: التي تلي يسار الميت (على كتفه اليسرى، ثم) يدعها لغيره و (ينتقل إلى) قائمة السرير اليمنى (المؤخرة) فيضعها على كتفه اليسرى

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(478 1) 1: 474 كتاب الجنائز، باب ما جاء في شهود الجنائز. وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 19 كتاب الجنازة، باب من حمل الجنازة فدار على جوانبها الأربع.

قال في " الزوائد ": رجال الإسن اد ثقات. لكن الحديث موقوف. حكمه الرفع وأيضاً هو منقطع. فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. قاله أبو حاتم وأبو زرعة وغيرهما.

(2)

ساقط من أ.

ص: 79

?

أيضاً. فتكون البداءة من الجانبين بالرأس، والختام من الجانبين بالرجلين. وهذا المذهب الذي نقله الجماعة عن أحمد.

ونقل حنبل: أنه يبدأ بالرأس ويختم بالرأس. وإنما كانت الصفة الأولى التي في المتن هي المختارة لأكثر الأصحاب، لما فيها من الموافقة لكيفية غسله، حيث يبدأ بشقه الأيمن إلى رجله ثم بالأيسر كذلك. وإنما اختير في كلا

(1)

الصفتين البداءة بالجانب الأيمن من الميت؛ لأن البداءة باليمين أمر مرغّب فيه شرعاً.

(ولا يكره حمل) الجنازة (بين العمودين، كل واحد) أي: كل عمود (على عاتق). نص على ذلك في رواية ابن منصور، وهي المختارة لأكثر الأصحاب.

وعنه: يكره.

والمذهب الأول؛ لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن مالك بين العمودين "

(2)

.

و" أن سعد بن أبي وقاص حمل جنازة عبدالرحمن بن عوف بين العمودين "

(3)

.

[(والجمع بينهما) أي: بين حمل التربيع والحمل بين العمودين](أولى).

قال في " الفروع ": والأولى الجمع بينهما. وزاد في " الرعاية ": إن حمل بين العمودين فمن عند رأسه ثم من عند رجليه.

وفي " المذهب ": من ناحية رجليه لا يصلح إلا التربيع.

(1)

في ج: كلام وهو تصحيف.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 20 كتاب الجنازة، باب من حمل الجنازة فوضع السرير على كأهله بين العمودين المقدمين.

(3)

ساقط من أ.

ص: 80

?

قال أبو حفص وغيره: يكره الازدحام عليه أيهم يحمله، وأنه يكره التربيع إذاً.

وكذا كره الآجري وغيره التربيع إن ازدحموا، وأن قول أبي داود: رأيت أحمد ما لا أحصي يتبعها ولا يحملها يحتمل: الزحام، وإلا فالتربيع أفضل عنده. انتهى.

تنبيه: قال بعض أصحابنا في كلام له على " المحرر ": ظاهر كلام المؤلف أن كيفية الحمل بين العمودين هو: أن يحمل الجنازة رجلان يضع أحدهما كأهله بين العمودين المتقدمين وهما القائمان، والآخر يضع كأهله بين العمودين المؤخرين.

وفي كون هذه الكيفية هي الجائزة في الحمل بين العمودين نظر؛ لأن الواحد المؤخر إن توسط

(1)

بين العمودين لم ير ما بين قدميه.

فلا يهتدي إلى المشي. وإن وضع الميت على رأسه [لم يكن حاملاً بين العمودين، ويؤدي إلى ارتفاع مؤخرة النعش، وتنكيس الميت على رأسه]

(2)

.

فالصواب في كيفية الحمل بين العمودين ما ذكره بعض الفقهاء. وهو: أن يحمل السرير ثلاثة واحد من مقدمه، فيضع العمودين المقدمين على عاتقه ورأسه بينهما، والخشبة المعترضة على كأهله، واثنان من مؤخره، أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الجانب الأيسر، يضع كل منهما عموداً على عاتقه، [فإن لم يستقل المتقدم بالحمل أعأنه رجلان خارج العمودين، يضع كل منهما عموداً على عاتقه]

(3)

. فيصير النعش محمولاً على خمسة. انتهى.

(ولا) يكره حمل الجنازة (بأعمدة للحاجة)؛ كجنازة ابن عمر.

(ولا) يكره حملها أيضاً (على دابة لغرض صحيح)؛ كبُعد قبره في أصح الروايتين.

(1)

في ج: يتو سط.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

ص: 81

?

(ولا) يكره أيضاً (حمل طفل على يديه).

قال في " الفروع ": وظاهر

(1)

كلامهم: لا يحرم حملها على هيئة مزرية،

أُوهيئة يخاف معها سقوطها. ويتوجه احتمال وفاقاً للشافعي. انتهى.

ويستحب ستر نعش المرأة. ذكره جماعة.

قال في " المستوعب ": يستر بالمكبة، ومعناه في " الفصول ".

قال بعضهم: أول من اتُخذ له ذلك زينب أم المؤمنين، ماتت سنه عشرين.

وفي " التلخيص ": لا بأس بجعل المكبة عليها وفوقها ثوب.

قال ابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما: لا بأس بحملها في تأبوت، وكذا من لم يمكن تركه على نعش إلا بمثله؛ كحدب ونحوه.

قال في " الفصول ": المقطّع تلفق أعضاوه بطين حرّ ونفط حتى لا يتبين تشويهه. فإن ضاعت لم يعمل شكلها من طين.

وقال أيضاً: الواجب جمع أعضائه في كفن واحد وقبر واحد.

وقال أبو حفص وغيره: يستحب شد النعش بعمامة.

(وسن مع تعدد) أي: تعدد الموتى (تقديم الأفضل) منهم (أمامَها) أي: أمام الجنائز (في المسير)؛ لأن حق الأفضل أن يكون متبوعاً لا تابعاً.

(و) سن (الإسراع بها) أي: بالجنازة

(2)

، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" أسرعوا بالجنازة. فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم "

(3)

متفق عليه.

ويكون الإسراع بها (دون الخبب). نص عليه؛ لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه مُرّ عليه بجنازة تمخض مخضاً. فقال: عليكم بالقصد في

(1)

في ج: فظاهر.

(2)

في ج: الجنازة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1252) 1: 442 كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(944) 2: 652 كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة.

ص: 82

?

جنائزكم "

(1)

. رواه الإمام أحمد في " المسند ".

ولأن الإسراف في الإسراع يمخضها ويؤذي حاملها ومتبعيها.

ومحل ذلك: (ما لم يخف عليه) أي: على الميت (منه) أي:

من الإسراع.

ويسن اتباع الجنائز؛ لقول البراء: " امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز "

(2)

. متفق عليه.

(و) سن أيضاً (كون ماش) مع الجنازة (أمامَها)؛ لما روى ابن عمر قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة "

(3)

. رواه أبو داود والترمذي. وعن انس نحوه

(4)

. رواه ابن ماجه.

ولأنه م شفعاء. بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من ميت يُصلي عليه أُمَّة من المسلمين يبلغون مائة كُلهم يشفَعون له

(5)

إلا شُفِّعوا فيه "

(6)

. رواه مسلم. والشفيع: يتقدم المشفوع له.

(و) سن كون (راكب ولو) كان راكباً (سفينة خلفها)، لما روى المغيرة ابن شعبة مرفوعاً:" الراكب خلف الجنازة "

(7)

. رواه الترمذي. وقال: حسن صحيح.

ولأن سير الراكب أمامها يؤذي متبعها.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(19562) 4: 406.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1182) 1: 417 كتاب الجنائز، باب الأمر بإتباع الجنائز.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2066) 3: 1635 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء. . . -

(3)

أخرجه أبو داود قي " سننه "(3184) 3: 206 كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(07 0 1) 3: 329 كتاب الجنائز، باب ما جاء في المشي أمام الجنازة.

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1483) 1: 475 كتاب الجنائز، باب ما جاءفي المشي أمام الجنازة.

(5)

ساقط من أ.

(6)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(947) 2: 654 كتاب الجنائز، باب من صلى عليه مائة شفعوا فيه.

(7)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1031) 3: 349 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال.

ص: 83

وقال المجد: يكره أمامها.

(وقربٌ) يعني: أن قرب متبع الجنازة (منها أفضل) من بعده عنها.

قال الخطابي في الراكب: لا أعلمهم اختلفوا في أنه يكون خلفها " الراكب يمشي خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها "

(1)

. رواه أبوداود والترمذي.

(وكره) لمتبع الجنازة (ركوب لغير حاجة)؛ كمرض، (و) لغير (عَوْد).

أما إباحة الركوب للحاجة؛ فظاهر.

وأما للعود؛ فلما روى جابر بن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع جنازة ابن الدحداح ماشياً ورجع على فرس "

(2)

. قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

(و) كره (تقدُّمُها) أي: أن يتقدم الجنازة (إلى موضع الصلاة) عليها.

(لا) تقدمها (إلى المقبرة) فأنه لا يكره.

(و) كره (جلوس من يتبُعها حتى توضع بالأرض للدفن). نص عليه، ونقله الجماعة.

وعنه: للصلاة.

وعنه: في اللحد؛ لاختلاف الخبر.

وعنه: لا يكره.

والأول المذهب. وبه قال الحسن بن علي وابن عمر وأبو هريرة وابن الزبير وأبو موسى الأشعري والنخعي والشعبي والأوزاعي وإسحاق.

ووجهه: ما روى مسلم بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3180) 3: 205 كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1031) 3: 349 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(14 0 1) 3: 334 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في ذلك.

ص: 84

?

" إذا اتبعتم الجنائز

(1)

فلا تجلسوا حتى توضع "

(2)

.

قال أبو داود: وروى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريره قال فيه: " حتى توضع بالأرض "

(3)

.

وهذا الحكم لمن قرب من الجنازة. ولهذا قلت: (إلا لمن بَعُد)؛ لما في انتظار البعيد عنها قائما حتى تصل إليه من المشقة والحرج.

(و) يكره (قيام لها) أي: للجنازة (إن جاءت أو مرت به وهو جالس)؛

لأن الأمر بالقيام لها منسوخ، وتركه آخر الأمرين من النبي صص ص. بدليل ما روى مسعود بن الحكم عن علي قال:" رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا [تبعاً له]، وقعد فقعدنا [تبعا له]. يعني: في الجنازة "

(4)

. رواه مسلم وأحمد.

وعن ابن سيرين قال: " مُرَّ بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس. فقال الحسن لابن عباس: أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن عباس: قام ثم قعد "

(5)

. رواه النسائي.

(و) كره أيضاً (رفع الصوت معها) أي: مع الجنازة (ولو) كان رفع الصوت (بقراءة).

قال في " الفروع ": اتفاقاً. قاله شيخنا، وحرمه جماعة من الحنفية وغيرهم. انتهى.

ثم قال: وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له ونحوه بدعة عند أحمد، وكرهه وحرمه أبو حف ص. نقل ابن منصور: ما يعجبني.

وروى سعيد " أن ابن عمر وسعيد بن جبير قالا

(6)

لقائل ذلك: لا غفر الله

(1)

في أ: الجنازة.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(959) 2: 660 كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة

(3)

أخرجه أبوداود في " سننه "(3173) 3: 03 2 كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(962) 2: 662 كتاب الجنائز، باب نسخ القيام للجنازة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(631) 1: 83 وما بين الأقواس سقط من أ.

(5)

أخرجه النسائي في " سننه "(1925) 4: 46 كتاب الجنائز، الرخصة في ترك القيام.

(6)

في ج: جبيرة قال

ص: 85

?

لك "

(1)

. انتهى.

قال صاحب " المحرر ": ولم ينقك عن صحابي ولا تابعي خلافه.

وأما ما روي عن أنس " أنه شهد جنازة أنصاري فعرضوا له بالاستغفار فلم ينكره "، فلا يعأرض صريح القول بالكراهة؛ لما بين التصريح والتعريض من الفرق.

(و) كره أيضاً (أن تَتْبعها) أي: الجنازة (امرأة) على المذهب.

وقيل: يحرم.

ووجه المذهب: ما ثبت في " الصحيحين " عن أم عطية أنه اقالت: " نُهيناعن أتباع الجنائز، ولم يُعْزَمْ علينا "

(2)

. وهذه الصفة تقتضي رفعه للنبي لما تقرر في الأصول.

ومعنى: " ولم يُعْزَمْ علينا " أي: لم يحتم علينا ترك اتباعها، بل نهينا نهي تنزيه.

(وحرُم أن يتْبَِعها) أي: يتبع الجنازة (مع منكر) نحو: طبل، أو نَوح، أو لطم، أو تصفيق انسان (عاجز عن إزالته) على الصحيح من المذهب. نص عليه.

(ويلزم القادر) على أن يزيله إزالته. ولا يترك اتباعها من أجل المنكر.

***

(1)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(192 1 1) 2: 474 كتاب الجنائز، ما قالوا في الرجل يقول خلف الميت: استغفروا له يغفر الله لكم. عن سعيد بن جبير.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1219) 1: 429 كتاب الجنائز، باب اتباع النساء الجنائز.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(938) 2: 646 كتاب الجنائز، باب نهي النساء عن اتباع الجنائز.

ص: 86

?

[فصل: في دفن الميت]

(فصل. ودفنه فرض كفاية) وهو: إكرام الميت. فأنه لو ترك لأنتن، وتاًذى الناس بريحه، واستقذر، وربما أكلته الوحوش. وقد أرشد الله سبحأنه وتعالى قابيل إلى دفن أخيه هابيل، وأبان ذلك: ببعث غراب يبحث في الأرض؛ لتعريفه الدفن. قال الله سبحأنه وتعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ} [المائده: 31].

وقال سبحأنه وتعالى: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلاًت: 25 - 26] أي: جامعة للأحياء في ظهرها بالمساكن، والأموات في بطنها بالقبور. والكَفْت: الجمع.

وقال سبحأنه وتعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21]. قال ابن عباس: معناه: أكرمه بدفنه.

(ويسقط) دفن (وتكفين وحمل) الميت (بـ) فعل (كافر)؛ لأن فاعل كلُ من ذلك لا يختص بكونه من أهل القرية.

(ويقدَّم بتكفين من) قلنا: (يقدَّم بغسل) الميت. (ونائبْه) أي: نائب من يقوم بذلك (كهو) فيقدم النائب على من يقدم عليه مستنيبه.

(والأولى تولِّيه) أي: أن يتولى من هو مقدم بذلك الشيء (بنفسه) دون نائبه.

(و) يقدَّم (بدفن رجل من يقدم بغسله)" لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألحده العباس وعلي وأسامة "

(1)

. رواه أبو داود.

وكانوا هم الذين تولوا غسله.

ولأن المقدم بغسله أقرب إلى ستر أحواله، وقلة الاطلاع عليه.

(1)

أخرجه أبو داود في " سنته "(3209) 3: 213 كتاب الجنائز، باب كم يدخل القبر.

ص: 87

(ثم بعد الأجانب) يعني: أن المقدم بدفنه بعد المقدم بغسله الرجال

الأجانب. ثم يقدم بدفن الميت بعد الرجال الأجانب (محارمُه) أي: محارم

الميت (من النساء). فإن عدم محارمه من النساء (فالأجنبيات) للحاجة إلى دفنه وعدم غيرهن.

(و) يقدم (بدفن امرأة محارمها الرجال) الأقرب فالأقرب؛ " لأن امرأة

عمر لما توفيت قال لأهلها: أنتم

(1)

أحق بها "

(2)

.

ولأن محرمها أولى الناس بولأيتها في الحياة. فكذلك بعد الموت.

فإن عُدموا (فزوج)؛ لأنه أشبه بمحرمها من النسب من الأجانب.

فإن عدم الزوج (فأجانب) أي: فالرجال الأجانب في أصح الروايتين؛

لأن النساء يضعفن عن إدخال الميت القبر.

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها وهو أجنبي "

(3)

.

ومعلوم: أن محارمها كن هناك؛ كأختها فاطمة.

ولأن تولي النساء لذلك لو كان مشروعاً لفعل في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر خلفاته.

ولأن الجنازة يحضرها جموع الرجال غالباً. وفي نزول النساء القبر بين

أيديهن تعريض لهن بالتهتك والتكشف بحضرة الرجال.

فإن عدم الرجال (فمحارمُها) أي: محارم الميتة (النساء) الأقرب فالأقرب منهن كما قلنا في الرجال.

(ويقدم من رجال) أجانب

(4)

(خصي، فشيخ، فأفضل ديناً ومعر فة. ومن

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(10984) 2: 456 كتاب الجنائز، في الرجل يغسل امرأته. ولفظه:". . . فأنتم أولى بها ".

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1225) 1: 432 كتاب الجنائز، وما يرخص من البكاء في غير نوح.

(4)

في أ: الميتة.

ص: 88

بَعُد عهده بجماع أولى ممن قََرُب) عهده بالجماع.

ولا يكره للرجال الأجانب دفن امرأة مع حضور محرم لها. نص عليه.

قال في " الفروع ": ويتوجه احتمال يحملها من المغتسل إلى النعش، ويسلمها إلى من في القبر، ويحل عقد الكفن. وقاله الشافعي في " الأم " وبعض أصحابه. انتهى.

(وكُره) دفن الموتى (عند طلوع الشمس وقيامها وغروبها)، لقول عقبة:" ثلاث ساعات كان النبى صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتاناً: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة [حتى تميل الشمس]، وحين " [تَضَيََّفُ الشُمس للغروب حتى تغرب "

(1)

. رواه مسلم.

ومعنى: تضيّف أي: تجنح وتميل للغروب من قولك]

(2)

: تضيفت فلاناً إذا ملت إليه.

فأما في غير هذه الأوقات فيباح الدفن ليلاُ ونهاراً.

قال أحمد في الدفن في الليل: لا بأس بذلك، " أبو بكر. دفن. ليلاُ "

(3)

، و " علي دفَنَ فاطمة ليلاُ "

(4)

.

وعنه: أنه يكره الدفن ليلاُ.

والأول المذهب.

ووجهه: ما ذكرنا من فعل الصحابة. وروى ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل وأحداً فأُسرج له سراج. فأُخذ من قبل القبلة وقال: رحمك الله لِلَّهِ إن كنت لأوَّاهاً تلاّءّ للقرآن "

(5)

. قال الترمذي: حديث حسن.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(831) 2: 568 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها. وما بين الحاصرتين زيادة من " الصحيح "

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 31 كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنائز ودفن الموتى. . .

(4)

أخرجه البيهقى في الموضع السابق.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1057) 3: 372 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدفن بالليل.

ص: 89

ولأن الليل أحد الزمانين. فجاز الدفن فيه؛ كالنهار.

وما روى مسلم من " أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلاُ. فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل، إلا أن يضطر أنسان إلى ذلك "

(1)

، فمحمول على التأديب

(2)

.

والدفن بالنهار أولى؛ لأنه أسهل على متبعى الجنازة، وأكثر للمصلين

عليها، وأمكن لاتباع السنة في دفنه وإلحاده.

(ولَحد) أفضل من شِقّ وهو بفتح اللام، والضم لغة، وأصله الميل.

وصفته: أن يحفر في أسفل حائط القبر حفرة تسع الميت. والشِقّ: أن يحفر وسط القبر؛ كالنهر. ويبنى جانباه.

(وكونه) أي: اللحد (مما يلي القبلة) أفضل من كونه مما يقابل القبلة.

فالذي مما يلي القبلة يكون ظهره إلى جهة ملحده، والذي لا يلي

(3)

القبلة يكون وجهه إلى جهة ملحده؛ لأنه يكون في الحالتين على جنبه الأيمن مستقبل القبلة.

(ونصبُ لَبِنٍ) وهو: ما ضرب من الطين مربعاً للبناء (عليه) أي: على اللحد (أفضل) من نصب الحجارة عليه.

ووجه كون اللحد أفضل من الشق: ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في مرضه الذي مات فيه: " الحدوا لي لحداً، وانصبوا عليََّ اللبن نصباً كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم "

(4)

.

(وكُره شقً بلا عذر) كما لو تعذر اللحد؛ لكون التراب ينهال

(5)

، ولا

يمكن دفع ذلك بنصب لَبِن أو حجارة. وإن أمكن أن يجعل فيها شبه اللحد من

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(943) 2: 651 كتاب الجنائز، باب فى تحسين كفن الميت.

(2)

في ج؛ التأبيد.

(3)

في أ: والذي مما يقابل.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(966) 2: 665 كتاب الجنائز، باب في اللحد ونصب اللبن على الميت.

(5)

فى أ: ينهار.

ص: 90

الجنادل واللبن جعل. نص عليه، ولم يعدل إلى الشق.

قال أحمد: لا أحب الشق؛ لما روي في الحديث: " اللحد لنا والشق لغيرنا "

(1)

. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما. لكنه ضعيف.

(و) كره أيضاً (إدخالُه) أي: إدخال القبر (خشباً - إلا لضرورة- وما) أي: وشيئًا (مسته نار)؛ كالآجُر.

(ودفن في تابوت ولو امراة)؛ لقول إبراهيم النخعي: " كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب "

(2)

. ولا يستحبون الدفن في تابوت؛ لأنه خشب. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وفيه تشبه بأهل الدنيا، والأرض أنشف لفضلاته. ومنع ما مسته النار تفاؤلاً أن لا يمس الميت نار.

(وسن أن يعمَّق ويوسَع قبر بلا حد)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: " احفروا وأوسعوا

(3)

وعمقوا "

(4)

. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ولأن تعميق القبر أنفى لظهور الرائحة التي يستضر بها الأحياء، وأبعد لقدرة الوحش على نبشه، وآكد لستر الميت.

وأعلم أن التوسيع هو: الزيادة في الطول والعرض؛ لما روى " أنه صلى الله عليه وسلم قال لحفار: أوسع من قبل الرأس ومن قبل الرجلين "

(5)

.

وأما التعميق فهو: الزيادة في النزول، وهو بالعين المهملة كما قاله الجوهري. وكون ذلك بلا حد هو المذهب المنصوص نظراُ لظاهر الحديث.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3208) 3: 213 كتاب الجنائز، باب في اللحد.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1045) 3: 363 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:" اللحد لنا والشق لغيرنا ". قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2009) 4: 80 كتاب الجنائز، باب اللحد والشق.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11769) 3: 27 كخاب الجنائز، في تجصيص القبر والأجر يجعل له.

(3)

() في ج: وسعوا.

(4)

سيأتي تخريجه ص (108) رقم (3).

(5)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 414 كتاب الجنائز، باب ما يستحب من اتساع القبر وإعماقه.

ص: 91

وعنه: يسن إلى الصدر.

وعنه: قامة وبسطة. وهي بسط يده قائمة. واختاره الأكثر.

(ويكفي ما) أي: تعميق (يمنع السباع والرائحة). فمتى حصل ذلك فقد حصل المقصود، ولم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدير. فيرجع فيه إلى ما يحصل المقصود. ولا فرق في ذلك بين قبر الرجل والمرأة.

(و) سن (إن يسجَّى) أي: يغطى القبر (لأتتى وختتى)، لأن المرأة عورة، والخنثى يحتمل كونه امرأة.

ولأنه لا يؤمن أن يبدو من المرأة شيء فيراه الحاضرون.

ولأن بناء أمرها على الستر، ولهذا يستحب ان يوضع على نعشها ما يسترها حال حملها، من مكبة، أو قبة، أو خيمة.

قال الموفق: لا نعلم في استحباب تغطية قبر المرأة خلافاً بين أهل العلم.

(وكُره) تغطية القبر (لرجل إلا لعذر) من مطر أو نحوه. نص عليه؛ لما روي عن علي " أنه مرَّ بقوم وقد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: إنما يصنع هذا بالنساء "

(1)

.

ولأن مبنى حال الرجال على الانكشاف.

ولأن كشفه أبعد من التشبه بالنساء، مع ما فيه من اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(و) سن (إن يُدْخَلَه) أي: يدخل القبر (ميت من عند رجليه)[أي: رجلي القبر]

(2)

. وذلك: أن توضع الجنازة آخر القبر، ليكون رأس الميت عند الموضع الذي تكون فيه رجلاه إذا دفن، ثم يسل الواقف في القبر الميت [سلاً

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 54 كتاب الجنائز، باب ما روي في ستر القبر بثوب.

(2)

ساقط من أ.

ص: 92

رفيقاً فيوضع في اللحد. وهذا المذهب؛ لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم سُلَّ]

(1)

من قبل رأسه "

(2)

. أخرجه الشافعي في " الأم " والبيهقي بإسناد صحيح.

وعن عبدالله بن زيد الأنصاري " أنه صلى على جنازة، ثم أدخله القبر من عند رجل القبر وقال: هذا من السنة "

(3)

. رواه أبو داود والبيهقي وصححه.

ومحل استحباب ذلك: (إن كان أسهل) إذ المقصود الرفق بالميت.

(وإلا) أي: وإن لم يكن إدخال الميت القبر من عند رجله أسهل (فـ) يدخله (من حيث) أي: من أيّ محل (سهُل) إدخاله منه، (ثم) إن استوت الكيفيات في السهولة فـ (سواء) أي: فلا تترجح إحدى الكيفيات على الأخرى.

(ومن مات بسفينة) فأنه (يُلقى في البحر سَلاَّ؛ كإدخاله القبر) بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه، وبعدما يُثقّلونه بشيء؛ ليستقر في قرار البحر. نص عليه.

ومحل ذلك: إن لم يكونوا بقرب الساحل. فإن كانوا بقرب الساحل وأمكنهم دفنه فيه وجب.

(و) سن (قول مُدخِله) أي: يسن لمن يدخل الميت القبر أن يقول: (بسم الله، وعلى ملة رسول الله)، لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وضعتم موتاكم في القبر فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

"

(5)

. رواه أحمد.

وفي لفظ: " كان إذا وضع الميت في القبر قال: بسم الله وعلى سنة

(6)

رسول الله "

(7)

. رواه الخمسة إلا النسائي.

(1)

ساقط من أ.

(2)

() أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 54 كتاب الجنائز، باب من قال: يسل الميت من قبل رجل القبر.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3211) 3: 213 كتاب الجنائز، باب في الميت يدخل من قبل رجليه. وأخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(4)

زيادة من أ.

(5)

أخرجه أحمد فى " مسنده "(4812) 2: 27.

(6)

في ج ملة.

(7)

أخرجه أبو داود في " سننه؟ (3213) 3: 214 كتاب الجنائز، باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره.

ص: 93

?

ومهما أتى به من ذكر أو دعاء عند وضعه وإلحاده وتسوية اللبن عليه مما يليق بالحال، فلا بأس به.

قال سعيد بن المسيب: " حضرتُ ابن عمر في جنازة. فلما وضعها في اللحد قال: بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله. فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال: اللهم لِلَّهِ أجِرْها من الشيطان ومن عذابِ القبرِ. اللهم لِلَّهِ جافِ الأرض عن جَنبيها، وصعّد روحَها، ولقِّها منكَ رضواناً. وقال ابن عمر: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(1)

. رواه ابن ماجه.

وعن بلال: " أنه دخل مع أبي بكر في قبر. فلما خرج قيل لبلال: ما قال؛ قال: أسلَمَه إليك الأهل والمال والعشيرة. والذنب العظيم وأنت غفور رحيم، فاغفر له "

(2)

. رواه سعيد.

(و) سن (أن يُلحِدَه على شقه الأيمن)؛ لأنه يشبه النائم، والنائم سن ته النوم على جنبه الأيمن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للبراء:" إذا أتيت مضجعك فتوضأ ثم اضطجع على جنبك الأيمن "

(3)

.

(و) سن أيضاً أن يجعل (تحت رأسه)[أي: الميت]

(4)

(لَبِنة). فإن لم

(1)

= وأخر جه الترمذي في " جامعه "(1046) 3: 364 كتاب الجنائز، باب ما يقول إذا أدخل الميت القبر.

وأخرجه ابن ماجه. في " سننه "(1550) 1: 494 كتاب الجنائز، باب ما جاء في إدخال الميت القبر.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(5233) 2: 9 5.

() أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1553) 1: 495 كتاب الجنائز، باب ما جاء في إدخال الميت القبر. قال في " الزوائد ": في إسناده حماد بن عبدالرحمن، وهو متفق على تضعيفه.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج عبدالرزاق في " مصنفه "" أن عمر إذا سوى على الميت قبره قال: اللهم لِلَّهِ أسلمه إليك الأهل والمال والعشيرة وذنبه عظيم فاغفر له "(6505) 3: 509 كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت حين يفرغ منه.

وأخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(11696) 3: 20 كتاب الجنائز، ما قالوا إذا وضع الميت في قبره.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 56 كتاب الجنائز، باب ما يقال يعد الدفن.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(5046) 4: 311 كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم.

(4)

ساقط من أ.

ص: 94

توجد وُضع حجر، فإن عدم وُضع تحت رأسه قليل من تراب؛ لأن هيئته بوضع ذلك أحسن من أن يكون رأسه مائلا.

ولأن في ذلك شبها "

(1)

بالمخدّة للحي.

وعلم مما تقدم: أنه لا يوضع تحت رأسه آجرة؛ لأنها

(2)

مما مسته النار. ويُفضى بخده الأيمن إلى الأرض باًن يزال الكفن عنه

(3)

، ويلصق بالأرض؛ لأنه أبلغ في الاستكانة والتضرع؛ لقول عمر:" إذا أنا مت فأفضوا بخدي إلى الأرض ".

(ومموه مخدة) أي: يكره ان يجعل تحت رأسه مخدة. نص أحمد على ذلك؛ لأنه لم ينقل عن أحد من السلف.

(و) تكره (مضرَّبة وقطيفة تحته).

قال أحمد: أحب. أن تجعلوا في الأرض مضربة.

ولأنه روي عن ابن عباس " أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شيء "

(4)

. ذكره الترمذي.

وعن أبي موسى قال: " لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئًا ".

" والقطيفة التي وضعت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وضعها شقران "

(5)

، ولم يكن ذلك باتفاق

(6)

من الصحابة.

(أو أن يُجعل فيه) أي: في القبر (حديد) أو نحوه، (ولو أن الأرض?

(1)

في ج: شبه.

(2)

في ج: لأنه.

(3)

ساقط من أ.

(4)

ذكره الترمذي في " جامعه " تعليقاً 3: 366 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت في القبر.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(47 10) 3: 365 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت في القبر. قال الترمذي: حديث حسن غريب.

(6)

في أ: عن اتفاق.

ص: 95

رخوة) يعني: أنه كما يكره أن يجعل فى القبر مضربة أو قطيفة يكره أن يجعل تحت الميت حديد أو رصا ص أو غيرهما.

وعنه: لا بأس بالقطيفة ونحوها من علة.

وعنه: مطلقاً.

وقيل: تستحب القطيفة؛ لفعل شقران.

(ويجب أن يُستقبل به) أي: بالميت (القبلة)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة: " قبلتكم أحياء وأمواتاً "

(1)

.

ولأن ذلك طريقة

(2)

المسلمين بنقل الخلف عن السلف.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا دفن.

وما في المتن هو المذهب.

وعند صاحب " الخلاصة " و " المحرر ": يستحب كجنبه الأيمن.

وينبغي أن يدنى من الحائط؛ لئلا ينكب على وجهه، وأن يسن د من وراءه بتراب؛ لئلا ينقلب.

ثم يشرح اللحد باللبن؛ لقول سعد: " انصبوا عليَّ اللبن كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم "

(3)

.

ويتعاهد خلال اللبن بسدّه بالمدر ونحوه، ثم يطين فوق ذلك؛ لئلا ينتخل عليه التراب. وقد روي عن أبي أمامة قال:" لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللحد قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]. فلما بنى عليها لحدها، طفق يطرح إليهم الحبوب ويقول: سدوا خلال اللبن. ثم قال: ليس هذا بشيء، ولكنه يطيب نفس الحى "

(4)

. رواه أحمد فى " مسنده ".

والحبوب، جمع حبوبة وهي: المدر.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(5 7 28) 3: 115 كتاب الوصأيا، باب ما جاء في التشديد فى أكل مال اليتيم.

(2)

في ج: طريق.

(3)

سبق تخريجه ص (90) رقم (4).

(4)

أخرجه أحمد فى " مسنده ") 22241) 5: 254.

ص: 96

وعن جابر بن عبدالله " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في قبر ابنه حجراً فأمر بسله، ثم قال: أنه لا ينفع الميت ولكن يسلي بنفس المصاب ". رواه الخلال في " جامعه ". (وسن حثو التراب عليه) أي: على الميت (ثلاثاً) أي: ثلاث حثيات (باليد، ثم يُهال) عليه التراب، لما روى أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً "

(1)

. رواه ابن ماجه. وعن عامر بن ربيعة " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عثمان بن مظعون فكبر عليه أربعاً وأتى القبر، فحثى عليه ثلاث حثيات وهو قائم عند رأسه "

(2)

. روأه الدارقطني.

ولأن مواراته فرض

(3)

، وبالحثي يصير ممن شارك فيها. وفي ذلك أقوى عبرة وتذكار فاستحب لذلك.

(و) سن أيضاً (تلقينُه) أي: تلقين الميت عند الأكثر، لما روى أبو أمامة البأهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب. فليقم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة. فأنه يسمع ولا يجيب، ثم لمقل: يا فلان ابن

(4)

فلانة ثانية. فأنه يستوي قاعداً، ثم ليقل: يا فلان ابن

(5)

فلانة فأنه يقول: أرشدنا يرحمك الله. ولكن لا تسمعون فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماًُ. فإن منكراً ونكيراً يقولان: ما يُقعدنا عنده

(6)

وقد لقن حجته. فقال رجل: يا رسول الله لِلَّهِ فإن لم يعرف اسم أمه؛ قال: فلينسبه إلى حواء "

(7)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1565) 1: 499 كتاب الجنائز، باب ما جاء في حثو التراب في القبر.

(2)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(1) 2: 76 كتاب الجنائز، باب حثي التراب على الميت.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في ج: يا ابن.

(5)

مثل السابق.

(6)

في أ: عند هذا.

(7)

أخرجه الطبرانى قي الكيير (7979) 8: 98 2.

ص: 97

قال أبو الخطاب: هذا الحديث رواه أبو بكر عبدالعزيز في " الشافي ". وقال الأثرم: قلت لأبي عبدالله: هذا الذي يصنعون إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة، اذكر ما فارقت عليه: شهادة أن لا إله إلا الله فقال: ما رأيت أحداً نقل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة، جاء أنساً فقال ذاك. وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم: أنه م كانوا يفعلونه.

قال في " شرح الهداية ": وممن يرى

(1)

تلقين الميت كأصحابنا. أصحاب الشافعي فيما ذكر بعض المتأخرين منهم فقال: يجوز تلقين الميت في لحده، وعند احتضاره عندنا خلافاً للمعتزلة فإنهم لم يجوزوه بعد الموت. وأحتج عليهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لقنوا موتاكم لا إله إلا الله "

(2)

. وهذا اللفظ يتناول حقيقة من قد مات دون من سيموت. فيحمل عليهما أو على الحقيقة. أما على المجاز وحده فعلى خلاف الظاهر.

فإذا تقرر هذا فهل يلقن الصغير؟ قال أبو حكيم النهروانى: يلقن، لعموم الخبر.

ولأنه محكوم بإسلامه، فأشبه المكلف. وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب.

وقال ابن عقيل: إنما يلقن إذا كان كبيراً، لأن ظاهر الأخبار في مُسائلة منكر ونكير أنها تختص بالمكلفين. وهذا قياس قول القاضي، لأنه ذكر: أن الصبيان والمجانين آمنون من مسائلة منكر ونكير. انتهى كلامه في " شرح الهداية ". (و) يسن أيضاً (الدعاء له) أي: للميت (بعد الدفن عند القبر). نص عليه وقال: قد فعله علي والأحنف بن قيس

(3)

، وذلك لما روي عن عثمان بن عفان قال:" كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم وأسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل "

(4)

. رواه أبو داود.

(1)

في ج: ير وي.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(916) 2: 631 كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى: لا إله إلا الله.

(3)

زياده لفظ: انتهى من أ.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3221) 3: 215 كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف.

ص: 98

?

وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على القبر بعدما يسوى عليه فيقول: اللهم لِلَّهِ نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا خلف ظهره. اللهم لِلَّهِ ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به ". رواه سعيد في " سننه ".

والأخبار بنحو ذلك كثيرة.

وقال أكثر المفسرين في قوله سبحأنه وتعالى عن المنافقين: {وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [التوبة: 84] معناه: بالدعاء له والاستغفار بعد الفراغ من

دفنه. فيدل على

(1)

أن ذلك كان عادة النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين.

ونقل محمد بن حبيب النجار

(2)

قال: كنت مع أحمد بن حنبل في جنازة فأخذ بيدي فقمنا ناحية. فلما فرغ الناس من دفنه وانقضى الدفن جاء إلى القبر وأخذ بيدي، وجلس ووضع يده على القبر وقال: اللهم لِلَّهِ إنك

(3)

قلت في كتابك: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * [فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ]}

(4)

[الواقعة: 88 ـ 89] وقرأ إلى آخر السورة ثم قال: اللهم لِلَّهِ إنا نشهد أن هذا فلان بن فلان ما كذب بك، ولقد كان يؤمن بك وبرسولك. اللهم لِلَّهِ فاقبل شهادتنا له. ودعا له وانصرف.

(و) سن أيضاً (رشُه) أي: رشزب القبر (بماء)؛ لما روى جعفر بن محمد عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم رَشَّ على قبر ابنه إبراهيم ماء، ووضع عليه حَصْباء "

(5)

. رواه الشافعي.

ولأن الرش أثبت له وأبعد لدروسه، ووضع الحصباء أمنع لترابه من أن تذهبه الرياح. والحصباء: صغار الحصى.

(و) سن (رفعُه) أي: رفع القبر عن

(6)

الأرض (قدر شبر)؛ ليعرف أنه

(1)

في ب: عليه.

(2)

ساقط من أ.

() في أ: التمار.

(3)

زيادة لفظ: قد من أ.

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(599) 1: 215 كتاب الصلاة، باب في صلاة الجنائز وأحكامها.

(6)

في ج: على.

ص: 99

قبر فيتوقى، ويترحم على صاحبه.

وقد روى الشافعي عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفع قبره عن الأرض قدر شبر "

(1)

.

وروى القاسم بن محمد قال: " قلت لعائشة: يا أُمَّهْ لِلَّهِ اكشفي لي عن قبر رسول الله وصاحبيه. فكشفت لى عن ثلاثة قبور، لا مُشْرِفة ولا لاطِئَة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء "

(2)

. رواه أبو داود.

(وكره) رفعه (فوقُه) أي: فوق الشبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: " لا تدعْ تمثالاً إلا طَمَسْتَه، ولا وأحداً مُشْرفاً إلا سوَيته "

(3)

.

(4)

رواه مسلم وغيره.

والمُشْرف: ما رفع كثيراً؛ بدليل قول القاسم في صفة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله تعالى عنهما: " لا مُشْرفَة ولا لاطِئة ".

(و) كره أيضاً (زيادة ترابه) أي: تراب القبر من غيره. نص عليه؛ لما روى جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبنى على القبر أو يزاد عليه "

(5)

. رواه النسائي وأبو داود.

وعن عقبة بن عامر قال: " لا يجعل على القبر من التراب أكثر مما خرج منه حين حفر ". رواه أحمد بإسناده في رواية ابنه عبدالله.

ولأن العادة أن يفضل من التراب عن مساواة الأرض لمكان الميت من القبر ما يكفي لسن هـ التسن يم. فلا حاجة إلى الزيادة.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 410 كتاب الجنائز، باب لا يزاد في القبر على أكث مرن ترابه لئلا يرتفع جداً.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3220) 3: 215 كتاب الجنائز، باب في تسوية القبر.

(3)

في ج: ساويته.

(4)

() أخرجه مسلم في " صحيحه "(969) 2: 666 كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر.

وأخرجه أبو داود في " سن ئه "(3218) 3: 215 كتاب الجنائز، باب فى تسوية القبر.

وأخرجه الترمذى قي " جامعه "(1049) 3: 366 كتاب الجنائز، باب ما جاء في تسوية القبور.

(5)

أخرجه أبو داود قي " سننه "(3226) 3: 216 كتاب الجتائز، باب في البناء على القبر.

وأخرجه النسائي في " سننه "(27 0 2) 4: 86 كتاب الجنائز، الزيادة على القبر.

ص: 100

(و) كره أيضاً (تزويقُه) أي: تزويق القبر، (وتخليقُه ونحوه) كدهنه؛ لأن ذلك كله بدعة لم

(1)

يرد بها الشرع.

(و) كره أيضاً (تجصيصُه) وهو: تبييضه

(2)

بالجص، (واتكاء عليه، ومبيت) عنده، (وحديث في أمر الدنيا، وتبسّْم عنده، وضحكٌ أشد) من التبسم، (وكتابة) على القبر، (وجلوس ووطء وبناء) عليه؛ لما روى جابر قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه "

(3)

. رواه مسلم والترمذي. وزاد: " وأن يكتب عليه "

(4)

. وقال: حديث حسن صحيح.

وروى أبو مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها "

(5)

. رواه مسلم.

وروي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد اتكاً على قبر فقال: لا تؤذ

(6)

صاحب القبر "

(7)

.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يجلس احدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر مسلم "

(8)

. رواه مسلم.

(1)

في أ: ولم.

(2)

في ج: تبيضه.

(3)

() أخرجه مسلم في " صحيحه "(970) 2: 667 كتاب الجنائز، النهى عن تجصيص القبر والبناء عليه.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(52 0 1) 3: 368 كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها.

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(972) 2: 668 كتاب الجنائز، النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه.

(6)

في ج: تؤذوا.

(7)

أخرجه الحاكم في " المستدرك "(20 65) 3: 1 68 كتاب معرفة الصحابه، ذكر عمارة بن حزم الأنصاري رضي الله عنه.

(8)

أخرجه مسلم قى " صحيحه "(1 97) 2: 667 كتاب الجنائز، النهى عن الجلوس على القبر والصلاة عليه.

ص: 101

(و) يكره (مشيٌ عليه) أي: على القبر (بنعل حتى بالتُمُشْكِ بضم التاء والميم وسكون الشين)، نوع من النعال وجمعه: تمشكات.

قال الخطابي: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور.

(وسن خلعُه) أي: خلع النعل إذا احتاج إلى المشي على القبور

(1)

. (إلا خوف نجاسة، و) خوف (شوك ونحوه) مما يتأذى به؛ كسخونة الأرض وحروريتها؛ لما روى بشير بن الخصَاصِية قال: " بينما أنا أُماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان. فقال له: يا صاحب السَّبِتيَّتين ألق سِبْتيتِيَّك. فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما "

(2)

. رواه أبو داود. وقال أحمد: إسناده جيد.

ولأن خلع النعلين أقرب إلى الخشوع، وزي أهل التواضع، واحترام أموات المسلمين.

وأما كون ذلك لا يكره مع خوف النجاسة أو الشوك ونحو ذلك؛ لأن ذلك عذر والعذر يمنع الوجوب في بعض الأحوال. فهنا أولى.

ولا يدخل في ذلك نزع الخفاف؛ لأنه يشق.

وقد روي عن أحمد: أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه.

(ولا بأس بتطيينه) أي: تطيين القبر فيباح في الأصح؛ لما روى عبدالعزيز ابن محمد الدراوردي

(3)

عن جعفر بن محمد عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفع قبره عن الأرض شبراً، وَطُيِّنَ بطين أحمر من العرصة، وجعل عليه من الحصباء "

(4)

. ولأن زينة التطيين دون زينة التجصيص.

(1)

في ج: قبور.

(2)

أخرجه أبو داود فى "سننه"(3230) 3:217 كتاب الجنائز، باب المشى فى النعل بين القبور.

وأخرجه أحمد فى "مسنده"(20805) 84:5.

(3)

في ج: الداراوردي

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 411 كتاب الجنائز، باب لا يزاد في القبر على أكثر من ترابه لئلا يرتفع جداً.

ص: 102

(و) لا بأس بـ (تعليمه بحجر أو خشبة ونحوهما، وبلوح). نص أحمد على إباحة تعليم القبر؛ لما روى أبو داود بإسناد عن المطلب قال: " لما مات عثمان بن مظعون أُخْرج بجنازته فدفن. أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأيته بحجر فلم نستطع حمله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر عن ذراعيه فحملها فوضعها عند رأسه وقال: أعلم بها قبر أخي، أدفن إليه من مات من أهلي "

(1)

. ورواه ابن ماجه عنه عليه السلام من رواية أنس

(2)

.

(وتَسنيمٌ أفضل) يعني: أن تسن يم القبر أفضل من تسطيحه؛ لما روى سفيان التمار أنه قال: " رأيتُ قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم مُسَنَّماً "

(3)

. رواه البخاري، وعن الحسن مثله.

ولأن التسطيح أشبه بأبنية أهل الدنيا.

(إلا) من مات (بدار حرب: أن تعذر نقله) من دار الحرب (فتسويتُه) أي: تسوية قبره بالأرض (وإخفاؤه) أولى من تسن يمه وإظهاره؛ خوفا من أن ينبش فيمثل به.

(ويحرم إسراجُها) أي: إسراج القبور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله زوّارات القبور، والمتخذات عليهن المساجد والسرج "

(4)

. رواه أبو داود والنسائي بمعناه.

ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله.

ولأن في ذلك تضييعاً للمال من غير فائدة، ومغالاة في تعظيم الأموات يشبه

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(6 0 32) 3: 12 2 كتاب الجنائز، باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1561) 1: 498 كتاب الجنائز، باب ما جاء قي العلامة في القبر.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1325) 1: 468 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3236) 3: 18 2 كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور.

وأخرجه النسائي في " سننه "(43 0 2) 4: 94 كتاب الجنائز، التغليظ قي اتخاذ السرج على القبور.

ص: 103

تعظيم الأصنام.

(و) يحرم أيضاً (التخلّي) عليها

(1)

؛ لما روى عقبة بن عامر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأن أطأ على جمرة أو سيف، أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم. ولا ابالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق "

(2)

. رواه الخلال وابن ماجه. (و) يحرم أيضاً (جعل مسجد عليها) أي: على القبور، (وبينها) أي: بين القبور؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "

(3)

متفق عليه.

وعن جندب بن عبدالله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهويقول: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا لِلَّهِ فلا تتخذوا القبور مساجد. فإنى أنهاكم عن ذلك "

(4)

. رواه مسلم.

(ودفن بصحراء أفضل) من الدفن بالعمران؛ لأنه أقل ضرراً على الأحياء من الورثة، فأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه.

ولم تزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحاري.

(سوى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه إنما قبر في بيته. قالت عائشة: " لئلا يتخذ قبره مسجداً "

(5)

. رواه البخاري.

ولأنه روي: " يدفن الأنبياء حيث يموتون "

(6)

. مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يَدفن

(1)

زيادة من أ.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1567) 1: 499 كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن المشي على القبور والجلوس عليها.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(426) 1: 168 أبواب المساجد، باب الصلاة في البيعة.

وأخرجه مسلم في (صحيحه " (0 53) 1: 377 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهى عن بناء المساجد على القبور. . .

(4)

أخرجه مسلم قي " صحيحه "(532) الموضع السابق.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1324) 1: 468 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

(6)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(6534) 3: 516 كتاب الجنائز، باب لا ينقل الرجل من حيث يموت.

ص: 104

أصحابه بالبقيع، وفعله أولى من فعل غيره. وإنما أصحابه راو اتخصيصه بذلك؛ صيانة له عن كثرة الطراق، وتمييزا له عن غيره صلى الله عليه وسلم.

(واختار صاحباه) أبو بكر وعمر رضي الله عنهما (الدفن عنده: تشرُّفاً وتبرُّكاً. ولم يُزَد) عليهما؛ (لأن الخرق) بدفن غيرهما (يتسع والمكان ضيق. وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع).

ويكره أن يُتخذ على القبور خيمة أو فسطاط. نص على ذلك؛ " لأن أبا هريرة أوصى حين حضره الموت: أن لا تضربوا علي فسطاطاُ "

(1)

. رواه أحمد في " مسنده ".

قال البخاري في " صحيحه ": " ورأى ابن عمر فسطاطاُ على قبر عبدالر حمن فقال: انزعهُ يا غلام. فإنما يُظُِلُّه عمله "

(2)

.

ولأن الخيام بيوت أهل البر. فكرهت؛ كما كرهت بيوت أهل المدن.

(ومن وصّى بدفنه بدار) في ملكه (أو أرض في ملكه، دفن مع المسلمين)؛ لأنه يضر الورثة. قاله أحمد.

(و) قال أحمد أيضاً: (لا بأس بشرائه) أي: بأن يشتري الإنسان (موضعَ قبره، ويوصي بدفنه فيه). فعله عثمان وعائشة.

قال في " الفروع ": فلهذا حمل صاحب " المحرر " الأول على أنه لم يخرج من ثلثه. وما قاله متجه، وبعّده بعضهم.

وفي " الوسيلة ": فإن أذنوا كره دفنه فيه. نص عليه. انتهى.

ومراد صاحب " الفروع " بالأول: ما إذا أوصى بدفنه في ملكه. والله أعلم. (ويصح بيع) أي: أن يبيع الورثة (ما دُفن فيه) الميت (من ملكه، ما لم يجعل) أي: يصير (مقبرة) نص عليه. ومنع ابن عقيل بيع موضع القبر مع بقاء رمته.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(7901) 2: 292.

(2)

ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا ً 1: 457 كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر.

ص: 105

قال في " الفنون ": لأنها ما لم تَستحِلْ تراباً فهي محترمة. قال: وإن نقلت العظام وجب الرد؛ لتعيينه لها.

قال جماعة: وله

(1)

حرثها إذا بلي العظام.

(ويُستحب جمع الأقارب) الموتى في المقبرة الواحدة؛ لأنه أسهل لزيارتهم، وأبعد لاندراس قبورهم.

ويعضد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن عثمان بن مظعون وعلم قبره: " أدفن إليه من مات من أهلي "

(2)

.

(و) يستحب (البقاع الشريفة) أي: الدفن فيها؛ لما في حديث أبي هريرة مرفوعاً: " ان موسى لما حضره الموت سأل ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت ثَّمَّ لأريتكم قبره عند الكثيبِ الأحمر "

(3)

. وقال عمر: " اللهم لِلَّهِ ارزْقْني شهادةً في سبيلَكَ، واجعلْ موْتى في بلدِ رسولك "

(4)

. متفق عليهما.

ويستحب أيضاً ما كثر فيه الصالحون من البقاع؛ لتناله بركتهم. ولذلك التمس عمر الدفن عند صاحبيه، وساًل عائشه حتى أذنت له.

(ويُدفن) الميت في (مُسَبَّلةٍ ولو بقول بعض الورثة) يعني: أنه متى أرادَ بعض ورثة الميت دفنه في مقبرة مُسبّلة وأراد الباقون دفنه في مكان خلفه دفن في المسبَّلة؛ لأن دفنه فيها أفضل، وأقل ضرراً، ولا منّة فيه. [بخلاف ما إذا طلب بعضهم أن يكفن من أكفان المسلمين لم يلتفت إليه؛ لأن فيه]

(5)

منّة على الميت والورثة.

(1)

في ج: له.

(2)

سبق تخريجه ص (103) رقم (1).

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3226) 3: 1250 كتاب الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2372) 4: 1842 كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1791) 2: 668 أبواب فضائل المدينة، باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة.

(5)

ساقط من أ.

ص: 106

(ويقدَّم فيها) أي: في المقبرة المسبلة (بسبق) يعني: أنه لو لم يكن في المقبرة المسبلة إلا ما يسع قبراً وأحداً وأتي بميتين أحدهما أسبق من الآخر، قدَّم السابق على المتأخر منهما، لأن السابق إلى مباح مقدّم بسبقه، (ثم) إن استويا قدّم احدهما بـ (قرعة)، لأن القرعة وضعت لتمييز ما أُبهم.

(ويحرم الحفر فيها) أي: في المقبره المسبّلة (قبل الحاجة) إلى الحفر.

قال في " الفروع ": ذكره ابن الجوزي. وإن ثبت قو لّ بجواز بناء بيت ونحوه فهاهنا كذلك وأولى، ويتوجه هنا ما سبق في المصلى المفروش. انتهى.

(ويحرُم دفن غيره عليه) أي: دفن ميت على آخر (حتى يُظنّ أنه) أي: أن المدفون اولاً (صار تراباً). فيجوز نبشه مع ظن أنه صار تراباً في أصح الوجهين. ويختلف ذلك باختلاف البلاد والهواء، وهو في بعض البلاد الحارة أسرع منه في الباردة، ويُرجع فيه إلى أهل الخبرة. وكذا يجوز نبشه إذا ظُن أنه صار تراباً؛ لزرع وغرس. قاله أبو المعالي. والمراد: ما لم يخالف شرط واقف في تعيينه الأرض للدفن، ثم إن وجد فيه عظام عند نبشه لم يجز دفن ميت آخرعليه نصاً.

وعنه: تبقى العظام مكانها ويدفن بإزائها. نقلها

(1)

أبو طالب

(2)

، واختارها الخلال.

وتحرم عمارة القبر الدائر الذي غلب على الظن بلاء صاحبه، وتسوية التراب عليه في المقبرة المسبّلة، لئلا يتصور بصورة الجديد. فيمتنع من الدفن فيه، قياساً على تحريم الحفر

(3)

فيها قبل الحاجة إليه.

(و) يحرم أيضاً: أن يدفن (معه) أي: مع الميت ميت آخر فأكثر في أصح الروايات. يعني: أنه يحرم أن يدفن في القبر الواحد ميتان فأكثر، (إلا لضرورة أو حاجة).

(1)

في أ: نقله.

(2)

في ج: أبو الخطاب.

(3)

في ج: الد فن.

ص: 107

أما كونه لا يدفن مع الميت ميت آخر من غير حاجة " فـ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت واحد في قبر ".

وسُئل أحمد عن الاثنين والثلاثة يدفنون في قبر واحد قال: أما في مصر فلا، ولكن في بلاد الروم يكثر القتلى. انتهى.

وإنما قال ذلك، لأن الإفراد لا يتعذر غالباً في مصر، ويتعذر غالباً في موضع تقع الحرب فيه. أما إذا وجدت الحاجة في مصر أو غيره فأنه يجوز دفن الاثنين فأكثر في قبر واحد.

(وسن حجزّ بينهما بتراب) أي: أن يُجعل بين كل اثنين حاجزاً من التراب، (وأن يُقدَّمَ إلى القبلة من يقدمََّ إلى الإمام) إن

(1)

اجتمع جنازتان فاً كثر للصلاة عليهم " وذلك لما روى هشام بن عامر قال: " شُكِيَ إلى رسول الله كثرة الجراحات يوم أحد فقال: احفروا وأوسعوا

(2)

وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والتلاثة في قبر واحد، وقدّمُوا أكثرهم قرآناً "

(3)

. رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

وإنما يسن أن يُجعل بين كل اثنين حاجز من التراب؛ لأن الكفن حائل غير حصين.

قال أحمد: ولو حُفر لهم شبه النهر وجُعل رأس أحدهم عند رجل الآخر وجُعل بينهما حاجز من تراب لم يكن به بأس.

(و) الميت (المتعذَّر إخراجه من بئر إلا متقطّعاً ونحوه وثََََمْ حاجة إليها) أي: إلى البئر (أخرج) متقطعاً " لأن الضرر الحاصل بمُثلة الميت أخف ضرراً من الضرر الحاصل بالحاجة إلى البئر.

(1)

في أ: إذا.

(2)

في ج: ووسعو ا.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3215) 3: 214 كتاب الجنائز، باب في تعميق القبر.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1713) 4: 213 كتاب الجهاد، باب ما جاء في دفن الشهداء.

وأخرجه النسانى قي " سننه "(5 1. 2) 4: 83 كتاب الجنائز، دفن الجماعة في القير الواحد.

ص: 108

(وإلا) أي: وإن لم تدع الحاجة إلى البئر (طُمُّتْ) على الميت. فتصير

قبره، لأنه لا ضرورة إلى إخراجه متقطعاً.

وعلم مما تقدم: أنه إن لم يتعذر إخراجه وأمكن معالجة البئر بالأكسية

(1)

المبلولة تدار فيها حتى يجتذب البخار، ثم ينزل من يطلعه، أو أمكن إخراجه بكلاليب ونحوها من غير مثلة: وجب ذلك؛ لتأدية فرض غسله. ويُمتحن زوال البخار إذا شك فيها بسراج ونحوه. فإن انطفأ فهو باق، وإلا فقد زال. فإن العادة أن النار لا تبقى إلا فيما يعيش فيه الحيوان.

(ويحرُم دفن بمسجد ونحوه)، كرباط، (ويُنْبَشُ) من دفن، ويخرج نصاً.

(و) يحرم

(2)

دفن الميت أيضا

(3)

(في ملك غيره ما لم يأذَن) رب الملك في دفنه. (وله) أي: لرب الملك مع عدم إذنه (نقلُه) أي: نقل ميت دفن في ملكه بغير إذنه. (والأولى) له (تركُه) أي: أن لا ينقله لهتك حرمته بنقله. وكرهه أبو المعالي لما ذكر.

(ويباح نبشُ قبر حربي لمصلحة)، لأن موضع مسجد النبي كان قبوراً للمشركين. فأمر بنبشها وجعلها مسجداً.

(أو) من أجل (مال فيه) أي: في قبر الحربي؛ لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هذا قبر أبي رِغَال، وآية ذلك: أن معه غصناً من ذهب، إن أنتم

(4)

نبشتم عنه أصبتموه معه. فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن "

(5)

.

قال في " الفروع ": ونقل المروذي فيمن أوصى ببناء داره مسجداً فخرجت مقبرة، فإن كانوا مسلمين لم يخرجوا، وإلا أخرجت عظامهم. ثم قال:

(1)

في ج: وأمن معالجة البئر إلا بالأكسية.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ج: ويحرم أيضاً دفن الميت.

(4)

في الأصول: رأيتم. وما أثبتناه من السنن.

(5)

أخرجه ائو داود في " سننه "(3. 88) 3: 181 كتاب الخراج والإمارة والقيء، باب تبش القبور العادية يكون فيها المال.

ص: 109

ويتوجه يجوز نبش قبر الحربي لمال فيه، ولا تصريح بخلافه. بل هو ظاهر كلام من جوزه لمصلحة وفاقاً للشافعية والمالكية، واحتجت بأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم نبشت قبر أبي رغال. وكرهه مالك. انتهى.

(لا مسلم) يعني: أنه لا يجوز نبش قبر مسلم (مع بقاء رمته، إلا لضرورة)؛ كما لو دفن في ملك غيره بغير إذنه.

(وإن كُفن بغصب) أي: في ثوب مغصوب نبش مع بقاء الكفن بحاله ويرد

إلى مالكه إن تعذر غرمه، وإلا لم ينبش؛ لهتك حرمته مع إمكان دفع الضرر بدونها.

(أو بلَع مال غيره) يعني: أن الميت متى كان قد بلع مال غيره (بلا إذنه) ثم مات، (و) الحال أن ما بلعه (يبقى) بأن كان ذهباً أو نحوه، (وطلبَه ربّه وتعذر غرمُه) من التركة أو من غيرها: نبيش وشق جوفه، ودفع المال إلى ربه؛ لما في ذلك من تخليص الميت من الإثم، ورد المال إلى مالكه. وأما مع إذن مالكه في بلعه، فلا يؤخذ حتى يبلى الميت؛ لأن مالكه هو المسلط له على ماله بالإذن له.

(أو وقع ولو) كان وقوعه (بفعل ربه في القبر ما) أي: شيء (له قيمة عرفا نبش وأخذ)؛ لما روي: " أن المغيرة بن شعبة وضع خاتمه في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: خاتمي، فدخل وأخذه. وكان يقول: أنا أقربكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال أحمد: إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش. انتهى.

ولتعلق حق ربه بعينه ولا ضرر في أخذه. فوجب رده.

وعنه: المنع من نبشه إن بذل لربه عوضه.

(لا إن بلَع) قبل موته (مال نفسه ولم يبل) فأنه لا ينبش من أجل ذلك؛ لأن ذلك استهلاك لمال نفسه في حياته. أشبه ما لو اتلفه.

(إلا مع) وجود (دين) عليه فينبش ويشق جوفه فيخرج ويوفى دينه؛ لما في ذلك من المبادرة إلى تبرئة ذمته من الدين. وفيه وجه.

ص: 110

(ويجب نبشُ من دُفن بلا غسل) وقد (أمكن) تغسيله قبل دفنه، تداركاً لواجب غسله. فيخرج ويغسل، ما لم يخش تفسخه.

وقيل: ما لم يتغير.

وقيل: ولو تغير وخشي تفسخه.

وقيل: لا ينبش من دفن بلا غسل مطلقاً.

(أو صلاة) يعني: أنه يجب نبش

(1)

من دفن قبل الصلاة عليه. فيخرج ويصلى عليه، ثم يرد إلى مضجعه. نص عليه أحمد، لأن مشاهدته حال الصلاة عليه مقصودة، ولهذا المعنى لو لم يدفن وصلي عليه مع وجود حائل لم يسقط فرض الصلاة. فوجب إخراجه تحصيلاً للمقصود.

ومحل ذلك: ما لم يخش تفسخه.

وقيل: لا ينبش بل يصلى على القبر.

وعنه: التخيير بين إخراجه والصلاة على قبره.

(أو كفن) يعني: أنه يجب نبش من دفن بلا كفن. فيخرج ويكفن. نص عليه " كما لو دفن بغير غسل استدراكاً للواجب وهو التكفين. ويصلى عليه، ولو كان قد صلي عليه، لعدم سقوط الفرض بالصلاة عليه عرياناً " لما روى شريح بن عبيد الحضرمي: " أن رجالاً قبروا صاحباً لهم لم يغسلوه ولم يجدوا له كفناً، ثم لقوا معاذ بن جبل فأخبروه. فأمرهم أن يخرجوه فأخرجوه من قبره، ثم غسل وكفن وحنط وصُلُي عليه ". رواه سعيد في " سننه ".

ومحل ذلك أيضاً: ما لم يخش تفسخه.

وقيل: لا ينبش من دفن بلا كفن، لأن المقصود بالتكفين ستره واحترامه، وقد فات ذلك وستره التراب. فالاكتفاء بذلك أولى من هتك حرمته بالنبش.

والأول المذهب.

(1)

في أ: يعني أنه ينبش

ص: 111

(أو إلى غير القبلة) يعني: أنه يجب نبش من دفن موجهاً إلى غير القبلة؛ كما لو دفن من غير غسل، تداركاً لواجب التوجيه إلى القبلة. فينبش ويوجه إلى القبلة.

وقيل: يستحب نبشه لذلك.

وقيل: يحرم.

(ويجوز) نبش الميت (لغرض صحيح) في نبشه؛ (كتحسين كفن)؛

لما روى جابر قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي بعدما دفن فأخرجه، فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه "

(1)

. أخرجه البخاري ومسلم.

(ونحوه)[أي: ونحو]

(2)

تحسين الكفن؛ كإفراد من دفن مع غيره؛ لما روى جابر قال: " دفن مع أبي رجل. فلم تطب نفسي حتى أخرجته. فجعلته فى قبر على حِدة "

(3)

.

وفي رواية: " كان أبي أول قتيل يعني يوم أحد فدفن معه آخر في قبره.

ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر. فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه "

(4)

. رواهما البخاري

(5)

.

(ونقله) يعني: ويجوز نبشه لنقله (لبقعة شريفة، ومجاورة صالح)؛ لما في " الموطأ " لمالك أنه سمع غير واحد يقول: " إن سعد بن أبي وقاص وسعيد ابن زيد ماتا بالعقيق، فحملا إلى المدينة ودفنا بها "

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1211) 1: 427 كتاب الجنائز، باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2773) 4:. 14 2 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1287) 1: 454 كتاب الجنائز، باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه ") 1286) 1: 453 الموضع السابق.

(5)

في ج: بغير أذنه. رواه البخاري.

(6)

أخرجه مالك في " الموطأ "(31) 1: 201 كتاب الجنائز، باب ما جاء في دفن الميت.

ص: 112

وقال سفيان بن عيينه: " مات ابن عمر هاهنا، وأوصى أن لا يدفن هاهنا، وأن يدفن بسرف ". ذكره ابن المنذر.

وروى حرب في " مسائله " قال: حدثنا محمد. بن نصر قال: حدثنا حسان عن يونس بن زيد عن الزهري قال: " حُمل سعد بن أبي وقا ص من العقيق إلى المدينة "

(1)

.

و" حُمل أسامة بن زيد من الجرف إلى المدينة "

(2)

.

قال حسان: " ورأيت ابناً لهشام بن عروة حُمل من العقيق إلى المدينة فصلي عليه عند باب المسجد، ودفن بالمدينة بالبقيع في حياة هشام ".

وأما ما ينقل عن عائشة: " أنه لما مات عبدالرحمن بن أبي بكر بالحُبْْشِ وهو مكان بينه وبين المدينة نحو اثني عشر ميلاً ونُقل إلى مكة. أتت قبره وقالت: والله لِلَّهِ لو حضَرتُكَ ما دفنتك إلا حيث مُتَّ. ولو شَهِدْتُكَ ما زُرْتُك "

(3)

. رواه الترمذي.

فمحمول على أنها: لم تَر غرضاً صحيحاً في نقله، أو أنه تاً ذى به.

وما ذكره [ابن عبدالبر]

(4)

عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح "

(5)

فمحمول على الشهداء؛ لأن السنة في غيرهم دفنهم في الصحراء وهم لم يقبضوا فيها.

(إلا شهيداً دُفن بمصرعه) فأنه لا يجوز نقله. (ودفنه) أي: دفن الشهيد (به) أي: بمصرعه (سنة).

قال أحمد: أما القتلى فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ادفنوا القتلى

(1)

() أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 57 كتاب الجنائز، باب من لم ير به باساً.

(2)

() أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(55 0 1) 3: 371 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في زياره القبور.

(4)

في ج: ابن عبدالرحمن.

(5)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(6532) 3: 516 كتاب الجتائز، باب يدفن في التربة التي منها خلق.

ص: 113

في مصارعهم "

(1)

.

(فيردُّ) الشهيد (إليه) أي: إلى مصرعه (لو نثقل) منه موافقة للسنة.

(وإن ماتت) امرأة

(2)

(حامل) بمن ترجى حياته (حرُم شقُ بطنها) من أجل الحمل، مسلمة كانت أو ذميه على الأصح؛ لما في ذلك من هتك حرمة متيقنة لإبقاء حياة موهومة؛ لأن الغالب والظاهر: أن الولد لا يعيش. واحتج أحمد على ذلك في رواية أبي داود بما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي "

(3)

. رواه أبو داود، ورواه ابن ماجه من رواية أم سلمة وزاد:" في الإثم "

(4)

.

(وأخرج النساء من تُرجى حياته) وهو: ما إذا كان يتحرك حركة قوية وانتفخت المخارج، وله ستة أشهر فأكثر.

(فإن تعذر) عليهن إخراجه فالمذهب لا تشق بطنها، و (لم تُدفن حتى يموت) حملها، ولا يوضع عليه ما يموته، خلافاً لما جزم به بعض الشافعية.

ولو قدر أن يخرجه الرجال؛ لما فيه من هتك حرمتها، وبعد احتمال الحياة.

وعنه: أن الرجال يسطون عليه فيخرجونه.

(وإن خرج بعضه) أي: بعض الحمل (حياً، شُق) بطنها (لـ) خروج (الباقي)؛ لتيقن حياته بعد أن كانت موهومة.

(فلو مات) الحمل (قبله) أي: قبل أن تشق بطنها: لم تشق و (أُخرح.

فإن تعذر) إخراجه (غُسِّل ما خرج) منه، (ولا تيمم للباقي) الذي لم يخرج؛ لأن ما خرج منه له حكم السقط، وما لم يخرج منه له حكم الحمل.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(14319) 3: 308.

(2)

في أ: مسلمة.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(07 32) 3: 12 2 كتاب الجنائز، باب في الحفار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان.

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1617) 1: 516 كتاب الجنائز، باب في النهي عن كسر عظام الميت. قال في " الزوائد ": في إسناده عبدالله بن زياد، مجهول. ولعله عبدالله بن زياد بن سمعان المدنى، أحد المتروكين.

ص: 114

وقيل: تيمم لما لم يخرح. وهو احتمال لابن الجوزي.

(وصُلي عليه) أي: على من خرج بعضه (معها) أي: مع أمه بأن ينوي المصلي الصلاة عليهما (بشرطه) وهو: أن يكون له أربعة أشهر فأكثر " لأن شرطه أن يخرج بعضه حيا ثم يمو ت، (وإلا) بأن لم يوجد شرط صحة الصلاة عليه (فـ) أنه ينوي الصلاة (عليها دونه) أي: دون حملها.

(وإن ماتت كافرة) ذمية أو غير ذمية (حامل بمسلم) أي: محكوم بإسلامه (لم يصلّ عليه) ما دام داخل بطنها، كمبلوع ببطن بالع، (ودَفَنها) أي: وتولى دفنها (مسلم) من أجل سنة الدفن التي يأتي ذكرها (مفردة) عن مقابر المسلمين وأهل الذمة. نص عليه أحمد، وحكاه عن واثلة بن الأسقع.

ومحل ذلك: (إن أمكن) إفرادها، (وإلا) أي: وإن لم يمكن إفرادها (فمعنا) أي: فمع المسلمين، لأن ذلك أولى من دفن المسلم الذي هو الجنين مع الكفار، وكما لو اشتبه ميت مسلم بكافر فإنهما يدفنان مع المسلمين.

ويكون دفنها (على جنبها الأيسر، مستدبرة القبلة)، ليكون الجنين على جنبه الأيمن مستقبل القبلة.

ويُصلى على مسلمة حامل مع حملها بعد مضي زمن تصويره

(1)

،

وإلا فعليها دونه.

(1)

فى ب: تصوره.

ص: 115

[فصل: في احكام التعزية]

(فصل) في أحكام المصاب والتعزية.

(ويسن لمصاب) بموت قريبه أو نحوه: (أن يسترجع) وفاقاً للأئمة الثلاث. (فيقول) أي: والاسترجاع أن يقول: (إنا لله) أي: نحن عبيده يفعل بنا ما يشاء، (وإنا إليه راجعون) أي: نحن مقرون بالبعث والجزاء على أعمالنا. (اللهم لِلَّهِ أجرنى في مصيبتي، وأخلِفْ لي خيراً منها).

وأجرنى: مقصور، وقيل: ممدود.

وأخلف: بقطع الهمزة وكسر اللام، يقال لمن ذهب منه ما يتوقع مثله: أخلف الله عليك مثله، ومن ذهب منه ما لا يتوقع مثله: خلف الله عليك أي: كان الله لك خليفة منه عليك.

قال الآجري وجماعة: ويصلي ركعتين.

قال في " الفروع ": وهو متجه. فعله ابن عباس وقرأ: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقره: 45]، ولم يذكرها جماعة.

ولأحمد وأبي داود

(1)

عن حذيفة قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلمي إذا حَزَبَهُ أمرٌ صلّى "

(2)

.

قال في " القاموس ": وحَزَبهُ الأمرُ: نابَهُ، واشتدَّ عليه أو ضَغَطَهُ، والاسم: الحُزَابَةُ بالضم، وأمرُ حازبٌ وحَزِيبٌ: شديد. انتهى.

ولمسلم عن أم سلمة مرفوعاً: " إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. فلما مات أبو سلمة قال: قولي:

(1)

في ج: ولأبي داود.

(2)

أخرجه أبو داود في " سنة "(1319) 2: 34 كتاب التطوع، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(22788) طبعة إحياء التراث.

ص: 116

اللهم لِلَّهِ اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبى حسنة "

(1)

.

(و) أن (يصبر) المصاب، والصبر الحبس. ويجب منه ما يمنعه عن محرم. وفي الصبر على موت الولد أجر كبير وردت به الآثار، ومن ذلك: ما روى النسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخلهما الله تعالى بفضل رحمته أياهم الجنة. فيقال لهم: ادخلوا الجنة فيقولون: حتى يدخل آباؤنا. فيقال لهم: ادخلوا أنتم وآباؤكم "

(2)

.

وفي " الصحيحين " أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم "

(3)

. يشير إلى قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مر يم: 71]. والصحيح أن المراد به: المرور على الصراط.

وأخرج البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن جزاء، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة "

(4)

.

وأخرج الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى: قبضتم ولد عبدي. فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؛ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله تعا لى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد "

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(919) 2: 633 كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المريض والميت.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(1876) 4: 5 2 كتاب الجنائز، من يتوفى له ثلاثة

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6280) 6: 2452 كتاب الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى:{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2632) 4: 28 0 2 كتاب البر والصله والآداب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6060) 5: 2361 كتاب الرقاق، باب العمل الذي يُبتغي به وجه الله.

(5)

() أخرجه الترمذي في " جامعه "(1021) 3: 341 كتاب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب.

ص: 117

فيستحب لأهل الميت اعتماد ذلك، وفعله رجاء؛ لما جاء من الوعد العظيم من الله الغفور الرحيم.

(ولا يلزم الرضى) أي: لا يجب على الإنسان أن يرضى (بمرض) يصيبه (وفقر وعاهة) وهي عرض مفسد لما أصابه. خلافاً لابن عقيل. فأنه يوجب الرضى بذلك.

(ويحرم) على الأنسان أن يرضى (بفعله المعصية). ذكره ابن عقيل إجماعاً.

قال في " الفروع ": وذكر شيخنا وجهاً: لا يرضى بذلك؛ لأنها من المقضي. قال: وقيل: يرضى من جهة كونها خلقاً لله، لا من جهة كونها فعلاً للعبد. قال: وكثير من النساك والصوفية ومن

(1)

أهل الكلام حيث رأوا: أن الله خالق كل شيء وربه اعتقدوا أن ذلك يوجب الرضى والمحبة لكل ذلك، حتى وقعوا في قول المشركين {وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148]، وغفلوا عن كون الخالق نهى عن ذلك وأبغضه، وسبب ذلك اشتباه مساًلة الشرع والقدر، ويتمسكون بالإجماع على الرضى بقضاء الله. وهذا كلام مجمل يتمسك به القدرية المشركية. وأما القدرية المجوسية فتقول: أن الله قدره وقضاه. وإلا للزم الرضى به، والرضى بالكفر كفر بالإجماع. قال: والتحقيق: أنه ليس في الكتاب والسنة نص يأمر فيه بالرضى بكل مقضي، ولاقاله أحد من السلف.

وأما ما في كلام العلماء والاثار من الرضى بالقضاء فإنما أرادوا ما ليس من فعل العباد.

ولأنه إذا لم يجب الصبر على ذلك، بل تجب إزالته بحسب الإمكان. فالرضى أولى.

ثم ذكر شيخنا: أنه إذا نظر إلى أحداًث الرب لذلك للحكمة التي يحبها ويرضاها، رضى لله

(2)

بما رضيه لنفسه، فيرضاه ويحبه مفعولاً مخلوقاً لله،

(1)

() في ج: من.

(2)

في أوج: الله.

ص: 118

ويبغضه ويكرهه فعلاً للمذنب المخالف لأمر الله. وهذا كما نقول فيما

(1)

خلقه من الأجسام الخبيثة. قال: فمن فهم هذا الموضع انكشف له حقيقة هذا الأمر الذي حارت فيه العقول. والله أعلم. انتهى كلامه في " الفروع ".

(وكُره لمصاب تغييرُ حاله: من خلع رداء ونحوه)، كخلع نعل، (وتعطيل معاشه)، وغلق حانوته في الأصح، لما في ذلك من إظهار الجزع. قال ابن الجوزي في قوله سبحأنه وتعالى:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد: 22]: اعلم أنه من علم أن ما قضي لابد أن

(2)

يصيبه قلّ حزنه وفرحه.

وقال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء

(3)

من كل أمة أن من لم يتمش مع القدر لم يَتَهَنَّ بعيش.

(لا بكاؤه) أي: لا بكاء المصاب. فأنه لا يكره قبل الموت ولا بعده، لكثرة الأخبار. ذكر منها في " شرح الهداية " اثني عشر حديثاً، وأخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب أو نياحة.

قال صاحب " المحرر ": أو أنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياماً كثيرة.

قال في " الفروع ": ويتوجه احتمال: يحمل النهي بعد الموت على ترك الأولى. وقد قيل:

عجبت لمن يبكي على فقد غيره دموعاًو لم يبك

(4)

على فقده دماً

وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره عظيماً وفي عينيه من عيبه عمى

قال جماعة: والصبر عنه أجمل. وذكر شيخنا: أنه يستحب رحمة للميت، وأنه أكمل من الفرح، كفرح الفضيل لما مات ابنه علي.

(1)

في ج: فيمن.

(2)

في ج: وأن.

(3)

في أ: العلماء.

(4)

في أ: زماناً ولا يبكي.

ص: 119

وفي " الصحيحين ": " لما فاضت عيناه، لما رفع إليه ابن بنته ونفسه تَقَعْقَعُ كأنها في شَنَّة، أي: لها صوت وحشرحة؛ كصوت ماء ألقي في قربة بالية. قال له سعد: ما هذا يا رسول الله؛ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده. وإنما يرحم الله من عباده الرحماء "

(1)

. انتهى.

(وجعلُ علامة عليه) يعني: أنه لا يكره جعل علامة على المصاب من ثوب، أو ريشة على رأسه، أو غيرهما (ليُعرفَ) بالعلامة (فيُعزَّى) " لتتيسر التعزية المسن ونة بذلك على كل أحد.

(وهجرُه) يعني: أنه لا يكره هجر المصاب للزينة، وحسن الثياب ثلاثة أيام).

قال صاحب " المحرر ": ولا بأس بهجر المصاب للزينة وحسن الثياب ثلاثة أيام، وجزم بذلك أيضاً ابن تميم وابن حمدان.

وسئل أحمد يوم مات بشر عن مسألة. فقال: ليس هذا يوم جواب، هذا يوم حزن.

(وحُرِم ندبٌ) وهو: تعداد محاسن الميت بلفظ النداء بالواو بزيادة الألف والهاء في آخره، كقولهم: واسيداه، واجبلاه، وانقطاع ظهراه.

(و) حرم أيضاً (نياحة). نص عليهما.

والنياحه: قيل: من رفع الصوت بالندب.

وقيل: هي ذكر محاسن الميت وأحواله.

(و) حرم أيضاً (شقُّ ثوب، ولطمُ خد، وصراخ، ونتفُ شَعر ونشرُه، ونحوه)؛ كتسويد الوجه وخمشه؛ لما في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس منا من لطم الخدود وشقُ الجيوب ودعى بدعوى الجأهلية "

(2)

.

(1)

أخرجه اليخاري في " صحيحه "(1224) 1: 431 كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(923) 2: 635 كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1232) 1: 435 كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب.

ص: 120

و" فيهما ": " أنه صلى الله عليه وسلم برئ من الصَّالِقَة والحالِقََة والشَّاقَّّة

(1)

"

(2)

.

فالصالقة

(3)

: التي ترفع صوتها عند المصيبة، ويقال: السالقة بالسين المهملة. والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.

والشاقة: التي تشق ثيابها عن المصيبة.

وفي " الصحيحين " عن ام عطية أنها قالت: " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوج "

(4)

.

وفي " صحيح مسلم ": " أنه صلى الله عليه وسلم لعنَ النّاِئحةَ والمُسْتَمِعَة "

(5)

.

وتحريم ذلك كما في المتن هو الصحيح من المذهب؛ لما تقدم من الأحاديث الواردة في النهي عن ذلك مع تأكيده بالتبرؤ من فاعله ولعنه وغير ذلك.

ولما فيه من عدم الرضا بقضاء الله سبحأنه وتعالى والسخط من فعله.

ولأن في

(6)

شق الجيوب إفساداً للمال لغير

(7)

حاجة.

وعن أحمد رحمه الله تعالى: أنه إذا تجرد الندب والنياحة عن اللطم ونتف الشعر وذكر الميت بما ليس فيه ونحو ذلك: كره، ولم يحرم.

(1)

= وأخرجه مسلم قي " صحيحه "(03 1) 1: 99 كتاب الأيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجأهلية.

() في ج: والشالقة. وهو تصحيف.

(2)

() أخرجه البخاري في " صحيحه "(1234) 1: 436 كتاب الجنائز، باب ما ينهي من الحلق عند المصيبة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(104) 1: 100 الموضع السابق.

(3)

() في ج: فالشالقة. وهو تصحيف.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1244) 1: 440 كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن النوج والبكاء والزجر عن ذلك.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(936) 2: 645 كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة.

(5)

() أخرجه أبو داود في " سننه "(3128) 3: 193 كتاب الجنائز، باب في النوح. ولم أره في " مسلم ".

(6)

() ساقط من أ.

(7)

في أ: إفساد لغير.

ص: 121

وأطلق بعضهم الكراهة؛ لـ " أنه نهى عن النياحه. فقالت ام عطية: إلا آل فلان. فإنهم كانوا أسعدونى في الجأهلية، فلا بد لي من ان أسعدهم. فقال: إلا آل فلان "

(1)

. متفق عليه.

وهو خاص بها؛ لخبر أنس: " لا إسعاد في الإسلام "

(2)

. رواه أحمد.

ولأنه معتاد في النوح ما يحرم، ولم ينهها مع حداثتها بالإسلام، ومع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

قال في " الفروع ": وجاءت الأخبار المتفق على صحتها بتعذيب الميت بالنياحة والبكاء عليه

(3)

، فحمله ابن حامد على من اوصى

(4)

به؛ لأن عاده العرب الوصية بفعله فخرج على عادتهم، وفي " شرح مسلم ": هو قول الجمهور وهو ضعيف. فإن سياق الخبر يخالفه، ويأي في آخر الباب، وحمله الأثرم على من كذب به حين يموت.

وقيل: يتاًذى بذلك مطلقاً، واختاره

(5)

شيخنا.

وقيل: يعذب.

وقال في " التلخيص ": يتاًذى بذلك إن لم يوص بتركه، كما كان السلف يوصون. ولم يعتبر كون النياحه عادة أهله، واختار صاحب " المحرر ": أن من هو عادة أهله ولم يوص بتركه عذب، لأنه متى ظن وقوعه ولم يوص فقد رضي ولم ينه مع قدرته.

وما هيج المصيبة من وعظ وإثشاد شعر فمن النياحة. قاله شيخنا، ومعناه لابن عقيل في " الفنون ". فأنه لما توفي ابنه عقيل قرأ قارئ {قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ ْ

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6789) 6: 637 2 كتاب الأحكام، باب بيعة النساء.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(936) 2: 646 كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(55 130) 3: 97 1.

(3)

سيأتي ذكره قريباً.

(4)

في أ: وصى.

(5)

في ج: اختاره.

ص: 122

قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 78] فبكى ابن عقيل وبكى الناس فقال للقارئ: يا هذا لِلَّهِ إن كان يهيج الحزن فهو نياحة بالقرآن، ولم ينزل للنوح بل لتسكين الأحزان. انتهى.

ولا بد من حمل حديث: " ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه "

(1)

على

(2)

البكاء الذي معه ندب ونياحة ونحو هذا. قاله في " شرح المقنع ".

وأما عائشة رضي الله عنها فأنكرت حمل ذلك على ظاهره ووافقها ابن عباس وقالت: " والله لِلَّهِ ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه "

(3)

. وقالت لما بلغها رواية عمر وابنه في ذلك: " إنكم لتحدّثون عني غير كاذبين

ولا متهمين، ولكن السمعَ يخطى. وقالت: حسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] "

(4)

.

(وتُسن تعزيةُ مسلم) مصاب (ولو) كان (صغيراً) قبل الدفن وبعده؛ لعموم ما روى عبدالله بن محمد بن أبي بكر عن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مُؤمن يُعزِي أخاهُ بمصيبةٍ إلا كساهْ الله عز وجل من حُلّلِِ الكرامةِ يومَ القيامة "

(5)

. رواه ابن ماجه. وعن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من عزَّى مصاباً فله كمثل أجره "

(6)

رواه ابن ماجه والترمذي. وقال: حديث غريب.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1226) 1: 432 كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (929) 2: 642 كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

(2)

() في ج: ببكاء أهله بل.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1226) 1: 432 كتاب الجنائز، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاءأهله.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(929) 2: 41/ 642 كتاب الجنائز، باب وأخرجه النسائي في " سننه " (1858) 4: 18 كتاب الجنائز، التياحة على الميت.

(5)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1601) 1: 511 كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عزى مصاباً.

(6)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(73 0 1) 3: 5 38 كتاب الجنائز، باب ما جاء في أجر من عزى مصاباً. وأخرجه ابن ماجه في " سننه " (1602) 1: 511 كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عزى مصابا.

ص: 123

(وتُكره) تعزية الرجل الشابة أجنبية) منه؛ مخافة الفتنة.

(إلى ثلاث) أي: تلاث ليال بأيامهن. فلا تعزية بعدها؛ لأن الشارع قد أذن في الأحداًد فيها بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً

(1)

"

(2)

.

وروت أسماء بنب عميس قالت: " لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تسلبي ثلاثاً ثم اصنعي ما شئت "

(3)

.

وفي لفظ: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: لا تحدي بعد يومك هذا "

(4)

. رواهما أحمد.

وهذا محمول على اختصاص الثلاث بالمبالغة في الأحداًد، لا باًصله؛ لأنها زوجة والأحداًد لازم لها مدة العدة. ويدل على أن ما يهجره المصاب من حسن الثياب والزينة لا بأس به مدة الثلاث.

وفوله: " تسلبي " أي: البسي ثوب الحداد وهو السلاب، والجمع: سلب. (فيقال) في التعزية (لـ) مسلم (مصاب بمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك. و) لمسلم مصاب (بكافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك). وإنما كان كذلك؛ لأن الغرض من التعزية الدعاء للمصاب ولميته. إلا أنه إذا كان الميت كافراً أمسك عن ذكره؛ لأن الدعاء والاستغفار له منهي عنه.

(أو) يقال (غير ذلك)؛ لأن الدعاء الذي ذكر ليس بمتعين، بل تجوز التعزية بكل دعاء يقارب معنى ما ذكر.

وقد وردت الآثار به وبغيره فروى زرارة بن أبي

(5)

أوفى قال: " عزّى

(1)

في ج: وشهراً. وهو تصحيف.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27343) 6: 408

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(06 275) 6: 438.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27128) 6: 369.

(5)

ساقط من أ.

ص: 124

النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً على ولده فقال: آجرك الله وأعظم لك الأجر ". رواه حرب في " مسائله ".

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: " لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عَزَاءٌ من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل ما فات، فبالله فثقُوا، وإياه فارجُوا. فإن المُصاب من حُرم الثواب "

(1)

. رواه الشافعي.

وعن الأشعب بن رجاء قال: " كان عطاء يعزي بقول: عظَّم الله لكم الأجر، وأعقبكم عقبى نافعة، صلوات منه ورحمة، وجعلنا وأياكم من المهتدين "

(2)

. رواه أحمد.

(وكُره تكرارُها) أي: تكرار التعزية. نص عليه. فلا يعزي عند القبر

(3)

من عزى.

قال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم

(4)

يُعَزِ. فيعزي إذا دفن الميت أو قبله. وقال: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وإن شئب فلا. وإذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزاه ولم يترك حقا لباطل، وإن نهاه فحسن.

(و) كره أيضاً (جلوسٌ لها) يعني: أنه يكره للمصاب ان يجلس في مكان ليعزوه.

ويكره للمعزي: أن يجلس عند المصعاب للتعزية؛ لما في ذلك من استدامة الحزن.

قاله أحمد في رواية أبي داود: ما يعجبني. أن يقعد أولياء الميت في المسمجد يعزون، أخشى أن يكون تعظيما للموت أو قال: للميت.

(1)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(600) 1: 216 كتاب الصلاة، باب صلاة الجنائز وأحكامها.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج أبن أبي شيبه فى " مصنفه " عن داود بن نافذ قال: قلت لعبدالله بن عبيد: كيف كانا هذا الشيخان يعزيان؛ يعني ابن الزبير وعبدالله بن عمر قال: كانا يقولان: " أعقبك الله عقبى المتقين؛ صلوات منه ورحمة، وجعلك من المهتدين، وأعقبك كما أعقب عباده الأنبياء والصالحين "(73 0 12) 3: 61 كتاب الجتائز، في الرجل يعزي ما يقال له.

(3)

فى ج؛ قبر

(4)

ساقط من أ.

ص: 125

وقال في رواية أبي الحارث: ما أحب الجلوس مع أهل الميت والاختلاف إليهم بعد الدفن ثلاثة أيام، هذا تعظيم للموت.

وقال بعضهم: إنما المكروه البيتوتة عند أهل الميت، وأن يجلس إليهم من عزى مرة، أو يستديم المعزي الجلوس زيادة كثيرة على قدر التعزية.

(لا) جلوس المعزي (بقُرب دار الميت) خارجاً عنه (ليَتْبعَ الجنازة) إذا خرجت، (أو ليخرجَ وليُّه) أي: ولي الميت (فيعزيه) يعني: أنه لا يكره الجلوس عند دار الميت خارجاً عنها، أو في مسجد بقربها انتظاراً لجنازته حتى يتبعها، أو لوليه حتى يخرج فيعزيه. إلا أنه إن كان الجلوس خارج المسجد على باريّة

(1)

أو بساط أخذه من المسجد كره. نص عليه في رواية المروذي وغيره، ونقل عنه عبدالله وأبو طالب جوازه، لأنه انتفاع بها في عبادة. أشبه ما لو قعدوا عليها داخله.

قال في " شرح الهداية ": والأول أصح، لأنه إنما وضعت ليصلى عليها وينتفيع بها فيه خاصة.

(ويردُ معزَّى) على من عزاه (بـ) قوله: (استجاب الله دعاءك، ورحمنا وإياك) بهذا

(2)

القول رد أحمد على من عزاه: وكفى به قدوة ومتبعا.

(وسن ان يُصلّحَ لأهل الميت طعامٌ يُبعث إليهم) به (ثلاثاً) أي: ثلاث ليال بأيامهن. سواء كان الميت حاضراً أو غائباً وأتاهم نعيه؛ لما روى أبو داود فى والترمذي وحسنه عن عبدالله بن جعفر: " أنه لما جاء نعي جعفر حين قتل. قال النبى صلى الله عليه وسلم: اصنعوا لآل جعفر طعاماً. فقد أتاهُم ما يَشغَلُهم "

(3)

.

(1)

البارية: الحصير الخشن. " المصباح "، مادة: بري.

(2)

في ج: عند.

(3)

أخرجه أبوداود في " سننه "(132 3) 3: 95 1 كتاب الجنائز، باب صنعة الطعام لأهل الميت. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (998) 3: 323 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1610) 1: 514 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت.

ص: 126

قال الزبير: فعمدت سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شعير فطحنته وأدمته بزيت جُعل عليه، وبعثت به إليهم.

ويروى عن عبدالله بن أبي بكر أنه قال: " فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها

(1)

".

ولأن أهل الميت ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن ياً تي إليهم عن أصلاًح طعام لهم.

ولأن في ذلك جبراً لقلوبهم.

وينوي أهل الميت، (لا لمن يجتمع عندهم) أي: عند أهل الميت (فيُكره) للمساعدة على المكروه وهو: اجتماع الناس عند أهل الميت. نقل المروذي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديداً. ولأحمد وغيره عن جرير وإسناده ثقات قال:" كُنا نَعُدُ الاجتماعَ إلى أهل الميت، وصَنْعَةَ الطعامِ بعد دفنه من النياحة "

(2)

.

(كفعلهم) يعني: أنه يكره ان يصنع الطعام لمن

(3)

يجتمع عند أهل الميت ككراهة فعلهم (ذلك للناس) الذين يجتمعون عندهم.

قال في " الفروع ": ويكره صنيع أهل الميت الطعام وفاقاً للشافعي. زاد الشيخ وغيره: إلا لحاجة.

وقيل: يحرم، وفاقاً لأبي حنيفة.

(وكذبح) أي: وكما يكره ذبح (عند قبر وأكل منه) أي: مما يذبح عند القبر.

قال في " الفروع ": وكره أحمد الذبح عند القبر وأكل ذلك؛ لخبر انس:

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1611) الموضع السابق.

(2)

أخرجه ابن ماجه فى " سننه "(1612) 1: 514 كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام. قال في " الزوائد ": إسناده صحيح.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(6866) طبعة إحياء التراث.

(3)

في ج: من.

ص: 127

" لا عًقْرَ في الإسلام "

(1)

. حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود.

وقال عبدالرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة

(2)

.

وقال أحمد في رواية المروذي: كانوا إذا مات لهم الميت نحروا جزوراً، فنهى عن ذلك. وفسره غير واحد بعد ذلك بمعاقرة الأعراب:" يتبارى رجلان في الكرم فيعقر هذا ويعقر هذا، حتى يطلب أحدهما الآخر. فيكون مما أُهلّ لغير الله به "

(3)

. كذا قال ابن معين. ذكره البيهقي، وهذا غير هذا، جزم الأئمة بالتفرقة بينهما، وتبعهم أهل غريب الحديث.

وحديث النهي عن معاقرة الأعراب رواه أبو داود. حدثنا هارون بن عبدالله حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن أبي ريحانة عن ابن عباس قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب "

(4)

حديث حسن، وذكره في " المختارة ". قال أبو داود: وقفه غندر على ابن عباس.

ولأبي داود عن هارون بن زيد

(5)

بن

(6)

أبي الزرقاء، عن أبيه، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس:" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين "

(7)

. إسناد جيد.

قال أبو داود: أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس.

ورواه الطبرانى، حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثني نصر بن علي أنبأنا أبي عن هارون بن موسى عن الزبير عن عكرمه عن ابن عباس قال: " نهي عن

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3222) 3: 216 كتاب الجنائز، باب كراهية الذبح عند القبر.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(13055) 3: 197.

(2)

ذكره أبو داود في " سننه " 3: 216 كتاب الجنائز، باب كراهية الذبح عتد القبر.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 314 كتاب الضحايا، باب ما جاء في معاقره الأعراب وذبائح الجن.

(4)

() أخرجه أبو داود في " سننه "(" 282) 3: 1 0 1 كتاب الأضاحي، باب ما جاء في أكل معاقرة الأعراب.

(5)

في الأصول: يزيد. وما أثبتناه من السنن.

(6)

() في ج: عن.

(7)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3754) 3: 344 كتاب الأطعمة، باب في طعام المتباريين.

ص: 128

?

طعام المتباريين "

(1)

، ورواه في " المختارة ". وهو إسناد جيد.

ويأتي الذبح لغير الله في آخر الذكاة

(2)

.

قال جماعة: وفي معنى الذبح عند القبر الصدقة عنده، فأنه مُحدث وفيه رياء، ونقل أبو طالب فيها: لم اسمع فيه بشيء، وأكره أن أنهى عن الصدقة. وحرم شيخنا الذبح والتضحية عنده.

قيل لأحمد: عما يفرقه المجوس على الجيران مما يصنعونه لأهل ميتهم فقال: لا بأس به. انتهى.

***

(1)

أخرجه الطبرانى في الكبير (11942) 11: 340.

(2)

في أ: الزكاة

ص: 129

(فصل): في زيارة القبور

وأمور تتعلق بالميت.

(سن لرجل زيارة قبر مسلم) على الأصح. نص عليه، وكذا زيارة قبر مسلمة. وعنه:. تباج الزيارة دون أن تستحب.

وجه القول بالإباحة: ما روى بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن إدخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرا "

(1)

رواه مسلم وغيره.

فاً مر بزيارتها بعد نهيه. والغالب في الأمر بعد الحظر: أن يكون للإباحة.

لا سيما وقد قرنه بما هو مباج وهو إدخار لحوم الأضاحي، والانتباذ في كل سقاء. ويعضد ذلك ما وقع في رواية أحمد والنسائي عن بريده: " ونهيتكم عن زيارة القبور. فمن أراد أن يزور فليزر، ولا يقول

(2)

: هُجْرا "

(3)

. وما علق على الإرادة فالأصل فيها الإباحة.

ووجه المذهب وهو القول بالاستحباب: قوله صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور]

(4)

فزوروها. فإ نها تذكر الموت "

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه ") 977 1) 3: 63 5 1 كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث. . .

وأخرجه النسائي في " سننه "(0 32 2) 4: 89 كتاب الجنائز، زيارة القبور.

(2)

() في ج: فليزور ولا يقل.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(33 0 2) 4: 89 كتاب الجنائز، زيارة القبور.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(23100) 5: 361.

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرحه مسلم في " صحيحه "(976) 2: 671 كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زبارة قبر أمه.

ص: 130

وللترمذي: " فإنها تذكر الآخرة "

(1)

. فعلل صلى الله عليه وسلم الأمر بزيارتها بأنها تذكر الموت والآخره، وهذا التعليل يرجح كون الأمر الوارد في ذلك بعد الحظر للاستحباب.

(و) سن (إن يقف زائر أمامه) أي: أمام القبر، (قريباً منه) على الأصح.

وعنه: أن وقوفه وقعوده سواء.

وعنه: يقف الزائر حيث شاء. وأما لمس القبر باليد فيباح على المذهب. وعنه: يكره؛ لأن القُرَب تُتَلَقَّى من التوقيف ولم يرد به سنة.

ولأنه عادة أهل الكتاب.

وعنه: يستحب؛ لأنه يشبه مصافحة الحي، لا سيما ممن ترجى بركته. (وتباح) زيارة المسلم (لقبر كافر). ويباح الوقوف أيضاً عند قبر الكافر؛

" لزيارته صلى الله عليه وسلم قبر أمه "

(2)

. وكان بعد الفتح.

وأما قوله سبحأنه وتعالى: {وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [التوبة: 84] فإنما نزل بسبب

عبدالله بن أبي في آخر التاسعة. على أن المرادعند أكثر المفسرين من قوله: {وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [التوبة: 84]، هو: القيام للدعاء والاستغفار.

(وتكره) زيارة القبور (لنساء) على الأصح من الروايات؛ لما روت أم عطية قالت: " نُهينا عن زيارة القبور ولم يُعْزَمْ علينا "

(3)

. متفق عليه.

وعنه: يحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله زوارات القبور "

(4)

. رواه الخمسة

(1)

() أخرجه الترمذي في " جامعه "(4 5 0 1) 3: 0 37 كتاب الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(67 0 23) 5: 357.

(3)

سبق تخريجه ص (86) رقم (2). ولفظه: " نهينها عن اتباع الجنائز، ولم يُعْزَمْ علينا ".

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3236) 3: 218 كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(320) 2: 136 أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجداً.

ص: 131

إلا النسائي وصححه الترمذي.

وعنه: تباح، لما روى عبدالله بن أبي مليكة

(1)

: " أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر. فقلت لها: يا أم المؤمنين لِلَّهِ من أين أقبلت؛ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلت لها: أليس كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور؛ قالت: نعم. كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها "

(2)

. رواه الأثرم في " سننه ". (وإن عَلمن) أي: النساء (أنه يقع منهن محرَّم حرُمت) زيارتهن القبور قولاً وأحداً.

ويستثنى من القول بأن زيارة القبور للنساء مكروهة أو محرمة ما أشير إليه بقوله:

(إلا " لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، و) قبر (صاحبيه رضوان الله تعالى عليهما) فتسن للرجال والنساء.

(ولا يمنع كافر من زيارة قبر قريبه المسلم). قاله الشيخ تقي الدين، واقتصر عليه في " الفروع ".

(وسن لمن زار قبور المسلمين، أو مر بها أن يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أو) يقول: السلام عليكم (أهل الديار من المؤمنين). ويقول عقب كل من السلامين: (وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستاخرين. نساًل ألله لنا ولكم العافية. اللهم لِلَّهِ لا تحرمنا أجرهم، ولا تفْتِنا بعدهم، واغفِر لنا ولهم)، للأخبار الواردة بذلك. فمنها: ما رواه مسلم من

(1)

= وأخرجه النسائي في " سننه "(43 0 2) 4: 94 كتاب الجنائز، التغليظ في اتخاذ السرج على القبور. خلافاً لما قاله المصنف.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(576 1) 1: 2 0 5 كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(8433) 2: 337.

() في أ: عبدالله بن مليكه، وفي ج: عبدالله ملكية. وما أثبتناه من " السنن ".

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 78 كتاب الجنائز، باب ما ورد في دخولهن في عموم قوله: فزوروها.

ص: 132

حديث أبي هريرة وهو: " السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون "

(1)

.

قال في " شرح المقنع ": وفي حديث عائشة: " ويرحم الله المستقدمين منكم والمستاخرين "

(2)

.

وروى مسلم من حديث بريدة قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نساًل الله لنا ولكم العافية "

(3)

. وقد دل هذا الحديث على أن اسم الدار يقع على المقابر، وإطلاق الأهل على ساكن المكان من حي وميت.

وروى أحمد من حديث عائشة: " اللهم لِلَّهِ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم "

(4)

.

وروى الترمذي من حديث ابن عباس قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة. فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور لِلَّهِ يغفر الله لنا ولكم. أنتم سلفنا ونحن بالأثر "

(5)

. قال الترمذي: حديث غريب.

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم دعا لأهل البقيع فقال: " اللهم لِلَّهِ اغفر لأهل بقيع الغرقد "

(6)

.

وبقيع الغرقد: اسم لمقبرة المدينة، وهو في الأصل: اسم للمكان المستنقع الذي يكون به شجرات، وأضيف إلى الغرقد وهو. ما عظم من شجر

(1)

() أخرجه مسلم في " صحيحه "(249) 1: 218 كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغره والتحجيل في الوضوء.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(974) 2: 0 67 كتاب- الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه ") 975) 2: 671 الموضع السابق.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده ") 24469) 6: 71.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه (0 53 1) 3: 369 كتاب الجنائز، باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر.

(6)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 78 كئاب الجنائز، باب ما يقول إذا دخل مقبره.

ص: 133

العوسج؛ لأنها كانت مفروشة به.

قال الهروي: الغرقد من العضاة، وكل شجرة لها شوك.

وقوله: " دار قوم مؤمنين " منصوب إما على النداء أي: يا أهل دار، أو على الاختصاص.

وقوله: " إن شاء الله بكم للاحقون " فيه إشكال. فإن الموت محقق لا بد منه، وإنما يعلق بأن ما كان مشكوكاً في وجوده. فلا تقول: أن غربت الشمس فعلت كذا، بل تقول: إذا غربت لتحقق غروبها. بخلاف: إن جاء زيد.

وعليه أجوبة أصحها: أنه استثناء للتبرك؛ امتثالاً لقوله سبحأنه وتعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24]، وكما في قوله سبحأنه وتعالى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ} [الفتح: 27]. (ويخيَّر فيه) أي: في السلام (على حي بين تعريف وتنكير)؛ لأن النصوص صحت بالأمرين فخيرنا بينهما.

(وهو) أي: السلام من منفرد (سنة) أي: سنة عين، (ومن جمع سنة كفاية). والأفضل: أن يسلموا كلهم، ولا يجب إجماعاً.

ويكره في الحمام وعلى من يأكل، أو يقاتل، أو يصلي، أو يبول، أو يتغوط.

(وردُّه) أي: رد السلام ممن كان وحده فرض، وإذا كانوا أكثر من واحد (فرض كفاية). ومحل فرضيته: أن لم يكن ابتداء السلام مكروها، ورد السلام سلام حقيقة؛ لأنه يجوز بلفظ: سلام عليكم، ولا يسقط برد غير المسلم عليه؛ لأنه ليس من أهل الفرض، كما لا يسقط الأذان عن أهل بلد بأذان أهل بلد غيرها.

ولا يجب زيادة الواو [في الرد]

(1)

بأن يقول الراد: وعليكم السلام.

وقيل: بلى.

(1)

ساقط من أ.

ص: 134

ولا تسن الزيادة في الابتداء، ولا في الرد على قوله: ورحمة الله وبركاته. ويجزئ إن زاد الابتداء على لفظ الرد، أو الرد على لفظ الابتداء.

وقيل: تجب مساواة الرد للابتداء.

وذكر ابن عقيل وابن تميم وابن حمدان: أنه يسن أن يترك المبتدئ لفظة: ورحمة الله وبركاته؛ ليقوله الراد عليه. انتهى.

ويسن أن يأتي المبتدئ بلفظ الجمع فيقول: السلام عليكم، وإن كان المسلم عليه وأحداً.

ولما كان بين رد السلام وتشيمت العاطس إذا حمد وإجابته للمشمت مناسبه من كون الشارع كلف كلاً منهما بالكلام لصاحبه بما أمره به قلت: (كتشميت عاطس حَمِدَ، وإجابته) أي: إجابة العاطس للمشمت بما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. ولأن التشميت تحية. فكان حكمه كالسلام، ولهذا لا يشمت الكافر، كما لا يبدأ

(1)

بالسلام.

قال ابن هبيرة: إذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفسه على صحة بدنه، وجودة هضمه، واستقامة قوته. فينبغي له: أن يحمد الله، ولذلك أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله. وفي " البخاري " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب "

(2)

؛ لأن العطاس يدل على خفة بدن ونشاط، والتثاو ب غالباً؛ لثقل البدن وامتلائه واسترخائه، فيميل إلى الكسل. فأضافه إلى الشيطان؛ لأنه يرضيه، أو من تسببه لدعائه إلى الشهوات.

وتشميت العاطس وجواب المشمت: فرض كفاية. قدمه ابن تميم وابن حمدان فيقال للعاطس إذا حمد الله: يرحمك الله، أو يرحمكم الله. ويجيب العاطس المشمت بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم. ذكره السامري،

(1)

فى ج: يبتدأ

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5869) 5: 2297 كتاب الأدب، باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب.

ص: 135

وزاد في " الرعاية ": ويدخلكم الجنة عرفها لكم، أو يقول: يغفر الله لنا ولكم. وقال أحمد في رواية أبي طالب: التشميت: يهديكم الله ويصلح بالكم.

وقال في رواية حرب: هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه.

وعلم من قوله: عاطس حَمِدَ: أن العاطس إذا لم يحمد الله لا يشمت؛ وذلك لما روى أبو موسى: " إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه "

(1)

. رواه أحمد ومسلم.

وروى البخاري من حديث أبي هريرة: " فإذا عطس أحدكم فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يقول له

(2)

: يرحمك الله "

(3)

.

- فإن عطس أكثر من ثلاث مرات لم يشمت.

قال صالح ابن الإمام أحمد لأبيه: تشميت العاطس في مجلسه ثلاثاً؛ قال: أكثر ما قيل فيه ثلاث.

وهذا كلام الأصحاب. على أن الاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات.

فلو عطس أكثر من ثلاث

(4)

متواليات فيشمت بعدها إذا لم يتقدم تشميت قولاً وأحداً.

وإن عطس صغيرٌ عُلّم: الحمد لله. ثم قيل له: يرحمك الله، أو بورك فيك. ومن عطس فلما يحمد عقبه فلا بأس بتذكيره؛ لما روى المروذي: أن رجلاً عطس عند أحمد فلم يحمد الله. فانتظره ان يحمد الله فيشمته [فلم يحمد الله]

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(2992) 4: 2292 كتاب الزهد والرقائق، باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(19615) 4: 412.

(2)

زيادة من ج.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5872) 5: 2298 كتاب الأدب، باب إذا تثاوب فليضع يده على فيه

(4)

في أ: ثلاثة.

(5)

ساقط من أ.

ص: 136

فلما أراد ان يقوم قال له أبو عبدالله: كيف تقول إذا عطست؟ قال أقول: الحمد لله. فقال له أبو عبدالله: يرحمك الله.

(ويسمع الميت الكلام)؛ لأن في حديث بريدة في السلام على أهل المقابر

(1)

: دليل على أن الموتى يسمعون سلام

(2)

المسلم عليهم، وإلا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر بالسلام على قوم لا يسمعون.

ولأحمد من حديث سفيان عمن سمع أنساً عنه مرفوعاً: " إن أعمَالكُم تُعرضُ على أقاربكُم وعشائركُم من الأموات. فإن كان خيراً استبشَروا وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لِلَّهِ لا تُمِتْهُمْْ حتى تَهدِيَهُم كما هَدَيتَنا "

(3)

. وروا أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن جابر مرفوعاً، وهو ضعيف.

وقال ابن الجوزي في كتابه " السر المصون ": الذي يوجبه القرآن. والنظر: أن الميت لا يسمع ولا يحس. قال الله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]، ومعلوم أن آلات الحس قد فقدت.

وأجاب عما يخالف هذا مما يدل على سماعهم لكلام الأحياء كحديث بريدة وغيره بأنه محمول على رد الأرواح أي: إذا سلم المسلم مثلاً الميت رد الله عليه روحه فسمع كلامه، ولا يلزم أنه

(4)

يسمع كلام الحي في وقت. قال الشيخ تقي الدين: واستفاضت الاثار بمعرفة الميت باًال أهلة وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يعرض عليه، وجاءت الاثار بأنه يرى أيضاً، وبأنه يدري بما فعل عنده، ويُسر بما كان حسنا، ويتألم بما كان قبيحاً.

وكان أبو الدرداء يقول: " اللهم لِلَّهِ إنى أعوذ بك أن أعمل عملاً أخزي به عبد الرحمن بن رواحة. وكان ابن عمه ".

(1)

() سبق تخريجه ص (133) رقم (3).

(2)

في ج: لكلام.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(12272) طبعة إحياء التراث.

وأخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده "(1794) ص: 248

(4)

في ج: أن.

ص: 137

و" لما دفن عمر عند عائشة كانت تستتر منه وتقول: إنما كان أبي وزوجي، فأما عمر فأجنبي ".

(ويعرف) الميت (زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس). قاله أحمد.

وفي " الغنية ": يعرفه كل وقت، وهذا الوقت لآكد.

(ويتأذّى بالمنكر عنده، وينتفع بالخير) عنده؛ لما تقدم من مجيء الاثار بذلك.

ويجب الأيمان بتعذيب الموتى في قبورهم، واختلف في كيفيته فقال القاضي: هو واقع على الروح

(1)

والبدن بأن يخلق الله فيهما إدراكاً للتعذيب. وقال ابن عقيل وابن الجوزي: هو واقع على الروح فقط.

وقال ابن الجوزي أيضاً: ومن الجائز أن يجعل الله للبدن تعلقاً بالروح فتعذب في القبر.

(وسن) لزائر الميت فعل (ما يخفِّف عنه) أي: عن الميت، وظاهره (ولو بجعل جريدة رَطبةٍ في القبر)؛ للخبر، و " أوصى به بريدة "

(2)

. ذكره البخاري، وفي معناه: غرس غيرها، وأنكر ذلك جماعة من العلماء.

وكره الحنفية: قلع الحشيش الرطب منها قالوا: لأنه يُسبّح. فربما يأنس الميت بتسبيحه.

(و) لو بـ (ذكر وقراءةٍ عنده) أي: عند القبر.

قال في " شرح مسلم ": إن العلماء استحبوا القراءة عند القبر؛ لخبر الجريدة؛ لأنه إذا رجي التخفيف بتسبيحها فالقراءة أولى.

ولا تكره القراءة على القبر على الأصح من الروايتين.

وروي عنه: أنه رجع عن القول بالكراهة؛ وذلك لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضعت ابنته في اللحد تلا قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ

(1)

في ج زيادة لفظ: فقط، وهي غير مناسبة.

(2)

ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقاً 1: 457 كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر.

ص: 138

تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] "

(1)

.

وعن ابن عمر: " أنه كان يستحب إذا دفن الميت أن يقرأ عنده عند رأسه بفاتحة سورة البقره وخاتمتها "

(2)

. رواه اللالكائي.

ويعضده عموم قوله: " اقرؤوا يس على موتاكم "

(3)

. فإنه يشمل المحتضرين والموتى قبل الدفن وبعده.

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: " أنه صلى على قبر بعد ما دفن "

(4)

، مع قوله:" لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب "

(5)

.

وروت عائشة عن أبي بكر قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ". من زار قبر والديه في كل جمعة أو أحدهما، فقرأ عنده (يس)، غفر الله له بقد كل أية أو حرف "

(6)

. رواه أبو الشيخ

(7)

في " فضائل القرآن ".

ولأن المقبرة موضع لا يكره فيه السلام وذكر الله والدعاء والاستغفار والترحم. فلا تكره فيه القراءة؛ كغير المقبرة.

وما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر. فإن

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(21940) 5: 254.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 56 كتاب الجنائز، باب ما ورد في قراءة القرآن عند القبر. وأخرجه الطبراني في الكبير مرفوعاً (13613) 12:444.

(3)

سبق تخريجه ص: 14.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1962) 1: 224.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(723) 1: 263 كتاب صفة الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(394) 1: 295 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. . .

وأخرجه أحمد في " مسنده "(22729) 5: 314.

(6)

ذكره الزبيدي في " إتحاف السادة المتقين " 14: 272 كتاب ذكر المو ت، بيان زيارة القبور والدعاء للميت وما يتعلق به. وعزاه إلى أبي بكر الشيخ في " الثواب " والديلمي وابن النجار والرافعى

(7)

في ج: رواه الشيخ.

ص: 139

الشيطان يفرُّ من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه "

(1)

. رواه أحمد ومسلم. فمعناه: الحث على صلاة النفل في البيوت؛ لاشتمال الصلاة على القراءة، وأن تعطيلها من الصلاة يجعلها كالمقبرة إذا كانت لا يصلى فيها. (وكلُ قُربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل له) ثوابها، (ولو جهله الجاعل) أي: جهل الجاعل من جعله له؛ كالدعاء إجماعاً، والاستغفار إجماعاً، وواجب تدخله النيابة إجماعاً، وصدقة التطوع إجماعاً، وكذا العتق. ذكره القاضي وأصحابه أصلاً، وذكره أبو المعالي والشيخ تقي الدين إجماعاً، وصاحب " المحرر " وفاقاً. وكذا حج التطوع خلافاً لما في " المحرر " من ان من حج نفلاً عن غيره وقع عمن حج؛ لعدم إذنه، وكذا القراءة والصلاة والصيام.

نقل الكحال: في الرجل يعمل شيئًا من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك ويجعل نصفه لأبيه أو أمه: أرجو.

وقال أيضاً: الميت يصل إليه كل شيء من الخير من صدقة أو صلاه أو غيره. والأصل في ذلك قوله سبحأنه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10]. وقوله سبحأنه وتعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

و" دعاء النبى صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات "

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه " - (780) 1: 539 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاه النافلة في بيته وجوازها في المسجد. وأخرجه أحمد في " مسنده " (8424) 2:337.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(0 92) 2: 634 كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر. ولفظه: عن أم سلمة قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلمه على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: أن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير. فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه ".

ص: 140

?

وما روي عن عبد الله بن العاص بن وائل: " أن العاص نذر في الجأهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين، وأن عمر

(1)

ساًل النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت أو تصدقت عنه نفعه ذلك "

(2)

. رواه أحمد.

وما روي عن ابن عباس: " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أن أمي تُوفِّيت أينفعُها إن تصدقت عنها؛ قال: نعم. قال: فإن لي مَخْرَفاً أُشهدك أّنى تصدقت به عنها "

(3)

. رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي.

وماروي عن الحسنين: " أنهما كانا يعتقان عن علي بعد موته ". رواه أبو حفص.

و" أعتقت عائشة عن أخيها عبدالرحمن بعد موته ". ذكره ابن المنذر.

ونقل المروذي: إذا دخلتم المقابر فاقرووا أية الكرسي وثلاث مرات: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم قولوا: اللهم لِلَّهِ آت فضله لأهل المقابر. يعني: ثوابه.

وظاهر قوله

(4)

: اللهم لِلَّهِ آت فضله لأهل المقابر: أنه لا يشترط في الإهداء إلى الميت أن يقول: اللهم لِلَّهِ إن كنت أثبتني على هذا فاجعل ثوابه لفلان، واشترط القاضى ذلك معللاً بأن الثواب قد يتخلف. فلا يحكم على الله.

(1)

في أ: عمراً.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2883) 3: 18 1 كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(6665) طبعة إحياء التراث.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2611) 3: 1 0 15 كتاب الوصايا، باب الإشهاد في الوقف والصد قة.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(2882) 3: 18 1 كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(669) 3: 56 كتاب الزكاة، باب ما جاء في الصدقة عن الميت. قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه النسائي في " سننه "(3655) 6: 52 2 كتاب الوصايا، فضل الصدقة عن الميت.

(4)

في ج: قوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 141

وقال المجد

(1)

: من ساً ل الثواب ثم أهداه كقوله: اللهم لِلَّهِ اثبني على عملي

(2)

هذا أحسن الثواب واجعله لفلان كان أحسن. ولا يضر كونه أهدى ما لا يتحقق حصوله من الثواب " لأنه يظنه ثقة بالوعد وحسنا للظن، ولا يستعمل الشك تحسيناً لظنه بربه. ولا يضر في الإهداء كون الثواب مجهولاً " لأن الله سبحأنه وتعالى يعلمه، كمن وكل إنساناً في أن يتصدق عنه بشيء من ماله يعلمه الوكيل فقط فأنه يصح. ذكره القاضي.

وهل يشترط في إهداء القربة إلى الميت ان ينويه قبل فعلها؛ وبه جزم الحلوانى في " تبصرته "، أو وقت فعلها، أو يشترط حصول أحد الأمرين؛. وبه صرح ابن عقيل في " مفرداته ".

أقول: والأشبه على ما حرره في " الفروع ": أنه لا يشترط في الإهداء ونقل الثواب إلى الميت أن ينويه به ابتداء، لأن اشتراط ذلك للإهداء مخالف لكلام أحمد والأصحاب، ولا وجه له في أثر ولا نظر. وإنما المتجه حصول ثواب القربة للميت ابتداء بالنية له قبل الفعل، وسواء صرح بالإهداء له أو لا، وهو ظاهر كلام ابن الجوزي حيث قال: ثواب القرآن يصل إلى الميت إذا نواه قبل الفعل ولم يعتبر الإهداء فظاهره عدمه.

وفي " الفنون " عن حنبل: يشترط تقدم النية، لأن ما تدخله النيابة

(3)

من الأعمال لا يحصل للمستنيب إلا بالنية من النائب قبل الفراغ.

وظاهره أيضاً: عدم اعتبار الإهداء في حصول الثواب مع تقدم النية قبل الفعل. والله تعالى أعلم

(4)

.

والمراد بالقرب التي يصح إهداؤها للميت: ما تطوع به من العبادات البدنية والمالية. فيخرج من ذلك ما لو صلى فرضا وأهدى ثوابه لميت. فإنه لا يصح

(1)

في أ: على ذلك قال المجد.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: النية.

(4)

في ج: والله أعلم.

ص: 142

في الأشهر.

وقال القاضي: يصح وبَعَّده بعضهم.

وحيث علمت حصول الثواب لمن جعل له فالأصح: أن ذلك مستحب.

فإن قيل: الإيثار بالدين والفضائل ليس بجائز عندكم فلم جوزتم بل استحببتم للمتقرب إيثار غيره بإهداء ثوابه له؟

فالجواب عن ذلك بما أشار إليه القاضي: حيث قيل له: لم قلتم بجواز ذلك وقد قال أحمد: ما يعجبني ان يخرج من الصف الأول ويقدم أباه، هو يقدر

(1)

أن

(2)

يبره بغير هذا. فقال: وقد نقل عن أحمد أيضاً ما يدل على نفي الكراهة. فنقل أبو بكر بن حماد فيمن يأمره أبوه بتأخير الصلاة ليصلي به قال: يؤخرها. والوجه فيه: أنه قد أمر بطاعة أبيه في ترك صوم النفل وصلاة النفل. وقد نقل هارون: لا يعجبني أن يصوم إذا نهياه. وقد أجاب أبو المعالي أيضاً عن ذلك بنحو جواب القاضي.

قال في " الفروع ": وهذا منهما تسوية بين نقل الثواب بعد ثبوته له، وبين نقل سبب الثواب قبل فعله.

(وإهداءُ القُرَب مستحب).

قال في " الفنون ": ويستحب إهداؤها حتى للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قال صاحب " المحرر ".

وقال الشيخ تقي الدين: لم يكن من عادة السلف إهداء ذلك إلى موتى المسلمين، بل كانوا يدعون لهم. فلا ينبغي الخروج عنهم.

وذكر ان أقدم من بلغه أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم: علي بن الموفق أحد الشيوخ المشهورين من طبقة أحمد، وشيوخ الجنيد.

ويدل لما في المتن من كون الحي في ذلك كالميت ما رواه أحمد من حديث

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: لأن.

ص: 143

أبي رافع: " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، فلما ذبح أحدهما قال: اللهم لِلَّهِ إن هذا عن أمتي جمعياً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ "

(1)

.

وهذا يدل على أن أمته أحياءهم وأمواتهم قد نالهم الأجر والنفع بتضحيته، وإلا كان. ذلك عبثاً.

وظاهر هذا جواز الصدقة وإهداء الثواب عنهم ولهم إلى يوم القيامة.

وما تقدم كله فيمن يأتي بالقرب احتساباً. فأما اكتراء من يقرأ ويهدي ثواب قراءته فقد قال الشيخ تقي الدين: ما علمت أحداً ذكره، ولا ثواب له. فلا شيء للميت. قاله العلماء. انتهى.

واحتج من قال بأن ما عدا الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت ولا يصل ثوابه إليه بقول الله سبحأنه وتعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} [النجم: 39].

وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا ماتَ ابنُ آدم انقطعَ عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفعُ به من بعده، أو ولدٍ صالحٌ يدعو له "

(2)

.

ولأن نفعه لا يتعدى فاعله، ولا يتعداه ثوابه.

وقال بعضهم: إذا قرأ القرآن عند الميت وأهدى إليه ثوابه كان الثواب لقارئه، ويكون الميت كأنه حاضرها. فترجى له الرحمة.

وأجيب بما تقدم من الأدلة، وبأن الإجماع قائم على إهداء ثواب القراءة.

فأنه في كل عصر ومصر يجتمعون ويقروون القرآن ويهدون ثوابه إلى موتاهم من

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1 2391) 6: 8.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1631) 3: 1255 كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد

وأخرجه أبو داود في " سننه "(0 288) 3: 17 1 كتاب الوصايا، باب ما جاء في الصدقة عن الميت.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1376) 3: 0 66 كتاب الأحكام، باب في الوقف.

وأخرجه النسائي في " سننه "(3651) 6: 251 كتاب الوصايا، فضل الصدقة عن الميت.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(1 883) 2: 372.

ص: 144

غيرنكير.

ولأنه قد صح عن النبي " أن الميت يعذب ببكاء أهله "

(1)

. والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب ثواب القربة عنه.

وأما الآية فمخصوصة بما سلمه الخصم من وصول ثواب الواجبات ؤالصدقة والدعاء والاستغفار. فيقاس عليه ما وقع الاختلاف فيه؛ لكونه في معناه. ولا حجة للمخالف في حديث: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله. . . "

(2)

؛ لأنه إنما دل على انقطاع عمله وليس هذا من عمله. فلا دلالة عليه فيه. ولو دل عليه كان ذلك مخصوصاً بما سلمه فيُعدى إلى ما منعه. وما ذكره

(3)

من أن النفع لا يتعدى [فاعله، ولا يتعداه ثوابه: غير صمحيح. فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع. ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحح. وليس]

(4)

له أصل يعتبر به. والله سبحأنه وتعالى أعلم.

خاتمة:

اختلفت الرواية عن أحمد في موت الفجاءة. والأخبار فيه مختلفة. فورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: " موت الفجاءة أخذةُ أَسِف "

(5)

. أخرجه أبو داود " ورواه أيضاً موقوفاً على عبيد بن خالد الضحاك.

والأسف: الغضب، ومنه قوله سبحأنه وتعالى:{فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55].

وورد: " أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من موت الفجاءة "

(6)

.

(1)

سبق تخريجه ص (123) رقم (1).

(2)

سبق تخريجه قريباً.

(3)

في ج: ذكر.

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3110) 3: 188 كتاب الجنائز، باب موت الفجأة.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 378 كتاب الجنائز، باب في موت الفجاءة.

(6)

أخرجه أحمد في " مسنده "(6594) 2: 171.

ص: 145

وذكر المدائني: أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وجماعة من الأنبياء ماتوا فجاءة قال: وهو موت الصالحين، وتخفيف على المؤمنين.

قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يقال: أنه رفق ولطف بأهل الاستعداد للموت المتيقظين، وأما من له تعلق يحتاج معه إلى الأيصاء والتوبة والاستحلال ممن بينه وبينه معاملة، فالفجاءة في حقه أخذه أسف.

وشاهد ذلك: ما رواه البيهقي عن ابن مسعود وعائشة: " أن موت الفجاءة راحةٌ للمؤمن، وأخْذَةُ أَسِفٍ للفاجر "

(1)

. ورواه مرفوعاً أيضاً.

والله سبحأنه وتعالى أعلم بالصواب.

*****

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 3: 379 كتاب الجنائز، باب موت الفجاءة.

ص: 146

‌كتاب الزكاة

[الزكاة]: أحد أركان الإسلام ومبانيه المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس- فذكر منها: - وإيتاء الزكاة "

(1)

.

واشتقاقها لغة: من زكا يزكو إذا نمى وتطهر.

والأصل في هذه التسمية قوله سبحأنه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبه: 103]. قيل: لأنها تطهر مؤديها من الإثم، لأن التطهير لغة: التنزيه والكف عن الإثم. وتنمي أجرها.

وقال الأزهري: لأنها تنمي الفقراء.

وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع: اما الكتاب " فقوله سبحأنه وتعا لى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة: 110].

وأما السنة، فـ " قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم "

(2)

. رواه الجماعة.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(8) 1: 12 كتاب الأيمان، باب الإيمان. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(16) 1: 45 كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام. كلاهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4090) 4: 158. كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(19) 1: 50 كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.

وأخرجه أبو داود في " سننة "(1584) 2: 1 0 4 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(625) 3: 21 كتاب الزكاة، باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال

في الصدقه.

وأخرجه النسائي في " سته "(2435) 5: 2 كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة.

وأخرجه ابن ماجه في " سته "(783 1) 1: 68 5 كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(071 2) 1: 233.

ص: 147

وأما الإجماع؛ فإن الصحابة ومن بعدهم في جمع الأعصار أجمعوا على وجوبها من غير أن يشذ منهم أحد.

واختلف العلماء هل فرضت بمكة أم بالمدينة؟ وفي ذلك آيات، واختلفوا في آية الذاريات وهي قوله سبحأنه وتعالى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [19][هل المراد به الزكاة]

(1)

، أو نصيب يوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله تعالى وإشفاقا على الفقراء؟

قال في " الفروع ": ويتوجه أنه الزكاة؛ لقوله في أية سأل {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} [المعارج: 24]. والمعلوم: إنما هو الزكاة لا التطوع.

وذكر صاحب " المغني " و " المحرر " وشيخنا: أنها مدنية. ولعل المراد طلبها وبعث السعاة لقبضها فهذا بالمدينة. ولهذا قال صاحب " المحرر ": إن الظواهر في إسقاط زكاة التجارة معأرضة بظواهر تقتضي وجوب الزكاة في كل مال؛ لقوله: و {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} [المعارج: 24] واحتج في أن الصلاة لا يجب على كافر فعلُها، ويعاقب بها بقوله

(2)

: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6 - 7]. والسورة مكية. مع أن أكثر المفسرين فسروا الزكاة فيها بالتوحيد. انتهى.

وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي: أنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر. بدليل قول قيس بن سعد بن عبادة: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر قبل نزول آية الزكوات "

(3)

.

وفي " تاريخ ابن جرير الطبري ": أنها فرضت في السنة الرابعة من الهجرة.

وقيل: فرضت قبل الهجرة وبينت بعدها.

وأما حد الزكاة في اصطلاح أهل الشرع فهي: (حقُّ واجبٌ في مال خاص)

يأتي بيانه في المتن، (الطائفة مخصوصة). وهم الأصناف الثمانية المذكورة في

(1)

ساقط من أ

(2)

في أ: لقوله.

(3)

أخرجه الطبرانى في الكبير (887) 8 1: 384.

ص: 148

قوله سبحا نه وتعا لى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ

} [الأية] التوبة: 60]. (بوقت مخصوص)

وهو تمام الحول فيما يشترط له الحول، وعند اشتداد الحب فيما تجب فيه الزكاة، وعند بدوّ صلاح الثمار فيما تجب فيه منها، وعند استخراج ما تجب فيه الزكاة من المعادن، وعند حصول ما تجب فيه الزكاة من العسل، وعند غروب الشمس من ليلة الفطر؛ لوجوب زكاة الفطر.

(والمال الخاص) المذكور في الحد: (سائمة بهيمة الأنعام). وهي: الإبل والبقر والغنم الأهليتان.

(و) سائمة (بقر الوحش وغنمه)، لشمول اسم البقر والغنم لهما.

(و) سائمة (المتولد بين ذلك وغيره) أي: بين الأهلى والوحشي في الأصح، كالمتولد بين الظباء والغنم، وبين السائمة والمعلوفة.

(والخارج من الأرض، و) من (النحل، والأثمان، وعر وض التجارة).

ولا تجب الزكاة في غير ما ذكر من الخيل السائمة والرقيق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق "

(1)

.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة "

(2)

. متفق عليه.

وفي لفظ: " إلا زكاة الفطر في الرقيق "

(3)

.

وما روي عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخيل السائمة: في كل فرس ديناًر "

(4)

: فيرويه غُورك السعدي وهو ضعيف.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1574) 2: 1 0 1 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1790) 1: 570 كتاب الزكاة، باب زكاة الورق والذهب. كلاهما من حديث علي رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1395) 2: 532 كتاب الزكاة، باب لي على المسلم في عبده صدقة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(982) 2: 675 كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفر سه.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(594 1) 2: 0 8 1 كتاب الزكاة، باب صدقة الرقيق،

(4)

أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 4: 119 كتاب الزكاة، باب من رأى في الخيل صدقة.

ص: 149

وما روي عن عمر: " أنه كان يأخذ من الرأس عشرة، ومن الفرس عشرة، ومن البرذون خمسة ": فشيء تبرعوا به، وعوضهم عنه رزق عبيدهم. كذلك رواه أحمد.

ولا يصح قياس ذلك على النَّعَم؛ لكمال نفعها بدمها ولحمها، ووجوب الزكاة في عينها، واعتبار كمال نصابها، وصحة التضحية بجنسها.

وسيأتي الكلام على المال الخا ص إن شاء الله تعالى باباً باباً.

(وشروطها) أي: شروط وجوب الزكاة (خمسة. وليس منها) أي: من شروط وجوب الزكاة (بلوغ). فتجب في مال الصغير.

(و) لا (عقل). فتجب في مال المجنون؛ لعموم " قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم "

(1)

. رواه الجماعة.

ولفظة: " الأغنياء " تشمل الصغير والمجنون، كما شملتهما لفظة:" الفقراء ". وروى الشافعي في " مسنده " عن يوسف بن ماهك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ابتغوا في أموال اليتامى لا تذهبها- أو لا

(2)

تستهلكها- الصدقة "

(3)

. ولا يضرنا كونه مرسلاً؛ لأنه عندنا حجة. وقد رواه الدارقطني مسندا من حديث عبدالله بن عمر

(4)

. لكن من طرق ضعيفة.

ولأنه مذهب جماعة من الصحابة منهم: علي وابن عمر وجابر بن عبدالله وعائشة والحسن بن علي. حكاه عنهم ابن المنذر.

وكذلك رواه مالك في " موطئه "، والشافعي في " مسنده " عن عمر

(5)

،

(1)

سبق تخريجه ص (147) رقم (2).

(2)

في ج: ولا.

(3)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(614) 1: 224 كتاب الزكاة. بلفظ: " ابتغوا في مال اليتيم، أو في مال اليتامى لا تذهبها أو لا تستأصلها الزكاة

(4)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(2) 2: 110 باب وجوب الزكاة في مال الصبي واليتيم. بلفظ: " احفظوا اليتامى في أموالهم، لا تاكلها الزكاة "

(5)

أخرجه مالك في " الموطأ "(12) 1: 215 كتاب الزكاة، باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها. -

ص: 150

ورواه الأثرم في " سننه " عن ابن عباس. ولم يعرف لهم مخالف، وقد فعلوه في أوقات مختلفة، واشتهر ولم ينكر

(1)

فصار كالإجماع.

ولأن الزكاة مواساه وهما من أهلها؛ كالمراه. بخلاف الجزية. فإنها لحقن الدم. ودمهما محقون، والعقل للنصرة وليسا من أهلها.

إذا علمت ذلك فالأول من شروط وجوب الزكاة: (الإسلام.

و) الثانى: (الحرية لا كمالها) في المالك

(2)

. (فتجب على مبَّعض بقدر ملكه) أي: ما ملكه بجزئه الحر.

(لا كلافر) أي: فلا تجب على كافر؛ لى " قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوماً أهل كتاب. فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فإن هم اطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم "

(3)

. متفق عليه.

فجعل الإسلام شرطاً لوجوب الزكاة.

ولأنه أحد أركان الإسلام. فلم تجب على كافر؛ كالصيام.

حتى (ولو) كان الكافر (مرتداً)، سواء حكمنا ببقاء الملك مع الردة أو زواله، وفاقاً لأبي حنيفة ومالك.

وعنه: تجب على المرتد، لأن الردة لا تزيل ملكه، بل يكون موقوفاً.

والأول المذهب.

ووجهه: عموم قوله سبحأنه وتعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].

(1)

= بلفظ: " اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ".

وأخرجه الشافعي في " مسنده "(615) 1: 224 كتاب الزكاة. بلفظ: " ابتغوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة ".

() في ج: ينكره

(2)

في أ: الملك

(3)

سبق تخريجه ص (147) رقم (2).

ص: 151

وقوله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يجبُّ ما قبله "

(1)

.

وفي كتاب أبي بكر الصديق: " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي أمر الله بها رسوله. فمن سُئِلَها من المسلمين على وجهها فليُعطِها "

(2)

. وتخصيص المسلمين بالذكر دليل اختصاصهم بالحكم.

ولأن المرتد كافر. فأشبه الأصلي.

(ولا رقيق) يعني: أنه لا تجب الزكاة

(3)

على رقيق، ولو قلنا أنه يملك بالتمليك وهو رواية. (ولو) كان (مكاتباً)، لأن ملكه ضعيف لا يحتمل المواساة

(4)

.

ولما روى جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق "

(5)

. رواه الدارقطني.

ولأن تعلق حاجة المكاتب إلى فك رقبته من الرق بماله أشدّ من تعلق حاجة الحر المفلس بمسكنه وثياب بذلته. فكان بإسقاط الزكاة عنه أولى وأحرى.

(ولا يملك رقيق غيره) أي: غير المكاتب (ولو مُلْك) يعني: أن العبد لا يملك شيئًا، ولو ملّكه سيده أياه على أصح الروايتين.

قال أبو بكر: وهو اختياري، وهو ظاهر كلام الخرقي، لأن العبد مال. فلا يملك المال، كالبهائم.

فعلى هذا تكون زكاة المال الزكوي الذي صدر فيه صورة تمليك من سيد لعبده على سيده، لأنه لم يخرج عن ملكه.

(و) الثالث من شروط وجوب الزكاة: (ملك نصاب) لمسلم حر،

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(17846) 4: 4 0 2 من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1386) 2: 527 كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

في ج: يعني أن الزكاة لا تجب.

(4)

في أ: المساواه.

(5)

أخرجه الدارقطنى في " سننه "(1) 2: 108 كتاب الزكاة، باب ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق.

ص: 152

للنصوص الواردة في ذلك. ولا فرق بين بهيمة الأنعام وغيرها.

ولا يشترط كون النصاب تحديداً مطلقاً، بل يكون (تقريباً في أثمان) وهي: الذهب والفضة، (و) في قيم (عروض) التجارة. فتجب الزكاة مع نقص يسير في النصاب، كالحبة والحبتين؛ لأن هذأ لا ينضبط غالباً فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين

(1)

. وهذا لا يُخِلُّ بالمواساة، لأن اليسير لا حكم له في أشياء كثيرة، كالعمل اليسير في الصلاة، وانكشاف العورة، والعفو عن يسير الدم. فكذا هنا.

(و) يشترط كون النصاب (تحديداً في غيرهما) أي: غير الأثمان وعروض التجارة. فلو نقص نصاب الحب والثمر يسيراً أو الماشية واحدة لم تجب.

ويشترط كون ملك النصاب (لغير محجور عليه لفلس) ولو قلنا إن الدين لا يمنع الزكاة، كما هو مذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، وهذا المذهب الذي عليه القاضي والموفق ومن وافقهما؛ لأن المحجور عليه لفلس ممنوع من التصرف في ماله حكماً تشبيها لمنع التصرف الحكمي في هذا بمنع

(2)

التصرف الحسي في المغصوب. وإنما وجبت زكاة المغصوب على مالكه إذا قبضه؛ لملكه الرجوع بها على الغاصب؛ لضمأنه ما يجب في

(3)

المغصوب من أرش جنايته وزكاته ونحوهما، لكونه ظالماً بغصبه. بخلاف حجر الحاكم. وعند أبي المعالي والأزجي: أن في مال المحجور عليه لفلس روايتي المدين

(4)

.

إذا علمت ذلك: فمن كان من أهل الزكاة وفي ملكه نصاب فغُصب منه لم تسقط زكاته بغصبه، ولذلك قلت:(ولو) كان المال الذي تجب فيه الزكاة

(1)

في ج: وساعتين.

(2)

في أ: بمعنى.

(3)

في ج: على.

(4)

في أ: المديني.

ص: 153

(مغصوباً) بيد غاصب، أو بيد من انتقل إليه من الغاصب، أو تالفاً؛ لأنه مال يجوز التصرف فيه بالإبراء منه والحوالة به وعليه

(1)

، أشبه الدَّين على المليء. فيزكيه مالكه إذا قبضه لما مضى من السنين على أصح الروايتين.

(ويرجع) مالكه (بزكاته) أي: زكاة الما ل المغصوب (على غاصبـ) ـه؛ لنقص المال بوجوب الزكاة فيه وهو بيده؛ كما لو تلف بيده.

وكذا لو ضل النصاب عن مالكه، ولهذا قلت:(أو ضالاً) فيزكيه مالكه إذا وجده للحول الذي كان الملتقط ممنوعاً من التصرف فيه وهو حول التعريف، (لا زمن ملك ملتقط) وهو ما بعد حول التعريف؛ لأن الضال يدخل في ملك الملتقط بعد حول التعريف حكماً؛ كالمال الموروث. فيصير كسائر أمواله فيستقبل به حولاً في الأصح ويزكيه

(2)

. نص عليه؛ لوجوب الزكاة عليه بالدخول في ملكه من حين مضي حول التعريف.

(ويرجع) رب المال الضال إذا وجده عند ملتقطه (بها) أي: بالزكاة (على ملتقط أخرجها) أي: أخرج الزكاة (منها) أي: من اللقطة

(3)

. يعني: أن الملتقِط متى أخرج زكاة المال الذي التقطه زمن وجوبها على رب المال - وهو حول التعريف- من عين اللقطة ثم أخذها ربُّها: رجع على الملتقط بما أخرج منها؛ لتعديه بالإخراج لعدم إجزائها عن ربِّها، وإن أخرجها من غيرها لم يرجع على ربها بشيء؛ لما تقدم.

(أو غائباً) يعني: أن الزكاة تجب في المال الغائب إذا غلب على ظن ربه بقاؤه؛ كالأَبق من عبيد التجارة إذا غلب على ظن سيده حياته.

(لا إن شك في بقائه) بأن شك هل هو حي أو ميت؛ فإن زكاته لا تجب مع الشك.

(1)

في أ: لأنه مال يجوز التصرف فيه بالإبراء والحواله.

(2)

في أ: وزكي.

(3)

في أ: الملتقط، وفي ب: الملتقطة.

ص: 154

(أو مسروقاً، أو مدفوناً منسياً، أو موروثاً جَهلَه) أي: جهل كونه انتقل إليه بالإرث " لعدم علمه بموت مورثه.

(أو) علم ان مورثه مات وجهل الموروث عنه وهو ما خلفه (عند من هو) أي: الموروث (ونحوه) أي: ونحو ذلك، كالموهوب قبل قبضه.

(ويزكِّيه إذا قدَر عليه) يعني: أنه لا يلزم إخراج زكاة ما تقدم من الغائب، والمسروق، والمدفون المنسي، والموروث المجهول، إلا إذا قدر عليه، ولا زكاة الموهوب إلا إذا قبضه.

قال في " الإنصاف " عند قوله في " المقنع ": وفي الدَّين على غير الملي والمؤجَل والمحجور والمغصوب والضائع: روايتان. قال: وكذا لو كان على مماطل، أو كان المال مسروقاً، أو موروثاً، أو غيره أو

(1)

جهله، أو جهل عند من هو. وأطلقهما في " الفروع " و " الشرح " و " الرعايتين " و " الحاويين " و " المستوعب " و " المذهب الأحمد " و " المحرر ". إحداهما: كالدين على المليء. فتجب الزكاة في ذلك كله إذا قبضه، وهو الصحيح من المذهب. انتهى.

(أو مرهوناً) يعني: أن الزكاة تجب في المال المرهون.

قال في " الفروع ": ويزكى المرهون على الأصح وفاقاً.

(ويخرجها) أي: يخرج زكاة المرهون (راهن منه) أي: من المرهون (بلا إذن) من المرتهن (إن تعذّرَ غيرُه) أي: أن تعذر إخراجها من غير المرهون، بأن يكون ما عدا المرهون من ماله غائباً أو مغصوباً أو نحو ذلك.

قال في " الفروع ": كجناية رهن على ربه

(2)

.

وقيل: منه مطلقاً.

وقيل: إن علقت بالعين.

وقيل: يزكي راهن موسر.

(1)

ساقط من أو ج.

(2)

في ب وج: دينه.

ص: 155

(ويأخذ مرتهِن) من راهن (عوض زكاة) أخرجها راهن من الرهن (إن أي سر) راهن بما عدا الرهن، باًن حضر له مال، أو قدر على رفع يد غاصب ماله عنه، أو نحو ذلك.

(أو) كان المال الذي تجب فيه الزكاة (ديناً) على موسر أو معسر على الأصح " لما روي عن علي " أنه قال في الدين الظنون قال: إذا كان صادقاً فليزكه

(1)

إذا قبضه لما مضى "

(2)

.

وعن ابن عباس نحوه

(3)

. رواه أبو عبيد

(4)

.

قال في " القاموس ": في مادة " ظن " بالمعجمة: وكصَبور، من الديون: ما لا يُدْرَى أيقْضيه آخذُه أم لا. انتهى.

ولأن الدين على المعسر يجوز التصرف فيه بالبراءة والحوالة. أشبه الدين على المليء.

ولأن ملكه فيه تام. أشبه المودَع المنسي.

ولا فرق في انعقاد الحول على الدين بين كون الدين حالأ أو مؤجلاً، لأن تأجيله تكسب واستنماء برضى ربه واختياره.

ومحل ذلك: إذا كان الدين (غير بهيمة الأنعام) فأنه لا زكاة فيها على رب الدين وفاقاً " لاشتراط السوم فيها. فإن عينت زكيت كغيرها.

(أو) غير (دية واجبة) فإنها لا تزكى وفاقاً، لأنها لم تتعين مالاً زكوياً "

] لأن الإبل في الذمة في الدية]

(5)

أصل، أو أحد الأصول الخمسة.

(أو) غير (دين سَلَم)، لأنه ممنوع من التصرف فيه بحوالة به أوعليه، أو باعتياض عنه. (ما لم يكَن) دين السلم (أثماناً)، لوجوب الزكاة في عينها.

(1)

في ج: فليزكيه.

(2)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(1220) 0 39 باب الصدقة في التجارات. . .

(3)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(237 1) ص 393 الموضع السابق.

(4)

() في أ: أبو عبيدة. وهو تصحيف.

(5)

في ب الجملة هكذا: لأن الدليل في الدية.

ص: 156

(أو) يكون (لتجارة)؛ لوجوب الزكاة في قيمة عروضها. وهذا منها.

وحيث قلنا تجب الزكاة في الدين. فأنها تجب (ولو) كان (مجحوداً بلا بينة)؛ لأن جحده لا أثر له في عدم وجوب الزكاة، ولا ضرر على المالك بذلك؛ لأنه لم يجب

إخراج

(1)

زكاته

(2)

إلا بعد قبضه.

(وتسقط زكاته) أي: زكاة الدين (إن سقط- قبل قبضه- بلا عوض ولا إسقاط).

ومن أمثلته: لو أصدق رجل امرأة نصاباً من الأثمان فحال الحول وهو في ذمته لها ثم فسخ النكاح لعيب فيها: سقط الصداق وسقطت زكاته؛ لأنه سقط قبل قبضه من غير عوض عنه ولا إسقاط.

وكذا لو تعلق بذمة رقيق دين يبلغ نصاباً وحال عليه الحول ثم ملك رب الدين الرقيق الذي تعلق

(3)

دينه بذمته قبل استيفائه: سقط الدين وسقطت زكاته؛ لسقوطه من غير عوض قبل استيفائه ولا إسقاط عن ربه.

وكذا لو باع طعاماً مكيلاً بكيلٍٍ أو موزوناً بوزن بمائتي درهم أو عشرين مثقالاً مؤجله في ذمة المشتري وحال عليها الحول، ثم تلف الطعام قبل قبضه، بطل البيع وسقط الثمن وزكاته؛ لسقوطه عن ذمة المشتري، من غير أن يكون عوض ولا إسقاط.

وإن كان البائع قد قبض الثمن وحال عليه الحول ثم تلف الطعام، رد البائع الثمن وكانت عليه زكاته؛ كما لو أسلم إليه نصاباً في طعام ثم تعذر عليه بعد حولان الحول وفسخ العقد؛ لأن

(4)

الزكاة مواساة، ولا تلزم المواساة في شيء تعذر حصوله.

(وإلا) أي: وإن لم يسقط قبل قبضه بلا عوض ولا إسقاط (فلا) تسقط

(1)

في أ: إخراجه.

(2)

في ج: الزكاة.

(3)

في ج: تعلق به.

(4)

في أ: ولأن.

ص: 157

زكاته. (فيزكّى) الدين (إذا قُبض، أو أُبرئ منه لما مضى) من السنين. ولا يلزمه إخراج زكاته قبل قبضه، لأن الزكاة إنما وجبت على سبيل المواساة، وليس من المواساة: أن يلزمه إخراج زكاة مال لا ينتفع به. والحوالة بالدين والإبراء منه كقبضه.

(ويجزئ إخراجها) أي: إخراج زكاة الدين (قبل) أي: قبل أن يقبضه لزكاة سن ين، ولو قلنا لا يجوز تعجيل الزكاة لأكثر من سنة، لقيام الوجوب على رب الدين. وعدم إلزامه

(1)

بإخراج زكاة الدين قبل قبضه رخصة في حق رب الدين.

(ولو قبض) رب الدين

(2)

من دينه (دون نصاب، أو كان بيده) دون نصاب (وبافيه) أي: باقي النصاب (دين أو غصب أو ضال: زكاة) أي: زكى ما قبضه من الدين مما دون النصاب نصا، وزكى أيضاً ما بيده مما دون النصاب وباقيه دين أو غصب أو ضال في الأصح، لأنه مالك لنصاب ملكا تاما. أشبه ما لو كان النصاب كله بيده.

(وإن زكّت) المرأة (صداقها كلّه) لحولان الحول وهو في ملكها، (ثم تنصّف) الصداق (بطلاقه) أي: طلاق الزوج: (رجع فيما بقي) من الصداق بعدما وجب فيه من الزكاة، (بكل حقه). فلو أصدقها ثمانين مثقالاً من الذهب ومضى عليها حول فأكثر ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفها كله وهو أربعون، وكانت الزكاة من النصف الباقي لها " لقوله تعالى (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) البقرة: 237].

ولأنه يمكنه الرجوع في العين. فلم يكن له الرجوع إلى القيمة، كما لو لم تجب فيه زكاة.

(ولا تجزئها زكاتها منه) أي: من الصداق (بعد) أي: بعد طلاقها. يعني: أن الزوج إذا طلقها بعد الحول وقبل الإخراج لم يكن لها أن تخرج الزكاة بعد طلاقها من الصداق، لأن حق الزوج تعلق به على وجه الشركة، والزكاة

(1)

في ج: إلزامها.

(2)

فى ج: المال

ص: 158

?

لا تتعلق به على وجه الشركة. لكن لها أن تخرج الزكاة من غير الصداق، أو يقتسمأنه ثم تخرج الزكاة من حصتها.

(ويزكّي مشتر مَبيعاً متعيناً)، كنصاب سائمة متعين، (أو متميزاً)، كدار اشتراها لتجارة تبلغ قيمتها نصاباً، (ولو لم يقبضه حتى انفسخ) البيع (بعد الحول. وما عداهما) أي: عدا المتعين والمتميز من المبيعات فيزكيه (بائع) يعني: أن المبيع غير المتعين، كأربعين شاة موصوفة في الذمة، أو غير المتميز " كنصف مشاعا في زبرة فضة وزنها أربع مائة درهم فيزكيه البائع.

(و) الشرط الرابع من شروط الزكاة: (تمام الملك ولو) كان الملك التام (في) شيء (موقوف على معين: من سائمة). نص على ذلك. سواء كانت من غنم أو غيرها " لعموم قوله: " في أربعين شاة شاة "

(1)

.

ولعموم غيره من النصوص.

ولأن الملك ينتقل إلى الموقوف عليه في الصحيح من المذهب. أشبهت سائر أملاكه.

(و) كذا لو كان الملك التام في (غلة أرض، و) غلة (شجر) موقوفين. يعني: أنه لو كانت أرض أو شجر موقوفة على معين فحصل له من غلتها نصاب مما تجب الزكاة فيه

(2)

وجب عليه إخراجها. نص عليه " لأن الزرع والثمر ليسا وقفا بدليل بيعهما.

قال في " الفروع ": وقيل: تجب مع غنى الموقوف عليه. جزم به أبو الفرج والحلوانى وابنه وصاحب " التبصرة "، ولعله ظاهر ما نقله علي بن سعيد وغيره. انتهى.

(و) إذا حال الحول على السائمة الموقوفة فإنه) يخرج) زكاتها (من غير

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(572 1) 2: 99 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(621) 3: 17 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم.

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(18 0 7) 1: 578 كتاب الزكاة، باب صدقه الغنم

(2)

ساقط من أ.

ص: 159

?

السائمة) الموقوفة، ولا يجوز أن يخرج منها لمنع نقل الملك في الوقف. وحيث علمت أن تمام الملك من شروط وجوب الزكاة؛ لأن الملك الناقص ليس بنعمة تامة، وإنما تجب الزكاة في مقابلة النعمة التامة، إذ الملك التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق به حق غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره، و " فوائده " حاصلة له، (فلا زكاة) على سيد مكاتب (في دين كتابة)؛ لنقص ملكه فيه. ودليل نقصه: أنه لا يستقر في الذمة بحال؛ لعدم صحة الحوالة عليه، وعدم صحة ضمأنه على الأصح؛ لأن المكاتب يملك إبطاله متى شاء بتعجيز نفسه، وامتناعه من الأداء.

(و) لا زكاة أيضاً في (حصة مضارب قبل قسمة ولو ملكت بالظهور) في الأصح؛ لنقصان ملكه بعدم استقراره؛ لأنه وقآية لرأس المال. بدليل: أنه لو خسر المال بقدر ما ربح لم يكن للمضارب شيء.

ولأنه ممنوع من التصرف في حصته. فلم يكن فيها زكاة؛ كمال المكاتب.

ولأن ملكه لو كان تاماً لاختص بربحه؛ كما لو اقتسما ثم خلطا المال.

(ويزكِّّّي رب المال حصته) من الربح. نص عليه؛ (كالأصل) تبعا له.

فمن دفع إلى رجل ألفاً مضاربةٌ على أن الربح بينهما نصفين. فحال الحول وقد ربح ألفين فعلى رب المال زكاة ألفين.

(وإذا أدّاها) أي: أدى رب المال زكاة مال المضاربة (من غيره) أي: من غير مال المضاربة (فرأس المال باق، و) إن أدى زكاة مال المضاربة (منه) فإن الزكاة (تحسب من اصل المال، و) من (قدر حصته) أي: حصة رب المال (من الربح).

قال في " الإنصاف " على الصحيح، قدمه في " الفروع ". وقال: ذكره القاضي وتبعه صاحب " المستوعب " و " المحرر " وغيرهما. فينقص ربع عشر رأس المال. انتهى.

يعني: مع ربع عشر حصة ر ّب المال من ر بح المال، ولا يصح أن تحسب كلها من رأس المال؛ لوجوب الزكاة على رب المال في حصته من ربحه تبعاً لأصله.

ص: 160

(وليس لعامل إخراج زكاة تلزم رب المال بلا إذنه). نص عليه فيضمنها. (ويصح شرط كل منهما)[يعني: ويصح أن يشرط رب المال وكذا العامل إن قلنا بالوجوب]

(1)

(زكاة حصته من الربح على الآخر)؛ لأنه كأنه شرط لنفسه نصف الربح

(2)

وثمن عشره.

(لا) شرط (زكاة رأس المال أو بعضه من الربح)؛ لأنه قد يحيط بالربح فهو كشرط فضل دراهم.

سأله المروذي: يشترط المضارب على رب المال أن الزكاة من الربح؟ قال: لا. الزكاة على رب المال.

(وتجب) الزكاة (إذا نذر الصدقة) أي: على من نذر الصدقة (بنصاب أو بهذا النصاب، إذا حال الحول) بأن يقول: لله عليَّ أن أتصدق بنصاب إذا حال الحول، أو يقول: لله عليَّ أن أتصدق بهذا النصاب إذا حال الحول. فإذا حال الحول

(3)

وهو في ملكه وجبت زكاته في الأصح، ويجزئ إخراجها منه.

(ويبرأ) رب النصاب

(4)

(من زكاة ونذر، بقدر ما يخرج منه) أي: من النصاب الذي نذر الصدقة به، إذا حال الحول (بنيته) أي: بنية رب المال بالإخراج (عنهما) أي: عن النذر والزكاة؛ لكون كل منهما صدقة، كما لو نوى بالصلاة الراتبة والتحية.

(لا في) نصاب (معين نذر أن يتصدق به) بأن قال: لله عليَّ أن اتصدق بهذا، أو قال: هو صدقة ولم يقل فيهما

(5)

إذا حال الحول. يعني: أنه لا زكاة فيه؛ لزوال ملكه أو نقصه. وعند ابن حامد: تجب. فقال في قوله: إن شفى الله مريضي تصدقت من هاتين المائتين بمائة فشفي ثم حال الحول قبل

(1)

في االجملة هكذا: أي من رب المال والعامل.

(2)

في أ: المربح.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: المضارب.

(5)

في ب: عنهما.

ص: 161

الصدقة: وجبت الزكاة.

(و) كذا لا زكاة في (موقوف على غير معين).، كعلى الفقراء، (أو) موقوف على (مسجد).

قال في " الفروع ": ولا زكاة في وقف على غير معين أو على المساجد والمدارس والربط ونحوها، خلافاً لمالك.

قال أحمد في أرض موقوفة على المساكين: لا عشر، لأنها كلها تصير

إليهم. انتهى.

(و) لا زكاة في (غنيمة مملوكة) إذا كانت أجناساً وفاقاً؛ لأن للإمام أن

يقسم بينهم قسمة تحكم. فيعطي كل واحد منهم من أيّ الأصناف شاء فما

(1)

تم ملكه على معين. بخلاف الميراث.

(إلا) إن كانت الغنيمة (من جنس) واحد.

قال في " الفروع ": وإن كانت صنفاً فكذلك عند أبي بكر والقاضي.

والأشهر ينعقد الحول عليها (إن بلغت حصة كل واحد نصاباً، وإلا) أي:

وإن لم تبلغ حصة كل واحد نصاباً (انبنى على الخُلطة)، ولا يخرج قبل القبض كالدين. انتهى.

(ولا) تجب الزكاة (في) مال (فيء، و) لا في مال (خمس)، لأن

ذلك يرجع إلى صرفه في مصالح المسلمين.

(و) لا في (نقد موصى به في وجوه بر، أو) نقد (يُشترى به وقف ولو

رَبَح. والر بح كأصل).

قال في " الفروع ": ومن وصى بدراهم في وجوه البر، أو ليشترى بها ما يوقف فاتجر بها الوصي. فربحه مع المال فيما وصى به، ولا زكاة فيهما، ويضمن إن خسر. نقل ذلك الجماعه.

وقيل: ربحه إرث. انتهى.

(1)

في ج: كما.

ص: 162

?

(ولا) زكاة (في مال من عليه دين ينقص النصاب)، سواء كان النصاب من الأموال الباطنة " كالأثمان وقيم عروض التجارة، أو من الأموال الظاهرة " كالمواشي والحبوب والثمار على الأصح، لما روى السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: " هذا شهر زكاتكم. فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم "

(1)

. رواه أبو عبيد في " الأموال ".

وفي لفظ: " من كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقيه ماله "

(2)

. وقد قال ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه.

ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة للفقراء، وشكراً لنعمة الغِنى.

والمدين محتاج إلى قضاء دينه، كحاجة الفقراء وأشد. وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لدفع حاجة غيره.

ولا فرق بين الدين الحالّ والمؤجل. ذكره السامري. قال: ولم يفرق أصحابنا، وهو ظاهر ما في " الفروع " وهو قوله.

وعنه: يمنعها الدين الحالّ خاصة. جزم به في " الإرشاد " وغيره.

وعنه: لا يمنع الدين وجوب الزكاة مطلقاً وفاقاً للشافعي.

وعلى المذهب: وهو كون الدين يمنع وجوب الزكاة فأنه يمنع (ولو) كان الدين (كفارة ونحوها)، كنذر، أو كان الدين زكاة من جنس ما وجبت فيه، (أو زكاة غنم عن إبل)

(3)

أو غير ذلك من ديون الله تعالى، لأنه دين يجب قضاؤه فمنع كدين الآدمي. وقد قال صلى الله عليه وسلم:" دين الله أحق أن يقضى "

(4)

. وهذا المذهب.

(1)

() أخرجه ما لك في " الموطأ "(17) 1: 216 كتاب الزكاة، باب الزكاة في الدين وأخرجه أبو عييد في " الأموال "(1247) 395 باب الصدقة في التجارات والديون. . . .

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 148 كتاب الزكاة، باب الدين مع الصدقة

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1148) 2: 804 كتاب الصيام، باب قضاءالصيام عن الميت.

ص: 163

?

وقيل: إن دين الله لا يمنع؛ لتعلقها بالعين.

قال في " الفروع " في مسألة هل وجبت الزكاة في العين أو في الذمة: فعلى النص: لو لم يكن له سوى خمس من الإبل ففي امتناع زكاة الحول الثاني لكونها ديناً الخلاف.

وقال القاضي في " الخلاف ": في هذه المسألة: لا تلزمه " لأن أحمد علل في المال بأنه إذا أدى منه

(1)

نقص فاقتضى ذلك أنه إذا

(2)

أدى من الغنم ما يحصل عليه به دين لم يلزمه " لأن الدين يمنع وجوب الزكاة. وحمل كلام أحمد على أن عنده من الغنم ما يقابل الحولين. انتهى.

وعلى المذهب: فيستثنى من ذلك ما أشار إليه بقوله: (إلا ما) أي: إلا ديناً (بسبب ضمان)" لعموم كونه فرع أصل في لزوم الدين. فاختص المنع بأصله " كمن غصب الفاً ثم غصبه منه آخر واستهلكه، ولكل واحد

(3)

منهما ألف، فإن الزكاة تمتنع بذلك في ألف الغاصب الثانى دون الأول مع تمكن المالك من مطالبة كل من الغاصبين.

ولأن منع الدين قي أكثر من قدره إجحاف بالفقراء. وتوزيعه على الجهتين لا قائل به فتعين مقابلته بجهة الأصل؛ لترجحها. لا سيما إذا كان الضامن ممن يرجع

(4)

إذا أدى؛ لأنه حينئذ يكون في معنى الغاصب الذي [لا قرار]

(5)

عليه.

(أو) ديناً بسبب مؤونة (حصاد، أو جذاذ، أو دِيَاس ونحوه).

قال في " الفروع " في باب زكاة الزرع والثمر: ولا ينقص النصاب بمؤونة حصاد ودياس وغيرهما منه؛ لسبق الوجوب.

وقال صاحب " الرعاية ": يحتمل ضده؛ كالخراج. انتهى.

(1)

في ج: عنه.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في ج: يرجى.

(5)

في ج: يرجى.

ص: 164

(ومتى بَرئ) المدين من الدين بأن قضاه من مال مستحدث، أو أبرأه رب الدين منه (ابتدأ حولاً) من حين برئ؛ لأن ما منع وجوب الزكاة منع انعقاد الحول وقطعه. وهذا المذهب.

وعنه: يزكيه وفاقاً لمالك. فيبنى إن كان فى أثناء حول. وبعده يزكيه في الحال.

(ويمنع ارش جناية عبد التجارة، زكاة قيمته)؛ لأنه وجب جبراً لا مواساة

(1)

. بخلاف الزكاة.

قال في " الفروع ": وجعله بعضهم كالدين.

(ومن له عَرض قُنيةٍ يباع لو أفلس) أي: لو حجر عليه لفلس وعليه دين، والعرض (يفي بدينه)، ومعه مال زكوي (جُعل) الدين (في مقابلة ما معه) من المال الزكوي، (ولا يزكيه) وفاقاً لأبي حنيفة؛ لئلا تختل المواساة.

ولأن عرض القنية كملبوس في أنه لا زكاة فيهما. فكذا فيما يمنعها. وهذا المذهب.

وعنه: يجعل الدين في مقابل العرض ويزكي ما معه من المال الزكوي.

ومحل الخلاف: فيما إذا لم يمكن العرض للتجارة.

(وكذا) أي: وكالمسألة المتقدمة (من بيده ألف، وله) دين (على مَليء الف، وعليه) دين (الف) فإن الدين الذي عليه يجعل في مقابل ما بيده. فلا يزكيه، وأما الدين الذي له فيزكيه إذا قبضه.

(ولا يمنع الدين خُمس الركاز)؛ لأنه لا يشترط له نصاب ولا حول.

(و) الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة: (لأثمان وماشية وعروض تجارة: مُضِيّ حول) عملى نصاب تام، وفاقاً للأئمة الثلاثة، رفقاً بالمالك، وليتكامل النماء فيواسي منه.

(1)

في أ: مساواة.

ص: 165

والفرق بين ما ذكر وبين بقية اموال الزكاة: أن الأثمان وعروض التجارة

ترصد للربح، والماشية ترصد للدر والنسل. فاعتبر الحول لكل من ذلك،

لكونه مظنة النماء

(1)

، ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل وأيسر.

ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة ولم تعتبر حقيقة النماء " لكثرة اختلافه،

وعدم ضبطه.

ولأن ما اعتبرت مظنته

(2)

لم يلتفت إلى حقيقته، كالحكم مع الأسباب.

ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال. فلا بد لها من ضابط، لئلا يفضى إلى

تعاقب الوجوب في الزمن الواحد فيفنى مال المالك.

اما الزرع والثمار والعسل والمعدِن فهذه نماء في نفسها، تؤخذ الزكاة منها

عند وجودها، ثم لا تجب

(3)

فيها زكاة ثانية، لعدم إرصادها للنماء. إلا أن الخارج من المعِدن إن كان من جنس الأثمان وجبت فيه الزكاة عند كل حول، لأنه مظنة للنماء من حيث: أن الأثمان قيم الأموال، ورؤوس مال التجارات، وبها تحصل المضاربة والشركة، وقوله سبحأنه وتعالى:{وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]

ينفي اعتبار الحول

في الحبوب والثمار. والمعِدن والعسل والركاز فبالقياس على الحبوب.

(ويُعفَّى فيه) أي: في الحول (عن نصف يوم).

قال في " تصحيح الفروع ": وهو الصحيح. انتهى.

وقيل وعن يوم.

وقيل: ويومين.

وفي " الروضة ": وأيام.

(لكن يستقبل بصداق وأجرة وعوض خلع معيّنين) مَن وجب له الصداق

(1)

في ج: للنماء.

(2)

في ج: مظنة.

(3)

في أ: تجد.

ص: 166

المعين، أو الأجرة المعينة، أو عوض الخلع المعين، (ولو قبل قبض) حولاً (من عقد).

قال في " شرح الهداية ": هذا نص أحمد. انتهى.

لثبوت الملك في غير ذلك بمجرد العقد. فينفذ فيه تصرف من وجب له.

(و) يستقبل (بمبهم من ذلك) أي: من صداق وعوض خلع من وجب له

حولاً (من) حين (تعيين)؛ كما لو اصدقها أحد هذين النصابين من الذهب أو الفضة أو السائمة في رجب مثلاً. فلم يعين إلا في المحرم. فأول

(1)

حوله حين تعيينه، وكذا لو خالعته عليه؛ لأنه لا

(2)

يصح تصرف المنتقل إليه فيه قبل تعيينه.

(ويَتبع نتاجَ السائمة) الأصلّ في حوله. وهو الأمات إن كانت نصاباً.

قال في " الفروع ": كذا يقال أُّما ت، وإنما يقال أمهات في بنات آدم فقط.

واستعمل الفقهاء الأمهات في المواشي أيضاً، وهو غلط. كذا ذكره بعضهم.

وقول الفقهاء لغة أيضاً، ويقال في بنات

(3)

آدم [امهات. وفيه لغة]

(4)

أُّمات. انتهى.

(و) يتبع (ربح التجارة) أيضاً (الأصل) وهو رأس المال (في حوله) أي: في حول أصله: (إن كان) الأصل (نصاباً) لتبع النتاج والربح في الملك حين ملكا بملك الأصل.

(وإلا) أي: وإن لم يكن الأصل نصاباً (فحول الجميع) وهو النتاج والأمات أو رأس المال وربحه (من حين كَمُلَ) النصاب. فلو ملك ثلاثين من الغنم فولدت شيئاً بعد شيء فحول الجميع من حين كملت

(5)

أربعين.

(1)

في ج: وقال.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ج: بني.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في ج: كمل.

ص: 167

?

ولو ملك ثمانية عشر مثقالاً من الذهب فربحت شيئًا بعد شيء فحولها من حين كملت عشرين مثقالاً.

أما كون نتاج السائمة تابعاً لأماته " فلقول عمر: " اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم "

(1)

. رواه مالك.

ولقول علي: " عد عليهم الصغار والكبار ". ولا يعرف لهما مخالف.

ولأن السائمة تختلف وقت ولادتها فإفراد كل واحدة يشق. فجعلت تبعاً لأماتها.

ولأنها تابعة لها في الملك فتتبعها في الحول. فلو ماتت واحدة من الأمات فنتجت سخلة انقطع. بخلاف ما لو نتجت ثم ماتت.

وأما ربح التجارة ففي معنى ذلك. فيكون مثله حكماً.

(و) أما (حول صغار) من إبل أو بقر أو غنم فـ (من حين ملك كـ) حول (كبار) على الأصح، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" في خمس من الإبل شاة "

(2)

.

ولأن السخال تُعد مع غيرها. فتعد منفردة، كالأمات.

(ومتى نقص) النصاب مطلقاً، (أو بيع) بالبناء للمفعول بيعا صحيحاً ولو مع خيار، (أو أُبدل ما) أي نصاب (تجب) الزكاة (في عينه بغير جنسه)، كإبدال خمسة وعشرين فأكثر من إبل سائمة بثلاثين فأكثر من بقر سا ئمة، أو بأربعين فأكثر من غنم سائمة.

واحترز بقوله: ما تجب في عينه عما تجب في قيمته وهو عروض التجارة.

(لا) إن نقص النصاب أو باعه أو أبذله (فراراً منها) أي: لئلا تجب عليه زكاة: (انقطع حوله) أي

(3)

: حول النصاب.

(1)

أخرجه مالك في " الموطأ "(26) 1: 223 كتاب الزكاة، باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة.

(2)

سيأتي تخريجه ص (192) رقم (3). من حديث أبن عمر رضي الله عنهما.

(3)

ساقط من أ.

ص: 168

?

أما كون الحول ينقطع بالنقص والبييع والإبدال لا فراراً من الزكاة؛ فلأن

وجود النصاب في جميع الحول شرط لوجوب الزكاة وفاقاً.

وأما كون ذلك إذا فعله فراراً من الزكاة لا تسقط؛ فلقوله سبحأنه وتعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 17 - 20]. ثم عاقبهم الله تعالى بذلك؛ لفرارهم من الصدقة.

ولأنه قصد إسقاط نصيبٍ مَن انعقد سبب استحقاقه. فلم يسقط؛ كما لو طلق

(1)

امرأته في مرض موته.

ولأنه لما قصد قصداً فاسداً اقتضت الحكمة عقوبته بنقيض قصده؛ كمن قتل

مورثه لاستعجال ميراثه، عاقبه الشرع بالحرمان.

ويستثنى من انقطاع الحول فيما إذا أبدل النصاب بغير جنسه لا فراراً من

الزكاة ما أشير إليه بقوله:

(إلا في) إبدال (ذهب بفضة، وعكسه)؛ كإبدال فضة بذهب؛ لأنه يُضم

بعض كل منها إلى الآخر في تكميل النصاب. فإن الحول لا ينقطع.

(ويُخرج) من وجبت عليه زكاة ذلك (مما معه) عند وجوب الزكاة من

ذهب أو فضة. قدّم ذلك في " الفروع "، ثم قال: وذكر القاضي في " شرح المذهب ": يخرج مما ملكه أكثر الحول.

قال ابن تميم: نص أحمد على مثله. انتهى.

(و) إلا (في اموال الصيارف) يعني: فلا ينقطع الحول بإبدالها؛ لئلا يفضي القول بانقطاع الحول إلى سقوط الزكاة في مال ينمو، ووجوب الزكاة فيما لا ينمو. وأصول الشرع تقتضي العكس.

(لا بجنسه) يعني: أنه لا ينقطع الحول بإبداله نصاب تجب الزكاة في عينه بجنسه. نص عليه؛ لأنه نصاب يضم إليه نماؤه في الحول. فبني حول بدله من

(1)

في أ: أطلق.

ص: 169

?

جنسه على حوله، كالعروض.

(فلو أبدله بأكثر زكّاة) أي: زكّى الأكثر (إذا تم حول) النصاب (الأول، كنتاج).

قال أحمد بن سعيد: ساًلت أحمد عن الرجل يكون عنده غنم سائمة فيبيعها بضعفها من الغنم، أعليه أن يزكيها كلها أم يعطي زكاة الأصل؟

قال: بل يزكيها كلها

(1)

على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي، لأن نماءها معها.

قلت: فإن كانت للتجارة.

قال: يزكيها كلها على حديث حماس

(2)

.

فأما إن باع النصاب بدون النصاب انقطع الحول، وإن كان عنده مائتان فباعها بمائة فعليه زكاة مائة.

(وإن فرَّ منها) أي: من الزكاة إنسان بالتحيّل على إسقاطها (لم تسقط بإخراج) أي: إخراج النصاب (عن ملكه) في أثناء الحول، ولا بإتلاف جزء من النصاب لينقص

(3)

النصاب. فلا تسقط عنه الزكاة، لأن الزكاة أحد مباني الإسلام، ومن أفضل العبادات. فلو قلنا بسقوطها بالفرار منها كان ذلك ذريعة إلى إسقاطها جملة لما بنيت عليه النفوس من الشح.

(و) متى كان إخراج النصاب الذي انعقد سبب استحقاق أهل الزكاة فيه عن ملكه ببيع فأنه (يُزكى من جنس) النصاب (المبيع لذلك الحول) الذي فر من وجوب الزكاة عليه فيه، لأنه

(4)

الذي وجبت الزكاة بسببه.

(وإن ادعى عدمه) أي: عدم الفرار من الزكاة (وثَم) بفتح المثلثة (قرينة)

تدل على الفرار: (عُمل بها) أي: بالقرينة. ولم يقبل قوله في عدم الفرار من الزكاة

(1)

في أ: قال يزكيها.

(2)

سياً نى ذكر حديث حماس وتخريجه ص: (264).

(3)

في ج: لنقص.

(4)

في أ: لأن.

ص: 170

(وإلا) أي: وإن لم تكن قرينة (قُبل قولُه) أي: قول المالك أنه لم يقصد بفعله الفرار من الزكاة.

(وإذا مضى) الحول (وجبت) الزكاة (في عين المال) في أصح الروايتين. والمراد بالمال الذي تجب

(1)

الزكاة في عينه: هو المال الذي لو دفع زكاته منه أجزاته؛ كالذهب والفضة والبقر والغنم السائمة، وما بلغ من سائمة الإبل خمساً وعشرين فصاعداً، وكالحبوب والثمار المتعلقة بها الزكاة، وكالعسل والمعدن من أحد النقدين. وهذا المذهب.

قال في " الفروع ": نقله واختاره الجماعة.

قال الجمهور: هذا ظاهر المذهب، حكاه أبو المعالي وغيره، وفاقاً لأبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي.

وعنه: تجب في الذمة. اختاره الخرقي وأبو الخطاب وصاحب " التلخيص ". انتهى.

ووجه المذهب: قوله سبحأنه وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} [المعاًرج: 24]. وقوله ص: " فيما سقت السماء العشر "

(2)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: " في أربعين شاة شاة "

(3)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: " هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهماً درهم "

(4)

.

و" في " للظرفية

(5)

بطريق الأصالة. و " من " للتبعيض.

ولأن الزكاة حق يسقط بهلاك المال في بعض الأحوال. فأشبه أرش جناية العبد المتعلقة برقبته إذا مات قِنّاً من غير فعل آدمي. وهذا الوصف متفق عليه في الدَّين إذا سقط من غير إبراء ولا عوض، والزرع والثمر إذا تلفا قبل الحصاد

(1)

في ج: تحسب.

(2)

سيأتي تخريجه ص (218) رقم (1).

(3)

سبق تخريجه ص (159) رقم (1).

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1232) 1: 145.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 117 كتاب الزكاة، باب لا صدقة في الخيل.

(5)

في أ: الظرفية.

ص: 171

?

والجذاذ بغير تعد من المالك.

ولأن الزكاة لو وجبت في الذمة دون العين لوجب إخراج زكاة الدَّين قبل قبضه، وزكاة الزرع والثمر قبل جعلهما في الجرين. وبالإجماع: لا يجب ذلك. ولأن الزكاة تختلف باختلاف أجناس المال وصفاته حتى وجب في الجيد والوسط والردئ ما يليق به. فعلم أنها متعلقة بعينه لا بالذمة، تحقيقا لمعنى المواساة فيها. وعكس ذلك زكاة الفطر.

وأما جواز إخراجها من غير عين ما وجبت فلا يمنع تعلقها بالعين " كما قلنا في العبد الجاني إذا فداه سيده، وفي بنت مخاض إذا عدل عنها إلى بنت لبون، وكذلك كون الفقراء لا حق لهم في النماء. بدليل: ما إذا ولدت الأمة

(1)

الجانية، أو كسب العبد الجاني.

إذا تقرر هذا (ففي نصاب)، كأربعين شاة أو ثلاثين بقرة مثلاً (لم يُزّكَّ) أي: لم تؤد زكاته (حولين أو أكثر زكاة واحدة) أي: زكاة عام واحد، ولو كان يملك مالاً كثيراً من غير جنس النصاب الذي وجبت الزكاة في عينه ولم يكن عليه دين.

قال في " التنقيح ": وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما فزكاة واحدة إن قلنا تجب في [العين، وزكاتان إن قلنا تجب في]

(2)

الذمة. اطلقه الإمام أحمد.

وقيل: إلا إذا قلنا دين الله يمنيع زكاة واحدة، وعليه الأكتر، وهو أظهر. انتهى.

وقوله: وقيل: هو المعتمد؛ لأن الزكاة تعلقت فى الحول الأول من النصاب بقدرها. فلم تجب فيه فيما بعد الحول الأول زكاة؛ لنقصه عن النصاب. وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة فأنه قال في رواية محمد بن الحكم: إذا كانت الغنم أربعين فلم يأته المصدق عامين فإذا أخذ شاة فليس عليه شيء في الباقي.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 172

وقال في رواية صالح: إذا كان عند الرجل مائتا درهم فلم يزكها حتى حال عليها حول آخر يزكيها للعام الأول؛ لأن هذه تصير مائتين غير خمسة دراهم. وقال في رجل له ألف درهم فلم يزكها آخر

(1)

سنتين: تزكى في أول سنة خمسة وعشرين، ثم كل سنة بحساب ما بقي.

(إلا ما زكاته الغنم) أي: إلا ما يجب أن يخرج عنه

(2)

غنم (من) نصاب (الإبل)؛ كمن عنده خمس من الإبل سائمة مضى عليها أحوال. فإن لم يكن له مال غيرها في تلك السنين الماضية لم يجب عليه غير شاة واحدة لأول سنة مضى عليها؛ لما تقدم من أن دين الله سبحأنه وتعالى المنقص للنصاب يمنع وجوب الزكاة.

وأما وجوبها في الحول الأول؛ فلأنه لم يكن عليه دين. لكن لما لم يخرجها صارت ديناً في ذمته. فمنعت الوجوب فيما بعد الحول الأول.

وإن كان له مال غير الإبل الخمسة

(3)

: (فعليه لكل حول) من الأحوال الماضية (زكاة). نص عليه؛ وذلك لأن الفرض يجب من غير المال المزكى. فلا يمكن تعلقه بعينه.

فعلى هذا لو ملك خمساً وعشرين من الإبل فحالت عليها أحوال فعليه للحول الأول بنت مخاض، وعليه لكل حول بعده أربع شياه، ولو بلغت قيم الشياه الواجبة أكثر من خمس من

(4)

الإبل.

(وما زاد على نصاب) مما الزكاة واجبة في عينه، (يُنقص من زكاته كلَّ حول) مضى، (بقدر نقصه بها) أي: بالزكاة؛ لأنها لما وجبت في العين نقص من المال بقدر الزكاة؛ لتعلقها به. فوجب أن لا تجب فيه زكاة؛ لكونه مستحقاً للفقراء. فوجب أن ينقص من الجميع مقدار زكاة النقص الذي تعلقت به الزكاة. فعلى هذا لو كان له أربعمائة درهم من الفضة وجب فيها لحولين مضيا تسعة

(1)

زيادة من أ.

(2)

في أ: عن.

(3)

في ب وج: الخمس.

(4)

ساقط من أ.

ص: 173

?

عشر درهماً ونصف درهم وربعه؛ لأن تعلق قدر الواجب في الحول الأول بالمال عشرة دراهم فينقصها في الحول الثانى فيبقى ثلاثمائة درهم

(1)

وتسعون درهما، زكاتها تسعة دراهم ونصف درهم وربعه.

(وتعلُقها) أي: تعلق الزكاة بالنصاب الذى وجبت في عينه (كأرش جناية) أي: كتعلق أرش الجناية برقبة الجانى. (لا كدين برهن) أي: لا كتعلق الدين بالعين المرهونة عليه، (أو بمال محجور عليه) أي: ولا كتعلق دين الغرماء بمال المحجور عليه (لفلس، ولا) كـ (تعلُق شركة) فلا يصير الفقراء شركاء في عين النصاب.

(فـ) يتفرع على ذلك: أن (له) أي: للمالك (إخراجها) أي: إخراج الزكاة (من غيره) أي: من غير النصاب، كما أن لمالك الجانى إعطاء أرش الجناية من غير ثمن الجاني.

(والنماء بعد وجوبها) أي: وجوب الزكاة في عين النصاب اله) أي: للمالك. فلا تتعلق الزكاة بما نتجته السائمة بعد الحول؛ كولد الجانيه. فإنه لا يتعلق به أرش الجناية.

(وإن اتلفه) أي: أتلف النصاب المالك (لزمه ما وجب فيه) أي: في النصاب من الزكاة. (لا قيمته) أي: قيمة النصاب، كذلك لو قتل العبد الجاني مالكه فأنه يلزمه ما وجب بالجناية، لا قيمة العبد.

(وله) أي: ولمالك النصاب الذي وجبت الزكاة في عينه (التصرف) فيه (ببيع وغيره)؛ كهبة وإصداق وسؤال خلع عليه ونحو ذلك.

(ولا يرجع بائع) النصاب (بعد لزوم بيع) فيه (في قدرها) أي

(2)

: قدر الزكاة، (إلا إن تعذر غيره) أي:[تعذر على البائع]

(3)

إخراج الزكاة من غيره. كذلك لو باع الجاني مالكه ولزم البيع ليس له الرجوع في قدر ما يقابل أرش

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: أي في.

(3)

ساقط من أ.

ص: 174

?

الجناية، إلا إن تعذر دفعه من غيره.

(و) متى رجع البائع في قدر الزكاة لتعذر دفعها من غير المبيع كان (لمشتر الخيار) في فسخ البيع، لتبعض

(1)

الصفقة في حقه.

(ولا يعتبر) لوجوب الزكاة (إمكان أداء) على الأصح. فيجب على مالك نصاب بحولان الحول، وإن لم يتمكن من أدائها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا زكاة في مال، حتى يحول عليه الحول "

(2)

. فمفهومه وجوبها عليه إذا حال الحول مطلقاً. ولأنها حق للفقير. فلم يعتبر فيها إمكان الأداء " كدين الآدمي.

ولأنه لو اشترط إمكان الأداء لم ينعقد الحول الثانى حتى يتمكن من الأداء. وليس كذلك، بل ينعقد عقب

(3)

الأول إجماعاً.

ولأنها عبادة. فلا يشترط لها إمكان الأداء، كبقيه العبادات. فإن الصوم يجب على المريض، والعاجز عن أدئه، وعلى الحائض. والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم، ومن أدرك من أول الوقت جزءاً لا يمكنه الأداء فيه ثم جن أو حاضت المرأة.

(ولا) يعتبر لوجوبها أيضاً (بقاء مال) وجبت في عينه على الأصح " لأن الزكاة عين تلزمه مؤونة تسليمها إلى مستحقها. فضمنها بتلفها في يده " كعارية وغصب ومقبوض بسوم. فرط أو لم يفرط، لأنها حق ادمي، أو مشتملة عليه. فلا تسقط بعد وجوبها، كدين الآدمي.

(1)

في ب: لتبعيض.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(73 5 1) 2: 00 1 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(631) 3: 25 كتاب الزكاة، باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد

حتى يحول عليه الحول.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1792) 1: 571 كتاب الزكاة، باب من استفاد مالاً. قال في

" الزوائد ": إسناده ضعيف لضعف حارثة بن محمد، وهو ابن أبي الرجال. قال السدي: قلت: لفظه:

" من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول ". رواه ابن عمر مرفوعاً بإسناد فيه عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم. وقال: وهو ضعيف في الحديث كثير الغلط. ضعفه غير واحد. ورواه عنه موقوفاً.

وقال: هذا أصح. ورواه غير واحد موقوفاً.

(3)

في ب: قبل.

ص: 175

?

ويستثنى من ذلك ما أشير إليه بقوله: (إلا إذا تلف زرع أو ثمر بجائحة قبل حصاد وجذاذ)؛ لأنها من ضمان البائع.

وعبارة الموفق ومن وافقه: قبل الإحراز. وعبارة المجد ومن وافقه: قبل أخذه. وعبارة صاحب " الرعاية ": قبل قطعه.

ولا يضمن زكاة الدين إذا فات بموت المدين مفلساً أو نحوه؛ لعدم تلفه

(1)

بيده.

(ومن مات وعليه زكاة أُخذت من تركته). نص عليه، وفاقاً للأئمة الثلاثة، ولو لم يوص بها، كالعشر، لقوله صلى الله عليه وسلم:" فدين الله أحق بالقضاء "

(2)

. ولأن الزكاة حق واجب تصلح الوصية به. فلم يسقط بالموت؛ كدين

(3)

الآدمي.

(و) إن وجبت في التركه (مع دين بلا رهن وضيق مال) أي: مال التركة عن الزكاة ودين الآدمي (يتحاصان) أي: يتحاص دين الله ودين الآدمي. نص عليه؛ كديون الآدميين إذا ضاق عنها المال. وهذا المذهب.

وعنه: يبدأ بدين الآدمي.

(وبه) أي: وإذا كان دين الآدمي به رهن فإنه (يقدم) بالرهن (بعد نذر) بصدقة (بمعين). يعنى: أن النذر بمعين يقدم على الزكاة وعلى الدين، (ثم) يقدم بعد النذر بمعين (أضحية معينة).

قال في " شرح المقنع الكبير " في الأضحية: وإذا عينها ثم مات وعليه دين لم يجز بيعها فيه. سواء كان له وفاء أو لم يكن؛ لأنه تعين ذبحها. فلم تبع في دينه؛ كما لو كان حياً، ويقوم ورثته مقامه في ذبحها وتفرقتها. انتهى.

(وكذا لو افلس حي) وفد نذر الصدقة بشيء معين وعين أضحية وعليه زكاة ودين لآدمي. والله أعلم

(4)

.

(1)

في ج: تلف.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1148) 2: 804 كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت.

(3)

في أ: كموت.

(4)

في أ: والله سبحأنه وتعالى أعلم.

ص: 176

[باب: زكاة السائمة]

[السائمة] من بهيمة الأنعام. وهي: الإبل البخاتي، والعراب، والبقر الأهلية والوحشية، والغنم الأهلية والوحشية. وسميت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم. وبدئ بالكلام عليها، اقتداء بكناب الصديق الذي كتبه لأنس رضي الله تعالى عنهما

(1)

. أخرجه البخاري بطوله مفرقاً.

والسائمة: هي الراعية، يقال: سامت تسوم سوماً إذا رعت، وأسمتها إذا رعيتها. ومنه قوله سبحأنه وتعا لى:{فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10].

وخصت السائمة بالذكر، للاحتراز عن المعلوفة. فأنه لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله ويقول: " في كل إبل سائمة. في كل أربعين ابنة لبون "

(2)

. رواه أحمد وأبو داود والنسا ئي.

وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " وفي الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة. . . الحديث، - وفي آخره أيضاً-: وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها "

(3)

. فقيَّد بالسوم، وأبدل البعض من الكل، وأعاد المقيد مرة أخرى. وذلك دليل اشتراطه خصوصاً مع اشتماله على مناسبته.

(و) حيث تقرر هذا فإنها (لا تجب) في المعلوفة، ولا تجب في السائمة (إلا فيما لدر ونسل) منها.

(1)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2).

(2)

أخرجه أبوداود في " سننه "(1575) 2: 101 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2444) 5: 15 كتاب الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(20053) 5: 4.

(3)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2).

ص: 177

?

قال في " الفروع ": زاد بعضهم: (وتسمين). فلا تجب في سائمة، للانتفاع بظهرها، كالإبل التي تكرى وتؤجر.

(والسوم) الذي تصير به سائمة هو: (أن ترعى المباح أكثر الحول). نص عليه في رواية صالح.

وقيل: كل الحول.

ووجه المذهب: أن علف السوائم يقع في العادة في السنة كثيراً، ووقوعه في جميع فصولها من غير عارض يقطعه أحيانا، كمطر، أو ثلج، أو برد، أو خوف، أو غير ذلك نادر

(1)

. فاعتبار السوم في كل العام إجحاف بالفقراء، والاكتفاء به في البعض إجحاف بالمُلَاك، وفي اعتبار الأكثر تعديل بينهما، ودفع لأعلى الضررين بأدناهما. وقد ألحق الأكثر بالكل في أحكام كثيرة.

(ولا تشترط نيته) يعني: أنه لا تعتبر نية السوم. وهي قصد الإسامة. (فتجب) الزكاة (في سائمة) سامت (بنفسها)، كما يجب العُشر فيما إذا حمل السيل بذر إنسان إلى أرضه فنبت وصار زرعاً، (أو بفعل غاصبها) يعني: أنه متى غصب إنسان بهائم إنسان وأسامها أكثر الحول فأنه تجب فيها الزكاة " كما لو غصب إنسان حب إنسان وزرعه في أرض ربه فأنه يجب فيه العشر على مالكه. إذا تقرر هذا فإن الزكاة (لا) تجب (في مُعتَلِفة بنفسها، أو بفعل غاصب لها) أي: للبهائم،) او) بفعل غاصب (لعلفها). سواء كان الغاصب للعلف ربها أو غيره. ولو اشترى لها ما تأكله، أو جمع لها من المباح ما تأكله لم تجب الزكا ة.

(وعدمُه) أي: عدم السوم (مانع) من وجوب الزكاة، لأن وجود السوم شرط لوجوب الزكاة في الأصح.

وقيل: عكسه.

قال في " شرح المقنع الكبير ": قولهم السَّوم شرط ممنوع. بل العلف في

(1)

في ج: نادراً.

ص: 178

نصف الحول فما زاد مانع، كما أن السقي بكلفة كذلك مانع من وجوب العُشر. انتهى.

يعني: كله لا نصفه.

إذا تقرر هذا (فيصح أن تعجَّل) الزكاة (قبل الشروع فيه) أي: في السوم،

لعدم المانع حينئذ، وهو: وجود العلف في نصف الحول.

(وينقطع السََّوم شرعاً) أي: في حكم الشرع (بقطعها) أي: قطع الماشية

(عنه) أي: عن السوم الشرعي (بقصد قطع الطريق بها) أي: بالماشية (ونحوه)، كأن يجلب عليها خمراً، أو ليأتي امرأة

(1)

يزنى بها، (كـ) انقطاع (حول التجارة بنية قُنيةِ عبيدها) أي: عبيد التجارة (لذلك) أي: لقطع الطريق، (أو) نية قنية (ثيابها) أي: ثياب التجارة (الحرير للبس محرم) على لابسه.

وأما إن نوى أن يعمل بالسائمة عملاً من حمل أو كراء فأنه (لا) ينقطع حول السوم (بنيتها لعمل قبله) أي: قبل العمل الذي نواها له.

قال في " الفروع ": وجزم جماعة بأن من نوى بسائمة

(2)

عملاً لم تصر له قبله. انتهى.

(و) إذا علمت ذلك فإنه (لا شيء في إبل) سائمة (حتى تبلغ خمساً)؛

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمس ذّوْدٍ صدقة "

(3)

. وبدئ بالإبل؛ لكونها أعظم النعم قيمة وأجساماً، وأكثر أموال العرب، واقتداء ببداءة الشارع بالإبل حين فرض زكاة الأنعام.

فإذا بلغت خمساً (ففيها شاة) إجماعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا بلغت خمساً ففيها

(1)

في ج: بامر أة.

(2)

في ج: سائمة.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1558) 2: 94 كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(626) 3: 22 كتاب الزكاة، باب ما جاء في صدقة الزرع والتمر والحبوب.

ص: 179

شاة "

(1)

. رواه البخاري.

ويعتبر في هذه الشاة: أن تكون (بصفة غير مَعيبة) ففي إبل كرام سمان شاة كريمة سمينة.

(وفي) الإبل (المعيبة) شاة (صحيحة) بقدر المال (تَنقُص قيمتُها بقدر نقص الإبل)؛ كشاة الغنم.

وقيل: شاة تجزئ في الأضحية.

فعلى المذهب: لو كان عنده خمس من الإبل مراضاً وقد حال عليها الحول فيقال: لو كانت الإبل صحاحاً كانت قيمتها مائة وكانت الشاه التي تجب فيها قيمتها خمسة، وكان نقصها بسبب مرضها عشرين وذلك خُمْس قيمتها لو كانت صحاحاً. فأنه يجب فيها شاة قيمتها أربعة بقدر نقص الإبل، وهو نقص الخمس من قيمة الشاة.

(ولا يجزئ) عن خمس من الإبل (بعير). نص عليه، وفاقاً لمالك، (ولا بقرة، ولا نصفا شاتين) في الأصح. سواء كانب قيمة البعير أو البقرة أكثر من قيمه الشاة أو لم تكن؛ لأن البعير والبقرة غير المنصوص عليه من غير جنسه. فلم يجزئه؛ كما لو أخرج بعيراً أو بقرة عن أربعين شاة.

ولأنها فريضة وجبت فيها شاة. فلم يجزئه غيرها.

ولأن في إخراج نصفي الشاتين تشقيص على الفقراء يلزم منه سوء الشركة الذي شرعت الشفعة لإزالته.

(ثم) إن زاد عدد الإبل على خمسة فأنه يجب (في كل خمس شاة إلى خمس وعشرين. فتجب)

(2)

في عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين (بنت مخاض) إجماعاً.

(وهي) أي: بنت المخاض: (ما تم لها سنة). سميت بذلك؛ لأن أمها

(1)

سبق تخريجه (152) رقم (2).

(2)

في أزيادة: أي فيجب.

ص: 180

?

قد حملت. والماخض

(1)

الحامل. وليس كون أمها ماخضاً شرط. وإنما ذكر تعريفاً لها بغالب حالها؛ كتعريفه الربيبة- بالحجر، وكذلك بنت اللبون.

وأدنى سن يؤخذ في الزكاة من الإبل بنت المخاض وتؤخذ إلى خمس وثلاثين؛ لما روى البخاري بإسناده عن أنس بن مالك " أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كتب له لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أمر الله عز وجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن سئل من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يُعط: في أربع وعشرين فما دونها من الإبل في كل خمس شاة. فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أُنثى. فإذا بلغت ستا ًوثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أُنثى. فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل. فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة. فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون أُنثى. فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل. فإذا زادت على العشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها. فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة "

(2)

.

(فإن كانت) بنت المخاض (عنده) أي: عند من وجبت عليه إخراج بنت مخاض (وهي) أي: بنت المخاض التي عنده (أعلا من الواجب) الذي عليه فيما بيده: (خُيّر) مالكها (بين إخراجها) عما بيده، (و) بين (شراء ما) أي: بنت مخاض (بصفته) أي: صفة الواجب عليه ويخرجها. ولا يجزئه ابن لبون في هذه الصورة؛ لأن في إبله بنت مخاض صحيحة.

(وإن كانت معيبة أو ليست) بنت المخاض (في ماله: فـ) أنه يجزئه (ذكر) ابن لبون. سمي بذلك، لأنه أمه قد وَضعت فهي ذات لبن. (أو خنثى ولد لبون وهو: ما تم له سنتان. ولو نقصت قيمته) أي: قيمة ابن اللبون

(1)

في ج: والمخاض.

(2)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2).

ص: 181

?

(عنها) أي: قيمة بنت المخاض، لأن في حديث أنس:" فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض ففيها ابن لبون ذكر "

(1)

رواه أبو داود.

(أو حِق) وهو: (ما تم له ثلاث سنين). وتسمى الأُنثى إذا بلغت هذا السن حقة، لأنها استحقت أن يطرقها الفحل، واستحق كل من الذكر والأُنثى إذا بلغ هذا السن أن يحمل عليه ويركب. يعني: أنه يجزئه مع عدم بنت المخاض ابن لبون أو حق.

(أو جذع) بالذال المعجمة وهو: (ما تم له أربع سن ين). سمي بذلك؛ لأنه يجذع إذا سقطت سنه. وهذا أعلا سن تجب في الزكاة.

(أو ثني) وهو: (ما تم له خمس سنين). سمي بذلك؛ لأنه قد ألقى ثنيته.

(و) كان الثني (أولى) بالإجزاء عن بنت المخاض (بلا جبران) في الجميع. ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة السن في غير هذا الموضع. فلا يجزئه أن يخرج عن بنت لبون حقاً ولا عن الحقة جذعاً مع وجودهما ولا عدمهما؛ لأنه لا نص فيهما، ولا يصح قياسهما على ابن اللبون مكان بنت مخاض؛ لأن زيادة سن ابن اللبون على بنت المخاض يمتنع بها من صغار السباع ويرعى الشجر بنفسه ويرد الماء. ولا يوجد هذا في الحق مع بنب اللبون، لأنهما مشتركان في هذا. فلم ييق إلا مجرد زيادة السن فلم يقابل الأنوثية.

ولأن تخصيصه في الحديث بالذكر دون غيره يدل على اختصاصه بالحكم بدليل الخطاب. وسيأنى في المتن بيان الجبران.

(أو) شاء أن يخرج (بنت لبون) عن بيت مخاض فإن له أن يخرجها (ويأخذه) أي: يأخذ الجبران (ولو وجد ابن لبون) لما سيأتي أن من وجبت عليه مفروضة فعدمها، فأنه إن شاء أخرج سناً أعلا منها وأخذ شاتين أو عشرين

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(567 1) 2: 96 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

ص: 182

درهماً، وإن شاء أخرج أعلا وأخذ مثل ذلك من الساعي. إلا أنه لا يجوز أن يخرج أدنى من ابنة مخاض لأنها أدنى سن تجزئ في الزكاة، ولا يخرج أعلا من الجذعة إلا أن يرضى رب المال بإخراجها من غير جبران.

(وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقة، وفي إحدى وستين جذعة. وتجزئ) عن بنت لبون وعن حقة وعن جذعة (ثنية وفوقها) أي: فوق الثنية (بلا جبران)؛ لعدم وروده في الثنية.

(وفي ست وسبعين ابنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان) إجماعاً.

(وفي إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون) على الأصح؛ لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون. والواحدة زيادة

(1)

.

وقد جاء مصرحاً به " في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عند آل عمر بن الخطاب "

(2)

. رواه أبو داود والترمذي. وقال: هو حديث حسن.

وقال ابن عبدالبر: هو أحسن شيء روي في أحاديث الصدقات. فإن فيه: " فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون ". وهذا صريح لا يجوز العدول عنه.

ولأن سائر ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم غاية للفرض إذا زاد عليه واحدة تغير الفرض

(3)

. كذا هذا.

(ويتعلق الوجوب) بجمع النصاب (حتى بالواحدة التي يتغير بها الفرض.

ولا شيء فيما بين الفرضين). ويسمى ما بين الفرضين العفو والوَقْص والشنَق بالشين المعجمة وفتح النون. ومعنى ذلك: أن الزكاة تتعلق بالنصاب دون العفو على الأصح. وبهذا قال أبو حنيفة والثوري وأبويوسف.

(1)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أبو داود قي " سننه "(1570) 2: 98 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(621) 3: 17 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم.

(3)

ساقط من ب.

ص: 183

وقال الليث وزفر ومحمد بن الحسن: تتعلق بهما.

وعن مالك والشافعي كالمذهبين.

ولهذا الخلاف فوائد:

منها: لو كانت له تسع إبل مغصوبة وقلنا تزكى إذا قبضت لما مضى فخلص منها بعير بعد الحول لزمه أن يؤدي عنه خمس شاة على المذهب وتسع شاة على الثانى. واحتج من علق الواجب بالعفو بـ " قول النبى صلى الله عليه وسلم في صدقة الإبل: فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض. فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون "

(1)

. رواه البخاري.

ولأنه حق لله تعالى يتعلق بنصاب من المال. فتعلق به وبالزيادة عليه إذا لم ينفرد بوجوب، كالقطيع في السرقة.

ولنا ما روى ابن عمر في كتاب الصدقة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وفي الغنم أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائه. [فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين. فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائه]

(2)

. فإذا زادت بعد فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة "

(3)

. رواه أحمد.

وهكذا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقات إلى عمرو بن حزم

(4)

. رواه أبو عبيد في " كتاب الأموال ".

وروى الدارقطني في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم وكتاب عمر بن الخطاب إلى عماله في صدقة الإبل: " فإذا زادت على عشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة. فإذا كانت الإبل أكثر من ذلك. فليس فيما لايبلغ العشرفيها شيء حتى تبلغ العشر "

(5)

.

(1)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(4634) 2: 15.

(4)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(93) 328 باب فرض صدقة الإبل وما فيها من السنن.

(5)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(5) 2: 117 كتاب الزكاة، باب زكاة الإبل والغنم.

ص: 184

?

وروى أبو عبيد

(1)

في " الأموال " عن يحيى بن الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الأوقاص لا صدقة فيها "

(2)

.

وأما خبر أنس فحجة لنا في مواضع منه. فإن قوله فيه: " في أربع

(3)

وعشرين من الإبل فما دونها من

(4)

الغنم في كل خمس شاة "

(5)

: يدل على أن الأربعة والعشرين تتعلق الشياه

(6)

الأربع بالعشرين منها.

ولأن العفو مال ناقص عن نصاب يتعلق به فرض. فلم يتعلق به الوجوب.

أصله ما نقص عن النصاب الأول. وعكسه زيادة نصاب السرقة؛ لأنها وإن كثرت لا يتعلق بها فرض مبتداً، وفي مسألتنا لها حالة منتظرة يتعلق بها الوجوب فوقف على بلوغها. والله أعلم.

(ثم تستقر) الفريضة في إبل تزيد على إحدى وعشرين ومائة (في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة).

قال في " الفروع ": هذا المذهب للأخبار منها خبر أنس في البخاري وحديث أبي بكر وفاقاً للشافعي، ولروايته عن مالك. انتهى.

ففي مائة وثلاثين: حقة وبنتا لبون، [وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي مائة وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون، وفي مائة وثمانين حقتان وابنتا لبون]

(7)

، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون.

(فإذا بلغت) الإبل (ما) أي: عدداً (يتفق فيها الفرضان كمائتين) فإن

(1)

في الأصول: عبيدة.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1836 2) 5: 240.

(3)

في أوج: أربعة.

(4)

ساقط من أ.

(5)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(6)

ساقط من أ.

(7)

ساقط من أ.

ص: 185

?

فيها أربع خمسينات وخمس أربعينات (أو أربع مائة) فإن فيها ثمان خمسينات وعشر أربعينات: (خُير) المخرج (بين الحقاق وبين بنات اللبون) لوجود المقتضي لكل واحد من الفرضين. فيخير المالك للأخبار.

قال في " الفروع ": واختاره أبو بكر وابن حامد إجماعاً وجماعة.

قال ابن تميم: والأكثر.

قال صاحب " المحرر ": وقد نص أحمد على نظيره في زكاة البقر ونص أحمد تجب الحقاق، وقاله القاضي في " الشرح "، وهو قول أبي حنيفة على أصله. انتهى.

إلا أن يكون المخرج ولي يتيم أو مجنون من ماله فليس له أن يخرج إلا أدنى الفرضين.

(ويصح) إذا أخرج عن أربعمائة (كون الشطر من أحد النوعين) الذي هو الحقاق، (والشطر من) النوع (الآخر) الذي هو بنات اللبون فيخرج أربع حقاق وخمس بنات لبون، ولا يجوز أن يخرج عن مائتين حقتين وبنتي لبون ونصف لما فيه من التشقيص [الذي لم يرد به الشرع في زكاة السائمة إلا من حاجة، ولذلك جعل لها او قاصاً دفعاً للتشقيص]

(1)

عن الواجب فيها وعدل فيما دون خمس وعشرين من الإبل عن الجنس إلى الغنم فلا يجوز القول بجوازه مع إمكان العدول عنه إلى فريضة كاملة.

(وإن كان أحدهما) أي: أحد النوعين (ناقصاً لابد له من جبران) بأن كان في ماله أربع بنات لبون، والآخر كاملاً باًن كان في ماله أربع حقاق والمال مائتان:(تعين الكامل) وهو الأربع حقاق؛ لأن الجبران بدل، وهو لا يجوز مع المبدل؛ كالتيمم مع القدرة على استعماله الماء.

(ومع عدمهما) أي: عدم النوعين، (أو عيبهما). أي: عيب النوعين اللذين في المال، (أو عدم) كل سن وجب، (أو عيب كل سن وجب) وله

(1)

ساقط من أ.

ص: 186

أسفل كبنت اللبون والحقة والجذعة: فإن (له العدول إلى ما) أي: سن (يليه من أسفل، ويخرج معه جبراناً، أو) كان له أعلا كبنت المخاض وبنت اللبون والحقة: فإن له أن يعدل (إلى ما يليه من فوق ويأخذ جبراناً)؛ وذلك لما في حديث الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس أنه قال: " ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده، وعنده حقة فأنه تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا ابنة لبون فإنها تقبل منه ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة بنب لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما

(1)

.

وهذا نص ثابت فلا يلتفت إلى ما سواه.

إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز العدول إلى الجبران مع وجود الأصل لأنه مشروط في الخبر بعدم الأصل.

(فإن عدم ما يليه) أي: عدم السن الذي يلي الواجب؛ كمن وجبت عليه جذعة فعدمها وعدم السن الذي يليها وهو الحقة (انتقل إلى ما بعده) أي: إلى ما بعد السن الذي يلي الواجب وهو في مثالنا بنت اللبون.

(فإن عدمه) أي: عدم بنب اللبون (أيضاً انتقل إلى ثالث) وهو بنت المخاض. فيخرج من وجبت عليه جذعة بنت مخاض ومعها ثلاث جبرانات. (بشرط كون ذلك) المخرج مع الجبراناًت (في ملكه.

وإلا تعين الأصل) الذي هو الواجب.

(والجبران شاتان أو عشرون درهما) للنمالثا بت في ذلك.

(ويجزئ في جبران) واحد، (و) في (ثان وثالث: النصف دراهم، والنصف شياه) في الأصح؛ كما قلنا في الكفارة له إخراجها من جنسين.

ولأن الشاة مقام عشرة دراهم فإذا اختار إخراجها وعشرة جاز.

(1)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2).

ص: 187

(ويتعين على ولي صغير ومجنون إخراج أَدْوَن مجزئ) مراعاة لحظ غير المكلف.

(ولغيره) أي: غير ولي الصغير والمجنون (دفع سن أعلا إن كان النصاب معيباً) من غير أخذ جبران، ودفع سن أسفل ويعطى الجبران. لا دفع أعلا مع أخذ الجبران، لأن الجبران جعله الشرع وفق

(1)

ما بين الصحيحين، وما بين المريضين أقل منه. فإذا دفع الساعي في مقابلة ذلك جبراناً كان ذلك حيف على الفقراء، وذلك لا يجوز. وإذا دفعه المالك مع السن الأسفل فالحيف عليه وقد رضي به فأشبه إخراج الأجود من المال. حتى لو كان المخرج ولياً ليتيم لم يجز له ذلك؛ كما لا يجوز إخراج الأجود، وسائر التبرعات.

(ولا مدخل لجبران في غير إبل) وفاقاً؛ لأن النص إنما ورد فيها وليس غيرها في معناها لأنها أكثر قيمة.

ولأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف صفتها وما بين الفريضتين في البقر. بخلاف ما بين الفريضتين في الإبل. فامتنع القياس فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد دونها لم يجز له.

وإن وجد أعلا منها فإن أحب أن يدفعها متطوعاً بغير جبران قبلت منه. وإن لم يفعل ولم تكن في ماله كلف شراءها.

(1)

في ج وفوق.

ص: 188

?

(فصل) في ذكر زكاة البقر

وهو اسم جنس. والبقرة تقع على الأُنثى والذكر ودخلت الهاء على أنها واحدة من جنس. والبقرات الجمع. والباقر جماعة البقر مع رعاتها. وهي مشتقة من بقرت الشيء إذا شققته لأنها تبقر الأرض بالحراثة.

والزكاة في الأهلية واجبة إجماعاً. وسنده ما روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه. تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها. كلما نفدت آخراها عادت عليه أولاها حتى يُقضى بين الناس "

(1)

. متفق عليه.

(وأقلُّ نصاب بقر أهليه أو وحشية) على الأصح من الروايتين في وجوبها في الوحشية (ثلاثون) لما روى معاذ قال: " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئًا حتى تبلغ ثلاثين "

(2)

.

(وفيها) أي: في الثلاثين (تبيع أو تبيعة. ولكل منهما) أي: من التبيع والتبيعة (سنة) وفاقاً لأبي حنيفه والشافعي.

وقيل: نصف سنة.

وقيل: سنتان.

سمي بذلك لأنه يتبع أمه. وهو جذع البقر الذي استوى قرناه وحاذى قرنه أذنه غالباً.

(ويجزئ مسنٌٌّ) ذكر عن التبيع أو التبيعة.

(و) يجب (في أربعين) من البقر (مسنة. ولها) أي: للمسنة (سنتان) وفاقاً لأبي حنيفة والشافعى.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(0 99) 2: 686 كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(2453) 5: 26 كتاب الزكاة، باب زكاة اليقر.

ص: 189

?

وقيل: سنة.

وقيل: ثلاث.

سميت بذلك لأنها ألقت سناُ غالباً وهي الثنية.

ولا فرض في البقر غير هذين السنين. والأصل في ذلك ما روى معاذ بن جبل قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. وأمرنى أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة "

(1)

. رواه الخمسة وقال الترمذي: حديث حسن.

وقال ابن عبدالبر: حديثً ثابتً متصل.

(وتجزئ أُنثى) من البقر (أعلا منها) أي: من المسنة (سناً) عن المسنة.

(لا مسن) ذكر عن المسنة، (ولا تبيعان) عن المسنة على المذهب.

(و) تجب (في ستين) من البقر (تبيعان. ثم) فيما زاد على ذلك (في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. فإذا بلغت ما) أي: عدداً (يتفق فيه الفرضان كمائة وعشرين فكإبل) يعني: أنه إن شاء أخرج ثلاب مسنات. وإن شاء أخرج أربعة أتباع.

لما روى يحيى بن الحكم أن معاذاً قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن. فأمرنى أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً ومن كل أربعين مسنة. ففرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فأبيت ذلك وقلت لهم حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقدمت فاًخبرته فأمرنى أن آخذ من كل ثلاثين تبيعاً ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسناً وتبيعاً، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(576 1) 2: 101 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(622) 3: 19 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2453) 5: 26 كتاب الزكاة، باب زكاة البقر.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1803) 1: 576 كتاب الزكاة، باب صدقة اليقر.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(21765) 5: 230.

ص: 190

?

ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعاً، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع. قال: وأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً إلا أن تبلغ مسنة أو جذعاً. وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها "

(1)

. رواه أحمد في " مسنده ".

(ولا يجزئ ذكر في زكاة إلا هاهنا) وهو التبيع والمسن عن التبيع. أما التبيع فلورود النص فيه. وأما إجزاء المسن عن التبيع فلأنه خير منه.

(و) إلا (ابن لبون وحق وجذع عند عدم بنت مخاض). وتقدم عند الكلام على زكاة الإبل.

(و) إلا (إذا كان النصاب من إبل أو بقر وغنم كله ذكوراً)، لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله.

***

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1836 2) 5:. 24.

ص: 191

(فصل) في ذكر زكاة الغنم

(وأقل نصاب غنم أهلية أو وحشية أربعون. وفيها شاة). فلا شيء فيما دون الأربعين إجماعاً.

(و) يجب (في إحدى وعشرين ومائة شاتان) إجماعاً.

(و) يجب (في واحدة ومائتين ثلاث) من الشياه (إلى أربعمائة) على أصح الروايتين؛ لما رواه ابن عمر في كتابه للنبي صلى الله عليه وسلم الصدقات الذي عمل به أبو بكر بعده حتى توفي وعمر حتى توفي: " وفي الغنم من أربعين شاة شاةُ إلى عشرين ومائة. فإذا زادت شاة ففيها شاتان إلى مائتين. فإذا زادت واحدة

(1)

ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة. فإذا زادت بعد فليس فيها شيء بعد

(2)

حتى تبلغ أربعمائة. فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة "

(3)

. رواه الخمسة إلا النسائي. وعنه: في ثلاثمائه وواحدة أربع شياه؛ لما روى أنس عن أبي بكر عن النبي: " وفي الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة. فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائه. فإذا زادت ففي كل مائة شاة "

(4)

. رواه البخاري وغيره.

وأجيب عن قوله في حديث أنس بعد النلاثمائة فإذا زادت ففي كل مائة شاة:

أنه يدل على أنه لا شيء في الزيادة إذا نقصت عن مائة. وإنما حدد له حد الوقص

(1)

في أ: فإذا زادت شاة ففيها شاتان. فإذا زاد ففيها.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(568 1) 2: 98 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(621) 3: 17 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1807) 1: 578 كتاب الزكاة، باب صدقة الغنم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(72) 1: 12.

(4)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2).

ص: 192

?

إلى الثلاث مائة لأن منها يستقر حساب الفرض على أن في كل مائة شاة شاة.

(ثم تستقر) الفريضة (واحدة) أي: شاة (عن كل مائة). فعلى المذهب في خمسمائة شاة خمس شياه وفي ستمائة ست شياه وعلى هذا أبداً تستمر الزكاة.

(ويؤخذ من) نصاب (معز ثَنيّ. و) هو ما تم (له سنة. ومن) نصاب (ضأن جذع. و) هو ما تم (له ستة أشهر)؛ لما روى سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمرنا أن نأخذ الجذعة من الضأن والثنية من المعز "

(1)

.

ولأنهما يجزيان في الأضحية فكذا هنا. فإن كان الفرض في النصاب أخذه الساعي، وإن كان فوق الفرض خُيّر المالك بين دفع واحدة منه وبين شراء الفرض فيخرجه.

(ولا يؤخذ) في الصدقة (تيس حيث يجزئ ذكر)؛ لنقصه وفساد لحمه.

(إلا تيس ضراب لخيره برضا ربه). فيلزم الساعي قبوله إذا بذله مالكه حين

يقبل الذكر.

(ولا) يؤخذ في الصدقة (هرمة) وهي البهيمة الكريمة الطاعنة في السن (ولا معيبة لا يضحى بها). نص عليه أي: لا تجزئ في التضحية وفي النصاب ما ليس بهذه الصفة؛ لقوله سبحأنه وتعالى: {وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة: 267]. (إلا إن كان الكل كذلك) بأن يكون النصاب كله هرمات أو معيبات؛ لأن الزكاة مواساة. فلا يكلف إخراجها من غير ماله.

(ولا) يؤخذ (الرُّبى وهي التي تربي ولدها) قاله أحمد. وقيل: هي التى تربى في البيت لأجل اللبن.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 100 كتاب الزكاة، باب السن التي تؤخذ في الغنم.

ص: 193

?

(ولا) تؤخذ (حامل)، لقول عمر:" لا تؤخذ الربى ولا الماخض "

(1)

. (ولا) تؤخذ (طروقة الفحل)، لأنها تحلب غالباً.

(ولا) تؤخذ (كريمة) وهي النفيسة " لشر فها.

(ولا) تؤخذ (أكولة)" لقو ل عمر: " ولا الأكولة "

(2)

. ومراده السمينة.

(إلا أن يشاء ربها) أي: رب التي لا تؤخذ، لحق المالك لأن ذلك خير المال فلم يجز أخذه بغير رضا مالكه.

(وتؤخذ مريضة من مراض) إن كان النصاب كله مراضاً وتكون وسطاً في القيمة " لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إياك وكرائم اموالهم "

(3)

.

وقوله: " إن الله لم يسألكم خيره ولم ياًمركم بشره "

(4)

رواه أبو داود.

ولأن مبنى الزكاة على المواساة، وتكليف الصحيحه عن المراض إخلالى بالمواساة. ولهذا يؤخذ الواجب في الحيوان والثمار من جنسه.

وقيل: يكلف شراء صحيحة على قدر قيمة المال؛ لقول أحمد: لا يؤخذ إلا ما يجوز في الأضاحي، وللنهى عن أخذ ذات العوار.

وأجيب عن ذلك بأنه محمول على ما إذا كان في النصاب صحيحة.

وعلى المذهب لو كان في النصاب بعض الفريضة صحيحاً أخرج الصحيحة وتمم الفريضة من المراض على قدر المال. ولا فرق في هذا بين الإبل والبقر والغنم.

(و) تؤخذ (صغيرة من صغار غنم). نص عليه وهو الأصح؛ لقول

(1)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(2)

() أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6937) 6: 2685 كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى لوحيد الله تبارك وتعالى.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(19) 1: 51 كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(582 1) 2: 103 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

ص: 194

?

الصديق رضي الله تعالى عنه: " والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها "

(1)

. فدل على أنهم كانوا يؤدون العناق.

ولأنه مال تجب فيها الزكاة من غير اعتبار قيمته. فيجزئ الأخذ من عينه؛ كسائر الأموال. وإنما يتصور كون النصاب صغاراً بأن تبدل الكبار بالصغار في أثناء الحول، أو يكون عنده نصاب من الكبار فتتوالد نصاباً من الصغار ثم تموت الأمات ويحول الحول على الصغار.

وقيل: لا تؤخذ إلا كبيرة بالقسط كما لو كان الصغار من الإبل أو البقر.

(لا) عن صغار (إبل وبقر) يعني: أنه. لا تؤخذ صغيرة من صغار إبل ولا بقر. (فلا يجزئ فصلان، و) لا (عجاجيل)؛ لأن الشارع فرق بين فرض خمس وعشرين وست وثلاثين من الإبل بزيادة السن، وفرق بين فرض ثلاثين وأربعين من البقر بزيادة السن. (فيُقومّ النصاب من الكبار ويُقوّم فرضه ثم تقوّم الصغار ويؤخذ عنها) أي: عن الصغار (كبيرة بالقسط) ليندفع بذلك محذور الإجحاف بالمالك مع المحافظة على الفرض المنصوص عليه.

وقيل: يجزئ إخراج الفصلان والعجاجيل. فيؤخذ من خمس وعشرين من الإبل إلى إحدى وستين واحدة، وفي ست وسبعين ثنتان. وكذا في إحدى وتسعين وفي ثلاثين من البقر عجل، وفي ستين اثنان وفي تسعين ثلاث. وقس عليه. والتعديل بالقيمة مكان زيادة

(2)

السن. ولو كانت الإبل أقل من خمس وعشرين صغاراً وجبت في كل خمس شاة ككبار.

(وإن اجتمع) في نصاب (صغار وكبار، وصحاح ومعيبات، وذكور وإناث: لم يؤخذ) ولا يجزئ (إلا أُنثى صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين)

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6855) 6: 2657 كتاب الاعتصام يالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(20) 1: 51 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا:

لا إله إلا الله محمد رسول الله.

(2)

في ب: الزيادة.

ص: 195

?

اللذين هما الصغار والكبار أو الصحاح والمعيبات أو الذكور والإناث للنهي عن أخذ الصغير والمعيب والكريمة لقوله: " ولكن من وسط أموالهم "

(1)

.

ولتحصل المساواة فلو كانت قيمة المخرج إذا كان جميع النصاب كباراً صحاحاً عشرون وقيمة المخرج إذا كان جمع النصاب صغاراً مراضاً عشرة، وكان النصف من هذا والنصف من هذا: وجب إخراج كبيره صحيحه قيمتها خمسة عشر.

ويستثنى من ذلك صورتان أشير إلى إحداهما بقوله: (إلا) شاة (كبيرة مع مائة وعشرين سخلة فـ) أنه (يخرجها) أي: يخرج الكبيرة. (و) يخرج

(2)

(سخلة). وأشير إلى الصورة الأخرى بقوله: (و) إلا (صحيحة مع مائة وعشرين معيبة فـ) إنه (يخرجها) أي: يخرج الصحيحة (ومعيبة).

قال في " الإنصاف ": لو كان ماله مائة وإحدى وعشرين شاة والجميع معيب إلا واحدة صحيحة

(3)

، أو كان عنده مائة وإحدى وعشرين شاة والجميع سخال إلا واحدة كبيرة: فإنه يجزئه عن الأول صحيحة ومعيبة، وعن

(4)

الثانى شاة كبيرة وسخلة إن وجبت الزكاة في سخال مفردة، وإلا وجبت كبيرة بالقسط.

وهو معنى قولهم: وإن كان الصحيح غير واجب لزم إخراج الواجب صحيحاً بقدر المال. انتهى.

(فإن كان) النصاب (نوعين) من جنس واحد (كبَخاتيّ) واحدها بختي والأُنثى بختية. قال عياض: هي إبل غلاظ ذوات سنامين (وعراب) أي: مع عراب. وهي إبل جرد ملس حسان الألوان كريمة، (أو) كـ (بقر وجواميس، أو) كـ (ضأن ومعز، أو) كـ (أهلية ووحشية) من بقر وغنم: (أخذت الفريضة من أحدهما) أي: من البخاتي أو العراب أو من البقر أو الجاموس أو

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1582) 2: 103 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

(2)

زيادة من ج.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: وعلى.

ص: 196

من الضأن أو المعز أو من الأهلية أو الوحشية (على قدر قيمة المالين) اللذين هما البخاتي والعراب أو البقر والجواوس الضان والمعز أو الأهلية والوحشية.

قال في " شرح المقنع ": لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في ضم أنواع

الأجناس بعضها إلى بعض في إيجاب الزكاة. فإذا كان النوعان سواء وقيمة المخرج من أحدهما اثنا عشر وقيمة المخرج من الآخر خمسة عشر أخرج من أحدهما ما قيمته ثلاثة عشر ونصف.

(و) يجب (في) نصاب (كرام ولئام، أو) نصاب (سمان ومهازيل: الوسط) نص عليه من أي: النوعين شاء. ولكن (بقدر قيمة المالين) اللذين هما الكرام واللئام أو السمان والمهازيل.

(ومن أخرج عن النصاب) الذي وجبت فيه الزكاة (من غير نوعه ما ليس في ماله)، كمن عنده نصاب من العراب فاشترى بخيتة وأخرجها عنه، أو نصاب من البقر فاشترى جاموسه وأخرجها عنه، أو نصاب من الضأن فاشترى شاة من المعز وأخرجها عنه:(جاز)؛ لأن المخرج من جنس الواجب. أشبه ما لو كان النوعان في ماله وأخرج من أحدهما.

ومحل الجواز (إن لم تنقص قيمته) أي: قيمة المخرج (ضن الواجب) في النوع الذي في ملكه.

وعلى قول أبي بكر: ولو نقصت.

وقيل: لا تجزئ هنا مطلقاً كغير الجنس.

(ويجزئ سن) أي: أن يخرج سناً (أعلا) مما عليه (من فرض من جنسه) أي: جنس الفرض. (لا القيمة). فلا تجزئ على المذهب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: " خذ الحب من الحب، والإبل من الإبل، والبقر من البقر، والغنم من الغنم "

(1)

. رواه أبو داود.

ويجزئ على المذهب إخراج السن الأعلا عما دونه (فيجزئ بنت لبون عن

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(599 1) 2: 9 0 1 كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع.

ص: 197

?

بنت مخاض وحقة عن بنت لبون وجذعة عن حقة. ولو كان عنده) أي: عند المخرج السن (الواجب) الذي أخرج الأعلا سناً منه

(1)

.

لما روى الإمام أحمد وأبو داود بإسنادهما عن أبي بن كعب قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاُ. فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا بنت مخاض. فقلت له: أًوّ بنت مخاض فإنها صدقتك. فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينه فخذها. فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أؤمر به. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت عليّ فافعل، فإن قبله منك قبلته وإن رده عليك رددته. قال: فإنى فاعل. فخرج معي وخرج بالناقة التي عرضها علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له: يا نبي الله لِلَّهِ أتاني رسولك ليأخذ منى صدقة مالي. وايم الله لِلَّهِ ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسوله قط قبله فجمعت له مالي فزعم أنما علي فيه بنت مخاض. وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر. وقد عرضت عليه ناقة فتية سمينة عظيمة ليأخذها فأبى وهاهي قد جئتك بها يا رسول الله لِلَّهِ خذها. فقال له رسول الله: ذاك الذي وجب عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك. فقال: فها هي ذه يا رسول الله لِلَّهِ قد جئتك بها. قال: فاًمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة "

(2)

.

(1)

في أ: عنه.

(2)

أخرجه أبو داود في " سته "(83 5 1) 2: 4 10 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة. وأخرجه أحمد في " مسنده " (21316) 5:142.

ص: 198

(فصل) في حكم الخلطة

وهي مؤثرة في الزكاة خلافاً لأبي حنيفة ولو لم يبلغ مال كل خليط بمفرده نصاباً خلافاً لمالك. ولا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة وفاقاً للأئمة الثلاثة، ولا لخلطة في دون نصاب؛ كما لو كانت الخلطة في تسعة وثلاثين شاة. ولا لخلطة مغصوب. فلو غصب شاة وخلطها مع تسعة وثلاثين شاة له لم تؤثر هذه الخلطة.

(وإذا اختلط اثنان فأكثر من أهل ها) أي: من أهل الزكاة (في نصاب ماشية لهم) أي: لأهل الزكاة اختلاطاً يستغرق (جميع الحول)، وكانت الخلطة (خلطة أعيان بكونه) أي: كون النصاب (مشاعا) بين الخليطين أو الخلطاء بأن يكون لكل واحد نصف او ثلث أو نحوهما مثل أن يرث اثنان نصاباً أو يشترياه مشاعاً ويبقياه بحاله. (أو) كانت الخلطة خلطة (أوصاف بأن تميز ما) أي: العدد الذي (لكل) من المالكين بأن يكون لإنسان شاة ولآخر تسعة وثلاثين أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاة لكل واحد شاة نص أحمد عن المثالين.

(واشتركا في مُراح - بضم الميم -. وهو: المبيت والمأوى) الذي للسائمة.

(و) اشتركا أيضاً في (مسرح. وهو: ما تجتمع فيه) السائمة (لتذهب إلى المرعى.

و) اشتركا أيضاً في (محلب. وهو: موضع الحلب) لجميع الماشية المختلطة.

(و) اشتركا أيضاً في (فحل). وهو: (بأن لا يختص بطرق أحد المالين) الذي لأحد الشركاء دون مال الآخر.

(و) اشتركا أيضاً في (مرعى. وهو: موضع الرعي ووقته).

ص: 199

وقوله: (فلواحد) جواب إذا.

وللأصحاب فى ذلك طرق كثيرة. وطريقة المذهب أنه لا يشترط لخلطة الأوصاف غير هذه الخمسة. فلا يشترط اتحاد المشرب ولا اتحاد الراعي ولا خلط اللبن الذي يحلب من الماشية المختلطة.

والأصل في جواز الخلطة ما روى الترمذي عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتاب الصدقة: " لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتميع خشية الصدقة. وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية "

(1)

. ورواه البخاري من حديث أنس

(2)

.

ولا يجب التراجع إلا على قولنا في خلطه الأوصاف.

وقوله: " لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة " إنما يكون هذا إدا كان جماعة. فإن الواحد يضم بعض ماله إلى بعض وإن كان في أماكن. ولأن للخلطة تأثيراً في تخفيف المُؤْنه. فجاز أن تؤثر في الزكاة؛ كالسوم.

(ولا تعتبر نية الخلطة) لصحة الخلطة في الأصح قياساً على عدم اعتبار نية السوم في السائمة ونية السقي في المعشرات. وفائدة الخلاف في خلط وقع اتفاقاً.

(و) كذا (لا) يعتبر لصحة الخلطة (اتحاد مَشْرَب) بفتح الميم والراء.

وهو المكان الذي تشرب منه.

(و) لا اتحاد (راع) لما تقدم من الإشارة إلى طريقة المذهب.

(وإن بطلت) الخلطة (بفوات أهلية خليط)؛ كما لو كان الخليط كافراً أو مكاتباً: (ضَمّ من كان من أهل الزكلاة ماله) المختص به إلى بعض (وزكاه إن بلغ نصاباً). وإلا فلا، لأنه لا أثر لخلطه من ليس من أهل الزكاة.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(621) 3: 17 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم. قال التر مذي: حديث حسن.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1382) 2: 526 كتاب الزكاة، باب العرض في الزكاة.

ص: 200

(ومتى لم يثبت لخليطين حكم الانفراد بعض الحول بأن ملكا نصاباً معا) بإرث أو بيع أو هبة: (زكياه زكلاة خلطة)، وذلك لأن شروط الخلطة موجودة من حين انعقاد السبب إلى حين الوجوب فوجب أن يثبت حكمها.

(وإن ثبت لهما) أي: للخليطين حكم الانفراد في بعض الحول (بأن خلطا في اثنائه) أي: أثناء الحول (ثمانين شاة) لكل واحدة منهما اربعون: (زكياه) للحول الأول (كلمنفردين). فيخرج كل واحد منهما شاة؛ لأنه قد وجد في الحول خلطة وانفراد. فيقدم أحدهما؛ لتعذر الجمع بين حكمهما. فكان الانفراد أولى بالتقديم لأنه الأصل والمجمع عليه والخلطة طارئ مختلف فيه. (وفيما بعد الحول الأول) إن استمرت الخلطة (زكاة خلطة). فيخرجان شاة واحدة، فإن الخلطة موجودة في جمعيه. فيثبت فيه حكمها.

(فإن اتفق حولاهما) أي: حولا الخليطين بأن يكون تجدد ملك كل واحد على الأربعين التي في ملكه في يوم واحد: (فعليهما) أي: على المختطين (بالسوية شاة) واحدة لكون لكل واحد أربعون

(1)

(عند تمامهما) أي: تمام حولهما.

(وإن اختلفا) اي: اختلف حولاهما (فعلى كل) منهما (نصف شاة عند تمام حوله)؛ لأنهما ارتفقا بالخلطة في حول كامل. فأشبه المتفقي الحول.

ولأن اختلاف الحول لا يمنع حقيقة الخلطة ولا رفقها المقصود منها فيما عدا الحول الأول فلا معنى لامتناع حكمها به فيه.

(إلا إن اخرجها الأول) أي: إلا إن أخرج الزكاة الواجبة عليه من تم حوله أو لا (من المال) أي: من الثمانين (فيلزم الثاني ثمانون جزءا من مائة وتسعة وخمسين جزءا من شاة. ثم كلما تم حول احدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ما له فيه) أي: في مال الخلطة.

(وإن ثبت لأحدهما) أي: أحد الخليطين حكم الانفراد (وحده) دون

(1)

في ب زيادة: شاة. ()

ص: 201

الخليط الآخر. وذلك (بأن ملكا نصابين) كل واحد اربعين شاة (فخلطاهما) أي خلطا النصابين (ثم باع احدهما نصيبه) وهو الأربعون التي يملكها (أجنبيا) أي: إنسانا غير خليط (فإذا تم حول من لم يبع لزمه زكاة انفراد شاة) كاملة لانفراده عن الخليط الأول في بعض الحول.

(وإذا تم حول المشتري) وقد استدام الخلطة (لزمه زكاة خلطة نصف شاة) لوجود الخلطة في حقه جميع الحول. (إلا إن أخرج) الخليط (الأول) الذي ثبت له حكم الانفراد في بعض الحول (الشاة) التي وجبت عليه (من المال) أي: من الثمانين (فيلزم الثاني) أي: المشتري (اربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا من شاة. ثم كلما تم حول احدهما) اي: أحد الخليطين (لزمه من زكاة الجميع) أي: جميع مال الخلطة (بقدر ملكه فيه) أي: في مال الخلطة.

(ويثبت أيضاً حكم الانفراد لأحدهما) أي: لأحد الخليطين (بخلط من له دون نصاب بنصاب لاخر بعض الحول) فإن مالك النصاب عليه زكاة ملكه وحده. بخلاف من له بعض نصاب فإنه لا يجب عليه زكاته حتى يحول عليه الحول وهو مختلط فيزكيه زكاة خلطة. فإن كان له عشرون شاه خلطها مع أربعين كان عليه عند مضي حول الخلطة ثلث شاة.

(ومن بينهما ثمانون شاة خلطة) لكل واحد أربعون (فباع أحدهما نصيبه)

كله (او دونه) أي: دون نصيبه (بنصيب الاخر) كله (او دونه واستداما الخلطة لم ينقطع حولهما) ولم تزل خلطتهما على المذهب في ان إبدال الماشية بجنسها لا يقطع الحول. فلا تنقطع الخلطة؛ لأن الزكاة إنما تجب فيما اشترى ببنائه على جميع

(1)

حول المبيع. فيجب ان تبنى عليه في الصفة التي كان عليها. وهي صفة الخلطة.

(و) على هذا يكون (عليهما) إذا حال الحول (زكاة الخلطة). فأما إن كان مال كل واحد منهما منفردا فخلطاه ثم تبايعاه، فعليهما في الحول الأول زكاة

(1)

ساقط من أ. ()

ص: 202

انفراد؛ لأن الزكاة تجب فيه ببنائه على أول الحول وهو منفرد فيه. فيجب أن تبنى عليه في الصفة التي كان عليها وهي الانفراد.

(ومن ملك نصاباً دون حول ثم باع نصفه مشاعا او) معينا بأن (أعلم على بعضه وباعه مختلطا او) باعه (مفردا ثم اختلطا: استأنفا الحول من البيع) في الأصح؛ لأن المبيع قد انقطع الحول فيه. فكاً نه لم يجر في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاع الحول في الذي لم يبع.

(ومن ملك نصابين) كثمانين من الغنم مثلا (ثم باع احدهما) أي: أحد النصابين (مشاعا) بأن باعه نصف الثمانين (قبل) ح ولأن (الحول: ثبت له)

أي: البائع (حكم الانفراد، وعليه إذا تم حوله زكاة منفرد) في الأصح لثبوت حكم الانفراد به.

(وعلى مشتر إذا تم حوله زكاة خليط) وجها واحدا؛ لكونه لم يثبت له حكم الانفراد أصلا.

(ومن ملك نصاباً ثم) ملك (اخر لا يتغير به الفرض كأربعين شاة في المحرم) بسبب مستقل (ثم اربعين في صفر: فعليه زكاة) النصاب (الأول فقط إذا تم حوله) شاة؛ لأن الجميع ملك إنسان واحد فلم يزد فرضه على شاة؛ بهما لو اتفق حولاهما.

وقيل: شاة أيضاً كمالك منفرد.

وقيل: يجب في الأربعين الثانية التي ملكها في صفر عند تمام حولها نصف شاه؛ لاختلاطها بالأربعين الأولى كما لو كانت لأجنبي.

(وإن تغير به) أي: بالنصاب الثانى الفرض؛ (كمائة) ملكها في صفر بعد أن ملك أربعين في المحرم: (زكاه) أي: زكى النصاب الثانى الذي هو المائة (إذا تم حوله) وجها واحدا كما لو اتفق حولاهما. (وقدرها) أي: وقدر الزكاة الواجبة في النصاب الثاني (بأن ينظر إلى زكاة الجميع) وهو مائة وأربعون في صورة المتن (فيسقط منها) أي: من زكاة الجميع (ما وجب في) النصاب (الأول) وهو شاة (ويجب الباقي) من زكاة الجميع (في) النصاب (الثاني وهو شاة).

ص: 203

ولو ملك مائة أخرى في ربيع ففيها شاة فقط عند تمام حولها.

(وإن تغير) الفرض (به) اي: بما ملكه (ولم يبلغ) ما ملكه (نصاباً كثلاثين بقرة) ملكها (في المحرم وعشر) من البقر أيضاً ملكها (في صفر) فصارت أربعين (ففي العشر إذا تم حولها) مع انضمامها إلى الثلاثين (ربع مسنة) لأن الفريضة الموجبة للمسنة قد كملت وقد أخرج زكاة الثلاثين فوجب في العشر بقسطها من المسنة وهي ربعها.

(وإن) كان ما ملكه بعد ملك النصاب (لم يغيره) أي: لم يغير الفرض (ولم يبلغ نصاباً كخمس) من البقر ملكها بعد الثلاثين (فلاشيء فيها) أي: في الخمس بقرات في الأصح؛ لأنها وقص، وكما لو ملك الجميع دفعة واحدة. (ومن له ستون شاة كل عشرين منها) مختلطة (مع عشرين لاخر: فعلى الجميع شاة)؛ لأن ما يملكه جميعهم تجب فيه شاة على الانفراد فكذا في الاختلاط. (نصفها على صاحب الستين ونصفها على خلطائه) على كل واحد من الخلطاء سدس شاة ضما لمال كان خليط إلى مال الكل. فيصير كمال واحد. ومحل ذلك إذا لم يكن بينهم مسافة قصر.

وقيل: يلزمهم شاتان وربيع على صاحب الستين من ذلك ثلاثة أرباع شاة.

(وإن كانت) الستون (كل عشر منها) مختلطة (مع عشر لآخر: فعليه) أي: على صاحب الستين (شاة) لملكه نصاباً. (ولا شيء على خلطائه)؛ لأن من شرط صحة الخلطة: أن يكون مجموع مال الخليطين

(1)

نصاباً. وخلطاؤه لم يختلطوا معه في نصاب.

(1)

ساقط من أ. ()

ص: 204

(فصل) في حكم تفرقة السائمة

وغير ذلك

(ولا أثر لتفرقة مال) زكوي (لـ) مالك (واحد غير سائمة بمحلين بينهما مسافة قصر). فإن التفرقة تؤثر فيها في المنصوص عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه فيما رواه الأثرم وغيره عنه. فجعل التفرقة في البلدين كالتفرقة في الملكين، لأنه لما أثر اجتماع مال الجماعة حال الخلطة في مرافق الملك ومقاصده على أتم الوجوه المعتادة وصيره كمال واحد: وجب أن يؤثر الافتراق الفاحش في مال الواحد حتى يجعله كالمالين.

واحتج أحمد بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشيه الصدقة "

(1)

. وعندنا من جمع أو فرق خشية الصدقة لم يؤثر جمعه ولا تفرقته.

ولأن كل مال ينبغي تفرقته في بلده. فتعلق الوجوب بذلك البلد.

وعنه رواية تانية: أنه لا أثر للتفرقة وتزكى كالمجتمعة وفاقاً للأئمة الثلاثة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" في خمس من الإبل شاة "

(2)

. وقوله " في أربعين شاة شاة "

(3)

. وكما لو كان بينهما دون مسافة القصر إجماعا. وكغير السائمة إجماعا.

وجعل أبو بكر في سائر الأموال روايتين كالماشية. قاله ابن تميم.

ويتفرع على المذهب المنصوص ما أشير إليه بقوله: (فلكل ما) أي: لكل سائمة (في محل منها) اي: من المحال المتباعدة (حكئم بنفسه. فعلى) هذا (من له) سوائم (بمحال متباعدة وأربعون شاة في كل محل) من المحال المتباعدة: فإنه يكون عليه (شياه بعددها) أي: بعدد كل محل له به أربعون شاة بينه وبين الآخر مسافة تقصر فيها الصلاة.

(1)

سبق تخريجه ص (200) رقم (1). ()

(2)

سبق تخريجه ص (192) رقم (3) من حديب ابن عمر رضي الله عنهما. ()

(3)

سبق تخريجه ص (159) رقم (1).

ص: 205

(ولا شيء على من لم يجتمع له نصاب في واحد منها) أي: من المحال المتباعدة (غير خليط) مع غيره في نصاب.

(فإذا كان له) أي: لشخص من أهل الزكاة (ستون شاة) بثلات محال متباعدة (في كل محل عشرون) منها (خلطة بعشرين لاخر: لزم رب الستين شاة ونصف وكل خليط نصف شاة). وإن لم يكن منها خلطة مع أحد من أهل الزكاة في نصاب فلا شيء عليه في شيء من الستين.

(ولا تؤثر الخلطة في غير سائمة) على الأصح. نص عليه؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة "

(1)

: إنما يكون في الماشية؛ لأن الزكاة تقل بجمعها تارة وتكثر أخرى. وسائر الأموال تجب فيما زاد على النصاب بحسابه فلا أثر لجمعها.

ولأن خلطة الماشية تؤثر في النفع تارة وفي الضرر أخرى. وفي غير السائمة تؤثر ضررا محضا برب المال؛ لعدم الوقص فيها بخلاف السائمة.

وعنه: تؤثر خلطة الأعيان في غير السائمة وفاقاً للشافعي.

وقيل: وخلطة الأوصاف.

قال في " الخلاف ": نقل حنبل تضم كالمواشي. فقال: إذا كانا رجلين لهما من المال ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فعليهما الزكاة بالحصص. فيعتبر على هذه الرواية اتحاد المؤنة، ومرافق الملك. واختار هذه الرواية الآجري وصححها ابن عقيل وخصها القاضي في " شرحه الصغير " بالذهب والفضة.

(و) يجوز (لساع) يجبي الزكاة (اخذ) للواجب في مال الخلطة (من مال أي الخليطين شاء مع حاجة) إلى ذلك. بأن تكون الفريضة عينا واحدة لا يمكن

(2)

أخذها من المالين ونحو ذلك.

(وعدمها) أي: عدم الحاجة. نص عليه بأن كان الفرض موجودا في كل من المالين.

(1)

سيق تخريجه ص (200) رقم (1). ()

(2)

في ج: يملك. ()

ص: 206

قال في " الفروع ": وظاهره ولو (بعد قسمة في خلطة أعيان مع بقاء النصيبين وقد وجبت الزكاة).

وقال صاحب " المحرر " في " المجرد ": لا. ولا وجه له إلا عدم الحاجة. فيتوجه منه اعتبار الحاجة لأخذ الساعي. انتهى.

والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسويه "

(1)

. يعني: إذا أخذ الزكاة الساعي من مال احدهما.

ولأن المالين قد صارا كالمال الو احد في وجوب الزكاة فكذلك في إخراجها.

(ومن لا زكاة عليه كذمي) ومكاتب (لا اثر لخلطته في جواز الأخذ) يعني: أنه لو خالط شخص من أهل الزكاة شخصا ليس من أهل ها كالذمي والمكاتب: لم يجز للساعي ان يأخذ الزكاة من مالى الذمي والمكاتب لأنهما مالان لا يضم أحدهما إلى الآخر، فأشبها المنفردين أو المجتمعين في وصف واحد من أوصاف الخلطة.

(ويرجع) خليط من أهل الزكاه (مأخوذ منه) زكاة جميع مال الخلطة (على خليطه بقيمة القسط الذي قابل ماله) أي: مال الخليط الذي لم يؤخذ منه شيء (من المخرج)، لقوله صلى الله عليه وسلم " وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية "

(2)

. إذا أخذ من أحدهما.

وتعتبر قيمة ما يقابل ماله من المخرج (يوم الأخذ) أي: يوم أخذ الساعي من الخليط لزوال ملكه حين ذاك. (فيرجع رب خمسة عشر بعير من) أصل (خمسة وثلاثين) خلطة (على رب عشرين) منها (بقيمة أربعة أسباع بنت مخاض) أخذت من ماله. (وبالعكس) وهو ما لو أخذت بنت المخاض من مال رب العشرين فإنه يرجع على رب الخمسة عشر (بثلاثة اسباعها). ومن بينهما ثلاثون بعيراً لأحدهما عشرة ولآخر عشرون فإنه يرجع رب العشرة إذا أخذت منه بنت مخاض على رب العشرين بقيمة ثلثيها. وبالعكس بقيمة ثلثها. ويرجع رب

(1)

سبق تخريجه ص (192) رقم (3). من حديث ابن عمر رضى الله عنهما. ()

(2)

انظر ما سبق. ()

ص: 207

الثلاثين من البقر مختلطة بأربعين لاخر بأربعة أسباع تبيع وأربعة أسباع مسنة. وبالعكس بثلاثة أسباعهما.

(ومن بينهما ثمانون شاة نصفين وعلى احدهما دين بقيمة عشرين منها: فعليهما شاة. على المدين) منها (ثلثها) لمنع وجوب الزكاه في العشرين المقابلة لما عليه من الدين. فكاًنه مالك لعشرين مختلطة بأربعين لآخر. (وعلى الآخر ثلثاها) أي: ثلثا الشاة لأنه لا مانع في وجوب الزكاة عليه في الأربعين شاة التي له.

(ويقبل قول مرجوع عليه في قيمة) لما أخرج خليطه (بيمينه إن عدمت بينة) تشهد أن قيمة المخرج أكثر مما قاله المرجوع عليه. (واحتمل صدقه) أي: صدق المرجوع عليه في قيمة ما يرجع عليه به لأنه غارم. أشبه ما لو اختلف الغاصب ورب المال في قيمة المغصوب بعد تلفه.

(ويرجع) المأخوذ منه الزكاة (بقسط زائد) على الواجب إذا (اخذه ساع بقول بعض العلماء) وفاقاً، كما لو أخذ صحيحة عن مراض أو كبيرة عن صغار أو قيمة الواجب لأن الساعي نائب الإمام ففعله كفعله.

قال المجد: فلا ينقض كما في الحاكم.

قال الموفق: ما أداه اجتهاده إليه وجب دفعه وصار بمنزلة الواجب. واقتصر غيره على أن فعل الساعي في محل الاجتهاد سائغ نافذ. فترتب عليه الرجوع لسوغانه. قال ابن تميم: إن أخذ الساعي فرق الواجب بتاويل أو أخذ القيمة أجزأت في الأظهر ورجع عليه بذلك.

قال في. " الفروع ": وإطلاق الأصحاب رحمهم الله تعالى يقتضي الإجزاء ولو اعتقد المأخوذ منه عدمه. انتهى.

(لا) إن أخذ الساعي من أحد الخليطين أكثر من الواجب في مال الخلطة (ظلما) بلا تأويل " كما لو أخذ الساعي عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما، او عن ثلاثين بعيراً جذعة من مال احدهما فإنه لا يرجع على خليط في المسألة الأولى إلا بقيمة نصف شاة.

وفي المسألة الثانية: إلا بقيمة نصف بنت مخاض، لأن الزيادة ظلم. فلا

ص: 208

يجوز رجوعه بها على غير ظالمه، أو متسبب في ظلمه وفاقاً.

قال في " الفروع ": وأطلق شيخنا في رجوعه على شريكه قولين ومراده للعلماء. قال: أظهرهما: يرجع. وقال في المظالم المشتركة تطلب من الشركاء تطلبها الولاة أو الظلمة من البلدان أو التجار أو الحجيج أو غيرهم والكلف السلطانية وغير ذلك على

(1)

الأنفس أو الأموال أو الدواب: يلزمهم التزام العدل في ذلك كما يلزم فيما يؤخذ منهم بحق، ولا يجوز أن يمتنع أحد من أداء قسطه من ذلك بحيث يؤخذ قسطه من الشركاء؛ لأنه لم يدفيع الظلم عنه إلا بظلم شركائه لأنه يطلب ما يعلم أنه يظلم فيه غيره؛ كمن يولي أو يوكل من يعلم أنه يظلم ويأمره بعدم الظلم ليس له أن يوليه.

ولأنه يلزم العدل في هذا الظلم.

ولأن النفوس لا ترض بالتخصيص ولأنه يفض إلى أخذ الجميع من الضعفاء.

ولأنه لو احتاج المسلمون إلى جمع مال لدفع عدو كافر لزم القادر الاشتراك فهنا أولى.

فمن تغيب او امتنع فأخذ من غيره حصته رجع على من أدى عنه في الأظهر إن لم ينو تبرعا ولا شبهة على الأخذ في الأخذ كسائر الواجبات؛ كعامل الزكاة، وناظر الوقف، والوصي

(2)

، والمضارب،. والشريك، والوكيل، وسائر من تصرف لغيره بولاية أو وكالة إذا طلب منه ما ينوب ذلك المال من الكلف: فإن لهم أن يؤدوا ذلك

(3)

من المال. بل إن كان إن لم يؤدوه أخذ الظلمة أكثر:

وجب؛ لأنه من حفظ المال. ولو قدر غيبة المال فاقترضوا عليه او أدوا من مالهم رجعوا به. وعلى هذا العمل ومن لم يقل به لزم من الفساد مالا يعلمه إلا رب العباد. انتهى.

(1)

في أ: عن. ()

(2)

في ا: والموصى. ()

(3)

ساقط من أ. ()

ص: 209

[باب: زكاة الخارج من الأرض]

هذا (باب: زكاة الخارج من الأرض) من الزرع والثمار والمعدن والركاز.

(و) ما يخرج من (النحل).

والأصل في وجوبها فيما يخرج من الأرض قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]. والزكاة تسمى نفقة لقوله سبحانه وتعالى:

{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبه: 34].

وقوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].

قال ابن عباس: " حقه: الزكاة فيه مرة العشر ومرة نصف العشر "

(1)

.

وأجمعوا على وجوبها فى الحنطة والشعير والتمر والزبيب. حكاه ابن المنذر وابن عبدالبر.

(تجب) الزكاة (في كل مكيل مدخر). نقله أبو طالب وكذا نقل صالح وعبدالله: ما كان يكال ويدخر ويقع فيه القفيز فيه العشر. وما كان مثل الخيار والقثاء والبصل والرياحين والرمان فليس فيه زكاة إلا أن يباع ويحول على ثمنه حول.

قال في " الفروع ": واختاره جماعة وجزم به آخرون. انتهى.

ويدل لاعتبار الكيل قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة "

(2)

.

متفق عليه.

(1)

أخرجه البجهقي في " السنن الكبرى " 4: 132 كتاب الزكاة، باب ما ورد في قوله تعالى:(واتوا حقه يوم حصاده). ()

(2)

سيأتي تخريجه ص (212) رقم (2). ()

ص: 210

ولأنه لو لم يدل على اعتبار الكيل لكان ذكر الأوسق لغو، ويدل لاعتبار كونه مما يدخر أن غير المدخر لا تكمل فيه النعمة، لعدم النفع فيه مآلا.

وسواء كان الكيل المدخر (من حب) كالقمح والشعير والأرز والفول والحمص والجلبان والذرة والدخن والعدس واللوبيا والترمس والسمسم والقرطم والحلبة والخشخاش وما اشبه ذلك. حتى (ولو) كان الحب (للبقول كـ) حب (الرشاد، و) حب (الفجل) والخردل ونحو ذلك.

(أو) كان الحب (لما لا يؤكل كـ) حب (اشنان، و) حب (قطن، ونحوهما) كبزر الكتان والنيل.

(أو) كان الحب (من الأباريز؛ كالكسفرة والكمون) والأينسون والزازيانج [وهو الشمر]

(1)

(وبزر الرياحين و) بزر (القثاء، ونحوهما)، كبزر الخيار والبطيخ بأنواعه، وبزر الباذنجان والهندباء، وبزر اليقطين والخس والجزر واللفت والكرنب والكرفس.

(أو) كان المكيل المدخر (غير حب كصعتر وأشنان وسماق أو ورق شجر يقصد كسدر وخطمي وآس)؛ لعموم النص لأن كلا من ذلك مكيل مدخر (أو ثمر) عطف على قوله من حب. والثمر المكيل المدخر (كتمر وزبيب ولوز) نص عليه وعلله بأنه مكيل. (وفستق وبندق.

لا) في (عناب) في الأصح.

(و) لا في (زيتون) على الأصح.

(و) لا في (جوز) نص عليه. وعلل بأنه معدود.

(و) لا في (تين) في الأصح.

(و) لا في (توت) في الأصح.

ولا في مشمش في الأصح.

(1)

زيادة من ج. ()

ص: 211

(و) لا في (بقية الفواكله) كالتفاح والأجاص والكمثرى والسفرجل والرمان والنبق والزعرور والأترج والموز والخوخ ويسمى الفرسك.

لما روى الأثرم بإسناده عن سفيان بن عبدالله الثقفي " أنه كتب إلى عمر وكان عاملا له على الطائف أن قبله حيطانا فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا. فكتب يستامر في العشر. فكتب إليه عمر: أن ليس عليها عشر. وقال: هي من العضاة كلها فليس عليها عشر "

(1)

.

(و) لا في (طلع فحال وقصب وخضر) كيقطين ولفت وكرنب وكسفرة.

(وبقول) كفجل وثوم وبصل وكراث. (وورس ونيل وحناء) في الأصح (وفوة وبقم) ولا في قطن وكتان وقنب.

(و) لا في (زهر كعصفر وزعفران) على الأصمح. ولا في التين وقشور الحب.

(و) لا في (نحو ذلك) كجريد النخل وخوصه وليفه.

ولا تجب الزكاة فيما قلنا تجب فيه مما ذكر إلا (بشرطين):

أحدهما: (أن يبلغ نصاباً. وقدره) أي: النصاب (بعد تصفية حب) من قشره (وجفاف ثمر و) جفاف (ورق: خمسة اوسق) وفاقاً لمالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد.

لما روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس أواق ولا فيما دون خمس ذود صدقة "

(2)

.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 125 كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ صدقه شيء من الشجر غير النخل والعنب. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1390) 2: 529 كحاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمس ذود صدقه. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (979) 2: 673 كتاب الزكاة. وأخرجه ابو داود في " ستنه "(1558) 2: 94 كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (626) 3: 22 كتاب الزكاه، باب ما جاء في صدقه الزرع والتمر والحبوب. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2446) 5: 18 كتاب الزكاة، باب زكاه الإبل.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1793) 1: 571 كتاب الزكاه، باب ما تجب فيه الزكاه من الأموال.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(11592) 3: 60.

ص: 212

رواه الجماعة.

ورواه أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وهذا نص خاص مقيد يقضي على كل حديث عام وعلى كل حديث مطلق.

ولأنها زكاة فى المال. فاعتبر لها النصاب؛ كسائر الزكوات.

(وهي) اي: الخمسة أوسق (ثلاثمائة صاع) لأن الوسق بكسر الواو وفتحها ستون صاعا إجماعا لنص الخبر.

(و) هي (بالرطل العراقي الف وستمائة) رطل. (وبـ) الرطل (المصري ألف) أي: ألف رطل (واربعمائة وثمانية وعشرون رطلا وأربعة أسباع) من الرطل المصري. (وب) الرطل (الدمشقي ثلاثمائة) أي: ثلاثمائة رطل (واثنان واربعون رطلا وستة أسباع) من الرطل الدمشقي. (وب) الرطل (الحلبي مائتان وخمسة وثمانون رطلا وخمسة اسباع) من الرطل الحلبي.

(وب) الرطل (القدسي مائتان وسبعة وخمسون رطلا وسبع رطل) قدسي.

(والأرز والعلس) والعلس نوع من الحنطة (يدخران في قشرهما) عادة لحفظهما (فنصابهما معه) أي: مع قشرهما (ببلد خبرا) أي: الأرز والعلس بتلك البلد (فوجدا) بالاختبار أنه (يخرج منهما مصفى النصف مثلا ذلك) فيكون نصاب كل منهما في قشره عشرة أوسق.

وإن شككنا في بلوغه نصاباً خير صاحبه بين إخراج عشره وبين إخراجه من قشرة كقولنا في مغشوش الذهب والفضة.

ولا يجوز تقدير غير العلس من الحنطة في قشره ولا إخراجه قبل تصفيته لأن العادة لم تجر به. ولم تدع الحاجة إليه، ولا يعلم قدر ما يخرج منه.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(0 1 92) 2: 02 4. ()

ص: 213

(والوسق والصاع والمد) أصلها (مكاييل نقلت إلى الوزن لتحفظ وتنقل.

والمكيل) يختلف في الوزن. فإن (منه ثقيل كأرز) وتمر.

(و) منه (متوسط كبر) وعدس.

(و) منه (خفيف كشعير) وذرة. وأكثر التمر أخف من الحنطة على الوجه الذي يكال شرعا لأن ذلك على هيئته غير مكبوس.

(والاعتبار) من هذه المكيلات (بمتوسط) وهو الحنطة والعدس.

قال في " الفروع ": ونص أحمد وغيره من الأئمة على أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالحنطة أي: بالرزين من الحنطة لأنه

(1)

الذي يساوي العدس في وزنه.

(فتجب) الزكاة (في خفيف) إذا (قارب هذا الوزن وإن لم يبلغه) أي: يبلغ هذا الوزن لأنه في الكيل كالرزين.

إذا علمت ذلك (فمن اتخذ ما) أي: مكيلا (يسع صاعا) أي: خمسة أرطال وثلثا (من جيد البر) ثم كال به ما شاء (عرف به ما يلغ حد الوجوب من غيره).

قال في " الفروع ": نص أحمد رحمه الله تعالى على ذلك. وقاله القاضي وغيره. وحكى القاضي عن ابن حامد يعتبر أبعد الأمرين من الكيل والوزن.

وذكر ابن عقيل وغيره- أن الاعتبار بالوزن.

قال الأئمة منهم صاحب " المغني " و" منتهى الغاية ": ومتى شك في بلوغ قدر النصاب احتاط وأخرج ولا تجب لأنه الأصل فلا يثبت بالشك. انتهى.

(وتضم انواع الجنس) الواحد (من زرع العام الواحد) بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. فيضم العلس إلى الحنطة لأنه نوع منها. والسلت إلى الشعير لأنه نوع منه. جزم به جماعة منهم الموفق والمجد.

(1)

في ج: وهو. ()

ص: 214

قال في " الفروع ": لأنه أشبه الحبوب به في صورته.

لا جنس إلى الآخر على الأصح كالثمار والمواشي. فيعتبر النصاب في كل جنس منفردا.

وعنه: أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض.

وعنه: ان الحنطة تضم إلى الشعير.

وعنه: أن القطنيات بكسر القاف جمع قطنية يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. والقطنيات هي: الباقلاء والعدس والماش واللؤبياء والترمس والسمسم وما أشبه ذلك سميت قطنيه فعلية من قطن يقطن في البيت، أي: يمكث فيه. ومن ذلك قولهم فلان قاطن بمكان كذا.

(و) تضم أيضاً (ثمرته) اي: ثمرة العام الواحد إذا كانت من جنس واحد (ولو) كانت الثمرة (مما) اي: من شجر (يحمل في السنة حملين) في الأصح بعضها (إلى بعض)؛ لأنها ثمرة عام واحد فضم بعضها إلى بعض كزرع العام الواحد. وكالذرة الذي تنبت مرتين.

ولأن الحمل الثانى يضم إلى الحمل المنفرد كما لو لم يكن حمل أول فكذلك إذا كان؛ لأن وجود الحمل الأول لا يصلح أن يكون مانعا بدليل حمل الذرة الأول. وبها يبطل ما ذكروه من انفصال الثانى عن الأول.

و (لا) يضم (جنس إلى آخر) في تكميل النصاب على الأصح كضم تمر إلى زبيب أو حنطة او لوز لأنها اجناس يجوز التفاضل فيها. فلم يضم بعضها إلى بعض.

ولا يصح القياس على ضم العلس إلى الحنطة، لأنه نوع منها وإذا انقطع القياس لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم.

الشرط (الثاني) لوجوب الزكاة فيما يخرج من الأرض من الحبوب والثمار: (ملكه) اي: ملك من هو من أهل الزكاة لما تجب فيه الزكاة (وقت وجوبها) ووقت وجوبها في الحبوب إذا اشتدت، وفي الثمار إذا بدا صلاحها.

ص: 215

(فلا تجب) الزكاة (في مكتسب لقاط، و). لا في (اجرة حصاد)، ولا فيما ملك بعد وقت الوجوب بشراء أو إرث او غيرهما، (ولا فيما لا يملك إلا بأخذ) وهو ما يجتنى من المباح (كبطم وزعبل) بوزن جعفر وهو شعير الجبل (وبزر قطونا ونحوه) كحب النمام وبزر البقلة

(1)

؛ لأنه لم يملك لثميئا من ذلك وقت الوجوب.

وقال القاضي وأبو الخطاب في البطم والزعبل وبذر القطونا ونحوه: أن فيه الزكاة إذا نبت في أرضه لكونه حبا مكيلا مدخرا.

(ولا يشترط) لوجوب الزكاة (فعل الزرع فيزكي نصاباً حصل من حب له) أي: لمن هو من أهل الزكاة (سقط بملكه) من الأرض. (أو) سقط في أرض (مباحة) لأنه ملكه وقت وجوب الزكاة.

(1)

في ج: الباقلة. ()

ص: 216

[فصل: فيما يجب فيه العشر أو نصفه]

(فصل. ويجب فيما) أي: في حب وثمر (يشرب بلا كلفة) الذي يشرب (بعروقه) ويسمى بعليا، (وغيب) وهو ما يزرع على المطر، (وسيح)

وهو الماء الجاري على وجه الأرض كماء الأنهار (ولو بإجراء ماء حفيرة) حصل فيها من نهر او مطر (شراه) رب الزرع أو الثمر لزرعه او لشجره: (العشر) فاعل يجب.

قال في " الفروع ": وإن اشترى ماء بركة أو حفيرة وسقى سيحاً فالعشر في ظاهر كلام أصحابنا. قاله صاحب " المحرر " لندرة هذه المؤنة. وهي: في ملك الماء لا في السقي به. قال: يحتمل نصف العشر لأنه سقي بمؤنة، وأطلق ابن تميم وجهين.

وإن جمعه وسقى به فالعشر. انتهى.

(ولا يؤثر مؤنة حفر نهر) وقناة؛ لقلة المؤنة. لأن ذلك من جمله إحياء الأرض ولا يتكرر كل عام.

(و) لا مؤنة (تحويل ماء) في السواقي وإصلاح طرق الماء؛ لأن ذلك لا بد منه حتى بالسقي بالكلف.

ولأنه كحرث الأرض.

ويجب فيما سقي من الحبوب والثمار.

(وبها) أي: بكلفة (كدوالي) جمع دالية. وهي: الدولاب تديره البقرة والدلاء الصغار الذي يستقي بها الرجل ونحوه. (ونواضح) جمع ناضح وهو البعير الذي يسقى عليه. وكالناعورة وهي الدولاب الذي يديره الماء.

(وكترقية) الماء (بغرف ونحوه: نصفه) اي: نصف العشر.

والأصل في ذلك ما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 217

" فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر "

(1)

. رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه.

ورواه النسائي وأبو داود وابن ماجه " فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بعلا: العشر. وفيما سقي بالسواني والنضح: نصف العشر "

(2)

. والسواني والنواضح: الإبل التي يستقى عليها لسقي الأرض.

والقرب: دلو البعير الناضح.

والرشا: حبله الذي يستقى به.

وإنما كمل الشارع العشر في القسم الأول ونصفه في الثاني؛ لأن المال يحتمل المواساه عند خفه المؤنة ما لا يحتمل عند

(3)

كثرتها. ولذلك اعتبر السوم في المواشي.

والضابط في ذلك: أن ما يحتاج إلى ترقية الماء فيه إلى الأرض بآلة من غرب

(4)

أو نضح أو دالية أو ناعورة ونحو ذلك ففيه نصف العشر، وما لا يحتاج إلى ذلك ففيه العشر.

(و) يجب (فيما يشرب بهما) أي: بكلفة وبغير كلفة (نصفين) أي: نصف سنة بكلفة ونصف سنة بغير كلفة: (ثلاثة ارباعه) أي: أرباع العشر؛ لأن

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1412) 2: 540 كتاب الزكاه، باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (640) 3: 32 كتاب الزكاة، باب ما جاء في الصدقة فيما يسقى با لأنهار وغيره.

وأخرجه اخمد في " مسنده "(1789 2) 5: 234 قال الترمذي: حديب حسن صحيح.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1596) 2: 08 1 كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2488) 5: 41 كتاب الزكاة، باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1817) 1: 581 كتاب الزكاه، باب صدقة الزروع والثمار.

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

الغرب: الدلو العظيمة يستقى بها على السانية. " المصباج ". مادة غرب.

ص: 218

ولأنه لا يتيقن الخروج من عهدة ما عليه إلا بما ذكر. فأشبه من نسي صلاة من يوم وانسي عينها.

ولأن هذا أحوط وليس فيه خطأ متيقن.

تمام العشر تعأرض فيه موجب ومسقط فغلب الموجب احتياطا للفقراء.

ولأن فيه إنصافا بين المالك والفقير. وتوفيرا على كل واحد من الصنفين المتساويين في حكم فكان اولى من إلغاء أحدهما.

(فإن تفاوتا) أي: السقي بكلفة والسقي بلا كلفة بأن سقي بأحدهما أكثر من الآخر (فالحكم لأكثرهما) أي: أكثر السقيين (نفعاً ونموا). نص عليه وقاله القاضي. وقال أيضاً: إن الاعتبار بعدد السقياب.

وقيل: يعتبر

(1)

بالمدة وأطلق بن تميم ثلاثة اوجه.

(فان جهل) مقدار السقي فلم يعلم هل سقي سيحا أكثر او سقي بكلفة أكثر أو جهل أكثرهما نفعاً ونمواً: (فالعشر) أي: فيجب العشر احتياطا، لأن الأصل عدم الكلفه فيه. فلا يثبت وجودها بالشك.

ولأنه لا يتيقن الخروج من عهدة ما عليه الا بما ذكر. فأشبه من نسي صلاة من يوم وأنسي عينها.

ولأن هذا أحوط وليس فيه خطأ متيقن.

وقيل: يؤخذ بالقسط؛ لأن القسط يثبت مع المناصفة فكذا مع التفاضل والأول المذهب، لأن اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وما يشرب في كل سقية يعسر ويشق. فضبط الحكم بمظنة الكثرة؛ كما قلنا في السوم.

(و) متى قال الساعي للمالك: عليك العشو لأنك تسقي بلا كلفة وقال المالك: بل نصف العشر لأنى سقيت بكلفة: فإنه (يصدق مالك فيما سقى به) منهما بغير يمين؛ لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم على المذهب. (ووقت وجوب) الزكاة (في حب إذا اشتد)، لأن اشتداده حالة صلاحه للأخذ والتوسيق والادخار.

(1)

ساقط من أ.

ص: 219

(و) وقت وجوبها (في ثمرة إذا بدا صلاحها)؛ لأن بدو صملاج الثمرة حالة الخرص لمأمور به لحفظ الزكاة ومعرفة قدرها. فدل على تعلق وجوبها به. ولأن الحب والثمره في كل من الحالتين يقصدان للأكل والاقتيات.

(فلو باع) المالك (الحب او الثمرة)، أو وهبهما، (او تلفا) أي: الحب والثمرة (بتعديه) أي: تعدي المالك (بعد) أي: بعد اشتداد الحب وبدو الصلاح في الثمره: (لم تسقط) الزكاة. ولو مات وله ورثة لم تبلغ حصة واحد منهم نصاباً لم يؤثر ذلك.

ولو ورثه من لا دين عليه

(1)

لمديون لم تمتنع الزكاة عنه بوجود ذلك الدين ولو كان ذلك قبل صلاح الثمرة واشتداد الحب لانعكست هذه الأحكام. (ويصح) فيما إذا باع الحب أو التمره (اشتراط الإخراج) أي: إخراج الزكاه الواجبة في المبيع (على مشتر) في الأصح؛ للعلم بها. فكأنه استثنى قدرها ووكله في إخراجه. حتى لو لم يخرجها المشتري وتعذر الرجوع عليه ألزم بها البائع. ويفارق ما إذا استثنى زكاة نصاب ماشية للجهالة. أو اشترى ما لم يبد صلاحه بأصله لا يجوز شرط المشتري زكاته على البائع لأنه لا تعلق لها بالعوض الذي يصير إليه.

(وقبل فلا زكاة) يعني: وقبل أن يشتد الحب أو يبدو صلاح الثمرة فلا تجب الزكاة إذا باعها قبل ذلك (إلا إن قصد الفرار منها) أي: من وجوب

(2)

الزكاة عليه] إذا لم يبعها]

(3)

.

(وتقبل) منه (دعوى عدمه) أي: عدم الفرار من الزكاة.

(و) دعوى (التلف) أي: تلف المال قبل وجوب الزكاة فيه (بلا يمين.

ولو اتهم) في ذلك إن ادعى سبباً خفيا لتعذر إقامة البينة عليه.

(1)

في أ: له.

(2)

في أ: وجب.

(3)

ساقط من ب.

ص: 220

(إلا ان يدعيه ب) سبب (ظاهر) كحريق وجراد (ف) إنه

(1)

(يكلف البينة عليه) أي: على وجود السبب (ثم يصدق فيما تلف) من ماله الزكوي بذلك السبب.

(ولا تستقر) زكاة الحب ولا الثمر (إلا بجعل) لذلك (في جرين او بيدر او مسطاح ونحوها). ولعل مسمى الجميع واحد.

قال في " الإنصاف ": الجرين يكون بمصر والعراق، والبيدر يكون بالشرق والشام، والمربد يكون بالحجاز. وهو: الموضع الذي تجتمع فيه الثمرة ليتكامل جفافها. والجوجان يكون بالبصره. وهو موضع

(2)

تشمسها وتيبيسها. ذكره في " الرعاية " وغيرها. ويسمى بلغة آخرين المسطاح. وبلغة اخرين الطبابة. انتهى.

فلو تلف ما تجب فيه الزكاة من تمر أو حب بجائحة سماوية قبل الجذاذ.

الحصاد سقطت زكاته. نص عليه.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على ان الخارصى إذا خرصى الثمرة ثم أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا شيء عليه. وذلك لأنه في هذه الحال في حكم ما لا تثبت اليد عليه. بدليل أن من اشترى ثمرة فذهبت

(3)

بعطش اصابها رجع بها على البائع. وكذلل سائر الجوائح.

ولو تلف البعض بالجائحة فإن كان الباقي نصاباً ففيه الزكاة. لا إن نقص عن نصاب في الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة "

(4)

. وهذا يعم حال الوجوب ولزوم الأداء.

(ويلزم) رب المال (إخراج حب مصفى) من سنبله أو قشره. (و) إخراج

(1)

ساقط من ا. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

في ب: وذهبت. . ()

(4)

سبق تخويجه ص (212) رقم (2).

ص: 221

(ثمر يابسا)؛ لما روى الدارقطنى من حديث عتاب بن أسيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرص العنب زبيبا كما يخرص التمر "

(1)

.

ولا يسمى زبيبا وتمرا حقيقة إلا اليابس. وإذا أثبت ذلك فيهما فالكل كذلك.

ولأن حالة التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار حالة كمال ونهاية صفات ادخاره، ووقب لزوم الإخراج منه.

(وعند الأكثر) أن ذلك عام في جميع الأحوال حتى (ولو احتيج إلى قطع ما بدا صلاحه قبل كماله لضعف اصل، أو خوف عطش، أو تحسين بقية، او وجب) قطعه (لكون رطبه لا يتمر) أي: لا يصير تمرا، (أو عنبه لا يزبب) أي: لا يصير زبيبا.

(ويعتبر نصابه يابسا).

قال في " التنقيح ": فإن احتاج إلى قطعه بعد بدو صلاحه وقبل كماله لضعف أصل ونحوه كخوف عطش أو تحسين بقية أو كان رطبا أو عنبا لا يجنى منه تمر ولا زبيب: وجب قطعه. ويحرم مع حضور ساع إلا بإذنه. ويخرج منه رطبا وعنبا إن كان قدر نصاب يابسا. اختاره القاضي والمصنف- يعني: الموفق- والمجد وصاحب " الفروع " وغيرهم. والمذهب لا يخرج إلا يابسا. انتهى.

فلو أخرجها المالك سنبلا ورطبا وعنبا إلى من له أخذ الزكاة لنفسه لم يجزئه ووقعت نفلا كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبار. وإن أخذها منه الساعي كذلك فقد أساء ويرده إن كان رطبا بحاله، وإن تلف رد مثله. وإن جففه فكان قدر الزكاة فقد استوفى الواجب. وإن كان دونه أخذ الباقي. وإن كان زائدا رد الفضل.

(ويحرم القطع) أي: قطع الثمار (مع حضور ساع بلا إذنه)، لحق أهل

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(24) 2: 134 كتاب الزكاة، باب في قدر الصدقة فيما أخرجت الأرض وخرص الثمار.

ص: 222

الزكاة فيها، وكون الساعي كالوكيل عنهم. وتجب زكاة ذلك عملا بالغالب.

(و) يحرم أيضاً على من زكى او تصدق بشيء (شراء زكاته او صدقته ولا يصح) العقد على الأصح، وذلك لما روي " أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله. ثم راها تباع. فأراد أن يشتريها. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تعد في صدقتك يا عمر "

(1)

رواه الجماعة.

زاد البخاري " فبذلك كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيء يتصدق به إلا جعله صدقة"

(2)

.

وفي رواية عن عمر قال: " حملت على فرس في سبيل الله. فأضاعه الذي كان عنده، واردت أن اشتريه، وظننب أن يبيعه برخص. فسألت النبي صص فقال: لا تشتريه، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم. فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه "

(3)

. متفق عليه.

فوجه الحجة انه جعل اشتراءه لصدقته عودا فيها ونهى عنه.

ولأن شراءها وسيلة إلى استرجاع شيء منها لأنه يستحيي أن يماكسه في

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2809) 3: 48 كتاب الجهاد والسير، باب الجعائل والحملان في السبيل. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1621) 3: 1240 كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق ممن تصدق عليه.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(1593) 2: 108 كتاب الزكاه، باب الرجل يبتاع صدقه.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(668) 3: 56 كتاب الزكاة، باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة. قال الترمذي: حديث حسن صحح.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2617) 5: 109 كتاب الزكاة، شراء الصدقة.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2390) 2: 799 كتاب الصدقات، باب الرجوع في الصدقة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(3 " 49) 2: 48.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1418) 2: 542 كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقه.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1419) 2: 542 كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته.

واخرجه مسلم في " صحيحه "(0 162) 3: 1239 كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق

به ممن تصدق عليه.

ص: 223

ثمنها، وربما سامحه طمعا منه بمثلها، أو خوفا منه إذا لم يبعها أن لا يعود يعطيه في المستقبل. وكل هذه مفاسد فوجب حسم المادة بقطع طمع المالك في شرائها. فإن رجعت إليه الصدقة بالإرث باًن مات المعطى والمعطي وارثه طابت له من غير كراهة في قول الجمهور. ويدل لذلك ما روى بريدة " أن النبي صص أتته امرأة. فقالت: إنى تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت. فقال رسول الله صص: وجب أجرك وردها عليك الميراث "

(1)

. رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي. (وسن) للإمام (بعث خارصر لثمرة نخل وكرم بدا صلاحها) فيخرصها على ملاكها ليتصرفوا فيها، لأنه بالخرص يعرف الساعي والمالك قدر ما عليه من الزكاة. والخرص إنما استعمل هاهنا مع كونه إنما يفيد غلبة الظن للحاجة فإن اليقين متعذر. وممن كان يرى استحباب الخرص أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما. وهو قول أهل عامة أهل العلم إلاما روي عن الشعبي أنه قال: الخرص بدعة. وما روي عن الثوري وأبي حنيفة وأصحابه أنهم أنكروه وقالوا: إنه غرر وتخمين.

ولنا ما روي عن عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة إلى يهود ليخرص عليهم النخل قبل أن يؤكل "

(2)

. متفق عليه.

وفي روايه لأحمد وأبي داود: " لكي يخرص الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق "

(3)

.

(1)

أخبرجه مسلم في " صحيحه "(1149) 2: 805 كتاب الصيام، باب دضاء الصيام على الميت. وأخرجه أبو داود في "سننه " (9 " 33) 3: 237 كتاب الأيمان والنذور، باب في قضاء النذر عن الميت. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (667) 3: 54 كتاب الزكاة، باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2394) 2: 0 80 كتاب الصدقات، باب من تصدق بصدقه ثم ورثها. وأخرجه أحمد في " مسنده "(06، 23) 5: 349.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1606) 2: 110 كتاب الزكاة، باب متى يخرص التمر. ولم أره في " الصحيحين ". والله أعلم

(3)

أخرجه أبهو داود في " سحننه "(3413) 3: 263 كتاب البيوع، باب في الخرص. وأخرجه أحمد في " مسنده " (25344) 6:163.

ص: 224

وما روى سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد " ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم "

(1)

رواه الترمذي وابن ماجه.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خرص على امرأة بوادي القرى حديقة لها "

(2)

. وحديثها في " مسند أحمد ".

وقولهم: إنه خطر وغرر، قلنا: بل هو اجتهاد في معرفة الحق بغالب الظن. وذلك جائز كما في تقويم المتلفات والمجتهدات في الشرعيات وسائر الظواهر المعمول بها وإن احتملت الخطاً.

(ويكفي) خارص (واحد)؛ لأنه ينفذ ما يؤدي إليه اجتهاده كحاكم وقائف.

(ويعتبر كونه) أي: الخارص (مسلما امينا لا يتهم)؛ لأن من ليس كذلك لا يعول على قوله.

وكونه (خبيرا) بالخرص ولو قنا لأن غير الخبير لا يعول على خوصه فتفوت الحكمة التي شرع لها الخر ص.

(واجرته) أي: اجرة خرص الثمار (على رب المال.

وإلا) أي: وإن لم يبعب الإمام خارصا (فعليه) أي: على مالك الثمار فعل (ما يفعله خارص ليعرف) قدر (ما يجب) عليه من الزكاة (قبك تصرفه) في الثمار؛ لأنه مستخلف فيه.

(وله) أي: للخارص أو رب المال إن لم يبعب إليه خار ص (الخواص كيف شاء) إن كانت الثمره من نوع واحد. فيخير بين أن يخر صكل نخلة على حدة باًن يطيف بها وينظر كم فيهارطبا

(3)

. ثم كم يجيء منه تمر. ثم يجمع جمله

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(644) 3: 36 كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص. - قال الترمذي: حديب حسن غريب.

وأخرجه ابن ماجه في " يمشنه "(1819) 1: 582 كتاب الزكاة، باب خرص النخل والعنب

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(23274) 5: 425.

(3)

ساقط من أ.

ص: 225

التمر وبين أن يخرص الجميع دفعة بأن ينظر كم في كل نخلة رطب ثم ينظر كم يجيءمن الجميع تمر.

(و) إن كان التمر انواعا فإنه (يجب خرصر متنوع وتزكيته كل نوع على حدته) أي: على انفراده (ولو شقا)، لأن الأنواع حالة الجفاف تختلف: فمنها ما يزيد رطبه على تمره، ومنها ما يزيد تمره على رطبه. وتختلف الزيادة والنقصان بحسب اختلافهما في اللحم والماوية كثرة وقلة.

(ويجب تركه) أي: ترك الخارص (لرب المال الثلث او الربع. فيجتهد) في أيهما يتركه لرب المال (بحسب) ما يراه من (المصلحة).

لما روي عن سهل بن أبي حثمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع "

(1)

رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.

وعن جابر بن عبدالله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خففوا في الخرص. فإن في المال العرية والواطئة والأكلة والوصية والعامل والنوائب وما وجب من الحق "

(2)

. وعن عمر بن الخطاب " أنه كان يأمر الخراص إذا خرصوا أن يخرصوا ويرفعوا عنهم قدر ما ياً كلون "

(3)

. رواهما

(4)

الأثرم.

وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول فال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال: خففوا فإن في المال العرية والوصية "

(5)

. أخرجه الطحاوي أيضاً.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه ") 1605) 2: 110 كتاب الزكاة، باب في الخرص. وأخرجه الترمذي في " جامعه ") 643) 3: 35 كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص. وأخرجه النسائي في " سننه ") 2491) 5: 42 كتاب الزكاة، كم يترك الخارص. وأخرجه أحمد في " مسنده ") 15746) 3:448.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 124 كتاب الزكاة، باب من قال: يترك لرب الحائط قدر ما يأكل هو وأهله. . .

(3)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(4)

في ب: رواه.

(5)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال ") 1452) 435 باب خرص الثمار للصدقه، والعرايا، والسنة في ذلك.

ص: 226

قال أبو عبيد: الواطئة السابلة. سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار وكذلك المو طأة

(1)

.

والأكلة: أرباب الثمار وأهل وهم ممن لصق بهم. والعرية: النخلة أو النخلات توهب للإنسان لياً كل ثمرتها.

وقد روى أبو عبيد بإسناده عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس في العرايا صدقة"

(2)

.

وأما الوصية فقال صاحب " الحاوي " ما يوصي به ارباب الثمار بعد الزكاة. والعرية: ما يفرد للصلاة في الحياة. والنائبة: ما ينوب الثمار من الجوائح. ولأن احتساب ذلك على المالك مع جريان العادة ومشقة تركه فيه إجحاف بهم ولذلك أسقطنا عنهم زكاة ما تلف في هذه الحالة بجائحة لكثرة افات الثمار.

(فإن أبى) الخارص ترك ذلك لرب المال (فلرب المال اكلل قدر ذلك من ثمر) نص عليه.

(و) أكل (من حب العادة وما يحتاجه. ولا يحتسب) ذلك (عليه).

قال أحمد في رواية عبدالله: لا باًس ان يأكل الرجل من غلته بقدر ما يأكل هو وعياله. ولا يحتسب عليه.

(ويكمل به النصاب) أي: بما كان له أن يأكله. ولا يحتسب عليه) إن لم يأكله. وتؤخذ زكاة ما سواه بالقسط) أي: سوى ما ترك أكله مما كان له أن يأكله ولا يحتسب عليه. فلو كان ثمره كله خمسة أوسق ولم يأكل منه شيئا فإنه يكمل النصاب بالربع الذي كان له أن يأكله ولا يحتسب عليه ويؤخذ منه زكاة ما سواه وهو ثلاثة أوسق وثلاثة أرباع وسق.

(ولا يهدي) يعني: أن لرب المال أن يأكل كما تقدم لا أن يهدي.

(1)

ر " الأموال " لأبي عبيد ص: 436. ()

(2)

أخرجه أبو عبيد في " الا موال "(1450) الموضع السابق. ()

ص: 227

قال أحمد في رواية المروذي: وقد ساً له عن فريك السنبل قبل أن يقسم قال:

لا بأس أن يأكل منه صاحبه مما يحتاج إليه. قال: فيهدى للقوم منه. قال: لا. حتى يقسم.

(ويزكي) رب المال إن ترك الخارص شيئا من الواجب (ما تركه خار من الواجب). نص عليه؛ لأن الواجب لا يسقط بترك الخارص إياه.

(و) يزكي رب المال أيضاً (ما زاد على قوله) أي: قول الخارص انه يجيء منه تمر أوزبيب كذا (عند جفاف).

و (لا) يزكي (على قوله) أي: قول الخارص يجيء منه تمر أو زبيب كذا عند جفاف (إن نقص) عما قال الخارص؛ لأنه لا زكاة عليه فيما ليس في ملكه. وإذا ادعى رب المال غلط الخارص وكان ما ادعاه محتملا قبل قوله بغير يمين. وإن لم يكن محتملا؛ مثل: إن إدعى غلط النصف ونحوه: لم يقبل؛ لأنه لا يحتمل. فيعلم كذبه. وإن قال: لم يحصل في يدي إلا كذا قبل قوله؛ لأنه قد يتلف بعضه بافة لا يعلمها. قاله

(1)

في " شرح المقنع الكبير ".

(وما تلف) من الثمر حال كونه (عنبا او رطبا) وكان تلفه (بفعل مالك) للثمر (او تفريطه) حتى تلف: (ضمن زكاته) أي: زكاة التالف (بخرصه) أي: خرص التالف (زبيبا او تمرا) أي: بما كان يجيء منه تمر أو زبيب لو لم يتلف؛ وذلك لأن المالك يلزمه تجفيف الرطب والعنب إلى أن يصير تمرا وزبيبا. بخلاف ما لو كان المتلف أجنبيا فإنه يضمنه بمثله رطبا وعنبا.

(ولا يخر ص) من الثمار (غير نخل وكرم)؛ لأن النص إنما ورد بخرصها مع كونها مجتمعه في العرودق والعناقيد فيمكن أن يأتي الخرص عليها غالبا. والحاجه إلى أكلها رطبا أشد من غيرها. فيمتنع القياس عليها. ولا خلاف بين العلماء في ان الخرص لا يدخل الحبوب. والله أعلم.

(1)

في أ: قال. ()

ص: 228

[فصل: زكاة ناتج الأرض المستعاره ونحوها]

(فصل) في بيان حكم الزرع أو الثمر إذا كان مستعيرا للأرض، أو مستأجرا أو غاصبا. وبيان الأرض العشرية والخراجية وشراء أهل الذمة للأرض من المسلمين.

(والزكاة) فيما إذا استعار إنسان من أهل الزكاة أرضا فزرعها أو غرس فيها ما أثمر ما تجب فيه الزكاة: (على مستعير) دون المعير وفاقاً.

(و) كذا إن كانت الأرض بيده بإجارة فإن زكاة الزرع والثمر تكون على (مستأجر) للأرض (دون مالك)؛ كتاجر استأجر حانوتا فإن زكاة عروض التجارة تكون على مالكها دون مالك الحانوت وفاقاً.

ولأنها زكاة مال فكانت على مالكه كزكاة السائمة.

ولأنه اجتمع مالك الأرض ومالك الزرع. فكان العشر على من له الزرع، كالمعير والمستعير.

ولأن الزكاة من حقوق الزرع. بدليل أنه لا تجب زكاة إن لم تزرع الأرض. وتتقدر الزكاة بقدر الزرع. بخلاف خراج الأرض فإنه من حقوق الأرض فلهذا كان خراج أرض العنوة على من هي بيده وفاقاً.

(ومتى حصد غاصب أرض زرعه) من الأرض المغصوبة (زكاه) غاصبها؛ لاستقرار ملكه عليه.

(ويزكيه) أي: يزير الزرع (ربها) أي: رب الأرض المغصوبة (إن تملكه) أي: تملك رب الأرض المغصوبة زرع الغاصب (قبل) أي: قبل حصده؛] لأن لرب الأرض تملك زرع الغاصب قبل حصده [

(1)

بمثل بذرة

(1)

ساقط من أ.

ص: 229

وعوض لواحقه كما ياًتي في الغصب.

(ويجتمع عشر وخراج في) كل أرض (خراجية). نص عليه؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى (ومما أخرجنا لكم من الأرض)[البقرة: 267].

وقوله صلى الله عليه وسلم: " فيما سقت السماء العشر "

(1)

.

وقوله: " يخرص العنب فتؤخذ زكاته زبيبا "

(2)

.

إلى غير ذلك من العمومات بالعشر. فالخراج في رقبتها والعشر في غلتها.

ولأن سبب احدهما التمكين من الانتفاع والآخر وجود الماء فجاز اجتماعهما كأجرة المتجر مع زكاة التجارة.

(وهي) أي: الأرض الخراجية ثلاثة أضرب:

أحدها: (ما فتحت عنوة ولم تقسم.

و) الثانية (ما جلا عنها أهل ها خوفا منا.

و) الثالثة: (ما صولحوا) أي

(3)

: أهل ها (على انها) أي: الأرض (لنا ونقرها معهم بالخراج) الذي عليها.

ولا زكاة على من بيده أرض خراجية في قدر الخراج إذا لم يكن له مال اخر يقابله.

قال في " منتهى الغاية ": على الصحيح من المذهب.

قال في " الفروع " وفي " المستوعب ": لأنه كدين ادمي. وكذا ذكره الشيخ- يعني: الموفق- وغيره أنه اصح الروايات وأنه اختيار الخرقي لأنه من مؤنة الأرض كنفقه زرعه. انتهى.

فإن كان في غلة الأرض ما لا عشر فيه كالثمار التي لا زكاة فيها والخضروات

(1)

سبق تخريجه ص (218) رقم (1). ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1603) 2: 110 كتاب الزكاة، باب في خرص العنب. ()

(3)

ساقط من أ. ()

ص: 230

وفيها زرع فيه الزكاة: جعل ما لا زكاة فيه في مقابلة الخراج وزكى ما فيه الزكاة إذا كان ما لا زكاة فيه وافيا بالخراج، وإن لم يكن له غلة إلا ما تجب فيه الزكاة أدى الخراج من غلتها وزكى ما بقي.

قال في " شرح المقنع ": في أصح الروايات.

(و) أما الأرض (العشرية) فخمسة أضرب: احدها: (ما أسلم أهلها عليها كالمدينة ونحوها) كجواثى من قرى البحرين.

(و) الثانية: (ما اختطه المسلمون كالبصرة ونحوها) كمدينة واسط.

(و) الثالثة: (ما صولح أهل ها على أنها) أي: أرضهم الهم بخراج يضرب عليهم كاليمن) أي: كأرض اليمن.

(و) الرابعة: (ما فتح عنوة وقسم) بين الغانمين (كنصف) أرض (خيبر).

(و) الخامسة: (ما أقطعه الخلفاء الراشدون من السواد إقطاع تمليك).

قال أحمد في رواية ابن منصور: والأرضون التي يملكها أربابها ليس فيها خراج مثل هذه القطائع التي أقطعها عثمان في السواد لسعد وابن مسعود وخباب. قال القاضي: وظاهره أنه لم يوجب في قطائع السواد خراجا. وهو محمول على أنه أقطعهم منافعها وخراجها، وللإمام ان يسقط الخراج على وجه المصلحة.

قال في " الفروع ": ولعل ظاهر كلام القاضي هذا أنهم لم يملكوا الأرض بل أقطعوا المنفعة وأسقط الخراج للمصلحة. ولم يذكر جماعة هذا القسم من أرض العشر. انتهى

(1)

.

(ولأهل الذمة شراؤهما) أي: شراء الأرض العشرية والخراجية على.

الأصح فيهما.

(1)

زيادة من ب. ()

ص: 231

ويكره للمسلم بيعهما او إجارتهما أو إحداهما للذمي؛ لإفضاء ذلك إلى إسقاط عشر الخارج منها. ووجه صحة الشراء على المذهب أن الأرض مال مسلم يجب فيه الحق لأهل الزكاة. فلم يمنع الذمي من شرائه؛ كالسائمة.

(ولا تصير به) الأرض (العشرية) إذا اشتراها الذمي (خراجية) كما لو اشتراها مسلم أو ذمي تغلبي. ودعوى كون العشر من حقوق الأرض ممنوع بل هو من حقوق الزرع ولذلك لا يجب عشر إن لم تزرع.

(ولا عشر عليهم) أي: أهل الذمة بشرائهم الأرض العشرية لأن العشر زكاة وقربة فلا وجه لوجوبه مع الكفر.

وأما إن كان مشتري الأرض تغلبيا وزرعها أوغرس فيها ما حصل منه ما تجب الزكاة فيه كان عليه عشران نص على ذلك في رواية ابن القاسم لكن يصرفان مصرف الجزية لا مصرف الزكاة. وإذا أسلم سقط عنه أحد العشرين وصرف الآخر مصرف الزكاة.

ص: 232

(فصل) في حكم زكاة العسل

وتضمين أموال العشر والخراج

(و) يجب (في العسل) أي: عسل النحل (العشر). نص على ذلك.

قال الأثرم: سئل أبو عبدالله أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال: نعم. أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر. قد أخذ عمر منهم الزكاة. قلت: ذلك على أنهم تطوعوا به. قال: لا. بل أخذ منهم.

وبهذا قال مكحول وسليمان وربيعه والزهري ويحيى بن سعيد وابن وهب بن موسى والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وإسحاق بن راهويه والشافعي في القديم. وعليه استقر عمل عمر بن عبد العزيز.

(سواء اخذه) أي: أخذ العسل (من موات) كرؤوس الجبال وسائر الموات (أو) من أرض (مملوكة) عشرية أو خراجية.

وقال أبوحنيفة: إن كان في أرض العشر ففيه الزكاة، وإلا باًن كان بأرض خراجية فلا زكاة فيه بناء على أصله في أن العشر والخراج لا يجتمعان.

وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المنذر: لا زكاة في العسل بحال لأنه مائع خارج من حيوان. أشبه اللبن.

قال المجد: وهو القياس لولا الأثر.

قال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل حديث يثبت ولا إجماع.

ووجه المذهب ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها "

(1)

. رواه أبو عبيد والأثرم وابن ماجه.

(1)

أخرجه ابن ماجه في سننه (1824) 1: 584 كتاب الزكاة، باب زكاة العسل. وأخرجه أبو عبيد في " الأموال "(1488) 444 كتاب الصدقة، باب ما اختلف الناس في وجوب صدقةمن الأموال.

ص: 233

وما رواه أبو سيارة المتعي قال: " قلت: يا رسول الله! إن لي نحلا. قال:

فأد العشر. قال: قلت يا رسول الله! احم لي جبلها قال: فحمى لي جبلها "

(1)

رواه أحمد وابن ماجه.

وفي لفظ لأبي داود والنسائي قال: "جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله ان يحمي واديا يقال له سلبة. فحمى له رسول الله صص ذلك الوادي. فلما ولي عمر بن الخطاب كتب إليه سفيان بن وهب يسأله عن ذلك. فكتب إليه: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صص من عشر نحله فاحم له سلبة، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء "

(2)

.

وروى الأثرم عن أبي ذباب عن ابيه عن جده " أن عمر أمره في العسل بالعشر"

(3)

.

ويفارق العسل اللبن أن الزكاة واجبة في أصل اللبن وهو السائمة بخلاف العسل.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1823) 1: 584 كتاب الزكاه، باب زكاة العسل. قال في " الزوائد ":

قال في إسناده: ابن أبي حاتم عن أبيه، لم يلق سليمان بن موسى أبا سيارة. والحديب مرسل. وحكىالترمذي في " العلل " عن البخاري، عقب هذا الحديث، أنه مرسل. ثم قال: لم يدرك سليمان أحدا

من الصحابة. انتهى. وأبو سيارة ليس له عند ابن ماجه سوى هذا الحديث الواحد، وليس له شيء فيالأصول الخمسة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(18094) 4: 236.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1605) 2: 109 كتاب الزكاة، باب زكاة العسل. واخرجه النسائي في " سننه " (2499) 5: 46 كتاب الزكاة، باب زكاة النحل.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن البهرى " 4: 127 كتاب الزكاة، باب ما ورد في العسل. عن سعد بن أبي ذباب قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم قلب: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه من

أموالهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم، ثم استعملنى أبو بكر ثم عمر، قال: وكان سعد من

أهل السراة قال: فكلمت قومي في العسل فقلت لهم: زكوه فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى فقالوا: كم؛

قال: فقلت: العشر فأخذت منهم العشر فأتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبرته بما كان قال:

فقبضه عمر رضي الله عنه فباعه ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين.

ص: 234

وبأن العسل

(1)

مأكول في العادة

(2)

، متولد من الشجر، يكال ويدخر.

فأشبه التمر وذلك أن النحل يقع على نور الشجر فيأكله فهو متولد منه.

(ونصابه) أي: نصاب العسل عشرة أفراق. نص عليه أحمد. جمع فرق بفتح الراء؛ لما روي عن عمر " أن ناساساً لوه. فقالوا: إن رسول الله صص اقطع لنا واديا باليمن فيه خلايا من نحل. وإنا نجد ناسا يسرقونها. فقال عمر: إن اديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقا حميناها لكم ". رواه الجوزجانى.

وهذا تقرير من عمر رضي الله تعالى عنه فيجب المصير إليه.

والأشهر: أن الفرق ستة عشر رطلا عراقيا. فالعشر أفراق: (مائة وستون رطلا عراقية). وهو مكيال معروف بالمدين. ذكره الجوهري وغيره؛ لخبر كعب في الفدية

(3)

. فحمل كلام عمر على المتعارف ببلده وهي الحجاز أولى مما سواه، والفرق ستة أقساط. وهي ثلاثة اصع. فتكون اثني عشر مدا.

وقال ابن حامد والقاضي في " المجرد " وجزم به في " المقنع " و" التسهيل " و" المبهج ": أن الفرق ستون رطلا.

والأول المذهب.

(ولا زكاة فيما ينزل من السماء على الشجر كالمن والترنجبيل والشيرخشك ونحوها كاللاذن وهو طل وندى ينزل على نبت تأكلله المعزى فتتعلق تلك الرطوبة بها) أي: با لمعزى (فتؤخذ) من المعزى.

قال في " الإنصاف ": فائدة: لا زكاة فيما ينزل من السماء على الشجر كالمن والترنجبيل والشيرخشك ونحوها ومنه اللاذن. وهو: طل وندى ينزل على نبت

(1)

في أ: التحل. وهو: وهم. ()

(2)

في خ زلادة: من. ()

(3)

وهو قوله عليه السلام لكعب بن عجرة: " أطعم ستة مساكين فرقا من طعام ".

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3927) 4: 527 1 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1201) 2: 861 كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كانبه أذى. . .

ص: 235

تأكله المعزى فتتعلق تلك الرطوبة بها فتؤخذ. قدمه ابن تميم و" الفائق ".

قال في " الفروع ": وهو ظاهر كلام جماعة لعدم النص وجزم به المصنف في " المغني " والمجد في " شرحه " انتهى.

ووجه ذلك ان الأصل عدم الوجوب. اشبه سائر المباحات من الصيود وثمار الجبال.

وقد تقدم في العسل أن القياس عدم الوجوب فيه لولا الأثر.

(وتضمين أموال العشر و) أموال (الخراج بقدر معلوم باطل) نص أحمد على معنى ذلك. وعلله في " الأحكام السلطانية " وغيرها: بأن ضمانها بقدر معلوم يقتضي الاقتصار عليه في تملك ما زاد وغرم ما نقص. وهذا مناف لموضوع العمالة وحكم الأمانة.

سئل أحمد في رواية حرب عن تفسير حديث ابن عمر " القبالات ربا "

(1)

.

قال: هو ان يتقبل بالقرية وفيها العلوج والنحل. فسماه ربا أي: في حكمه في البطلان.

وعن ابن عباس " إياكم والربا ألا وهي القبالات ألا وهي الذل والصغار "

(2)

.

قال أهل اللغة: القبيل الكفيل والعريف. وقد قبل به يقبل ويقبل قبالة ونحن في قبالته أي: في عرافته. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(197) ص: 71. كتاب فتوج الأرضين صلحا، باب: أرض العنوة تقر في أيدي أهلها. . .

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج أبو عبيد عن ابن عباس قال: " القبالات حرام ". (178) الموضيع السابق.

ص: 236

(فصل) في حكم زكاة المعدن

وهو بكسر الدال. سمي به لعدون ما أثبته الله سبحانه وتعالى فيه لإقامته يقال: عدن بالمكان يعدن. والمعدن المكان الذي عدن فيه الجوهر ونحوه.

(وفي المعدن) وإن لم ينطبع خلافاً لأبي حنيفة. (وهو) أي: المعدن (كل متولد في الأرض لا من جنسها) اي: جنس الأرض (ولا نبات، كذهب وفضة وجوهر وبلور وعقيق وصفر ورصاصر وحديد وكحل وزرنيخ ومغرة وكبريت وزفت وملح وزئبق وقار ونفط ونحو ذلك) مما يسمى معدنا كالياقوت والبنفش والزبرجد والفيروزج والموميا، واليشم.

وقال القاضى عما يروى مرفوعا " لا زكاة في حجر "

(1)

: إن صح فهو

(2)

محمول على الأحجار التي لا يرغب فيها عادة. فدل على أن الرخام والبرام ونحوهما كحجر المسن معدن. وجزم بمعنى ذلك في " الرعاية " وغيرها.

قال أحمد رحمه الله تعالى: كلما وقع عليه اسم المعدن ففيه الزكاة حيث كان في ملكه أو في البراري.

(إذا استخرج) لعموم قوله سبحانه وتعالى: (ومما أخرجنا لكم من الأرض)[البقرة: 267].

ولأنه مال لو غنمه أخرج خمسه. فإذا أخرجه من معدن وجبت زكاته، كالذهب والفضة.

وزكاته (ربع العشر من عين نقد) وهو الذهب والفضة (وقيمه غيره) أي: غير النقد. تصرف لأهل الزكاة، لما روي" أن لنبى صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 146 كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه من الجواهر غير الذهب والفضة. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(2)

ساقط من أ. ()

ص: 237

المزني المعادن القبلية. وهي من ناحية الفرع. فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاه إلى اليوم "

(1)

. رواه أبو داود ومالك في " الموطأ ".

قال أبو عبيد: القبلية بلاد معروفة بالحجاز.

وذكر القاضي في " تعليقه ": أن هذه المعادن في ناحية الحمى من المدينة وهي ناحية السباط.

ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى فكان زكاته كسائر الزكوات. أو نقول حق يجب على المسلم في ماله فأشبه ما ذكرنا ولا يلزم عليه الركاز

(2)

لأنه يجب في مال الكافر ولا الكفارات لأنها تجب في الذمة.

ولوجوب الزكاة في المعدن شرطان: اشير إلى أحدهما بقوله: (بشرط بلوغهما) أي: عين النقد وقيمة غيره (نصاباً بعد سبك وتصفية) كالحب والثمر. فلو أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفا. والقول في قدر المقبوض قول الأخذ لأنه غارم. فإن صفاه الاخذ فكان قدر الزكاه أجزأ، وإن زاد رد الزيادة إلا أن يسمح له بها المخرج، وإن نقص فعلى المخرج.

(ولا يحتسب بمؤنتهما) اي: مؤنة السبك والتصفيه في الأصح (ولا مؤنة استخراج).

ومحل ذلك: إن لم يكن دينا. فإن كان دينا احتسب به على الصحيح من المذهب.

الشرط الثانى: ما اشير إليه بقوله: (وكون مخرج من أهل الوجوب) أي:

وجوب الزكاة. فلا تجب على كافر أخرج من معدن نصاباً زكاة لأن مصرف الواجب فيه لأهل الزكاة.

وفي " الإيضاح " لابن هبيرة: في المعدن الخمس يصرف مصرف الفيء وفاقاً

(1)

أخرجه أبو داود في "سننه ") 3061) 3: 173 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إقطاع الأرضين. وأخرجه مالك في " الموطا ") 8) 1: 213 كتاب الزكاه، باب الزكاه في المعادن

(2)

في أ: الزكاة. ()

ص: 238

لأبي حنيفة في أحد قوليه، فهي فيء من الكفار عند ابي حنيفة كالركاز والغنيمة، مع ان الشارع غاير بينهما في قوله:" المعدن جبار وفي الركاز الخمس "

(1)

.

قال القاضي وغيره: اراد بقوله: المعدن جبار إذا وقع على الأجير شيء وهو يعمل في المعدن فقتله: لم يلزم المستاًجر شيء.

ولا يشترط لوجوب الزكاة في النصاب إخراجه في دفعة واحدة [مطلقا؛ لأنا لو اعتبرنا ذلك لأدى إلى عدم الوجوب فيه لأنه يبعد استخراج نصاب دفعة واحدة]

(2)

. بل تجب الزكاة في النصاب (ولو) استخرجه (في دفعات) كثيرة (لم يهمل العمل بينها) أي: بين الدفعات (بلا عذر) كمرض وسفر وإصلاح آلة ونحوها مما جرت به العادة كالاستراحة ليلا أو نهارا أو اشتغاله بتراب يخرج بين النيلين- يعني: الإصابتين- أوهرب عبيده.

(أو) كان له عذر ولم يهمل العمل (بعد زواله ثلاثة أيام). وأما إن إهمل العمل ثلاثة أيام من غير عذر فلكل مرة حكم نفسها.

(ويستقر الوجوب) أي: وجوب الزكاة (بإحرازه). فلا تسقط الزكاة بتلف النصاب بعد الإحراز.

إذا تقرر هذا (فما باعه) مما أحرزه من المعدن (ترابا) من غير تصفية وقد بلغ ما فيه نصاباً: (زكاه كتراب صاغة). فيجوز بيع تراب المعدن وتراب الصاغة بغير جنس ما فيه. نص عليه. وبه قال الحسن والنخعي وألليث وربيعة. وعنه: المنع. وبه قال الشافعي؛ لأن المقصود بالبيع مجهول مستتر. فهو كبيع الثوب في الكم.

والأول المذهب. ووجهه: أن تراب المعدن مستور بما هو من اصل الخلقة. فلم يمنع بيعه معه؛ كالجوز واللوز والفستق والبندق ونحو ذلك في قشره. ولا يلزم عليه في اللبن في الضرع لأنه يجوز بيعه مع الشاة كما اجزنا بيع التبر مع التراب. وإذا ثبت هذا في تراب المعدن قسنا عليه تراب الصاغة لعلة أنه

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(22830) 5: 327. ()

(2)

ساقط من أ. ()

ص: 239

لا يمكن تمييزه عن ترابه إلا في ثانى الحال بكلفة ومشقة فأشبه ما ذكرنا. ولذلك احتملت جهالة أخلاط المركبات كالمعاجين ونحوها وجهالة أساسات الحيطان وما يستره التجصيص والتطيين وإن كان معظم المقصود الحاجة.

(و) المعدن (الجامد المخرج من) أرض (مملوكة لربها) أي: لرب الأرض. سواء اخرجه هو أو غيره لأنه يملكه بملك الأرض. (لكن لا تلزمه زكاته حتى يصل إلى يده) كمدفون منسي.

(ولا تتكرر زكاة معشرات) لأنها غير مرصدة للنماء فهي كعرض القنية بل أولى لنقصها بالأكل ونحوه.

(ولا) تتكرر أيضاً زكاة (معدن غير نقد) أي: غير ذهب أو فضة؛ لأن ما سواهما عرض مستفاد من الأرض. فلم تتكرر زكاته؛ كالمعشرات.

(ولا يضم جنس) من المعادن (إلى) جنس (اخر في تكميل نصاب) كبقية الأموال الزكوية.

(غيره) أي: غير النقد. فيضم الذهب إلى الفضة على الأصح؛ كما لو لم يستخرجهما من معدن.

(ويضم ما) أي: مستخرج (تعددت معادنه) اي: اماكن استخراجه (واتحد جنسه) كزرع الجنس الواحد في أماكن متعددة.

(ولا زكاة في) شيء اصابه إنسان من أهل الزكاة من (مسك وزباد) ولو بلغت قيمتة نصاباً. (ولا) على الأصح فيما أصاب من (مخرج من بحر كسمك ولؤلؤ ومرجان) هو نبات حجري متوسط في خلقته بين النبات والمعدن. ومن خواصه أن النظر إليه يشرح الصدر ويفرج القلب. ولا في عنبر ونحوه من جميع ما يلقيه البحر؛ لأن الأصل عدم الوجوب. والغالب وجوده من غير مشقة بخلاف المعدن.

ولأن العنبر كان يخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه ولم يثبت عنه ولا عنهم فيه سنة. فوجب البقاء على أصل عدم الوجوب؛ كما في سائر المباحات.

ص: 240

(فصل) في أحكام الركاز

(الركاز: الكنز من دفن الج أهل ية) بكسر الدال أي: مدفون الج أهلية.

(أو) دفن (من تقدم من كفار في الجملة). سمي ركازاً من الركوز وهو التغييب. ومنه ركزت الرمح إذا غيبت أسفله في الأرض، ومنه الركز

(1)

وهو الصوت الخفي. ويلتحق بالمدفون في الحكم ما يوجد على وجه الأرض كما سيأتي في المتن.

وكان (عليه) كله (او على بعضه علامة كفر فقط) أي: دون علامة الإسلام.

(وفيه) أي: في الركاز إذا وجد (ولو) كان (قليلا) اي: دون النصاب (أو) كان (عرضا) أي: غير نقد: (الخمس) على واجده من مسلم وذمي وكبير وصغير وعاقل ومجنون وحر ومكاتب، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم فيما روى أبوهريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:" وفي الركاز الخمس "

(2)

. متفق عليه.

قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب. فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة.

وهذا الخمس (يصرف مصرف الفيء المطلق للمصالح كلها) على الأصح نص على ذلك في رواية محمد بن الحكم وفاقاً لأبي حنيفه، لما روى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي " أن رجلاً وجد ألف دينار مدفونة خارجا

(3)

من المدينة.

(1)

في ج: الركوز. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1428) 2: 545 كتاب الزكاة، باب: في الركاز الخمس.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(0 171) 3: 1334 كتاب الحدود، باب جرج العجماء والمعدن والبئرجبار.

(3)

في الأصول: خارج. وما أثبتناه من " الأموال ". ()

ص: 241

فأتى بها عمر بن الخطاب فأخذ منها مائتى دينار ودفع إلى الرجل بقيتها. وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة. فقال: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك "

(1)

.

ولو كان الخمس زكاة خص به أهل الزكاة.

ولأن ذلك يجب على الذمي، والزكاة لا تجب عليه.

ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكفار أشبه خمس الغنيمه.

قال في " شرح الهداية ": وهذه الرواية أقيس في المذهب.

(وبافيه لواجده) لما تقدم من

(2)

فعل عمر. حتى

(3)

(ولو) كان واجده (اجيرا) لنقض حائط أو حفر بئر أو نحو ذلك على الأصح.

(لا) إن كان أجيرا (لطلبه) أي: طلب الركاز؛ لأنه

(4)

نائب مستأجره فيكون لمستاًجره.

(او مكاتبا أو مستأمنا) يعني: أن الركاز يكون لواجده ولو كان مكاتبا او مستأمنا وتقدمت الإشارة إلى ذلك. وإن كان قنا كان لسيده.

وسواء وجده (بدارنا) أي: دار الإسلام (مدفونا بموات، أو شارع، أو) في (أرض منتقلة إليه) أي: إلى الواجط ولم يدعه المتنقله عنه (أو) في أرض (لا يعلم مالكها، او علم) مالكها (ولم يدعه) أي: يدع الركاز مالك الأرض: فإن الركاز يكون لواجده في هذه الصور على الأصح؛ لأن الركاز ليس من أجزاء الأرض بل هو مودع فيها. فهو كالصيد يملكه من يظفر به. ومحل ذلك ما لم يدعه مالك الأرض.

(ومتى ادعاه) أي: ادعى الركاز مالك الأرض، (أو) ادعاه (من انتقلت

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(875) 313 كتاب الخمس وأحكامه وسننه، باب الخمس في المال المد فون. ()

(2)

في أ: في. ()

(3)

ساقط من ا. ()

(4)

ساقط من أ.

ص: 242

عنه) الأرض (بلا بينة ولا وصف: حلف واخذه) اي: أخذ الركاز من واجده لأن يد مالك الأرض على الركاز، ويد من انتقلت عنه الأرض كانت عليه بكونها على محله.

ومتى دفع إلى مدعيه بعد ان اخرج واجده خمسه باختياره غرم بدل خمسه لمدعيه.

(او ظاهراً) يعني: أن الركاز يكون لواجده ولو وجده على ظهر الأرض (بطريق غير مسلوك، او خربة بدار إسلام، او) بدار (عهد، أو) بدار (حرب. وقدر) واجد الركاز (عليه وحده، او) قدر عليه (بجماعة لا منعة لهم) لأن المالك لا حرمة له. أشبه ما لو وجده بموات. وإن لم يقدر عليه إلا بجماعة لهم منعة كان غنيمة يعطى حكمها لأن قوتهم أوصلتهم إليه. فكان غنيمة، كالمأخوذ با لحرب.

(وما) وجد على الصفة المتقدمة من مال وقد (خلا من علامة) عليه للكفار من أسماء ملوكهم او صورهم أو صورة أصنامهم أو صلبانهم أو نحو ذلك (او كان على شيء منه علامة المسلمين: فلقطة)؛ لأنه مال مسلم لم يعلم زوال ملكه عنه. وتغليبا لحكم دار الإسلام.

(وواجدها) أي: واجد اللقطة (في) أرض (مملوكة احق) باللقطة (من مالك) الأرض. فيملكها واجدها بعد التعريف. (وربها) أي: رب الأرض المملوكة (أحق بركاز ولقطة) فيها (من واجد متعد بدخوله) في الأرض المملوكة.

(وإذا تداعيا دفينة) وجدت (بدار مؤجرها ومستأجرها) كل يدعيها لنفسه (ف) هي (لواصفها) منهما (بيمينه): اما كونها لواصفها لوجوب دفع اللقطة لمن وصفها. واما كونه بيمينه فلاحتمال صدق الآخر في دعواه إياها.

والله أعلم.

ص: 243

[باب: زكاة الأثمان]

هذا (باب) في حكم زكاة الذهب والفضة وما يباج استعمالهما فيه.

(زكاة الأثمان وهي الذهب والفضة) أي: القدر الواجب فيهما: (ربع عشرهما). والأصل في وجوب الزكاة في الذهب والفضة الكتاب والسنة والإجماع.

وسنده من الكتاب قوله سبحانه وتعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضه ولاينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)[التوبة: 34].

ومن السنة ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار يحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد "

(1)

. أخرجه مسلم. إلى غير ذلك من الأحاديث.

ويعتبر لهما النصاب إجماعا.

(واقل نصاب ذهب عشرون مثقالا) وفاقاً للأئمة الثلاثة، لما روى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة "

(2)

. رواه أبو عبيد.

(وهي) أي: وزنة العشرين مثقالا (ثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم إسلامي. و) هي أيضاً (خمسة وعشرون) دينارا (وسبعا دينار وتسعه) اي: تسع دينار (ب) الدينار (الذي زنته درهم وثمن) أي: ثمن درهم (على التحديد. و) أما (المثقال) فزنته بالدراهم (درهم وثلاثة أسباع درهم. و)

(1)

اخرجه مسلم في " صحيحه "(987) 2: 682 كتاب الزكاة، باب إثم ماخ الزكاة. ()

(2)

أخرجه ائو عبيد في " الأموال "(1113) 370 باب فروض زكاة الذهب والورق. . .

ص: 244

زنته (بالدوانق ثمانية وأربعة اسباع) دانق.

(و) زنته (بالشعير المتوسط ثنتان وسبعون حبة) من الشعير.

(و) أما (الدرهم) الإسلامي فزنته بالمثاقيل (نصف مثقال وخمسه) أي:

خمس مثقال. [فتكون العشرة من الدراهم سبعة من المثاقيل]

(1)

.

(و) زنته بالدوانق (ستة دوانق. وهي) أي: الستة دوانق (خمسون) حبة من الشعير (وخمسا حبة. و) أما (الدانق) فهو (ثمان حبات) من الشعير (وخمسان) أي

(2)

: خمسا حبة.

(وأقل نصاب فضة مائتا درهم) إسلامي إجماعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة "

(3)

. متفق عليه.

والأوقية: أربعون درهما.

(وترد الدراهم الخراسانية وهي دانق او نحوه) اي: نحو الدانق. (و) الدراهم (اليمنية وهي دانقان ونصف. و) الدراهم (الطبرية وهي اربعة) من الدوانق. (و) الدراهم (البغلية) منسوبة إلى ملك يسمى رأس البغل.

(وتسمى السوداء وهي ثمانية) من الدوانق: (إلى الدرهم الإسلامي). يقال أن الدراهم كانت في صدر الإسلام صنفان: سوداء الدرهم منها ثمانية دوانق.

وطبرية الدرهم منها أربعة دوانق. فجمعتها بنو أمية في زمن عبد الملك بن مروان وجعلوا الدرهم ستة دوانق.

قال أحمد في رواية المروذي: وذكر له دراهم باليمن صغار. الدرهم منها دانقان ونصف. فقال: ترد إلى المثاقيل.

وقال في رواية الميمونى: وقد سأله عمن عنده شيء وزنه درهم سواء وشيء وزنه دانقان وهي تخرج في مواضع ذا مع وزنه وذا مع نقصانه على الوزن سواء. فقال: يجمعها جميعها ثم يخرجها على سبعة مثاقيل.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في أزيادة: نحو دانق. ()

(3)

سبق تخريجه ص (212) رقم (2) من حديب أبي سعيد الخدري.

ص: 245

وقال في رواية الأثرم: قد اصطلح الناس على دراهمنا ودنانيرنا هذه.

والدنانير لا اختلاف فيها. فيزكي الرجل المائتي درهم من دراهمنا هذه. فيعطي منها خمسة دراهم.

وساًله محمد بن الحكم عن الدراهم السود. فقال: إذا حلت الزكاة في مائتين من دراهمنا هذه أوجبت فيها الزكاة.

وقد قال صاحب " الشفاء " المالكي: لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صص. وهو يوجب الزكاة في أعداد منها. وتقع بها البياعات والأنكحة كما في الأخبار الصحيحة.

وهو يبين أن قول من يزعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبدالملك فإنه جمعها برأي العلماء، وجعل وزن الدرهم ستة دوانق: قول باطل.

وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف. فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه. فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم.

وفي " شرح مسلم ": قال أصحابنا: أجمع أهل العصر الأول على هذا التقدير أن الدراهم ستة دوانق. ولم تتغير المثاقيل قبل في الج أهلية والإسلام. (ويزكى مغشوش) من ذهب وفضة (بلغ خالصه نصابا). نقل حنبل في دراهم مغشوشة ولو خلصت نقصت الثلث أو الربع لا زكاة فيها لأن هذه ليست بمائتين مما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا تمت ففيها الزكاة.

(فإن شك) مالك المغشوش (فيه) أي: في بلوغ قدر ما في المغشوش من الذهب والفضة نصاباً (سبكه) أي: سبك المغشوش ليعلم قدر ما فيه، (أو استظهر) أي: او

(1)

احتاط (فأخرج) من الذهب والفضة (ما يجزئه) إخراجه (بيقين).

وإن أخرج من عين المغشوش ما تيقن أن فيما أخرجه منه قدر الزكاة أجزأه.

(1)

ساقط من ب.

ص: 246

ومتى ادعى رب المال انه علم الغش أو أنه استظهر وأخرج الفرض قبل منه بغيريمين.

(ويزكى غش بلغ بضم نصابا) بأن كان غش الذهب فضة وعنده اربعمائة درهم فيها ذهب ثلاث مائة وفضة مائة. وعنده من الفضة غير ذلك مائة درهم: فيكون عليه زكاة الغش الذي في الذهب مضموما إلى المائة وقدر ذلك خمسة دراهم.

(او بدونه) أي: بدون ضم (كخمسمائة درهم فيها ذهب ثلاثمائة وفضة مائتان): فيكون عليه زكاة المائتي درهم الفضة التي هي غش في الخمسمائة. (وإن شك من أيهما) أي: من أي: النقدين (الثلاثمائة) هل الثلاثمائة من الذهب أو من الفضة؟ (استظهر فجعلها ذهبا) وأخرج زكاة ثلاثمائة درهم من الذهب ومائتي درهم من الفضة.

(وإن زادت قيمة مغشوش بصنعة الغش وفيه) أي: في المغشوش (نصاب) تام من احد النقدين: (اخرج ربع عشره) أي: عشر النصاب الذي زادت قيمته بغشه بأن صارت العشرين مثقالا تساوي اثنين وعشرين مثقالا بسبب الغش فيكون عليه إخراج ربع عشرها مما قيمته كقيمتها لأن عليه إخراج زكاة المال الجيد الصحيح من جنسه بحيث لا ينقص عن قيمته (كحلي الكراء إذا زادت قيمته بصناعته).

وإن لم يكن فيه نصاب فلا زكاة فيه لأن زيادة النقد بالصناعة والضرب لاتكمل بعض نصابه في القدر.

(ويعرف غشه) اي: غش المغشوش إذا كان الغش فضة في ذهب (بوضع ذهب خالص وزنه) أي: وزن جملة المغشوش (بماء)[اي: في ماء]

(1)

(في إناء اسفله) اي: اسفل الإناء (كأعلاه) اي: مثل اعلاه. ثم يرفع الذهب (ثم) يوضع (فضة وزنه) أي: وزن المغشوش (وهي) أي: الفضة

(1)

ساقط من ب. ()

ص: 247

(أضخم) من الذهب ثم يرفع (ثم) يوضع (مغشوش) ثم يرفع.

(ويعلم عند كل) من الذهب والفضة والمغشوش (علو الماء) الذي في الإناء (فإن تنصفت بينهما) أي: بين علامة الذهب وبين علامة الفضة (علامة مغشوش فنصفه) أي: نصف المغشوش (ذهب ونصفه فضة. ومع زيادة أو نقص) بين ذلك فإنه يكون (بحسابه) أي: بحساب النقص أو الزيادة.

ص: 248

[فصل: إذا كان المزكى انواعا مختلفة]

(فصل. ويخرج) المزكي الزكاة (عن جيد صحيح) من ذهب أو فضة من نوعه. فلا يجزئ ادنى عن أعلا مع عدم زيادة فضل القيمة، كالماشية.

ولأن الفقراء شركاوه وليس ذلك وظيفة الشركة.

(و) يخرج عن (رديء) من ذهب أو فضة (من نوعه) لأن الزكاة مواساة.

فليس عليه أن يخرج أعلا مما وجبت فيه

(1)

.

(و) لو كان النصاب أنواعا مختلفة القيمة أخرج

(2)

(من كل نوع بحصته)، لأنه الواجب.

وقيل: إن شق ذلك لكثرة الأنواع أخرج من الوسط كالماشية. وجزم بذلك في " المغني " و" الشرح ".

(والأفضل) إخراجها (من الأعلا) اي: أعلا الأنواع التي عنده؛ لما في ذلك من زيادة الخير للفقراء. (ويجزئ) إخراج (رديء عن) نوع (اعلا). مع الفضل. فلو وجب عليه دينار جيد فأخرج عنه من الرديء دينارا ونصفا قيمتها بقدر قيمه الدينار الجيد أجزا. نص عليه؛ لأن الربا لا يجري بين العبد وربه كما لا يجري بين العبد وسيده.

وقال أبو حنيفة: يجزئ الرديء عن الجيد من غير فضل؛ لأن الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا

(3)

لا قيمة لها. ولنا: أن الجودة متقومة في الإتلاف. ولأنه إذا لم يجبره بما يتم به قيمة الواجب دخل في قوله سبحانه وتعالى: (ولا تيمموا الخبيث) الآية] البقرة: 267].

(1)

في ج: عليه ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

في ج: الزكاة. ()

ص: 249

ولأنه أخرج رديئاً عن جيد بقدره. فلم يجزئه؛ كالماشية.

(و) يجزئ دينار (مكسر عن) دينار (صحيح. ومغشوش عن) خالص (جيد. و) دراهم (سود عن) دراهم (بيض. مع الفضل) في ذلك كله. نص على ذلك في رواية المروذي؛ لأنه أدى الواجب عليه قمية وقدرا. وكما لو أخرج من عينه.

(و) يجزئ دينار (قليل القيمة عن) دينار من نوعه (كثيرها) أي: كثير القيمه (مع) اتفاقهما في (الوزن)؛ لتعلق الوجوب بالنوع وقد أخرج منه.

وقيل: لا يجوز إلا مع زيادة إخراج قدر القيمة.

ولا يجزئ أن يخرج أعلا من الواجب ما هو بقدر قيمته دون وزنه وفاقاً.

فمن وجب عليه نصف دينار لم يجزئه إخراج ثلث دينار قيمته قيمة النصف الواجب؛ لمخالفة النص. ويلزمه إخراج سدس دينار مع الثلث المخرج ليبرأ من عهدة نصف الدينار الواجب.

(ويضم احد النقدين) اللذين هما الذهب والفضة (إلى) النقد (الآخر) في تكميل النصاب على أصح الروايتين وفاقاً لأبي حنيفة ومالك؛ لأن مقاصدهما وزكاتهما متفقة. ولأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر كأنواع الجنس.

ويكون الضم (بالأجزاء) على أصح الوجهين. وهو ظاهر كلام أحمد في روايه الأثرم وفاقاً لمالك وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ورواية عن أبي حنيفة (في تكميل النصاب). ووجه ذلك: ما لا يقوم بالقيمة إذا انفرد لا يقوم مع غيره كالحبوب والثمار.

(ويخرج عنه) يعني: أنه من وجب عليه زكاة عشرين مثقالا من الذهب أجزأ إخراج قيمة ربع عشرها من الفضة.

ومن وجب عليه زكاة مائتي درهم من الفضة أجزأه إخراج قيمة ربع عشرها من الذهب.

وهذا الأصح من الروايتين. ووجهه: أن المقصود من الذهب والفضة الثمينة والتوسل بهما إلى المقاصد. فهما يشتركان في ذلك على السواء. فأشبه إخراج

ص: 250

المكسرة عن الصحاح. بخلاف سائر الأجناس والأنواع مما تجب فيه الزكاة.

فإن لكل جنس مقصودا مختصا به لا يحصل من الجنس الآخر. وهاهنا المقصود فى حاصل فوجب إجزاوه. إذ لا فائدة في اختصاص الإجزاء بعين

(1)

مع مساواة غيرها لها في الحكم.

ولأن ذلك أرفق بالمعطي والأخذ. فإنه لو تعين إخراج الدنانير منها شق على من يملك أقل من أربعين دينارا مما تجب في الزكاة إخراج جزء من دينار، ويحتاج إلى التشقيص ومشاركة الفقراء له في دينار من ماله. او بيع احدهما نصيبه من الدينار.

ولأنه إذا دفع للفقير قطعة من الذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لا يقدر على قضاء حاجته بها. وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر دفع لهذا الضرر فلا وجه لمنعه.

أما إن اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في أخذ الجنس لم يلزم المالك إجابته لأنه ادى ما فرض الله تعالى عليه.

فلم يكلف سواه.

(و) يضم (جيد كل جنس ومضروبه إلى رديئه وتبره) وفاقاً للأئمة الثلاثة؛ لأنا حيث قلنا بضم جنس الذهب إلى جنس الفضة فضم نوع كل من الجنسين إلى النوع الآخر من جنسه أولى.

(و) تضم (قيمة عرض تجارة إلى احد ذلك وجميعه)؛ لأن العروض تقوم بكل واحد من الذهب والفضة. فمن له عرض تجاره

(2)

قيمته خمسة مثاقيل، ومن الفضة مائة درهم، ومن الذهب خمسة مثاقيل ضم كلا من قيمة العروض والذهب والفضة إلى الاخرين وأخرج ربع عشرها من أي: نقد شاء.

(1)

ساقط من ب. ()

(2)

في ب: لتجارة.

ص: 251

[فصل: في زكاة الحلي]

(فصل. ولا زكاة في حلي مباج معد لاستعمال او إعارة)؛ لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في الحلي زكاة "

(1)

رواه الطبراني.

وهو قول خمسة من الصحابة: أنس وجابر وابن عمر وعائشة وأختها أسماء.

ولأنه مال معدول به عن جهة الاسترباح إلى استعمال مباح. فأشبه ثياب البذلة وعبيد الخدمة والبقر العوامل.

(ولو لمن يحرم عليه) كرجل يتخذ حلي النساء لإعارتهن. أو امرأة تتخذ حلي الرجال

(2)

لإعارتهم على الأصح. قاله صاحب " المجرد " و" الفصول " و" المستوعب " و" المغني " و" المحرر " خلافاً لمالك. مع أن عنده لا زكاة فيما يتخذ لزوجته وأمته.

وعن أحمد رواية أخرى: أن في الحلي الزكاة. روي ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " في الرقة ربع العشر "

(3)

.

و" ليس فيما دون خمس أواق صمدقة "

(4)

: مفهومه أن فيها صدقه إذا بلغت خمس أواق.

وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: " أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها في يديها مسكتان من ذهب. فقال: هل تعطين زكاة

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(4) 2: 107 كتاب الزكاة، باب: زكاة الحلي. قال الدارقطني: ميمون ضعيف الحديب. ()

(2)

في ج: الر جل.

(3)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2) من حديب أنس بن مالك رضي الله عنه ()

(4)

سبق تخريجه ص (212) رقم (2). ()

ص: 252

هذا؟ قالب: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله سوارين من نار "

(1)

. رواه ابو داود والنسائي.

وقد روي باً سانيد كلها معلولة.

وأجيب عن هذا الحديث بقول الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء

(2)

.

ثم إن ثبت حملت الزكاة فيه على الإعارة، كما قال الحسن وغيره.

قال إمامنا أحمد: خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: لا زكاة في الحلي ويقولون زكاته عاريته.

أو يحمل على أن ذلك كان وقت تحريم الذهب على النساء. وقد كان محرما عليهن في ابتداء الإسلام. يدل لذلك ما روي عن منصور عن ربعي عن امرأته عن أخت حذيفة قالت: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر النساء

(3)

لِلَّهِ لاتحلين بالذهب. أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ ما منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به "

(4)

. رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

وإنما نسخ تحريم الذهب على النساء بقوله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر" الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم "

(5)

. وباًمثال ذلك من النصوص. وأجيب عن قوله صلى الله عليه وسلم: " في الرقة ربع العشر "

(6)

: أن الرقة هي الدراهم

المضروبة.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(63 5 1) 2: 5 9 كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو وزكاه الحلى. وأخرجه النسائي في " سننه " (2479) 5: 38 كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي.

(2)

ر " جامع الترمذي " 3: 30 كتاب الزكاه، باب ما جاء في زكاة الحلى. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4237) 4: 93 كتاب الخاتم، باب ما جاء في الذهب للنساء. وأخرجه النسائي في " سننه " (5137) 8: 156 كتاب الزينة، الكراهية للنساء في إظهار الحلي والذهب. وأخرجه أحمد في " مسنده "(27122)369.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4057) 4: 50 كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء. وأخرجه أحمد- في " مسنده " (19443) 4:394.

(6)

سبق تخريجه ص (152) رقم (2) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ()

ص: 253

قال أبو عبيد: لا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب إلا على الدراهم المضروبة ذات السبكة السائرة في الناس.

وإنما لم تجب زكاة الحلي إذا كان مالكها (غير فار) من الزكاة باتخاذها.

قاله بعضهم.

قال في " الفروع ": ولعله مراد غيره.

وقد تقدم في المتن أنه إذا أخرج المال الزكوي عن ملكه في أثناء الحول ليقطع الحول فراراً من الزكاة لم تسقط ولم ينقطع فمن اتخذ حليا فرارا من الزكاة وجبت فيه.

- ومتى تكسر الحلي المباح كسرا لا يمنيع اللبس فهو كالصحيح. إلا أن ينوي ترك لبسه. وإن كان كسرا يمنيع الاستعمال ففيه الزكاة " لأنه صاركالنقرة. (وتجب) الزكاة (في) حلي (محرم) وفاقاً. وانية من ذهب أو فضة وفاقاً. سواء قلنا يحرم اتخاذها أو استعمالها أو هما، لأن الصناعة لما كانت لمحرم جعلت كالعدم. ولا يلزم من جواز الاتخاذ جواز الصنعة " كتحريم تصوير ما يداس مع جواز اتخاذه.

(و) تجب الزكاة أيضاً في حلي (معد لكري او نفقة إذا بلغ نصاباً وزنا)، لأن الزكاة إنما سقطت مما اعد للاستعمال لصرفه عن جهة النماء ففيما عداه يبقى على الأ صل.

قال أحمد: ما كان على سرج أو لجام ففيه الزكاة.

وعلى قياس ما ذكره حلية كل ما على الدابة وحلية الدواة والمقلمة والمكحلة ونحو ذلك.

ومحل وجوب الزكاة فيه: إذا اجتمع منه شيء كما سيأتي.

ويستثنى من اعتبار نصاب النقد بالوزن صورة اشير إليها بقوله: (إلا المباح) أي: مباح الصناعة إذا كان معدا (للتجارة). فإن المعد للتجارة (ولو) كان (نقداف) إن نصابه يعتبر (قيمته) أي: بالقيمة كسائر

ص: 254

أموال التجارة.

قال في " الإنصاف ": فأما المباح للتجارة فالصحيح من. المذهب أنه تعتبر قيمته. نص عليه. انتهى.

(ويقوم) النقد من الحلي المباج الصناعة المعد للتجارة (بنقد آخر) يعني: أنه إن كان من ذهب قوم بفضة وإن كان من فضة قوم بذهب. فمن ملك مثلا خواتم من فضة زنتها مائة وتسعون درهما بنية التجارة وحال عليها الحول وكانت قيمته عند حولانه عشرين مثقالا من الذهب أخرج زكاتها ربع عشر قيمتها.

ومحل تقويمها (إن كان) التقويم (احظ للفقراء أو نقص عن نصابه) كما مثلنا. واما لو كانت زنة الخواتم مائتي درهم وقيمتها تسعة عشر مثقالا وجب أن لا تقوم واخرج ربيع عشر المائتي درهم.

(ويعتبر مباح صناعة) من حلي غير معد للتجاره (بلغ نصاباً وزنا في إخراج) لزكاته (بقيمة) فيعتبر في نصاب بوزنه وفي إخراج بقيمته.

قال في " الإنصاف ": الأشهر في المذهب أن الاعتبار في مباح الصناعة في الإخراج بقيمته. قاله

(1)

في " الفروع ". واختاره القاضي والمصنف- يعني: الموفق- والشارح وغيرهم. قال ابن تميم: هذا الأظهر. قال ابن رجب: اختاره القاضي واصحابه. وقال القاضي: هو قياس قول احمد: إذا أخرج عن صحاح مكسرة يعطي ما بينهما. فاعتبر الصفة دون الوزن لزيادة القيمة لنفاسة جوهره. وقيل: تعتبر القيمه في الإخراج إن اعتبرت في النصاب وإن لم تعتبر في النصاب لم تعتبر في الإخراج. انتهى.

(ويحرم ان يحلى مسجد او محراب أو يموه سقف او حائط بنقد) ذهب أو فضة. وكذا سرح ولجام وتفريض على ذلك. وعلى قياس ذلك حلية الدواة. والمقلمة ونحوهما، لأنه سرف ويفضي إلا الخيلاء وكسر قلوب الفقراء.

فحرم، كاتخاذ الآنية. وقد " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التختم بخاتم الذهب

(1)

في أ: قال. ()

ص: 255

للرجل "

(1)

. فتمويه السقف ونحوه

(2)

اولى.

(وتجب إزالته وزكاته) إذا كان بحيث لو أزيل اجتمع منه شيء. (إلا إذا استهلك) فيما حلي به أو موه به (فلم يجتمع منه شيء) بالإزالة (فيهما) أي: في وجوب الإزالة ووجوب الزكاة فلا تحرم استدامته، لأنه لا فائدة في إتلافه وإزالته. ولا زكاة فيه لأن ماليته ذهبت.

ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أراد جميع ما في مسجد دمشق مما موه به من الذهب. فقيل له: إنه لا يجتمع منه شيء. فتركه.

(1)

أخرجه النسائي في " لسننه "(5271) 8: 191 كتاب الزينة، النهي عن لبس خاتم الذهب. وأخرجه احمد في " مسنده " (18535) 4: 287 -

(2)

ساقط من ب. ()

ص: 256

(فصل) في أحكام التحلي

(ويباح لذكر) وخنثى (من فضة خاتم)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق "

(1)

. متفق عليه.

(و) لبسه (بخنصر يسار افضل) من لبسه بخنصريمين. نص أحمد على ذلك في رواية صالح والفضل، وأنه أقر وأثبت.

وضعف في رواية الأثرم وغيره " حديث التختم في اليمين "

(2)

.

قال الدارقطني وغيره: المحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره. وأنه إنما كان في الخنصر لكونه طرفا فهو أبعد من الامتهان فيما تتناوله اليد.

ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله.

وقيل: لبسه بخنصر يمنى أفضل وفاقاً للشافعي لأنه أحق بالإكرام.

(ويجعل فصه مما يلي كفه).

قال في " الفروع ": والأفضل جعل فصه مما يلي كفه؛ " لأن النبي صص كان يفعل ذلك "

(3)

.

و" كان ابن عباس وغيره يجعله مما يلي ظهركفه "

(4)

.

وله جعل فصه منه ومن غيره لأن في البخاري من حديب أنس " كان فصه

(1)

اخرجه البخاري في " صحيحه ") 5535) 5: 2204 كتاب اللباسى، باب نقش الخاتم. وأخرجه مسلم في " صحيحه ") 2091) 3: 1656 كتاب اللباس والزينة، باب لبس النبى خاتمامن ورق نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه ") 4226) 4: 91 كتاب الخاتم، باب ما جاء في التختم في الجمين أو الجسار. ()

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه ") 2094) 3: 1658 كتاب اللباس والزينة، -باب فى خاتم أورف فصه حجشي. ()

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4229) 4: 91 كتاب الخاتم، ياب ما جاء في التختم في أليهمين أو الجسار ()

ص: 257

منه "

(1)

. ولمسلم " كان فصه حبشيا "

(2)

.

(وكره) لبسه (بسبا بة ووسطى).

قال في " الفروع ": وفاقاً للنهى الصحيح عن ذلك. وجزم به في " المستوعب " وغيره. ولم يقيده في " الترغيب " وغيره. فظاهر ذلك لا يكره في غيرهما.

وإن كان الخنصر أفضل اقتصارا على النص.

وقال أبو المعالي: والإبهام مثلهما فالبنصر مثله ولا فرق انتهى.

(ولا بأس بجعله) أي: جعل الخاتم من الفضة للرجل (اكتر من مثقال ما لم يخرج عن العادة).

قال في " الرعاية ": ويسن دون مثقال.

قال في " الفروع ": وظاهر كلام أحمد والأصحاب: لا بأس بأكثر من ذلك لضعف خبر بريدة السابق. والمراد ما لم يخرج عن العادة وإلا حرم؛ لأن الأصل التحريم خرج المعتاد لفعله

(3)

صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم

(4)

لم يخرج بصيغة لفظ ليعم. ثم لو كان فهو بيان للواقع. انتهى.

ويكره أن يكتب على الخاتم ذكر الله. قران أو غيره نصا.

قال إسحاق بن راهويه: لما يدخل الخلاء فيه.

قال في " الفروع ": ولعل أحمد كرهه لذلك.

وعنه: لا يكره دخول الخلاء بذلك. فلا كراهة ولم أجد للكراهة دليلا سوى هذا، وهي تفتقر إلى دليل والأصل عدمه.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5532) 5: 03 22 كتاب اللباس، باب فص الخاتم. ()

(2)

أخرجه مسلم فى " صحيحه "(2094) 3: 1658 كتاب اللباس والزينة، باب في خاتم الورق فصه حبشي. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

في ب: بفعله. ()

(4)

في أزباده: ما

ص: 258

وظاهر ذلك لا يكره غيره.

وقال صاحب " الرعاية ": او ذكر رسوله.

ويتوجه احتمال لا يكره ذلك وفاقاً لمالك والشافعي وأكثر العلماء؛ لما في " الصحيحين " عن انس " أن النبي صلى الله عليه وسلم اراد ان يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي. فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما. فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقة فضة. ونقش فيه محمد رسول الله. وقال للناس: إني اتخذت خاتما من فضة ونقشت فيه محمد رسول الله. فلا ينقش أحد منكم على نقشه "

(1)

.

وللبخاري: " محمد سطر. ورسول سطر. والله سطر "

(2)

.انتهى.

وفي الحديث نهي الرعية أن ينقشوا على هيئة نقش خاتم السلطان.

(و) يباح للذكر أيضاً من الفضة (قبيعه سيف)؛ لقول أنس: " كانت قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم فضة "

(3)

. رواه الأثرم.

والقبيعة: ما يجعل على طرف القبضة.

ولأنها حلية معتادة للرجل. اشبهت الخاتم.

(و) يباح له أيضاً (حلية منطقة) على الأصح. وهي: ما شددت به وسطك. قاله الخليل. وتسميها العامة: الحياصة؛ لأن الصحابة اتخذوا المناطق محلاة بالفضة فهي كالخاتم.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(537 5) 5: 5 0 22 كتاب اللباس، باب اتخاذ الخاتم ليختم به شيء، أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2092) 3: 1657 كتاب اللياس والزينة، باب في اتخاذ النبي ص خاتماً، لما أراد أن يكتب إلى العجم.

(2)

أخرجه اليخاري في " صحيحه "(5540) 5: 2205 كتاب اللباس، باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثةأسطر. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(583 2) 3: 0 3 كتاب الجهاد، باب في السيف يحلى. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (1691) 4: 201 كتاب الجهاد، باب ما جاء في السيوف وحليتها.

ص: 259

(و) على قياسها حلية (جوشن) وهو الدرع. (و) حلية (خوذة) وهي البيضض. (و) حلية (خف. و) حلية (ران

(1)

. وهي: شيء يلبس تحت الخف. و) حلية

(2)

(حمائل) واحدتها حمالة. قاله الخليل؛ لأن ذلك حلية للرجل. فهى كالخاتم والقبيعة.

(لا) حلية (ركاب و) حلية (لجام و) حلية (دواة

(3)

ونحو ذلك)؛ كسرج ومقلمة ومراه ومشط ومكحلة ومجرة فتحرم.

(و) يباح لذكر (من ذهب قبيعة سيف) على الأصح.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب.

قال الإمام أحمد: " كان في دسيف عمر سبائك من ذهب "

(4)

. و " كان في سيف عثمان بن حنيف مسمار من ذهب "

(5)

.

(وما دغت إليه ضرورة؛ كأنف) وفاقاً ولو أمكن اتخاذه من فضة؛ " لأن عرفجه بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب. فاتخذ انفا من فضة فأنتن عليه. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخهذ انفا من ذهب "

(6)

. رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم. (وكشد سِنٍّ)؛ لما روى الأثرم عن موسى بن طلحة وابن جمرة الضبعي

(1)

في أوج: وخوذة وهي البيضة وخف وران. بإسقاط لفظ: حلية. ()

(2)

سافط من اوخ. ()

(3)

في أوج: ركعاب ولجام ودواه. بإسا قط لفظ: حلية.

(4)

أخرجه البيهقي في" السنن الكبرى " 4: 143 كماب الزكاه، باب ما ورد فيما يجوز للرجل أن يتحلى به من خهاتمه وحلية شفه ومصحفه إذا كان من فضة، بلفظ: عن نافع " أن ابن عمر تقلد سيف عمر رضي

الله عنه يوم قتل عثمان رضي الله عنه وكان محلى قال: قلت: كم كانت حليته؛ قال: أربعمائة ".

(5)

لم أفف عليه هكهذا. وفد أخرج ابن أبي فيبه عن عثمان بن حكيم قال: " رأيب في قائم سيف سهل بن حيفص مسسمار ذهب ". (25172) 5: 197 كتاب اللباس والزينة، في السيوف المحلاة واتخاذها.

(6)

اخر- أبو داود في " شنه "(4232) 4: 92 كتاب الخاتم، باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب. وأخرجهه الترمذي في " جامعه " (1770) 4: 0 24 كتاب اللباس، باب ماجاء في لضد الأسنان بالذهب.

قال الترمذي: حديث حسن غريب. وأخرجط النسائي في " سننه "(162) 8: 164 كتاب الزينة، من أصيب أنفه هل يخذ أنفا من ذهب.

ص: 260

وأبو رافع وثابت البنانى وإسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبدالله " أنهم شدوا أسنانهم بالذهب "

(1)

.

وهي ضرورة. فأبيح؛ كالأنف.

وقيل: يباح الذهب في السلاح. واختاره الشيخ تقي الدين.

وقيل: كل ما أبيح تحليته بفضة أبيح بذهب.

(و) يباح (لنساء منهما) اي: من الذهب والفضة (ما جرت عادتهن بلبسه) قل أو كثر (ولو زاد على الف مثقال) كالطوق والخلخال والسوار والدملوج والقرط والخاتم.

قال في " الفروع ": قال الأصحاب: وما في المخانق والمقالد من حرائز وتعاويذ وكذا فال في " الهداية " و" المستوعب " و" المحرر " وغيرها.

و" التاج " وما أشبه ذلك. انتهى.

وقل ابن حامد: إن بلغ ألف مثقال حرم وفيه الزكاة.

قال في " الإنصاف ": فظاهره انه سواء كان من ذهب او فضة.

(و) يباح (لرجل وامراة تحل بجوهر ونحوه) كزمرد وزبرجد وياقوت وبلخش وفيروزج.

فال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. وذكر ابو المعالي يكره ذلك للرجل للتشبه.

فال في " الفروع ": ولعل مراده غير تختمه بذلك. انتهى.

(وكره تختمهما) أي: الرجل والمراة (بحديد وصفر ونحالس ورصاص)

(1)

أخرج ابن أبي شيبه في " مصنفه "(25250) 5: 5؛ 2 كماب اللباس والزينه، فى شد الأسنان بالذهب. عن طعمة الجعفري: قال: " رأيت موسى بن طلحة قد شد أسنانه بالذهب "، وفي (25256) 5: 206 عن حماد قال: " رايت ثابتا البنانى مشدود الأسنان بالذهب ". وفي) 25254) 5: 205 عن حماد قال: " رايت المغيره بن عبدالله يربط أصنانه بالذهب، قال: فسالت إبراهيم، قال: لا بأس به ".

ص: 261

نص على ذلك أحمد في رواية الجماعة.

ونقل مهنا: أكره خاتم الحديد لأنه حلية أهل النار.

ونقل أبو طالب " كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاتم حديد عليه فضة فرمى به "

(1)

.

فلا يصلى في الحديد والصفر.

قال في " الفروع ": وهذا الخبر لم يروه في " مسنده ".

وعن إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده قال: " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة. قال: فربما كان في يدي. قال: وكان المعيقيبب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم "

(2)

. إسناده جيد إلى إياس. وإياس تفرد عنه نوح. ونوح

(3)

بن ربيعة لم اجد فيه كلاما. رواه أبو داود والنسائي.

وساًله الأثرم عن خاتم الحديد فذكر خبر عمرو بن شعيب " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هذه حلية أهل النار "

(4)

.

وابن مسعود قال: " لبسة أهل النار ".

وابن عمر قال: " ما ظهرت كف فيها خاتم من حديد "

(5)

.

و" قال النبي ص في حديب بريدة لرجل لبس خاتما من صفر: أجد منك ريح الأصنام "

(6)

. فقد احتج بخبر بريدة.

وقال في " مسنده ": حدثنا يحيى بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض اصحابه خاتما من ذهب. فأعرض عنه فألقاه

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه ") 93 0 2) 3: 57 6 1 كتاب اللباس والزينه، باب قي طرج الخواتم. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه ") 4224) 4: 90 كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد. ()

(3)

ساقط من ا. ()

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4223) 4: 90 كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد. وأخرجه النسائي لي " سننه ") 5195) 8: 172 كتاب الزينه، مقدار ما يجعل في الخاتم من الفضة.

(5)

أخرجه المتقي الهندي في " كنز العمال ") 17294) 6: 664 كتاب الزكاة، لبس الخاتم. عن مسلم بن عبد الرحمن. نحوه. ()

(6)

أخرجه أبو داود في " سننه ") 4223) 4: 90 كتاب الخاتم، باب ماجاء في خاتم الحديد ()

ص: 262

واتخذ خاتما من حديد. فقال: هذا شر. هذا حلية أهل النار. فألقاه واتخذ خاتما من ورق. فسكت عنه "

(1)

. حديب حسن. انتهى.

وأما الدملوج الحديد فجوزه أبو الخطاب وخالفه ابن الزاغونى.

(ويستحب) تختم (بعقيق). ذكره في " التلخيص " وابن تميم و" المستوعب "،وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تختموا بالعقيق فإنه مبارك "

(2)

. قال في " الفروع ": كذا ذكر. قال العقيلي: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء. وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات ". فلا يستحب هذا عند ابن الجوزي ولم يذكره جماعة فظاهره لا يستحب. وهذا الخبر في إسناده يعقوب بن إبراهيم الزهري المدنى الذي قال ابن عدي: ليس بالمعروف. وباقيه جيد.

ومثل هذا لا يظهر كونه من الموضوع. انتهى.

ويحرم أن ينقش على الخاتم صورة حيوان بلا نزاع ويحرم لبسه في الأصح.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(6518) 2: 163. ()

(2)

ذكره المباركفوري في " كتز العمال "(17285) 6: 663 كتاب الزكاة، لبس الخاتم. ()

ص: 263

] باب: زكاة العروض]

هذا (باب) ذكر حكم (زكاة العروض). اي: عروض التجارة واحدها عرض بسكون الراء.

(والعرض) هنا: (ما يعد لبيع وشراء لأجل ربح) وسمي عرضا لأنه يعرض ليباع ويشترى. تسمية للمفعول باسم المصدر كتسميه العلوم علما.

وقيل: لأنه يعرض ثم يزول

(1)

ويفنى.

والأصل في وجوب الزكاة في عروض التجارة] قوله سبحانه وتعالى (والذين في اموالهم حق معلوم)[المعارج: 24]، وقوله سبحانه وتعالى (خذ من اموالهم صدقه) [التو به: 103].

ومال التجارة أعم الأموال فكان أولى بالدخول.

والقول بوجوب الزكاة في عروض التجارة]

(2)

قول عامة أهل العلم. روي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس. وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وإسحاق. واحتج احمد بقول عمر لحماس- بكسر الحاء المهملة-: " اد زكاة مالك. فقال: مالي إلا جعاب وأدم. فقال: قومها ثم أد زكاتها "

(3)

.

رواه أحمد.

حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبدالله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس أن أباه أخبره. ورواه ابو عبيد وأبو بكر بن أبي شيبه وغيرهما. وهو مشهور.

(1)

في ج: يزيل ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(7099) 4: 96 كتاب الزكاة، باب الزكاة من العروض. وأخرجه أبو عبيد في " الأموال " (179 1) ص: 384 ولم أره في مسند أحمد.

ص: 264

ولأن عروض التجارة مال مرصد للنماء. فأشمبه المواشي والنقدين.

وقال داود: لا زكاة في عروض التجارة. واحتج بظواهر العفو عن صدقة الخيل والرقيق والحمر.

والظواهر المذكورة معارضة بظواهر من الكتاب والسنة تقتضي وجوب الزكاة في كل مال؛ لقوله سبحانه وتعالى: (والذين في اموالهم حق معلوم)] المعارج: 24] وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول

(1)

"

(2)

.

ثم الظواهر التي تمسك بها محمولة على زكاة العين دون زكاة القيمة. بدليل أدلتنا الخاصة.

(وإنما تجب في قيمة) لعروض

(3)

تجارة (بلغت نصابا) من أحد النقدين.

لا في نفس

(4)

العرض؛ لأن القيمة محل الوجوب لأن ما اعتبر النصاب به كان محل الوجوب كزكاة الأعيان. والقيمة إن لم توجد حسا فهي مقدرة شرعا.

وذلك يكفي في كونها [محل الوجوب]

(5)

كالديون.

) لما) اي: لعرض (ملك) أي: ملكه

(6)

مالكه (بفعل) كالبيع والنكاح والخلع. (ولو بلا عوض) كقبول الهبة والوصية واكتساب المباحاب.

(أو) كان العوض (منفعة او استردادا) لمبيع (بنية التجارة) عند التملك؛.

لأن التجارة عمل. فوجب اقتران النية به؛ كسائر الأعمال.

ويعتبر وجود النية في جميع الحول

(7)

؛ لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول. فاعتبر فيه؛ كالنصاب. فلو دخلنت العروض في ملكه بغيرفعله كإرث

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(4339 1) 3: 0 31. ()

(3)

في ب: لعرض. ()

(4)

في ب: عين. ()

(5)

ساقط من أ. ()

(6)

في ج: مالك. ()

(7)

في أ: الأحوال.

ص: 265

ومضى الحول على اللقطة بعد التعريف. أو ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نواها للتجارة: لم تصر للتجارة على الأصح؛ لأن ما لا تتعلق به الزكاة من أصله لا يصير محلا للزكاة بمجرد النية؛ كالمعلوفة إذا نوى ان

(1)

يسيمها.

ولأن الأصل في العروض القنية. فلا تنتقل عن الأصل بمجرد النية. فلا بد من النية عند تملك ما ليس بعوض عن عرض تجارة.

(او استصحاب حكمها) أي: حكم النية (فيما تعوض عن عرضها) أي: عرض التجارة. واستصحاب حكمها باًن لا ياًتي بما ينافي التجارة، كما لو تعوض عن عرضها شيئا ونواه للقنية.

(ولا تجزئ) زكاة التجارة إن أخرجها (من) عين (العروض) ولو كانت من بهيمة الأنعام، لأن محل الوجوب القيمة.

(ومن) كان (عنده) معد التجارة فنواه لقنية ثم) نواه (لتجارة: لم يصر لها) أي: للتجارة؛ لأن القنية الأصل في العرض. والرد إلى الأصل يكفي فيه مجرد النية " كما لو نوى المسافر الإقامة.

ولأن نية التجارة شرط لوجوب الزكاة في العروض. فإذا نوى القنية زالت نية التجارة ففات شرط الوجوب.

وفارق السائمة إذا نوى علفها لأن الشرط فيها الإسامة دون نيتها. فلا ينتفي الوجوب إلا بانتفاء السوم.

والمراد (غير حلي لبس)، لأن الأصل وجوب الزكاة فيه. فإذا نواه للتجارة فقد رده إلى الأصل. والرد إلى الأصل يكفي فيه مجرد النية.

وعنه: أن العروض تصير للتجارة بمجرد النية. واختاره جماعة.

(وتقوم) العروض عند ح ولأن الحول (بالأحظ للمساكين من ذهب او فضة. لا بما اشتريت به) يعني: إذا كانت قيمته تبلغ نصاباً بأحد النقدين دون الآخر: فإنه يقوم ما يبلغ به نصاباً لأنه تقويم لمال التجارة للزكاة. فكان بالأحظ

(1)

ساقط من أ. ()

ص: 266

للمساكين؛ كما لو اشتراه بعرض قنية وفي البلد نقدان متساويان في الغلبة وهو يبلغ نصاباً بأحدهما دون الآخر.

(وتقوم) الأمة (المغنية ساذجة) لأن صفة معرفة

(1)

الغناء لا قيمة لها.

وعلى قياس ذلك الزامرة والضاربة على الة اللهو.

(و) يقوم العبد (الخصي بصفته) اي: بصفة كونه خصيا. كبقية العروض؛ لأن هذه الصفة المستدامة في الخصي ليست بلهو ولا داعية إلى اللهو.

(ولا عبرة بقيمة) صفة (انية ذهب وفضة)؛ لتحريمها.

(وإن اشترى عرضا بنصاب من اثمان أو عروض) بنى على حوله.

قال في " شرح الهداية ": لا نعلم في هذا خلافاً.

ولأن وضع التجارة على التقلب والاستبدال بالعروض والأثمان. فلو انقطع الحول به لبطلت زكاة التجارة. وذلك لأن النصاب من الأثمان كان ظاهراً وقد صار في ثمن العرض كامنا. فهو كما لو كان عينا واقرضه فصار فى ينا.

(أو) اشترى (نصاب سائمة لقنية بمثله) اي: بنصاب سائمة (لتجارة: بنى على حوله) اي: حول ما اشترى به على الأصح؛ لأنهما مالان متفقان في النصاب والجنس. فلم ينقطع الحول فيهما بالمبادلة. وقد تقدم أن إبدال النصاب بجنسه لا ينقطع به الحول.

(لا إن اشترى عرضا) غير سائمة (بنصاب سائمة او باعه) أي: باع عرضا غير سائمة (به) اي: بنصاب سائمة فإنه لا يبني على حول الأول لاختلافهما في النصاب والواجب.

(ومن ملك نصاب سائمة لتجارة) فعليه زكاة تجارة فقط.

(أو) ملك (أرضا فزرعت) فعليه زكاة تجارة فقط.

(أو) ملك (نخلا فأثمر فعليه زكاة تجارة فقط) نص عليه.

(1)

في ج: معروفة ()

ص: 267

وقيل: يزكي الأصل للتجارة ويزكي الثمرة والزرع للعشر.

ووجه المذهب في الصورة الأولى أن وصف التجارة يزيل سبب زكاة السوم وهو الاقتناء لطلب النماء معه. وفي الصورتين الأخيرتين أن الأرض والنخل مال تجارة فوجب فيهما زكاة التجارة. ولا شك أن الثمرة والزرع جزء الخارج منهما. فوجب أن يقوم مع الأصل؛ كالسخال والربح المتجدد إذا كان الأصل للتجارة.

ويستثنى من ذلك صورة أشير إليها بقوله: (إلا إن كان لا تبلغ قيمته) أي: قيمة ما ذكر من السائمة ومن الأرض مع الزرع ومن النخل مع التمر (نصابا) بأن يكون نصاب السائمة لا يبلغ قيمة عشرين متقالا ولا مائتي درهم وكذا الأرض مع الزرع والنخل مع الثمر: (فيزكلي) ذلك (لغيرها) أي: لغير التجارة. فيخرج من السائمة ما وجب فيها، ومن الزرع ما وجب فيه، ومن الثمرة ما وجب فيها؛ لئلا تسقط الزكاة بالكلية.

(ومن ملك سائمة) أي: نصاباً من السائمة (لتجارة نصف حول ثم قطع نية التجارة) عند نصف الحول: (استأنفه) أي: استاً نف الحولى (للسوم) " لأن حولى التجارة انقطع بنية الاقتناء. وحولى السوم لا يبنى على حولى التجارة.

(وإن اشترى صباغ ما يصبغ به) للناس (ويبقى أثره كزعفران ونيل وعصفر ونحوه) كلك وبقم وفوة: (قهو عرض تجارة يقوم عند) تمام (حوله) وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي؛ لاعتياضه عن صبغ قائم بالثوب. ففيه معنى التجارة.

وكذا ما يشتريه دباغ ليدبغ به كعفص وقرظ وما يدهنه به كسمن وملح. ذكره ابن البنا وجزم في " منتهى الغاية " بأنه لا زكاة فيه. وعلل بأنه لا يبقى له اثر. ذكره عنهما في " الفروع ".

(لا ما يشتريه قصار من قلي ونورة وصابون ونحوه) كنطرون. فإنه لا يكون عرض تجارة لأنه

(1)

لا يبقى له أثر في الثوب. أشبه الحطب الذي يوقد به عليه.

(1)

في ب: فإنه. ()

ص: 268

(وأما آنية عرض التجارة) التي توضع فيها كالغرائر

(1)

والأكياس والأجربة.

(وآلة دابتها) أي: دآبة التجارة كاللجام والسرج والمقود والإكاف. (فإن أريد بيعهما) أي: بيع الآنية والآلة (معهما) أي: مع العرض والدابه: (ف) ذلك (مال تجارة) يقوم معهما. (وإلا) أي: وإن لم يرد بيعهما (فلا) يقوم؛ لأنه عرض قنية.

(ومن اشترى شقصاً) من عقار تثبت فيه الشفعة (لتجارة بألف فصار عند) حولان (الحول بألفين: زكاهما) أي: أخرج زكاة ألفين، لأنهما قيمته.

(وأخذه الشفيع) بالشفعة (بألف)

(2)

لأنه يأخذه بما وقع عليه العقد.

(وينعكس الحكم بعكسها) يعني: انه لو اشتراه بألفين فصار عند الحول يساوي ألفا أخرج زكاة ألف. وإن اخذه [الشفيع اخذه]

(3)

بألفين لأنه يأخذه بما وقع عليه العقد. وكذا يرده المشتري بالعيب بما وقع عليه العقد ويزكيه لوجوبها في ملكه. وإذا دفع الرجل الفا مضاربة على ان الربح بينهما فحال الحول وهو ثلاثة الاف فعلى رب المال زكاة ألفين لأن ربح التجارة حوله حول أصله.

(وإذا أذن كل) أي: كل واحد (من شريكين او غيرهما) أي: غير شريكين (لصاحبه في إخراج زكاته) أي: زكاة الاذن: (ضمن كل واحد) منهما (نصيب صاحبه إن اخرجا) أي: أخرج كل زكاة نفسه (معا) أي: في وقت واحد.

(أو) أخرجها أحدهما

(4)

قبل الآخر و (جهل سابق) منهما با لإخراج؛ لأن كل واحد منهما انعزل من طريق الحكم عن الوكالة بإخراج الموكل زكاته عن نفسه لأنه لم يبق على الموكل زكاة. والعزل حكما العلم وعدمه فيه سواء. بدليل ما لو وكله في بيع عبد فباعه الموكل وأعتقه وحينئذ يقع المدفوع إلى الفقير تطوعا ولا يجوز الرجوع

(1)

هو: شيه العدل. " المصباج ". مادة غرر. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

ساقط من أ.

ص: 269

عليه به فيتحقق التفويت بفعل المخرج. وهذا التعليل لما إذا أخرج كل منهما زكاة نفسه في ان واحد. وأما إذا سبق أحدهما بالإخراج وجهل أو نسى فلأن الأصل أن المخرج عن نفسه أن إخراجه وقع الموقع بخلاف المخرج عن غيره.

(وإلا) أي: وإن لم يخرجا معا ولم يجهل السابق فيما أخرج احدهما ثم الآخر: (ضمن الثانى) وهو المخرج بعد إخراج الأول نصيب الأول. (ولو لم يعلم) أن الأول اخرج زكاة نفسه لأن العزل من طريق الحكم لا يختلف بذلك كما لو مات المالك.

وقيل: لا يضمن من لم يعلم بإخراج صاحبه بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم.

(لا إن أدى) الوكيل (دينا) على موكله (بعد اداء موكله ولم يعلم) فإنه لا يضمن لموكله شيئا؛ لأن موكله غره.

ولأنه هنا لم يتحقق التفويت على الموكل. بدليل أن له الرجوع على القابض. ونظير هذا في مسألة الزكاة ما لو كان القابض منهما الساعي والزكاة بيده. فإنه لا يضمن المخرج للمخرج عنه شيئا لما كان له الرجوع على الساعي به

(1)

ما دامت بيده.

(ولمن عليه زكاة الصدقة) اي: ان يتصدق (تطوعا قبل إخراجها) أي: إخراج ما عليه من الزكاة " كالتطوع بالصلاة قبل أداء فرضها. والله أعلم.

(1)

ساقط من أ. ()

ص: 270

[باب: زكاة الفطر]

هذا (باب) يذكر فيه جملة من أحكام صدقة الفطر.

و (زكاة الفطر صدقة واجبة بالفطر من رمضان) أي: من اخر يوم منه. قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز في قوله سبحانه وتعالى: (قد افلح من تزكي)[الأعلى: 14]: هو زكاة الفطر. قال ابن قتيبة: وقيل لها فطرة لأن الفطرة الخلقة. قال الله تعالى: (فطرت آلله التى فطر الناس عليها)[الروم: 30]. وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس

(1)

.

(وتسمى فرضا) على الأصح، لقول ابن عمر " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر"

(2)

.

ولأن الفرض إن كان هو

(3)

الواجب فهي واجبة، وإن كان للتاً كيد فهي متاً كدة.

قال ابن المنذر: اجمع عوام أهل العلم على ان صدقة الفطر فرض.

قال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم.

(ومصرفها) اي: مصرف زكاة الفطر (كزكاة) اي: كمصرف زكاة المال، لعموم قوله سبحانه وتعالى:(انما الصدقات للفقراء .... ) الآيه [التوبة: 60]. وبهذا قال مالك والشافعي فلا يجوز دفعها لغير أهل الزكاة.

(1)

ساقط من أ. وفي ب: أو النفس. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه ") 433 1) 2: 547 أبواب صدقة الفطر، باب صدقة الفطر على العبدوغيره من المسلمين. وأخرجه مسلم في " صحيحه ") 984) 2: 678 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين منالتمر والشعير

(3)

ساقط من أ. ()

ص: 271

وقال أبو حنيفة: يجوز.

وروي عن عمرو بن ميمون وعمر بن شرحبيل ومرة الهمدانى أنهم كانوا يعطون منها الرهبان.

ولنا: أنها زكاة. فلم يجز دفعها لغير المسلمين، كزكاة المال. وزكاة المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين إجماعا.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز أن يعطى من زكاة المال أحد من أهل الذمة.

وقال الشيخ تقي الدين: لا يجوز دفعها إلا لمن يستحق الكفارة. وهو من يأخذ [لحاجة. لا في المؤلفة والرقاب وغير ذلك.

(ولا يمنع وجوبها) أي: وجوب إخراجها (دين)]

(1)

أي: مجرد الدين

(إلا مع طلب) أي: إلا إذا كان المدين مطالبا به: أما كون مجرد الدين لا يمنع وجوب الفطرة لأنها آكد. بدليل وجوبها على الفقير، وشمولها لكل مسلم قدر على إخراجها، ووجوب تحملها عمن وجبت نفقته على غيره، ولا تتعلق بقدر من المال. فجرت مجرى النفقة.

ولأن زكاة المال تجب بالملك، والدين يؤثر في الملك. والفطرة تجب على البدن، والدين لا يؤثر فيه.

وأما كونها تسقط مع طلب الدين فلوجوب أدائه بالطلب وتأكده بكونه حق آدمي معين لا يسقط بالاعتبار. وبكونه أسبق سببا وياً ثم بتاًخيره مع الطلب. (وتجب) الفطرة (على كل مسلم) فلا تجب على كافر أصلي ولا مرتد " لما روى ابن عمر قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعاً من شعير. على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين "

(2)

رواه الجماعة.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1432) 2: 547 أبواب صدقة الفطر، باب فرض صدقة الفطر. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (984) 2: 667 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطرعلى المسلمين من التمر والشعير. وأخرجه أبو داود في " سننه " (1613) 2: 112 كتاب الزكاه، باب كم يؤدى في صدقة الفطر. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (676) 3: 1 6 كتاب الزكاة، باب ما جاء في صدقه الفطر. قال الترمذي: حديب حسن صحيح. وأخرجه النسانى في " سننه "(2504) 5: 48 كتاب الزكاة. فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين. وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1826) 1: 584 كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر. وأخرجه أحمد قي " مسنده " (4 1 62) 2:137.

ص: 272

وروى أبو داود عن ابن عباس قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين. من اداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات "

(1)

.

وهذا لا يكون إلا في حق المسلم.

(تلزمه مؤنة نفسه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم " ادوا الفطرة على من تمونون "

(2)

. وهو دال على عدم وجوبها على من لم يمون نفسه لأنه خاطب بالوجوب غيره ولو وجبت عليه لخاطبه بالوجوب كسائر من تجب عليه.

ولا فرق في ذلك بين كونه صغيرا او كبيرا ذكرا أو أنثى. ويخرج عن الأيتام وليهم من مالهم. ويخرج عن الرقيق غير المكاتب مالكه.

(ولو) كان مالكه (مكاتبا).

وعلم من هذا أن المكاتب عليه فطرة نفسه.

ومحل وجوب الإخراج على جميع من تقدم إذا (فضل عن قوته، و) عن قوت (من تلزمه مؤنته يوم العيد وليلته بعد حاجتهما) اي: حاجة المخرج وحاجة من تلزمه مؤنته (لمسكن وخادم ودابة وثياب بذلة ونحوه) كالفراش واللحاف والمخدة. وجزم الموفق (وكتب يحتاجها لنظر وحفظ) وزاد على

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1609) 2: 111 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر. ()

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 161/كتاب الزكاة، باب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وغيره. ()

ص: 273

ذلك أو للمرأة حلي للبس أو لكراء محتاج إليه.

قال في " الفروع ": ولم أجدها في كلام أحد قبله ولم يستدل عليه.

ووجهه: أنه محتاج إلى ذلك كغيره مما سبق. وذكره في " الهداية " للحنفية في كتب العلم ل أهل ها. وظاهره ما ذكره الأكثر واقتصارهم على ما سبق من المنافع ان هذا لا يمنع. ولهذا لم أجد أحدا استثنى ذلك في حق المفلس مع ان الأصحاب أحالوا الاستطاعة في الحج على المفلس. وذكر في" الفصول "في المفلس أن الاستطاعة في الحج نظيره. فهذان ق ولأن على هذا. ووجهما: التسوية بين حق الله تعالى وحق الآدمي. أو أن حق الآدمي اكد. ويتوجه احتمال ثالث أن الكتب تمنع. بخلاف الحلي للبس للحاجة إلى العلم وتحصيله. ولهذا ذكر الشيخ- يعني: الموفق- أن الكتب تمنع في الحج والكفارة ولم يذكر الحلي. انتهى. فلهذا اقتصرت

(1)

على ذكر الكتب

(2)

دون الحلي. إذا تقرر هذا فمتى فضل عمن تلزمه مؤنة نفسه وهو من أهل الفطرة خارجا عما ذكر في المتن (صاع) من واحد من الأصناف الاتي ذكرها. أو صاع مجتمع منها؛ كما لو فضل عنده ربع صاع من] تمر، وربع صاع من زبيب، وربع صاع من [

(3)

بر، وربع صاع من شعير: لزمه إخراجه.

(وإن فضل) عنده شيء من ذلك (دونه) اي: دون صاع: (اخرج) أي: لزم مالكه إخراجه عن نفسه على الأصح؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "

(4)

.

ولأن الفطرة في معنى النفقة والمؤنة. فاً شبه نفقة القريب إذا قدر على بعضها.

(1)

في أ: اقتصر. ()

(2)

في خ: على ذلك ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه ") 6858) 6: 2658 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ()

ص: 274

(ويكمله) أي: ويجب إخراج بقية الصاع على (من تلزمه) فطرة ذلك الشخص الذي فضل عنده بعض الصاع (لو عدم) اي: لو لم يفضل عنده شيء البتة. وعبارة " شرح الهداية " ويجب الإتمام على من تلزمه فطرته على تقدير العجز عن جميعها.

(وتلزمه) أي: وتلزم من لزمته الفطرة عن نفسه: الفطرة (عمن يمونه من مسلم) كولده وزوجته وعبده ولو للتجارة. [فيجتميع في عبيد التجارة]

(1)

زكاة القيمة وزكاة الفطر. نص عليه.

(حتى زوجة عبده الحرة)؛ لوجوب نفقتها عليه؛ كما انه يجب على الزوج نفقة خادم امرأته. وكذا لو زوج الإبن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة امرأته فإن عليه فطرتهما.

(ومالك نفع قن فقط) أي: دون رقبته (ومريض لا يحتاج نفقة)؛ لما روى نافع عن ابن عمر قال: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطرعن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون"

(2)

رواه الدارقطني. وروى ابو بكر في " الشافي " نحوه من حديب ابي هريرة.

(و) حتى (متبرع بمؤنته) اي: من تبرع بمؤمنة شخص مسلم زمن (رمضان). نص على ذلك في رواية أبي داود وغيره.

وبذلك قال إسحاق بن راهويه؛ لعموم فوله صلى الله عليه وسلم: " ادوا صدقة الفطر عمن تمونون "

(3)

.

وروى ابو بكر بإسناده عن علي قال: " زكاة الفطر على من جرت عليه نفقتك "

(4)

.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(12) 2: 141 كتاب زكاة الفطر.

(3)

سبق تخريجه ص (273) رقم (2). ()

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 161 كتاب الزكاة، باب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وغيره

ص: 275

وهذا يعم من يمونه وينفق عليه تبرعا ووجوبها.

ولأن من تكفل به تبرعا كمن تلزمه كفالته في المنع من دفيع زكاته إليه. نص أحمد على ذلك.

وقال أبوالخطاب: لا تلزمه فطرته. وصححه في " المغني " و" الشرح ".

وحمل كلام أحمد على الاستحباب.

والمعتبر كون التبرع في جميع الشهر في ظاهر النص.

وقال ابن عقيل: قياس المذهب تلزمه إذا مات اخر ليلة في الشهر.

(و) حتى (ابق ونحوه) كالمرهون والمغصوب والغائب غير الابق والماسور والمحبوس.

قال ابن المنذر: أكثر أهل العلم يرون أن تؤدى زكاة الفطر عن الرقيق غائبهم وحاضرهم لأنه مالك لهم.

ولأن زكاة الفطر تابعة للنفقة، والنفقة تجب مع الغيبة. بدليل أن من رد الآبق يرجع بنفقته.

(لا إن شك في حياته) فإنه لا تجب فطرته مع الشك في حياته. نص عليه في روايه صالح، لأنه لايعلم بقاء ملكه عليه.

ولأنه لو أعتقه عن كفارته مع شكه في حياته لم يجزئه. فلم تجب فطرته، كالميت.

ومتى علمت حياته بعد ذلك أخرج لما مضى " [لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الزمن الماضي. فوجب عليه الإخراج لما مضى]

(1)

" كما لو سمع بهلاك ماله الغائب ثم بان له أنه كان سليما.

(فإن لم يجد) من. عنده عائلة فطرة تكفي (لجميعهم: بدا بنفسه)، لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول "

(2)

.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5041) 5: 2048 كتاب النفقات، باب وجوب النفقة على الأهل- والعيال. ولفظه: عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير الصدقة ما كان على ظهر غنى، وابدأ

بمن تعول ".

ص: 276

ولأن الفطرة تنبني على النفقة. فكما انه يبدأ بنفسه في النفقة فكذلك في الفطرة.

(فزوجته) يعني: أنه متى فضل عنده صاع عن فطرة نفسه أخرجه عن زوجته، لأن نفقتها مقدمة على سائر النفقات.

ولأنها تجب على سبيل المعاوضة مع اليسار والإعسار فقدمت كذلك.

(فرقيقه) يعني: انه متى فضل عنده شيء عن فطرته وفطرة زوجته اخرجه عن رقيقه؛ لوجوب نفقته مع الإعسار. بخلاف نفقة الأقارب فإنها صلة لا تجب إلا مع اليسار.

(فأمه) يعني: أنه متى فضل عنده شيء بعد من تقدم أخرجه عن أمه " لأن الأم مقدمة في البر. بدليل: " قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؛ قال: أباك "

(1)

.

ولأنها ضعيفة عن الكسب. وهذا على الأصح.

وعنه: يقدم الأب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " أنت ومالك لأبيك "

(2)

.

(فأبيه) بعد أمه للحديب المتقدم.

(فولده) يعني: أنه متى فضل منه شيء بعد من تقدم أخرجه عن ولده.

فإن كان له اولاد ولم يكف لجميعهم أقرع.

وقيل: يقدم الصغير؛ لأن نفقته منصوص عليها.

(فأقرب في ميراث) يعني: انه متى فضل منه شيء بعد من تقدم وله أقارب

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5626) 5: 2227 كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحية. ()

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(2 " 69) 2: 204. ()

ص: 277

قدم الأقرب فالأقرب في ميراث، لأن الأقرب أولى من الأبعد. فقدم، كالميراث.

(ويقرع مع استواء) كما لو كان له إخوة أو أعمام مستوين في كونهم أشقاء أو لأب ولم يفضل عنده ما يكفي لجميعهم فإنه يقرع بينهم على المذهب.

وقيل: يوزع الفاضل بينهم على عددهم.

وقيل: يخير باًن يخرجه عمن شاء منهم.

(وتسن) الفطرة (عن جنين)؛ لما روي " أن عثمان كان يخرجها عن الجنين "

(1)

.

وعن أبي قلابة قال: " كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى عن الحمل في بطن أمه ". رواه أبو بكر في " الشافي ".

ولا تجب عنه على الأصح، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:" فرض على ذكر وأنثى صاع "

(2)

.

أن الصاع يجزئ كل أنثى حاملا كانت أو حائلا كاًجنة السائمة.

وقال ابن والمنذر: كل من نحفظ عنه لا يوجب زكاة الفطر على الجنين قال: ولا يصح عن عثمان خلافه.

(ولا تجب) فطرة (لمن نفقته فى بيت المال)؛ كاللقيط، لأن ذلك ليس بإنفاق وإنما هو إيصال المال في حقه. قاله

(3)

القاضي وغيره.

(او لا مالك له) والمراد (معين كعبد الغنيمة) قبل القسمة والفيء ونحو ذلك.

(ولا) تجب فطرة أجير وظئر (على مستأجر اجير او) مستاً جر (ظئر

(1)

أخرجه ابن أبي شيجه في " مصنفه "(0737 1) 2: 432 كتاب الزكاة، في صدقة الفطر عما في البطن. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1611) 2: 112 كتاب الزكاة، باب كم يؤدى في صدقة الفطر. وأخرجه أحمد في " مسنده " (4486) 2:5. ()

(3)

في أ: قال. ()

ص: 278

بطعامهما) في الأصح وفاقاً للأئمة الثلاثة؛ لأن الواجب هاهنا أجرة تعتمد الشرط في العقد. فلا يزاد عليها؛ كما لو كانت دراهم. ولهذا تختص بزمن مقدر كسائر الأجر.

(ولا) تجب الفطرة (عن زوجة ناشز) في الأصح وفاقاً لمالك والشافعي لأنه لا تلزمه نفقتها. فهي كالأجنبية والممتنعه من تسليم نفسها ابتداء.

(أو) زوجة (لا تجب نفقتها لصغر ونحوه) كحبس وغيبة في قضاء حاجتها ولو بإذنه لأنها حينئذ كالأجنبية.

(أو) زوجة (امة تسلمها) زوجها (ليلا فقط) أي: دون النهار لكونها حين الوجوب في نوبة السيد. (وهي) أي: فطرة الأمة التي تسلمها زوجها ليلا فقط (على سيدها كما لو عجز زوج) لأمة (تجب عليه) فطرتها لكونها تسلمها ليلا ونهارا (عنها) اي: عن الفطرة لأن الزوج حينئذ كالمعدوم.

(وفطرة مبعض) اي: بعضه حر وبعضه رقيق. (و) فطرة (قن مشترك) بين اثنين فأكثر. (و) فطرة (من له أكثر من وارث) كمن له جد وأخ للأبوين أو لأب أو ام وبنت (او ملحق بأكثر من واحد: تقسط) الفطرة بحسب الملك في المبعض والمشترك. وبحسب القسمة في الميراث؛ لأن نفقته تقسم بحسب الملك والإرث. فكذا فطرته التابعة لها.

وعنه: على كل مالك ووارث صاع كامل.

والمذهب الأول لأنه شخص واحد فلم تجب عنه أكئر من صاع كسائر الناس.

ولأنها طهرة فوجب على ساداته أو وارثه بالحصص؛ كماء الغسل من الجنابة إذا احتاج إليه.

ولا تدخل الفطرة في المهايأة. ذكره القاضي وجماعة؛ لأنها حق لله كالصلاة. (ومن عجز منهم) يعني: الملاك أو الوراث: (لم يلزم الآخر) الذي لم يعجز منهم (سوى قسطه؛ كشريك ذمي) في مال زكوي.

(ولمن لزمت غيره فطرته) كالزوجة والنسيب المعسر: (طلبه بإخراجها)

ص: 279

أي: بأن يخرجها عنه، كما أن له المطالبة باًن ينفق عليه لأن الفطرة تابعة للنفقة. (و) له أيضاً (ان يخرجها) أي: أن يخرج فطرته (عن نفسه وتجزئ) عنه ولو أخرجها (بلا إذن من تلزمه) في الأصح، (لأنه) أي: الذي تلزمه (متحمل) عن المخرج بالفطرة لأن المخاطب بها ابتداء المخرج.

(ومن أخرج) فطرة (عمن لا تلزمه فطرته بإذنه: اجزأ)، وإلا فلا.

(ولا تجب) الفطرة (إلا بدخول ليلة) عيد (الفطر)، لقول ابن عباس:" فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر ظهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة المساكين "

(1)

. رواه أبو داود والحاكم وقال: على شرط البخاري.

فأضاف الصدقة إلى الفطر فكانت واجبة به، لأن الإضافة تقتضي الاختصاص والسببية. وأول زمن يقع فيه الفطر من جميع رمضان مغيب الشمس من ليلة الفطر.

(فمتى وجد قبل الغروب موت) لمن تلزمه من زوجة او رقيق أو نسيب (ونحوه) أي: نحو الموت، كما لو طلق الزوجة أو عتق العبد أو أيسر النسيب أو انتقل الملك في الرقيق وكان ذلك كله قبل غروب الشمس: فلا فطره، لأنه لم تدخل ليلة الفطر إلا وقد زال السبب الموجب للفطرة. وكذا إن لم

(2)

يوجد السبب إلا بعد دخول ليلة الفطر.

ومن أمثلة ذلك ما أشير إليه بقوله: (أو أسلم) يعني: عبده الكافر أو نسيبه الفقير أو زوجته الذمية بعد دخول ليلة الفطر (او ملك رقيقا او) ملك (زوجة) بأن تزوجها بعد دخول ليلة الفطر (أو ولد له) نسيب فقير من ولد أو أخ أو غيرهما ممن تلزمه نفقته (بعده) أي: بعد دخول ليلة الفطر: (فلا فطر) عليه في جميع هذه الصور. نقل ذلك الجماعة عن الإمام أحمد " لعدم وجود سبب الوجوب.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1609) 2: 111 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر. وأخرجه الحاكم في " المستدرك " (1488) 1: 568 كتاب الزكاة.

(2)

ساقط من أ. ()

ص: 280

ومفهومه: أنه إذا وجد ذلك قبل دخول ليلة الفطر وجبت الفطرة. فمن مات في ليلة الفطر وقد وجبت عليه الفطرة قبل أدائها أخرجت من ماله. فإن كان عليه دين وله مال يفي بهما قضيا جميعا، وإن لم يف بهما قسم بينهما بالحصص.

نص أحمد على ذلك في زكاة المال. فكذا هاهنا. فإن كان عليه زكاة مال وزكاة فطرة ودين فزكاة الفطر وزكاة المال كالشيء الواحد لاتحاد مصرفهما فيحاصان الدين. وأصل هذا ان حق الله سبحانه وتعالى وحق الادمي إذا تعلقا بمحل واحد فكانا في الذمة او كانا فى العين تساويا في الاستيفاء.

(والأفضل إخراجها) أي: الفطرة (يوم العيد قبل صلاته او) قبل مضي (قدرها) أي: الصلاة، " لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بها ان تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة "

(1)

. في حديث ابن عمر.

وقال في حديث ابن عباس: " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدفات "

(2)

.

وعن أبي العالية " في هذه الاية: (قد افلح من تزكي وذكر اسم ربه فصلي) [الأعلى: 14 - 15] قال: نزلت في صدقة الفطر. يزكون ثم يصلون "

(3)

. رواه الأثرم.

(ويأثم مؤخرها عنه) أي: عن يوم العيد، لجوازها فيه كله.

لما روى الدارقطني عن ابن عمر: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال: أغنوهم في هذا اليوم "

(4)

. وهذا عام في جميعه

(5)

. ولذلك

(6)

كان النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1432) 2: 547 أبواب صدقة الفطر، باب فرض صدقه الفطر. وأخرجه مسلم في "صحيحه ") 986) 2: 679 كتاب الزكاه، باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة. وأخرجه أبو داود في " سننه " (1610) 2: 111 كتاب الزكاه، باب متى تؤدى؛

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1609) 2: 111 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر. ()

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 159 كتاب الزكلاة، قال اله تحالى:(قد افلح من تزكي وذكر اسم ربه فصلي). ()

(4)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(67) 2: 2 5 1 كتاب زكاة الفطر. ()

(5)

في ج: جميعهم. ()

(6)

في ب: ولهذا. ()

ص: 281

يقسمها بين مستحقيها بعد الصلاة. فعلم أن أمره بتقدمها على الصلاة للاستحباب. وأنه لا يأثم إلا إذا اخرها عن يوم العيد.

(ويقضي) مؤخرها عنه. فتكون بعده قضاء.

(وتكره في باقيه) أي: باقي يوم العيد بعد الصلاة.

قال في" الفروع ": وفي الكراهة بعدها وجهان. والقول بها أظهر. انتهى.

وقيل: يحرم تأخير إخراجها إلى بعد الصلاة.

وذكر صاحب " المحرر ": أن أحمد رحمه الله تعالى أوماً إليه وتكون قضاء. وجزم به ابن الجوزي في " كتاب أسباب الهداية ". ذكره عنه في " الفروع ".

(لا في اليومين قبله) أي: ولا يكره إخراجها في اليومين قبل يوم العيد؛

لما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان- وقال في اخره-: وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين "

(1)

. وهذا إشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا.

ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها. فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغني بها عن الطواف والطلب فيه.

ولأنها زكاة. فجاز تعجيلها قبل وجوبها، كزكاة المال.

(ولا تجزئ) الفطرة إذا اخرجها (قبلهما) أي: قبل اليومين اللذين يليهما العيد " لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم "

(2)

. ومتى قدمها بزمن كثير فات الإغناء المأمور به.

ولأنه مال مقصود في يوم عيد فاختص به وبما قاربه كالأضحية.

ولأن الفطر من رمضان] هو السبب أو اقوى جزأي السبب بدليل قوله في

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1440) 2: 549 أبواب صدقة الفطر، باب صدقه الفطر على الحر وا لمملوك. ()

(2)

أخرجه البجهقي في " السنن الكبرى " 4: 175 كتاب الزكاة، باب وقب إخراج زكاة الفطر. ()

ص: 282

الحديث: " فرض صدقة الفطر من رمضان "

(1)

[

(2)

. فلم يجز تقديمها عليه بالزمن الكثير.

(ومن) وجبت (عليه فطرة غيره) كزوجته وعبده وولده (اخرجها مع فطرته مكان نفسه)،لأن الفطر سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي وجد سببها وهو فيه.

قال في " الفروع ": ومن لزمه فطرة حر أو عبد فقيل: يخرجها مكانهما.

قدمه بعضهم وفاقاً لأبي يوسف. وحكي عن أبي حنيفة " لأنها كمال مزكى في غيربلد

(3)

مالكه.

وقيل: مكانه. وهو ظاهر كلامه. وفي " منتهى الغاية " نص عليه وفاقاً لأبي حنيفة ومالك

(4)

كفطرة نفسه وفاقاً، لأنه السبب لتعدد الواجب بتعدده.

واعتبر لها المال لشرط القدرة ولهذا لا تزداد بزيادته. انتهى.

(1)

سبق تخريجه في الحديب قبل السابق. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

في أ: وذلك ()

ص: 283

] فصل: في أحكام الفطرة]

(فصل) فيما يلزم في

(1)

الفطرة. (والواجب) في الفطرة (صاع بر) أي: أربعة أمداد. وذلك خمسة أرطال وثلث رطل عراقي؛ لأن المد رطل وثلث رطل وهو صاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة.

وحكمته: كفايته للفقير في أيام العيد.

(او مثل مكيله) أو مكيل البر (من تمر أو زبيب او شعير أو اقط) وهي شيء يعمل من اللبن المخيض. وقيل: من لبن الإبل فقط. نص على الأقط في رواية الجماعة.

لما روى أبو سعيد الخدري فالط: " كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، او صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط "

(2)

.] متفق عليه]

(3)

.

(أو) صاع (مجموع من ذلك) أي: من الخمسة المذكورة بأن يكون نصفه بر ونصفه تمر. أو ربعه تمر وربعه شعير وربعه زبيب وربعه أقط ونحو ذلك لنص احمد على إجزاء صاع من أجناس لأن كلا منها يجوز منفردا فكذا مع غيره لتقارب مقصودها أو اتحاده. وقاسه في " المغني " و" الشرح " على فطرة عبد مشترك إذا أخرج كل واحد من جنس. وفي " الفروع ": يتوجه تخريج من الكفارة لا تجزئ لظاهر الأخبار إلا ان نقول بالقيمة.

(1)

في أ: من. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1435) 2: 548 أبواب صدقة الفطر، باب صدقة الفطر صاع من طعام. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (985) 2: 678 كتاب الزكاه، باب زكاه الفطر على المسلمين منالتمر والشعير.

(3)

ساقط من أ. ()

ص: 284

(ويحتاط في ثقيل) كتمر (ليسقط الفرض بيقين).

ومن أخرج فوق صاع فاً جره أكثر. وحكي لأحمد عن خالد بن خداش سمعت مالكا يقول: لا يزيد فيه لأنه ليس له أن يصلى الظهر خمسا. فغضب أحمد واستبعد ذلك.

(ويجزئ دقيق بر و) دقيق (شعير وسويقهما. وهو: ما يحمص ثم يطحن بوزن حبه) نص عليه لتفرق الأجزاء بالطحن. واحتج احمد على. إجزاء الدقيق بزيادة انفرد بها ابن عيينة من حديب أبي سعيد: " أو صاعا من دقيق. قيل لابن عيينة: إن أحدا لا يذكره فيه. قال: بل هو فيه "

(1)

. رواه الدارقطنى.

قال المجد: بل هو أولى بالإجزاء؛ لأنه كفي مؤنته؛ كتمر نزع نواه.

ويجزئ الدقيق (ولو بلا نخل) لأنه بوزن حبه (كـ) ما يجزئ الحب (بلا تنقية)؛ لأنه لم يثبت فيها شيء. إلا أن أحمد قال: كان ابن سيرين يحب أن ينقى الطعام. وهو (4) إلي ليكون على الكمال ويسلم مما يخالطه من غيره، (لا خبز) فإنه لا يجوز؛ لخروجه عن الكيل والادخار. وكذا ما في معناه كالهريسة وكذا البكسماط لخروجه عن الكيل. ولا يجزئ أيضاً إخراج القيمة.

نص عليها وعلى الخبز.

(و) لا يجزئ (معيب) من الأصناف الخمسة المتقدم ذكرها؛ لقوله

سبحانه وتعالى: (ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون)] البقرة: 267].

والمعيب (كمسوس)؛ لأن السوس يأكل جوفة. (ومبلول)؛ لأن البلل ينفخه. (وقديم تغير طعمه)؛ لأن تغير طعمه عيب فيه. أما إذا لم يتغير طعمه ولا رائحته إلا أن الجديد أكثر قيمة من القديم جاز أخراجه لعدم العيب فيه.

والأفضل الجديد. (ونحوه) أي: ونحو ما تقدم من امثلة المعيب كالقديم الصغير الرائحة.

(و) لا يجزئ إخراج شيء من الأصناف الخمسة (مختلط ب) شيء (كثير

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(33) 2 " 146 كتاب زكاة الفطر. ()

ص: 285

مما لا يجزئ) كالقمح المختلط بكثير الزيوان أو بكثير العدس أو نحو ذلك؛ لأنه لا يعلم قدرما فيه من المجزئ.

(ويزاد) على الصاع (إن قل) المختلط الذي لا يجزئ (بقدره).

قال في " الفروع ": وإن قل زاد بقدرمايكون المصفى صاعا لأنه ليس عيبا لقلة مشقة تنقيته.

(ويجزئ مع عدم ذلك) أي: عدم الأصناف الخمسة (ما يقوم مقامه) اي: مقام احدها (من حب) يقتات (وتمر مكيل يقتات)؛ كالذرة والدخن والأرز والعدس والتين اليابس واشباهه؛ لأن ذلك أشبه بالمنصوص عليه. فكان أولى من غيره.

وقال ابن حامد: يجزئه إخراج كل ما يقتات من لبن ولحم وغيرها.

(والأفضل) اي: أفضل مخرج (تمر) مطلقا. نص عليه وفاقاً لمالك لفعل ابن عمر. قال نافع: " كان ابن عمر يعطي التمر إلا عاما واحدا أعوز التمر فأعطى الشعير "

(1)

. رواه احمد والبخاري.

و" قال له أبو مجلز: إن الله قد أوسع، والبر افضل. فقال: إن أصحابي سلكوا طريقا فأنا أحب ان أسلكه ". رواه احمد واحتج به.

وظاهر هذا أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر فأحب ابن عمر موافقتهم فكذلك نحن.

ولأن التمر قوت وحلاوة واقرب تناولا واقل كلفة.

(فزبيب) يعني: ان الزبيب يلي التمر في الأفضلية في الأصح؛ لأن فيه قوتا

(2)

وحلاوة وقلة كلفة. فكان أشبه بالتمر من البر.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه ") 1440) 2: 549 أبواب صدقة الفطر، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك. وأخرجه أحمد في " مسنده " (4486) 2: هـ

(2)

في أ: قوة. ()

ص: 286

(فبر)؛ لأن القياس تقديمه على الكل، لكن ترك القياس اقتداء بالصحابة في التمر، وما شاركه في المعنى وهو الزبيب.

(فأنفع) يعني: انه يلي البر في الفضيلة ما كان انفع في الاقتيات وأبلغ في

دفع حاجة الفقير.

ومع الاستواء في النفع فشعير (فدقيقهما) أي: البر والشعير (فسويقهما فأقط.

و) الأفضل (ان لا ينقص معطى) من الفطرة (عن مد بر) وهو ربع الصاع (او نصف صاع من غيره) أي: غير البر.

(ويجوز إعطاء) فقير (واحد ما على جماعة) نص على ذلك. (وعكسه) اي: إعطاء جماعة ما على واحد.

(ولإمام ونائبه رد زكاة وفطرة إلى من اخذتا منه. وكذا فقير لزمتاه) اي: الزكاة والفطرة.

قال في " شرح المقنع ": فإن دفعها إلى مستحقها فأخرجها اخذها إلى دافعها أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرقها على أهل السهمان فعادت إلى إنسان صدقته فاختار القاضي جواز ذلك. قال: لأن أحمد نص فيمن له نصاب من الماشيه والزرع أن الصدقة تؤخذ منه وترد إليه إذا لم يكن له قدر كفايته. وهو مذهب الشافعي لأن قبض الإمام أو المستحق ازال ملكه المخرج وعادت إليه بسبب اخر. اشبه ما لو عادت إليه بميراث. انتهى.

وقال أبو بكر مذهب أحمد لا. كشرائها. وجزم بقول القاضي في " التنقيح " ثم قال (المنقح: ما لم تكن حيلة) يعني: على

(1)

عدم إخراج الزكاه. والله أعلم.

(1)

ساقط من أ. ()

ص: 287

] باب: أحكام إخر اج الزكاة]

هذا (باب)

(1)

فيما يتعلق بإخراج الزكاة.

(إخراج الزكاة) بعد استقرارها (واجب فورا) أي: من غير تأخير إلا في صور تأتي في المتن؛ (كـ) وجوب الفورية في (نذر مطلق وكفارة)؛ لأن الأمر المطلق في قوله: (وءاتوا الزكاة)[البقره: 110] يقتضي الفورية. بدليل قوله سبحانه وتعالى: (ما منعك ان تسجد اذ امرتك)[الأعراف: 12]. فوبخه إذ لم يسجد حين أمر.

وروى أبو سعيد بن المعلى قال: " كنت أصلي في المسجد. فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه. ثم أتيته فقلب: يا رسول الله! إنى كنت أصلي. فقال ألم يقل الله: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) [الأنفاد: 24] "

(2)

. رواه احمد والبخاري.

ولأن السيد إذا- أمر عبده بشيء فاًهمله حسن لومه وتوبيخه عند أهل العرف ولم يقبلوا عذره بانتفاء قرينة الفورية.

ومحل ذلك (إن امكن) الإخراج؛ لأنها زكاه أمكن إخراجها فوجب على الفور. أشبه ما لو طولب بها بل أولى لأن أمر الساعي لمن وجبب عليه باًدائها يفيد الفور اتفاقا فكيف لا يفيده أمر الله سبحانه وتعالى.

ولأنه يأثم بتاً خيرها مع مطالبة الآدمي. فكذلك مع مطالبة الله سبحانه وتعالى، كالعين المغصوبة.

ولأن تجويز تأخيرها يمنع معه تأثيم من مات فجاً ة أو بغتة قبل الأداء لأنه إنما

(1)

في ب زيادة: بالتنوين. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4204) 4: 1623 كتاب التفسير، باب ما جاء في فاتحة الكتاب. وأخرجه أحمد في " مسنده " (17884) 4:121.

ص: 288

فعل ما أذن له فيه. ويمتنع أن لا يأثم لمخالفة العمومات في وعيد

(1)

من لم يؤد زكاة ماله. وإذا امتنع القسمان تعينت الفورية.

ولأن الشح يوجب الإمساك فيما طبعت عليه النفوس، وحاجة الفقير ناجزة. فإذا أخر الإخراج اختل المقصود. وربما فات بما يطرا من إفلاس أو موت او تلف أو غير ذلك.

(و) محل ذلك أيضاً إن لم يخش ضررا بأن (لم يخف رجوع سماع) عليه بها إن أخرجها من غير علمه.

(أو) يخشى بدفعها على الفور ضررا (على نفسه او ماله ونحوه) كمعيشته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار "

(2)

.

ولأنه إذا جاز تأخير دين الادمي لذلك فتاً خير الزكاة أولى.

(وله تأخيرها لأشد حاجة) ممن هو حاضر. نقله يعقوب وقيده جماعه بزمن يسير.

قال في " الإنصاف ": ويجوز أيضاً التاًخير ليعطيها لمن حاجته اشد على الصحيح من المذهب. نقل يعقوب: لا أحب تأخيرها إلا أن لا يجد قوما مثلهم في الحاجة فيؤخرها لهم. قدمه في " الرعاية " و" الفروع ".وقال: جزم به بعضهم. انتهى.

(و) يجوز تأخيرها أيضاً (لقريب وجار).

قال في " الإنصاف ": ويجوز أيضاً التأخير لقريب. قدمه في " الفروع "، وقال: جزم به جماعة. قلت: منهم ابن رزين وصاحب " الحاويين " وقدم جماعة المنع منهم صاحب " الرعايتين " و" الفائق ".

قال في " القواعد الأصولية ": وأطلق القاضي وابن عقيل روايتين في القريب

(1)

في أ: لمخالفه العمومات وعند. ()

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1 234) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يفر بجاره. قال في " الزوائد ": في إسناده جابر الجعقي، متهم.

واخرجه اخمد في " مسنده "(2867) 1: 313.

ص: 289

ولم يقيداه بالزمن اليسير. ويجوز أيضاً التأخير للجار كالقريب. جزم به في " الحاويين " وقدمه في " الفروع " وقال: ولم يذكره الأكثر. انتهى.

(و) للمالك تأخيرها الحاجته إليها إلى ميسرته). نص عليه. واحتج بحديث عمر " انهم احتاجوا عاما. فلم يأخذ منهم الصدقة فيه. واخذها منهم في السنة الأخرى "

(1)

.

(و) يجوز له أيضاً تأخيرها (لتعذر إخراجها من المال لمغيبة وغيرها إلى قدرته) عليه (ولو قدر ان يخرجها من غيره)، لأن الأصل الإخراج من عين المال المخرج عنه، والإخراج من غيره رخصة، ولا تنقلب الرخصة تضييقا. (ولإمام وساع تأخيرها عند ربها لمصلحة كقحط ونحوه). نص عليه، واحتج بحديث عمر المتقدم.

قال في " الفروع ": واحتج بعضهم بقوله صلى الله عليه وسلم عن العباس: " فهي عليه ومثلها معها "

(2)

. رواه البخاري. وكذا اوله أبو عبيد. انتهى.

(ومن جحد وجوبها) أي: الزكاة (عالما) بالوجوب (او ج أهل ا) به لكونه قريب عهد بالإسلام أو نشاً ببادية بعيدة عن القرى (وعرف فعلم وأصر) على الجحود عنادا: (فقد ارتد) عن الإسلام، لأنه مكذب لله ولرسوله.

تجري عليه أحكام المرتدين بأن يستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل.

حتى (ولو أخرجها) مع جحوده، لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهره في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

(وتؤخذ منه) إن كانت وجبت عليه لاستحقاق أهل الزكاة لها.

(ومن منعها) أي: منع الزكاة (بخلا) بها (او تهاونا) من غير أن

(1)

روى أبو عبيد في " الأموال " عن ابن أبي ذباب " أن عمر أخر الصدقة عام الرمادة. قال: فلما أحيا الناس بعثنى. فقال: اعقل عليهم عقالين. فاقسم فيهم عقالا وائتني بالاخر " 0) 981) 342 باب فرض صدقة الإبل وما فيها من السنن

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه ") 1399) 2: 534 كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى:(وفى الرقاب الغرمين وف سبيل الله).

ص: 290

يجحدها: (اخذت) منه قهرا كدين الآدمي. وكما يؤخذ منه العشر.

ولأن للإمام طلبها وكالخراج.

(وعزر) يأتي فاعله (من علم تحريم ذلك) أي: تحريم منعها (إمالم) فاعل عزر (عادل)؛ لأنه متى كان الإمام فاسقا يصرفها في غير مصارفها كان ذلك عذرا له في عدم دفعها إليه (أو) عزره (عامل) عادل لمنعه الزكاة.

(فإن غيب) ماله، (او كتم ماله، أو قاتل دونها) أي: دون الزكاه بأن قاتل الجابي لها (وامكن اخذها) منه (بقتاله) اي: بقتال الإمام له: (وجب قتاله على إمام وضعها) اي: وضع الزكاة (مواضعها)؛لاتفاق الصديق مع الصحابة على قتال مانعي الزكاة. وقال: " والله لو منعونى عناقا- وفي لفظ عقالا - كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها "

(1)

. متفق عليه.

(وأخذت) الزكاة (فقط) اي: من غير زيادة عليها على الأصح.

وعنه: تؤخذ الزكاة ومثلها معها.

وعنه: تؤخذ ويؤخذ شطر ماله الزكوي؛ لما روى بهز بن حكيم عن ابيه عن جده مرفوعا: " في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون. لا تفرق الإبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا فله اجرها. ومن منعها فإنا اخذوها وشطر إبله.

عزمة من عزمات ربنا. لا يحل لآل محمد منها شيء "

(2)

. رواه احمد والنسائي وأبو داود. وقال: شطر ماله. وهو ثابت إلى بهز وقد وثقه الأكثر.

والأول المذهب. ويجاب عن الحديث بأن ذلك كان في بدء الإسلام حيث

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6855) 6: 2657 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(20) 1: 51 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا:

لا إله إلا الله محمد رسول الله. . .

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1575) 2: 101 كتاب الزكاه، باب في زكاة السائمة.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2444) 5: 16 كتاب الزكاة، باب عقوبة ماخ الزكاة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(20030) 5: 2.

ص: 291

كانت العقوبات بالمال ثم نسخ بقوله في حديث الصديق: " ومن سئل فوق ذلك فلايعطه "

(1)

.

ولأن منع الزكاة كان في خلافة الصديق مع توفر الصحابة ولم ينقل عنهم أخذ زيادة ولا قول

(2)

بذلك.

ولأن غايته أنه ظلم بمنيع الحق. فلا يزاد عليه بذلك؛ كسائر الحقوق.

(ولا يكفر) من قاتل الإمام على الزكاة (بقتاله للإمام) على

(3)

أصح الروايتين. وإن حكمنا بكفر تارك الصلاة. وهذا قول أكثر أهل العلم.

وعنه: بلى؛ لقول ابن مسعود (ما مانع الزكاة بمسلم ". حكاه

(4)

أحمد ورواه الأثرم.

ولما روي " أن الصديق لما قاتل مانعي الزكاة وعضتهم الحرب [قالوا: نؤديها]

(5)

. قال: لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"

(6)

.

ولم ينقل عن الصحابة إنكار ذلك.

والأول المذهب؛ لما روى عبدالله بن شقيق قال: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفرا إلا الصلاة "

(7)

. رواه الترمذي.

ولأن عمر وغيره من الصحابة امتنعوا من قتال مانعي الزكاة ابتداء. ولو اعتقدوا كفرهم ما امتنعوا منه. ثم اتفقوا على القتال فبقي عدم التكفير على اعتقادهم الأول. وما ورد في التكفير بذلك معناه التغليظ ومقاربة الكفر دون

(1)

سبق تخرلجه ص (152) رقم (2). ()

(2)

في ب: قولا. ()

(3)

في ج: في. ()

(4)

في أ: رواه. ()

(5)

ساقط من ا. ()

(6)

أخرجه البيهقي قي " السنن الكبرى " 8: 335 كتاب الأشربه، باب قتال أهل الردة وما اصيب في أيديهم من متاع المسلمين. ()

(7)

أخرجه الترمذى في " جامعه ") 2622) 5: 14 كتاب الإيمان، ياب ما جاء في ترك الصلاه. ()

ص: 292

تحقيقه. ويحتمل أن كلام الصديق

(1)

كان لمن منعها جحودا أولحق ب أهل الردة منهم. فقد كان فيهم طائفة كذلك. والله أعلم.

(وإلا) أي: وإن لم يمكن أخذها من مانعها بوجه وهو في قبضة الإمام (استتيب ثلاثة أيام) لأنها من مبانى الإسلام فيستتاب تاركها كالصلاة (فإن) تاب بأن (أخرج) الزكاة. (وإلا قتل) لاتفاق الصحابة على قتال مانعها (حدا) لما تقدم من

(2)

أنه لا يكفر بذلك، (واخذت) الزكاة (من تركته) لأن القتل لا يسقط دين الادمي. فكذا الزكاة.

(ومن) طولب بالزكاة فـ (ادعى اداءها) لمستحقها: صدق بلا يمين.

(أو) ادعي (بقاء إلحول) أي: أنه لم يحل الحول على ماله. (أو) ادعى (نقص النصاب. أو) ادعى (زوال ملكه) عن النصاب في أثناء الحول. (او) ادعى (تجدده) أي: تجدد ملكه على النصاب (قريبا. أو) ادعى (ان ما بيده) من المال الزكوي (لغيره. أو) ادعى (أنه) أي: مال السائمة (مفرد. أو) أنه (مختلط ونحوه) مما يمنع وجوب الزكاة او نقصانها كما لو طولب بزكاة عرض تجارة فادعى انه نواه للقنية أو بزكاة سائمة فادعى أنه علفها زمنا يمنع معه وجوب الزكاة. (او أقر بقدر زكاته ؤلم يذكر قدر ماله): لم يسأل عن شيء و (صدق بلايمين). نقل حنبل: لا يسئل المتصدق عن شيء، ولا يبحث. إنما يأخذ ما أصابه مجتمعا.

ولأنها عبادة مؤتمن عليها فلا يستحلف كالصلاة والكفارة. بخلاف الوصية للفقراء بمال. وهذا المذهب.

وقال ابن حامد: يستحلف في ذلك كله.

وفي " الفروع ": يتوجه احتمال إن اتهم.

وفي " الأحكام السلطانية ": إذا رأى السامل ان يستحلفه فعل. وان نكل لم

(1)

في ج زيادة: كله. ()

(2)

ساقط من ا. ()

ص: 293

يقض عليه بنكوله.

وقيل: بلى.

وكذا الحكم إن مر بعاشر وادعى أنه عشره عاشر أخر.

قال أحمد: إذا أخذ منه المصدق كتب له براءة. فإذا جاء اخر أخرج إليه براءته.

قال القاضي: وإنما قال ذلك لتنتفي التهمة عنه.

(ويلزم) بالإخراج (عن) مال (صغير ومجنون وليهما) في ما لهما. نص عليه كما يجب عليه صرف النفقة الواجبة؛ لأن ذلك حق تدخله النيابة. فقام الولي فيه مقام المولى عليه، كالنفقات والغرامات.

ومحل ذلك: إذا كان كل من الصغير والمجنون حرا مسلما تام الملك.

وذلك لأن نية الصغير ضعيفة والمجنون لا تتحقق منه نية الزكاة مع وجوب الزكاة في مالهما؛ لما تقدم من أنه ليس من شرط وجوب الزكاة بلوغ ولا عقل.

(وسن) لمخرج الزكاة (إظهارها).

قال في " الفروع ": ويستحب إظهار إخراجها في الأصح.

(و) سن أيضاً (تفرقة ربها) أي: رب الزكاة (بنفسه) ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها. وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة.

قال احمد: أعجب

(1)

إلي ان يخرجها.

ومما يدل لذلك قوله سبحانه وتعالى: (ان تبدوا الصدقات .... .) الاية [البقرة: 271] وكالدين.

لكن (يشترط امماثقه) أي: امانة رب المال لأنه إن لم يثق بنفسه في إخراج جميعها كان دفعها إلى الساعي أفضل، لأنه ربما يمنعه الشح المطبوعة عليه النفوس من تأخير شيء منها.

(1)

في أ: أحب. ()

ص: 294

(و) سن أيضاً (قوله) اي: قول رب المال (عند دفعها) اي: دفع زكاة ماله (اللهم! اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما)، لخبر ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها ان تقول: اللهم! اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما "

(1)

. رواه ابن ماجه من رواية البختري بن عبيد وهو ضعيف.

قال بعضهم: ويحمد الله تعالى على توفيقه لأدائها. ومعناه الدعاء كاً نه قال: اللهم! اجعلها مثمرة لا منقصة " لأن التثمير كالغنيمة والتنقيص كالغرامة.

(و) سن أيضاً (قول اخذ) الزكاة: (آجرك الله فيما اعطيت وبارك لك فيما ابقيت وجعله لك طهورا)، لأنه ماًمور بالدعاء في قوله تعالى:(خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بهاوصل عليهم)[التوبة: 103] اي: ادع لهم.

قال عبدالله بن أبي أوفى: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: اللهم! صل على ال فلان. فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم! صل على ال أبي أوفى "

(2)

. متفق عليه.

وهو محمول على الندب. ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم سعاته بالدعاء لمن اخذوا منه الزكاة.

واجاب؛ بعض العلماء بان دعاءه صلى الله عليه وسلم سكن لهم. بخلاف غيره.

وفي " أحكام القاضي ": على العامل إذا أخذ الزكاة أن يدعو ل أهل ها.

قال في " الفروع ": و" على " ظاهر في الوجوب. وأوجبه الظاهرية وبعض الشافعية. وقد ذكره صاحب " المحرر" في قوله: وعلى الغاسل ستر ما راه.

] ونظير ذلك: (وعلى الوارث مثل ذلك)] البقرة: 233]

(3)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1797) 1: 573 كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة. قال في " الزوائد ": في إسناده الوليد بن مسلم الدمشمي، وكان مدلسا، والبختري متفق على ضعفه.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(998 5) 5: 2339 كتاب الدعوات، باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(78 0 1) 2: 6 5 7 كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة.

(3)

ساقط من أ.

ص: 295

وفي باب الحروف من " العده " و" التمهيد ": أن على للإيجاب.

وفي " الصحيحين " من حديب أبي موسى " على كل مسلم صدقة "

(1)

.

و" فيهما " من حديث أبي هريرة " كل سلامى من الناس عليه صدقة "

(2)

.

قال في " شرح مسلم ": قال العلماء: صدقة ندب لا إيجاب. انتهى.

(وله دفعها) أي: لرب المال دفع زكاته (إلى الساعي).

وعند أبي الخطاب أنه أفضل من تفرقتها بنفسه.

قال في " شرح المقنع ": ولا يختلف المذهب أن دفعها للإمام جائز. سواء كان عدلا أو غير عدل وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة. ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الإمام أو لا. أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها. انتهى.

و" قيل: لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور.

فقال: ادفعها إليهم ". حكاه عنه أحمد.

وفي لفظ عنه: " ادفعوها إلى من غلب "

(3)

.

وفي لفظ اخر: " ادفعوها إلى الأمراء وإن كرعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم "

(4)

. رواهما عنه أبو عبيد.

وقال أحمد في رواية حنبل: كانوا يدفعون الزكاة إلى الأمراء وهؤلاء

(1)

أخرجه البخاري في " صحححه "(1376) 2: 524 كتاب الزكاة، باب على كل مسلم صدقه فمن لم يجد فليعمل بالمعروف.

وأخرجه مسلم في " صحيحه ") 08 0 1) 2: 699 كتاب الزكاة، باب بييان أن اسم الصدقة يقيع على كل

نوع من المعروف.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه ") 2560) 2: 964 كتاب الصلح، باب فضل الإصلاح بين الشاس والعدل بينهم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه ") 09 0 1) 2: 699 كتاب الزكاة، باب بييان أن اسم الصدقة يقيع على كل

نوع من المعروف.

(3)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال ") 1830) 511 باب دفع الصدقة إلى الأمراء. . . ()

(4)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(1798) 506 باب دفع الصدقة إلى الأمراء ()

ص: 296

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرون بدفعها. وقد علموا فيما ينفقونها فما أقول أنا وقال في " الفروع ": ويجوز الدفع إلى الخوارج والبغاة. نص عليه في الخوارج إذا غلبوا على بلد واخذوا منه العشر وقع موقعه.

وقال القاضي في موضع: هذا محمول على أنهم خرجوا بتأويل.

وقال في موضع اخر: إنما يجزئ أخذهم إذا نصبوا لهم إماما. وظاهر كلامه في موضع من " الأحكام السلطانية " لا يجزئ الدفع إليهم اختيارا.

وعنه: التو قف. انتهى.

ص: 297

] فصل: في شروط إخراج الزكاة]

(فصل. ويشترط لإخراجها) اي

(1)

: الزكاة (نية من مكلف)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "

(2)

.

ولأنها عبادة يتكرر وجوبها. فافتقرت إلى تعيين النية، كالصلاة.

ولأنه مامور بالزكاة. فإذا لم يقصدها لم يكن ممتثلا فيبقى في عهدة الأمر لأن صرف المال إلى الفقير له جهات من زكاة وكفارة ونذر وصدقة تطوع ولا قرينة تعين فاعتبرت نية التمييز.

والنية هنا: أن ينوي انها زكاة ماله أو زكاة من يخرج عنه من صبي او مجنون.

ومحلها القلب، لأنه محل الاعتقادات كلها.

(إلا ان تؤخذ) الزكاة منه (قهرا) فإنها تجزئ من غير نية رب المال في الظاهر بلا تردد. بمعنى انه لا يؤمر باًدائها ثانيا.

(او يغيب ماله) تم يطلع عليه. فتؤخذ منه. فإنها تجزئه أيضاً من غير نية، كالمأخوذة قهرا.

وقال ابو الخطاب وابن عقيل: لا يجزئه فيهما إلا بنية.

(او يتعذر وصول إلى مالك) للمال المزكى (بحبس، ونحوه)، كاًسير (فيأخذها الساعي) من المال. فإنها تجزئ ظاهراً في المسألتين الأوليين.

(وتجزئ) ظاهراً و (باطنا في) المسالة (الأخيرة فقط) وهي ما إذا تعذر

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1) 1: 3 بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنية".

ص: 298

الوصول إلى المالك وأخذها الساعي من المال.

(والأولى قرنها) أي: قرن النية (بدفع وله تقديمها بـ) زمن

(1)

(يسير كصلاة فينوي الزكاة او الصدقة الواجبة أو صدقة المال او الفطر، ولا يجزئ إن نوى صدقة مطلقة ولو تصدق بجميع ماله) كما لو نوى صلاة مطلقة فإنها لا تجزئ عن الفرض.

(ولا تجب نية فرض) للاكتفاء بنية الزكاة فإنها لا تكون إلا فرضا.

(ولا) تجب أيضاً (تعيين) مال (مزكى عنه) على المذهب.

] وفي تعليق القاضي: وجه تعتبر نية التعيين إذا اختلف المال " مثل شاة عن خمس من الإبل وأخرى عن أربعين من الغنم، ودينار عن نصاب تالف، واخر عن نصاب قائم وصاع عن فطره واخر عن عشر الزكاة.

(فلو نوى) على المذهب [

(2)

الزكاة (عن ماله الغائب و) انه (إن كان تالفا) أي: تبين تلفه (فعن الحاضر: أجزا عنه) أي: عن الحاضر (إن كان الغائب تالفا). بخلاف الصلاة لاعتبار التعيين فيها.

(وإن أدى قدر زكاة أحدهما) اي: أحد النصابين اللذين هما الحاضر والغائب: (جعلها لأيهما) اي: أي النصابين (شاء، كتعيينه ابتداء) أنها عن الحاضر مثلا.

(وإن لم يعين) واحدا منهما (اجزا عن احدهما.

ولو نوى) بالزكاة (عن) المال (الغائب فبان) الغائب (تالفا لم: يصرف) أي: لم يكن له صرفه في هذه الحالة (إلى غيره) وفاقاً للأئمة الثلاثة، كعتق في كفارة معينة فلم تكن لأن النية لم تتناوله.

(وإن نوى) بالزكاة (عن الغائب إن كان سالما) فبان سا لما: أجزأته عنه.

(او نوى) عن الغائب إن كان سالما، (وإلا) اي: وإن لم يكن سالما

(1)

زيادة من ج. ()

(2)

ساقط من أ. كما سقطت عبارة: (فلو نوى) على المذهب الزكاة، من ب. ()

ص: 299

(ف) هي (نفل) فبان الغائب سالما: (اجزأ) الدفع؛ لأن ذلك في حكم الإطلاق فلا يضر تقييده به.

قال في " الفروع ": وقال ابو بكر: لا يجزئه لأنه لم يخلص النية للفرض؛ كمن قال: هذه زكاة مالي او نفل. او قال: إن كان مات مورثي فهذه زكاة إرثي منه لأنه لم يبن على أصل.

قال الموفق وغيره: كقوله ليلة الشك إن كان غدا من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل. وقال صماحب " المحرر " كقوله: إن كان وقت الظهر دخل فصلاتي هذه عنها.

وقال غير واحد: لو قال في الصلاة إن كان الوقت دخل ففرض وإلا فنفل فعلى الوجهين.

وقال أبو البقاء: فيمن بلغ في الوقت التردد في العبادة يفسدها. ولهذا لو صلى ونوى إن كان الوقت قد دخل فهي فريضة وإن لم يكن قد دخل فهي نافلة لم تصح له فرضا ولا نفلا. انتهى.

(وإن نوى) با لزكاة (عن) النصاب (الغائب إن كان سالما وإلا) أي: وإن لم يكن سالما (فأرجع) بالزكاة: (فله الرجوع إن بان تالفا). ذكره أبو المعالي على قول الرجوع في التلف.

قال: ولو أعتق عبده من كفارته فلم يجزئه لعيبه عتق ولزمه بدله. فإن قال: عتقته عن كفارتي وإلا رددته إلى الرق إن لم يكن مجزءا فله رده إلى الرق.

قال في " الفروع ": ثم فرق بينه وبين مساًلة الصوم المذكورة على الأصح فيها: بأن الأصل عدم دخول وقت الصوم وهنا الأصل بقاء المال ووجوب الزكا ة.

ومن شك في بقاء ماله الغائب لم يلزمه الإخراج عنه. وكذا إن علم بقاءه وقلنا الزكاة في العين، وإن قلنا في الذمة فوجهان. وظاهر اختياره في " المستوعب " في فائدة تعلقه بالعين او الذمة أنه يلزمه. انتهى.

ص: 300

(وإن وكل) رب المال (فيه) أي: إخراج الزكاة (مسلما ثقة) نصا مكلفا ذكرا أو أنثى: (اجزأت نية موكل) فقط (مع قرب) زمن (إخراج) من زمن توكيل " لأن الموكل هو الذي عليه الفرض. وتأخر الأداء عن النية بالزمن اليسير جائز.

(وإلا) أي: وإن لم يقرب زمن الإخراج من زمن التوكيل (نوى) موكل و (وكيل ايضا) " لئلا يخلو الدفيع إلى المستحق عن نية مقارنة أو مقاربة. ولو نوى الوكيل دون الموكل لم تجزئ، لتعلق الفرض بالموكل ووقوع الإجزاء عنه. وإن دفع الزكاة إلى الإمام من هي عليه ناويا بدفعه الزكاة ولم ينو الإمام حال دفعه إلى الفقراء جاز، وإن طال الزمن لأنه وكيل الفقراء.

(ومن علم أهلية آخذ) للزكاة (كره أن يعلمه) أنها زكاة. نص عليه وقال لم يبكته؟ يعطيه ويسكت. ما حاجته إلى ان يقرعه؟.

وعنه: ليس بمكروه ولا مستحب.

وقيل: يستحب إعلامه.

وقيل: لا بد منه.

(ومع عدم عادته) أي: عادة الأخذ (بأخذها: لم يجزئه) دفعها له (إلا أن يعلمه).

قال في " الإنصاف ": فأما إذا كان من عادته أنه لا ياً خذ الزكاة فلا بد من إعلامه فإن لم يعلمه لم يجزئه.

قال المجد في " شرحه ": هذا قياس المذهب عندي واقتصر عليه وتابعه في " الفروع "؛ لأنه لا يقبل زكاة ظاهراً. انتهى.

ص: 301

[فصل: في قسم الصدقة في بلدها]

(فصل. والأفضل جعل زكاة كل مال في فقراء بلده).

ويجوز نقلها إلى دون مسافة قصر من بلد المال. نص عليه، لأنه في حكم بلد واحد. بدليل الأحكام ورخص السفر.

(مالم تتشقص زكاة سائمة فـ) تخرج

(1)

(في بلد واحد) كما لو كان له عشرون شاة مختلطة مع عشرين لآخر في بلد وعشرون أخرى مختلطة مع عشرين لآخر في بلد آخر: فإن عليه في كل خلطة نصف شاة فيخرج شاة في أي: البلدين.

(ويحرم) في غير هذه الصورة وهي صورة التشقيص (مطلقاً نقلها) أي: سواء كان النقل لرحم أو شدة حاجة أو لثغر أو غير ذلك (إلى بلد تقصر إليه الصلاة) من بلد المال حيث كان ببلد الوجوب مستحق، لـ " قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقراءهم "

(2)

. وظاهره عود الضمير إلى أهل اليمن.

وعن طاووس قال في كتاب معاذ: " من خرج من مخلاف إلى مخلاف [فإن صدقته]

(3)

وعشره في مخلاف عشيرته "

(4)

. رواه الأثرم.

وروى عمرو بن شعيب " أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند، إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم قدم إلى عمره

(5)

. فرده على ما كان عليه. فبعث إليه معاذٌ بثلث صدقة الناس. فأنكر ذلك عمر، وقال: لم أبعثك جابياً

(1)

زيادة من ج.

(2)

سبق تخريجه ص (147) رقم (2).

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه الييهقي في " السنن الكبرى " 7: 9 كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم وفي بلدهم من يستحقها.

(5)

في أ: على.

ص: 302

لا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك شيئاً وانا أجد أحداً يأخذها مني. فلما كان العام الثانى بعث إليه شطر الصدقة. فتراجعا بمثل ذلك. فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها. فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل. فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً "

(1)

. رواه أبو عبيد في " الأموال ".

وإنكار عمر دليل على المنع من ذلك. وأخذه مع ما أجاب به معاذ يدل على

أنه إذا فضل عن مستحق بلد المال شيء أو لم يكن به مستحق يجوز النقل. وعلى هذا يحمل كل حديث جاء بالنقل.

(وتجزئ) يعني: أنه متى نقل الزكاة مع حرمة النقل وأخرجها في غير بلد

المال فإنها تجزئه على الأصح. وهو قول أكثر أهل العلم؛ لأنه دفع الحق إلى مستحقيه. فبرئ؛ كالدين. وكما لو فرقها ببلد المالى المزكى

(2)

.

(لا) نقل الزكاة إلى بلد (دونه) أي: دون ما تقصر إليه الصلاة. فلا يحرم؛ لما تقدم من أن

(3)

ذلك في حكم البلد الواحد. والحكمة في حرمة النقل إلى البلد البعيد لأن فقراء أهل كل مكان إنما يعلم بهم غالباً أهله ومن قرب منهم وأطماعهم

(4)

تتعلق بزكاة مال البلد، ولهم حرمة الجوار وقرب الدار. فمنع من النقل ليستغنوا بها غالباً. ويؤيد ذلك ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أيما أهل عرصه أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله عز وجل "

(5)

. رواه أحمد في " مسنده ".

(ولا) يحرم نقل (نذر وكفارة ووصية مطلقة) أي: لم يخصها الموصي بمكان في الأصح. والفرق بين ذلك وبين الزكاة أن الزكاة مواساة راتبة في المال. فكانت لجيران المال. بخلاف النذر والكفارة والوصية.

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(1911) 528 باب قسم الصدقة في بلدها وحملها () إلى بلد سواه. . .

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

في ب: وأطباعهم. ()

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(4880) 2: 48. ()

ص: 303

(ومن) وجبت

(1)

عليه زكاة وهو (ببادية أو، خلا بلدُه عن مستحق) للزكاة،

أو كان بها مستحق وفضل عنه زكاة: (فرقها بأقرب بلد منه)؛ لأنهم أولى.

قال أحمد في رواية صالح: لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في أثنائها. ويبدأ بالأقراب فالأقرب.

(ومُؤنة نقل) لزكاة مع حله أوحرمته. (و) مُؤنة (دفع: عليه) أي: على

من وجبت عليه الزكاة؛ (كـ) ما أن عليه مُؤنة (كيل) لما يكال (ووزن) لما يوزن؛ لأن عليه تسليمها لمستحقها كاملة من غير أن يحتسب على المستحق بمُؤنة نقل أو كيل أو وزن.

ولأن ذلك كله من تمام التوفية.

(ومسافر بالمال) الزكوي (يفرقها) أي: يفرق زكاة ذلك المال (ببلد أكثر إقامته) أي: إقامة رب المال (به) أي: بالمال (فيه) أي: في ذلك البلد نصاً. قال أحمد في رواية يوسف بن موسى: في الرجل يغيب عن أهله فتجب عليه الزكاة: يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه. ونقل نحوه صالح وإسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن بختان.

فال في " شرح الهداية ": فظاهر هذا أن البلد الذي يختص بالتفرقة ما كان المال به كل الحول أو أكثره دون ما نقص عن ذلك؛ لأن الأطماع إنما تتعلق به غالباً بمضي زمن الوجوب أو ما قاربه. انتهى.

(ويجب على الإمام بعث السعاة قرب) زمن (الوجوب لقبض زكاة) المال (الظاهر) كالسائمة والزرع والثمار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده رضي الله تعالى عنهم كانوا يفعلونه. ومن الناس من لا يزكي ولا يعلم ما عليه. ففي إهمال ذلك ترك للزكاة.

قال في " الفروع ": ولم يذكر جماعة هذه المسألة فيؤخذ منه لا تجب. ولعله أظهر.

(1)

في أ: وجب. ()

ص: 304

ويجعل حول الماشية المحرّم، لأنه أول السنة. وتوقف أحمد في ذلك. وميله إلى شهر رمضان.

ويستحب أن يعد الماشيه على أهلها على الماء أو في أفنيتهم للخبر. وإن أخبره صاحب الماء بعدده قَبِل منه ولا يحلفه كما سبق.

وإن وجد مالاً لم يحل حوله فإن عجل ربه زكاته وإلا وكل ثقة بقبضها ثم يصرفها في مصرفها. وله جعل ذلك إلى رب المال إن كان ثقة. وإن لم يجد ثقة فقال القاضي: يؤخرها إلى العام الثانى.

وقال الآمدي: لرب المال أن يخرجها.

وقال في " الكافي ": إن لم يعجلها فإما أن يوكل من يقبضها منه عند حولها

وإما أن يدخرها إلى الحول الثانى.

وإذا قبض الساعي الزكاة فرقها في مكانه وما قاربه. فإن فضل منه شيء حمله وإلا فلا كما سبق.

وللساعي بيع مال الزكاة من ماشية وغيرها لحاجة أو مصلحة وصرفها في الأحظ للفقراء أو حاجتهم حتى في إجارة مسكن.

وإن باع لغير حاجة ومصلحة فذكر القاضي لا يصح لأنه لم يؤذن له فيضمن قيمة ما تعذر رده.

وقيل: يصح. قدمه بعضهم، لما روى أبو عبيد في " الأموال " عن قيس بن

أبي حازم " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقه ناقة كوماء. فسأل عنها المصدق. فقال: إنى ارتجعتها بإبل فسكت ".

ومعنى الرجعة: أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها. انتهى.

(وسُنّ لى) أي: للإمام إذا حصل عنده ماشية من زكاة أو جزية (وسم ما حصل من إبل وبقر في افخاذها)؛ لما روى أنس قال: " غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 305

بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه. فوافيته في يده الميسم، يسم إبل الصدقة "

(1)

. متفق عليه.

(و) وسم ما حصل من (غنم في آذانها)؛ لما في رواية أحمد وابن ماجه

" وهو يسم غنماً في آذانها "

(2)

. وإسناده صحيح.

ولأن الحاجة تدعو إلى الوسم لتتميز عن الضوال إذا شردت.

وخص الفخذ والأذن بالوسم لخفته وقلة ألمه فيهما.

(فعلى زكاة) الوسم (لله أو زكاة. وعلى جزية) الوسم (صغار أو جزية). وذكر أبو المعالي أن الوسم بحناء أو قير أفضل.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1431) 2: 546 كتاب الزكاة، باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2119) 3: 1674 كتاب اللباس والزينة، باب جواز وسم الحيوان غير الآدمي في غير الوجه، وندبه في نعم الزكاة.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3565) 2: 1180 كتاب اللباس، باب لبس الصوف.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(12773) 3: 171.

ص: 306

] فصل: في تعجيل الزكاة]

(فصل. ويجزئ تعجيلها) أي: تعجيل الزكاة (لحولين) على الأصح؛

لما روى أبو عبيد في " الأموال " بإسناده عن علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين "

(1)

.

ويعضده رواية مسلم " فهي عليَّ ومثلها "

(2)

.

ولأن ذلك تعجيل لزكاة نصاب بعد وجوده فأشبه ما لو عجل لعام واحد.

(فقط) أي: لا لأكثر من حولين.

قال ابن عقيل: لا تختلف فيه الروايه

(3)

اقتصاراً على ما ورد. وحكى في

" الفروع " رواية أنه يجوز لأكثر؛ كتقديم الكفارة قبل

(4)

مدة الحنث بأعوام. ومحل جواز التعجيل (إذا كمل النصاب)؛ لأنه سببها. فلم يجز تقديمها عليه؛ كالتكفير قبل الحلف.

قال في " المغني ": بغير خلاف نعلمه.

و (لا) يجوز تعجيلها (عما يستفيده) النصاب. نص عليه؛ لأنه عجّل زكاة ما ليس في ملكه. فلم يوجد السبب.

وعنه: تجزئ عما يستفيده لوجود

(5)

سبب الزكاة في الجملة.

(أو عن معدن) يعني: أنه لا يجوز إخراج الزكاة معجلة عن معدن (أو ركاز

أو زرع قبل حصول) أي: تحصيل ما أخرج عنه من معدن أو ركاز أو زرع (أو)

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(1885) 523 باب تعجيل الصدقة، وإخراجها () قبل أوانها.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(983) 2: 666 كتاب الزكاة، باب في تقديم الزكاة () ومنعها.

(3)

في أ: الروايات فيه. ()

(4)

ساقط من أ. ()

(5)

في ب: لوجوب. ()

ص: 307

زكاة تمر قبل (طلوع طلع أو) زكاة زبيب قبل طلوع (حصرم)، لأن ذلك تقديم للزكاة قبل وجود سببها. فأما تعجيل زكاة الزرع بعد نباته وتعجيل زكاة التمر بعد طلوع طلعه وتعجيل زكاة الزبيب بعد طلوع حصرمه فجائز ومجزئ في الأصح؛ لأن وجود الزرع وإطلاع النخل وخروج الحصرم بمنزلة ملك النصاب، والإدراك بمنزلة حولان الحول. فجاز تقديمها عليه. وتعليق الزكاة بالإدراك لا يمنع جواز التعجيل. بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بدخول شوال ويجوز تعجيلها قبله. (وإن تم الحول والنصاب ناقص قدر ما عجله: صح) التعجيل وأجزأه ما

عجله؛ لأن حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به. فلو زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول: أجزأ المعجل

(1)

زكاته. فإن نقص أكثر مما عجله نقص بذلك عن كونه سببا للزكاة؛] مثل: من له أربعون شاة فعجل شاة ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سببا للزكاة [

(2)

. وإن زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب: استأنف الحول من حين كمل النصاب ولم يجزئه

(3)

ما عجله. (فلو عجل من مائتي شاة) شاتين (فنتجت عند الحول سخلة: لزمته) شاة (ثالثة) " لأن ما عجله بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به.

ولأنها لو لم تعجل كان عليه شاتان. فكذلك إذا عجلت لأن التعجيل إنما

كان رفقاً بالمساكين فلا يصير سبباً لنقص حقوقهم. والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الوجود في ماله. وهذا في

(4)

حكم الموجود في الإجزاء عن الزكاة.

(ولو عجل عن ثلاثمائة درهم) من الفضة (خمسة منها ثم حال الحول:

لزمه أيضاً درهمان ونصف) نصاً. نقله مهنا.

(ولو عجل عن ألف) من دراهم الفضة (خمسة وعشرين منها ثم ربحت

(1)

في أزيادة: عن. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

في أ: يجز. ()

(4)

ساقط من أ. ()

ص: 308

خمسة وعشرين) درهماً: (لزمه زكاتها) أي: زكاة الدراهم التي ربحتها الألف وهي خمسة وعشرون.

ومن عجل من خمسة عشرة من الإبل وعن نتاجها أيضاً بنت مخاض فنتجت مثلها: فا لأشهر لا يجزئه ويلزمه بنت مخاض. وله استرجاع المعجلة.

ولو عجل مسنة عن ثلاثين بقرة ونتاجها فالأشهر لا تجزئه

(1)

عن الجمع بل

عن ثلاثين وليس له ارتجاعها ويخرج للعشر ربع مسنة.

ولو عجل عن أربعين شاة شاة ثم أبدل الأربعين بمثلها أو نتجت أربعين سخلة ثم ماتت الأمات أجزأ المعجل عن البدل والسخال؛ لأنها تجزئ مع بقاء الأمات عن الكل فعن أحدهما أولى.

(ويصح) التعجيل (عن أربعين شاة لا منها) اي: لا من الأربعين

(لحولين. ولا لـ) لحول (الثانى فقط) أي: دون الأول، ولو كان الشاتان منها. (وينقطع الحول) أي: حول الأربعين بإخراج الشاتين

(2)

منها للحولين أو الشاة الواحدة للحول الثانى.

وقد علم مما تقدم أنه إذا أخرج منها شاة للحول الأول أنه يصح التعجيل ولا ينقطع الحول.

(وإن مات قابض) زكاة (معجلة المستحق) قبضها لفقره أو غيره (أو ارتد) قابض المعجلة (أو استغنى قبل) مضي (الحول) الذي تعجل زكاته: (أجزأت) الزكاة عمن عجلها؛ لأنها حق أداه إلى مستحقه. فبرئ منه؛ كالدين إذا عجله قبل أجله.

(لا إن دفعها) أي: دفع رب المال الزكاة المعجلة (إلى من يعلم غناه فافتقر) قبل الحول أو عنده. فإنها لا تجزئه؛ لأنه لم يدفعها إلى مستحقها. أشبه ما لو لم يفتقر.

(1)

في أزيادة: بنت مخاض. ()

(2)

في ب: الشاتان. ()

ص: 309

(وإن مات معجل) لزكاته (أو ارتد أو تلف النصاب) المعجل زكاته (أو نقص) قبل الحول: (فقد بان المخرج غير زكاة)؛ لانقطاع الوجوب بذلك. وقيل: إن مات المعجل بعد أن عجل وقعت الموقع وأجزأت عن الوارث. (ولارجوع) لمعجل بشيء مما عجله (إلا فيما بيد ساع عند تلف) أي:

في صورة ما إذا أتلف النصاب.

وقيل: يملك الرجوع مطلقاً. اختاره ابن حامد وابن شهاب وأبو الخطاب؛

كما لو كانت بيد الساعي عند التلف. وقطع الموفق وغيره عن ابن حامد أنه إن كان الدافع لها الساعي رجع مطلقاً، وإن كان رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها، وإن أطلق لم يرجع.

وقال جماعة: على هذا القول: إن كان الدافع ولي رب المال رجع مطلقاً،

وإن كان رب المال ودفع إلى الساعي مطلقاً رجع فيها ما لم يدفعها الساعي

(1)

إلى الفقير، وإن دفعها الساعي

(2)

إليه فهو كما لو دفع إليه رب المال.

ومتى أراد وارث المعجل بعد موته الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز.

وقيل: يجوز بناء على ما لوعجل عن عامين.

والفرق أن التعجيل وجد عن نفسه مع حول ملكه وهنا أخرجها غيره عن نفسه

بلا ولاية ولا نيابة. فلم يجز.

ولو تعمد المالك إتلاف النصاب أو بعضه بعد التعجيل غير قاصد الفرار من الزكاة فحكمه حكم ما لو تلف بغير فعله في الرجوع وعدمه في الأصح، كما لو سأل الفقير الساعي قبضها، أو قبضها الساعي لحاجة صغارهم، وكما بعد الوجوب.

ولو استسلف الساعي الزكاة فتلفت في يده من غير تفريط ما لم يضمنها، وكانت من ضمان الفقراء. سواء سأله الفقراء ذلك، أو رب المال، أو لم يسأله

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

ساقط من أ. ()

ص: 310

أحد في الأصح.

ويشترط لملك الفقير لها وإجزائها عن ربها قبضه. فلو عزلها فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه بدلها.

ولا يجزئه إن غدى الفقراء أو عشاهم.

ولا يصح تصرف الفقير فيها قبل قبضها. نص عليه. فلو قال الفقير لرب المال: اشتر لي بها ثوباً ولم يقبضها منه ففعل لم تجزئه. وكان الثوب للمالك. ولو تلف كان من ضمانه.

(ومن عجل) الزكاة (عن ألف) من الدراهم (يظنها) أي: يظن الدراهم كلها (له. فبانت) الدراهم التي يملكها (خمسمائة: أجزأ) ما عجله (عن عامين)؛ لتبين عدم وجوب زكاة الألف، وأنه دفع زيادة على ما وجب عليه. (ومن عجل) الزكاة (عن أحد نصابيه ولو) كان الواجب (من جنس) واحد. (فتلف) النصاب المخرج عنه:(لم يصرفه إلى) النصاب (الآخر) وفاقا للأئمة الثلاثة، كما لو عجل شاة عن خمس من الإبل فتلفت وله أربعون شاه لم تجزئه عنها.

وفي " تخريج القاضي ": من له ذهب وفضة وعروض فعجل عن جنس منها

ثم تلف صرفه إلى الآخر.

(ولمن أخذ الساعي منه) أي: ممن عليه زكاة (زيادة) عما عليه من الزكاة (أن يعتد) المأخوذ منه الزيادة (بها) أي: با لزيادة (من) سنة (قابلة) نص عليه أحمد. وقال: يحتسب ما أهداه للعامل من الزكاة أيضاً.

وعنه: لا يعتد بذلك.

قال في " الفروع ": قدم هذا الإطلاق غير واحد. وجمع الشيخ - يعني: الموفق- بين الروايتين: فقال: إن كان نوى المالك التعجيل اعتد به وإلا فلا. وحملها على ذلك. وحمل صاحب " المحرر " رواية الجواز على أن الساعي أخذ الزيادة بنية الزكاة إذا نوى التعجيل. وإن علم أنها ليست عليه وأخذها لم

ص: 311

يعتد بها على الأصح لأنه أخذها غصباً. قال: ولنا رواية أن من ظلم في خراجه يحتسبه من العشر أو من خراج آخر. فهذا أولى. ونقل عنه حرب في أرض صلح يأخذ السلطان منها نصف الغلة: ليس له ذلك. قيل له: فيزكي المالك عما بقي في يده؟ قال: يجزئ ما أخذه السلطان عن الزكاة- يعني: إذا نوى به المالك -. وقال ابن عقيل وغيره: إن زاد في الخرص هل يحتسب بالزيادة من الزكاة؟

فيه روايتان. قال: وحمل القاضي المسألة أنه يحتسب بنية المالك وقت الأخذ] وإلا لم يجزئه.

وقال شيخنا: ما أخذه باسم الزكاة ولو فوق الواجب بلا تأويل اعتد به]

(1)

وإلا فلا.

وفي " الرعاية ": يعتد بما أخذه.

وعنه: بوجه سائغ.

وعنه: لا. وكذا

(2)

ذكره ابن تميم في آخر فصل شراء الذمي لأرض عشرية. وقدم لا يعتد به. انتهى.

(1)

ساقط من ب. ()

(2)

ساقط من أ. ()

ص: 312

] باب: أهل الزكاة]

هذا (باب) يذكر فيه أصناف الزكاة، ومن يجزئ الدفع إليه منهم، ومن

لا يجزئ الدفع إليه

(1)

، ومن يباح له السؤال، وحكم صدقة التطوع.

(أهل الزكاة ثمانية) أي: أن أصناف جهة دفع الزكاة كلها ثمانية. فلا يجوز صرفها في غيرهم من بناء المساجد والقناطر وسد الثبوق وتكفين الموتى ووقف المصاحف وغير ذلك من جهات الخير. وذلك لقوله

(2)

سبحانه وتعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل)] التوبة: 60 [. وكلمة إنما: تفيد الحصر. فتثبت المذكورين وتنفي من عداهم على الأصل. وكذلك تعريف الصدقات بالألف واللام فإنها تستغرقها كلها. فلو جاز صرف شئ إلى غير الثمانية لكان لهم بعضها لا كلها. وروي عن زياد بن الحارث الصُّدائي قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته. فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة. فقال: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى يحكم فيها هو. فجزأها ثمانية أجزاء. فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك "

(3)

. رواه أبو داود.

وقال أحمد: إنما هي لمن سماه الله تعالى.

الصنف الأول: (فقير). وهو: (من لم يجد) شيئاً البتة. أو لم يجد (نصف كفايته). وهو أشد حاجة من المسكين؛ لأن الله سبحانه وتعالى بدأ به وإنما يبدأ بالأهم فالأهم. وقال سبحانه وتعالى: (أما السفينه فكانت لمساكين يعملون فى البحر)] الكهف: 79 [. فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون فيها.

(1)

في ج: فيه. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1630) 2: 117 كتاب الزكاة، باب من يعطى من () الصدقة وحد الغني.

ص: 313

ولأن الفقير مشتق من فقر الظهر. فعيل بمعنى مفعول. أي: مفقور. وهو الذي نزعت فقرة ظهره فانقطع صلبه.

(و) الصنف الثانى: (مسكين من يجد نصفها) أي: نصف كفايته (أو أكثرها). وهو مفعيل من السكون. وهو الذي أسكنته الحاجة.

فعلم أن من كسر صلبه أشد حالاً من الساكن.

إذا تقرر هذا فالفقراء هم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم؛ كالزمنى والعميان لأن هؤلاء في الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم. وربما لا يقدرون على شيء أصلا. قال الله سبحانه وتعالى: (للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضرباً فى الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافاً)] البقرة: 273].

(ويعطيان) أي: الفقير والمسكين من الزكاة (تمام كفايتهما مع) كفاية (عائلتهما سنة)؛ لأن وجوب الزكاة يتكرر بتكرر الحول فينبغي أن يأخذ ما يكفيه إلى مثله.

ويعتبر تمام

(1)

الكفاية لهما ولعائلتهما ومن يمونانهما؛ لأن كل واحد من عائلته مقصود

(2)

دفع حاجته فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد. وهذا مبني على الأصح من كون الغنى ما تحصل به الكفاية.

وعنه: أن الغنى يحصل بخمسين درهم. فيجوز أن يأخذ له ولعائلته حتى يصير لكل واحد خمسين درهماً.

قال أحمد في رواية أبي داود فيمن يعطى الزكاة وله عيال: يعطى كل واحد

من غياله خمسين درهما.

ويعطيان بالفقر والمسكنة (حتى ولو كان احتياجهما بـ) سبب (إتلاف مالهما في المعاصي)؛ لصدق اسم الفقير والمسكين عليهما حين الأخذ.

(1)

في أ: وجود. ()

(2)

في ب: مقصوده. ()

ص: 314

(ومن ملك ولو) كان ما ملكه

(1)

(من أثمان ما) أي: قدرًا (لا يقوم بكفايته فليس بغني) على الأصح؛ لأن الغنى ما تحصل به الكفاية. فإذا لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئاً، وإن كان محتاجاً حلت له الصدقة ومسألتها. ولو كان ملك نصاباً.

والأثمان وغيرها في هذا سواء.

قال الميمونى: ذاكرت أحمد. فقلت: قد يكون للرجل الإبل والغنم تجب

فيها الزكاة وهو فقير ويكون له أربعون شاة وتكون له الضيعة لا تكفيه. يعطى من الصدقة؟ قال: نعم

(2)

. وذكر قول عمر " أعطوهم وإن راحت عليهم من الإبل كذا وكذا ". قلت: فلهذا قدر من العدد أو الوقت؟ قال: لم أسمعه.

ونقل مهنا: إن ملك من النقد ما لا يقوم بكفايته فكغيره. وهذا اختيار

أبي الخطاب وابن شهاب والعكبري وقول مالك والشافعي.

وعنه: من ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب فهو غني. نقلها واختارها الأكثر؛ لما روى عبدالله بن مسعود مرفوعاً: " من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً وكدوشاً في وجهه. قالوا: يارسول الله لِلَّهِ وما غناه؟ قال: خمسون درهما، أو حسابها من الذهب "

(3)

. رواه الخمسة. وأجيب عن ذلك بضعف الخبر. فإنه يرويه حكيم بن جبير عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود.

وقال رجل لسفيان: إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير. فقال سفيان:

(1)

في ج: كان مالكه. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1626) 2: 116 كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(650) 3: 40 كتاب الزكاة، باب ما جاء من تحل له الزكاة.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2592) 5: 97 كتاب الزكاة، حد الغني.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1840) 1: 589 كتاب الزكاة، باب من سأل عن ظهر غنى.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(3675) 1: 388 قال الترمذي: حديث حسن. وقد تكلم شعبة في حكيم ابن جبجر من أجل هذا الحديث.

ص: 315

حدثناه زبيد عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد.

واجيب أن رواية زبيد مرسلة وحكيم بن جبير متكلم فيه. وفي طريقه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف أيضاً. ولو سلم فمحمول على المسألة. وحمله المجد على أنه صلى الله عليه وسلم قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه بخمسين درهما. ولذلك جاء التقدير عنه بأربعين أو بخمس

(1)

أواق وهي مائتا درهم.

(وإن تفرغ قادر على التكسب) تفرغا كلياً (للعلم) الشرعي. (لا) إن تفرغ (للعبادة وتعذر الجمع) بين الاشتغال بالعلم والتكسب: (أعطي) من الزكاة لحاجته

(2)

.

وقيل: يشترط أن يكون اشتغاله بالعلم لازماً له. وهو الذي يجب عليه معرفته.

(و) الصنف الثالث من أهل الزكاة: (عامل عليها)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (والعملين عليها)] التوبة: 60 [. وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذ الزكاة من أربابها؛ (كجابٍ وحافظ وكاتب وقاسم) وخارص، وكل من يحتاج إليه فيها. فإنه يعطى أجرته منها لأن ذلك من مؤنتها كعلفها. وقد " كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم "

(3)

.

(وشرط كونه) أي: كون العامل (مكلفا)؛ لأن الصغير والمجنون لاقبض لهما.

(مسلماً)؛ لأن في ذلك ولاية على المسلمين. فاشترط له

(4)

الإسلام؛ كسائر الولايات.

(أميناً)؛ لأن غير الأمين يذهب بمال الزكاة ويضيعه.

(1)

في أ: وبخمسين. وفي ب: أو بخمسين. ()

(2)

في أ: لحاجة. ()

(3)

عن عقبة بن عامر الجهني رضى الله عنه قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيا () فاستأذنته أن نأكل من الصدقه. فأذن لنا ". أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(1954) 536 باب سهم العاملين على الصدقة والمؤلفة قلوبهم.

(4)

في ب: لهم. ()

ص: 316

(كافياً) في ذلك؛ لأن ذلك ضرب من الولاية فاشترط له الكفاية.

وشرط أيضاً كون العامل (من غير ذوي القربى). وهم بنو هاشم؛ لى " أن الفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارب سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثهما على الصدقة. فأبى أن يبعثهما. وقال: إنما هذه أوساخ الناس. وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد "

(1)

. وروى ذلك أحمد ومسلم وهو مختصر من

حديثهما. وهذا ظاهر في تحريم أخذهم لها على وجه العمالة.

ولا يشترط كون العامل حراً فيجوز أن يكون عاملاً.

(ولو) كان (قِنا)؛ لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعْمِل عليكم عبد حبشي، كأنَّ رأسه زَبِيبَة "

(2)

. رواه أحمد والبخاري.

ولأن العبد يحصل منه المقصود. أشبه الحر.

(أو) كان العامل (غنياً) إجماعا؛ لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" لا تحِلُّ الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل، أو رجل اشتراها بماله، أو غارمٍ، أو غازٍ في سبيل الله، أو مسكين تُصُدِّقَ عليه منها فأهدى منها لغني "

(3)

. رواه أبو داود وابن ماجه.

ولا يشترط أيضا كونه فقيهاً إذا علم بما يأخذه وكتب له كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم لعماله فرائض الصدقة

(4)

. وكذلك كتب أبو بكر لعماله

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1072) 2: 753 كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبى صلى الله عليه وسلم على الصدقة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(17554) 4: 166

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6723) 6: 2612 كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(12147) 3: 114.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1637) 2: 119 كتاب الزكاة، باب من يجوز له () أخذ الصدقة وهو غني. وأخرجه ابن ماجه في " سننه " (1841) 1: 590 كتاب الزكاة، باب من تحل له الصدقة.

(4)

ككتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم أخرجه أبو عبيد (934) 328 باب () فرض صدقة الإبل وما فيها من السنن.

(5)

سبق ذكر حديث كتاب أبي بكر لأنس وتخريجه ص (152) رقم (2). ()

ص: 317

(ويعطى) العامل (قدر أجرته) على الأصح (منها) أي: من الزكاة. سواء جاوزت أجرته الثمن مما جبي أو لم يجاوزه. نص عليه. وذكره عن عبدالله ابن عمر. فقال صالح: جعل الله لهم الثمن في كتابه. ذكرها في " الشافي ". (إلا إن تلفت) الزكاة (بيده) أي: بيد العامل (بلا تفريط) منه (فـ) إن العامل يعطى أجرته (من بيت المال)؛ لأن للإمام أن يرزقه من بيت المال على عمله، ويوفر الزكاة على أهلها. فإذا تلفت تعين حقه في بيت المال.

ولا يضمن الزكاة مع عدم التفريط لأنه أمين.

(وإن عمل) عليها أي: على الزكاة (إمام، أو) عمل عليها (نائبه) بأن جباها الإمام أو نائبه] من غير أن يبعث لها عمالاً: (لم يأخذ شيئاً).

قال في " الإنصاف ": قال الأصحاب: إذا عمل الإمام أو نائبه [

(1)

على الزكاة لم يكن له أخذ شيء؛ لأنه يأخذ رزقه من بيت المال.

] قال ابن تميم: ونقل صالح عن أبيه: العامل هو السلطان الذي جعل له الثمن في كتابه. ونقل عبدالله نحوه.

قال في " الفروع ": كذا ذكره. ومراد أحمد إذا لم يأخذ من بيت المال]

(2)

شيئاً بلا اختلاف أو أنه على ظاهره. انتهى.

(وتقبل شهادة مالك) للمال المزكى (على عامل بوضعها) أي: وضع الزكاة (في غير موضعها) المشروع وضعها فيه.

(ويصدق) رب المال (في دفعها) أي: دفع الزكاة (إليه) أي: إلى العامل (بلا يمين) على رب المال. (ويحلف عامل) أنه لم يأخذ من رب المال شيئاً. (ويبرأ) من عهدة ما ادعى رب المال

(3)

دفعه إليه وأنكره.

(وإن ثبت) على العامل أخذ الزكاة من أربابها (ولو بشهادة بعض) منهم

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

سقط لفظي: رب المال من أ. ()

ص: 318

(لبعض بلا تخاصم) بين العامل والشاهد: قبلت و (غرم) العامل لأهل الزكاة ما ثبت عليه أخذه.

وإن شهد أهل السهمان الذين هم أهل الزكاة على عامل أو له بشيء لم يقبلوا. (ويُصدّق عامل في) دعوى (دفع) من زكاة (لفقير. و) يصدق (فقير في عدمه) أي: عدم الدفع. وظاهره بلا يمين.

ويقبل إقرار عامل بقبض الزكاة ممن وجبت عليه ولو عُزل؛ كحاكم أقر بحكم بعد عزله.

(ويجوز كون حاملها) أي: حامل الزكاة (وراعيها ممن مُنعها) أي: ممن

قام به مانع من دفع الزكاة له؛ ككونه من ذوي القربى أو كافرًا أو قِنّاً.

قال في " الإنصاف ": بلا خلاف نعلمه؛ لأن ما يأخذه أجرة لعمله لا لعمالته. انتهى.

(و) الصنف الرابع من أصناف الزكاة: (مؤلف)؛ لقوله سبحانه وتعالى (والمؤلفة قلوبهم)] التوبة: 60].

والمؤلف هو: (السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره)؛ لما روى أبو سعيد قال: " بعث علي رضي الله تعالى عنه وهو باليمن بذهَبيةٍ. فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعُيَينة بن بدر الفزاري، وعَلقمة بن عُلاثة العامري، ثم أحد بني كِلاب، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان. فغضبت قريش. وقالوا: تعطي صَناديد نجد وتدعَنا. فقال: إنى إنما فعلت ذلك لأتألَّفهم "

(1)

. متفق عليه.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وإنما الذي يؤخذ من أموال أهل اليمن الصدقة.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3166) 3: 1219 كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل:(وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية).

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1064) 2: 741 كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم.

ص: 319

(أو يرجى بعطيته قوة إيمانه)، لما روى أبو بكر في " كتاب التفسير " عن

ابن عباس " في قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم)] التوبة: 60 [. قال: هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضخ لهم من الصدقات. فإذا أعطاهم من الصدقة قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه ".

(أو إسلام نظيره)؛ " لأن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حُسن نياتهما وإسلامهما "

(1)

: رجاء إسلام نظائرهما.

(أو) من أجل (جبايتها) أي: جباية الزكاة (ممن لا يعطيها). وهم قوم

إذا أعطوا من الزكاه جبوها ممن لا يعطيها إلا بالتخويف.

(أو) من أجل (دفع عن المسلمين). وهم قوم في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا من الزكاة دفعوا الكفار عمن يليهم من المسلمين، وإلا فلا.

(ويعطى) من الزكاة للمؤلفة (ما) أي: قدراً (يحصل به التأليف) لهم، لحصول المقصود به.

(ويقبل قوله) أي: قول من علم أنه مطاع في عشيرته (في ضعف إسلامه)، لأن ذلك لا يعلم إلا من جهته.

(لا أنه مطاع) في عشيرته (إلا ببينة)؛ لأن ذلك لا يتعذر إقامة البينة عليه.

وقد علم مما تقدم أن حكم المؤلفة لم ينقطع. وهو الأصح من الروايات.

وعنه: أن حكمهم انقطع. نقلها حنبل وفاقا لأبي حنيفة ومالك.

وعنه: أن حكم الكفار منهم انقطع. وفاقا للشافعي. واستدل القائل بانقطاع حكمهم " بأن مشركاً جاء يلتمس من عمر مالاً. فلم يعطه وقال: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)] الكهف: 29].

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 10 كتاب الصدقات، باب نقل الصدقة إذا () لم يكن حولها من يستحقها.

ص: 320

ولم ينقل عن عثمان وعلي أنهم أعطوهم شيئاً من الصدقة.

وبأن الله سبحانه وتعالى أظهر الإسلام وقمع المشركين. فلا حاجة بنا إلى

التأليف عليه.

وأجيب ببقاء حكم الآية؛ لأنها من آخر ما نزل من القرآن. وثبوت الأحاديث في إعطاء المؤلفة. ودعوى الاستغناء عن تألفهم كلام خارج عن محل الخلاف. فإن الكلام مفروض فيما إذا

(1)

احتيج إلى ذلك وراه الإمام مصلحة. وقد وجد ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء أبي بكر عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر. ومنع وجود ذلك أو تصوره على ممر الزمان، واختلاف أحوال النفوس في القوة والضعف لا يخفى فساده.

وحيث تقرر أن المؤلفة لا يعطون إلا عند الحاجة فيحمل ترك عمر وعثمان وعلي إعطاءهم لعدم الحاجة إلى إعطائهم في زمن خلافتهم. لا لسقوط سهمهم. وعلى كل حال متى تعذر الصرف إليهم فإن سهمهم يرد على بقية الأصناف على الأصح. ونقل حنبل أن للإمام صرفه فيما شاء.

(و) الصنف الخامس من أصناف أهل الزكاة: (مكاتب).

قال في " شرح المقنع ": لا نعلم خلافا بين أهل العلم في ثبوت سهم الرقاب. ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب. انتهى.

والأصح من الروايات أن لفظ الرقاب يشمل المكاتبين والعتق من الزكاة. وفداء الأسرى منها. وهو المراد بقوله سبحانه وتعالى: (وفى الرقاب)] التوبة: 60]. فيعطى المكاتب ما يؤديه لعجزه عن وفاء ما عليه ولو مع قوته وقدرته على التكسب. نص عليه.

(ولو قبل حلول نجم) على المكاتب في الأصح؛ لئلا يحل النجم ولا شيء معه. فتنفسخ الكتابة.

(ويجزئ) من عليه زكاة (أن يشتري منها رقبة لا تعتق عليه) برحم

(1)

ساقط من ب. ()

ص: 321

ولاتعليق. (فيعتقها) على الأ صح. وهو قول ابن عباس ومالك والحسن

والزهري وإسحاق وأبي عبيدة وأبي ثور؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: (وفى الرقاب)] التوبة: 60 [. وهو متناول

(1)

للقن. بل هو ظاهر فيه. فإن الرقبة تنصرف

إليه إذا أطلقت، لقوله سبحانه وتعالى:(فتحرير رقبة)] المجاددة: 3 [. وتقدير الآية: وفي إعتاق الرقاب.

ولأنه إعتاق للرقبة. فجاز صرف الزكاة فيه، كدفعه في الكفارة

(2)

.

(و) يجزئ من عليه زكاة أيضاً (أن يفدي بها أسيرًا مسلماً). نص عليه؛

لأنه فك رقبة من الأسر فهو كفك رقبة العبد من الرق.

ولأن فيه إعزاز الدين فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم.

ولأنه يدفعه إلى الأسير لفك رقبته من الأسر. أشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك

رقبته من الدين.

(لا ان يعتق) من عليه زكاة (قنه أو مكاتبه عنها) أي: عن زكاة الواجبة في

الأ صح، لأن أداء الزكاة عن

(3)

كل مال من جنسه. والعبد ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه. وكذا لو أعتق عبدًا من عبيد التجارة لأن الزكاة تجد في قيمتهم

لا في عينهم. والله أعلم.

(وما أعتق ساع منها) أي: من الزكاة (فولاؤه للمسلمين) كلهم.

(و) الصنف السادس من أصناف أهل الزكاة: (غارم) من المسلمين.

وهو ضربان:

الضرب الأول: غارم (تدين لإصلاح ذات بَيْن)، لقوله سبحانه وتعالى (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)] الأنفال: 1 [أي: وصلكم. والبين: الو صل. والمعنى كونوا مجتمعين على أمر الله سبحانه وتعالى. وذلك بأن يقع بين جماعة

(1)

في أ: مشارك. ()

(2)

فى أ: الكتابة. ()

(3)

في ج: على. ()

ص: 322

عظيمة كقبيلتين أو أهل قريتين تشاجروا في دماء أو أموال، ويحدث بسببها الشحناء والعداوة ويخاف من ذلك الفتن

(1)

العظيم وذهاب النفوس والأموال. فيتوسط الرجل بالصلح بينهما. ويلتزم في ذمته مالاً عوضاً عما بينهم من دم أو مال لأربابه؛ ليطفي الثائرة التي بينهم ويسكن الفتنة. وإنما يلتزم في مثل ذلك مالاً عظيماً خطيرًا ولا يقبل تحمله عادة إلا إذا كان مليئاً. فهذا الرجل قد أتى معروفاً عظيماً وابتغى صلاحاً عاماً منه. فكان من المعروف حمله عنه من الصدقة وتوفر ماله عليه لئلا يجحف ذلك بسادات القوم المصلحين بينهم أو يوهن عزائمهم في تسكين الفتن وكف المفاسد.

وكانت العرب تفعل ذلك. فكان الرجل منهم يتحمل الحَمالة- بفتح الحاء-

ثم يخرج في القبائل. فيسأل حتى يؤديها. فورد الشرع بإباحة المسألة فيها وجعل لهم نصيبا من الصدقة. فروى مسلم بإسناده عن قبيصه بن المخارق، قال:

" تحملت حمالة. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته فيها. فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. ثم قال: يا قبيصة لِلَّهِ إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش. وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتاً يوم القيامة "

(2)

.

وفي معنى ذلك ما اشير إليه بقوله: (أو تحمل إتلافاً أو نهباً عن غيره) فيجوز له الأخذ من الزكاة (ولو) كان (غنيا). خلافاً لابن عقيل " لأن ذلك من المصالح العامة. فجاز مع الغنى؛ كالعامل والمؤلف.

(و) إنما يباح له الأخذ إذا (لم يدفع من ماله) ما تحمله؛ لأنه إذا دفع ذلك

من ماله خرج عن كونه مديناً.

(1)

في أ: الفسق. وفي ج: الغبن. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1640) 2: 120 كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه () المسألة.

ص: 323

وظاهر حديث قبيصة أن له الأخذ ولو كان الدين مؤجلاً لم يحل. وإلى ذلك أشير إليه بقوله: (أو لم يحل) يعني: الدين (أو ضماناً) يعني: أو كان الدين لزمه بطريق الضمان (وأعسرا) أي: الضامن والمضمون. ويجوز الدفع إلى كل منهما.

والضرب الثانى: من صنف الغارم ما أشير إليه بقوله: (أو تدين لشراء نفسه

من كفار، أو) تدين (لنفسه) أي: لإصلاح نفسه (في) أمر (مباح). وهذا لا خلاف في استحقاقه وثبوت سهمه في الزكاة، (أو) عزم لنفسه في (محرم وتاب) من ذلك المحرم (وأعسر).

قال في " الفروع ": ومن عزم في معصية لم يدفع إليه شيء. فإن تاب دفع

إليه في الأصح.

(ويعطى) الغارم من الزكاة (وفاء دينه؛ كمكاتب)؛ لاندفاع حاجتهما بذلك. ودين الله عز وجل كدين الادمي في ذلك؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى

(والغارمين)] التوبة: 60].

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سلمة بن صخر صدقة بنى زُريق ليكفر منه كفارة الظهار "

(1)

.

وإن دفع إلى غارم ما يقضي به دَينه لم يجز له صرفه في غيره ولو كان فقيراً.

وإن دفع إلى الغارم لفقره جاز أن يقضي به دَينه.

(ولا يقضى منها) أي: من الزكاة (دين على ميت) سواء كان استدانه لمصلحة نفسه أو لإصلاح ذات البين؛ لعدم أهلية الميت لقبولها كما لو كفنه منها. وحكى الشيخ تقي الدين فيه روايه بالجواز.

(و) الصنف (السابع) من أصناف أهل الزكاة: (غاز)؛ لقوله سبحانه وتعالى (وفى سبيل الله)] التوبة: 60 [. ثم الغزاة: ضرب لا حَقَّ لهم في الديوان. وهو المشار إليه بقوله: (بلا ديوان).

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2213) 2: 265 أبواب الطلاق، باب في الظهار. ()

ص: 324

الضرب الثانى: من له حق فى الديوان ولكن لا يكفيه وهو المشار إليه بقوله:

(أو لا يكفيه) فيعطى كل ممن ذكر ما يكفيه لغزوه وإن كان غنياً وفاقا لمالك والشافعي؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى (وفى سبيل الله)] التوبة: 60]. ولحديث أبي سعيد: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل

الله "

(1)

. - وقد سبق-.

ولأن الغازي يأخذ لحاجة المسلمين إليه،] وفي مقابله

(2)

عمل [

(3)

. أشبه العامل والمؤلف.

إذا ثبت هذا (فيعطى) الغازي (ما يحتاج) إليه (لغزوه) ذهاباً وإياباً وثمن سلاح ودرع وكذا فرس إن كان فارساً.

ولا يجوز أن يشتري رب المال ذلك للغازي من الزكاة ثم يدفعه للغازي على

الأصح؛ لأن ذلك

(4)

يفضي إلى جواز دفع القيمة

(5)

.

(ويجزئ) أن يعطى من الزكاة (لحج فرض فقير وعمرته) في الأصح.

نص عليه في رواية عبدالله وغيره وأن ذلك من السبيل. فيدفع إلى الفقير ما يحج به عن نفسه أو يعتمر أو يعينه في حجه أو عمرته أو فيهما. خلافا للأئمة الثلاثة. لما روى ابن لاس الخزاعي- ويقال أبو لاس- قال: " حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من الصدقة إلى الحج "

(6)

. رواه أحمد، وأخرجه البخاري تعليقاً. وعن أم معقل الأسدية " أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله وأنها أرادت العمرة. فسألت زوجها البكر. فأبى. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له.

(1)

سبق تخريجه (317) رقم (3). ()

(2)

في ج: مثاله. ()

(3)

ساقط من ب. ()

(4)

ساقط من أ. ()

(5)

في أزيادة: لأن قابض المنصوص عليه ليس من أهلها. ()

(6)

ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا 2: 534 كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى:(وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله).

وأخرجه أحمد في " مسنده "(17968) 4: 221.

ص: 325

فأمره أن يعطيها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحج والعمرة في سبيل الله "

(1)

. رواه أحمد.

قال في " الفروع ": والحج من سبيل الله. نص عليه وهو المذهب عند

الأصحاب.

وعنه: لا. اختاره الشيخ - يعني: الموفق- وفاقاً للأئمة الثلاثة.

فعلى الأولى يأخذ الفقير.

وقيل: والغني؛ كوصيته بثلثه في السبيل. ذكره أبو المعالي. ويأتي في

آخر الوقف ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه. جزم به غير واحد.

وعنه: والنفل. وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وصححه بعضهم.

والعمرة كالحج في ذلك. نقل جعفر: العمرة من سبيل الله.

وعنه: هي سنة. انتهى.

(لا أن يشتري منها) يعني: أنه ليس لرب المال أن يشتري من زكاته (فرساً يحبسها) في سبيل الله، (أو) أن يشتري منها (عقاراً يقفه على الغزاة)؛ لأن رب المال مأمور بإيتاء الزكاة ولم يؤتها لأحد.

(ولا غزوه) يعني: أنه ليس لرب المال أن يغزو (على فرس منها) أي:

من زكاته؛ لأنه لا يجوز أن يجعل نفسه مصرفاً لزكاته التي عليه، كما لا يجوز أن يقضي بها دينه. فلا تسقط عنه بذلك.

(وللإمام شراء فرس بزكاة رجل ودفعها) أي: دفع الفرس (إليه) أي:

إلى من أخذت منه الزكاة التي اشترى بها الفرس (ليغزو عليها) كما أن للإمام أن يرد على من أخذ منه الزكاة زكاته لفقره او غرمه.

(وإن لم يغز) على الفرس (ردها) على الإمام وفاقا للأئمة الثلاثة؛ لأنه أعطي على عمل ولم يعمله. نقل عبدالله: إذا خرج في سبيل الله أكل من الصدقة.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27326) 6: 406 ()

ص: 326

والصنف (الثامن) من أصناف أهل الزكاة: (ابن السبيل)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وابن السبيل)] التوبة: 60 [. وهو المسافر (المنقطع بـ) محل (غير بلده)(في سفر مباح أو محرم وتاب) منه في الأصح فيه. (لا) إن كان في سفر (مكروه) للنهي عنه.

(و) كذا في سفر

(1)

(نزهة) في الأصح، لأنه لا حاجة به إلى هذا السفر.

ولا يكون ابن السبيل حتى يكون منقطعاً بغير بلده. بخلاف من يريد إنشاء سفر إلى غير بلده لأنه ليس في سبيل؛ لأن السبيل هي الطريق. فسمي ابن السبيل لمن كان ملازماً لها، كما يقال ولد الليل لمن يكثر خروجه فيه. وكما يقال لطير الماء ابن الماء لملازمته له.

قال ذو الرمة

(2)

:

وردتُ اعتسافاً والثريا كأنها على قمة الرأس ابن ماءٍ مُحلق (ويعطى) ابن السبيل (ولو وجد مقرضا) يقرضه (ما يبلغه بلده). وإن

كان له اليسار في بلده، لأنه عاجز عن الوصول إلى ماله والانتفاع به. فأشبه من سقط متاعه في

(3)

البحر، أو ضاع منه، أو غصبه غاصب. فعجز عن أخذه منه. (أو) ما يبلغه إلى (منتهى قصده وعوده إليها) اي: إلى بلده. وهو ما إذا

قصد بلدًا واحتاج قبل وصوله إليها، فإنه يعطى ما يصل به إلى البلد الذي يقصده وما يرجع به إلى بلده على الأصح، لعموم الآية. وهو ظاهر كلام أحمد في رواية محمد بن الحكم. فإنه قال: ابن السبيل هو المنقطع به يريد بلداً آخر.

ولا يكون ابن السبيل مقيماً من أهل البلد. حكاها القاضي بهذا اللفظ في

" تعليقه ". والفرق بينه وبين المنشئ أن الظاهر أنه إنما فارق وطنه لغرض مقصود شرعاً، وقد شرع في ذلك. فإذا قطعناه عنه بعدم الإعطاء فقد حصل له ضرر

(1)

في ج: إن كان سافر. ()

(2)

البيت في ديوان ذي الرمة ص (488) ومعنى اعتسافاً: على غير اهتداء. ابن ماء () طير من الطيور. محلق: عال ومرتفع.

(3)

في ج: إلى. ()

ص: 327

بضياع تعبه وسفره. والمريد إنشاء السفر لم

(1)

يضع عليه شيء. بل مقامه ببلده مظنة الرفق به.

(وإن سقط ما على غارم) من دين، (أو) ما على (مكاتب) من مال كتابة، (أو فضل معهما) أي: مع الغارم والمكاتب شيء عن وفاء ما عليهما، (أو) فضل (مع غاز، أو) مع (ابن سبيل شيء بعد حاجته: رد) من استغنى عن كل ما أخذه (الكل، أو) من فضل معه شيء عن حاجته (ما فضل)؛ لأن هؤلاء الأربعة: وهم الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل إنما يأخذون من الزكاو أخذاً مراعاً. فإن صرفوه في الجهه التي استحقوا الأخذ لأجلها. وإلا استرجع منهم.

(وغير هؤلاء) الأربعة وهم الفقراء والمساكين والعاملون على الزكاة

والمؤلفة قلوبهم: (يتصرف في فاضل بما شاء)؛ لأن الله سبحانه وتعالى أضاف الزكاة إليهم بلام التمليك. ثم قال: (وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل)] التوبة: 60].

ولأن الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم يأخذون الزكاة لمعنى يحصل بأخذهم. وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفة وأداء أجرة العاملين. وغيرهم بأخذ لمعنى لم يحصل بأخذه للزكاة فافترقا.

(ولو استدان مكاتب ما) أي: مالاً أداه لسيده و (عتق به) أي: بما

استدانه (وبيده) أي: بيد المكاتب (منها) أي: من الزكاة (بقدره) أي: قدر ما استدانه: (فله صرفه) أي: صرف ما بيده (فيه) أي: فيما استدانه وعتق به؛ لبقاء حاجته إليه بسبب الكتابة.

(وتجزئه) أي: وتجزئ زكاة (وكفارة ونحوهما)؛ كصد قة منذ ورة دافعاً

شيئاً من ذلك الصغير لم يأكل الطعام) لصغره.

قال في " الفروع ": والذكر والأنثى في أخذ الزكاة وعدمه سواء وفاقاً

(1)

في أ: لما. ()

ص: 328

والصغير كالكبير وفاقا.

وعنه: إن أكل الطعام وإلا لم يجز ذَكَرها صاحب "المحرر" ونقلها صالح وغيره. والأول المذهب؛ للعموم. فيصرف ذلك في أجرة رضاعة وكسوته

وما لا بد منه.

(ويقبل ويقبض له) أي: للصغير الزكاة والهبة والكفارة والنذر وصدقة التطوع (وليُّه) أي: من يلي ماله بحق.

قال ابن منصور: قلت لأحمد: قال سفيان: ولا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي أو قاضٍ. قال أحمد: جيد.

وقيل له في رواية صالح: قبضت الأم وأبوه حاضر. فقال: لا

(1)

أعرف للأم قبضا، ولا يكون إلا للأب.

قال في " الفروع ": ولم أجد عن أحمد تصريحاً بأنه لا يصح قبض غير الولي

مع عدمه مع أنه المشهور في المذهب. وذكر الشيخ - يعني: الموفق - أنه لايعلم فيه

(2)

خلافاً. ثم ذكر أنه يحتمل أنه يصح قبض من يليه من أم أو قريب وغيرهما عند عدم الولي

(3)

؛ لأن حفظه عن الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية. وذكر صاحب " المحرر " أن هذا منصوص أحمد. نقل هارون الحمال: في الصغار يعطى أولياؤهم فقلت: ليس لهم ولي. قال: يعطى من يُعنى بأمرهم. ونقل مهنا في الصبي والمجنون: يقبض له وليه. قلت: ليس له ولي. قال:

الذي يقوم عليه. وذكر صاحب " المحرر " نصاً ثالثاً بصحه القبض مطلقاً.

قال بكر بن محمد: سئل أحمد يعطى من الزكاة الصبي الصغير؛ قال: نعم. يعطى أباه أو من يقوم بشأنه. وذكر في " الرعاية " هذه الرواية. ثم قال: قلت إن تعذر وإلا فلا. انتهى.

(و) يجزئ دفع الزكاة (لمن بعضه حر بنسبته) أي: بنسبية البعض الحر

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في ج: عنه. ()

(3)

ساقط من أ. ()

ص: 329

منه. فمن نصفه حر يأخذ نصف كفايته سنة، ومن ربعه حر يأخذ ربع كفايته سنة. وقس على هذا، وأما من كله رقيق فلا يأخذ منها شيئا ولو كان سيده فقيراً. إلا أجرة لعمله إن كان عاملاً عليها، وإلا إن كان مكاتباً. وسيأتي التنبيه على ذلك في المتن.

والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن في عدم الأخذ إلا فيما استثني. (ويشترط) لإجزاء الزكاة (تمليك) رب المال (المعطى) له وفاقاً. فلا يصح أن يقضي منها دين ميت غرمه لمصلحة نفسه أو غيره. حكاه أبو عبيد وابن عبد البر إجماعاً.

(وللإمام قضاء دين عن) غارم (حي) من الزكاة حيب كان ممن يباح له أخذها بلا وكالة منه؛ لولايته عليه في إيفائه. ولهذا يُجبره عليه إذا امتنع منه. (والأولى له) أي: للإمام. (و) الأولى (لمالك) للمال المزكى: (دفعها) أي: الزكاة (إلى سيد مكاتب؛ لرده) أي: لأجل رد سيد المكاتب وجوباً (ما قبض) من الزكاة من مال الكتابة (إن رقّ) المكاتب (لعجز) عن وفاء مال الكتابة. بخلاف ما إذا دفعت إلى المكاتب فإنه (لا) يرد (ما قبض مكاتب) من الزكاة إذا عجز أو مات ونحوه ولو كان بيده، لأنه إذا عجز أو مات كان ما في يده لسيده على الأصح.

وعنه: يكون للمكاتبين.

وقيل: يكون للمعطى.

(ولمالك) للمال المزكى (دفعها) أي: دفع زكاته (إلى غريم مدين بتوكيله) أي: توكيل المدين (ويصح) من المدين التوكيل (ولو لم يقبضها) المدين. (وبدونه) أي: وبدون توكيل المدين على الأصح. نص عليه.

قال أبو الحارث: قلت لأحمد: رجل عليه ألف وكان على رجل زكاة ماله فأداها

عن هذا الذي عليه الدين يجوز هذا من زكاته. قال: نعم. ما أرى بذلك بأساً؛ لأنه دفع الزكاة في قضاء دين المدين. أشبه ما لو دفعها إليه فقضى بها دينه.

ص: 330

] فصل: في أحكام السؤال]

(فصل. من أبيح له أخذ شيء) من زكاة أو غيرها (أبيح له سؤاله). نص عليه وفاقاً لمالك والشافعى؛ لظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للسائل حق وإن جاء على فرس "

(1)

.

ولأنه يطلب حقه الذي جعله الله سبحانه وتعالى له بقوله (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)] التوبة: 60].

فالغنى في باب الزكاة نوعان: نوع يوجبها، ونوع يمنعها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على السؤال إذا كانوا من أهلها. ولكثرة التأذي بتكرار السؤال.

وعنه: يحرم السؤال لا الأخذ على من له قوت يومه غداء وعشاء. ذكر ابن عقيل أنه اختاره جماعة وفاقا لأبي حنيفة. فيكون غناً ثالثاً يمنع السؤال.

ونقل الجماعه عن أحمد: في الرجل له الأخ من أبيه وأمه ويرى عنده الشيء فيعجبه. فيقول: هب هذا لي وقد كان ذلك يجري بينهما. ولعل المسؤول يحب أن يسأله أخوه ذلك.

قال: أكره المسألة كلها. ولم يرخص فيه. إلا أنه بين الأب والولد أيسر. وذلك "أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته "

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1665) 2: 126 كتاب الزكاة، باب حق السائل.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(1730) 1: 201 كلاهما من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما.

(2)

روى البخاري " أن فاطمة عليها السلام، اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن. فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسبي. فأتته تسأله خادماً فلم تُوافقه. فذكرت لعائشة. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له.

فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا. فذهبنا لنقوم. فقال: على مكانكما، حتى وجدت برد قدميه على صدري. فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماه، إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين. فإن ذلك خير لكما مما سألتماه ".

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2945) 3: 1133 أبواب الخمس، باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 331

وإن اشترى شيئا وقال: قد أخذته بكذا. فهب لي فيه كذا. فنقل محمد بن الحكم: لا يعجبنى. هذه المسألة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل المسألة إلا لثلاث "

(1)

.

وسأله محمد بن موسى: ربما اشتريت الشيء فأقول: أرجح لي. فقال:

هذه مسألة. لا تعجبني.

ونقل ابن منصور: يكره.

فال القاضي: كرهه أحمد.

وإن كان يلحق بالبيع؛ لأنه في معنى المسألة من جهة أنه لا يلزمه بذل ما سأله.

واختار صاحب " المحرر ": لا يكره، لأنه لا يلزم السائل إمضاء العقد بدونها فيصير ثمنا لا هبة.

وسؤال الشيء اليسير كشسع النعل أو الحذاء هل هو كغيره أو يرخص فيه؟ فيه

روايتان.

(ولا بأس بمسألة شرب الماء) نص عليه. واحتج بفعله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقال: في العطشان لا يستسقى: يكون أحمق.

ولا بأس با لاستعارة والاقتراض. نص عليهما.

قال الآجري: يجب أن يعلم حل المسألة ومتى تحل. وما قاله معنى قول أحمد في أن تعلم ما يحتاج إليه لدينه فرض.

قال في " الفروع ": ومن سأل غيره الدعاء لنفعه أو نفعهما أثيب.

وإن قصد نفع نفسه فقط نهى عنه كالمال. وإن كان قد لا يأثم. كذا ذكره شيخنا.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1640) 2: 120 كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه () المسألة.

(2)

أخرجه أبوداود في " سننه "(3734) 3: 340 كتاب الأشربة، باب في إبكاء () الآنية. ولفظه:" كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى. فقال رجل من القوم: ألا نسقيك نبيذا؛ قال: بلى قال: فخرج الرجل يشتد فجاء بقدح فيه نبيذ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عوداً ".

ص: 332

وظاهر كلام غيره خلافه كما هو ظاهر الأخبار. ويأتي قوله في " المستوعب ":

كانوا يغتنمون أدعية الحاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب.

وفي " الصحيحين ": " أن أم أنس قالت: يا رسول الله! اح الله له. قال:

فدعا لي بكل خير. وكان من آخره: اللهم! أكثر ماله وولده وبارك له فيه "

(1)

.

قال في " شرح مسلم ": فيه طلب الدعاء من أهل الخير. وجواز الدعاء

بكثرة المال والولد مع البركة فيهما.

وفي " مسلم ": "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن أويس القرنى: فمن لقيه منكم فليستغفر

لكم "

(2)

. وله في رواية: " قال لعمر: إن استطعت أن يستغفر لك فافعل "

(3)

.

قال في " شرح مسلم ": فيه

(4)

استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وإن كان الطالب أفضل منهم.

وقال شيخنا أيضاً في " الفتاوي المصرية ": لا بأس بطلب الدعاء بعضهم من بعض. لكن أهل الفضل ينوون بذلك أن الذين يطلبون منه الدعاء إذا دعا لهم كان له من الأجر على دعائه لهم أعظم من أجره لو دعا لنفسه وحدها. ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله له ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل "

(5)

.

و" قوله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام: يا علي لِلَّهِ عُمَّ. فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض ".

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5984) 5: 2336 كتاب الدعوات، باب دعوة النبى صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(660) 1: 457 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة. . .

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(2542) 4: 1968 كتاب فضائل الصحابة، باب () من فضائل أويس القرنى، رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(2542) 4: 1969 كتاب فضائل الصحابة، باب () من فضائل أويس القرنى رضي الله عنه.

(4)

ساقط من أ. ()

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27596) 6: 452. ()

ص: 333

و" قوله لعمر: يا أخي! " لا تنسانا من دعائك "

(1)

.

قال: وما زال المسلمون يسألونه الدعاء لهم. انتهى.

(وإعطاء السؤال) جمع سائل (مع صدقهم: فرض كفاية)، لما جاء في الحديث:"لو صدق لما أفلح من رده ".

وقد استدل الإمام أحمد بهذا. وأجاب بأن السائل إذا قا ل: أنا جائع. وظهم صدقة وجب إطعامه. وهذا من تأويل قوله سبحانه وتعالى: (وفى أموالهم حق للسائل والمحروم)] الذاريات: 19].

وإن ظهر كذبهم لم يجب إعطاؤهم. ولو سألوا مطلقاً لغير معين لم يجب إعطاؤهم ولو أقسموا لأن إبرار القسم إنما هو إذا أقسم على معين.

وإطعام الجائع ونحوه واجب إجماعاً. مع أنه ليس في المال حق سوى الزكاة وفاقا.

وعن ابن عباس مرفوعاً: " إن الله لم يفرض الزكاة إلا لطيب ما بقى من

أموالكم "

(2)

.

وعن أبي هريرة مرفوعاً: " إذا أديت زكاة مالك. فقد قضيت ما عليك "

(3)

رواه ابن ماجه والترمذي. وقا ل: حسن غريب.

قال القرطبي: اتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة

فإنه يجب صرف المال إليها.

قال مالك: يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم.

وهذا إجماع أيضاً. قاله القرطبي. واختار الآجري: أن في المال حقا سوى الزكاة. وهو قول جماعة من العلماء. قال: نحو مواساة قرابة وصلة

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1498) 2: 80 كتاب الوتر، باب الدعاء. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1664) 2: 126 كتاب الزكاة، باب في حقوق المال. ()

(3)

أخرجه الترمذي في "جامعه "(618) 3: 13 كتاب الزكاة، باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1788) 1: 570 كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته ليس بكنز.

ص: 334

إخوان وإعطاء سائل، وإعارة محتاج دلوها وركوب ظهرها وإطراق فحلها وسقي منقطع حضر حلابها حتى يَروى.

وذكر القاضي عياض المالكي: أن الجمهور قالوا: إن الحق في الآية المراد

به الزكاة. وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة. وما جاء غير ذلك حمل على الندب ومكارم الأخلاق. انتهى.

ولو جهل حال السائل فالأصل عدم الوجوب.

(ويجب قبول

(1)

مال طيب أتى بلا مسألة ولا استشراف نفس). نقل الأثرم: عليه أن يأخذه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خذه "

(2)

. وينبغي أن يأخذه ويضيق عليه أن يرده وذكر أحمد أيضاً هذا الخبر. وقال: هذا إذا كان من مال طيب. ونقل جماعة: أخاف أن يضيق عليه رده. قاله في " التنبيه " واقتصر عليه في

" المستوعب ". ونقل إسحاق بن إبراهيم: لا بأس إذا كان من

(3)

غير

استشراف.

وعن أحمد أيضاً: أنه رد ذلك. وقال: دعنا نكون أعزاء. ورد في رواية المروذي. فقال له أبو اسحاق: أي: شيء تكون الحجة أو كيف يجوز؟ فقال:

لا أعلم فيه شيئاً. إلا أن الرجل إذا تعود لم يصبر عنه. وكذا ذكر صاحب

" المحرر " رواية بجواز الرد. وقال: قد بين العلة في جواز الرد. وأن على هذا تحمل النصوص المذكورة للوجوب على الاستحباب. وذكر ابن الجوزي في

" المنهاج ": أنه لا يأخذه إلا مع حاجته إليه إذا سلم من الشبهة] والآفات فإن الأفضل أخذه.

(1)

في أ: أخذ. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1404) 2: 536 كتاب الزكاة، باب من أعطاه الله شيئاً من غير مسألة ولا إشراف نفس.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1045) 2: 723 كتاب الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسألة ولا إشراف.

(3)

في ب: عن. ()

ص: 335

قال في " الفروع ": وما ذكر من سلامته من الشبهة [

(1)

يؤخذ من كلام غيره

لأنه مكروه. ولا يجب قبول المكروه. وهذا معنى المنقول عن أحمد في جائزة السلطان مع قوله: هي خير من صلة الإخوان. وظاهر كلام غير واحد: يجب ما لم يحرم. وقاله ابن حزم الظاهري. قال: لأنه داخل في وجوب النصيحة. فإن طابت نفسه عليه فحسن. وإن أبقاه فليتصدق به فيؤجر على كل حال. ثم من الجهل استسهال المرء أخذ مال زيد في بيع أو أجرة ثم يتجنبه إذا أعطاه إياه بطيب نفس. ثم احتج بقوله صلى الله عليه وسلم: " من رغب عن سنتي فليس مني "

(2)

.

قال: وكان مالك والشافعي لا يردان ما أعطيا. انتهى.

وعلم مما تقدم: أنه متى استشرفت نفسه إليه بأن قال: سيبعث إليّ فلان أو لعله يبعث لي، وإن لم يتعرض أو تعرض بقلبه عسى أن يفعل: فلا بأس بالرد. نص على ذلك في رواية الجماعة. وزاد أبو داود: وكأنه اختار الرد. ونقل المروذي ردها. وسأله جعفر يحرم أخذه؛ قال: لا.

ومن أعطى شيئا ليفرقه: فحسّن أحمد عدم الأخذ في رواية.

(ومن سأل) أن يعطى (واجباً)" كمن طلب شيئا من الزكاة (مدعياً كتابة) أي: أنه مكاتب، (أو) مدعياً (غرما) أي: من الغارمين، (أو) مدعياً (أنه ابن سبيل، أو) مدعيا (فقراً وعرف بغنى) قبل ذلك: (لم يقبل) منه ذلك (إلا ببينة) " لأن الأصل عدم ما يدعيه وبراءة ذمة الكاتب والغارم.

(وهي) أي: البينة (في) المسألة (الأخيرة) وهي ما إذا ادعى الفقر من عرف بالغنى: (ثلاثة رجال)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة. فحلت له المسألة حى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش "

(3)

. رواه مسلم.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (4776) 5: 1949 كتاب النكاح، باب الترغيب في () النكاح.

وأخرجه أحمد في مسنده (14071) 3: 285.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1640) 2: 120 كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه () المسألة. ولم أجده في مسلم، والله أعلم.

ص: 336

ولأن الأصل بقاء الغنى. فلم يقبل قوله بمجرده فيما يخالف الأصل.

وقيل: يكفي اثنان؛ كحق الآدمي.

(وإن صدق مكاتباً سيده، أو) صدق (غارماً غريمه: قبل وأعطي) في الأصح.

(ويقلد) أي: ولا تطلب إقامة الحجة (من ادعى) أن له (عيالاً، أو) ادعى (فقرًا ولم يعرف بغنى) في الأصح، كما يقلد في دعوى الحاجة.

ولأن الأصل عدم الغنى.

(وكذا) يقلد (جَلد ادعى عدم مكسب) ويعطى من الزكاة (بعد إعلامه) أي: بعد أن يعلمه المعطي (أنه لا حظ فيها لغني ولا قوي مكتسب)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين اللذين سألاه ولم يحلفهما "

(1)

.

وفي بعض رواياته أنه قال: " أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه عن الصدقة. فصعد فينا النظر. فرآنا جَلدين. فقال: إن شئتما أعطيتكما. ولا حظ فيها لغني ولا لقوي متكسب "

(2)

. رواه ابو داود.

(ويحرم أخذ) من صدقة (بدعوى غنى) أي: من هو غني (فقرا ولو من صدقة تطوع)، لما روى أبو سعيد مرفوعا " فمن يأخذ مالا بحقه فيبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع "

(3)

.

وفي لفظ: " إن هذا المال خضرة حلوة. فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه

فنعم المعونة هو. ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع "

(4)

.

وفي لفظ: " إن هذا المال خضرة حلوة. ونعم صاحب المسلم ما

(5)

أعطى

(1)

سيأتى تخريجه. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1633) 2: 117 كتاب الزكاة، باب من يعطى من () الصدقة وحد الغنى.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(11173) 3: 21. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6063) 5: 2362 كتاب الرقاق، باب ما يحذر () من زهرة الدنيا والتنافس فيها.

(5)

في الأصول: هو لمن. وما أثبتناه من " الصحيح ". ()

ص: 337

منه المسكين واليتيم وابن السبيل. أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيداً يوم القيامة "

(1)

. متفق على ذلك.

(وسُن تعميم الأصناف) أي: أصناف أهل الزكاة الثمانية (بلا تفضيل) بينهم (إن وجدت) الأصناف كلها (حيث) أي: في محل (وجب الإخراج) فيه. وإلا عمم من أمكن منهم؛ لأنه يخرج بذلك من الخلاف ويحصل الإجزاء يقيناً.

(و) سن أيضا (تفرقتها) أي: الزكاة (في أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم)؛ كخاله وخالته (على قدر حاجتهم). فيزيد ذا الحاجة منهم بقدر حاجته. فإن استووا في الحاجة وتفاوتوا في القرب: بدأ بالأقرب فالأقرب منهم. ويدل لمسنونية تفرقتها في أقاربه قوله صلى الله عليه وسلم: " صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة "

(2)

. رواه الترمذي والنسائي.

(ومن فيه) من أهل الزكاة (سببان) كما لو كان فقيرا غارما: (أخذ بهما) أي: بالسببين. فيعطى ما يقضي به دينه وكفايته مع كفاية عائلته سنة.

(ولا يجوز أن يعطى بأحدهما) أي: بأحد السببين (لا بعينه)؛ لاختلاف أحكامهما

(3)

في الاستقرار وعدمه. وقد يتعذر الاستيعاب فلا يعلم المجمع عليه من المختلف فيه.

(وإن أعطى بهما) أي: بالسببين (وعين لكل سبب قدر) معلوم: فذاك. (وإلا) أي: وإن لم يعين لكل سبب قدر معلوم (كان) ما يعطاه (بينهما) اي: بين السببين (نصفين). وتظهر فائدة ذلك لو وجد ما يوجب الرد.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1396) 2: 532 كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتامى.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1052) 2: 728 كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(658) 3: 46 كتاب الزكاة، باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة. قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2582) 5: 92 كتاب الزكاة، الصدقة على الأقارب.

(3)

في ج: أحدهما. وفي ب: أحكامها. ()

ص: 338

(ويجزئ اقتصار) في إعطاء من الزكاة (على إنسان) واحد (ولو) كان (غريمه) أي: غريم المزكي (او مكاتبه ما لم يكن) ذلك (حيلة): أما كونه يجزئ الاقتصار على واحد، فلقول الله سبحانه وتعالى: (إن تبدوا الصدقات

فنعما هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)] البقرة: 271].

ولقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: " أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم "

(1)

. متفق عليه.

فلم يذكر في الآية والخبر إلا صنف واحد.

و" أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمه بن صخر "

(2)

.

و" قال لقبيصة: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها "

(3)

.

ولو وجب صرفها إلى جمع الأصناف لم يجز صرفها إلى واحد.

ولأنه لا يجب صرفها لجمع الأصناف إذا فرقها الساعي. فكذا إذا فرقها المالك.

ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها. فجاز الاقتصار على واحد؛

كما لو وصى لجماعة لا يمكن حصرهم. وهذا هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه. إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه وتعالى من وجبت عليه شاة أو صاع أو فص مثقال دفعه إلى ثمانية عشر نفساً أو أحد وعشرين أو أربعة وعشرين على اختلاف مقالاتهم. والغالب تعذر وجود ذلك في الإقليم العظيم فكيف بمن في القرى. وهو سبحانه وتعالى القائل: (وما جعل عليكم فى الدين من حرج)] الحج: 78 [. ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن

(4)

أحداً من خلفائه فعل ذلك في صدقة من الصدقات. ولو كان هذا هو

(5)

الواجب لما أغفلوه، ولو فعلوه لنقل ولما أهمل.

(1)

سبق تخريجه ص (147) رقم (2). ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2213) 2: 265 أبواب الطلاق، باب في الظهار. ()

(3)

سبق تخريجه ص (323) رقم (2). ()

(4)

ساقط من أ. ()

(5)

في ج: من. ()

ص: 339

والآية الكريمة إنما سيقت لبيان من

(1)

يجوز الصرف إليه لا إيجاب الصرف

إلى الجمع. بدليل أنه لايجب تعميم كل صنف بها.

وأما كونه يجزئ إخراجها لغريمه؛ فلأنه من جملة الغارمين. فإن رده إليه الغارم فله أخذه. نص عليه في رواية مهنا؛ لأن الغريم قد ملك ما أخذه بالأخذ. أشبه ما لو وفاه من مال آخر.

قال في " الفروع ": ويجوز دفع زكاته إلى غريمه ليقضي بها دينه. سواء دفعها إليه ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع إليه ليقضي بها دين المقرض. نص على ذلك.

قال أحمد: إن أراد إحياء ماله لم يجز. وقال أيضاً: إن كان حيلة فلا يعجبني. وقال أيضا: أخاف أن يكون حيلة فلا أراه.

ونقل ابن القاسم: إذا

(2)

أراد الحيلة لم يصلح ولا يجور.

قال القاضي وغيره: يعني بالحيلة: أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه. فلا يجزئه؛ لأن من شرطها تمليكا صحيحا. فاذا شرط الرجوع لم يوجد فلم يجزئه. وذكر الشيخ يعني: الموفق أنه حصل من كلام أحمد. أنه إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه لم يجز، لأنها لله فلا يصرفها إلى نفعه.

وفي " الرعاية الصغرى ": إن قضاها بلا شرط صح، كما لو قضى دينه بشيء ثم دفعه إليه زكاة، وتكره حيلة. كذا قال. انتهى.

وإن ابرأ رب الدين غريمه من دينه بنية الزكاة لم يجزئه نص عليه. سواء كان المخرج عيناً أو ديناً وفاقاً لمالك والشافعي.

وأما كون الزكاة يجزئ دفعها إلى مكاتبه، فلأنه صار معه في باب المعاملة كالأجنبي. بدليل جريان الربا بينهما، ويجوز للمكاتب ردها إلى سيده بحكم الوفاء. أشبه إيفاء الغريم دينه بها.

(1)

في ب: ما. ()

(2)

في أ: إن. ()

ص: 340

ومحل ذلك أيضاً: ما لم يقصد بالدفع إحياء ماله بأن كان السيد يعلم أنه يعود إلى الرق بعد ذلك لعجزه عن وفاء مال الكقابة. أما إذا أعطاه ما يعتق برده إليه فلا كلام في الإجزاء.

وأما الحوالة بالزكاة بأن يحيل رب المال الفقير على غريمه بالزكاة فلا يكفي

في الإجزاء. جزم به ابن تميم وغيره؛ لعدم الإيتاء المأمور به.

(ومن أعتق عبدا لتجارة قيمته نصاب بعد) حولان (الحول) عليه، و (قبل إخراج ما) وجب (فيه) من الزكاة:(فله) أي: فلسيده (دفعه) أي: دفع ما وجب فيه من زكاة (إليه) أي: إلى العبد المعتق. (مالم يقم به) أي: بالمعتق (مانع) من أخذها من كفر أو غيره؛ لأنه صار من أهل الزكاة أشبه ما لو أعطاه من غير ما وجب فيه.

ص: 341

] فصل: فيمن لا تدفع له الزكاة]

(فصل. ولا تجزئ الزكاة) إذا دفعها (إلى كافر غير مؤلف).

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من أموال الزكاة شيئاً.

(ولا) يجزئ دفعها إلى (كامل رق غير عامل)؛ لأن ما يأخذه أجرة يستحقها سيده.

(و) غير (مكاتب)؛ لأنه من الرقاب.

(ولا) يجزئ دفعها إلى (زوجة) لمن وجبت عليه الزكاة.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة. وذلك لأن نفقتها واجبة عليه. فتستغني بها عن أخذ الزكاة. فلم يجز دفعها إليها؛ كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها.

(و) لا يجزئ دفعها إلى (فقير ومسكين) ولا إلى فقيرة ومسكينة (مستغنيين بنفقة واجبة) على قريب غني أو زوج غني؛ لأن الكفاية حاصلة لهما مما يصل إليهما من النفقة الواجبه. أشبه من له عقار يستغني بأجرته.

وإن تعذرت النفقة من القريب أو الزوج: جاز الدفع أشبه ما لو تعطلت منفعة العقار.

(ولا) يجزئ دفعها إلى (عمودي نسبه) أي: نسب من وجبت عليه الزكاة.

وإن علوا أو سفلا من أولاد البنين وأولاد البنات. الوارث وغيره في ذلك سواء. قال أحمد: لايعطي الوالدين من الزكاة ولا الولد ولا ولد الولد ولا الجد ولا الجدة ولا ولد البنت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ابني هذا سيد "

(1)

. يعني: الحسن. فجعله ابنه لأنه من عمودي نسبه. ووجه ذلك: إن دفع زكاته إليهم

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه (2557) 2: 962 كتاب الصلح، باب قول النبي للحسن بن علي رضي الله عنهما:" ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين ".

وأخرجه أحمد في مسنده (20466) 5: 44.

ص: 342

يغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه. فيعود نفعها إليه. فكأنه دفعها إلى نفسه. فلم يجز؛ كما لو قضى بهادينه.

(إلا أن يكونا) أي: عمودي نسبه (عمال) على الزكاة. فيستحقون بذلك أجرة عملهم. أشبه ما لو استعملهم في عمل غير الزكاة.

(أو) يكونا (مؤلفين) فيعطون للتأليف. أشبه ما لو كانوا أجانب.

(أو) يكونا (غزاة). فإن الغزاة لهم الأخذ مع عدم الحاجة. اشبهوا العاملين. (أو) يكونا (غارمين لذات بَيْن)؛ لجواز أخذ الغارم لإصلاح ذات بين مع غناه. (ولا) تجزئ من وجبت عليها زكاة دفعها إلى (زوج) لها. على الأصح؛ لأنها تعود إليها بإنفاقه عليها.

قال في " الفروع ": وهل يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها. اختاره القاضي وأصحابه والشيخ وغيرهم وفاقا للشافعي أم لا. اختاره جماعة منهم الخرفي وأبو بكر وصاحب " المحرر " وحكاه عن أبي الخطاب وفاقا لأبي حنيفة ومالك. فيه روايتان.

(ولا) يجزئ دفع الزكاة إلى (سائر من تلزمه) أي: تلزم المخرج (نفقته)؛ كقِنّه وعتيقته على الأصح. (ما لم يكن عاملا أو غازيا أو مؤلفا أو مكاتبا أو ابن السبيل أو غارماً لإصلاح ذات بين).

قالط صاحب "المحرر ": لا تختلف الرواية

(1)

أنه يعطى لغير النفقة الواجبة؛ نحو كونه غارماً أو مكاتباً أو ابن سبيل. بخلاف عمودي النسب لقوة القرابة. انتهى.

وأما إذا كانوا عمالاً أو غزاة أو مؤلفة فقد تقدم أنهم يعطون لذلك ولو كانوا

من عمودي النسب.

(ولا) يجزئ دفع الزكاة إلى (بني هاشم. وهم سلالته) أي سلالة هاشم. (فدخل آل عباس، و) آل (علي، و) ال (جعفر، و) آل (عقيل، و) آل

(1)

في أ: الروايات. ()

ص: 343

(الحارث بن عبد المطلب، و) آل (أبي لهب).

قال في " شرح المقنع الكبير ": لا نعلم خلافا في أن بني هاشم لا تحل لهم

الصدقة المفروضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد. إنما هي أوساخ الناس "

(1)

. أخرجه مسلم.

وعن أبي هريرة قال: " أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

كخ كخ. ليطرحها. وقال: ما شعرتَ أنا لا نأكل الصدقة "

(2)

. متفق عليه.

وسواء أعطوا من خمس الخمس أو لم يعطوا، لعموم النصوص.

ولأن منعهم من الزكاة لشَرَفِهم. وشرفُهم باق. فيبقى المنع.

(ما لم يكونوا) أي: بني هاشم (غزاة أو مؤلفة أو غارمين لإصلاح ذات

بَيْن) فلهم الأخذ لذلك، لجواز أخذ ذلك مع الغنى، وعدم المنة فيه.

(وكذا مواليهم) يعني: أن حكم موالي بني هاشم.] وهم: الذين أعتقهم

بنوا هاشم [

(3)

حكم بني هاشم فيما يجوز لهم أخذه من الزكاة وفيما لا يجوز لهم أخذه منها " لما روى أبو رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة. فقال لأبي رافع: أصحبني كَيْمَا تصيب منها. فقال: لا. حتى أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله. فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله. فقال: إنا لا تحل لنا الصدقة وإن موالي القوم منهم "

(4)

. أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ولأن الولاء بمنزلة النسب في أحكام. فغلب الحظر.

(1)

سبق تخريجه ص (317) رقم (1). ()

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(2907) 3: 1118 كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم بالفارسية والرطانه.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1069) 2: 751 كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم.

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1650) 2: 23 1 كتاب الزكاة، باب الصدقة على بني هاشم.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(657) 3: 46 كتاب الزكاة، باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2612) 5: 107 كتاب الزكاة، باب مولى القوم منهم.

ص: 344

(لا موالي مواليهم) يعني: أنه يجزئ دفع الزكاة إلى موالي موالي بني هاشم؛ لأنهم ليسوا من بني هاشم ولا من مواليهم.

قال في " الفروع ": ويجوز الدفع إلى ولد] هاشمية من غير [

(1)

هاشمي في ظاهر كلامهم. وتأوله القاضي اعتباراً بالأب وفاقاً. وذكر أبو بكر أنه لا يجوز. واحتج بحديث أنس: " ابن أخت القوم منهم "

(2)

. متفق عليه.

ولا تحرم الزكاة على أزواجه صلى الله عليه وسلم في ظاهر كلام أحمد والأصحاب وفاقا؛ كمواليهن إجماعاً؛ للأخبار فيهم.

وفى " المغني ": " أن خالد بن سعيد بن العاص بعب إلى عائشة بسفرة من الصدقة فردتها وقالت: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ".

قال: وهذا يدل على تحريمها على أزواجه صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر ما يخالفه مع أنهم

لم يذكروا هذا في الوصية والوقف. وهذا يدل على أنهم من أهل بيته في تحريم الزكاة. ولهذا قال صاحب " المحرر ": أزواجه صلى الله عليه وسلم من أهل بيته المحرم عليهم الزكاة في أحد الروايتين.

ثم احتج بقول عائشة المذكور. رواه الخلال وصاحبه

(3)

.

وكالدفع إليه. فإنهن في حبسه ونفقته حيا وميتا. ولهذا كن يُعطيْن من سهمه من الفيء من بعده.

وعن أبي هريرة مرفوعاً: " لا تقتسم ورثتي ديناراً. ما تركت بعد نفقة نسانى ومؤنة عاملي فهو صدقة "

(4)

. متفق عليه.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه البخارى في " صحيحه "(6381) 6: 484 2 كتاب الفرائض، باب مولى القوم من أنفسهم، وابن الأخت منهم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1059) 2: 734 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على إسلامهم وتصبر من قوي إيمانه.

(3)

في أ: وأصحابه. ()

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(2929) 3: 1128 أبواب الخمس، باب نفقة نساء النبي بعد وفاته.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1760) 3: 1382 كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا نورث. ما تركنا فهو صدقة ".

ص: 345

والثانية: لا تحرم عليهن. وهو قول زيد بن أرقم

(1)

. رواه مسلم. انتهى. (ولكل) من بني هاشم ومواليهم وكل من قلنا لا يجوز دفع الزكاة إليه:

(أخذ صدقة تطوع).

قال في " شرح المقنع ": وكل من حرم

(2)

صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم: يجوز دفع صدقة التطوع إليهم ولهم أخذها. قال الله سبحانه وتعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)] الإنسان: 8 [ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرًا.

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: " قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة. قلت: يا رسول الله لِلَّهِ إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة. أفأصلها؟ قا ل: صلي أمك "

(3)

.

و" كسا عمر أخاً له مشركا حلة كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه إياها "

(4)

.

و" قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: إن نفقتك على أهلك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك صدقة "

(5)

. متفق عليه.

(1)

أخرج مسلم في "صحيحه "(08 24) 4: 1873 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن يزيد بن حيان. قال: " انطلقت أنا وحصين بن سبره وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم. فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراًكثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسمعت حديثه وغزوت معه وصليب خلفه. لقد لقيت، يا زيد خيراًكثيرًا. حدثنا، يا زيد لِلَّهِ ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: يا ابن أخي! والله! لقد كبرت سنى. وقدم عهدي. ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله. فما حدثتكم فاقبلوا. وما لا. فلا تكلفونيه. ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً. بماء يدعى خما بين مكة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر. ثم قال: أما بعد. ألا أيها الناس لِلَّهِ فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال: وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساوه من أهل بيته؟ قال: نساوه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرم الصدقة؟ قال: نعم ".

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3012) 3: 162 1 أبواب الجزية والموادعة، باب إثم من () عاهد ثم غدر.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27038) 6: 355. ()

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2591) 3: 1006 كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته () أغنياء خير من أن يتكففوا الناس.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1628) 3: 1253 كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث.

ص: 346

(وسُن تعفف غني عنها) أي: عن صدقة التطوع (وعدم تعرضه لها) أي: لصدقة التطوع؛ لأنه سبحانه وتعالى مدح المتعففين عن السؤال مع وجود حاجتهم. قال سبحانه وتعالى (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف)] البقرة: 273].

(و) لكل من فقير ومسكين هاشمي وغيره أخذ من (وصية لفقراء. إلا النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم. فإن الصدقة كانت محرمة عليه مطلقاً فرضها ونفلها على الأصح؛ لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته وعلاماتها فلم يجز الإخلال به. فروى أبو هريرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة قال لأصحابه: كلوا. ولم يأكل. وإن قيل: هدية ضرب بيده وأكل معهم "

(1)

. متفق عليه.

وفي حديث سلمان الفارسي أن الذي أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه له قال:

" إنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة "

(2)

. والحديث بطوله في " مسند أحمد ". ولأن آل محمد لما منعوا فرض الصدقة لشرفهم على غيرهم: وجب أن ينزه النبي صلى الله عليه وسلم عن نفلها وفرضها لشرفه على الخلق كلهم تمييزاً له بذلك. كما خص مع خمس الخمس بالصفي من المغنم، وبالإسهام له مع غيبته من المغانم.

قال في " شرح الهداية ": ولا خلاف نعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرم عليه أن يقترض، ولا أن يهدى له، أو ينظر بدينه، أو يوضع عنه، أو يشرب من سقاية موقوفة على الماء، أو يأوي إلى مكان جعل للمارة، ونحو ذلك من أنواع المعروف التي لا غضاضة فيها. والعادة جارية بها في حق الشريف والوضيع. وإن كان يطلق عليها اسم الصدقة. قال سبحانه وتعالى:(فمن تصدق به فهو كفارة له)] المائدة: 45].

وقال: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم)] البقرة: 280].

(1)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(2437) 2: 910 كتاب الهبة وفضلها، باب قبول الهدية.

وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1077) 2: 756 كتاب الزكاة، باب قبول النبي صلى الله عليه وسلم الهدية ورده الصدقة.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(23405) 5: 444. ()

ص: 347

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل معروف صدقة "

(1)

.

(و) لبني هاشم غير النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ (من نذر) نذر أن يتصدق به على الفقراء. (لا) من (كفارة)؛ لأنها صدقة واجبة بالشرع فأشبهت الزكاة. بل أولى لأن النص علل منع الزكاة بكونها أوساخ الناس والكفارة من أشد أوساخهم إذ كان سبب مشروعيتها لمحو الذنب والجناية.

(وتجزئ دفع زكاة) دفع زكاة من عليه زكاة (إلى ذوي أرحامه) الذين ليسوا من عمودي نسبه؛ كبنات إخوته وبنات أعمامه وأخواله وخالاته (ولو ورثوا) على الأصح.

قال أحمد في رواية إسحاق بن منصور وقد سأله: يعطى الأخ والأخت والخالة من الزكاة؟ قال: يعطي كل القرابة إلا الأبوين والولد.

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الصدقة على المسكين صدقة، وهي لذي رحم اثنتان: صدقة وصلة "

(2)

. فلم يشترط كون الصدقة نافلة ولا فريضة. ولم يفرق بين الوارث وغيره. ولأن قرابتهم ضعيفة لا يرثون بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجين. فلم يمنع دفع الزكاة إليهم؛ كغير ذي الرحم.

(و) يجزئ دفع الزكاة أيضاً إلى (بني المطلب) على الأصح؛ لأن آية الأصناف وغيرها من العمومات تشملهم. لكن خرج منها بنو هاشم بالنص والإجماع. وقياسهم عليهم لا يصح؛ لأنهم أشرف وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومشاركتهم لبني هاشم في الخمس لم يكن بمجرد قرابتهم. بدليل أن بني نوفل وبني عبد شمس مثلهم في القرابة ولم يعطوا شيئاً من الخمس. وإنما شاركوهم بالنصرة مع القرابة؛ كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيهم: "إنهم لم يفارقونى في جاهلية ولا إسلام "

(3)

. والنصرة لا تقتضي حرمان الزكاة.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5675) 5: 2241 كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1005) 2: 697 كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقه يقع على كل نوع من المعروف.

(2)

سبق تخريجه ص (338) رقم (2). ()

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(4137) 7: 130 كتاب قسم الفئ.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(16760) 4: 81.

ص: 348

(و) يجزئ من عليه زكاة دفعها إلى (من تبرع بنفقته بضمه إلى عياله)؛ كيتيم أجنبي في الأصح؛ لأنه داخل في آية أصناف الزكاة. ولم يرد في منعه نص ولا إجماع. ولما روى البخاري " أن امرأة عبدالله سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن بني أخ لها أيتام في حجرها فتعطيهم زكاتها؟ قال: نعم "

(1)

.

(أو) من (تعذرت نفقته من زوج أو قريب بغيبة أو امتناع أو غيرهما) أي: غير الغيبة والامتناع؛ لأن ذلك مشبه لمن له عقار وتعطلت منافعه.

(وإن دفعها) أي: دفع الزكاة رب المال (لغير مستحقها لجهل) منه بعدم استحقاقه؛ كما لو دفعها لعبد أوكافر أو هاشمي أو لأبيه ونحوه وهو لا يعلم (ثم علم) حقيقة الحال: (لم يجزئه) رواية واحدة؛ لأنه لا يخقى حاله غالباً. فلم يجزئه الدفع إليه؛ كدين الآدمي.

(إلا الغني إذا) دفعها إليه وقد (ظنه فقيرا) فإنها تجزئه على الأصح.

لـ " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين وقال: إن شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها لغني ولا قوي مكتسب "

(2)

.

وقال للرجل الذي سأله من الصدقة: "إن كنت مق تلك الأجزاء أعطيتك حقك "

(3)

. ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال رجل: لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد غني. فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني. فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت. فلعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله تعالى "

(4)

. رواه النسانى.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1397) 2: 533 كتاب الزكاة، باب الزكاة () على الزوج والأيتام في الحجر.

(2)

سبق تخريجه ص (3371) رقم (2). ()

(3)

سبق تخريجه ص (313) رقم (3). ()

(4)

أخرجه النسائي في سننه (2523) 5: 55 كتاب الزكاة، باب إذا أعطاها غنياً وهو () لا يشعر.

ص: 349

] فصل: في صدقة التطوع]

(فصل. وتسن صدقة تطوع)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (إن المصدقين والمصدقت وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم.] الحديد: 18]. وقد حث الله عز وجل عليها في كتابه العزيز في آيات كثيرة.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يتصدق أحدكم بتمرة من كسب طيب

إلا أخذها الله بيمينه يربيها كما يربي أحدكم فَلْوَه أو قَلوصه. حتى تكون مثل الجبل العظيم أو أعظم "

(1)

. متفق عليه.

وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع

ميتة السوء "

(2)

. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

ويسن كون صدقة التطوع (بفاضل عن كفاية دائمة بمتجر أو غلة أو صنعة عنه)

أي: عن المتصدق (وعمن يمونه)، لما روى حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم "اليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول. وخير الصدقة عن ظهر غنى"

(3)

. متفق عليه.

وعن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ابدأ بنفسك فتصدق عليها. فإن فضل شيء فهكذا وهكذا "

(4)

. رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1344) 2: 511 كتاب الزكاة، ياب لا يقبل الله صدقة من غلول ولا يقبل إلا من كسب طيب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1014) 2: 702 كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتر بيتها.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(664) 3: 52 كتاب الزكاة، باب ما جاء في () فضل الصدقة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1361) 2: 518 كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1042) 2: 721 كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(997) 2: 692 كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(3955) 4: 27 كتاب العتق، باب في بيع المدبر.

وأخرجه النسائي في " سننه "(4652) 7: 304 كتاب البيوع، بيع المدبر.

وأخرجه أحمد في " المسند "(13719) ط إحياء التراث.

ص: 350

ولأن كفاية نفسه ومن يعوله فرض عليه. والفرض لا يجوز تركه لأجل النفل.

وتسن (كل وقت)، لإطلاق الحث عليها في الكتاب والسنة.

(و) كونها (سرًا بطيب نفس في صحة) أفضل، لقوله سبحانه وتعالى:(وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)] البقرة: 271].

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه "

(1)

. متفق عليه.

(و) كونها في شهر (رمضان، ووقت حاجة، وكل زمان ومكان فاضل كالعَشر والحرمين) أفضل؛ لما روي عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلَرَسول صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة "

(2)

. متفق عليه.

ولأن في الصدقة في رمضان إعانة على أداء فريضة الصوم. وقد جاء في الحديث " من فطر صائماً كان له مثل أجره "

(3)

.

(و) كون صدقة التطوع (على جار). للمتصدق (وذوي رحم) له (لا سيما

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6421) 6: 2496 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1031) 2: 715 كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3048) 3: 177 1 كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2308) 4: 1803 كتاب الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(17085) 4: 116 من حديث زيد بن خالد الجهني () رضي الله عنه.

ص: 351

مع عداوة) بينهما.

(وهي) أي: الصدقة (عليهم) أي: على ذوي الأرحام: صدقة و (صلة

أفضل) من الصدقة على غير الجار وغير ذوي الأرحام؛] لقوله سبحانه وتعالى:

) وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب) [

(1)

] النساء: 36].

ولقوله تعالى (يتيما ذا مقربة] أومسكينا ذا متربة [)

(2)

] البلد: 15 - 16].

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنان

صدقة وصلة "

(3)

. وهو حديث حسن.

ويستحب أن يخص بالصدقة من اشتدت حاجته؛ لقول الله سبحانه وتعالى:

(أومسكينا ذا متربة)] البلد: 16].

(ومن تصدق بما ينقص مُؤنة تلزمه) أي: مؤنة من تلزمه مؤنته، (أو أضر

بنفسه، أو غريمه، أو كفيله) بسبمب صدقته:(أثِم) بتصدقه بما يضر واحداً.

ممن ذكر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت "

(4)

.

وروى أبو هريرة قال: " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة. فقام رجل فقال:

يا رسول الله! عندي دينار. فقال: تصدق به على نفسك. فقال: عندي آخر.

قال: تصدق به على ولدك. قال: عندي آخر قال: تصدق به على زوجتك.

قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك. قال: عندي آخر. قال: أنت

أبصر "

(5)

. رواهما أبو داود.

فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل، لقوله سبحانه وتعالى: (ويؤثرون

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

سبق تخريجه ص (338) رقم (2). ()

(4)

أخرجه أبو داود فى " سننه "(1692) 2: 132 كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(6842) 2: 195.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه"(1691) 2: 132 كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم. ()

ص: 352

على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)] الحشر: 9].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة جهد من مقل إلى فقير في السر "

(1)

.

(ومن أرادها) أي: أراد الصدقة (بماله كله وله عائلة لهم كفاية او يكفيهم بمكسبه) فله ذلك؛ لقصة الصديق رضي الله تعالى عنه

(2)

. وإلا حرم.

(أو) كان (وحده، ويعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك. وإلا) أي: وإن لم يعلم من نفسه ذلك (حرم) أن يتصدق بجميع ماله " لما روى جابر بن عبدالله قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب. فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدِن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتاه من قبل ركنه الأيمن. فقال مثل ذلك. فأعرض عنه. ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر. فأعرض عنه، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها. فلو أصابته لأوجعته أو لعقرقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة. ثم يقعد يستكفّ الناس. خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى "

(3)

. رواه أبو داود.

وفي رواية: " خذ مالك عنا لا حاجة لنا به "

(4)

.

فقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على المعنى الذي كره من أجله الصدقة بجمع ماله وهو أن يستكف الناس أي: يتعرض للصدقة فيأخذها ببطن كفه. يقال: تكفف واستكف إذا فعل ذلك.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1449) 2: 69 كتاب الوتر.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(15438) 3: 412.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 180 كتاب الزكاة، باب ما يستدل به على أن قوله:" خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ". ولفظه: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك فقلت مثله قال: فأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلي شيء أبداً ".

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1673) 2: 28 1 كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج () من ماله.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1674) الموضع السابق. ()

ص: 353

(وكره لمن لا صبر له) على الضيق (أو) لا (عادة) له (على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة) نص عليه. وظهر من ذلك أن الفقير لا يقترض ليتصدق بما يقترضه.

ونص أحمد في فقير لقريبه وليمة: يستقرض ويهدي له. ذكره أبو الحسين

في " الطبقات ".

قال في " الفروع " قال شيخنا: فيه صلة الرحم بالقرض. وقد ذكر ابن عقيل

في مواضع: أقسم بالله لو عبس الزمان في وجهك مرة لعبس في وجهك أهلك

(1)

وجيرانك. ثم حث على إمساك المال.

وذكر ابن الجوزي في كتابه " السر المصون ": أن الأولى أن يدخر لحاجة تعرض وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضراء والذل ما يكون الموت دونه. فلا ينبغي لعاقل أن يعمل بمقتضى الحال الحاضرة. بل يصور كلما يجوز وقوعه. وأكثر الناس لا ينظرون في العواقب. وقد تزهد خلق كمير فأخرجوا ما بأيديهم ثم احتاجوا. فدخلوا في مكروهات. والحازم من يحفظ ما في يده.

والإمساك في حق الكريم جهاد؛ كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد. والحاجه تحوج إلى كل محنة.

قال بشر الحافى: لو أن لي دجاجة أعولها خفت أن أكون عشارًا على الجسر.

وقال الثوري. من كان بيده مال فليجعله في قرن ثور فإن زمان من احتاج فيه

كان أول ما يبذل

(2)

دينه.

قال ابن الجوزي. وبعد. فإذا

(3)

صدقت نية العبد وقصده رزقه الله تعالى وحفظه من الذل ودخل في قو له (ومن يتق الله 000)

(4)

الاية] الطلاق: 2].

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في ج: يبذر. ()

(3)

في ب: إذا. ()

(4)

ساقط من أ. ()

ص: 354

(ومن ميز شيئاً للصدقة أو وكل فيه) أي: في التصدق بشيء (ثم بدا له) أن

لا يتصدق: (سن) له (إمضاؤه) أي: إمضاء ما ميزه للصدقة أو ما وكل أن يتصدق به.

ولا يجب عليه إمضاؤه وفاقاً.

نقل محمد بن داود أن أبا عبدالله سئل عن رجل بعث دراهم إلى رجل يتصدق

بها عليه. فلم يجده الرسول. فبدا للمرسل أن يمسكها. قال: ما أحسنه أن يمضيه.

و (لا) يسن له (إبدال ما أعطى سائلا فسخطه).

قال في " الفروع ": ومن سأل فأعطي فقبضه فسخطه لم يعط لغيره

(1)

في

ظاهر كلام العلماء رضي الله عنهم.

وعن علي بن الحسين: أنه كان يفعله. رواه الخلال. وفيه جابر الجعفي ضعيف. فإن صح فيحتمل أنه فعله عقوبة. ويحتمل أن سخطه دليل على أنه لايختارتملكه. فيتوجه مثله على أصلنا؛ كبيع التلجئة.

ويتوجه في الأظهر أن أخذ صدقة التطوع أولى من الزكاة، وأن أخذها سراً أولى.

(والمن بالصدقة كبيرة).

قال في " الفروع ": ويحرم المن بالصدقة وغيرها. وهو كبيرة على نص

أحمد الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة.

(ويبطل الثواب به) أي. بالمن؛ لقوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين

ءامنوا لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)] البقرة: 264].

قال في " الفروع ". ولأصحابنا خلاف فيه. وفي بطلان طاعة بمعصية.

واختار شيخنا الإحباط. بمعنى الموازنة. وذكر أنه قول أكثر السلف.

(1)

في أ: بغيره. ()

ص: 355

وفي " الصحيحين " من حديث عبدالله بن زيد بن عاصم " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة ولم يعط الأنصار. فكأنهم وَجَدوا. فقال: يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي. وكنتم متفرقين فألفكم الله بي. وعالة فأغناكم الله بي؟ فقالوا: الله ورسوله أمنّ. فقال: ألا تجيبون؟ لو شئتم لقلتم: جئتنا كذا

وكذا. . ."

(1)

الحديث. متفق عليه.

فيحتمل أن يقال في هذا كما قاله ابن حزم: لا يحل أن يمن إلا من كفر إحسانه وأسيء إليه فله أن يعدد إحسانه.

ويحتمل أن يقال - كما قاله

(2)

شارح " الأحكام الصغرى "-: أن هذا دليل على إقامة الحجة عند الحاجة إليها على الخصم. ولما كانت نعمة الإيمان أعظم النعم قدمها. ثم نعمة الألفة أعظم من نعمة المال " لأن المال يبذل في تحصيلها. والله أعلم

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4075) 4: 1574 كتاب المغازي، باب غزوة () الطائف.

(2)

في ج: قال. ()

(3)

في ج: تم الجزء الأول من شرح المصنف بالتمام والكمال والحمد لله على كل حال () يد كاتبه الفقير محمد برعي الشافعي يوم الثلاثاء المبارك.

ص: 356

[كتاب الصيام]

هذا (كتاب) يذكر فيه مسائل من أحكام الصيام.

ثم (الصيام) لغه مجرد الإمساك. يقال: صام النهار إذا وقف سير

الشمس، ويقال للساكت: صائم؛ لإمساكه عن الكلام، ويقال للفرس: صائم

إذا أمسك عن العلف مع القيام، ويقال له: صائم إذا أمسك عن الصهيل في موضعه.

وأما الصيام في اصطلاح أهل الشرع فهو: (إمساكٌ بنية) للإمساك (عن

أشياء مخصوصة)، وهي مفسداته. وسيأتي بيانها.

(في زمن معين) وهو: من طلوع الفجر الثانى إلى غروب الشمس، (من

شخص مخصوص) وهو: المسلم العاقل غير الحائض والنفساء.

وسمي شهر الصوم رمضان قيل: لحر جوف الصائم فيه ورمضه، والرمضاء: شدة الحر.

وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت

فيها. فوافق هذا الشهر أيام شدة الحر ورمضه.

وقيل: لأنه يحرق الذنوب.

وقيل: غير ذلك.

وجمعه: رمَضَانات وأرْمِضة ورماضين وأرْمُض

(1)

ورِماض ورَمَاضى

وأراميض.

والمستحب قول: شهر رمضان، كما قال الله سبحانه وتعالى.

ولا يكره قول: رمضان بإسقاط الشهر، وفاقا لأبي حنيفة وأكثر العلماء.

(1)

في أ: وأرمضة. ()

ص: 357

وروى أبو هريرة مرفوعاً " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "

(1)

متفق عليه.

] وعنه أيضا مرفوعاً: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب

النار وصفدت الشياطين "

(2)

متفق عليه]

(3)

.

وللبخاري أيضا: " فتحت أبواب السماء "

(4)

.

قال في " الفروع ". يحتمل أنه على ظاهره، ويحتمل أن المراد: كثرة الخير أو كثرة أسبابه.

ومعنى صفدت: غلت، والصَّفَد: الغِلّ. وهو معنى سُلسِلت، والمراد: المردة. فليس فيه إعدام الشر بل قلته؛ لضعفهم.

ولهذا روى الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة: " صفدت الشياطين ومردة الجن "

(5)

.

وللنسائي من حديثه: " وتغلُّ في مردة الشياطين "

(6)

.

فلا يَرد قول القائل: إن المجنون يصرع فيه. وقد قال عبدالله لأبيه هذا. فقال: هكذا الحديث. ولا تكلم في ذا.

وروى أحمد، حدثنا يزيد، أنبأنا هشام بن أبي هشام عن محمد بن محمد

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(38) 1: 22 كتاب الإيمان، باب صوم رمضان إحتساباً من الإيمان.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(760) 1: 523 كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3103) 3: 1194 كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1079) 2: 758 كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان.

(3)

ساقط من ب. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1800) 2: 672 كتاب الصوم، باب هل يقال () رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعاً.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(682) 3: 66 كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل شهر رمضان.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1642) 1: 511 كتاب الصيام، باب ما جاء في فضل شهر رمضان.

(6)

أخرجه النسائى في "سننه"(2106) 4: 129 كتاب الصيام، ذكر الاختلاف على ()

معمر فيه.

ص: 358

ابن الأسود عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة فال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطه أمة قبلهم: خَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر له الملائكة حتى يفطر، ويزين الله كل يوم جنته ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يُلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليكِ، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره

(1)

، ويغفر لهم في آخر ليلة. قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟ قال: لا. ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله "

(2)

.

قال ابن ناصر الحافظ: حديث حسن إسناده عدول.

(وصومُ رمضان فرضٌ). افترض صومه في السنة الثانية من الهجرة إجماعاً. فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعاً.

والأصل فى فرضيته

(3)

قوله سبحانه وتعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)

] البقرة: 185].

و" عدّه النبي صلى الله عليه وسلم في مبانى الإسلام الخمس " في حديث ابن عمر المتفق عليه

(4)

.

وفي حديث طلحة بن عبيدالله: " ان أعرابياً قال: يا رسول الله! أخبرنى ما فرض الله علي من الصيام؟ فقال: شهر رمضان. فقال هل علي غيره؟ قال: لا. إلا أن تطوع شيئا "

(5)

. متفق عليه.

(1)

في أ: غيرهم. ()

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(7904) 292:2. ()

(3)

في أ: فريضته. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(8) 12:1 كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(16) 45:1 كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(46) 25:1 كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(11) 1: 40 كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.

ص: 359

(يجب) صومه (برؤية هلاله)؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه

قال: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته "

(1)

.

ويستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما روى ابن عمر قال: " كان رسول الله

صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: الله اكبر. اللهم! أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى. ربي وربك الله "

(2)

. رواه الأثرم والدارمي.

(فإن لم يُرَ) هلال رمضان (مع صحوٍ، ليلة الثلاثين من شعبان، لم يصوموا) أي: كره أن يصوموا يوم تلك الليلة؛ لأنه يوم الشك المنهي عن صومه.

(وإن حال دون مَطلعِه) أي: مطلع هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان (غيم أو قَتر).

قال في " القاموس ": والقتر والقترة محركتين، والقترة بالفتح: الغَبَرة.

(أو غيرُهما) أي: غير الغيم، والقتر؛ كالدخان:(وجب صيامه) أي:

صيام يوم تلك الليلة (حكماً) شرعياً (ظنياً) بوجوبه، (احتياطاً بنية) أنه من (رمضان) على أصح الروايات.

قال في " المقنع ". في ظاهر المذهب.

قال في " الإنصاف ": وهو المذهب عند الأصحاب ونصروه، وصنفوا فيه التصانيف. وردوا حجج المخالف. وقالوا: نصو ص أحمد تدل عليه، وهو من مفردات المذهب.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1810) 2: 674 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيتم الهلال فصوموا ".

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1081) 2: 762 كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤيه الهلال. . .

(2)

أخرجه الدارمي في " سننه "(1689) 2: 4 كتاب الصوم، باب ما يقال عند رؤية () الهلال.

ص: 360

وعنه: لا يجب صومه قبل ر c ية هلاله أو إكمال شعبان ثلاثين.

قال الشيخ تقى الدين: هذا مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه. وقال:

لا أصل للوجوب في كلام الإمام أحمد ولا فى كلام أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ورد صاحب " الفروع " جميع ما احتج به الأصحاب للوجوب. وقال: لم أجد عن أحمد صريحاً بالوجوب

(1)

ولا أمر به. فلا تتوجه إضافته إليه. واختار هذه الرواية أبو الخطاب وابن عقيل. ذكره في " الفائق "، واختارها صاحب " التبصرة ". قاله في " الفروع "، واختارها الشيخ تقي الدين وأصحابه منهم صاحب " الفروع " و" الفائق " وغيرهم، وصححه ابن رزين في " شرحه ". فعلى هذه الرواية: يباح صومه. قال في " الفائق ": اختاره الشيخ

تقي الدين.

وقيل: بل يستحب. قال الزركشي: اختاره أبو العباس. انتهى.

قال في " الاختيارات ": وحكي عن أبي العباس

(2)

أنه كان يميل أخيراً إلى

أنه لا يستحب صومه. انتهى.

وعنه: الناس تبع للإمام. فإن صام صاموا، وإلا فلا. فيتحرى في كثرة كمال الشهور ونقصها، وإخباره بمن لا يكتفى به وغير ذلك من القرائن، ويعمل بظنه. انتهى.

وبالرواية الأولى، قال عمر وابنه وعمرو بن العا ص وأبو هريرة وأنس ومعاوية وعائشة

(3)

وأسماء ابنتا أبي يكر رضي الله تعالى عنهم.

وبها قال بكر بن عبدالله المزنى وأبو عثمان النهدي وابن أبى مريم ومطرف وميمون بن مهران وطاووس ومجاهد.

وبالثانية وهي: عدم الوجوب وعدم الإجزاء إن بان أنه من رمضان، قال

(1)

في ب: لوجوب. ()

(2)

في ب: ابن العباس. ()

(3)

ساقط من أ. ()

ص: 361

أبو حنيفة ومالك والشافعي وكثير من أهل العلم، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين "

(1)

. رواه البخاري.

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له ثلاثين "

(2)

رواه مسلم.

وقد صح: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن يوم الشك "

(3)

. وهذا يوم شك، لأن الأصل بقاء شعبان. فلاينتقل عنه بالشك.

وبالثالثة: وهي أن الناس تبع للإمام إن

(4)

صام صاموا وإن أفطر أفطروا. قاله الحسن وابن سيرين وسوار العنبري، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون "

(5)

.

ووجه الرواية الأولى التي هي المذهب، ما روى نافع عن ابن عمر قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الشهر تسع وعشرون. فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه. فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له "

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1810) 2: 674 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:()" إذا رأيتم الهلال فصوموا ". . .

(2)

أخرجه مسلم في "صحيحه "(1080) 2: 759 كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان () لرؤية الهلال. .

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2334) 2:300 كتاب الصوم، باب كراهية صوم يوم الشك. بلفظ: عن صلة قال: "كنا عند عمار في اليوم الذي لشك فيه فأتى بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ".

وأخرجه النسائى في "جامعه "(686) 3: 70 كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك. نحوه.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2188) 4: 153 كتاب الصيام، صيام يوم الشك. نحوه.

واخرجه ابن ماجه في "سننه "(1645) 1: 527 كتاب الصيام، باب ما جاء في صيام يوم الشك. نحوه.

(4)

في ب. فإن. ()

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2324) 2: 297 كتاب الصوم، باب إذا أخطأ القوم الهلال.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(697) 3: 80 كتاب الصوم، باب ما جاء الصوم يوم تصومون. . .

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1660) 1: 531 كتاب الصيام، باب ما جاء في شهرى العيد.

(6)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1807) 2: 674 كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ".

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1080) 2: 759 كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال. . .

ص: 362

قال نافع: " كان عبدالله بن عمر إذا مضى من الشهر تسعة وعشرون يوماً يبعث

من ينظر له

(1)

الهلال. فإن رأى فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولاقتر أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما"

(2)

. ومعنى: اقدروا له أي: ضيقوا له، من قوله سبحانه وتعالى: (ومن قدر

عليه رزقه)] الطلاق: 7 [أي: ضيق عليه، وقوله:) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر)] الشورى: 12 [، وقوله سبحانه وتعالى: (وقدر فى السرد)] سبأ: 11].

والتضييق له: أن يُجعل شعبان تسعة وعشرين يوما، وقد فسره ابن عمر بفعله وهو راويه وأعلم بمعناه. فيجب الرجوع إلى تفسيره كما رجع إليه في تفسير التفرق في خيار المتبايعين.

ولأنه شكٌّ في أحد طرفي الشهر لم يظهر فيه أنه من غير رمضان. فوجب الصوم؛ كالطرف الآخر.

قال علي وأبو هريرة] وعائشة: " لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان "

(3)

.

ولأن الصوم يحتاط له ولذلك وجب الصوم بخبر الواحد، ولم يفطروا إلا بشهادة اثنين.

وأما خبر أبي

(4)

هريرة [

(5)

الذي احتجوا به فإنه يرويه محمد بن زياد، وقد

(1)

ساقط من ب. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2320) 2: 297 كتاب الصوم، باب الشهر يكون () تسعاً وعشرين.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 211 كتاب الصيام، باب من رخص من () الصحابة في صوم يوم الشك. عن عائشة وأبي هريرة. وفي 4: 212 كتاب الصيام، باب الشهادة على رؤيه هلال رمضان. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(4)

في ب: أبو. ()

(5)

ساقط من أ. ()

ص: 363

خالفه سعيد بن المسيب فرواه عن أبي هريرة: " فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين "

(1)

. وروايته أولى؛ لإمامته، واشتهار ثقته وعدالته، وموافقته لرأي أبي هريرة ومذهبه، ولخبر ابن عمر الذي رويناه. ويمكن حمله على ما إذا غم في طرفي الشهر.

ورواية ابن عمر: " فاقدروا له ثلاثين "

(2)

: مخالفة للرواية الصحيحة المتفق عليها، ولمذهب ابن عمر.

ورواية النهي عن صوم الشك محمول على حال الصحو، جمعاً بينه وبين ما

ذكرنا.

ولأنه لما خص حال

(3)

امتناع الرؤية بالغمة بهذا الحكم علم أنه مخالف لعهدمها

(4)

مع الصحو، وإلا كان التخصيص عبثاً.

ولأنه إغمام في يوم لعلة لا يتحقق إذا فرض رمضان إلا بصومه. فوجب صومه؛ كاليوم الأخير.

(و) على المذهب (يجزئ) صيام ذلك اليوم (إن ظهر) أنه (منه) أي:

من رمضان بأن ثبت رؤيته بمكان آخر؛ لأن صيامه وقيع بنية رمضان.

وقيل للقاضي: لا يصح إلا بالنية ومع الشك فيها لا يجزم بها؛ فقال: لايمتنع التردد فيها للحاجة؛ كالأسير] إذا صام شهراً ثم ظهر له أنه رمضان أجزأه [

(5)

. وصلاة من خمس.

قال في " الفروع ": كذا قال.

(ويثبت) بإيجاب صومه على المذهب (أحكام صوم) لرمضان: (من

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1081) 2: 762 كتاب الصيام، باب وجوب صوم () رمضان لرؤية الهلال. . .

(2)

سبق تخريجه ص (362) رقم (2). ()

(3)

في أ: حالة. ()

(4)

في ب: لعدمهما. ()

(5)

ساقط من أ. ()

ص: 364

صلاة تراويح) في الأصح؛ لعموم قول أحمد في رواية الفضل بن زياد: القيام قبل الصيام.

ولـ " أن النبي صلى الله عليه وسلم وعدنا بالغفران لمن صامه وقامه. "

(1)

. ولا يتحقق قيامه

كله إلا بذلك.

(ووجوب كفارة بوطء فيه) أي: في ذلك اليوم (ونحوه)؛ كوجوب الإمساك على من لم ينو صومه من الليل، أو من أكل فيه جاهلاً بالحكم ثم علمه. (ما لم يتحقق أنه من شعبان) بأن لم ير مع الصحو هلال شوال بعد ثلاثين

ليلة من الليلة

(2)

التي غم فيها هلال رمضان. فيتبين أنه لا كفارة بالوطء في ذلك اليوم.

(لا بقية الأحكام) يعني: أنه لا يثبت بقولنا بوجوب الصيام بنية رمضان احتياطا بقية أحكام الشهر من حلول الديون المؤجلة إلى مستهل رمضان، ولا وقوع الطلاق والعتق المعلقين بدخول رمضان، ولا من انقضاء العدة ومدة الإيلاء وغير

(3)

ذلك.

وذكر القاضي احتمالاً بثبوت جمع أحكام الشهر.

قال في " الفروع ": والأول أشهر، عملا بالأ صل. خولف

(4)

للنص، واحتياطاً لعبادة عامة.

(وكذا) أي: وكحكم رمضان في وجوب الصوم إذا غم

(5)

هلالى (حكم شهر نذر صومه أو) نذر (اعتكافه في وجوب الشروع) في المنذور فيه (إذا غُمَّ هلاله).

(1)

سيأتي حديث أبي هريرة: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه () " ص:

(2)

في أ: الليل. ()

(3)

في ب: في غير. ()

(4)

في أ: خالف. ()

(5)

ساقط من أ. ()

ص: 365

ومن نوى صوم يوم

(1)

التالي للتاسع والعشرين من شعبان احتياطاً بلا مستند شرعي من غيم أو غيره فبان من رمضان لم يجزئه وفاقا لمالك والشافعي.

وعنه: بلى، إن لم تعتبر نية التعيين.

وعنه: يجزئه ولو اعتبرت.

(والهلال المرئيُّ نهاراً، ولو قبل الزوال) في أول رمضان أو في آخره

(للمقبلة) أي: لليلة المقبله على الأصح.

وعنه: إن رئي

(2)

قبل الزوال فيكون في أول الشهر للماضية، وفي آخره للمقبله احتياطاً لفرض الصوم.

وعنه: أنه يكون للماضية في أول الشهر وفي آخره

(3)

.

والأول المذهب. نص عليه في رواية الجماعة.

ولأنها ليلة رئي الهلال في يومها. فلم يجعل لها؛ كما لو رئي آخر النهار.

وفقه ذلك: أن الهلال إذا كان ابن ليلة فإنه يختلف في صغره وكبره وعلوه وانخفاضه وقربه من الشمس اختلافاً شديداً لا ينضبط. فوجب طرح ذلك والعمل بالمقبلة الشرعية المعتادة.

وقد جاء في الحديث تنبيه على ذلك. فروى البخاري في " تاريخه "

(4)

عن طلحة بن أبي حدرد

(5)

قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أشراط الساعة أن تروا الهلال تقولون ابن ليلتين "

(6)

.

وروى أبو وائل قال: " جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين: إن الأهلة بعضُها

(1)

في أ: اليوم. ()

(2)

في ب: وعنه أنه إذا رئي. ()

(3)

في ب: وآخره. ()

(4)

في أ: نهجه. ()

(5)

كذا في ج. وفي أ: حدرة، وفي ب: حدود. ()

(6)

أخرجه البخاري في " تاريخه "(3073) 2: 345. ()

ص: 366

أعظم من بعض. فإذا رأيتم الهلال أول النهار فلا تفطروا حتى يشهد رجلان ذوا عدل أنهما أهلاه بالأمس عشية "

(1)

. رواه الدارقطني واحتج به أحمد.

(وإذا ثبت رؤيته) أي: رؤية هلال رمضان (ببلد: لزم الصوم جمع الناس)؛ لقوله " صوموا لرويته "

(2)

. وهذا خطاب للأمة كافة، ولو فرضنا الخطاب للذين رأوه

(3)

فالغرض حاصل؛ لأن من صور المسألة وفوائدها ما إذا رآه جماعة ببلد ثم سافروا إلى بلد بعيد فلم ير الهلال به في آخر الشهر مع عدم

(4)

غيم أو صحو فإنه

(5)

لا يحل لهم الفطر ولا لأهل ذلك البلد عند المخالف.

ومن صورها: ما إذا رآه جماعة ببلد ثم سارت بهم ريح في سفينة فوصلوا إلى

بلدة بعيدة في آخر الليل لم يلزمهم الصوم في أول الشهر، ولم يحل لهم الفطر في اخره عندهم. وهذا كله مصادم لقوله صلى الله عليه وسلم:" صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"

(6)

. ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين، ووقوع الطلاق والعتاق وغير ذلك من الأحكام. فكذلك حكم الصوم بمقتضى النصوص والإجماع.

وأجاب القاضي عن قول المخالف: الهلال يجري مجرى طلوع الشمس وغروبها، وقد ثبت أن لكل بلد حكم نفسه. كذا الهلال. فقال القاضي: تتكرر مراعاتها في كل يوم. فتلحق المشقة في اعتبار طلوعها وغروبها. فيؤدي إلى قضاء العبادات، والهلال في السنة مرة. فليس كبير مشقة في قضاء يوم. ودليل المسألة من العموم يقتضي التسوية.

(وإن ثبتت) رويته (نهاراً أمسَكوا) عما ينافي الصوم (وقضَوا) ذلك اليوم

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(109) 2: 169 كتاب الصيام، باب الشهادة على () رؤية الهلال.

(2)

سبق تخريجه ص (360) رقم (1). ()

(3)

في أ: رواه. ()

(4)

ساقط من أ. ()

(5)

في أ: فإنهم. ()

(6)

سبق تخريجه ص (360) رقم (1). ()

ص: 367

وفاقا للأئمه الثلاثة؛ (كمن) أي: كما لو (أسلم) كافر، (أو عقل) مجنون، (أو طهرت) حائض (من حيض، أو) طهرت نفساء من (نفاس) في أثناء النهار على الأصح، (أو تعمّد مقيم) الفطر، (أو) تعمدت (طاهر الفطر فسافر) المقيم الذي تعمد الفطر في أثناء النهار (أو حاضت) الطاهر التي تعمدت الفطر. فإنهما يلزمهما الإمساك في ذلك اليوم مع السفر والحيض. نقله ابن القاسم وحنبل.

(أو قدِم مسافر أو بَرئ مريض مفطرَين) في أثناء يوم من رمضان.] يعني:

أنهما يلزمهما الإمساك على الأصح.

(أو بلغ صغير) من ذكر. أو أنثى (في أثنائه) أي: أثناء يوم من رمضان]

(1)

وهو مفطر فإنه يلزمه إمساك بقية ذلك.

(ما لم يبلغ) الصغير (صائماً بسن أو احتلام وقد نوى) الصيام (من الليل. فيتم) صومه (ويجزئ) ذلك عن قضاء ذلك اليوم في الأصح. وهو قول القاضي؛ (كنذر إتمام نفل). وعند أبي الخطاب: يلزمه القضاء؛ كقيام البينة يوم الثلاثين وهو في نفل معتاد. وسبق الوجوب في أحدهما وتجدده في الآخر ملغى بما لو كانا مفطرين، وكبلوغه في صلاة وحج.

(وإن علم مسافر) برمضان (أنه يقدم غدا) إلى البلد الذي يقصده (لزمه الصوم). نقله أبو طالب وأبو داود.

كمن

(2)

نذر صوم يوم يقدم فلان وعلم قدومه في غد. فينويه من الليل.

(لا صغير) برمضان (علم أنه يبلغ غداً) يعني: فلا يلزمه أن ينوي الصوم

من الليل؛ (لعدم تكليفه) قبل دخول الغد. بخلاف المسافر] فإنه مكلف]

(3)

.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في أوج: وكمن. ()

(3)

زيادة من ب. ()

ص: 368

] فصل: في إثبات هلال رمضان]

(فصل. ويُقبلُ فيه) أي: في هلال رمضان (وحده خبر مكلف عدل).

نص عليه وفاقا للشافعي، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء " لما روى ابن عباس قال:" جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت الهلال. قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؛ قال: نعم. قال: يا بلال! أذن في الناس فليصوموا غداً "

(1)

. رواه بمعناه

(2)

أبو دا ود والنسائي والرمذي.

ولما روى ابن عمر قال: " تراءَى الناس الهلال. فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى رأيته. فصام وأمر الناس بصيامه "

(3)

. رواه أبو داود.

ولأنه خبر ديني لا تُهمة فيه. بخلاف آخر الشهر.

ولاختلاف أحوال الرائي والمرئي. ولهذا لو حكم حاكم

(4)

بشهادة واحد وجب العمل بها وفاقا لأبي حنيفة.

وعن أحمد: يعتبر عدلان.

وعلى الأول الذي هو المذهب: لا يشترط حرية العدلى، ولا ذكوريته، ولا

أن يأتي بلفظ الشهادة بل يعمل بمقتضى خبره، (ولو) كان (عبداً أو أنثى، أو بدون لفظ الشهادة. ولا يختص بحاكم) فيلزم الصوم من سمع عدلا يخبر برؤية

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2340) 2: 302 كتاب الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤيه هلال رمضان.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(691) 3: 74 كتاب الصوم، باب ما جاء في الصوم بالشهادة.

وأخرجه النسائي في " سننه"(2113) 4: 132 كتاب الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان وذكر الاختلاف فيه.

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2342) الموضع السابق. ()

(4)

في ب: واحد. ()

ص: 369

الهلال ولو رده الحاكم، لأن رد الحاكم يجوز أن يكون لعدم علمه بحال المخبر، ولا يتعين ذلك في عدم العدالة، وقد يجهل الحاكم عدالة من يعلم غيره عدالته.

(وتثبت) بشهادة الواحد (بقية الأحكام). جزم به صاحب " المحرر " في مسألة الغيم.

وعلم مما تقدم: أنه لا يقبل في هلال شوال وغيره من الشهور إلا عدلان ذكران بلفظ الشهادة؛ لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال، وليس بمال ولا يقصد به المال. أشبه القصاص. وكان القياس يقتضي مثل ذلك في رمضان، لكن تركوه احتياطاً للعبادة.

(ولو صاموا) أي: صام الناس (ثمانية وعشرين) يوماً (ثم رأوْه) أي:

رأوا هلال شوال (قضوا يوماً) واحدا (فقط). نقله حنبل واحتج بقول علي، ولبعد الغلط بيومين.

(و) إن صاموا (بشهادة اثنين ثلاثين) يوماً (ولم يروه) أي: يروا هلال شوال (أفطروا) وجوباً على خلاف مع الصحو، ومع الغيم إجماعاً.

واستدل من يقول بوجوب الإفطار مع الصحو ومع الغيم: بأن شهادة العدلين يثبت بهما الفطر ابتداء. فتبعاً لثبوت الصوم أولى.

ولأن شهادتهما بالرؤية السابقة إثبات، أخبرا به عن يقين ومشاهدة. فكيف يقابلها الإخبار بنفي وعدم ولا يقين معه. وذلك: أن الرؤية يحتمل حصولها بمكان آخر، ويحتمل فيما إذا فرضنا غيبة الشاهدين أو موتهما أنه خفي على الحاضرين كما خفي في أوله، لقوة نظر الشاهدين عليهم.

(لا) إن صاموا (بواحد) أي: بشاهدة واحد ثلاثين يوما ولم يروا الهلال فإنهم لا يفطرون في الأصح، لقوله صلى الله عليه وسلم:" وإن شهد اثنان فصوموا وأفطروا"

(1)

.

(1)

أخرجه النسائي في " سننه "(2116) 4: 132 كتاب الصيام، باب قبول شهادة () الرجل الواحد على هلال شهر رمضان وذكر الاختلاف فيه.

ص: 370

ولأنه فطر. فلم يجز أن يستند إلى شهادة واحد، كما لو شهد بهلال شوال.

(ولا لغيم) يعني: أنهم لو صاموا لأجل الغيم الحاصل ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثين يوماً ولم يروا الهلال لم يفطروا، لأن الصوم إنما كان احتياطا فمع موافقته للأصل- وهو بقاء رمضان- أولى.

(فلو غُمَّ) الهلال (لشعبان و) غم أيضاً الهلال لـ

(1)

(رمضان: وجب تقدير) شهر (رجب و) شهر (شعبان ناقصين. فلا يفطروا قبل) أن يصوموا (اثنين وثلاثين) يوماً، (بلا رؤية)، لأن الصوم إنما كان احتياطاً.

(وكذا الزيادة) أي: زيادة صوم اليومين على الصوم الواجب (لو غمّ) الهلال (لرمضان وشوال وأكملنا شعبان ورمضان) أي: وفرضنا أن شعبان ورمضان كاملين، (و) تبين أنهما (كانا ناقصين).

وفي " المستوعب ": وعلى هذا فقس إذا غم هلال رجب وشعبان ورمضان. هذا آخر كلامه في " المستوعب ". ونقله عنه في " الفروع " إلى قوله: فقس. ثم قال: وليس مراده مطلقاً.

قال في " شرح مسلم ": قالوا- يعني العلماء-: لا يقع النقص متوالياً في أكثر من أربعة أشهر.

وفي "الصحيحين " من حديث أبي بكرة: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان، وذو الحجة "

(2)

.

نقل عبد الله والأثرم وغيرهما: لا يجتمع نقصانهما في سنة واحدة، ولعل

المر اد: غالباً.

وأنكر أحمد تأويل من تأوله على السنة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيها.

(1)

في أ: هلال. وإسقاط اللام. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1813) 2: 675 كتاب الصوم، باب شهرا عيد لا ينقصان.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1089) 2: 766 كتاب الصيام، باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم:" شهرا عيد لاينقصان ".

ص: 371

ونقل أبو داود: لا أدري ما هذا؟ قد رأيناهما ينقصان. انتهى.

(ومن رآه) أي: رأى الهلال (وحده لشوال لم يُفطر). نقله الجماعة؛

لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون "

(1)

. رواه أبو داود وابن ماجه.

وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى

يوم يضحي الناس "

(2)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن

(3)

صحيح غريب. وعنها أيضاً قالت: " إنما الفطر يوم يفطر الإمام وجماعة المسلمين ". رواه

أبو حفص العكبري. وبهذا قال عمر.

ولأنه يوم محكوم به من رمضان وبالذي يليه من شوال. فلزمه صومه وفطر الذي يليه؛ كما لو أخبره برويته واحد.

فإن قيل: قد تيقنه يوم العيد وهو منهى عن صومه. فيجوز له الفطر.

قلنا: هو وإن اعتقده يقيناً فلا يثبت به اليقين في نفس الأمر، إذ يجوز أنه خيل إليه. فينبغي أن يتهم في رؤيته؛ احتياطاً للصوم، وموافقته للجماعه. (و) من رأى الهلال وحده الرمضان وردت شهادته لزمه الصوم. وجمع أحكام الشهر: من طلاق وعتق وغيرهما)؛ كظهار (معلق به) على الأصح، وفاقا للأئمة الثلاثة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:" صوموا لرؤيته "

(4)

.

وقوله: " إذا رأيتموه فصوموا "

(5)

: خطاب لكل واحد من الأمة.

ولأنه يوم علمه رمضان. فلزمه صومه؛ كالذي بعده.

وإنما جعل من شعبان في حق غيره في ظاهر الأمر؛ لعدم علمهم، وكعلم

(1)

سبق تخريجه ص (362) رقم (5). ()

(2)

أخرجه الترمذي في "جامعه "(802) 3: 165 كتاب الصوم، باب ما جاء في () الفطر والأضحى متى يكون.

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

سبق تخريجه ص (362) رقم (1) و (2). ()

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(7851) 2: 287. ()

ص: 372

فاسق نجاسة ماء أودين على مورثه.

ولأنه يلزمه إمساكه لو أفطر فيه.

وتجب الكفارة بالوطء فيه؛ لأنها ليست عقوبة محضة، بل هي عبادة. أو

فيها شائبة العبادة. بخلاف الحد.

وحديث أبي هريرة: " الصوم يوم تصومون "

(1)

: ففي إسناده من رواية الترمذي: عبدالله بن جعفر بن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة عن عثمان بن محمد الأخنسي. قال أبو حاتم بن حبان في

(2)

عبدالله بن جعفر هذا: كان كثير الوهم حتى يروي عن الأثبات ما لا يشبه

(3)

حديث الثقات. فاستحق الترك.

وأما من رواية الدارقطني. ففيه الواقدي. وهو ضعيف

(4)

.

وقد روى أبو داود وابن ماجه هذا الحديث بإسناد جيد، لم يذكرا فيه الصوم، وإنما ذكرا

(5)

الفطر والأضحى

(6)

.

وكذا رواه الترمذي وصححه من حديث عائشة

(7)

.

(وإن اشتبهت الأشهر على من أسِرَ أو طُمِرَ أو بمفازةٍ ونحوه)؛ كالكافر يسلم في دار الكفر الشائع فيها وجوب

(8)

صوم رمضان ولا يدري أي الشهور يسمى رمضان: (تحرَّى) أي: اجتهد (وصام) ما غلب على ظنه أنه رمضان بأمارة تقوم في نفسه.

(ويجزئه) الصوم (إن شكَّ: هل وقع) صومه (قبله) أي: قبل رمضان

(1)

سبق تخريجه ص (362) رقم (5). ()

(2)

في ب: بن. ()

(3)

في ب: يشبهه. ()

(4)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(3534) 2: 164 كتاب الصوم. ()

(5)

في أ: لم يذكر فيه الصوم وإنما ذكر. ()

(6)

أخرجه أبو دإود في " سننه "(2324) 2: 297 كتاب الصوم، باب إذا أخطأ القوم الهلال.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1660) 1: 531 كتاب الصيام، باب ما جاء في شهرى العيد.

(7)

أخرجه الترمذي في "جامعه "(802) 3: 165 كتاب الصوم، باب ما جاء في () الفطر والأضحى متى يكون.

(8)

في أ: وجب. ()

ص: 373

(او بعده)؟؛ كمن تحرى في الغيم وصلى ثم شك هل صلى قبل دخول الوقت أو بعده؟، ولم يتبين أنه صام أو صلى قبل دخول الوقت؛ (كما لو وافقه) أي: وافق صومه الشهر (أو ما بعده)؛ لأنه أدى فرضه بالاجتهاد في محله. فإذا أصاب أو لم يعلم الحال أجزأه؛ كالقبله إذا اشتبهت على المسافر.

(لا إن وافق) رمضان (القابل)؛ بأن نوى صوم رمضان سنة ثلاث في رمضان سنة أربع: (فلا يجزئ) صومه (عن واحد) أي: عن رمضان (منهما) أي: من الرمضانين؛ لاعتبارنا نية التعيين.

قال صاحب " المحرر ": ولو وافق القضاء رمضان السنة القابلة فقياس المذهب: أنه لا يجزئه عن واحد منهما إن اعتبرنا نية التعيين، وإن لم نعتبرها وقع عن رمضان الثانى ولزمه قضاء الأول. انتهى.

(و) متى بان أن الشهر الذي صامه شوال أو ذو الحجة: فإنه (يقضي ما وافق عيدا أو أيام تشريق)؛ لعدم صحة صومها عن رمضان.

(ولو صام) من اشتبه عليه رمضان شهر (شعبان ثلاث سنين متوالية، تم علم قضى ما فات) عليه وهو ثلاثة أشهر. قضاء (مرتباً شهراً على إثر شهر) يرتبها بالنية شهراً على إثر شهر؛ كالصلاة إذا فاتته. نقله مهنا، وذكره أبو بكر في "التنبيه ". قال في " الفروع ": ومرادهم والله أعلم: أن هذه المسألة كالشك في دخول وقت الصلاة.

(ويجب) صيام شهر رمضان (على كل مسلم). فلا، يجب على كافر بخال. ولو أسلم في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء الأيام السابقة لإسلامه؛ لما روى سفيان بن عبدالله بن ربيعة قال: حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام ثقيف قال: " وقدموا عليه في رمضان، وضرب عليهم قبة في المسجد. فلما أسلموا صاموا ما بقي من الشهر "

(1)

. رواه ابن ماجه.

ولأن كل يوم عبادة منفردة.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1760) 1: 559 كتاب الصيام، باب فيمن أسلم () في شهر رمضان.

ص: 374

(قادر). فلا يجب على مريض يعجز عنه؛ للآية

(1)

.

(مكلف). فلا يجب على مجنون ولا صغير.

وعنه: يجب على صغير أطاقه.

والأول المذهب.

(لكن: على ولي صغير مُطيق: أمرُه به وضربُه عليه) أي: على الصوم؛

(ليعتاده) أي: يجب على الولي ذلك.

قال في " الفروع ": ذكره جماعة، وذكر الشيخ- يعنى الموفق- قول الخرقي وقال: اعتباره بالعشر أولى؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بالضرب على الصلاة عندها

(2)

وقال صاحب " المحرر ": لا يؤخذ به.

ورب عليه فيما دون العشر؛ كالصلاة.

(ومن عجز عنه) أي: عن الصوم (لكبر)؛ كالشيخ الهرم والعجوز اللذين يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة، (أو) عجز عن الصوم لـ (مرض لا يرجى برؤه: أفطر، وعليه) أي: على من أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه إن لم يكن فطره مع عذر معتاد. وإلى ذلك أشار بقوله: (لا مع عذر معتاد؛ كسفر): إطعام (عن كل يوم لمسكين، ما) أي: طعاماً (يجزئ في كفارة) وهو: مد من بُرّ أو نصف صاع من غيره، لقول ابن عباس:" في قوله سبحانه وتعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية)] البقرة: 184 [: ليست بمنسوخة. هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم"

(3)

. رواه البخاري.

(1)

قال الله تعالى. (ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كماكتب على الذين من قبلكم () لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضا أوعلى سفر فعدة من أيام أخر. . .) البقره: 183 - 184.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(494) 1: 133 كتاب الصلاة، باب متى يؤمر () الغلام بالصلاة. ولفظه: عن عبدالملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ".

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4235) 4: 1638 كتاب التفسير، باب قوله:()(أياما معدودات. . .).

ص: 375

ومعناه عن ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يدركه. رواه أحمد وكذا أبو داود

(1)

.

ورواه

(2)

أيضا بإسناد جيد عن ابن أبي ليلى حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره

(3)

.

والمريض الذي لا يرجى برؤه حكمه حكم الشيخ الهرم فيما ذكرنا.

وأما إذا كان الكبير أو المريض الذي لا يرجى برؤه مسافراً: فلا فدية لفطره

مع هذا العذر المعتاد. ذكره في " الخلاف ". ولا قضاء، للعجز عنه، ويعايى بها. (ومن أيس) من برئه، (ثم قدر على قضاء) أي: على أن يقضي عدد ما

أفطر فيه من الأيام من أجل مرضه: (فكمعضوب) لا يقدر على الحج (أحِجَّ عنه ثم عُوفي).

قال في " الفروع ": جزم به صاحب " المحرر "، وذكر بعضهم احتمالين، أحدهما هذا.

والثاني: يقضى، كمن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تعتد بالشهور ثم تحيض. وفيها أيضا وجهان.

(وسُن فطر، وكره صوم) من مسافر (بسفر قصر ولو بلا مشقة) تلحقه

(4)

؛ لما روى حمزة بن عمرو الأسلمي: " أنه قال: يا رسول الله! أجد مني قوة على الصوم في السفر فهل عليَّ جناح؟ فقال: هي رخصة من الله عز وجل. فمن أخذ بها فهو حسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه "

(5)

. رواه مسلم والنسائي.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2318) 2: 296 كتاب الصوم، باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(21876) 5: 247.

(2)

ساقط من ب. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(506) 1: 138 كتاب الصلاة، باب كيف الأذان. ()

(4)

ساقط من أ. ()

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1121) 2: 790 كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2298) 4: 185 كتاب الصيام، ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار في حديث حمزة بن عمرو.

ص: 376

فعلم من رفع الجناح في الصوم وجعل الفطر حسناً: أن الفطر أفضل.

وروى جابر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلل عليه. فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم. فقال: ليس من البر الصوم في السفر "

(1)

. متفق عليه.

ورواه النسائي وزاد: " عليكم برخصة الله التي رخص لكم. فاقبلوها "

(2)

.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم: " أنه لما أفطر في السفر وبلغه أن قوماً صاموا. قال: أولئك العصاه "

(3)

.

وروى الأثرم بإسناده عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" خياركم من قصر الصلاة في السفر وأفطر ".

ولأن في الفطر خروجاً من الخلاف. فكان أولى؛ كالقصر مع الإتمام.

وإن صام المسافر رمضان بسفره أجزأه. نقله الجماعة، وفاقاً للأئمة الثلاثة. ونقل حنبل: لا يعجبني. واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس من البر الصوم في السفر"

(4)

.

وعمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة. وقاله الظاهريه. ويروى عن عبدالرحمن

ابن عوف وابن عمر وابن عباس.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1844) 2: 687 كتاب الصوم، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1115) 2: 786 كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر. . .

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(2258) 4: 176 كتاب الصيام، العلة التي من أجلها () قيل ذلك. . .

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1114) 2: 785 كتاب الصيام، باب جواز () الصوم والفطر في شهر رمضان. . .

(4)

سبق تخريجه ص: 391. ()

ص: 377

قال في " الفروع ": والسنة الصحيحة ترد هذا القول.

إذا تقرر هذا (فلو سافر) في رمضان من يجب عليه صومه لا علة لسفره إلا

(ليفطر: حَرُما) أي: السفر والإفطار.

أما حرمة الفطر، فلعدم العذر المبيح وهو السفر الذي يباح القصر فيه.

وأما حرمة السفر، فلأنه وسيلة إلى الفطر المحرم.

(و) سن فطر وكره صوم (لخوف مرض بعطش أو غيره)، لقوله سبحانه وتعا لى. (يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر)] البقره: 185].

ولأنه في معنى المريض المتضرر بالصوم.

(و) سن فطر وكره صوم لـ (خوف مريض، وحادث به) مرض (في يومه ضررا بزيادته أو طوله) أي: طول مرضه، (بقول ثقة).

أما الرخصة للمريض في الفطر، فإجماع. وقد دل عليه قوله سبحانه وتعا لى:(ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)] البقرة: 185]. وإنما كان فطره مسنوناً؛ لقوله سبحانه وتعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)

] البقرة:185].

وإنما صححنا صومه مع الكراهة، لأن فطره رخصة. فإذا ترك الرخصة وتكلف

(1)

الصوم أجزأه، كالمريض الذي يباح له ترك القيام. فإذا تكلف القيام وصلى قائماً أجزأته صلاته.

وأما فطر الصحيح الخائف بصومه حدوث مرض " فلأن المريض إنما أبيح

له الفطر خوفاً مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض أو تطاوله، والخوف من تجدد المرض في معناه.

وأما فطر المريض بقول ثقة أن الصوم مما يمكّن العلة " فقد تقدم الكلام عليه

في باب صلاة أهل الأعذار

(2)

.

(1)

فى أ: وترك. ()

(2)

ر.2 ()

ص: 378

وكذا يباح الفطر للمريض القادر على الصوم إذا كان بحيث لو ترك التداوي أضرَّ به، وكان لا يمكنه التداوي فيه؛ كمن به رمد

(1)

ويخاف إن ترك الاكتحال أضرَّ به، وكذا الاحتقان، ومداواة المأمومة والجائفة. نص على ذلك في مسألة الرمد في رواية حنبل. أشبه المتضرر بمجرد الصوم.

(وجاز وطءٌ لمن به مرضٌ ينتفِع به) أي: بالوطء (فيه) أي: في المرض، (أو) به (شَبَقٌ ولم تندفع شهوته بدونه) أي: بدون الجماع، (ويخاف تشقُّق أنثيَيْه) إن لم يطأ، (ولا كفارة) عليه.

روى إسماعيل بن سعيد الشالنجي عن أحمد: في الرجل الذي يأخذه الشبق

في رمضان للجماع فقال أحمد: يجامع] ولا يكفر، ويقضي يوماً مكانه. وذلك أنه إذا أخذ الرجل هذا. فلم يجامع خيف عليه أن يتشقق فرجه.

قال في " الفروع ": ومن به شبق يخاف أن تتشقق مثانته جامع وقضى [

(2)

ولا يكفر. نقله الشالنجي.

قال الأصحاب: هذا إن لم تندفع شهوته بدونه، وإلا لم يجز. انتهى.

(ويقضي) عدد ما أفسده من الأيام. بالوطء (ما لم يتعذر) عليه القضاء

(لشَبَق) أي: لدوام شبقه، (فيطعم) عن كل يوم مسكينا (ككبير) أي

(3)

: كالشيخ الهرم العاجز عن القضاء لكبره.

(ومتى لم يُمكنه) دفع ذلك (إلا بإفساد صوم موطوءة)؛ كما لو لم تندفع شهوته باستمناء بيده أو يد زوجته أو جاريته أو بمباشرتها

(4)

دون الفرج: (جاز) له الوطء (ضرورة)؛ لأنه مما تدعو الضرورة إليه. فأبيح؛ كأكل الميتة للمضطر. فإن كان له امرأتان إحداهما حائض والأخرى طاهر صائمة (فصائمة) أي: فوطء طاهرة صائمة (أولى من) وطء (حائض)؛ لأن الله سبحانه وتعالى نص

(1)

في أ: مرض. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

في أ: ومباشرتها. ()

ص: 379

على النهي عن وطء الحائض.

وقيل: يتخير بين وطء أيهما شاء.

(وتتعين) عليه إن كان له زوجتان إحداهما بالغة والأخرى لم تبلغ (من لم تبلغ)؛ كما لو كانت إحداهما كتابية أو مجنونة، لحرمة إفساد صوم الصائمة، حيث لا ضرورة إليه.

(وإن نوى حاضر صوم يوم، وسافر في أثنائه) أي: أثناء ذلك اليوم طوعاً

أو كرها: (فله الفطر) على الأصح؛ لظاهر الآية والأخبار الصريحة، وكالمرض الطارئ ولو بفعله. بخلاف الصلاة بأن سارت به السفينة في أثنائها؛ لأنها حيث وجب إتمامها لم تقصر بحال؛ لآكديتها.

ولأنه لا يشق إتمامها.

وعلى هذا إنما يجوز له الفطر

(1)

(إذا خرج) بأن فارق بيوت قريته، لأنه قبل

ذلك

(2)

ليس بمسافر.

وعنه: لا يجوز له الفطر مطلقاً.

وعنه: لا يجوز بالإجماع.

فعلى المنع: إن جامع كفر. والمذهب: لا كفارة.

(والأفضل) لحاضر نوى صوم يوم ثم سافر في أثنائه (عدمه) أي: عدم الفطر. ذكره القاضي وابن عقيل وابن الزاغونى وغيرهم. ويعايى بها. واقتصر على ذلك في " الفروع ".

(وكُره صوم حامل ومرضع خافتا على أنفسهما أو) على (الولد).

قال في " الإنصاف ": قولاً واحداً.

] (ويقضيان لفطر) [

(3)

عدد أيام فطرهما، وفاقاً للأئمة الثلاثة لقدرتهما

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

ساقط من أ. ()

ص: 380

على القضاء. ولا إطعام على واحدة منهما في هذه الحالة؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه.

(ويلزم من يمون الولد إن خيف عليه فقط) من الصرم (إطعامُ مسكين:

لكل يوم) أفطرته الحامل أو المرضع خوفاً عليه فقط (ما) أي: طعاماً (يجزئ في كفارة)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وعلى الذين يطيقون فدية طعام مسكين)

] البقرة: 184 [، وهما داخلان دي عموم الآية.

قال ابن عباس: " كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا "

(1)

. رواه أبو داود.

وروي ذلك عن ابن عمر

(2)

. ولا مخالف لهما في الصحابة.

ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة. فوجبت به الكفارة؛ كالشيخ الهرم.

(وتجزئ) الكفارة (إلى) مسكين (واحد) أي: دفعها له (جملة) واحدة.

قال في " الفروع ": وظاهر كلامهم إخراج الإطعام على الفور؛ لوجوبه

به، وهذا أقيس. وذكر صاحب " المحرر " إن أتى به مع القضاء جاز؛ لأنه كالتكملة له. انتهى.

(ومتى قبِل رضيع ثدي غيرها) أي: غير أمه، (وقدر أن يستأجر له: لم تُفطر) أمه.

قال في " الفروع ": وإن قبل ولد المرضعة غيرها وقدرت أن تستأجر له

(3)

،

أو له ما تستأجر منه: فلتفعل ولتصم. وإلا كان لها الفطر. ذكره صاحب "المحرر". (وظئر) أي: وحكم الظئر وهي: المرضعة لولد غيرها في إباحة الفطر مع

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2318) 2: 296 كتاب الصوم، باب من قال: هي () مثبتة للشيخ والحبلى.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 230 كتاب الصيام، باب الحامل () والمرضع.

(3)

في أ: وقدرت تستأجر لها. ()

ص: 381

الخوف على الرضيع (كأمٍّ). والإطعام في الكفارة على من يمونه.

(فلو تغيَّر لبنُها) أي: لبن الظئر المستأجرة للإرضاع (بصومها) أي: بسبب صومها (أو نقص) لبنها بصومها: (فلمستأجر) أي: فلمستأجرها للإرضاع (الفسخ) أي: فسخ الإجارة.

(وتُجبَر على فطر إن تأذَّى الرضيع) بصومها.

قال في " الفروع ": فإن قصدت الإضرار أثمت

(1)

، وكان للحاكم إلزامها الفطر بطلب المستأجر. ذكره ابن الزاغوني.

وقال أبو الخطاب: إن تأذَّى الصبي بنقصه أو تغييره

(2)

لزمها الفطر. فإن أبت فلأهله الفسخ. ويؤخذ من هذا أن يلزم الحاكم إلزامها بما يلزمها وإن لم تقصد الضرر بلا طلب قبل الفسخ، وهذا متجه. انتهى.

(ويجب الفطر على من احتاجه) أي: احتاج الفطر (لإنقاذ) آدمي (معصوم من مهلكة؛ كغرق ونحوه) في الأصح.

ومن خاف التلف بصومه: أجزأه صومه، وكره.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وقدمه في " الفروع ".

وقال في "عيون المسائل " و" الانتصار " و" الرعايتين " و" الحاويين "

و" الفائق " وغيرهم: يحرم صومه.

قال في " الفروع ": ولم أجدهم ذكروا في الإجزاء خلافاً. وذكر جماعة في صوم الظهار: أنه يجب فطره بمرض مخوف. انتهى

(3)

.

(وليس لمن أبيح له فطر برمضان)؛ كالمسافر: (صوم غيره) أي: صوم

غير رمضان (فيه) أي: في رمضان؛ لأنه لا يسع غير ما فرض فيه.

(1)

في أ: الإرضاع أتمت. ()

(2)

في ب: بتغييره. ()

(3)

في أزيادة: والله أعلم. ()

ص: 382

(فصل): في نية الصوم

وما يتعلق بها

(وشرط لـ) صوم (كلل يوم واجب نية معينة) له؛ لأن كل يوم عبادة منفردة؛ لأنه لا يفسد صوم بفساد صوم يوم آخر. وكالقضاء.

وعنه: يجزئ في أول رمضان نية واحدة لكله.

فعليها: لو أفطر يوما لعذر أو غيره لم يصح صيام الباقي بتلك النية. جزم به

في " المستوعب " وغيره.

وقيل: يصح مع بقاء التتابع.

وعلى المذهب: لا بد أن تكون النية (من الليل)؛ لما روى ابن جريج وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له "

(1)

. وفي لفظ ابن حزم: " من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له "

(2)

. رواه

أبو داود والترمذي والنسائي.

وروى الدارقطني بإسناده عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يبيّت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له "

(3)

. وقال: إسناده كلهم ثقات. وقال: حديث حفصة رفعه عبدالله بن أبي بكر عن الزهري وهو من الثقات.

(1)

أخرجه النسائي في " سننه "(2334) 4: 197 كتاب الصيام، ذكر اختلاف () الناقلين لخبر حفصة في ذلك.

(2)

أخرجه أبو داود فى " سننه "(2454) 2: 329 كتاب الصوم، باب النيه في الصيام.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(730) 3: 108 كتاب الصوم، باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل.

(3)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(3) 2: 172 كتاب الصيام. ()

ص: 383

ولأنه صوم فرض. فافتقر إلى النية من الليل؛ كالقضاء.

إذا تقرر هذا فالليل كله أوله وآخره ووسطه محل للنية. فمتى نوى في جزء

منه أجزأه.

(ولو أتى بعدها) أي: بعد النية (ليلاً بمناف) للصوم لا لنيته؛ كما لو أكل

أو شرب أو جامع أو استعط أو احتقن.

قال في " الفروع ": وإن أتى بعد النية بما يبطل الصوم لم يبطل. نص عليه وفاقاً للأئمة الثلاثة. خلافا لابن حامد وبعض الشافعية؛ لظاهر الخبر.

ولأن الله أباح الأكل إلى آخر الليل. فلو بطلت به فات محلها. انتهى.

وإن نوت حائض صوم الغد الواجب وقد عرفت الطهر ليلا فأطلق

(1)

في

" الفروع " في صحتها قولين:

أحدهما: أنه لا تصح نيتها؛ لأنها حينها ليست أهلا للصوم.

والقول الثانى: تصح؛ لمشقة المقارنة.

قال في " تصحيح الفروع " عن القول الثانى: قلت: وهذا هو الصحيح والصواب. انتهى.

وتعيين النية للصوم الواجب هو: أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه

أو نذره أو كفارته. نص عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " وإنما لكل امرئ ما نوى "

(2)

. والتعيين مقصود في نفسه؛ لاعتباره لصلاة يضيق وقتها كغيرها.

(لا نية الفرضيّة) يعني: لا يشترط أن ينوي كون الصوم فرضاً؛ لأن التعيين يجزئ عن نية الفرضية.

(و) على الأصح (لو نوى: إن كان غداً من رمضان ففرضي، وإلا) أي:

(1)

في ب زيادة لفظ: قال. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1) 1: 3 بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنية".

ص: 384

وإن لم يكن غداً من رمضان (فنفل، أو) نوى إن كان غداً من رمضان ففرضي، وإن لم يكن من رمضان فصومي (عن واجب) أي: فصومي عن كفارة أو نذر

(1)

و (عينه بنيته) ثم بان أنه من رمضان أو أنه ليس من رمضان: (لم يجزئه) عن رمضان ولا عن ذلك الواجب الذي عينه، لأنه لم يجزم بالنية لواحد منهما.

(إلا إن قال: ليلة الثلاثين من رمضان) إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، (وإلا فأنا مفطر) فبان من رمضان. فإنه يجزئه في الأصح.

قال في " تصحيح الفروع ": وهو الصحيح. قدمه في " الرعايه ".

قال في القاعدة الثامنة والستين: يصح صومه في أصح الوجهين " لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله. ولا يقدح تردده، لأنه حكم صومه مع الجزم. انتهى.

وعلم مما تقدم: أنه إن قال ذلك ليلة الثلاثين من شعبان فبان أنه من رمضان

لم يجزئه، لأنه لا أصل له

(2)

معه يبني عليه.

(وإذا نوى خارج رمضان قضاء ونفلاً) أي: نوى صيام يوم عن القضاء والتطوع فهو نفل.

(أو) نوى مع القضاء (نذرًا، أو) نوى مع القضاء (كفارة ظهار: ف) هو (نفل) إلغاء للقضاء والنذر والكفاره؛ لعدم الجزم بالنية في واحد منهما. فتبقى نية أصل الصوم.

(ومن قال: أنا صائم غدًا إن شاء الله. فإن قصد بالمشيئة الشك) بأن شك مثلا: هل يقيم فيصوم أو يسافر فلا يصوم؟.

(أو) قال ذلك مع قصده (التردد في العزم) على الصوم بأن

(3)

لم يجزم بالنية، (أو) مع التردد في (القصد) بأن تردد هل ينوي الصوم بعد ذلك جزماً

(1)

في ب. ونذر. ()

(2)

ساقط من ب. ()

(3)

في ب: إن. ()

ص: 385

أو لا؟: (فسدت نيته)؛ لعدم الجزم بها.

(وإلا) أي: وإن لم يشك ولم يتردد (فلا) تفسد. ذكره في " التعليق "

و" الفنون "؛ لأنه إنما قصد أن فعله للصوم بمشيئة الله سبحانه وتعالى وتوفيقه وتيسيره؛ كما لا يفسد الإيمان بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله

(1)

غير متردد في الحال.

قال في " الفروع ": وللشافعية وجهان.

قال القاضي: وكذا نقول: سائر العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها. انتهى.

(ومن خطر بقلبه ليلاً أنه صائم غداً فقد نوى. وكذا الأكل والشرب بنية الصوم).

قال في " الفروع ": قال في " الروضة "، ومعناه لغيره: الأكل والشرب

بنية الصوم نية

(2)

عندنا. وكذا قال شيخنا: هو حين يتعشى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يفرق بين عشاء ليله العيد وعشاء ليالي رمضان.

(ولا يصح) الصوم (ممن جُنّ) جميع النهار (أو أغمي عليه جمع النهار)؛ لأن الصوم الشرعي هو الإمساك مع النية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي "

(3)

: فأضاف ترك الطعام والشراب إليه. والمجنون والمغمى عليه لا يضاف الإمساك إلى واحد منهما. فلم يجزئه.

ولأن النية أحد ركني الصوم. فلم تجزئ وحدها؛ كالإمساك وحده.

(ويصح) الصوم (ممن

(4)

أفاق جزءاً منه) أي: من النهار. سواء كان

(1)

في ب: إن شاء الله تعالى. ()

(2)

في أ: نيته. ()

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1805) 2: 673 كتاب الصوم، باب هل يقول (): إنى صائم إذا شتم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1151) 2: 806 كتاب الصيام، باب فضل الصيام.

(4)

في ب: بمن. ()

ص: 386

الجزء من أول النهار أو من آخره، وسواء كان من أفاق مجنونا أو مغمى عليه "لصحة إضافة الإمساك إلى من أفاق في ذلك الذي

(1)

أفاق فيه.

(أو نام جميعه) يعني: أنه يصح الصوم ممن نام جمع النهار، لأن النوم عادة ولا يزول به الإحساس بالكلية. بدليل: أنه متى نبه انتبه.

(ويقضي مغمى عليه) يعني: أنه يلزم المغمى عليه قضاء ذلك اليوم الذي أغمي عليه جميعه (فقط) أي: دون المجنون.

ومحل ذلك: إذا كان واجباً عليه صوم ذلك اليوم الذي أغمي عليه فيه " لأن

مدة الإغماء لا تطول غالباً، ولا تثبت الولاية على المغمى عليه. فلم يزل به التكليف؛ كالنوم. بخلاف الجنون، لزوال التكليف به. فلا يلزمه القضاء. (ومن نوى الإفطار فكمن لم ينو) الصوم، لا كمَن أكل أو شرب بحيث

لو كان متنفلا ثم بدا له أن ينوي الصوم صح صومه. نص عليه.

ولنا على أنه صار كمن لم

(2)

ينو: أن مقتضى الدليل اعتبار حقيقة النية مستدامة في جمع العبادة، لكن اكتفي بالدوام الحكمي؛ لدفع المشقة، ولا مشقة في ترك نية الفطر والقطع. فإذا قطع نية الصوم بنية الإفطار كان كمن لم يأت بها ابتداء.

(فيصح أن ينويه) أي: أن ينوي اليوم الذي نوى الإفطار فيه (نفلا بغير رمضان).

قال في " الفروع ": ولو كان في نفل فقطع نيته ثم عاد ونواه جاز. نص عليه، وفاقا للشافعي. انتهى.

(ومن قطع نية نذر أو كفارة أو قضاء، ثم نوى) أي: نوى النذر أو الكفارة

أو القضاء (نفلا: صح).

قال في " الفروع ": ولو كان في نذر أو كفارة أو قضاء فقطع نيته ثم نوى

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

ساقط من أ. ()

ص: 387

نفلاً جاز. انتهى.

(وإن قلب) صائم نذراً أو قضاء (نية نذر أو قضاء إلى نفل: صح)؛ كما

لو انتقل من فرض صلاة إلى نفلها. (وكُره) له ذلك (لغير غرض) صحيح، كما تقدم في الصلاة.

(ويصح صوم نفل بنية) طارئة (من النهار) أي: في أثنائه، (ولو) كان طروؤها (بعد الزوال) على الأصح. نقله الميمونى وغيره، واختاره الأكثر منهم القاضي في أكثر كتبه. وهو مذهب معاذ بن جبل وابن مسعود وحذيفة بن اليمان. حكاه عنهم إسحاق بن راهويه في رواية حرب.

وبذلك قال سعيد بن المسيب والنخعي والثوري وحماد بن أبي سليمان والشافعي فهى أحد قوليه.

ويدل لصحة صوم النفل بنية من النهار ما روت عائشة رضي الله عنها قالت:

" دخل عليَّ النبي ذات يوم فقال: هل عندكم من شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإنى إذاً صائم. ثم أتانا يوماً آخر. فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس. فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً. فأكل "

(1)

. رواه الجماعة إلا البخاري.

وزاد النسائي ثم قال: " إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يُخرج من ماله الصدقة. فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها "

(2)

.

وفي لفظ له أيضا قال: " يا عائشة! إنما منزلة من صام فى غير رمضان أو فى

غير قضاء رمضان أو في التطوع، بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1154) 2: 809 كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار، قبل المزوال. . .

وأخرجه أبو داود في " سننه "(2455) 2: 329 كتاب الصوم، باب في الرخصه في ذلك.

وأخرجه التزمذي في " جامعه "(734) 3: 111 كتاب الصوم، باب صيام المتطوع بغير تبييت.

وأخرجه االنسائى في "سننه "(2330) 4: 195 كتاب الصيام، النية في الصيام. . .

وأخرجه أحمد في " مسنده "(5772 2) 6: 207.

(2)

أخرجه النسائي فى " سننه "(2322) 4: 193 كتاب الصيام، النية في

الصيام. . .

ص: 388

فأمضاه، وبخل منها بما شاء فأمسكه "

(1)

.

فوجه الحجة منه قوله: " إني إذاً صائم " فإن "إذا" تقتضي إنشاء الصوم من ذلك الوقت. ويدل عليه أمره بصوم يوم عاشوراء في أثنائه.

ولأن اعتبار نية التبييب لنفل الصوم تقلله وتفوت كثيراً منه؛ لأن الإنسان قد يبدو له الصوم بالنهار لنشاط يبين له فيه ولا يبين له في الليل أو لغيرت لك. فوجب أن يسامح فيه بذلك، كما سومح في نفل الصلاة بترك القيام والتوجه في السفر. وفارق اعتبار النية في أول نفل الصلاة كفرضها؛ لأن ذلك لا يفضي إلى تقليلها. ولأن جعله من حين النية سائغ ممكن ولا كذلك في الفرض؛ لوجوبه في جميع اليوم.

واحتج من منع صحة النفل بنية بعد الزوال بأن أكثر النهار خلا عن النية. فوجب جعل الأقل تبعاً للأكثر؛ لأن الكثرة لها تأثير في الأصول. بدليل السوم في الحول، وسقي الزرع بالكلفة، وغير ذلك.

ويدل للمذهب بصحه النفل بنية بعد الزوال: أن ذلك قول معاذ وابن مسعود وحذيفة، وأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك صريحاً.

ولأن النية وجدت في جزء من النهار. فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.

وبه يبطل التعليل بالأكثر؛ لأن الأكثر قد خلا عن النية في الأصل. فإن ما بين طلوع الفجر والزوال يزيد على ما] بين الزوال والغروب بما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.

ولأن قوله في الحديث [

(2)

. " يدع طعامه وشرابه من أجلي "

(3)

: معناه: فيمن نوى من آخر النهار أظهر وأبلغ؛ لأن داعية الفطر أشد قوة

(4)

في حقه. فكان بالرخصة أولى.

(1)

أخرجه النسائي في (سننه " (3323) 4: 194 الموضع السابق. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

سبق تخريجه ص (386) رقم (3)()

(4)

في ب: قوى. ()

ص: 389

(ويحكم بالصوم الشرعي المُثاب عليه، من وقتها) أي: وقت النية، لأن

ما قبله لم يوجد فيه قصد القربة فلا يقع عبادة، لكن يشترط أن يكون ممسكا فيه عن المفسدات؛ لتحقيق معنى القربة وحكمة الصوم في القدر المنوي.

(فيصح تطوع من ظهرت) في يوم، (أو) من (أسلم في يوم لم يأتيا)

أي

(1)

: التي طهرت والذي أسلم (فيه) أي: في ذلك اليوم (بمفسد) من أكل أو شرب أو نحوهما. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

ساقط من أ. ()

ص: 390

] باب: ما يفسد الصوم]

هذا (باب ما يُفسد الصوم ويوجب الكفارة) وما يتعلق بذلك.

(من) أي صائم (أكل أو شرب او استعط) في أنفه بدهن أو غيره. فوصل

إلى حلقه أو دماغه.

وقال في " الكافي ": إلى خياشيمه.

(أو احتقن) نصاً، (أو داوى الجائفة. فوصل) الدواء (إلى جوفه، أو اكتحل بما) أي: بشيء (علم وصوله إلى حلقه). نص عليه؛ لرطوبته أو حدته: (من كحل أو صبر، أو قطور، أو ذرور، أو إثمد كثير أو يسير مطيب)؛ لأن العين منفذ. بخلاف المسام؛ كدهن رأسه. ولا أثر لكون العين ليست منفذاً معتاداً.

(أو أدخل إلى جوفه شيئاً) من كل محل ينفذ إلى معدته (مطلقاً) أي: سواء كان يغذي ويماع، أو لا يغذي ولا يماع؛ كالحصاة والقطعة من الحديد والرصاص ونحوهما.

(أو وجد طعم علك مضغه بحلقه، أو وصل إلى فمه نخامة مطلقاً) أي: سواء كانت من دماغه أو حلقه أو صدره وابتلعها.

(ويحرم بلعها) بعد وصولها إلى فمه.

(أو) وصل إلى فمه (قيء أو نحوه)؛ كالقلس بسكون اللام.

قال في " القاموس ". القَلسُ: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه، وليس بقيء. فإن عاد فهو قيء. انتهى.

(أو تنجّس ريقه فابتلع شيئا من ذلك) عمداً ذاكراً لصومه.

(أو داوى المأمُومة) وهي: الشجة التي تصل إلى جلدة الدماغ بدواء وصل

إلى دماغه.

ص: 391

(أو قطّر في أذنه ما) أي: شيئاً (وصل إلى دماغه) عمداً ذاكراً لصومه.

فسد صومه؛ لأنه شيء واصل إلى جوفه باختياره. فأشبه الأكل.

(أو استقاء) اي: استدعى القيء (فقاء) فسد أيضاً؛ لما روى أبو هريرة

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من استقاء عمداً فليقض "

(1)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن. رواه أبو داود.

(أو كرَّرَ النظر فأمْنى)؛ لأنه إنزال بفعل يتلذذ به، يمكن التحرز منه. أشبه الإنزال باللمس.

(او استَمْنَى)] فأمنى] أو مذى [

(2)

، (أو قبَّل) [

(3)

فأمنى أو مذى،] (أو لمس) فأمنى أو مذى [

(4)

(أو باشر دون فرج فأمنى أو مذى): فسد أيضاً.

أما الإمناء؛ فلأنه إنزال بمباشرة. فأشبه الإنزال بجماع. وهذا لا خلاف فيه

فى

(5)

المذهب.

وأما الإمذاء؛ فلأنه خارج تخلله الشهوة يخرج بالمباشرة. فأشبه المني. وبهذا فارق البول.

ومحل فساد الصوم: إذا كان عامداً ذاكراً لصومه.

(أو حُجِم أو احتجم وظهر دم عمداً، ذاكراً لصومه، ولو جهل التحريم: فسد) صوم كل من الحاجم والمحتجم. فيلزم القضاء إن كان ذلك في صوم واجب. نص عليه، خلافا للأئمة الثلاثة.

ويفطر الحاجم والمحتجم. قاله علي وابن عباس وأبو هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهم.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2380) 2: 310 كتاب الصوم، باب الصائم يستقيء عامدا.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(720) 3: 98 كتاب الصوم، باب ما جاء فيمن استقاء عمدا.

(2)

زيادة من ج. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

زيادة من ج. ()

(5)

في ب. من. ()

ص: 392

واحتج القائلون بعدم الفطر؛ بما روى البخاري عن ابن عباس " أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم "

(1)

.

ولأنه دم خارج من البدن. أشبه الفصد.

ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أفطر الحاجم والمحجوم "

(2)

. رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفساً.

قال أحمد: حديث شداد بن أوس من أصح حديث يروى في هذا الباب، وإسناد حديث رافع- يعني: ابن خديج- إسناد جيد.

وقال: حديث ثوبان وشداد صحيحان.

وقال علي بن المديني: أصح شيء في هذا الباب حديث شداد وثوبان.

وحديث القائلين بعدم الفطر منسوخ. بدليل أن ابن عباس وهو راوي حديثهم " كان يعد الحجام

(3)

والمحاجم قبل مغيب الشمس. فإذا غابت الشمس احتجم كذلك ". رواه الجوزجانى.

وهذا يدل على أنه علم نسخ الحديث الذي رواه. والله أعلم.

وقولنا: وظهر دم لا بد منه؛ لأنه إن لم يظهر دم] لا تسمى حجامة.

قال في " الفروع ": وظاهر كلام أحمد والأصحاب: لا فطر إن لم يظهر

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1837) 2: 685 كتاب الصوم، باب الحجامه () والقيء للصائم.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2371) 2: 309 كتاب الصوم، باب في الصائم يحتجم. عن ثوبان. وفي (2369) 2: 308 عن شداد بن أوس.

وأخرجه الترمذي قي " جامعه "(774) 3: 144 كتاب الصوم، باب كراهية الحجامة للصائم. عن رافع ابن خديج.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1680) 1: 537 كتاب الصيام، باب ما جاء في الحجامة للصائم. عن ثوبان. وفي (1679) 1: 537 عن أبي هريرة.

وأخرجه أحمد في"مسنده "(25281) 6: 157 عن عائشة. وفي (23934) 6: 12 عن بلال. وفي (17165) 4: 124 عن شداد. وفي (17165) 4: 124 عن أبي هريرة. وفي (17165) 4: 124 عن رافع بن خديج. وفي (17165) 4: 124 عن ثوبان. وفي (15929) 3: 474 عن معقل بن سنان الأشجعي.

(3)

في أ: الحاجم. ()

ص: 393

دم [

(1)

، وهو متجه، واختاره شيخنا وضعف خلافه. وذكر ابن عقيل: أنه يفطر وإن لم يظهر دم. وجزم به في " المستوعب " و" الرعاية ".

(كردة مطلقاً) يعني: أن الصوم يفسد بما تقدم ذكره، كما أنه يفسده بالردة، ولا يختص ذلك بالصوم، بل تفسد الردة كل عبادة حصلت في أثنائها. قال الله تعالى:(لئن أشركت ليحبطن عملك)] الزمر: 65 [.

(وموت) يعنى: وكما يفسد الصوم بموت.

(و) حيث قلنا ببطلان الصوم بالموت فإنه (يُطعَم من تركته) أي: تركة من مات صائماً (في نذر وكفارة) مسكين؛ لفساد صوم ذلك اليوم الذي مات فيه؛ لتعذر قضائه.

ومحل الفساد بالأفعال: إذا فعلها عامداً ذاكراً كما أشير إليه في المتن.

(لا) إن فعلها (ناسياً ومكرهاً. ولو) كان ذلك (بوَجُور مغمى عليه معالجة) بسبب إغمائه في الأصح. وسواء أكره على الفطر حتى فعله أو فعل به؛ كمن صُب في حلقه الماء مكرهاً، أو وهو نائم ونحو ذلك. نص عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل في الناسي بقوله:" فإنما الله أطعمه وسقاه "

(2)

.

وفي لفظ: " فإنما هو رزق ساقه الله إليه "

(3)

. وهذا موجود فيمن دخل الماء

في حلقه وهو نائم.

ولأنه واصل إلى جوفه بغير اختياره. فأشبه غبار الطريق.

(ولا) يفسد الصوم (بفصد). جزم به القاضي وصاحب " المستوعب "

و" المحرر " فيه وغيرهم في الأصح؛ لأن القياس لا يقتضيه.

(و) لا (شرط) في الأصح.

ومن جرح نفسه لا للتداوي بدل الحجامة لم يفطر؛ لأن النهي لا يختص

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1831) 2: 682 كتاب الصوم، باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1155) 2: 809 كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27113) 6: 367 عن أم إسحاق. ()

ص: 394

الصيام

(1)

، وكخروج الدم يفطر على وجه القيء، لا على غير

(2)

وجه

(3)

القيء. ذكره في " الخلاف ".

قال في " الفروع ": واختار شيخنا أنه يفطر من أخرج دمه برُعاف وغيره.

وقاله الأوزاعي في الرعاف.

ومعنى الرُّعاف: السبق. تقول العرب: فرس راعف إذا تقدم الخيل، ورعف فلان الخيل: إذا تقدمها. فسمي الدم رعافا؛ لسبقه الأنف. انتهى. (ولا) يفسد صومه (إن طار إلى حلقه ذباب أو غبار) من غير قصد؛ كغبار الطريق، ونخل الدقيق، أو الذباب يدخل في حلقه بغير اختياره؛ لأنه لا يمكن التحرز من ذلك. أشبه ما لو دخل في حلقه شيء وهو نائم. .

(أو دخل في قُبُل)؟ كالإحليل (ولو) كان القبل (لأنثى) وهو: فرجها شيء (غير ذكر أصلي) لم يفسد صومها، وذلك كما لو أولج الخنثى المشكل ذكره في قبل امرأة، أو في قبل خنثى مثله، أو أولج الرجل ذكره في قبل خنثى مشكل: لم يفسد صوم واحد منهم، إلا أن ينزل. كما أن ذلك لا يوجب الغسل؛ لاحتمال كونه خلقة زائدة. فهو كما لو أولج إصبعه في قبلها، أو ذكره في فمها. والأصل بقاء الصوم. فلا نبطله بالشك. والاحتياط: القضاء في جمع ذلك.

قال في " المستوعب ": فإن قيل: هذا واصل إلى باطن فرج المرأة فيجب

أن يبطل صومها، كما لو كان في دبرها، وكما لو كان ذكرا أصلياً؟

فجوابه: أن مسلك الذكر من فرج المراة في حكم الظاهر، بدليل: أنه يجب غسله من النجاسات؛ كالفم.

وإذا ظهر دم حيضها إليه ولم يخرج منه فسد صومها، ولو كان في حكم الباطن لم يفسد صومها] حتى يخرج منه، ولم يجب غسله كالدبر. وإذا ثبت أنه

(1)

في أ: الصائم. ()

(2)

ساقط من ب. ()

(3)

ساقط من أوج. ()

ص: 395

في حكم الظاهر فهو كفمها، وعمق سرتها، وطي عكنها. وإنما فسد صومها [

(1)

بإيلاج ذكر الرجل فيه؛ لكونه جماعاً، لا لكونه وصولا إلى باطن. بدليل: انه لو أولج إصبعه في قبلها فإنه لايبطل

(2)

صومها، والجماع يفسد؛ لكونه مظنة الإنزال. فأقيم مقام الإنزال، كما

(3)

أقيم مقامه في وجوب الغسل، ولهذا يفسد به صوم الرجل وإن لم ينزل ولم يصل إلى جوفه شيء.

وأما الدبر ففي حكم الباطن. بدليل: أنه لا يجب غسله ولو احتقن فيه بشيء أفطر. بخلاف القبل فإنه بمنزلة الفم. وأبلغ من هذا: أنه لو قطر في إحليله أو غيب فيه شيئا فوصل إلى المثانة لم يبطل صومه. . نص عليه في رواية أحمد بن الحسين. فإذا لم يفطر بذلك. والمثانة في حكم الباطن. فمسلك الذكر من قبل المرأة وهو في حكم الظاهر بما بينا أولى. وقول القاضي في الخصال: أن الصوم يفسد بواصل وبخارج قال: فالوطء في حكم الواصل] فإنما جعله في حكم الواصل [

(4)

؛ ليدخله تحت حصره لأقسام الفطر في القسمين، الواصل والخارج، لا لعلة الوصول. ولهذا يبطل صوم الرجل ولا واصل، ولا يبطل الصوم بكل واصل. بدليل: ما وصل

(5)

من إحليله إلى المثانة، ولا بكل خارج. بدليل: أنه لا يفسد بدم الفصد والغائط والدمع والعرق. انتهى كلامه في " المستوعب ".

(أو فكَّر فأنزل) يعني: أنه لا يفسد صومه بذلك في الأصح؛ لأنه إنزال

بغير مباشرة ولا نظر. فأشبه الاحتلام والفكرة الغالبة.

وأما كون ذلك بسبب من جهته] فمسلّم، لكن جعله سببا في الفطر ليس فيه

نص ولا إجماع، وهو دون المباشرة والنظر.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في ب: يفسد. ()

(3)

في ب زيادة: لو. ()

(4)

ساقط من ب. ()

(5)

ساقط من أ. ()

ص: 396

(أو احتلم) فإنه لا يفسد صومه بلا نزاع، لكونه ليس بسبب من جهته]

(1)

.

(أو ذرعه القيء) بالذال المعجمة أي: غلبه وسبقه لم يفسد صومه بلا:

نزاع " لأنه ليس ذلك بسبب من جهته.

(أو أصبح وفي فيه.) أي: فمه (طعام فلفظه) يعني: أنه لا يفسد صومه بلا

نزاع. وكذا لو شق عليه أن يلفظه فبلعه مع ريقه بغير قصد.

وإن أمكنه أن يلفظه بأن تميز عن ريقه فبلعه باختياره أفطر. نص عليه.

(أو لطخ باطن قدمه بشيء) له طعم (فوجد طعمه بحلقه) يعني: أنه لا

يفطر " لأن القدم ليس بنافذ إلى الجوف. أشبه ما لو دهن رأسه فوجد طعم الدهن في حلقه.

(أو تمضمض أو استنشق) فدخل الماء حلقه بلا قصد. يعني: أنه لايفسد صومه.

(ولو) تمضمض فوق ثلاث

(2)

أو استنشق (فوق ثلاث، أو بالغ) في المضمضة أو في الاستنشاق، (أو) كان تمضمضه أو استنشاقه (لنجاسة، ونحوها)، كالتجشي في الأصح؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن عمر سأله عن القبلة للصائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم؛ قلت:

لا بأس. قال: فمه "

(3)

.

ولأنه واصل إلى حلقه من غير قصد. أشبه غبار الطريق، وغبار الدقيق إذا

دخل في حلقه وقت نخله.

(وكُره) تمضمضه أو استنشاقه (عبثاً أو سرفاً، أو لحر أو عطش).

نص عليه.

سئل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض

(4)

ثم يمج الماء. قال: يرش

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في أ: ثلاثة. ()

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(372) 1: 52. ()

(4)

في أ: فيمضمض. ()

ص: 397

على صدره أحب إليَّ.

وكذا في الحكم ما أشير إليه بقوله: (كغَوْصه) أي: غو ص الصائم (في ماء.

لا لغُسل مشروع أو تبرد فدخل) الماء (حلقه) يعنى: أنه لا يفسد صومه بذلك، ويكون مكروها على الأصح. ونقل صالح: يتمضمض إذا أجهد.

ولا يكره للصائم: أن يغتسل من الحر والعطش

(1)

خلافا لأبي حنيفة، وذلك لما روي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لقد رأيت رسول الله يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو الحر "

(2)

. رواه ابو داوفى.

وقال صاحب " المحرر ": ولأن فيه إزالة الضجر من العبادة، كالجلوس

في الظلال الباردة. بخلاف قول المخالف: أن فيه إظهاراً للتضجر بالعبادة. وقوله: أن الصوم مستحب فعله على ضرب من المشقة. فإذا أزال

(3)

ذلك بما لا ضرورة إليه كره، كما لو استند المصلي في قيامه إلى شيء.

(أو أكل ونحوه)، كما لو شرب أو جامع (شاكاً في طلوع فجر) ولم يتبين

له طلوعه حالة أكله ونحوه.

(أو) أكل ونحوه (ظاناً غروب شمس) ولم يتبين له أنها لم تغرب. يعني: أنه لم يفسد صومه بذلك، ولا قضاء عليه.

قال الزركشي: ولو أكل ظاناً أن الفجر لم يطلع، أو أن الشمس قد غربت

ولم يتبين له شيء فلا قضاء عليه، ولو تردد بعد. قاله أبو محمد.

وأوجب صاحب " التلخيص " القضاء في ظنّ الغروب. ومن هنا قال: يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم دون آخره، وأبو محمد: يجوزه بالاجتهاد] فيهما. انتهى.

(1)

في ب: أن يغتسل الحر أو العطش. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2365) 2: 307 كتاب الصوم، باب الصائم يصب () عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق.

(3)

في ب وج: زال. ()

ص: 398

والمذهب عدم القضاء؛ لأنه لم يوجد يقين أزال ذلك الشك ولا الظن.

أشبه ما لو صلى بالاجتهاد [

(1)

ولم يتبين له الخطأ، ثم شك في الإصابة بعد صلاته. فإنه لا تجب عليه الإعادة.

(وإن بان أنه) أي: الفجر (طلع) فيما إذا أكل ونحوه شاكاً في طلوعه، (أو) بان أن الشمس (لم تغرب) فيما إذا أكل ونحوه ظاناً غروبها: قضى ذلك اليوم حيث كان ذلك في صوم واجب، لتبين خطئه.

(أو أكل ونحوه شاكاً في غروب) أي: غروب شمس ذلك اليوم الذي هو صائم فيه (ودام شكه) بأن لم يتبين بعد ذلك أنها غربت وكان صومه واجباً: قضى، لأن الأصل بقاء النهار.

(أو) أكل ونحوه في زمن (يعتقده نهاراً فبان ليلاً ولم يجدد نية لواجب) أي: لم يجدد نية للصوم الواجب قضى.

قال في " الفروع ":] هان أكل يظن طلوع الفجر فبان ليلاً ولم يجدد نية لصومه الواجب قضى [

(2)

. كذا جزم به بعضهم.

وما سبق من أن له الأكل حتى يتيقن طلوعه يعني: الفجر يدل على أنه

لا يمنع نية الصوم، وقصده غير اليقين.

والمراد والله أعلم: اعتقاد طلوعه، ولهذا فرض صاحب " المحرر " هذه المسألة فيمن اعتقد نهاراً فبان ليلاً، لأن الظان شاك، ولهذا خصوا المنع باليقين، واعتبروه بالشك في نجاسة طاهر

(3)

، ولا أثر للظن فيه، وقد يحتمل أن الظن والاعتقاد واحد، وأنه يأكل مع الشك والتردد ما لم يظن ويعتقد النهار. انتهى.

(أو) أكل ونحوه في زمن يعتقده اليلا فبان نهارا)] سواء كان

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

في ب: طاهرة. ()

ص: 399

ذلك [

(1)

في أول الصوم أو في آخره فعليه القضاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بإتمام الصوم ولم يتمه. وقالت أسماء: " أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس. قيل لهشام بن عروة- وهو راوي الحديث-: أمروا بالقضاء؟ قال: لا بُدَّ من قضاء "

(2)

. رواه أحمد والبخاري.

ولأن جهل وقت الصوم كالجهل بأول رمضان، وصوم المطمور ليلاً بالتحري. بل أولى؛ لأن إمكان التحرز من الخطأ هنا أظهر، والنسيان لا يمكنه التحرز منه، وكذا سهو المصلي بالسلام عن نقص، ولا علامة ظاهرة، ولا أمارة سوى علم المصلي، وهنا علامات، ويمكن الاحتياط والتحفظ.

(أو أكل) أو شرب (ناسياً فظن أنه قد أفطر فأكل عمداً: قضى).

قال في " الفروع ": فيتوجه أنها مسألة الجاهل بالحكم. فيها الخلاف السابق.

وقال صاحب " الرعاية ": يصح صومه، ويحتمل ضده. كذا قال. انتهى كلامه في " الفروع ".

قال في " الإنصاف ": قلت: ويشبه ذلك لو اعتقد البينونة في الخلع لأجل

عدم عود الصفه ثم فعل

(3)

ما حلف عليه. انتهى.

(1)

زيادة من ب. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1858) 2: 692 كتاب الصوم، باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(26970) 6: 346.

(3)

في أ: جعل. ()

ص: 400

(فصل): في حكم جماع الصائم

وما يتعلق بذلك

(1)

.

(ومن جامع في نهار رمضان ولو في يوم: لزمه إمساكه) على الأصح؛ لأنه يحرم عليه تعاطي ما ينافي الصوم.

(أو) في يوم (رأى الهلال ليلتًه ورُدت شهادتُه) على الأصح؛ لأنه أفطر

يوماً من رمضان بجماع. فوجب عليه القضاء والكفارة؛ كما لو قبلت شهادته. (أو) كان (مكرهاً أو ناسياً) على الأصح؛ لأن الصوم عبادة يفسدها الوطء. ففسدت به على كل حال؛ كالصلاة والحج.

قال في " الفروع ": والمكره كالمختار وفاقاً لأبي حنيفة ومالك في ظاهر المذهب. ونقل ابن القاسم: كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة. قال الأصحاب: وهذا يدل على إسقاط القضاء مع الإكراه والنسيان.

قال ابن عقيل في " مفرداته ": الصحيح في الأكل والوطء إذا غلب عليهما

لا يفسدان. فأنا أخرج في الوطء رواية من الأكل، وفي الأكل رواية من الوطء. وقيل: يقضي من فَعَل لا من فُعِل به من نائم وغيره، خلافاً لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي.

وقيل: لا قضاء مع النوم فقط، وذكره بعضهم نص أحمد فيه؛ لعدم حصول مقصوده.

وإن فسد الصوم بذلك فهو في الكفارة كالناسي، وفاقاً للشافعي.

وقيل: يرجع بالكفارة على من أكرهه.

وقيل: يكفر من فعل بالوعيد. انتهى.

(1)

في أ: به. ()

ص: 401

وقوله: فعل

(1)

يعني: أكره بالوعيد.

(بذكر) يعني: أن من جامع بذكر (أصلي. في فرج أصلي) ولو كان الفرج دبراً أو (لميتة أو بهيمة) نصاً؛ لوجوب الغسل بذلك.

وفي " المستوعب ": إن أولج في بهيمة أو آدمي ميت ففي الكفارة وجهان.

(أو أنزل مجبوب) أي: مقطوع الذكر (بمساحقة، أو) أنزلت (امرأة) بمساحقة: (فعليه) أي: على كل ممن ذكر (القضاء والكفارة).

أما وجوب الكفاره على من جامع في نهار رمضان من غير عذر؛ فهو قول

أكثر أهل العلم.

وحكي عن الشعبي وسعيد بن جبير: أنه لا كفارة بالجماع.

قال الخطابي: يشبه أن يكون حديث أبي هريرة لم يبلغهم. انتهى.

واحتج الأكثر بما روى أبو هريرة قال: " بينا جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله! قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. فمكث النبي صلى الله عليه وسلم. فبينما

(2)

نحن على ذلك، أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر. والعرق المكتل. فقال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال. خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها] أهل بيت [

(3)

أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثم قال: أطعمه أهلك "

(4)

. متفق عليه.

(1)

ساقط من ب. ()

(2)

في أ: فبينا. ()

(3)

ساقط من ب. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1834) 2: 684 كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1111) 2: 781 كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم. . .

ص: 402

واحتج من قال بوجوب القضاء أيضاً بما في روايه ابن ماجه: " وتصوم يوماً

مكانه "

(1)

.

(لا سليم) ذكره وطئ (دون فرج ولو) كان وطؤه (عمداً، أو) كان وطؤه (بـ) ذكر (غير أصلي في) فرج (أصلي، وعكسه) وهو: وطؤه بذكر أصلي في فرج غير أصلي: فإنه ليس عليه (إلا القضاء) على الأصح (إن أمنى أو مذى) " لأن هذا إنزال

(2)

بفعل يتلذذ به، يمكن الاحتراز عنه في الغالب. ففسد به الصوم. أشبه غيره من محظورات الصوم.

(والنزعُ جماع)، لأنه يلتذ به، كما يلتذ بالإيلاج. فمن طلع عليه الفجر

وهو يجامع فنزع مع أول طلوعه قضى وكفر في الأصح. بخلاف مجامع حلف لا يجامع فنزع فإنه لا يحنث؛ لتعلق اليمين بالمستقبل أول أوقات الإمكان.

وقال أبو حفص: لا قضاء عليه ولا كفارة، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي. (وامرأة طاوعت غير جاهلة) بالحكم، (أو) غير (ناسية) للصوم، (كرجل) في الحكم. فيجب عليها القضاء والكفارة على الأصح.

قال الخطابي: وهو مذهب اكثر العلماء؛ لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع مطاوعة. فأشبهت الرجل.

ولأن تمكينها كفعل الرجل في وجوب حد الزنى الذي يسقط بالشبهة. فالكفارة أولى.

(ومن جامع في يوم، ثم) جامع (في) يوم (آخر ولم يكفر) عن الجماع الأول: (لزمته) كفارة (ثانية) في الأصح؛ لأن كل يوم عبادة منفردة تجب الكفارة بإفسادها لو انفردت. فإذا أفسدت إحداهما بعد الأخرى وجبت

(3)

كفارتان؛ كالحجتين والعمرتين، وكما لو كان اليومان من رمضانين.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1671) 1: 534 كتاب الصيام، باب ما جاء في () كفارة من أفطر يوماً من رمضان، بلفظ:" وصم يوماً مكانه ".

(2)

في ج: أنزل. ()

(3)

في أ: وجب. ()

ص: 403

و (كمن أعاده) أي: الجماع (في يومه بعد أن كفر) عن الجماع الأول.

فإنه تلزمه كفارة ثانية.

(ولا تسقط) كفارة الوطء عن المرأة (إن حاضت المرأه أو نفست) في يومه بعد تمكينها.

(أو مرِضا) أي: الرجل والمرأة، (أو جنا، أو سافر بعد) أي: بعد الوطء (في يومه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي بالكفارة ولم يسأله هل طرأ له بعد وطئه مرض أو غيره، ولو اختلف الحكم بذلك لسأله وبينه.

ولأنه معنى طرأ بعد وجوب الكفارة. فلم يسقطها؛ كالسفر.

ولأنه أفسد صوما واجبا من رمضان بجماع تام. فاستقرت الكفارة عليه؛

كما لو لم يطرأ العذر.

(ولا كفارة) أي: لا تجب (بغير الجماع والإنزال والمساحقة نهار رمضان) أي: فيه؛ لأن النص إنما ورد في رمضان وليس غيره في معناه؛ لأن رمضان محترم متعين لهذه العبادة. فيمتنع قياس غيره عليه.

قال في " الإنصاف ": وذكر في " الرعاية " رواية: يكفر إن أفسد قضاء رمضان. انتهى.

(ولا فيه) أي: في رمضان (سفراً ولو) كان الجماع (من صائم) في السفر. (وهي) أي: الكفارة الواجبة بإفساد الصوم على الصورة التي تجب فيها: (عتق رقبة) أي: مؤمنة سليمة من العيوب.

(فإن لم يجد) أي: لم يقدر على الرقبة، (فصيام شهرين متتابعين. فلو

قدر عليها) أي: على الرقبة قبل شروعه في الصوم، (لا بعد شروع فيه: لزمته) الرقبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل المواقع عما يقدر عليه حين أخبره بالعتق، ولم يسأله عما كان يقدر عليه حين المواقعة

(1)

وهي حالة الوجوب.

(1)

كذا في ج وفى أوب: حالة الموافقة. ()

ص: 404

ولأنه وجد المبدل قبل التلبس بالبدل. فلزمه؛ كما لو وجده حال الوجوب.

وأما إن شرع في الصوم قبل القدرة على الإعتاق ثم قدر عليه لم يلزمه الخروج إليه، إلا أن يشاء أن يعتق فيجزئه ويكون قد فعل الأولى.

(فإن لم يستطع) أن يصوم (فإطعام ستين مسكيناً) لكل مسكين

(1)

مد بر،

أو نصف صاع تمر، أو نصف صاع شعير؛ لما روى أحمد، حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي يزيد المدني قال:"جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر: أطعم هذا ". فإن مُدَّي شعير مكان مد برّ. ولأن فدية الأذى نصف صاع من التمر أو الشعير

(2)

بلا خلاف. فكذا هذا.

(فإن لم يجد) شيئاً يطعمه للمساكين (سقطت) عنه على الأصح؛ لأن الأعرابي لما دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم التمر يطعمه للمساكين فأخبره بحاجته فقال: "أطعمه أهلك"

(3)

، ولم يأمره بكفاره أخرى، ولم يذكر له بقاءها في ذمته. وكصدقة الفطر.

(بخلاف كفارة حج وظهار ويمين، ونحوها)؛ ككفارة القتل.

نص عليه.

قال صاحب " المحرر" وغيره: وعليه أصحابنا، لعموم أدلتها حالة الإعسار. ولأنه القياس. خولف في رمضان للنص.

قال في " الفروع ": كذا قالوا: للنص، وفيه نظر.

ولأنها لم تجب بسبب الصوم.

قال القاضي وغيره: وليس الصوم سبباً للكفارة وإن لم تجب إلا بالصوم والجماع؛ لأنه لا يجوز اجتماعهما. انتهى.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في أ: والشعير. ()

(3)

سبق تخريجه ص (402) رقم (4). ()

ص: 405

(ويسقط الجميع) أي: كفارة الوطء في نهار رمضان وغيرها من الكفارات (بتكفير غيره عنه، بإذنه). أشبه ما لو أخرج زكاة غيره عنه بإذنه.

(وله إن ملكها) من وجبت عليه (إخراجها عن نفسه، وأكلُها إن كان أهلاً)؛ كأكلها في حديث أبي هريرة

(1)

.

قال في " الإنصاف ": لو ملكه ما يكفر به وقلنا له أخذه هناك فله هنا أكله،

وإلا أخرجه عن نفسه. وهذا الصحيح من المذهب. والله أعلم.

(1)

ر. ص: 402. ()

ص: 406

] باب: ما يكره وما يستحب في الصوم]

هذا (باب ما يُكره) في الصوم، (و) ما (يستحب في الصوم، وحكم القضاء) أي: قضاء الصوم، وما يتعلق بذلك.

(كُره) بالبناء للمفعول (لصائم) فرضاً أو نفلاً (أن يجمعَ ريقَه فيبلعه)،

ولا يفطر ببلعه مجموعاً في الأصح؛ لأنه إذا لم يجمعه وابتلعه قصداً لا يفطر إجماعاً فكذلك إذا جمعه. لكنه يكره ذلك تنزيها؛ للخروج من الخلاف. (ويفطر) الصائم (بغبار) ابتلعه (قصداً)؛ لأنه يمكنه التحرز منه

(1)

في العادة.

(و) يفطر أيضاً بـ (ريق أخرجه إلى بين شفتيه) ثم بلعه؛ لإمكان التحرز

من ذلك في العادة.

(لا) ببلع (ما قلّ) أي: بريق قليل (على درهم أو حصاة أو خيط ونحوه، إذا) أخرجه ثم (عاد إلى فمه) فإنه لا يفطر بذلك في الأصح؛ لمشقة الاحتراز من ذلك.

(كما على لسانه) من ريق (إذا أخرجه) اي: أخرج لسانه ثم ضمه إليه.

ولو كان ما عليه كثيراً في الأصح. بخلاف ما على الدرهم ونحوه إذا كان كثيراً؛ لأن الريق الذي على لسانه لم يفارق محله. بخلاف ما على غير اللسان. (وحرُم) على الصائم- قال في " الفروع ": إجماعاً- (مضغُ علكٍ يتحلّل مطلقاً) أي: سواء بلع ريقه أو

(2)

لم يبلعه.

وفي " المقنع ": إلا أن لا يبلع ريقه.

(وكُره) مضغ (ما لا يتحلل) من علك. نص عليه، وفاقاً للأئمة الثلاثة؛

(1)

في أ: عنه. ()

(2)

في ب: أم. ()

ص: 407

لأنه يجلب الغم، ويجمع الريق، ويورث العطش.

(و) يكره للصائم أيضاً (ذوق طعام).

قال في " الفروع ": ذكره جماعة وأطلقوا وفاقاً لمالك، وقد قال أحمد: أحب أن يجتنب ذوق الطعام. فإن فعل فلا بأس. وذكر صاحب " المحرر ": أن المنصوص عنه لا بأس به لحاجة ومصلحة، واختاره في " التنبيه " وابن عقيل، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي، وحكاه أحمد والبخاري عن ابن عباس. انتهى.

فعلى الكراهة: متى وجد طعمه في حلقه أفطر؛ لإطلاق الكراهة.

(و) يكره للصائم أيضاً (ترك بقية) من الطعام (بين أسنانه).

قال في " المستوعب " وغيره: ويكره أن يدع بقايا الطعام بين أسنانه. ولعل ذلك: خشية أن يخرج من ذلك شيء فيجري به ريقه إلى جوفه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(و) يكره للصائم أيضاً (شمّ ما لا يؤمن) من شمه (أن يجذبه نفس) أي:

نفس الشامِّ (لحلق؛ كسحيق مسك، و) سحيق (كافور ودهن ونحوه).

قال في " الفروع ": (وقبلة ودواعي وطء) يعني: أنه يكره للصائم التقبيل ودواعي الوطء؛ كتكرار النظر، واللمس، والمعانقة (لمن تحرّك شهوته)؛ لـ " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها شاباً ورخّص لشيخ "

(1)

. حديث حسن، رواه أبو داود من حديث أبي هريره.

ورواه سعيد عن أبي هريرة وأبي الدرداء، وكذا عن ابن عباس بإسناد صحيح.

وعلم مما تقدم: أن ذلك لا يكره لمن لا تحرك شهوته على الأصح؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم لما كان مالكاً لإرْبه "

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2387) 312:2 كتاب الصوم، باب كراهيته للشاب. ()

(2)

أخرج أبو داود في " سننه "(2382) 311:2 كتاب الصوم، باب القبلة للصائم. ()

ص: 408

وغير ذي الشهوة في معناه.

(وتحرُم) القبلة كما يحرم دواعي الوطء (إن ظن إنزالاً)؛ لأنه يعرّض صومه للفطر، ولا يأمن عليه الفساد. ثم إن أنزل أفطر ولزمه

(1)

القضاء إن كان الصوم واجباً.

(ويجب) مطلقاً (اجتناب كذبٍ وغيبةٍ ونميمةٍ وشتمٍ وفحشٍ) من القول (ونحوه)، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به. فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "

(2)

. رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجة والترمذي.

ولما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم. فقلت: يا جبريل لِلَّهِ من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم "

(3)

رواه أبو داود.

وعن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أربى الوبا: الاستطالة في عرض المسلم بغير حق "

(4)

. رواه أحمد وأبو داود.

وعن همام قال: كان رجل يرفع إلى عثمان حديث حذيفة سمعت

(1)

في ج: وعليه. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5710) 5: 2251 كتاب الأدب، باب قول الله تعالى:(واجتنبوا قول الزور).

وأخرجه أبو داود في " سننه "(2362) 2: 307 كتاب الصوم، باب الغيبة للصائم.

وأخرجه الترمذي فى " جامعه "(707) 3: 87 كتاب الصوم، باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم.

وأخرجه اين ماجه في " سنة "(1689) 1: 539 كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(9838) 2: 453.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه"(4878) 4: 269 كتاب الأدب، باب في الغيبة. ()

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4876) 4: 269 كتاب الأدب، باب في الغيبة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(1651) 1: 190.

ص: 409

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل الجنة قتات- يعني نماماً- "

(1)

رواه أحمد والترمذي.

(وفي رمضان ومكانٍ فاضل آكد).

قال أحمد رحمه الله تعالى: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه، ولا يماري، ويصون صومه. كانوا إذا صاموا قعدوا في المسجد وقالوا: نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحداً، ولا نعمل عملاً نجرح به صومنا

(2)

.] قاله في " الفروع "]

(3)

.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(2026) 4: 375 كتاب البر والصلة، باب ما جاء () في النمام.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(23358) 5: 389.

(2)

في أ: ولا يعمل عملاً يجرح به صومه. ()

(3)

زيادة من ب. ()

ص: 410

] فصل: فيما يسن للصائم]

(فصل. وسن له) أي: للصائم (كثرة قراءة، و) كثرة (ذكر وصدقة، وكف لسانه عما يُكره).

قال في " الفروع ": قال الأصحاب: يسن له كثرة القراءة والذكر والصدقة، وكف لسانه عما يكره، ويجب كفه عما يحرم من الكذب والغيبة والنميمة والشتم والفحش وغير ذلك إجماعاً.

وذكر بعض أصحابنا وغيرهم قول النخعي: تسبيحة في رمضان خير من

ألف

(1)

تسبيحة في غيره.

وذكره الآجري وجماعة عن الزهري.

ولا يفطر بالغيبة ونحوها. نقله الجماعة، وفاقاً للأئمة الثلاثة.

وقال أحمد أيضا: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم، وذكره الشيخ- يعني الموفق- إجماعاً، لأن فرض الصوم بظاهر القرآن: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وظاهره صحته، إلا ما خصه دليل. ذكره صا حب " المحرر ".

وقال عما رواه أحمد والبخاري من حديث أبي هريرة: " من لم يدع قول الزور والعمل به. فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه "

(2)

: معناه: الزجر والتحذير، لم يؤمر من اغتاب بترك صيامه. قال: والنهي عنه ليسلم من نقص الأجر. ومراده: أنه قد يكثر فيزيد على أجر الصوم، وقد يقل، وقد يتساويان.

قال شيخنا: هذا لا نزاع فيه بين الأئمة. وأسقط أبو الفرج ثوابه بالغيبة

(1)

زيادة من " الفروع " 3: 64 ()

(2)

سبق تخريجه ص (409) رقم (2). ()

ص: 411

ونحوها، ومراده ما سبق، وإلا فضعيف. انتهى.

(و) سن أيضاً (قوله) أي: قول الصائم (جهراً إن شُتم) أي: إن شتمه أحد: (إني صائم)، لما في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة:" إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب. فإن شتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم "

(1)

.

قال في " الفروع ": قال الأصحاب: ويسن

(2)

لمن شتم أن يقول: إني صائم.

قال في " الرعاية ": يقوله مع نفسه. يعني: يزجر نفسه ولا يطلع الناس عليه للرياء. واختاره صاحب " المحرر " إن كان في غير رمضان، وإلا جهر به؛ للأمن من الرياء. وفيه زجر من يشاتمه

(3)

بتنبيهه على حرمة الوقت المانعة من ذلك.

وذكر شيخنا لنا ثلاثة أوجه: هذين، والثالث وهو اختياره: يجهر به مطلقاً؛ لأن القول المطلق باللسان. والله تعالى أعلم.

(و) سن له أيضاً (تعجيل فطر إذا تحقق غروب) أي: غروب الشمس إجماعاً؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: إن أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطرا "

(4)

. رواه أحمد والترمذي. وقال: حديث حسن غريب.

(ويباح) للصائم الفطر (إن غلب على ظنه) غروب الشمس، لأن تحقق غروب الشمس شرط فضيلة تعجيل الفطر لا جوازه. فإن الجواز يثبت إذا غلب على ظنه غروبها. ولكننا لا نستحب تعجيله قبل اليقين، للخروج من الخلاف،

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1805) 2: 673 كتاب الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1151) 2: 806 كتاب الصيام، باب فضل الصيام.

(2)

في ج: ويستحب. ()

(3)

في ج: يشتمه. ()

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(700) 3: 83 كتاب الصوم، باب ما جاء في تعجيل الإفطار.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(7240) 2: 238.

ص: 412

والتحفظ من الخطأ.

والفطر قبل صلاة المغرب أفضل؛ لما روى ابن عبدالبر بإسناده عن أنس قال: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء "

(1)

. (وكره جماعه مع شك في طلوع فجر ثان. لا سحور) نص على المسألتين؛

لما في الجماع مع الشك في طلوع الفجر من التعرض لوجوب الكفارة.

ولأنه ليس مما يتقوى به. بخلاف السحور.

(ويسن) السحور (كـ) مسنونية (تأخيره إن لم يخشه) أي: يخشى طلوع الفجر.

أما كون السحور يسن، فلما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم فال:" تسحروا فإن في السحور بركة "

(2)

. متفق عليه.

وعن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلةُ السحور "

(3)

. رواه مسلم.

وأما كونه يسن تأخيره؛ فلما روى زيد بن ثابت قال: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة. قلت: كم كان قدر ذلك؟ قال: قدر خمسين آية "

(4)

. متفق عليه.

وروى العرباض بن سارية قال: " دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور فقال:

هلم إلى الغداء المبارك "

(5)

. رواه أبو داود.

وسماه غداء؛ لقرب وقته منه.

(1)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 4: 239 كتاب الصيام، باب ما يفطر عليه. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1823) 2: 678 كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1095) 2: 770 كتاب الصيام، باب فضل السحور. .

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1096) الموضع السابق. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1821) 2: 678 كتاب الصوم، باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر.

وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1097) 2: 771 كتاب الصيام، باب فضل السحور. .

(5)

أخرجه أبو داود في"سننه "(2344) 2: 303 كتاب الصوم، باب من سمى () السحور الغداء.

ص: 413

ولأن المقصود بالسحور: التقوي على الصوم. وما كان أقرب إلى الفجر

كان أعون على الصوم.

(وتحصل فضيلته) أي: فضيلة السحور (بشرب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء "

(1)

.

(و) يحصل (كمالها) أي: كمال فضيلة السحور (بأكل)، وأن يكون

من تمر؛ لما روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نعم سحور المؤمن التمر"

(2)

. (و) يسن (فطر على رطب. فإن عدم فتمر. فإن عدم فـ) على (ماء)؛

لما روى أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي. فإن لم يكن فعلى تمرات. فإن لم تكن تمرات حَسَا حَسَوات من ماء "

(3)

. رواه أبو داود والترمذي. وقال: حسن غريب.

ولما روى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. من حديث سلمان الضبي:

" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر. فإن لم يجد فعلى ماء؛ لأنه طهور "

(4)

. (و) يسن (قوله عنده) أي: قول الصائم عند فطره: (اللهم! لك صمت وعلى رزقك أفطرت. سبحانك وبحمدك. اللهم! تقبل مني إنك أنت السميع العليم)؟ لما روى الدارقطني من حديث أنس ومن حديث ابن عباس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال

(5)

: اللهم! لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا. فتقبل منا. إنك أنت السميع العليم "

(6)

.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(11101) 3: 12. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2345) 2: 303 كتاب الصوم، باب من سمى السحور الغداء.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2356) 2: 306 كتاب الصوم، باب ما يفطر عليه. ()

(4)

أخرجه أبو داود في "سننه "(2355) 2: 305 كتاب الصوم، باب ما يفطر عليه. ()

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(695) 3: 78 كتاب الصوم، باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار.

أخرجه أحمد في " مسنده "(16273) 4: 18.

(5)

في ب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول. ()

(6)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(26) 2: 185 كتاب الصيام. عن ابن عباس. ولم () أره عن أنس.

ص: 414

وعن ابن عمر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا. أفطر قال: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، ووجب الأجر إن شاء الله تعالى "

(1)

. رواه الدارقطني أيضاً. ولأن دعاء الصائم عند الفطر مظنة الإجابة؛ لما روى ابن ماجه من حديث عبدالله بن عمر: " وللصائم عند فطره دعوة لا ترد "

(2)

.

ويستحب تفطير الصائم؛ لما روى زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من فطر صائماً كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء "

(3)

. قال الترمذي: حديب حسن صحيح.

قال في " الفروع ": وظاهر كلامهم: أي شيء كان، كما هو ظاهر الخبر، وكذا رواه ابن خزيمة من حديث سلمان الفارسي

(4)

، وذكر فيه ثواباً عظيماً إن أشبعه.

وقال شيخنا: مراده بتفطيره أن يشبعه. انتهى.

(1)

أخرجه الدارقطني في "سننه "(25) 2: 185 كتاب الصيام. قال: وإسناده حسن. ()

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1753) 1: 557 كتاب الصيام، باب في الصائم لا ترد له دعوته.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(807) 3: 171 كتاب الصوم، باب ما جاء في () فضل من فطر صائماً.

(4)

أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه "(2064) 3: 277 كتاب الصيام، باب إعطاء () مفطر الصائم مثل أجر الصائم. . . عن زيد بن خالد الجهني، ولم أره من حديث سلمان الفارسي عنده.

ص: 415

(فصل): في حكم قضاء الصوم

وما يتعلق بذلك

(سُن فوراً) أي: على الفور لمن فاته عدد من أيام رمضان (تتابُع قضاء رمضان). نص عليه، وفاقاً للأئمة الثلاثة.

قال البخاري: قال ابن عباس: " لا بأس أن يفرق؛ لقول الله سبحانه وتعالى (فعدة من أيام أخر)] البقرة: 184]

(1)

.

وعن ابن عمر مرفوعا: " قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع "

(2)

.

رواه الدارقطنى. وقال: لم يسنده غير سفيان بن بشر.

قال صاحب " المحرر ": لا نعلم أحداً طعن فيه، والزيادة من الثقة مقبولة.

ولأنه وقت موسع له كصوم المسافر أداء. يعني: أن للمسافر في رمضان أن يصوم يوماً ويفطر يوماً. وإنما لزم التتابع فيه في صوم مقيم لا عذر له للفور، وتعيت الوقت لا لوجوب التتابع في نفسه.

وقيل: يجب. والمذهب: لا يجب التتابع.

(إلا إذا بقي من شعبان قدر ما عليه) من عدد الأيام التي لم يصمها من رمضان (فيجب) التتابع؛ لضيق الوقت، كأداء رمضان في حق من لا عذر له. (ومن فاته رمضان) كله (قصى عدد أيامه) يعني: إن كان ثلاثين يوماً قضى ثلاثين، وإن كان تسعاً وعشرين يوماً قضى تسعاً وعشرين يوما؛ كأعداد الصلوات الفائتة. فمن فاته رمضان فصام من أول شهر كامل أو من أثناء شهر

(1)

ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقاً 2: 688 كتاب الصوم، باب متى يقضى () قضاء رمضان.

(2)

أخرجه الدارقطني في "سننه "(74) 2:193 كتاب الصيام، باب القبلة للصائم. ()

ص: 416

تسعة وعشرين يوماً، وكان رمضان الفائت ناقصاً أجزأه عنه؛ اعتباراً بعدد الأيام.

(ويقدم) قضاء رمضان وجوباً (على نذر) أي: على صوم منذور (لا يُخاف فوتُه) بأن يكون وقته متسعا.

(وحرُم تطوُّع قبله) أي: قبل قضاء رمضان (ولا يصح) على الأصح.

نص عليه.

نقل حنبل: أنه لا يجوز، بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه. وإن كان عليه نذر صامه يعني: بعد الفرض. قاله في " شرح المقنع الكبير "

(1)

.

(و) حرم أيضاً (تأخيره) أي: تأخير قضاء رمضان (إلى) رمضان (آخر

بلا عذر)، وفاقاً للأئمة الثلاثة. نص عليه. واحتج بقول عائشة رضي الله عنها:" ما كتب أقضي ما علي من رمضان إلا في شعبان؛ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(2)

.

وكما لا تؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية.

(فإن أخَّر) القضاء إلى رمضان آخر (قضى) ما عليه من الأيام؛ لعدم سقوطها بتأخير قضائها (واطعم.

ويجزئ) إطعامه (قبله) أي: قبل القضاء وبعده ومعه

(3)

؛ لقول ابن عباس: " فإذا قضى أطعم ". رواه سعيد بإسناد جيد.

قال صاحب " المحرر ": الأفضل عندنا تقديمه؛ مسارعة إلى الخير، وتخلصاً من آفات التأخير.

(مسكيناً لكل يوم) أخره إلى رمضان آخر (ما) أي: طعاماً (يجزئ في كفارة وجوباً)، وفاقاً لمالك والشافعي. روى ذلك سعيد بإسناد جيد عن

(1)

ساقط من ب. ()

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(25502) 6: 179. ()

(3)

ساقط من ب. ()

ص: 417

ابن عباس، ورواه الدارقطني عن أبي هريرة

(1)

. وقال: إسناده صحيح، وذكر غيره عن جماعة من الصحابة.

(و) إن أخر القضاء إلى رمضان آخر (لعذر) من مرض أو سفر (قضى فقط) يعني: من غير إطعام؛ لعدم الدليل على وجوب الإطعام في هذه الحالة. (ولا شيء عليه إن مات). نص عليه، وفاقا للأئمة الثلاثة؛ لأن الصوم

حق لله تعالى وجب بالشرع، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله. فسقط إلى غير بدل؛ كالحج.

وفي " التلخيص " رواية: يطعم عنه؛ كالشيخ الهرم. والفرق: أنه يجوز ابتداء الوجوب على الشيخ الهرم. بخلاف الميت.

(ولغيره) يعني: أنه متى أخر قضاء رمضان لغير عذر (فمات قبل) أن يدركه رمضان آخر: أطعم عنه فقط لكل يوم مسكينا من غير قضاء

(2)

. رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً بإسناد ضعيف. وقال: الصحيح عن ابن عمر مو قوف.

وسئلت عائشة رضي الله عنها عن القضاء فقالت: " لا، بل يطعم ". رواه سعيد بإسناد جيد، وكذا قال ابن عباس.

(أو) مات (بعد أن أدركه رمضان فأكثر، أطعم عنه: لكل يوم مسكين فقط) أي: من غير قضاء؛ لأن الصوم لا تدخله النيابة حال الحياة فكذلك بعد الوفاة؛ كالصلاة. ولا يلزمه أن يطعم أكثر من مسكين لكل يوم، ولو مضى عليه رمضانات كثيرة في الأصح.

(ومن مات وعليه نذر صوم في الذمة، أو) نذر (حج) في الذمة، (أو)

نذر (صلاة) في الذمة على الأصح، (أو) نذر (طواف) في الذمة، (أو) نذر (اعتكاف) في الذمة. نص عليه في رواية صالح وحنبل:(لم يفعل منه) أي:

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(90) 2: 197 كتاب الصيام. ()

(2)

أخرجه الترمذي قي " جامعه "(718) 3: 96 كتاب الصوم، باب ما جاء من () الكفارة.

ص: 418

مما ذكر (شيئاً، مع إمكان) فعل (غير حج)؟ لأنه لا يعتبر تمكنه من فعل الحج في حياته؛ لكونه تجوز النيابة فيه عند العجز عنه في حياة المستنيب.

فجواز فعله عنه بعد الموت أولى. أو يقال أن الحج تدخله النيابة

(1)

في حال الحياة في صورة، وفي حال الموت مطلقاً فقضى عنه إذا مات وإن لم يتمكن منه؛ كنذر الصدقة والعتق.

(سن لوليه) أي: ولي الميت (فعله) أي: فعل ذلك المنذور على الأصح؛ لما روى ابن عباس: " أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان ذلك يؤدي عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك "

(2)

. أخرجاه في "الصحيحين ".

وفي رواية أخرى عنه: " أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهراً، فأنجاها الله. فلم تصم حتى ماتت. فجاءت قرابه لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. فقال: صومي عنها "

(3)

. رواه احمد والنسائي.

وفي رواية

(4)

أخرى عن ابن عباس أيضاً قال: " جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين. قال: أرايت لو كان على أمك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم. قال: فحق الله أحق "

(5)

. رواه ابن ماجه والترمذي. وقا ل: حديث حسن.

(1)

في أ: النية. ()

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1825) 2: 690 كتاب الصوم، باب من مات () وعليه صوم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1148) 2:804 كتاب الصيام، باب قضاء الصيام على الميت.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(3816) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، من نذر أن يصوم ثم مات قبل أن يصوم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(3137) 1: 338.

(4)

في ب: ورواية. ()

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(716) 3: 95 كتاب الصوم، باب ما جاء في الصوم عن الميت.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1758) 1: 559 كتاب الصيام، باب من مات وعليه صيام من نذر.

ص: 419

عن عبدالله بن بريدة عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته امرأة. فقالت: إن أمي ماتت وكان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها "

(1)

. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه.

ولمسلم في رواية: " صوم شهرين "

(2)

.

وعن ابن عباس قال: " إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر قضى عنه وليه "

(3)

. رواه أبو داود. وجاء عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على ذلك فإنها قالت في الاعتكاف المنذور: "يفعل عنه ".

وهذه نصوص صريحة للصوم عن الميت بعضها صريح بالنذر، وبعضها مطلق. فيتعين المصير إليها.

وأما ما رواه مالك] في " الموطأ " [

(4)

أنه بلغه عن عبدالله بن عمر أنه قال:

" لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد "

(5)

: فيحمل على غير النذر "للنصوص الصريحة الصحيحه في النذر. والفرق بين النذر وغيره: أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها، والنذر أخف حكما؛ لكونه لم يجب بأصل الشرع. وإنما أوجبه الناذر على نفسه.

(ويجوز لغيره) أي: غير الولي فعل ما على الميت من نذر (بإذنه) أي:

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1149) 2: 805 كتاب الصيام، باب قضاء الصيام على الميت. وأخرجه أبو داود في " سننه " (2877) 3:116 كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يهب الهبة ثم يوصى له بها أو يرثها.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(667) 3: 54 كتاب الزكاة، باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(23006) 5: 349 عن سليمان بن بريده عن أبيه.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1149) 2: 805 كتاب الصيام، باب قضاء الصيام () على الميت.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2401) 2: 315 كتاب الصوم، باب فيمن مات () وعليه صيام.

(4)

زيادة من ب. ()

(5)

أخرجه مالك في " الموطأ "(43) 1: 251 كتاب الصيام، باب النذر في الصيام () والصيام عن الميت.

ص: 420

بإذن الولي، (ودونه) أي: وبدون

(1)

إذن الولي في الأصح؛ لـ " أن النبي شبهه بالدين "

(2)

. والدين يصح قضاؤه من الأجنبي.

(ويجزئ صوم جماعة في يوم واحد) يعني: أنه لو كان على الميت نذر صوم شهر وصام عنه ثلاثون رجلاً في يوم واحد أجزأه عنه؛ لأن المقصود يحصل به مع نجاز إبراء ذمته.

ونقل عنه أبو طالب: يصوم واحد.

قال القاضي: فمنع الاشتراك في ذلك. وهذا كالحجة المنذورة تصح النيابة

فيها من واحد، لا من جماعة.

قال صحب " المحرر ": وهذا محمول عندي على صوم شرطه التتابع، وتعليل القاضي يدل على ذلك. فأما ما يجوز تفريقه فلا معنى لاعتبار فعله من واحد. فإن كل يوم منه كحجة مفردة. انتهى.

وعلم مما تقدم: أن غير الحج من الصوم والصلاة والطواف والاعتكاف المنذور في الذمة إنما يفعل عنه إذا تمكن من فعله قبل موته ولم يفعله؛ وذلك لأن النذر وإن تعلق بالذمة، لكنه يتعلق بالأيام الآتية بعد النذر. فإذا مات قبل أن يعيش المدة المقدرة

(3)

تبينا

(4)

أن مقدار ما بقي منها صادف نذره حالة موته، وهو يمنع الثبوت في ذمته

(5)

، كما لو نذر صوم شهر"معين فمات قبله أو جن قبله ودام به الجنون حتى انقضى الشهر المعين. فإن الشهر المنذور صومه لم يثبت في ذمته

(6)

. ولا كذلك المقدار الذي أدركه حياً وهو مريض؛ لأن المرض لا ينافي

(1)

في أ: بدون. ()

(2)

عن ابن عباس " أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه كان على أمها صوم شهر أفاقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى ".

أخرجه أبو داود في " سننه "(331) 3: 237 كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء فيمن مات وعليه صيام صام عنه وليه.

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

في ب: تبين. ()

(5)

في أ: حقه. ()

(6)

مثل السابق. ()

ص: 421

ثبوت الصوم في الذمة. بدليل وجوب قضاء رمضان على المريض.

(وإن خلّف) الميت الناذر (مالاً: وجب) فعل ما نذره؛ لثبوته في ذمته؛ كوجوب قضاء الدين مع ترك الميت لما يوفيه. (فيفعلُه وليه) إن شاء، (أو يدفع) مالاً (لمن يفعل عنه).

ولا فرق في الحج بين النذر وحجة الإسلام؛ لـ " حديث الخثعمية "

(1)

.

(ويدفع في صوم عن كل يوم طعام مسكين في كفارة).

قال في " الفروع ": وله- يعني: الولي- أن يصوم، وله أن يدفع إلى من يصوم عنه من تركته عن كل يوم مسكينا. فإن لم تكن له

(2)

تركة لم يلزمه شيء. قال القاضي وغيره: كالحج. الوارث بالخيار بين الحج بنفسه وبين دفع نفقته إلى من يحج عنه. انتهى.

(ولا يقضى معين) أي: نذر عبادة في زمن معين (مات قبله) أي: قبل

ذلك الزمن المعين؛ كما لو نذر صوم شهر معين فمات قبل دخوله لم يصم عنه إذا دخل ولا يطعم عنه

(3)

.

قال صاحب " المحرر ": وهو مذهب سائر الأئمة. ولا أعلم فيه خلافاً.

(و) إن مات (في أثنائه) اي: أثناء شهر معين نذر صومه (يسقط الباقي) منه.

(1)

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: " أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئاً فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها. فالتفت النبى صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها. فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها. فقالت: يا رسول الله! إن فريضه الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيراً، لا يستطيع أن يستوي على الراحله. فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم ".

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5874) 5: 2300 كتاب الاستئذان.

(2)

زيادة من ب. ()

(3)

ساقط من ب. ()

ص: 422

(وإن لم يصمه) يعني: أنه إذا لم يصم ما أدركه من المعين (لعذر) من

مرض أو نحوه؛ (فكالأول). وهو: ما إذا نذر صوم زمن غير معين؛ لأن

المرض ونحوه لا ينافي ثبوت الصوم في الذمة، وإذا ثبت في ذمة المريض لم

يسقط بموته وتدخله النيابة بعد الموت. وإنما يسقط قضاء رمضان؛ لأن النيابة لاتدخله.

(ومن مات وعليه صوم من كفارة أو متعة: أُطعم عنه) من غير صوم. نص عليهما.

قال القاضي: لأن هذا الصوم وجب بأصل الشرع؛ كقضاء رمضان.

والله أعلم.

ص: 423

] باب: صوم التطوع]

هذا (باب صوم التطوع)، وذكر ليلة القدر وما يتعلق بذلك.

(وأفضله) أي: أفضل صوم التطوع

(1)

: (يوم) صوم (ويوم) فطر. نص عليه، وذلك لى " قوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو: وصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود. وهو أفضل الصيام. قلت

(2)

: فإنى أطيق أفضل من ذلك. فقال: لا أفضل من ذلك "

(3)

. متفق عليه.

(وسُن ثلاثة) أي: صوم ثلاثة أيام (من كل شهر)؛ لما روى أبو هريرة قال: "أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام "

(4)

.

وعن عبدالله بن عمرو: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: صم من الشهر ثلاثة أيام.

فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر "

(5)

. متفق عليهما.

(وأيام) الليالي (البيض) الثلاث (أفضل. وهي: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة). نص على ذلك، لما روى أبو ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر! إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاثة عشر، وأربعة عشر،

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في ب: فقلت. ()

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1875) 2: 697 كتاب الصوم، باب صوم () الدهر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1159) 2: 814 كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به. . .

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1880) 2: 699 كتاب الصوم، باب صيام أيام () البيض. . .

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3236) 3: 1256 كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:(وءاتينا داود زبورا).

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1159) 2: 814 كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به. . .

ص: 424

وخمسة عشر "

(1)

. رواه أحمد والنسائي والترمذي. وقال: حديث حسن. وعن قتادة بن ملحان القيسي قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. وقال: هي كصوم الدهر "

(2)

. رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود.

قال في " الفروع ": قال شيخنا وغيره: مراده أن من فعل هذا حصل له أجر صيام الدهر بتضعيف الأجر من غير حصول المفسدة. انتهى.

وسميت لياليها بالبيض، لبياض ليلها كله بالقمر.

وقيل: سميت بذلك " لأن الله سبحانه وتعالى تاب فيها على آدم، وبيض صحيفته. ذكره أبو الحسن التميمي.

(و) سن أيضاً صوم يوم (الإثنين و) يوم (الخميس)، لما روى أسامة بن

زيد " أن النبي

(3)

صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين والخميس. فسئل عن ذلك فقال: إن أعمال الناس تعرض يوم الإثنين والخميس "

(4)

. رواه أبو داود.

وفي لفظ: " وأحبُّ أن يُعرض عملى وأنا صائم "

(5)

.

(و) سن أيضاً صوم (ستة من شوال، والأولى تتابعها، و) كونها (عقب

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(761) 3: 134 كتاب الصوم، باب ما جاء في صوم ثلاثه أيام من كل شهر.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2422) 4: 222 كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر في صيام ثلاثة أيام من الشهر.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(21388) 5:152

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2449) 2: 328 كتاب الصوم، باب في صوم الثلاث من كل شهر.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1707) 1: 544 كتاب الصيام، باب ما جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(20317) 5: 27.

(3)

في ب: أن نبي الله. ()

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2436) 2: 325 كتاب الصوم، باب في صوم () الإثنين والخميس.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(747) 3: 122 كتاب الصوم، باب ما جاء في () صوم يوم الإثنين والخميس. عن أبي هريرة.

ص: 425

العيد. وصائمها مع رمضان كأنما صام الدهر)؛ لما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر"

(1)

. رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن.

قال أحمد: هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجري مجرى التقديم لرمضان؛ لأن يوم العيد فاصل.

وروى سعيد بإسناده عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان. شهر بعشرة أشهر، وصام ستة أيام بعد الفطر وذلك سنة ". يعني: أن الحسنة بعشرة أمثالها، الشهر بعشرة، والستة بستين يوما. فذلك سنة كاملة. فإن قيل: فالحديث لا يدل على فضيلتها؛ لأنه شبه صيامها بصيام الدهر وهو مكروه.

قلنا: إنما كره صوم الدهر؛ لما فيه من الضعف، والشبه بالتبتل

(2)

، ولولا ذلك لكان فضلا عظيما؛ لاستغراقه الزمان بالعبادة والطاعة.

والمراد بالخبر: التشبيه به في حصول العبادة به على وجه لا مشقة فيه؛ كما

قال صلى الله عليه وسلم: " من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر "

(3)

، مع أن ذلك لا يكره بل يستحب بغير خلاف.

وكذلك: " نهى عبدالله بن عمرو عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث "

(4)

.

وقال: " من قرأ (قل هو الله أحد) فكأنما قرأ ثلث القرآن "

(5)

. أراد

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2433) 2: 324 كتاب الصوم، باب في صوم ستة أيام من شوال.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(759) 3: 132 كتاب الصوم، باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال.

(2)

في ب: والتبتل. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2427) 2: 322 كتاب الصوم، باب في صوم () الدهر تطوعاً.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1390) 2: 54 كتاب شهر رمضان، باب في كم () يقرأ القرآن.

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(811) 1: 556 كتاب صلاة المسافرين، باب فضل () قراءة (قل هو الله أحد).

ص: 426

التشبيه بثلث القرآن في الفضل، لا في كراهة الزيادة عليه.

قال في " الفروع ": وتحصل فضيلتها متتابعة ومتفرقة. ذكره جماعة، وهو ظاهر كلام أحمد. وقال: في أول الشهر وآخره. واستحب بعضهم تتابعها، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره، وبعضهم: عقب العيد. واستحبها

(1)

ابن المبارك والشافعي وإسحاق، وهذا أظهر، ولعله مراد احمد والأصحاب؛ لما فيه من المسارعة إلى

(2)

الخير، وإن حصلت الفضيلة بغيره.

وسمى بعض الناس الثامن: عيد الأبرار.

(و) سن أيضاً (صوم) شهر الله (المحرم)، لقوله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة

بعد المكتوبة جوف الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم "

(3)

. رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة.

ولعله صلى الله عليه وسلم لم يكثر الصوم فيه لعذر، أو لم يعلم فضله إلا أخيراً.

قال ابن الأثير: إضافته إلى الله تعظيماً وتفخيماً؛ كقولهم: بيت الله،

وآل الله لقريش. قال: والشهر: الهلال

(4)

، سمي به؛ لشهرته وظهوره. (وآكدُه)، وعبارة بعضهم: وأفضله يوم عاشوراء وهو: (العاشر)، وفاقاً لأكثر العلماء.

(وهو) أي: صوم عاشوراء (كفارة سنة.

ثم) يلي صوم عاشوراء في الآكدية (التاسع)، ويسمى تاسوعاء. وهما ممدودان، وحكي قصرهما.

(و) سن أيضا صوم (عشر ذي الحجة، وآكدُه يوم عرفة.

(1)

في ب: واستحب. ()

(2)

في أ: في. ()

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1163) 2: 821 كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(2429) 2: 323 كتاب الصوم، باب في صوم المحرم.

(4)

في أ: الهلالي. ()

ص: 427

وهو) أي: وصومه (كفارة سنتين). روى مسلم عن أبي قتادة مرفوعاً في

صيام يوم عرفة: " إني لأحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"

(1)

.

وقال في صيام يوم عاشوراء: " إنى أحتسب على الله أن يكفر السنة التي

قبله "

(2)

.

قال في " الفروع ": والمراد به الصغائر. حكاه في " شرح مسلم " عن العلماء. فإن لم تكن صغائر رجي التخفيف من الكبائر. فإن لم تكن رفعت

درجات.

(ولا يسن) صوم يوم عرفة (لمن بها) أي: بعرفة؛ لما روى أبو هريرة

" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة "

(3)

. رواه أبو داود.

ولأن الصوم يضعفه ويمنعه من الدعاء في هذا اليوم العظيم، الذي يستجاب

فيه الدعاء. في ذلك الموقف الشريف، الذي يقصد من كل فج عميق، رجاء فضل الله فيه

(4)

وإجابة دعائه.

ويستثنى من ذلك صورتان أشير إليهما بقوله: (إلا لمتمتع وقارن عَدِما الهدي) فإنه يستحب لمن صام منهما ثلاثة أيام في الحج أن يكون آخر الثلاثة يوم عرفة. وسيأتي ذلك إن شاء الله في الفدية

(5)

.

(ثم) يلي صوم يوم عرفة في الآكدية (التَّرْوية) وهو: الثامن من ذي الحجة، ثم بقية العشر؛ لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر. قالوا: يا رسول الله!

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1162) 2: 818 كتاب الصيام، باب استحباب () صيام ثلاثه أيام من كل شهر. . .

(2)

أخرجه مسلم في الموضع السابق، وهو جزء من الحديث السابق. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2440) 2: 326 كتاب الصوم، باب في صوم () عرفه بعرفة.

(4)

ساقط من أ. ()

(5)

452:3. ()

ص: 428

ولا الجهاد في سبيل الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء "

(1)

. حديث حسن صحيح.

(وكُره إفراد رجب) با لصوم.

قال أحمد: من كان يصوم السنة صامه، وإلا فلا يصومه متوالياً، بل يفطر

فيه ولا يشبهه برمضان. انتهى.

وذلك لما روى أحمد بإسناده عن خرشة بن الحر قال: " رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام. ويقول: كلوا. فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية "

(2)

.

وبإسناده عن ابن عمر: " أنه كان إذا رأى الناس وما يعدونه لرجب كرهه وقال: صوموا منه وأفطروا ".

(و) كره أيضاً إفراد يوم (الجمعة) بالصوم. إلا أن يوافق عادة مثل من يصوم يوما ويفطر يوما فوافق صومه يوم الجمعة " لما روى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة. إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده "

(3)

. متفق عليه.

(و) إفراد يوم (السبت بصوم)، لما روى عبدالله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم "

(4)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

قال الأثرم: قال أبو عبدالله: أما صيام يوم السبت يتفرد به فقد جاء فيه

" حديث الصماء "

(5)

. والمكروه إفراده فإن صام معه غيره لم يكره " لحديث

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(757) 3: 130 كتاب الصوم، باب ما جاء في () العمل في الأيام العشر.

(2)

ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 3: 191 باب في صيام رجب. وعزاه إلى () الطبراني في " الأوسط ".

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1884) 2:700 كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1144) 2: 801 كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعه منفرداً.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(744) 3: 120 كتاب الصوم، باب ما جاء في () صوم يوم السبت.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2421) 2: 320 كتاب الصوم، باب النهي أن () يخص يوم السبت بصوم. ولفظه: عن الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصوموا يوم السبت إلا في ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لِحَاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه". قال أبو داود: وهذا حديث منسوخ.

ص: 429

أبي هريرة وجويرية

(1)

.

(و) كره (صوم يوم الشك. وهو: الثلاثون من شعبان، إذا لم يكن حين الترائي علة).

قال أحمد في رواية الأثرم: ليس ينبغي أن يصبح صائماً إذا لم يحل دون

منظر الهلال شيء من سحاب ولا غيره.

(إلا أن يوافق عادة، أو يصله بصيام قبله)، أو يتقدم الصوم عن رمضان بأكثر من يومين. فلا يكره نصاً، لظاهر حديث أبي هريرة:" لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصومُ صوماً فليصمه "

(2)

.

وقيل: يكره الصوم بعد نصف شعبان.

وحرمه الشافعية، لحديث أبي هريرة:"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا "

(3)

. رواه الخمسة وضعفه أحمد وغيره من الأئمة، وصححه الموفق،

(1)

أما حديث أبي هريرة فقد أخرجه أبو داود في " سننه "(2420) 2: 320 كتاب الصوم، باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم. ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله

ببوم أو بعده ".

وأما حديث جويرية فقد أخرجه أحمد في " مسنده "(27460) 6: 430 ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل

عليها في يوم جمعة وهي صائمة فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: أفتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا. قال صلى الله عليه وسلم فأفطري إذاً ".

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1815) 2: 676 كتاب الصوم، باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1082) 2: 762 كتاب الصيام، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2337) 2: 300 كتاب الصوم، باب في كراهية ذلك.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(738) 3:115 كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1651) 1: 528 كتاب الصيام، باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم. . .

ص: 430

وحمله

(1)

على نفي الفضيلة.

(أو) يكون صومه (قضاء) عن

(2)

فطر في رمضان ماض.

(أو) يكون (نذراً) بأن ينذر إنسان صوم يوم الشك فيصومه فلا يكره؛ لأن صومه في هاتين الحالتين واجب

(3)

.

(و) كره أيضاً صوم يوم (النَّيروز والِمهْرَجان).

قال في " الإنصاف ": وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، وهو من مفردات المذهب. انتهى.

واختار المجد عدم كراهة صومهما، لأن الكفار لا يعظمونهما بالصوم،

(و) كذا يكره صوم (كل عيد لكفار، أو يوم يُفردونه بتعظيم). قال ذلك الموفق والمجد، قياساً على يوم النيروز والمهرجان.

(و) كره أيضاً (تقدم) صوم (رمضان بيوم أو يومين) لا بأكثر، لحديث

أبي هريرة المتقدم

(4)

.

(و) كره أيضاً (وصال) وهو: أن لا يفطر بين اليومين، (إلا من النبي صلى الله عليه وسلم، لما روى ابن عمر قال:" واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فواصل الناس. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال. فقالوا: إنك تواصل. قال: إنى لستُ مثلكم، إني أطعم وأسقى "

(5)

. متفق عليه.

ولا يحرم " لأن النهي وقع رفقا ورحمة. ولهذا واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وواصلوا بعده.

وقيل: يحرم. وحكاه ابن عبدالبر عن الأئمة الثلاثة.

(1)

ساقط من ب. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

في أ: لأن صومه واجب في هذين الحالتين. ()

(4)

سبق تخريجه في الحديث قبل السابق. ()

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1822) 2: 678 كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب.

ص: 431

قال أحمد: لا يعجبني. وأومأ أيضا إلى إباحته لمن يطيقه. فنقل حنبل:

أنه واصل بالعسكر ثمانية أيام، ما راه طعم فيها ولا شرب، حتى كلمه في ذلك فشرب سويقا.

قال أبو بكر: يحتمل أنه فعله حيث لا يراه، لأنه لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في " الفروع ": كذا قال.

(لا إلى السَّحر) يعني: أنه لا يكره الوصال إلى وقت السحر. نص عليه، وقاله إسحاق، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد:" فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر "

(1)

. رواه البخاري.

(وتركه) أي: ترك الوصال إلى السحر (أولى) من فعله، لتأخير الفطر.

(ولا يصح صوم أيام التشريق) نفلا، وفاقا للأئمة الثلاثة؛ لما روى مسلم

عن كعب بن مالك: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق. فناديا: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن. وأيام منى أيام أكل وشرب "

(2)

.

(إلا عن دم مُتعة أو قران) على الأصح، لقول ابن عمر وعائشة: "لم يرخص

في أيام التشريق أن يُصَمْنَ، إلا لمن لم

(3)

يجد الهدي "

(4)

. رواه البخاري. (ولا) يصح صوم (يوم عيد مطلقا) أي: لا تطوعا ولا عن فرض.

(ويحرم) صومه؛ لما روى أبو هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى

(5)

"

(6)

. متفق عليه.

والنهي يقتضي فساد المنهي عنه وتحريمه. والله أعلم.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1862) 2 كتاب الصوم، باب الوصال ومن () قال: ليس في الليل صيام.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1142) 2: 800 كتاب الصيام، باب تحريم صوم () أيام التشريق.

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1894) 2: 703 كتاب الصوم، باب صيام أيام () التشريق.

(5)

كذا في ج. وفي أوب: أضحى. ()

(6)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1891) 2: 702 كتاب الصوم، باب الصوم يوم النحر.

وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1138) 2: 799 كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.

ص: 432

] فصل: فيمن أفسد تطوعا]

(فصل. ومن دخل في تطوع) صوم أو غيره (غير حج أو عمرة: لم

يجب) عليه (إتمامه)؛ لما روى مسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت:

" دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: هل عندكم من شيء؟ فقلت: لا. قال: إنى صائم، ثم مر بعد ذلك اليوم وقد أهدي إليَّ حَيس. فخبأت له منه. وكان يحب الحيس قلت: يا رسول الله! إنه أهدي إلي

(1)

حيس فخبأت لك منه.

قال: أدنيه. أما إني قد أصبحت وأنا صائم. فأكل منه. ثم قال: إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها "

(2)

.

هذا لفظ رواية النسائي.

(ويُسن) له إتمامه؛ للخروج من الخلاف.

(وإن فسد) ما دخل فيه تطوعا غير حج أو عمرة (فلا قضاء) عليه.

ويسن قضاؤه؛ للخروج من الخلاف. ولم يلزم. نص عليه.

وأما كون تطوع الحج والعمرة يجب إتمامه بخلاف سائر التطوعات؛ فلتأكد

إحرامهما لظاهر آية الإحصار.

ولأنه لا يخرج منهما بإفسادهما. ولو اعتقد أنهما واجبان ولم يكونا

واجبين: لم يكن له الخروج منهما.

(1)

في أ: إلينا. وفي ج: لنا. ()

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1154) 2:809 كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال. . .

وأخرجه أبو داود في " سننه "(2455) 2: 329 كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك.

وأخرجه الترمذي في "جامعه "(734) 3: 111 كتاب الصوم، باب صيام المتطوع بغير تبييت.

وأخرجه النسائي في "سننه "(2322) 4: 93 1 كتاب الصيام، النية في الصيام. . .

وأخرجه أحمد في " مسنده "(25772) 6: 207.

ص: 433

(ويجب إتمام فرض مطلقاً) أي: سواء كان مفروضاً بأصل الشرع، أو فرضه على نفسه بنذره (ولو) كان وقته (موسعا؛ كصلاة، وقضاء رمضان، ونذر مطلق، وكفارة)؛ لأن المتعين، كشهر رمضان، ونذر صوم شهر رجب مثلا يجب صومه كاملاً. وغير المتدين؛ كنذر صوم شهر يتعين

(1)

بدخوله فيه فصار بمنزلة المتعين؛ لأن الخروج من عهدة الواجب متعين ودخلت التوسعة في ذمته؛ رفقا ومظنه للحاجة. فإذا شرع فيه تعينت المصلحة في إتمامه. وإنما جاز للصائم في السفر الفطر؛ لقيام المبيح. وهو السفر؛ كالمرض.

(وإن بطل) لوجود مبطل (فلا مزيد) يعني: فلا يلزمه أكثر مما كان عليه

قبل شروعه فيه، (ولا كفارة) مطلقاً.

وقيل: يكفر إن افسد قضاء رمضان.

(ويجب قطع) أي: أن يقطع الصوم الواجب وغيره من العبادات الواجبات (لرد معصوم عن مَهلكة، وإنقاذ غريق، ونحوه)؛ كالذي تحت هدم، ومن سقط في نار، أو وطئت عليه بهيمة وإن بقيت قتلته ونحو ذلك.

(وإذا دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان في صلاة فإنه يجيبه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ياأيهاالذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)] الأنفال: 24].

(وله) أي. ولمن دخل في واجب (قطعُه لهرب غريم، وقلبه نفلاً). وتقدم الكلام على ذلك.

(1)

في أ: معين. ()

ص: 434

] فصل: في أفضل الأيام]

(فصل. أفضل الأيام) يوم (الجمعة).

قال في " الفروع ": قال شيخنا: هو أفضل أيام الأسبوع إجماعاً. وقال:

يوم النحر أفضل أيام العام. وكذا ذكر جده صاحب " المحرر " في صلاة العيد من "شرحه منتهى الغاية ": أن يوم النحر أفضل.

وظاهر ما ذكره أبو حكيم: أن يوم عرفة أفضل، وهذا أظهر، وقاله أكثر الشافعية، وبعضهم: يوم الجمعة.

وظهر مما سبق: أن هذه الأيام أفضل من غيرها، ويتوجه على اختيار شيخنا

بعد يوم النحر يوم القرّ الذي يليه؛ لأنه احتج بقوله صلى الله عليه وسلم: " أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القرّ "

(1)

. انتهى.

(و) أفضل (الليالي: ليلة القدر).

قال في " الفروع ": وليلة القدر أفضل الليالي

(2)

، وهي أفضل من ليلة الجمعة؛ للآية. وذكر الخطابي إجماعاً.

وذكر ابن عقيل روايتين: إحداهما: هذا.

والثانية: ليلة الجمعة أفضل. وعلله بأنها تتكرر، وبأنها تابعة لما هو أفضل

الأيام وهو يوم الجمعة.

قال صاحب " المحرر ": وهي اختيار ابن بطة وأبي

(3)

الحسن الجزري

وأبي حفص البرمكي. واحتجوا بأن الليلة تابعة ليومها، وفيه ما لم يذكر في فضل يوم ليلة القدر، ولبقاء فضلها في الجنة؛ لـ " أن في قدر يومها تقع الزيارة

(1)

أخرجه أحمد في "مسنده "(19098) 4: 350 من حديث عن عبدالله. بن قرط. () والقرّ: هو اليوم الأول من أيام التشريق. يوم القر، لأن الناس يقرون في منى للنحر. " المصباح " مادة: قرر.

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

فى أوب: وأبو. ()

ص: 435

إلى الحق سبحانه "؛ كما رواه الترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة

(1)

. وإسناده حسن. انتهى.

وليلة القدر ليلة معظمة.

قال في " المستوعب " وغيره: والدعاء فيها مستجاب.

قال مجاهد والمفسرون في قوله: (خير من ألف شهر)] القدر: 3 [أي: قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها.

وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "

(2)

.

وسميت ليلة القدر؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة؛ لقوله سبحانه وتعا لى: (إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إناكنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم)] الدخان:3 - 4 [

فإن المراد بذلك: ليلة القدر عند ابن عباس.

قال ابن الجوزي: وعليه المفسرون؛] لقوله: (إنا أنزلناه فى ليلة القدر)

] القدر: 1 [[

(3)

. وما روي أنها ليلة النصف من شعبان فضعيف.

وقيل: سميت ليلة القدر؛ لعظم قدرها عند الله.

وقيل: القدر بمعنى الضيق؛ لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها. فروى أحمد عن] أبي هريرة [

(4)

مرفوعاً:" إن الملائكة تلك الليلة أكثر من عدد الحصى"

(5)

.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(2549) 4: 685 كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في سوق الجنة.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(4336) 2: 1451 كتاب الزهد، باب صفه الجنة. ولفظه: عن سعيد ابن المسيب " أنه لقي أبا هريرة. فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. قال سعيد: أو فيها سوق؟ قال: نعم. أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم. فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون الله عز وجل ".

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(35) 211 كتاب الإيمان، باب قيام ليلة القدر من () الإيمان.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(760) 1: 523 كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح.

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

في أ: إبراهيم. ()

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(10745) 2: 519 ()

ص: 436

قال في " الفروع ": ولم ترفع، وفاقاً للأئمة الثلاثة

(1)

للأخبار بطلبها وقيامها. وعن بعض العلماء: رفعت، وحكي رواية عن أبي حنيفة.

(وتُطلب فى العشر الأخير من رمضان).

قال في " الفروع ": وهي مختصة بالعشر الأخيرة منه، عند أحمد وأكثر العلماء من الصحابة وغيرهم، وفاقا لمالك والشافعي.

(وأوتاره) أي: أوتار العشر الأخير من رمضان، وهي ليلة

(2)

الحادية والعشر ون، والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون، والسابعة والعشرون، والتاسعة والعشرون:(آكد) من غير أوتاره.

(وأرجاها) اي: أرجى ليالي الأوتار (سابعتُه) أي: سابعة العشر. نص على ذلك.

(وسن كون من دعائه فيها) ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: " يا رسول الله! إن وافقتها فبم ادعو؟ قال قولي: (اللهم! إنك عفو تحب العفو فاعف عني"

(3)

. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي.

قال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس تطلعُ من صبيحَتها

(4)

بيضاء لاشعاع لها"

(5)

.

وفي بعض الأحاديث: " بيضاء مثل الطَّست "

(6)

.

(1)

في ب: الثلاث. ()

(2)

زيادة من ب. ()

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(3513) 5: 534 كتاب الدعوات.

وأخرجه ابن ماجه فى " سننه "(3850) 2: 1265 كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية.

وأخرجه أحمد فى " مسنده "(25538) 6: 183.

(4)

في أ: صبحتها. ()

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(762) 1: 525 كتاب صلاة المسافرين، باب () الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح.

(6)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1378) 2: 51 كتاب شهر رمضان، باب في ليلة () القدر. ولفظه:" تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع ".

ص: 437

وروي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أمارة ليله القدر أنها ليلة صافية بلجة، كأن

فيها قمراً ساطعاً. ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح. وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس فيها شعاع مثل القمر ليلة البدر. لا يحلُّ للشيطان

(1)

أن يخرج معها يومئذ "

(2)

. والله أعلم.

(1)

في أ: للشياطين. ()

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(22817) 5: 324 من حديث عبادة بن الصامت () رضي الله عنه.

ص: 438

[كتاب الاعتكاف]

هذا (كتاب الاعتكاف) لغة: لزوم الشيء، ومنه:(يعكفون على أصنام لهم)

[الأعراف: 138]. يقال: عكَف بفتح الكاف يعكف بضمها وكسرها، قراءتان، شرعا:(لزوم مسلم لا غُسل عليه، عاقل ولو) كان صغيراً (مميزاً. مسجداً) مفعول للزوم (ولو) كان وقت اللزوم (ساعة) من ليل أو نهار،

(لطاعة) متعلق بلزوم (على صفة مخصوصة).

قال ابن هبيرة: وهذا الاعتكاف لا يحل أن يسمى خلوة، ولم يزد على هذا.

قال في " الفروع ": ولعل الكراهة أولى، ويسمى جِواراً؛ لقول عائشة

عنه صلى الله عليه وسلم: " وهو مُجاورٌ في المسجد "

(1)

. متفق عليه.

و" فيهما " من حديث أبي سعيد قال: " كنت أجاور هذا العشر- يعني: الأوسط - ثم قد بدا لي أن أجاور هذا العشر الأواخر. فمن كان اعتكف معي فليلبث في معتكفه"

(2)

.

(ولا يبطل) الاعتكاف (بإغماء)، كما لا يبطل بنوم. بجامع التكليف

(3)

.

(وسن) الاعتكاف (كل وقت) إجماعا؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم

عليه "

(4)

: تقرباً إلى الله تعالى.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1924) 2: 714 كتاب الاعتكاف، باب الحائض () ترجل المعتكف. وأخرجه مسلم في "صحيحه " (297) 1: 244 كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1914) 2: 715 كتاب صلاة التراويح، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1167) 2: 824 كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها. . .

(3)

ساقط من ب. ()

(4)

عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليله التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر. . . ".

أخرجه البخاري في "صحيحه "(1923) 2: 713 كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر. . .

ص: 439

و" اعتكف أزواجه بعده ومعه "

(1)

.

(و) هو (فى رمضان آكد)، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

(وآكدُه) أي: آكد رمضان (عشره الأخير) إجماعاً.

قال في " الفروع ": ولم يفرق الأصحاب بين الثغر وغيره، وهو واضح. ونقل أبو طالب: لا يعتكف بالثغر " لئلا يشغله نفير.

(ويجب) الاعتكاف (بنذر)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من نذر أن يطيع الله فليطعه "

(2)

.

وعن عمر أنه قال: " يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك "

(3)

. رواهما البخاري.

(وإن علق) الاعتكاف (أو غيره) من العبادات المنذورة (بشرط)، كمن نذر أن يعتكف قارئاً أو نحوه (تقيد به) أي: بالشرط.

(ويصح) الاعتكاف (بلا صوم) على الأصح، لما روي عن عمر أنه قال:

" يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة بالمسجد الحرام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف نذرك

(4)

"

(5)

. رواه البخاري.

(1)

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: " أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده ".

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1922) 2: 713 كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر. . .

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6318) 6: 2463 كتاب الأيمان والنذور، باب () النذر في الطاعة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1937) 2: 718 كتاب الاعتكاف، باب من لم () ير عليه صوماً إذا اعتكف.

(4)

في ب: بنذرك. ()

(5)

إحدى روايات الحديث السابق. ()

ص: 440

ولو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكاف الليل؛ لأنه لا صيام فيه.

ولأنه عبادة تصح في الليل. فلم يشترط له الصيام؛ كالصلاة وسائر العبادات. ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع.

وما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا اعتكاف

(1)

إلا بصوم "

(2)

: فموقوف عليها، ومن رفعه فقد وهم. ثم لو صح فالمراد به الاستحباب فإن الصوم فيه أفضل.

ولأن الاعتكاف لبث في مكان مخصوص. فلم يشترط له الصوم؛

كالوقوف.

(لا بلا نية) يعني: أنه لا يصح الاعتكاف الشرعي بلا نية، وفافا للأئمة الثلاثة؛ لأنه عبادة محضة. أشبه الصوم. فلا يصح من كافر ولامجنون ولاطفل، كما لا تصح صلاتهم ولا صومهم.

(ويجب أن يعين نذر بها) أي: بالنية؛ ليتميز المنذور عن التطوع.

(ومن نوى خروجه منه) اي: من الاعتكاف (بطل) في الأصح؛ لأنه يخرج منه بالفساد؛ كالصلاة. وكما لو قطع نية الصوم.

(ومن نذر أن يعتكف صائماً، أو) نذر أن يعتكف (بصوم، أو) نذر أن (يصوم معتكفاً، أو) نذر أن يصوم (باعتكاف، أو) نذر أن (يعتكف مصلياً، أو) نذر أن (يصلي معتكفا، لزمه الجمع) بين الاعتكاف والصيام، أو بين الاعتكاف والصلاة في الأصح؛ لقول النبي:" ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على نفسه "

(3)

.

والاستثناء من النفي إثبات، والمنفي الصوم حالة الاعتكاف. فيجب أن يكون هو المثبت بالاستثناء. ويقاس على الصوم الصلاة.

(1)

في أ: اعتكف. ()

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى " 4: 317 كتاب الصيام، باب المعتكف يصوم. ()

(3)

أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 4: 318 كتاب الصيام، باب من رأى () الاعكاف بغير صوم.

ص: 441

ولأن كلاَّ من الصوم والصلاة صفة مقصودة في الاعتكاف. فلزمت بالنذر " كالتتابع، وكنذر القيام في صلاة النافلة، و (كنذر صلاة بسورة معينة) من القرآن. (ولا يجوز لزوجة وقنٍّ اعتكاف) أي: أن تعتكف الزوجة (بلا إذن زوج،

و) لا أن يعتكف القن بلا إذن (سيد)، وذلك لأن منافعهما مملوكة لغيرهما. والاعتكاف يفوتها ويمنع استيفاءها، وليس بواجب بالشرع. فكان لكل من الزوج والسيد المنع منه

(1)

.

(ولهما) أي: للزوج والسيد (تحليلهما) اي: تحليل الزوجة والقن (مما شرعا فيه) من اعتكاف منذور (بلا إذن) من زوج أو سيد، وفاقا للأئمة الثلاثة، لحديث أبي هريرة:" لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوماً من غير رمضان إلا بإذنه "

(2)

. رواه الخمسة وحسنة الترمذي.

وضرر. الاعتكاف أعظم

(3)

؛ لأن إقامتهما على ذلك يتضمن تفويت حق غيرهما بغير إذن. فكان لصاحب الحق المنع منه؛ كرب الحق مع غاصبه. (أو) كاد شروعهما فيه (به) أي: بإذن الزوج أو السيد (وهو) أي: ما شرعا فيه (تطوع)؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة وحفصة وزينب في الاعتكاف، ثم منعهن منه بعد أن دخلن "

(4)

.

(1)

زيادة من ب. ()

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2458) 330:2 كتاب الصوم، باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(782) 3:151 كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية صوم المرأة إلا بإذن زوجها.

وأخرجه ابن ماجه في "سننه "(1761) 1:560 كتالى الصيام، باب في المرأة تصوم بعير إذن زوجها.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(8173) 2: 316.

(3)

في ب زيادة: والحج آكد. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1940) 2: 719 كتاب الاعتكاف، باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1173) 2: 831 كتاب الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه.

ص: 442

ولأن حق الزوج والسيد واجب، والتطوع لا يلزم بالشروع.

ولأن لهما المنع منه ابتداء. فكان لهما المنع دواما؛ كالعارية.

ويخالف الحج فإنه يلزم بالشروع فيه، ويجب المضي في فاسده.

(ولمكاتب اعتكاف بلا إذن). نص عليه؛ لملكه منافع نفسه؛ كحر مدين. بخلاف أم الولد والمدبر.

(و) له أيضا (حج) بلا إذن. نص عليه؛ كالاعتكاف، وأولى؛ لإمكان التكسب معه. ولا يمنع من إنفاقه للمال فيه؛ كالاعتكاف، وكتركه التكسب مدة، وينفق فيها عليه مما قد

(1)

جمعه.

(ما لم يحل) عليه (نجم) من نجوم الكتابة. ونقل الميمونى: له الحج

من المال الذي قدجمعه مالم يأت نجمه

(2)

.

قال في " الفروع ": وحمله القاضي وابن عقيل والشيخ على إذنه له. ويجوز بإذنه، أطلقه جماعة وقالوا: نص عليه. ولعل المراد: ما لم يحل نجم، وصرح به بعضهم.

وعنه: المنع مطلقاً. انتهى.

(ومبعض) أي: ومن بعضه حر (كلقن) أي: كمن كله رقيق فيما تقدم من حكم الرقيق في الاعتكاف. (إلا مع مهايأة) بينه وبين مالك بعضه، واعتكف أو حج (في نوبته) بلا إذن مالك بعضه، (فـ) إنه في زمن نوبته (كحر)؛ لأن أكسابه ومنافعه له في نوبته.

(1)

في أ: ورد. ()

(2)

في أ: من المال الذي جمعه ما لم يأت نجم. ()

ص: 443

] فصل: في مكان الاعتكاف]

(فصل. ولا يصح) الاعتكاف (ممن تلزمه الجماعة، إلا بمسجد تقام فيه) الجماعة (ولو من) رجلين (معتكفين) فيه.

أما كون الاعتكاف لا يصح إلا بمسجد؛ فباتفاق الأئمة، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى:(ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد)] البقرة: 187]. فخص المساجد بذلك، ولو صح الاعتكاف في غير المساجد لم يختص بتحريم المباشرة فيها. فإن المباشرة محرمه في الاعتكاف مطلقاً.

وإنما اختص الاعتكاف بالمسجد؛ لأن الإقامة فيه عون على ما يراد من العبادات، إذ هو مبني لها.

وأما كون من تلزمه الجماعة لا يصح منه الاعتكاف إلا بمسجد تقام فيه؛ لأنه

إذا اعتكف بمسجد لا تقام فيه الجماعة أفضى ذلك إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبه، وإما أن يخرج إليها فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان التحرز منه، وذلك مناف للاعتكاف، إذ هو لزوم الإقامة على طاعة الله سبحانه وتعالى. ومحل ذلك:(إن أتى عليه) أي: على المعتكف زمن اعتكافه (فعل صلاة)؛

لأن من اعتكف بمسجد لا تقام فيه الجماعة زمناً لا يلزمه فيه فعل صلاة جماعة لا يكون تاركا للجماعة؛ لأن الممنوع منه ترك الجماعة وهذا غير تارك لها. (وإلا) أي: وإن لم يكن المعتكف ممن تلزمه الجماعة، كالعبد والمريض وكل معذور: س (صح) اعتكافه (بكل مسجد، كـ) الاعتكاف (من أنثى) فإن اعتكافها يصح بكل مسجد " للآية. إلا مسجد بيتها.

وروى عن أحمد ما يدل على أنه لا يجوز اعتكافها إلا في مسجد تقام

فيه الجماعة.

ومسجد بيتها هو الموضع الذي تتخذه لصلاتها في بيتها.

ص: 444

وقال أبو حنيفة: يجوز اعتكافها في مسجد بيتها] وهو الأفضل؛ لأن المرأة عورة. فيجب صونها عن مجامع الرجال.

ولنا: أن مسجد بيتها [

(1)

ليس بمسجد حقيقة ولا حكما. بدليل جواز لبثها

فيه حائضا وجنبا، وأنه لا يجب صونه عن النجاسات.

ولأن المسجد ما بني لذكر الله سبحانه وتعالى

(2)

وللصلاة، وهذا بني لمصالح الدنيا. فعلم أن تسميته مسجدا مجاز.

ولأنه موضع لا يصح اعتكاف الرجل فيه بحال فكذا المرأة. أشبه المكان الذي لم

(3)

تتخذه لصلاتها.

(ومنه) أي: ومن المسجد (ظهره) أي: سطحه؛ لعموم قوله عز وجل.

(وأنتم عاكفون فى المساجد)] البقرة: 187 [. وسطحه بقعة منه. فأشبه سائره.

(و) منه أيضاً: (رحبته المحوطة). وفيها روايتان مطلقتان.

وقال القاضي أبو يعلى: إن كان عليها حائط وباب؛ كرحبة جاءح المهدي بالرصافة فهي كالمسجد؛ لأنها معه وتابعة له، وإن لم تكن محوطة؛ كرحبة جامع المنصور لم يثبت لها حكم المسجد. فكأنه جمع بين الروايتين عن أحمد، وحملهما على اختلاف الحالتين.

وقد نقل عن أحمد ما يدل على صحة هذا التأويل. فقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه: إذا سمع أذان العصر في رحبة مسجد الجامع انصرف ولم يصل، ليس هو بمنزلة المسجد، حد المسجد هو الذي جعل عليه حائط وباب. (و) من المسجد أيضاً (منارتُه التي هي). فيه (أو بابُها به) أي: بالمسجد

(4)

.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في أ: لذكر الله تعالى. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

في أ: فيه أي في المسجد. ()

ص: 445

قال في " الفروع ": والمنارة التي للمسجد إن كانت فيه أو بابها فيه فهي منه. بدليل منع جنب. والأشهر عن مالك: يكره، وقاله الليث.

وإن كان بابها خارجاً منه

(1)

بحيث لا يستطرق إليها إلا خارج المسجد، أو كانت خارج المسجد. والمراد والله أعلم وهي قريبة منه، كما جزم به بعضهم فخرج للأذان بطل اعتكافه؛ لأنه مشى حيث يمشي جنب لأمر منه بد؛ كخروجه إليها لغير الأذان.

وقيل: لا يبطل. انتهى.

(و) من المسجد أيضاً (ما زيد فيه) أي: في المسجد (حتى في الثواب في المسجد الحرام، وعند جمع) من الأصحاب منهم الشيخ تقي الدين وابن رجب وحكي عن السلف.

قال ابن رجب في " شرح البخاري ": وقد قيل إنه لا يعلم عن السلف خلاف

في المضاعفة، وإنما خالف بعض المتأخرين من أصحابنا، منهم ابن الجوزي وابن عقيل.

(ومسجد المدينة أيضاً) يعني: أنه يكون منه ما زيد فيه حتى في الثواب.

وخالف في ذلك جمع، منهم ابن عقيل وابن الجوزي.

قال في " الفروع ": وهو ظاهر كلام أصحابنا وتوقف أحمد.

وقال ابن مفلح في " الآداب الكبرى ": هذه المضاعفة تختص المسجد غير الزيادة على ظاهر الخبر، وقول العلماء من أصحابنا وغيرهم.

(والأفضل لرجل تخلل اعتكافه جمعة جامع) يعني: أن يعتكف في مسجد

تقام فيه الجمعة. وكل مسجد تقام فيه الجمعة فهو جامع.

ولا يلزمه أن يعتكف في جامع في الأصح، لأن الخروج إلى الجمعة خروج

لما لا بد منه. فأشبه الخروج لحاجة الإنسان، وخروج المرأة لعدة الوفاة.

(1)

في ب: منها. ()

ص: 446

ولأنه لما نذر أياماً فيها جمعة. فكأنه استثنى الجمعة حيث لم تلزمه في الجامع،

لا سيما والخروج للجمعة معتاد.

(ويتعين) الاعتكاف في الجامع (إن عين بنذر) بأن يقول: لله علي أن أعتكف الزمن الفلانى في الجامع. فلا يجزئه الاعتكاف في مسجد لا تقام فيه الجمعة ولو لم يتخلل اعتكافه جمعة؛ لأنه ترك لبثا مستحقا التزمه بنذره.

(ولمن لا جمعة عليه)؛ كالعبد والمرأة (أن يعتكف بغيره) أي: بغير الجامع. (ويبطل) اعتكافه (بخروجه إليها) اي: إلى الجمعة؛ لأن له بدا من ذلك

(إن لم يشترطه) أي: إن

(1)

لم يشترط خروجه إلى الجمعة؛ كعيادة المريض. (ومن عين) بنذره لاعتكافه أو لصلاته

(2)

(مسجدا غير) المساجد (الثلاثة) وهي: المسجد الحرام، ومسجد المدينه، والمسجد الأقصى:(لم يتعين)؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثه مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى "

(3)

. متفق عليه. ولمسلم في رواية: " إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد "

(4)

.

فلو تعين غيرها بتعيينه لزمه المضي إليه، واحتاج إلى شد الرحل؛ لقضاء نذره. وذلك خلاف النص.

قال في " الفروع ": كذا ذكره الأصحاب، وهو صحيح فيما إذا احتاج إلى ذلك، وخالف فيه الليث.

ويتوجه إلى مسجد قباء، وفاقا لمحمد بن مسلمة المالكي؛ لقول ابن عمر:

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في أ: صلاته. ()

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1132) 1: 398 أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمد ينة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1397) 2: 1014 كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1397) 2: 1015 الموضع السابق. ()

ص: 447

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور قباء راكبا وماشيا "

(1)

.

وفي رواية: " كان يأتى قباء كل سبت، كان يأتيه راكبا وماشيا، ويصلي فيه ركعتين. وكان ابن عمر يفعله "

(2)

. متفق عليه.

وللنسائي وابن ماجه من حديث سهل بن حنيف: " أن من خرج حتى يأتيه فيصلي فيه، كان له عدل عمرة "

(3)

.

وعن أسيد بن ظهير مرفوعاً: " الصلاة في مسجد قباء كعمرة "

(4)

. رواه الترمذي وقال: غريب. ولا نعرف لأسيد شيئا يصح غير هذا.

وفيه تخصيص بعض الأيام بالزيارة.

وكرهه محمد بن مسلمة المالكي.

أما ما لم يحتج إلى شد رحل فمفهوم كلامه في " المغني " يلزم فيه، وهو ظاهر

" الانتصار" إنه قال: القياس لزومه، تركناه؛ لقو له:" لا تشد الرحال "

(5)

.

وذكر أبو الحسين احتمالا في تعيين المسجد العتيق للصلاة.

وذكر صاحب " المحرر ": أن القاضي ذكر تعيينه لها.

قال صاحب " المحرر ": لأنه أفضل، قال: ونذر الاعتكاف مثله.

وأطلق شيخنا وجهين في تعيين ما امتاز بمزية شرعية؛ كقِدمٍ وكثرةِ جمع، واختار في موضع آخر: يتعين.

وصرح المالكية بهذا في المسجد القريب، وقطع به ابن الجلاب منهم،

(1)

أخرجه مسلم في "صحيحه "(1399) 2: 1016 كتاب الحج، باب فضل مسجد () قباء. . .

(2)

أخرجه البخاري في " صححيحه "(1134) 1: 398 أبواب التطوع، باب مسجد قباء.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1399) 2: 1017 كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء. . .

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(699) 2: 36 كتاب المساجد. فضل مسجد قباء والصلاة فيه.

وأخرجه ابن ماجه في "سننه "(1412) 1: 453 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(324) 2: 145 أبواب الصلاة، باب ما جاء في () الصلاة في مسجد قباء.

(5)

سبق تخريجه ص (447) رقم (3). ()

ص: 448

ورواه محمد بن الموّاز في " الموّازيّة " عن مالك. وذكر بعض الشافعية وجها وبعضهم قولا في تعيين المساجد للاعتكاف. واحتجوا لعدم التعيين، بأنه لا مزية لبعض المساجد على بعض بمزية أصلية، وهذا يبطل بقباء. ثم هي طاعة فتدخل في الخبر، ثم ما الفرق؟.

واحتج الأصحاب بأن الله سبحانه وتعالى لم يعين لعبادته مكانا، ويبطل ببقاع الحج. انتهى.

لكن قد يقال: إن الكلام في غير بقاع

(1)

الحج. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وحيث تقرر: أنه لا يتعين غير المساجد الثلاثة، وأراد الناذر الاعتكاف في المسجد الذي عينه. فإن كان قريبا كان اعتكافه فيه أفضل من غيره، وإن كان بعيدا يحتاج إلى شد رحل فقال في " الفروع ": خير عند القاضي وغيره، وجزم بعضهم بإباحته، واختاره الشيخ في القصير، واحتج بخبر قباء، وحمل النهي على أنه لا فضيلة فيه، وقاله أكثر الشافعية، وحكاه في " شرح مسلم " عن جمهور العلماء، ولم يجوزه ابن عقيل وشيخنا، وفاقا لمالك وبعض اصحابه. انتهى.

(وأفضلها) أي: أفضل المساجد الثلاثة المسجد

(2)

(الحرام) وهو: مسجد مكة. (ف) يليه في الفضل (مسجد المدينة. ف) يليه المسجد (الأقصى) وهو: مسجد بيت المقدس. ودليل الوصف ما روى أبو هريره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام "

(3)

. رواه الجماعة إلا أبا داود.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

زيادة من ب. ()

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(1133) 1: 398 أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1394) 2: 1013 كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(3916) 5: 719 كتاب المناقب، باب في فضل المدينه.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2897) 5:213 كتاب مناسك الحج. فضل الصلاة في المسجد الحرام.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1404) 1: 450 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(10280) 2: 484.

ص: 449

ولأحمد وأبي داود من حديث جابر بن عبدالله مثله وزاد: " وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف

(1)

صلاة فيما سواه "

(2)

.

قال ابن عبد البر: هو أحسن حديث روي في ذلك.

ولأحمد من] حديث عبدالله بن الزبير مثل [

(3)

حديث أبي هريرة، وزاد:

" وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا "

(4)

.

وأما كون مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى لم يفرض إتيانهما شرعا بخلاف المسجد الحرام لم يمنع وجوب

(5)

الاعتكاف والصلاة فيهما بالنذر " لأن النذر موجب لما لم يكن واجبا بأصل الشرع، وإلحاق غير الثلاثة بها ممتنع لثبوت فضلها على غيرها بالنص.

إذا تقرر هذا: (فمن نذر اعتكافاً أو صلاة في أحدهما) أي: أحد المساجد الثلاثة (لم يجزئه غيره) أي: أن يفعل ما نذره

(6)

في غير ما عينه. (إلا) أن يكون ما فعله فيه (أفضل منه) أي: من الذي عينه فيجزئه.

ويدل لذلك ما روى جابر " أن رجلاً قال يوم الفتح: يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: صلي هاهنا. فسأله فقال: شأنك إذاً "

(7)

. رواه احمد وأبو داود.

وروي أيضاً هذا الخبر بإسنادهما عن بعض أصحاب النبي وزاد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي بعث محمداً بالحق لو صليت هاهنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس "

(8)

.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(14735) 3: 343 ولم أره في أبي داود. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(16162) 4: 5. ()

(5)

في ب: وجوبه. ()

(6)

في أ: نذر. ()

(7)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3305) 3: 236 كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(14961) 3: 364.

(8)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3306) الموضع السابق. ()

وأخرجه أحمد في " مسنده "(23217) 5: 373.

ص: 450

(ومن نذر) اعتكافا أو نحوه (زمناً معيناً)؛ كعشر ذي الحجة مثلا (شرع) فيما نذره (قبل دخوله) اي: دخول ذلك الزمن المعين.

فمن نذر أن يعتكف شهراً لزمه أن يشرع في الاعتكاف قبل دخول ليلة

(1)

أول

يوم منه؛ لأن أوله غروب الشمس. بدليل حل الديون المعلقة به، ووقوع الطلاق، والعتاق، والمعلقات

(2)

به. فوجب أن يدخل قبل الغروب؛ ليستوفي جمع الشهر.

(وتأخر) بخروجه من نذره (حتى ينقضى) بأن تغرب شمس آخر يوم منه.

نص على ذلك، كما لو نذر اعتكاف يومه. فإنه يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره، ولا يخرج إلا بعد غروب شمسه.

ومن أراد أن يعتكف عشراً معينا؛ كالعشر الأخير من رمضان تطوعاً أو بنذر: دخل قبل ليلته الأولى على الأصح. نص عليه، " لرؤياه صلى الله عليه وسلم] ليلة القدر [

(3)

، ليلة إحدى وعشرين "

(4)

في حديث أبي سعيد.

وحض أصحابه رضي الله تعالى عنهم على اعتكاف العشر.

وليلته الأولى كغيرها. والعشر عدد مؤنث.

(وتابع) وجوبا من نذر اعتكاف زمن معين (ولو أطلق) بأن لم ينو التتابع؛

لفهم التتابع من التعيين.

(ومن نذر) أن يعتكف (عدداً) من أيام غير معينة: (فله) أي: للناذر (تفريقُه) أي: تفريق العدد] في الأصح، لأن اللفظ يقتضي ما تناوله، والأيام

(1)

في ب: أول ليلة. ()

(2)

ساقط من أ. ()

(3)

ساقط من أ. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1912) 2: 709 كتاب صلاة التراويح، باب () التماس ليلة القدر في السبع الأواخر.

ص: 451

المطلقة توجد بدون التتابع. فلا يلزمه " كما لو نذر صوم تلاثين يوما.

(ما لم ينو) في العدد [

(1)

(تتابُعاً). فيجب " كما لو نذر شهراً مطلقاً.

(ولا تدخل ليلة يوم نذر) اعتكافه، كما لو نذر اعتكاف يوم الخميس. فإنه

لا تدخل ليلته " لأن الليلة ليست من اليوم.

قال الخليل: اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس.

(كيوم ليلة) يعني: كما انه إذا نذر اعتكاف ليلة لا يدخل يومها، لأن اليوم

ليس من الليلة " لأن الليلة اسم لما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثانى. (ومن نذر) أن يعتكف (يوماً لم يجز تفريقه بساعات من أيام)، وفاقا

لأبي حنيفة ومالك " لأنه يفهم منه التتابع " كقوله: متتابعا.

ومن قال في أثناء نهار: لله علي أن أعتكف يوماً من وقتي هذا، لزمه من ذلك الوقت إلى مثله " لتعيينه ذلك بنذره.

(ومن نذر) أن يعتكف (شهراً مطلقا) أي: ولم يعين كونه رمضان أو غيره (تابع) وجوبا في الأصح " لأن الاعتكاف معنى يحصل في الليل والنهار. فإذا أطلقه اقتضى التتابع " كما لو حلف لا يكلم زيداً شهراً، وكمدة الإيلاء والعنة. (ومن نذر) أن يعتكف (يومين) فأكثر، كثلاثة أيام وأربعة أيام، أو أكثر

من ذلك متتابعاً، (أو) نذر أن يعتكف (ليلتين فأكثر)، كعشر ليال أو أكثر (متتابعة: لزمه ما بين ذلك) أي: ما بين الأيام (من ليل) إن كان النذر أياما، (أو) ما بين الليالي من (نهار) إن كان المنذور ليالي " لأن اليوم: اسم لبياض النهار، والليلة: اسم لسواد الليل، والتثنية والجمع تكرار الواحد. وإنما يدخل ما بين ذلك تبعا، لوجوب التتابع.

(1)

ساقط من أ. ()

ص: 452

] فصل: في حكم خروج المعتكف]

(فصل. يحرم خروج مَن) أي

(1)

معتكف (لزمه تتابع) من معتكفه، حال كونه (مختاراً ذاكراً) لاعتكافه، (إلا لما لا بد منه؛ كإتيانه بمأكل ومشرب لعدم) أي: لعدم من يأتيه به. نص عليه، وفاقا لأبي حنيفة والشافعي.

(وقيء بغتة، وغسل متنجس يحتاجه. وكبول وغائط، وطهارة واجبة)

ولو وضوءاً

(2)

قبل دخول وقت الصلاة؛ لأنه لا بد من الوضوء للحدث، وكذا كل ما لا بد منه؛ لقول عائشة:" السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لا بد له منه "

(3)

. رواه أبو داود.

وقالت أيضا: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدنى إلي رأسه فأرجله. وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان "

(4)

. متفق عليه.

ولأنه لو بطل الاعتكاف بالخروج لما لا بد منه لم يصح لأحد اعتكاف.

والمراد بحاجة الإنسان: البول والغائط، كنت بذلك عنهما؛ لأن كل إنسان يحتاج إلى فعلهما.

وقد علم من قوله في المتن: مختاراً ذاكراً: أنه لو خرج مكرها أو ناسيا لم يبطل اعتكافه.

قال في " الإنصاف ": فائدة: لو خرج من المسجد ناسيا لم يبطل اعتكافه؛ كالصوم. ذكره القاضي في " المجرد "، وقدمه في " الفروع " و" الرعاية " و"القواعد الأصولية ".

(1)

في أوج كرر لفظ: أي. ()

(2)

في ب: وضوء. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2473) 2: 333 كتاب الصوم، باب المعتكف يعود () المريض.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1925) 2: 714 كتاب الاعتكاف، باب لا يدخل البيت إلا لحاجه.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(297) 1: 244 كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها. . .

ص: 453

وذكر القاضي في "الخلاف " وابن عقيل في " الفصول ": يبطل " لمنافاته

(1)

الاعتكاف " كالجماع. وذكر المجد أحد الوجهين: لا ينقطع التتابع، ويبني؛ كمرض وحيض، واختاره. وذكره قياس المذهب. وجزم أيضا: أنه لا ينقطع تتابع

(2)

المكره.

(وله) للمعتكف إذا خرج لما لا بد منه (المشيُ على عادته، وقصد بيته إن

لم يجد مكانا يليق به بلا ضرر ولا منة)؛ كسقاية لا يحتشم مثله منها ولا نقص عليه.

قال في " الفر وع ": قالوا: ولا مخالفة

(3)

لعادته. وفي هذا نظر، ويلزمه قصد أقوب منزليه؛ لدفع حاجته به. بخلاف من اعتكف في المسجد الأبعد منه؛ لعدم تعيين أحدهما قبل دخوله للاعتكاف. وإن بذل له صديقه أو غيره منزله القريب لقضاء حاحته لم يلزمه، للمشقة بئرك المروءة والاحتشام منه. انتهى. (و) للمعتكف وغيره (غسل يده بمسجد في إناء من وسخ وزفر ونحوهما)؛ كالقيام من نوم الليل ليفرغ خارج المسجد، لأنه لا ضرر على المصلين بذلك. ولا يجوز للمعتكف ان يخرج لذلك؛ لأن له منه بدا.

(لا بول وفصد وحجامة) يعني: أنه لا يجوز للمعتكف ولا غيره أن يبول أو يفتصد أو يحتجم (بإناء فيه) أي: في المسجد، (أو في هوائه) أي: هواء المسجد؛ لأن المساجد لم تبن لهذا. فوجب صيانة المسجد عنه، كما لو أراد أن يفعل ذلك في أرض المسجد ثم يغسله.

وإن دعت إلى الفصد أو الحجامة حاجة كبيرة خرج ففعله خارج المسجد.

وإن استغنى عنه لم يكن له الخروج إليه، كالمرض الذي يمكن احتماله.

(وكـ) خروجه إلى ما لا بد منه في الحكم خروجه إلى

(4)

(جمعة وشهادة

(1)

في أ: لمنافات. ()

(2)

في ب. التتابع. ()

(3)

في أ: مخالف. ()

(4)

ساقط من أ. ()

ص: 454

لزمتاه) أي: لزمه الخروج إليهما.

أما الجمعة؛ فلأن الخروج إليها معتاد لا بد منه، وأوقات الاعتكاف التي تتخللها الجمعة لا تسلم منه. فصار الخروج إليها كالمستثنى.

وأما خروجه إلى شهادة لزمته؛ فلوجوب خروجه بأصل الشرع؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا)] البقرة: 282 [. فقدم على الاعتكاف الواجب بالنذر؛ كالجمعة، بل أولى؛ لأنه لحق آدمي. فيكون أقوى.

(وكـ) ذا خروجه إلى (مريض وجنازة تعين خروجه إليهما).

قال في " الفروع ": وإن تعينت صلاة جنازة خارج المسجد، أو دفن ميت، أو تغسيله؛ فكشهادة متعينة على ما سبق. وعلى قياس ذلك مريض تعين عليه تمريضه.

(وله) أي: وللمعتكف في ابتداء اعتكافه (شرط الخروج إلى ما لا يلزمه) الخروج إليه (منهن) أي: من المسائل المتقدمة.

(ومن كل قربة لم تتعين) عليه؛ كعيادة المريض، وشهود الجنائز، وتحمل الشهادات وأدائها، وتغسيل الموتى وغير ذلك. نص عليه، واختاره الأصحاب.

(أو ما له منه بد) يعني: أن للمعتكف أن يشترط الخروج إلى ما له منه بد. (وليس بقربة؛ كعشاء، ومبيت بمنزله) على الأصح؛ لأنه يجب بعقده؛ كالوقف.

ولأنه يصير كأنه نذر ما أقامه، ولتأكد الحاجة إليهما، وامتناع النيابة فيهما. وعنه: المنع لمنافاته الاعتكاف صورة ومعنى؛ كشرط ترك الإقامة بالمسجد، والنزهة والفرجة؛ لأنه زمن الخروج في حكم

(1)

المعتكف؛ لأنه لا يجوز أن يفعل فيه غير المشروط. وشرط ما فيه قربة يلائم الاعتكاف. بخلاف هذا. والوقف لا يصح فيه شرط ما ينافيه. فكذا الاعتكاف.

(1)

ساقط من ب. ()

ص: 455

(لا) شرط (الخروج إلى التجارة، أو التكسّب بالصنعة في المسجد، ونحوهما)؛ كالخروج لما شاء. بلا خلاف عن أحمد وأصحابه. قاله صاحب " المحرر ".

وإن قال: متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه؛ كالشرط في الإحرام، وإفادته جواز التحلل إذا حدب عائق عن المضي.

(وسن) للمعتكف (أن لا يبكر) لخروجه الجمعة، ولا يطيل المقام بعدها)؛ لأن الخروج إلى الجمعة مفسد للاعتكاف عند جماعة من العلماء. فكانت صيانة العبادة عنه أولى من فعل مستحب مجمع على أنه لا يجب.

(وكما لا بد منه) في الحكم، (تعين نفير)؛ كما لو فجأهم عدو واحتيج

إلى خروج المعتكف.

(و) تعين (إطفاء الحريق)، (و) تعين (إنقاذ غريق، ونحوه) أي:

نحو ذلك؛ كرد أعمى من سقوط في بئر؛ لأن هذا مما أباح الله تعالى ترك الواجب بأصل الشرع من أجله وهو الجمعة. فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه وهو الاعتكاف.

(و) كذا (مرض شديد) لا يمكنه القيام معه في المسجد؛ كالقيام المتدارك، وسلس البول. أو يمكنه لكن بمشقة شديدة مثل: أن يحتاج إلى فراش، أو من يمرضه.

(و) كذا (خوف من فتنة) بأن وقعت فتنة وخاف (على نفسه) منها إن أقام بالمسجد، أو خاف أن يأخذه السلطان ظلما فخرج واختفى.

(أو) خاف على (حرمته أو ماله ونحوه) بأن وقيع في محلته نهب أو حريق

أو هدم أو غرق. فإنه إذا خرج لذلك، أو أخرج مكرها لم ينقطع اعتكافه؛ لأن مثل ذلك يبيح ترك الجمعة والجماعة، وترك عدة الوفاة في المنزل. وهن واجبات بأصل الشرع. فما أوجبه بنذره أولى.

وعلم مما تقدم: أنه إذا مرض مرضا خفيفا كالصداع ووجع الضرس أنه لا يجوز

له الخروج من أجل ذلك؛ لأنه خروج لما له منه بُدّ. أشبه المبيت في بيته.

ص: 456

(و) كما تقدم في الحكم (حاجة) أي: حاجة المعتكف (لفصد أو حجامة).

قال في " الفروع ": وكذا فصد وحجامة. فيخرج لحاجة كبيرة، وإلا لم

يجز " كمرض يمكنه احتماله. وذكر ابن عقيل احتمالاً يجوز في إناء وفاقا للشافعي؛ كالمستحاضة وفاقا، ومع أمن تلويثه. والفرق: أنه لا يمكنها التحرز إلا بترك الاعتكاف. انتهى.

(و) كما تقدم في الحكم (عدة وفاة) يعني: أنه إذا مات زوج المعتكفة جاز

لها أن تخرج لتعتد في منزلها، لأن اعتدادها فيه واجب بأصل الشرع. فوجب الخروج له

(1)

" كبقية الواجبات. يؤكده: ان هذا حق واجب لله عز وجل ولآدمي، وهو: الزوج، ويفوت إذا ترك لا

(2)

إلى بدل. فكان أولى من محض حق الله سبحانه وتعالى. (وتتحيض) معتكفة حاضت (بخباء في رحبته) أي: رحبة المسجد استحباباً في الأصح (إن كانت) له رحبة، (وأمكن) تحيضها فيها (بلا ضرر) في ذلك على أحد.

(وإلا) أي: وإن لم يكن للمسجد رحبة، أو كانت له رحبة وحصل ضرر بتحيضها فيها فإنها تتحيض (ببيتها).

أما كونها تخرج من المسجد؛ فلأن الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد؛

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب "

(3)

. رواه أبو داود. وأما كونها تتحيض بخباء برحبته؛ فلما روى المقدام بن شريح عن عائشة قالت: "كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهن من المسجد، وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن ". رواه أبو حفص بإسناده. وأما كونها تتحيض في بيتها مع عدم إمكان التحيض في الرحبة وحصول

(1)

في أ: إليه. ()

(2)

في ج: لما. ()

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(232) 1: 60 كتاب الطهارة، باب في الجنب يدخل () المسجد.

ص: 457

الضرر به؛ فلأنه الأولى

(1)

في حقها إلى أن تطهر. فإذا ظهرت عادت إلى المسجد فأتمت اعتكافها، ولا شيء عليها إلا القضاء لأيام حيضها.

وقال إبراهيم النخعي: إن دخلت بيتا أو سقفا استأنفت.

قال الموفق: وهو تحكم لا دليل عليه.

(وكحيض) في الحكم (نفاس)، لأنه في معناه. فيثبت فيه حكمه. (ويجب) على المعتكف (في) اعتكاف (واجب) إذا خرج لعذر يبيح الخروج (رجوع) إلى معتكفه (بزوال عذر)، لأن كل ما أبيح من أجل عذر. فإن الإباحة تزول بزوال ذلك العذر.

(فإن أخر) رجوعه إلى معتكفه (عن وقت إمكانه) أي: إمكان الرجوع

ولو زمنا يسيرا: (فـ) إنه يبطل ما مضى من اعتكافه، (كما لو خرج لما له منه بد). وسيأتي الكلام. على ذلك

(2)

.

(ولا يضر تطاول) خروج (معتاد. وهو) أي: الخروج المعتاد: (حاجة الإنسان). وتقدم الكلام على معناها

(3)

.

(وطهارة الحدث والطعام والشراب والجمعة) فلا ينقص تطاوله مدة الاعتكاف، ولا يلزمه أن يقضي مدة تطاول ذلك " لأن الخروج للمعتاد كالمستثنى لكونه معتادا، ولا تلزمه كفارة.

(ويضر) التطاول (في) عذر (غير معتاد، كنفير، ونحوه)، كقيء بغتة، وغسل متنجس يحتاجه، وإطفاء حريق، وإنقاذ غريق ونحو ذلك مما ليس بمعتاد " لأنه خروج يسير مباح، أو واجب. أشبه حاجة الإنسان. وغسل الجنابة. قاله الموفق ويوافقه كلام القاضي في الناسي.

فإذا تطاول خروجه في عذر غير معتاد والاعتكاف منذور فله أحوال ثلاثة:

(1)

في ب: الأولى به.

(2)

(462).

(3)

(444).

ص: 458

أشير إلى الأول منها بقوله: (ففي نذر متتابع غير معين) يعني: أنه إذا كان المنذور اعتكافه أياماً متتابعة غير معينة، كمن نذر اعتكاف شهر غير معين فإنه (يخير بين بناء وقضاء) يعني: أنه يبني على ما مضى من اعتكافه ويقضي ما فاته، (مع) إخراج (كفارة يمين)، لكون النذر حلفة ولم يفعله على وجهه] وهو التتابع [

(1)

، (أو استئناف) أي: وبين أن يستأنف المنذور من أولى ولا يكفر، لأنه أتى بالمنذور على وجهه. فلم تلزمه كفارة، كما لو أتى به من غير أن يسبقه الاعتكاف الذي خرج منه.

واشير إلى الحال الثانى بقوله: (وفي معين) أي: وفيما إذا كان ما نذره من الاعتكاف زمنا معينا؛ كمن نذر اعتكاف شهر رمضان سنة كذا مثلا: فإنه (يقضي) ما فاته منه زمن خروجه، (ويكفر) كفارة يمين؛ لتركه المنذور في وقته. وفيه وجه آخر: لا كفارة عليه.

واشير إلى الحال الثالث بقوله: (وفي أيام مطلقة) يعني: وفيما إذا كان النذر أياما مطلقة غير متتابعة ولا معينة؛ كمن نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو نحو ذلك: فإنها (تتمم) أي: يعتكف ما بقي عليه منها (بلا كفارة. لكنه لا يبني على بعض ذلك اليوم) الذي خرج فيه، بل يبتدئ يوماً من أوله من غير أن يحتسب ببعض ذلك اليوم الذي خرج فيه.

وإنما لم

(2)

تلزمه كفارة؛ لأنه أتى بالمنذور على وجهه. أشبه ما لو لم يخرج. والله أعلم.

(1)

زيادة من ب. ()

(2)

ساقط من أ. ()

ص: 459

] فصل: في حكم الخروج لما لا بد منه]

(فصل. وإن خرج) المعتكف (لما) أي: لأمر (لا بد) له (منه فباع أو اشترى) ولم يُعرّج أو يقف لذلك، (أو سأل عن مريض أو غيره) أي: غير المريض (ولم يعرج أو يقف لذلك) جاز؛ لى " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك "

(1)

.

وروي عن عائشة قالت: " إن

(2)

كنت لأدخل البيت والمريض فيه. فما

اسألُ عنه إلا وأنا مارة "

(3)

. متفق عليه.

ولأنه لم يترك بذلك شيئاً من اللبث المستحق. فأشبه ما لو سلم أو رد السلام

في مروره.

(أو) خرج لما لا بد منه ثم (دخل مسجدًا يُتِمُّ اعتكافه فيه، أقرب إلى محل

حاجته من) المسجد (الأول) الذي خرج منه: (جاز)؛ لأن المسجد الأول لم يتعين بصريح النذر. فأولى أن لا يتعين بشروع الاعتكاف فيه.

ولأنه لم يترك بذلك لبثا مستحقا. أشبه ما لو انهدم المسجد الأول، أو أخرجه منه سلطان فخرج من ساعته إلى مسجد آخر فأتم اعتكافه فيه.

(وإن كان) المسجد الذي دخل إليه (أبعد) من محل حاجته من الأول، (أو خرج إليه) أي: إلى المسجد الثانى (ابتداء) بلا عذر، (أو تلاصقا)

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1925) 2: 714 كتاب الاعتكاف، باب لا يدخل البيت إلا لحاجة. ولفظه: عن عائشه رضي الله عنها قالت: " وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله. وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا ".

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(297) 1: 244 كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها. . .

(2)

في ب: إنى. ()

(3)

أخرجه مسلم في الموضع السابق. ()

ص: 460

أي: المسجدين (ومشى في انتقاله) من المسجد الأول إلى المسجد الثانى (خارجا عنهما بلا عذر): بطل اعتكافه؛ لتركه لبثا مستحقا.

(أو أخرج) المعتكف من المسجد (لاستيفاء حق عليه وأمكنه الخروج منه) أي: من الحق من غير أن يخرج من المسجد ولم يفعل: بطل اعتكافه؛ لأنه في هذه الحالة له بد من

(1)

عدم إخراجه. أشبه ما لو خرج ابتداء لما له منه بد.

(أو سكر) المعتكف بطل اعتكافه، ولو كان ذلك ليلا؛ لخروجه عن كونه

من أهل المسجد؛ كالمرأة تحيض. لكن المرأة تبني؛ لكونها معذورة وهذا غير معذور.

(أو ارتد) المعتكف بطل اعتكافه؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك)] الز مر: 65].

ولأنه خرج عن كونه من أهل العبادة. فأشبه ردته في الصوم وغيره.

(أو خرج) المعتكف (كله لما) أي: لأمر (له منه بد، ولو قل) زمن خروجه يعني: مختارا ذاكرا، وتقدم التنبيه على ذلك:(بطل) اعتكافه؛ لأنه خرج من معتكفه لغير حاجة، كما لو كان خروجه خروجاً طويلاً.

وعلم من قوله: كله: أنه لو خرج بعض جسده لم يبطل اعتكافه. نص عليه؛ لقول عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني رأسه إليّ فأرجله "

(2)

. متفق عليه.

(ويستأنف) من بطل اعتكافه الاعتكاف على صفه الذي بطل. فإن كان اعتكافه الذي بطل (متتابعا بشرط)؛ كـ " لله علي أن أعتكف عشرة أيام متتابعة "، (أو نية) بأن ينوي كونها متتابعة من غير أن يلفظ بذلك أتى بالمستأنف كذلك؛ لإمكانه أن يأتي بالمنذور على صفته، كحالة الابتداء. وكمن عليه صوم شهرين في كفارة أو نذر في الذمة.

(1)

فى ب: عن. ()

(2)

سبق تخريجه ص: (453) رقم (4). ()

ص: 461

ومحل ذلك: (إن كان) ما فعله من المبطل في حالة كونه (عامداً مختاراً أو مكرها بحق. ولا كفارة) عليه، وفاقا للأئمة الئلاثة؛ لأنه أتى بمنذوره على صفته.

وقال في " الرعاية ": يستأنف المطلق المتتابع بلا كفارة.

وقيل: أو يبني ويكفر.

قال في " الفروع ": كذا قال.

(ويستأنف) أيضا اعتكافاً (معينا قُيّد بتتابع)؛ كقوله: لله علي أن أعتكف شعبان متتابعا، (أو لا) يعني

(1)

: أو لم يقيد بالتتابع؛ كلله علي أن أعتكف شعبان ولم يزد على ذلك؛ لأن التعيين أصل والتتابع وصف، وحفظ الأصل أولى.

(ويكفر) في الصورتين؛ لتركه المنذور في وقته المعين.

(ويكون قضاء كل واستئنافه) أي: كل واحد من الاعتكاف المقضي والمستأنف (على صفة أدائه فيما يمكن). فإن كان الأول مشروطاً فيه الصوم، أو في أحد المساجد الثلاثة ونحو ذلك فإن المقضي أو المستأنف يكون كذلك. (ويفسد) الاعتكاف (إن وطى) المعتكف فيه (ولو ناسيا). نص عليه

(في فرج)؛ لما روى حرب في " مسائله "، حدثنا عمرو بن محمد عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال:" إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه واستأنف الاعتكاف "

(2)

.

ولأنه وطء من المعتكف في الفرج. فأشبه وطء العامد.

ولأن الاعتكاف عبادة تفسد بالوطء عمداً. فكذلك سهواً؛ كالحج.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(9680) 2: 338 كتاب الصيام، ما قالوا في () المعتكف يجامع، ما عليه في ذلك.

ص: 462

ولأن ما يحرم بالاعتكاف يستوي عمده وسهوه في الإفساد؛ كالخروج من المسجد.

(أو أنزل) المعتكف (بمباشرة دونه) أي: دون الفرج.

والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها)] البقره: 187 [. إلا أنه إن لم ينزل لم يبطل الاعتكاف؛ كاللمس لشهوة.

(ويكفر) كفارة يمين وجوباً إن كان اعتكافه منذورا؛ (لإفساد نذره)

بذلك. (لا لوطئه) إن كان الاعتكاف نفلا؛ لأنه عبادة غير واجبة بأصل الشرع. فلم يجب بإفسادها كفارة؛ كبقية النوافل.

ولأنه عبادة لم يدخل المال في جبرانها. فلم تجب الكفارة بإفسادها؛ كالصوم في غير رمضان.

ولأن وجوب الكفارة إنما يثبت

(1)

بالشرع، ولم يرد الشرع بإيجابها. فتبقى

على الأصل.

(1)

في أ: ثبت. ()

ص: 463

] فصل: فيمايسن للمعتكف]

(فصل. يسن تشاغله بالقرب) يعني: أنه يسن للمعتكف أن يتشاغل بكل ما يتقرب به إلى الله تعالى، كالصلاة، وتلاوة القرآن، وذكر الله سبحانه وتعالى، ونحو ذلك من الطاعات المحضة.

(و) يسن له أيضاً (اجتناب ما لا يعنيه)، وفاقا للأئمة الثلاثة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

" من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه "

(1)

.

وقال الموفق: لأنه مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى.

ولا بأس أن تزوره زوجته في المسجد وتتحدث معه، وتصلح رأسه أو غيره، ما لم يتلذذ بشيء منها، وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر؛ " لأن صفية زارته صلى الله عليه وسلم فتحدث معها "

(2)

، و " رجلت عائشة رأسه "

(3)

.

ولا بأس أن يأمر بما يريد خفيفا لا يشغله. نص عليه، لقول علي:" أيما رجل اعتكف فلا يساب. ولا يرفث في الحديث، ويأمر أهله بالحاجة وهو يمشي، ولا يجلس عندهم ". رواه الإمام أحمد. .

و (لا) يسن له (إقراءُ قرآن، و) لا إقراء (علم ومناظرة فيه) أي: في العلم ونحو ذلك مما يتعدى نفعه في ظاهر كلام أحمد.

وقال أبو الحسن الآمدي: في استحباب ذلك روايتان.

واختار أبو الخطاب استحبابه إذا قصد به الطاعة، لا المباهاة، وفاقا للشافعي.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(2317) 4: 558 كتاب الزهد.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3976) 2: 1315 كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3107) 3: 1195 كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2175) 3: 1712 كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خاليا بامرأه. . .

(3)

سبق تخريجه ص (453) رقم (4). ()

ص: 464

واحتج أصحابنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف. فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصه به.

ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد. فلم يستحب فيها ذلك " كالطواف. (ويكره الصمت إلى الليل. وإن نذره لم يف به) اي: بنذره أن يصمت،

لما روي عن على قال: " حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا صمات يوم إلى الليل "

(1)

. رواه أبو داود.

وعن ابن عباس قال: " بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا

(2)

هو برجل قائم. فسأل

عنه فقالوا

(3)

: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، وأن يصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليستظل ويتكلم وليقعد، وليتم صومه "

(4)

. رواه البخاري وابن ماجه وأبو داود.

ولأنه نذر منهي عنه. فأشبه نذر المباشرة في اعتكافه.

و" دخل أبو بكر على امرأة من أحمَسَ يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم. فقال: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. فقال لها: تكلمي. فإن هذا لا يحل. هذا من عمل الجاهلية فتكلمت "

(5)

. رواه البخاري.

ويجمع قول أبي بكر هذا مع قوله: " من صمت نجا "

(6)

: بأن قوله الثانى محمول على الصمت عما لا يعنيه، قياسا على قول الله سبحانه وتعالى:

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2873) 3: 115 كتاب الوصايا، باب ما جاء متى () ينقطع اليتم.

(2)

في ب: إذ. ()

(3)

في أ: فقال. ()

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6326) 6: 2465 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية.

وأخرجه أبو داود في (سننه " (3300) 3: 235 كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2136) 1: 690 كتاب الكفارات، باب من خلط في نذره طاعة بمعصية.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3622) 3: 1393 كتاب فضائل الصحابة، () باب أيام الجاهلية.

(6)

أخرجه أحمد في " مسنده "(6654) 2: 177 عن عبدالله بن عمرو بن العاص () رضي الله عنه.

ص: 465

(لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)] النساء: 114].

) ويحرم جعل القر n ن بدلا من الكلام). ذكره ابن عقيل وغيره، لأنه استعمال

له في غير ما هو له. فأشبه استعمال المصحف في التوسد ونحوه؛ كالوزن به. ولا بأس أن يتنظف المعتكف بأنواع التنظيف

(1)

، " لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجل رأسه وهو معتكف "

(2)

.

ويكره له التطيب. قال أحمد: لا يعجبني أن يتطيب؟ وذلك لأن الاعتكاف عبادة تختص مكانا. فكان ترك التطيب فيها مشروعا، كالحج.

قال صاحب " المحرر": قال أصحابنا: يستحب له ترك لبس رفيع الثياب، والتلذذ بما يباح له قبل الاعتكاف، وأن لا ينام إلا عن غلبة ولو مع قرب الماء، وأن لا ينام مضطجعا بل متربعا مستندا. ولا يكره شيء من ذلك.

وقال أيضا: ولا بأس بأخذ شعره وأظفاره. في قياس مذهبنا.

(وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه) فيه، لا سيما إن

كان صائما. ذكره ابن الجوزي في " المنهاج "، ومعناه في " الغنية "، وفاقا للشافعية. قاله في " الفروع ". وقال: ولم يره شيخنا. انتهى.

ولا يجوز البيع والشراء في المسجد للمعتكف وغيره.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. نص عليه في رواية حنبل، وجزم به القاضي وابنه أبو

(3)

الحسين، وصاحب " الوسيلة "، و" الإفصاح "

(4)

، و" الشرح " هنا، وابن تميم وغيرهم، وقدمه في " الفروع " و" الرعاية الكبرى " وغيرهما.

قال ابن هبيرة: منع صحته وجوازه أحمد، وجزم في " الفصول "

(1)

في أ: التنظف. ()

(2)

سبق تخريجه ص (453) رقم (4). ()

(3)

في الأصول: وأبو. بإسقاط لفظ: ابنه. وما أثبتناه من " الإنصاف " 3: 385. ()

(4)

في " الإنصاف ": والإيضاح. الموضع السابق. ()

ص: 466

و" المستوعب " بالكراهة، وجزم به في " الشرح " في آخر كتاب البيع.

ونقل حنبل عن أحمد ما يحتمل أنه يجوز أن يبيع ويشتري في المسجد ما

لا بد منه، كما يجوزخروجه له، إذا لم يمكن له من يأتيه به.

فعلى المذهب: لا يجوز في المسجد، ويخرج له.

وعلى الثانى: يجوز، ولا يخرج له.

وعلى المذهب أيضا: قيل في صحة البيع وجهان، وأطلقهما في "الآداب ".

قال في " الرعاية الكبرى ": في صحتهما وجهان مع التحريم.

قلت: قاعدة المذهب تقتضي عدم الصحة، وتقدم كلام ابن هبيرة.

وظاهر ما قدمه في " الفروع ": الصحة هنا.

وقال في " الفروع " في آخر كتاب الوقف: وفي صحة البيع في المسجد- وفاقاً للأئمة الثلاثة وتحريمه خلافا لهم- روايتان.

وقال في " المغني "- قبل كتاب السلم بيسير-: ويكره البيع والشراء في المسجد. فإن باع فالبيع صحيح.

وقال في " الرعاية الكبرى " في باب مواضع الصلاة واجتناب النجاسات:

يسن أن يصان المسجد عن البيع والشراء] فيه. نص عليه.

وقال ابن أبي المجد في مصنفه في كتاب البيع قبل الخيار: يحرم البيع والشراء [

(1)

في المسجد للخبر. ولا يصحان في الأصح فيهما. انتهى.

قال ابن تميم: ذكر

(2)

القاضي في موضع بطلانه.

وقال الشيخ: يصح مع الكراهة.

وقال في " الفروع ": والإجارة فيه كالبيع والشراء. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

ساقط من أ. ()

(2)

في ب: ذكره. ()

ص: 467