المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كتاب الحج]   هذا (كتاب) يذكر فيه جملة من أحكام مناسك الحج. - شرح منتهى الإرادات لابن النجار = معونة أولي النهى - جـ ٤

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

[كتاب الحج]

هذا (كتاب) يذكر فيه جملة من أحكام مناسك الحج. جمع منسك، بفتح

السين وكسرها. وهو التعبد. يقال: تنسك تعبّد.

وقال صاحب " المُطّلع ": المناسك مواضع متعبدات الحج. فالمناسك

إذاً: التعبدات كلها. وقد غلب إطلاقها على متعبدات الحج؛ لما يتضمنه من الذبائح المتقرب بها؛ لأن المنسك مأخوذ في الأصل من النسيكة وهي الذبيحة المتقرب بها؛ لما في ذلك من موافقة الفرع الأصل

(1)

.

ثم (الحج) بفتح الحاء لا بكسرها في الأشهر وعكسه شهر الحجة (فرضُ

كفاية كل عام).

فُرض سنة تسع من الهجرة في قول الأكثر، وقيل: سنة عشر، وقيل:

ست، وقيل: خمس.

والأصل في كونه فريضة؛ قوله سبحانه وتعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97].

وهو لغة: القصد إلى من يعظمه.

وقيل: كثرة القصد إليه.

(وهو) شرعاً: (قصد مكة لعمل مخصوص في زمن مخصوص). وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

(والعمرة) لغة: الزيارة، يقال: اعتمره

(2)

إذا زاره.

وقيل: القصد.

(1)

في أ: الأصلي. .

(2)

في ب: أعمره.

ص: 5

وشرعاً: (زيارة البيت على وجه مخصوص). وسيأتي بيان ذلك إن شاء

الله تعالى.

وينبغي لمن أراد الحج: أن يبادر به، وليجتهد في رفيق حسن.

قال أحمد: كل شيء من الخير يبادر به.

قال ابو بكر الآجري وغيره: يصلي ركعتين، ثم يستخير في خروجه، ويبكر، ويكون يوم خميس، ويصلي في منزله ركعتين، ويقول إذا نزل منزلاً أو دخل بلداً ما ورد.

وقال

(1)

ابن الزاغوني وغيره: يصلي ركعتين ويدعو بعدهما بدعاء الاستخارة

(2)

. ثم يقول: اللهم لِلَّهِ هذا

(3)

ديني وأهلي ومالي وديعة عندك، اللهم لِلَّهِ أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد. وأنه يخرج يوم خميس أو اثنين، ويستخير هل يحج العام أو غيره.

(ويجبان) أي: الحج والعمرة. يعني: أن العمرة واجبة كالحج على الأصح. نص على ذلك أحمد، واحتج بقوله سبحانه وتعالى:{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: 196].

قال القاضي وغيره: أطلق أحمد وجوبها

(4)

في مواضع. فيدخل فيه المكي وغيره. قال: وهو قول شيخنا.

(1)

في أ: قال.

(2)

حديث الاستخارة رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمور كما يُعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم! إنى أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب. اللهم! إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به. قال: ويسمي حاجته ". أخرجه البخاري في "صحيحه "(1109) 1: 391 أبواب التطوع، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: وجوباً.

ص: 6

فدل على

(1)

أن أحمد لم يصرح بوجوبها على

(2)

المكي.

وصرح في رواية: بأنها لا تجب على المكي وتجب على غيره.

وفرض العمرة قول أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم، وفاقاً للشافعي في الجديد؛ لقول عائشة [رضي الله تعالى عنها]

(3)

: " يا رسول الله! هل على النساء من جهاد؟ قال: نعم. عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة "

(4)

. رواه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح.

وهذا صريح في وجوب العمرة على النساء، وإذا ثبت ذلك في النساء

فالرجال أولى.

وعن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمره ولا الظعن. فقال: حج عن أبيك واعتمر "

(5)

. إسناده جيد رواه الخمسة وصححه الترمذي.

وعنه: أن العمرة سنة؛ " لأن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زعم رسولك أن علينا. . . فذكر الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: صدق. فقال: والذي بعثك بالحق. لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فقال: لئن صدق ليدخلن الجنة "

(6)

. رواه مسلم.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب: عن.

(3)

زيادة من أ.

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1 290) 2: 968 كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء.

وأخرجه أحمد في " سننه "(25361) 6: 165

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1810) 2: 162 كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(930) 3: 269 كتاب الحج، باب منه.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2637) 5: 177 كتاب مناسك الحج، العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2906) 2: 970 كتاب المناسك، باب الحج عن الحي إذا لم يستطع. وأخرجه أحمد في " مسنده " (16226) 4: 10

(6)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(12) 1: 41 كتاب الإيمان، باب السؤال عن اركان الإسلام.

ص: 7

وأجيب بأن اسم الحج يتناول العمرة، روى مسلم من حديث ابن عباس:

" دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة "

(1)

.

وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم -إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم: " وإن

(2)

العمرة الحج الأصغر "

(3)

.

وعن طلحة بن عبيدالله

(4)

مرفوعا: " الحج جهادٌ والعمرة تطوع "

(5)

.

وأجيب بأنه ضعيف. رواه ابن ماجه.

ورواه الشافعي عن أبي صالح الحنفي مرسلا

(6)

. وقال: ليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع.

وقال ابن عبدالبر: روي ذلك بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها الحجة.

وعنه رواية ثالثة: تجب إلا على المكي. نقلها عبدالله والأثرم والميموني وبكر بن محمد، وتاولها القاضي على أنه نفى

(7)

عنهم دم التمتع.

قال في " الفروع ": كذا قال. وقد سأله عبدالله من أين يعتمر أهل مكة؟ قال: ليس عليهم

(8)

عمرة؛ لأن ذلك قول ابن عباس. لكنه من رواية إسماعيل ابن مسلم المكي وهو ضعيف. وقاله عطاء وطاووس؛ لأن معظمها الطواف وهم يفعلونه. وأجاب صاحب " المحرر " وغيره: بأنه لا يصح في حق من لم يطف، ومن طاف يجب ان لا يجزئه عنها كالآفاقي. انتهى.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1241) 2: 911 كتاب الحج، باب جواز العمره في أشهر الحج.

(2)

في ب: إن.

(3)

أخرجه الييهقي في " السنن الكبرى " 4: 351 كتاب الحج، باب من قال بوجوب العمرة. . .

(4)

في أ: عبدالله.

(5)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2989) 2: 995 كتاب المناسك، باب العمرة. قال في " الزوائد ": في إسناده ابن قيس المعروف بمندل، ضعفه أحمد وابن معين وغيرهم، والحسن أيضاً ضعيف.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 348 كتاب الحج، باب من قال: العمرة تطوع.

(6)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(737) 1: 281 كتاب الحج، باب ما جاء في فرضه وشروطه.

(7)

في ب: وتاوله القاضى على أنه ينفى.

(8)

في ب. عليهن.

ص: 8

وإذا تقرر هذا فإنما يجبان (في العمر مرة) واحدة؛ لما روى أبوهريرة قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -فقال: يا أيها الناس! قد فرض عليكم الحج فحُجوا. فقال رجل: أَكُل عام يا رسول الله! فسكت حتى قالها ثلاثاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم "

(1)

. رواه أحمد ومسلم والنسائي. وروى ابن عباس قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -فقال: يا أيها الناس! كتب عليكم الحج. فقام الأقرع بن حابس [فقال: أفي كل عام يا رسول الله! فقال: لو قلتُ نعم لوجبت ولو وجبت لم تعملوا ولم تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة. فمن زاد فهو تطوع "

(2)

. رواه أحمد والنسائي بمعناه.

ولأبي داود وابن ماجه مختصرا: " أن الأقرع بن حابس]

(3)

سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ فقال: بل مرة واحدة. فمن زاد فهو تطوع "

(4)

.

وإنما يجب الحج والعمرة (بشروط) خمسة، (وهي) تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

* قسم يشترط للوجوب والصحة وهو: (إسلام، وعقل).

* وقسم يشترط للوجوب والإجزاء دون الصحة (و) هو: (بلوغ، وكمالُ حرية).

* وقسم يشترط للوجوب دون الإجزاء وهو: الإستطاعة. وسيأتي بيانها إن

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1337) 2: 975 كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2619) 5: 110 كتاب مناسك الحج، باب وجوب الحج.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(10615) 2: 508

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(2620) 5: 111 كتاب مناسك الحج، باب وجوب الحج.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(2637) طبعه إحياء التراث.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1721) 2: 139 كتاب المناسك، باب فرض الحج.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2886) 2: 963 كتاب المناسك، باب فرض الحج.

ص: 9

شاء الله تعالى

(1)

.

(ويجزيان) أي: الحج والعمرة (من) أي: يجزئ الحج كافراً (أسلم) وهو مكلف حر ثم أحرم بحج وحصل بعرفة قبل دفع من عرفة، أو كان إسلامه بعد الدفع إن عاد إلى عرفة فوقف في وقت الوقوف.

(او أفاق ثم أحرم) يعني: أن المجنون إذا أفاق وهو حر بالغ ثم أحرم بالحج كما تقدم في صورة الكافر إذا أسلم فإنه يجزئه الحج.

(او بلَغ) الصغير وهو مسلم عاقل حر محرم بالحج قبل دفع من عرفة، او

بعد الدفع إن عاد فوقف في وقت الوقوف.

(او عتق) قن في حالة كونه (محرماً) بالحج وهو مسلم بالغ عاقل (قبل

دفع من عرفة أو بعده) أي: بعد الدفع (إن عاد) إلى عرفة (فوقف في وقته) أي: وقت الوقوف. وهذه صور الإجزاء في الحج.

وأما إجزاء العمرة بأن يحصل الإسلام أو الإفاقة أو البلوغ أو الحرية قبل طواف العمرة، وإلى ذلك أشير بقوله:

(او قبل طواف عمرة) فإن ذلك يجزئه عن حجة الإسلام وعمرة الإسلام. ويكون الصغير إذا بلغ محرماً والقن إذا عتق محرماً؛ (كمن أحرم إذاً) أي: إذا بلغ أو عتق؛ لأنها حالة تصلح لتعيين الإحرام؛ كحالة ابتداء الإحرام. قال الموفق وغيره: (وإنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين إذاً) أي: في حالة البلوغ والعتق، (وإن ما قبله تطوع لم ينقلب فرضاً). وقدم في " التنقيح " ما قاله الموفق ومن تابعه.

ثم قال: وقال في " الخلاف " و" الانتصار " و" المجد " وغيرهم: وأشرت إلى هؤلاء المذكورين بقولي: (وقال جماعة: ينعقد إحرامه) أي: إحرام الصغير أو العبد (موقوفا. فإذا تغير حاله) أي: حال الصغير إلى البلوغ أو القن إلى الحرية (تبين فرضيتُه) أي: كون الإحرام فرضاً؛ كزكاة معجلة.

(1)

ص: 20.

ص: 10

(ولا يجزئ مع سعي قن وصغير)[عن حجة الإسلام]

(1)

(بعد طواف

القدوم، قبل وقوف، ولو أعاده) أي: أعاد الصغير أو القن السعي ثانياً (بعد)

أي: بعد الوقوف في الأصح؛ لأن السعي لا يشرع مجاوزة عدده ولا تكراره.

بخلاف الوقوف. فإن استدامته مشروعة ولا قدر له محدود.

ولا تجزئ العمرة من بلغ أو عتق

(2)

في أثناء طوافها ولو أعاده فإنه لا أثر

لإعادته وفاقاً.

***

(1)

ساقط من ب.

(2)

في أ: عتق.

ص: 11

[فصل: في حج الصغير]

(فصل. ويصحان) أي: الحج والعمرة (من صغير. ويُحرم ولي في مال عمن لم يميز ولو) كان وليه (محرماً أو لم يحج)؛ كعقد النكاح له. ويقع لازماً، وحكمه كالمكلف. نص عليه.

(و) يُحرم (مميز بإذنه) أي: إذن الولي (عن نفسه)؛ لأنه يصح

(1)

وضوؤه. فصح إحرامه؛ كالبالغ.

ولأن العبادات أحد نوعي العقود. فكان منه ما يعقده الولي للصبي؛ كعقود المعاملات.

وإذا صح منه وجب أن يصح على حكم البالغ في الضمان؛ كالنكاح.

ولأنه يجتنب الطيب ويؤمر به لأجل الإحرام. فصح إحرامه ولزم كالبالغ.

ولا خلاف في تجنبه الطيب، لكن عندنا بصفة الوجوب، وعند المخالف بصفة الاستحباب.

والأصل

(2)

في صحة حج الصغير ما روي عن ابن عباس: " أن امرأة رفعت

إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر "

(3)

. رواه مسلم. وقال السائب بن يزيد: " حُج بي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين "

(4)

. رواه البخاري.

وقال ابن عباس: " أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه حجة أخرى، وأيما

(1)

في أ: لا يصح. وهو وهم.

(2)

في ج: والأصح.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1336) 2: 974 كتاب الحج، باب صحة حج الصبي.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1759) 2: 658 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب حج الصبيان.

ص: 12

أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى، وأيما عبد أعتق فعليه حجة أخر ى "

(1)

.

وانفرد محمد بن منهال برفعه وهو محتج به في " الصحيحين " وغيرهما وكان آية في الحفظ، ولهذا صححه جماعة منهم ابن حزم وأجاب بنسخه؛ لكون فيه الأعرابي.

وسئل أبو الوليد حسان بن محمد إمام أهل الحديث في عصره بخراسان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما أعرابي حج قبل أن يهاجر فعليه الحج إذا هاجر " قال: معناه قبل أن يسلم. فعبر باسم الهجرة عن الإسلام؛ لأنهم إذا أسلموا هاجروا، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام باسم الهجرة.

وإنما سموا مهاجرين؛ لأنهم هجروا الكفار إجلالاً للإسلام.

(ويفعل ولي) عن المميز وغير المميز من أفعال الحج والعمرة (ما يُعجزُهما)، روي عن ابن عمر في الرمي.

وعن أبي بكر " أنه طاف بابن الزبير في خرقة "

(2)

. رواهما الأثرم.

وعن جابر قال: " حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم -ومعنا النساء والصبيان. فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم "

(3)

. رواه أحمد وابن ماجه.

و" كانت عائشة تجرد الصبيان للإحرام ".

(لكن: لا يبدأ) الولي (في رمي) الجمرات (إلا بنفسه)؛ كالنيابة في الحج. فلو رمى ناوياً عن الصغير وقع عن نفسه إن كان محرما بفرضه.

(ولا يُعتد برمي حلال) لا عن نفسه ولا عن غيره.

(1)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(743) 1: 283 كتاب الحج، باب فيما جاء في فرض الحج وشروطه.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 325 كتاب الحج، باب إثبات فرض الحج.

(2)

أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(9026) 5: 70 كتاب المناسك، باب أي حين يكره الطواف. .

(3)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(038 3) 2: 1010 كتاب المناسك، باب الرمى عن الصبيان.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(14381) 3: 314

ص: 13

وإن أمكن الصغير أن يناول النائب الحصى ناوله، وإلا استحب أن توضع الحصاة في كفه ثم تؤخذ منه وترمى عنه.

وإن وضعها النائب في يد الصغير ورمى بها فجعل يده كالآلة فحسن.

(ويطاف به) أي: بالصغير (لعجز) عن أن يطوف بنفسه (راكباً) على شيء أو محمولاً.

(وتعتبر) لصحة طواف (نية طائف به) أي: حامله، (وكونه) أي: كون طائف به (يصح أن يعقد له الإحرام)؛ لأن الطواف تعتبر له النية. فلما تعذرت من الصغير اعتبرت ممن له النيابة عنه بالشرع.

و (لا) يعتبر (كونه) أي: كون الحامل (طاف عن نفسه، ولا) كون الحامل (محرماً)؛ لوجود الطواف من الصغير؛ كمحمول مريض. ولم يوجد من الحامل إلا النية؛ كحالة الإحرام.

(وكفارة حج) أي: حج الصغير في مال وليه؛ لأنه هو الذي أدخله في ذلك ولو تركه لم يتضرر بتركه.

(و) كذا (ما زاد على نفقة الحضر) من نفقة السفر فإنها تكون (في مال وليه، إن أنشأ) الولي (السفر به) أي: بالصغير (تمرينا على الطاعة)، إذ لا مضرة عليه بتركه.

(وإلا) أي: وإن لم يكن الأمر كذلك بأن سافر معه الصغير لتجارة أو خدمة، أو إلى مكة لاستيطانها، أو للإقامة بها لعلم أو غيره مما يباح له السفر به في وقت الحج وغيره ومع الإحرام وعدمه:(فلا) نفقة على الولي رواية واحدة، بل على الجهة الواجبة فيها بتقدير

(1)

عدم الإحرام.

(وعمد صغير ومجنون) في محظور (خطأ: لا يجب فيه إلا ما يجب في خطأ مكلف، او) في (نسيانه).

قال المجد في " شرحه ": أو فعله به الولي لمصلحته؛ كتغطية رأسه لبرد،

(1)

في أ: بتقديم.

ص: 14

أو تطبيبه لمرض. فأما إن فعله الولي لا لعذر فكفارته عليه؛ كمن حلق رأس محرم بغير إذنه.

(وإن وجب في كفارة على ولي صوم: صام عنه) يعني: إنه متى وجبت على الولي كفارة بسبب الصبي ودخلها

(1)

الصوم صام عنه؛ لوجوبها عليه ابتداءً، كصومه عن نفسه.

(ووطؤه) أي: ووطء الصغير عامدا أو ناسيا في الحج (كبالغ) أي: كوطء البالغ (ناسياً: يمضي في فاسده، ويقضيه) أي: الحج الفاسد (إذا بلغ). ولا يصح قضاؤه قبل بلوغه. نص عليه؛ لأنه إفساد لإحرام لازم وذلك يقتضى وجوب القضاء.

وبُنية الصبي تمنع التكليف بفعل العبادات البدنية؛ لضعفه عنها. ونظير ذلك وجود

(2)

الاحتلام أو الوطء من المجنون فإنه يوجب الغسل عليه؛ لوجود سببه، ولا يصح منه إلا بعد الإفاقة؛ لفقد أهليته للغسل في الحال.

(1)

في أ: ودخولها.

(2)

في ج: وجوب.

ص: 15

[فصل: في حج القن]

(فصل. ويصحان) أي: الحج والعمرة (من قن)، لعدم المانع. (ويلزمانه) أي: يلزم القن الحج والعمرة (بنذره) أي: بنذر القن الحج

والعمرة، كالحر.

(ولا يحرم) أي: ولا يجوز له أن يحرم بنفل، (ولا) أن تحرم (زوجة بنفل، إلا بإذن سيد وزوج)، لتفويت حقهما بالإحرام.

(فإن عقداه) أي: عقد القن والمرأة الإحرام بنفل بلا إذن سيد وزوج: (فلهما) أي: فللسيد والزوج (تحليلهما) أي: تحليل القن والزوجة على الأصح، لتفويت حقهما.

(ويكونان) أي: القن والزوجة (كمُحْصر). ويأتي حكم المحصر

(1)

. (ويأثم من لم يمتثل) ما أمر به السيد أو الزوج من التحليل. وله أن يطأ زوجته وأمته اللتين أحرمتا بنفل بغير إذن السيد والزوج وأمرهما بالتحلل ولم يمتثلا.

و (لا) يجوز لسيد ولا زوج تحليل قن ولا زوجة (مع إذن) لهما في الإحرام على الأصح.

(ويصح) من السيد والزوج (رجوع فيه) أي: في إذنه

(2)

لهما بأن يحرما (قبل إحرام) أي: قبل أن يحرما، كالواهب يرجع فيما وهبه قبل قبض الموهوب له لا بعده.

وإن علم القن برجوع سيده عن إذنه. فكما لو لم يأذن.

(ولا) يجوز لسيد ولا زوج تحليل قن ولا زوجة أحرما (بنذر أذن) السيد

او الزوج (فيه لهما) أي: للقن والزوجة، (او لم يأذن فيه لها) يعني: أنه لا يجوز للزوج تحليل زوجته من إحرامها بنذر ولو لم يكن النذر بإذنه؛ لوجوبه

(1)

ص: 261.

(2)

في أ: إذن.

ص: 16

عليها

(1)

، كما لو أحرمت بواجب بأصل الشرع.

(ولا يمنعها) يعني: أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته (عن حج فرض كملت شروطه)، كبقية الواجبات. (فلو لم تكمل) شروطه (وأحرمت به بلا إذنه لم يملك تحليلها) في الأصح؛ لوجوب إتمامه بشروعها فيه.

(ومن أحرمت بواجب فحلف زوجها ولو بالطلاق الثلاث لا تحج العام لم يجز أن تحل).

ونقل ابن منصور: هي بمنزلة المحصر، ورواه عن عطاء، واختاره

ابن أبي موسى، كما لو منعها عدو من الحج إلا أن تدفع إليه مالها.

ونقل مهنا: وسئل

(2)

عن المسألة. فقال: قال عطاء: الطلاق هلاك. هي منزلة المحصر.

(وإن أفسد قن حجه بوطء، مضى) في فاسده (وقضى) ما أفسده.

(ويصح) منه (القضاء) وهو (في رقه) في الأصح، (وليس لسيده منعه)

من القضاء، (إن شرع فيما) أي: في الحج الذي (أفسده بإذنه) أي: بإذن السيد في الأصح؛ لأن إذنه فيه إذن في موجبه، [ومن موجبه]

(3)

قضاء ما أفسده على الفور.

(وإن عتق) القن (اوبلغ الحر في الحجة الفاسدة)، وكان العتق أو البلوغ (في حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت) الحجة الفاسدة (صحيحة: مضى) فيها، (وأجزأته [حجة القضاء] عن حجة الإسلام و) عن حجة (القضاء)

(4)

. قال في " الإنصاف ": على الصحيح من " المذهب ". انتهى.

وقال ابن عقيل: عندي أنه لا يصح؛ لأنه ليس من حيث لو صحت أجزأت. يجب أن يكون قضاوهما كهى.

(وقن) أي: والقن إذا جنى في إحرامه فحكمه (في جنايته كحر معسر.

(1)

زيادة من ب.

(2)

في ب: ونقل هاهنا أنه سئل.

(3)

ساقط من أ.

(4)

ساقط من أ.

ص: 17

وإن تحلل) القِنّ (بحَصْر، أو حلله سيده) في حال يملك تحليله فيه (لم يتحلل قبل الصوم. ولا يمنع منه) أي: من الصوم. نص عليه.

(وإن مات) القن (ولم يصم) أي: قبل أن يصوم، (فلسيده أن يطعم عنه). ذكره في " الفصول ".

(وإن أفسد). القنّ (حجه صام) عن البدنة الواجبة بالوطء، (وكذا إن تمتع

او قرن) يعني: إن أحرم متمتعاً أو قارناً فإنه يصوم عن دم النسك الواجب على المتمتع والقارن، لأن الحج له دون سيده، كحج المرأة في الأصح.

(ومشتري المحرم كبائعه) يعني: أن العبد المحرم متى باعه سيده كان المشتري (في تحليله وعدمه) كبائعه. فإن كان في إحرام يملك البائع تحليله منه كان للمشتري تحليله، وإن كان في إحرام لا يملك البائع تحليله منه لم يكن للمشتري تحليله.

(وله) أي: وللمشتري (الفسخ) أي: فسخ البيع (إن لم يعلم) أن العبد محرم، (و) والحال أنه

(1)

(لم يملك تحليله)؛ لأنه إذا كان في إحرام يملك المشتري تحليله، كان إبقاؤه على الإحرام كإذنه له فيه ابتداءً.

(ولكل من أبَوَي) حر (بالغ) مع حريتهما (منعُه) أي: منع ولدهما (من إحرام بنفل) من حج أو عمرة، (ك) نفل (جهاد).

قال الموفق في حج التطوع: إن للوالد منيع الولد من الخروج إليه؛ لأن له منعه من الغزو، وهو من فروض الكفايات. فالتطوع أولى.

وقال في مساًلة: لا يجاهد من أبواه مسلمان إلا بإذنهما يعني: تطوعاً، أن ذلك يروى عن عمر وعثمان، وأنه قول مالك والشافعي وسائر أهل العلم، واحتج بالأحاديث المشهورة في ذلك

(2)

.

(1)

في أ: مع كونه.

(2)

منها ما رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم -فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك، قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد ". أخرجه البخاري في " صحيحه "(2842) 3: 1094 كتاب الجهاد والسير، باب الجهاد بإذن الأبوين.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2549) 4: 1975 كتاب البر والصله والاداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به.

ص: 18

قال: ولأن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية، وفرض العين مقدم. فإن تعين عليه الجهاد سقط إذنهما وكذلك كل فرائض الأعيان، وكذا كل ما وجب؛ كالحج، وصلاة الجماعة، والجمع، والسفر للعلم الواجب؛ لأنها فرض عين. فلم يعتبر إذن الأبوين فيهما؛ كالصلاة.

قال ابن مفلح في " الاداب ": وظاهر هذا التعليل أن في التطوع يعتبر

(1)

إذن الوالدين كما نقوله في الجهاد وهو غريب، والمعروف اختصاص الجهاد بهذا الحكم. والمراد والله أعلم: أنه لا يسافر لمستحب إلا بإذنهما

(2)

؛ كسفر الجهاد. وأما ما يفعله في الحضر كالصلاة النافلة ونحو ذلك فلا يعتبر فيه إذنهما

(3)

، ولا أظن أحداً يعتبره، ولا وجه له والعمل على خلافه. والله أعلم. (ولا يحللانه) أي: لا يحللان أبوا البالغ ابنهما إذا أحرم بحج أو عمرة. (ولا) يحلل (غريم مَديناً) أحرم بحج أو عمرة؛ لوجوب إتمامهما بالشروع

(4)

. (وليس لولي سفيه مبذر منعُه من حج الفرض وعمرته، ولا تحليله) من أحدهما.

(وتُدفع نفقته إلى ثقة ينفق عليه في الطريق. ويحلل بصوم إذا أحرم بنفل)؛ كمعسر؛ لأنه ممنوع من التصرف في ماله.

ومحل ملك

(5)

الولي تحليله: (إن زادت نفقته) أي: نفقة سفره (على نفقة الإقامة، ولم يكتسبها) في سفره؛ لأنه إذا اكتسب نفقة سفره فيه لم يكن في ذلك ضرر عليه في ماله.

(1)

في أ: أن التطوع بغير.

(2)

في أ: بإذنه.

(3)

في أ: إذنه.

(4)

في أ: بالشرع.

(5)

في أ: ذلك.

ص: 19

[فصل: في الاستطاعة]

(فصل) الشرط (الخامس) الذي هو شرط لوجوب الحج والعمرة دون الإجزاء: (الاستطاعة)، لقوله سبحانه وتعالى:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [ال عمران: 97].

(ولا تبطل) الاستطاعة (بجنون) فيحج عنه.

(وهي) أي: الاستطاعة: (ملك زاد يحتاجه) فى سفره، (و) ملك (وعائه)، لأنه لابد منه.

(ولا يلزمه حمله) أي: حمل الزاد (إن وُجد بالمنازل) أي: منازل طريق الحاج

(1)

.

(وملك راحلة) لركوبه (بآلة) لها

(2)

(يصلحان) أي: الراحلة وآلتها (لمثله). نص أحمد على أنه يشترط لوجوب الحج والعمرة ملك الزاد والراحلة، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي وأكثر العلماء.

قال أحمد: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن قال: " لما نزلت هذه الآية: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [ال عمران: 97]، قال رجل: يا رسول الله! ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة "

(3)

.

فإن قيل: هو مرسل، أجيب: بأنه قد وافق مالك على أن المراسيل حجة. وروى الدارقطني بإسناده عن أنس " عن النبي صلى الله عليه وسلم -في قوله عز وجل: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [ال عمران: 97] قال: قيل: يا رسول الله! ما السبيل؟ قال:

(1)

في ب: الحج.

(2)

في أ: بها.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 4: 327 كتاب الحج، باب بيان السبيل. . .

وأخرجه الدارقطنى في " سننه "(13) 2: 218 كتاب الحج.

ص: 20

الزاد والراحلة "

(1)

.

ومحل من يشترط له الزاد والراحلة: إذا كان (في مسافة قصر) عن مكة.

(لا) إن كان (في دونها) أي: في دون مسافة قصر عن مكة، للقدرة على المشي فيها غالباً.

ولأن مشقتها يسيرة، ولا يخشى فيها عطب على تقدير الانقطاع بها. بخلاف البعيدة، ولذلك خص الله سبحانه وتعالى المكان البعيد بقوله عز وجل:: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].

(إلا لعاجز) عن المشى، كشيخ كبير لا يقدر على المشي في مسافة القصر

فما دون

(2)

فإنه يشترط له ملك الراحلة.

(ولا يلزمه) أن يسير إلى الحج (حبواً ولو أمكنه). قاله في " الكافي "،

وهو مراد غيره. وأما الزاد فيعتبر، قربت المسافة أو بعدت مع الحاجة إليه. (او) ملك (ما يقدر به على تحصيل ذلك) من نقد أو عرض. والمشار إليه بذلك هو: الزاد والراحلة الصالحان لمثله وآلتهما

(3)

.

ويعتبر: أن يكون ذلك (فاضلاً عما يحتاجه: من كتب). فإن استغنى بإحدى نسختين من كتاب باع الأخرى.

(ومسكن) يصلح لمثله، (وخادم) لنفسه، (و) عن (ما لا بد منه) من لباس مثله وغطاء ووطاء. (لكن إن فضل عنه) المسكن، أو كان الخادم نفيساً (وأمكن بيعه) أي: بيع المسكن أو الخادم، (و) أمكنه أيضاً (شراء ما يكفيه ويفضل ما يحج) به:(لزمه) ذلك.

(و) يعتبر أيضاً: أن يكون الزاد والراحلة وما يتبعهما فاضلاً عن (قضاء دين) عليه، حالاً كان أو مؤجلاً، لآدمي أو لله سبحانه وتعالى، كالزكوات،

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(76) 2: 216 كتاب الحج.

(2)

في أ: دونه.

(3)

في أ: وآلتها.

ص: 21

والكفارات، والنذور؛ لتضرره

(1)

ببقاء ذمته مشغولة وضياع ماله.

(و) أن يكون فاضلاً أيضاً عن (مؤنته ومؤنة عياله؛ لقول النبي- صلى الله عليه وسلم:

" كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت "

(2)

.

(على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة، ونحوها)، كعطاء من

الديوان

(3)

.

قال في " الإنصاف ": والصحيح من المذهب: أنه يعتبر أن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته وكفاية عياله على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة، وعليه أكثر الأصحاب. انتهى.

(ولا يصير) من لم يملك زاداً وراحلة (مستطيعا ببذل)[أي: ببذل]

(4)

غيره (له) زادً وراحلة، ولو كان الباذل له ذلك أبوه أو ابنه؛ لأنه لا يلزمه قبول ذلك، لما فيه من المنة، كبذل الرقبة في الكفارة.

وكذا لو بذل إنسان نفسه لمريض لا يرجى برؤه وليس له ما يستنيب به ليحج

عنه من غيرمقابل: لم يلزمه قبوله، لما فيه من المنة.

(ومنها) أي: ومن الاستطاعة على الأصح: (سعة وقت) أي: كون الوقت متسعاً يمكنه الخروج إليه فيه، والسير حيث ما جرت به العادة؛ لتعذر فعل الحج مع ضيق الوقت عنه، وكعدم الزاد والراحلة. فلو حج وقت وجوبه فمات في الطريق تبينا عدم وجوبه

(5)

، لعدم وجود الاستطاعة.

(و) من الاستطاعة أيضاً: (أمن طريق يمكن سلوكه) على الأصح، لأن

في إيجاب الحج مع عدم ذلك ضرراً وهو منتف شرعا ً.

(1)

في أ: والنذر لضرورة.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1692) 2: 132 كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(6819) 2: 193

(3)

في أ: ديوان.

(4)

ساقط من ب.

(5)

في أ: يلزم.

ص: 22

ولا يشترط اختصاص ذلك بالبر، ولا كون ذلك معتاداً. فمن

(1)

أمكنه سلوك طريق آمن (ولو بحراً أو غير معتاد) لزمه

(2)

.

أما كونه يجب عليه سلوك الطريق الآمن الذي تغلب فيه السلامة ولو بحراً؛

فلما روي عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول- صلى الله عليه وسلم: " لا يركب البحر إلا حاجاً أو معتمراً أو غازياً في سبيل الله عز وجل "

(3)

. رواه أبو داود وسعيد بن منصور في " سننهما ".

ولأن البحر مع غلبة السلامة فيه يجوز سلوكه للتجارة حتى بأموال اليتامى.

وما روي من النهى عن ركوب البحر فمحمول على ما إذا لم تغلب فيه السلامة، ومن ذلك ما رواه أحمد مرفوعاً:" من ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة "

(4)

.

وأما كونه يجب عليه سلوك الطريق غير المعتاد مع أمنه؛ فلأن قصاراه أنه مشق. وذلك لا يمنع الوجوب، كما لو كان بلده بعيداً جداً من سائر الطرق. لكن يشترط في الطريق: أن يكون (بلا خفارة)؛ لأنها رشوة ولا يتحقق الأمن ببذلها

(5)

.

وقال ابن حامد: إن كانت الخفارة لا تجحف بماله لزمه بذلها.

وأن يكون الطريق (يوجد فيه الماء والعلف على) الأمر (المعتاد) في المنازل في الأسفار؛ لأنه لو كلف حمل مائه وعلف بهائمه من بلده إلى مكة لأدى ذلك إلى مشقة عظيمة.

(1)

في ب: فمتى.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه أبو داود في "سننه "(2489) 3: 6 كتاب الجهاد، باب في ركوب البحر في الغزو.

وأخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2393) 2: 52 1 كتاب الجهاد، باب ما جاء في ركوب البحر.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(20767) 5: 79 عن أبي عمران الجونى، عن بعض أصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم.

(5)

في أ: بذلها.

ص: 23

وعلم من هذا: أنه يجب عليه حمل الماء من منهل إلى منهل، وحمل العلف من موضع إلى موضع؛ لأنه المعتاد

(1)

.

(و) من الاستطاعة أيضاً: (دليل لجاهل) طريق مكة، (وقائد لأعمى)؛ لأن في إيجاب الحج على جاهل الطريق وعلى الأعمى مع عدم دليل وقائد ضرراً عظيماً. وهو منتف شرعاً.

(ويلزمهما أجرة مِثلهِما)؛ لأنهما مما يتم به الواجب.

إذا تقرر هذا: (فمن كمل له ذلك) أي: ما تقدم من الشروط الخمسة المذكورة وما يعتبر فيها: (وجب السعي عليه) إلى الحج والعمرة (فوراً). نص عليه. فيأثم إن أخره بلا عذر، وفاقاً لإحدى الروايتين عن أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف وداود. بناء على أن الأمر للفور.

ويختص الكلام في الحج هاهنا بما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: " تعجلوا إلى الحج - يعني: الفريضة -. فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له "

(2)

. رواه أحمد.

وعن عبدالرحمن بن سابط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة. فليمت على أي حال

(3)

يهودياً أو نصرانياً "

(4)

. رواه سعيد بن منصور في "سننه ".

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد الحج فليتعجل "

(5)

.

رواه أبو داود.

وليس التعليق على الإرادة هنا تعليق تخيير. فإن الإجماع منعقد على أنه

(1)

في أ: معتاد.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(2869) 1: 314

(3)

في ب: حالة.

(4)

أخرجه ابن عدي في " الكامل " 4: 312

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1732) 2: 141 كتاب المناسك.

ص: 24

[لا يُخَيّر]

(1)

بين الفعل والترك، بل لا يجوز تأخيره إلا بشرط العزم على الأداء، وهذا كقوله:" من أراد الجمعة فليغتسل "

(2)

، و " من أراد الصلاة فليتوضأ "، وقوله سبحانه وتعالى:(لمن شاء منكم أن يستقيم)[التكوير: 28].

والغرض بذلك: أن الإرادة تميز بين القاصد والساهي. فإنّ الإرادة تحدث

عند حدوث الوجوب. فحينئذ يخاطب بالتعجيل، أو لأن الإرادة تكون واجبة ومستحبة فكذلك التعجيل المعلق عليها حكمه حكمها.

ولأن الحج والعمرة فرض العمر فأشبها الإيمان.

ولأن الحج عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة غالباً. فأشبه الجهاد.

ولأنه أحد مبانى الإسلام. فلم يجز تأخيره إلى غير وقت معين؛ كبقية المبانى. بل أولى؛ لأن سائر المبانى يصح فعلها في كل وقت. ثم منها ما هو مضيق بالكلية؛ كالصوم، ومنها ما فيه توسعة يسيرة لا تفوت مصلحتها غالباً؛ كالصلاة؛ لأنه إذا خيف من حدوث عائق، أمكن غالباً تقدمه أو الاستدراك بالقضاء عقبه.

وأما الحج فمدته طويلة ومشقته كثيرة ولا يصح في السنة إلا مرة. فكان التحفظ منه أولى.

وأما تأخير النبي صلى الله عليه وسلم -وأصحابه فيحتمل أنه قبل نزول فرضه. فإنه قد قيل: أن

قوله عز وجل: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ

} الاية [ال عمران: 97] نزلت في سنة عشر.

وقيل: في سنة تسع في أواخرها.

ويحتمل أنه بعد

(3)

نزول فرضه. ويكون تأخيره إما لأن الله سبحانه وتعالى أطلع نبيه على أنه لا يموت حتى يحج فكان على يقين من الإدراك. قاله أبو زيد الحنفى.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(844) 2: 579 كتاب الجمعة.

(3)

ساقط من أ.

ص: 25

أو لاحتمال عدم الاستطاعة إما في حقه وحق الله عز وجل؛ لخوفه على المدينة من المنافقين واليهود وغيرهم ومراسلتهم للروم الذين كانوا جمعوا له

(1)

في قرية تبوك وهو قريب العهد لغزوهم، وإما لحاجة خوف في حقه منعه من الخروج ومنع أكثر أصحابه خوفاً عليه. فإن مقامه في جماعة ليس لهم منعة مدة غيبة الحاج عنه يخشى عليه من أعدائه كما سبق.

ويحتمل أن الله سبحانه وتعالى كره له الحج مع المشركين عراة حول البيت وكونهم يشاركونه

(2)

ومعه أمته في حجتهم على عادتهم على شركهم، ولم يكن صرفهم بعد عن مكة، وكانت لهم عهود وعقود فيها ألا يُصدوا عن البيت، ولا يتعرض لهم في الشهر الحرام، وكان لقبائل عهود إلى مدة، وكانت السنة

التاسعة آخر سني

(3)

النسيء بحيث كان الحج فيها في ذي القعد ة، وكان الناس يقف الحُمُس منهم وهم قريش نهاراً في اليوم التاسع بمزدلفة لا بعرفات. بخلاف سائر القبائل. وكذا

(4)

فعل أبو بكر في حجته فاختار الله عز وجل التأخير لنبيه صلى الله عليه وسلم -وأمته حتى بعث أبا بكر في التاسعة فنادى: " أن لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك "

(5)

. وتليت الآيات التي فيها إبطال نسيء الجاهلية، وصارت حجة الرسول صلى الله عليه وسلم -في ذي الحجة في السنة التي استدار فيها الزمان كهيئته يوم خلق الله تعالى السموات والأرض

(6)

، ووقف بأمته بعرفات من قريش وغيرهم، وتعلمت منه أمته المناسك التي استقر شرعه عليها. وبعض هذه المصالح عذر في التأخير. فمجموعها أولى.

(والعاجز) عن السعي إلى الحج (لكبر أو مرض لا يرجى برؤه)؛ كزمانة

(1)

في ب: لهم.

(2)

في أ: يشاركونهم.

(3)

في ب: سنين.

(4)

في أ: وكذلك.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(543 1) 2: 586 كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك.

(6)

ساقط من ب.

ص: 26

ونحوها، (أو ثِقَل) بحيث يصير (لا يَقدر معه) أي: مع الثقل (ركوب) على الراحلة أو في محمل (إلا بمشقة شديدة) غير محتملة، (أو لكونه) أي: كون القادر على الزاد والراحلة (نِضْوَ الخلقة، لا يقدر ثبوتا على راحلة إلا بمشقة غير محتملة: يلزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه فوراً من بلده)؛ وذلك لقول ابن عباس: " أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حجي عنه "

(1)

. متفق عليه.

قال أحمد: أو كانت المرأة ثقيلة لا يقدر مثلها يركب إلا بمشقة شديدة. وأطلق أبو الخطاب وغيره عدم القدرة. ويسمى المعضوب.

ولأن الحج والعمرة عبادتان تجب الكفارة بإفسادهما. فجاز أن يقوم غيره فيهما؛ كالصوم.

وظاهر حديث ابن عباس أنه لا يشترط اتحاد النوع. فيصح أن تنوب المرأة

عن الرجل والرجل عن المراة.

وأما كونه يجب أن تكون الاستنابة فوراً ومن بلد المستنيب؛ لأنه وجب على

المستنيب كذلك.

(وأجزأ) حج النائب (عمن عُوفي) من مرض أو غيره أُبيح له من أجله الاستنابة؛ لأنه أتى بما أمر به. فخرج من عهدته؛ كما لو لم يبرأ.

والمعتبر لجواز الاستنابة الإياس ظاهراً. ولو اعتدت من ارتفع حيضها لم تبطل عدتها بعوده.

قال صاحب " المحرر " وغيره: وهو نظير مسألتنا. ولا فرق في ذلك على الأصح بين أن يعافى بعد فراغ نائبه من النسك أو قبله بعد إحرامه؛ كالمتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4138) 4: 1598 كتاب المغازي، باب حجة الوداع.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1756) 2: 657 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب حج المرأة

عن الرجل.

ص: 27

(لا) إن عوفي (قبل إحرام نائبه) فإنه لا يجزئه اتفاقاً، للقدرة على المبدل

قبل الشروع في البدل.

وليس لمن يرجى زوال علته أن يستنيب. فإن فعل لم يجزئه وفاقاً.

(ويسقطان) أي: الحج والعمرة (عمن لم يجد نائباً) من العاجز عن الحج والعمرة؛ لكبر أو مرض أو غيرهما ممن تجوز له الاستنابة فيهما؛ لعدم استطاعته بنفسه ونائبه.

(ومن لزمه) حج أو عمرة (فتُوفي) قبل أن يفعل شيئاً منهماً. سواء كان

ذلك واجباً بأصل الشرع أو بإيجاب نفسه فرط أو لا، وإلى ذلك أُشير بقوله:(ولو قبل التمكن)، وخلّف مالاً:(أخرج عنه) أي: عن الميت (من جميع ماله حَجة وعمرة) أي: ما يفعل به حجة وعمرة (من حيث وجبا) على الميت. نص عليه؛ لأن القضاء يكون بصفة الأداء ولو لم يوص بذلك؛ وذلك

(1)

لما روى ابن عباس " أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قا ل: ثعم حجي عنها. أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته

(2)

0 اقضوا الله فالله أحق بالوفاء "

(3)

. رواه البخاري.

ولأنه حق استقر على الميت. فلم يسقط بموته؛ كالدين.

(ويجزئ) الحج عن الميت الذي له وطنان (من أقرب وطنيه) لتخيير

(4)

المنوب عنه لو كان حياً.

(و) من ببلده (من خارج بلده إلى دون مسافة قصر)، لأن ما دون مسافة القصر في حكم الحاضر.

(ويسقط) الحج عمن وجب عليه ومات قبله (بحج أجنبي عنه) بدون

(1)

ساقط من ب.

(2)

في ب: قاضيتيه.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6885) 6: 2668 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين. . .

(4)

في أ: فتخيير.

ص: 28

مال، وبدون إذن الورثة، لحديث ابن عباس، وتشبيهه بالدين.

(لا عن حي بلا إذنه) يعني: أنه لو حج إنسان عن حي معذور بدون إذنه لم يسقط عنه فرض الحج، كما لو دفع أجنبي زكاة مال غيره بغير إذنه فإنها لا تسقط. بخلاف دين الآدمي، لأنه ليس بعبادة.

(ويقع) حج من حج عن حي بلا إذنه (عن نفسه) أي: نفس الحاج (ولو)

كان الحج (نفلاً) عن المحجوج عنه بغير إذنه، لعدم استئذانه مع إمكانه. (ومن) مات وقد وجب عليه الحج و (ضاق ماله) عن أن يحج به من بلد هـ، (أو) ضاق عن ذلك لكونه (لزمه دين) وتزاحموا:(أُخذ) من المال (لحج بحصته)؛ كما لو خلف مائة وعليه دين مثلها والحج يكفيه مائة. فيؤخذ له خمسون من ماله، (وحج به) أي: بما يوجد من المال بحصة الحج (من حيث بلغ). نص عليه، لقدرته على بعض المأمور به على الأصح.

وعنه: يقدم الدين؛ لتأكده.

(وإن مات) من وجب

(1)

عليه الحج بطريق الحج، (أو) مات (نائبه بطريقه: حج عنه من حيث مات)، لأن الاستنابة من حيث وجب القضاء. ولم يلزم أن يحج عنه من وطنه، لأن المنوب عنه لم يكن عليه أن يرجع إلى محل وطنه ثم يعود إلى الحج. فيجب أن يستناب عنه (فيما بقي). نص عليه، (مسافة وفعلاً وقولاً) لفعله قبل موته بعض ما وجب وهو السعي إلى ذلك المحل الذي مات فيه.

(وإن صُدّ) في أثناء طريقه (فعل ما بقي) أيضاً؛ لأنه أسقط بعض الواجب. (وإن وصى) إنسان (بنفل) أي: بحج نفل (وأطلق) بأن لم يقل من محل كذا: (جاز) أن يحج عنه (من ميقاته) أي: من ميقات بلد الموصي. نص عليه. (ما لم تمنع قرينة) من ذلك؛ كما لو جعل لمن يحج عنه مالاً بقدر نفقة من يحج من بلده ونحو ذلك. فلا يجزئه إلا من محل وصيته، كحج واجب.

(1)

ساقط من ب.

ص: 29

فإن لم يف ثلثه بالحج من محل وصيته حُج به من حيث يبلغ أو يعان به في الحج. نص عليه.

(ولا يصح ممن لم يحجّ عن نفسه، حج عن غيره) فرض غيره، (ولا نذره، ولا نافلته)، حياً كان المحجوج عنه أو ميتاً على الأصح، وفاقاً للشافعي.

(فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام)، لحديث عبدة بن سليمان عن ابن

أبي عروبة عن قتادة عن عزرة - بعين مهملة ثم بزاي فراء - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم -سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة قال

(1)

: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة "

(2)

. إسناده جيد. احتج به أحمد في رواية صالح.

قال البيهقي: إسناده صحيح. ورواه أحمد وأبو داود، وأبو يعلى الموصلي، وابن حبان، والطبرانى.

ولأنه حج عن غيره قبل حجه عن

(3)

نفسه. فلم يجز، كما لو كان صبياً. وقوله:"حج عن نفسك " أي: استدمه

(4)

، كقولك للمؤمن: آمن. ولهذا روى الدارقطني من طريقين وفيهما ضعف: "هذه عنك وحج عن شبرمة"

(5)

. ولأن الإحرام ركن. فبقاؤه يمنع أداءه عن غيره؛ كطواف الزيارة.

وبه فرق

(6)

بينه وبين الزكاة. فإنه لا يطوف من لم يطف عن نفسه، وينوب

في الزكاة من بقي عليه بعضها.

(1)

في ب: فقال.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1811) 2: 162 كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره. وأخرجه ابن ماجه في " سننه " (2903) 2: 969 كتاب المناسك، باب الحج عن الميت.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: استدامه.

(5)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(143) 2: 268 كتاب الحج.

(6)

في ب: فرقا.

ص: 30

وقال أبو حفص العكبري: ينعقد عن المحجوج عنه، ثم يقلبه الحاج عن نفسه.

وعنه: يقع باطلاً؛ لتعيين

(1)

النية لطواف الزيارة. وهذا لا يلزم منه بطلان

إحرامه.

وعنه: يجوز عن غيره ويقع عنه، جعلها القاضي ظاهر نقل محمد بن

ماهان: فيمن عليه دين ولا مال أيحج عن غيره حتى يقضي دينه؟ قال: نعم،

وفاقاً لأبي حنيفة ومالك وداود.

(ولو أحرم بنذر أو نفل من عليه حجة الإسلام: وقع) حجه (عنها) أي:

عن حجة الإسلام دون النذر والنفل على الأصح. نص عليه، وفاقاً للشافعي؛

لأنه قول ابن عمر وأنس.

فعلى هذا تبقى الحجة المنذورة في ذمته.

ونقل أبو طالب: تجزئ عن حجة الإسلام وعن المنذورة.

(والنائب كالمنوب عنه) في الصور المتقدمة. فلو أحرم بنذر أو نفل عمن

عليه حجة الإسلام وقع عنها على الأصح. ولو أحرم بنذر أو نفل من عليه قضاء حجة فاسدة وقعت عن القضاء دون ما نواه على الأصح.

(ويصح أن يحج عن معضوب، و) عن (ميت) اثنان، (واحد في

فرضه، وآخر في نذره في عام) واحد.

(وأيهما) أي: أي النائبين (أحرم أولاً) أي: قبل الآخر (فعن حجة

الإسلام، ثم) الحجة (الأخرى) التي أحرم بها الثانى بعد إحرام الاول تكون (عن نذره ولو لم ينوه) أي: لم ينو الثانى أنها عن النذر؛ لأنه قد يعفى عن التعيين في باب الحج؛ لانعقاده مبهماً ثم يعين.

(و) يصح (أن يجعل قارن) وهو من أحرم بالحج والعمرة معا ً، أو أحرم

بعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل شروعه في طواف العمرة: (الحج) الذي هو

(1)

في أ: كتعيين.

ص: 31

أحد نسكي القارن (عن شخص) استنابه في الحج، (و) أن يجعل (العمرة عن) شخص (آخر) استنابه للعمرة، لأن القران نسك مشروع. لكن لا يصح ذلك عنهما إلا (بإذنهما) أي: إذن الشخصين، وإن لم يأذنا في ذلك صحت الحجة والعمرة للمحرم، وضمن ما

(1)

جعل له في الحجة والعمرة؛ كمن أمر بحج فاعتمر، أو أمر بعمرة فحج. ذكره القاضي وغيره.

وفي " المغني " و" الشرح ": يقع عنهما. فإن أذن أحدهما رد على غير الإذن نصف نفقته وحده؛ لأن المخالفة في صفته.

(و) يصح (أن يستنيب قادر) على الحج (وغيره) أي: غير القادر على الحج (في نفل حج، و) في (بعضه) أي: بعض نفل الحج على الأصح، خلافاً للشافعي؛ كالصدقة. والخلاف في عجز مرجو الزوال.

وأما حج النفل عن المعضوب والميت. فوافق عليها الأئمة الثلاثة.

ويصح حج النفل عن الميت ويقع عنه، لأن الميت إذا عزي إليه العبادة وقعت عنه، ويصير كأنه مهدى إليه ثوابها، وهو عاجز عن الكسب متعذر منه الإذن. بخلاف الحى.

ويستحب أن يحج عن أبويه، قال بعضهم: إن لم يحجا.

وقال بعضهم: وغيرهما. ويقدم أمه؛ لأنها أحق بالبر. ويقدم واجب

عليه على نفل أمه. نص عليهما.

نقل ابن إبراهيم: من حج ويريد الحج ولم يحج والداه يجعل

(2)

حجة التطوع عنهما،

عن كل واحد حجة.

نقل أبو طالب: يقدم دين أبيه على نفله لنفسه. فأمه أولى.

وقيل له في رواية أبي داود: أريد ان أحج عن أمي أترجو أن يكون لي أجر حجة أيضاً؟

قال نعم. تقضي عنها ديناً عليها.

(1)

في ب: من.

(2)

في أ: جعل.

ص: 32

وقيل له: أحج

(1)

عنها فأنفق من مالي وأنوي عنها أليس جائزاً؟ قال: نعم.

وعن زيد بن أرقم مرفوعاً: [" إذا حج الرجل عنه وعن والديه تقبل منه ومنهما، واستبشرت أرواحهما في السماء، وكتب عند الله براً "

(2)

. في إسناده أبو أمية

(3)

الطرسوسي وابو سعمد البقال ضعيفان.

وعن ابن عباس مرفوعا]

(4)

: " من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرماً،

بعُث يوم القيامة مع

(5)

الأبرار "

(6)

. فيه صلة بن سليمان، متروك.

[وعن عثمان بن عبدالرحمن عن محمد بن عمرو البصري عن عطاء عن جابر مرفوعاً: " من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته

(7)

، وكان له فضل عشر حجج "

(8)

. ضعيف]

(9)

. رواهن

(10)

الدارقطني.

(والنائب) في الحج (أمين فيما أعطيه) من مال (ليحج منه). فيركب

وينفق منه بالمعروف.

(ويضمن) النائب (ما زاد) أي: ما أنفقه زائداً (على نفقة المعروف،

أو) ما أنفقه زائداً بسبب سلوك طريق أبعد، مع إمكانه سلوك (طريق أقرب بلا ضرر) عليه في سلوك الطريق الأقرب.

قال الموفق: أو تعجل عجلة يمكنه تركها.

قال في "الفروع ": كذا قال. ونقل الأثرم: يضمن ما زاد على ما أمر بسلوكه.

(1)

في أ: أحجج.

(2)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(109) 2: 259 كتاب الحج.

(3)

في ب: ابن أمية.

(4)

ساقط. من أ.

(5)

في أ: من.

(6)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(110) 2: 260 كتاب الحج.

(7)

ساقط من ب.

(8)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(112) الموضع السابق.

(9)

ساقط من أ.

(10)

كذا في ج، وفي أ: رواهما، وفي ب: رواه.

ص: 33

(ويرد) أي: ويجب عليه أن يرد (ما فضل) عن نفقته بالمعروف. إلا أن يؤذن له أن يتصرف فيه بما شاء.

ووجه وجوب رد ما فضل، لأنه لم يُملّكه له المستنيب، وإنما أباح له أن ينفق على نفسه منه بالمعروف.

قال في " الفروع ": فيؤخذ منه لو أحرم ثم مات مستنيبه أخذه الورثة، وضمن ما أنفق بعد موته. وقاله الحنفية.

ويتوجه: لا؛ للزوم ما أذن فيه.

قال فى " الإرشاد " وغيره في: حُّجّ عني بهذا فما فضل فلك: ليس له أن يشتري به تجارة قبل حجه. وكذا قال الحنفية.

(ويحسب له) أي: للنائب (نفقة رجوعه)[بعد حجه]

(1)

، خلافاً لما فى

" الرعاية الكبرى "

(2)

.

ولأبي يوسف: إلا أن يتخذها داراً ولو ساعة. فلا؛ لسقوطها. فلم تعد إنفاقاً. (و) يحسب له أيضاً نفقة (خادمه إن لم يخدم نفسه مثله) أي: مثل النائب. قاله بعض الحنفية.

قال في " الفروع ": وهو متجه. وإن مات أو ضل أو صُدّ أو مرض أو تلف

بلا تفريط أو أعوز بعده: لم يضمن. ويتوجه من كلامهم: يُصدَّق إلا أن يدعي أمراً ظاهراً فيبينه.

(ويرجع) النائب (بما استدانه لعذر) على مستنيبه، (وبما أنفق عن

(3)

نفسه بنية رجوع)، وعند أكثر الحنفية: يرجع إن أنفق بحاكم.

(وما لزم نائباً بمخالفته فمنه) أي: من النائب. فمن أُُمر بحج فاعتمر لنفسه ثم حج فقال القاضي وغيره: يرد كل النفقة؛ لأنه لم يؤمر به، وفاقاً لأبي حنيفة.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: خلافاً ل"الرعاية الكبرى ".

(3)

في ب: على.

ص: 34

ونص أحمد واختاره الموفق وغيره: إن أحرم به من ميقات فلا، وفاقاً للشافعي. ومن مكة يرد من النفقة ما بينهما.

ومن أمر بحج فجاوز الميقات محلاً ثم رجع ليحرم ضمن نفقة تجاوزه ورجوعه.

وإن أقام بمكة فوق مدة قصر بلا عذر فمن ماله.

وهل الوحدة عذر إن قدر أن يخرج وحده؟

قال في "الفروع ": يتوجه خلاف كالحنفية. وظاهر كلام أصحابنا مختلف. والأولى أنه عذر. ومعناه في "الرعاية" وغيرها للنهي

(1)

، وحمله على الخوف فيه نظر؛ لأنه من

(2)

المبيت وحده، وظهر من هذا: يضمن إن خرج. انتهى.

ونفقة الحج إن فسد على النائب، وكذا نفقة حجة القضاء، ويرد ما أخذ؛ لأن الحجة لم تقع عن مستنيبه؛ لجنايته وتفريطه.

والدماء الواجبة بفعل محظور على نائب. والمنصوص: ودم تمتع وقران كنهيه عنه، وعلى مستنيبه إن أذن.

ونقل ابن منصور: إن أمر مريض من يرمي عنه فنسي المأمور أساء والدم

على الامر.

قال في " الفروع ": ويتوجه أن ما سبق من نفقة تجاوزه ورجوعه والدم مع

عذر على مستنيبه؛ كما ذكروه في النفقة في فواته بلا تفريط. ولعله مرادهم.

وإن شرط أحدهما أن الدم الواجب عليه على

(3)

غيره: لم يصح شرطه؛ كأجنبي.

***

(1)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب ". أخرجه أبو داود في " سننه "(2607) 3: 36 كتاب الجهاد، باب في الرجل يسافر وحده.

(2)

في أ: لأن منه.

(3)

ساقط من ب.

ص: 35

[فصل: في المحرَم]

(فصل. وشُرط لوجوب) أي: وجوب الحج والعمرة (على أنثى محرم). نقله الجماعة عن أحمد، وأنه قال: المحرم من السبيل. فمن لم يكن لها محرم لم يلزمها الحج بنفسها ولا بنائبها. هذا نص أحمد في رواية الأثرم وابن منصور

(1)

وحرب وأبي داود. وصرح في رواية الميمونى وحرب بالتسوية بين الشابة والعجوز، وفاقاً للأئمة الثلاثة.

ولا فرق في ذلك بين طويل السفر وقصيره؛ وذلك لحديث ابن عباس:

" لاتسافر امرأة إلا مع محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. فقال رجل: يا رسول الله! إنى أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج. فقال: اخرج معها "

(2)

. رواه أحمد بإسناد صحيح.

وفي " الصحيحين ": " إن امرأتي خرجت حاجة وإنى اكتُتِبْتُ في غزوة كذا. قال

(3)

: انطلق فحج معها "

(4)

.

وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فضاعداً، إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها "

(5)

. رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي.

(1)

في أ: وأبي منصور.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(3231) 1: 346

(3)

في ب: فقال.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه"(2844) 3: 48 كتاب الجهاد والسير، باب من اكتتب في جيش. . . وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1341) 2: 978 كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1340) 2: 977 كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره. وأخرجه أبو داود في " سننه " (1726) 2: 140 كتاب المناسك، باب في المرأة تحج بغير محرم. وأخرجه الترمذى في " جامعه " (1169) 3: 472 كتاب الجنائز، باب ما جاء فى كراهية أن تسافر

المرأة وحدها.

ص: 36

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: " لا تحجّنّ امرأة الا ومعها ذو محرم "

(1)

. رواه الدارقطني في " سننه "، وأبو بكر عبدالعزيز في " الشافي ".

ولا فرق في ذلك بين كون الحج فرضاً أو تطوعاً؛ لأن الرجل لما قال: "إن إمرأتي خرجت حاجّه ": أمره بإدراكها ولم يستفصله عن حجها. فرض أو تطوع. والوقت وقت حاجة إلى البيان. فعلم أن نهيه شامل للجميع، وأنها أنشأت سفراً لم يصيرها إليه الخوف على نفسها بالبلد. فأشبه ما إذا سافرت لحج تطوع أو زيارة أو تجارة ونحوها.

وعن أحمد: أن المحرم شرط لزوم السعي إليه دون وجوب الحج في الذمة.

فعلى هذا يلزمها أن تستنيب فيه إذا كانت ممن لا تثبت على الرحل وأن توصي به.

وعنه رواية ثانية: أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب إذا وجدت من تأمن بالخروج معه. وبهذا قال مالك والشافعي.

قال الأثرم: سمعت أحمد سُئل هل يكون الرجل محرماً لأم امرأته يخرجها إلى الحج؟ فقال في حجة الفريضه: فأرجو؛ لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته، وأما في غيرها فلا.

ووجه المذهب: أن اعتبار المحرم أولى؛ للنص عليه.

ولأن منعها من السفر وحدها قد منع مثه إجماعاً؛ لحفظها وصيانتها والذب عنها. وتعليق إدارة الحكم على حقائق الحكم لا تمكن، بل على الضوابط والمظانّ.

وإذا لم يكن بد من ضابط فكان جعل المحرم الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم -ضابطاً

(1)

= وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2898) 2: 968 كتاب المناسك، باب المرأة تحج بغير ولي. وأخرجه أحمد في " مسنده " (11533) 3: 54

أخرجه الدارقطني في " سننه "(30) 2: 222 كتاب الحج.

ص: 37

وأجمعوا عليه في سفر التجارة والزيارة أولى، لأن من اشترط غير ذلك لا حجة معه عليه.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم -لعدي بن حاتم في حديث متفق عليه: " يا عدي! إن طالت

بك حياة، لتَرَينَّ الظَّعينة ترتحل

(1)

من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله "

(2)

: لا حجة فيه للمخالف. فإن الحديث إنما دل على وقوع الخروج خاليا عن إخافة السبيل، لقوة الإسلام وظهور عدله.

(وفي أي موضع اعتبر) المحرم، (فلمن لعورتها حكم، وهي) أي: التي لعورتها حكم: (بنت سبع سنين فأكثر) على ما سبق في غسل الميت.

قال القاضي: اعتبر أحمد المحرم فيمن يخاف أن ينالها الرجال. فقيل له في رواية أحمد بن إبراهيم: متى لا يحل سفرها إلا بمحرم؟ قال: إذا صار لها سبع سنين، أو قال: تسعه. والله اعلم.

وعنه: لا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر، وفاقاً لأبي حنيفة، كما لا يعتبر في أطراف البلد مع عدم الخوف وفاقاً.

والاول المذهب؛ لحديث ابن عباس: " لا تسافر امرأة إلا مع محرم "

(3)

.

وما روي من حديث ابن عمر مرفوعاً: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال، إلا ومعها ذو محرم "

(4)

. متفق عليه.

(1)

في أ: ترحل.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3400) 3: 1316 كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.

وحديث عدي عند مسلم في الزكاة (1016) 2: 703 باب الحث على الصدقة ولو بشق تمره. ولكن

بدون ذكر هذه الجملة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1763) 2: 658 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب حج النساء.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1037) 1: 369 أبواب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1338) 2: 975 كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.

ص: 38

وفي رواية: " ثلاثة أيام "

(1)

.

وفي رواية " فوق ثلاث "

(2)

.

وفي البخاري في بعض طرقه: " ثلاثة أيام "

(3)

.

ولمسلم من حديث أبي سعيد: " يومين "

(4)

.

فالظاهر أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين فخرجت جواباً لسؤالهم.

(وهو) أي: المحرم الذي لا يحل للمراة أن تسافر إلا وهو معها، (زوج). وسمي محرماً مع كونها تحل له؛ لأن المقصود من سفر المحرم معها صيانتها وحفظها، مع إباحة الخلوة بها وهو موجود في الزوج.

(أو ذكر) فلا يكون الخنثى المشكل محرماً.

(مسلم) فلا يكون الأب ونحوه من الكفار محرما لمسلمة. نص عليه؛ لأن الكافر لا يؤمن عليها؛ كالحضانة. وكالمجوسي؛ لاعتقاده حلها.

(مكلف) فلا يكون الصبي ولا المجنون محرماً، لكن لا يشترط الحريه، وإلى ذلك أُشير بقوله:(ولو عبداً) وهو أبوها أو أخوها أو غيرهما ممن (تحرم عليه أبدا). فلا يكون العبد محرماً لسيدته؛ لأنها لا تحرم عليه أبد أ. نقله الأثرم وغيره.

ولأنه لا يؤمن عليها. ولا يلزم من إباحة النظر المحرمية.

ويشترط كون تحريمها (لحرمتها)، ليخرج بذلك الملاعن؛ لأن تحريمها عليه أبداً عقوبة عليه وتغليظاً.

ويشترط أيضاً: كون التحريم (بسبب مباح)، لتخرج المحرمة بسبب وطء

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1340) 2: 977 الموضع السابق.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1338) 2: 975 الموضع السابق.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1036) 1: 368 أبواب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة. . .

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(827) 2: 975 الموضع السابق.

ص: 39

الشبهة ووطء الزنا. فلا يكون الواطئ بالشبهة محرماً لأم الموطوءه بشبهة أو زنا، ولا لابنتها؛ لأن المحرمية نعمة. فاعتبر إباحة سببها؛ كسائر الرخص. قال في " الفروع ": والمراد والله أعلم

(1)

بالشبهة ما جزم به جماعة: الوطء الحرام مع الشبهة؛ كالجارية المشتركة ونحوها، لكن ذكر في " الانتصار " وذكره شيخنا: أن الوطء في نكاح فاسد كالوطء بشبهة. انتهى.

ولما كان ما تقدم من الكلام شاملاً لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم -لتحريمهن أبداً على جميع الأمة بسبب مباح، احتيج إلى استثنائهن بقوله: (سوى نساء النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهن أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية.

وذكر بعضهم: أنه لا يحتاج إلى استثنائهن؛ لانقطاع حكمهن بموتهن.

ثم اعلم أن التحريم تارة يكون بسبب (او بنسب). ثم النسب قد يكون رضاعاً فإنه يحرم به ما يحرم بالنسب. وقد يكون وطءاً مباحا بنكاح؛ كأب الزوج وابنه وكزوج البنت وزوج الأم. وقد يكون وطءاً مباحا من غير نكاح كالوطء بملك اليمين. فإن سيد الأمة التي وطئها يكون محرماً لأم سُرِّيته وبنتها من غيره، ويكون أبو واطئ سُرِّيته وابنه من غيرها محرماً لها

(2)

.

والمحرم من النسب: أبو المرأة وإن علا، وابنها وإن سفل، وأخوها من كل جهة، وعمها من كل جهة، وكذا عم أبيها

(3)

وعم جدها وإن علا، وأبو أمها وجدتها وإن علت، وبنو بناتها وإن سفلن، وبنو إخوتها وأخواتها وبنو بناتهم

(4)

وإن سفلوا.

(ونفقته) أي: نفقة المحرم الذي يسافر معها لحجها (عليها) أي: على المسافرة للحج. نص على ذلك؛ لأنه من سبيلها. وذكره القدوري الحنفي.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: له.

(3)

في أ: ابنها.

(4)

في أ: بناتها.

ص: 40

(فيشترط لها) لوجوب السعي إلى الحج عليها (ملك زاد وراحلة لهما) أي: أن تملك المرأة زاداً وراحلة لها ولمحرمها صالحتين لهما.

(ولا يلزمه) أي: يلزم المحرم (مع بذلها ذلك)[أي: لا يلزم المحرم مع بذلها]

(1)

له النفقة والزاد والراحلة: (سفر معها) على الأصح؛ للمشقة، كحجه عن مريضة.

وعنه: بلى؛ لأمره صلى الله عليه وسلم -للزوج في خبر ابن عباس أن يسافر مع زوجته

(2)

. وجوابه: أنه أمرٌ بعد حظر، أو أمر تخيير. وعلم صلى الله عليه وسلم -من حاله أنه يعجبه أن يسافر معها.

(وتكون) المرأة مع امتناع محرمها من السفر معها (كمن لا محرم لها).

وإن أراد المحرم أجرة، قال في " الفروع: " فظاهر كلامهم لا يلزمها. ويتوجه: كنفقته، كما ذكروه في التغريب في الزنى، وفي قائد الأعمى. فدل ذلك كله على أنه لو تبرع لم يلزمها؛ للمنَّة.

ويتوجه: أن يجب للمحرم أجرة مثله. لا النفق؛ كقائد الأعمى.

ولا دليل يخص وجوب النفقة. انتهى.

(ومن أيستْ منه) أي: من المحرم

(3)

(استنابت) من يحج عنها على الأصح.

نقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد: في المرأة ليس لها محرم هل تدفع إلى رجل يحج عنها؟ فقال: إذا كانت قد يئست من المحرم فأرى أن تجهز رجلاً يحج عنها.

ونقل عنه ما يدل على المنع.

قال في رواية المروذي: في امرأة لها خمسون سنة وليس لها محرم:

(1)

ساقط من ب.

(2)

سبق تخريجه ص (36) رقم (4).

(3)

في حاشية ب: بعد أن وُجد وفرطت. كذا بخط الموفق ولد المصنف.

ص: 41

لا تخرج إلا مع ذي محرم، وأرجو أن ترزق بعلا تتزوج به.

قال في " شرح الهداية ": ويمكن حمل قوله على اختلاف حالين: فقوله بالمنع على ما إذا كان احتمال تزوجها لا يبعد عادة، ولهذا فرضه السائل في بنت خمسين سنة وليس تزوجها بعيداً ولو بلغت الستين. ويحمل قوله بالجواز على من أيست منه ظاهراً وعادة كبنت مائة سنة، أو ذات أسقام، أو أمراض، أو غير ذلك من الأمور العرفية التي يغلب على ظنها معها أنها لا تنكح. وهذا لأن الإياس المعتبر يكفي فيه الظهور دون القطع. ولهذا قلنا: أنه لو حج معه ثم عوفي منه أجزأه. ولو اعتبرناه قطعاً ويقينا لما تصورت العافية منه.

فعلى هذا: إن تزوجت بعد، كان حكمها حكم المعضوب. انتهى.

(وإن حجت) المرأة (بدونه) أي: بلا محرم (حرم) سفرها بدونه، (وأجزأ) حجها، وفاقاً للأئمة الثلاثة؛ كمن حج وقد ترك حقا يلزمه من دين أو غيره. فإنه يحرم عليه ذلك، ويجزئه الحج.

(وإن) سافرت مع محرم ثم (مات بالطريق مضت في حجها)؛ لأنها لاتستفيد شيئاً بالرجوع؛ لكونه بغير محرم، (ولم تصر مُحصرة)؛ لأنها لا تستفيد بالتحلل زوال ما بها؛ كالمريض.

ويصح الحج من معضوب، وأجير خدمة بأجرة أو بدونها، وتاجر.

ولا إثم. نص على ذلك، وفاقاً للأئمة الثلاثة.

قال في " الفصول " و" المنتخب ": والثواب بحسب الإخلاص

قال أحمد: لو لم يكن معك تجارة كان أخلص. ورخص في التجارة والعمل في الغزو، ثم قال: ليس كمن لا يشوب غزوه بشيء من هذ ا. انتهى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 42

[باب: المواقيت]

هذا (باب) يذكر فيه مواضع الحج وأزمنته.

ثم (المواقيت) جمع ميقات، وهو لغة: الحد. واصطلاحاً: موضع العبادة وزمنها.

فالمواقيت اصطلاحاً: (مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة.

فميقات أهل المدينة: ذو الحُليَفة) بضم الحاء وفتح اللام، بينها وبين المدينة

ستة أميال أو سبعة. وهي أبعد المواقيت من مكة، بينها وبين مكه عشرة أيام.

(و) ميقات أهل (الشام ومصر والمغرب: الجُحْفة) بضم الجيم وسكون

الحاء المهملة. وهي قرية جامعة على طريق المدينة. وكان اسمها مَهْيَعة. فجحف السيل بأهلها فسميت الجحفة، وتلي ذا الحليفة في البعد. وبين الجحفة والمدينة ثمان

(1)

مراحل.

(و) ميقات أهل (اليمن: يلملم)، بينها وبين مكة ليلتان. وفي " شرح البخاري " لابن حجر: مرحلتان ثلاثون ميلا.

(و) ميقات أهل (نجد الحجاز، و) أهل نجد (اليمن).

قال صاحب " المطلع ": هو ما بين جرش إلى سواد الكوفة، وكلها من

عمل اليمامة.

(و) أهل (الطائف: قرن) بسكون الراء، ويقال له: قرن المنازل وقرن الثعالب. وهو على يوم وليلة من مكة.

(و) ميقات أهل (المشرق) وهم: أهل العراق، وأهل خراسان، وجميع الشرق:(ذات عرق). منزل معروف. سُمّي

(2)

بذلك، لأن فيه عرقاً وهو

(1)

في ج: ثلاث.

(2)

في أ: يسمى.

ص: 43

الجبل الصغير. وقيل: العرق الأرض السبخة تنبت الطرفاء.

(وهذه) المواقيت (لأهلها) المذكورين، (ولمن مر عليها) من غير أهلها

[ممن أراد حجاً أو عمرة؛ كما لو مرَّ الشامي بذي الحليفه فإنه يحرم منها نصاً]

(1)

.

(ومن منزله دونها) أي: دون هذه المواقيت من مكة (فمنه) أي: فميقاته

من منزله (لحج وعمرة).

والأصل في ذلك ما روى ابن عباس قال: " وقَّتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم -لأهل المدينة ذا الحليفة

(2)

، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل

(3)

، ولأهل اليمن يلملم. هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن يريد الحج والعمرة. ومن كان دون ذلك فمحله من أهله، وكذلك أهل مكة يهلون منها "

(4)

. متفق عليه.

(ويحرم من بمكة لحج منها) أي: من مكه، لحديث ابن عباس.

(ويصح) لمن بمكة أن يحرم (من الحل، ولا دم عليه). نقله الأثرم وابن منصور، ونصره القاضي وأصحابه وفاقاً لمالك، كما لو خرج إلى الميقات الشرعي، وكالعمرة. ومنعوا وجوب إحرامه من الحرم ومكة.

وعنه: عليه دم.

(و) يُحرم مَن بمكة (لعمرة مِن الحل)، " لأن النبي- صلى الله عليه وسلم -أمر عبدالرحمن ابن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم "

(5)

. متفق عليه.

ولأن أفعال العمرة كلها في الحرم. فلم يكن بد من الحل؛ ليجمع في

(1)

زيادة من ب.

(2)

في ب: ذي الحليفة.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1457) 2: 555 كتاب الحج، باب مهل أهل اليمن. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1181) 2: 838 كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2823) 3: 1089 كتاب الجهاد والسير، باب إرداف المرأه خلف أخيها. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1212) 2: 880 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . . =

ص: 44

إحرامه بين الحل والحرم. بخلاف الحج. فإنه يخرج إلى عرفة فيحصل الجمع. (ويصح) الإحرام لعمرة (من مكة. وعليه) أي: على المحرم بعمرة من مكة (دم) لمخالفته بإحرامه من

(1)

دون الميقات. أشبه ما لو تجاوز الميقات بغير إحرام.

(وتجزئه) العمرة التي أحرم بها من مكة عن عمرة الإسلام؛ لأن الإحرام من المحل المشروع له ليس شرطاً لصحة النسك. واشترط في " الفروع " تبعاً ل" المغني " أن يخرج إلى الحل قبل أن يحل منها. والمشهور خلافه.

قال الزركشي: فإن لم يخرج حتى أتم أفعالها فوجهان. والمشهور

(2)

الإجز اء. انتهى.

(ومن لم يمر بميقات) من المواقيت المذكورة (أحرم) بحج أو عمرة وجوباً، (إذا علم أنه حاذى أقربها) أي: أقرب المواقيت (منه)؛ لقول عمر: " انظروا حذوها من قديد "

(3)

. رواه البخاري.

(وسُن) له (أن يحتاط)؛ لأن ذلك يعرف بالاجتهاد والتقدير؛ كالقبلة.

فإن لم يعلم حذو الميقات أحرم من بعد، إذ الإحرام قبل الميقات جائز، وتأخيره عنه حرام.

(فإن تساويا قرباً) منه (ف) إنه يحرم (من أبعدهما من مكة).

قال في " الرعاية " وكذا الشافعية: (فإن لم يحاذ ميقاتاً أحرم عن مكة بمرحلتين) أ: بقدر مرحلتين.

وذكر الحنفية مثله إن تعذر معرفة المحاذاة. قال في " الفروع ": وهذا متجه.

***

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: المشهور.

(3)

أخرجه اليخاري في " صحيحه "(1458) 2: 556 كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق. ولفظه:" فانظروا حذوها من طريقكم ".

ص: 45

[فصل: الإحرام من الميقات]

(فصل. ولا يَحل لمكلف حر مسلم أراد مكة). نص عليه، (او) أراد (الحرم، او) أراد (نُسكاً: تجاوز ميقات بلا إحرام)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم -وقَّت المواقيت

(1)

، ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه أنه تجاوز الميقات بغير إحرام.

وعنه: لا يلزم الإحرام من الميقات إلا من أراد نسكاً.

والمذهب الاول.

(إلا) من تجاوزه (لقتال مباح)؛ " لدخوله صلى الله عليه وسلم -يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر"

(2)

.

ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه أنه دخل مكة محرماً ذلك اليوم.

(أو خوف)

(3)

أي: وإلا من تجاوزه خائفاً، (أو) مع (حاجة

(4)

تتكرر؛ كحطَّاب، ونحوه)؛ كالذي يحش الحشيش من الحل ويدخل به إلى مكة؛ لما روى حرب عن ابن عباس:" لا يدخل إنسان مكة إلا محرماً، إلا الحمالين والحطابين وأصحاب منافعها ". احتج به أحمد.

(و) ك (مكي يتردد لقريته بالحل) إذ لو وجب عليه الإحرام كلما دخل

إلى

(5)

مكة، لأدى ذلك إلى مشقة وضرر عليه. وهو منتف شرعاً.

قال ابن عقيل: وكتحية المسجد في حق قيمه للمشقة.

(1)

سبق تخريج حديث المواقيت عن ابن عباس ص (44) رقم (4).

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2879) 3: 1107 كتاب الجهاد والسير، باب قتل الأسير وقتل الصبر، عن أنس بن مالك.

(3)

في ب: أو لخوف.

(4)

في ب: (او) لحاجة.

(5)

ساقط من ب.

ص: 46

(ثم إن بدا له) أي: لمن لم يلزمه الإحرام ممن في ذكرنا أن يحرم، (أو) بدا

(لمن لم يرد الحرم أن يُحرم، أو لزم) الإحرام (من تجاوز الميقات) حال كونه (كافراً أو غير مكلف)، كما لو تجاوزه وهو صغير أو مجنون. (أو) حال كونه (رقيقاً) فأسلم الكافر، وكلف من كان غير مكلف، وعتق الرقيق. (أو تجاوزها) أي: تجاوز المواقيت حال كونه (غير قاصد مكة ثم بدا له قصدها: فمن موضعه) يعني: فإنه يحرم من موضعه، لأنه قد حصل دون الميقات على وجه مباح. فكان له أن يحرم منه؛ كأهل ذلك المكان.

(ولا دم عليه)؛ لأن مَن منزله دون الميقات لو خرج إلى الميقات ثم عاد فأحرم من منزله لم يلزمه شيء.

وعنه: يلزم من تجاوز الميقات كافراً أو غير مكلف أو رقيقاً دم إذا أحرم من

دون الميقات وقد صار مسلماً مكلفاً حراً.

وعنه: يلزم من أسلم فقط. نصره القاضي وأصحابه؛ لأنه حر بالغ عاقل؛ كالمسلم، وهو متمكن من زوال المانع.

(وأُبيحَ للنبي صلى الله عليه وسلم -وأصحابه، دخول مكة مُحلِّين، ساعة. وهي: من طلوع الشمس إلى صلاة العصر. لا قطعُ شجر)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام الغد من يوم فتح مكة. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس. فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة. فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم -فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم. وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها كحرمتها. فليبلغ الشاهد منكم الغائب "

(1)

.

(ومن جاوزه) أي: جاوز الميقات حال كونه (يريد نُسكاً أو كان) النسك (فرضه). حتى (ولو). كان (جاهلاً) أنه الميقات، (او) كان (ناسياً) ولم يحرم من الميقات:(لزمه أن يرجع) إلى الميقات (فيحرم منه) حيث أمكنه

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(104) 1: 51 كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1354) 2: 987 كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها. . .

ص: 47

الرجوع؛ لأنه واجب أمكنه فعله. فلزمه؛ كسائر الواجبات.

ومحل ذلك: (إن لم يخف فوت حج أو غيره) أي: غير فوت الحج؛ كما

لو خاف على نفسه أو ماله لصاً أو نحوه.

(ويلزمه إن أحرم من موضعه دم)؛ لتركه واجباً وهو الإحرام من الميقات.

وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: " من ترك نسكاً فعليه دم "

(1)

.

(ولا يسقط) الدم (إن أفسده) أي: أفسد ما أحرم به. نص عليه.

(أو رجع) إلى الميقات محرماً. نص عليه؛ كدم محظور.

(وكُره إحرام قبل ميقات) وينعقد.

قال أحمد: هو أعجب إليَّ. وقاله القاضي وأصحابه و" المغني " و " المستوعب " وغيرهم.

وروى الحسن " أن عمران

(2)

بن حصين أحرم من مصره، فبلغ ذلك عمر فغضب، وقال: يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -أحرم من مصره ". وقال: " إن عبدالله بن عامر أحرم من خراسان. فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه له "

(3)

. رواهما سعيد والأثرم.

وقال البخاري: " كرهَ عثمان أن يُحرَم من خُراسان أو كَرْمان "

(4)

.

وقال الشافعي: أنبأنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء " أن رسولالله- صلى الله عليه وسلم -لما وقَّتَ المواقيت قال: يستمتعُ المرء بأهله وثيابه حتى يأتي كذا وكذا للمواقيت "

(5)

.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 152 كتاب الحج، باب من ترك شيئاً من الرمي حتى يذهب أيام منى.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 31 كتاب الحج، باب من استحب الإحرام من دويرة أهله.

(4)

ذكره البخاري في "صحيحه " تعليقاً 2: 565 كتاب الحج، باب قول الله تعالى:(ولكم فى القصاص).

(5)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(751) 1: 287 كتاب الحج، باب في مواقيت الحج والعمرة الزمانية والمكانية.

ص: 48

وروى أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أبي أيوب قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:

" يستمتع أحدكم بحله ما استطاع. فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه "

(1)

. (و) كره أيضاً إحرام (بحج قبل أشهره) أي: أشهر الحج.

قال في " شرح المقنع الكبير ": بغير خلاف علمناه.

(وهي) أي: أشهر الحج: (شو ال، وذو القعدة، وعثسر من ذي الحجة)

منها يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر. [نص عليه]

(2)

. ووجه ذلك ما روى البخاري عن ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال عن يوم النحر: يوم الحج الأكبر"

(3)

. قال القاضي والموفق وغيرهما: العرب تغلب التأنيث في العدد خاصة؛ لسبق الليالي فتقول: سرنا عشراً.

وقوله: (فمن فَرَض فيهنَّ الحجّ)[البقرة: 197] أي: في أكثرهن. وإنما فات الحج بفجر يوم النحر؛ لفوات الوقوف. لا لخروج وقت الحج.

وقوله: (الحج أشهر)[البقرة: 197] أي: في بعضها؛ كقوله سبحانه وتعالى: (وجعل القمر فيهن نورا)[نوج: 16]. ثم الجمع يقع على اثنين وعلى اثنين وبعض آخر

(4)

.

ويصح في غير أشهر الحج إحرام بالحج (وينعقد).

نقل أبو طالب وسندي: يلزمه الحج، إلا أن يريد فسخه بعمرة فله ذلك.

قال القاضي: بناء على أصله في فسخ الحج إلى العمرة.

وعن أحمد: تنعقد عمرة. ونقل عبدالله: يجعله عمرة. ذكره القاضي موافقاً للاول.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 30 كتاب الحج، باب من استحب الإحرام من دويرة أهله. ولم أره في " مسند أبي يعلى " الصغير المطبوع.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه البخاري في " صححيحه "(3006) 3: 1160 أبواب الجزية والموادعة، باب كيف ينبذ إلى أهل العهد.

(4)

في أ: يقع على اثنين وعلى اثنين وبعض آخر، وفي ب: يقع على اثنين وعلى بعض آخر.

ص: 49

قال في " الفروع ": ولعله أراد إن صرفه إلى عمرة أخرى أجزأ عنها، وإلا تحلل بعملها، ولا يجزئ عنها.

وللشافعي قول: يتحلل بعملها، ولا يجزئ عنها.

ونقل ابن منصور: يكره.

قال القاضي: أراد كراهة تنزيه.

وذكر ابن شهاب العكبري رواية: لا يجوز.

وجه الاول: (يسئلونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج) [البقرة:

189]. وكلها مواقيت للناس فكذا الحج، وأحد الميقاتين كميقات المكان. وقوله:(الحج أشهر)[البقرة: 197] أي: مُعظَمُه فيها؛ كقوله: " الحج عرفة "

(1)

، أو أراد حج المتمتع.

وإن أضمر الإحرام أضمرنا الفضيلة. والخصم يضمر الجواز، والمضمر لا يعم. وقول الخصم: الحج مجمل في القرآن بينه صلى الله عليه وسلم -بفعله. وقال: " خذوا عني مناسككم "

(2)

.

أجاب القاضي وغيره: بين عليه الصلاة والسلام الواجب والمستحب، ويجب علينا أخذ المسنون منه، كالواجب.

وقول ابن عباس: " من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ": على

الاستحباب.

والإحرام تتراخى الأفعال عنه. فهو كالطهارة ونية الصوم. بخلاف الصلاة والصوم. انتهى.

(1)

سيأتي تخريجه ص (254) رقم (1).

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1297) 2: 943 كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً. . .

وأخرجه أبو داود في " سننه "(1970) 2: 201 كتاب المناسك، باب في رمى الجمار.

وأخرجه النسائي في " سننه "(3062) 5: 270 كتاب مناسك الحج، الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم.

ص: 50

[باب: الإحرام]

هذا (باب) يذكر فيه كيفية الإحرام، وما يسن له، وأنواعه.

ثم (الإحرام) لغة: نية الدخول في التحريم؛ لأنه يحرم على نفسه بنيته

ما كان مباحاً له قبل الإحرام.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم -في الصلاة: " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم "

(1)

.

قال ابن فارس: الإحرام هو: نية الدخول في التحريم؛ لأنه

(2)

يحرم على نفسه النكاح والطيب وأشياء من اللباس، كما يقال: أشتى إذا دخل في الشتاء، وأربع إذا دخل في الربيع.

وشرعاً هو: (نية النسك) أي: نية الدخول فيه لا نيته ليحج أو يعتمر.

(وسُن لمريده) أي: مريد الدخول في النسك من ذكر أو أنثى (غسل) ولو حائضاً ونفساء؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم -أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل "

(3)

. رواه مسلم.

و" أمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض "

(4)

.

(أو تيمم لعدم) أي: عدم الماء في الأصح.

(ولا يضر حدثه بين غسل وإحرام)؛ كما لا يضر حدث الجنب إذا توضأ لأكل أو نحوه قبله.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(61) 1: 16 كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(3) 1: 8 أبواب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(275) 1: 101 كتاب الطهارة وسننها، باب مفتاح الصلاة: الطهور. كلهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(2)

في أ: كأنه.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1210) 2: 869 كتاب الحج، باب إحرام النفساء. . .

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1213) 2: 881 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. .

ص: 51

(و) سُن له أيضاً (تنظف) بأخذ شعره وظفره، وقطع رائحة كريهة؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال والطيب. فسن له التنظف؛ كالجمعة.

ولأن الإحرام يمنع قطع الشعر وتقليم الأظفار. فاستحب فعله قبله؛ لئلا يحتاج إليه في إحرامه. فلا يتمكن منه فيه.

(و) يسن له أيضاً (تطيب في بدنه). ولا فرق بين ما تبقى عينه؛ كالمسك،

او أثره؛ كالبخور وماء الورد؛ لقول عائشة: " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم -لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. وقالت: كأنى أنظر إلى وَبيصِ الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو محرم "

(1)

. متفق عليه. وهذا كان سنة عشر في حجة الوداع.

وما روي مخالفاً لذلك كان عام حنين بالجعرانة سنة ثمان

(2)

.

قال ابن عبدالبر: لا خلاف بين جماعة أهل العلم بالسير والآثار: أن قصة صاحب الجبة كانت عام حنين بالجعرانة سنة ثمان، وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر. انتهى.

فعلى هذا يكون حديث عائشة ناسخاً لما قبله.

(وكره) لمن أراد الإحرام أن يتطيب (في ثوبه). وحرمه الآجري.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5579) 5: 2214 كتاب اللباس، باب الطيب في الرأس واللحية.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1191) 2: 849 كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام.

(2)

وهو ما روي عن صفوان بن يعلي بن أميه - يعني- عن أبيه: " أن رجلأ أتى النبي صلى الله عليه وسلم -وهو بالجعرانه وعليه جبة، وعليه أثر الخلوف، أو قال: صفرة. فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؛ فأنزل الله على النبي؛ فستر بثوب، ووددت أني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم -وقد أنزل عليه الوحي، فقال عمر:

تعال، أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وقد أنزل الله عليه الوحي؛ قلت: نعم. فرفع طرف الثوب فنظرت إليه له عطيط - وأحسبه قال -: كغطيط البكر، فلما سري عنه قال: أين السائل عن العمرة؟ اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق الصفره، واصنع في عمرتك كما تصنيع في حجك ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (1697) 2: 634 أبواب العمرة، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1180) 2: 836 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة. . .

ص: 52

وعلى المذهب: له استدامة لبسه في إحرامه ما لم ينزعه. فإن نزعه فليس له

أن يلبسه قبل غسل الطيب منه، لأن الإحرام يمنع الطيب ولبس المطيب دون الاستدامة.

ومتى تعمد مس ما على بدنه

(1)

من الطيب، أو نحاه عن موضعه ثم رده إليه، أو نقله إلى موضع آخر: فدى؛ لأنه ابتداء للطيب. لا إن سأل بعرق أو شمس؛ لما روي عن عائشة أنها قالت: " كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -إلى مكة فنُضمِّد جباهنا بالمسك عند الإحرام. فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم -فلا ينهاها "

(2)

. رواه أبو داود.

(و) يسن لمن يريد الإحرام أيضاً (لُبس) ثوبين (إزار ورداء أبيضين نظيفين ونعلين)، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" وليحرم أحدكم. في إزار ورداء ونعلين "

(3)

. رواه أحمد.

قال ابن المنذر: ثبت ذلك.

والمراد بالنعلين: التاسومة.

ولا يجوز له لبس السرموزة والجمجم. قاله في " الفروع ".

ويكون لبسه ذلك (بعد تجرد ذكر عن مَخيط) وهو: كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه؛ كالقميص والسراويل والقباء والبرنس؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم -تجرد لإهلاله "

(4)

. رواه الترمذي.

(و) سن (إحرامُه عقب صلاة فرض أو ركعتين نفلاً). نص على ذلك،

(1)

في ج: يديه.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1830) 2: 166 كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم. وفيه:" بالسّك " بدلاً من " بالمسك " وهو بضم السين المهملة وتشديد الكاف، نوع من الطيب معروف عندهم.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(4899) 2: 34 عن ابن عمر.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(830) 3: 193 كتاب الحج، باب ما جاء في الإغتسال عند الإحرام.

ص: 53

وحكاه ابن بطال عن جمهور العلماء؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم -أهلّ في دبر صلاة "

(1)

. رواه النسائي.

(ولا يركعهما) أي: ركعتي النفل (وقت نهي، ولا من عَدِمَ الماء والتراب. و) يسن له أيضاً: (أن يعيّن نسكاً) من عمرة أو حج أو قِران.

(ويلفظ به) فيقول: اللهم! إنى أريد نسك كذا. فيسره لي وتقبله مني.

ولم يذكروا مثل هذا في الصلاة؛ لقصر مدتها وتيسيرها في العادة.

(وأن يشترط) أيضاً (فيقول: اللهم! إني أريد النسك الفلاني. فيسره لي، وتقبله مني، وإن حبسني حابس. فمحِلِّي حيث حبستني)؛ ل " قوله صلى الله عليه وسلم -لضباعة بنت الزبير حين قالت له: إنى أريد الحج وأجدنى وجعة. فقال: حُجي واشترطي. وقولي: اللهم! محِلِّي حيثُ حَبستنَي "

(2)

. متفق عليه.

زاد النسائي في رواية إسنادها جيد: " فإن لك على ربك ما استثنيت "

(3)

. ولقول عائشة لعروة قل: " اللهم! إني أريد الحج. فإن تيسر وإلا فعمرة "

(4)

. ويستفيد بذلك قائله: أنه متى حُبس بمرض، أو عدو، أو خطأ في طريق

(5)

، أوغير ذلك: حل ولا شيء عليه. نص عليه.

قال في " المستوعب " وغيره: إلا أن يكون معه هدي فيلزمه نحره، ولو قال: فلي أن أحل خير.

قال في " الفروع ": واستحب شيخنا الاشتراط للخائف خاصة، جمعاً بين الأد لة.

(1)

أخرجه النسائي في " سننه "(2754) 5: 162 كتاب مناسك الحج، العمل في الإهلال.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4801) 5: 1957 كتاب النكاح، باب الاكفاء في الدين. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1207) 2: 868 كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض وغيره.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(2766) 5: 167 كتاب مناسك الحج، كيف يقول إذا اشترط.

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 223 كتاب الحج، باب الاستثناء في الحج.

(5)

في ب: الطريق.

ص: 54

ونقل أبو داود: إن اشترط فلا بأس.

وعند أبي حنيفة ومالك: لا فائدة في الاشتراط.

(ولو شَرط ان يحل متى شاء، أو إن أفسده لم يقضه: لم يصح) هذا الشرط. ذكره القاضي وغيره، لأنه لا عذر له في ذلك.

وقيل: يصح اشتراطه بقلبه، لأنه تابع للإحرام.

(وينعقد) الإحرام (حال جماع). صرح به المجد؛ وذلك لأنه لا يبطله ولا يخرج منه به إن وقع في اثنائه. وإنما يفسد الحج ويلزم المضي في فاسده. (ويبطل) الإحرام (ويخرج منه) المحرم (ب) وجود (ردة) فيه، (لا بجنون وإغماء وسكر، كموت) يعني: أن الإحرام لا يبطل بالجنون والإغماء والسكر، كما أنه لا يبطل بالموت.

[(ولا ينعقد) الإحرام (مع وجود أحدها) أي: وجود الجنون أو الإغماء اوالسكر

(1)

، لأن المتصف بأحد هؤلاء ليس له قصد صحيح]

(2)

.

(ويخيّر) من يريد الإحرام (بين) ثلاثة أشياء:

(تمتع. وهو أفضلها) أي: أفضل الثلاثة. نص عليه في رواية صالح وعبدالله. وقال: لأنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم. ففي " الصحيحين "" أنه صلى الله عليه وسلم -أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة، إلا من ساق هدياً "

(3)

. وثبت على إحرامه لسوقه الهدي. وتأسف بقوله صلى الله عليه وسلم: " لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم "

(4)

.

(1)

في ب: والإغماء والسكر.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1035) 1: 368 أبواب تقصير الصلاة، باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم -في حجته. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1240) 2: 911 كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(6933) 6: 2681 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه، باب نهي النبى صلى الله عليه وسلم -على التحريم إلا ما تعرف إباحته. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 891 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. كلاهما عن جابر بن عبدالله.

ص: 55

ولا يَنقل أصحابه إلا إلى الأفضل، ولا يتأسف إلا عليه. ولا يقال أن أمرهم بالفسخ ليس لفضل

(1)

التمتع، وإنما هو لاعتقادهم عدم جواز العمرة في أشهر الحج؛ [لأنهم لم يعتقدوه.

ثم لو كان كذلك لم يخص به من لم يسق الهدي؛ لأنهم سواء في الاعتقاد.

ثم لو كان كذلك لم يتأسف هو؛ لأنه يعتقد جواز العمرة في أشهر الحج وجعل العلة فيه سوق الهدي.

ولأن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج]

(2)

مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك فكان أولى.

وأما القران فإنما يؤتى فيه بأفعال الحج وتدخل أفعال

(3)

العمرة فيه.

والمفرد: وإن اعتمر بعد حجه من أدنى الحل. فقد اختلف فى إجزاء عمرتهما عن عمرة الإسلام.

[وأما عمرة التمتع

(4)

فلا خلاف في إجزائها عن عمرة الإسلام]

(5)

فكان أولى.

(فإفراد فقران) يعني: أن من أراد الإحرام يخير بين التمتع والإفراد والقران.

وقد تقدم أن التمتع أفضلها، ويليه في الأفضلية الإفراد فالقران. وسيأتي كيفية الإحرام بكل من الثلاثة.

واختلف في حجة النبي صلى الله عليه وسلم بحسب المذاهب. والأظهر قول أحمد:

لا أشك أنه كان قارناً، والمتعة أحب إليّ.

واستدل من قال أنه كان متمتعاً؛ بما روى سالم عن ابن عمر عن أبيه قال:

(1)

في أ: يفضل.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: فإنما يأتي فيه بأفعال الحج ويدخل مع أفعال.

(4)

في ج: المتمتع.

(5)

ساقط من أ.

ص: 56

" تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم -في حجة الوداع بالعمرة الى الحج وأهدى

(1)

فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ فأهل بالعمرة، ثم أهلّ بالحج. وتمتع الناس معه بالعمرة إلى الحج. فكان من الناس من أهدى ومنهم من لم يهد. فلما قدم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضى حجه، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهد. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله "

(2)

.

وعن عروة عن عائشة مثله

(3)

.

و" أمر ابن عباس بالمتعة. وقال: سنة أبي القاسم "

(4)

. متفق عليهن

(5)

.

واستدل من قال أنه كان قارناً بما روى أنس: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً. يقول: لبيك عمرة وحجة "

(6)

. متفق عليه.

و" فيهما " أن ابن عمر أنكره. وقال: " ما تعدونا إلا صبياناً "

(7)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(1606) 2: 607 كتاب الحج، باب من ساق البدن معه.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1227) 2: 901 كتاب الحج، باب وجوب الدم على المتمتع. . .

(3)

أخرجه البخاري في الموضع السابق.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1228) 2: 902 الموضع السابق.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1603) 2: 605 كتاب الحج، باب (فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسرَ من الهَدى).

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1242) 2: 911 كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(5)

في أ: عليه.

(6)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1476) 2: 562 كتاب الحج، باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1251) 2: 915 كتاب الحج، باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم -وهديه.

(7)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4096) 4: 1582 كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1232) 2: 905 كتاب الحج، باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة.

ص: 57

ولمسلم: " أهلّ بهما جميعاً، لبيك عمرة وحجاً "

(1)

.

وعن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصَيْقل عن أنس مرفوعاً: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة، ولكن سقت الهدي وقرنت بين الحج والعمرة "

(2)

. أبو أسماء: تفرد عنه

(3)

أبو إسحاق.

وقال عمر: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة "

(4)

.

وفي رواية: " وقل عمرة وحجة "

(5)

. رواهما البخاري وغيره.

واستدل من قال إنه كان مفرداً؛ بما روي عن عائشة: " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج "

(6)

. رواه مسلم. وللشافعي والنسائي: " أهل بالحج "

(7)

.

ولمسلم والترمذي عن ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالحجّ مفرداً "

(8)

.

وفي "الصحيحين" عن جابرقال: "أهلَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج "

(9)

.

(1)

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1251) 2: 915 كتاب الحج، باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم -وهديه.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(13836) 3: 266

(3)

في ب: به.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1461) 2: 556 كتاب الحج، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6911) 6: 2673 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم -وحض على اتفاق أهل العلم. . .

(6)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1211) 2: 875 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . .

(7)

أخرجه النسائي في " سننه "(2716) 5: 145 كتاب مناسك الحج، إفراد الحج.

وأخرجه الشافعي في " مسنده "(968) 1: 376 كتاب الحج، باب الإفراد والقران والتمتع.

(8)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1231) 2: 904 كتاب الحج، باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة. وأخرجه الترمذي في " سننه " 3: 183 كتاب الحج، باب ما جاء في إفراد الحج.

(9)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1693) 2: 632 أبواب العمرة، باب عمرة التنعيم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1216) 2: 883 كتاب الحج، باب حجة النبي- صلى الله عليه وسلم.

ص: 58

وهو " فيهما " عن ابن عباس

(1)

.

وأجاب أحمد في رواية أبي طالب فقال: كان هذا في ابتداء إحرامه بالمدينة أحرم بالحج. فلما وصل إلى مكه فسخ على أصحابه، وتأسف على التمتع؛ لأجل سوق الهدي. فكان المتأخر أولى.

ثم أخبار التمتع أكثر وأصح وأصرح. فكانت أولى. على أن قول النبي - ص-

السابق لفعله أولى من فعله، لاحتمال اختصاص الفعل به.

قال القاضي عياض: قد أكثر الناس الكلام على هذه الأخبار، وأولى ما

يقال على ما فحصناه من كلامهم أنه أحرم مفرداً بالحج ثم أدخل عليه العمرة مواساة لأصحابه وتأنيساً لهم في فعلها في أشهر الحج، لكونها

(2)

كانت منكرة عندهم فيها، ولم يمكنه التحلل بسبب الهدي واعتذر إليهم. فصار قارناً آخر أمره. انتهى.

(والتمتع) أي: وكيفيته: (أن يحرم بعمرة في أشهر الحج). نص على ذلك؛

لأن العمرة عنده في الشهر الذي يهل بها فيه لا

(3)

الشهر الذي يحل منها فيه.

قال الأصحاب: ويفرغ منها.

قال في " المستوعب ": ويتحلل.

(ثم) يحرم (به) أي: بالحج (في عامه مطلقاً) أي: سواء أحرم به من مكة

او قربها، أو من بعيد منها، (بعد فراغه) أي: تحلله (منها) أي: من العمرة.

(والإفراد) أي: وكيفيته: (أن يحرم بحج، ثم) يحرم (بعمرة بعد فراغه

منه) أي: من الحج مطلقاً.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه (1489) 2: 567 كتاب الحج، باب التمتع والإقران والإفراد بالحج. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه"(1240) 2: 910 كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(2)

في أ: لأنها.

(3)

في ب: لأن.

ص: 59

وقال جماعة: الإفراد أن يحرم بالحج من الميقات. فإذا فرغ منه أحرم بالعمرة من أدنى الحل. زاد بعضهم: وعنه: أنه يحرم بها من الميقات.

قال القاضي وغيره: ولو تحلل من الحج يوم النحر ثم أحرم فيه بعمرة فليس بمتمتع. في ظاهر مانقله ابن هانئ: ليس على معتمر بعد الحج هدي؛ لأنه في حكم ما ليس من أشهره. بدليل فوت الحج فيه.

وفي " الفصول ": الإفراد أن يحرم بالحج في أشهره. فإذا تحلل منه أحرم بالعمرة من أدنى الحل.

(والقران) أي: وكيفيته: (أن يحرم بهما) أي: بالعمرة والحج (معاً) أي

(1)

: في مرة واحدة.

قال جماعة: من الميقات.

(أو) يحرم (بها) أي: بالعمرة اولا، (ثم يدخله) أي: يدخل الحج (عليها) أي: على العمرة.

قال جماعة: من مكة أو قربها.

ويدل لصحة إدخال الحج على العمرة؛ ما روت عائشة قالت: " أهللنا بالعمرة ثم أدخلنا عليها الحجّ ".

وفي " الصحيحين ": " أن ابن عمر فعله، وقال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم"

(2)

.

وفي " الصحيحين "

(3)

: " أنه أمر عائشة بذلك "

(4)

.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1559) 2: 591 كتاب الحج، باب طواف القارن.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1230) 2: 904 كتاب الحج، باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران.

(3)

في أ: الصحيح.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1485) 2: 565 كتاب الحج، باب قول الله تعالى:(ولكم فى القصاص).

وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1211) 2: 870 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . .

ص: 60

ويشترط لصحة إدخال الحج على العمرة: أن يكون ذلك (قبل شروع في طوافها) أي: طواف العمرة؛ كما لو أدخله بعد سعيها.

ولا يشترط لصحة إدخال الحج على العمرة كون ذلك في أشهر الحج، ولا

كون ذلك قبل طوافها وسعيها لمن معه هدي، وإلى ذلك أشير بقوله:

(ويصح) أي: إدخال الحج على العمرة (ممن معه هدي ولو بعد سعيها)

أي: سعي العمرة، ويصير قارناً بناء

(1)

على المذهب وهو: أنه لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله.

(ومن أحرم به) أي: بالحج، (ثم أدخلها) أي: أدخل العمرة (عليه: لم يصح إحرامه بها) أي: بالعمرة؛ لأنه لم يَرد به أثرولم يستفد به فائدة. بخلاف ما سبق. فلا يصير قارناً؛ لأنه لم يستفد به شيئاً.

وأما عمل القارن فهو كالمفرد. نقله الجماعة.

ويسقط ترتيب العمرة ويصير الترتيب للحج، كما يتأخر الحلاق إلى يوم النحر. فوطؤه قبل طوافه لا يفسد عمرته.

قالت عائشة: " وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحدا "

(2)

. متفق عليه.

وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " يسعك طوافك لحجك وعمرتك. فأبت. فبعث بها عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمر بعد الحج "

(3)

.

وفي لفظ: " يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك "

(4)

. رواهما مسلم.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1557) 2: 590 كتاب الحج، باب طواف القارن.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1211) 2: 870 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . .

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1211) 2: 879 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . .

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1211) 2: 880 الموضح السابق.

ص: 61

وعن ابن عمر مرفوعاً: " من قرن بين حج وعمرة أجزاه لهما طواف "

(1)

.

إسناده جيد. رواه أحمد وابن ماجه.

وفي لفظ: " من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد

عنهما، حتى يحل منهما جميعاً "

(2)

. إسناده جيد. رواه النسائي والترمذي

وقال: حسن غريب.

وعن أحمد رواية ثانية: على القارن طوافان وسعيان، وفاقاً لأبي حنيفة.

رواه سعيد والأثرم عن علي. وفي صحته نظر، مع أنه لا يرى إدخال العمرة على الحج.

فعلى هذه الرواية: يقدم القارن فعل العمرة على فعل الحج؛ كمتمتع ساق هدياً.

***

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2975) 2: 990 كتاب المناسك، باب طواف القارن. وأخرجه أحمد في " مسنده " (5350) 2: 67

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(948) 3: 284 كتاب الحج، باب ما جاء أن القارن يطوف طوافاً واحداً.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2932) 5: 225 كتاب المناسك، باب طواف القارن.

ص: 62

[فصل: دم المتمتع والقارن]

(فصل. ويجب على متمتع) إجماعاً، (و) على (قارن) في الأصح:

(دم نسك) لا دم جبران، لأن القارن ترفَّه بسقوط أحد السفرين؛ كالمتمتع بشروط سبعة لدم التمتع مع كون بعضها يشترط لدم القران أيضاً. فأشير لما هو شرط لهما بقوله:

(بشرط أن لا يكونا) أي: المتمتع والقارن (من حاضري المسجد الحرام)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)[البقرة: 196]. ثبت ذلك في التمتع، والقران مثله؛ لترفهه باً حد السفرين.

(وهم: أهل الحرم، ومن) كان (منه دون مسافة قصر). نص عليه، لأن حاضر الشيء حل فيه أو قرب منه وجاوره. بدليل رخص السفر.

والبعيد يترخص. فأشبه من وراء الميقات إلينا.

(فلو استوطن أُفُقِّى مكة فحاضر) لا دم عليه.

(ومن دخلها) أي: دخل مكة من غير أهلها متمتعاً (ولو ناوياً لإقامة) بها، (أو) كان الداخل (مكياً استوطن بلداً بعيداً) من مكة ثم عاد إليها (متمتعاً أو قارناً: لزمه دم) ولو مع نية الإقامة بها في الأصح.

الشرط الثانى لوجوب دم التمتع دون القارن ما أشار إليه بقوله:

(ويشترط في دم متمتع وحده: أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحج). فإن أحرم بها في غير أشهر الحج لم يكن متمتعاً ولا يلزمه دم. سواء وقعت أفعالها في أشهر الحج أو في غيرها. نص عليه.

قال الأثرم: سمعت أبا عبدالله: سئل عمن أهلَّ بعمرة في غير أشهر الحج

ثم قدم في شوال أيُحل من عمرته في شوال؟ أو يكون متمتعاً؟ قال: لا. يكون متمتعاً.

الشرط الثالث: ما أشير إليه بقوله:

ص: 63

(وأن يحج من عامه). فلو اعتمر في أشهر الحج ولم يحج في ذلك العام،

بل حج من العام القابل فليس بمتمتع؛ لقوله سبحانه وتعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].

وهذا يقتضي الموالاة يينهما.

ولأنهم إذا اجتمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع فهذا أولى؛ لأن التباعد فيه أكثر.

الشرط الرابع: ما أشير إليه بقوله: (وأن لا يسافر بينهما) أي: بين العمرة والحج (مسافة قصر. فإن فعل) أي: فإن سافر (فأحرم فلا دم). نص عليه.؛ لما روي عن عمر أنه قال: " إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فإن خرج ورجع فليس بمتمتع ".

وعن ابن عمر نحو ذلك

(1)

.

ولأنه إذا رجع إلى الميقات أو ما دونه لزمه الإحرام منه. فإذا كان بعيداً فقد أنشأ سفراً بعيداً لحجه. فلم يترفه بترك أحد السفرين. فلم يلزمه

(2)

دم. والاية تناولت المتمتع وهذا ليس بمتمتع بدليل قول عمر وابنه.

الشرط الخامس: ما أشير إليه بقوله: (وأن يحل منها) أي: من العمرة (قبل إحرامه به) أي: بالحج.

(وإلا) أي: وإن لم يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

؛ (صار قارناً). فلا يكون الدم دم تمتع وإنما يكون دم قران؛ لترفهه

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(13004) 3: 152 كتاب الحج، في الرجل يعتمر في أشهر الحج ثم يرجع ثم يحج.

(2)

في أ: يلزم.

(3)

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: " أهلَّ النبى صلى الله عليه وسلم -هو وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي، غير النبي صلى الله عليه وسلم -وطلحة وقدم علي من اليمن ومعه هدي، فقال: أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم -فأمر النبي صلى الله عليه وسلم -أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا ألا من كان معه الهدي. فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم -فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت. وحاضت عائشة رضي الله عنها، فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله! تنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق =

ص: 64

بسقوط أحد السفرين.

الشرط السادس: ما أشير إليه بقوله:

(وأن يحرم بها) أي: بالعمرة (من ميقات أو مسافة قصر فأكثر من مكة).

فلو أحرم من دون مسافة قصر من مكة لم يكن عليه دم تمتع ويكون حكمه حكم حاضري المسجد الحرام. وإنما يكون عليه دم مجاوزة الميقات بغير إحرام. واختار الموفق وغيره: إن أحرم منه لزمه الدمان؛ لأنه لم يُقِم بالحرم، ولم ينو الإقامة به.

الشرط السابع: ما أشير إليه بقوله:

(وأن ينوي التمتع في ابتدائها) أي: ابتداء العمرة، (أو) في (أثنائها). ذكره القاضي وتبعه الأكثر، لظاهر الاية، وحصول الترفه.

(ولا يُعتبر) لوجوب دم التمتع (وقوعهما) أي: وقوع الحج والعمرة (عن) إنسان (واحد). فلو اعتمر عن واحد وحج عن آخر لم يسقط دم التمتع. (ولا) يعتبر أيضاً (هذه الشروط)[يعني: جميعها]

(1)

(في كونه) أي: كون الآتى بالحج والعمرة (متمتعاً) في الأصح.

ومعنى كلام الموفق: يعتبر

(2)

به. وجزم به في " الرعاية " إلا الشرط السادس. فإن المتعة تصح من المكي كغيره.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، ونقله الجماعة عن أحمد كالإفراد. ونقل المروذي: ليس لأهل مكة متعة. انتهى.

قال القاضي والموفق وغيرهما: معناه ليس عليهم دم متعة.

(1)

= بحج؟ فأمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج ". أخرجه. البخاري في " صحيحه " (1568) 2: 594 كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. . .

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 65

(ويلزم الدم) أي: دم التمتع والقران (بطلوع فجر يوم النحر). جزم به في "الخلاف "، ورد ما نقل عن أحمد بخلافه إليه، وقدمه جماعة؛ لقوله سبحانه وتعالى:{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة 196]، أي: فليهد.

وحمله على أفعاله أولى من حمله على إحرامه؛ كقوله: " الحج عرفة "

(1)

،

و" يوم النحر يوم الحج الأكبر "

(2)

.

ولأن ذلك الوقت وقت ذبحه. فكان وقت وجوبه.

ولأن إحرام الحج يتعلق به صحة التمتع. فلم يكن وقتاً للوجوب؛ كإحرام العمرة.

ولأن الهدي من جنس ما يقع به التحلل. فكان وقت وجوبه بعد وقت الوقوف؛ كطواف ورمي وحلق.

وعنه: أنه يجب بإحرام الحج، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي؛ للآية.

ولأنه غاية. فكفى اوله؛ كأمره بإتمام الصيام إلى الى الليل.

وعنه: بوقوفه بعرفة، وفاقاً لمالك.

وعنه: بإحرام العمرة؛ لنيته التمتع حينئذ.

(ولا يسقط دم تمتع وقران بفساد نسكهما) على الأصح. نص عليه؛ لأن

ما وجب الإتيان به في الصحيح وجب في الفاسد؛ كالطواف وغيره.

وعنه: يسقط؛ لأنه لم يترفه بأحد السفرين.

(او فواته) يعني: أنه لا يسقط دم التمتع والقران بفوات نسكهما على الأصح؛ كما لوفسد.

(وإذا قضى القارن قارناً: لزمه دمان)، دم لقرانه الاول، ودم لقرانه الثانى.

(و) إن قضى القارن (مفرداً لم يلزمه شيء) لقرانه الاول؛ لأنه أتى بنسك

(1)

سيأتي تخريجه ص (254) رقم (1).

(2)

سبق تخريجه ص (49) رقم (3).

ص: 66

أفضل من نسكه. جزم به الموفق وغيره، وقدمه في " الفروع ".

وجزم غير واحد: يلزمه دم لقرانه الاول؛ لأن القضاء كالأداء.

قال في " الفروع ": وهو ممنوع.

(ويُحرم) القارن إذا قضى مفرداً (من الأبعد) أي: أبعد ميقاتيه، وهما الذي أحرم منه قارناً، والذي أحرم منه مفرداً إن تفاوتا (بعمرة إذا فرغ) من حجه. (وإذا قضى) القارن (متمتعاً أحرم به) أي: بالحج (من الأبعد) أي: أبعد الميقاتين اللذين أحرم في أحدهما بالقران والآخر بالعمرة، (إذا فرغ منهم) أي: من العمرة.

(وسُن لمفرد وقارن فسخ نيتهما بحج) على الأصح. نص على ذلك؛ لأنه [صح " أن النبي]

(1)

صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم

ويجعلوها عمرة، إلا من كان معه هدي "

(2)

. متفق عليه.

وقال سلمة بن شبيب لأحمد: كل شيء منك حسن جميل إلاخصلة

(3)

واحدة. فقال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحج. قال: كنت أرى أن لك عقلاً. عندي ثمانية عشر حديثاً صحاحاً جياداً كلها في فسخ الحج أتركها لقولك. وقال الخرقي: إذا طافا وسعيا. وتبعه الموفق والشارح وصاحب "الفائق ". وليس ذلك بشرط في استحباب الفسخ.

قال في " الإنصاف ": وقال في " الهداية " وتبعه في " المذهب "، و"مسبوك الذهب "، و"المستوعب " و" الخلاصة " و" الرعايتين " و" الحاويين " وغيرهم. وهو معنى كلام القاضي وغيره: للقارن والمفرد أن يفسخا نسكهما

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1568) 2: 594 كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم. كلاهما عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما.

(3)

في أ: خلة.

ص: 67

إلى العمرة، بشرط "أن لا يكونا وقفا بعرفة، ولا ساقا هدياً. فلم يفصحوا بوقت الفسخ، بل ظاهر كلامهم: جواز الفسخ. سواء طافا وسعيا أو لا، إذا لم يقفا بعرفة. انتهى.

وجواز فسخ الحج إلى العمرة من المفردات.

واحتج المخالف [بقوله سبحانه وتعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) [محمد: 33].

ورد ذلك: بأن الفسخ نقل الإحرام بالحج إلى العمرة. لا إبطال الإحرام من أصله.

زاد القاضي: على أن الآية محمولة]

(1)

على غير مسألتنا.

واحتج المخالف أيضاً بقوله سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: 196]

رد بأن الآية اقتضت الابتداء بهما

(2)

لا البناء.

قال المخالف: الحج

(3)

أحد النسكين كالعمرة.

رد بأن ذلك فاسد الاعتبار. ثم لا فائدة في فسخ العمرة. وهنا فائدة فضيلة التمتع.

فإن قيل: فهل يصح وإن لم يعتقد فعل الحج من عامه؟

قيل: منعه ابن عقيل وغيره.

نقل ابن منصور: لا بد أن يهل بالحج من عامه ليستفيد فضيلة التمتع.

ولأنه على الفور فلا يؤخره لو لم يحرم فكيف وقد أحرم.

واختلف كلام القاضي وقدم الصحة؛ لأن بالفسخ حصل على صفة يصح منه التمتع.

ولأن العمرة لا تصير حجاً، والحج يصير عمرة لمن حصر عن عرفة أو فاته الحج.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

ص: 68

(وينويان) أي: المفرد والقارن (بإحرامهما ذلك) الاول الذي هو الإفراد والقران (عمرة مفردة). فمن كان منهما قد طاف وسعى قصر وحل من إحرامه، وإن لم يكن طاف وسعى فإنه يطوف ويسعى ويقصر ويحل من إحرامه. (فإذا حلا) من العمرة (أحرما به) أي: بالحج (ليصيرا) أي: المفرد والقارن (متمتعين). ومحل إحلالهما: (ما لم يسوقا هدياً، أو يقفا بعرفة)؛ لما روى ابن عمر: " أن النبي- صلى الله عليه وسلم -لما قدم مكه قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحل، ثم ليهل بالحج وليهد. ومن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله "

(1)

. متفق عليه.

نقل أبو طالب: الهدي يمنعه من التحلل من جميع الأشياء في

(2)

العشر وغيره، وفاقاً لأبي حنيفة.

وأما كون الفسخ لا يجوز إذا وقفا؛ لأنه لم يرد به إباحه من الشرع، ولم يقع في زمنه، ولا يستفيد به فضيلة التمتع.

(وإن ساقه) أي: ساق الهدي (متمتع) أي: من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ليحج من عامه (لم يكن له أن يحل) من عمرته. (فيحرم بحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحليل بحلق) أو تقصير؛ لقول ابن عمر: " تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فقال: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم عليه حتى يقضي حجه "

(3)

.

(فإذا ذبحه يوم النحر: حلّ منهما) أي: من إحرام العمرة والحج (معاً). نص على ذلك؛ لأن التمتع أحد نوعي الجمع بين إحرام العمرة وإحرام الحج؛ كالقران.

وعنه: أن له أن يقصر من شعر رأسه خاصة. لا يقال: أنه صار قارناً

(1)

سبق تخريجه ص (57).

(2)

في ب: وفي.

(3)

سبق تخريجه ص (57) رقم (2).

ص: 69

بإدخاله الحج على العمرة؛ لأن القارن بإدخال الحج والعمره يجوز له التحلل من عمرته قبل إدخال الحج عليها. وهذا مضطر إلى إدخال الحج على عمرته؛ لعدم جواز تحلله منها بسوق الهدي فافترقا.

(والمتمتِّعة إن حاضت قبل طواف العمرة فخشيت) فوات الحج، (أو) خشي (غيرها فوات الحج: أحرمت به) أي: بالحج كغيرها إذا خشي فوات الحج، (وصارت قارنة). نص على ذلك؛ لما روى مسلم:" أن عائشة كانت متمتعة فحاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أهلي بالحج "

(1)

.

ولأن إدخال الحج على العمرة يجوز من غير خشية الفوات. فمع خشيه الفوات أولى؛ لكونها ممنوعة من دخول المسجد.

(ولم تقض طواف القدوم)؛ لفوات محله، كتحية المسجد.

(ويجب على قارن وقف) بعرفة زمن الوقوف (قبل طواف وسعي: دمُ قران، وتسقط) عنه (العمرة). نص عليه؛ لأن الوقوف من أفعال الحج. ولا يلزمه بذلك رفض العمرة؛ لأنه لم يتعلق بالوقوف.

ولأن الإحرام لا يرتفض برفضه، ولا يتحلل منه بوطء مع تأكده. فالوقوف أولى.

***

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1213) 2: 881 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . .

ص: 70

[فصل: إذا أحرم ولم يعين نسكاً]

(فصل. ومن أحرم مطلقاً) بأن نوى نفس الإحرام ولم يعين نسكاً: (صح)، وفاقاً للأئمة الثلاثة. (وصرفه لما شاء) من الأنساك. نص عليه بالنية لا باللفظ. (وما عمل) من إحرام مطلقاً (قبل) أي: قبل صرفه إلى واحد من الأنساك بالنية (فلغو) أي: لا يعتد به.

(و) إن أحرم (بما) أحرم به فلان، (أو) أحرم (بمثل ما أحرم به فلان، وعلم) ما أحرم به فلان قبل أن يحرم بمثل ما أحرم به فلان أو بعده: (انعقد) إحرامه (بمثله)؛ لأنه جعل نفسه تبعا؛ وذلك لما روى جابر: " أن علياً قدم من اليمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بم

(1)

أهللت؟ فقال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فاهد. وامكث حراماً "

(2)

.

وعن أبي موسى نحوه

(3)

. متفق عليهما

(4)

.

(فإن تبين إطلاقه) أي: يتبين أن فلاناً أحرم مطلقاً: (فللثاني) وهو الذي أحرم بمثل فلان ثم تبين أن فلانا أحرم مطلقا (صرفه) أي: صرف إحرامه (إلى ما شاء)

(5)

من الأنساك، ولا يتعين صرفه إلى ما يصرفه إليه فلان، ولا إلى ما كان

(6)

صرفه إليه بعد أن أحرم مطلقاً.

(1)

في أ: بما.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4095) 4: 1582 كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد رضى الله عنهما.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1216) 2: 883 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . .

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1484) 2: 564 كتاب الحج، باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم -كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1221) 2: 894 كتاب الحج، باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام.

(4)

في ب: عليه.

(5)

في ج زيادة: أي ما شاء.

(6)

في أ: مكان.

ص: 71

قال في " الفروع ": وظاهر كلام أصحابنا: يعمل بقوله لا بما وقع في نفسه. انتهى.

يعني: أنه يعمل بقول فلان لا بما وقع في نفس من أحرم

(1)

بمثل ما أحرم به فلان.

(وإن جهل) من أحرم بمثل ما أحرم به فلان (إحرامه) أي: إحرام فلان: (فله جعله عمرة)؛ لأنها اليقين.

(ولو شك: هل أحرم الاول؟ فكما لو لم يحرم) يعني: أنه لوشك من أحرم بمثل ما أحرم به فلان: هل أحرم فلان أو لم يحرم؟ فكما لو تبين أن فلاناً لم يحرم (فينعقد) إحرامه (مطلقاً). فيصرفه إلى ما شاء.

(ولو كلان إحرام الاول) الذي هو فلان

(2)

(فاسداً. فكنذره عبادة فاسدة) فينعقد بمثل ما أحرم به فلان من الأنساك. إلا أنه يكون على الوجه المشروع. (ويصح) وينعقد إحرام من قال: (أحرمت يوماً)؛ لأنه إذا صار محرماً يوماً لم يصر حلالاً فيما بعده، ولو رف إحرامه؛ لأنه لا يرتفض.

(أو) من قال: أحرمت (بنصف نسك، ونحوهما)؛ كأحرمت بنصف يوم، أو بربع نسك؛ لأنه إذا دخل في نسك لزمه إتمامه شرعاً. فكأنه قال: أحرمت بنسك. ويكون كمن أحرم مطلقاً فيصرفه إلى ماشاء.

قال في " الفروع ": ولو قال أحرمت يوماً أو بنصف نسك ونحوهما فيتوجه خلاف

(3)

، أو يصح؛ كالشافعية. انتهى.

(لا إن أحرم زيد فأنا محرم) فإنه لا يصح إحرامه؛ لعدم جزمه بتعليقه على إحرام زيد.

ولا إن قال: إن كان زيد محرماً فقد أحرمت. فلم يكن محرماً؛ لعدم جزمه أيضاً.

(1)

في أ: في نفسه من إحرام.

(2)

في أ: فاسد.

(3)

في ب: خلافاً.

ص: 72

(ومن أحرم بحجتين أو) أحرم ب (عمرتين، انعقد بإحداهما) يعني: أنه ينعقد إحرامه بحجة واحدة فيما إذا أحرم بحجتين، وبعمرة واحدة فيما إذا احرم بعمرتين؛ لأن الزمان لا يصلح لهما مجتمعتين. فيصح بواحدة منهما؛ كتفريق الصفقة. وقياسهم على تفريق الصفقة يدل على خلاف هنا؛ كالخلاف في الأصل المقيس عليه وهو: تفريق الصفقة، ولا ينعقد بهما معاً؛ كبقية أفعالهما. وكنذرهما في عام واحد فإنه يجب عليه إحداهما

(1)

في ذلك العام؛ لأن الوقت لا يصلح لهما. قاله القاضي وغيره.

وكنية صومين في يوم.

قال في " الفروع ": ويتوجه الخلاف. يعني: في انعقاد الإحرام بهما، وكنية صومين في يوم، ولو فسدت هذه المنعقدة

(2)

لم يلزمه إلا قضاؤها.

(و) من أحرم (بنسك) من التمتع أو الإفراد أو القران، (او نذر ونسيه) أي: نسي ما أحرم به (قبل طواف: صرفه إلى عمرة) استحباباً.

وقال القاضي: يصرفه إلى ما شاء.

(و) على الاول: فإنه (يجوز) صرف إحرامه (إلى غيرها) أي: غير العمرة. (ف) إن صرفه (إلى قران او) إلى (إفراد) فإنه (يصح حجاً فقط) أي: دون العمرة فيما إذا صرفه إلى قران، إذ من المحتمل أن يكون المنسي حجاً مفرداً وليس له إدخال العمرة على الحج. فتكون صحة العمرة مشكوكاً فيها فلا تسقط بالشك. (ولا دم) [عليه.

وقيل: وتصح عمرته. بناء على إدخال العمرة على الحج لحاجة. فيلزمه دم قران.

(و) إن صرفه]

(3)

(إلى تمتع فكفسخ حج إلى عمرة) يعني: أنه يكون

(1)

في أ: أحدهما.

(2)

في أ: المعتقدة.

(3)

ساقط من أ.

ص: 73

حكمه حكم فسخ الحج إلى العمرة (يلزمه) بذلك (دم متعة. ويجزئه) صرفه إلى التمتع (عنهما) أي: عن الحج والعمرة.

(و) لو كان النسيان (بعده) أي: بعد الطواف (ولا هدي معه) أي: مع الناسي (يتعين) صرفه (إليها) أي: إلى العمرة، لامتناع إدخال الحج إذاً لمن لا هدي معه.

(فإن حلق) بعد سعيه (مع بقاء وقت الوقوف، يُحرم بحج ويُتمّه) أي: يتم الحج.

(وعليه للحلق دم إن تبين أنه كان حاجاً) أي: أنه كان مفرداً أو قارناً. (وإلا) أي: وإن لم يتبين أنه كان مفرداً أو قارناً: (ف) يكون عليه (دم متعة) فقط. (ومع مخالفته) لما قلنا من أنه يتعين صرفه إلى عمرة إذا كان نسيانه بعد الطواف فخالف وصرفه (إلى حج) أي: إلى إفراد (او قران): فإنه (يتحلل بفعل حج) أي: بأن يفعل أفعال الحج. (ولم يجزئه) ذلك (عن واحد منهما) أي: من الحج والعمرة للشك؛ لأنه يحتمل أن يكون المنسي عمرة. فلا يصح إدخال الحج عليها بعد طوافها، ويحتمل أن يكون حج. فلا يصح إدخالها عليه.

(ولا دم) عليه (ولا قضاء)، للشك في سببهما.

(ومن) كان (معه هدي) وقد طاف ثم نسي ما أحرم به: (صرفه إلى الحج) وجوباً، (وأجزأه) هذا الحج عن حجة الإسلام، ولم يجز له التحلل قبل إتمام الحج؛ لقوله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].

(وإن أحرم عن اثنين) استناباه في حج أو عمرة، (أو) عن (أحدهما لا بعينه: وقع عن نفسه) دونهما؛ لأنه لا يمكن وقوعه عنهما، وليس أحدهما أولى بوقوعه عنه [من الاخر]

(1)

.

(1)

زيادة من أ.

ص: 74

وإن أحرم عن نفسه وغيره معاً وقع عن نفسه فقط، لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوها فمع نيته أولى.

(ومن أهلَّ لعامين حج من عامه، واعتمر من قابل)، لما روى أبو طالب عن أحمد قال: إذا قال لبيك العام وعام قابل فإن عطاء يقول: يحج العام ويعتمر قابل. انتهى.

(ومن أخذ من اثنين حجتين ليحج عنهما في عامه) واحد (أُدِّب) بالبناء للمفعول، لفعله محرماً. نص عليه.

(ومن استنابه اثنان بعام في نسك. فأحرم عن أحدهما بعينه، ولم ينسه صح، ولم يصح إحرامه للآخر بعده). نص عليه.

قال في " الإنصاف ": قلت: قد قيل إنه يمكن فعل حجتين في عام واحد،

بأن يقف بعرفة ثم يطوف للزيارة بعد نصف ليلة النحر بيسير، ثم يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع فجر ليلة النحر. انتهى.

(وإن نسيه) أي: نسى من عينه بإحرامه من المستنيبين (وتعذَّر علمُه. فإن فرَّط) بأن كان تعذر علم من عينه بالإحرام بتفريط منه بأن كان يمكنه أن يكتب اسمه أو ما يتميز به ولم يفعل: (أعاد الحج عنهما) أي: عن المستنيبين " لأنه لا يكون عن أحدهما؛ لعدم الاولوية.

(وإن فرَّط موصى إليه) بأن كان تعذر علمه بتفريطه بأن كان لم يسمه للنائب: (غرم) الموصى إليه (ذلك) أي: نفقة الحج.

(وإلا) أي: وإن لم يكن ذلك بتفريط النائب ولا الموصى إليه: (ف) يكون غرم ذلك (من تركة موصِيَيه) أي: اللذين اوصى كل منهما إلى الموصى إليه في عام واحد بأن يقيم من يحج عنه.

***

ص: 75

[فصل: في التلبية]

(فصل. وسن) لمن أحرم بنسك معين أو مطلقاً (من عقب إحرامه:

تلبية) في الأصح.

وقيل: إذا استوى على راحلته. وقطع به جماعة.

وقيل: إن التلبية واجبة.

والمذهب الاول؛ لأنها ذكر. فلم تجب في الحج؛ كسائر الأذكار.

ومما ورد في فضلها ما روى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما

من مسلم يُلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله، من حجر أو شجر أو مدر، حتى

تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا "

(1)

. رواه الترمذي وابن ماجه

(2)

.

فتسن (حتى عن أخرس، و) حتى عن (مريض).

والمسنون أن تكون (كتلبية رسول الله - ص-) وهي: (" لبيك اللهم! لبيك.

لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك ").

روى ذلك ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -في حديث متفق عليه

(3)

.

وروى ذلك مسلم عن جابر

(4)

.

والتلبية مأخوذة من: ألب بالمكان إذا لزمه. فكأنه قال: أنا مقيم على

طاعتك وأمرك، ولا أنا خارج عن ذلك، ولا شارد عليك. وثَنَوها وكرورها؛

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(828) 3: 189 كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2921) 2: 974 كتاب المناسك، باب التلبية.

(2)

أوب: رواه ابن ماجه.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5571) 5: 2213 كتاب اللباس، باب التلبيد.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1184) 2: 841 كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 891 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 76

لأنهم أرادوا

(1)

إقامة بعد إقامة، كما قالوا: حنانيك أي: رحمة بعد رحمة، أو رحمة مع رحمة، أو ما أشبه ذلك.

ولبيك: لفظ

(2)

مثنى، وليس بمثنى؛ لأنه لا واحد له من لفظه، ولم يقصد به إلا التكثير.

وقال جماعة من العلماء: معنى التلبية إجابة نداء إبراهيم عليه السلام حين نادى بالحج. .

وروي عن ابن عباس قال: " لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل

له: أذن في الناس بالحج. قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ. فنادى إبراهيم عليه السلام: أيها الناس! كتب عليكم الحج. فسمعه ما بين السماء والأرض. أفلا ترى الناس يجيبون من أقطار الأرض يلبون "

(3)

.

وقوله: إن الحمد والنعمة لك: بكسر الهمزة. نص عليه أحمد، ويجوز بالفتح.

قال ثعلب: من قال بالكسر فقد عمَّ، ومن قال بالفتح فقد خص.

يعني: أن من كسر الهمزة فقد جعل الحمد لله على كل حال، ومن فتحها

فمعناه: لبيك؛ لأن الحمد لك أي: لهذا السبب.

ولا تكره زيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم -ولا تستحب؛ لقول جابر: " فأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك. وأهلَّ الناس بهذا الذين يهلونه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم -تلبيته "

(4)

.

وكان ابن عمر يزيد مع هذ ا: " لبيك لبيك لبيك وسعديك، والخير

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب: لفظة.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 176 كتاب الحج، باب دخول مكة بغير إرادة حج ولا عمرة.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 891 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 77

بيديك، والرغباء إليك والعمل "

(1)

. متفق عليه.

وزاد عمر: " لبيك ذا النعماء والفضل، لبيك لبيك [مرهوباً ومرغوباً إليك لبيك]

(2)

". روى معنى هذا الأثرم.

وروي أن أنساً كان يزيد: " لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً ".

ومعنى الإهلال: رفع الصوت، من قولهم: استهل الصبي إذا صاح.

والأصل فيه: أنهم كانوا إذا راوا الهلال صاحوا. فقيل لكل صائح: مستهل. والمراد هنا بالإهلال: رفع الصوت بالتلبية.

(و) سن أيضاً لمن يلبي (ذكر نسكه فيها) أي: في التلبية. (وبدء قارن بذكر العمرة)؛ لما روى أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقول: " لبيك عمرة وحجاً "

(3)

.

وقال جابر: " قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبيك بالحج "

(4)

.

وقال ابن عباس: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأصحابه وهم يلبون بالحج "

(5)

.

وقال ابن عمر: " بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم -فأهلَّ بالعمرة ثم أهلَّ بالحج "

(6)

. متفق على هذه الأحاديث.

وقال أنس: " سمعتهم يصرخون بها صراخاً "

(7)

. رواه البخاري.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1184) 2: 841 كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1251) 2: 915 كتاب الحج، باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم -وهديه. وأخرجه أبو داود في " سننه " (1795) 2: 157 كتاب المناسك، باب في الإقران.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1495) 2: 569 كتاب الحج، باب من لبى بالحج وسماه. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1216) 2: 886 كتاب الحج، باب في المتعة بالحج والعمرة.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1035) 1: 368 أبواب تقصير الصلاة، باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم -في حجته.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1240) 2: 911 كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج.

(6)

سبق تخريجه ص: 60.

(7)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1473) 2: 561 كتاب الحج، باب رفع الصوت بالإهلال.

ص: 78

(و) سُن أيضاً له (إكثارُ تلبية)؛ لما روى ابن ماجه عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يضحي لله، يلبي

(1)

حتى تغيب الشمس، إلا غابت بذنوبه. فعاد كما ولدته أمه "

(2)

.

(وتتأكد) التلبية (إذا علا نَشزَاً، أو هبط وادياً، أو صلى مكتوبة، أو أقبل ليل، او) أقبل (نهار، اوالتقت الرَِفاق، أو سمع ملبياً، أو أتى محظوراً ناسياً، أو ركب) دابته، (او نزل) عنها، (اورأى البيت) أي: الكعبة؛ لما روى جابر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي في حجته إذا لقي ركباً، أو علا أكمة، أو هبط وادياً، وفي أدبار الصلوات المكتوبة، وفي آخر الليل "

(3)

.

وقال إبراهيم النخعى: " كانوا يستحبون التلبية دبر الصلوات المكتوبة،

وإذا هبط وادياً، وإذا علا نشزاً، وإذا لقي راكباً، وإذا استوت به راحلته "

(4)

. وفي " المستوعب ": يستحب عند تنقل الأحوال به، وذكر ما سبق. وزاد: وإذا رأى البيت.

(و) سن أيضاً (جهر ذكر) أي: بالتلبية؛ لخبر السائب بن خلاد: " أتانى جبريل فأمرنى أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية "

(5)

. أسانيده جيدة رواه الخمسة وصححه الترمذي.

ولأحمد من رواية ابن إسحاق: " أن جبريل قال له: كن عجاجاً

(1)

في ب: ثم يلبى.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2925) 2: 976 كتاب المناسك، باب الظلال للمحرم.

(3)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج الشافعي في " مسنده " عن ابن عمر: " أنه كان يلبي راكباً ونازلاً ومضطجعاً"306: 1

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(12746) 3: 129 كتاب الحج، من كان يستحب أن يحرم في دبر الصلاة.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1814) 2: 162 كتاب المناسك، باب كيف التلبية.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(829) 3: 191 كتاب الحج، باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبيية. وأخرجه النسائي في " سننه " (2753) 5: 162 كتاب مناسك الحج، رفع الصوت بالإهلال. وأخرجه ابن ماجه في " سننه " (2922) 2: 975 كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية. وأخرجه أحمد في " مسنده " (16617) 4: 56

ص: 79

ثجّاجاً "

(1)

. والعج: التلبية، والثج: نحر البدن.

وعن ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن

عبدالرحمن بن يربوع عن أبي بكر الصديق: " أن النبي صلى الله عليه وسلم -سئل أي الحج أفضل؟ قال: العج والثج "

(2)

.

وعبدالرحمن تفرد عنه ابن المنكدر. قال الترمذي: ولم يسمع منه. وقال: حديث غريب.

ومن رواه على غير ذلك فقد أخطأ عند أحمد والبخاري والترمذي.

قال أحمد وابن معين في رواية مهنا: أصل الحديث معروف، ويختلفون في إسنا ده.

لكن إنما يسن الجهر بالتلبية (فى غير مساجد الحِلّ وأمصاره) أي: أمصار الحل.

قال في " الفروع ": ذكره الأصحاب. والمنقول عن أحمد: إذا أحرم في مصره لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز؛ " لقول ابن عباس لمن سمعه يلبي بالمدينة: إن هذا لمجنون. إنما التلبية إذا برزت

(3)

".

واحتج القاضي وأصحابه بأ ن إخفاء التطوع أولى خوف الرياء على من لا يشاركه في تلك العبادة. بخلاف البراري وعرفات والحرم ومكة. انتهى.

(و) في غير (طواف القدوم والسعي بعده) يعنى: أنه لا يسن الجهر بالتلبية في طواف القدوم ولا في السعى الذي بعد طواف القدوم.

(وتشرع) التلبية (بالعربية لقادر) على إتيانها بالعربية.

(وإلا) أي: وإن لم يقدر على الإتيان بها بالعربية: (ف) إنه يأتي بها

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(16615) 4: 56

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(827) 3: 189 كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2924) 2: 975 كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية

(3)

إذا برزت، أي: إذا خرجت من العمران إلى البراز وهو ظاهر الارض.

ص: 80

(بلغته)؛ لأنها ذكر مشروع. فلا يشرع بغير العربية مع القدرة، كالأذان، والأذكار المشروعة في الصلاة.

(و) يسن أيضاً (دعاء) بعدها. فيسأل الله سبحانه وتعالى الجنة، ويستعيذ به من النار، ويدعو بما أحب؛ لما روى الدارقطني بإسناده عن خزيمة بن ثابت:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كان إذا فرغ من تلبيته، سأل الله مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النار "

(1)

.

(و) يسن أيضاً (صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم -بعدها) أي: بعد التلبية؛ لأنه موضع شرع فيه ذكر الله سبحانه وتعالى. فشرعت فيه الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كالصلاة، أو فشرع فيه ذكر رسوله- صلى الله عليه وسلم -كالأذان.

(لا تكرارُها) أي: لا تكرار التلبية (في حالة واحدة) فإنها لا تسن. قاله أحمد.

وقال في " المستوعب " وغيره: وقال له الأثرم: ما شيء يفعله العامة يلبون

دبر الصلاة ثلاثاً؟ فتبسم وقال: لا أدري من أين جاؤوا به. قلت: أليس يجزئه مرة؟

قال: بلى؛ لأن المروي التلبية مطلقاً من غير تقييد. وذلك يحصل بمرة. (وكره

لأنثى جهر) بتلبية (بأكثر ما تسمع رفيقتها).

قال ابن عبدالبر: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة: أن لا ترفع صوتها. انتهى.

وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها، ولهذا لا يسن لها أذان ولا إقامة. وعدل بها عن التسبيح إلى التصفيق إذا نابها شيء في الصلاة مثل: سهو إمامها أو نحو هـ، لكن يعتبر أن تسمع نفسها بالتلبية وفاقاً.

(لا لحلال) يعني: أنه لا يكره لحلال (تلبية)؛ لأنها ذكر مستحب للمحرم

(2)

. فلم تكره لغيره؛ كسائر الأذكار.

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(11) 2: 238 كتاب الحج، باب المواقيت.

(2)

ساقط من أ.

ص: 81

] باب: محظورات الإحرام]

هذا (باب) يذكر فيه ما يحرم على المحرم وغير ذلك مما له فعله.

(محظورات الإحرام). وهي: ما يمتنع على المحرم فعلها شرعاً (تسع):

الاول منها: (إزالة شعر) من جميع بدنه (ولو من أنف) له بلا عذر؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ولاتحلقوا رءوسكم حتي يبلغ الهدى محله)[البقرة: 196]، ويقاس على الحلق: النتف والقلع.

(و) الثاني: (تقليم ظفر يد أو رجل) أو قصه (بلا عذر)؛ لأنه إزالة جزء من بدنه يترفه به. فأشبه الشعر.

وأما كون إزالة ذلك يباح للعذر؛ فلقوله سبحانه وتعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].

ولما روى كعب بن عجرة قال: " كان بي أذى من رأسي. فحُملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -والقمل يتناثر على وجهى. فقال: ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى. أتجد شاة؟ قلت: لا. فنزلت: (ففدية من صيام أو صدقة اونسك) [البقرة: 196]. قال: هو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعاماً لكل مسكين "

(1)

. متفق عليه.

ولمسلم: " أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم -زمن الحديبية. فقال: كأن هوام رأسك تؤذيك؟ فقلت: أجل. فقال: فاحلقه، واذبح شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصُع من تمر بين ستة مساكين "

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1721) 2: 645 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب الإطعام في الفدية نصف صاع.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1201) 2: 861 كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى. . .

(2)

أخرجه مسلم في الموضع السابق.

ص: 82

ومن صور العذر: (كما لو خرج بعينه شعر، أو كُسر ظفرُه فأزالهما) أي:

أزال الشعر الذي خرج بعينه، أو الظفر الذي انكسر فلا فدية عليه، لأنه أزال ذلك لأذاه. فلم يكن عليه فدية، كقتل الصيد الصائل عليه.

(او زالا) أي: الشعر والظفر (مع غيرهما)؛ كما لو قطع منه جلد عليه شعر، أو قطعت منه أنملة فيها ظفر (فلا يفدي لإزالتهما)؛ لأنهما زالا تبعاً لغيرهما، والتابع لا يضمن، كما لو قلع أشفار عيني إنسان. فإنه لا يضمن أهدابهما.

ومفهوم ما تقدم: أنه متى أزال الشعر أو الظفر لحصول التأذي بغيرهما: أن عليه الفدية، وإلى ذلك أشار بقوله:

(إلا إن حصل الأذى بغيرهما؛ كقرح، ونحوه)، كقمل، وشدة حر، وصداع. يعني: فإن له إزالة الشعر أو الظفر وعليه الفدية، كما لو احتاج إلى أكل صيد في حال المخمصة فإن له قتله وعليه جزاؤه.

(ومن طُيِّب) بالبناء للمفعول وهو محرم بإذنه، أو سكت ولم ينهه، (او حلق رأسه بإذنه، أو سكت ولم ينهه)، [أو حلق رأسه بغير إذنه فسكت]

(1)

، (أو) حلق رأس نفسه (بيده كرهاً: فعليه) أي: على المحلوق رأسه (الفدية). دون الحالق رأس غيره ولو كان محرماً، لأن الله سبحانه وتعالى اوجب الفدية بحلق الرأس مع علمه أن غيره يحلقه.

وأما كون الفدية عليه إذا حلق رأسه وهو ساكت لم ينه الحالق على الأصح؛ فلأن الشعر أمانة عنده كوديعة، وقد فرط فيها بسكوته عمن أتلفها.

وأما كونه إذا حلق رأسه كرهاً عليه الفدية، فلأن ذلك إتلاف، وهو يستوي فيه مباشر

(2)

الإتلاف، طائعاً أو مكرهاً.

(و) من حلق رأسه (مكرهاً بيد غيره أو نائماً. ف) الفدية (على حالق).

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: مباشرة.

ص: 83

نص عليه؛ لأنه أزال ما منع منه شرعاً؛ كحلق محرم رأس نفسه.

ولأنه لا

(1)

صنع من المحلوق رأسه؛ كإتلاف أجنبي وديعة بيد مودع

(2)

.

(ولا فدية بحلق محرم) رأس حلال (أو تطييبه حلالاً) لإباحة ذلك للحلال.

قال في " الفروع ": وإن حلق محرم حلالاً فهدر. نص عليه، وفاقاً لمالك والشافعي؛ لإباحة إتلافه.

وفي " الفصول ": إحتمال لأن الإحرام للآدمي؛ كالحرم

(3)

للصيد.

وعند أبي حنيفة: يتصدق بشئ.

ومن طيَّب غيره وفي كلام بعضهم: اوألبسه فكالحلق. انتهى.

(ويباح) للمحرم (غسل شعره بسدْرٍ ونحوه)؛ كخطمي على الأصح.

قاله القاضى وغيره. واحتج في رواية أبي داود بالمحرم الذي وقصته راحلته

(4)

. وذكر جماعة: يكره؛ لتعرضه لقطع الشعر. وكرهه جابر بن عبد الله، واحتج القاضي وغيره بأن المقصود منه النظافة وإزالة الوسخ؛ كالأشنان والماء. ولا نسلم أنه يستلذ برائحته. ثم يبطل بالفاكهة والدهن يقصد به الترجيل وإزالة الشعر

(5)

. مع أنه ذكر عن أحمد: أنه كره المحلب والأشنان.

وعنه: يحرم ويفدي.

(وتجب الفدية لما) أي: لشعر (علم أنه بان بمشْطٍ أو تخليل).

قال في " الإنصاف ": يجوز له تخليل لحيته ولا فدية بقطعه بلا تعمد. نقله

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج زيادة: بفتح الدال. .

(3)

في أ: كالإحرام.

(4)

عن ابن عباس قال: " أُتى النبي صلى الله عليه وسلم -برجل وقصته راحلته فمات وهو محرم، فقال: كفنوه في ثوبيه واغسلوه بماء وسدر، ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي ". أخرجه أبو داود في " سننه "(3238) 3: 219 كتاب الجنائز، باب المحرم يموت كيف يصنع به.

(5)

في " الفروع " 3: 356: وإزالة الشعث.

ص: 84

ابن إبراهيم، وقدمه في " الفروع ".

والصحيح من المذهب: أنه إن بان بمشط أو تخليل: فدى.

قال الإمام أحمد: إن خللها فسقط شعر إن كان ميتاً فلا شيء عليه.

قال في " الفروع ": وجزم به المصنف - يعني: الموفق - والشارح - أي:

شارح " المقنع " وغيرهما. انتهى.

فمفهومه: أنه إن كان حياً فعليه الفدية.

وقوله: لما علم أنه بان، مفهومه: أنه لو شك لم تجب الفدية. وهو المذهب.

(وهي) أي: الفدية (في كل فرد) من الشعر أو الأظفار، وهو

(1)

الشعرة الواحدة والظفر الواحد، (او بعضه) أي: بعض الشعر أو بعض الظفر (من دون ثلاث من شعر أو ظفر)؛ كالشعرتين والظفرين: (إطعام مسكين) عن كل شعرة أو بعضها، وعن كل ظفر أو بعضه.

وأما الثلاث شعرات فأكثر والثلاثة أظفار فأكثر فيأتي حكمها في الباب الذي يلي هذا الباب

(2)

.

(وتستحب) الفدية (مع شك) في وجوبها، بأن خلل شعره وشك هل سقط منه شيء اولا؟ فإنه تستحب له الفدية.

قال في " الفروع ": وتستحب الفدية مع شكه. انتهى.

(الثالث) من أقسام المحظورات: (تغطية الرأس) إجماعاً؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم

نهى المحرم عن لبس العمائم والبرانس "

(3)

.

وقوله في المحرم الذي وقصته ناقته: " ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم

(1)

في ج: وهي.

(2)

باب الفدية ص (126).

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5468) 5: 2187 كتاب اللباس، باب السراويل.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1177) 2: 834 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج او

عمرة. . .

ص: 85

القيامة ملبياً "

(1)

. متفق عليهما.

والأذنان من الرأس. نقله الجماعة.

وعنه: عضواًن مستقلان. ذكرها ابن عقيل.

والبياض الذي فوقهما دون الشعر من الرأس. ذكره القاضي وابن عقيل وجماعة.

ويدل عليه حكم الموضحة فيه، وهي لا تكون إلا في رأس أو وجه، وليس من الوجه.

وحيث علم أن تغطية الرأس من المحظورات، (فمتى غطاه) بلاصق معتاد؛ كعمامة، أو لاصق غير معتاد (ولو بقرطاس به دواء أو لا) دواء فيه، (او بطين، أو نورة، أو حناء، أو عصبه ولو بسير)

(2)

. قاله أحمد.

وذكر

(3)

القاضي أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: " إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها "

(4)

.

و" أنه صلى الله عليه وسلم -نهى أن يشد المحرم رأسه بالسير ". نقله في " شرح

المقنع الكبير".

(أو) ستره بغير لاصق، كما لو (استظل في محمل، ونحوه)؛ كمحفة.

(أو) استظل (بثوب، ونحوه)؛ كريش وخوص يعلو رأسه ولا يلاصقها

(5)

.

حال كونه (راكباً أو لا) أي: ليس براكب: (حرم) عليه ذلك (بلا عذر، وفدى) أي: ولزمته الفدية على الأصح.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1209) 1: 426 كتاب الجنائز، باب كيف يكفن المحرم. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1206) 2: 866 كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات.

(2)

في أ: يسيراً، وهو تصحيف.

(3)

في ب: وذكره.

(4)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(260) 2: 294 كتاب الحج، باب المواقيت. من حديث ابن عمر.

(5)

في أ: ويلاصقها.

ص: 86

قال في " الفروع ": اختاره الأكثر من الأصحاب، وفاقاً لمالك. روي عن

ابن عمر من طريق النهي عنه، واحتج به أحمد.

ولأنه قصده بما يقصد به الترفه؛ كتغطيته. أو يقال؛ لأنه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالباً. أشبه ما لو ستره

(1)

بشيء يلاقيه.

(لا إن حمل) المحرم (عليه) أي: على رأسه شيئاً، كطبق ومكتل، (أو نصب) المحرم (حِيالَه) أي: بإزائه وقبالته (شيئاً) يستظل به، لأن ذلك يشبه الاستظلال بالحائط، لأنه لا يقصد للاستدامة.

وكذا لو نزل تحت شجرة وطرح عليها شيئاً يستظل به.

(او استظل بخيمة أو شجرة أو بيت)، لقول جابر في حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم: " وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة. [فأتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة]

(2)

. فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس "

(3)

. رواه مسلم.

يعني: أنه لا يحرم عليه ذلك، ولا فدية به عليه.

وعلى الأصح (او غطى) المحرم الذكر (وجهه)، لأنه لم يتعلق به سنة التقصير من الرجل. فلم يتعلق به سنة التخمير " كباقي بدنه.

(الرابع) من أقسام المحظورات: (لُبسُ المخيط) في بدنه أو بعضه مما عمل على قدره إجماعاً، ولو درعاً منسوجاً، أو لبداً معقوداً ونحو ذلك.

(و) كذا لبس (الخفين. إلا أن لا يجد) المحرم (إزاراً) يتزر به، (فليلبس

(4)

سراويل، أو) لا يجد المحرم (نعلين فليلبس خفين أو نحوهما) أي: نحو الخفين؛ (كران).

والأصل في ذلك ما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم -سئل: ما يلبس المحرم؟

فقال: لا يلبس القميص، ولا العمامه، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا ثوباً مسه

(1)

في ب: ستر رأسه.

(2)

زيادة من ج.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 889 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

في ب: فيلبس، وهو تحريف.

ص: 87

ورس أو زعفران، ولا الخفين. إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين "

(1)

. متفق عليه من حديث ابن عمر.

زاد البخاري: " ولا تتنقب المرأة، ولا تلبس القفازين "

(2)

.

قال جماعة: بما عمل على قدره وقصد به.

وقال القاضي وغيره: ولو كان غير معتاد؛ كجورب في كف، وخف في رأس، وكفرْوٍ في صيف.

وقليل اللبس وغيره سواء؛ لأنه استمتاع. فاعتبر فيه مجرد الفعل؛ كوطء في فرج أو محظور. فلا تتقدر فديته بزمن كغيره.

واللبس في العادة مختلف:

(ويحرم قطعهما) أي: الخفين على الأصح؛ لما روى ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم -يخطب بعرفات يقول: " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل للمحرم "

(3)

. متفق عليه. رواه الأثبات، وليس فيه:" بعرفات ".

قال مسلم: لم يذكر أحد منهم بعرفات غير شعبة.

وقال البخاري: تابعه ابن عيينة عن عمرو، وذكر الدارقطنى: أنه تابعه سعيد بن زيد أخو حماد.

ولمسلم عن جابر مرفوعاً مثل حديث ابن عباس

(4)

. وليس فيه: " يخطب

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(134) 1: 62 كتاب العلم، باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1177) 2: 835 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة. . .

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه. "(1741) 2: 653 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5467) 5: 49 كتاب اللباس، باب السراويل.

وأخرجه في " صحيحه "(1178) 2: 835 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة. . .

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1179) 2: 836 الموضع السابق.

ص: 88

بعرفات "، ولم يذكر في هذين الحديثين: قطع الخفين. ولقول علي: " قطع الخفين

فساد ".

ولأن الخف ملبوس أُبيح لعدم غيره. أشبه

(1)

لبس السراويل من غير فتق.

ولأن قطع الخف لا يخرجه عن حالة الحظر. فإن لبس المقطوع محرم مع القدرة على النعلين؛ كلبس الصحيح، وفيه إتلاف مالية الخف، وقد " نهى النبي صلى الله عليه وسلم -عن إضاعة المال "

(2)

.

وقال أبو الشعثاء لابن عباس: " لم يقل: ليقطعهما؟ قال: لا "

(3)

. رواه أحمد.

و" طاف عبدالرحمن بن عوف بخفين فقال له عمر: والخفاف

(4)

مع القباء! قال

(5)

: لبستهما مع من هو خير منك، يريد النبي صلى الله عليه وسلم". رواه أبو حفص العكبري، ورواه أبو بكر النجاد.

وروي أيضاً عن عمر: " الخفان نعلان لمن لا نعل له ".

ومن رواية الحارث عن علي، وعن ابن عباس.

وأن المسور بن مخرمة لبسهما وهو محرم وقال: أمرتنا به عائشة.

ولأن في قطعهما ضررأ؛ كالسراويل. فإنه يمكنه فتقه ويستر عورته، ولا يلبسه على هيئته.

والجواب عن حديث ابن عمر: أن زيادة القطع لم يذكرها جماعة ممن روى الخبر عن نافع. ورواها عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر من قوله.

ورواها أبو القاسم بن بشران في " أماليه " بإسناد صحيح من قول نافع عن

(1)

في ب: فأشبه.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6108) 5: 2375 كتاب الرقاق، باب ما يكره من قيل وقال.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(2014) 1: 228

(4)

في ب: الخفاف.

(5)

ساقط من أ.

ص: 89

حمزة بن محمد الدهقان عن العباس

(1)

الدوري عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عنه.

ورواها مالك وأيوب وجماعة من الأئمة فرفعوها. فقد اختلف فيها. فإن صحت فهي بالمدينة؛ لرواية أحمد عن ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر. وذكره. وخبر ابن عباس بعرفات. فلو كان القطع واجباً لبينه للجمع العظيم الذي لم يحضر أكثرهم أو كثير منهم كلامه بالمسجد في موضع البيان ووقت الحاجة. لا يقال: اكتفى بما سبق؛ لأنه يقال فلم ذكر لبسهما؟ والمفهوم من إطلاق لبسهما بلا قطع.

ويجاب عن قول المخالف: أن المقيد يقضي على المطلق، أن محله: إذا لم يمكن تأويله.

وعن قوله: بأن حديث ابن عمر فيه زيادة لفظ: بأن خبر ابن عباس وجابر فيهما زيادة حكم جواز اللبس بلا قطع. يعني: أن هذا الحكم لم يشرع بالمدينة. وهذا الجواب أولى من دعوى النسخ.

ويستمر لابسا للسراويل والخفين

(2)

(حتى يجد إزاراً أو نعلين. ولا فدية) عليه؛ لأن الشارع أمر بلبس الخف والسراويل ولم يذكر فدية.

ولأن لبس ذلك يختص بعدم غيره. فلم يجب به فدية؛ كالخفين المقطوعين.

ولو لبس خفاً مقطوعاً دون الكعبين مع وجود نعل حرم، وفدى. نص عليه.

وإن شق إزاره وشد كل نصف على ساق؛ فكسراويل.

(ولا يعقد) المحرم (عليه رداء ولا غيره) أي: غير الرداء؛ لقول ابن عمر لمحرم: " ولا تعقد عليك شيئا "

(3)

. رواه الشافعي.

(1)

في أ: ابن عباس.

(2)

في الأصول: والنعلين. والصواب ما أثبتناه.

(3)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(808) 1: 311 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

ص: 90

وروى الأثرم أيضاً قول ابن عمر السابق.

وأن ابن عباس قال لمولاه: " يا أبا معبد لِلَّهِ زُرَّ علي طيلسانى. فقال له: كنت

تكره هذا

(1)

. فقال: أريد أن أفتدي ".

قال أحمد في محرم حزم عمامة على وسطه: لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض.

ويستثنى من ذلك ما أشير إليه بقوله:

(إلا إزاره)؛ لأنه يحتاجه لستر عورته، (و) إلا (مِنطَقَة وهمياناً فيهما نفقة)، لاحتياجه لستر نفقته (مع حاجة لعقد) فيما ذكر. فمتى كان في هميانه نفقة فإن ثبت بغير عقد بأن أدخل السيور بعضها في بعض لم يعقده " لعدم الحاجة. وإلا جاز عقده. نص على ذلك.

ومتى لم يكن في المنطقة نفقة ولو كان لبسها لحاجة أو وجع افتدى. نص عليه. (ويتقلد) المحرم (بسيف لحاجة)، وفاقاً؛ لقصة صلح الحديبية

(2)

. رواه البخاري.

ولا يجوز بلا حاجة. نقل صالح: إذا خاف من عدو. وهو معنى قول

(3)

بعضهم: لا يتقلد بالسيف إلا من ضرورة.

قال الموفق: وإنما منع منه؛ لقول ابن عمر: " لا يحمل المحرم السلاح في الحرم "

(4)

.

قال: " والقياس إباحته؛ لأنه ليس في معنى اللبس.

(ويحمل) المحرم (جرابه) في عنقه.

سُئل أحمد عن المحرم يلقي جرابه في عنقه كهيئة القربة فقال:

أرجو لا بأس.

(1)

في ب: ذلك.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2581) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد. . .

(3)

فى ب: قوله.

(4)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 5: 154 كتاب الحج، باب كراهية حمل السلاح في أيام الحج. . .

ص: 91

(و) يحمل المحرم أيضاً (قربة الماء في عنقه. لا) في (صدره). نقله صالح. يعني: أنه لا يدخل حبلها

(1)

في صدره.

(وله) أي: وللمحرم (أن يتزر) بقميص بأن يجعله مكان الإزار.

(و) أن (يلتحف بقميص) بأن يتغطى به.

(و) أن (يرتدي به) أي: بالقميص بأن يجعله مكان الرداء؛ لأن ذلك كله ليس بلبس المخيط المصنوع لمثله.

(و) له أيضاً: أن يرتدي (برداء مو صل)؛ لأن الرداء لا يشترط كونه صحيحاً.

(وإن طرح) المحرم (على كتفيه قباء فدى) ولو لم يدخل يديه في كميه على الأصح.

وكذا ما يشبه القباء من اللباس؛ " لنهيه صلى الله عليه وسلم -عن لبسه للمحرم ". رواه ابن المنذر. ورواه النجاد

(2)

عن علي.

ولأنه مخيط لبسه عادة لبسه؛ كالقميص.

وعنه: إن أدخل يديه في كميه فدى وإلا فلا. اختاره الخرقي، ورجحه في

"المغني" وغيره.

والاول اختيار الأكثر.

(وإن غطى خنثى مشكل وجهه ورأسه) فدى؛ لأنه إن كان أنثى فدى؛ لتغطية وجهه، وإن كان ذكراً فدى، لتغطية رأسه.

(او) غطى الخنثى المشكل (وجهه ولبس مخيطاً فدى)؛ لأنه إن كان أنثى فدى؛ لتغطية وجهه، وإن كان ذكراً فدى؛ للبسه المخيط.

(لا إن لبسه) أي: لبس الخنثى المشكل المخيط فقط، (او غطى وجهه

(1)

في أ: حلها، وفي ج: جلدها.

(2)

كذا في ج، وفي أوب: البخاري.

ص: 92

وجسده بلا لُبس) فإنه لا فدية عليه؛ للشك.

(الخامس) من أقسام المحظورات: (الطيب) بالإجماع؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم -أمر يعلى بن أمية بغسل الطيب "

(1)

.

وقال في المحرم الذي وقصته ناقته: " لا تحنطوه "

(2)

. متفق عليهما. ولمسلم: " لا تمسوه بطيب "

(3)

.

(فمتى طيَّب محرم ثوبَه أو بدنَه) أو شيئاً من بدنه. نص عليه. أو شيئاً من ثوبه، (او استعمل) المحرم (في أكل أو شرب، أو ادهان، أو اكتحال، أو استعاطٍ، أو احتقان طيباً يظهر طعمه أو ريحه) فيما أكله أو شربه أو ادهن به أو اكتحل به أو استعط به أو احتقن به.

(أو قصد) المحرم (شم دهن مطئب، أو) شم (مسك، أو) شم (كافور، أو عنبر، أو زعفران، أو ورس) وهو نبت أصفر يكون باليمن يتخذ منه الحمرة

(4)

للوجه. قاله الجوهري.

وفي " القاموس ": الورس: نبات كالسمسم، ليس إلا باليمن، يزرع فيبقى عشرين سنة نافع للكلف طلاء، والبهق شرباً. انتهى.

فإن جلس عند العطار، أو في موضع ليشم الطيب، (أو) قصد شم (بخور عود ونحوه)

ولو الكعبة حال تجميرها.

(أو) قصد شم (ما ينبته آدمي لطيب ويُتخذ منه) الطيب؛ (كورد وبنفسج) بفتح الموحدة والنون والسين معرب، (ومنثور) وهو الخيري، (ولْيَنَوْفر، وياسمين ونحوه)؛ كالبان والزئبق.

(وشمه أو مس ما يعلق به) أي: بالممسوس؛ (كماء ورد: حرُم) عليه

(1)

سيأتي تخريجه ص (136) رقم (2). من حديث يعلى بن أمية.

(2)

سبق تخريجه ص (86) رقم (1).

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1206) 2: 866 كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات.

(4)

في " الصحاح " للجوهري: الغُمْرَ ة.

ص: 93

ذلك كله

(1)

، (وفدى). نص عليه، لأن الطيب شيء حرمه الإحرام. فلزمت الفدية به، كاللباس.

(لا إن شم) المحرم شيئاً من ذلك (بلا قصد)، لعسر التحرز عن ذلك،

(أو مس) من الطيب (ما لا يعلق) به، كقطع الكافور والعنبر. فلا فدية فيه " لأنه غير مستعمل للطيب.

(أو شم ولو قصداً فواكه)، كالأترج والتفاح، (أو عوداً) " لأنه لا يتطيب به هكذا، وإنما يقصد منه التبخير.

(أو) شم (نبات صحراء، كشيح) بكسر الشين المعجمة، (ونحوه)، كالخزامى بالخاء المعجمة والزاي وهي: نبت له زهرة طيبة الرائحة، لها نور كنور البنفسج، الواحدة خزاماة، ومثلها

(2)

القيصوم

(3)

وهو صنفان أنثى وذكر، النافع منه أطرافه، وزهره مر جداً، ويدلك البدن به للنافض فلا يقشعر إلا يسيراً.

(أو ما ينبته آدمي لا بقصد طيب، كحناء وعصفر) بضم العين المهملة.

قال في " القاموس ": نبتٌ يُهرِّى اللحم الغليظ

(4)

، وبزره: القرطم. انتهى.

(وقرنفل) ويقال أيضاً: قرنفول

(5)

. وهو: ثمرة شجرة بسُفالة الهند، أفضل الأفاويه الحارة وأذكاها، (ودار صيني) ومن أنواعه القرفة، (ونحوها) أي: نحو هذه الأشياء، كالزرنب.

(أو) ينبته آدمي (لقصده) أي: لقصد الطيب (ولا يتخذ منه) الطيب " (كريحان فارسي وهو الحبَق).

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: ومثلهما.

(3)

ساقط من أ.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في أ: أقرنفول.

ص: 94

قال في " القاموس ": نبات طيِّبُ الرائحة. فارسيّته: الفُوتَنج، يشبه الثُّمَام، وحَبَقُ الماء وحبق التمساح: الفوتنج النهري. انتهى.

(و) ك (نمَّام).

قال في "القاموس ": النَّمَّام: نبت طيب مُدِرَّ، يخرج الجنين الميت والدود.

(و) ك (بََرم. وهو: ثمر العِضَاه؛ كأم غَيْلان ونحوها، و)(نرجس) بفتح النون وكسرها، (و) ك (مَرْزَجُوش).

قال في " القاموس ": بالفتح المرْدَقوش، معرب مرزنكوش، وعربيته: السَّمسَق، نافع لعسر البول، والمغص، ولسعة العقرب. انتهى.

(ونحوها)، كالنسرين.

(أو ادهن) المحرم (ب) دهن (غير مطيِّب)، كزيت وشيرج. نص عليه.

(ولو في رأسه وبدنه) جميعاً. فإنه لا يحرم عليه ذلك، ولا فدية في ذلك ولا في الأدهان على الأصح؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله "

(1)

. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر، من رواية فرقد

(2)

السبخي. وهو ضعيف عندهم، وذكره البخاري عن ابن عباس.

ولعدم

(3)

الدليل على وجوب الفدية.

(السادس) من أقسام المحظورات على المحرم: (قتل صيد البرِّ) إجماعاً " لقوله سبحانه وتعالى: (لا تقتلوا الصيد وانتم حرم)[المائدة: 95]. (واصطياده) ولو لم يقتله أو يخرجه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وحرم عليكم صيد ابر مادمتم حرماً)[المائدة: 96].

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(962) 3: 294 كتاب الحج.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3083) 2: 1030 كتاب المناسك، باب ما يدهن به المحرم.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(6322) 2: 145.

(2)

في ب: الفرقد.

(3)

في ب: ابن عباس وأحمد لعدم.

ص: 95

(و) صيد البر (هو): الحيوان (الوحشي المأكول، و) كذا (المتولِّد منه) أي: من المأكول (ومن غيره) تغليباً؛ لتحريم قتله، كما غلبوا تحريم أكله.

(والاعتبار) في الوحشي والأهلي (بأصله. فحمام وبط) وهو الاوز (وحشي) ولو استأنس. فيجب الجزاء في وحشيه وأهليه.

وعنه: لا يضمن أهليه، وفاقاً لأبي حنيفة؛ لأنه ألوف بأصل الخلقة. كذا علله الحنفية

(1)

.

ولو توحش الأهلي من إبل أو بقر أو غيرهما لم يحرم قتله للأكل، ولاجزاء فيه.

قال أحمد في بقرة صارت وحشية: لا شيء فيها؛ لأن الأصل فيها الأنسية.

(فمن أتلفه) أي: أتلف صيد البر أو المتولد بين الصيد وغيره؛ كالسمع بكسر السين المهملة وهو

(2)

: المتولد بين الضبع والذئب وهو محرم.

(او تلف بيده) كله (او بعضه بمباشرة، أو سبب. ولو) كان السبب (بجناية دابة متصرف فيها) المحرم، (او إشارة) من المحرم (لمريد صيدٍ، أو دلالته) أي: دلالة المحرم على الصيد من يريد صيده (إن لم يره.

او إعانته) أي: إعانة المحرم مريد صيده (ولو بمناولته آلته) أي: آلة الصيد. ومن الإعانة: إعارة المحرم الحلال آلة؛ كرمح وسكين بالقول؛ كأعرتك.

(ويحرم) على المحرم (ذلك) أي: ما تقدم من الإشارة إلى الصيد، والإعانة عليه، والدلالة عليه؛ لأن ذلك إعانة على محرّم. فحرمت. كالإعانة على قتل آدمي معصوم.

(لا دلالة) محرم (على طيب ولباس) فإن ذلك لا يحرم؛ لأن الدلالة على

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 96

الطيب واللباس لا ضمان فيهما بالسبب، ولا يتعلق بهما حكم يختص بالدال عليهما، والدلالة على الصيد يتعلق بها حكم يختص بالدال وهو: تحريم الأكل منه، ووجوب الجزاء فيما إذا كان من دلّه

(1)

المحرم حلالاً، لأنه إذا كان الصائد حلالاً، (فعليه) أي: على المحرم المشير إلى الصيد، أو الدال عليه، أو المعين عليه (الجزاء) أي: جزاء الصيد الذي قتله الحلال. نقله ابن منصور وابن إبراهيم وأبو الحارث في الدال.

ونقله عبدالله في المشير. ونقله أبو طالب فيه وشي الذي يعين. وروى النجاد الضمان عن علي وابن عباس في محرم أشار

(2)

.

وأما ما روي عن ابن عمر: لا جزاء على الدال: فقال القاضي: المعروف

عنه ما رواه النجاد: لا يدل المحرم على صيد ولا يشير إليه.

والأصل في ذلك ما في خبر أبي قتادة: " لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون قال النبي صلى الله عليه وسلم: هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟ قالوا: لا ". وفيه: " أبصروا حماراً وحشياً فلم يأذنونى وأحبوا لو أني أبصرته. فالتفت فأبصرته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح. فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح. قالوا: والله! لا نُعينُك عليه ".

وفيه: " إذ أبصرت

(3)

بأصحابي يتراءون شيئاً. فنظرت فإذا حمار وحشي ".

وفيه: " فبينما أنا مع أصحابي فضحك بعضهم إلى بعض، إذ نظرت فإذا بحمار وحشي فحملت عليه فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني "

(4)

. متفق على ذلك كله.

(1)

في ب: عن دلالة.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: إذ بصرت.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5091) 5: 2064 كتاب الأطعمه، باب تعرق العضد، و (1725 - 1728) 2: 647 - 649 أبواب الإحصار وجزاء الصيد.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1196) 2: 851 - 855 كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم.

ص: 97

(إلا أن يقتله) أي: يقتل الصيد (محرم) بسبب دلالة محرم: (ف) إن جزاؤه يكون (بينهما) أي: بين الدال والقاتل بالسوية على الأصح؛ لأنهما اشتركا في التحريم. فكذا في الجزاء.

(ولو دلَّ ونحوه) بأن أعان (حلال) محرماً على صيد فقتله المحرم: (ضمنه محرم وحده) أي: دون أن يشاركه في ذلك الحلال؛ (كشركة غيره) أي: غير المحرم (معه) أي: مع المحرم في قتل الصيد؛ لأنه اشترك في قتله من يجب عليه الضمان ومن لا يجب. فاختص الجزاء بمن يجب عليه.

ولأنه اجتمع موجب ومسقط. فغلب الإيجاب؛ كما لو قتل صيداً بعضه في الحرم وبعضه في الحل.

وكذا لو كان المشارك غيرآدمي بأن كان المشارك سبعاً أو نحوه.

وإن سبق حلال أو سبع إلى صيد فجرحه ثم قتله المحرم فعليه جزاؤه مجروحاً. وإن جرحه محرم ثم قتله حلال فعلى المحرم أرش جرحه فقط.

ولو جرحه محرم ثم قتله محرم فعلى الاول أرش جرحه وعلى الثانى تتمة الجزاء.

(ولو دلَّ حلال حلالاً على صيد بالحرم) فقتله المدلول: (فكدلالة محرم محرماً)، ويكون جزاؤه عليهما. نص عليه.

وقيل: لا ضمان على دال في حل، بل على المدلول وحده؛ كحلال دل محرماً.

(وإن نصب) حلال (شبكة، ونحوها)؛ كفخ (ثم أحرم، أو أحرم ثم حفر بئراً بحق)؛ كما لو حفرها في داره أو للمسلمين في طريق واسع: (لم يضمن ما يحصل) من تلف صيد (بسببه) أي: بسبب نصب الشبكة وحفر البئر.

وإن لم يكن حفر البئر بحق ضمن ما تلف به؛ كالآدمي إذا تلف بذلك. .

وأطلق في " الانتصار " ضمانه.

ومراد من نفاه (إلا إن تحيَّل).

ص: 98

قال في " الفروع ": ومراد [من أطلق]

(1)

من أصحابنا والله أعلم إذا لم يتحيل فالمذهب رواية واحدة، وإذا لم يتحيل فالخلاف وعدمه أشهر وأظهر. انتهى.

واحتج بعض الأصحاب في الفارِّ من الزكاة بنصب اليهود الشبك يوم الجمعة وأخذوا يوم الأحد ما سقط فيها، وأنه شرع لنا.

(وحُرم أكله) أي: أكل المحرم (من ذلك كله) وهو ما صاده، أو دل عليه، أو أشار إليه، أو أعان على ذبحه، أو كان له أثر في ذبحه مثل: أن يعير ما يذبحه به " لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: " هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه؟ قالوا: لا. قال: كلوا ما بقي من لحمها "

(2)

. متفق عليه. (وكذا ما ذبح) من أجله (او صيد لأجله). نقله الجماعة، لما في " الصحيحين " من حديث الصعب بن جثامة " أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم -حمارأ وحشياً فرده عليه. فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم "

(3)

.

وروى الشافعي وأحمد من حديث جابر مرفوعاً: " لحم الصيد لكم

(4)

في الإحرام حلال

(5)

، ما لم تصيدوه أو يُصد لكم "

(6)

. فيه المطلب بن حنطب، قال الترمذي: لا يعرف له سماع من جابر.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(1728) 2: 648 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب لا يشير المحرم إلى الصيد. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1196) 2: 853 كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1729) 2: 649 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1193) 2: 850 كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم.

(4)

ساقط من ب.

(5)

في أ: لحم الصيد للرجال. وهو وهم.

(6)

أخرجه أحمد في " مسنده "(15197) 3: 387.

وأخرجه الشافعي في " مسنده "(839) 1: 322 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

ص: 99

و [صح عن]

(1)

عثمان: " أنه أُتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا. فقالوا: ألا تأكل أنت؟ فقال: إنى لست كهيئتكم إنما صيد لأجلي "

(2)

. رواه مالك والشافعي.

(ويلزمه) أي: يلزم المحرم (بأكله) أي: أكل ما ذبح أو صيد لأجله] (الجزاء) أي: جزاء ما ذبح وصيد لأجله]

(3)

؛ لأنه إتلاف منع منه بسبب الإحرام. فوجب عليه به الجزاء؛ كقتل الصيد. ولهذا يباح لغيره.

وإن قتل المحرم صيداً ثم أكله ضمنه؛ لقتله. لا لأكله. نص عليه؛ لأنه مضمون بالجزاء. فلم يتكرر؛ كإتلافه بغير أكله، وكصيد الحرم إذا قتله حلال وأكله.

ولأنه ميتة وهي لا تضمن، ولهذا لا يضمنه بأكله محرم غيره.

(وما حرم عليه) أي: على المحرم (لدلالة) عليه، (أو إعانة) عليه،

(أو صيد له) أي: للمحرم: (لا يحرم على محرم غيره) أي: غير الدال أو المعين أو الذي صيد له (كحلال) أي: كما لا يحرم على حلال.

(وإن نقل) المحرم (بيض صيد) سليم (ففسد) بسبب النقل: ضمنه بقيمته مكانه؛ لأن فساده كتلفه. أشبه المباشرة

(4)

لتلفه.

(أو أتلف) المحرم بيض صيد (غير مَذّر، و) غير (ما فيه فرخ ميت.

إلا) ما كان (من بيض النعام؛ لأن لقشره) أي: قشر بيض النعام (قيمة.

أو حلب) المحرم (صيداً) صاده في إحرامه ولو بعد حله، أو محل ما صاده بالحرم ولو بعد إخراجه إلى الحل.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه مالك في " الموطأ "(84) 1: 287 كتاب الحج، باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد. وأخرجه الشافعي في " مسنده " (843) 1: 324 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: المباشر.

ص: 100

(ضمنه) أي: ضمن البيض إن كان ما أتلفه بيضاً، أو ضمن اللبن الذي

حلبه من الصيد (بقيمته). نص عليه، (مكانه) أي: مكان الإتلاف؛ لقول ابن عباس: " في بيض النعام قيمته "

(1)

.

ولأن البيض لا مثل له. فتجب فيه القيمة؛ كصغار الطير.

وإطلاق الثمن في الخبر الذي رواه ابن ماجه بسنده إلى أبي هريرة أن النبى

صلى الله عليه وسلم -وقال: " في بيض النعام قيمته "

(2)

: يدل على وجوب القيمة. إذ غالب الأشياء يعدل ثمنها قيمتها.

وقد علم مما تقدم: أن المذر وما فيه فرخ ميت من غير بيض النعام لا شيء فيه؛ لأنه لا قيمة له، وأن ما كسر فخرج منه فرخ وعاش أنه لا شيء فيه على الأصح؛ لأنه لم يتلف شيئاً.

(ولا يملك) المحرم (صيداً ابتداءً) أي: ملكاً متجدداً (بغير إرث) وفاقاً. فلا يملكه بشراء ولا اتهاب ولا اصطياد، ولو بنصب أحبولة قبل إحرامه فيقع فيها وهو محرم في الأصح؛ لخبر الصعب بن جثَّامة السابق

(3)

؛ لأن الصيد ليس محلاً للتمليك للمحرم؛ لأن الله حرم الصيد عليه؛ كالخمر.

وقيل: لا يملكه أيضاً بالإرث.

والاول المذهب؛ لأن الملك بالإرث لا فعل منه فيه، ويملك به الكافر المسلم فجرى مجرى الاستدامة.

(فلو قبضه) أي: قبض المحرم الصيد (هبة) له (او رهناً) على دينه

(4)

(أو بشراء: لزمه رده) إلى من أقبضه إياه. (وعليه) أي: على قابضه (إن

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 208 كتاب الحج، باب بيض النعامة يصيبها المحرم. عن ابن عمر.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3086) 2: 1031 كتاب المناسك، باب جزاء الصيد يصيبه المحرم.

(3)

ص (99) رقم (3).

(4)

في أ: دين.

ص: 101

تلف قبله) أي: قبل رده (الجزاء مع قيمته) لمالكه (في هبة وشراء) أي: في صورة الهبة والشراء.

ومتى تلف بيد من رده إليه لم يضمنه الراد، ويضمنه لمالكه بقيمته إن أرسله ولم يرده. ولا جزاء عليه.

(وإن أمسكه) أي: أمسك الصيد إنسان حال كونه (محرماً) بالحل أو الحرم، (أو) أمسكه حال كونه (حلالاً بالحرم فذبحه) المحرم (ولو بعد حله) من إحرامه، (أو) ذبحه من أمسكه بالحرم ولو بعد (إخراجه من الحرم: ضمنه) بجزائه، لأنه تلف بسبب كان في إحرامه، أو في الحرم؛ كما لو جرحه فمات بعد حله، أو بعد خروجه من الحرم.

(وكان ما) ذبح (لغير حاجة أكله ميتة). نص عليه، وفاقاً.

قال في " المستوعب " وغيره: ولو قتله لصوله عليه؛ لأنه محرم عليه لمعنى فيه لحق الله سبحانه وتعالى؛ كذبيحة المجوسي. فساواه فيه وإن خالفه في غيره.

(وإن ذبح مُحِلّ صيدَ حَرَمٍ فكالمحرم) يعني: أنه يكون ما ذبح لغير حاجة أكله ميتة.

(وإن كسر المحرم بيض صيد: حَلّ لمحل) أن يأكله، وكذا لو حلب المحرم صيداً فإنه لا يحرم على محل استعماله في الأصح فيهما، لأن حله للمحل لا يتوقف على الكسر ولا الحلب.

ولا يعتبر لواحد منهما أهلية. فلو كسره اوحلبه مجوسي أو بغير تسمية: حل.

وعلم من قوله: حل لمحل حرمتها على المحرم الذي باشر الكسر والحلب وغيره.

(ومن أحرم وبملكه صيد لم يزُل) ملكه عنه، (ولا) تزول أيضاً عنه (يده الحكمية)، مثل: أن يكون بغير مكان المحرم الذي يشاهده بأن يسافر ويتركه ببيته، أو يكون بيد نائبه بالمحل البعيد عنه.

ص: 102

(ولا يضمنه معها) يعني: أن المحرم لا يضمن الصيد إذا تلف مع وجود يده الحكمية؛ لأنه لا تلزمه إزالتها، ولم يوجد منه سبب في تلفه. وله التصرف فيه بالبيع والهبة وغيرهما في الأصح.

(ومن غصبه) من يده الحكمية (لزمه رده)؛ لاستدامة ملكه عليه.

(ومن) صاد صيداً بالحل ثم (أدخله الحرم، او) صاد صيداً وهو حلال ثم (أحرم وهو) أي: الصيد (بيده المشاهدة)؛ كما لو كان بخيمته، أو رحله، أو في قفص معه، أو مربوط بحبل معه:(لزمه إزالتها) أي: إزالة يده المشاهدة عنه (بإرساله)؛ لأن في عدم إزالة يده المشاهدة عنه إمساكاً للصيد، ولم يجز كحالة الابتداء بدليل اليمين. (وملكه باق) عليه بعد إرساله (فيرده آخذه) عليه إذا حل، (ويضمنه قاتله) بقيمته له؛ لأن ملكه كان عليه، وإزالة اليد لا تزيل الملك. بدليل الغصب والعارية.

فإن تلف في يده قبل إرساله بعد إمكانه ضمنه بالجزاء؛ لأنه تلف تحت يد عادية. فلزمه ضمانه.

(فإن لم يتمكن) من إرساله بأن نفره ليذهب

(1)

فلم يذهب، (و) استمر مصاحباً له حتى (تلف) بغير فعله:(لم يضمنه)؛ لأنه لم يوجد منه ما يقتضي ضمانه من تقصير ولا تعدٍّ

وحيث لم يرسله (ولا ضمان على مرسله من يده قهراً)؛ لأنه فعل ما له فعله.

ولأن اليد المشاهدة قد زال حكمها وحرمتها بإحرامه.

ومتى استمر ممسكاً للصيد حتى حل من إحرامه فملكه باق عليه؛ لعدم زواله بالإحرام. فصار كالعصير يتخمر ثم يتخلل قبل إراقته.

(ومن قتل) وهو محرم (صيداً صائلاً) عليه (دفعاً عن نفسه): لم يحل

ولم يضمنه كالآدمي الصائل.

(1)

ساقط من أ.

ص: 103

ولأنه التحق بالمؤذيات طبعاً. فصار كالكلب العقور.

ولا فرق بين أن يخشى منه التلف، أو المضرة بجرحه، أو إتلاف ماله، أو بعض حيواناته.

(أو) قتل وهو محرم صيداً (بتخليصه من سبع، أو شبكة ليُطلقه): لم يحل ولم يضمنه؛ لأنه فعل فعلاً أبيح لحاجة الحيوان. فلم يضمن ما تلف به. (أو قطع) محرم (منه) أي: من الصيد (عضواً متآكلاً) فمات: (لم يحل، ولم يضمنه)؛ لأنه فعل أبيح لحاجة الحيوان. أشبه ما لو داوى ولي الصبي الصبي فمات بذلك، وهذا ليس بمتعمد. فلا تتناوله الآية.

(ولو أخذه) أي: أخذ المحرم الصيد الضعيف (ليداويه: فوديعة) أي: فحكمه حكم الوديعة. فمتى مات بيده من غير تقصير في حفظه ولا تعد عليه لم يضمنه.

(ولا تأثير لحرم وإحرام في تحريم) حيوان (إنسي)؛ كالدجاج، وبهيمة الأنعام؛ لأن ذلك ليس بصيد. وإنما حرم الله سبحانه وتعالى الصيد. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -يذبح البدن في إحرامه في الحرم يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى في ذلك، وقال- صلى الله عليه وسلم:" أفضل الحج العج والثج "

(1)

. يعني: إسالة الدماء بالذبح والنحر.

(ولا) تأثير لحرم ولا إحرام أيضاً (في محرم الأكل)؛ كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب والخنزير. (إلا المتولد) بين الوحشي والأهلي، كما لو تولد حمار بين الحمر الوحشية والحمر الأهلية فإنه يغلب جانب التحريم. ويكون حكمه حكم الذي أبواه وحشيان.

وينقسم الحيوان الذي لا جزاء فيه إلى ثلاثة اقسام:

الاول: الفواسق الخمس التي أباح الشارع قتلها في الحل والحرم. وهي:

الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور. وإطلاق لفظ:

(1)

سبق تخريجه ص (80) رقم (2).

ص: 104

الغراب شامل لما لا يحل أكله من الغربان؛ كغراب البين والأبقع.

والأصل في ذلك ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحرم: الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور "

(1)

.

وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس من الدواب ليس على المحرم جناح في قتلهن "

(2)

. وذكر مثل حديث عائشة. متفق عليهما.

القسم الثانى: ما كان طبعه الأذى وإن لم يوجد منه أذى؛ كالأسد والنمر

وما في معناهما مما فيه أذى للناس فى أنفسهم وأموالهم، من جوارح الطير والحشرات المؤذية؛ كالحية والزنبور والبق والقراد والبعوض والبراغيث.

القسم الثالث: ما لا يؤذي بطبعه، كالرخم والديدأن والبوم. فلا أثر للمحرم ولا للإحرام فيه؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما أوجب الجزاء في الصيد، وليس شيء من ذلك بصيد.

(ويحرم بإحرام قتل قمل وصِئبأنه، ولو برميه) على الأصح؛ لما فيه من الترفه بإزالته فحرم؛ كقطع الشعر.

(ولا جزاء فيه) أي: في القمل، لأنه لا قيمة له. أشبه البعوض والبراغيث. ولأنه ليس بصيد.

(لا براغيث وقراد، ونحوهما)، كالدلم. فإنه لا يحرم على المحرم قتل

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1732) 2: 0 65 أبواب الإحصاء وجزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1198) 2: 857 كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب. . .

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3137) 3: 1205 كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1199) 2: 858 الموضع السابق.

ص: 105

شئ من ذلك.

ويروى عن ابن عمر: " أنه قرد بعيره بالسقيا "

(1)

أي: نزع القراد عنه فرماه. وهذا قول ابن عباس وجابر بن زيد وعطاء.

وقال مالك: لا يجوز.

ولنا: أنه قول من سمينا من الصحابة.

ولأنه مؤذٍ. فأبيح قتله؛ كغيره من الحشرات المؤذيات.

(ويسن مطلقاً) مع وجود أذى وبدونه (قتل كل مؤذ) من الحيوإن (غير آدمي).

قال في " الأنصاف ": يستحب قتل كل مؤذ من حيوإن وطير. جزم به في "المستوعب " وغيره، وقدمه في " الفر وع "، وقال: هو مراد من أباحه. انتهى. (ويباح) للمحرم وغيره (لا بالحرم) على الأصح (صيد ما يعيش في الماء)؛ كالسمك، (ولو عاش في بر أيضاً؛ كسلحفاة) وضفدع (وسرطأن)؛ لأن ما يعيش في البحر له حكم صيد البحر.

وأما كون صيد البحر يحرم بالحرم؛ لأن حرمة صيد الحرم للمكان. فلا

فرق فيه بين صيد البر وصيد البحر.

(و) أما (طير الماء) فهو (بري)؛ لأنه يبيض ويفرخ في البر. فيحرم على المحرم صيده، وفيه الجزاء.

(ويضمن جراد) أي: يضمن المحرم الجراد على الأصح؛ لأنه بري يشاهد طيرأنه في البر، ويهلكه الماء إذا وقع فيه. أشبه العصافير. (بقيمته)؛ لأنه متلف غير مثلي إذا قتله.

(ولو بمشي) من المحرم (على) جراد (مفترش بطريق). ولو لم يكن له طريق غير محل الجراد المفترش في الأصح؛ لأنه أتلفه لمنفعة نفسه بالمشي

(1)

أخرج مالك في " الموطأ " عن ربيعة بن أبي عبدالله بن الهدير " أنه رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيراً له في طين بالسقيا وهو محرم "(92) 1: 289 كتاب الحج، باب ما يجوز للمحرم أن يفعله. والسقيا: قرية بين مكه والمدينة.

ص: 106

عليه. أشبه ما لو اضطر إلى أكله فأكله.

(وكذا) أي: ومثل ضمان جراد أتلف بمشي عليه في الحكم (بيض طير أتلف) أي: أتلفه محرم الحاجة مشي) عليه. فيضمنه بقيمته.

(ولمحرمٍ احتاج إلى فعل محظور فعله، ويفدي)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى كعب بن عجرة والقمل يتناثر على وجهه أباح له حلق رأسه وأوجب عليه الفدية

(1)

. وباقي المحظورات في معنى الحلق.

ومن ببدنه شيء لا يحب أن يطلع عليه أحد لبس وفدى. نص عليه.

(وكذا) وكالمحرم إذا احتاج إلى فعل محظور (لو اضطر) المحرم إلى ذبح صيد: فإن له ذبحه وأكله ويفدي؛ (كمن) اضطر (بالحرم إلى ذبح صيد). فإن له ذبحه وأكله ويفدي.

(وهو) أي: الصيد الذي ذبحه المضطر وهو محرم أو بالحرم (ميتة في حق غيره) أي: غير المضطر. (فلا يباح) أكلهأي: أكل الصيد الذي ذبحه المضطر (إلا لمن يباح له أكلها) أي: أكل الميتة.

(السابع) من أقسام المحظورات على المحرم: (عقد النكاح). فلو تزوج المحرم، أو زوج محرمة، أو كان وكيلاً أو ولياً في النكاح: لم يصح. نقله الجماعة عن أحمد، وفاقاً لمالك والشافعي، تعمد ذلك أو لم يتعمد؛ لما روى مسلم عن عثمان مرفوعاً:" لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب "

(2)

. ولمالك والشافعي

(3)

وأبي داود: " أن عمر بن عبيدالله أرسل إلى أبأن بن عثمان، وأبأن يومئذ أمير الحاج وهما محرماًن: أنى أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت أن تحضر. فأنكر ذلك عليه، وقال: سمعت

(1)

سبق تخريجه (82) رقم (1) و (2).

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1409) 2: 1031 كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته.

(3)

في أ: وللشافعي.

ص: 107

عثمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب "

(1)

. وعن ابن عمر أنه كان يقول: " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره "

(2)

. رواه مالك والشافعي ورفعه الدارقطني.

ولأحمد والدارقطني عنه: " أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة فقال: لا تتزوجها وإنت محرم. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه "

(3)

.

ولمالك والشافعي: " أن رجلاً تزوج امرأة وهو محرم. فرد عمر. نكاحه "

(4)

.

وعن علي وزيد معناه. رواهما أبو بكر النيسأبوري.

ولأن الإحرام يمنع الوطء ودواعيه. فمنع عقد النكاح؛ كالعدة.

ولأن العقد من دواعي الجماع. فمنعه الإحرام " كالطيب، أو يقال عقد

لا يتعقبه استمتاع، كالمعتدة.

وأجازه ابن عباس [وأبو حنيفة؛ لقول ابن عباس]

(5)

: " تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم "

(6)

. متفق عليه.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه (1841) 2: 169 كتاب المناسك، باب المحرم يتزوج.

وأخرجه مالك في " الموطأ "(0 7) 1: 283 كتاب الحج، باب نكاح المحرم.

وأخرجه الشافعي في " مسنده "(821) 1: 316 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

(2)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(822) 1: 316 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . . وأخرجه مالك في " الموطأ " (72) 1: 283 كتاب الحج، باب نكاح المحرم.

وأخرجه الدارقطنى في " سننه "(59) 3: 261 باب المهر.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(5958) 2: 115.

وأخرجه الدارقطني في " سننه "(58) 3: 260 باب المهر.

(4)

أخرجه مالك في " الموطأ "(71) 1: 283 كتاب الحج، باب نكاح المحرم.

وأخرجه الشافعي في " مسنده "(825) 1: 316 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

(5)

ساقط من ب.

(6)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(1740) 2: 652 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب تزويج المحرم. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1410) 2: 1031 كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته.

ص: 108

وللبخاري

(1)

: " وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف "

(2)

.

ولأحمد والنسائي: " وهما محرماًن "

(3)

.

والجواب بما روى مسلم عن يزيد بن الأصم عن ميمونة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس "

(4)

.

ولأبي داود: " وتزوجني ونحن حلالاًن بسرف "

(5)

.

وعن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونه حلالاً، وبنى بها حلالاً، وكنت الرسول بينهما "

(6)

. إسناده جيد، رواه أحمد والترمذي وحسنه.

وقال ابن المسيب: " أن ابن عباس وَهلَ "

(7)

.

وقال أيضاً: " أوهم "

(8)

. رواهما الشافعي. أي: ذهب وهمه إلى ذلك. وللبخاري وأبي داود هذا المعنى عن ابن المسيب

(9)

.

قال في " الفروع ": وهذا يدل أن حديث ابن عباس خطأ. وكذا نقل أبوالحارث عن أحمد أنه خطأ. ثم قصة ميمونة مختلفة كما سبق فيتعارض

(1)

في ب: رواه البخاري، وهو تصحيف.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4011) 4: 1553 كتاب المغازي، باب عمرة القضاء.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(2839) 5: 191 كتاب مناسك الحج، الرخصة في النكاح للمحرم. وأخرجه أحمد في مسنده) (2200) 1: 345

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه (1411) 2: 1032 كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1843) 2: 169 كتاب المناسك، باب المحرم يتزوج.

(6)

أخرجه الترمذي في " جامعه (841) 3: 200 كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم. وأخرجه أحمد في " مسنده " (0 4 272) 6: 393

(7)

أخرجه الشافعي في مسنده " (829) 1: 318 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . . وفي المسند: وهم.

(8)

أخرجه الشافعي في مسنده " (829) 1: 318 الموضع السابق.

(9)

أخرجه أبو داود في " سننه ") 1845) 2: 169 كتاب الحج، باب المحرم يتزوج.

ص: 109

ذلك، وما سبق لا معارض له. ثم. رواية الحل أول؛ لأنها أكثر، وفيها صاحب القصة والسفير فيها، ولا مطعن فيها ويوافقها ما سبق، وفيها زيادة مع صغر ابن عباس إذا.

ويمكن الجمع بأن ظهر تزويجها وهو محرم، أو فعله خاص به. انتهى.

فعلى هذا يكون من خصائصه. ولهذا قال في " التنقيح " وتبعته عليه:

(إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم يعني: فلا يكون في حقه محظوراً. وعلى كون فعل النبي صلى الله عليه وسلم خاص به عمل الخلفاء الراشدين.

(و) مع كونه محظوراً (لا فدية فيه)؛ لأنه عقد فاسد لأجل الإحرام. فلم تجب به فدية؛ كشراء الصيد.

ولا فرق فيه بين الإحرام الصحيح والفاسد. قاله في " الشرح ".

(وتُعتَبر حالتُه) أي: حالة عقد النكاح. (فلو وكَّل) محرم (حلالاً:

صح عقده) أي: عقد الوكيل (بعد حل موكله)؛ لوقوع العقد حالة حل الوكيل والموكل.

(ولو وكَّله) أي: وكل الحلال في التزويج إنسان حالة كونه (حلالاً فأحرم)[أي: الموكل]

(1)

(فعقده) الوكيل (حال إحرامه) أي: إحرام موكله: (لم يصح) العقد، (ولم ينعزل وكيله) في الأصحأي: وكيل من وكل في التزويج وهو حلال (بإحرامه. فإذا حل) الموكل (عقده) وكيله.

قال في " الإنصاف ": فعلى المذهب لو حل الموكل كان لوكيله عقده له في

الأقيس. قاله في " الرعاية " و" الفروع ". انتهى.

(ولو) اختلف الزوجان فقالت الزوجة: عقده وكيلك وإنت محرم، و (قال) الزوج:(عقد قبل إحرامي قُبِل) قول الزوج.

(وكذا إن عُكس) بأن قالت: عقد قبل إحرامك فقال: بل عقد وإنا

(1)

ساقط من أ.

ص: 110

محرم. فإنه يقبل قوله أيضاً " لأنه يملك فسخه قبل إقراره به.

(لكن يلزمه نصف المهر) في صورة العكس.

(ويصح) النكاح (مع جهلهما) أي: جهل الزوجين (وقوعه) بأن جهلا: هل وقع وهو حلال، أو وهو محرم، لأن الظاهر من المسلمين تعاطي العقود الصحيحة.

(و) لو قا ل الزوج: (تزوجت) ك (وقد حللت، وقالت) هي: (بل)

كنت (محرمة: صدق) الزوج. (وتصدق هي في نظيرتها في العدة) يعني: أنه لو قال الزوج: تزوجتك بعد إنقضاء عدتك وقالت: بل قبله ولم تمكنه من نفسها صدقت " لأنها مؤتمنة على نفسها. ذكره ابن شهاب وغيره.

(ومتى أحرم الإمام الأعظم أو) أحرم (نائبه: امتنعت مباشرته) أي: مباشرة المحرم منهما (له) أي: لعقد النكاح ما دام محرماً. لا لأقاربه من النسب، ولا بالولاية العامة (لا نوابه) أي: لا مباشرة نوابه للنكاح (بالولاية العامة)[في الأصح]

(1)

للحرج.

(وتكره خطبة محرم) أي: أن يخطب امرأة، لما في حديث مسلم المتقدم

عن عثمان مرفوعاً: " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب "

(2)

.

(ك) ما يكره له (خطبة عقده) أي: عقد النكاح، (وحضوره وشهادته

فيه) أي: في عقد النكاح في الأصح.

وقيل: يحرم ذلك " لتحريم دواعي الجماع.

(لا رجعته) أي: لا رجعة المحرم لمطلقته الرجعية على الأصح " لأنها إمساك.

ولأن الرجعية مباحة قبل الرجعة فلا إحلال. ولو قلنا تحرم لم يكن ذلك

مانعاً من رجعتها " كالتكفير للمظاهر.

(1)

ساقط من أ.

(2)

سبق تخريجه ص (108) رقم (1) و (2).

ص: 111

(و) لا (شراء أمة لوطء)؛ لورود عقد النكاح على منفعة البضع خاصة.

وعدم صحة النكاح على مجوسية وأخته ونحوها من رضاع، وعلى معتدة من غير الزوج. بخلاف شراء الأمة في هذه الأحوال.

ولأن الأمة تراد للوطء وغيره.

(الثامن) من أقسام المحظورات على المحرم: (وطء يوجب الغسل) وهو: تغييب الحشفة في الفرج، قبلاً كان أو دبراً، [من آدمي]

(1)

أو غيره؛ لقوله سبحانه وتعالى: " (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث) [البقرة: 197] قال ابن عباس: هو الجماع "

(2)

. بدليل قوله سبحانه وتعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [البقرة: 187] يعني: الجماع.

ولا فرق في ذلك بين كونه عامداً أو ساهياً. نقله الجماعة عن أحمد، لأن بعض الصحابة قضوا بفساد الحج ولم يستفصلوا. ولو اختلف الحال؛ لوجب الاستفسار.

ولأنه سبب يتعلق به وجوب القضاء. فاستويا، كالفوات.

والجأهل بالتحريم والمكره والناسي، كالعالم والمطيع والذاكر. نقله الجماعة.

(وهو) أي: الوطء (يفسد النسك قبل تحلل أول). حكاه ابن المنذر إجماعاً. ولو بعد الوقوف. نقله الجماعة عن أحمد، لأن ما سبق مطلق.

ولأنه صادف إحراماً تاماً، كقبل الوقوف.

وقوله صلى الله عليه وسلم عمن وقف بعرفة: " تم حجه "

(3)

يعني: قاربه، لبقاء طواف الزيارة. ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد. بدليل العمرة، وإدراك ركعة من الجمعة، ونية الصوم قبل الزوال.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبن أبي شيبة في " مصنفه "(13224) 3: 173 كتاب الحج، في قوله تعالى (فلارفث ولا فسوق).

(3)

سيأتي تخريجه ص (208) رقم (3).

ص: 112

(وعليهما) أي: على الواطئ والموطوءة (المضيّ في فاسده) أي: في الحج الذي فسد بالوطء فيه، ولا يخرج منه بالوطء. روي ذلك عن عمر وعلي وأبي هريرة وابن عباس

(1)

.

ويستمر حكمه كحكم الإحرام الصحيح. نقله الجمهور؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله)[البقرة: 196].

وقد روي مرفوعاً: أنه أمر المجامع بذلك

(2)

.

ولأنه معنى يجب به القضاء. فلم يخرج به منه؛ كالفوات.

ونقل ابن إبراهيم عن أحمد: أنه يعتمر من التنعيم، ومقتضاه: أنه يجعل الحج عمرة. وعليهما أيضاً القضاء؛ لما روى الدارقطني بإسناد جيد إلى عمرو ابن شعيب عن أبيه: " أن رجلاً أتى عبدالله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأة. فأشار إلى عبدالله بن عمر. فقال: اذهب إلى ذلك واسأله. قال شعيب: فلم يعرفه الرجل. فذهبت معه. فسأل ابن عمر فقال: بطل حجك. فقال الرجل: افأقعد؟ قال: لا. بل تخرج مع الناس وتصنع ما يصنعون. فإذا أدركت قابلاً حج وأهدي. فرجع إلى عبدالله بن عمرو فأخبره. ثم قال: اذهب إلى ابن عباس فاسأله. قال شعيب: فذهبت معه فسأله. فقال له مثل ما قال [ابن عمر. فرجع إلى عبدالله بن عمرو فأخبره. ثم قال: ما تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا]

(3)

"

(4)

.

ورواه الأثرم وزاد: " وحل إذا حلوا. فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهدياً هدياً. فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتما". -

وعمرو بن شعيب حديثه حسن. قال البخاري: رأيت علياً وأحمد

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 167 كتاب الحج، باب ما يفسد الحج

(2)

سيأتي ذكر الحديث وتخريجه ص (116) رقم (1).

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه الدارقطني في " سننه (209) 3: 50 كتاب البيوع.

ص: 113

والحميدي وإسحاق يحتجون به. قيل له: فمن تكلم فيه ماذا يقول؟ قال: يقولون أكثر عمرو بن شعيب ونحو هذا.

(و) حيث تقرر وجوب القضاء فإنه يستوي فيه الصغير والكبير. نص

عليه؛ لأن الصغير تلزمه البدنة والمضي

(1)

في فاسده؟ كبالغ.

إذا علمت ذلك: فإنه (يقضي فوراً) كل من الواطئ والموطوءة؛ لما تقدم

في حديث عمرو بن شعيب من قوله: " فإذا أدركت قابلاً حج ".

(إن كان مكلفاً)؛ لأنه لا عذر له في التأخير مع القدرة على القضاء.

(وإلا) أي: وإن لم يكن مكلفاً حالة فساد حجه. فإن بلغ قبل الوقوف في

هذه الحجة الفاسدة [فقد تقدم حكمه في أوائل كتاب الحج

(2)

. وإن لم يبلغ حتى انقضت الحجة الفاسدة: (ف) يقضي الحجة الفاسدة]

(3)

بعد تكليفه، و (بعد حجة الإسلام فوراً). سواء كان الحج الذي أفسده بالوطء من المكلف فرضاً أو نفلاً. نص عليه. وجزم به الأصحاب؛ لإطلاق ما سبق من السنة.

ولوجوب إتمامه بدخوله في الإحرام.

ولإيجاب

(4)

القضاء على غير المكلف وهو لا يكون منه إلا نفلاً.

ويكون الإحرام بحجة القضاء (من حيث أحرم أولاً) أي: من المكان الذي

أحرم منه بالحجة الذي فسدت، (إن كان) قد أحرم بها (قبل ميقات.

وإلا) أي: وإن لم يكن أحرم بها قبل ميقات (فمنه) أي: فإنه يحرم بحجة

القضاء من الميقات. فحأصله أنه يلزمه الإحرام بحجة القضاء من أبعد الموضعين: الميقات أو إحرامه الأول. نص عليه، وفاقاً للشافعي؛ لما سبق من السنة.

(1)

في أ: والخبر.

(2)

ص 10.

(3)

ساقط من ب.

(4)

في أ: ولا يجب.

ص: 114

ولأن القضاء يحكي الأداء. بدليل المسافة من الميقات إلى مكة، وكالصلاة. ولأن دخوله في النسك سبب لوجوبه. فتعلق بموضع الإيجاب؛ كالنذر.

قال القاضي: فإنه لو. نذر حجة من دويره أهله لم يجز أن يحرم من الميقات، ولزمه من دويرة أهله.

نقل أبو طالب: لا يجزئهما إلا من حيث أهلاّ. الحرمات قصاص.

(ومن أفسد القضاء) أي: حجة القضاء (قضى الواجب) الذي عليه بإفساد الحج الأول، (لا القضاء) أي: لا حجة القضاء؛ كما لو أفسد قضاء الصوم والصلاة.

ولأن الواجب لا يزداد

(1)

بفواته، وإنما يبقى ما كان واجباً في الذمة على ما كان عليه.

(ونفقة) حجة (قضاء مطاوعة) على الوطء (عليها)؛ لقول ابن عمر:

" واهدياً هدياً "

(2)

. أضاف الفعل إليهما.

وقول ابن عباس: " اهد ناقة ولتهد ناقة "

(3)

.

ولأنها بمطاوعتها أفسدت نسكها. فكانت النفقة عليها؛ كالرجل.

(و) نفقة حجة قضاء (مكرهة على مكره)؛ لأنه المفسد لنسكها. فكانت عليه نفقتها؛ كنفقة نسكه.

(وسن تفرقهما) أي: الواطئ والموطوءة في الأصح (في) حجة (قضاء)؛ لما روى ابن وهب بإسناده عن سعيد بن المسيب " أن رجلاً جامع امرأته وهما محرمان. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم. فقال لهما: أتما حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة آخرى من قابل. حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما

(4)

فأحرما

(1)

في ب: يزاد.

(2)

أخرجه أبو داود في " المراسيل "(7) 123 كتاب الحج، باب ما جاء في الحج

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 168 كتاب الحج، باب ما يفسد الحج.

(4)

في أب: أصبتها.

ص: 115

وتفرقاً، ولا يؤاكِل أحد منكما صاحبه، ثم أتما مناسككما واهدياً "

(1)

.

وروى سعيد والأثرم عن عمر وابن عباس معناه.

(من موضع وطء) إلى إنتهاء حجة القضاء، لأنه إذا بلغ موضع الوطء ربما تذكره فتتوق نفسه فيواقع المحظور.

(فلا يركب معها في محمل، ولا ينزل معها في فسطاط) وهو البيت من الشعر، (و) لا في (نحوه)؛ كخيمة.

ويستمر تفرقهما (إلى أن يحلا) من إحرامهما.

(و) الوطء (بعده) أي: بعد التحلل الأول (لا يُفسد) النسك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة "

(2)

.

ولقول ابن عباس " في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر: ينحران جزوراً بينهما، وليس عليه الحج من قابل "

(3)

. رواه مالك.

ولا يعرف له في الصحابة مخالف.

وقول أبو بكر في " التنبيه ": أن من وطئ في الحج قبل الطواف فسد حجه: محمول على ما قبل التحلل الأول.

قال في " المستوعب " عن كلام أبي بكر: يريد إذا لم يكن رمى جمرة العقبة. فلا يكون قبل التحلل الأول.

(وعليه) أي: على الواطئ بعد التحلل الأول (شاة)؛ لفساد إحرامه.

(و) عليه أيضاً (المضي للحل. فيحرم) منه، ليجمع

(4)

في إحرامه بين الحل والحرم، و (ليطوف) طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج، حال كونه (محرماً).

(1)

أخرجه أبو داود في (المراسيل " (3) 123 كتاب الحج. من حديث يزيد بن نعيم.

(2)

سيأتي تخريجه ص (254) رقم (1).

(3)

أخرجه مالك في " الموطأ "(155) 1: 309 كتاب الحج، باب من أصاب أهله قبل أن يفيض. وليس فيه:" وليس عليه الحج من قابل ".

(4)

في أ: فيجمع.

ص: 116

وإن لم يكن. سعى قبل ذلك سعى بعد طوافه ثم تحلل؛ لأن الإحرام إنما وجب ليأتي بما بقي من الحج وهو محرم.

(وعمرة) في فسادها بالوطء (كحج. فيفسدها) الوطء (قبل تمام سعي. لا) الوطء فيها (بعده) أي: بعد السعي (وقبل حلق.

وعليه) لإفساد العمرة (شاة). نقله أبو طالب وعليه الأصحاب؛ لنقص حرمة إحرامها عن الحج، لنقص أركانها، ودخول أفعالها فيه إذا اجتمعت معه. والنقص يمنع كمال الكفارة، كبعد التحلل الأول.

وقال الحلوانى في " الموجز ": الأشبه بدنة، وفاقاً للشافعي؛ كالحج.

(ولا فدية على مكرهة) على الوطء.

(التاسع) من أقسام المحظورات على المحرم: (المباشرة) أي: مباشرة الرجل المرأة فيما (دون الفرج لشهوة)، لما في ذلك من اللذة، واستدعاء الشهوة المنافي ذلك للإحرام.

(ولا تفسد) المباشرة (النسك) ولو أنزل. على الأصح؟ لأن ذلك استمتاع

لا يجب بنوعه الحد. فلم يفسد به الحج؛ كما لولم ينزل.

ولأنه لا نص في ذلك ولا إجماع.

ولا يصح قياسه على المنصوص عليه؛ لأن الوطء في الفرج يجب بنوعه الحد.

ولا يفترق الحال فيه بين الإنزال وعدمه. بخلاف المباشرة.

ويأتي تفصيل الواجب في ذلك في باب الفدية

(1)

.

(1)

ص: 126.

ص: 117

[فصل: في إحرام المرأة [

(فصل) فيما يختص بإحرام المرأة وبعض ما تشارك فيه الرجل.

(والمرأة إحرامها في وجهها).

والأصل في ذلك ما روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ولا تتنقب المرأة، ولا تلبس القفازين "

(1)

.

وروي. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها"

(2)

.

(فتسدل) المرأة بأن تضع الثوب فوق رأسها وتسدله على وجهها (لحاجة)

إلى ذلك؛ كمرور الرجال قريباً منها.

والأصل في ذلك ما روي عن عائشة قالت: " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا حاذونا سدلت أحداًنا جلبابها على وجهها. فإذا جاوزونا كشفناه "

(3)

. رواه أبو داود والأثرم.

ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها. [فلم يحرم عليها ستره؛ كالإطلاق كالعورة.

قال الإمام أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها]

(4)

من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل.

قال الموفق: كان الإمام يقصد أن النقاب من أسفل وجهها.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1741) 2: 653 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة.

(2)

سبق تخريجه ص (86) رقم (4).

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1833) 2: 167 كتاب المناسك، باب في المحرمه تغطي وجهها.

(4)

ساقط من أ.

ص: 118

ولا يضر أن يمس الثوب المسدول بشرة وجهها في الأصح.

وقال القاضي: إن أصاب بشرة الوجه ولم ترفعه بسرعة مع القدرة افتدت

لأنها استدامت الستر.

وردّ ذلك الموفق بأن قال: لم أر هذا الشرط عن أحمد ولا هو في الخبر،

مع أن الظاهر خلافه. فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة. فلو كان هذا شرطاً لبُيّن. وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما مما هو معد لستر الوجه.

(ويحرم تغطيته) يعني: أنه يجتمع في حق

(1)

المحرمة تحريم تغطية الوجه ووجوب تغطية الرأس.

(ولا يمكنها تغطية جميع رأسها إلا ب) تغطية (جزء منه) أي: من الوجه،

(ولا كشف جميعه.) أي: جميع الوجه، (إلا بجزء من الرأس. ف) يكون (ستر الرأس كله أولى؛ لكونه) أي: الرأس (عورة. ولا يختص ستره بإحرام) وكشف الوجه بخلافه.

(ويحرم عليها) أي: على المرأة المحرمة (ما يحرم على رجل) محرم،

من قطع الشعر، وتقليم الأظفار، والطيب، وقتل الصيد، وباقي المحظورات. - (غير لباس) أي: لبس المخيط، (و) غير (تظليل محمل).

وإنما كان ذلك؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بأمر وحكمه عليه يدخل فيه الرجال والنساء. وإنما استثني منه اللباس للحاجة إلى ستر المرأة؛ لكونها عورة إلا وجهها، وكذا تظليل

(2)

المحمل.

(ويباح لها) أي: للمرأة المحرمة (خلخال ونحوه من حلي) أي: أن تتحلى بالخلخال والسوار والدملج والقرط وغير ذلك على الأصح.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من ب.

ص: 119

قال أحمد في رواية حنبل: تلبس المحرمة الحلي والمعصفر.

والأصل في ذلك ما روى ابن عمر " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفرأن من الثياب "

(1)

. وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوإن الثياب، من معصفر أو خز أو حلي. (ويسن لها) أي: للمرأة (خضاب) بحناء (عند إحرام)؛ لما روي عن ابن عمر أنه قال: " من السنة أن تدلك المرأة يديها

(2)

في حناء ".

ولأنه من الزينة. فاستحب عند الإحرام؛ كالطيب.

(وكُره) الخضاب (بعده) أي: بعد الإحرام ما دامت محرمة؛ لكونه من الزينة. أشبه الكحل بالإثمد.

(فإن شدّت يديها بخرقة: فدت)؛ لأن ذلك ستر ليديها بما يختص بهما. أشبه القفازين.

وكما لو شد الرجل على جسده شيئاً.

وإن لفّتهما من غير شد فلا فدية؛ لأن المحرّم هو الشد. لا تغطيتهما؛ كبدن الرجل.

(ويحرُم عليهما) أي: على الرجل والمرأة (لبس قفازين، وهما) أي: القفازين

(3)

: (شيء لعمل لليدين) يدخلها فيهما من خرق يسترهما من الحر، (كما يعمل للبزاة. ويفديان) أي: المرأة والرجل (بلبسهما)؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتنقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين "

(4)

. رواه البخاري.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1827) 2: 166 كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم.

(2)

في أ: بدنها.

(3)

في ج: القفا زان.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1741) 2: 653 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة.

ص: 120

(وكُره لهما) أي: للرجل والمرأة (اكتحال بإثمد ونحوه) من كل كحل

أسود (لزينة)؛ لما روي عن عائشة " أنها قالت لامرأة محرمة: اكتحلي بأي كحل شئت، غير الإثمد أو الأسود "

(1)

.

و (لا) يكره (لغيرها) أي: لغير الزينة، كما لو اشتكت عينه أوعينها. (ولهما) أي: للمرأة والرجل المحرمين (لُبس مُعصفَر) وهو: الئوب المصبوغ بالعصفر، لأنه ليس بطيب. ولا بأس باستعماله وشمه.

(و) لبس ثوب (كحلي)، وكذا سائر المصبغات، سوى المورس والمزعفر

(2)

، لأن الأصل الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه أو كان في معناه. (و) للمحرم والمحرمة أيضاً (قطع رائحة كريهة بغير طيب)، لأن ذلك ليس من المحظورات، بل مطلوب فعله.

(و) لهما أيضاً (اتجار وعمل صنعة ما لم يَشغلا) أي: الاتجار وعمل الصنعة (عن) فعل (واجب أو) فعل (مستحب).

قال ابن عباس: " كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجأهلية. فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) [البقرة: 198] في مواسم الحج "

(3)

. رواه البخاري.

ولأبي داود عن مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن علاء بن المسيب حدثنا

أبو أمامة التميمي قال: " كنت رجلاً أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون: - ليس لك حج. فلقيت ابن عمر فقلت: أنى أكري في هذا الوجه وإن ناساً يقولون: ليس لك حج. فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قلت: بلى. قال: فإن لك حجاً. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله مثل ما سألتني عنه. فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 63 كتاب الحج؛ باب المحرم يكتحل بما ليس بطيب.

(2)

في ب: الورس والزعفر.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1945) 2: 723 كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله تعالى:(ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم).

ص: 121

حتى نزلت هذه الاية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 198]. فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الاية، وقال: لك حج "

(1)

. إسناده جيد، ورواه الدارقطني وأحمد.

وعنده: " أنا نكري فهل لنا من حج؟ "، وفيه:" تحلقون رووسكم "، وفيه:" فقال: أنتم حجاج ".

(و) للمحرم والمحرمة أيضاً (نظر في مرآة لحاجة). والحاجة: (كإزالة شعربعين.

وكُره) نظرهما في المرآة (لزينة) في الأصح. ذكره الخرقي وغيره.

قال أحمد: لا باًس. ولا يصلح شعثاً ولا ينفض عنه غباراً. وقال: إذا

كان يريد زينة فلا يرى شعرة فيسويها.

روى أحمد من حديث أبى هريرة ومن حديث عبدالله بن عمر مرفوعاً: " إن الله سبحانه وتعا لى يباهي الملائكة بأهل عرفة: أنظروا إلى عبادي أتونى شعثاً غبراً "

(2)

. قال في " الفروع ": ويتوجه أن لا يكره.

(وله) أي: للرجل المحرم

(3)

(لُبس خاتم) من فضة وعقيق وغيرهما مما يباح؛ لما روى

(4)

الدارقطني عن ابن عباس: " لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم "

(5)

.

وفي رواية: " رخص للمحرم الهميان والخاتم "

(6)

.

(1)

أخرجه أبو داود فى " سننه "(1733) 2: 42 1 كتاب المناسك، باب الكري.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(6434) 2: 155.

وأخرجه الدارقطني في " سننه "(250) 2: 292 كتاب الحج، باب المواقيت.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(7089) 2: 224

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: في.

(5)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(71) 2: 233 كتاب الحج.

(6)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 68 كتاب الحج، باب المحرم يلبس المنطقة والهميان للنفقة والخاتم.

ص: 122

(ويجتنبان) أي: للمحرم والمحرمة وجوباً (الرفث)، وقد تقدم تفسيره

بالجماع، (والُفسوق) وهو: السباب. وقيل: المعاصي. (والجدال) وهو: المراء. روي ذلك عن جماعة منهم ابن عمر وعطاء وإبراهيم.

قال ابن عباس: هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه.

قال الموفق: المحرم ممنوع من ذلك كله.

وقال في " الفصول ": يجب اجتناب الجدال وهو المماراة فيما لا يعني.

[وفي " المستوعب ": يحرم عليه الفسوق وهو: السباب، والجدال وهو: المماراة فيما لا يعني]

(1)

.

وفي " الرعاية ": يكره له كل جدال ومراء فيما لا يعنيه، وكل سباب.

وقيل: يحرم كما يحرم على المحل، بل أولى. انتهى.

قال في " الفروع ": كذا قال. وفي " تفسير ابن الجوزي " وغيره عن أكثر المفسرين في قوله سبحانه وتعالى: (فلارفث ولا فسوق ولاجدال فى الحج)[البقرة: 197]: لا تمارينَّ أحداً فيخرجه المراء إلى المماراة وفعل ما لا يليق في الحج.

وعن جماعة: لا شك في الحج ولا مراء. فإنه قد عرف وقته.

وفيه في قوله: (وجادلهم بالتى هى أحسن)[النحل: 125] قيل: بالقرآن والتوحيد.

وقيل: غير فظ ولا غليظ.

وقيل: أنه منسوخ بآية السيف. وهذا ضعيف.

وفيه في

(2)

قوله: (فلاينازعنك فى آلأمر)[الحج: 67] أي: في الذبائح. . والمعنى: فلا تنازعهم، وهذا جائز في فعل لا يكون إلا من اثنين. فإذا

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 123

قلت: لا يجادلنك فلأن. فهو بمنزلة لا تجادلنه. ولهذا قال في الاية:، (ووإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون) [الحج: 68 قال: وهذا أدب حسن، علمه الله سبحانه وتعالى عباده؛ ليردوا به من جادل على سبيل التعنت ولا يجيبوه ولا يناظروه.

وفي " الروضة " وغيرها: يستحب أن يتوقى الكلام فيما لا ينفع، والجدال والمراء واللغو وغير ذلك مما لا حاجة به إليه.

ولأحمد عن عبدالله بن نمير عن حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعاً: " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ: (ماضربوه لك إلا جدلاً) الزخرف: 58 ["

(1)

.

قال في " الفروع ": أبو غالب مختلف فيه. قال ابن معين: صالح الحديث، ووثقه الدارقطني.

وقال ابن عدي: لا بأس به.

وقال ابن سعد: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وضعفه النسائي، وبالغ ابن الجوزي فقال:

لا يلتفت إلى روايته.

ورواه ابن ماجه من حديث حجاج، وكذا الترمذي. وقال: حسن صحيح.

وعن أبي هريرة مرفوعاً: " جدال في القرآن كفر "

(2)

. إسناده جيد، رواه أحمد.

وعن مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع منه مرفوعاً: " لا يؤمن العبد الأيمان

كله حتى يترك الكذب في المزاحة، ويترك المراء وإن كان صادقا "

(3)

.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(53 32) 5: 378 كتاب تفسير القران، باب ومن سورة الزخرف. وأخرجه ابن ماجه في " سننه " (48) 1: 19 المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(21917) 5: 252

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(5 " 2 0 1) 2: 478

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1 875) 2: 364

ص: 124

وعن أبي أمامة مرفوعاً: " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن

كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه "

(1)

. حديث حسن، رواه أبو داود.

(وتسن قلة كلامهما) أي: المحرم والمحرمة (إلا فيما) أي: في شيء (ينفع)؛ لما روى أبو هريوة مرفوعاً: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفليقل خيراً أو ليصمت "

(2)

. متفق عليه.

وعنه مرفوعاً: " من حُسن إسلام الموء تركه ما لا يعنيه "

(3)

. حديث حسن، رواه الترمذي وغيره.

ولأحمد من حديث الحسين بن علي مثله

(4)

.

وله أيضاً في لفظ: " قلة الكلام فيما لا يعنيه " [

(5)

.

وفي " الرعاية ": يكره له كثرة الكلام بلا نفع.

وقدم في " الفروع " الاستحباب. والله سبحانه وتعالى أعلم. ***.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 480) 4: 253 كتاب الأدب، باب في حسن الخلق.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(0 1 61) 5: 2376 كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(47) 1: 68 كتاب الإيمان، باب الحب على إكرام الجار والضيف

ولزوم الصمت إلا عن الخير. . .

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(2317) 4: 558 كتاب الزهد.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(737 1) 1: 1 0 2

(5)

ساقط من أ.

ص: 125

[باب: الفدية]

(باب) أي: هذا باب يذكر فيه أقسام الفدية وقدر ما يجب ومستحقه.

ثم (الفدية: ما يجب بسبب نسك) أي: إحرام، (أو) بسبب (حرم)

وهو الواجب بسبب صيد الحرم البري والبحري ونباته.

(وهي) أي: الفدية (ثلاثة أضرب) أي: ثلاثة أصناف:

(ضرب) من الثلاثة يجب (على التخيير. وهو) أي: الضرب الواجب

على التخيير (نوعان:

نوع) من النوعين (يخير فيه) المخرج (بين ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام،

أو إطعام ستة مساكين: لكل مسكين) منهم (مدّ بُر) فقط على الأصح، (أو

نصف صاع تمر، أو) نصف صاع (شعير.

وهي: فدية لبس، وطيب، وتغطية راس، وإزالة أكثر من شعرتين، أو)

أكثر من (ظفرين).

والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: (فمن كان منكم مريضاَ أوبه أذى من رأسه

ففدية من صيام أو صدقة أونسك) [البقرة: 196] ذكره بلفظ: " أو " وهي للتخيير.

وقال النبى صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: " لعلك آذاك هوامّ رأسك؟ قال: نعم يا

رسول الله لِلَّهِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام

(1)

، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة "

(2)

. متفق عليه.

وفي لفظ: " أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع تمر "

(3)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

سبق تخريجه ص (82) رقم (1).

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4245) 4: 1642 كتاب التفسير، باب (فمن كان منكم مريضاَ أوبه أذى من رأسه).

ص: 126

فدلت الآية والخبر على وجوب الفدية على صفة التخيير بين الذبح والإطعام والصيام في حلق الرأس. وقسنا عليه تقليم الأظفار واللبس والطيب " لأنه حرم في الإحرام لأجل الترفه فأشبه حلق الرأس.

ولا فرق في ذلك بين المعذور وغيره على الأصح، لأن الحكم ثبت في غير المعذور بطريق التنبيه تبعاً له، والتبع لا يخالف أصله.

ولأن كل كفارة ثبت التخيير فيها مع العذر ثبت مع عدمه؛ كجزاء الصيد.

لا فرق بين قتله للضروره لأجل أكله أو لغير ذلك. وإنما الشرط لجواز الحلق لا للتخيير. والحديث إنما ذكر فيه التمر ويقاس عليه البر والشعير والزبيب " لأن كل موضع أجزأ فيه التمر أجزأ فيه ذلك؛ كالفطرة وكفارة اليمين.

وقد روى أبو داود في حديث كعب بن عجرة قال: " فدعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين فرقاً من زبيب، أو أنسك شاة "

(1)

.

ومن أبيح له حلق رأسه جاز له تقديم الكفارة على الحلق. فعله علي رضي الله تعالى عنه.

ولأنها كفارة. فجاز تقديمها على وجوبها؛ ككفارة اليمين.

النوع (الثانى) من الضرب الذي على التخيير: (جزاء الصيد. يخير فيه)

من وجب عليه (بين) ذبح (مثل) للصيد من النعم، (أو تقويمه) أي: تقويم المثل (بمحل التلف) أي: تلف الصيد، (وبقربه) أي: بقرب محل تلف الصيد. نقله ابن القاسم وسندي.

(بدراهم) فضة (يشتري بها) أي: بالدراهم الذي قوم بها المثل (طعاماً). نص عليه، لأن كل متلف وجب مثله إذا قُوّم وجب قيمة مثله؛ كالمثلي من مال الآدمي.

ولا يجوز له أن يتصدق بالدراهم، لأن الله سبحانه وتعالى إنما ذكر في الآية

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 186) 2: 172 كتاب المناسك، باب في الفدية.

ص: 127

التخيير بين ثلاثة أشياء وهذا ليس منها.

ويشترط: أن يكون الطعام (يجزئ) إخراجه (في فطرة؛ كواجب في فدية أذى، و) كواجب في (كفارة. فيطعم كل مسكين مُدّ بُر، أو) يطعم كل مسكين (نصف صاع من غيره) أي: غير البر، (أو يصوم عن طعام كل مسكين يوماً). والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى:(يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاؤ مثل ماقتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هيا بالغ الكعبة أوكفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره)[المائدة: 95].

ف (جزاءٌ): يقرأ في السبع بتنوينه وإضافته إلى مثل وهو مع التنوين مبتدأ خبره محذوف، و (مثل): صفة أو بدل، ومع إضافته يكون (مثل) في حكم الزائد كقولهم: مثلى لا يقول ذلكأي: أنا لا أقول ذلك

(1)

. وقدّرنا؛ لأن الذي يجب به الجزاء الصيد المقتول لا مثله، و (من النعم): صفة الجزاء إذا نونتهأي: جزاء كائن من النعم. ويجوز جعله حالاً من الضمير في (قتل)؛ لأن المقتول يكون من النعم. و (يحكم به): صفة لجزاء إذا نونته، وإذا أضفته ففي موضع الحال

(2)

عاملها معنى الاستقدار المقدر في الخبر المحذوف.

ويدل للتخيير عطف هذه الخصال بعضها على بعض ب (أو). فكان مخيراً في جميعها؛ كفدية الأذى.

(وإن بقي دونه) أي: دون طعام مسكين (صام يوماً) يعني أنه لو بقي

مالا يعدل تمام طعام مسكين صام عنه يوماً كاملاً؛ لأن الصوم لا يتبعض. فيجب تكميله.

ولا يجب التتابع في الصيام. ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم

عن بعض. نص عليه.

وبه قال الشافعى والثوري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر؛ لأنها كفارة

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أت حال.

ص: 128

واحدة. فلم يجز فيها ذلك؛ كسائر الكفارات.

(ويخير فيما) أي: في جزاء صيد (لا مثل له) من النعم (بين إطعام وصيام) فقط؛ لتعذر المثل.

وعنه: أن جزاء الصيد على الترتيب فيجب المثل. فإن لم يجد لزمه الإطعام. فإن لم يجده صام. والأول المذهب.

(الضرب الثاني) من أضرب الفدية: ما يجب (مرتباً، وهو ثلاثة أنواع: أحدها) أي: أحد الأنواع الثلاثة الواجبة على الترتيب: (دم المتعة والقران. فيجب هدي)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى)[البقرة: 196]. والقارن بالقياس على المتمتع.

(فإن عدم) أي: عدم المتمتع والقارن الهدي، (أو) عدم (ثمنه ولو وجد من يقرضه). نص عليه، لأن الظاهر استمرار إعساره،:(صام) عشرة أيام (ثلاثة أيام) في الحج.

قيل: معناه في أشهر الحج.

وقيل: معناه في وقت الحج؛ لأنه لا بد في ذلك من إضمار، لأن الحج أفعال لا يصام فيها وإنما يصام في أشهرها أو في وقتها؛ وذلك كقوله سبحانه وتعالى:(الحج أشهر معلومات)[البقرة: 197] أي: في أشهر معلومات.

(والأفضل: كون آخرها) أي: آخرالثلاثة أيام (يوم عرفة). نص عليه. وإنما أحببنا له صوم عرفة هاهنا لموضع الحاجة. وعلى هذا: يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل ذلك؛ ليصرمها في الإحرام بالحج.

(وله تقديمها) أي: تقديم الثلاثة أيام بالصوم قبل إحرامه بالحج (في إحرام العمرة)؛ لأن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع. فجاز الصوم فيه؛ كفى الإحرام بالحج.

ولأنه يجوز تقديم الواجب على وقت وجوبه إذا وجد سبب الوجوب وهو

ص: 129

إحرامه بالعمرة في أشهر الحج؛ كتقديم الكفارة على الحنث بعد اليمين، وتقديم كفارة القتل بعد الجرح وقبل زهوق النفس.

(ووقت وجوبها) أي: وجوب صوم الأيام التلاثة (ك) وقت وجوب (هدي).

ولا يجوز صومها قبل الإحرام بالعمرة على الأصح.

وعنه: بلى.

قال في " الفروع ": والمراد في أشهر الحج. ونقله الأثرم.

(و) صام (سبعة) أي: سبعة أيام (إذا رجع إلى أهله)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (فمن لم يجد) يعني: هدياً (فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة)[البقرة: 196].

(وإن صامها) أي: صام السبعة أيام (قبل) أي: قبل أن يرجع إلى أهله (بعد إحرام بحج، أجزأ) أي: أجزأه ذلك (لكن لا يصح) أن يصوم شيئاً من الأيام السبع (أيام منى). نص عليه؛ لبقاء أيام الحج. قالوا: لأن المراد بقوله: (إذا رجعتم) يعني: من عمل الحج؛ لأنه المذكور، ويجوز صومها بعد أيام التشريق.

قال القاضي: إذا كان قد طاف طواف الزيارة. يعني: أنه قبل ذلك لم يرجع من عمل الحج.

ويصح أن يصوم الثلاثة في أيام منى؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بصيام الأيام الثلاثة في الحج ولم يبق من الحج إلا هذه

(1)

الأيام فتعين فيها الصوم. فإذا صام هذه الأيام فحكمه حكم من صام قبل يوم النحر على الأصح.

(ومن لم يصم الثلاثة أيام منى) أي: في أيام منى، (صام) بعدأي: بعد ذلك (عشرة) كاملة. (وعليه دم)؛ لأنه أخر الواجب من مناسك الحج عن وقته. فلزمه دم؛ كتأخير رمي الجمار عن أيام منى، (مطلقاً) أي: سواء كان

(1)

في ج: عدة.

ص: 130

تأخيره لعذر أو لغير عذر على الأصح.

(وكذا إن أخرالهدي) أي: نحوه (عن أيام النحر بلا عذر) يعني: فإنه

يلزمه دم بتأخير نحر الهدي عن أيام النحر بلا عذر للتأخير؛ لأن الهدي من مناسك الحج وقد أخره عن وقته.

(ولا يجب تتابع ولا تفريق في) صوم (الثلاثة، ولا) في صوم (السبعة)، ولا بين الثلاثة والسبعة (إذا قضا) ها أو قضى شيئاً منها نصاً؛ لأن الأمر ورد بها مطلقاً؛ لأن ذلك لا يقتضي جمعاً ولا تفريقاً.

(ولا يلزم من قدر على هدي بعد وجوب صوم إنتقال عنه) أي: عن الصوم. (شرع فيه أو لا) أي: أو لم يشرع فيه على الأصح؛ لأن الصوم استقر في ذمته؛ لوجوبه حال وجود السبب المتصل بشرطه وهو عدم النهي.

وعلم من كونه: لا يلزمه أنه لم يمتنع عليه إخراج الهدي بعد وجوب الصوم.

النوع (الثانى) من الضرب الثانى من أضرب الفدية: (المحصر يلزمه هدي) ينحره بنية التحلل وجوباً مكانه. ويجوز في الحل على الأصح.

والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى)

[البقرة: 196].

(فإن لم يجد) هدياً (صام عشرة أيام) بنية التحلل، (ثم حل) قياساً على هدي التمتع. وليس له التحلل قبل ذلك.

النوع (الثالث) من الضرب الثاني من أضرب الفدية: (فدية الوطء. ويجب به) أي: بالوطء (في حج قبل التحلل الأول بدنة. فإن لم يجدها) أي: البدنة (صام عشرة أيام: ثلاثة فيه) أي: في الحج، (وسبعة إذا رجع) من أفعال الحج؛ كدم المتعة؛ لقضاء الصحابة.

وقال القاضي: إن لم يجد البدنة أخرج بقرة. فإن لم يجد البقرة أخرج سبعاً

من الغنم. فإن لم يجد أخرج بقيمتها طعاماً. فإن لم يجد صام عن كل مد يوماً.

ص: 131

وظاهر كلام الخرقي: أنه مخير في هذه الخمسة. فبأيها كفر أجزأه.

(و) يجب في الوطء (في عمرة شاة) في الأصح، وتقدم ذلك في الباب الذي قبل هذا

(1)

.

(والمرأة) المطاوعة (كالرجل) في الحكم.

(الضرب الثالث) من أضرب الفدية: (دم وجب لفوات). وسيأتى حكم ذلك إن شاء الله تعالى في باب الفوات

(2)

.

(أو) دم وجب من أجل (ترك واجب). وسيأتي تفصيل واجبات الحج في أواخر باب صفة الحج

(3)

.

(أو) دم وجب من أجل (مباشرة دون فرج. فما أوجب) من ذلك (بدنة؛

كما لو باشر دون فرج) فأنزل، (أو كرر النظر) فأنزل، (أو قبل) فأنزل، (أو لمس لشهوة فأنزل، أو استمنى فأمنى: فحكمها) أي: فحكم البدنة الواجبة بما ذكر (كبدنة وطء) أي: كحكم البدنة الواجبة بالوطء في الفرج؛ لقضاء الصحابة بها. وما سوى ذلك مقيس عليه.

فالبدنة الواجبة بالمباشرة فيما دون الفرج مقيسة على الواجبة بالوطء في الفرج؛ لأنه دم وجب بسبب المباشرة. أشبه الواجب بالوطء في الفرج.

(و) كل (ما أوجب شاة كما لو مذى بذلك) أي: بما تقدم من المباشرة دون الفرج، وتكرار النظر والتقبيل واللمس لشهوة. (أو باشر ولم ينزل، أو أمنى بنظرة: فكفدية أذى)؛ لما في ذلك من الترفه. وقد قال ابن عباس " فيمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير: عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ". رواه الأثرم.

(وخطأ في الكل) أي: في كل ما تقدم من المباشرة فيما دون الفرج، وتكرار النظر، والتقبيل، واللمس لشهوة (كعمد) في وجوب الفدية.

(وأنثى مع شهوة) فيما تقدم (كرجل) يعني: أنه يجب عليها في ذلك ما

(1)

ص (116).

(2)

ص (261).

(3)

ص (255).

ص: 132

يجب على الرجل على الأصح.

(وما وجب) من فدية (لفوات) أي: من أجل فوات (أو ترك واجب: فكمتعة) يعني: أنه يجب عليه دم كدم المتعة.

ويجب عليه عند عدم الدم بدله؛ كبدل دم التمتع، وهو صيام عشرة أيام. إلا أنه

لا يمكن أن يكون منها ثلاثة أيام قبل يوم النحر؛ لأن الفوات إنما يكون بفوات ليلة النحر؛ لأنه ترك بعض ما اقتضى إحرامه. فصار كالمترفه بترك أحد السفرين.

فإن قيل: فهلا ألحقتموه بهدي الإحصار فإنه أشبه به

(1)

، إذ هو إحلال من إحرامه قبل إتمامه؛

قلنا: أما الهدي فقد استويا فيه، وأما البدل فإن الإحصار ليس بمنصوص

على البدل فيه، وإنما ثبت قياساً، وقياسه على الأصل المنصوص عليه أولى من قياسه على فرعه. على أن الصيام هاهنا مثل الصيام عن دم الإحصار في العدد، إلا أن صيام الإحصار يجب قبل الحل

(2)

وهذا يجوز قبل الحل وبعده.

(ولا شيء) أي: لا فدية (على من فكر فإنزل)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تتكلم "

(3)

. متفق عليه.

ولأنه لا نص فيه ولا إجماع. ولا يصح قياسه على تكرار النظر؛ لأنه دونه

في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الأنزال. ويخالفه في التحريم إذا تعلق بأجنبية

(4)

، أو في الكراهة إذا تعلق بمباحة. فيبقى على الأصل. .

***

(1)

ساقط من ب.

(2)

في ب: التحلل.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه"(6287) 6: 2454 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيأ في الأيمان.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(127) 1: 116 كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر.

(4)

في أ: بأجنبي.

ص: 133

[فصل: فيمن كرر محظوراً]

(فصل. ومن كرّر) في حالة إحرامه (محظوراً من جنس) واحد (غير قتل صيد: بأن حلق) شعره وأعاد الحلق، (أو قلّم) أظفاره وأعاد التقليم، (أو لبس) المخيط وأعاد اللبس بأن نزع ما لبسه وأعاد لبسه، أو لبس غيره مع بقاء الأول أو بعد نزعه.

أو تعدد السبب؛ كما لو لبس من أجل برد ئم نزع ما لبسه أو لم ينزعه، ولبس لأجل مرض ثم لبس من أجل تجمل

(1)

أو نحوه.

(أو تطيب) ثم أعاده، (أو وطئ وأعاده) بأن وطئ من وطئها أولاً أو غيرها، (قبل التكفير) عن المرة الأولى في جميع ما ذكر:(ف) عليه لما تكرر فعله من ذلك كفارة (واحدة.

وإلا) بأن كان قد كفر عن المرة الأولى (لزمه) للمرة الثانية كفارة (أخرى).

ولا فرق فيما إذا كرر المحظور من جنس واحد بين أن يفعله متتابعاً أو متفرقاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى أوجب في حلق الرأس فدية [واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات.

وأما كونه إذا كفر عن المرة الأولى لزمته للمرة الثانية كفارة آخرى]

(2)

" لأن السبب الموجب للكفارة الثانية غير عين الموجب للكفارة الأولى. أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفر ثم حلف وحنث أيضاً. وكما لو فعل ما يوجب حداً واستوفي ثم أعاد ما يوجب مثل ذلك فإنه

يستوفى منه مرة أخرى.

(و) إن كان المحظور المتعدد من المحرم (من أجناس)، كما لو حلق،

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 134

وقلّم أظفاره، ولبس المخيط، وتطيب:(ف) عليه (لكل جنس فداء). سواء فعل ذلك مجتمعاً أو متفرقاً " لأنها محظوراًت مختلفة الأجناس. فلا يتداخل جزأوها؛ كالحدود المختلفة والأيمان المختلفة.

وعكسه إذا كانت من جنس واحد.

(و) يجب (في الصيود ولو قُتلت معاً جزاء بعددها)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم)[المائدة: 95]. ومثل الصيدين لا يكون مثل أحدهما. (ويكفِّر) أي: ويلزم التكفير (من حلق) ناسياً أو جأهلاً أو مكرهاً، (أو

قلَّم) أظفاره في حالة من ذلك، (أو وفى) في حالة من ذلك في الأصح؛ لأن ذلك إتلاف. فاستوى عمده وسهوه، كإتلاف مال الآدمي.

ولأن الله سبحانه وتعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذى به وهو معذور. فكان ذلك تنبيهاً على وجوبها على غير المعذور، ودليلاً على وجوبها على المعذور بنوع آخر؛ كالمحتجم يحلق موضع محاجمه.

(أو قتل صيداً ناسياً، أو جأهلاً أو مكرهاً) على الأصح.

قال الزهري: تجب الفدية على قاتل الصيد متعمداً بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة.

ولأنه ضمان إتلاف. فاستوى عمده وخطؤه " كمال الآدمي.

(لا من لبس) ناسياً أو جأهلاً أو مكرهاً، (أو تطيّب) في حال من ذلك،

(أو غطى رأسه في حال من ذلك). فإنه لا فدية في ذلك على الأصح، لقوله صلى الله عليه وسلم:" عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "

(1)

.

قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه؛ لأنه شيء لا يقدر على رده، والصيد

إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده، والشعر إذا حلقه فقد ذهب. فهذه الثلاثة

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(43 0 2) 1: 659 كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي. عن أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 135

العمد والخطأ والنسيان فيه سواء، وكل شيء من النسيان بعد هذه الثلاثة فهو يقدر على رده مثل: ما

(1)

إذا غطى المحرم رأسه ثم ذكر القاه عن رأسه وليس عليه شيء، أو لبس خفاً نزعه وليس عليه شيء. ويلحق بالحلق التقليم بجامع الإتلاف. (ومتى زال عذره) المسقط للفدية بأن ذكر الناسي، أو علم الجأهل، أو زال الإكراه:(أزاله) أي: أزال استدامة ذلك المحظور بأن ينزع ما لبسه، أو يغسل الطيب، أو يزيل ما على رأسه (في الحال).

والأصل في ذلك ما روى يعلى بن أمية: " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق، أو قال: أثر صفره. فقال: يا رسول الله! كيف تأمرنى أن أصنع في عمرتي؟ فقال: اخلع عنك هذه الجبة، [واغسل عنك أثر الخلوق، أو قال: أثر الصفرة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك "

(2)

. متفق عليه.

وفي لفظ: " قال: يا رسول الله! أحرمت بالعمرة وعلي هذه الجبة "

(3)

[

(4)

.

فلم يأمره بالفدية مع سؤاله مسألته عما يصنع. وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. فدل ذلك على أنه عذره لجهله، والناسي في معناه.

ولأن الحج عبادة يجب بإفسادها الكفارة. فكان في محظوراته ما يفرق فيه

بين عمده وسهوه؛ كالصوم.

(ومن لم يجد ماء لغسل طيب، مسحه) أي: مسح الطيب بخرقة أو نحوها، (أو حكه بتراب أو نحوه) إن لم يجد ماء يمسحه به؛ لأن الذي عليه أن يزيله (حسب الإمكان)، والمستحب: أن يستعين في غسل الطيب بحلال؛

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(0 470) 4: 1906 كتاب فضائل القرآن، باب نزل القران بلسان قريش والعرب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(180 1) 2: 837 كتاب الحج، باب ما يباح بحج أو عمرة. . .

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(180 1) 2: 837 الموضع السابق.

(4)

ساقط من أ.

ص: 136

لئلا يباشر المحرم الطيب بنفسه.

(وله غسله بيده)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي رأى عليه طيباً: " اغسل عنك الطيب "

(1)

.

ولأنه تارك له.

(و) له غسله (بمائع) أيضاً، (فإن أخره) أي: أخرغسل الطيب عنه (بلا عذر فدى)؛ لأن ذلك استدامة محظور من غير عذر. فأشبه المبتدئ لذلك من غير عذر.

(ويفدي من رفض إحرامه ثم فعل محظوراً)؛ لأن التحلل مع الحج

لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء: إما بكمال أفعال، أو التحلل عند الحصر، أو بالعذر اذا شرط، وما عدا هذه فليس له أن يتحلل به ولو نوى التحلل لم يحل. ولا يفسد الإحرام برفضه؛ لأنها عبادة لا يخرج منها بالفساد. فلم يخرج منها برفضها. بخلاف سائر العبادات. ويكون الإحرام باقياً في حقه يلزمه أحكامه، ويلزمه جزاء كل جناية جناها فيه.

وإن وطئ فسد حجه وعليه بدنة لذلك مع ما وجب عليه من الدماء. سواء

كان الوطء قبل الجنايات أو بعدها. فإن الجناية في الحج الفاسد؛ كالجناية في الحج الصحيح، وليس عليه لرفض الإحرام شيء؛ لأنه مجرد نية لم يؤثر شيئاً. قال في " الأنصاف ": وهو. ظاهر كلام كثير من الأصحاب. انتهى.

وقيل: يلزمه لرفضه دم. ذكره في " الترغيب " وغيره وقدمه في " الفروع ". (ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه. فله استدامته فيه) يعني: أن للمحرم أن يستديم ما تطيب في بدنه قبل إحرامه؟ لقول عائشة: " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم. وقالت: كأنى أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم "

(2)

. متفق عليه.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1463) 2: 557 كتاب فضائل القرآن، باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب.

(2)

سبق تخريجه ص (52) رقم (1).

ص: 137

وفي لفظ للنسائي: " كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(1)

.

وفي لفظ لأبي داود قالت: " كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام. فإذا عرقت أحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلاينهاها "

(2)

.

(لا لبس) ثوب (مطيب بعده) أي: بعد الإحرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

" لا تلبسوا من الثباب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس "

(3)

. متفق عليه.

(فإن فعل) بأن لبس ثوباً مطيباً بعد إحرامه، (أو استدام لبس مخيط أحرم

فيه ولو لحظة فوق) الوقت (المعتاد من خلعه: فدى)، لأنه لبس من غير عذر. أشبه المبتدئ به.

ولأن خلعه واجب، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به.

(ولا يشقه)؛ لما تقدم من حديث يعلى بن أمية من قوله صلى الله عليه وسلم: " اخلع عنك

هذه الجبه "

(4)

. ولو وجب عليه شقها أو وجبت عليه فدية بخلعها لأمره بذلك " لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.

(وإن لبس) المحرم، (أو افترش ما) أي: ثوباً أو فراشاً (كان مطيباً وإنقطع ريحه) أي: ريح الطيب منه، (و) كان ريح الطيب (يفوح برشِّ ماء) على الذي كان مطيباً وإنقطع ريح الطيب منه. (ولو) كان افتراشه (تحت حائل غير ثيابه)، و (لا يمنع) ذلك الحائل (ريحه و) لا (مباشرته: فدى) أي: لزمته فدية التطيب، لأنه مطيب. بدليل أن رائحته تظهر عند رش الماء، والماء

(1)

أخرجه النسائي قي " سننه "(2699) 5: 140 كتاب مناسك الحج، موضع الطيب. "

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1830) 2: 166 كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(468 1) 2: 559 كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (77 1 1) 2: 5 83 كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة. . .

(4)

سبق تخريجه ص (136) رقم (2).

ص: 138

لا رائحة له، وإنما هو من الطيب الذي فيه. فلزمته الفدية؛ كما لو ظهرت الرائحة بنفسها.

ولو مس المحرم طيباً يظنه يابساً فبان رطباً ففي وجوب الفدية بذلك وجهان:

أحدهما: لا فدية عليه؛ لأنه جهل تحريمه. أشبه من جهل تحريم الطيب.

قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب، وقدمه في " الرعاية الكبرى "

في موضع. انتهى.

ص: 139

[فصل: في مكان الهدي والإطعام]

(فصل. وكل هدي أو إطعام يتعلق بحرم أو إحرام، كجزاء صيد، وما وجب لترك واجب أو فوات، أو بفعل محظور في حرم وهدي تمتع وقران ومنذور ونحوها): فهو لمساكين الحرم.

أما كون الهدي والإطعام لمساكين الحرم؛ فلقوله سبحانه وتعالى: (ثم محلها إلى البيت

العتيق) [الحج: 33].

وأما كون جزاء الصيد لهم أيضاً؛ فلقوله سبحانه وتعالى: (هدياً بالغ الكعبة) [المائدة:

95].

وذكر القاضي في قتل الصيد رواية: أنه يفدي حيث قتله؛ كحلق الرأس.

قال في " شرح المقنع ": وهذا يخالف نص الكتاب ومنصوص أحمد.

وأما كون ما وجب لترك واجب أو فوات. . . إلى آخره لهم أيضاً، لأنه

هدي وجب لترك نسك. أشبه دم القران.

وكل ما قلنا أنه يجب لمساكين الحرم فإنه (يلزم ذبحه في الحرم) وفاقاً.

ويجزئه الذبح في جميع الحرم.

قال أحمد: مكة ومنى وأحد.

وقال مالك: لا ينحر في الحج إلا بمنى، ولا في العمرة إلا بمكة.

قال في " الفروع ": [وهو متجه]

(1)

.

واحتج الأصحاب بما رُوي عن جابر مرفوعاً: " كل فجاج مكة طريق ومنحر "

(2)

. رواه أحمد وأبو داود من رواية أسامة بن زيد الليثي، وهو مختلف

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(937 1) 2: 93 1 كتاب المناسك، باب الصلاة بجمع.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(14538) 3: 326.

ص: 140

فيه، وحديثه حسن أن شاء الله تعالى. روى له مسلم. لكنه في مسلم عنه مرفوعاً:" ومنى كلها منحر "

(1)

.

وإنما أراد الحرم؛ لأنه كله طريق إليها. والفج: الطريق.

ولأن

(2)

نحره بالحرم؛ كمكة ومنى.

وقوله: (هديا بالغ الكعبة)[المائدة: 95]، وقوله:(ثم محلها الى البيت العتيق)[الحج: 33]: لا يمنع الذبح في غيرها، كما لم يمنعه بمنى.

(و) ما لزم ذبحه بالحرم يلزم (تفرقة لحمه) لمساكينه، (أو إطلاقه لمساكينه) أي: مساكين الحرم؛ لأن المعقول

(3)

من ذبحه بالحرم التوسعة على مساكينه ولا يحصل بإعطاء غيرهم.

والطعام كالهدي؛ لقول ابن عباس: " الهدي والإطعام بمكة ".

ولأنه نسك ينفعهم؛ كالهدي.

فإن قيل: أن الله نكر المساكين ولم يخص الحرم في قوله سبحانه وتعالى: (هديا بالغ الكعبة لو كفارة طعام مساكين)[المائدة: 95].

فالجواب: أنه عطف على الهدي. فصار تنكيراً بعد تعريف، كقولنا: صدقة تبلع بها بلد

(4)

كذا لكذا كذا مسكيناً: رجع إلى مساكين ذلك البلد. (وهم) أي: ومساكين الحرم: (المقيم به) أي: با لحرم، (والمجتاز) بالحرم (من حاج وغيره ممن له أخذ زكاة لحاجة) فإن بان بعد دفعه إليه غنياً فكالزكاة.

وما جاز تفريقه بغير الحرم لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة.

(والأفضل: نحر ما) وجب (بحج بمنى، و) ما وجب (بعمرة

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 893 كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف.

(2)

في أ: ولأنه.

(3)

في ب: المنقول.

(4)

ساقط من ب.

ص: 141

بالمروة)، للخروج من خلاف مالك ومن تبعه.

(وإن سلَّمه لهم) أي: سلم الهدي حياً لمساكين الحرم (فنحروه أجزأ).

(وإلا) أي: وإ ن لم ينحروه (استرده) منهم (ونحره)، لوجوب نحره.

(فإن أبى) أن يسترده (أو عجز) عن استرداده (ضمنه) لمساكين الحرم. (والعاجز عن إيصاله) أي: إيصال ما وجب ذبحه في الحرم (إلى الحرم) بنفسه أو بمن يرسله معه (ينحره حيث قدر، ويفرقه بمنحره)، لقوله سبحانه تعا لى:(لا يكلفالله نفسا الا وسعها)[البقرة: 286].

(وتجزئ فدية أذى، و) فدية (لُبس، و) فدية (طيب، ونحوها)، كتغطية رأس، (و) كل (ما وجب بفعل محظور): فعله (خارج الحرم). يعني: أنه يجزئه أن يخرج فدية ذلك (به) أي: بالحرم كسائر الهدي. (ولو) فعل المحظور (لغير عذر) في الأصح.

(و) يجزئه أيضاً إخراج فدية ذلك (حيث وُجد)" لأنه صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية بالحديبية "

(1)

. وهي من الحل.

و" اشتكى الحسين بن علي رأسه فحلقه عليّ، ونحر عنه جزوراً بالسُّقيا "

(2)

. رواه مالك والأثرم وغيرهما.

وعنه: لا يجزئه إلا بالحرم.

ووقت ذبح ما وجب بفعل محظور حين فعله. وله الذبح قبله لعذر؛ ككفارة

قتل الآدمي والظهار واليمين.

(و) يجزئ (دم إحصار حيث أُحصر) من حل أو حرم. نص على ذلك،

لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه بالحديبية "

(3)

، وهي من الحل.

(1)

سبق تخريج حديث كعب ص (82) رقم (2).

(2)

أخرجه مالك في " الموطأ "(165) 1: 311 كتاب الحج، باب جامع الهدي.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2581) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد. . .

ص: 142

وقد دل على ذلك قوله

(1)

سبحانه وتعالى: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25].

ولأنه موضع حله. فكان موضع نحره؛ كالحرم.

(و) يجزئ (صوم وحلق بكل مكان)؛ لأن كلاًّ من الصوم والحلق لايتعدى نفعه إلى أحد. فلا معنى لتخصيصه بمكان. بخلاف الهدي والإطعام. ولعدم الدليل على التخصيص.

(والدم المطلق كأضحية) يعني: أنه حيث قيل يلزم دم ويطلق فإنه يجزئه

ما يجزى في الأضحية. فيجزئه (جَذع ضأن، أو ثني معز، أو سُبع بدنة، أو) سُبع (بقرة)؛ لقوله سبحانه وتعالى في المتمتع: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]

قال ابن عباس: " شاة

(2)

أو شِرك في دم "

(3)

.

وقوله سبحانه وتعالى في فدية الأذى: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].

وفسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة بذبح شاة

(4)

.

وما سوى هذين مقيس عليهما.

(فإن ذبح) من وجب عليه دم مطلق (إحداهما) أي: بدنة أو بقرة (فأفضل) أي: فذلك أفضل من جذع الضأن أو ثني المعز؛ لأنها أوفر لحماً وأنفع للفقراء.

(وتجب كلها)؛ لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه. فكان كله واجباً؛ كما لو اختار الأعلى

(5)

من خصال الكفارة. .

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 24 كتاب الحج، باب ما استيسر من الهدي.

(4)

سبق تخريجه ص (82) رقم (2).

(5)

ساقط من أ.

ص: 143

وقيل: يكون سُبعها واجباً وباقيها تطوعاً. فيكون له التصرف فيه بالأكل

والهدية

(1)

وغيرهما.

(وتجزئ عن بدنة وجبت) على إنسان (ولو) كانت جزاء (في صيد بقرة) فاعل تجزئ. يعنى: أنه

(2)

حيث قيل: من فعل كذا فعليه بدنة أجزأه ذبح بقرة؛ لما روى [أبو الزبير عن]

(3)

جابر قال: " كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له: والبقرة؛ فقال: وهل هي إلا من البُدْن "

(4)

. رواه مسلم.

(كعكسه) أي: كما تجزئ البدنة عمن وجبت عليه بقرة.

(و) تجزئ (عن سبع شياه بدنة أو بقرة مطلقاً) أي: سواء وجد الشياه أو عدمها؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتمتعون فيذبحون البقرة عن سبعة. قال جابر: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر. كل سبعة منا في بدنة "

(5)

. رواه مسلم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

في أ: والهدي.

(2)

فى ب زيادة: من.

(3)

ساقط من ب. وذكر في أ: ابن الزبير، وهو تصحيف.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1318) 2: 955 كتاب الحج، باب الإشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة.

(5)

أخرجه مسلم في الموضع السابق.

ص: 144

[باب: جزاء الصيد]

هذا (باب) يذكر فيه جزاء الصيد على التفصيل. و (جزاء الصيد: ما يستحق بدلُه) أي: بدل الصيد على متلِفه بالفعل أو السبب [(من مثله) أي مثل الصيد]

(1)

، (ومقاربه وشبهه) أي: شبه الصيد.

(ويجتمع) على المتلف للصيد (ضمان) أي: ضمان قيمة، (وجزاء) أي: جزاء الصيد (في) صيد (مملوك) لآدمي: لمالكه قيمته، ولمساكين الحرم جزأوه؛ لأنه حيوإن مضمون بالكفارة. فجاز أن يجتمع التقويم والتكفير في ضمانه؛ كالعبد.

وليس على المحرم ولو كان قارناً في غير الصيد المملوك سوى جزاء واحد. نص عليه.

(وهو) أي: جزاء الصيد (ضربان) أي: صنفإن:

(ما) أي: صنف لصيد (له مثل من النعم. فيجب فيه) ذلك المثل. نص عليه]

(2)

؛ لقوله سبحانه وتعالى: (فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم)[المائدة: 95].

و" جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبشاً "

(3)

.

(وهو) أي: الصيد الذي له مثل من النعم (نوعان: أحدهما) أي: أحد النوعين: ما (قضت فيه الصحابة). وفيه ما قضت. نص عليه.

نقل إسماعيل الشالنجي: هو على ماحكم الصحابة. زاد أبو النصر العجلى: لا يحتاج أن يحكم عليه مرة آخرى.

(1)

ساقط من ب.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1 0 38) 3: 5 35 كتاب الأطعمة، باب في أكل الضبع. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.

ص: 145

ووافق الشافعي على ذلك؛ لأنهم أعرف، وقولهم أقرب إلى الصواب. واحتج الموفق وغيره بقوله صلى الله عليه وسلم " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر "

(1)

. وبقوله صلى الله عليه وسلم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "

(2)

.

وعند مالك: يستأنف الحكم ولا يكتفى به؛ لقوله سبحانه وتعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة: 95].

واحتج به القاضي لنا. وقال لخصمه: لا يقتضى تكرار الحكم؛ كقوله:

لا تضرب زيداً ومن ضربه فعليه دينار. لا يتكرر الدينار بضرب واحد، كذا مثل القاضي. وقاس المسألة على ما حكم فيه بمثله صحابيان في وقتهما.

(ومنه) أي: ومن قضاء الصحابة: (في النعامة بدنة). روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية

(3)

؛ لأنها تشبهها.

(وفي حمار الوحش) بقرة على الأصح. [روي ذلك عن عمر

(4)

. وبه قال الشافعي.

(و) في (بقرة) أي: بقر الوحش بقرة [

(5)

. روي ذلك عن ابن مسعود

(6)

. وبه قال الشافعي.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(93 232) 5: 382.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 8: 153 كتاب قتال أهل البغى، باب ما جاء في تنبيه الإمام على من يراه أهلأ للخلافة بعده.

(2)

أخرجه الذهبي في ميزان الإعتدال 1: 413

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 182 كتاب الحج، باب فدية النعام وبقر الوحش وحمار الوحش.

أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(14417) 3: 289 كتاب الحج، في النعامة يصيبها المحرم.

وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه "(03 82) 4: 398 كتاب المناسك، باب النعامة يقتلها المحرم.

(4)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق عن عبدالله بن مسعود، ولم أره عن عمر.

(5)

ساقط من أ.

(6)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

وأخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(9 0 82) 4: 0 0 4 كتاب المناسك، باب حمار الوحش والبقرة والأروى.

ص: 146

(و) في (أيّل) على وزن قنب وخلب وسيد بقرة

(1)

. روي ذلك عن ابن عباس

(2)

.

(و) في (تَيْتَل) على وزن جعفر

(3)

، قال الجوهري: التيتل الوعل المسن، بقرة.

(و) في (وَعل بقرة) بفتح الواو مع فتح العين وكسرها وسكونها تيس الجبل. فاله في القاموس.

وفي " صحاح الجوهري ": الوعل هي الأرْوى. يروى عن ابن عمر قال:

" في الأروى بقرة ".

(وفي الضبع كبش). فال الإمام: حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش

(4)

.

(وفي غزال شاة). يروى ذلك عن علي وابن عمر

(5)

.

وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " في الظبي شاة "

(6)

.

(وفي وَبْر) وهي

(7)

دويبة كحلاء دون السنور، لا ذنب لها.

وفال في " القاموس ": دويبة كالسِّنّور: جدي.

(و) في (ضب جدي). قضى به عمر وأربد

(8)

.

فال في " الفروع ": والوبر كالضب.

وقال القاضي: فيه جفرة، وفاقاً للشافعي.

(1)

في ب: على وزن قلب وخلب بقرة.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 182 كتاب الحج، باب فدية النعام وبقر الوحش وحمار الوحش.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(854) 1: 329 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

(5)

أخرجه مالك في " الموطأ "(230) 1: 331 كتاب الحج، باب فدية ما أصيب من الطير والوحش. وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 184 كتاب الحج، باب فدية الغزال. كلاهما عن عمر.

(6)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 184 كتاب الحج، باب فدية اليربوع.

(7)

في ب: وهو.

(8)

سيأتي تخريج حديث أربد ص (150) رقم (1).

ص: 147

والجدي: الذكر من أولاًد المعز.

(وفي يربوع جفرة لها أربعة أشهر) روي ذلك عن عمر وابن مسعود

(1)

.

(وفي أرنب عناق) وهي: الأنثى من أولاد المعز، أصغر من الجفرة. يروى عن عمر: أنه قضى بذلك

(2)

.

(وفي حمام) أي: في كل واحدة من حمام، (وهو) أي: الحمام (كل ما عَبَّ) الماء أي: وضع منقاره فيه وكرع كما تكرع الشاة، ولا يأخذ قطرة قطرة

(3)

، كالدجاج والعصافير، (وهدر) أي: صوت. فيدخل في ذلك الفواخت والوراشين والقطا والقمري والدبسي وهو طائر بين السواد والحمرة يقرقر، والأنثى دبسه، والسّفانين جمع سيفنة بكسر السين وفتح الفاء والنون المشددة. قال في " القاموس ": طائر بمصر، لا يقع على شجرة إلا أكل جميع ورقها.

(شاة). نص على ذلك، وحكم به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبدالحارث في حمام الحرم

(4)

.

وقيس على ذلك حمام الإحرام. وروي عن ابن عباس أنه قضى بذلك في حمام الإحرام.

ولأنها حمامة مضمونة لحق الله تعالى. فضمنت بشاة؛ كحمامة الحرم.

ولأنها متى كانت الشاة مثلاً لها في الحرم فكذلك في الحل. فيجب ضمانها

(1)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(857) 1: 0 33 عن عمر. و (858) 1: 331 عن ابن مسعود. كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 184 كتاب الحج، باب فدية الغزال. عن عمر.

(2)

أخرجه الشافعى في " مسنده "(6 5 8) 1: 0 33 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . . وأخرجه البيهقي في الموضع السابق.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(1 86) 1: 332 عن عمر وعثمان، و (863) 1: 334 عن ابن عباس، كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 206 كتاب الحج، باب ما جاء في جزاء الحمام وما في معناه، عن ابن عمر. و 5: 205 عن عمر وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم.

ص: 148

بها؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (فجزاء مثل ماقتل من النعم)[المائدة: 95].

وقياس الحمام على جنسه أولى من قياسه على غيره.

وقال الكسائي: كل مطوق حمام يعني: وإن لم يعبّ كالحجل.

والمذهب خلاف ذلك.

(النوع الثاني: ما لم تقض فيه) الصحابة من الصيد الذي له مثل من النعم. (ويُرجع فيه إلى قول عدلين خبيرين)؛ " لقول الله سبحانه وتعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم)[المائدة: 95]. فيحكمان فيه بأشبه الأشياء به، من حيث الخلقة. لا من حيث القيمة. بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في القيمة. وتعتبر العدالة فيهما

(1)

. لأنها منصوص عليها، والخبرة؛ لأنه لا يتمكن من الحكم بالمثل إلا من له خبره.

ولأن الخبرة بما يحكم به شرط في سائر الأحكام.

لا أن يكون أحد العدلين فقيهاً؛ لأن ذلك زيادة على ما أمر الله سبحانه وتعالى به.

وقد أمر عمر أربد أن يحكم في الصيد ولم يسأل أهو فقيه أم لا.

(ويجوز كون القاتل) للصيد المحكوم فيه بالمثل (أحدهما) أي: أحد العدلين، (أو هما) يعني: أو يكون القاتلان هما الحاكمان بالمثل؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم)[المائدة: 95]، والقاتل مع غيره والقاتلان ذوا عدل منّا.

وقد روى الشافعي في " مسنده " عن طارق بن شهاب قال: (خرجنا حجّاجّاً فأوطأ رجل منا يقال له: أربد ضباً. فقرز ظهره فقدمنا على عمر. فسأله أربد فقال: احكم يا أربد فيه. قال: أنت خير منى يا أمير المؤمنين!. قال: إنما أمرتك أن تحكم ولم آمرك أن تزكيني. فقال أربد

(2)

: أرى فيه جدياً. قد جمع

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 149

الماء والشجر. فقال عمر: فذلك فيه "

(1)

.

فأمره عمر أن يحكم وهو القاتل.

وأمر أيضاً كعب الأحبار أن يحكم على نفسه في الجرادتين اللتين صادهما وهو محرم

(2)

.

ولأنه مال يخرج فيه حق الله سبحانه وتعالى. فجاز أن يكون من وجب عليه أمينا فيه؛ كالزكاة.

قال (ابن عقيل): إنما يحكم القاتل إذا قتل الصيد (خطأ، أو) قتله (لحاجة، أو) قتله (جأهلاً تحريمه)؛ لأنه لا إثم عليه في هذه الأحوال.

قال (المنقح: وهو) أي: ما ذكره ابن عقيل (قوي، ولعله) أي: لعل ما قاله ابن عقيل (مرادهم) أي: مراد الأصحاب؛ (لأن قتل العمد ينافي العدالة). وعلم مما تقدم: أن الجزاء واجب بكل حال.

(ويضمن صغير وكبير، وصحيح ومَعيب، وحامل وماخِض) وهي الحامل

من الصيد (بمثله) من النعم. فيضمن الصغير من الصيد بصغير من النعم، والكبير من الصيد بكبير من النعم، وصحيح من الصيد بصحيح من النعم، ومعيب من الصيد بمعيب من النعم، وماخِض من الصيد بماخض من النعم [وذكر من الصيد بذكر من النعم]

(3)

، وأنثى بأنثى.

وبهذا قال الشافعي.

وقال مالك: لا يجزئ إلا كبير صحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (هديا بالغ الكعبة)[المائدة: 95]. ولا يجزئ في الهدي صغير ولا معيب.

ولأنها كفارة متعلقة بقتل حيوإن. فلم يختلف بصغيرة وكبيرة؛ كقتل الآدمي.

ولنا على ذلك: قوله سبحانه وتعالى: (فجزاؤ مثل ماقتل من النعم)[المائدة: 95]، ومثل الصغير صغير، ومثل المعيب معيب.

(1)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(0 86) 1: 332 كتاب الحج، باب فيما يباح للمحرم وما يحرم. . .

(2)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(848) 1: 326 الموضع السابق.

(3)

ساقط من ب.

ص: 150

ولأن ما ضمن باليد والجناية يختلف ضمانه بالصغر والكبر؛ كالبهيمة.

والهدي في الآية مقيد بالمثل.

وقد أجمع الصحابة [رضي الله عنهم]

(1)

على إيجاب ما لا يصلح هدياً؛

كالجفرة، والعناق، والجدي.

وكفارة الآدمي ليست بدلاً عنه ولا تجري مجرى الضمان. بدليل أنها

لا تتبعض في أبعاضه، لكن إن فدى المعيب بصحيح كان أفضل.

(ويجوز فداء) صيد (أعور من عين) يمنى أو يسرى، (و) صيد (أعرج

من قائمة) يمنى أو يسرى: (ب) مثل من النعم (أعور) عن الأعور من الصيد. بخلاف العين التي الصيد أعور بها؛ كما لو كان الصيد أعور باليمنى. فيفديه بأعور باليسرى.

(و) أن يفدي أعرج من قائمة يمنى بمثل (أعرج من) قائمة (أخرى)؛

كما لو كان الصيد أعرج بيده اليمنى فيفديه بأعرج بيده اليسرى؛ لأن هذا الاختلاف يسير، ونوع العيب واحد، وإنما اختلف محله.

(و) يجوز فداء (ذكر بأنثى، وعكسه) يعني: وفداء أنثى بذكر.

أما جواز فداء الذكر بالأنثى؛ فلأن لحمها أطيب وأرطب.

وأما جواز فداء الأنثى بالذكر؛ فلأن لحمه أوفر فتساويا.

وقيل: لا يجوز فداء الأنثى بالذكر.

(لا) فداء (أعور بأعرج، ونحو ذلك) مما يختلف فيه نوع العيب؛ لعدم المماثلة.

(الضرب الثانى) من الصيد: (ما لا مثل له) من النعم (وهو باقي الطير.

و) يجب (فيه ولو) كان (أكبر من الحمام) في الأصح (قيمته مكانه)

أي: في موضعه الذي أتلفه

(2)

فيه؛ كإتلاف مال الآدمي.

(1)

زيادة من أ.

(2)

في ب: أيموضعه الذي أتلف.

ص: 151

[فصل: بعض أحكام الصيد]

(فصل. وإن أتلف) محرم أو من بحرم مكة (جزءاً من صيد. فاندمل) محل الجزء المتلف (وهو) أي: الصيد (ممتنع، و) كان الصيد المتلف مما (له مثل) من النعم: (ضمن) الجزء المتلف (بمثله، من مثله) من النعم (لحماً) في الأصح؛ لضمان أصله بمثله من النعم. ولا مشقة فيه؛ لجواز عدوله إلى عدله من طعام أو صوم.

(وإلا) أي: وإن لم يكن له مثل من النعم (ف) إنه يضمنه (بنقصه من قيمته)؛ لأن جملته مضمونة بالقيمة فكذلك أجزأوه.

(وإن جنى) محرم أو من بحرم مكة (على حامل فألقت) جنيناً (ميتاً ضمن فقصها) أي: نقص الأم (فقط؛ كلما لو جرحها)؛ لأن الحمل في البهائم زيادة. وإن ولدته حياً ثم مات. فقال جماعة منهم الموفق في " الكافي " وصاحب " التخليص " و" الرعاية ": عليه جزأوه.

وقال جماعة: إن كان لوقت يعيش في مثله وإن كان لوقت لا يعيش في مثله فهو كالميت.

وجزم به في " المغني " و" شرح المقنع ".

(وما أمسك) من صيد (فتلف فرخه) ضمنه؛ لتلفه بسببه.

(أو نفر) من صيد (فتلف) حال نفوره، (أو نقص حال نفوره: ضمن)؛ لحصول التلف أو النقص بسببه.

(وإن جرحه) أي: جرح الصيد جرحاً (غير مُوح. فغاب ولم يعلم خبره): ضمن ما نقصه فقط في الأصح وذلك بأن يقوم الصيد صحيحاً ثم جريحاً غير مندمل، ثم يخرج بقسطه من مثله.

(أو وجده) أي: وجد جارحه الصيد الذي جرحه (ميتاً ولم يعلم موته بجنايته: قُوّم) الصيد (صحيحاً وجريحاً غير مندمل، ثم يخرج بقسطه من مثله)

ص: 152

فإن كان ربعاً وجب إخراج [ربع مثله، ولو كان سدساً وجب إخراج سدس مثله. وقيل: يجب إخراج]

(1)

قيمة ذلك.

وإنما لم يجب عليه جزاء جميعه؛ لأنا لا نعلم هل مات بفعله أو لا.

وقيل: يجب عليه جزاء جميعه إحالة على السبب المعلوم.

(وإن وقع) الصيد الذي جرح (في ماء) يمكن موته به أو لا فمات، (أو تردى) من مكان عال (فمات: ضمنه) من جرحه؛ لتلفه بسببه.

(و) يجب (فيما اندمل) جرحه من الصيد حالة كونه (غير ممتنع) ممن يقصده، (أو جرح) جرحاً (مُوحياً) أي: لا تبقى معه الحياة غالباً: (جزاء جميعه) أي: جميع الصيد المجروح في الصورتين؛ لأنه مع عدم امتناعه ومع وجود الجرح الموحي صار في حكم الميت.

(وإن نتف) محرم أو من بالحرم (ريشة) أي: ريش الصيد، (أو شعره، أو وبره. فعاد:

فلا شيء فيه) إن صار محفوظاً حتى عاد كما كان؛ لزوال النقص الحأصل بذلك.

(وإن صار) الصيد بذلك (غير ممتنع. فكجرح) أي: فكما لو جرحه جرحاً صار به غيرممتنع.

وإن نتفه فغاب ولم يعلم خبره فعليه مانقصه.

(وكلما قتل) المحرم أو من بالحرم (صيداً، حكم عليه) على الأصح.

وعنه: لا يجب عليه إلا في المرة الأولى؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال:

(ومن عاد فينتقم ألله منه)[المائدة: 95]. ولم يوجب جزاء.

ودليل المذهب: أن الجزاء كفارة عن قتل. فاستوى فيه المبتدئ والعائد؛ كقتل الآدمى.

ولأن الجزاء بدل متلف يجب به المثل أو القيمة. فأشبه بدل مال الادمى.

قال أحمد: روي عن عمر وغيره: أنهم حكمبوا في الخطأ وفيمن قتل ولم

(1)

ساقط من أ.

ص: 153

يسألوه: هل كان قتل قبل هذا أو لا؛ والآية اقتضت الجزاء على العائد بعمومها. وذكر العقوبة في الثانى لا يمنع الوجوب.

(وعلى جماعة اشتركوا في قتل صيد) واحد (جزاء واحد) على الأصح. وعنه: على كل واحد جزاء.

وعنه: إن كفروا بالمال فكفارة واحدة، وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة.

ويدل على الأول قوله سبحانه وتعالى: (فجزاؤ مثل ماقتل من النعم)[المائدة: 95]. والجماعة إنما قتلوا صيداً وأحداً. فلزمهم مثله، والزائد خارج عن المثل. فلا يجب. ومتى ثبت اتحاد الجزاء في المثل وجب اتحاده في الصيام، لأن الله سبحانه وتعالى قال:(أو عدل ذلك صياما)[المائدة: 95]. والاتفاق حأصل على أن الصوم معدول بقيمة الصيد أو قيمة مثله. فإيجاب الزائد على عدل القيمة خلاف النص. وأما

(1)

إن كان شريك المحرم حلالاً أو سبعاً فالجزاء كله على المحرم في الأصح.

وإن اشترك حلال ومحرم في قتل صيد حرمي فالجزاء بينهما نصفين؛ لأن الإتلاف ينسب إلى كل واحد منهما. ولا يزداد

(2)

الواجب على المحرم باجتماع حرمة

(3)

الإحرام والحرم.

ويجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه وقبل موته. نص عليه أحمد؛ لأنها كفارة قتل. فجاز تقديمها على الموت، ككفارة قتل الآدمي.

ولأنها كفارة

(4)

. فأشبهت كفاره الظهار واليمين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

في ب وج: أما.

(2)

في أ: يزاد.

(3)

في ب: وحرمة.

(4)

ساقط من أ.

ص: 154

[باب: صيد الحرمين]

هذا (باب) حكم (صيد الحرمين) يعني: حرم مكة وحرم المدينة، (و)

حكم (نباتهما) أي: نبات الحرمين.

(وحُكم صيد حرم مكة: حكم صيد الإحرام) فيحرم حتى على المحل إجماعاً.

وسنده خبر ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض. فهو حرام بحرمه الله إلى يوم القيامة.

وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلى، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار. فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. ولا يُخْتلى خلاها، ولا يُعضد شوكها، ولا ينفّر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا من عرفها. فقال العباس: يا رسول الله لِلَّهِ إلا الإذخر فإنه لقيّنهم وبيوتهم. قال: إلا الإذخر "

(1)

.

وفي خبر أبي هريرة

(2)

وأبي شريح الخزاعي

(3)

: نحوه.

وفي خبر أبي هريرة: " وإنها ساعتي هذه حرام "، وفيه: " لا يختلى

شوكها "، وفيه: " ولا يعضد شجرها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ". متفق عليهن.

القين: الحداد.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1736) 2: 1 65 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب لا ينفر صيد الحرم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1353) 2: 986 كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2 0 23) 2: 857 كتاب في اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(5 135) 2: 988 الموضع السابق.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5 73 1) 2: 1 5 6 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب لا يعضد شجر الحرم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1354) 2: 987 الموضع السابق.

ص: 155

وللأثرم في خبر أبي هريرة: " ولا يحتش حشيشها ".

ومكة وما حولها كانت حراماً قبل إبراهيم عليه السلام. في ظاهر كلام أحمد.

قال في رواية الأثرم عن مكة: كانت حراماً لم تزل. ذكره القاضي في

" الأحكام السلطانية "، وعليه أكثر العلماء، لما تقدم من الأحاديث.

وعلى هذا يكون ما أخبر به في " الصحيحين " من غير وجه: " أن إبراهيم حرم مكة "

(1)

: أي: أظهر تحريمها وبينه.

وقال بعض العلماء: إنما حرمت؛ لسؤال إبراهيم.

قال في " الفروع ": والأول أظهر.

وفي صيد الحرم البري الجزاء. نص عليه، وفاقاً؛ كصيد الإحرام؛ لما

سبق عن الصحابة، ولا مخالف منهم.

ولأنه مُنع منه لحق الله تعالى؛ كصيد الإحرام، والحرمتان تساوتا في المنع منه.

وعن داود: لا يضمنه، لبراءة الذمة.

وعند أبي حنيفة: لا يضمنه صغير وكافر. ولا مدخل للصوم فيه.

وله في إجزاء الهدي فيه روايتان.

ولنا: أنه يضمن بالهدي والإطعام. فدخله الصوم؛ كصيد الإحرام.

ولأن الحرمة عامة. فضمنه الصغير والكافر، كغيرهما.

قال القاضي وغيره: ولأن ضمانه كالمال، وهما يضمنانه.

وقال بعض أصحابنا وغيرهم: هو آكد من المال؛ لأن حرمة الحرم مؤبدة.

فلزم الجزاء. بخلاف الإحرام.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(09 51) 5: 2069 كتاب الأطعمة، باب الحيس.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1367) 2: 994 كتاب الحج، باب فضل المدينة. . .

ص: 156

ولأنهما ليسا من أهل العبادة.

وحكم صيده حكم صيد الإحرام مطلقاً. نص عليه، (حتى في تملكه).

نقله الأثرم وغيره، وذكره القاضي وغيره.

ولا يلزم المحرم جزاآن. نص عليه.

وقيل: يلزمانه.

وتزيد حرمة الحرم على حرمة الإحرام بكونه لا يباح صيد البحر فيه. لكئه

لا جزاء فيه، وإلى ذلك أشير. بقوله:

(إلا أنه) أي: الحرم (يحرم صيد بحر به)

(1)

أي: بالحرم. (ولا جزاء فيه) أي: في صيد البحر إذا اصطاده في الحرم. وتقدم التنبيه على ذلك في محظوراات الإحرام

(2)

.

(وإن قتل فحل) أي: غير محرم (من الحل صيداً) والصيد (في الحرم

كُلّه أو جزؤه. لا) إن كان بالحرم (غير قوائمه) أى قوائم الصيد حال كونه (قائماً) كرأسه أو ذنبه، لأنه إذا كانت قوائمه الأربع بالحل وهو قائم لم يكن من صيد الحرم. أشبه الشجرة إذا كان أصلها بالحل وأغصانها في هواء الحرم.

أما لو كان رأسه أو ذنبه بالحرم وهو نائم فقتله أو غيره من صيود الحرم محل

أو محرم (بسهم أو كلب) أو غيرهما، (أو قتله) أي: قتل الصيد وهو (على غصن في الحرم ولو أن أصله بالحل، أو أمسكه) أي: أمسك الصيد (بالحل فهلك فرخه) أي: فرخ الصيد بالحرم، (أو) هلك (ولده بالحرم: ضمنه) أي: ضمن القاتل أو المتسبب ما قتله أو هلك بسببه في الصور المتقدمة.

وعنه: إذا قتل الحلال من الحل صيداً في الحرم بسهمه أو كلبه لم يضمنه. والأول المذهب، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ولا ينفر صيدها "

(3)

. ولم يفرق بين من

(1)

كذا في ج. وفي أوب: بحرفيه.

(2)

ر. ص: 95.

(3)

سبق تخريجه ص (155) رقم (1).

ص: 157

هو في الحل أو في الحرم.

وقد أجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم وهذا من صيده.

ولأن صيد الحرم معصوم بمحله بحرمة الحرم. فلا يختص تحريمه بمن في

الحرم، كالملتجئ.

ولا يضمن أم صيد هلك ولدها في الحرم إذا كان الصائد حلالاً؛ لأنها من صيد الحل وصائدها حلال.

(وإن قتله) أي: قتل الصيد (في الحل محل) كائن (بالحرم، ولو) كان الصيد (على غصن) في هواء الحل و (أصله) أي: أصل الغصن (بالحرم). سواء كان القتل (بسهم أوكلب) أوغيرهما.

(أو امسكه) أي: أمسك الصيد حلال (بالحرم فهلك فرخه، أو) هلك (ولده بالحل.

أو أرسل) حلال (كلبه من الحل على صيد به) أي: بالحل (فقتله) أي:

قتل الصيد الذي كان بالحل في الحرم.

(أو) قتل (غيره) أي: غير الصيد الذي أرسل عليه الكلب (في الحرم.

أو فعل ذلك بسهمه بأن) رمى مُحلّ صيداً في الحل [ف (شطح) سهمه (فقتل) صيداً (في الحرم.

أو دخل

(1)

سهمه) أي: سهم مخل رمى صيداً في الحل]

(2)

، (أو كلبه الحرم ثم خرج) من الحل (فقتل) الصيد.

(أو جرحه بالحل) ثم دخل الصيد الحرم (فمات في الحرم: لم يضمن) الصيد في هذه الصور، وفي بعضها خلاف.

والأصح ما في المتن، لأن الأصل حل الصيد. حرم صيد الحرم بالنص

(1)

في ب: أدخل.

(2)

ساقط من أ.

ص: 158

والإجماع فبقي ما عداه على الأصل.

ولأن ذلك صيد حِلّ أصابه حلال. فلم يحرم، كما لو كان الصائد والصيد

في الحل.

وأما ما رمي أو أرسل عليه الكلب في الحل، لأنه لم يرم ولم يرسل الكلب على صيد في الحرم، وإنما دخل الكلب باختيار نفسه. أشبه ما لو استرسل بنفسه، وكذا السهم إذا شطح بغير اختياره.

وأما عدم

(1)

ضمان ما جرح بالحل ومات بالحرم؛ فلأن الذكاة

(2)

وجدت بالحل. فلم يضمنه؛ (كما لو جرحه) أي: جرح صيداً (ثم أحرم ثم مات) الصيد بعد إحرامه.

(ولا يحل ما) أي: صيداً (وُجد سبب موته بالحرم)، كصيد وجد سبب موته في الإحرام، لأنه ميتة.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: الزكاة.

ص: 159

[فصل: شجر الحرم]

(فصل. ويحرُم قلعُ شجره) أي: شجر الحرم الذي لم يزرعه آدمي إجماعاً " لقوله صلى الله عليه وسلم: " ولا يعضد شجرها "

(1)

.

(وحشيشه) أي: حشيش الحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ولا يحتش حشيشها ".

(حتى الشوك)، لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يختلى شوكها "

(2)

، (ولو ضر) الشوك، لتناول اللفظ له

(3)

.

(و) حتى (السواك ونحوه، والورق) لتناول لفظ الشجر له.

(إلا اليابس) من الشجر والحشيش. " لأنه كميت.

وفيه احتمال؛ لظاهر الخبر.

(و) إلا (الإذْخر) وهو: نبت معروف بمكة.

قال في " القاموس ": حشيش طيب الريح.

(و) إلا (الكمأة والفقع)، لأنهما لا أصل لهما.

(و) إلا (الثمرة)؛ لأنها تستخلف.

(و) إلا (ما زرعه آدمي) من بقل ورياحين وزرع إجماعاً. نص أحمد على الجميع.

(حتى) لو كان ما زرعه آدمي (من الشجر). نقل ابن ابراهيم والمروذي وأبو طالب وقد سُئل عن الريحان

(4)

والبقول في الحرم فقال: ما زرعته أنت فلا بأس، وما نبت فلا.

(1)

سبق تخريجه ص (156) رقم (1).

(2)

سبق تخريجه ص (155) رقم (2).

(3)

ساقط من ب.

(4)

في ب: الرياحين.

ص: 160

قال القاضي وغيره: فظاهره له أخذ جميع ما يزرعه. وجزم القاضي وأصحابه بهذا في كتب الخلاف؛ لأنه أنبته آدمي، كزرع وعوسج.

ولأنه مملوك الأصل؛ كالأنعام.

وقيل: فيه الجزاء، وفاقاً للشا فعي؛ للنهي عن قطع شجرها، وكالذي نبت بنفسه. وأجيب: بأن النهي عن شجر الحرم وهو ما أضيف إليه لا يملكه أحد، وهذا يضاف إلى مالكه. فلا يعمه الخبر.

(ويباح رعي حشيشه) أي: حشيش الحرم على الأصح؛ لأن الهدايا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه. ولم ينقل عن أحد أنه سد أفواهها.

ولأن الحاجة تدعو إلى الرعي. أشبه قطع الإذخر.

(و) يباح أيضاً (إنتفاع بما زال) من شجر الحرم (أو انكسر) منه (بغير فعل آدمي). نص عليه، (ولو لم يبن) من أصله؛ لأنه قد تلف بكسره فهو بمنزلة الظفر المنكسر. لا أن ينتفع بما يقلعه.

قال أحمد في الدوحة: تقلع من شبهة بالصيد لم ينتفع بحطبها؛ لأنه ممنوع

من إتلافه لحرمة الحرم. فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به؛ كالصيد يذبحه المحرم.

(وتُضمن شجرة صغيرة عُرفاً) إن قلعت أو كسرت (بشاة.

و) تضمن (ما فوقها) أي: فوق الشجرة الصغيرة من الوسطى والكبرى (ببقرة)؛ لما روي عن

(1)

ابن عباس أنه قال: " في الدوحة بقرة، وفي الجزلة شاة ". قال: والدوحة: الشجرة العظيمة، والجزلة: الصغيرة. ونحوه عن عطاء.

ولأنه ممنوع من قلع ذلك؛ لحرمة الحرم. فضمن؛ كالصيد.

(ويخير بين ذلك) أي: بين إخراج الشاة أو البقرة (وبين تقويمه) أي: تقويم الواجب من ذلك بدراهم. (ويفعل بقيمته كجزاء الصيد) بأن يشتري بالقيمة طعاماً يجزئ في الفطرة. فيطعم كل مسكين مُد بُرّ أو نصف صاع من غيره.

(1)

ساقط من أ.

ص: 161

(و) يضمن (حشيش وورق بقيمته). نص على ذلك، لأن الأصل في

تلف غير المثلي وجوب قيمته، يفعل بها كما تقدم.

(و) يضمن (غصن بما نقص)، كأعضاء الحيوإن.

ولأنه نقص بفعله. فوجب فيه ما نقصه؛ كما لو جنى على مال آدمي فنقص.

(فإن استخلف شيء منها) أي: من الأشياء الذي وجب الضمان بإزالتها (سقط ضمانه) في الأصح؛ كما لو نتف ريش صيد ثم عاد، و (كرد شجرة فنبتت، ويضمن نقصها) أي: نقص الشجرة التي قلعها ثم ردها فتنبت أن نقصت. (ولو) قلع شجرة من الحرم ثم (غرسها في الحل، وتعذّر ردُّها أو يبست: ضمنها،)؛ لأنه أتلفها.

(فلو قلعها) أي: قلع الشجرة التي نقلت من الحرم إلى الحل (غيره)

أي: غير الذي غرسها في الحل: (ضمنها) أي: ضمنها القالع (وحده)؛ لأنه الذي أتلفها.

(ويضمن منفِّر صيداً) من الحرم إلى الحل إذا (قتل بالحل) دون قاتله بالحل؛ لتفويت المنفر حرمته بإخراجه إلى الحل.

(وكذا مخرجه) أي: مخرج صيد الحرم إلى الحل فيقتل بالحل. لا مع

بقائه (إن لم يرده) إلى الحرم.

(فلو فداه) لكونه أخرجه (ثم ولد) الصيد ثم قتل ولده (لم يضمن). المخرج (ولده) أي: ولد الصيد، لأن الولد ليس من صيد الحرم.

(ويضمن غصن) قطع وهو كائن (في هواء الحل) إذا كان (أصله) أي:

أصل ذلك الغصن (أو بعض أصله) كائناً (بالحرم)، لأنه من شجر الحرم؛ لأن الغصن تابع لأصله.

(لا ما) قطعه من غصن (بهواء الحرم وأصله) كائن (بالحل) في الأصح؛ لأن الغصن تابع لأصله. وإن كان في الحرم فلا يضمنه، قياساً على المسألة التي

(1)

قبل هذه.

(1)

ساقط من ج.

ص: 162

(وكُره إخراج تراب الحرم وحجارته إلى الحل). نص على ذلك.

قال الإمام أحمد: لا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل من الحل، كذلك

قال ابن عمر وابن عباس، ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحل، والخروج أشد. يعني: في الكراهة.

قال في " الفروع ": واقتصر بعض أصحابنا على كراهة إخراجه. وجزم في مكان آخر بكراهتهما.

وقال بعضهم: يكره إخراجه إلى الحل، وفي إدخاله إلى الحرم روايتان.

(لا ماء زمزم) يعني: فإنه لا يكره إخراجه من الحرم؛ لما روي عن عائشة: " أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمله "

(1)

. رواه الترمذي وقال: حسن غريب.

ولأنه يستخلف كالثمرة.

وسئل أحمد عن ذلك فقال: أخرجه كعب، ولم يزد على ذلك.

(ولا وضع الحصى بالمساجد) يعني: أنه لا يكره، كما في مسجده فى

زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده.

(ويحرُم إخراج ترابها) أي: تراب المساجد (وطيبها) في الحل والحرم للتبرك وغيره على الأ صح. ولهذا قال أحمد: فإن

(2)

أراد أن يستشفي بطيب الكعبة لم يأخذ منه شيئاً ويلزق عليها طيباً من عنده ثم يأخذه.

وفي أخذ تراب المسجد، إنتفاع بالموقوف في غير جهته.

قال في " الفروع ": وذكر جماعه: يكره للتبرك وغيره، ولعل

مرادهم: يحرم.

وفي " فنون " ابن عقيل: أن أحمد كرهه في مسألة الحل والحرم؛ لأنه قد

كره الناس إخراج تراب المسجد تعظيماً لشأنه. فكذا هنا.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(963) 3: 295 كتاب الحج، باب ما جاء في حمل ماء زمزم.

(2)

في ب: فإذا.

ص: 163

[فصل: في حدود حرم مكة]

(فصل. وحدُّ حرم مكة من طريق المدينة: ثلاثة أميال عند بيوت السقيا) ويقال لها: بيوت نِفار بالنون مكسورة وبالفاء وهي: دون التنعيم،

(و) حده (من اليمن: سبعة) أي: سبعة أميال (عند أضاةِ لِبن) أما أضاةِ فبالضاد المعجمة على وزن قناة. ولِبن بكسر اللام وسكون الباء الموحدة.

قال في " الفروع ": وهذا هو المعروف. انتهى.

وفي " الهداية ": عند إضاحة لبن.

(و) حده (من العراق كذلك) أي: سبعة أميال (على ثنية رِجْل) بكسر الراء وسكون الجيم وهو: (جبل بالمنقطع.

و) حده (من الطائف وبطن نمرة كذلك) أي: سبعة أميال (عند طرف عرفة.

و) حده (من) طريق (الجعرانة: تسعة) أي: تسعة أميال (في شعب عبدالله بن خالد.

و) حده (من) طريق (جُدة: عشرة) أي: عشرة أميال (عند مُنقطع الأعشاش) بشينين معجمتين. جمع عُش بضم العين المهملة.

(و) حده (من) طريق (بطن عُرَنة: أحد عشر) ميلاً.

(وحكم) صيد (وَجٍ) وهو

(1)

(واد بالطائف) وشجره وحشيشه (كغيره)

أي: غير وج (من الحل) لا يحرم ولا ضمان فيه. خلافاً للشافعي في أحد قوليه.

ودليله: ما روى أحمد وأبو داود عن محمد بن عبدالله بن سفيان عن أبيه عن

(1)

ساقط من أ.

ص: 164

عروة بن الزبير عن أبيه مرفوعاً: " أن صيد وَجِ وعضاهه حرم محرم لله. وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفاَ "

(1)

.

وجوابه: أن الخبر ضعفه أحمد.

وقال أبو حاتم في محمد: ليس بقوي. في حديثه نظر.

وقال البخاري: لا يتابع عليه. وتفرد عن أبيه عبدالله. فلهذا قال ابن القطان وغيره: لا يعرف.

وقال ابن حبان والأزدي: لم يصح حديثه.

وحمل القاضي ذلك على الاستحباب؛ للخروج من الخلاف.

(وتُستحَب المجاورة بمكة. وهي أفضل من المدينة)؛ وذلك لما روى الزهري عن أبي سلمة عن عبدالله بن عدي بن الحمراء: " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزْوَرَة في سوق مكة: والله إنك لخيرُ أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله. ولولا أنى أُخرجت منك ما خرجت "

(2)

. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح. وهو كما قال.

وأرسله ابن عيينة عن الزهري، ورواه الأكثر كما سبق. ورواه يعقوب بن

عطاء ومعمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. واختلف عن يونس فرواه ابن أخي الزهري عن عمه عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبدالله بن عدي، ورواه حماد بن سلمة، ورواه أبو ضمرة

(3)

عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواه إسماعيل بن جعفر عن أبي سلمة مرسلاً. والصحيح الأول. ذكر ذلك الدارقطني.

وللترمذي من حديث ابن عباس: " ما أطيبك من بلد وأحبك إليَّ، ولولا أن

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1416) 1: 165.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(3925) 5: 722 كتاب المناقب، باب في فضل مكة.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(08 31) 2: 1037 كتاب المناسك، باب فضل مكة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(18711) 4: 305 ولم أقف عليه عند النسائي.

(3)

في ج: صخرة.

ص: 165

قومي أخرجونى منك ما سكنت غيرك "

(1)

. وقال: حسن صحيح غريب. واحتج القاضي وابن البنا وابن عقيل وغيرهم بمضاعفة الصلاة فيه أكثر.

قال القاضي: وهو نص. إلا أنه أخبر أن العمل فيها أفضل.

وقيل: إن المدينة أفضل من ذلك. واستدل القائل بذلك بأنه قد روي عن

رافع مرفوعاً: " المدينة خير من مكة "

(2)

.

ورد ذلك بأن هذا الحديث لم يصح. وعلى تقدير صحته فهو محمول على

كون مكة دار حرب، أو على الوقت الذى كان فيها، والشرع يؤخذ منه.

واستدل أيضاً بأنه رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لِلَّهِ إنهم أخرجونى من أحب البقاع إليّ فأسكني في أحب البقاع إليك "

(3)

.

ورد أيضاً بأن ذلك الحديث لا يعرف. وعلى تقدير صحته فمعناه: أحب البقاع إليك بعد مكة.

ولمالك عن يحيى بن سعيد مرفوعاً: " ما على الأرض بقعه أحب إلي أن يكون قبري بها منها ثلاث مرات "

(4)

.

وله وللبخاري أن عمر قال: " اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتى في بلد رسولك "

(5)

.

والجواب عن ذلك: أنهما هاجرا من مكة فأحبا الموت في أفضل البقاع بعد مكة.

ولهذا عن ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة قال: " اللهم!

لا تجعل منايانا بها حتى تخرجنا منها "

(6)

.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(3926) 5: 723 كتاب المناقب، باب في فضل مكة.

(2)

أخرجه الطبراني في " الكبير "(4450) 4: 288.

(3)

أخرجه الحاكم في " المستدرك "(4261) 3: 4 كتاب الهجرة.

(4)

أخرجه مالك فى " الموطأ "(33) 2: 368 كتاب الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1791) 2: 668 أبواب فضائل المدينة، باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تُعرى المدينة.

وأخرجه مالك في "الموطأ"(34) 2: 369 كتاب الجهاد، باب ما تكون فيه الشهادة.

(6)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1416) 1: 165.

ص: 166

والأخبار الصحيحة إنما تدل على فضلها. لا أفضليتها على مكة.

واستدل القائل بأفضلية المدينة أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم خلق منها، وهو خير بشر، وتربته خير الترب.

وأجابه القاضي: بأن فضل الخلقة لا يدل على فضل التربة " لأن أحد الخلفاء الأربعة أفضل من غيره، ولم يدل أن تربته أفضل. وكذا قال غير القاضي. قال ابن عقيل في "الفنون ": الكعبة أفضل من مجرد الحجرة. فأما والنبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا والله ولا العرش وحملته والجنة؛ لأن بالحجرة جسداً لو وزن به لرجح.

قال في " الفروع ": فدل كلام الأصحاب على أن التربة على الخلاف.

قال شيخنا: لم أعلم أحداً فضّل التربة على الكعبة غير القاضي عياض، ولم يسبقه أحد، ولا وافقه أحد.

وفي " الإرشاد " وغيره: الخلاف في المجاورة فقط. وجزموا بأفضلية الصلاة وغيرها، واختاره شيخنا وغيره، وهو أظهر. وقال: المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان.

ومعنى ما جزم به في " المغني " وغيره: أن مكة أفضل، وإن المجاورة بالمدينة أفضل. وذكر قول أحمد: المقام بالمدينة أحب إلي من المقام بمكة لمن قوي عليه، لأنها مهاجر المسلمين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة "

(1)

. وهذا الخبر رواه مسلم من حديث ابن عمر، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي سعيد، ومن حديث سعد، وفيهن:" أو شهيداً ".

وفي حديث سعد: " ولا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1377) عن ابن عمر، و (0 1378) عن أبي هريرة 2: 4 0 0 1 و (1374) 2: 2 0 0 1 عن أبي سعيد، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها. و (1363) 2: 992 عن سعد، كتاب الحج، باب فضل المدينة. . .

ص: 167

منه، ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء "

(1)

.

وعن ابن عمر مرفوعاً: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل. فإنى أشفع

لمن مات بها "

(2)

. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

(وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان) فاضل (وزمان فاضل). ذكره القاضي وغيره.

وسئل أحمد في رواية ابن منصور: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ قال:

لا. إلا بمكة؛ لتعظيم البلد. ولو أن رجلاً بعدن وهمَّ أن يقتل

(3)

عند البيت: أذاقه الله من العذاب الأليم.

(1)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

أخرجه الترمذي فى " جامعه "(3917) 5: 719 كتاب المناقب، باب في فضل المدينة.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3112) 2: 1039 كتاب المناسك، باب فضل المدينة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(5437) 2: 74.

(3)

في أ: وهم بقتل.

ص: 168

[فصل: في حرم المدينة]

(فصل. ويحرم صيدُ حرم المدينة)، وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية بلده بالمدينة.

قال قوم: سميت مدينة؛ لأنها مأخوذةمن الدين، والدين الطاعة. ويقام بها طاعة وإليها.

وقال آخرون: لأنها دين أهلها أي: ملكوا. يقال: دان فلان بني فلان أي: ملكهم، وفلان في دين فلان: في طاعته.

وفي "الصحيحين " من حديث أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هذه طابة "

(1)

.

وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أن الله سمى المدينة طابة "

(2)

.

وعن زيد بن ثابت مرفوعاً: " أنها طَيبَة يعني: المدينة. وإنها تنفي الخبث

كما تنفي النار خبث الفضة "

(3)

. رواهما مسلم.

سميت بذلك؛ لأنها طهرت من الشرك.

وتحريم صيد حرم المدينة: يدل على أنه لا يصح ذكاته. قاله القاضي.

(وشجره وحشيشه) يعني: أنه يحرم قلع شجر حرم المدينة وحشيشه؛

لخبر عليّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا "

(4)

.

وفي لفظ: " حرم من عير إلى كذا "

(5)

. رواهما البخاري.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4160) 4: 1610 كتاب المغازي، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1392) 2: 11 10 كتاب الحج، باب أُحد جبل يحبنا ونحبه.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1385) 2: 07 0 1 كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1384) 2: 6 0 0 1 الموضع السابق.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1771) 2: 661 أبواب فضائل المدينة، باب حرم المدينة.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(0 687) 6: 2662 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من التعمق. . .

ص: 169

ولمسلم: " حرم ما بين عائر إلى ثور "

(1)

.

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المدينة حرم من كذا إلى كذا. لا يقطع شجرها "

(2)

. رواه البخاري ومسلم.

وفي لفظ: " لا يختلى خلاها. فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "

(3)

.

ولهما عنه مرفوعاً: " اللهم لِلَّهِ إجعل بالمدينة ضعْفَي ما بمكة من البركة "

(4)

.

وعن عبدالله بن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإنى حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، ودعوت في صاعها ومدِّها، بمثْلَي ما دعا إبراهيم لأهل مكة "

(5)

. متفق عليه.

إذا تقرر هذا: فإنه يستثنى من ذلك ما أشار إليه بقوله:

(إلا لحاجة المساند والحرث والرَّحل) من الشجر.

(و) إلا (العلف) من الحشيش (ونحوها) أي: ونحو ما ذكر مما تدعو الحاجة إليه.

وذلك لما روى أحمد عن جابر بن عبدالله: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا: يا رسول الله لِلَّهِ إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح، وإنا لا نستطيع أرضاً غير أرضنا فرخص لنا. فقال: القائمتان والوسادة والعارضة والمسند. فأما غير

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1370) 2: 994 كتاب الحج، باب فضل المدينة. .

(2)

أخرجه البخاري فى " صحيحه "(6876) 6: 2665 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إثم من أوى محدثاً.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1366) 2: 994 كتاب الحج، باب فضل المدينة.

(3)

أخرجه مسلم في الموضع السابق.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1786) 2: 666 أبواب فضائل المدينة، باب المدينة تنفي الخبث.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1369) 2: 994 كتاب الحج، باب فضل المدينة.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2022) 2: 749 كتاب البيوع، باب بركة صاع النبيّ صلى الله عليه وسلم ومدهم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1360) 2: 991 كتاب الحج، باب فضل المدينة.

ص: 170

ذلك فلا يعضد ولايخبط منها شيء ".

والمسند: عود البكرة.

فاستثنى الشارع ذلك وجعله مباحاً؛ كاستثناء الإذخر بمكة.

وعن عليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور. لا يختلى خلاها، ولا ينفّر صيدها، ولا يصلح أن يقطع منها

(1)

شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره "

(2)

. رواه أبو داود.

لأن المدينة يقرب منها شجر وزرع. فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى الضرر. بخلاف مكة.

(ومن أدخلها) أي: أدخل المدينة (صيداً فله إمساكه وذبحه). نص على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " يا أبا عمير! ما فعل النغير- بالغين المعجمة- وهو طائر صغير كان يلعب به "

(3)

. متفق عليه.

(ولا جزاء فيما حرم من ذلك) يعني: أنه لا جزاء في صيد حرم المدينة،

ولا في شجره، ولا في حشيشه على الأصح.

قال أحمد في رواية بكر بن محمد: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من أصحابه حكموا فيه بجزاء؛ لأنه يجوز دخولها بغير إحرام، ولا تصلح لأداء النسك، ولا لذبح الهدايا. فكانت كغيرها من البلدان.

ولا يلزم من الحرمة الضمان، ولا من عدمها عدمه.

(وحرَمُها: بريد في بريد). نص أحمد على ذلك وهو: ما (بين ثور)

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2034) 2: 216 كتاب المناسك، باب في تحريم المدينة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5850) 5: 2291 كتاب الأدب، باب الكنية للصبي قبل أن يولد للرجل.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2150) 3: 1692 كتاب الآداب باب استحباب تحنيك المولود

عند ولادته. . .

ص: 171

وهو (جبل صغير) لونه يضرب (إلى الحمرة بتدوير)

(1)

فيه. يعني: ليس بالمستطيل. وهو: (خلف أُحد من جهة الشمال)؛ لما روى عليّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " حرم المدينة ما بين ثور إلى عير "

(2)

. متفق عليه.

وقد أنكر جماعة من العلماء أن يكون بالمدينة جبل يسمى ثوراً، واعتقدوا

أن ذكر ثور خطأ من بعض رواة الحديث.

قال في " المطلع "

(3)

: وهذا لأنهم لا يعرفون ثوراً بالمدينة. وقد أخبرنا العلامة عفيف [الدين] عبد السلام بن مزروع البصري قال: صحبت طائفة من العرب من بني هاشم

(4)

قال: وكنت إذا صحبت العرب أسألهم عما أراه من جبل أو واد أو غير ذلك. فمررنا بجبل خلف أحد. فقلت: ما يقال لهذا الجبل؟ فقال: هذا جبل ثور. فقلت: ما تقولون؟ قالوا: هذا ثور

(5)

، معروف من

(6)

زمن آبائنا وأجدادنا. فنزلتُ وصليت [عنده] ركعتين. انتهى.

وقال العلامة ابن حجر في " شرح البخاري ": وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في " مختصره لأخبار المدينة ": أن خلَف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم: أن خلف أحد من جهة الشمال جبلاً صغيراً إلى الحمرة بتدوير، يسمى ثوراً، قال: وقد تحققته بالمشاهدة. انتهى.

(و) ما بين (عَيْر جبل مشهور بها) أي: بالمدينة.

قال في " المطلع ": وقد أنكره بعضهم. انتهى.

قال القاضي عياض: أكثر الرواة في البخاري ذكروا عيراً. فأما ثور فمنهم

(7)

(1)

في ب: بتدويرة.

(2)

سبق تخريجه ص (169) رقم (4) و (5).

(3)

ص (185) وما بين الأقواس زيادة من " المطلع ".

(4)

كذا في " المطلع ". وفي أج: هيثم، وفي ب: هشيم.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أ: في.

(7)

في ب: فمنه.

ص: 172

من كنى عنه بكذا، ومنهم من ترك مكانه بياضاً؛ لأنهم اعتقدوا ذكر ثور خطأ. (وذلك) أي: وحَدّ المدينة المذكور الذي هو: ما بين ثور إلى عير هو:

(ما بين لابتيها)، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين لابتيها حرام "

(1)

. متفق عليه.

واللابه: الحرة. وهي أرض تركبها حجارة سود.

قال أحمد: ما بين لابتيها حرام بريد في بريد. كذا فسره مالك بن أنس. (وجعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة، اثني عشر ميلاً حمى). روى ذلك مسلم من رواية أبي هريرة

(2)

.

والله سبحانه وتعالى اعلم.

***

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1774) 2: 662 أبواب فضائل المدينة، باب لابتى المدينة. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1372) 2: 994 كتاب الحج، باب فضل المدينة. . .

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1372) 2: 0 0 0 1 كتاب الحج، باب فضل المدينة. . .

ص: 173

[باب: دخول مكة]

هذا (باب) يذكر فيه (دخول مكة)، ومسائل من أحكام الطواف والسعي وغير ذلك.

(يسن) لمن أراد دخول مكة أن يدخلها (نهاراً).

قال في " الفروع ": وقيل: وليلاً.

نقل ابن هانئ: لا بأس به. وإنما كرهه من السُّرَّاق.

(من أعلاها) أي: أعلا مكة: (من ثنية كداء) بفتح الكاف والدال ممدودة مهموز، مصروف وغير مصروف. كل ذلك عن صاحب " المطلع ". والثنية في الأ صل: الطريق بين جبلين.

(و) يُسن لمن أراد أن يخرج من مكة (خروج من أسفلها) أي: أسفل مكة

(من ثنيّة كُدى) بضم الكاف وتنوين الدال عند ذي طوى، بقرب شعب الشافعيين. وأما كدي مصغراً فأباحه لمن خرج من مكة إلى اليمن، وليس من هذين الطريقين في شيء.

ويدل لذلك شعر قيس الرقيات:

أقفرت بعدعبد شمس كداء فكدي فالركن فالبطحاء

فمنى فالجمارمن عبد شمس مقفرات فبلدح فحراء

(و) يُسن (دخول المسجد الحرام: من باب بني شيبة)؛ لما روى جابر:

" أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى، وأناخ راحلته عند باب بني شيبة ثم دخل "

(1)

. رواه مسلم وغيره.

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (495) 1: 303 عن ابن عمر قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلنا معه من باب بني عبد مناف وهو الذي يسميه الناس باب بنى شيبة، وخرجنا معه إلى المدينة من باب الخرورة وهو باب الخياطين ". ولم أره في مسلم.

ص: 174

ويُسن أن يقول عند دخوله: بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله. اللهم!

افتح لي أبواب فضلك. ذكره في " أسباب الهداية ".

(فإذا رأى البيت رفع يديه). نص عليه، لما روى الشافعي عن ابن جريج:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه "

(1)

.

ولا يمنع من ذلك ما رواه النسائي بسنده إلى جابر بن عبدالله قال: " سُئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ قال: ما كنت أظن أحداً يفعل هذا إلا اليهود. حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يفعله "

(2)

.

ورد بأن قول جابر عن ظنه، وخالفه ابن عمر وابن عباس.

ولأن الدعاء مستحب عند روية البيت، وقد أمر برفع اليدين عند الدعاء.

(و) إذا رفع يديه (قال: اللهم لِلَّهِ أنت السلام، ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام)، لى " أن عمر كان يقول ذلك "

(3)

. رواه الشافعي.

ومعنى السلام الأول: اسم الله تعالى.

والثانى: من أكرمته بالسلام.

والثالث: سلمنا بتحيتك إيانا من جميع الآفات. ذكر ذلك الأزهري.

(اللهم لِلَّهِ زد هذا البيت تعظيماً) أي: تبيجلاً، (وتشريفاً) أي: رفعة وإعلاء، (وتكريماً) تفضيلاً، (ومهابةً) أي: توقيراً وإجلالاً، (وبراً) بكسر الباء. وهو: اسم جامع للخير. (وزد من عظَّمه وشرفَّه ممن حجَّه واعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابةً وبراً)

(4)

. رواه الشافعي بإسناده عن ابن جريج.

(الحمد الله رب العالمين كثيرأ كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه

(1)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(874) 1: 339 كتاب الحج، باب ما يلزم الحاج بعد دخول مكة. . .

(2)

أخرجه النسائى في " سننه "(2895) 5: 212 كتاب مناسك الحج، ترك رفع اليدين عند رؤية البيت.

(3)

أخرجه الشافعي فى " مسنده "(873) 1: 338 كتاب الحج، باب ما يلزم الحاج بعد دخول مكة. . . ولكن من قول سعيد بن المسيب.

(4)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(874) 1: 339 الموضع السابق.

ص: 175

وعِزِّ جلاله، والحمد لله الذي بلّغني بيته، ورآني لذلك أهلاً، والحمد لله على كل حال. اللهم لِلَّهِ إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام). سمي بذلك، لأن حرمته إنتشرت، وأريد بتحريم البيت سائر الحرم. قاله العلماء.

(وقد جئتك لذلك. اللهم! تقبل مني، واعف عني، وأصلح لي شأني كله. لا إله إلا أنت). ذكر ذلك الأثرم وإبراهيم الحربي.

قال في " الفر وع ": وقيل: ويكبر، وقيل: ويهلل.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: " الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال "

(1)

0 انتهى.

(يرفع بذلك) أي: بالدعاء المتقدم (صوته)، جزم به

(2)

في " المحرر "

و" المقنع " و" الوجيز " وغيرهما؛ لأنه ذكر مشروع. فاستحب رفع الصوت به؛ كالتلبية. وحكاه في " الفروع " قولاً.

(ثم يطوف متمتع) أي: محرم بالعمرة (للعمرة) أي: طواف العمرة.

(و) يطوف (مفرد) أي: محرم بالحج وحده، (وقارن) أي: محرم بالحج والعمرة (للقدوم. وهو: الورود) يعني: أنه يستحب لمن دخل المسجد الحرام أن يبدأ بالطواف بالبيت؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإن جابر قال في حديثه: " حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً "

(3)

. وعن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت "

(4)

. متفق عليه.

وُروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعبدالله بن عمر وغيرهم.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3803) 2: 1250 كتاب الأدب، باب فضل الحامدين

(2)

في ب: ذلك.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه (1560) 2: 591 كتاب الحج، باب الطواف على وضوء. وأخرجه مسلم في " صححيحه " (1235) 2: 906 كتاب الحج، باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى. . .

ص: 176

ولأن الطواف تحية المسجد الحرام. فاستحب البداءة به؛ كما استحب لداخل غيره من المساجد البداءة بتحية المسجد بصلاة ركعتين.

(ويضْطَبع) استحباباً (غير حامل معذور) يحمله بردائه

(1)

(في كل أسبوعه) نص عليه.

وصفة الاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر. مأخوذ من الضبع وهو عضد الإنسان. افتعال منه، وكان أصله اضتبع بالتاء فقلبوا التاء طاء؛ لأن التاء متى وقعت بعد ضاد أوطاء ساكنة قلبت طاء.

والأصل في استحباب الاضطباع في طواف العمرة للمتمتع، وفي

(2)

طواف القدوم للمفرد والقارن ما روى أبو داود وابن ماجه عن يعلى بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً "

(3)

.

ورويا عن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة. فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى "

(4)

. فإذا فرغ من الطواف ازال الاضطباع.

(ويبتدؤه) أي: يبتدئ الطواف (من الحجر الأسود)؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ به "

(5)

.

(فيحاذيه) أي: يحاذي الطائف الحجر (أو بعضه) أي: بعض الحجر

(1)

في ب: بحمل ردائه.

(2)

في أ: في.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(883 1) 2: 177 كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (859) 3: 214 كتاب الحج، باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2954) 2: 984 كتاب المناسك، باب الاضطباع.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1884) 2: 177 كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف.

(5)

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه. . . ". أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 893 كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف.

ص: 177

(بكل بدنه) أي: بدن الطائف؛ لأن

(1)

ما لزم استقباله لزم بجميع البدن " كالقبلة.

وقيل: يكفي محاذاته ببعض بدنه.

والأول المذهب.

(ويستلمه) أي: يمسح الحجر (بيده اليمنى)، لأن الاستلام افتعال من السلام وهو التحية، ولهذا يسمون أهل اليمن الحجر الأسود المحيا، لأن الناس يحيونه بالاستلام.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نزل من الجنة أشد بياضاً من اللبن "

(2)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

(ويقبله)، لما روى عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر ووضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي. فقال: يا عمر! هاهنا تسكب العبرات "

(3)

. رواه ابن ماجه.

وفي " الصحيحين " أن أسلم قال: " رأيت عمر بن الخطاب قبّل الحجر وقال: إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك

(4)

ما قبلتك "

(5)

. نقله الأثرم.

(ويسجد عليه). فعله ابن عمر وابن عباس.

(فإن شقَّ) استلامه وتقبيله (لم يزاحم، واستلمه بيده وقبّلها). روي ذلك

عن ابن عمر وجابر وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس

(6)

.

(1)

في ب: لأن كل.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(877) 3: 226 كتاب الحج، باب ما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام.

(3)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2945) 2: 982 كتاب المناسك، باب استلام الحجر.

(4)

في ج: قبلك.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(532 1) 2: 583 كتاب الحج، باب تقبيل الحجر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1270) 2: 925 كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطو اف.

(6)

روى ذلك عطاء عنهم. أخرجه الشافعي في " مسنده "(886) 1: 343 كتاب الحج، باب ما يلزم=

ص: 178

وذلك لما روى ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبّل يده "

(1)

. رواه فسلم.

(فإن شقّ ف) إنه يستلمه (بشيء وقبلّه) أي: قبّل ذلك الشيء الذي استلم الحجر به

(2)

. روي ذلك عن ابن عباس موقوفاً.

(فإن شق) أن يستلمه بيده أو بشيء (أشار إليه) أي: إلى الحجر (بيده أو بشيء) غيرها، لما روى البخاري عن ابن عباس قال:" طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الحجر أشار إليه بشيء في يده وكبر "

(3)

.

(ولا يقبله) أي: لا يقبل ما أشار به إليه.

(و) إذا أراد أن يشرع في الطواف (استقبله) أي: استقبل الحجر (بوجهه، وقال: بسم الله والله اكبر. اللهم! إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك كل ما استلمه، لحديث عبدالله بن السائب:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك عند استلامه "

(4)

.

(ثم يجعل البيت عن يساره)، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف كذلك وقال: " خذوا

عني مناسككم "

(5)

.

فيقرب جانبه الأيسر إلى البيت.

قال في " الفروع ": قال شيخنا: لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى

(1)

= الحاج بعد دخول مكة. . .

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1268) 2: 924 كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين. . . عن ابن عمر بمعناه.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(532 1) 2: 583 كتاب الحج، باب تقبيل الحجر.

(4)

قال ابن حجر: لم أجده هكذا، وقد ذكره صاحب "المهذب " من حديث جابر، وقد بيض له المنذري، والنووي، وأخرجه ابن عساكر من طريق ابن ناجيه بسند له ضعيف، ورواه الشافعي عن ابن أبي نجيح قال:" أُخبرت أن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! كيف نقول إذا استلمنا؟ قال: قولوا: بسم الله، والله أكبر إيماناً بالله، وتصديقاً بما جاء به محمد ". " تلخيص الحبير "

(5)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

ص: 179

على اليسرى. فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمين

(1)

. فأول ركن يمر به يسمى الشامي والعراقي، وهو جهة الشام، ثم يليه الركن الغربي والشامي، وهو جهة المغرب، ثم اليماني جهة اليمن.

(ويرمل) طائف (ماش غير حامل معذور، و) غير (نساء، و) غير (محرم من مكة أو) من (قربها).

وصفة الرمل ما أشير إليه بقوله: (فيسرع المشي ويقارب الخطى).

ويكون الرمل (في ثلاثة أشواط.

ثم) بعد أن يرمل الثلاثة

(2)

أشواط (يمشي أربعة) أي: أربعة أشواط مشياً

من غير رمل؛ وذلك " لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعاً "

(3)

. روى ذلك جابر وابن عباس وابن عمر وأحاديثهم متفق عليها.

فإن قيل: إنما رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لإظهار الجلد للمشركين ولم يبق ذلك المعنى، إذ نفى الله سبحانه وتعالى المشركين. فلم قلتم أن الحكم يبقى بعد زوال علته؟

قلنا: قد رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح فثبت

أنها سنة ثابتة.

وقال ابن عباس: " رمل النبي صلى الله عليه وسلم في عُمَره كلها وفي حجه، وأبو بكو وعمر وعثمان والخلفاء من بعده "

(4)

. رواه أحمد في " المسند ".

وإذا ثبت أن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة. فإنه يرمل من الحجر الأسود

إلى الحجر الأسود لا يمشي في شيء منها، لما روى ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

في ب: لليمنى.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1527) 2: 581 كتاب الحج، باب الرمل في الحج والعمرة عن ابن عمر. و (1525) 2: 581 كتاب الحج، باب كيف كان بدء الرمل. عن ابن عباس.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1262) 2: 921 عن اين عمر. و (1263) 2: 921 عن جابر.

و (1266) 2: 923 عن ابن عباس. كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة. . .

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1972) 1: 225

ص: 180

رمل من الحجر الى الحجر "

(1)

.

ومن رواية مسلم عن جابر قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر حتى انتهى إليه

(2)

"

(3)

.

(ولا يقضى فيها) أي: في الأربعة أشواط (رمل) فاته من الثلاثة أشواط السابقة؛ لأن الرمل هيئة فات موضعها. فسقطت؛ كالجهر في الركعتين الأولتين من المغرب والعشاء.

ولأن المشي هيئة في الأربعة أشواط المتأخرة، كما أن الرمل هيئة في الثلاثة الأول.

فإذا رمل في الأربعة الأخيرة كان تاركاً للهيئة في جميع طوافه.

فلو ترك الرمل في الشوط الأول أتى به في الثانى والثالث، وإن تركه من الأول والثاني أتى به في الثالث.

ومن ترك الرمل لم يكن عليه بتركه شيء؛ كالاضطباع.

(والرمل أولى من الدنو من البيت) يعني: أنه لو كان قرب البيت زحام لايتمكن من الرمل مع دنوه من البيت، وإذا طاف في حاشية الناس تمكن من الرمل كان طوافه في حاشية الناس برمل أولى من طوافه قرب البيت بدون الرمل. (والتأخير) أي: تأخير الطواف ليزول الزحام (له) أي: لأجل الرمل (أو للدنو) من البيت حتى يقدر على الرمل والدنو (أولى) من عدم الرمل ومن البعد عن البيت مع التعجيل.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.

(وكلما حأذى) الطائف (الحجر) الأسود (والركن اليماني استلمها) استحباباً؛ لما روي عن ابن عمر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(2 6 12) 2: 921 كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمر ة. . .

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1263) الموضع السابق.

ص: 181

الركن اليمانى والحجر في طوافه. قال نافع: وكان ابن عمر يفعله "

(1)

. رواه أبو داود.

قال ابن عبدالبر: جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليماني والأسود لايختلفون في شيءمن ذلك.

واما الذي فرقوا بينهما التقبيل. فرأوا تقبيل الأسود ولم يروا تقبيل اليمانى.

وأما استلامهما فأمر مجمع عليه.

قال: وقد روى مجاهد عن ابن عباس قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم

الركن قبله ووضيع خده الأيمن عليه "

(2)

. قال: وهذا لا يصح. وإنما يعرف التقبيل في الحجر الأسود وحده. انتهى.

(أو أشار إليهما) أي: إلى الحجر والركن اليماني إن شق استلامهما في كل شوط.

(لا) استلام الركن (الشامي وهو: أول ركن يمر به، ولا) استلام الركن (الغربي وهو: ما يلي) أي: يلي الشامي. نص على ذلك؛ لقول ابن عمر:

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا

(3)

الحجر والركن اليمانى "

(4)

.

وقال: " ما أراه - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم الركنين

(5)

اللذين يليان الحجر. إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك "

(6)

.

وروى ابن عباس: " أن معاوية طاف فجعل يستلم الأركان كلها فقال له ابن عباس: لم تستلم هذين الركنين ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاوية:

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1876) 2: 176 كتاب المناسك، باب استلام الأركان.

(2)

أخرجه الحاكم في " مستدركه "(1675) 1: 626 كتاب المناسك.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(531 1) 2: 583 كتاب الحج، باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين.

(5)

ساقط من أ.

(6)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6 5 0 5 1) 2: 573 كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها.

ص: 182

ليس شيء من البيت مهجوراً. فقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة. فقال معاوية: صدقت "

(1)

.

ولأنهما لم يتما على قواعد إبراهيم. فلم يسن استلامهما؛ كالحائط الذي على الحجر.

(ويقول) الطائف (كلما حاذى الحجر) الأسود: (الله اكبر)؛ لما روى البخاري بإسناده عن ابن عباس قال: " طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير، كلما أتى الركن أشار بيده وكبر "

(2)

.

(و) يقول (بين الركن اليمانى وبينه) أي: وبين الحجر الأسود: ((ربنا ءاتنا فى الدنيا

حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار))؛ لما روى أحمد في المناسك عن عبدالله بن

السائب: " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود: (

ربنا ءاتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) "

(3)

.

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكل الله به - يعني: الركن اليماني- سبعون الف ملك فمن قال: اللهم! إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. (ربناءاتنا فى الدنياحسنة وفى الأخرة حسنة وقناعذاب النار) "

(4)

.

(و) يقول (في بقية طوافه: اللهم! اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً. رب! اغفر وارحم، واهدنى السبيل الأقوم، وتجاوز عما تعلم. وأنت الأعز الأكرم).

وكان عبد الرحمن بن عوف يقول: " رب قني شح نفسي ".

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(858) 3: 213 كتاب الحج، باب ما جاء في استلام الحجر والركن اليمانى. . .

وأخرجه أحمد في " مسنده "(877 1) 1: 7 1 2

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5 53 1) 2: 83 5 كتاب الحج، باب التكبير عند الركن.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(5436 1) 3: 1 1 4

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2957) 2: 985 كتاب المناسك، باب فضل الطواف.

ص: 183

وعن عروة: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: لا إله إلا أنت، وأنت تحيي بعد ما أمت ".

(ويذكر ويدعو بما (4) )؛ لأن ذلك مستحب في جميع الأحوال، [ففي حالة تلبسه بهذه العبادة أولى. ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. ويدع الحديث]

(1)

، إلا ذكر الله، أو قراءة القرآن، وأمراً بمعروف، أو نهياً

(2)

عن منكر، أو ما لا بد منه؛ لقول النبي صص:"الطواف بالبيت صلاة. فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير"

(3)

. (وتسن القراءة فيه) أي: في الطواف. نص عليه، وقاله الاجري.

ونقل أبو داود: أيهما أحب إليك فيه؛ قال: كل.

وقال القاضي وغيره: ولأنه صلاة وفيها قراءة ودعاء. فيجب كونه مثلها. وعنه: تكره القراءة فيه.

قال في " الترغيب ": كتغليطه مصلين.

(ولا يسن رمل، ولا اضطباع في غير هذا الطواف) المتقدم ذكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما رملوا واضطبعوا في ذلك.

وذكر القاضى: أن من ترك الرمل والاضطباع في طواف القدوم أتى بهما في طواف الزيارة؛ لأنهما سنة امكن قضأوها. فتقضى؛ كسنن الصلاة.

قال في " شرح المقنع " عن قول القاضي: وليس بصحيح لما ذكرنا من أن تركه في الثلاثة الأول لا يقضيه في الأربعة، ولذلك من ترك الجهر في صلاة الفجر لا يقضيه في صلاة الظهر، ولا يقتضي القياس أن تقضى هيئة عبادة في عبادة آخرى.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب: ونهياً.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(960) 3: 293 كتاب الحج، باب ما جاء في الكلام في الطواف. وأخرجه النسائي في " سننه " (2922) 5: 222 كتاب مناسك الحج، إباحة الكلام في الطواف.

ص: 184

(ومن طاف راكباً أو محمولاً لم يُجزئه، إلا) إن كان ركوبه أو حمله (لعذر).

أما كونه لا يصح مع عدم العذر على الأصح من الروايات؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الطواف بالبيت صلاة "

(1)

.

ولأن الطواف عبادة تتعلق بالبيت. فلم يجز فعلها راكباً لغير عذر؛ كالصلاة.

وأما كونه يصح مع العذر؛ فلأن [ابن عباس روى "أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن "

(2)

. والمحجن: عصا محنية الرأس. وعن أم سلمة قالت: " شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنى أشتكي. فقال: طوفي

من وراء الناس وأنت راكبة "

(3)

. متفق عليهما.

وإنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكباً لعذر. فإن]

(4)

ابن عباس روى: " أن النبي صلى الله عليه وسلم

كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه. فلما كثروا عليه ركب "

(5)

. رواه مسلم.

(ولا يُجزئ) الطواف (عن حامله) أي: حامل المحمول؛ لأن المقصود

هنا الفعل وهو واحد. فلا يقع عن شخصين، ووقوعه عن المحمول أولى؛ لأنه لم ينو بطوافه إلا لنفسه، والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه.

ولأن الطواف عبادة أدى بها الحامل فرض غيره. فلم تقع عن فرضه؛ كالصلاة.

(1)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(530 1) 2: 582 كتاب الحج، باب استلام الركن بالمحجن. وأخرجه مسلم في "صحيحه " (1272) 2: 926 كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره. . .

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(572 4) 4: 1839 كتاب التفسير، باب تفسير سورة (والطور).

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1276) 2: 927 الموضع السابق.

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرجه مسلم في، صحيحه " (1264) 2: 921 كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمر ة. . .

ص: 185

وصحة أخذ الحامل من المحمول الأجرة يدل على أنه قصده به؛ لأنه لا يصح أخذها عما يفعله عن نفسه. ذكره القاضي وغيره.

(إلا إن نوى)

(1)

الحامل الطواف (وحده) أي: دون المحمول، (أو نويا) أي: الحامل والمحمول (جميعاً) الطواف (عنه) أي: عن

(2)

الحامل. فيُجزئ عنه؛ لخلوص قصد كل منهما بالنية للحامل.

(وسعي راكباً) أي: وحكم السعي راكباً (كطواف) راكباً. نص عليه،

وذكره الخرقي والقاضي وغيرهما، وذكر الموفق إجزاء السعي راكباً لغير عذر. (وإن طاف) طائف (على سطح المسجد، أو قصد في طوافه غريماً، وقصد معه طوافاً بنية حقيقية لا حكمية: توجه الإجزاء. قاله في " الفروع "). وعبارته: وإن طاف على سطح المسجد توجه الإجزاء؛ كصلاته إليها.

وإن قصد في طوافه غريماً وقصد معه طوافاً بنية حقيقية لا حكمية توجه الإجزاء في قياس قولهم. ويتوجه احتمال كعاطس قصد بحمده قراءة. .

وفي " الإجزاء " عن فرض القراءة: وجهان.

وفي " الإنتصار " في الضرورة: أفعال الحج لا تتبع إحرامه فتتراخى عنه، وتنفرد بمكان وزمن ونية. فلو مر بعرفة أو عدى حول البيت بنيه طلب غريم أو صيد لم يجزئه، وصححه في " الخلاف " وغيره في الوقوف فقط؛ لأنه لا يفتقر إلى نية.

[وقيل له في " الإنتصار " في مسألة نية المبيت بمزدلف، ورمي الجمار، وطواف الوداع: لا يفتقر إلى نية؛]

(3)

فقال: لا نسلم ذلك. فإنه لو عدى خلف غريمه، أو رجم إنساناً بالحصى وهو على الجمرة، أو أكره على البيتوتة بمزدلف لم يجزئه ذلك في حجه، ولكن نية الحج تشتمل على جميع أفعاله، كما تشتمل

(1)

في ب: إلا أن ينوي.

(2)

ساقط من ب.

(3)

ساقط من أ.

ص: 186

نية الصلاة على جميع أركانها وواجباتها، وهذه من الواجبات وقد شملتها نية

الحج. وهذا بخلاف البدل عن ذلك وهو الهدي فإنه لم تشمله نية

(1)

الحج.

وكذا ذكره القاضي وغيره: أن نية الحج تشمل أفعاله لا البدل وهو الهدي.

وذكر غير واحد في مسألة النية: أن الحج كالعبادات؛ لتعلقه بأماكن

وأزمان. فيفتقر كل جزء منه إلى نية. إنتهت عبارته في " الفروع ".

(ويجزئ) الطواف (في المسجد من وراء حائل)؛ كالقبة وغيرها.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر

الأصحاب، وقدمه في " الفروع " وغيره؛ لأنه في المسجد.

(لا) إن طاف (خارجه) أي: خارج المسجد فإنه لا يجزئه.

قال في " الأنصاف ": لو طاف حول المسجد لم يجزئه على الصحيح من

المذهب وعليه الأصحاب. انتهى.

لأنه لم يرد به الشرع، ولا يحنث به من حلف لا يطوف بالبيت العتيق.

(أو منكساً) يعني: أنه لا يجزئ طواف من طاف منكساً وهو: أن يجعل

البيت عن يمينه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: " خذوا عني مناسككم "

(2)

. وقد جعل

البيت

(3)

في طوافه عن يساره.

ولأن الطواف عبادة متعلقة بالبيت. فكان الترتيب شرطاً لصحتها؛ كالصلاة.

(ونحوه) يعني: أو طاف طوافاً نحو المنكس

(4)

، كما لو طاف متقهقراً فإنه

لايجزئ؛ لماتقدم.

(أو) طاف (على جدار الحجر) بكسر الحاء المهملة يعني: أنه لا يجزئه؛

لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وليطوفوا بالبيت العتيق)[الحج: 29].

(1)

في أ: تشتمله بنية.

(2)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: المنكوس.

ص: 187

والحِجْر منه. فمن لم يطف به لم يعتد بطوافه.

ويدل لكون الحجر من البيت ما روت عائشة قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن الحِجْر فقال: هو من البيت "

(1)

.

وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن قومك استقصروا من بنيان الكعبة، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منها. فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوا. فهلمي لأريك ما تركو امنها. فأراها قريباً من سبعة أذرع "

(2)

. رواهما مسلم.

(أو) طاف على (شاذروان الكعبة) وهو: ما فضل من جدارها. يعني:

أنه لا يجزئه؛ لأن ذلك من البيت. فإذا لم يطف به لم يطف بكل البيت.

(أو) طاف طوافاً (ناقصاً ولو) نقصاً (يسيراً) يعني: أنه لا يجزئه؛ لأنه

لم يطف بجميع البيت.

و" قد طاف النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر والشاذروان

(3)

من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ".

(أو) طاف (بلا نية) يعني: أنه لا يجزئه؛ لأن الطواف عبادة تتعلق بالبيت. فاشترط لها النية؛ كالصلاة.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف بالبيت صلاة"

(4)

. والصلاة لا تصح بدون النية.

(أو) طاف (عرياناً) يعني: أنه لا يجزئه؛ لما روى أبو هريرة: " أن ابا بكر

بعثه في الحجة التي أمر أبا بكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر يؤذن: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان "

(5)

. متفق عليه.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(333 1) 2: 973 كتاب الحج، باب جدر الكعبة وبابها.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1333) 2: 1 97 كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبناؤها.

(3)

في أ: من وراء الشاذروان.

(4)

سبق تخريجه ص (184) رقم (3).

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(543 1) 2: 586 كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1347) 2: 982 كتاب الحج، باب لا يحج بالبيت مشرك

ولا يطوف بالبيت عريان. . .

ص: 188

(أو) طاف (محدثاً، أو) طاف (نجساً) يعني: أنه لا يجزئه؛ لما روى

ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف بالبيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه "

(1)

. رواه الترمذي والأثرم.

ولأن الطواف عبادة متعلقة بالبيت. فكانت الطهارة والستارة فيها شرطاً؛ كالصلاة. وعكسه الوقوف بعرفة.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين حاضت: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن

لا تطوفي بالبيت "

(2)

.

ويلزم الناس في الأصح. وجزم به

(3)

ابن شهاب إنتظار الحائض لأجل الحيض فقط إن أمكن.

ونقل المروذي في المريض ببلد الغزو: يقيمون عليه؛ قال: لا

(4)

ينبغي للوالي أن يقيم عليه.

ويسن فعل المناسك كلها على طهارة. نص عليه.

(و) إن طاف المحرم (فيما لا يحل لمحرم لبسه)، كما لو طاف وهو لابس للمخيط: فإنه (يصح) طوافه (ويفدي).

قال في " الإنصاف ": لو طاف فيما لا يجوز له لبسه: صح، ولزمته الفدية. ذكره الآجري، واقتصر عليه في " الفروع ".

(ويبتدئ) الطواف من أوله (ل) وجود (حدثٍ فيه) أي: في أثنائه،

(و) ل (قطع طويل) على الأصح فيهما.

اما كونه يبتدئه للحدث فيه بتعمد أو سبق؛ فلأن الطهارة شرط فيه. وإذا

(1)

سيق تخريجه ص (184) رقم (3).

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1567) 2: 594 كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. . .

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1 121) 2: 873 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام. . .

(3)

ساقط من ب.

(4)

ساقط من ب.

ص: 189

وجد الحدث بطلت.

وأما كونه يبتدئه للقطع الطويل عرفاً؛ فلأن الموالاة شرط فيه، لموالاة النبي

صلى الله عليه وسلم بين طوافه وقال: " خذوا عنى مناسككم "

(1)

.

ولأنه صلاة. فاشترطت له الموالاة؛ كسائر الصلوات.

(وإن كان) القطع (يسيراً، أو أقيمت صلاة) وهو في أثناء الطواف، (أو حضرت جنازة) وهو في الطواف:(صلى وبنى) على ما مضى من طوافه (من الحجر) الأسود.

أما

(2)

قطعه إذا أقيمت الصلاة؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة

إلا المكتوبة "

(3)

. والطواف

(4)

صلاة فتدخل. في عموم النص.

وأما قطعه إذا حضرت جنازة؛ فلأنها تفوت بالتشاغل عنها.

وأما كونه يبتدئ الشوط من الحجر؛ (ف) لأنه (لا يعتّد ببعض شوط قطع فيه). قاله أحمد.

وحكم السعي في ذلك حكم الطواف.

(فإذا تم) طوافه (تنفل بركعتين. والأفضل: كونهما خلف المقام، و)

كون القراءة فيهما (بالكافرون و) سورة (الإخلاص بعد الفاتحة)؛ لأن جابراً روى في صفة حجة)) النبي

(5)

صلى الله عليه وسلم قال: " حتى أتينا البيت معه استلم الركن. فرمل ثلاثاً ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ:(واتخذوا من مقام غبراهيم مصلى)[البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت. قال محمد بن علي: ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في الركعتين: (قل هو الله

(1)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

(2)

في أ: فأما.

(3)

أخرجه مسلم فى " صحيحه "(0 71) 1: 493 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في أ: حج.

ص: 190

أحد)، و (قل يأها الكافرون) "

(1)

.

ومهما قرأ فيهما وحيث ركعهما جاز.

(وتجزئ مكتوبة عنهما) يعني: أنه يجزئ عن الركعتين المشروعتين بعد الطواف صلاة المكتوبة، لأنهما ركعتان شرعتا للنسك. فأجزأت المكتوبة، كركعتي الإحرام.

(ويسن عودة) بعد الصلاة (إلى الحجر) الأسود (فيستلمه). نص عليه أحمد؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك "

(2)

. ذكره جابر في صفة حجة

(3)

النبي صلى الله عليه وسلم. (و) يسن (الإكثار من الطواف كل وقت)، وتقدم نص الإمام أحمد: أن الطواف لغريب أفضل من الصلاة.

(وله) أي: ولمن أراد الطواف (جمع أسابيع: بركعتين لكل أسبوع منها) يعني: أنه إذا فرغ من الأسابيع ركع لكل أسبوع ركعتين.

وممن فعل ذلك عائشة والمسور بن مخرمة

(4)

.

وكره ذلك مالك وأبو حنيفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله.

ولأن تأخير الركعتين عن طوافهما يخل بالموالاة بينهما.

ولنا: أن الطواف يجري مجرى الصلاة، والصلاة يجوز جمعها ويؤخر ما بينهما فيصليها بعدها كذلك هذا.

وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله لم يوجب كراهة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعين ولا ثلاثة وذلك غير مكروه بالاتفاق.

والموالاة غير معتبرة بين الطواف والركعتين بدليل: " أن عمر صلى الركعتين بذي طوى "

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبى.

(2)

أخرجه مسلم في الموضع السابق.

(3)

في ب: حج.

(4)

ذكره البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 111 كتاب الحج، باب القرآن بين الأسابيع.

(5)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 91 كتاب الحج، باب من ركع ركعتي الطواف حيث كان.

ص: 191

و" أخّرت أم سلمة الركعتين حين طافت راكبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(1)

.

وإن ركع لكل أسبوع ركعتين عقيبه كان أولى.

(و) لمن أراد السعي بعد طوافه (تأخير سعيه عن طوافه بطواف وغيره)؛

لأنه لا تجب الموالاة بين الطواف والسعي. روي ذلك عن الحسن وعطاء.

ولا بأس أن يطوف أول النهار ويسعى آخره، وفعله القاسم وسعيد بن جبير.

ولا يصح السعي إلا بعد الطواف؛ لأنه تبع له.

(وإن فرغ متمتع) من العمرة والحج (ثم علم أحد طوافيه) أي: طوافي

العمرة والحج أنه وقع (بلا طهارة، وجهله) أي: جهل هل هو طواف العمرة أو

طواف الحج: (لزمه الأشد) في حقه؛ لتبرأ ذمته بيقين.

(وهو) أي: الأشد والأحوط: (جعله) أي: جعل الطواف الذي بلا

طهارة (للعمرة)؛ لما يترتب على ذلك.

وإذا جعلنا كونه من العمرة (فلا يحل) منها (بحلق)؛ لأنا فرضنا أن

طوافها فاسد. فكأنه حلق قبل أن يطوف للعمرة.

(وعليه به) أي: بالحلق (دم)؛ لأنه فعل محظوراً في إحرامه.

(ويصير قارناً)؛ لأنه أدخل الحج على العمرة.

(ويجزئه الطواف للحج) أي: طواف الإفاضة (عن النسكين) أي: عن

الحج والعمرة؛ كالقارن في ابتداء إحرامه.

(ويعيد السعي)؛ لأنه وجد

(2)

بعد طواف غير معتد به؛ لأنا قدرنا كونه

وقع بغير طهارة.

(وإن جعل) الطواف الذي قدرناه بلا طهارة (من الحج) بأن جعلناه طواف

الإفاضة: (فيلزمه طوافه وسعيه) فيعيد طواف الإفاضة والسعي بعده.

(و) يلزمه مع ذلك (دم)؛ لحله قبل تمام نسكه.

(1)

سبق تخريجه ص (185) رقم (3).

(2)

في ج: وجده.

ص: 192

(وإن كان وفى بعد حله من عمرته) وقد فرضنا طوافها بلا طهارة: (لم يصحا) أي: لم يصح الحج ولا العمرة؛ لأنه أدخل حجّاً على عمرة فاسدة بالوطء فيها. فلم يصح، ويلغو ما فعله من أفعال الحج.

(وتحلل بطوافه الذي نواه لحجه من عمرته الفاسدة. ولزمه) دمان: (دم لحلقه، ودم لوطئه في عمرته).

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 193

[فصل: في السعي]

(فصل. ثم يخرج للسعي من باب الصفا. فيرقى الصفا ليرى البيت) فيستقبله، (ويكبر ثلاثاً، ويقول) ثلاثاً: (الحمد لله على ما هدانا. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحي ويميت

(1)

وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحز اب وحده).

والأحزاب: هم الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وهم قريش وغطفان واليهود.

والأصل في ذلك ما روى جابر في صفة حجة

(2)

النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: (إن الصفا والمروة من شعإئر الله) [البقرة: 158]. نبدأ بما بدأ الله به. فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبر. وقال: وذكر ما تقدم ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات "

(3)

. لكن ليس

(4)

في حديث جابر: " يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير ". واقتصر في "الفروع " على ما في الحديث.

قال أحمد: ويدعو بدعاء ابن عمر. رواه إسماعيل عن أيوب عن نافع عن

ابن عمر: " أنه كان يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه. فيكبر سبع مرار ثلاثاً ثلاثاً ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ثم يدعو فيقول:

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب: حج.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

ساقط من أ.

ص: 194

اللهم! اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك.

اللهم! جنبني حدودك.

اللهم! اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين.

اللهم! يسر لي اليسرى وجنبني العسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من أئمة المتقين، واجعلني من ورثة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين. اللهم! قلت: (ادعونى استجب لكم [غافر: 60] وإنك لا تخلف الميعاد.

اللهم! إنك هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى توفاني

(1)

على الإسلام.

اللهم لِلَّهِ لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن.

قال: ويدعو دعاء كثيراً حتى أنه ليملنا ونحن لشباب ".

(ويدعو بما أحب)؛ لما روى أبو هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه، حتى نظر إلى

(2)

البيت ورفع يديه. فجعل يدعو بحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو "

(3)

. رواه مسلم.

(ولا يلبي)؟ لعدم نقله.

(ثم ينزل) من الصفا (فيمشي حتى يبقى بينه وبين العلم) وهو: الميل

الأخضر في ركن المسجد

(4)

(نحو ستة أذرع. فيسعى ماشي سعياً شديداً إلى العلم الآخر) وهو: الميل الأخضر بفناء المسجد، حذاء دار العباس.

(ثم يمشي حتى يرقى المروة) وهي في الأصل الحجارة البراقة التي يقدح

منها النار ثم صارت علماً على المكان المعروف بطرف المسعى.

(1)

في ب: تتوفاني.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1780) 3: 1406 كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة.

(4)

في ج: البيت.

ص: 195

ويستقبل القبلة (فيقول كما قال على الصفا) من التكبير والتهليل والدعاء. (ويجب استيعاب ما بينهما) أي: ما بين الصفا والمروة، (فيلصق عقبه بأصلهما) أي: أصل الصفا والمروة. فمن ترك مما بينهما شيئاً ولو دون ذراع لم يجزئه سعيه.

(ثم ينزل) من المروة (فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه

إلى الصفا.

يفعله) أي: يفعل الساعي ذلك (سبعاً: ذهابه سعية، ورجوعه سعية) يفتتح بالصفا ويختم بالمروة.

(فإن بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشوط).

ويكثر من الدعاء والذكر فيما بين ذلك.

قال أبو عبدالله: " كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: رب اغفر وارحم، وتجا وز

(1)

عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم "

(2)

.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة؛ لإقامة ذكر الله عز وجل "

(3)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (ويشترط) للسعي (نيته). قاله في " المذهب " و" المحرر "؛ لأنه عبادة. فاشترط له النية؛ كبقية العبادات.

(و) يشترط له أيضاً (موالاته) على الأصح، قياساً على الطواف. قاله القاضي.

(و) يشترط للسعي أيضاً (كونه بعد طواف ولو) كان الطواف (مسنوناً)؛

لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد الطواف وقد قال لنا: " خذوا عني مناسككم "

(4)

.

(1)

في أ: واعف.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 95 كتاب الحج، باب الخروج إلى الصفا والمروة والسعى بينهما والذكر عليهما.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(902) 3: 246 كتاب الحج، باب ما جاء كيف ترمى الجمار.

(4)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

ص: 196

فعلى هذا: أن سعى بعد طوافه ثم علم أنه طاف غير متطهر أعاد السعي.

وإن سعى المفرد والقارن بعد طواف القدوم لم يلزمهما سعي بعد ذلك.

(وتسن موالاته) أي: موالاة الطائف والساعي

(1)

(بينهما) أي: بين الطواف والسعي.

(وطهارة وسترة) يعني: أنه لا يجزئه أن يسعى عرياناً جنباً (لا اضطباع) يعني: أنه لا يسن الاضطباع في السعي. نص أحمد على ذلك.

(والمرأة لا ترقى) الصفا ولا المروة.

(ولا تسعى سعياً شديداً)؛ لأن القصد في ذلك إظهار الجلد، ولا يقصد ذلك في حقهن.

ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي ذلك تعرض للإنكشاف.

(وتسن مبادرة معتمر بذلك) أي: بالطواف والسعي؛ لما روى أبو داود قال: سمعت أحمد سئل عمن دخل مكة معتمراً فلم يقصر حتى كان يوم التروية عليه شيء؛ قال: هذا لم يحل حتى يقصر ثم يهل بالحج، وليس عليه شيء، وبئس ما صنع.

(و) سن أيضاً (تقصيره) أي: تقصير متمتع لم يكن معه هدي من شعره

(ليحلق للحج)، ولا يحل إن كان معه هدي.

(ويتحلل متمتع لم يسق هدياً ولو لبّد رأسه)، وذلك لما روى ابن عمر قال:" تمتع الناس مع رسول الله بالعمرة إلى الحج. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل "

(2)

. متفق عليه.

(1)

في أ: الطواف والسعى.

(2)

سيق تخريجه ص (57) رقم (2).

ص: 197

قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم فيه خلافاً.

ومن كان معه هدي فإنه يدخل الحج على العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. نص عليه؛ لما روت حفصة: " أنها قالت: يا رسول الله لِلَّهِ ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال

(1)

: إنى لبَّدت رأسي، وقلّدت هدي. فلا أحل حتى أنحر "

(2)

. متفق عليه.

وهذا التفصيل المذكور في المتمتع.

وأما المعتمر غير المتمتع فإنه يحل. سواء كان معه هدي أو لم يكن، وسواء كان في أشهر الحج أو غيرها؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجته، بعضهن في ذي القعدة "

(3)

.

وقيل: كلهن، وكان يحل منها.

ومتى كان معه هدي نحره عند المروة، وحيث نحره من الحرم جاز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل فجاج مكة طريق ومنحر"

(4)

. رواه أبو داود.

ومن ترك التقصير أو الحلق في عمرته ووطئ قبله فعليه دم على الأصح، وعمرته صحيحة؛ لما روي عن ابن عباس: " أنه سئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن يقصر. قال: من ترك من مناسكه شيئاً أو نسيه فليهريق

(5)

دماً. قيل: أنها موسرة قال: فلتنحر ناقة ".

ولأن التقصير ليس بركن. فلا يفسد النسك بتركه، ولا بالوطء قبله؛ كالرمي في الحج.

(1)

في أ: فقال.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5572) 5: 2213 كتاب اللياس، باب التلبيد.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1229) 2: 902 كتاب الحج، باب، بيان أن القارن لا يتحلل إلا

في وقت تحلل الحاج المفرد.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(6686) 2: 0 18

(4)

سبق تخريجه ص (140) رقم (2).

(5)

في أ: فليهرق.

ص: 198

(ويقطع التلبية متمتع ومعتمر إذا شرع في الطواف).

قال أبو عبدالله: يقطع المعتمر التلبية إذا استلم الركن. وبهذا قال ابن عباس، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي؛ لما روي عن ابن عباس يرفعه قال:" كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر "

(1)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر

ولم يزل يلبي حتى استلم الحجر "

(2)

.

ولأن التلبية إجابة إلى العبادة وشعار للإقامة عليها، وإنما يتركها إذا شرع

فيما ينافيها وهو التحلل منها، والتحلل يحصل بالطواف والسعي. فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل. فينبغي أن يقطع التلبية؛ كالحاج يقطعها إذا شرع في رمي جمرة العقبة؛ لحصول التحلل بها.

(ولا بأس بها) أي: بالتلبية (في طواف القدوم). قاله الإمام أحمد. (سراً). قال الأصحاب: لا يظهر التلبية فيه.

وقال في " المستوعب " وغيره: لا يستحب.

ومعنى كلام القاضي: يكره.

وفي " الرعاية " وجه: يسن. والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(919) 3: 261 كتاب الحج، باب ما جاء متى تقطع التلبية في العمرة.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(6686) 2: 180

ص: 199

[باب: صفة الحج]

هذا (باب صفة الحج) والعمرة.

(يسن لمحل) كائن (بمكة و) ب (قربها، و) ل (متمتع حل) من عمرته: (إحرام بحج في ثامن ذي الحجة وهو: يوم التروية). [نص على ذلك]

(1)

.

سمي بذلك، لأن الناس كانوا يتروون

(2)

فيه الماء لما بعده.

وقيل: لأن إبراهيم أصبح يتروى في أمر الرؤيا.

وقيل: غير ذلك.

والأصل في ذلك ما في " صحيح مسلم " وغيره في حديث جابر في صفة حج

النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي. فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى. فأهلوا بالحج. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاتشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية. فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى عرفة فوجد القبة. قد ضربت له بنمرة. فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له. فأتى بطن الوادي. فخطب الناس وقال: إن دمائكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا. في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا لِلَّهِ إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول

(3)

دم أضعه من دمائنا دم ابن ربيعة

(4)

بن الحارث. كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية

(1)

زياده من أ.

(2)

في أ: يتزودون.

(3)

في أ: وأول.

(4)

في الأصول: ابن أبي ربيعة، وما أثبتناه من " الصحيح ".

ص: 200

موضوع. وأول ربا أضع رِبانا ربا عباس بن عبدالمطلب. فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء. فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه. فإن فعلوا ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن

(1)

تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكُتُها إلى الناس: اللهم! اشهد. اللهم! اشهد. ثلاث مرات. ثم أذن، ثم أقام. فصلى الظهر، ثم أقام. فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف. فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات. وجعل حبل المشاة بين يديه. فاستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص. وأردف أسامة خلفه. ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق القصواء بالزمام، حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله

(2)

ويقول [بيده اليمنى]

(3)

: أيها الناس! السكينة السكينة. كلما أتى حبلا من الحبال

(4)

أرخى لها قليلاً حتى تصعد. . حتى أتى المزدلفة. فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبح بينهما شيئاً. ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر. فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام. فاستقبل القبلة. فدعا الله وكبره وهلله ووحده، ولم يزل واقفاً حتى أسفر جداً. فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس. وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً. فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن يجرين. فطفق الفضل

(5)

ينظر إليهن.

(1)

في أ: أن.

(2)

في الأصول: رجله، وما أثبتناه من " الصحيح ".

(3)

ساقط من أ.

(4)

في الأصول: جبلاً من الجبال، وما أثبتناه من " الصحيح ". والحبال: جمع حبل. وهو التل اللطيف من الرمل الضخم.

(5)

ساقط من أ.

ص: 201

فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل. فحول وجهه إلى الشق الآخرينظر. فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخرعلى وجه الفضل. فصرف وجهه من الشق الآخرينظر. حتى أتى بطن محسر. فحرك قليلاً. ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة. فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف. رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر. فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غَبَرَ وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة. فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر. فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم. فقال: انزعوا بني عبدالمطلب فلولا أن يغلبكم

(1)

الناس على سقايتكم لنزعت معكم. فناولوه دلواً فشرب منه "

(2)

.

قال عطاء: كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بمنى بالخيف.

وقوله

(3)

: " وجعل حبل المشاة بين يديه "أي: طريقهم الذي يسلكونه في الرمل.

وقيل: أراد صفهم ومجتمعهم في مشيهم تشبيهاً بحبل الرمل.

ويستثنى من استحباب الإحرام بالحج يوم التروية صورة أشير إليها بقوله:

(إلا من لم يجد هدياً) وكان متمتعاً (وصام) الثلاثة أيام الذي في الحج: (ف) يستحب

(4)

له أن يحرم (في سابعه) أي: سابع ذي الحجة، ليكون صيامها في إحرام الحج.

ويسن لمن يحرم بالحج من مكة أو قربها: أن يكون إحرامه (بعد فعل ما يفعله في إحرامه من الميقات، و) بعد (طواف، وصلاة ركعتين.

(1)

في أ: تغلب.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(8 1 2 1) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبى صلى الله عليه وسلم.

(3)

في أ: قوله.

(4)

في أ: ويستحب.

ص: 202

ولا يطوف بعده) أي: بعد إحرامه (لوداعه) على الأصح. نقله الأثرم.

فلو طاف وسعى بعده لم يجزئه عن السعي الواجب.

(والأفضل): أن يكون إحرامه من المسجد (من تحت الميزاب). ذكره

في " المنهج "

(1)

و" الإيضاح ".

وكان عطاء يستلم الركن ثم ينطلق مُهِلاً بالحج. .

(وجاز وصح) أن يحرم من كان بمكة (من خارج الحرم) ولا دم عليه على

الأصح. نقله الأثرم وابن منصور، ونصره القاضي وأصحابه، وقدمه في "الفروع ". (ثم يخرج إلى منى قبل الزوال) استحبابا، (فيصلي بها الظهر مع الإمام، ثم) يقيم بها (إلى الفجر) وهو يصلي مع الإمام. (فإذا طلعت الشمس) أي: شمس يوم عرفة (سار) من منى (فأقام بنمرة إلى الزوال. فيخطب بها الإمام أو نائبه خطبة قصيرة، مفتتحة بالتكبير، يعلمهم فيها الوقوف ووقته، والدفع منه، والمبيت بمزدلفة. ثم يجمع من يجوز له) الجمع (حتى المنفرد) أي: حتى من يصلي منفرداً. نص عليه، (بين الظهر والعصر، ويعجل)؛ لما روي: " أن سالماً قال للحجاج بن يوسف يوم عرفة: إن كنت تريد أن تصيب السنة فقصر الخطبة وعجل الصلاة. فقال ابن عمر: صدق "

(2)

. رواه البخاري.

ولأن تطويل ذلك يمنع الرواح إلى الموقف في أول وقت الزوال.

(ثم يأتي عرفة، و) هي (كلها موقف)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قد وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف "

(3)

. رواه أبو داود وابن ماجه.

(إلا بطن عرنة)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" كل عرفة موقف. وارفعوا عن بطن عرنة "

(4)

. [رواه ابن ماجه.

(1)

في ج: " المبهج ".

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1580) 2: 599 كتاب الحج، باب قصر الخطبة بعرفة.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(936 1) 2: 93 1 كتاب المناسك، باب الصلاة بجمع.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3010) 2: 1001 كتاب المناسك، باب الموقف بعرفات.

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3012) 2: 1002 الموضع السابق.

ص: 203

ولا يجزئه الوقوف في بطن عرنة]

(1)

، لأنه لم يقف بعرفة. أشبه ما لو وقف بمزدلفة.

(وهي) أي: وحد عرفة: (من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة له، إلى ما يلي حوائط بني عامر.

وسن وقوفه) أي: وقوف الحاج بعرفة (راكباً)، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث وقف على راحلته

(2)

.

(بخلاف سائر المناسك) أي: بقية المناسك وهذا المذهب.

وقيل: الأفضل وقوفه راجلاً. واختاره ابن عقيل.

وقال: والنبي صلى الله عليه وسلم ركب في المناسك؛ ليعلمهم ويروه. فرؤيته عبادة.

وقيل: الراكب والراجل سواء.

قال في " الفروع ": ويتوجه تخريج الحج عليها.

وفي " الإنتصار " و" مفردات أبي يعلى الصغير " أفضلية المشي، وقاله عطاء وإسحاق وداود، وهو ظاهر كلام ابن الجوزي في " مثير العزم الساكن " فإنه ذكر الأخبار في ذلك، وعن جماعة من العباد.

وإن الحسن بن علي حج خمس عشرة حجة ماشياً. وذكر غيره خمساً وعشرين، والجنائب تقاد معه.

وقال في " أسباب الهداية ": فصل في فضل الماشي. عن ابن عباس مرفوعاً: " من حج من

(3)

مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم. قيل له: وما حسنات الحرم؟ قال: بكل حسنة مائة الف حسنة ".

قال: وعن عائشة مرفوعاً: " أن الملائكة لتصافح ركبان الحج وتعتنق

(1)

ساقط من أ.

(2)

ر حديث جابر السابق ص (202) رقم (2).

(3)

ساقط من أ.

ص: 204

المشاة ". كذا ذكر هذين الخبرين.

وسن أيضاً كون الواقف بعرفات (مستقبل القبلة)، وكون وقوفه (عند الصخرات وجبل الرحمة) واسمه إلال على وزن هلال.

وذلك لقول جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بطن

(1)

ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة "

(2)

.

ويقال أيضاً لجبل الرحمة: جبل الدعاء.

(ولا يُشرع صعودُه).

قال الشيخ تقى الدين: إجماعاً.-

(ويرفع) الواقف بعرفات (يديه) استحباباً، ولا يجاوز بهما رأسه، ولا يتكلف السجع في الدعاء.

(ويكثر الدعاء) والاستغفار والتضرع والخشوع، وإظهار الضعف والافتقار، ويلح في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة، بل يكون قوي الرجاء للإجابة؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي "

(3)

. رواه البخاري ومسلم.

وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما على الأرض مسلم يدعو

الله بدعوة إلا أتاه الله إياها، أو صرف من السوء مثلها. ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. فقال رجل من القوم: إذاً نُكثر. قال: الله أكثر "

(4)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

(1)

ساقط من ب.

(2)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5981) 5: 2335 كتاب الدعواب، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2735) 4: 95 0 2 كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل

(4)

أخرجه الترمذي في "جامعه "(3573) 5: 566 كتاب الدعوات، باب في انتظار الفرج وغير ذلك.

ص: 205

ورواه الحاكم في " المستدرك " من رواية أبي سعيد] وزاد فيه [

(1)

: " أو يدَّخر له من الأجر مثلها "

(2)

.

ويستحب أن يكرر كل دعاء

(3)

ثلاثا.

(و) يكثر (من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. اللهم! اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، ويسر لي أمري)؛ لما رواه مالك في " الموطأ " بإسناده عن طلحة بن عبيدالله بن كَريز - بفتح الكاف وآخره زاى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الدعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: [لا إله إلا الله وحده لا شريك له "

(4)

. ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة. لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير "

(5)

. رواه الترمذي.

وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال [

(6)

: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

قيل له: هذا ثناء وليس بدعاء؛ فقال: أما سمعت قول الشاعر:

أأذكر حاجتي أم قد كفانى

حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يومًا

كفاه من تعرضه الثناء

وما في المتن موافق لما في " المقنع " و" المحرر "، وهو ماً ثور عن علي، واقتصر في " الفروع " على ما في حديث عمرو بن شعيب.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه الحاكم في " مستدركه "(1816) 1: 670 كتاب الدعاء.

(3)

في ب: يكرر الدعاء.

(4)

أخرجه مالك في " الموطأ "(32) 1: 188 كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(3585) 5: 572 كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة.

(6)

ساقط من أ.

ص: 206

وفي " الوجيز ": يدعو بما ورد.

ومنه: ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا فقال: " اللهم! إنك ترى مكانى، وتسمع كلامي، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري. أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مساًلة المساكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خشعت لك رقبته، وذُلّ لك جسده، وفاضت لك عيناه، ورغم لك أنفه ".

وكان عبدالله بن عمر يقول: " الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد. اللهم! اهدني بالهدى، وقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والأولى ". ويرد يديه ويسكت قدر ما كان إنسان قارئاً فاتحة الكتاب، ثم يعود فيرفع يديه ويقول مثل ذلك. ولم يزل يفعل ذلك حتى أفاض.

قال في " شرح المقنع ": وروينا عن سفيان الثوري قال: سمعت أعرابياً وهو مستلق بعرفة يقول: إلهي! من أولى بالزلل والتقصير مني، وقد خلقتني ضعيفا، ومن أولى بالعفو عني منك، وقلمك فيَّ سابق، وأمرك بي محيط. أطعتك بإذنك والمنة لك، وعصيتك بعلمك والحجة لك. فأسألك بوجوب حجتك وانقطاع حجتى، وبفقري إليك وغناك عني: أن تغفر لي وترحمني. إلهي! لم أُحسن حتى أعطيتني ولم أُسئ حتى قضيت علي. اللهم! أطعتك بنعمتك في أحب الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلا الله، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك. فاغفر لي ما بينهما.

اللهم! أنت أنس المؤنسين لأوليائك وأقربهم بالكفاية من المتوكلين عليك، تشاهدهم في ضمائرهم وتطلع على سرائرهم. وسري اللهم لك مكشوف، وأنا إليك ملهوف. إذا أوحشتني الغربة آنسني ذكرك، وإذا أصبحت على الهموم لجاًت إليك استجارة بك، علماً بأن أزمة الأمور بيدك ومصدرها عن قضائك. (ووقته) أى: وقت الوقوف بعرفة الذي يصح الحج بالوقوف فيه: (من فجر يوم عرفة، إلى فجر يوم النحر).

ص: 207

قال جابر: "لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع. قال

أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؛ قال: نعم "

(1)

.

وقال مالك والشافعي: أول وقته زوال الشمس يوم عرفة. واختاره

أبو حفص العكبري، " لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال "

(2)

.

ولنا: ما روى عروة بن مضرس الطائي قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله! إنى جئت من جبل طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه "

(3)

. رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه له. ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط كافة أئمة الحديث.

ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة لا من غيره. فكان وقتاً للوقوف؛ كما بعد الزوال. وترك الوقوف فيه لا يمنع كونه وقتاً

(4)

للوقوف، كما بعد العشاء. وإنما وقف النبي وقت الفضيلة.

(فمن حصّل) من المسلمين المكلفين الأحرار (لا مع سكر أو إغماء فيه)

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 174 كتاب الحج، باب إدراك الحج بإدراك عرفة

(2)

ر حديث جابر السابق ص (202) رقم (2).

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1950) 2: 196 كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(891) 3: 238 كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج.

وأخرجه النسائي في " سننه "(3043) 5: 264 كتاب مناسك الحج، فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة.

وأخرجه ابن ماجه قي " سننه "(3016) 2: 1004 كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(18326) 4: 1 26.

وأخرجه الحاكم في " مستدركه "(0 170) 1: 634 كتاب المناسك.

(4)

ساقط من أ.

ص: 208

أى: في وقت الوقوف (بعرفه و) لو (لحظة) مختاراً، (وهو) أى: الذي حصل بعرفة لحظة (أهل) بأن يكون مسلماً حراً بالغاً عاقلاً محرماً بالحج (ولو) كان (ماراً) بها راجلاً أو راكباً، (أو) مر به (نائماً، أو) مر بها (جاهلاً أنها عرفة: صح حجه)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً"

(1)

. ولأنه حصل بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل. فأجزاه؛ كما لو علم. (وعكسه) أى: عكس الوقوف (إحرام وطواف وسعي)؛ لأن كلا من الإحرام والطواف والسعي لا يصح إلا بنية تخصه. فلا يقال من حصل في ميقات الإحرام صار محرماً بدون نية الإحرام، ولا من دار حول البيت سبعاً صار طائفاً بدون نية الطواف، ولامن سعى بين الصفا والمروة صارساعياً بدون نية السعي. بخلاف الوقوف فإن من حصل بعرفة في وقت الوقوف مختاراً وهو محرم أهلٌ: صار واقفاً بدون نية الوقوف.

(ومن وقف بها) أى: بعرفه (نهاراً، ودفع قبل الغروب ولم يعد) إليها

بعد الغروب من ليلة النحر، (أو عاد) إلى عرفة (قبله) أى: قبل الغروب (ولم يقع) الغر وب (وهو بها) أى: بعرفة: (فعليه دم) أى: شاة، لأنه ترك واجباً لا يفسد الحج بتركه؛ كالإحرام من الميقات.

وعلم مما تقدم: أنه إن عاد إليها ليلاً لا دم عليه؛ لأنه أتى بالواجب وهو الوقوف في الليل والنهار. فلم يجب عليه دم؛ كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع فأحرم منه .. (بخلاف واقف ليلاً فقط) بعرفة فإنه لا دم عليه.

قال في " شرح المقنع ": لا نعلم فيه خلافاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج "

(2)

.

ولأنه لم يدرك جزءاً من النهار. فأشبه من منزله دون الميقات إذا أحرم منه.

(1)

سبق تخريجه ص (208) رقم (3).

(2)

أخرجه الطبراني في " الكبير "(11496) 11: 202 عن ابن عباس.

ص: 209

] فصل: في الدفع إلى مزدلفة [

(فصل. ثم يدفع بعد الغروب) من عرفة مع الإمام أو الوالي أمير الحج؛

لقول أحمد: ما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام على طريق المأْزِمَين؛ " لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سلكها ".

(إلى مزدلفة)، سميت به من الزلف وهو التقرب؛ لأن الحاج إذا أفاض

(1)

من عرفات ازدلفوا إليها أى: تقربوا ومضوا إليها.

وتسمى أيضاً جَمْعاً؛ لإجتماع الناس بها.

(وهي) أى: وحَدُّ مزدلفة: (ما بين المأْزِمَين ووادي مُحَسِّر) بالحاء المهملة والسين المهملة المشددة.

وعبارة " الفروع ": ما بين الجبلين ووادي محسر.

ويسن كون دفعه (بسكينة)؛ لقول جابر في حديثه: " ودفع رسول الله

وقد شنق القصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس! السكينة السكينة "

(2)

.

(مستغفراً). قاله أبو حكيم.

(يُسرع في الفُرجة)؛ لقول أسامة: "كان رسول الله يسير الَعَنَقَ فإذا وجد فَجوة نَصَّ

(3)

. أى: أسرع؛ لأن العنق انبساط السير، والنص: فوق العنق. (فإذا بلغها) أى: بلغ مزدلفة (جمع العشائين بها) يعني: أنه يسن لمن

دفع من عرفة: أن لا يصلي المغرب حتى يصل إلى مزدلفة فيجميع بين المغرب والعشاء من يجوزله الجمع.

(1)

في ب: أفاضوا.

(2)

سبق تخرلجه ص (202) رقم (2).

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(83 5 1) 2: 0 0 6 كتاب الحج، باب السير إذا دفع من عرفة. وأخرجه أبو داود في " سننه " (1923) 2: 191 كاب المناسك، باب الدفعة من عرفه.

ص: 210

(قبل حطِّ رحله)؛ لما روى أسامه بن زيد قال: " دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفه حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضاً فقلت له: الصلاة يا رسول الله! فقال: الصلاة أمامك. فركب. فلما جاء مزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء. ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب. ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله. ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما "

(1)

. متفق عليه.

(وإن صلى المغرب بالطريق ترك السنة وأجزاه)؛ لأن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق بينهما؛ كالظهر والعصر بعرفة. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم محمول على الأفضل.

(ومن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة أو مزدلفة: جمع وحده) وبذلك قال مالك والشافعي؛ لفعل ابن عمر.

(ثم يبيت بها) أى: بمزدلفة على سبيل الوجوب؛ لوجوب الدم بتركه؛

" لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها "

(2)

، وقال:" خذوا عني مناسككم "

(3)

.

وقال علقمة والنخعي والشعبي: من فاته جمع فاته الحج؛ لقول الله سبحانه وتعالى:

ْ (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)] البقرة:198].

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ومن شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً. فقد تم حجه وقضى تَفََثُه "

(4)

.

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة. فمن جاء قبل ليلة جَمْع فقد تم حجه "

(5)

. يعني: من جاءعرفة

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري فى " صحيحه "(88 5 1) 2: 601 كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة. وأخرجه مسلم في "صحيحه " (1280) 2: 935 كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة.

(2)

ر حديث جابرص (رقم (2022)).

(3)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

(4)

سبق تخريجه ص (208) رقم (3).

(5)

سيأتى تخريجه ص (254) رقم (1).

(6)

في ب: من عرفة.

ص: 211

وما احتجوا به من الآية والخبر قال منطوق فيهما ليس بركن في الحج إجماعاً. فإنه لو بات بجَمْع ولم يذكر اسم

(1)

الله سبحانه وتعالى ولم يشهد الصلاة صح حجه. فما هو من ضرورة ذلك أولى.

ولأن المبيت ليس من ضرورة ذكر الله سبحانه وتعالى وكذلك شهود صلاة الفجر. فإنه لو أفاض من عرفة في آخر ليلة النحر أمكنه ذلك. فيتعين حمل ذلك على الأىجاب أو الفضيلة

(2)

والاستحباب.

(وله) أى: للحاج (الدفع) من مزدلفة (قبل الإمام وبعد نصف الليل)؛

لما ورد من الرخصة في ذلك.

فروى ابن عباس قال: " كنت فيمن قدّم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة

إلى منى "

(3)

. متفق عليه.

وعن عائشة قالت: " أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة

قبل الفجر ثم مضت فأفاضت "

(4)

. رواه ابو داود.

(وفيه) أى: في الدفع من مزدلفة (قبله) أى: قبل نصف الليل (على غير

رُعاة و) غير (سُقاة: دم). سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلاً، وسواء كان عامداً أو ناسياً؛ لأنه ترك نُسكاً واجباً. والنسيان إنما يؤثر في جعل الموجود كالمعدوم. لا في جعل المعدوم كالموجود.

وإنما لم يجب على

(5)

الرعاة والسقاة دم؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب: والفضيلة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1594) 2: 603 كتاب الحج، باب من قدّم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1293) 2: 941 كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1942) 2: 194 كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع.

(5)

في ب: على غير.

ص: 212

ترك البيتوتة "

(1)

. في حديث عدي

(2)

.

و" رخص للعباس في ترك البيتوتة لأجل سقايته "

(3)

.

ولأن عليهم مشقة في المبيت لحاجتهم إلى حفظ مواشيهم، وسقي الحاج. فكان لهم ترك المبيت بمزدلفة؛ كليالي منى.

وعنه: أن المبيت بمزدلفة ليس بواجب.

والأول المذهب.

ومحل وجوب الدم على غير الرعاة والسقاة (ما لم يعد إليها) أى: إلى مزدلفة (قبل الفجر). نص عليه. فإنه لا دم عليه؛ (كمن لم يأتها) أى: يأت مزدلفة (إلا في النصف الثاني) من الليل؛ لأنه لم يدرك فيها جزءاً من النصف الأول. فلم يتعلق به حكمه؛ كمن أدرك الليل بعرفات دون النهار.

(ومن أصبح بها) أى: بمزدلفة (صلى الصبح بغَلَََس)؛ لقول جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح بها حين تبين له الصبح بأذان وإقامة "

(4)

وليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام.

(ثم يأتي

(5)

المشعر الحرام). سمي بذلك؛ لأنه من علامات الحج، واسمه في الأصل قُزَج، وهو جبل صغير بالمزدلفة (فرقى عليه) إن أمكنه، (أو وقف عنده، وحمد الله) سبحانه و (تعالى،. وهلل وكبر)؛ لما في حديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المشعر الحرام فرقى

(6)

عليه فحمد الله وهلله وكبره "

(7)

.

(1)

أخرجه النسائي في " سننه "(69 0 3) 5: 273 كتاب مناسك الحج، رمي الرعاة.

(2)

في أ: علي، وهو تصحيف

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(1553) 2: 589 كتاب الحج، باب سقاية الحاج.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1315) 2: 953 كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.

(4)

سبق تخريجه (202) رقم (2).

(5)

في أ: أتى.

(6)

في أ: ورقى.

(7)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

ص: 213

(ودعا فقال: اللهم! كما وقفْتَنا فيه، وأريْتَنا إياه فوفِّقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ) ويستحب قراءته (إلى (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)] البقرة: 198 - 199].

ويكرر ذلك إلى أن يسفر، لأن في حديث جابر:" أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل واقفاً عند المشعر الحرام حتى أسفر جداًً "

(1)

.

(فإذا أسفر جداً سار) قبل طلوع الشمس.

قال عمر: " كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فاًفاض قبل أن تطلع الشمس "

(2)

. رواه البخاري.

ويكون سيره (بسكينة)، لقول ابن عباس: " ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس وقال: أيها الناس! إن البر ليس

(3)

بإيجاف الخيل والإبل فعليكم السكينة"

(4)

. (فإذا بلغ مُحسِّراً، وهو: واد بين مزدلفة ومنى. سمي بذلك " لأنه يحسر سالكه: (أسرع رميةَ حجر) أى: قدر رمية حجر إن كان ماشياً، وإن كان راكباً حرك دابته " لأن جابر قال في وصف حج النبي صلى الله عليه وسلم:" أنه لما أتى بطن محسر حرك قليلا "

(5)

.

ويروى " أن عمر رضي الله تعالى عنه

(6)

لما أتى محسراً أسرع وقال:

إليك نعدو قلقاً وصينها

مخالفاً دين النصارى دينها

معترضاً في بطنها جنينها "

(7)

(1)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1600) 2: 604 كتاب الحج، باب متى يدفع من جمع.

(3)

في أ: ليس البر.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 92 1) 2: 0 9 1 كتاب المناسك، باب الدفعة من عرفه.

(5)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(6)

في أ: رضي الله عنه.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبه في " مصنفه "(15640) 3: 411 كتاب الحج، في الإيضاع في وادي محسِّر

ص: 214

(ويأخذ حَصى الجمار سبعين) حصاة. كل واحدة (أكبر من الحمص

ودون البندق؛ كحصى الخذْف) بالخاء والذال المعجمتين.

قال في " القاموس ": الخذف، كالضرْب: رَمْيُكَ بحصاةٍ أو نواةٍ؛ أو نحوهما، تأخُذَ بين سبَّابتيكَ تخذِفُ به.

(من حيث شاء)؛ لأن ابن عباس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداه العقبة

وهو على ناقته: القُط لي حصى. فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف. فجعل يقبضهن

(1)

في كفه. ويقول: أمثال هؤلاء فارموا. ثم قال: أيها الناس! إياكم والغلو في الدين. فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين "

(2)

. رواه ابن ماجه. وكان ذلك بمنى.

و" كان ابن عمر يأخذ الحصى من جَمْع "

(3)

.

وفعله سعيد بن جبير. وقال: كانوا يتزودون الحصى من جَمْع.

وإنما استحب أن يأخذ حصى الجمار قبل أن يصل منى؛ لئلا يشتغل عند قدومه بشيء قبل الرمي؛ لأن الرمي تحية منى، كما أن الطواف تحية المسجد. فلا

يبدأ بشيء قبله.

(وكُره) أخذ الحصى (من الحرم، ومن الحَشِّ وتكسيرُه) أى: تكسير الحصى؛ لأنه لا يؤمن في التكسير أن يطير إلى وجهه شيء يؤذيه.

(ولا يسن غسله) على الأصح.

قال أحمد: لم يبلغنا ان النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

قال في " شرح المقنع ": وهذا الصحيح، وهو قول عطاء ومالك وكثير من

أهل العلم.

(1)

في "السنن ": يمضهن.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3029) 2: 1008 كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي.

(3)

أخرجه البيهقى في السنن الكبرى " 5: 128 كتاب الحج، باب أخذ الحصى لرمى جمرة العقبة وكيفيه ذلك.

ص: 215

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما لقطت له الحصى وهو راكب على بعيره جعل يقبضهن في يده، ولم يغسلهن، ولا أمر بغسلهن، ولا فيه معنى يقتضيه.

(وتجزئ حصاة نجسة، و) حصاة (في خاتم إن قصدها) بالرمي.

(و) تجزئ حصاة (غير معهودة، كـ) حصاة (من مِسَنٍ وبِرَاٍم ونحوهما)؛ كمرمر، وكدّان. وسواء كانت الحصاة بيضاء أو سوداء أو حمراء أو غير ذلك.

(لا) حصاة (صغيرة جداص أو كبيرة) يعني: أنها لا تجزئ؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بالرمي بمثل حصى الخذف "

(1)

.

فلا يتناول ما لا يسمى حصى. والكبيرة تسمى: حجراً.

(أو ما) أى: حصاة (رُميَ بها) يعني: أنها لا تجزئ في المنصو ص؛ لأنها استعملت في عبادة. فلا تستعمل ثانيا؛ كماء الوضوء.

ولأخذه صلى الله عليه وسلم الحصى من غير المرمى.

ولأنه لو جاز لما احتاج إلى أخذه من غير مكانه.

(أو) كان المرمى به (غير الحصى؛ كجوهر)، وفيروزج، وزبرجد،

ويا قوت، وبلخش، وزمرد.

وكالمعادن المنطبعة؛ كفضمة (وذهب، ونحوهما)؛ كنحاس، ورصا ص وحديد.

(فإذا وصل منى. وهي) أى: وحَدَّها: (ما بين وادي محسر وجمرة العقبة.

بدأ بها) أى: بجمرة العقبة (فرماها بسبع) من الحصى، واحدة بعد واحدة. (ويُشترط الرمي فلا يُجزئ الوضع) في الرمي.

(و) يشترط (كونه) أى: كون الرمي (واحدة بعد واحدة) أى: حصاة

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1944) 2: 195 كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع. عن جابر ابن عبدالله رضى الله عنهما

ص: 216

بعد حصاة. (فلو رمى) أكثر من واحدة (دفعة فواحدة) أى: كانب الدفعة كرمي حصاة واحدة؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى سبع رميات "

(1)

، وقال:" خذوا عني مناسككم "

(2)

.

(ويؤدب). نقله الأثرم.

(و) يشترط أيضاً (علم الحصول) أى: حصول الحصى الذي يرميه (بالمرْمى). فلا يكفي ظن الرامي حصوله في المرمى، لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته. فلا يزول بالظن.

وعنه: يكفي ظنه.

والأول المذهب.

(فلو وقعت) الحصاة (خارجه) أى: خارج المرمى (ثم تدحرجت فيه) أى: في المرمى، (أو) رماها فوقعت (على ثوب إنسان ثم صارت فيه) أى: في المرمى (ولو بنفض غيره) أى: غير الرامي: (أجزأته)؛ لأن الرامي انفرد برميها.

(ووقته) أى: أول وقت الرمي: (من نصف الليل) من ليلة النحر؛ لما روى أبو داود عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت "

(3)

.

وروي " أنه أمرها أن تُعجِّل الإفاضه وتوافي مكة مع صلاة الفجر "

(4)

. احتج به أحمد.

ولأنه وقت للدفع من مزدلفة. فكان وقتاً للرمي؛ كبعد طلوع الشمس

(5)

. (ونُدب) الرمي (بعد الشروق)؛- لقول جابر: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي

(1)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(2)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1942) 2: 194 كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(26535) 6: 291

(5)

ساقط من أ.

ص: 217

الجمرة ضحى يوم النحر وحده "

(1)

. أخرجه مسلم.

وما روى أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس "

(2)

. فمحمول على وقت الفضيلة.

(فإن غربت) شمس ذلك اليوم الذي كان الرمي فيه ولم يرم فيه شيئا: (فـ) إنه يرمي جمار ذلك اليوم (من غد) أى: غد ذلك اليوم (بعد الزوال)؛ لقول ابن عبدالبر: أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها

(3)

، وإن لم يكن ذلك مستحباً.

ولقول ابن عمر: " من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرمي حتى تزول الشمس من الغد ".

(و) ندُب أيضاً (أن يكبر) الرامي (مع كل حصاة) رماها؛ لحديث جابر:

"أن النبي صلى الله عليه وسلم رماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة"

(4)

. رواه مسلم.

(و) أن (يقول) أيضاً: (اللهم! اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً)؛ لأن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان ذلك

(5)

.

وروى حنبل بإسناده عن زيد بن أسلم قال: " رأيت سالم بن عبدالله استبطن الوادي ورمى الجمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: اللهم! اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً مشكوراً. فسألته عما صنع. فقال: حدثني أبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة من هذا المكان ويقول كلما رمى مثل ما قلت

(6)

".

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1299) 2: 945 كاب الحج، باب بيان وقت استحجاب الرمي.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(3192) 1: 343

(3)

في أ: رماها في نهار

(4)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(4051) طبعة إحياء التراث. ولفظه: ". .. اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً

" عن عبدالله.

(6)

في أ: مثل ما فات، وفي ج: مثل ذلك

ص: 218

(و) ندب أيضاً: أن (يستبطن الوادي، و) أن (يستقبل القبلة، ويرمي على جانبه الأيمن)؛ لما روى عبدالرحمن بن يزيد

(1)

: " أنه مشى مع عبدالله وهو يرمي الجمرة. فلما كان في بطن الوادي اعترضها فرماها. فقيل له: إن ناساً يرمونها من فوقها فقال: من هاهنا والذي لا إله غيره. رأيت الذي أنزلت عليه سورة البقرة] رماها "

(2)

. متفق عليه.

وفي لفظ: " لما أتى عبدالله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة وجعل يرمي الجمرة على جانبه الأيمن. ثم رمى بسبع حصيات، ثم قال: والذي لا إله غيره من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة [

(3)

"

(4)

. قال الترمذي: هذا حديث صحيح.

(ويرفع يُمناه) عند الرمي (حتى يُرى بياض إبطه)؛ لأن في ذلك معونة على الرمي.

(ولا يقف) عندها؛ لما روى ابن عمر وابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف "

(5)

. رواه ابن ماجه.

وروى البخاري معناه من حديث ابن عمر

(6)

.

ولضيق المكان.

(وله رميها) أى: رمي جمرة العقبة (من فوقها)؛ " لأن عمر جاء ليرمي

(1)

في الأصول: عبدالله بن يزيد. وما أثبتناه من " الصحيحين ".

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1660) 2: 622 كتاب الحج، باب رمي الجمار من بطن الوادي.

وأخرجه مسلم قي " صحيحه "(1296) 2: 942 كتاب الحج، باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(901) 3: 245 كتاب الحج، باب ما جاء كيف ترمى الجمار.

(5)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(032 3) عن ابن عمر، و (033 3) 2: 1009 عن ابن عباس. كتاب المناسك، باب إذا رمى جمرة العقية لم يقف عندها.

(6)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1664) 2: 623 كتاب الحج، باب إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة.

ص: 219

والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها ".

(ويقطع التلبية بأول الرمي) في قول الجمهور؛ لما روى الفضل بن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة "

(1)

. أخرجاه في "الصحيحين ".

وكان رديفه يومئذ، وهو أعلم بحاله من غيره. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مقدم

(2)

على ماخالفه.

ويستحب قطع التلبية عند أول حصاة؛ للخبر.

وفي بعض الفاظه: " حتى رمى جمرة العقبة قطع عند أول حصاة ". رواه حنبل في " المناسك ".

وهذا بيان يتعين الأخذ به.

وفي رواية من روى: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل حصاة "

(3)

: دليل على

أنه لم يكن يلبي.

ولأنه يتحلل بالرمي. فإذا شرع فيه قطع التلبية؛ كالمعتمر يقطع التلبية بالشروع في الطواف.

(ثم ينحر هدياً) إن كان (معه)، واجباً كان الهدي أو تطوعاً. فإن لم يكن

معه هدي وعليه واجب اشتراه، وإن لم يكن عليه واجب وأحب أن يضحي اشترى ما يضحي به.

وذلك لما روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر. فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1469) 2: 559 كتاب الحج، باب الركوب والارتداف في الحج.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1281) 2: 931 كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر.

(2)

ساقط من ب.

(3)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

ص: 220

وأشركه في هديه "

(1)

.

وإذا نحر الهدي فرَّقه على مساكين الحرم؛ لما روى أنس " أن النبى صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات. ثم قال: من شاء اقتطع "

(2)

. رواه أبو داود.

وإن قسمها فهو أحسن وأفضل؛ لأن بقسمها يتيقن إيصالها إلى مستحقها. ويكتفي المساكين تعب النهب والزحام.

ويقسم جلودها وجلالها؛ لما روى علي قال: " أمرنى النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم

على بدنه، وأن أقسم بدنه كلها جلودها وجلالها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً. وقال: نحن نعطيه من عندنا "

(3)

.

وإنما يلزم قسم جلالها؛ للخبر.

ولأنه ساقها لله على تلك الصفة. فلا يأخذ شيئا مما جعله لله.

قال في " شرح المقنع ". وقال أصحابنا: لا يلزمه إعطاء جلالها؛ لأنه إنما أهدى الحيوان دون ما عليه.

(ثم يحلق. وسُن استقباله) أى: أن يستقبل القبلة؛ (وبداءة بشقه الأيمن)، وأن يبلغ بالحلق العظم الذي عند مقطع الصدغ من الوجه؛ " لأن ابن عمر كان يقول للحالق

(4)

: ابلغ العظمين، افصل الرأس من اللحية ".

وكان عطاء يقول: من السنه إذا حلق أن يبلغ العظمين.

(أو يُقصِّر من جميع شعره) نص عليه.

قال في " الفروع ": قال شيخنا (لا من كل شعرة بعينها).

قال في " الإنصاف ": قلت: هذا لا يعدل عنه ولا يسع الناس غيره،

(1)

سبق تخريجه صر (202) رقم (2).

(2)

أخرجه أبو داود في "سننه "(1765) 2: 148 كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ.

(3)

أخرجه البخاري في " صححيحه "(1630) 2: 613 كتاب الحج، باب يتصدق بجلود الهدي. وأخرجه مسلم في " صححيحه " (1317) 2: 954 كتاب الحج، باب في الصدقة بلحوم الهدى وجلودها وجلالها.

(4)

ساقط من أ.

ص: 221

وتقصير كل الشعر بحيث لا يبقى ولا شعرة مشق جداً

(1)

.

قال الزركشي: ولا يجب التقصير من كل شعرة، لأن ذلك لا يعلم إلا بحلقه. والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى:(مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)] الفتح: 27 [وهذا عام في جميع شعر الرأس.

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه "

(2)

. فكان ذلك تفسيراً لمطلق الأمر بالحلق أو التقصير فيجب الرجوع إليه.

وعنه: يجزئ حلق بعضه، وكذا تقصيره.

قال في " الإنصاف ": وظاهر كلامه في "الفروع ": أن محل الخلاف في التقصير فقط. انتهى.

وحيث قلنا يجزئه بعض رأسه: فيجزئ ما نزل عن رأسه، لأنه من شعره. بخلاف المسح، لأنه ليس رأساً. ذكره في " الفصول " و" الخلاف ".

قال: ولا يجزئ شعر الأذن على أنه إنما

(3)

لم يجز؛ لأنه يجب تقصير جميعه.

ومن لبّد شعر رأسه أو ظفره أو عقصه. فكغيره.

ونقل ابن منصور: فليحلق. يعني: وجب عليه.

قال في " الخلاف " وغيره: لأنه لا يمكنه التقصير من كله، لاجتماعه.

قال في " شرح المقنع ": وبأى شيء قصر الشعر أجزأه، وكذلك إن نتفه أو أزاله

(4)

بنورة؛ لأن القصد إزالته. ولكن السنة الحلق أو التقصير.

(والمرأة تقصر) من شعرها (كذلك) أى: كما قلنا في الرجل الذي يقصر، لكن تقصير المرأة (أنملة فأقل)، لما روى ابن عباس مرفوعاً:" ليس على النساء حلق. إنما على النساء التقصير "

(5)

رواه أبو داود.

(1)

كذا في ج، وفي أوب: يشق جداً.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(639 1) 2: 616 كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال

(3)

في ب: إذا.

(4)

في ب: زاله.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(985 1) 2: 03 2 كتاب المناسك، باب الحلق والتقصير.

ص: 222

ولأن الحلق في حقهن مثله فيهن.

فعلى هذا تقصر من كل قرن قدر الأنملة.

ونقل أبو داود: تجميع شعرها إلى مقدم رأسها ثم تأخذ من أطرافه قدر أنملة.

وفي " منسك ابن الزاغوني ": يجب أنملة.

وقال جماعة: السنة أنملة للرجل والمرأة، ويجوز أقل.

وقوله: (كعبد) يعني: أن العبد والمرأة حكمهما سواء. فيقصر، (ولا يحلق إلا بإذن سيده)، لنقص قيمته بالحلق.

(وسن) لمن حلق أو قصر (أخذ ظفر وشارب، ونحوه) " كاًخذ شعر إبطه وعانته.

قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه قلََّم أظفاره.

و" كان ابن عمر يأخذ من شاربه وأظفاره ".

وكان عطاء وطاووس والشافعي يستحبون لو أخذ من لحيته شيئاً.

(و) سن كونه (لا يشارط الحلاق على أجرة). قاله أبو حكيم.

وقال: ثم يصلي ركعتين.

(وسن إمرارُ الموسَى على من عدمه) أى: عدم الشعر. روي ذلك عن

ابن عمر. وبه قال مسروق وسعيد بن جبير والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأى.

وقال ابو حنيفة: يجب " لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فاًتوا منه ما استطعتم "

(1)

. وهذا لو كان ذا شعر وجب عليه إزالته بإمرار الموسى على رأسه. فإذا سقط أحدهما لتعذره بقي الآخر.

ولنا: أن الحلق محله الشعر. فسقط بعدمه " كما يسقط وجوب غسل

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6858) 6: 2658 كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 223

العضو في الوضوء بفقده.

ولأنه إمرارٌ لو فعله حال الإحرام لم يجب به دم. فلم يجب عند التحلل، كإمراره على الشعر من غير حلق.

(تم) إذا رمى وحلق أو قصر (قد حلّ له كل شيء) كان محظورا بالإحرام، (إلا النساء) على الأصح. نص عليه في رواية الجماعة.

وقوله: إلا النساء، يشمل الوطء في الفرج، والمباشرة فيما دونه، والقبلة، واللمس لشهوة، وعقد النكاح؛ وذلك لما روت عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم الطيب والثياب وكل شيء، إلا النساء "

(1)

. رواه سعيد.

وقالت عائشه: " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت "

(2)

متفق عليه.

وعنه: يحل له كل شيء إلا الوطء في الفرج؛ لأن تحريم المرأة ظاهر في وطئها.

والأول المذهب.

(والحلق والتقصير) في حق من لم يحلق (نسك) في الحج والعمرة.

(في تركهما) جميعاً (دم).

وعنه: أن كلاً منهما إطلاق من محظور لا

(3)

شيء في تركه.

والأول المذهب، لقوله سبحانه وتعالى:(لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)] الفتح: 27 [

فوصفهم وامتن عليهم بذلك. فدل أنه من العبادة مع قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)] الحج: 29]. قيل المراد به: الحلق.

وقيل: بقايا أفعال الحج من الرمي ونحوه.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(25146) 6: 143

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1465) 2: 558 كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1189) 2: 846 كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام.

(3)

ساقط من ج.

ص: 224

ولأمره صلى الله عليه وسلم بقوله

(1)

: " فليقصر ثم ليحلل "

(2)

.

ولو لم يكن نسكاً لم يتوقف الحل عليه.

و" لأنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين وللمقصرين وفاضل بينهم "

(3)

. فلولا أنه نسك

لما استحقوا لأجله الدعاء، ولما وقع التفاضل فيه، إذ لا مفاضلة في المباح.

لا إن حلق أو قصر بعد أيام منى فإنه لا دم عليه. وإلى ذلك أشير بقوله:

(لا إن أخرهما عن أيام منى) يعني: فإنه يباح له ذلك؛ لقوله سبحانه وتعالى: يو ولا تخلقوا رروسصئ بئلغ الهذى محلل!) أالبقرة: 196] فبين أول وقته ولم يبين آخره. فحيث أتى به أجزأ؛ كالطواف، لكن لا بد أن ياً تي به بنية كونه نسكاً؛ كالطواف.

(أو قدم الحلق على الرمي، أو) قدم الحلق (على النحر، أو نحر) قبل رميه، (أوطاف قبل رميه) يعني: انه لا شيء عليه في شيء من ذلك؛ لما روى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: " أفضت قبل أن أرمي. قال: ارم ولا حرج ". وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قدم شيئا قبل شيء فلا حرج "

(4)

. رواهما سعيد في "سننه ".

ولما روى عبدالله بن عمرو قال: " قال رجل: يا رسول الله! حلقت قبل أن اذبح. قال: اذبح ولا حرج. فقال آخر: ذبحت قبل أن أرمي. قال: ارم ولا حرج "

(5)

متفق عليه.

وفي لفظ قال: " فجاء رجل فقال: يا رسول الله! لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح. قال: اذبح ولا حرج

وذكر الحديث. قال: فما سمعته يُساًل يومئذ عن أمر بما ينسى المرء أو يجهل، من تقديم بعض الأمور على بعض وأشباهها، إلا قال: افعلوا

(6)

ولا حرج "

(7)

. رواه مسلم.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(2770) 5: 169 كتاب مناسك الحج، ما يفعل من حس عن الحج ولم يكن اشترط. .

(3)

عن عبداله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله غي قال: " اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: والمقصرين ". أخرجه البخاري في " صحيحه "(1640) 2: 616 كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال.

(4)

أخرج نحوه أبو داود في " سننه "(2015) 2: 211 كتاب المناسك، باب فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه. ولفظه: عن أسامة بن شريك قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً فكان الناس يأتونه فمن قال:

يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أوقدمت شيئا أو أخرت شيئا، فكان يقول: لا حرج لا حرج

".

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1649) 2: 618 كتاب الحج، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة.=

(6)

= وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1306) 2: 948 كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي.

في أ: افعل.

(7)

أخرجه مسلم في الموضع السابق.

ص: 225

وعن ابن عباس

(1)

معنا 5 مرفوعاً

(2)

متفق عليه.

حتى (ولو) كان (عالماً) على الأصح. وهو قول عطاء وإسحاق؛ لإطلاق حديث ابن عباس، وكذلك حديث عبدالله بن عمرو من رواية سفيان بن عيينة.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا حرج "، يدل على أنه لا شيء عليه ولا إثم.

قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم خلافاً بينهم في أن مخالفة الترتيب

لا تخرج هذه الأفعال عن الإجزاء، ولا تمنيع

(3)

وقوعها موقعها. وإنما اختلفوا في وجوب الدم على ما ذكرناه.

(ويحصل التحلل الأول بإثنين: من رمي وحلق وطواف) على الأصح.

وعنه: يحصل بالرمي وحده.

وعنه: يحصل بالطواف وحده.

والأول المذهب.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1648) 2: 618 كتاب الحج، باب إذا رمى بعد ما أمسى

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(7؛ 13) 2: 950 كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي.

(3)

في ب: يقع.

ص: 226

قال في " الفروع ": وهل يحصل التحلل الأول باثنين من رمي وحلق وطواف؟ اختاره الأكثر، أو بواحد من رمي وطواف والثانى بالباقي؟ فيه روايتان. فعلى المذهب: لو نحر وطا ثم واقع أهله ثم رجع إلى أهله ولم يرم فعليه

دم؛ لتركه الرمي، وحجه صلى الله عليه وسلم؛ لقول ابن عباس: " من نسي أو ترك شيئاً

من نسكه فليهريق

(1)

لذلك دما "

(2)

.

(و) يحصل التحلل (الثاني: بما بقي) من الثلاث

(3)

(مع سعي) من

متمتع، أو مع سعي من مفرد وقارن إن لم يكونا سعياً مع طواف القدوم.

(ثم يخطب الإمام بمنى يوم النحر خطبة يفتتحها بالتكبير، يعلمهم فيها

النحر والإفاضة والرمي). نص على ذلك أحمد؛ لما روى ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر. يعني: بمنى "

(4)

. أخرجه البخاري.

وعن رافع بن عمرو المزنى قال: " رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى

حتى ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد "

(5)

.

وقال أبو امامة: " سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر "

(6)

.

وقال عبد الرحمن بن معاذ: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى. ففُتِحَت أسماعنا حتى كنا نسمع ونحن في منازلنا. فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار "

(7)

. رواه أبو داود غير حديث ابن عباس.

(1)

في أ: فليهرق.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 152 كتاب الحج، باب من ترك شيئا من الرمي حتى يذهب أيام منى.

(3)

في أ: الثلاثة.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1652) 2: 619 كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1956) 2: 198 كتاب المناسك، باب أى وقت يخطب يوم النحر.

(6)

أخرجه أبو داود في " ستنه "(1955) 2: 198 كتاب المناسك، باب من قال: خطب يوم النحر.

(7)

أخرجه أبو داود في "سننه "(1957) 2: 198 كتاب المناسك، باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى

ص: 227

ولأنه يوم تكثر فيه أفعال الحج ويحتاج إلى تعليم الناس أحكام ذلك. فاحتيج إلى الخطبة من أجله؛ كيوم عرفة.

وأما يوم الحج الأكبر فهو يوم النحر. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة

(1)

يوم النحر: " هذا يوم الحج الأكبر "

(2)

. رواه البخاري.

وسمي بذلك؛ لكثرة أفعال الحج فيه: [من الوقوف بالمشعر الحرام، والدفع منه إلى منى، والرمي، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة، والرجوع إلى منى ليبيت بها. وليس في غيره مثله، وهو مع ذلك يوم عيد، ويوم يحل فيه [

(3)

من أفعال. الحج.

(ثم يفيض إلى مكة فيطوف مُفرد وقارن لم يدخلاها) أى: لم يدخلا مكة (قبل) أى: قبل أن يقفا بعرفة طوافاً (للقدوم) في المنصوص (برمل)، ثم يطوف للزيارة.

(و) يطوف (متمتع) للقدوم (بلا رمل، ثم) يطوف (للزيارة). نص على ذلك.

واحتج بما روت عائشة قالت: " فطاف الذين أهلوا بالعمرة وبين الصفا والمروة ثم حلقوا ثم طافوا

(4)

طوافاً آخر، بعد أن رجعوا من منى لحجهم. وأما الذين جمعوا الحج والعمره فإنما طافوا طوافاً واحداً "

(5)

فحمل أحمد قول عائشة جملى أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم.

ولأنه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع. فلم يكن طواف الزيارة مسقطا له " كتحية المسجد عند دخوله قبل التلبس

(6)

بصلاة الفرض.

(1)

في ب: خطبته.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1655) 2: 620 كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في الأصول: طاف. وما أثبتناه من " الصحيح ".

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1211) 2: 870 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام

(6)

في أ: التلبيس.

ص: 228

واختار ذلك الخرقي وأكثر الأصحاب وخالفهم الموفق وقال: لا اعلم أحداً

وافق أبا عبدالله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقى، بل المشروع طواف واحد

للزيارة؛ كمن فى خل المسجد وأقيمت الصلاة، فإنه يكتفي بها من تحية المسجد.

ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه اللذين تمتعوا معه في حجة الوداع.

ولا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أحداً.

وحديث عائشة دليل على هذا فإنها قالت: " طافوا طوافاً واحداً بعد أن

رجعوا من منى لحجهم "

(1)

. وهذا هو طواف الزياره،] ولم تذكر طوافاً آخر.

ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة [

(2)

الذي هو ركن الحج لا يتم إلا به، وذكرت ما يستغنى عنه. وعلى كل حال فما ذكرت إلا طوافاً واحداً فمن أين يستدل على طوافين؟

(وهي) أى: الزيارة التي

(3)

يضاف الطواف إليها هي: (الإفاضة) يعني:

أن هذا الطواف يسمى طواف الزيارة، لأنه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.

ويسمى أيضاً طواف الإفاضة، لكونه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة.

(ويعيّنه) أى: يعين كونه طواف الزيارة (بالنية)؛ لحديث: " إنما

الأعمال بالنيات "

(4)

.

و"لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الطواف صلاة"

(5)

والصلاة لا تصح إلا بنيتها اتفاقا.

(1)

سبق قريبا.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(1) 1: 3 بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قو له صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنية".

(5)

سبق تخريجه ص (184) رقم (3).

ص: 229

(وهو) أى: طواف الزيارة: (ركن لا يتم حج إلا به) إجماعاً. قاله ابن عبدالبر؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)] الحج: 29].

وعن عائشة قالت: " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية. فاًراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله. فقلت: يا رسول لِلَّهِ صلى الله عليه وسلم إنها حائض قال: أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله! إنها قد

(1)

أفاضت يوم النحر قال: اخرجوا "

(2)

. متفق عليه.

فعلم من هذا أنها لو لم تكن أفاضت يوم النحر كانت حابستهم. فيكون الطواف المذكور حابساً لمن لم ياًت به.

(ووقته) أى: وأول وقته: (من نصف ليلة النحر، لمن وقف) قبل ذلك بعرفات.

(وإلا) أى: وإن لم يكن وقف قبل ذلك (فبعد الوقوف.

و) فعله (يوم النحر أفضل)؛ لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر: " فاًفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر "

(3)

.

وقال ابن عمر: " أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر "

(4)

. متفق عليهما.

ويستحب أن يدخل البيت فيكبر في نواحيه ويصلي فيه ركعتين ويدعو الله

عز وجل.

قال ابن عمر: " دخل النبى صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامه بن زيد البيب. فقلت لبلال:

هل صلى فيه رسول الله؟ قال: نعم. قلت: أين؟ قال: بين العمودين

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4140) 4: 1598 كتاب المغازي، باب حجه الوداع.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1211) 2: 965 كتاب الحج، باب ييان وجوه الإحرام.

(3)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(4)

سبق تخريجه ص (57) رقم (2). واللفظ لمسلم.

ص: 230

تلقاء وجهه. قال: ونسيت أن أسأله كم صلى "

(1)

متفق عليه.

(وإن أخَّره) أى: أخَّر طو اف الزيارة (عن أيام منى جاز)، لأن آخر وقته

غير محدود، (ولا شيء فيه) أى: في تأخير الطواف، (كالسعي) أى: كما أنه لا شيء. في تأخير السعي.

(ثم يسعى متمتع) بين الصفا والمروة، لأن السعي الذي سعاه المتمتع إنما

كان للعمرة. فيجب عليه أن يسعى للحج.

(و) كذا يجب أن يسعى (من لم يسع مع طواف القدوم) من مفرد وقارن،

لأن السعي لا يكون إلا بعد طواف.] فإن لم يكن سعى بعد طواف القدوم وجب عليه أن يسعى بعد طواف الزيارة. وإن كان قد سعى بعد طواف [

(2)

القدوم لم يسع. فإنه لا يستحب التطوع بالسعي، كسائر الأنساك.

قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم فيه خلافاً.

فأما الطواف فيستحب التطوع به، لأنه صلاة.

فإذا فعل ذلك فقد حصل له

(3)

التحلل الثانى، وحل له كل شيء. فلو طاف

ولم يكن سعى لم يحل حتى يسعى في الأصح.

(ثم يشرب من ماء زمزم لما أحبَّ، ويتضلع) منه، (ويرشّ على بدنه وثوبه) " لما روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ماء زمزم لما شرب له "

(4)

وعن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر قال: " كنت عند ابن عباس جالساً فجاءه رجل فقال: من أين جئت؛ قال: من زمزم. قال: فشربت منها كما

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(139 4) 4: 598 1 كتاب المغازي، باب حجة الوداع.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1329) 2: 966 كتاب الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3062) 2: 1018 كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم.

ص: 231

ينبغي؛ قال: فكيف؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل الكعبة، واذكر اسم الله، وتنفس ثلاثاً من زمزم، وتضلَّع منها. فإذا فرغت فأحمد الله. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آية

(1)

ما بيننا وبين المنافقين، أنهم لا يتضلَّعُون من زمزم "

(2)

. رواهما ابن ماجه.

(ويقول: بسم الله. اللهم! اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً وشبعاً، وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك).

زاد بعضهم: وحكمتك، لأن هذا الدعاء لائق بهذا الفعل وهو شامل لخيري الدنيا والآخرة، ويرجى له حصوله.

وقد ورد عن ابن عباس أنه كان إذا شرب منه يقول: " اللهم! إنى أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء "

(3)

.

قال الحاكم: صحيح الإسناد إن سلم من الجارود.

(1)

كذا في ج، وفي أوب: أنه.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3061) 2: 1017 الموضع السابق. قال في " الزوائد ": إسناده صحيح، رجاله موثقون.

(3)

أخرجه الحاكم في " المستدرك "(1739) 1: 646 كتاب المناسك.

ص: 232

] فصل: في الرجوع إلى منى [

(فصل. ثم يرجع) من أفاض إلى مكة فطاف طواف الزيارة وسعى السعي الواجب عليه إلى منى، (فيصلي ظهر يوم النحر بمنىّ) قضاء. نقله أبو طالب، وذلك لما روى ابن عمر:" أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى"

(1)

. متفق عليه.

(ويبيتُ بها) أى: بمنى (ثلاث ليال) إن لم يتعجل، وليلتين إن تعجل في يومين.

(ويرمي الجمرات بها) أى: بمنى (أيام التشريق، كل جمرة بسبع حصيات) على الأصح.

(ولا يجزئ رمي غير سُقاة ورُعاة إلا نهاراً بعد الزوال). وسيأتي حكم السقاة والرعاة إن شاء الله تعالى. فيعيد الرمي من رمى ليلا] أو رمى [

(2)

قبل الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال؛ لقول جابر:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس "

(3)

. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم "

(4)

.

وقال ابن عمر: " كنا نتحيّن إذا زالت الشمس رمينا "

(5)

وأى وقت رمى بعد الزوال أجزاه، إلا أن المستحب المبادرة إليها حين

الزوال.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1308) 2: 0 95 كتاب الحج، باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3053) 2: 1014 كتاب المناسك، باب رمي الجمار أيام التشريق.

(4)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1659) 2: 621 كتاب الحج، باب رمي الجمار.

ص: 233

(وسن) كون الرمي (قبل الصلاة) أى: صلاة الظهر؛ لقول ابن عباس:

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر "

(1)

. رواه ابن ماجه.

فإذا زالت الشمس من أول أيام التشريق فإنه (يُبْدأ بـ) الجمرة (الأولى) وهي: (أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخَيْف. فيجعلها عن يساره)، ويكون مستقبل القبلة، ويرميها بسبيع حصيات، واحدة بعد واحدة.

(ثم يتقدم) عنها (قليلاً) إلى مكان لا يصيبه الحصى، (فيقف يدعو ويطيل) رافعا يديه.

نقل حنبل: يستحب رفع يديه عند الجمار.

(ثم) يمشي حتى ياًتي الجمرة (الوسطى. فيجعلها عن يمينه)، ويكون مستقبل القبلة، ويرميها بسبيع حصيات، واحدة بعد واحدة.

(ويقف عندها فيدعو.

ثم) يمشي حتى يأتي (جمرة العقبة، ويجعلها عن يمينه، ويستبطن الوادي)، ويرميها بسبيع حصيات، واحدة بعد واحدة.

(ولا يقف عندها ويستقبل القبلة في الكل) أى: كل الجمار عند رميها.

والأصل في ذلك ما روت عائشة قالت: " أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها "

(2)

. رواه أبو داود. وعن ابن عمر: " أنه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات، يكبر على

إثر كل حصاة، ثم يتقدم ويبتهل ويقوم قياماً طويلاً، ويرفع يديه. ثم يرمي الوسطى ويأخذ بذات الشمال ويبتهل، ويقوم مستقبل القبلة قياماً طويلاً، ثم

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3054) 2: 1014 كتاب المناسك، باب رمي الجمار أيام التشريق.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(973 1) 2: 1 0 7 كتاب المناسك، باب في رمي الجمار

ص: 234

يرفع يديه ويقوم طويلاً. ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول: هكذا رأيتُ رسول الله عيلاً يفعله "

(1)

. رواه البخاري. وروى أبو داود: " أن ابن عمر كان يدعو بدعائه الذي دعا به بعرفة، ويزيد: وأصلح أو أتم لنا مناسكنا ".

وقال ابن المنذر: " كان ابن عمر

(2)

وابن مسعود يقولان عند الرمي: اللهم! اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً "

(3)

.

(وترتيبها) أى: ترتيب الجمرات وهو كونه يبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم يرمي بعدها الجمرة الوسطى، ثم يرمي بعدها جمرة العقبة:(شرط) لصحة الرمي. فلو عكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، أو بدأ بالوسطى ورمى الثلاث لم يجزئه إلا رمي الأولى وأعاد الوسطى والقصوى. نص عليه أحمد؛ " لأن النبي رتبها في الرمي "

(4)

، وقال:" خذوا عني مناسككم "

(5)

.

ولأنه نسك متكرر. فاشترط الترتيب فيه، كالسعي.

(كالعدد) يعني: كما أن العدد شرط؛ في صحة الرمي.

والأصح من الروايات: أن عدد كل جمرة سبع حصيات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1665) 2: 623 كتاب الحج، باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى

(2)

في ج: كان عمر.

(3)

سبق تخريجه ص (218) رقم (5).

(4)

عن الزهري " أن رسول الله كان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى، يرميها بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو، وكان يطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانيه فيرميها بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة، فيرميها بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف، ولا يقف عندها ". أخرجه البخاري في " صحيحه "(1666) 2: 624 كتاب الحج، باب الدعاء عند الجمرتين.

(5)

سبق تخريجه ص (50) رقم (2).

ص: 235

رمى كل جمرة بسبع حصيات. وتقدمت الأحاديث بذلك

(1)

.

(فإن أخلّ) الرمي (بحصاة من الأولى، لم يصح رمي الثانية) أى: التالية

(2)

التي أخل فيها بالحصاة، حتى يكمل الجمرة التي أخل فيها بحصاة أو اكثر؛ لإخلاله بالترتيب.

(فإن جهل) الرامي (من أيّها) أى: أىّ الجمار (تُركت) الحصاة: (بنى) الرامي (على اليقين)، ليتقين براءة ذمته.

(وإن أخَّر رمي يوم ولو) كان اليوم المؤخر رميه (يوم النحر إلى غده أو أكثر، أو) أخَّر رمي (الكل إلى آخر أيام التشريق: أجزأ) الر مي (أداء)، لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي. فإذا أخره من أول وقته إلى آخره أجزأه، كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته.

(ويجب ترتيبه) أى: ترتيب الرمي (بالنية)، كالمجموعتين والفوائت من

الصلو ات.

(وفي تأخيره) أى: تأخير الرمي (عنها) أى. عن أيام التشريق كلها (دم)، لأنه ترك نسكاً واجباً. فيجب عليه بتركه دم؛ لقول ابن عباس:" من ترك نسكاً أو نسيه فإنه يهريق دما "

(3)

.

ولأن آخر أيام التشريق آخر وقت الرمي. فمتى خرجت قبل رميه فات وقته واستقر عليه الفداء الواجب في ترك الرمي.

(كتوك مبيب ليلة بمنى) يعني: انه يجب بترك المبيت بمنى ليلة من لياليها

دم على الأصح، كترك مبيت ليالي منى كلها، لأن المبيت بمنى لياليها من واجبات الحج.

(وفي ترك حصاة) واحدة (ما في) حلق (شعرة) واحدة، (وفي) ترك

(1)

ر. ص (233).

(2)

في أ: الثالثة.

(3)

سبق تخريجه ص (48) رقم (1).

ص: 236

(حصاتين ما في) حلق (شعرتين)، وفي أكثر من ذلك دم.

ومن كان مريضاً أو محبوساً أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمي عنه.

قال الأثرم: قلت لأبي عبدالله: إذا رمى عنه الجمار يشهد هو ذاك أم يكون

في رحله؟

قال: يعجبني أن يشهد ذاك إن قدر حين يُرمى عنه

(1)

. قلت: فإن ضعف

عن ذلك أيكون في رحله ويبعب من يرمي عنه؟ قال: نعم.

وقال

(2)

القاضي: المستحب أن يضع الحصى

(3)

في يد النائب؛ ليكون له عمل في الرمي. وإن أغمي على المستنيب، لم تنقطع

(4)

النيابة، وللنائب الرمي عنه؛ كما لو استنابه في الحج ثم أغمي عليه.

(ولا مبيت) بمنى (على سُقاة ورعاة)؛ لما روى ابن عمر: " أن العباس استأذن النبى صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته. فاًذن له "

(5)

. متفق عليه.

ولما روى مالك بإسناده عن أبي البداج بن عاصم عن أبيه قال: " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر، يرمونه في أحدهما "

(6)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: قال.

(3)

في أ: الحصاة.

(4)

في أ: تقطع.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1658) 2: 621 كتاب الحج، باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكه ليالي منى.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1316) 2: 953 كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق

(6)

أخرجه مالك في " الموطأ "(218) 1: 326 كتاب الحج، باب رمي الجمار. والنص الذي ساقه المصنف هو نص الترمذي، وسياتي تخريجه. ونصه عند مالك:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة. خارجين عن منى. يرمون يوم النحر. ثم يرمون الغد. ومن بعد الغد ليومين. ثم يرمون يوم النفر ".

ص: 237

قال مالك: " ظننت أنه قال: في أول يوم منهما، ثم يرمون يوم النفر "

(1)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

(فإن غربت) الشمس (وهم) أى: السقاة والرعاة

(2)

(بها) أى: بمنى

(لزم الرعاة فقط المبيت) بمنى دون أهل السقاية؛ لأن الرعاة

(3)

إنما رعيهم بالنهار فإذا غربت الشمس انقضى وقت الرعي

(4)

.

وأما أهل السقاية فيسقون بالليل. وصار الرعاء كالمريض الذي يسقط عنه حضور الجمعة لمرضه. فإذا حضرها تعينت عليه.

قال في " شرح المقنع ": وأهل الأعذار من غير الرعاء كالمرضى ومن له

مال يخاف ضياعه ونحوهم؛ كالرعاء في ترك البيتوتة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهؤلاء تنبيها على غيرهم. فوجب إلحاقهم بهم؛ لوجود المعنى فيهم. انتهى-. (ويخطب الإمام) في (ثانى أيام التشريق خطبة، يُعلمهم) فيها (حكم التعجيل والتأخير، و) حكم (توديعهم)؛ لما روي عن رجلين من بني بكر قالا: " رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أواسط أيام التشريق ونحن عند راحلته "

(5)

رواه أبو دا ود.

ولأن بالناس حاجة إلى أن يعلمهم كيف يتعجلون وكيف يودعون.

(ولغير الإمام المقيم للمناسك التعجل فيه) أى: في اليوم الثانى من أيام التشريق بعد الزوال وقبل غروب الشمس؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)] البقرة: 203].

قال عطاء: هي للناس عامة يعني: أهل مكة وغيرهم.

(1)

أخرجه الترمذي فى " جامعه "(955) 3: 289 كتاب الحج، باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما.

(2)

في ب وج: والرعاء.

(3)

في ب وج: الرعاء.

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2 5 9 1) 2: 97 1 كتاب المناسك، باب أى يوم يخطب بمنى

ص: 238

وروى أبو داود وابن ماجه عن يحيى بن يعمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيام

منى ثلاثة. فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه "

(1)

.

قال ابن عيينة: هذا أجود حديث رواه سفيان.

ولأنه دفعٌ من مكان. فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم؛ كالدفع من مزدلفة وعر فة.

(فإن غربت) الشمس (وهو) أى: الذي يريد التعجل (بها) أى: بمنى

(لزمه المبيت والرمي من الغد)، لأن من أدركه الليل وهو بمنى لم يتعجل في يومين.

قال ابن المنذر: وثبت عن عمر أنه قال: " من أدركه المساء في اليوم الثانى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس ".

(ويسقط رميُ اليوم الثالث عن متعجل). قاله الإمام أحمد.

(ويدفن حصاه) أى: حصى اليوم الثالث.

قال في " الفروع ": في الأشهر، زاد بعضهم: في الرمي.

وفي " منسك ابن الزاغونى ": أو يرمي بهن كفعله في اللواتي قبلهن. انتهى. (ولا يضر رجوعه) إلى منى بعد ذلك " لحصول الرخصة.

قال بعض الأصحاب: ويستحب لمن نفر أن يأتي المحصب وهو الأبطح، وحده: ما بين الجبلين إلى المقبرة. فيصلي به الظهر والعصم والمغرب والعشاء، ثم يهجع يسيراً، ثم يدخل مكة.

و" كان ابن عمر يرى التحصيب سنة "

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1949) 2: 196 كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3015) 2: 1003 كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليله جمع.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(0 131) 2: 951 كتاب الحج، باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به.

ص: 239

قال ابن المنذر: " كان ابن عمر يصلي بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء ". وكان كثير الاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان طاووس يحصب في شعب الجوز.

وكان ابن عباس وعائشة لا يريان ذلك سنة.

قال ابن عباس: " التحصيب ليس بشيء، إنما هو منزلٌ نَزَلهُ رسول الله

صلى الله عليه وسلم "

(1)

.

وعن عائشة " إن نزول الأبطح ليس بسنة. إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون أسمح بخروجه إذا خرج "

(2)

. متفق عليهما.

ومن استحب ذلك، فلإتباع رسول الله فإنه كان ينزله

(3)

.

قال نافع: " كان ابن عمر يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويهجع هجعه، ويذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(4)

. متفق عليه.

وقال ابن عمر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح "

(5)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

(فإذا أتى مكة) من دفع من منى من متعجل وغيره وأراد الخروج إلى بلده أو غيرها.

قال في " الفروع ": قال القاضي والأصحاب: إنما يستحق عليه عند العزم

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1677) 2: 626 كتاب الحج، باب المحصب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1312) 2: 952 الموضع السابق.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1676) 2: 626 كتاب الحج، باب المحصب.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1311) 2: 951 الموضع السابق.

(3)

في ج: منزله.

(4)

أخرجه البخاري في " صححيحه "(1679) 2: 627 كتاب الحج، باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة

واللفظ له.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1310) 2: 951 كتاب الحج، باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(921) 3: 262 كتاب الحج، باب ما جاء في نزول الأبطح.

ص: 240

على الخروج، واحتج به شيخنا على انه ليس من الحج.

(لم يخرج) أى: لم يجز له أن يخرج من مكة (حتى يودِّع البيت بالطواف، إذا فرغ من جميع أموره) إن لم يقم بمكة أو حرمها.

وطواف الوداع واجب على المذهب يجب بتركه دم

(1)

.

وقال بعض العلماء: لا يجب بتركه شيء؛ لأنه يسقط عن الحائض. فلم

يكن واجباً؛ كطواف القدوم.

والأول المذهب؛ لما روى ابن عباس قال: " أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأه الحائض "

(2)

. متفق عليه.

ولمسلم قال: " كان الناسُ ينصرفون كل وجه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت "

(3)

.

وسقوطه عن المعذور لا يوجب سقوطه عن غيره؛ كالصلاة تسقط عن الحائض، وتجب على غيرها. بل تخصيص الحائض بإسقاطه عنها دليل على وجوبه على غيرها، إذ لو كان ساقطاً عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك معنى. ويسمى طواف الوداع؛ لأنه

(4)

لتوديع البيت.

ويسمى طواف الصدر؛ لأنه عند صدور الناس من مكة.

وإنما كان وقته بعد فراغ الحاج من جمع أموره؛ ليكون آخر عهده بالبيت؛

كما جرب العادة في توديع المسافر أهله وإخوانه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:" حتى يكون آخر عهده بالبيت "

(5)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1668) 2: 624 كتاب الحج، باب طواف الوداع.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1211) 2: 965 كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1327) الموضع السابق.

(4)

ساقط من أ.

(5)

سبق قريبا.

ص: 241

(وسن بعده) أى: بعد طو اف الوداع (تقبيل الحجر) الأسود (وركعتان).

إذا تقررهذا: (فإن ودَّع ثم اشتغل بـ) شيء (غير شد رحل). نص عليه، (ونحوه) أى: نحو شد الرحل، كما لو قضى حاجة في طريقه، أو اشترى [داراً، أو]

(1)

شيئا لنفسه، (او أقام) بعد ذلك:(أعاده) أى: أعاد الوداع وجوباً " لأن طواف الوداع إنما يكون عند خروجه، ليكون آخر عهده بالبيت. ومن أخر طواف الزيارة ونصه أو القدوم فطافه عند الخروج: أجزأه عن طواف الوداع " لأن المأمور به أن يكون اخر عهده بالبيت وقد فعل.

ولأن ما شرع مثل تحية المسجد يجزئ عنه الواجب من جنسه " كإجزاء المكتوبة عن تحية المسجد، وكإجزاء المكتوبة أيضاً عن ركعتي الطواف والركعتين للإحرام.

فاًما إن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة، لقوله صلى الله عليه وسلم " وإنما

لكل امرئ ما نوى "

(2)

(فإن خرج قبل الوداع رجع) إلى الوداع من غير إحرام إن لم يكن بعد عن

مكه " لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به. أشبه من رجع لطواف الزيارة.

(ويحرم بعمرة إن بعد) عن مكة. فيلزمه طواف وسعي لإحرامه بالعمرة

(3)

وطواف لوداعه.

(فإن شق) الرجوع على من بعد عن مكة دون مسافة قصر، (أو بعد) عنها (مسافة قصر) فأكثر (فعليه دم) ولا يلزمه الرجوع.

ولا فرق في ذلك بين من ترك الوداع عمداً أو خطاً لعذر أو غيره " لأنه من واجبات الحج. فاستوى عمده وخطؤه. والمعذور وغيره " كسائر واجبات الحج.

(1)

ساقط من أ. وفي ج: زاداً.

(2)

سبق تخريجه ص (229) رقم (4).

(3)

في ب: بعمرة.

ص: 242

ولا يسقط الدم عمن رجع إلى الوادع بعد أن بلغ مسافة القصر عن مكة؛ لأنه

قد استقر عليه ببلوغه مسافه القصر. فلم يسقط برجوعه؛ كمن تجاوز الميقات غيرمحرم فأحرم دونه ثم رجع إلى الميقات.

وإن رجع القريب فطاف للوداع فلا دم عليه. سواء كان ممن له عذر يسقط

عنه الرجوع أو لا " لأن الدم لم يستقر عليه؛ لكونه في حكم الحاضر.

(ولا وداع على حائض ونفساء، إلا أن تطهر) الحائض أو تطهر النفساء (قبل مفارقة البنيان) أى: بنيان مكة. فيجب

(1)

عليها ان تطوف للوداع.

أما كون الوداع لا يجب على الحائض؛ فلحديث صفية حين " قالوا: يا رسول الله! إنها حائض. فقال: أحابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله! ابها قد أفاضت يوم النحر. قال: فلتنفر إذا "

(2)

.

ولم يأمرها بفدية ولا غيرها.

ولحديث ابن عباس: " إلا أنه خفف عن المرأة الحائض "

(3)

.

وأما كونه لا يجب على النفساء، فلأن أحكام النفاس أحكام الحيض فيما يجب ويسقط.

وأما كون الوداع يجب على الحائض والنفساء إذا طهرتا قبل مفارقة البنيان فتغتسل وتطوف للوداع؛ لأن من لم يفارق البنيان في حكم المقيم. بدليل أنه لا يستبيح الرخص.

فإن لم يمكنها ذلك لعذر؛ كخوف فوت رفقة، أو مضت لغير عذر. فعليها

دم في الصورتين.

(ثم) يسن لمن فرغ من الوداع أنه (يقف في الملتَزَم)، وذرعه أربعة أذرع. وهو:(بين الركن) الذي به الحجر الأسود (والباب) أى: باب

(1)

في أ: فوجب.

(2)

سبق تخريجه ص (230) رقم (2).

(3)

سبق تخريجه ص (241) رقم (2).

ص: 243

الكعبه. حال كونه (ملصقاً به) أى: بالملتزم (جميعه) أى: جميع بدنه، بأن يلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه قال: " طفت مع عبدالله فلما جاء دبر الكعبة قلب: ألا تتعوذ؟ [قال: نعوذ]

(1)

بالله من النار. ثم مضى حتى استلم الحجر فقام بين الركن والباب. فوضع صدره وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطاً. وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل "

(2)

رواه أبو داود.

(ويقول) وهو في هذه الحالة: (اللهم! هذا بيتك، وأنا عبدك وابن عبدك

وابن أمتك، حملتني على ما سخَّرت لي من خلقك، وسيَّرتني في بلادك حتى بلَّغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نُسُكي. فإن كنت رضيتَ عني فازدَدْ عني رضى، وإلا فمُنَّ الآن) الوجه فيه ضم الميم وتشديد النون على أنه صيغة أمر من مَنَّ يمن مقصود بها

(3)

الدعاء، ويجوز كسر الميم وفتح النون على أنها حرف جر " الابتداء الغاية. والآن هو الوقف وجمعه آونة " كزمان وأزمنة.

(قبل أن تنأى) أى: تبعد (عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي) أى: زمنه، (إن اذنت لي غير مستبدِلٍ بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك. اللهم! فأصحِبني) بقطع الهمزة (العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة) وهي: منع الله سبحانه وتعالى عبده

(4)

من المعاصي (في ديني، وأحسن) بقطع الهمزة (منقلبي، وارزقتي طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة. إنك على كل شيء قدير.

ويدعو) بعد ذلك (بما أحب، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

و) ذكر أحمد: أنه

(5)

(يأتي الحطيم أيضاً. وهو: تحت الميزاب) فيدعو.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1899) 2: 181 كتاب المناسك، باب الملتزم.

(3)

في ج: به.

(4)

ساقط من ب.

(5)

ساقط من أ.

ص: 244

وذكر الشيخ تقي الدين: (ثم يشرب من ماء زمزم، ويستلم الحجر)

الأسود، (ويقبّله) ثم يخرج.

قال أحمد: فإذا ولى لا يقف ولا يلتفت. فإذا التفت رجع فودع

(1)

.

يعني: استحباباً.

قال في " شرح المقنع ": إذ لا نعلم لإيجاب ذلك عليه دليلاً.

وقد قال مجاهد: إذا كدت تخرج من باب المسجد فالتفت ثم انظر إلى

الكعبة ثم قل: اللهم لِلَّهِ لا تجعله آخر العهد. انتهى.

وروى حنبل عن المهاجر قال: " قلت لجابر بن عبدالله؛ الرجل يطوف

بالبيت ويصلي

(2)

. فإذا انصرف خرج ثم استقبل القبلة فقام. فقال جابر: ما كنت أحسب يصنع هذا إلا اليهود والنصارى ".

قال ابو عبدالله: أكره ذلك.

(وتدعو حائض ونفساء من باب المسجد) أى: يسن لها ذلك.

(وسُن دخوله) أى: أن يدخل من حج (البيت) أى: الكعبة (بلا خُف،

و) بلا (نعل، و) بلا (سلاح). نص على ذلك. فيكبر في نواحيه، ويصلى فيه ركعتين، ويدعو الله عز وجل.

قال ابن عمر: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة بن زيد. فقلت لبلال: هل

صلى فيه رسول الله؟ قال: نعم. قلت. أين؛ قال: بين العمودين تلقاء. وجهه. قال: ونسيت أن أسأله كم صلى "

(3)

.

وقال ابن عباس

(4)

: أخبرنى أسامة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا فى

نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج "

(5)

. متفق عليهما.

(1)

في أ: وودع.

(2)

في ب: أو يصلي.

(3)

سبق تخريجه ص (231) رقم (1).

(4)

في الأصول: ابن أسامة.

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(389) 1: 5 5 1 أبواب القبلة، باب قول الله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ =

ص: 245

فقدم أهل العلم رواية بلال على رواية أسامة؛ لأنه مثبت وأسامة نافٍ.

ولأن أسامة كان حديث السن. فيجوز أن يكون اشتغل بالنظر إلى ما في الكعبة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وإن لم يدخل البيت فلا باًس. فإن إسماعيل بن خالد قال: قلت لعبدالله بن

أبي أوفى: " أدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت في عمرته؛ قال: لا "

(1)

. متفق عليه.

وعن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرور ثم رجع وهو كئيب. فقال: إنى دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما دخلتها. إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي "

(2)

.

(و) يستحب له أيضاً (زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه رضي الله تعالى عنهما)؛ لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر قال: قال رسول الله و: " من حج فزار قبري بعد وفاتي. فكأنما زارني في حياتي "

(3)

.

وفي رواية: " من زار قبري وجبت له شفاعتي "

(4)

. رواه باللفظ الأول سعيد.

وقال أحمد في رواية عبدالله بن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أحد يُسَلِّم عليَّ عند قبريَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام "

(5)

.

قال أحمد: وإذا حج الذي لم يحج قط يعني: من غير طريق الشام لا يأخذ

(1)

= مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)] البقر ة: 125. [

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1330) 2: 968 كتاب الحج، باب استحجاب دخول الكعبة للحاج وغيره

أخرجه البخاري في " صحيحه "(523 1) 2: 580 كتا ب الحج، باب من لم يدخل الكعبة. وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1332) الموضع السابق

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2029) 2: 215 كتاب المناسك، باب في الحجر.

(3)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(192) 2: 278 كتاب الحج، باب المواقيت.

(4)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(194) الموضع السابق.

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(0827 1) 2: 527

ص: 246

على طريق المدينة، لأني أخاف أن يحدث به حدث. فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق

(1)

ولا يتشاغل بغيره.

ويروى عن العتبي قال: "كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال:

السلام عليك

(2)

يا رسول الله. سمعت الله يقول (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[النساء: 64] وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلى ربي.

ثم أنشأ

(3)

يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي. فحملتني عينيّ. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: ياعُتبي! ألحق الأعرابي فبشره أن الله تعالى قد غفر له "

(4)

.

ثم إذا أتى الزائر إلى

(5)

قبر النبي صلى الله عليه وسلم (فيسلم عليه مستقبلاً له) بأن يولي ظهره

القبلة، ويستقبل وسط القبر، ويقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،

السلام عليك يا نبي الله، وخيرته من خلقه وعباده، اشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشهد أنك قد بلَّغت رسالة ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين. فصلى الله عليك كثيراً كما يحب ربنا ويرضى.

اللهم! أجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحداً من النبيين والمرسلين، وابعثه

مقاماً محموداً الذي وعدته، يغبطه به الأولون والأخرون.

اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

(1)

في ب: طريق.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ج: أنشد.

(4)

ذكره ابن كثير في " تفسيره " 1: 552 - 553 نقلأ عن كتاب " الشامل " لأبي منصور الصباغ.

(5)

ساقط من أ.

ص: 247

اللهم! إنك قلت وقولك الحق: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[النساء: 64] وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي فاً سألك يا ربّ أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته.

اللهم! اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الأولين والآخرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثم يدعو لوالديه ولإخوانه وللمسلمين أجمعين.

ثم يتقدم قليلاً ويقول:

السلام عليك يا أبا بكر الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه ووزيريه. اللهم! اجزهما عن نبيهما وعن

الإسلام خيراً. (سنم علتوا صحبزتم فنغم عفبى الدار).

اللهم! لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ومن حرم مسجدك يا أرحم الراحمين.

(ثم يستقبل القبلة، ويجعل الحجرة عن يساره، ويدعو) بما أحب.

(ويحرُم الطواف بها) أى: بالحجرة.

قال الشيخ تقي الدين: يحرم طوافه بغير البيب العتيق اتفاقاً.

(ويكره التمسُّح) بالحجرة.

قال الشيخ تقي الدين: واتفقوا أنه لا يقبله

(1)

ولا يتمسح به. فإنه من الشرك. وقال: والشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر.

(و) يكره (رفع الصوت عندها) أى: عند الحجرة؛ لقول بعض العلماء: ولا ترفع الأصوات عند حجرته صلى الله عليه وسلم، كما لا يرفع فوق صوته؛ لأنه في التوقير والحرمة كحياته.

قال في " الفروع ": رأيته في مسائل لبعض أصحابنا.

(1)

في أ: يقبل.

ص: 248

وفي " الفنون ": قدم الشيخ أبو عمران المدينة. فرأى ابن الجوهري الواعظ المصري يعظ. فعلاً صوته. فصاح عليه الشيخ أبو عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحرمة والتوقير بعد موته كحال حياته.

فكما لا ترفع الأصوات بحضرته حياً، ولا من وراء حجرته. فكذا بعد موته. انزل. فنزل أين الجوهري، وفزع الناس لكلام الشيخ أبي عمران.

(وإذا توجَّه) أى: قصد المسافر الوجه الذي جاء منه باًن بلغ غاية قصده وأدار وجهه إلى بلده (هلَّل) أى: قال لا إله إلا الله، (ثم قال: آيبون) أى: راجعون (تائبون، عابدون لربنا حامدون. صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحز اب وحده).

قال في " المستوعب ": وكانوا يغتنمون أدعية الحاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب.

ص: 249

(فصل): في العمرة

(من أراد العمرة وهو بالحرم خرج فأحرم من الحل) وكان ميقاتاً له. (والأفضل): أن يحرم (من التنعيم)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبدالرحمن

ابن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم "

(1)

.

وقال ابن سيرين: بلغني " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل مكة التنعيم ".

] وإنما لزم الإحرام من الحل ليجمع في النسك بين الحل والحرم.

ومن أى الحل أحرم جاز.

وإنما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة من التنعيم [

(2)

؛ لأنه أقرب الحل إلى

(3)

مكة.

وقد روي عن أحمد-: في المكي: كلما تباعد في العمرة فهو أعظم للأجر. (قال جعرانة) يعني: أن الأفضل في العمرة بعد الإحرام من التنعيم الإحرام

من الجِعْرانه بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء، وقد تكسر العين وتشدد الراء.

وقال الشافعي: والتشديد خطأ. وهي موضع بين مكة والطائف خارج من حدود الحرم يعتمر منه. سمي

(4)

بَريْطة بنت سعد، وكانت تلقب بالجعرانة. قال في " القاموس ": وهي المراد في قوله تعالى: (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا)] النحل: 92].

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2823) 3: 089 1 كتاب الجهاد والسير، باب إرداف المرأة خلف أخيها.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1212) 2: 880 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ب: من ..

(4)

في ب: يسمى ..

ص: 250

(فالحديبية) يعني: أن الأفضل في العمرة بعد الإحرام من الجعرانة الإحرام

من الحديبة على وزن] دويهية. وقد تشدد. بئر قرب مكة، أو شجرة حدباء كانت هنالك على الأ صح.

(فما بعد) يعني [

(1)

: أنه يلي ما تقدم في الأفضليه ما بعد عن مكة.

(وحرُم) الإحرام با لعمرة (من) د اخل (الحرم، وينعقد) إحرامه، (وعليه دم) لذلك. أشبه من أحرم دون الميقات بالحج.

(ثم يطوف ويسعى) لعمرته. (ولا يحل) منها (حتى يحلق أو يقصر) على الأ صح.

(ولا بأس بها) أى: بالعمرة (في السنة مراراً). روي ذلك عن علي] وابن عمر [

(2)

وابن عباس وأنس وعائشة؛ " لأن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي، عمرة مع قرانها، وعمرة بعد حجها "

(3)

.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما "

(4)

. متفق عليه.

وقال علي: " في كل شهر مرة "

(5)

و"كان أنس إذا جِّمم رأسه خرج واعتمر"

(6)

. رواهما الشافعي في " مسنده ". (و) العمرة (في غير أشهر الحج أفضل) منها في أشهر الحج. ذكره القاضي في " الخلاف "، ونقله الأثرم وابن إبراهيم عن أحمد، وقدمه في " الفروع ". وهذا الصحيح.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1212) 2: 880 كتاب الحج، باب بيان جوه الإحرام

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1683) 2: 629 أبواب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1349) 2: 983 كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة

(5)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(976) 1: 379 كتاب الحج، باب ما جاء في العمرة.

(6)

أخرجه الشافعي في " مسنده "(975) الموضع السابق. وفي المسند: كان أنس إذا جمم رأيته، وهو تصحيف. ومعنى جمم رأسه: كثر شعر رأسه. ر. " القاموس " مادة جمم.

ص: 251

وظاهر كلام جماعه التسوية.

واختار في " الهداية "

(1)

: أن العمرة في أشهر الحج أفضل.

(وكُره إكثارٌ منها) أى: من العمرة على الأصح والموالاة بينها.

قال في " الفروع ": باتفاق السلف، اختاره الشيخ وغيره.

قال أحمد: إن شاء كل شهر. وقال: لا بد، يحلق أو يقصر

(2)

، وفي عشرة أيام يمكن، واستحبه جماعة.

ومن كره الحلق أطلق. انتهى.

(وهو) أى: الإكثار (برمضان أفضل)؛ لما روى ابن- عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمرة في رمضان تعدل حجة "

(3)

. متفق عليه.

قال أحمد: من أدرك يوما من رمضان فقد ادرك عمرة رمضان.

قال إسحاق: معنى هذا الحديث مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ (قل

هو ابله أحد) فقد قرأ ثلث القران "

(4)

.

وقال أنس: " حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة واحدة واعتمر أربع عمر: واحدة في ذي القعدة، وعمرة الحديبية، وعمرة مع حجته، وعمرة الجعرانة إذ قسَّم غنائم حنين "

(5)

. متفق عليه.

(1)

في أ: واختاره في الهدى.

(2)

في أ: بحلق أو تقصير.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1690) 2: 631 أبواب العمرة، باب عمرة في رمضان. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1256) 2: 917 كتاب الحج، باب فضل العمره في رمضان.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4727) 4: 1916 كتاب فضائل القران، باب فضل (قل هو الله أحد.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(812) 1: 557 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة (قل هو الله أحد

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(687 1) 2: 630 أبواب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه مسلم في " صحيحه (1253) 2: 916 كتاب الحج، باب عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 252

(ولا يكره إحرام بها) أى: با لعمرة (يوم عرفة، و) يوم (النحر، وأيام التشريق).

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من " المذهب ".

نقل أبو الحارث: يعتمر متى شاء، وذكر بعض الأصحاب رواية: يكره. انتهى.

(وتجزئ عمرُة القارن) عن عمرة الإسلام.

(و) تجزئ العمرة (من التنعيم عن عمرة الإسلام) على الأصح.

وعنه: أن عمرة القارن لا تجزئ؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة من التنعيم حين حاضت "

(1)

. ولو كانت عمرتها في قرانها أجزأتها لما أعمرها بعدها. ووجه المذهب: قول الصبي بن معبد: " إنى وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ فأهللت بهما. فقال عمر: هديت لسنة نبيد "

(2)

.

وحديث عائشة حين قرنت الحج والعمرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم حين حلّت منهما: " قد

(3)

حَللتِ من حجك وعُمرتك "

(4)

.

وإنما أعمرها من التنعيم؛ قصداً لتطييب خاطرها، وإجابة مسألتها؛

لا لأنها كانت واجبة عليها.

(1)

سبق تخريجه ص (44) رقم (5)

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1799) 2: 158 كتاب المناسك، باب في الإقران.

(3)

في ج زيادة: قد حللت منهما.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1213) 2: 881 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام

ص: 253

[فصل: في أركان الحج]

(فصل. أركان الحج) أربعة:

الأول: (الوقوف بعرفة)، وهذا بالإجماع. وسنده ما روى الثوري عن بكير بن عطاء الليثي عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي قال:" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة. فجاءه نفر من أهل نجد. فقال يا: يا رسول الله! كيف الحج؟ قال: الحج عرفة. فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جَمْع فقد تم حجه "

(1)

رواه أبو داود. وقال

(2)

محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه.

(و) الثانى: (طواف الزيارة).

قال ابن عبدالبر: هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء " لقول

الله سبحانه وتعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)] الحج: 29].

(فلو تركه) من أتى بفرائض الحج

(3)

سوى طواف الزيارة: (رجع) إلى مكة (معتمراً) فاًتى به.

قال في " الفروع،": نقله جماعة. وصل يعقوب فيمن طاف بالحِجْر

(4)

ورجع بغداد يرجع، لأنه على بقية إحرامه. فإن وطئ أحرم من التنعيم على حديث ابن عباس، وعليه دم. ونقل غيره معناه. انتهى.

(و) الثالث من أركان الحج: (الإحرام) به على الأصح، لأن الإحرام عبارة عن نية الدخول في الحج. فلم يتم بدونهما، لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1950) 2: 196 كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفه.

وأخرجه النسانى في " سننه "(3016) 5: 256 كتاب مناسك الحج، فرض الوقوف بعرفه.

(2)

في ر: قال.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في ج: في الحج.

ص: 254

بالنيات "

(1)

. وكبقية العبادات.

(و) الرابع من أركان الحج: (السعي) بين الصفا والمروة على الأصح،

لما روي عن عائشة قالت: " طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون- يعني: بين الصفا والمروة-. فكانت سنة .. فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة "

(2)

. رواه مسلم ..

وعن حبيبة بنت

(3)

أبي تجزئة- إحدى نساء بني عبد الدائم- قالت: " دخلت

مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين

(4)

ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة، وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه، حتى إني اقول: لأرى ركبتيه. وسمعته يقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي "

(5)

رواه ابن ماجه. ولأن السعي نسك في الحج والعمرة. فكان ركنا فيهما، كالطواف بالبيت. (وواجباته) أى: واجبات الحج ثمانية:

الأول: (الإحرام من الميقات) المعتبر له، إنشاءٌ ودواماً.

قال في " التلخيص ": والإنشاء أولى، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر المواقيت وقال:" هن لهن، ولمن مرَّ عليهن من غيرهن، ممن أراد الحج والعمرة "

(6)

.

(و) الثاني من واجبات الحج: (وقوف من وقف نهاراً) بعرفة (إلى الغروب) أى: غروب الشمس من يوم عرفة، لأن من أدرك عرفة نهاراً يجب عليه أن يجمع بين جزء من النهار وجزء من الليل. ولو غلبه نوم بعرفة. نقله المروذي.

(و) الثالث من واجبات الحج: (المبيت بمزدلفة إلى بعد نصف الليل:

(1)

سبق تخريجه ص (229) رقم (4).

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1277) 2: 928 كتاب الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به.

(3)

في الأصول: عند. وما أثبتناه من " المسند ".

(4)

كذا في ج. وفي أوب: بني حسين.

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27407) 6: 421 ولم أره في ابن ماجه.

(6)

سبق تخريجه ص (44) رقم (4).

ص: 255

إن وافاها) أى: وافى مزدلفة (قبله) أى

(1)

: قبل النصف

(2)

على الأصح. وعنه: أنه سنة.

(و) الرابع من واجبات الحج: (المبيت بمنى) لياليها، لفعله وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك ..

(و) الخامس من واجبات الحج: (الرمي) أى: رمي الجمرات.

(و) السادس] من واجبات الحج [

(3)

: (ترتيبه) أى: ترتيب رمي الجمرات على الأصح.

(و) السابع من واجبات الحج: (الحلق أو التقصير) على الأصح. فأى واحد فعل منهما فقد أتى بالواجب.

(و) الثامن من واجبات الحج: (طو اف الوداع وهو: الصدر) بفتح الدال المهملة. يعني: ويسمى طواف الصدر على الصحيح. وقدم الزركشي: أن طواف الصدر هو طواف الزيارة.

وكان طواف الوداع واجباً، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا ينفرن

(4)

أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت "

(5)

رواه مسلم.

وظاهره ولو

(6)

لم يكن بمكة.

قال الأزهري: يطوف متى أراد الخروج من مكة أو منى.

وقال في " المستوعب ": لا يجب على غير الحاج.

(وأركان العمره) ثلاثة:

الأول: (إحرام) بالعمرة، لما تقدم في الإحرام بالحج.

(1)

ساقط من ب.

(2)

في ج: قيل نصف الليل.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في ب: ينفر.

(5)

سبق تخريجه ص (241) رقم (3)

(6)

في ب: وإذا.

ص: 256

(و) الثا نى: (طو اف.

و) الثالث: (سعي)؛ لأن كلا منهما نسك في الحج والعمرة. فكان ركناً فيهما.

(وواجبها) أى: واجب العمرة شيء واحد وهو: (حلق

(1)

أو تقصير)

فمتى أتى بواحد

(2)

منهما فقد أتى بالواجب.

إذا تقرر هذا: (فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه). سواء كان النسك حجاً

أو عمرة.

(ومن ترك ركناً غيره) أى: غير الإحرام، (أو) ترك (نيته) أى: نية

ركن غير الإحرام: (لم يتم نسكه إلا به) أى: بالإتيان بالركن بنيته.

(ومن ترك واجباً) عمداً أو سهواً أو جهلاً (فعليه) بتركه (دم. فإن عَدِمه)

أى: عدم الدم (فكصوم متعة) يعني: أنه يصوم كما يصوم المتمتع إذا عدم الهدي، وكالإطعام عن دم المتعة.

وفي " الخلاف " للقاضي وغيره: الحل والتقصير لا ينوب عنه ولا يتحلل

إلا به على الأصح. انتهى.

(والمسنون) من افعال الحج (كالمبيت بمنى ليلة عرفة، وطواف

القدوم)، ومن أفعال الحج والعمرة؛ (والرمل، والاضطباع، ونحو ذلك)؛ كإستلام الركنين، وتقبيل الحجر، والمشي، والسعى في مواضعهما، والخطبة، والأذكار، والدعاء، والصعود على الصفا والمروة، والاغتسال، والتطيب في بدنه وصلاته قبل الإحرام، وصلاته عقب الطواف، واستقبال القبلة

عند رمي الجمرات ونحو ذلك: فإن المسنون كله (لا شيء في تركه).

قال في " الفروع ": ومن ترك سنه فهدر.

قال في " الفصول " وغيره: ولم يشرع الدم عنها؛ لأن جبران الصلاة

(1)

في أ: واحد وحلق.

(2)

في أ: فمن أتى بالواجب وبواحد.

ص: 257

أدخل. فيتعدى إلى صلاته من صلاة غيره. "

ويكره تسمية من لم يحج صرورة، لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا صَرُورةَ في الإسلام "

(1)

.

ولأنه اسم جاهلي.

وأن يقال: حجة الوداع، لأنه اسم على أن لا يعود.

قال: وأن يقال شوط، بل طوفة وطوفتان.

وقال في " فنونه ": إنه لما حج صلى بين عمودي البيت إلى أربع جهات ". لتكون الموافقة داخلة.

وسلم على قبور الأنبياء كآدم وغيره، لما روي أن بمكة ألوفاً من الأنبياء.

ولم يرجم قبر أبي لهب، لما علم من كراهة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حق أهله.

ونزل عن الظهر منذ

(2)

لاحت مكة، احتراما وإعظاما لها.

واختفى في الطواف عن الناس وأبعد عنهم.

ولم يملأ عينه فيها، ولم يشتغل بذاتها، بل باستحضار الشرف.

ولما تعلق بستورها تعلق بالعتيق، لطول ملابسته لها.

وأذَّن في الحرم مدى صوته.

وأكثر المشي فيه والصلاة؛ ليصادف بقعة فيها أثر الصالحين.

ولم يدع بسعة الرزق. بل بالصلاح.

وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأصحاب

(3)

، واعتذر لهم بالعجز

(4)

عن النهضة، ونزل في الروضة، وصلى في موضع المحراب الأول

(5)

.

وتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وأشار إلى قبره حينئذ.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1729) 2: 141 كتاب المناسك، باب لا صرورة في الإسلام.

(2)

في ب: حين.

(3)

في ج: أصحابه.

(4)

ساقط من ب.

(5)

في ب: في المحراب الأولى.

ص: 258

ولم يعظ في الحرم؛ لإغتنام الأوقات.

وليس من تمام الحج ضرب الجمالين. خلافاً للأعمش. وحمل ابن حزم

قوله على الفسقة منهم.

ويتوجه ان يمشي ناوياً بذلك الإحسان إلى الدابة وصاحبها، وأنه في سبيل الله.

وقد " كان ابن المبارك يمشي كثيراً. فساًله رجل: لم تمشي؟ فلم يُرد أن يخبره. فقبض على كمه. وقال: لا أدعك حتى تخبرني، قال: فدعني حتى أخبرك. فقال: [أليس يقال في حسن الصحبة؟ قلت: بلى. قال: فإن هذا من حسن الصحبة مع الجمال [

(1)

. أليس يقال: من أغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار؟ قلت: بلى. قال: هذا

(2)

في سبيل الله ونحن نمشي فيه. أليس يقال: إدخال السرور على المسلم صدقة؟ قلت: بلى. قال: فإن هذا الجّمال كلما مشينا يسره. قلت: بلى. قال السائل: هذا أحب إليّ من ألف درهم ". رواه الحاكم في " تاريخه ".

ويعتبر في ولاية

(3)

تسيير الحجيج كونه مطاعاً ذا رأى وشجاعة وهداية، وعليه جمعهم وترتيبهم وحراستهم في المسير والنزول والرفق بهم والنصح

(4)

. ويلزمهم طاعته في ذلك. ويصلح بين الخصمين، ولا يحكم إلا أن يفوض إليه. فيعتبر كونه من أهله.

وقال الاجري: يلزمه علم خطب الحج والعمل بها.

قال شيخنا: ومن جرد معهم وجمع له من الجند المقطعين ما يعينه على كلفة الطريق أبيح له، ولا ينقص أجره، وله أجر الحج والجهاد.- وهذا كأخذ بعض

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: فهذا.

(3)

ساقط من ب

(4)

ساقط من ب

ص: 259

الإقطاع ليصرفه في المصالح، وليس في هذا اختلاف، ويلزم المعطي بذل ما أمر به.

وشهر السلاح عند قدوم تبوك] بدعة. زاد شيخنا: محرمة. قال: وما يذكره الجهال من حصار تبوك [

(1)

كذب. فلم يكن بها حصن ولا مقاتلة. فإن مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كانت بضعاً وعشرين لم يقاتل فيها إلا في تسع: بدر، وأحد، والخندق، وبني المصطلق، والغابة، وفتح خيبر، وفتح مكة، وفتح حنين، والطائف أنتهى.

(1)

ساقط من أ.

ص: 260

] باب: الفوات والإحصار [

هذا (باب الفوات و) باب (الإحصار.

الفوات): [مصدر فات يفوت فَوْتاً وفَواتاً. وهو: (سبقٌ لا يٌدرك. والإحصار) [

(1)

مصدر أحصره إذا حبسه. وهو: (الحبس). وأصل الحصر: المنع، يقال: أحصره فهو محصر.

(من طلع عليه فجر يوم النحر، ولم يقف بعرفة لعذر) من (حصر أو غيره) أى: غير حصر لعذر، (أوْ لا) لعذر:(فاته الحج) أى: حج ذلك العام؛ لأن وقت الوقوف من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم. النحر؛ لقول جابر: " لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع. قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال: نعم "

(2)

رواه الأثرم.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة. فمن جاء قبل صلاة الفجر ليله جَمْع فقد

تم حجه "

(3)

: فإنه يدل على فوات الحج بخروج ليلة جَمْع.

(وانقلب إحرامه) بالحج (إن لم يختر البقاء عليه) أى: على إحرامه بالحج، (ليحج من قابل) أى: من العام القابل من غير إحرام متجدد: (عمرة) أى: إلى عمرة على الأصح.

قال في " الإنصاف ": وهذه الرواية هي المذهب. نص عليه. انتهى.

قال في " الفروع ": اختاره الأكثر، قارناً وغيره؛ لأن عمرة القارن لا تلزمه

أفعالها، وإنما يمنع من عمرة على عمره إذا لزمه المضي في كل منهما.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 174 كتاب الحج، باب إدراك الحج بدراك عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر.

(3)

سبق تخريجه ص (208) رقم (1).

ص: 261

ويدل لانقلابه إلى العمرة " قول عمر لأبي أيوب لما فاته الحج: اصنع ما

يصنع

(1)

المعتمر. ثم قد حللت. فإن أدركتَ الحج قابلاً فحج، واهد ما استيسر من الهدي "

(2)

. رواه الشافعي.

وروى البخاري

(3)

بإسناده عن عطاء مرفوعاً نحوه.

ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات. فمع الفوات أولى.

(ولا تجزئ) هذه العمرة المنقلبة (عن عمرة الإسلام) في المنصو ص

لوجوبها؛ (كمنذورة).

وعنه: لا ينقلب إحرامه ويتحلل بعمرة. اختاره ابن حامد. ذكره القاضي.

فيدخل إحرام الحج على الأولة فقط.

(ؤعلى من لم يشترط أولاً) أى: عند ابتداء إحرامه بأن لم يقل حين

(4)

ذاك:

وإن حبسني حابس فمحلي حيثما حبستني: (قضاء) الحج الذي فاته (حتى النفل) أى: وحتى ولو لم تكن الحجة التي فاتته حجة الإسلام على الأصح

(5)

. وعنه: لا قضاء عليه. إلا إن كانت الحجة التي فاتته حجة الإسلام؛ لأن

النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج هل عليه أكثر من مرة واحدة؛ قال: مرة واحدة

(6)

ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة.

ولأنه معذور في ترك إتمام حجه. فلم يلزمه القضاء؛ كالمحصر.

ولأنها عبادة تطوع. فلم يجب قضاوها إذا فاتت؛ كسائر التطوعات.

والأول: المذهب.

(1)

في ب: يصنعه.

(2)

أخرجه الشافعى في " مسنده "(990) 1: 384 كتاب الحج، باب أحكام المحصر.

(3)

كذا في الأصول. ولعل الصواب: النجاد.

(4)

في ج: عند.

(5)

في أ: الإسلام.

(6)

سبق تخريجه ص (9) رقم (1).

ص: 262

ووجهه ما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من فاته عرفات فقد فاته الحج، وليتحلل بعمره، وعليه الحج من قابل "

(1)

. وعموم هذا شامل للفرض والنفل.

ولأن الحج يلزم بالشروع فيه. فيصير كالمنذور. بخلاف سائر التطوعات.

وأما الحديث فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة، وهذه إنما وجبت بإيجابه لها بالشروع فيها. فهي كالمنذورة.

وأما المحصر فإنه غير منسوب إلى التفريط. بخلاف من فاته الحج. على

أن في المحصر رواية بوجوب

(2)

القضاء عليه.

ولو كان "الذي فاته الحج قارناً حلّ وعليه مثل ما أهل به من قابل. نص عليه؛ لأنه يجب القضاء على حسب الأداء في صورته ومعناه. فيجب أن يكون هنا كذلك.

(و) على من لم يشترط أيضاً (هدي من الفوات يؤخَّر إلى القضاء) على الأصح؛ لأنه حل من إحرامه قبل إتمامه. فلزمه هدي؛ كالمحصر، والمحصر لم يفت حجه؛ لأنه يحل قبل فواته، وسواء كان ساق هدياً ام لا. نص عليه. (فإن عَدِمه) أى: عدم الهدي (زمن الوجوب صار كمتمتع)؛ لما روى الأثرم بإسناده: " أن هبار بن الأسود حج من الشام. فقدم يوم النحر. فقال له عمر: ما حبسك؟ قال: حسبت أن اليوم يوم عرفة. قال: فانطلق إلى البيت فطف به سبعاً، وإن كانت معك هدي فانحرها، ثم إذا كان قابل فاحجج فإن وجدت سعة فاهد. فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاءالله "

(3)

.

والهدي ما استيسر مثل هدي المتعة؛ لحديث عمر. وحكم المتمتع والمفرد

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(22) 2: 241 كتاب الحج، باب المواقيت.

(2)

في أ: توجب.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكجرى " 5: 174 كتاب الحج، باب ما يفعل من فاته الحج

ص: 263

والقارن والمكي وغيره في ذلك سواء.

(وإن وقف الكل) أى: كل الناس الثامن أو العاشر من ذي الحجة بعرفات خطأ، (أو) وقف الناس (إلا يسيراً) منهم (الثامن أو العاشر خطأ: أجزاهم). نص عليهما، لما روى الدارقطني بإسناده عن عبدالعزيز بن عبدالله بن خالد بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه "

(1)

.

وقد روى ابو هريرة ان رسول الله س قال: " فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون "

(2)

رواه الد ارقطني وغيره.

ولأنه لا يؤمن مثل ذلك فيما إذا قيل بالقضاء.

قال في " الفروع ": قال شيخنا: وهل هو يوم عرفة باطناً؛ فيه خلاف في مذهب أحمد. بناء على أن الهلال اسم لما يطلع في السماء، أو لما يراه الناس ويعلمونه. وفيه خلاف مشهور في مذهب أحمد وغيره.

وذكر في موضيع آخر: أن عن أحمد فيه روايتين. قال: والثانى هو الصواب. فيدل عليه

(3)

أنهم لو أخطؤوا لغلط في العدد أو في الطريق ونحوه فوقفوا العاشر لم يجزئهم إجماعاً. فلو اغتفر الخطأ للجميع لاغتفر لهم في غير هذه الصورة بتقدير وقوعها. فعلم أنه يوم عرفة باطناً وظاهراً. يوضحه أنه لو كان هنا خطأ وصواب لا يستحب الوقوف مرتين، وهو بدعة لم يفعله السلف. فعلم أنه لا خطأ.

ومن اعتبر كون الرائي من مكة دون مسافة قصر أو بمكان لا تختلف فيه المطالع: فقول

(4)

لم يقله أحد من السلف في الحج. فلو رآه طائفة قليلة لم ينفردوا بالوقوف، بل الوقوف مع الجمهور.

ويتوجه وقوف مرتين إن وقف بعضهم. لا سيما من رآه.

(1)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(33) 2: 223 كتاب الحج.

(2)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(35) 2: 224 كتاب الحج.

(3)

في أ: عليهم.-

(4)

في أ: فقوله

ص: 264

وصرح جماعة إن أخطؤوا لغلط في العدد أو في الروية أو الاجتهاد مع

الإغماء أجزأ. وهو ظاهر كلام الإمام وغيره. انتهى.

وعلم مما تقدم أنه إن

(1)

كان المخطى غير الأكثر فقد فاته الحج. وعبارة غالب الأصحاب: وإن اخطأ بعضهم فقد فاته الحج.

وقال في " الانتصار ": إن أخطأ عدد يسير.

وفي " التعليق ": فيما إذا أخطؤوا القبله، قال: العدد الواحد والاثنان.

وقال

(2)

في " الكافي " و" المحرر ": إن اخطأ نفر منهم.

قال ابن قتيبة: يقال: إن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة.

(ومن مُنِعَ البيت) أى: منع من الوصول إلى الكعبة بحيب لم يمكنه التوصل إليها بوجه ولو بعيداً (ولو) كان منعه (بعد الوقوف) بعرفة، (أو) كان المنع (في عمرة) أى: في الإحرام بعمرة: (ذبح هديا بنية التحلل وجوباً)؛ لقو له سبحانه وتعا لى: وان أصرتم فا آشتيسر من اقذى مهو [البقرة: 196].

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين حصروا في الحديثية ان ينحروا ويحلقوا ويحلوا "

(3)

.

قال الشافعي: لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية.

وأنه أبيح له التحلل قبل إتمام نسكه. فوجب الهدي في صورة ما لو حصر

بعد الوقوف. أشبه ما لو حصر قبله.

ولا فرق بين الحصر العام في حق كل الحاج وبين الحصر الخا ص] في حق شخص واحد؛ مثل: أن يحبس بغير حق أو تأخذه النصو ص؛ لعموم النص [

(4)

ووجود المعنى في الكل. فإن من حبس بحق عليه يمكنه الخروج منه. فلا يجوز

(1)

في ج: لو.

(2)

في أ: قال.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2581) 2: 974 كتاب الشر وط، باب الشروط فى الجهاد

(4)

ساقط من أ.

ص: 265

له التحلل، لأنه ليس بمعذور. فإذا كان عاجزاً عن أدائه فحبس بغير حق فله التحلل كما ذكرنا.

(فإن لم يجد) هديا] باًن لم يكن معه ولا يقدر عليه [

(1)

(صام عشرة أيام بالنية) أى: بنية التحلل، (و) قد (حلّ) بذلك. نقله الجماعة.

(ولا إطعام فيه) أى: في الاحصار على الأصح.

وقال الاجري: إن عدم الهدي مكان إحصاره قوّمه طعاماً، وصام عن كل مدّ يوماً، وحل، وأوجب أن لا يحل حتى يصوم إن قدر. فإن صعب عليه حل ثم صام.

وظاهر ما تقدم: أن الحلق والتقصير لا يجب هنا. ويحصل التحلل بدونه وهو أحد القولين، لعدم ذكره في الآية.

ولأنه مباجح ليس بنسك خارج الحرم، لأنه مع توابع الإحرام " كالرمي

والطو اف.

وقدم في " المحرر " عدم الوجوب، وهو ظاهر كلام الخرقي، وقدمه ابن رزين في " شرحه ".

وقيل: فيه روايتان مبنيتان على أنه نسك أو إطلاق من محظور. وجزم بهذه الطريقة في " الكافي "، وقدم الوجوب في " الرعاية "، واختاره القاضي في " التعليق " وغيره، وأطلق الروايتين في " الفر وع ".

(ولو نوى) المحصر (التحلُّل قبل أحدهما) أى: قبل ذبح الهدي أو صوم

من عجز عن الهدي (لم يحل)، لأن التحلل لا يحصل إلا بذبح الهدي بنية التحلل او بالصوم بنية التحلل.

فإن قيل: فلم اعتبرتم النية هنا ولم تعتبروها في غير المحصر؟

قلنا: لأن من أتى بأفعال النسك فقد أتى بما عليه فيحل من النسك بإكمالها.

فلم يحتج إلى نية .. بخلاف المحصر فإنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها.

(1)

ساقط من أ.

ص: 266

فافتقر إلى نية.

ولأن الذبح قد يكون لغير التحلل .. فلا يتخصص إلا بقصده.

(ولزمه) أى: لزم من تحلل بغير الذبح أو الصوم (دم لتحلله) في

(1)

الأصح، (و) دم

(لكل محظور بعده) أى: بعد تحلله.

(ويباج تحلل) من إحرام (لحاجة) في الدفع إلى (قتال، أو) لحاجة إلى (بذل مال) كثير أو يسير لكافر (لا) لحاجة إلى بذل مال (يسير لمسلم) في الأصح.

والقتال مع كفر العدو مستحب إن قوي الصبحلمون، وإلا فترك القتال أولى. (ولا قضاء على من) أى: على محصر (تحلل قبل فوت الحج)، ويلزمه

فعل الحج في ذلك العام إن أمكنه، وإن لم يمكنه فلا قضاء عليه نصا. نقلها الجماعة.

(ومثله) في عدم وجوب القضاء (من جن أو أغمي عليه). قاله في

" الانتصار ".

(ومن حصر عن طواف الإفاضة فقط) يعني: وقد رمى وحلق: (لم يتحلل حتى يطوف) للإفاضة بفعل الطواف؛ لأن إحرامه إنما هو عن النساء. والشرع إنما ورد بالتحلل من الإحرام التام الذي يحرم جميع محظوراته. فلا يثبت الحكم بماليس مثله.

ومتى زال الحصر أتى بالطواف وقد تم حجه.

(ومن حصر عن) فعل (و (3) لم يتحلل) في الأصح، (وعليه دم)؛

لعدم فعله، كما لو تركه اختيارا، (وحجه صحيع)؛ لتمام أركانه.

(ومن صد عن عرفة) دون البيت (في حج، تحلل بعمرة مجانا) يعني:

ولو لم يكن عليه بذلك شيء؛ لأننا أبحنا له ذلك من غير حصر. فمع الحصر أولى. فإن كان قد طاف وسعى للقدوم ثم أحصر أو مرض أو فاته الحج، تحلل

(1)

في أ: أى في.

ص: 267

بطواف وسعي اخرين؛ لأن الأولين لم يقصد بها طواف العمرة ولا سعيها

(1)

. وليس عليه أن يجدد إحراما في الأصح.

(ومن أُحصر بمرض، أو) بمقتضى (ذهاب نفقة، أو ضلَّ الطريق: بقي محرماً حتى يقدر على البيت) على الأصح.

وعنه: لمن مرض أو ذهبت نفقته التحلل بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة اخرى "

(2)

. رواه النسائي.

ولأنه محصور فيدخل في عموم قوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)] البقره: 196 [يحققه أن لفظ: الإحصار إنما هو للمرض ونحوه، يقال: أحصره المرض إحصاراً فهو محصر، وحصره العدو فهو محصور. فيعون اللفظ صريحاً في محل النزاع، وحصر العدو مقيس عليه.

ولأنه مصدود عن البيت. أشبه من صده العدو.

والأول المذهب؛ لأنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حالة إلى حالة خير منها، ولا التخلص من الأذى الذي به. بخلاف حصر العدو.

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير. فقالت: إني أريد الحج وأنا شاكية. فقال: حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني "

(3)

.

فلو كان المرض يبيح التحلل ما احتاجت إلى شرط.

وحديث: " من كسر أو عرج فقد حل "

(4)

: متروك الظاهر. فإن مجرد الكسر والعرج لا يصير به حلالاً. فإن حملوه على أنه يبيح له التحلل حملناه على] ما إذا اشترط الحل. على أن في الحديث كلاماً لإبن عباس يرويه ومذهبه بخلافه.

وأما [

(5)

من ضل الطريق؛ فبالقياس على من مرض أو ذهبت نفقته. ذكره

في " المستوعب ".

(1)

لم في ب: سعيهما.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(2861) 5: 198 كتاب مناسك الحج، فيمن أحصر بعدو

(3)

سبق تخريجه ص (54) رقم (3).

(4)

سبق تخريجه قريباً.

(5)

ساقط من أ.

ص: 268

(فإن) لم يقدر على البيت حتى (فاته الحج تحلل بعمرة) على الأصح.

نقله الجماعة.

(ولا ينحر هدياً معه إلا بالحرم). نص أحمد على التفرقه بين هذا وبين من حصره عدو فيبعث ما معه من الهدي فيذبح بالحرم.

ومثل المريض في الحكم حائض تعذر مقامها وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف لجهلها بوجوب طواف الزياره، أو لعجزها عنه أو لذهاب الرفقة. والصغير والبالغ في صوره يجب فيها القضاء سواء. لكن لا يصح قضاء الصغير إلا بعد بلوغه. نص عليه.

والحج الصحيح والفاسد

(1)

في ذلك سواء. فإن حل ثم زال الحصر وفي الوقت سعة فله أن يقضي في ذلك العام.

قال الموفق وشارح " المقنع " وجماعة من الأصحاب: وليس يتصور القضاء

في العام الذي أفسد الحج فيه في غير هذه المسأله.

(ومن شرط في ابتداء إحرامه: أن محلِّي حيثُ حبستني. فله التحلل مجانا

في الجميع)؛ لأن للشرط تأثيراً في العبادات. بدليل أنه لو قال: إن شفا الله مريضي صمت شهراً متتابعاً أو متفرقاً كان على شرطه.

وإنما لم يلزمه هدي ولا قضاء؛ لأنه إذا شرط شرطاً كان إحرامه الذي فعله

إلى حين وجود الشرط. فصار بمنزلة من أكمل افعال الحج. ثم ينظر فى صيغة الشرط فإن قال: إن مرضت فلي أن أحل، أو إن حبسني حابس فمِحلِّي حيب حبستني فإذا حبس كان بالخيار بين التحلل وبين البقاء على الإحرام.

وإن قال: إن

(2)

مرضت فاًنا حلال. فمتى وجد الشرط حل بوجوده؛ لأنه شرط صحيح. فكان على ما شرط. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 269

] باب: الهدي والأضاحي [

هذا (باب الهدي والأضاحي) والعقيقة

(1)

.

ثم (الهدي: ما يُهدى للحرم، من نَعَم وغيرها).

وقال ابن المنجى: هو ما يذبح بمنى. سمي بذلك؛ لأنه يهدى إلى الله سبحانه وتعالى.

(والأُضحية) بضم الهمزة وكسرها واحدة الأضاحي. وهي: (ما يذبح من

إبل وبقر وغنم أهليَّة، أيام النحر، بسبب العيد، تقرُباً إلى الله تعالى) .. ويقال في الأضحية: ضحية، وجمعها ضحايا.

وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها. وسند الإجماع قوله سبحانه وتعا لى

(2)

: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)] الكوثر: 2].

قال جماعة من المفسرين: المراد بذلك: التضحية بعد صلاة العيد.

وما روي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما "

(3)

. متفق عليه.

الأملح: الذي فيه بياض وسواد، وبياضه أكثر. قاله الكسائي.

وقال ابن الأعرابي: هو النقي البياض.

ويستحب لمن أتى مكة ان يهدي هديا؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في حجته مائة بدنة"

(4)

.

(1)

في أ: وباب العقيقه.

(2)

في أ: قوله تعالى.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(245 هـ) 5: 2114 كتاب الأضاحي، باب التكبير عند الذبح. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1967) 3: 1557 كتاب الأضاحي، باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل

كلاهما من حديث أنس.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 891 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، عن جابر بن - عبد الله رضي الله عنهما.

ص: 270

وقد " كان صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي إلى مكة ويقيم بالمدينة "

(1)

.

(ولا تجزئ) الأضحية (من غيرهن) أى: من غير الإبل والبقر والغنم الأهلية.

(والأفضل) في الأضحية: (إبل فبقر فغنم إن أخرج كاملاً) أى: إن ضحى ببدنة أو بقرة كاملة. فتكون الشاة أفضل من شرك في بدنة أو بقرة؛ لأن إراقة الدم مقصودة في الأضحية، والمنفرد يتقرب بإراقته كله. ثم يلي ذلك شرك في بدنة ثم شرك في بقرة؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اغتسل يوم الجمة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة. ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة. ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن. ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة. ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة "

(2)

. متفق عليه.

ولأن الأضحية ذبح يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى. فكانت البدنة فيه أفضل؛ كالهدي.

ولأنها أكثر ثمناً ولحماً، وأنفع

(3)

للفقراء.

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أى: الرقاب أفضل؛ فقال: أغلاها ثمناً، وانفسها عند أهلها "

(4)

.

والإبل أغلى ثمناً وأنْفَس من الغنم والبقر.

(و) الأفضل (من كل جنس: أسمن. فأغلا ثمنا)؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)] الحج: 32].

قال ابن عباس: تعظيمها استسمانها واستحسانها.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1611) 2: 608 كتاب الحج، باب قتل القلائد للبدن والبقر.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(841) 1: 301 كتاب الجمعه، باب فضل الجمعه.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(850) 1: 582 كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة.

(3)

في أ: ولأنها أنفع.

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2523) 2: 843 كتاب العتق، باب العتق.

ص: 271

ولأن ذلك أعظم لأجرها، وأكثر لنفعها.

(فأشهب) يعني: أن الأفضل في الألوان الأشهب، (وهو: الأملح وهو الأبيض أو ما بياضه أكثر من سواده)، لما روي عن مولاة أبي ورقة بن سعيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين "

(1)

. رواه أحمد بمعناه.

وقال أبو هريرة: " دم بيضاء (4) إلىَّ الله من دم سوداوين ".

ولأنه لون أضحية النبي صلى الله عليه وسلم.

(فأصفر فأسود) يعني: أن كل ما كان أحسن لوناً فهو أفضل.

(و) أفضل (من ثني معز: جذع ضأن) وهو: ما له ستة أشهر؛ لقول أحمد: لا تعجبني الأضحيه إلا بالضاًن.

ولأن الجذع من الضاًن أطيب لحماً من ثني المعز.

(و) افضل (من سُبع بدنة أو) سُبع (بقرة: شاة) من المعز.

(و) أفضل (من إحداهما) أى: من البدنة أو البقرة: (سبع شياه.

و) أفضل (من المغالاة: تعدد في جنس) على الأصح.

سأله ابن منصور: بدنتان سمينتان بتسعة وبدنة بعشرة؛ قال: بدنتان أعجب

(2)

إلى.

(وذكر كأنثى)، لأن الله سبحانه وتعالى قال:(لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ)] الحج: 34 [، وقال:(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) [الحج: 36 [، ولم يقل ذكرًا ولا أنثى.

وممن أجاز ذكران الإبل في الهدي ابن المسيب وعمر بن عبدالعزيز وعطاء ومالك والشافعي.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(9393) 2: 17 4 عن أبي هريرة. ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دم عفراء أحب إليَّ من دم سوداوين ".

(2)

في ج: أحب.

ص: 272

وقد ثبت: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملاً كان لأبي جهل في أنفه برة من فضة "

(1)

. رواه أبو داود وابن ماجه.

قال أحمد: الخصي أحب إلينا من النعجة؛ لأن لحمه أوفر وأطيب.

قال الموفق: والكبش في الأ صحية أفضل النعم؛ لأنها أضحية النبي صلى الله عليه وسلم.

(ولا يجزئ) في الأضحية (دون جذع ضأن) وهو: (ما له ستة أشهر). ويدل لإجزائه

(2)

ما روت أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يجزئ الجذع من الضأن أضحية "

(3)

. رواه ابن ماجه.

والهدي مثله.

وإنما يجزئ الجذع من الضأن ولا يجزئ من المعز؛ لأن الجذع من الضاًن ينزو فيلقح. بخلاف الجذع من المعز. قاله إبراهيم الحربي.

ويُعرف ذلك بنوم الصوفة

(4)

على ظهره.

قال الخرقي: سمعت أبي يقول: ساًلت بعض أهل البادية كيف تعرفون الضأن إذا أجذع قالوا: لا تزال الصوفه قائمة على ظهره ما دام حملاً. فإذا نامت الصوفة على ظهره علم أنه قد أجذع.

(و) لا يجزئ دون (ثني معز). وهو: (ما له سنة) كاملة؛ لأنه قبل ذلك لا يلقح.

(و) لا يجزئ دون (ثني بقر). وهو: (ما له سنتان).

(و) لا يجزئ دون (ثئي إبل). وهو: (ماله خمس سنين) كوامل.

قال الأصمعي وأبو زيد الكلابي وأبو زيد الأنصاري: إذا مضت السنة الخاممسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني، ونرى أنه

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1749) 2: 145 كتاب المناسك، باب في الهدي.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3100) 2: 1035 كتاب المناسك، باب الهدي من الإناث والذكور.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه ابن ماجه في " ستنه "(3139) 2: 049 1 كتاب الأضاحي، باب ما تجزئ من الأضاحي.

(4)

في ب: الصوف

ص: 273

إنما سمي ثنياً؛ لأنه ألقى ثنيته.

(وتجزئ شاة عن واحد، و) عن (أهل بيته وعياله). نص على ذلك.

قال صالح: قلت لأبي: يضحى بالشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم.

لا باًس. قد " ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشين فقال: بسم الله. هذا عن محمد وأهل بيته. وقرَّب الآخر وقال: بسم الله. اللهم! هذا منك ولك عمَّن وحدَّك من أمتي "

(1)

.

ويدل لذلك ما روى أبو أيوب قال: " كان الرجل فى عهد رسول الله يضحى بالشاة عنه وعن أهل بيته فياًكلون ويطعمون "

(2)

.

قال في " شرح المقنع ": حديث صحيح.

(و) تجزئ (بدنة أو بقرة عن سبعة) في قول أكثر أهل العلم. روي ذلك

عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة.

ويدل لذلك ما روى جابر قال: " نحرنا بالحديبية مع النبي عييه البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة "

(3)

.

وفي لفظ: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحد منهما "

(4)

.

وفي لفظ: " فنذبح البقرة عن سبعة. نشترك فيها "

(5)

. رواه مسلم.

(ويُعتبر ذبحها) أى: ذبح البدنة أو البقره

(6)

(عنهم). نص عليه.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3122) 2: 1043 كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أحمد في " مسنده " (25927) 6: 225

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1505) 4: 91 كتاب الأضاحى، باب ما جاء أن الشاة الواحده تجزئ عن أهل البيت.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1318) 2: 955 كتاب الحج، باب الاشتراك فى الهدي

(4)

أخرجه مسلم في الموضع السابق.

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1318) 2: 956 الموضع السابق.

(6)

في أ: والبقرة.

ص: 274

ومحل ذلك: إذا أرادوا كلهم القربة.

وإن أراد بعضهم القربة وبعضهم اللحم جاز. نص عليه، وإلى ذلك أشير بقوله:(وسواء أرادوا) كلهم (قُربة، أو بعضهم) قربة، (وبعضهم لحماً، أو كان بعضهم ذمياً)؛ لأن الجزء المجزئ لا ينقص أجره بإرادة الشريك غير القربة، كما لو اختلفت جهات القُرَب بأن أراد بعضهم المتعة والآخر القران. ولأن القسمة هنا إفراز حق وليست بيعاً.

ولأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإشتراك مع أن سنة الهدي والأضحية الأكل منهما دليل

على تجويز القسمة، إذ به يتمكن من الأكل، وكذلك الصدقه والهدية. (ويجزئ فيهما) أى: في الهدي والأضحية (جّماء) في الأصح، وهي:

التي

(1)

لم يخلق لها قرن.

(و) يجزئ فيهما أيضاً (بتراء)، وهي: التي لا ذنب لها. سواء كان خلقة أو مقطوعاً.

والصمعاء بالصاد والعين المهملتين وهي: الصغيرة الأذن.

(وخصي) وهو

(2)

: ما قطعت خصيتاه أو سُلَّتا.

(ومرضوض الخصيتين)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش موجوئين "

(3)

.

والرجاء: رض الخصيتين.

ولأن الخصاء إذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويسمن.

قالط الشعبي: ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه.

(و) يجزئ أيضاً في الهدي والأضحية من الإبل والبقر والغنم (ما خُلق بلا أذن، أو ذهب نصف أليته. لا) العوراء التي هي (بينة العور، بأن انخسفت عينها) فإنها لا تجزئ في الهدي ولا الأضحية.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب: وهي.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(21761) 5: 196

ص: 275

(ولا قائمة العينين مع ذهاب إبصارهما)؛ لأن العمى يمنع مشيها مع رفقتها ويمنع مشاركتها في العلف.

ولأن في

(1)

النهي عن العوراء تنبيه على العمياء.

(ولا عجفاء لا تَنْقى، وهي: الهزيلة التي لا مُخَّ فيها، ولاعَرْجاء لاتُطيق

مشيا مع صحيحة. ولا بيِّنة المرض).

والأصل في ذلك ما روى البراء بن عازب قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلفها، والعجفاء التي لا تنقى "

(2)

. رواه أبو داود والنسائى.

ولأن العين عضو مستطاب. فانخسافها نقص.

أما لو كان على عينها بياض ولم تذهب لم يمنع ذلك إجزاءها؛ لأن عورها

ليس بين، ولا ينقص ذلك لحمها.

(ولا) تجزئ (جِدَاء. وهي: الجدباء، وهي: ما شاب ونَشِف ضَرْعها)؛ لأن هذا أبلغ من الإخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين.

(ولا هَتْماء. وهي: التي ذهبت ثناياها من أصلها). ذكره جماعة.

وقال " التلخيص ": هو قياس المذهب.

(ولا عَصْماء). وهي (ما انكسر غِلافُ قرنها). قاله في

" المستوعب " و" التلخيص ".

(ولا) يجزئ (خصي مجبوب). نص على ذلك. وجزم به في

" التلخيص "، وقدمه في " الرعاية الكبرى ".

قال في " المستوعب " و" الحاويين " و" الرعاية الصغرى " وغيرهم:

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2 280) 3: 97 كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا.

وأخرجه النسائي في " سننه "(4369) 7: 214 كتاب الضحايا، ما نهى عته من الأضاحى: العوراء.

ص: 276

ويجزئ الخصي غير المجبوب.

(ولا عضْبَاء) وهي: (ما ذهب أكثرُ أُذنها أو) أكثر (قرنها)؛ لما روي

عن علي قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب الأذن والقرن. قال قتادة: ذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: العضب النصف أو أكثر من ذلك "

(1)

. رواه الخمسة وصححه الترمذي.

وقال أحمد: العضباء ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها. نقله حنبل وغيره؛ لأن الأكثر كالكل. وهذا المذهب.

ونقل أبو طالب: أن العضب ذهاب

(2)

النصف فأكثر من الأذن أو القرن.

(وتُكره مَعيبتَهما) أى: معيبة الأذن أو القرن (بخرق أو شق، أو قطع نصف) منهما (فأقل)؛ لما روى علي قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَسْتَشْرِفَ العين والأذن، ولا نضحي بمقابَلَة، ولا مُدَابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء. قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن. قلت:. فما المدابرة؟ قال: تقطع من مؤخر الأذن. قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن. قلت: فما الخرقاء؟ قال: تُخَْرقُ أذنها للسمة "

(3)

. رواه أبو دا ود. وقا ل القاضي: الخرقاء: التي

(4)

انتقبت

(5)

أذنها. والشرقاء: التي تشق أذنها وتبقى كالشتاخين. وهذا نهي تنزيه، ويحصل الإجزاء بها؛ لأن اشتراط السملامة من ذلك يشق إذ لا يكاد يوجد سالم من هذا كله.

(1)

أخرجه أبو داود فى " سننه "(5 280) 3: 97 كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1504) 4: 90 كتاب الأضاحي، باب في الضحية بعضباء القرن والأذن. وأخرجه النسائي في! سننه " (4377) 7: 17 2 كتاب الضحايا، العضباء.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(3145) 2: 1051 كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحى به.

وأخرجه أحمد فى " مسنده "(1158) 1: 137

(2)

في أ: ذاهب.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4 280) 3: 97 كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا.

(4)

في أ: هي التي.

(5)

في ب: أنقبت.

ص: 277

(وسُنّ نحر الإبل قائمة، معقولة يدُها اليسرى). وصفه نحرها: (بأن

يطعنها) بحربة أو نحوها (في الوَهْدة) وهي المحل الذي (بين أصل العنق والصدر) من الإبل؛ لما روى زياد بن جبير قال: " رأيت ابن عمر أتى على

رجل أناخ بدنة لينحرها. فقال: ابعثها قائمة مقيدة. سنة محمد صلى الله عليه وسلم "

(1)

. متفق عليه.

وروى أبو داود باسناده عن عبدالرحمن بن سابط: " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها "

(2)

.

وفي قول الله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا)] الحج: 36 [: دليل على

أنها تنحر قائمة.

وقيل في تفسير قوله سبحانه وتعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ)] الحج:

36 [أى: قياماً. لكن إن خشي عليها تنفر أناخها.

(و) سُنّ (ذبح لقر وغنم على جنبها الأيسر، مُوجهة إلى القبلة). قال الله

سبحانه وتعا لى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)] البقرة: 67].

وروى أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين ذبحهما بيده "

(3)

.

فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح: جاز وأبيح-؛ لأنه لم يتجاوز محل الذبح.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل "

(4)

.

وقد روي عن أحمد: أنه توقف في أكل البعير إذا ذبح ولم ينحر.

والأول المذهب.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1627) 2: 612 كتاب الحج، باب نحر الإبل مقيدة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(0 132) 2: 956 كتاب الحج، باب نحر البدن قياماً مقيدة.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1767) 2: 149 كتاب الماسك، باب كيف تنحر البدن.

(3)

سبق تخريجه ص (270) رقم (3).

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2356) 2: 881 كتاب الشركة، باب قسمة الغنم.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1968) 3: 1558 كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم

ص: 278

وكره ابن عمر وابن سيرين الأكل من الذبيحة إذا وجهت لغير القبلة.

والصحيح خلافه، لأنه لم يقم على وجوب ذلك دليل.

(ويسمي حين يحرِّك يده بالفعل) وجوباً. وسيأتي حكم ما إذا نسي التسمية

في باب الذكاة.

(ويكبر) استحباباً (ويقول: اللهم! هذا منك ولك)، لما روى ابن عمر:

" أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح يوم العيد كبشين. ثم قال حين وجههما: وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. بسم الله والله أكبر. اللهم! هذا منك ولك "

(1)

. رواه أبو داود.

فإن اقتصر على التسمية ترك الأفضل، وأجزأه.

(ولا بأس بقوله) أى: أن يقول: (اللهم! تقبل من فلان). نص عليه،

لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم! تقبل من محمد وآل محمد، وأمة محمد. ثم ضحى "

(2)

. رواه مسلم.

قال في " الفروع ": وذكر بعضهم يقول: اللهم! تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك، وقاله شيخنا. وأنه إذا ذبح قال: وجهت وجهي

إلى قوله: وأنا من المسلمين.

(ويذبح واجباً) من هدي وأضحية (قبل) ذبح (نفل) منهما.

(وسن إسلامُ ذابح)، لأن الأضحية قربة. فينبغي أن لا ياً تيها إلا أهل القربه. فإن استناب ذميا في ذبحها أجزأت مع الكراهية. وهذا المذهب-

وعن أحمد: لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم.

(وتولِّيه) أى: تولي المضحي الذبح (بنفسه أفضل). نص عليه، " لأن

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2795) 3: 95 كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1967) 3: 1557 كتاب الأضاحي، باب استحباب الأضحية.

ص: 279

النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما"

(1)

.

"ونَحَرَ البدن التى أمسكها بيده، ونحر من البدن التي ساقها في حجته ثلاثاً

وستين بدنة بيده "

(2)

.

ولأن فعل الذبح قربة، وتولي القربه بنفسه أولى من الاستنابة فيها.

والاستنابة في ذلك جائزة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم استناب في نحر ما بقى من بدنه

(3)

. (ويحضر إن وكّل) يعني: أنه يسن له إن وكّل في الذبح أن يحضره؛ لأن

في حديث ابن عباس الطويل: " واحضروها إذا ذبحتم. فإنه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها ".

وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: أحضري أضحيتك يغفر لك باً ول قطرة

من دمها "

(4)

. نص. عليه.

(وتعتبر نيته) أى: نية الموكِّّل (إذاً) أى: عند التوكيل في الذبح. (إلا

مع التعيين) أى: تعيين الأضحية باًن تكون معينة. فلا تعتبر النية، كما (لا) تعتبر (تسمية المضحى عنه) اكتفاء بالنية.

(ووقت ذبح أضحية، وهدي نذر أو تطوع، و) هدي (متعة وقران: من

بعد اسبق صلاة العيد بالبلد) لمن صلى، (أو) من بعد (قدرها) أى: قدر الصلاة (لمن لم يصل) بعد حل الصلاة. يعني: أنه متى دخل وقت صلاة العيد على من بالقرى والأمصار. فدخول وقت الذبح على من فيها بتمام أسبق صلاة

بالبلد. ولا فرق في ذلك بين من شهدها مع من صلى ومن لم يشهدها.

(1)

سبق تخريجه ص (270) رقم (3).

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجه النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

هو طرف من الحديث السابق.

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 283 كتاب الضحايا، باب ما يستحب للمرء من ان يتولى ذبح نسكه أو يشهده. وأخرجه الحاكم في " المستد رك " (7525) 4: 247 كتاب الأضاحي.

ص: 280

واما أهل البوادي من أصحاب الطنب والخركاوات ونحوهم ممن

لا يصلون. فدخول وقت الذبح في حقهم بمضي قدر ما تفعل فيه الصلاة بعد حلها. وليس لمن بالمصر أو بقرية يصلى فيها صلاة العيد أن يذبح قبل الصلاة حتى تزول الشمس.

(فإن فاتت) الصلاة (بالزوال ذبح) بعده.

والأصل في ذلك ما روى جندب بن عبدالله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من

ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى "

(1)

.

وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى "

(2)

. متفق عليه.

وقال الخرقي ومن تبعه: لا يدخل وقت الذبح إلا بمضي قدر الصلاة والخطبه.

قال في " الفروع ": ووقته بعد صلاة العيد وأسبقها بالبلد.

وعنه: والخطبة.

وقال الخر قي وغيره: قدرهما. وهو رواية.

وعنه: لا يجزئ قبل الإمام. قيل: لمن ببلده. وجزم به في " عيون المسائل ".

وإن فات العيد بالزوال ضَحّى إذاً.

وقال ابن عقيل: يتبع الصلاة قضاء، كما يتبع إذا ما لم يؤخر عن أيام الذبح. فيتبع الوقب ضروره.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5181) 5: 2071 كتاب الذبائح والصيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" فليذبح على اسم الله ".

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(0 94) 1: 334 كتاب العيدين، باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1961) 3: 1553 كتاب الأضاحي، باب وقتها.

ص: 281

والمقيم بموضع لا يلزمه قدر ذلك على الخلاف.

وفي " الترغيب ": هو كغيره في الأصح. انتهى.

ويستمر وقت الذبح (إلى آخر ثاني) أيام (التشريق). فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم النحر، ويومان بعده.

قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية: قال: خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث "

(1)

.

ويستحيل أن يباج ذبحها في وقت يحرم أكلها فيه.

ونسخ أحد الحكمين وهو الادخار لا يلزم منه رفع الآخر وهو إجزاء الذبح

فيما زاد على الثلاثة أيام.

وفي " الأيضاح ": إلى آخر أيام التشريق.

والأول المذهب.

(و) الأضحية (في أولها) أى: أول

(2)

أيام الذبح وهو يوم العيد (فما يليه) أى: يلي يوم العيد (أفضل).

قال في " الإنصاف ": قلت: وأفضل اليوم الأول عقيب الصلاة والخطبة وذبح الإمام إن كان. انتهى.

(ويجزئ) ذبح الأضحية (في ليلتيهما) أى: ليلتي اليوم الأول واليوم الثانى من أيام التشريق على الأصح؛ لأن الليل زمن يصح فيه الرمي، وداخل في مدة الذبح. فجاز فيه؛ كالأيام.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5249) 5: 2115 كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحى وما يتزود منها.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1972) 3: 1562 كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث

(2)

ساقط من أ.

ص: 282

(فإن فات الوقت) أى: وقت الذبح على من عليه و (3) لعدم ذبحه في وقته (قُضيَ الواجب) وفعل به (كالأداء) أى: كما يفعل به لو ذبحه في الوقت.

ولا يسقط ذبحه

(1)

بفوات] الوقت؛ لأن الذبح أحد مقصودي الأضحية.

فلا يسقط بفوات [

(2)

وقته؛ كما لو ذبحها في الوقت ولم يفرقها حتى خرج الوقت.

(وسقط التطوع) بخروج وقت الذبح؛ لأن المحصل للفضيلة الزمان وقد فات. فلو ذبحه وتصدق به كان لحماً تصدق به لا أضحية في الأصح. قاله في " التبصرة ".

(ووقت ذبح واجب) وجب (بفعل محظور من حينه) أى: من حين فعل المحظور.

(وإن فعله) أى: أراد فعل محظور (لعذر) في فعله: (فله ذبحه) أى:

ذبح ما يجب بفعل المحظور الذي يريد أن يفعله لعذر (قبله) أى: قبل فعل المحظور.

(وكذا ما) أى: وكذا دم (وجب لترك واجب) يعني: أنه يكون وقت ذبحه عند ترك الواجب.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 283

] فصل: في بيان ما يتعين به الهدي [

(فصل. ويتعين هَدي بـ: هذا هدي) أى بقوله: هذا هدي؛ لأنه لفظ يقتضي الإيجاب. فوجب أن يترتب عليه مقتضاه.

(أو) بـ (تقليده) بنية الهدي، (أو) بـ (إشعاره بنيته) أى: نية الهدي؛

لأن الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ إذا كان الفعل يدل على المقصود؛ كمن بنى مسجداً وأذن للناس فى الصلاة فيه.

(و) تتعين (أضحية بـ: هذه أضحية) أى بقوله: هذه أضحية. فتصير واجبة بذلك؛ كما يعتق العبد بقول سيده: هذا حر.

(أو) بمو له: هذه (لله، ونحوه)؛ كقو له: هذا

(1)

صد قة (فيهما) أى:

في الهدي والأضحية.

(لا بنيته) يعني: أنه لا يصير الهدي بنية كونه هدياً (حال الشراء)؛ لأن التعيين إزالة ملك على وجه القربة. فلم تؤثر فيه النية المقارنة للشراء؛ كالعتق والو قف.

وقيل: بلى.

قال صاحب " المحرر ": وهو ظاهر كلام أحمد فيما نقله عنه الحسن بن

ثو اب

(2)

وأبو الحارب.

(ولا بسوْقه مع نيته) أى: مع نية كونه هدياً من غير تقليد أو إشعار؛ (كإخراجه) أى: كإخراج ذي مال (مالاً للصدقة به) فإن التصدق به لا يكون واجباً للخبر فيه.

(1)

في ج: هذه.

(2)

كذا في ج. وفي أوب: أيوب.

ص: 284

وقدم في " المستوعب ": لا تعيين إلا بقول. وكذا في " الرعاية " وقال: وقيل: أو بالنية فقط.

وقيل: مع تقليد وإشعار.

قال في " الفروع ": وهو سهو.

(وما تعين) من هدي وأضحية (ونقل الملك فيه وشراء خير منه) على الأصح نصاً. نقله الجماعة عن أحمد، واختاره الأكثر؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق في حجته مائة بدنة، وقدم علي من اليمن فأشركه في بدنه "

(1)

. رواه مسملم. والتشريك: نوع من البيع أو الهبة.

ولأنه يجوز إبدلها بخير منه. والإبدال نوع من البيع.

(لا بيعه في دين ولو بعد موت) ولو

(2)

لم يترك شيئاً غيره؛ لأنه قد تعين ذبحه. فلم يبع في دينه؛ كما لوكان حياً.

إذا ثبت هذا فإن ورثته يقومون مقامه في الأكل والصدقة والهدية؛ لأنهم يقومون مقام مورثهم فيما له وعليه.

(وإن عُيّن) في هدي أو أضحية معيب (معلوم عيبُه تعيَّن.

وكذا) لو عين المعيب (عما في ذمته) وللزمه ذبحه، (ولا يجزئه) عما في ذمته من الواجب.

(ولملك) من عين معيباً يجهل عيبه (رد ما علم عيبَه بعد تعيينه) فيخير بين

رده أو أخذ

(3)

أرشه.

(وإن أخذ الأرش فـ) حكمه (كالفاضل من قيمة) في الأصح.

(ولو باتت معينة) أى: التي عينها (مستحقة): بطل تعيينها، و (لزمه

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 2: 891 كتاب الحج، باب حجة النبى صلى الله عليه وسلم، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ب: وأخذ.

ص: 285

بدلها) نصاً. نقله علي بن سعيد.

قال في " الفروع ": ويتو جه فيه كاًرش.

(ويركب) أى: ويباج له أن يركب هدياً وأضحية معينين (لحاجة فقط بلا ضرر) على الأ صح.

قال أحمد: لا يركبها إلا عند الضرورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً "

(1)

. رواه أبو داود.

ولأنه تعلق بها حق المساكين. فلم يجز ركوبها من غير ضرورة؛ كملكهم. وإنما جوزناه عند الضرورة؛ للحديث.

(ويضمن النقص) إن حصل بركوبه نقص؛ لأنها تعلق بها حق غيره.

(وإن ولدت) أضحية معينة أو هدي معين (ذُبح) ولدها (معها). سواء

كان حملاً حين التعيين أو حدث بعده؛ لأن استحقاق المساكين الولد حكم ثبت بطريق السراية من الأم. فثبت للولد ما ثبت لأمه؛ كولد أم الولد

(2)

، وولد المدبرة الذي ولدته بعد تدبيرها.

ومحل ذلك: (إن إمكنه حملُه) أى: حمل الولد (أو سوقه) إلى المنحر، (وإلا) أى: وإن لم يمكن حمله على ظهرها أو ظهر غيرها، أو سوقه إلى المنحر، (فـ) يكون حكمه (كهدي عطب) على ما ياًتى حكمه. وكذا ولد المعينة عن واجب في الذمة إذا تعينت؛ لأنه تبع لها.

(ولا يشرب من لبنها) أى: لبن من معها ولدها (إلا ما فضل عنه). فإن

لم يفضل عن ولدها شيء، أو كان الحلب يضر بها أوينقص لحمها، لم يكن له أخذه

(3)

، وإلا فله أخذه والانتفاع به؛ لأن ذلك انتفاع لا يضر بها ولا بولدها. وإن حلبها مع الإضرار بها أو بولدها حرم وعليه الصدقة به، وإن شربه ضمنه؛

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1761) 2: 147 كتاب المناسك، باب في ركوب البدن.

(2)

في ب: كأم ولد الولد.

(3)

في ب: أخذها.

ص: 286

لأنه تعدى باً خذه.

(ويُجزُّ) أى: ويباج له أن يجز (صوفها) أى: صوف الأضحية المعينة، (ونحوه)، كوبرها (لمصلحة) مثل: أن تكون بزمن تخف أو تسمن بجزه. (ويتصدق به)، لأنه ينتفع به على الدوام فجرى مجرى جلدها وأجزائها.

وعلم مما تقدم انه لو كان بقاؤه أنفع لها، لكونه يقيها الحر أو البرد لم يجز

له جزه، كما لا يجوز أخذ بعض أعضائها.

(وله) أى: وللمضحي والمهدي (إعطاءُ الجازر منها هدية وصدقة. لا بأجرته)" لما روي عن علي قال: " أرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أقسم جلودها وجلالها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً. وقال: نحن نعطيه من عندنا "

(1)

. متفق عليه.

ولأن ما يدفعه إلى الجازر عن أجرته عوض عن عمله وجزارته، ولا تجوز المعاوضة بشيء منها. بخلاف ما يعطاه صدقه أو هدية فإنه فيه

(2)

كغيره، بل هو أولى " لأنه باشرها وتاقب نفسه إليها.

(ويتصدق) استحبابا (أو ينتفع بجلدها وجُلِّها).

قال في " شرح المقنع ": لا خلاف في جواز الانتفاع بجلودها وجلالها؛

لأن الجلد جزء منها. فجاز للمضحى الانتفاع به، كاللحم.

و" كان علقمة ومسروق يدبغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه ".

وعن عائشة قالت: " قلت: يا رسول الله! قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يجْمِلون منها الوَدك ويتخذون منها الأسقية. قال: وما ذاك؟ قالت: نهيتَ عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث. قال: إنما نهيتكم للدافة التي دفت. فكلوا وتزودوا وتصدقوا "

(3)

. حديث صحيح.

(1)

سبق تخريجه ص (221) رقم (3).

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(4431) 7: 235 كتاب الضحايا، الإدخار من الأضاحي.

وأخرجه اخمد في " مسنده "(24294) 6: 51

ص: 287

ولأنه انتفاع به. فجاز، كلحمها. انتهى.

(ويحرم بيع شيء منها) أى: من الأضحية (أو منهما) أى: من الجلد والجُلِّ.

ولا فرق في ذلك بين كون الأضحية واجبة أو تطوعاً، لأنها تعينت بالذبح، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث قتادة بن النعمان:" ولا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصدقوا واستمتعوا بجلودها "

(1)

.

قال أحمد: سبحان الله كيف نبيعها؟ وقد جعلها الله تبارك وتعالى أضحية.

قال الميموني: قال قالوا لأبي عبدالله: فجلد الأضحية نعطيه السلاخ؛ قال:

لا. وحكى

(2)

قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تعطى جزارها شيئاً

(3)

منها "

(4)

. قال: إسناد جيد.] وهذا المذهب.

وعنه: يجوز بييع الجلد ويتصدق بثمنه.

وعنه: ويشتري به الة البيت [

(5)

" كالغربال ونحوه. لا ماًكولاً

(6)

.

(وإن سُرق مذبوج من أضحية) معينة (أو هدي معين ابتداء، أو عن واجب

في ذمة ولو بنذر: فلا شيء فيه)؛ لأنها أمانة في يده. فلم يضمنها بتلفها من غير تعد ولا تقصير، كالوديعة.

(وإن لم يعين) ما سرق وهو مذبوج: (ضُمن)؛ لأنه غير متميز عن ماله. فكان من ضمانه؛ كبقية ماله.

(وإن ذبحها) أى: ذبح الأضحية (ذابح في وقتها) أى: وقت ذبح

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(16253) 4: 15

(2)

في ب: وذكر.

(3)

في أ: في جزارتها في شيء.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(02 0 1) 1: 123

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أ: مأكول.

ص: 288

الأضحية (بلا إذن. فإن) كان الذابح قد (نواها) بالذبح (عن نفسه مع علمه أنها أضحية الغير، أو فرَّق لحمها) مع علمه أنها أضحية الغير: (لم تجزئ) واحداً منهما. (وضمن ما بين القيمتين) أى: ما بين قيمتها صحيحة وقيمتها مذبوحة (إن

(1)

لم يفرق لحمها، و) ضمن (قيمتها) صحيحة (إن فرَّقه) أى: فردق لحمها. ويكون عدم الإجزاء والضمان لغصبه واستيلائه على مال الغير، وإتلافه إياه عدواناً.

(وإلا) وإن لم يكن الذابح يعلم أنها أضحية الغير؛ لاشتباهها عليه

باًضحيته: (أجزأت) عن مالكها، (ولا ضمان) على ذابحها.

ونص أحمد على الصورتين في رواية ابن القاسم وسندي مفرقاً بينهما.

وإنما لم يضمن إذا لم يعلم أنها أضحية الغير؛ لأن الذبح فعل لا يفتقر إلى النية. فإذا فعله غير صاحبه أجزأ عن صاحبه؛ كغسل ثوبه من النجاسة.

ولأنها وقعت موقعها بذبحها في وقتها. فلا ضمان على ذابحها حيب لم يكن متعديا.

ولأن الذبح إراقة دم تعين إراقته لحق الله سبحانه وتعالى. فلم يضمن مريقه؛ كقاتل المرتد بغير إذن الإمام.

ولأنه لو وجب أرش كان ما بين كونها مستحقة الذبح في هذه الأيام متعينة

له، وما بينها

(2)

مذبوحة. ولا قيمة لهذه الحياة ولا تفاوت بين القيمتين. فتعذر وجودا لأرش.

ولأن الأردش لو وجب لم يخلُ من أن يجب لمالكها أو للفقراء، ولا جائز أن يجب للفقراء؛ لأنهم إنما يستحقونها مذبوحة، ولو دفعها إليهم في الحياة لم يجز، ولا جائز أن يجب له؛ لأنه بدل شيء منها. فلم يجز ان يأخذه؛ كبدل عضو من أعضائها.

(1)

في ب: وإن.

(2)

في ب: بيهما.

ص: 289

(وإن ضحى اثنان، كل) من المضحيين ضحى (بأضحية الآخرغلطاً

(1)

: كفتهما).؛ لوقوع كل واحدة موقعها بذبحه في وقتها.

(ولا ضمان) على واحد منهما لصاحبه استحساناً. والقياس ضدهما.

ذكره القاضي وغيره.

ونقل الأثرم وغيره في اثنين ضحى هذا] باً ضحية هذا [

(2)

: يترادان اللحم ويجزئ. ولو فرق كل منهما لحم ما ذبحه لإذن الشرع في ذلك.

(وإن بقي اللحم) أى: لحم ما ذبحه كل منهما (ترادَّاه) أى: ترادا اللحم؛ لأنه أمكن كل منهما أن يفرق لحم أضحيته بنفسه. فكان أولى به من الذابح.

(وإن أتلفها) أى: أتلف الأضحية المعينة (أجنبي، أو) أتلفها (صاحبها: ضمنها) متلفها (بقيمتها يوم تلف)؛ لأنها من المتقومات. (تصرف في مثلها). وهذا المذهب؛ لأنه إتلاف أوجب القيمة. فلا يجب به أكثر منها. فلو كانت المتلفة شاة فرخصت الغنم فزادت قيمتها على مثلها مثل: إن كانت قيمتها يوم إتلافها عشرة فصارت قيمة مثلها خمسة فعليه عشرة. فإن شاء اشترى بها شاة تساوي عشره، وإن شاء اشترى بها شاتين. فإن اشترى واحدة وفضل من العشرة ما لا يجيء به أضحية اشترى به

(3)

شركاً في بدنة أو بقرة على ما يأتي تفصيله.

وقيل: يلزمه أكثر القيمتين من الإيجاب إلى التلف.

وقيل: منه إلى النحر.

وقيل: من التلف إلى وجوب النحر.

وذلك (بخلاف) إتلاف (قِنّ تعين لعتق)؛ كما لو قال: لله عليّ أن أعتق

(1)

ساقط من ب.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: بهما به.

ص: 290

هذا العبد ثم أتلفه فإنه لا يجب صرف قيمته إذا أتلف في مثله؛ لأن القصد من العتق تكميل الأحكام. وهو حق للرقيق

(1)

وقد هلك.

(ولو مرضت) الأضحية (فخاف عليها) صاحبها أن تموت من المرض (فذبحها: فعليه) بذ بحها (بدلها.

ولو تركها) بلا ذبح (فماتت: فلا) شيء عليه. قاله الإمام أحمد.

ولو فقاً عين أضحية أو هدي معينين لزمه أن يتصدق بأرش نقصه بذلك.

(وإن فضَل عن شراء المثْل شيء) في صورة وجوب القيمة ووجوب صرفها

في مثلها: (اشترى به) أى: بالشيء الذى فضل عن شراء المثل (شاة، أو) اشترى به (سبع بدنة او بقرة.

فإن لم يبلغ) الفاضل أن يشتري به شيء من ذلك (تصدَّق به) أى: بالشيء الفاضل، (أو) تصدق (بلحم يُشترى به) أى: بالشيء الفاضل؛ (كـ) ما يفعل هذا الفعل بـ (أرش جناية عليه) أى: على الهدي المعين أو الأضحية المعينة؛ لأنه إذا لم يحصل له التقرب بإراقة الدم؛ لكون الفاضل أو أرش الجناية لا يمكن أن يشترى به شاة أو سبع بدنة كان التصدق باللحم وثمنه سواء في الأصح.

(وإن عطبَ بطريق هدي واجب أو تطوع بنية دامت)، أو عجز الهدي عن المشي صحبة الرفاق

(2)

(ذبحه موضعه) وجوبا؛ لأنه لو لم ينحره حتى مات ضمنه بقيمته يوصلها إلى فقراء الحرم؛ لأنه لا. يتعذر عليه إيصالها إليهم. بخلاف ما عطب.

(وسُن غمسُ نعله في دمه، وضربُ صفحته بها) أى: بالنعل المغموسة في دمه؛

(ليأخذه الفقراء. وحرم أكله و) أكل (خاصَّتِه منه) أى: من الهدي الذي عطب.

(1)

في أ: الرقيق.

(2)

في أ: الرفقة.

ص: 291

والأصل في ذلك ما روى ابن عباس أن ذؤيباً أبا قبيصة حدثه: " أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعب معه بالبدن. ثم يقول: إن عطب منها شيء فخشيت عليها فانحرها. ثم اغمس نعلها في دمها. ثم اضرب به صفحتها. ولا تطعمها

أنت ولا أحد من أهل

(1)

رفقتك "

(2)

. رواه مسلم.

وفي لفظ: " ويخلها

(3)

والناس، ولا ياً كل منها هو ولا أحد من

أصحابه ". رواه الإمام أحمد.

وهذا صحيح متضمن للزيادة ومعنى خا ص. فيجب تقديمه على عموم ما خالفه. ولا يصح قياس رفقته على غيرهم؛ لأن الإنسان يشفق على رفقته، ويحب

التوسعة عليهم، وربما وسع عليهم من مُؤْنته. وإنما مُنع السائق ورفقته من الأكل منه؛ لئلا يُقّصَر في حفظه. فيعطبه لياًكل هو ورفقته منه. فتلحقه التهمة

في عطبه لنفسه ورفقته. فحرموه لذلك.

(وإن تلف) الهدي (أو عاب بفعله أو تفريطه)، أو أكله او باعه، أو

أطعمه غنياً أو أطعمه رفقته: (لزمه بدله؛ كأضحية)، وإيصال بدل الهدي إلى فقراء الحرم.

وإن أطعم من العاطب فقيراً أو أمره بالأكل منه فلا ضمان عليه؛ لأنه أوصله

إلى مستحقه. فأشبه ما لو فعل ذلك بعد بلوغ الهدي محله

(4)

.

(وإلا) أى: وإن لم يتلف او يتعيب بفعله أو تفريطه: (أجزأ) من ذلك

(ذبح ما تعيَّبَ من واجب بالتعيين). نص عليه فيمن جر بقرة بقرنها إلى المنحر

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1326) 2: 963 كتاب الحج، باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(4 0 77 1) 4: 87 1

(3)

في ب: وخلها. وفي ج: وتخليها.

(4)

ساقط من أ.

ص: 292

فانقلع؛ (كتعيينه معيباً فبرئ) من العيب.

والأصل. في ذلك ما روى أبو سعيد قال: " ابتعنا كبشا نضحي به فاًصاب الذئب من أليته. فساًلنا النبي صلى الله عليه وسلم فاً مرنا ان نضحي به "

(1)

. رواه ابن ماجه. ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة. فلم يمنع الإجزاء.

(وإن وجب قبل تعيين)؛ كما لو كان عليه دم واجب (كفدية) وهي: الدماء الواجبة من هدي تمتع وقران، وما وجب بترك واجب أو فعل محظور-، (و) كدم (منذور في الذمة) ثم عين ما في ذمته من الواجب صحيحاً فتعيب (فلا) يجزئه ذبحه عما في ذمته؛ لأن الواجب في ذمته دم صحيح. فلا يجزئ عنه دم معيب ويعود الوجوب إلى الذمة؛ كما لو كان لشخص على آخر دين فاشترى به مكيلاً ثم تلف قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين إلى ذمة من هو عليه. ولأن الذمة لم تبرأ من الواجب بالتعيين عنه؛ كالدين يضمنه ضامن أو يرهن

به رهناً. فإنه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة المدين. فمتى تعذر استيفاؤه من الضامن أو تلف الرهن بقي الحق في الذمة بحاله.

ويحصل التعيين عما في ذمته بالقول.

(وعليه) أى: على من في ذمته دم وانجب (نظيرُه) أى: نظير ما تعيب، (ولو زاد) الذى عينه (عما) أى: عن الذي (في الذمة)؛ كما لو كان في ذمته شاة فعين عنها بقرة فتعيبت. فإنه يلزمه بقرة نظير التي تعيبت.

(وكذا لو سرق) المعين عما في الذمة (أو ضَلَّ ونحوه)؛ كما لو غصب.

فإنه يلزمه بدله. ويلزمه أفضل مما في الذمة إن كان تلفه بتفريطه.

قال أحمد: من ساق هدياً واجباً فعطب أو مات فعليه بدله، وإن شاء باعه.

وإن نحره جاز

(2)

أكله منه ويطعم؛ لأن عليه البدل. قاله في " الفروع ".

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3146) 2: 1051 كتاب الأضاحي، باب من اشترى أضحية صحيحة فأصابها عنده شيء.

(2)

في ب: وإن شاء نحره وجاز

ص: 293

(وليس له) أى: لمن نحر بدل ما عطب أو تعيب أو ضل أو سرق أو غصب (استرجاع عاطب ومَعيب وضال) ومسروق (وُجد، ونحره)، كما لو قدر على مغصوب على

(1)

الأصح؛ لما روي عن عائشة: " أنها أهدت هديين فأضلتهما. فبعث إليها ابن الزبير بهديين

(2)

فنحرتهما. ثم عاد الضالان فنحرتهما. وقالت: هذه سنة الهدي "

(3)

. رواه الدارقطني.

وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولأنه تعلق حق الله سبحانه وتعالى بهما

(4)

بإيجابهما على نفسه. فلم يسقط بذبح بدلهما.

(1)

في ب: في.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(29) 2: 242 كتاب الحج، باب المواقيت.

(4)

ساقط من أ.

ص: 294

] فصل: في نذر الهدي [

(فصل. ويجب هدي بنذر)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه "

(1)

.

- ولأنه نذر طاعة. فوجب الوفاء به؛ كبقية نذور الطاعات. ولا فرق بين كون النذر منجزاً أو معلقاً.

(ومنه) أى: من صور النذر لو قال إنسان: (إن لبستُ ثوباً من غزلك فهو هدي) فوهبت له ثوباً من غزلها (فلبسه) فإنه يصير هدياً واجباً، يلزمه إيصاله إلى مساكين الحرم.

(ونحوه) أى: وكذا نحو الصورة.

ثم إن كان الهدي مما ينقل، بعثه إلى الحرم.

نقل المروذي فيمن جعل دراهم هدياً. فللحرم.

وإن كان غير منقول؛ كالعقار ونحوه باعه وبعث ثمنه؛ لتعذر إهدائه بعينه. فانصرف إلى بدله. يؤيده ما روي عن ابن عمر: " أن رجلا سأله عن امرأة نذرت أن تهدي داراً قال: تبيعها وتتصدق بثمنها على فقراء الحرم ".

(وسُن سَوْقُ) هدي من (حيوان من الحل)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق في حجته مائة بدنة "

(2)

، و " كان يبعث بهديه وهو بالمدينة "

(3)

.

(و) سُن أيضاً (أن يَقِفَه بعرفة). روي استحباب ذلك عن ابن عباس. وبه

قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأى.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6318) 6: 2463 كتاب الإيمان والنذور، باب النذر في الطاعة

(2)

سبق تخريجه ص (285) رقم (1).

(3)

سبق تخريجه ص (271) رقم (1).

ص: 295

و" كان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما وقفه بعرفة ".

ولنا: أن المراد من الهدي نحره ونفع المساكين بلحمه، وهذا لا يتوفف على وقوفه بعرفة، ولم يرد بذلك دليل يوجبه.

(و) سُن أيضاً (إشعارُبُدْن) بضم الباء جمع بدنة، (و) إشعار (بقر) أيضاً.

ويكون الإشعار: (بشقِّ صفحة اليمنى من سنام) بدنة، (أو) شق (محله) من بقرة، (حتى يسيل الدم.

و) سُن أيضاً (تقليدُهما) أى: البقر والبدن (مع) تقليد (غنم: النعل، وآذان) البقر (القِرَب والعُرَى) بضم العين، جمع عروة.

وقال أبو حنيفة: الإشعار مُثله غير جائز؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب

الحيوان "

(1)

.

ولأنه أىلام. فهو كقطع عضو منه.

ولنا: ما روت عائشة قالت

(2)

: " فتلتُ قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أشعرها وقلدها "

(3)

. متفق عليه.

وفعله الصحابه أيضاً.

ولأنه إيلام لغرض صحيح. فجاز؛ كالكي والوسم والحجامة.

وفائدته: أن لا تختلط بغيرها، وأن يتوقاها

(4)

اللص، ولا يحصل ذلك

(1)

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عُذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جُوْعًا، فدخلت فيها النار. قال: فقال والله أعلم: لا أنت أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها، ولا

أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (2236) 2: 834 كتاب المساقاه الشرب، باب فضل سقي الماء.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1612) 2: 609 كتاب الحج، باب إشعار البدن. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1321) 2: 957 كتاب الحج، باب اشحباب بعب الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه

(4)

في أ: لا يتوقاها.

ص: 296

بالتقليد بمفرده؛ لأنه يحتمل أن يحل ويذهب.

وأما كون الإشعار في صفحة السنام اليمنى؛ لما روى ابن عباس: " ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة، ئم دعى ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها بيده "

(1)

. رواه مسلم.

وأما كون الغنم لا تشعر؛ فلأنها ضعيفة.

ولأن صوفها وشعرها يستر موضع إشعارها لو أشعرت.

ومن ساق الهدي من قبل الميقات

(2)

استحب إشعاره وتقليده إذا بلغ الميقات؛ لحديث ابن عباس.

وأما كون الغنم تقلد كما تقلد البدن والبقر؛ فلما روي عن عائشة قالت:

" كنب أفتل قلائد الغنم للنبي صلى الله عليه وسلم "

(3)

. رواه البخاري.

ولأنه إذا سن تقليد الإبل مع أنه يمكن تعويضها بالإشعار قال غنم أولى.

(وإن نذر هدياً وأطلق) يعني: أنه من نذر ان يهدي ولم يعين ما يهديه؛

كما لو قال: لله علي هديّ، (فأقلُّ مجزئ) عن نذرة (شاة، أو سُبع من بدنة، أو) سُبع من (بقرة)؛ لأن المطلق في النذر يحمل على المعهود الشرعي والهدي الواجب في الشرع من النعم] ما ذكر [

(4)

؛ لقوله سبحانه وتعالى: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)] البقرة: 196].

(وإن ذبح إحداهما) أى: بدنة أو بقرة (عنه) أى: عن نذره، (كانت) البدنة أو البقرة (كلها واجبه)؛ لتعينها عما في ذمته بذبحها عنه.

(وإن نذر بدنة أجزأته بقرة إن أطلق) البدنة، (وإلا) أى: وإن لم يطلق

بأن نوى كونها من الإبل (لزمه ما نواه)؛ كما لو نوى كونها من البقر.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1243) 2: 912 كتاب الحج، باب تقليد الهدي وإشعاره عند

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1616) 2: 609 كتاب الحج، باب تقليد الغنم.

(4)

ساقط من ب.

ص: 297

(و) من نوى بنذره (معيناً أجزأه) ما عينه (ولو) كان (صغيراً، و) لو

كان (معيباً، او) كان (غير حيوان)، كثوب.

(وعليه) أى: على الناذر (إيصاله) إن كان مما ينقل

(1)

، (و) إيصال (ثمن غير منقول لفقراء الحرم)، لقوله سبحانه وتعالى:(ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)] الحج: 33].

ولأن النذر يُحمل على المعهود شرعاً، والمعهود في الهدي الواجب بالشرع " كهدي المتعة وشبهه: إن ذبحه يكون بالحرم. فكذا يكون المنذور. (وكذا إن نذر سوقَ أضحية إلى مكة، أو قال: لله عليَّ ان أذبح بها) فإنه يلزمه ذلك.

(وإن عين) بنذره (شيئاً لى) مكان (غير الحرم، و) الحال أنه (لا معصية فيه) أى: في نذره لذلك المكان: (تعين) كونه فيه (ذبحاً وتفريقاً لفقرائه) أى: فقراء ذلك المكان، لما روى أبو داود:" أن رجلاً ساًل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أذبح بالأبواء قال: أبها صنم؛ قال: لا. قال: أوف بنذرك "

(2)

.

ولأنه قصد نفع أهل ذلك المكان. فكان عليه إيصاله إليهم، واحترز بقوله: ولا معصية عما لو كان بالمكان صنم أو شيء من أمور الكفر أو المعاصي، كبيوت النار والكنائس وأشباه ذلك.

(وسن أكلُه وتفرقُته) أى: أن يأكل المهدي ويفرق (من) لحم (هدي تطوع) أى: ما نحره تطوعاً من غير أن يوجبه " لقوله سبحانه. وتعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا)] لحج: 28 [وأقل أحوال الأمر الاستحباب.

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من بدنه "

(3)

.

(1)

في ب: ينتقل.

(2)

أخرجه أبو داود في "سننه "(13 33) 3: 238 كتاب الإيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(8 1 2 1) 2: 886 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 298

وقال جابر: " كنا لا نأكل من بدننا] فوق ثلاث. فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا فاًكلنا وتزودنا [

(1)

"

(2)

. رواه البخاري.

والمستحب أن ياًكل اليسير؛ لما روى جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجُعلت في قدر فاًكلنا منها وحسينا من مرقها "

(3)

.

ولأنه نسك. فاستحب الأكل منه؛ (كأضحية).

وله التزود والأكل كثيراً، كما جاء في حديث جابر. وتجزئه الصدقة باليسير منها.-

(ولا يأكل من) هدي (واجب ولو) كان إيجابه (بنذر أو تعيين. غير دم متعة وقران). نص على ذلك؛ لأن سببهما غير محظور. فاً شبها هدي التطوع. وهذا قول أصحاب الرأى.

وعن أحمد: أنه يحرم الأكل من النذر وجزاء الصيد، وياًكل مما سواهما. والأول المذهب؛ " لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتعن معه في حجة الوداع، وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة ثم ذبح عنهن النبي عي البقر فاًكلن من لحومها "

(4)

.

قال أحمد: قد أكل من البقر أزواج النبي صلى الله عليه وسلمفي حديث عائشة خاصة.

وقالت عائشة: " إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل. فدُخل علينا يوم النحر بلحم. فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي عن أزواجه "

(5)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(632 1) 2: 4 1 6 كتاب الحج، باب ما يأكل من البدن وما يتصدق.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(972 1) 3: 562 1 كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن

أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث

(3)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1 1 2 1) 2: 874 كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام

(5)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(633 1) 2: 4 1 6 كتاب الحج، باب ما يأكل من البدن وما يتصدق.

ص: 299

وقال ابن عمر: " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فساق الهدي من ذي الحليفة "

(1)

. متفق عليه.

وقد ثبت " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعليّ من لحمها وشربا من مرقها "

(2)

. رواه. مسلم.

فإن أكل مما منع من أكله ضمنه بمثله لحماً؛ لأن الجميع

(3)

مضمون عليه بمثله. فكذلك أبعاضه. وكذا إن أعطى الجزار باًجرته شيئاً منها.

(1)

سبق تخريجه ص (57) رقم (2).

(2)

سبق تخريجه ص (202) رقم (2).

(3)

في أ: الجمع.

ص: 300

] فصل: في التضحية [

(فصل. التضحية) وهي: ذبح الأضحية أيام النحر: (سنة مؤكدة، عن مسلم تام الملك)، وفي الأصح:(أو مكاتَب بإذن).

وعنه: أنها واجبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا "

(1)

.

وعن مخنف بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا أيها الناس لِلَّهِ إن على أهل كل بيت في كل عام أَضحاةً وعتيرة "

(2)

.

والأول المذهب؛ لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس أن النبى قال: " ثلاث كتبت عليّ وهن لكم تطوع ". وفي رواية: " الوتر والنحر وركعتا الفجر"

(3)

.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره وبشرته شيئا "

(4)

. رواه مسلم.

فعلّقه على الإرادة، والواجب لا يُعلّق على الإرادة.

ولأن الأضحية ذبيحة لم يجب تفريق لحمها. فلم تكن واجبة؛ كالعقيقة. والحديث الدال على الوجوب

(5)

قد ضعفه أصحاب الحديث. ثم نحمله

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3123) 2: 1044 كتاب الأضاحي، باب الأضاحي واجبه هي أم لا.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(4224) 7: 167 كتاب الفرع والعتيره. وأخرجه الحاكم قي " مستدركه "(1119) 1: 441 كتاب الوتر.

(3)

أخرجه الدارقطني فى سننه " 2: 21 كتاب الوتر.

(4)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(977 1) 3: 565 1 كتاب الأضاحي، باب نهى من دخل عليه عشر ذي الحجة. . .

(5)

في أ: الواجب.

ص: 301

على تأكد الاستحباب، كما قال:" غسل الجمعة واجب على كل محتلم "

(1)

. وقال: " من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا "

(2)

.

(و) الأضحية (عن ميت أفضل) منها عن حي.

(ويعمل بها) أي: بالأضحية عن الميت، (كعن حي) على ما يأتي. قاله الشيخ تقي الدين، وقال: كل ما ذبح بمكة يسمى هديا، ليس فيه ما يقال له أضحية.

(وتجب) الأضحية (بنذر)؛ كالهدي.

(وكانت) الأضحية (واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ كالوتر وقيام الليل.

(وذبحها و) ذبح (عقيقة أفضل من صدقة بثمنهما)

(3)

. يعني: أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها. نص عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء

(4)

، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها.

وروت عائشه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى

الله من إراقة دم، وإنه ليأتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا "

(5)

. رواه ابن ماجه.

ولأن إيثار الصدقه على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وما روي عن عائشة من قولها: " لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلى البيت ألفا ": فهو في الهدي لا في الأضحية.

وكذا ذبح العقيقة، فإنه أفضل من الصدقة بثمنها. نص عليه.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(341) 1: 94 كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3827) 3: 1 36 كتاب الأطعمه، باب في أكل الثوم.

(3)

في ب: بثمنها.

(4)

سبق ذكر حديث أنس ص (270) رقم (3).

(5)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3126) 2: 1045 كتاب الأضاحي، باب ثواب الأضحيه.

ص: 302

قال أحمد: العقيقة [

(1)

سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد عق عن الحسن والحسين "

(2)

، وفعله أصحابه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الغلام مرتهن بعقيقته "

(3)

. وهو إسناد جيد.

وقال: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه، أحيى سنه.

قال ابن المنذر: صدق أحمد، إحياء السنن واتباعها أفضل.

(وسن ان يأكل منها) أي: من الأضحية، (ويهدي، ويتصدق أثلاثا)

يعني: أنه يستحب للمضحي أن يأكل هو وأهل بيته من أضحيته الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث.

(حتى من) أضحيه (واجبة) بنذر، (و) حتى كون الإهداء (لكافر من) أضحية (تطوع).

قال احمد: نحن نذهب إلى حديث عبدالله: " يأكل هو الثلث، ويطعم من

اراد الثلث، ويتصدق بالثلث] على المساكين ".

قال علقمة: بعث معي عبدالله بهدية فأمرنى أن اكل ثلثا، وان أرسل إلى

أهل اخيه بثلث، وأن أتصدق بثلث [

(4)

.

والأصل في ذلك ما روي عن ابن عباس في صفة أضحيه النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السُؤّال بالثلث ". رواه الحافظ أبو موسى في " الوظائف " وقال: حديث حسن.

وهو قول ابن مسعود وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2841) 3: 107 كتاب الضحايا، باب في العقيقة.

وأخرجه النسائي في " سننه "(4219) 7: 165 كتاب العقيقة، كم يعق عن الجارية ".

وأخرجه أحمد في " مسنده "(23051) 5: 355

(3)

سيأتي تخريجه ص (310) رقم (2).

(4)

ساقط من أ.

ص: 303

ولأن الله سبحانه وتعالى قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} ] الحج: 36 [والقانع: السائل، يقال

: قنع قنوعا، إذا ساًل.

والمعتر: الذي يعتر لك. أي: يتعرض لك لتطعمه، ولا يسأل. فذكر

ثلاثة اصناف. فينبغي أن تقسم بينهم أثلاثاً.

وقال بعض أهل العلم: يجب الأكل منها. ولا يجوز الصدقة بجميعها؛

للأمر به في قوله سبحانه وتعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} ] الحج: 36].

ولنا على هذا القول: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات. وقال: من شاء فليقتطع "

(1)

. ولم يأكل منهن شيئا.

ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى

(2)

. فلم يجب الأكل منها؛ كالعقيقة،. فيكون الأمر للاستحباب أو للإباحة؛ كالأمر بالأكل من الثمار والزروع والنظر إليها.

وأما كونه يجوز ان يهدى للكافر من أضحية التطوع؛ فلأنها صدقة تطوع. فأشبهت سائر صدقة التطوع.

ولأنها طعام له اكله. فجاز إطعامه للذمي؛ كسائر طعامه.

فأما إذا كاتب واجبة فلا يجزئ دفعها إلى كافر؛ كما لا يجوز أن يدفع إليه. شيء من الزكاة ولا من الكفارات.

(لا مما ليتيم ومكاتب في إهداء وصدقة) يعني: أن ولي اليتيم إذا ضحى

عنه لا يهدي منها ولا يتصدق ويوفرها له؛ لأن الصدقة لا تحل بشيء من مال اليتيم تطوعا، وكذا المكاتب إذا ضحى بإذن سيده؛ لأنه ممنوع من التبرع بشيء من ماله، ولا يلزم من إذن سيده في التضحية أن يكون إذنا في التبرع.

(ويجوز قول مُضح ٍ) إذا ذبح أضحيته: (من شاء اقتطع) منها؛ لما تقدم

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1765) 2: 148 كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ.

(2)

في أ: إلى الله تعالى.

ص: 304

من " أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات وقال: من شاء فليقتطع "

(1)

.

(و) يجوز للمضحي أيضا (أكل أكثر) من الثلث من اضحيته؛ لأن الأمر بالأكل والإطعام مطلق.

(لا) أن ياً كلها (كلها)؛ للأمر بالإطعام منها.

(ويضمن) بأكلها كلها (اقل ما يقع عليه الاسم، بمثله لحما)؛ لأن ما

أبيح له اكله لا تلزمه غرامته، ويلزمه غرم ما وجبت الصدقه به؛ لأنه حق يجب عليه أداؤه مع بقائه. فلزمته غرامته إذا أتلفه

(2)

؛ كالوديعة.

قال في "المبدع " في قوله: اقل ما يقع عليه الاسم بمثله لحما وهو

الأوقية.

وقيل: يضمن ما جرت العادة بالتصدق به.

وقيل: يضمن ثلثها. وكذا الهدي المستحب.

وقيل: يأكل منه اليسير.

(وما ملك) المضحي او المهدي (اكله فله هديته. وإلا) أي: وإن

(3)

لم يملك اكله فأهداه، (ضمنه بمثله) لحما؛ (كبيعه وإتلافه) يعني: كما لو باعه او اتلفه.

(ويضمنه اجنبي) أتلفه (بقيمته).

وفي " كتاب النصيحة ": وكذا هو يعني: أنه يضمنه بقيمته؛ كالأجنبي.

(وإن منع الفقراء منه) أي: مما لا يملك أكله (حتى أنتن: ضمن نقصه إن انتفُع به) أي: إن كان مما ينتفع به.

(وإلا) أي: وإن لم يكن بقي فيه نفع: (ف) إنه يضمن (قيمته)؛ كما لو أعدمه.

(1)

سبق تخريجه فى الحديث السابق.

(2)

في أ: إذا تلف.

(3)

ساقط من أ.

ص: 305

(ونُسخ تحريم الادخار) أي: ادخار لحوم الأضاحي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم "

(1)

. رواه مسلم.

وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما نهيتكم للدافة التي دفت. فكلوا

وتزودوا وتصدقو اوادخروا "

(2)

.

ولم يجز ذلك علي وابن عمر.

قال أحمد: فيه أسانيد صحاح. فأما علي وابن عمر فلم تبلغهما الرخصة،

وقد كانا سمعا النهي فرأوه على ما سمعوا.

قال في " الفروع ": ويتوجه احتمال: لا في مجاعة؛ لأنه سبب تحريم

الادخار. انتهى.

وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما نهيتكم للدافة التي دفت " أي: لورود قوم من الأعراب عليهم ليتوسعوا بلحوم الأضاحي؛ لأن الدافة هم القوم من الأعراب يردون المصر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(ومن فرق نذرا) أي: منذورا من هدي أو أضحية (بلا إذن، لم يضمن)

منه شيئا؛. لأن تفرقة ذلك على الفقراء ليست بواجبه على الناذر، وإنما استحب في حقه. فإذا فرق ذلك غيره بغير إذنه لم يمنع ذلك من الإجزاء. فلا أثر لذلك في الضمان.

(ويُعتبر تمليك فقير. فلا يكفي إطعامه)؛ كالواجب في الكفارة.

(ومن مات بعد ذبحها) أي: بعد أن ذبحها (قام وارثه مقامه) في الأكل والإهداء والصدقة ولم تبيع في دينه.

(ويفعل) مالك (ما شاء) من أكل وبيع وهبة (بما ذبح قبل وقته)؛ لأنه لم

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1977) 3: 1563 كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي. . . عن بريدة.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(4431) 7: 235 كتاب الضحايا، الادخار من الأضاحي.

ص: 306

يقع في محله. وعليه بدله إن كان واجبا.

(وإذا دخل العشر) أي: عشر ذى الحجة (حرم على من يضحًي أو يضحًى عنه) في ظاهر ما نقله الأثرم وغيره

(1)

: (اخذ شيء من شعره او ظفره او بشرته) من أول العشر (إلى الذبح) على الأصح؛ لما روت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي "

(2)

. رواه مسلم.

وفي رواية: " ولا من بشره "

(3)

. رواه مسلم.

وظاهر هذا التحريم.

وقال القاضي وجماعة من أصحابنا: يكره. وبه قال مالك والشافعي؛

لقول عائشة: " كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها. ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي "

(4)

. متفق عليه.

وقال أبو حنيفة: لا يكره ذلك؛ لأنه لا يكره له الوطء واللباس. فلا يكره

له حلق الشعر وتقليم الأظافر؛ كما لو لم يرد أن يضحي.

ولنا: ظاهر حديث ام سلمة. وهو يرد القياس.

وحديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص يجب تقديمه وتنزيله على ما

عدا ما تناوله الحديث الخاص.

ولأنه يجب حمل حديثهم على غير ما تناوله محل النزاع؛ لوجوه:

منها: أن أقل احوال النهي الكراهة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل ما نهى عنه

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1977) 3: 1566 كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة. . .

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1977) 3: 1565 الموضع السابق.

لمن لا يريد الذهاب بنفسه.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1613) 2: 609 كتاب الحج، باب من قلد القلائد بيده. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1321) 2: كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم

لمن لا يريد الذهاب بنفسه.

ص: 307

وإن كان مكروها. قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].

ومنها: أن عائشة إنما تعلم ظاهر ما يباشرها به من المباشرة، او ما يفعله دائماً؛ كاللباس والطيب. اما قص الشعر وتقليم الأظافر مما لا يفعله في الأيام العشرة. فالظاهر أنها لم ترده بخبرها. فإن احتمل إرادته فهو احتمال بعيد، وما كان كذا فاحتمال تخصيصه قريب. فيكفي فيه أدنى دليل، وخبرنا دليل قوي. فكان أولى بالتخصيص.

ولأن عائشة تخبر عن فعله، وأم سلمة تخبر عن قوله، والقول مقدم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون خاصا به.

إذا ثبت هذا فمتى فعل شيئا من حلق شعر او غيره مما ثبت تحريمه قبل أن يضحي، قال (المنقح: ولو بواحدة لمن يضحي بأكثر) استغفر

(1)

الله سبحانه وتعالى، ولا فدية عليه إجماعا. سواء فعله سهوا أو عمدا.

(وسُن حلقٌ بعده) أي: بعد أن يضحي على الأصح.

قال أحمد: على ما فعل ابن عمر تعظيم لذلك اليوم.

ووجهه: أنه كان ممنوعا من ذلك قبل أن يضحي. فاستحب له ذلك بعد أن يضحي؛ كالمحرم.

***

(1)

في أزياده: فإن فعل.

ص: 308

] فصل: في العقيقة [

(فصل: والعقيقة) الذبيحة التي تذبح عن المولود.

وقيل: هي الطعام الذى يصنع ويدعى إليه من أجل المولود.

قال أبو عبيد: الأصل في العقيقة الشعر الذي على المولود، وجمعها عقائق. ثم إن العرب سمت الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة على عادتهم في تسمية الشيء باسم سببه او ما يجاوره. ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية بحيث لا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة.

وقال ابن عبدالبر: أنكر احمد هذا التفسير وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه. " ووجهه: ان اصل العق القطع، ومنه: عق والديه إذا قطعهما. .

والذبح: قطع الحلقوم والمريء والودجين.

والعقيقة (سنة) مؤكدة في قول عامة أهل العلم على الأصح، (في حق اب ولو) كان (معسرا.

ويقترض) استحبابا.

وقال أصحاب الراي: ليست سنة، وهي من أمر الجاهلية؛ لما روي:

" أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال: إن الله لا يحب العقوق فكأنه كره الاسم. وقال: من ولد له مولود فأحب ان ينسك عنه فليفعل "

(1)

. رواه مالك في " الموطأ ".

وعنه: أنها واجبة. اختاره أبو بكر وأبو إسحاق البرمكي وأبو الوفاء.

والأول: المذ هب.

قال أحمد: العقيقة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد عق عن الحسن

(1)

أخرجه مالك في " الموطأ " 0 2: 399 كتاب العقيقة، باب ما جاء في العقيقة.

ص: 309

والحسين "

(1)

. وفعله أصحابه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الغلام مرتهن بعقيقته "

(2)

. وهو إسناد جيد يرويه

أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن جعلها من أمر الجاهلية؛ فلأنه لم يبلغه ما رود فيها من الأحاديث.

(ف) إذا تقرر هذا فإنما تكون (عن الغلام شاتان متقاربتان سنا وشبها. فإن عدم) الشاتين (فواحدة. وعن الجارية شاة) واحدة؛ لما روت أم

(3)

كرز الكعبية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة "

(4)

.

وفي لفظ: " عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاة ")).

(5)

، وما روي مما ظاهره الوجوب فمحمول على تأكد الاستحباب جمعا بين الأحاديث. فإنه أولى من التعارض.

ولأنها ذبيحة لسرور حادث. فلم تكن و (3) ة؛ كالوليمة.

(ولا تجزئ بدنة او بقرة) ذبحها عقيقة (إلا كاملة) نص عليه.

قال في " النهاية ": وأفضله شاة.

والسنة كون العقيقة: (تذبح في سابعه) أي: سابع المولود، (ويحلق فيه راس) مولود (ذكر، ويتصدق بوزنه ورقا)؛ لما روى سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل غلام رهين بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى

(1)

سبق تخريجه ص (313) رقم (2).

(2)

هذا لفظ حديث سمرة بن جندب وسوف يأنى تخريجه ص: 327. واما حديث ابي هريرة فلفظه. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن اليهود تعق عن الغلام، ولا تعق عن الجاريه، فعقوا عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة ". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 302 كتاب الضحايا، باب ما يعق عن الغلام

وما يعق عن الجاريه.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27410) 6: 422

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27186) 6: 381

ص: 310

ويحلق رأسه "

(1)

.

وعن ابي هريرة مثله. قال احمد: إسناد جيد.

وروى حديث سمرة الأثرم وأبو داود.

وأما كونه يتصدق بوزن شعره فضة؛ فلما روي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة

لما ولدت الحسن: احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين والأوقاص يعني: أهل الصفة "

(2)

. رواه الإمام أحمد.

(وكُره لطخُه) اي: لطخ المولود (من دمها) أي: دم العقيقة على الأصح.

ونقل حنبل: أنه سنة؛ لما روي في حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال:

" الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويدمى "

(3)

. رواه همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة.

والأول المذهب؛ لقول ابن عبدالبر: لا اعلم أحدا قال هذا إلا الحسن

وقتادة. وأنكره سائر أهل العلم وكرهوه

(4)

؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مع الغلام عقيقة. فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى "

(5)

. رواه أبو داود.

وهذا يقتضي أن لا يمس بدم؛ لأنه أذى.

وروى يزيد بن عبد المزنى عن ابيه ان

(6)

النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يُعقُّ عن الغلام

ولا يمس راسه بدم "

(7)

.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2838) 3: 6 0 1 كتاب الضحايا، باب في العقيقة.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(20151) 5: 12

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27226) 6: 391

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده ") 20206) 5: 17

(4)

في أ: وكرهوا ا.

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2839) 3: 6 0 1 كتاب الضحايا، باب في العقيقة. عن سلمان بن عامر الضبي.

(6)

في ج: عن.

(7)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3166) 2: 1057 كتاب الذبائح، باب العقيقة.

ص: 311

قال مهنا: ذكرت هذا الحديث لأحمد فقال: ما اظرفه. رواه ابن ماجه.

ولم يقل عن أبيه.

ولأن هذا تنجيس له. فلا يشرع؛ كلطخه بغيره من النجاسات.

وقال بريدة: " كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة، ويلطخ رأسه بدمها. فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة، ونحلق رأسه، ونلطخه بزعفران "

(1)

. رواه أبو داود.

وأما من روى: ويدمى فقال أبو داود: ويسمى- يعني مكان: يدمى-. هكذا قال سلام بن أبي مطيع عن قتادة وإياس بن دغْفَل عن الحسن، ووهم همام فقال: ويدمى.

قال أحمد: قال فيه: ابن ابي عروبة: يُسمى. وقال همام: يدمى. وما

أراه إلا خطأ.

(و) يسن ان (يُسمى) المولود (فيه) أي: في سابعه؛ لحديب سمرة

على قول ابن أبي عروبة.

قال في " الفروع ": وقيل: أو قبله. انتهى.

ويستحب

(2)

أن يحسن اسمه؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم واسماء ابائكم. فاً حسنوا أسمائكم "

(3)

. رواه أبو داود.

(وحرُم) ان يسمَّى (بمعبَّد لغير الله) سبحانه وتعالى؛ (كعبد الكعبة)،

وعبد شمس.

(و) حرم أيضا ان يسمَّى (بما يوازي أسماء الله تعالى، وما لا يليق إلا به) سبحانه وتعالى؛ كملك الملوك، وملك الأملاك، وشاهِ شاه؛ لما روى

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2843) 3: 07 1 كتاب الضحايا، باب في العقيقه.

(2)

ب ج: وبسس.

(3)

أخرجه ابو داود في " سنته "(4948) 4: 287 كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء.

ص: 312

أحمد: " اشتد غضب الله على رجل تسمى ملك الأملاك. لا ملك إلا لله "

(1)

. وعلى قياس

(2)

ذلك: القدوس والبر والخالق والرحمن. وفي هذه قول: تكره.

(وكره) ان يسمى (بحرب، ويسار، ونحوهما)؛ كرباح ونجيح. والنهي عنهما في مسلم.

وقال ابن هبيرة في حديث سمرة: " لا تسم غلامك يسار ولا رباح

ولا نجيحا ولا افلح. فإنك تقول اثم هو؛ فلا يكون. فتقول: لا "

(3)

. فربما كان طريقا إلى التشاوم والتطير. فالنهي يتناول ما يطرق الطيرة.

إلا ان ذلك لا يحرم؛ لحديب عمر: "ان الاذن

(4)

على مشربة رسول الله صلى الله عليه وسلم

عبد يقال له: رباح ".

و (لا) يكره أن يسمى (بأسماء الأنبياء والملائكة).

قال ابن عبدالبر: قال ابن فاسم: قال مالك: سمعت أهل مكة يقولون: ما

من اهل بيت فيهم اسم

(5)

محمد إلا رزقوا، ورزق خيرا.

اما اسماء الأنبياء؛ فلا يكره ان يسمى بها وفاقا.

واما أسماء الملائكة فكره مالك ان يسمى بجبريل وياسين.

والمذهب: لا يكره أن يسمى بمثل ذلك.

(واحبها) أي: (4) الأسماء (عبدالله، وعبدالرحمن). قا له النبي صلى الله عليه وسلم

(6)

.

رواه مسلم.

ويسن ان يغير الاسم القبيح.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(0389 1) "2: 492

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه مسلم في "صحيحه "(137 2) 3: 1685 كتاب الاداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة. . .

(4)

في أ: الاذان.

(5)

ساقط من أ.

(6)

أخرجه مسلم في "صحيحه "(132 2) 3: 1682 كتاب الاداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم. . .

ص: 313

قال أبو داود: وغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص، وعزيز، وعقدة

(1)

، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب فسماه هشاماً، وسمى حرباً سلماً، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضاً عَفِرَة سماها خَضِرَة، وشعب الضلالة شعب الهدى، وبنو الزنية سماهم بني الرَّشْدَة، وسمى بني مُغْوِيَة بني مرشدة. قال: وتركت أسانيدها للاختصار

(2)

.

(فإن فات) الذبح في اليوم السابع، (فـ) يسن أن يكون الذبح (في أربعة عشر.

فإن فات) الذبح في اليوم الرابع عشر، (فـ) يسن أن يكون الذبح (في أحد وعشرين) من ولادته. وهذا قول إسحاق؛ لأنه يروى عن عائشة، والظاهر: أنها لا تقول ذلك إلا توقيفاً.

(ولا تُعتبر الأسابيعُ بعد ذلك) في الأصح. فيعق في أي

(3)

يوم أراد؛ لأن

هذا قضاء دم فائت. فلم يتوقف على يوم؛ كقضاء الأضحية وغيرها. .

فإن لم يعق الأب فبلغ المولود لم يسن له أن يعق عن نفسه. نص عليه؛ لأن العقيقة مشروعة في حق الوالد. فلا يفعلها غيره؛ كالأجنبي.

(و) سن له أنه (ينزعُها اعضاء، ولا يكسر عظمَها)؛ لما روي عن عائشة

انها قالت: " السنة شاتان مكافئتان عن الغلام، وعن الجارية شاة تطبخ جدولاً لا يكسر لها عظم "

(4)

. أي: عضواً عضواً، وهو: الجدل بدال مهملة، والأرب والشلو والعضو والوصل كله واحد.

(1)

" السنن ": وعتلة.

(2)

ر. " سنن أبي داود " 4: 289 كتاب الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح.

أظنه قال: ويطبخ.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرج البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 302 كتاب العقيقة، باب من قال: لا تكسر عظام العقيقة وياأكل أهلها متها ويتصدقون ويهدون، عن أم كرز عن رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة ". قال: وكان عطاء يقول: تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظم

أظنه قال: ويطبخ.

ص: 314

وإنما يفعل بها ذلك؛ لأنها أول ذبيحة ذبحت عن المولود. فاستحب فيها ذلك؛ تفاؤلاً بالسلامة. لذلك قالت عائشة. وروي أيضا عن عطاء وابن جريج، وبه قال الشافعي.

(وطبخُها أفضل). نص عليه، (ويكون منه) أي: من الطبخ شيء (بحُلو).

قال في " المستوعب ": ويستحب ان يطبخ منها بطبيخ حلو تفاولاً بحلاوة أخلاقه. وجزم به في دا الرعايتين " و" الحاويين " و" تجريد العناية ".

وقال أبو بكر في " التنبيه ": يستحب أن تعطى القابلة فخذاً. يعني: من العقيقة.

(وحكمُها) اي: حكم العقيقة (كأُضحية). فلا يجزئ فيها إلا ما يجزئ

في الأضحية، ويستحب فيها من الصفة ما يستحب في الأضحية، ويكره فيها ما يكره في الأضحية. وكذا حكمها في الأكل والهدية والصدقة حكم الأضحية؛ لأنها نسيكة مشروعة. فأشبهت الأضحية في صفتها وسننها وشروطها ومصرفها. (لكن) العقيقة:(يباع جلدٌ ورأسٌ وسواقطُ) منها. (ويُتصدق بثمنه). بخلاف الأضحية؛ لأن الأضحية ذبيحة شرعت يوم النحر. فأشبهت الهدي. والعقيقة ذبيحة

(1)

شرعت عند سروز حادب، وتجدد نعمة. أشبهت الذبيحة في الوليمة.

ولأن العقيقة لم تخرج عن ملكه بذبحها. فكان له أن يفعل بها ما شاء من بيع وغيره. والصدقة بما يباع منها بمنزلة الصدفة به في فضلها وثوابها وحصول النفع به. فكان له ذلك.

(وإن اتّفق وقت عقيقة وأضحية) بأن يكون يوم من أيام النحر سابع يوم الولادة، أو رابع عشرة، أو حادي عشريه (فعق) أجزأ عن الأضحية، (او ضحى اجزأ عن الأخرى) أي: عن العقيقة؛ كما لو وقع العيد يوم الجمعة واجتزأ بالعيد عن الجمعة، وكما لو ذبح المتمتع او القارن شاة يوم النحر فإنها

(1)

ساقط من أ.

ص: 315

تجزئ عن الهدي الواجب وعن الأضحية، وكما لو صلى عقب الطواف مكتوبة فإنها تجزئ عن ركعتي الطواف.

(ولا تسن فرعَةٌ) وتسمى أيضا: الفرع بفتح الراء فيها

(1)

. وهي: (نحر

أول ولد الناقة.

ولا) تسن (العَتيرة) أيضا، وهي:(ذبيحة رجب).

ونقل حنبل عن احمد: تستحب العتيرة؛ لقول عائشة: " امرنا رسول الله

صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة "

(2)

.

قال ابن المنذر: حديث ثابت.

والجواب: أن هذا الحديث منسوخ بما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" لا فرع ولا عتيرة "

(3)

. متفق عليه.

ويدل لنسخه امران:

أحدهما: ان رواية ابي هريرة متأخرة؛ لأن إسلامه متأخر، كان في سنة

فتح خيبر، وهي السنة السابعة من الهجرة.

الأمر الثاني: أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الإسلام. فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه، واستمرار النسخ من غير رفع له.

(ولا يُكرهان)؛ لأن المراد بالخبر نفي كونهما سنة لا تحريم فعلهما ولا كراهة. فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب، او ذبح أول ولد الناقة للصدقة به، أو لحاجته إلى ذلك لم يكن ذلك مكروها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

(1)

في ب: فيهما.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 312 كتاب العقيقة، باب ما جاء في الفرع والعتيرة.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(57 15) 5: 83 0 2 كتاب العقيقه، باب العتيرة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1976) 3: 1564 كتاب الأضاحي، باب الفرع والعتيرة.

ص: 316

[كتاب الجهاد]

هذا (كتاب) يذكر فيه جمل من أحكام الجهاد.

ثم (الجهاد) مصدر جاهد جهادا ومجاهدة. ومجاهد اسم فاعل من جَهِد

إذا بالغ في قتل عدوه. وعلى كل تصاريفه هو لغة: بذل الطاقة والوسع. وشرعا: (قتال الكفار) خاصة. وهو مشروع بالإجماع. وسنده قوله سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} ] البقرة: 216]،

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]، {وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}] التوبة: 41].

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق "

(1)

. رواه مسلم.

وغيره من الأحاديث الصحيحة.

والجهاد أفضل تطوع البدن؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسولي: فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، او ارجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمه "

(2)

. متفق عليه.

ولمسلم: " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم "

(3)

.

وعن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غَذوةٌ في سبيل الله أو روحة خيرٌ من

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1910) 3: 1517 كتاب الإماره، باب ذم من مات ولم يغز. . . عن أبي هريرة.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه"(36) 1: 22 كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1876) 3: 1495 كتاب الجهاد، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1878) 3: 498 1 كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى.

ص: 317

الدنيا وما فيها "

(1)

. رواه البخاري.

(وهو فرض كفاية) ومعنى فرض الكفاية: أنه

(2)

إذا قام به من يكفي سقط

عن سائر الناس، وإن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم. فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع، كفرض الأعيان ثم يختلفان باًن فرض الكفايه يسقط بفعل البعض، وفروض الأعيان لا تسقط عن أحد بفعل غيره.

ولنا: على انه فرض كفاية قوله سبحانه وتعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ] النساء: 95]. وهذا يدل على أن القاعدين غير اثمين مع جهاد غيرهم.

وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} ] التوبة: 122].

ولأن النبي

(3)

صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا ويقيم هو وأصحابه.

فاً ما قوله سبحانه وتعالى: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} إلى

اخر الاية] التوبة: 39 [: فقد قال ابن عباس: " نسخها قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً}] التوبة:122 [

(4)

. رواه الأثرم وأبو داود. ويحتمل أنه أراد حين استنفرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوه تبوك وكانت إجابتهم إلى ذلك واجبة عليهم.

و" لذلك هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وأصحابه الذين خُلفوا حتى تاب الله سبحانه وتعالى عليهم "

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2643) 3: 1029 كتاب الجهاد والسير، باب الحور العين. . .

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: رسول الله.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2505) 3: 11 أول كتاب الجهاد، باب في نسخ نفير العامة بالخاصة.

(5)

حديب قصة كعب بن مالك وأصحابه أخرجه البخاري بطوله في " صحيحه "(4156) 4: 1603 كتاب المغازي، باب غزوة تبوك. . .

ص: 318

ولذلك يجب الجهاد على من استنفره الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا استنفرتم فانفروا "

(1)

متفق عليه.

ومعنى الكفاية في الجهاد: أن ينهض إلى الجهاد قوم يكفُون في قتالهم: إما

أن يكونوا جندا لهم دواوين من اجل ذلك، أو يكونوا أعدوا أنفسهم له تبرعاً بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم. ويكون

(2)

في الثغور من يدفع العدو عنها. ويبعث في كل سنة جيشا يغيرون على العدو في بلادهم.

(وسُن) الجهاد (بتأكد مع قيام من يكفي به) أي: بالجهاد؛ لما روى

أبو داود بإسناده عن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من اصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا تكفره بذنب، ولا تخرجه عن الإسلام بعمل. والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل اخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل. والإيمان با لأقدار "

(3)

.

(ولا يجب) الجهاد (إلا على ذكر). فلا يجب على امراة، لما روت عائشة قالت:" قلب: يا رسول الله! هل على النساء جهاد؛ فقال: جهاد لا قتال فيه. الحج والعمرة "

(4)

.

ولأنها ليست من اهل القتال لضعفها وخورها، ولذلك لا يسهم لها.

ولا يجب على خنثى مشكل، لأنه لا يعلم كونه ذكرا. فلا يجب مع الشك

في شرطه.

(مسلم) لأن الإسلام شرط لوجوب سائر الفروع.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2631) 3: 025 1 كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1353) 3: 487 1 كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير. . .

(2)

في أ: ويكونون.

(3)

أخرجه أبو داود في " سنته "(2532) 3: 18 أول كتاب الجهاد، باب في الغزو مع أئمة الجور.

(4)

أخرجه ابن ماجه فى " سننه "(1 290) 2: 968 كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء.

ص: 319

(حرِّ) فلا يجب على عبد، لما روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبايع الحر

على الإسلام والجهاد، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد "

(1)

.

ولأن الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة. فلم تجب على العبد؛ كالحج.

(مكلف)، لأن التكليف شرط لوجوب سائر " الفروع ".

(صحيح) بأن يكون سليما من العمى والعرج والمرض؛ لقول الله سبحانه

وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} ] الفتح: 17]. فيجب على الصحيح.

(ولو) كان (أعشى) اي: ضعيف البصر (او) كان (أعور.

ولا يُمنع الأعمى) إذا اراد الخروج.

ثم اعلم ان العرج الذي يَسقط به الوجوب هو الفاحش الذي يمنع المشي

الجيد والركوب.

أما العرج اليسير الذي يتمكن معه من الركوب والمشي وإنما يتعذر معه شدة

العدو فلا يمنع وجوب الجهاد؛ لأنه يتمكن منه. فاً شبه الأعور.

وان المرض الذي يسقط به الوجوب هو المرض الشديد. فأما اليسير؛

كوجع الضرس والصداع الخفيف فلا يمنع الوجوب " كالعَوَر.

(واجد بملك، أو) واجد ب (بذل إمام ما يكفيه و) يكفي (اهلَه في غيبته)، لقول الله سبحانه وتعالى:{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ} ] التوبة: 91].

ولأن الجهاد لا يُتمكن منه إلا بالة. فاعتبرت القدرة عليها.

(و) أن يجد (مع) كون محل الجهاد (مسافة قصر) فأكثر من بلده (ما

(1)

أخرج مسلم في " صحيحه " من حديب جابر. قال: " جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة. ولم يشعر أنه عبد. فجاء سيده يريده. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بعنيه فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا

بعد حتى يسأله: أعبد هو؟؛. (1602) 3: 1225 كتاب المساقاة، باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلا.

ص: 320

يحمله)؛ لقول الله

(1)

سبحانه وتعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} ] التوبه: 92].

(وسن تشييعُ غاز. لا تلقِّيه). نص عليه؛ " لأن عليا شيع رسول الله صلى الله عليه وسلم

في غزوة تبوك ولم يتلقه ".

وروي عن ابي بكر الصديق؛ " انه شيع يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى

الشام ويزيد راكب وأبو بكر يمشي. فقال له: ما تريد يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛

إما أن تركب وإما ان أنزل انا فأمشي معك. فقال: لا أركب ولا تنزل. انى

أحتسب خطاي هذه في سبيل الله تعالى

(2)

"

(3)

.

ولأن تلقيه تهنئة له بالسلامه من الشهادة.

قال في " الفروع ": ويتوجه مثله حج وانه يقصده للسلام. ونقل عنه في

حج: لا. إلا إن كان

(4)

قصده أو ذا علم أو هاشميا او يخاف شره.

وشيع احمد أمه لحج. ونقل ابناه انه قال لهما

(5)

: اكتبا اسم من سلم علينا

ممن حج حتى إذا قدم سلمنا عليه.

قال القاضي: جعله مقابلة، ولم يستحب أن يبدأهم.

قال ابن عقيل: محمول على صيانة العلم لا على الكبر.

وفي " الفنون ": تحسن التهنئة بالقدوم للمسافر كالمرضى تحسن تهنئة كل

منهم بسلامته. انتهى.

(واقل ما يُفعل) الجهاد (مع قدرة) عليه (كل عام مرة)؛ لأن الجزية

(1)

في أ: لقوله.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 89 كتاب السير، باب ترك قتل من لا قتال فيه من الرهبانروالكبير وغيرهما.

(4)

ساقط من أ.

(5)

ساقط من أ.

ص: 321

تجب على أهل الذمة كل عام مرة، وهي بدل عن النصرة فكذلك مبدلها وهوالجهاد.

(إلا ان تدعو حاجة إلى تأخيره)، مثل: أن يكون بالمسلمين ضعف في عدد أو عدة، أو منتظرين لمدد يستعينون به، أو يكون بالطريق إلى الكفار مانع، أو ليس فيها علف أو ماء، أو يعلم من العدو حسن الرأي في الإسلام ويطمع في إسلامهم مع تأخير قتالهم، ونحو ذلك مما تكون المصلحة معه في تأخير القتال. فيجوز تأخيره بهدنة وبغير هدنة، " فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح قرشيا عشر سنين وأخر قتالهم حتى نقضوا عهده "

(1)

. وأخر قتال قبائل من العرب بغير هدنة.

أما إن دعت الحاجة إلى القتال في كل عام أكثر من مرة وجب " لأنه فرض كفاية. فوجب منه ما تدعو إليه الحاجة.

(ومن حضره) أي: حضر صف القتال، (او حصر، أو) حصر (بلده،

أو احتيج) في القتال (إليه) أي: إلى أن يقاتل، (او استنفرَه من) أي إنسان اله استنفاره: تعين) القتال (على من لا عذر له) في الصور المذكورة (ولو) كان كل ممن تقدم (عبدا).

أما وجوبه على من حضر الصف أو حصر بلده، فلقوله سبحانه وتعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} ] الأنفال: 45].

ولقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} ] الأنفال: 15].

ولأن من حُصر بلده تعين على أهله دفعهم وقتالهم، كحاضري الصف.

وأما وجوبه على من استنفره من له استنفاره، لقول الله

(2)

سبحانه وتعالى:

(1)

حديب قصه الحديبية، أخرجه البخاري بطوله في " صحيحه " (2518) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد. . .

وأخرجه أبو دأود في " سننه "(2766) 3: 86 أول كتاب الجهاد، باب في صلح العدو.

(2)

في أ: لقوله.

ص: 322

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} ] التوبة: 38].

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " وإذا استنفرتم فانفروا "

(1)

. متفق عليه.

(ولا ينفر في) حال (خطبة الجمعة، ولا بعد الإقامة). نص عليهما.

ونقل أبو داود فيما إذا نفر بعد الإقامة: ينفر إن كان عليه وقت. قلت:

لا ندري نفير حق أم لا؛ قال: إذا نادوا بالنفير فهو حق. قلت: إن أكثر النفير لا يكون حقا. قال: ينفر. يكون يعرف مجيء عدوهم كيف هو.

(ولو نودي بالصلاة والنفير. والعدو بعيد: صلى ثم نفر.

ومع قربه) أي: قرب العدو (ينفر ويصلي راكبا: افضل). نص على ذلك.

(ولا ينفر لابق) أي: ولا ينادى بالنفير من أجل آبق من رقيق. لا يهلك الناس بسببه.

(ولو نودي: الصلاة جامعة، لحادثة يشاور فيها لم يتأخر احد بلا عذر)

له، لوجوب الجهاد بغاية ما يمكن من البدن والراي والتدبير. والحرب خدعة. (ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من نزع لأمة الحرب إذا لبسها، حتى يلقى العدو)، لحديث علقه البخاري وأسنده أحمد وحسنه البيهقي

(2)

. واللأمه تجمع على لأم؛ كتمرة وتمر، وعلى لؤم كصرد على غير قياس.

قال الجوهري: ولعله

(3)

جمع لُؤمة " كجمعة وجمع.

(و) مُنع ايضا صلى الله عليه وسلم (من الرمز بالعين والإشارة بها)، لخبر:" ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين "

(4)

. رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم.

(1)

سيق تخريجه ص (319) رقم (1).

(2)

عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ". ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا 6: 2682 كتاب الاعتصام، باب قول الله تعالى:(وامرهم شورى بينهم). وأخرجه أحمد في " مسنده "(14781) 3: 351

(3)

في أ: وكأنه.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4359) 4: 128 كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد.

وأخرجه الحاكم في " مستدركه "(4360) 3: 47 كتاب المغازي والسرايا

ص: 323

وهي الإيماء إلى مباح من نحو ضرب أو قتل. على خلاف ما هو ظاهر. وسمي خائنة الأعين " لشبهه بالخيانة بإخفائه.

ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور.

(و) منع صلى الله عليه وسلم أيضا من (الشعر والخط وتعلُّمهِما) " لقوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ] العنكبوت: 48]، ولقوله سبحانه وتعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} ] يس: 69].

ومما منع منه أيضا صلى الله عليه وسلم إعطاؤه العطايا مستكثرا؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} ] المدثر: 6] أي: لا تعط شيئا لتاً خذ اكثر منه.

(وافضل متطوَّع به) من العبادات (الجهاد) نصا.

قال أحمد: لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض افضل من الجهاد. روي ذلك عن جماعة من الصحابه.

قال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبدالله وذكر له أمر الغزو فجعل يبكي ويقول: ما من أعمال البر افضل منه.

وقال عنه غيره: ليس يعدل لقاء العدو شيء ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال. والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم فأيّ عمل أفضل منه؛ الناس آمنون وهم خائفون قد بذلوا مهج أنفسهم.

وروى أبو سعيد قال: " قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؛ قال

(1)

:

من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله "

(2)

. متفق عليه.

ولأن الجهاد بذل المهجة والمال، ونفعه يعم المسلمين كلهم، صغيرهم وكبيرهم، قويهم وضعيفهم، ذكرهم وانثاهم، وغيره لا يساويه في نفعه

(1)

في أ: فقال.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2634) 3: 026 1 كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه ماله في سبيل الله.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1888) 3: 03 5 1 كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط.

ص: 324

وخطره. فلا يساويه في فضله.

(وغزو البحر أفضل) يعني: من غزو البر، لما روى أنس قال:" نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك. قالت أم حرام. فقلت: ما يضحكك يا رسول الله! قال: ناس من أمتي عُرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله. يركبون ثَبّج هذا البحر، ملوك على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة "

(1)

. متفق عليه.

قال ابن عبدالبر: أم حرام بنت ملحان أخت أم لسليم، خالة رسول الله صلى الله عليه وسلم

في الرضاعة أرضعته أخت لهما ثالثة.

وروى ابن ماجه بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " شهيد البحر مثل شهيد البر، والمائل في البحر كالمتشحط في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله. وإن الله وكل ملك الموت بقبض الأرواج إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم. ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ويغفر لشهيد البحر الذنوب والدين "

(2)

.

ولأن البحر اعظم خطرا ومشقة. فإنه بين خطر العدو وخطر الغرق.

ولا يتمكن من الفرار إلا مع أصحابه. فكان غزوه افضل من غيره.

(وتكفر الشهادة) الذنوب (غير الدين).

فال في " الفروع ": قال

(3)

شيخنا: وغير مظالم العباد؛ كقتل وظلم وزكاة وحج أخرهما.

وقال شيخنا: من اعتقد أن الحج يسقط ما وجب عليه من الصلاة والزكاة

فإنه يستتاب. فإن تاب وإلا قتل. ولا يسقط حق الآدمي من دم أو مال أو عرض بالحج إجماعا.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(0 660) 6: 2570 كتاب التعبير، باب الرؤيا بالنهار.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1912) 3: 1518 كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2778) 2: 928 كتاب الجهاد، باب فضل غزو البحر.

(3)

في ب: وقال.

ص: 325

وقال الاجري بعد أن ذكر الخبر: إن الشهادة تكفر غير الدين، قال: هذا

إنما هو لمن تهاون بقضاء دينه، أما من استدان ديناً وأنفقه في غير سرف ولا تبذير ثم لم يمكنه قضاؤه فإن الله يقضيه عنه، مات أو قتل.

وتكفر طهارة وصلاة ورمضان وعرفه وعاشوراء الصغائر فقط.

قال شيخنا: وكذا حج؛ لأن الصلاة ورمضان أعظم منه. ويتوجه وجه.

ونقل المروذي: بر الوالدين كفارة للكبائر.

وفي "الصحيحين " أو " الصحيح ": " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما"

(1)

.

قال ابن هبيرة: فيه إشارة إلى أن كبار الطاعات يكفر الله ما بينهما؛ لأنه لم

يقل كفارة لصغار ذنوبه، بل إطلاقه يتناول الصغائر والكبائر.

قال: وقوله: " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "

(2)

أي: زادت قيمته. فلم يقاومه شيء من الدنيا.

وقوله: " فلم يرفث ولم يفسق "

(3)

أي: أيام الحج. فيرجع ولا ذنب له، وبقي حجه فاضلا له؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات. والمذهب: لا تذهب. انتهى.

(ويُغزَى مع كل برِّ وفاجر يحفظان المسلمين)؛ لما روى أبو هريرة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجهاد واجب عليكم مع كل أمير، براً كان أو فاجراً "

(4)

. رواه أبو دا ود.

ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطعه وظهور الكفار على المسلمين

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1683) 2: 629 أبواب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها. عن أبي هريرة

(2)

أخرجه البخاري في الموضع السابق.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1349) 2: 983 كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة.

(3)

أخرجه البخاري في " صمحيحه "(1449) 2: 553 كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2533) 3: 18 أول كتاب الجهاد، باب في الغزو مع أئمة الجور. 326

ص: 326

واستئصالهم، وظهرر كلمة الكفار. وفيه فساد عظيم.

قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} ] البقرة: 251].

و (لا) يغزى (مع مُخذِّل ونحوه).

قال أحمد: لا يعجبني ان يخرج مع الإمام أو القائد إذا عرف بالهزيمة وتضييع المسلمين.

(ويقدَّم اقواهما) اي: أقوى الأميرين ولو كان يعرف بشرب الخمر والغلول،

لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر "

(1)

. (وجهاد) العدو (المجاور متعين)، لقول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123].

ولأن الاشتغال بالعدو البعيد يمكن القريب من انتهاز الفرصة في المسلمين " لاشتغالهم عنه.

(إلا لحاجة) إلى قتال الأبعد، لكونه أخوف، او لمصلحة في البداءة بالأبعد، لقوته، او لإمكان الفرصة منه، او لكون الأقرب مهادنا، أو يمنع مانع من قتاله: فإنه لا بأس بالبداءة بقتال الأبعد للحاجة.

(ومع تساو) بين عدوين في القرب أو البعد، وأحدهما أهل كتاب (جهاد

أهل الكتاب افضل).

وكان ابن المبارك يأتي من مرو لغزو الروم. فقيل له في ذلك. فقال: إن هؤلاء يقاتلون عن دين.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه قال لأم خلاد: إن ابنك له أجر شهيدين. قالت: ولم ذاك يا رسول الله! قال: لأنه قتله اهل الكتاب "

(2)

. رواه أبو داود.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2897) 3: 4 1 1 1 كتاب الجهاد والسير، باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2488) 3: 5 أول كتاب الجهاد، باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم.

ص: 327

(وسُن رباط) في سبيل الله. (وهو: لزوم ثغر لجهإد) مقويا للمسلمين (ولو) كان اللزوم (ساعة) نصا.

قال أحمد: يوم رباط، وليلة رباط، وساعة رباط.

والثغر: كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم. واصله من رباط الخيل "

لأن هؤلاء يربطون خيولهم وهؤلاء يربطون خيولهم، كل يعد لصاحبه. فسمي المقام بالثغر رباطا، وإن لم يكن خيل.

وفيه فضل عظيم واجر كبير.

قال احمد: ليس يعدل الجهاد والرباط شيء. والرباط: دفع عن المسلمين وعن حريمهم وقوة لأهل الثغر ولأهل الغزو. فالرباط عندي أصل الجهاد وفرعه، والجهاد افضل منه للعناء والتعب والمشقة.

وقد روي في فضل الرباط أخبار: منها ما روى سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه. فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان "

(1)

. رواه مسلم.

وعن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتّان القبر "

(2)

. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وعن عثمان أنه قال على المنبر: " إني كنت كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم] كراهية تفرقكم عني، ثم بدا لي ان أحدثكموه ليختار امرو منكم

(1)

أخرجه مسلم في " صحححه "(1913) 3: 1520 كتاب الإماره، باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل.

(2)

أخرجه أبو داود في " سنته "(2500) 3: 9 أول كتاب الجهاد، باب في فضل الرباط.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1621) 4: 165 كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في قضل من مات مرابطاً

ص: 328

لنفسه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [

(1)

يقول: رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل "

(2)

. رواه أبو داود والأثرم.

(وتمامه) أي: تمام الرباط (اربعون يوماً)؛ لما روى أبو الشيخ في

" كتاب الثواب " بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " تمام الرباط أربعون يوما "

(3)

. ولما روى سعيد بإسناده عن أبي هريرة قال: " رباط يوم في سبيل أحب إليَّ

من ان اوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

] ومن رابط ثلاثة أيام في سبيل الله فقد رابط [، ومن رابط اربعين يوما فقد استكمل

الرباط "

(4)

.

(وافضله) اي: افضل الرباط (بأشد خوف) اي: بأشد الثغور خوفا؛

لأنهم احوج ومقامه به أنفع.

قال أحمد: افضل الرباط اشد كلبا.

(وهو) أي: المقام بالثغر (افضل من مقام بمكة).

قال في " الفروع ": وذكره شيخنا إجماعا.

(والصلاة بها) أي: بمكة (افضل) من الصلاة بالثغر. نص على ذلك.

قال احمد: فأما فضل الصلاة هذا شيء خاصة فضل لهذه المساجد.

(وكره) لمن يريد ثغرا (نقل اهله إلى مخوف) من الثغور. نص على

ذلك؛ لما روى يزيد بن عبدالله قال: قال عمر: " لا تنزلوا المسلمين خيفةء البحر ". رواه الأثرم.

ولأن الثغور المخوفة لا يؤمن من ظفر العدو بها وبمن فيها واستيلاوهم على

الذرية والنساء.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 39 كتاب الجهاد، باب ما يبدأ به من سد أطراف المسلمين بالرجال.

(3)

أخرجه الطبرانى في " المعجم الكبير "(6 0 76) 8: 157

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2410) 2: 159 كتاب الجهاد، باب ما جاء قي فضل الرياط، وما بين الحاصرتين من " السنن "

ص: 329

قيل لأبي عبدالله: فيخاف على المنتقل بعياله إلى الثغرالإثم؛ قال: كيف

لا أخاف الإثم وهو يعرض ذريته للمشركين.

(وإلا) أي: وإن لم يكن الثغر مخوفاً (فلا) يكره نقل أهله إليه (كأهل الثغر) أي: كإقامة أهل الثغر بأهليهم. فإنه لا يكره لهم الإقامة بأهليهم؛ لأنه لا بد لهم من السكنى بأهليهم، ولولا إقامة أهل الثغور فيها بأهاليهم

(1)

لخربت الثغور وتعطلت.

وفي الحرس في سبيل الله ثواب عظيم وفضل كبير.

قال ابن عباس: سمدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " عينان لا تمسهما النار:

عين بكت من خشية الله، وعين باتب تحرس في سبيل الله "

(2)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

وعن عثمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة قيام ليلها وصيام نهارها "

(3)

. رواه ابن سنجر.

(و) يجب (على عاجز عن إظهار دينه بمحل يغلب فيه حكم كفر، او) يغلب فيه حكم ب (بِدَع مُضلة)؛ كرفض واعتزال: (الهجرة). والهجرة: الخروج من دار أهل الكفر إلى دار أهل الإسلام. ويقاس على ذلك الخروج من دار أهل البدع إلى دار أهل السنة.

والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا

} الايات] النساء: 97].

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنا بريء من مسلم بين مشركين. لا تراءى

(1)

في أ: بأهلمهم.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(639 1) 4: 175 كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(463) 1: 65

ص: 330

ناراهما "

(1)

. رواه أبو داود والنسائي والترمذي.

ومعناه: لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا اوقدت.

ولأن القيام باً مر الدين واجب على القادر. والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ومحل الوجوب: (إن قدر) العاجز عن إظهار دينه على الهجرة؛ لقوله سبحانه وتعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ} الاية [النساء: 98]. ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.

(ولو) كانت (في عدة بلا راحلة و) بلا (محرَم). وهذا المذهب.

وقال في " الرعايتين " و" عيون المسائل " في مساً لة الحج بمَحرم: إن أمنت على نفسها من الفتنة في دينها لم تهاجر إلا بمحرم.

وقال المجد في. " شرحه ": إن أمكنها إظهار دينها وأمنتهم على نفسها لم

يبح إلا بمحرم؛ كالحج، وإن لم تاً منهم جاز الخروج حتى وحدها. بخلاف الحج. انتهى.

(وسُنت) الهجرة (للقادر) على إظهار دينه وإقامته في دار الكفر؛ ليتخلص

من تكثير الكفار، ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ويتمكن من جهادهم، وإعانة المسلمين. ويحصل بهجرته تكثيرهم.

وذكر ابن الجوزي في قوله سبحانه وتعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}

] النساء: 88 [عن القاضي: أن الهجرة كانت فرضاً إلى أن فتحت مكة. كذا قال. وقد اختاره ذلك جماعة مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح "

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2645) 3: 45 أول كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1604) 4: 155 كتاب السير، باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين.

وأخرجه النسائي في " سننه "(4780) 8: 36 كتاب القسامة، القود بغير حديدة. .

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3686) 3: 1416 كتاب فضائل الصحابة، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 331

وبقوله صلى الله عليه وسلم: " قد انقطعت الهجرة. ولكن جهاد ونية "

(1)

.

ولنا على من يقول بانقطاع الهجرة ما روى معاوية قال: سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها "

(2)

. رواه أبو داود.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد "

(3)

. رواه سعيد وغيره.

مع إطلاق الآيات والأخبار الدالة وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح "

(4)

. يعني: من مكة. ويلحق به كل بلد قد فتح، لأن الهجرة الخروج من بلاد الكفار. فإذا فتح لم ييق بلد الكفار فلا يبقى معه

(5)

هجرة.

(ولا يتطوع به) اي: بالجهاد (مَدين آدمي) أي: من عليه دين لادمي،

(لا وفاء له). سواء كان حالاً او مؤجلاً. (إلا مع إذن) من رب الدين، (أو) مع (رهن يُحرز) الدين بأن يمكن وفاؤه منه، (أو) مع (كفيل مليء) بقدر الدين، لأن الجهاد يقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها.

= وأصحابه إلى المدينه. عن أبن عمر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1864) 3: 1488 كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير. . . عن عائشة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1590) 4: 148 كتاب السير، باب ما جاء في الهجرة. عن ابن عباس.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2914) 3: 1120 كتاب الجهاد والسير، باب لا هجرة بعد الفتح. موقوفا على عائشة.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 16 كتاب السير، باب الرخصة في الإقامة بدار الشرك لمن لا يخاف الفتنة.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2479) 3: 3 أول كتاب الجهاد، باب فى الهجرة هل انقطعت.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(2354) 2: 138 كتاب الجهاد، باب من قال: انقطعت الهجرة.

(4)

سبق تخريجه ص (331) رقم (2).

(5)

في أوب: منه.

ص: 332

وقد روي " أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسباً تكفر عني خطاياي؛ قال: نعم. إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك "

(1)

.

وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه؛ لأن الجهاد تعلق بعينه. فكان مقدما على ما في ذمته؛ كسائر فروض الأعيان. ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل من المبارزة والوقوف أول المقاتلة؛ لأن في ذلك تغريراً بتفويت الحق.

وعلم مما تقدم انه إن ترك وفاء أو أقام كفيلا فله الغزو وبدون إذن غريمه.

نص عليه أحمد فيمن ترك وفاء؛ " لأن عبدالله بن عمرو بن حرام خرج إلى أحد وعليه دين كثير فاستشهد وقضاه عنه ابنه جابر بعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلمه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر فعله بل مدحه "

(2)

.

وقال: " ما زالت الملائكة تظله باً جنحتها حتى رُفع "

(3)

.

وقال لابنه جابر: " أشعرتُ ان الله أحيا اباك وكلمه كِفاحا "

(4)

.

(ولا) يجوز ايضا أن يتطوع بالجهاد (مَن احد أبويه حر مسلم، إلا بإذنه)؛

لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أجاهد؛ قال: لك أبوان؛ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد "

(5)

.

(1)

أخرجه النسائي في " سننه "(3155) 6: 33 كتاب الجهاد، من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين.

(2)

عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما: " أن أباه قتل يوم أُحُد! شهيدأ، وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم. فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبى فأبوا. فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطي، وقال: سنغدو عليك. فغدا علينا حين اصبح قطاف في النخل، ودعا في ثمرها بالبركة. فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من تمرها ". أخرجه البخاري في " صحيحه "(2265) 2: 843 كتاب الاستقراض، باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز.

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(3155) 6: 33 كتاب الجهاد؛ من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين.

(4)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(0 280) 2: 936 كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة في سبيل الله.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1671) 4: 191 كتاب الجهاد، باب ما جاء فيمن خرج في الغزو وترك أبويه.

ص: 333

وروى ابن عباس نحوه

(1)

. قال الترمذي: هذا حديب حسن صحيح.

وفي رواية قال: " جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان. قال:

ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما "

(2)

.

وعن أبي سعيد: " أن رجلاً هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك باليمن أحد؛ قال: نعم أبواي. قال: أذنا لك؛ قال: لا. قال: فارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما "

(3)

. رواهما أبو داود. ولأن بر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية. وفرض العين يقدم.

فاًما إن كانا غير مسلمين فلا إذن لهما؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يجاهدون وفيهم من أبواه كافران ولم يستاًذنهما، منهم أبو بكر الصديق.

وأبو حذيفة بن عتبة كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأبوه رئيس المشركين يومئذ.

وأبو عبيدة قتل أباه في الجهاد. فاً نزل الله سبحانه وتعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الآية] المجادلة: 22 [،

وهذا مخصص لعموم الأخبا ر.

وكذا إن كانا رقيقين على الأصح؛ لأنه لا ولاية لهما.

وكذا إن كانا مجنونين؛ لعدم اعتبار قولهما.

ومن خرج في جهاد تطوع بإذن أبويه ثم منعاه منه بعد سيره قبل تعينه عليه:

فعليه الرجوع؛ لأنه معنى لو وجد في الابتذاء منع. فمنع إذا وجد في أثنائه؛ كسائر الموانع. إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع، أو يحدث له عذر من مرض أو نحوه. فإن أمكنه الإقامة في الطريق، وإلا مضى مع الجيش.

وإذا حضر الصف تعين عليه بحضوره وسقط إذنهما.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2528) 3: 17 أول كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو وأبواه كاهان.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2530) الموضع السابق.

ص: 334

ولو أذنا له في الجهاد وشرطا عليه أن لا يقاتل فحضر القتال تعين عليه وسقط

شرطهما؛ لأنه صار واجبا. فلم يبق لهما في تركه طاعة.

(لا جَدّ وجَدّة) يعني: أن الجد والجدة لا يكون حكمهما حكم الأب والأم

في الاستئذان.

قال في " الفروع ": ذكره الأصحاب، ولا يحضرنى الآن عن أحمد.

ويتوجه تخريج واحتمال في الجد أب

(1)

الأب. وقد قال ابن حزم: اتفقوا] أن بر الوالدين فرض، واتفقوا [

(2)

أن بر الجد فرض. انتهى.

(ولا في سفر لواجب) يعني: أنه لا يلتفت إلى إذن أحد من الأبوين ولا رب

دين لا وفاء له في سفرلواجب.

وفي " الروضة ": أو كان فرض كفاية.

- (ولا يحل للمسلمين فرارٌ من) كفار (مثليهم. ولو) كان الفار

(3)

(واحداً

من اثنين) كافرين؛ لقول ابن عباس: " من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من

ثلاثة فما فر "

(4)

.

(او مع ظن تلف) يعني: ولو مع ظن المسلمين التلف إن لم يفروا.

(إلا مُتَحَرَّفين لقتال، او مُتَحيّزين إلى فئة وإن بعدت) الفئة؛ لقوله سبحانه

وتعالى: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} ] الأنفال: 16].

وقد " عد النبي صلى الله عليه وسلم الفرار يوم الزحف من الكبائر "

(5)

.

(1)

في أ: أبو.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ج: الكفار.

(4)

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(11151) 11: 93

(5)

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله! وما هن؛ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ". أخرجه أبو داود في "سننه "(2874) 3: 5 1 1

كتاب الوصايا، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم.

ص: 335

ومعنى التحرف للقتال: أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن؛ كما لو كان المسلمون مقابلين للشمس أو الريح

(1)

، أو في مكان ينكشفون فيه. فينحرفون إلى غير تلك الجهة، أو يستندون إلى جبل او نحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب. قال عمر:" يا سارية بن ديثم! الجبل. ظلم الذئب من استرعاه الغنم. فأنكرها الناس. فقال علي: دعوه. فلما نزل سأله عما قال. فلم يعترف به. وكان قد بعث سارية إلى ناحية العراق لغزوهم. فلما قدم ذلك الجيش أَخبروا أنهم لقوا عدوهم يوم جمعة فظهر عليهم فسمعوا صوت عمر. فانحازوا إليه فانتصروا على عدوهم "

ومعنى التحيز إلى فئة: فهو أن يصير إلى فئة من المسلمين؛ ليكون معهم فيقوى بهم على عدوه. وسواء بعدت الفئة أو قربت.

قال القاضي: لو كانب الفئة بخراسان والزحف بالحجاز جاز التحيز إليها؛

لما روى ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنى فئة لكم "

(2)

. وكانوا بمكان بعيد منه. وقال عمر: " أنا فئة لكل مسلم "

(3)

. وكان بالمدينه وجيوشه بمصر والشام والعراق وخراسان. رواهما سعيد.

(وإن زادوا) اي: زاد الكفار على مثلي المسلمين (فلهم) اي: للمسلمين (الفرار. وهو) اي: الفرار مع زيادة الكفار على مثلي المسلمين (مع ظن تلف اولى) من الثبات.

قال في " الإنصاف ": فإن زاد الكفار فلهم الفرار. قال الجمهور: والفرار أولى والحالة هذه مع ظن التلف بتركه. انتهى.

(وسن الثبات مع عدم ظن التلف).

وقيل: يجب.

(1)

في ب: للريح

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2539) 2: 09 2 كتاب الجهاد، باب من قال الإمام فئة كل مسلم

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2540) 2: 210 الموضع السابق.

ص: 336

والأول المذهب؛ لأنهم لا يأمنون العطب، والحكم علق على مظنته وهو كونهم اقل من نصف عددهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا نصف عددهم فاً كثر. (والقتال مع ظنه) أي: ظن التلف (فيهما) اي: في الفرار والثبات (أولى من الفرار والأسر)؛ لينالوا درجة الشهداء المقبلين على القتال محتسبين. فيكونوا افضل من المولين.

ولأنه يجوز ان يغلبوا ايضا فقد قال الله سبحانه وتعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} ] البقرة:249].

ومتى حصر العدو بلداً للمسلمين فلأهله التحصن منهم وإن كانوا أكثر من نصفهم؛ ليلحقهم مدد او قوة. ولا يكون ذلك توليا ولا فرارا. إنما التولي بعد اللقاء. وإن لقوهم خارج الحصن فلهم التحيز إلى الحصن؛ لأنه بمنزلة التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة. وإن غزوا فذهبت دوابهم فليس ذلك عذرا في الفرار؛ لأن القتال ممكن للرجالة.

وإن تحيزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه رجالة فلا بأس؛ لأنه تحرف للقتال.

وإن ذهب سلاحهم فتحيزوا إلى مكان يمكنهم القتال فيه بالحجارة والتستر بالشجر ونحوه، أو لهم في التحيز إليه فائدة جاز.

(وإن وقع في مركبهم) أي: مركب المسلمين (نار) فاشتعلت فيه (فعلوا

ما يرون)] اي: يظنون [

(1)

(السلامة فيه: من مُقام، ووقوع في الماء)؛] لأن حفظ الروح واجب، وغلبة الظن كاليقين في أكثر الأحكام. فهاهنا كذلك.

(فإن شكوا) [

(2)

فيما فيه السلامة (او تيقَّنوا التلف فيهما) أي: في المقام والوقوع في الماء، (او ظنوا السلامة فيهما) أي: في المقام والوقوع في الماء (ظنا متساوياً: خُيِّروا) بين المقام وإلقاء نفوسهم في الماء؛ لأنه لا مزية لأحد الأمرين على الآخر.

***

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

ص: 337

] فصل: في تبييت الكفار [

(فصل. يجوز تبييتُ كفار ولو قُتل بلا قصد من يحرم قتله). ومعنى تبييت الكمار: كبسهم ليلا وقتلهم وهم غارّون.

قال أحمد: لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلا البيات. قال: ولا نعلم أحداً كره بيات العدو؛ وذلك لما روى الصعب بن جثّامة الليثي قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يساًل عن الديار من ديار المشركين يبّيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؛ فقال: هم منهم "

(1)

. متفق عليه.

وقد قال سلمة بن الأكوع: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فغزونا أناسا من المشركين فبيتناهم "

(2)

. رواه أبو داود.

فإن قيل: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والذرية؛

قلنا: هذا محمول على التعمد لقتلهم.

قال أحمد: أما أن يتعمد قتلهم فلا.

(و) يجوز أيضا (رميهم بمنجنيق). نص عليه؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف "

(3)

. رواه الترمذي مرسلا.

و" نصبه عمرو بن العاص على الاسكندرية "

(4)

.

ولأن القتال به معتاد. أشبه الرمي بالسهام. فظاهر كلام أحمد: جواز ذلك

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(0 285) 3: 97 0 1 كتاب الجهاد والسير، باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري.

وأخرجه مسلم فى " صحيحه "(1745) 3: 1365 كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2638) 3: 43 أول كتاب الجهاد، باب فى البيات.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه " 5: 94 كتاب الأدب، باب ما جاء في الأخذ من اللحية.

(4)

ذكره البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 84 كتاب السير، باب قطع الشجر وحرق المنازل.

ص: 338

مع الحاجة وعدمها.

(و) يجوز أيضا رميهم (بنار، وقطع سابِلة) عنهم، (و) قطع (ماء) عنهم، (وفتحُه ليغرقهم، وهدم عامرهم) وإن تضمن ذلك إتلاف النساء والصبيان " لحديث الصعب بن جثامة في البيات. وهذا في معناه.

(و) يجوز (أخذ شهد، بحيب لا يُترك للنحل) منه (شيء) على الأصح " لأن الشهد من الطَّعام المباح.

ولأن هلاك النحل بأخذ جميع الشهد يحصل ضمناً غير مقصود. فأشبه قتل النساء والذراري في البيات.

(لا حرقه) أي: حرق النحل، (او تفريقه) فإنه لا يجوز؛ لما روي عن

أبي بكر الصديق: " انه قال ليزيد بن أبي سفيان حين بعثه أميرا على القتال بالشام: ولا تحرقن نحلاً ولا تفرقنه "

(1)

.

ولأن ذلك إفساد. فيدخل في عموم قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ} ] البقره: 205].

ولأن النحل حيوان ذو روح. فلم يجز قتله ليغيظهم؛ كنسائهم وذراريهم.

(او عقرُ دابة) يعني: أنه لا يجوز ايضا عقر دابة (ولو لغير قتال)" كالبقر والغنم. (إلا لحاجة اكل). سواء خفنا أخذهم لها أولم نخف، لأن أبا بكر الصديق قالى في وصيته ليزيد حين بعثه أميراً: " يا يزيد! لا تقتل صبيا ولا امرأة ولا هرما، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شجرا مثمرأ، ولا دابة عجماء، ولا شاة إلا لمأكلة، ولا تحرقن نحلا ولا تفرقنه، ولا تغلل ولا تجبن "

(2)

.

و" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل شي. ء من الدواب صبرا "

(3)

.

(1)

أخرجه مالك في " الموطاً "(10) 2: 358 كتاب الجهاد، باب النهي عن قل النساء والولدان في الغزو. وأخرجه سعيد بن منصور في " سننه " (2383) 2: 48 1 باب ما يؤمر به الجيوش إذا خرجوا.

(2)

سبق تخريجه في الحديب السابق.

(3)

أخرجه ابن ماجه فى " سننه "(3188) 2: 064 1 كتاب الذبائح، باب النهي عن صبر البهائم وعن المثلة. عن جابر بن عبدالله.

ص: 339

ولأنه حيوان ذو حرمة. فأشبه النساء والصبيان.

وأما عقرها لحاجة الأكل فيباج؛ لأن الحاجة تبيح مال المعصوم. فمال الكفار أولى.

وأما إن لم تكن حاجة داعية وكان الحيوان لا يراد إلا للأكل؛ كالدجاج والحمام والصيود فحكمه حكم الطعام؛ لأنه لا يراد لغير الأكل وتقل قيمته.

] فأشبه الطعام [

(1)

.

(ولا) يجوز أيضا (إتلاف شجر أو زرع يُضِرُّ) إتلافه (بنا). سواء كان الإتلاف بقطع أو حرق أو غيرهما على الأصح؛ لما في ذلك من الإضرار بالمسلمين. أما لو لم يقدر عليهم إلا به؛ كالذي يقرب من حصونهم ويمنع من قتالهم،

أو يستترون به من المسلمين، أو يحتاج إلى قطعه لتوسعه الطريق، أو كاثوا يفعلوه بنا. فإنه يجوز قطعه.

قال الموفق ومن تبعه: بغير خلاف نعلمه.

(ولا) لجوز (قتل صبي، و) لا (أنثى، و) لا (خنثى، و) لا (راهب، و) لا (شيخ فان، و) لا (زمن، و) لا (أعمى) لا) وأي لهم، ولم يقاتلوا، أو) لم (يحرضوا) على القتال؛ لما روى ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان "

(2)

. متفق عليه.

ولأن الصبي يصير رقيقاً بنفس السبي ففي قتله إتلاف للمال، وإذا سبي منفردأ صار مسلماً فإتلافه إتلاف من يمكن جعله مسلماً.

وروي عن ابن عباس " في قوله سبحاته وتعالى: {وَلَا تَعْتَدُواْ}] البقرة: 190 [يقول: لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير "

(3)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2852) 3: 98 0 1 كتاب الجهاد والسير، باب قتل النساء في الحرب. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1744) 3: 1364 كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب.

(3)

ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 1: 370 وعزاه إلى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 340

وروي عن ابي بكر الصديق: أنه أوصى يزيد حين وجهه إلى الشام فقال:

" لا تقتل صبيا ولا امرأة ولا هرما "

(1)

.

وعن عمر: " انه وصى سلمة بن قيس فقال: لا تقتلوا امرأة ولا صبياً ولا شيخاً هماً

(2)

"

(3)

. رواهما سعيد.

واما كون الراهب لا يقتل؛ فلأن في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

" وستمرون على اقوام في مواضع لهم احتبسوا أنفسهم فيها. فدعهم حتى يميتهم الله على ضلالتهم "

(4)

.

ولأن الراهب لا يقاتل بدنيَّا. فاً شبهوا من لا يقدر على القتال.

وعموم قوله سبحانه وتعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} ] التوبة: 5].

وقوله صلى الله عليه وسلم:

" اقتلوا شيوخ المشركين "

(5)

: مخصوص بما تقدم من الأحاديب.

ولأن الهرم ليس من اهل القتال. فلا يقتل؛ كالمراة.

وقد أومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه العلة في المرأة فقال: " ما بالها قتلت وهي لاتقاتل "

(6)

.

وأما الزمن والأعمى فالعلة موجودة فيهما.

لكن يشترط أن يكون الشيخ الفانى والزمن والأعمى لا رأي لهم قي القتال،

اما إن كان لأحد منهم رأي في القتال جاز قتله؛ " لأن دريد بن الصمة قتل يوم

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2383) 2: 48 1 كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به الجيوش إذا خرجوا.

(2)

في أ: هرماً. وهما أي: فانياً.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(3476) 2: 179 كتاب الجهاد، باب حديث السفطين.

(4)

سيق تخريجه في الحديب ما قبل السابق

(5)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2670) 3: 54 أول كتاب الجهاد، باب في قتل النساء. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (1583) 4: 145 كتاب السير، باب ما جاء في النزول على الحكم. كلاهما عن سمرة بن جندب.

(6)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2623) 2: 238 كتاب الجهاد، باب ما جاء في قتل النساء والولدان، بلفظ:" أكانت هذه تقاتل؟ "

ص: 341

حنين وهو شيخ فان، وكانوا قد خرجوا به معهم يستعينون

(1)

برأيه ". فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قتله.

ولأن الرأي من أعظم المعونة في الحرب، وربما كان أبلغ من

(2)

القتال؛

كما قال المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس مرة بلغت من العلياء كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن القرنان

وقد جاء عن معاوية " أنه قال لمروان والأسود: أمددتما عليا بقيس بن سعد وبرأيه ومكايدته. فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية الاف مقاتل ما كان بأغيظ لي من ذلك ".

ويشترط: أن لا يقاتل السبي ولا المرأة فإن قاتلا جاز أن يقتلا

(3)

، " لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمه ".

وروى ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على امرأة مقتولة يوم الخندق فقال: من

قتل هذه؛ فقال رجل: أنا، نازعتني قائم سيفي. فسكت "

(4)

.

ويشترط: أن لا يحرض أحد ممن قلنا لا يقاتل على القتال. فإن حرَّض جاز

أن يُقتل. فإن تحريض النساء والذرية أبلغ من مباشرتهم القتال بأنفسهم.

وشمل عموم كلامهم المريض والقن والفلاج.

وقال في " المغني " و" شرح المقنع ": لا يقتل عبد ولا فلاح.

(1)

في أ: يستعينوا.

(2)

في ب: في.

(3)

في ج: يقاتلا.

(4)

أخرجه أبو داود في " المراسيل " من حديث عكرمة " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف، فقال: ألم أنهَ عن قتل النساء؛ من صاحب هذه المرأة المقتوله؛ فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله! اردفتُها، فأرادت أن تصرعني، فتقتلنى. فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُوارى ". ص: 183 كتاب الجهاد، باب في فضل الجهاد.

ص: 342

وفي " الإرشاد ": ولا حَبر إلا لرأي او قتال او تحريض.

(وإن تُتُرِّس) بالبناء للمفعول (بهم) يعني: أنه إذا تترس المقاتلة بالنساء والصبيان ومن قلنا لا يقتل: (رُمُوا) أي: جاز رميهم (بقصد المقاتِلة)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الكفار بالمنجنيق وفيهم النساء والصبيان "

(1)

.

ولأن ترك رميهم إذا فعلوا ذلك يفضي إلى تعطيل الجهاد.

ولأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند خوفهم.

وسواء كانت الحرب ملتحمة حين ذاك أو لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتحين بالرمي حالة التحام الحرب.

وإن تترسوا (ومسلم لا يجوز) رميهم؛ لأن ذلك يؤول إلى قتل المسلمين.

مع أن لهم

(2)

مندوحة عنه؛ لكون الحرب غير قائمة. ولإمكان القدرة عليهم بغير الرمي.

(إلا إن خيف علينا) بترك رميهم: فيرموا. نص عليه للضرورة.

(ويقصد الكفار) بالرمي، لأنهم هم المقصودون بالذات. فلو لم يخف على المسلمين لكن لا يقدر عليهم إلا بالرمي لم يجز؛ لقوله سبحانه وتعالى {وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} الآية] الفتح: 25].

(ويجب إتلاف كتبهم المبدَّلة). ذكره في " البلغة ".

(وكُره نقل راس) من بلد إلى بلد، والمثلة بالقتل؛ لما روى عقبة بن عامر:" أنه قدم على أبي بكر الصديق براس يناق البطريق. فاً نكر ذلك. فقال: يا خليفة رسول الله! فإنهم يفعلون ذلك بنا. قال: فاستِنان بفارس والروم؛ لا تحمل إلي رأس. فإنما يكفي الكتاب والخبر "

(3)

.

(1)

سبق تخريجه ص (338) رقم (1).

(2)

في ب: لأن لهم.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه "(2649) 2: 245 كتاب الجهاد، باب ما جاء في حمل الرؤوس. وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 132 كتاب السير، باب ما جاء في نقل الرؤوس.

ص: 343

(ورميه بمنجنيق بلا مصلحة). ونقل ابن هانئ في رميه: لا يفعل ولا يحرقه.

قال أحمد: ولا ينبغي أن يعذبوه.

وعنه: إن مَثَّلوا ُمثل بهم. ذكره أبو بكر.

قال في " الفروع ": قال شيخنا: المثلة حق لهم. فلهم فعلها للاستيفاء

وأخذ الثأر، ولهم تركها والصبر أفضل. وهذا حيب لا يكون في التمثيل بهم

زياده في الجهاد، ولا يكون نكالاً لهم عن نظيرها. فاً ما إذا كان في التمثيل السائغ دعاء لهم إلى الإيمان، أو زجر لهم عن العدوان: فإنه هنا من إقامة الحدود، والجهاد المشروع، ولم تكن القصه في أحد كذلك. فلهذا كان الصبر أفضل. فأما إذا كان المغلب حق الله فالصبر هناك واجب، كما يجب حيث

لا يمكن الانتصار. ويحرم الجزع. هذا كلامه، وكذا قال الخطابي: إن مثَّل الكافر بالمقتول جاز أن يُمثَّل به. انتهى.

(وحرم أخذ مال) منهم (لندفعه إليهم) أي: إلى الكفار. ذكره في" الانتصار ".

وروى الترمذي وقال: غريب، وفي نسخة حسن. عن محمود بن غيلان

عن أبي أحمد الزبيري

(1)

عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مِقسَم عن ابن عباس: " أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين. فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ان يبيعهم "

(2)

. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحكم، رواه الحجاج أيضا عن الحكم.

قال غيره: ابن أبي ليلى ضعفه الأكثر.

وقال العجلي: جائز الحديث. وضعف عبدالحق وابن القطان هذا الخبر

من جهة ابن أبي ليلى.

(1)

في أ: ابن الزبير

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1715) 4: 214 كتاب الجهاد، باب ما جاء لا تفادى جيفة الأسير.

ص: 344

وقال: منقطع، لأن الحكم سمع من مقسم خمسة أحاديب ليس هذا منها.

ورواه أحمد، وعنده: " ادفعوا إليه جيفته فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية.

فلم يقبل منهم شيئا "

(1)

.

وله في رواية: " فخلى بينهم وبينه "

(2)

.

(ومن اسر) منهم (أسيراً، وقدر ان يأتي به) اي: بالأسير (الإمام) ولو بإكراهه على إتيانه إلى الإمام (بضرب اوغيره)؛ كسحبه ونحوه، (وليس) الأسير (بمريض: حرُم قتله) أي: قتل أسيره (قبله) أي: قبل ان يأتي به الإمام فيرى فيه رايه، لأنه إذا صار أسيرا فالخيرة فيه إلى الإمام.

وعلم مما تقدم انه متى امتنع من الانقياد معه ولم يمكنه إكراهه بضرب ولا غيره، أو كان مريضا او جريحا لا يمكنه المشي معه: أن له قتله؛ لأن في تركه حيا ضررا على المسلمين وتقوية للكفار. فتعين القتل، كحالة الابتداء، وكجريحهم إذا لم يأسره. وكذا له قتله إن خافه او خاف هربه.

(و) كذا يحرم على الإنسان قتل (اسير غيره). إلا ان يصير إلى حال يجوز

قتل أسير نفسه. فيجوز له حينئذ قتل اسير غيره.

(ولا شيء عليه) أي: على قاتل الأسير مع تحريم قتله. (إلا ان يكون) الأسير (مملوكاً) فيضمنه بقيمته لمالكه.

ولا فرق في ذلك بين قتله قبل أن ياً نى به الإمام وبين قتله بعده في الأصح؛

" لأن عبدالرحمن بن عوف اسر أمية بن خلف وابنه عليا يوم بدر. فراهما بلال فاستصرخ الأنصار عليهما حتى قتلوهما "

(3)

. ولم يغرموا شيئا.

ولأنه اتلف ما ليس بمال. فلم يغرمه، كما لو أتلفه قبل ان يأتي به الإمام.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(2230) 1: 248

(2)

أخرجه أحمد في " مسمنده "(2442) 1: 271

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2179) 2: 807 كتاب الوكاله، باب إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز.

ص: 345

فأما إن قتل امرأة أو صبياً غرمه بقيمته؛ لأنه صار رقيقاً بنفس السبي.

وإن ادعى الأسير أنه كان مسلماً قبل الأسر لم يقبل قوله في ذلك بمجرده؛

لأنه يدعي أمرا الظاهر خلافه يتعلق به إسقاط حق تعلق برقبته.

فإن شهد له واحد بذلك حلف معه وخلى سبيله على الأصح.

قال في " الإنصاف ": جزم به ناظم " المفردات " وهو منها.

وعنه: لا يقبل إلا بشاهدين. انتهى.

ويدل للأول ما روى عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: " لا يبقى منهم أحد إلا أن

(1)

يفدي أو تضرب عنقه. فقال عبدالله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإنى سمعته يذكر الإسلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء "

(2)

. فقبل

(3)

شهادة عبدالله وحده.

(ويخير إمام في اسير حر مقاتل: بين قتل)؛ لعموم قوله سبحانه

وتعا لى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} ] التوبة: 5].

و" لأنه صلى الله عليه وسلم قتل رجال بني قريظة وهم بين الستمائة والسبعمائة "

(4)

.

و" قتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث "

(5)

.

وفيه تقول أخته:

ما كان ضرك لو مننت وربما منَّ الفتى وهو المغيظ المخنق

فقال صلى الله عليه وسلم: لو سمعت شعرها ما قتلته ".

(و) بين (رق)؛ لقول أبي هريرة: " لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(3632) 1: 384

(3)

في ب: فتقبل.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1582) 4: 144 كتاب السير، باب ما جاء في النزول على الحكم. وفيه:" وكانوا أربعمائة ".

(5)

أخرجه أبو داود في " المراسيل " من حديب سعيد بن جبير. ص:183

ص: 346

سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هم اشد امتي على الدجال. وجاءت صدقاتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه صدقات قومنا. قالت: وكانت سبية منهم عند عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل "

(1)

. متفق عليه.

ولأنه يجوز إقرارهم. على كفرهم بالجزية فبالرق أولى؛ لأنه أبلغ في صغارهم.

(و) بين (منِّ) عليهم، (وفداء بمسلم)؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ] محمد: 4].

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم من على ثُمامة بن أثال "

(2)

.

و" على ابي عَزَّة الشاعر "

(3)

.

و" على أبي العا ص بن الربيع "

(4)

.

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم فدا رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل "

(5)

. رواه أحمد والترمذي وصححه.

(و) بين فداء (بمال) مطلقا على الأصح؛ "لأنه صلى الله عليه وسلم فادى

(6)

أهل بدر بمال "

(7)

.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4108) 4: 1587 كتاب المغازي، باب وفد بني تميم. وأخرجه مسلم في "صحيحه " (2525) 4: 1957 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل غفار وأسلم. . .

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(9832) 2: 52 4

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 320 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في من الإمام على من رأى من الرجال البالغين من أهل الحرب.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(26405) 6: 276

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1568) 4: 135 كتاب السير، باب ما جاء في قتل الأسارى وا لفد اء.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(9738 1) 4: 427

(6)

في أ: فدى.

(7)

أخرجه أبو داود قي " سنة "(2690) 3: 61 أول كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال. وأخرجه أحمد في " مسنده " (221) 1: 33

ص: 347

(ويجب) على الإمام (اختيار الأصلح) للمسلمين. يعني: ان هذا التخيير تخيير مصلحة واجتهاد لا تخيير شهوة. فمتى رأى المصلحة في خصلة لم يجز أن يختار غيرها؛ لأنه يتصرف للمسلمين على سبيل النظر لهم. فلم يجز له ترك ما فيه الحظ؛ كولي

(1)

اليتيم؛ لأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى. فإن منهم من له قوه ونكاية في المسلمين فقتله أصلح، ومنهم الضعيف الذي له. مال كثير ففداؤه أصلح، ومنهم حسن الرأي في المسلمين يُرجى إسلامه بالمن عليه، أو معونته للمسلمين بتخليصه أسراهم أو الدفع عنهم فالمن عليه أصلح، ومنهم من ينتفع بخدمته ويؤمن شره فاسترقاقه أصلح.

(فإن تردِّدّ نظرُه) أي: نظر الإمام في الخصال المذكورة (فقتلٌ) أي: فقتل

الأسر ى (أولى).

قال مجاهد في اميرين أحدهما يقتل الأسرى: هو أفضل، وكذلك قال مالك، وكذا قال الموفق وشارح " المقنع " وصاحب " الفروع " وغيرهم.

ومتى رأى القتل فإنه يكون بضرب العنق بالسيف؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} ] محمد: 4].

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بضرب أعناق الذين قتلهم ".

ولا يجوز التمثيل بأحد؛ لما روى بريدة " ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر رجلا على جيش أو سرية قال: اغزوا بسم الله. قاتلوا من كفر بالله، ولا تعذبوا، ولا تمثلوا"

(2)

.

(ومن فيه نفع) من الأسرى، (ولا يقتل) اي: ولا يحل قتله؛ (كأعمى، وامرأة، وصبي، ومجنون، ونحوهم)؛ كخنثى: (ر قيقٌ بسبي)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان "

(3)

. متفق عليه.

(1)

في أ: كون.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1731) 3: 1357 كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث. . .

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه "(2852) 3: 98 0 1 كتاب الجهاد والسير، باب قتل النساء في الحرب. =

ص: 348

و" كان صلى الله عليه وسلم يسترقهم إذا سباهم ".

(وعلى قاتلهم) اي: من قتل من ذكر، ومن قتل من حكم الإمام باسترقاقه

(1)

: (غرم الثمن) أي: غرم قيمته. ويكون الغرم (غنيمة)؛ لأنه مال تعلق به حق الغانمين. اشمبه إتلاف عروض الغنيمة.

(و) على قاتله أييضاً (العقوبة) أي: التعزير لقتله] من لا يحل قتله [

(2)

. (والقن غنيمة)؛ لأنه مال للكفار

(3)

استولي عليه. فكان للغانمين؛ كالبهيمة،

(ويُقتل) القن (لمصلحة) يراها الإمام؛ لأن مثل هذا لا قيمة له. اشبه المرتد.

(ويجوز استرقاق من لا تُقبل منه جزية) على الأصح. نص عليه في رواية

ابن الحكم؛ لأنه كافر اصلي. أشبه من تقبل منه الجزية.

(أو عليه ولاء لمسلم) يعنى: انه يجوز استرقاق من عليه ولاء لمسلم في الأصح. واختار أبو بكر: أنه لا يسترق من عليه ولاء لمسلم. بخلاف ولده الحربي؛ لبقاء نسبه.

) ولا يبطل استرقاقٌ حقا لمسلم).

قال في " الإنصاف ": قاله ابن عقيل، وهو ظاهر ما قدمه في " الفروع ".

قال في " الانتصار ": لا عمل لسبي إلا في مال. فلا يسقط حق قود له أو عليه. وفي سقوط الدين من ذمته- لضعفها برقه- كذمة مريض: احتمالان.

وقال في " البلغة ": يُتبع به بعد عتقه. إلا ان يغنم بعد استرقاقه. فيقضى

(1)

-- وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1744) 3: 1364 كاب الجهاد والسسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب.

في أ: باسترقاقهم.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: للكافر.

ص: 349

منه دينه. فيكون رقه كموته، وعليه يخرج حلوله برقه. وإن أُسر وأُخذ ماله معاً فالكل للغانمين، والدين باق في ذمته. انتهى.

(ويتعين رق بإسلام عند الأكثر) يعني: أنه متى أسلم الأسير صار رقيقا في الحال وزال التخيير فيه، وصار حكمه حكم النساء. وهذا إحدى الروايتين واختيار الأكثر، جزم به في " الوجيز " و" الهداية " و" المذهب " و" مسبوك الذهب " و" الخلاصة " و" تجريد العناية "، وقدمه في " المحرر " و" شرح المقنع " و" الرعايتين " و" الحاويين " و" الزركشي " وقال: عليه الأصحاب. (وعنه:) أي: والرواية الثانية: أن إسلامه إنما يحرم قتله فقط، و (يخير) الإمام فيه (بين رق) أي: بين استرقاقه، (ومنِّ) عليه، (وفداء). صححه الموفق وشارح " المقنع " وصاحب " البلغة "، وقاله في " الكافي " وقدمه في " الفروع ".

وقا ل (المنقح) في " التنقيح ": (وهو المذهب).

وقال في " الإنصاف ": وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة.

(فـ) على هذه الرواية التي ذكر المنقح أنها المذهب: (يجوز الفداء) أي: أن يفديه الإمام بمال ياً خذه " (ليتخلص من الرق). وله أن يمن عليه " لأنه إذا جاز المن عليه في حال كفره ففي حال إسلامه أولى، لأن الإسلام يقتضي إكرامه والإنعام عليه.

(ويحرم ردُّه) أي: رد من أسلم من الأسرى

(1)

(إلى الكفار).

قال في " الفروع ": اطلقه بعضهم. وذكر الموفق: أن لا يكون له من يمنعه من الكفار من عشيرة أو نحوها.

(وإن بذلوا) أي: بذلوا الأسارى من أهل الكتاب (الجزية: قُبلت جوازاً) أي: على سبيل الجواز لا الوجوب. (ولم تُسترق) منهم (زوجة و) لا (ولد

(1)

في أ: الأسارى.

ص: 350

بالغ). وأما النساء غير المزوجات والصبيان منهم فإنهم صاروا غنيمة بنفس السبي.

وأما إذا امتنع الإمام من قبول الجزية منهم فتخييره فيهم باق " لأن ما بذلوه

من الجزية لا تجب إجابتهم إليه بعد أن صاروا في يد المسلمين بغير أمان " كما لو بذل ذلك عبدة الأوثان.

(ومن اسلم) من الكفار (قبل أسره ولو) كان إسلامه (لخوف فكأصلي) يعني: فهو كمسلم أصلي " لأنه لم يحصل في أيدي الغانمين.

***

ص: 351

] فصل: في سبي الصبي [

(فصل. والمسبي) من الكفار حال كونه (غير بالغ)، وحال كونه (منفرداً) عن أبويه، (او) كونه (مع احد ابويه) وسابيه (مسلم): فهو مسلم.

اما ما سباه مسلم من أطفال الكفار منفردا عن ابويه فإنه يصير مسلما إجماعا؛ لأن الدين إنما يثبت

(1)

له] تبعاً. وقد انقطعت تبعيته لأبويه؛ لانقطاعه عنهما وإخراجه عن دارهما ومصيره إلى دار الإسلام [

(2)

تبعا لسابيه المسلم. فكان تابعاً

(3)

له في دينه.

وأما ما سباه مسلم مع أحد ابويه فإنه يصير مسلما على الأصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة فاً بواه يهودانه او ينصرانه أو يمجّسانه "

(4)

. رواه مسلم.

وفسر أحمد الفطرة فقال: الفطرة التي فطر الناس عليها شقي أو سعيد.

قال القاضي: المراد به: - الدين

(5)

من كفر او إسلام. قال: وقد فسر أحمد

هذا في غير موضع.

وذكر الأثرم: معنى على الفطرة: على الإقرار بالوحدانية حين أخذهم من صلب ادم واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؛ قالوا: بلى، وبأن له صانعا

(1)

في أ: ثبت.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: تبعا.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1319) 1: 465 كماب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2658) 4: 2047 كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة.

(5)

ساقط من ب.

ص: 352

ومدبراً وإن عبد شيئا غيره وسماه بغير اسمه، وأنه ليس المراد على الإسلام؛ لأن اليهودي يرثه ولده الطفل إجماعا.

(ومعهما على دينهما) يعني: أن

(1)

من سُبي من الأطفال مع ابويه فهو باق

على دينهما.

(ومسبي ذمي). من اولاد الحربيين (يتبعه) اي: يتبع سابيه الذمي في دينه.

قال في " الإنصاف ": لو سبى ذمي حربياً تبع سابيه حيث يتبع المسلم،

على الصحيح من المذهب.

وعلم مما تقدم أن غير البالغ متى سبي مع أبويه كان على دينهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " فاًبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "

(2)

. وهما معه، ومُلك السابي له لا يمنع إتباعه لأبويه في الدين. بدليل ما لو ولده في ملكه من عبده وأمته الكافرين.

(وإن اسلم) أحد أبوي غير بالغ، (او مات) احد ابوي غير بالغ، (او

عُدم أحد أبوي غير بالغ بدارنا)؛ كزنا ذمية ولو بكافر فتأتي بولد فالولد مسلم نصاً؛ لحديث مسلم المتقدم

(3)

.

(أو اشتبه ولد مسلم بولد كلافر) فولد الكافر الذي اشتبه بولد المسلم مسلم نصا. ولا يقرع خشية ان يقع ولد المسلم للكافر.

(أو بلغ) ولد الكافر (مجنوناً فـ) هو (مسلم)؛ لعدم قبوله من أبويه التهود أو التنصر أو التمجس.

(وإن بلغ) ولد الكافر حال كونه (عاقلاً، ممسكاً عن إسلام و) عن (كفر: قُتل قاتله).

قال في " الفروع ": وفيه احتمال.

(1)

ساقط من أ.

(2)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(3)

ص (35 2) رقم (4).

ص: 353

وقيل: يقتل إن حكم بإسلامه بما تقدم، لا بالدار. ذكره أبو الخطاب

وغيره 10 نتهى.

(وينفسخ نكاج زوجة حربي بسبي) إن سبيت دون زوجها؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ] النساء: 24]. قال

المفسر ون: با لسبي.

وقد روى أبو سعيد الخدري قال. " أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في

قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ] النساء: 24 ["

(1)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

ولأن السبي استيلاء على محل

(2)

حق الكافر. فزال عنه بملكه

(3)

بذلك.

(لا) إن سبيت (معه ولو استرقا) بأن اختار الإمام استرقاقه مع زوجته؛

لأن الرق معنى لا يمنع ابتداء النكاج. فلا يقطع استدامته؛ كالعتق.

] لكن لا يحرم التفريق بينهما في قسمه ولا بيع؛ لأن الشرع لم يرد بذلك [

(4)

.

قال في " شرح المقنع ": ولم يفرق أصحابنا في سبي الزوجين بين أن يسبيهما رجل واحد أو رجلان

(5)

.

(وتحل) المرأة المسبية السابيها) إذا سباها وحده.

وقد علم مما تقدم أن الرجل إذا سبي وحده لا ينفسخ نكاح زوجته التي بدار

الحرب؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسر سبعين من الكفار يوم بدر فمن على بعضهم وفادى بعضهم، ولم يحكم عليهم بفسخ انكحتهم ".

ولأننا إذا لم نحكم بفسخ النكاح فيما إذا سبيا معا مع الاستيلاء على محل

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(16 30) 5: 234 كتاب تفسير القران، باب ومن سوره النساء.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: ملكه عنه.

(4)

وردت هذه العبارة في أاخر المسألة التالية.

(5)

في أ: رجلين.

ص: 354

حقه. فلئلا ينفسخ نكاحه مع عدم الاستيلاء على محل حقه من باب اولى.

ولأنه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه.

(ولا يصح بيع مُسترق منهم) اي: من الأسرى (لكافر) ولو كان المسترق كافرا على الأصح. نص على ذلك.

قال أحمد: ليس لأهل الذمة أن يشتروا مما سبى المسلمون.

قال: وكتب عمر بن الخطاب ينهى عنه أمراء الأمصار. هكذا

(1)

حكى اهل الشام. انتهى.

ولأنه لم ينكر ما قاله عمر منكر. فكان كالإجماع.

ولأن فيه تفويتاً للإسلام الذي يظهر وجوده إذا بقي مخالطاً للمسلمين. بخلاف ما إذا كان رقيقا لكافر.

(ولا) يصح ايضا (مُفاداتُه) أي: مفاداة من استرق من الكفار لكافر (بمال) على الأصح.

قال في " الإنصاف ": حكم المفاداة بمال حكم بيعه، خلافاً ومذهباً. (ويجوز) مفاداته (بمسلم).

قال في " الإنصاف ": وأما مفاداته بمسلم فالصحيح من المذهب جوازه. وعليه الأصحاب.

وعنه: المنع بصغير.

ونقل الأثرم ويعقوب: لا يرد صغير ولا نساء إلى الكفار. انتهى.

(ولا يُفرَّق) ببيع ولا هبة ولا غيرهما (بين ذوي رحم محرم)؛ كاًب وابن، وكاًخوين، وكالعم وابن اخيه، وكالخال وابن اخته ونحو ذلك. ولو بعدالبلوغ على الأصح.

اما التفريق بين الأم وولدها] الصغير فحرام بالإجماع؛ لما روى أبو ايوب

(1)

في أ: فكذا.

ص: 355

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من فرّق بين والدة وولدها [

(1)

فرق الله بينه وببن أحبته يوم القيامة "

(2)

. قال الترمذي: حديث حسن غريب.

قالى أحمد: لا يفرق بين الأم وولدها وإن رضيت. وذلك والله أعلم لما فيه

من الإضرار بالولد.

] ولأن المرأة قد ترضى بما فيه ضررها ثم يتغير قلبها فتندم.

وأما التفريق [

(3)

بين الأب وولده فقال مالك والليث: يجوز؛ لأنه ليس من

أهل الحضانة بنفسه.

ولأنه لا نص فيه ولا في معنى المنصوص؛ لأن الأم أشفق منه.

ولنا على تحريم التفريق بين الأب وولده: أنه أحد الأبوين. أشبه الأم.

ولا نُسلّم أنه ليس من أهل الحضانة.

وأما تحريم التفريق بين الجدة وولد أولادها وبين الجد وولد أولاده؛ فلأن الجد والجدة يقومان مقام الأبوين في استحقاق الحضانة والميراث والنفقة. فقاما مقامهما في تحريم التفريق. ويستوي في ذلك الجد والجدة من قبل الأب ومن قبل الأم؛ لأن لهم ولادة ومحرمية فاستووا في ذلك؛ كاستوائهم في منع شهادة بعضهم على بعض.

وأما تحريم التفريق بين ذوي الرحم المحرم؛ كالإخوة والأخوات ونحوهما؛ فلما روي عن علي أنه قال: " وَهَب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين. فبعت أحدهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل غلامك؛ فأخبرته فقال: رده رده

(4)

"

(5)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

ولأن تحريم التفريق بين الوالدين والأولاد؛ لما بينهما من الرحم

(1)

ساقط من ب.

(2)

أحرجه الترمذي في " جامعه "(1566) 4: 134 كتاب السير، باب في كراهيه التفريق بين السبي.

(3)

ساقط من أ.

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1284) 3 0 492 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية الفرق بين الاخوين أو بين الوالدة.

ص: 356

المحرم

(1)

. فقيس عليهما تحريم التفريق بين كل ذي رحم محرم.

فأما من ليس بينهما رحم محرم فلا يمنع من التفريق بينهم؛ لعدم النص فيهم

(2)

، وامتناع قياسهم على المنصوص. ولذلك يجوز التفريق بين الأم من الرضاع وولدها، والأخت من الرضاع وأخيها.

ولأن قرابة الرضاع لا توجب عتق أحدهما على الآخر ولا نفقة ولا ميراثاً.

فاًشبهت الصدقة.

إذا تقرر هذا فإنه يستثنى من عموم تحريم التفريق ثلاث صور:

اشير إلى الأولى منها

(3)

بقوله: (إلا بعتق).

وأشير إلى الثانية بقوله: (او افتداء اسير) إذا كان الأسير مسلماً، والذي افتديناه به من ذوي الرحم

(4)

كافر. او هذا مراد من أطلق والسابق إلى الأذهان. وأشير إلى الثالثة بقوله: (او بيع فيما إذا ملك اختين، ونحوهما)؛ كامرأة وعمتها، او امرأة وخالتها. فإنه إذا وطئ إحداهما وأراد وطء الأخرى فإنه يجوز له أن يبيع الموطوءة ليباج له وطء الأخرى؛ لاضطراره حينئذ إلى بيعها.

(ومن اشترى منهم) أي: من الأسرى

(5)

(عدداً) أي: اثنين فاً كثر (في عقد يُظن ان بينهم) أي: بين الذين أبيعوا (اُخُوَّة) اي: يظن أنهم إخوة (او نحوها) أي: نحو الأُخوة؛ كالعمومة والخؤولة فباعهم الإمام جملة بدون ثمن مثلهم مع التفريق لتحريم التفريق بينهم؛ لوجود القرابة لو كانت. (فتبين عدمُها لا أي: عدم القرابة التي يحرم التفريق معها: (رُدَّ إلى المقسَم) من المشتري (الفضل الذي فيه) أي: في المبيع (بالتفرق) أي: بجواز

(6)

تفريق المبيع.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: فيه.

(3)

في أوب: منهما.

(4)

في ج: الأرحام.

(5)

في أ: الأسارى.

(6)

في أ: يجوز.

ص: 357

وهذا إذا فات المبيع، وأما مع بقائه بيد مشتريه فللبائع فسخ البيع واسترجاعه

ليباع بقيمته متفرقاً.

(وإذا حضر إمام) أو نائبه الأمير (حصناً: لزمه) فعل

(1)

(الأصلح) أي:

أن يجتهد فيفعل ما يراه الأ صلح

(2)

(من مُصابرته) أي: مصابرة الحصن، (و) من (مُوادعته بمال، وهدنة بشرطها). نقله المروذي.

(ويحبان) الموادعة بمال والموادعة بغير ما ل (إن سألوهما) أي: ساً لهما

اهل الحصن (وثَم مصلحة) موجودة؛ لأن الغرض إعلاءُ كلمة الإسلام وصغار الكفرة. وهو حاصل بسؤالهم الموادعة. فيجب؛ كالمن عليهم مع وجود المصلحة فيه.

وله ايضا الانصراف عن الحصن بدون ما ذكر إذا رأى المصلحة في الانصراف. إما الضرر في الإقامه عليه

(3)

أو للياًس منه؛ لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف فلم ينل منهم شيئا. فقال: إنا قافلون إن شاء الله غدا فقال المسلمون: أنرجع ولم نفتحه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال فغدوا عليه فاًصابهم الجراج. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون غدا. فأعجبهم. فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من عليه "

(4)

.

وقيل: لا يجوز أن يوادعهم، إلا أن يعجز عنهم ويستضر بالمقام عليهم.

(وإن قالوا) اي: قال أهل الحصن للمسلمين:) ارحلوا عنا، وإلا قتلنا اسراكم) الذين

(5)

عندنا (فليرحلوا) اي: فيجب على المسلمين أن يرحلوا عنهم. . .

(ويحرز من أسلم منهم) أي: من أهل الحصن قبل إحرازنا إياه (دمه وماله

(1)

زيادة من ج.

(2)

في أ: أصلح.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(0 07 4) 4: 572 1 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.

(5)

في ب: الذي.

ص: 358

حيث كان) أي: سواء كان معه في الحصن او خارجه. (ولو) كان ماله (منفعة إجارة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت ان أقاتل الناس. . . " الحديث

(1)

.

(و) يحرز ايضاً (اولاده الصغار، وحمل امرأته) للحكم بإسلامهم تبعا لإسلامه (لا هي) اي: لا امراته فإنه لا يحوزها؛ لأنها لا تتبعه في الإسلام، ويجوز استرقاقها؛ لأنها كافرة استولينا عليها بدون أمان. فجاز استرقاقها؛ كما لو لم تكن زوجة مسلم.

(ولا ينفسخ نكاحه) أي: نكاح زوجها الذي اسلم (برقها)؛ لأن منفعة النكاح لا تجري مجرى الأموال. بدليل أنها لا تضمن باليد، ولا يجوز أخذ العوض عنها.

(وإن نزلوا) اي: نزل أهل الحصن (على حكم) رجل (مسلم حر، مكلف عدل، مجتهد في الجهاد) من غير أن يُشترط أن يكون مجتهدا في جميع الأحكام. (ولو) كان (أعمى)؛ لأن المقصود رايه ومعرفة المصلحة في أحد أقسام الحكم. بخلاف القضاء، فإنه لا يستغنى عن البصر؛ ليميز المدعي من المدعى عليه، والشاهد من المشهود له والمشهود عليه، (او) كان الذي نزلوا على حكمه (متعددا)؛ كما لو كانوا رجلين فأكثر:(جاز)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني قريظة رضوا باًن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ. فأجابهم لذلك "

(2)

.

ومتى نزلوا على حكم رجلين فاً كثر كان الحكم فيهم ما اجتمعا او اجتمعوا عليه من الأمر.

(ويلزمه) أي: يلزم من نزلوا على حكمه (الحكم بالأحظِّ لنا) من قتلهم او سبيهم أو فدائهم.

(ويلزم) العمل بحكمه (حتى) في الأصح (بمنِّ) عليهم.

(1)

سيأنى تخريجه ص (361) رقم (1).

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3896) 4: 1 151 كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة.

ص: 359

و" كان حكم سعد بن معاذ في بني قريظة، بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة ارقعة "

(1)

.

(وليس للإمام قتل من حَكم) من نزلوا على حكمه (برقه)؛ لأن

(2)

الإمام

إذا حكم برق إنسان ليس له أن يقتله بعد حكمه برقه.

ولأن القتل أشد من الرق، وفيه إتلاف القيمة على الغانمين.

(ولا رق من حَكم بقتله) يعني: انه ليس للإمام استرقاق شخص حكم من

نزلوا على حكمه بقتله؛ لأنه قد يكون ممن يخاف من بقائه النكاية في المسلمين، ودخول الضرر عليهم بذلك.

(ولا رق ولا قتل من حَكم بفدائه) يعني: أنه ليس للإمام أن يسترق ولا ان

يقتل شخصا حَكَم من نزلوا على حكمه بفدائه؛ لأنه ليس له

(3)

ذلك فيمن حكم هو بفدائه؛ لان القتل والرق أشد من الفداء. فلا يجاوز الأخف مما حكم به إلى الأثقل. ويكون ذلك نقضا للحكم بعد لزومه.

(وله) اي: للامام (المنُّ مطلقا) أي: على من حكم بقتله او رقه أو

فدائه؛ لأن المن أخفُّ من الثلاثة. فإذا راه الإمام مصلحة جاز له فعله؛ لأنه اتم نظرا، وكما لو راه ابتداء.

(و) للإمام أيضا (قبول فداءٍ ممن حَكم) من نزلوا على حكمه (بقتله أو

رقه)؛ لأنه نقض حكم برضى المحكوم له. فإذا رضي به جاز.

ولأن ذلك حق الإمام. فإذا رضي بتركه إلى غيره كان له ذلك.

(وإن أسلم من حَكم) من نزلوا على حكمه (بقتله أو سبيه عصم دمَه فقط)

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3895) الموضع السابق.

وأخرجه مسلم في " صحيحه"(1768) 3: 1388 كتاب الجهاد، باب جواز قتال من نقض العهد. . .

(2)

في أ. كما أن.

(3)

زيادة من ج.

ص: 360

اي: دون ماله وذريته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم واموالهم "

(1)

.

وقد وجد

(2)

منه قول: لا إله إلا الله فحرم قتله بذلك. وأما ماله وذريته. فإنهما صارا بالحكم ملكا للمسلمين. فلا يعودان إليه بإسلامه.

(ولا يُسترق) في الأصح؛ لأنه اسلم قبل الاسترقاق. فلم يجز استرقاقه؛

كما لو اسلم قبل القدرة عليه.

(وإن سألوا) أي: سأل أهل الحصن (ان يُنزلهم على حكم الله تعالى:

لزمه ان يُنزلهم. ويخير) فيهم (كأسرى) في يده في الأصح. جزم به في " الرعاية الكبرى " وقدمه في " الفروع ".

وقال في " الواضح ": يكوه.

وقال في " المبهج ": لا ينزلهم؛ لأنه كإنزالهم بحكمنا ولم يرضوا به.

(ولو كان به) أي: بالحصن (من لا جزية عليه. فبذلها لعقد الذمة عُقدت مجانا، وحُرم رقه)؛ لأن العقد معهم أمان لهم وإن لم يجب به مال.

(ولو خرج عبد) من دار

(3)

الحرب (إلينا بأمان، او نزل من حصن) إلينا بأمان: (فهو حر) نص على ذلك.

(ولو جاءنا) عبد (مسلما واسَر سيدَه، او) أسر (- غيره) أي: غير سيده: (فهو حر)، ولهذا لا نرده في هدنة. قاله في " الترغيب " وغيره. (والكل) اي: كل ماجاءبه (له) أي: للعبدالذي جاء مسلما.

(وإن أقام) العبد بعد ان أسلم (بدار حرب: فرقيق) أي: فهو باقٍ على رقه.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(25) 1: 17 كتاب الإيمان، باب {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ}

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(22) 1: 53 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله. . .

(2)

في أ: وجدوا.

(3)

في ج: أهل.

ص: 361

(ولو جاء مولاه مسلماً بعده) اي: بعد عبده الذي جاء قبله مسلماً: (لم

يُرد إليه)؛ لتأخره عن الحكم بحرّية عبده حين جاء إلينا مسلما.

(ولو جاء) مولاه (قبله مسلما، ثم جاء هو) أي: عبده بعده (مسلماً فهو) أي: فالعبد (له) أي: لمولاه؛ لعدم زوال ملكه عنه.

(وليس لقن غنيمة. فلو هرب إلى العدو ثم جاء) من العدو (بمال فهو) أي: فالعبد (لسيده والمال) الذي جاء به (لنا) غنيمة.

والله سبحانه وتعالى اعلم.

***

ص: 362

] باب: ما يلزم الإمام والجيش [

هذا (باب ما يلزم الإمام) عند سيره بالجيش إلى الغزو او نائبه في ذلك وهو امير الجيش، (و) ما يلزم (الجيش) السائر معه.

(يلزم كل أحد إخلاص النية لله تعالى في الطاعات، وأن يجتهد في ذلك). ويستحب أن يدعو سراً.

قال أبو داود: باب ما يدعو عند اللقاء. ثم روى باسناد جيد عن انس قال:

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا. غزا قال: اللهم! انت عضُدي ونصيري. بك أحولُ، وبك أصولُ، وبك أقاتل "

(1)

. ورواه النسائي والترمذي وقال: حسن غريب. قال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب الحيله، يقال: ما للرجل حول، وما له محالة، قال: ومنه: لا حول ولا قوة إلا بالله. اي: لا حيلة في دفع سوء ولا قوه في درك خير إلا بالله. وفيه وجه آخر وهو: ان يكون معناه المنع والدفع. من قولك: حال بين الشيئين إذا منع احدهما عن الاخر، يقول: لا امنع ولا ادفع إلا بك.

قال في " الفروع ": وكان غير واحد منهم شيخنا يقول هذا عند قصد مجلس علم.

(وعلى الإمام عند المسير) أي: مسير الجيش، وقيل: يستحب له: (تعاهد الرجال والخيل) أي: رجال الجيش وخيلهم؛ لأن ذلك من مصالح الغزو. فلزمه فعله؛ كبقية المصالح.

(و) عليه أيضاً (منع من لا يصلحُ لحرب) من الرجال والخيل. فيمنع من الرجال الضعفاء والزمنى، ولا يدع فرساً حَطِماً وهو الكسير، ولا قَحماً وهو

(1)

أخرجه أبو داود فى " سننه "(2632) 3: 42 أول كتاب الجهاد، باب مايدعى عند اللقاء. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (3584) 5: 572 كتاب الدعوات، باب في الدعاء إذا غزا. ولم اره عند النسائى

ص: 363

الكبير، ولا ضَرَعا وهو الصغير، ولا هزيلا.

(و) عليه أيضا منع (مُخذِّل) من الرجال. وهو: الذي يُفنّد الناس عن الغزو، ويزهدهم في القتال والخروج إليه، ومثل من يقول: الحر شديد، والبرد شديد، أو المشقة شديدة، او لا تؤمن هزيمة الجيش، ونحو هذا القول.

(و) عليه ايضا منع (مُرجف) مثل من يقول: هلكت سرية المسلمين،

وما لهم مدد، أو لا طاقة لهم بالكفار، أو الكفار

(1)

قويون، أو لهم مدد، او لهم صبر، ولا يثبت لهم أحد ونحو ذلك.

(و) عليه أيضا منع (مُكاتِب) للكفار (بأخبارنا)؛ ليدل الكفار على عورات المسلمين.

(و) عليه أيضا منع (معروف بنفاق)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا}

] التو بة: 83].

(و) عليه أيضا منع (رام بيننا) أي: بين المسلمين (بفتن)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}

] التوبة: 47].

قيل معناه: لأوقعوا بينكم الاختلاف.

وقيل: لأسرعوا في تفريق جمعكم.

ولأن في حضور هؤلاء ضررا على المسلمين. فيجب صيانتهم عنه.

(و) منع (صبي). سواء كان مميزا أو غير مميز. ومنع مجنون أيضا؛

لأن في دخولهما أرض العدو تعريضا للهلاك من غير فائدة.

(و) منع (نساء)؛ لأنهن لسن من اهل القتال. وقل ما ينتفع بهن فيه؛ لاستيلاء الجبن والخَوَر عليهن. ولا يؤمن عليهن ظفر العدو بهن فيستحلون ما

(1)

في أ: والكفار.

ص: 364

حرم

(1)

الله منهن.

(إلا عجوزا لسقي) الماء، (ونحوه) أي: نحو سقي الماء؛ كمعالجة الجرحى؛ لما روي " أن أم سُليم ونسيبة بنت كعب كانتا تغزوان مع النبي صلى الله عليه وسلم. فاًما نُسيبة فكانت تقاتل. وقُطعت يدها يوم اليمامة "

(2)

.

وقالت الرُّبَيع: " كنا

(3)

نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم لسقي الماء ومعالجة الجرحى "

(4)

.

وقالط أنس: " كان رسولط الله صلى الله عليه وسلم يغزو باًم سُليم ونسوة معها من الأنصار. يسقين الماء، ويعالجن ويداوين الجرحى "

(5)

. قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.

فإن قيل: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخرج معه من تخرج له القرعة من نسائه؛

قلنا: تلك امراة واحدة ياً خذها للحاجة إليها. ويجوز مثل ذلك للأمير عند حاجته. ولا يرخص لسائر الرعية؛ لئلا يفضي إلى ما ذكرنا.

(وتحرم استعانة) في غزو (بكافر؛ إلا لضرورة) تدعو إلى ذلك؛ لما روت عائشة قالت: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر. حتى إذا كان بحرة الوبر أدركه رجل من المشركين كان يذكر منه جرأه ونجدة. فَسُر المسلمون به. فقال: يا رسول الله! جئت لأتبعك وأصيب معك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتؤمن

(1)

في أ: لهن فيستحلون محارم.

(2)

عن أم عطية الأنصارية قالت. " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى ". أخرجه مسلم في " صحيحه "(1812)

3: 1447 كتاب الجهاد، باب النساء الغازيات يرضخ لهن. . .

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2856) 2: 952 كتاب الجهاد، باب العبيد والنساء يشهدون مع المسلمين.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(27339) 6: 07 4

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27061) 6: 359

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1575) 4: 139 كتاب السير، باب ما جاء في خروج النساء في الحرب.

ص: 365

بالله ورسوله؛ قال: لا. قال: فارجع فلن نستعين بمشرك. ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالبيداء أدركه ذلك الرجل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتؤمن بالله ورسوله؛ قا ل: نعم. قا ل: فانطلق "

(1)

. متفق عليه.

وأما كون ذلك يجوز عند الحاجة؛ فلما روى الزهري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم "

(2)

. رواه سعيد.

وروي " أن صفوان بن أمية خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو على شركه ". فيُحمل غزو المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الضرورة جمعا بين الأحاديث. ويشترط مع ذلك: أن يكون الكافر المستعان به عند الضرورة حسن الرأي

في المسلمين. فإن كان غير ماًمون عليهم لم تجز الاستعانة به؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين؛ كالمخذل والمرجف فالكافر أولى.

(و) يحرم ايضا استعانة (بأهل الأهواء في شيء من امور المسلمين)؛ لأن

في ذلك أعظم الضرر.

ولأنهم دعاه. واليهود والنصارى لا يدعون إلى أديانهم. نص على ذلك.

قال

(3)

في " الفروع ": وظاهر كلام الأصحاب في أهل البدع والأهواء خلاف نص أحمد.

(و) يحرم (إعانتُهم) أي: إعانة أهل الأهواء على عدوهم (إلا خوفا) من شرهم.

ويستحب كون ابتداء خروج الأمير بالجيش يوم الخميس؛ لما روى كعب بن مالك قال: " قل ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا يوم الخميس "

(4)

.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه ") 1817) 3: 1450 كتاب الجهاد والسير، باب كراهة الإستعانة في الغزو بكافر. ولم أره عند البخاري.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2790) 2: 284 كتاب الجهاد، باب ما جاء في سهمان النساء.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2380) 2: 147 كتاب الجهاد، باب ما جاء في اليوم الذي-

ص: 366

(ويسير) بالجيش (برفق) أي: مثل سير أضعفهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

" أمير القوم أقطعهم ". أي: أقلهم سيرا؛ لئلا ينقطع منهم أحد.

(إلا لأمر يحدث) فيجوز له ان يجد بهم في السير.

نقل ابن منصور: اكره السير الشديد إلا لأمر يحدث؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم جد بهم في

السير حين بلغه قول عبدالله بن أُبيّ: {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} ] المنافقون: 8 [ليشتغل الناس عن الخوض فيه "

(1)

.

(ويُعد لهم) أي: لجيشه (الزاد)؛ لأنه لا بد من الزاد في الغزو وفي غيره؛ لأن به قوامهم.

(ويُحدثهم بأسباب النصر) أي: يُحدث الجيش بما يخيل إليهم من أسباب النصر. فيقول لهم: انتم أكثر عددا، وأشد أبدانا، وأقوى قلوبا، ونحو ذلك مما يطمعهم في عدوهم؛ لأن ذلك مما تستعين به النفوس على ألمصابرة، ومما

يبعثها على القتال.

(ويُعرِّف عليهم العرفاء) وهو: أن يجعل لكل جماعه من يكون كالمقدم عليهم. ينظر في حالهم ويتفقدهم؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم عرف يوم عام خيبر على كل عشرة عريفا "؛ لأن هذا أقرب لجمعهم.

وقد ورد: " العرافة حق "

(2)

؛ لأن فيها مصلحة للمسلمين.

(ويعقِد لهم الألوية. وهي) أي: الألوية: (العصابة تُعقد على قناة

ونحوها).

(1)

- يستحب فيه الخروج. . .

وفي لفظ أخرجه البخاري في " صحيحه " عن كعب بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك. وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ".

(0 279) 3: 078 1 كتاب الجهاد والسير، باب من أراد غزوة فورى بغيرها.

ذكره السيوصي ب الدر المنثور 8: 178 وعزاه إلى ابن ابي شيبة في " تفسيره "

2 أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 361 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب

(2)

ما جاء في كراهية العرافة

ص: 367

قال صاحب " المطالع ": اللواء راية لا يحملها إلا صاحب جيش الحرب،

] او صاحب دعوة الجيش [

(1)

.

(و) يعقد لهم أيضا (الرايات وهي: اعلام مربعة). ويجعل لكل طائفة راية؛ لما روى ابن عباس " أن أبا سفيان حين أسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها. قال: فحبسته حيث أمرنى رسول الله ومرت به القبائل على راياتها ".

ولأن الملائكة إذا نزلت بالنصر نزلت مسومة بها. نقله حنبل.

ولأحمد عن عمار " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه "

(2)

.

ونادى بعض الصحابة فى اليمامة وغيرها: ويا لفلان

(3)

.

والأمير مخير في ألوان الرايات. لكن ينبغي أن يغاير بين ألوانها؛ ليعرف

كل قوم رايتهم.

(ويجعل لكل طائفة) من الجيش (شعارا يتداعون به عند الحرب)؛ لئلا

يقع بعضهم على بعض. وهي علامة بينهم يعرفونها؛ لما روى سلمة قال: "غزونا مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شعارنا أمت أمت "

(4)

. رواه أحمد.

وقد ورد أيضا: " حم لا ينصرون "

(5)

.

ولأن الإنسان ربما احتاج إلى نصرة صاحبه، وربما يهتدي بها إذا ضل.

(ويتخير) لجيشه (المنازل) فينزلهم في أصلحها لهم

(6)

. (ويحفظ مكامنها)؛ لئلا يؤتوا منها.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(8339 1) 4: 63 2

(3)

في ب: يا فلان.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(16545) 4: 46

(5)

أخرجه أحمد في " مسنده "(16666) 4: 65

(6)

ساقط من ب.

ص: 368

والمكامن: جمع مكمن، وهو: المكان الذي يختفي فيه العدو ليهجم على عدوه على حين غفلة.

(ويتعرف حال العدو، ويبعث العيون)] إليهم حتى لا يخفى عليه امرهم. فيتحرز منهم ويتمكن من الفرصة فيهم.

(ويمنع جيشه من محرَّم) [

(1)

يعني: من الفساد والمعاصي؛ لأنها من أسباب الخذلان.

(و) يمنعهم أيضا من (تشاغل بتجارة) مانعة لهم من القتال.

(ويعد الصابر) أي: من يعلم منه الصبر في القتال (بأجر ونَفَل) ترغيبا له

في الجهاد.

ويخفي من امره ما أمكن إخفاؤه؛ اصلا يعلم به عدوه. فقد " كان النبي صلى الله عليه وسلم

إذا أراد غزوة ورى بغيرها "

(2)

.

(ويشاور ذا رأي) من جيشه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} ] آل عمران: 159].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه.

ومن اصيبت فرسه من الجيش وكان مع الأمير فضل استحب له حمله ولم يجب. نص عليه. فإن خاف تلفه فقال القاضي: يجب عليه بذل فضل مركوبه لينجي به صاحبه، كما يلزمه بذل فضل طعامه للمضطر إليه وتخليصه من عدوه. (ويَصُمُّهم) اي: يصف الجيش؛ لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ] الصف: 4].

ولأن في ذلك ربط الجيش بعضه ببعض، وسدا لثغورهم. فيصيرون كالشيء الواحد. ويتراصون؛ لقوله سبحانه وتعالى:{كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ] الصف: 4 [

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2787) 3: 78 0 1 كتاب الجهاد والسير، باب من أراد غزوة فورى بغيرها. . .

ص: 369

(ويجعل في كل جنبة) من الصف (كفءاً)؛ لما روى أبو هريرة قال:

" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خالدآعلى إحدى الجنبتين، والزبير على الأخرى، وأبا عبيدة على الساقة ".

ولأن ذلك أحوط للحرب وأبلغ في إرهاب العدو.

(ولا يميل) الأمير (مع قريبه، و) لا مع (ذي مذهبه) على غيره؛ لئلا تنكسر قلوبهم فيخذلوه عند الحاجة إليهم.

ولأن ذلك يفسد القلوب ويشِّتت الكلمة.

ويحرم قتال من لم تبلغه الدعوة قبلها.

وتسن دعوة من بلغته على الأصح؛ وذلك لما روى بريدة قال: " كان النبي

صلى الله عليه وسلم اذا بعث أميرا

(1)

على سرية أو جيش امره بتقوى الله تعالى في خاصة نفسه، وبمن معه من المسلمين. وقال: إذا لقيت عدوك في المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال. فإن هم أجابوك إليها فاقبل منهم وكفَّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وك عنهم. فإن هم ابوا فادعهم إلى إعطاء الجزية. فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم "

(2)

. رواه مسلم.

وقد روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً حين اعطاه الراية يوم خيبر وأمره بقتالهم أن يدعوهم "

(3)

. وهم ممن بلغته الدعوه. رواه البخاري.

ودعا خالد بن الوليد طُليحة حين ادعى النبوة فلم يرجع فأظهره الله سبحانه وتعالى عليه.

(ويجوز أن يجعل) الأمير جُعلاً (معلوما) من مال المسلمين.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1731) 3: 1357 كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث. . .

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2847) 3: 96 0 1 كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل.

ص: 370

(ويجوز) إن كان (من مال الكفار): ان يكون (مجهولأ لمن يعمل ما) اي: شيئا (فيه غناء) اي: مصلحة للمسلمين، كنَقب سور، وصعود حصن، ونحو ذلك، (او يدل على طريق) سهل، (أو قلعة) يفتحها، (أو ماء) في مفازة، (ونحوه) أي: ونحو ذلك مما فيه نفع للمسلمين " كدلالة على مال يأخذه المسلمون، او عدو يغير عليه، او ثغرة يدخل منها إلى العدو. ويدل لصحة ذلك: أنه جعل في مصلحة. فجاز دفعه؛ كأجرة الدليل.

و" قد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الهجرة من دلَّهم على الطريق ". ويستحق المجعول له الجعل بفعل ما جعل له عليه. لكن (بشرط: أن لا يُجاوز) الجعل المجهول الذي من مال الكفار (ثلث الغنيمة بعد الخمس)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للسرية الثلث والربع مما غنموه "

(1)

. وهو مجهول؛ لأن الغنيمة كلها مجهولة.

ولأنه مما تدعو الحاجة إليه. والجُعالة إنما تجوز بحسب الحاجة.

(و) يجوز (ان يعطي) الأمير (ذلك بلا شرط) لمن فعل ما فيه مصلحة للمسلمين.

(ولو جَعل) الأمير (له) أي: لمن يفعل ما فيه مصلحة للمسلمين، (جارية) معينة على فتحه الحصن (منهم) أي: من الكفار الذين بالحصن (فماتت) قبل فتح الحصن (فلاشيء له)، لأن حقه تعلق بمعّين. وقد تلف بغير تفريط. فسقط حقه منه؛ كالوديعة إذا تلفت بلا تفريط.

(وإن أسلمت وهي أمة أخذها) مطلقا. سواء كان إسلامها قبل الفتح أو بعده؛ لأنه أمكن الوفاء بما شرطه. فوجب دفعه له، (كحرة أسلمت بعد فتح)؛ لأنها لم تسلم إلا بعد استرقاقها بالاستيلاء. فتدفع إليه، كما لو كانت أمة.

وعلم مما تقدم أن الحرة إذا أسلمت قبل الفتح لم تُدفع إليه؛ لأنها عصمت

(1)

سيأتي تخريجه قريبا.

ص: 371

نفسها بإسلامها قبل الاستيلاء عليها.

وكذا لو كان الجعل رجلا من الحصن فأسلم قبل الفتح.

(إلا أن يكون) المجعول له (كافرا فله قيمتها) أي: فيعطى قيمة التي

(1)

جعلت له وأسلمت؛ (كـ) ما يعطى قيمة (حرة اسلمت)، أو قيمة حر أسلم (قبل فتح). وإنما لم تجب

(2)

له قيمته إذا ماتا وتجب له القيمة إذا أسلما؛ لأن تسليمهما ممكن إذا أسلما. لكن منع منه الشرع.

(وإن فُتحت) القلعة التي جعلت منها جارية معينة للدال عليها (صلحا، ولم يشترطوها) أي: يشترط المسلمون الجارية على أهل القلعة، (وابوها) أي: أبى أهل القلعة دفع الجاريه للمجعول له، (وأبى) المجعول له الجارية أن يأخذ (القيمة) عنها:(فُسخ) الصلح، لأنه قد تعذر إمضاؤه " لأن حق صاحب الجُعل سابق، ولا يمكن الجمع بينه وبين الصلح.

ولصاحب القلعة أن يحصنها مثل ما كانت من

(3)

غير زيادة.

(ولأمير في بُداءة) أي: في ابتداء دخول الحرب (ان يُنفّل) أي: أن يعطي زيادة على السهم المستحق (الربع فأقل بعد الخمس.

وفي رجعة) يعني: وأن يُنفل في رجوعه من دار الحرب (الثلب فأقل بعده) أي: بعد الخمس.

(و) صمورة (ذلك): أنه (إذا دخل) الأمير أرض العدو (بعث سرية تُغير) على العدو،) وإذا رجع) الأمير من أرض العدو (بعث) سرية (أخرى. فما اتت به) كل سرية (أخرج خمسه، وأعطى السرية ما وجب لها بجعلِه) أي: بجعل الأمير، (وقسَم الباقي) بعد الخمس وبعد ما جعله للسرية (في الكل) أي: في كل الجيش، أهل السرية وغيرهم في ذلك سواء.

(1)

في ب: الذي.

(2)

في ب: تجعل.

(3)

ساقط من أ.

ص: 372

والأصل في ذلك ما روى حبيب بن مسلمة الفهري قال: " شهدت رسول الله

صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البَدأة، والثلث في الرجعة "

(1)

.

وفي لفظ: " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل "

(2)

. رواهما أبو داود.

وعن عباده بن الصامت: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع، وفي القفول الثلث "

(3)

. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

وإنما زيد في الرجعة على البدأة لمشقة الرجعة؛ لأن الجيش في البدأة ردء

عن السريه. بخلاف الرجعة. فإن الجيش منصرف عنها والعدو مستيقظ يخافون كَلَبه.

قال أحمد: ولأنهم مشتاقون إلى أهليهم فيكون اكثر مشقة.

وعلم مما تقدم من قوله: ولأمير كذا أن ذلك مفوض إلى رأي الإمام، إن

شاء بعث السريتين وإن شاء بعث واحدة، وإن شاء لم يبعث شيئا.

ولا يعدل شيء عند أحمد الخروج في السرية عند

(4)

غلبة السلامة؛ لأنه

أنكى للعدو.

***

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 275) 3: 80 أول كتاب الجهاد، باب فيمن قال: الخمس قبل النفل.

(2)

أخرجه ابو داود في " سننه "(2749) الموضع السابق.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1561) 4: 130 كتاب السير، باب في النفل.

(4)

في أ: مع.

ص: 373

] فصل: فيما يلزم الجيش [

(فصل. ويلزم الجيش الصبر) مع الأمير، (والنصح والطاعة) له؛ لقول

الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} ] النساء: 59].

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصانى فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني "

(1)

. رواه النسائي.

إذا تقرر هذا (فلو أمرهم) الأمير (بالصلاة جماعة، وقت لقاء العدو. فأبو اعصَو ا)

قال الاجري: لا نعلم فيه خلافا بين المسلمين.

قال أحمد: ولو قال الأمير: من عنده من رقيق الروم فليأت به السبي: ينبغي. ينتهون إلى ما يأمرهم.

قال ابن مسعود: الخلاف شرٌّ. ذكره ابن عبدالبر. وقال: كان يقال لا خير

مع الخلاف، ولا شر مع الائتلاف.

وفي " الصحيحين " عن ابن أبي أوفى مرفوعا: " لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية فإذا لقيتم فاصبروا "

(2)

.

وترجم عليه أبو داود بكراهة تمني لقاء العدو، وظاهر النهي التحريم.

(1)

أخرجه النسائي في " سننه "(4193) 7: 154 كتاب البيعة، الترغيب في طاعة الإمام.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(4 280) 3: 082 1 كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1742) 3: 1362 كتاب الجهاد والسير، باب كراهه تمنى لقاء العدو. . .

ص: 374

نقل أبو داود: إذا جاء الخلاف جاء الخذلان.

ونقل المروذي: لا يخالفوه. يتشعب أمرهم. فإن كان يقول: سيروا وقت كذا ويدفع قبله دفعوا معه. نص عليه.

قال أحمد: الساقة يضاعف لهم الأجر، إنما يخرج فيهم أهل قوة وثبات. (وحرُم) على الجيش (بلا إذنه) اي: إذن الأمير (حَدَث) أي: إحداث شيء؛ (كتعلف واحتطاب، ونحوهما)؛ كخروج من العسكر، (و) كـ (تعجيل)؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} ] النور: 62].

ولأن الأمير أعرف بحال الناس وحال العدو ومكامنهم وقربهم وبعدهم.

فإذا خرج أحد بغير إذن الأمير

(1)

لم يأمن أن يصادف كميناً للعدو أو طليعة لهم فياً خذوه، او يرحل الأمير ويدعه فيهلك.

(ولا ينبغي) للأمير (ان يأذن) في شيء من ذلك (بموضع عَلِمَه مَخُوفا).

قاله أحمد.

ومتى احتاج أحد منهم إلى الخروج بعث معه من يحرسه.

(وكذا بِراز) يعني: أنه لا يجوز لأحد من الجيش مبارزة إلا بإذن الأمير؛

لأن الأمير اعلم بفرسانه وفرسان عدوه. فمتى برز الإنسان إلى من لا يطيقه كان معرضا نفسه للهلاك. فتنكسر قلوب المسلمين. فينبغي ان يفوض ذلك إلى الأمير ليختار للمبارزة من يرضاه لها. فيكون أقرب إلى الظفر، وجبر قلوب المسلمين، وكسر قلوب الكافرين.

فإن قيل: فقد أجزتم لكل مجاهد الانغماس في الكفار بغير إذن الأمير مع

كون ذلك قد يكون سبب قتله؟؛

فالجواب: انه إذا كان مبارزا تعلق به قلوب الجيش وارتقبوا ظفره. فإن

ظفر جبر قلوبهم، وإن كان بالعكس انكسرت قلوبهم. والمنغمس بطلب

(1)

في أ: الإمام.

ص: 375

الشهادة لا يترقب منه ظفر ولا مقاومة.

والبِراز بكسر الباء: عباره عن مخاصمة العدو، وبفتحها اسم للفضاء الواسع.

(فلو طلبه)] أي: طلب [

(1)

البراز الذي هو مخاصمة العدو (كافر: سُن لمن يعلم) من نفسه (أنه كفؤه) أي: كفؤ الكافر الطالب للبراز (بِرازُه بإذن الأمير)؛ لما روي " أن حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بارزوا يوم بدر بإذن النبي صلى الله عليه وسلم"

(2)

.

و" بارز علي عمرو بن عبد ود في غزوة الخندق ".

و" بارز مرحبا يوم خيبر "

(3)

.

وقيل " بارزه محمد بن مسلمة "

(4)

.

و" بارز البراء بن مالك مُرزُبان الزأرة فقتله وأخذ سلبه فبلغ ثلاثين الفا"

(5)

.

ولم يزل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبارزون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده، ولم ينكره منكر. فكان إجماعا.

ولأن في إجابة الكافر الداعي إلى البراز إظهارا لقوة المسلمين وجلدهم على الحرب.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3747) 4: 1458 كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(2665) 3: 5352 كتاب الجهاد، باب: فى المبارزة.

وأخرجه أحمد فى " مسنده "(951) ط إحياء التراث.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(23079) 5: 359

(4)

أخرجه أحمد فى " مسنده "(173 5 1) 3: 385

(5)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 311 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في تخميس السلب.

وأخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2708) 2: 263 كتاب الجهاد، باب ما يخمس في النفل.

ص: 376

وأما من لم يثق من نفسه بأنه كفؤ لطالب المبارزة

(1)

. فإنه يكره الإجابة

إلى البراز؛ لأنه ربما يقتل. فتنكسر قلوب المسلمين بقتله.

(فإن شرَط) الكافر الداعي إلى البراز أن

(2)

لا يقاتله غير خصمه، (او كانت العادة ان لا يقاتله غير خصمه: لزم) ذلك.

أما مع الشرط؛ فلقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} ] المائدة:1].

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون عند شروطهم "

(3)

.

واما إذا كانت العادة ذلك، فلأن العادة تجري مجرى الشرط.

ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة، لأنه كافر لا عهد له ولا امان. فأبيح قتله كغيره.

وأما دعوى المسلم الواثق من نفسه بالقوة والشجاعة إلى البراز ابتداء فتباح

ولا تستحب؛ لأنه لا حاجة إليها، ولا يأمن أن يقتل فتنكسر قلوب المسلمين. إلا انه لما كان شجاعا واثقا من نفسه بالقوة أبيحت

(4)

له، لأنه غالب

(5)

بحكم الظاهر.

(فإن انهزم المسلم) الداعي إلى البراز او المجيب إليه، (او اُثخِن) بالجراج:(فـ) إنه يجوز (لكل مسلم الدفع) عنه (والرمي) اي: رمي الكافر المبارز؛ لأن المسلم إذا صار في هذه الحالة فقد انقضى قتاله، والأمان إنما كان حال المبارزة وقد زال، " لأن حمزة وعلياً أعانا عبيدة بن الحارث على قتل شيبة

(1)

في أ: البراز.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح. عن أبي هريرة. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (1352) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس. عن كثير بن عبدالله بن عوف المزنى عن أبيه عن جده.

(4)

في أ: أبيح.

(5)

في ب: لا غالب.

ص: 377

ابن ربيعة حين أثخن عبيدة "

(1)

.

وإن أعان الكفار صاحبهم فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقاتلوا من أعان عليه، ولا يقاتلوا المبارز، لأنه ليس بسبب من جهته. فإن كان قد استنجدهم أو عُلم منه الرضى بفعلهم انتقض امانه وجاز قتله.

(وإن قتَله) اي: قتل المسلم الكافر (او أثخَنه) بالجراج: (فله) اي: للمسلم (سَلَبُه) أي: سلب الكافر.

(وكذا) كل (من غرَّر بنفسه) في قتل كافر (ولو) كان المسلم القاتل (عبدا بإذن سيده، او) كان (امراة، او كافرا، أو صبيا بإذن)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من قتل كافرا له سلبه "

(2)

. رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أنس وسمرة بن جندب وغيرهما.

ولا يخمس السلب، لما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد: " أن النبي

صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب "

(3)

. رواه أبو داود.

فيستحق القاتل السلب، لعموم الخبر. ولو لم يشرطه

(4)

له الأمير على الأصح. لكن يشترط: أن يكون القاتل من أهل الجهاد، وإلى ذلك اشير بقوله:(لا مُخذلاً) يعني: لا إن كان القاتل مخذلا، (ومُرجفاً، وكل عاص) بسفره.

وقوله: حال الحرب: حال من فاعل غرر. يعني: وكذا من غرر بنفسه (حال الحرب فقَتل أو أثخَن كافراً ممتنعاً، لا) كافرا (مشتغلا بأكل، ونحوه)، كشرب، (و) لا (منهزما): فإنه يستحق سلبه (ولو شرط) السلب الغيره) أي: لغير القاتل، لعموم الخبر.

(1)

سيق تخريجه ص (376) رقم (2).

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2718) 3: 71 أول كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل. وأخرجه أحمد في " مسنده " (12152) 3: 114 كلاهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2721) 3: 72 أول كتاب الجهاد، باب في السلب لا يخمس.

(4)

في ب: يشترطه.

ص: 378

ولأن هذا

(1)

من قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهورة التي قضى بها. وعمل بها الخلفاء من بعده.

وقد علم مما تقدم أنه متى كان المقتول ممن لا يجوز قتله؛ كالشيخ الفانى، والمرأة، والصبي، والزمن، ونحوهم ممن لا يقاتل: لا يستحق] القاتل سلبه [

(2)

.

قال بعض الأصحاب: لا نعلم في ذلك خلافا.

(وكذا لو قطَع) مسلم من اهل الجهاد (اربعتَه) اي: يدَي الكافر ورجلَيه

فإنه يستحق سلبه دون قاتله؛ لأن القاطع لأربعته هو الذي كفى المسلمين

(3)

شره.

و" لأن معاذ بن عمرو بن الجموج اثبت ابا جهل، ووقف عليه عبدالله بن مسعود فقضى النبى صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ "

(4)

.

(وإن قطع) إنسان (يده ورجله وقتله آخر) فسلبه غنيمة. (او اسره) إنسان (فقتله الإمام) فسلبه غنيمة. (او قتله) أي: اشترك في قتله (اثنان فأكثر فـ) سلبه (غنيمة)؛ لأنه لم

(5)

يوجد انفراد بقتل مغررا فيه بنفسه.

وتجوز الخدعة في الحرب للمبارز وغيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحرب خدعة "

(6)

. وهو حديث حسن صحيح.

وروي: " أن عمرو بن عبد ود لما بارز عليا قال له علي: ما برزت لأُقاتل اثنين. فالتفت عمرو. فوثب عليه

(7)

علي فضربه. فقال عمرو: خدعتني.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أوب: المسلمون.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3745) 4: 1458 كتاب المغازي، باب: قتل أبي جهل. وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1800) 3: 1424 كتاب الجهاد والسير، باب: قتل أبي جهل.

(5)

في أ: لا.

(6)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1675) 4: 193 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

وأخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2889) 2: 317 كتاب الجهاد، باب " جامع " الشهادة.

(7)

ساقط من أ.

ص: 379

فقال: الحرب خدعة ".

(والسلب: ما) كان (عليه) أي: على الكافر المقتول: (من ثياب وحليُّ وسلاح)، وعلى الأصح:(ودابته التي قاتل عليها، وما) أي: والذي (عليها). فيكون له ما كان لابسه من ثياب وعمامة

(1)

وقلنسوة ومِنطقه ودرع ومِغفر وبيضة وتاج وأسورة وران وخف بما في ذلك من حلية؛ لأن المفهوم من السلب اللباس.

وكذلك السلاح من السيف والرمح واللمت والقوس والنشاب ونحو ذلك؛

لأنه يستعين به في قتاله فهو أولى بالأخذ من اللباس.

وكذا الدابة التي قاتل عليها؛ لأنه كان مستعينا بها في حربه. فاً شبهت السلاح.

وكذا ما على الدابة من جميع التها؛ لأنه تابع لها، ويستعان به في الحرب.

أشبه السلاح.

(فأما نفقته) أي. نفقة المقتول (ورحلُه، وخيمتُه، وجنيبُه) وهو: الدابة التي لم يكن راكبها حال القتال: (فغنيمة). وأما إن كان راكبا عليها فصرعه عنها ثم قتله بعد سقوطه إلى الأرض فهو من السلب.

ويجوز سلب القتلى وتركهم عراة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في قتيل سلمة بن الأكوع: " له سلبه اجمع "

(2)

.

وقال: " من قتل قتيلا فله سلبه "

(3)

. وهذا] يتناول جميعه [

(4)

.

(ويُكره التلثُّم في القتال على انفه). قاله أحمد.

(لا لُبس علامة؛ كريش نعام) فإنه لا يكره على الأصح. فتباج.

وعنه: يستحب لشجاع، وأنه يكره لغيره. وجزم به في " الفصول ".

(1)

في ب: من عمامة وثياب.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2654) 3: 49 أول كتاب الجهاد، باب فى الجاسوس المستأمن.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6749) 6: 2622 كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم. عن أبي قتادة.

(4)

ساقط منأ.

ص: 380

] فصل: في الغزو بغير إذن الأمير [

(فصل. ويحرم غزو بلا إذن الأمير)؛ لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو

أعلم بكثرة العدو وقلتهم ومكامنهم وكيدهم. فينبغي أن يُرجع إلى رأيه؛ لأنه أحوط للمسلمين.

(إلا أن يَفجَأهم عدو) من الكفار (يخافون كَلَبه) بفتح اللام. اي: شره وأذاه؛ لأن المصلحة تتعين في قتال العدو والخروج إليهم حينئذ؛ لتعين الفساد فى ترك القتال.

ولذلك " لما اغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجا عن المدينة تبعهم فقاتلهم من غير إذن. فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خير رجالنا سلمة بن الأكوع، وأعطاه سهم فارس وراجل "

(1)

.

وكذلك إن عرضت لهم فرصة يخافون فوتها إن تركوها حتى يستأذنوا الأمير. فإن لهم الخروج بغير إذنه؛ لئلا تفوتهم.

ولأنه إذا حضر العدو يصير الجهاد عليهم فرض عين. فلا دجوز لأحد التخلف عنه. (فإن دخل قوم) لهم منعة أو لا منعة لهم (او واحد ولو عبداً، دار حرب

بلا إذن) من الإمام فغنموا: (فغنيمتهم فيء) تصرف مصرف الفيء على الأصح؛ لأنهم عصاة بافتياتهم على الإمام لطلب الغنيمه. فناسب حرمانهم؛ كقتل الموروث.

قال أحمد: في عبد أبق إلى الروم ثم رجع ومعه متاع: العبد لمولاه، وما

معه من المال والمتاع فهو للمسلمين.

وعنه: أن ما غنموه يخمسه الإمام ويقسم الباقي بينهم.

وعنه: ان ما أتوا به كله لهم

(2)

ولا يخمس.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3958) 4: 1536 كتاب المغازي، باب غزوة ذات القرد.

(2)

ساقط من أ.

ص: 381

(ومن أخذ) من الجيش أو ممن مع الجيش (من دار حرب ركازاً، أو مباحاً

له قيمة: فـ) هو (غنيمة)، لما روى عاصم بن كليب عن أبي الجويرية الجرمي قال:" لقيت بأرض الروم

(1)

جرَّة فيها ذهب في إمرِة معاوية وعلينا معن بن يزيد السلمي. فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك، ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت "

(2)

. أخرجه أبو داود.

(و) من أخذ (طعاما ولو سكَّراً، ونحوه)، كحلوى ومعاجين.، (أو علَفاً ولو بلا إذن و) بلا (حاجة: فله اكله، و) له (إطعام سبي اشتراه، ونحوه)، كغلامه وعبده، (وعلف دابته ولو) كانت الدابة (لتجارة، لا لصيد)، كفهد وجارح، (ويَرُدُّ فاضلاً ولو) كان (يسيرا وثمن ما باع).

والأصل في ذلك ما روى عبدالله بن أبي أوفى قال: " أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف "

(3)

رواه سعيد وأبو داود. وروي: " أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر: إنا أصبنا أرضا كثيره الطعام والعلف

(4)

. وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك [إلا بأمرك]. فكتب إليه: دع الناس يعلفون وياًكلون. فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة] فليرده إلى غنائم المسلمين. فقد وجب [فيه

(5)

خمس الله وسهام المسلمين "

(6)

. رواه سعيد.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2753) 3: 81 أول كتاب الجهاد، باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(4 270) 3: 66 أول كتاب الجهاد، باب في النهي عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو.

وأخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(0 274) 2: 272 كتاب الجهاد، باب ما جاء في إباحة الطعام باًرض العدو.

(4)

في الأصول: والغلة. وما أثبتناه من " السنن ".

(5)

في الأصول: ففيه. وما أثبتناه من " السنن ".

(6)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2750) 2: 274 كتاب الجهاد، باب ما بيع من متاع العدو من ذهب أو فضه. وما بين الأقواس زيادة من " السنن ".

ص: 382

(ويجوز القتال بسلاج من الغنيمة ويرده) لحاجة وغيرها.

وفي " البلغة ": لحاجة.

والأول المذهب؛ لقول ابن مسعود: " انتهيت إلى أبي جهل فوقع سيفه من

يده فأخذته فضربته به حتى برد "

(1)

. رواه الأثرم.

ولأن الحاجة إليه أعظم من الطعام. وضرر استعماله أقل من ضرر أكل الطعام لعدم زوال عينه بالاستعمال ثم يرده بعد الحرب. لزوال الحاجة إليه.

(لا) ان يقاتل (على فرس) او نحوها من الغنيمة.

(ولا لبس ثوب منها) على الأصح؛ لما روى رويفع بن ثابت مرفوعا قال:

" من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده "

(2)

. رواه سعيد.

ولأن الدابه تتعرض للعطب غالبا وقيمتها كثيرة. بخلاف السلاح.

(ولا أخذ شيء) أي: ولا أن يأخذ إنسان شيئاً (مطلقا مما اُحرز) من الغنيمة.

قال في " الإنصاف ": محل جواز الأخذ والأكل: إذا لم يَحُزها الإمام.

أما إذا حازها الإمام ووكل من يحفظها: فإنه لا يجوز لأحد أخذ شيء منه إلا لضرورة على الصحيح من المذهب والمنصوص عنه، واختاره الشيخ، واختاره المصنف- يعني الموفق- وغيره، وقدمه الزركشى وغيره. وجوز القاضى في

" المجرد " الأكل منه في دار الحرب مطلقا. انتهى.

ووجه المذهب: أنه

(3)

إنما أبيح الأخذ قبل جمعه؛ لأنه لم يثبت فيه ملك

(1)

أخرجه الطبرانى في " الكبير "(12123) 11: 399 عن ابن عباس قال:

"انتهى عبدالله بن مسعود إلى أبي جهل يوم بدر وهو وقيذ فاستل سيفه فضرب عنقه فبدر رأسه. . . " وذكره الهيثمي في" مجمع الزوائد " وقال: فيه إسماعيل بن أبي إسحاق أبو إسرائيل الملائي وهو ضعيف. وقال أحمد: يكتب حديثه 50: 331

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2722) 2: 267 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الغلول.

(3)

ساقط من ب.

ص: 383

للمسلمين بعد. فأشبه المباحات من الحطب والحشيش. فإذا جمعت ثبت ملك المسلمين فيها فخرجت من حيز المباحات وصارت كسائر أملاكهم. فلم يجز الأكل منها إلا لضرورة وهو: أن لا يجد ما ياً كله فحينئذ يجوز له الأخذ لحفظ نفسه وحفظ دوابه. وسواء كان إحرازه في دار الإسلام أو في دار الحرب.

(ولا) تجوز (التضحية بشيء) مما يجب (فيه الخمس) من إبل او بقر او غنم.

(وله) أي: ولكل احد من المسلمين (لحاجة) أي: مع احتياجه (دَهنُ بدنه ودابته) بدهن من الغنيمة، (وشُرب شراب) منها مع الحاجة أيضاً. اما جواز الادهان، فلقول أحمد في زيت الروم: إذا كان من

(1)

ضرورة أو صداع فلا باًس. فأما التزين فلا يعجبني.

واما شرب الشراب مع الحاجة، فلأنه طعام احتيج إلى استعماله. فجاز له ذلك، كبقية الأطعمة.

(ومن اخذ) من إنسان (ما يستعين به في غزاة معينة. فالفاضل) منها (له. وإلا)

اي: وإن لم يكن اخذه لغزاة معينة فما فضل منه

(2)

(ففي الغزو).

اما كون الفاضل له إذا اخذ لغزوة معينة، فلأنه أعطي ذلك على سبيل المعاونة والنفقة، لا على سبيل الإجارة. فكان الفاضل له، كما لو أوصى أن يحج عنه فلان حجة باًلف.

وأما إن لم يعط ذلك لغزوة معينة بل لينفقه في سبيل الله أو في الغزو واطلق. ففضل منه فضل فإنه يصرف في غزوة اخرى، لأنه أعطاه الجميع لينفقه في جهة قربة. فلزمه إنفاق الجميع فيها، كما لو اوصى

(3)

أن يحج عنه باً لف فإنه يصرف في حجة بعد اخرى حتى ينفد.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب. منها.

(3)

في أ: وصى.

ص: 384

(وإن اخذ دابة، غير عارية و) غير (حبيس لغزوه عليها ملكها به) أي: بالغزو عليها " لقول عمر: " حملت على فرس في سبيل الله فاًضاعه صاحبه الذي كان عنده فأردت أن اشتريه وظننت أنه بائعه برخص. فساً لت رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال: لا تشتره

(1)

، ولا تعد في صدقتك وإن اعطاكه بدرهم. فإن

(2)

العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه "

(3)

. متفق عليه.

وهذا يدل على أنه ملكه لولا ذلك ما باعه، ويدلى على أنه ملكه بعد الغزو

لأنه اقامه للبيع بالمدينة ولم يكن لياًخذه من عمر ثم يقيمه للبيع في الحال. فدل على أنه أقامه للبيع بعد غزوه عليه. ذكر احمد نحو هذا الكلام.

وسئل متى تطيب له الفرس؟ قال: إذا غزا عليه. قيل له: فإن العدو جاءنا فخرج

(4)

على هذا الفرس في الطلب إلى خمس فراسخ ثم رجع؟ قال: لا. حتى يكون غزوا.

(ومثلُها) أي: ومثل الدابة في الحكم (سلاح وغيره) أي: وغير السلاح

إذا اعطيه ليغزو به، كالترس. فإنه إذا غزى به ملكه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

(1)

في ب: تشتروه.

(2)

في ب: لأن.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1419) 2:؛ 542 كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(0 162) 3: 239 1 كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه.

(4)

ساقط من أ.

ص: 385

] باب: قسمة الغنيمة [

هذا (باب قسمة الغنيمة. وهي) أي: والغنيمة: (ما أُخذ من مال حربي قهراً بقتال، وما أُلحق به) أي: بالقتال؛ كالمأخوذ فدية، وما أهداه حربي لأمير الجيش أو غيره بدار الحرب، وما أخذ من مباح دار الحرب بقوة الجيش. والغنيمة فعيلة بمعنى مفعولة أي

(1)

: مغنومة، واشتقاقها من الغنم وهو الربح والفضل.

وخُمُسها لأهل الخمس، وباقيها للغانمين؛ لقوله سبحانه وتعالى:(* وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ)] الأنفال: 41].فاًضافها إليهم، ثم جل خُمُسها

لله. فدل على أن أربعة أخماسها لهم. ثم قال: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّبًا}

] الأنفال: 69].

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم كذلك.

ولم تكن الغنائم تحل لمن مضى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " أُعطيت خمسا لم يعطهن

نبي قبلي. فذكر منها: وأحلت لي الغنائم "

(2)

. متفق عليه.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم تحل الغنائم لقوم

(3)

سود الرووس غيركم. كانت تنزل نار من السماء تاًكلها "

(4)

. متفق عليه.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(427) 1: 168 أبواب المساجد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً ".

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(521) 1: 370 كتاب المساجد ومواضع الصلاه، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه

(3)

ساقط من أ

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2956) 3: 1136 أبواب الخمس، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم:" أحلت لكم الغنائم ".

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1747) 3: 1366 كتاب الجهاد والسير، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة. ولفظه:" فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ".

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(3085) 5: 271 كتاب تفسير القران، باب ومن سورة الأنفال. باللفظ الذي ساقه المصنف.

ص: 386

ثم كانت في اول الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} ] الأنفال: 1 [، ثم صار أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها لمن ذكره الله سبحانه وتعالى.

(ويملك اهل حرب مالَنا بقهر) على الأصح؛ كأخذ بعضهم مال بعض قهرا.

قال في " شرح المقنع ": هذا قول مالك وابي حنيفة. والرواية الثانية:

لا يملكونها، وهو قول الشافعي. انتهى.

فعلى القول بملكهم. فإنهم يملكونها (ولو اعتقدوا تحريمه). ذكره في" الانتصار ".

قال في " الفروع ": وشيخنا. انتهى.

ووجه الرواية التي هي المذهب: أن القهر سبب يَملك به المسلم مال الكافر. فملك به الكافر مال المسلم؛ كالبيع.

وعلى هذا: يملكون مال المسلمين قبل حيازته إلى دارهم وهو قول مالك،

أو لا يملكونه إلا بالحيازة إلى دارهم وهو قول ابي حنيفة. في ذلك روايتان. والمنصوص: انهم لا يملكونه إلا بالحيازة إلى دارهم. ذكره في القاعدة السابعة عشر.

وعلى الأصح: أنهم يملكون (حتى ما شَرَدَ) إليهم من الدواب، (او أَبَقَ)

إليهم من الرقيق، (او ألقتُه ريح إليهم) من السفن، (و) حتى (ام ولد) لمسلم ومكاتب؛ لأنهما يضمنان بقيمتهما على متلفهما. فملكوهما؛ كالقن. وعنه: لا تملك

ام الولد. وفائدة الخلاف: ان من قال بثبوت الملك فيها قال: متى قسمت أو اشتراها إنسان لم يكن لسيدها أخذها إلا بالثمن. فلا ينفذ في رقيق استولوا عليه عتق، ولا يجب في نقد استولوا عليه زكاة.

وإذا ملك مسلم أختين فأبقت إحداهما إلى دار الحرب واستولوا عليها الكفار

جاز له وطء الثانية؛ لزوال ملكه عن أختها.

ص: 387

(لا وقفاً) يعني: أنهم لا يملكون العبد ولا غيره إذا كان وقفا بالاستيلاء والحوز إلى دارهم.

(ويُعمل) بكونه وقفا (بَوسم على) دابة (حبيس؛ كقول مأسور) يعني:

كما يعمل بقول مأسور استولينا عليه من أيدي الكفار: (هو ملك فلان).

قيل لأحمد: أصيب غلام في بلاد الروم، قال: أنا لفلان رجل بمصر؟ قال: إذا عرف الرجل لم يُقسَم، ورد على صاحبه.

قيل له: اصبنا مركبا في بلاد الروم فيها النواتية قالوا: هذا لفلان وهذا لفلان؟ قال: هذا قد عرف صاحبه، لا يُقسم.

(ولا حرا ولو ذمياً) يعنى: أن الكفار لا يملكون حراً باستيلاء، مسلما كان

أو ذميا؛ لأنه لا يضمن بالقيمة، ولا تثبت عليه اليد بحال.

وإذا قدر المسلمون على أهل الذمة بعد ذلك وجب ردهم إلى ذمتهم، ولم

يجز استرقاقهم؛ لأن ذمتهم باقية، ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها.

(ويلزم فداؤه) أي: فداء الذمي إذا استولوا عليه أهل الحرب؛ كما يلزم

فداء المسلم.

(ولا فداء) أي: لا يجوز أن يفدى من أيدي الكفار اسير (بِخَيل و) لا (سلاح)؛ لأن في ذلك إعانة لهم على المسلمين.

(و) لا (مكاتب و) لا (أم ولد) ولو كافرين؛ لما في ذلك من تفويت الحرية المنعقد سببها فيهما.

(وينفسخ به) أي: باستيلاء الكفار على أموال المسلمين (نكاح امه) مزوجة؛ لأنهم يملكون رقبتها ومنافعها. فيدخل فيه منفعة بضعها؛ كما ينفسخ نكاح كافرة سبيت وحدها.

(لا) نكاح (حرة) مزوجة.

(وإن اخذناها) أي: أخذنا الحرة المزوجة من أيدي الكفار، (او) أخذنا

منهم (ام ولد: ردت) الحرة (لزوج، و) ردت أم الولد إلى (سيد.

ص: 388

ويلزم سيدا أخذها) اي: اخذ ام ولده قبل قسمة مجانا، (وبعد قسمة بثمنها)، ولا يدعها يستحل فر جها من لا تحل له. (وولدُهما) اي: ولد الحرة وأم الولد (منهم) أي: من الكـ ـار (كولد زنا.

وإن ابى) ولدهما (الإسلام ضُرب وحُبس حتى يُسلم)؛ لأنه لا يقر على الكفر.

(ولمشتر أسيرا) من كفار (رجوع بثمنه، بنيته) أي: بنية الرجوع على الأسير؛ لما روى سعيد حدثنا عثمان بنا مطر حدثنا أبو جرير عن الشعبي قال: " اغار أهل ماه واهل جلولاء على العرب. فأصابوا سبايا من سبايا العرب: فكتب السائب بن الأقرع إلى عمر في سبايا المسلمين ورقيقهم ومتاعهم. فكتب عمر: أيما رجل اصاب رقيقه ومتاعه بعينه فهو أحق به من غيره، وإن أصابه في يدي التجار بعد ما انقسم فلا سبيل إليه، وأيما حر اشتراه التجار فإنه يرد إليهم رووس أموالهم. فإن الحر لا يباع ولا يشترى "

(1)

. فحكم للتجار برؤوس أموالهم.

ولأن الأسير يجب عليه فداء نفسه ليتخلص من أيدي

(2)

الكفار. فإذا ناب

عنه غيره في ذلك وجب عليه قضاؤه؛ كما لو قضى عنه حقا امتنع من ادائه. فعلى هذا لو اختلفا في قدر الثمن فالقول قول الأسير؛ لأنه منكر للزيادة والقول قول المنكر.

ولأن الأصل براءة ذمته من الزيادة.

(وإن اُخذ منهم) أي: من الكفار (مال مسلم او معاهَد) مما استولوا عليه، وكان الأخذ منهم (مجانا) أي: بلا عوض وعلم ربه: (فلربه أخذُه) إذا أدركه قبل قسمة (مجانا)؛ لما روى ابن عمر: " أن غلاما له أبق إلى العدوّ.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2803) 2: 288 كتاب الجهاد، باب ما أحرزه المشركون من المسلمين ثم يفيئه الله على المسلمين.

(2)

في ب: حكم.

ص: 389

فظهر عليه المسلمون. فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ولم يقسم "

(1)

.

وعنه قال: " ذهب فرس له. فأخذها العدو فظهر عليها المسلمون. فرد

عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم "

(2)

. رواهما أبو داود.

وعن رجاء بن حيوة " أن أبا عبيدة كتب إلى عمر بن الخطاب فيما أحرز المشركون من المسلمين ثم ظهر المسلمون عليهم بعد. قال: من وجد ماله بعينه فهو أحق به ما لم يقسم "

(3)

. رواه سعيد والأثرم.

وكذلك إن علم الإمام بمال مسلم قبل قسمة فقسمه وجب رده إلى ربه بغير شيء؛ لأن قسمته كانت باطلة من أصلها. فهو كما لو لم يقسم. ذكره في " شرح المقنع "

(و) إن أخذ من الكفار مال مسلم أو معاهد (بشراء، او) لم يدركه صاحبه

إلا (بعد قسمة): فلربه اخذه (بثمنه) على الأصح، لما روى ابن عباس " ان رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن أصبته قبل أن نقسمه فهو لك، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة ".

ولأنه إنما امتنع أخذه له بغير شيء كيلا يفضي إلى حرمان اخذه من الغنيمة،

أو يضيع الثمن على المشتري. وحقهما يجبر بالثمن. فرجوع صاحب المال في عين ماله بمنزلة مشتري الشقص المشفوع.

وعنه: أنه لا حق له فيه بعد القسمة بحال.

(ولو باعه) أي: باع مال المسلم او المعاهد آخذه من الكفار، (او وهبه) لغيره، (أو وقفه أو اعتقه اخذُه، او) باعه أو وهبه أو وقفه أو أعتقه (من انتقل إليه) ذلك من اخذه: (لزم) بيعه وهبته ووقفه وإعتاقه؛ لأنه تصرف من مالك

(1)

أخرجه أبو داود في " ستنه "(2698) 3: 64 أول كتاب الجهاد، باب في المال يصيبه العدو من المسلمين. . .

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2699) الموضع السابق.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2799) 2: 287 كتاب الجهاد، باب ما أحرزه المشركون من المسلمين ثم يفيئه الله على المسلمين.

ص: 390

فيما يملكه. فلزم؛ كما لو لم يؤخذ من الكفار.

(و) إن لم يقفه ولم يعتقه فإن (لربه اخذه كلما سبق) من انه إن كان أخذ من

الكفار مجانا فلربه اخذه مجانا، وإن كان بشراء أو بعد قسمة فبثمنه (من اخر

مشتر و) اخر (متَّهب)؛ كما لو كان بيد أول اخذ

(1)

.

(وتُملك غنيمة باستيلاء) يعنى: أن الغنيمة تملك بمجرد الاستيلاء عليها

بدار إسلام أو (بدار حرب)؛ لأن سبب الملك الاستيلاء التام وقد وجد. فإن

أيدينا قد ثبتت عليها حقيقة بنفينا أيديهم عنها قهرا، والاستيلاء يدل على ثبوت

الملك كما في المباحات

(2)

.

ولأن ملك الكفار قد زال عنها بدليل أنه لا ينفذ عتقهم في العبيد الذين

حصلوا في الغنيمة. وإذا ثبت زوال ملكهم فإنه لم يزل إلى غير مالك إذ هي

ليست في هذه الحالة مباحة. فعلم ان ملكهم زال إلى الغانمين.

(كعتق عبد حربي، وإبانة زوجة أسلما ولحقا بنا) يعني: ويدل على زوال

ملك الحربي بالقهر ان عبد الحربي لما قهره

(3)

بإسلامه ولحوقه بنا صار حراً،

وان زوجة الحربي لما قهرته بإسلامها ولحوقها ملكت نفسها وخلصت من حبال

ز وجها.

وملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب هو المنصوص عن احمد،

المختار لأكثر الأصحاب.

وقال في " الانتصار " و" عيون المسائل " وغيرهما: لا تملك إلا باستيلاء تام،

لا في فور الهزيمة؛ لألتباس الأمر هل هو حيلة او ضعف.

وقال القاضي: لا تملك إلا بقصد التملك، لا بملك الأرض.

والأول المذهب.

(1)

في أ: آخذه.

(2)

في ج: الإباحات.

(3)

في ب: قهر.

ص: 391

(وتجوز قسمتها) اي: قسمة الغنيمة (فيها) أي: في دار الحرب في الأصح

لما روى أبو إسحاق الفزاري قال: " قلت للأوزاعي: هل قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا الغنائم بالمدينة؟ قال: لا أعلمه

(1)

. إنما كان الناس يبيعون غنائمهم ويسمونها في أرض عدوهم. ولم يقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزاة قط أصاب فيها غنيمة الا خمسه، وقسمه. من قبل أن يقفل. من ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن وحين ".

ولأن كل در صحت القسمة فيها جازت " كدار الإسلام.

ولأن الملك يثت

(2)

فيها بالقهر. فصحت قسمتها، كما لو أحرزت بدار الإسلام.

] (وبيعها) يعني: ويجوز بيع الغنيمة في دار الحرب أيضا لثبوت الملك فيها [

(3)

.

(فلو غلب عليها العدو) وهي (بمكانها). فأخذها (من مشتر فـ) ـهي (من ماله) أي: مال المشتري. سواء حصل أخذها من المشتري بتفريطه " كخروجه بما اشتراه من العسكر. أو بغير تفريطه على الأصح، لأنه مال مقبوض ابيح لمشتريه. فكان عليه ضمانه كما لو أحرزه إلى دار الإسلام.

ولأن أخذ العدو تلف. فلم يضمنه البائع، كسائر أنواع التلف.

ولأن نماءه للمشتري. فكان ضماله عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الخراج بالضمان"

(4)

.

(1)

في أ: اعلم.

(2)

في أ: ثبت.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 351) 3: 284 كتاب الإجارة، باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد به عيباً. وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1286)

3: 492 كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد فيه عيبا.

ص: 392

(وشراءُ الأمير لنفسه منها) اي: من الغنيمه: (إن وكل من جُهل انه وكيله) اي: وكيل الأمير (صح) البيع.

(وإلا) باًن علم أنه وكيله (حرم) نص عليه. واحتج بأن عمر رد ما اشر،

ابن عمر في قصة جلولاء للمحاباة

(1)

.

***

(1)

- وأخرجه النسائي في " سننه "(4490) 7: 254 كتاب البيوع، الخراج بالضمان عن عائشة. .

سيق ذكره في قصة جلولاء ص (389) رقم (1).

ص: 393

] فصل: في غنيمة سرايا الجيش [

(فصل. وتُضم غنيمة سرايا الجيش إلى غنيمته) أي: غنيمة الجيش؛ لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا هوازن بعث سرية من الجيش قِبَل أوطاس فغنمت السرية فأشرك بينها وبين الجيش ".

قال ابن المنذر: وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وترد سراياهم على قعدهم "

(1)

.

و" في تنفيل النبي صلى الله عليه وسلم في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث "

(2)

: دليل على اشتراكهم فيما سوى ذلك؛ لأنهم لو اختصوا بما غنموه لم يكن ثلثه نفلاً.

ولأنهم جيش واحد وكل واحد منهم ردء لصاحبه. فيشتركون " كما لو غنم

أحد جانبي الجيش دون الجانب الاخر.

وإن نفذ الإمام من بلد الإسلام جيشين

(3)

أو سريتين فكل واحدة تنفرد بما غنمته؛ لأن كل واحدة منهما انفردت بالغزو فانفردت بالغنيمة. بخلاف ما إذا بعثهما الإمام من دار الحرب فإن جميعهم اشتركوا في الجهاد فاشتركوا بالغنيمة. (ويَبدأ في قَسم: بدفع سَلَب) إلى أهله.

وإن كان فيها مال لمسلم أو ذمي دفع إلى صاحبه؛ لأن صاحبه متعين.

ولأنه استحقه بسبب سابق.

(ثم بأجرة جمع) للغنيمة، (وحمل وحفظ) لها. (و) دفع (جُعل من

دَلّ على مصلحة) للمسلمين.

(ثم يُخمَّس الباقي) بعد ذلك. (ثم) يخمس (خُمُسَه على خمسة اسهم):

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(6692) 2: 180 عن عبدالله بن عمرو.

(2)

سبق تخريجه ص (373) رقم (1 - 3).

(3)

في أ: جيش.

ص: 394

منها (سهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. مصرفُه كالفيء) يعني: يصرف في مصالح المسلمين على الأصح.

وعنه: يصرف في المقاتلة.

وعنه: في كراع وسلاح.

وعنه: في الثلاثة.

وفي " الانتصار "

(1)

: لمن يلي الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وعن عمر بن عبدالعزيز: " انه جمع بني مروان حين استخلف. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له فَدَك. فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منهم أيّمهم، وإن فاطمة ساًلته أن يجعلها لها فأبى، وكانت كذلك في حياته، ثم عمل فيها أبو بكر بذلك، ثم عمر، ثم

(3)

أقطعها مروان، ثم صارت لعمر بن عبدالعزيز. رأيت أمرا منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ليس لي بحق، وإنى أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت "

(4)

. حديث حسن رواه أبو داود. (وكان) النبي صلى الله عليه وسلم (قد خُص) بضم الخاء أي: خصه الله سبحانه وتعالى (من المغنم بالصَّفِيّ. وهو) أي: والصفي: (ما يختاره) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قبل قسمة) للغنيمة منها؛ (كجارية وثوب وسيف) ونحو ذلك. وانقطع ذلك بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم. نص أحمد على ذلك.

ووجه ذلك: ان الخلفاء الراشدين لم يأخذوه ولا من بعدهم. ولا يجمعون

إلا على الحق.

ويدل لثبوت الصفي للنبي صلى الله عليه وسلم ما روى أبو داود بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

" أنه

(1)

في ب: وعنه في " الانتصار ".

(2)

في أ: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2972) 3: 143 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال.

ص: 395

كتب إلى بني زهير بن أُقَيش: إنكم إن شهدتم ان لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، واتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم الصفي، إنكم امنون باًمان الله ورسوله "

(1)

.

وفي حديث وفد عبدالقيس الذي رواه ابن عباس: " وأن تعطوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي "

(2)

.

وقالت عائشة: " كانت صفية من الصَّفي "

(3)

. رواه أبو داود.

(وسهم لذوي القربى، وهم: بنو هاشم، وبنو المطلب) أبناء عبد مناف.

دون غيرهم من بني عبد مناف، لما روى جبير بن مطعم قال:" لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب أتيت أنا وعثمان بن عفان. فقلنا: يا رسول الله! أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم. فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال: إنهم لم يفارقونى في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبَّك بين اصابعه "

(4)

. رواه أحمد والبخاري.

فرعى لهم النبي صلى الله عليه وسلم نصرتهم وموافقتهم بني هاشم.

ولا يستحق من كانت أمه منهم وأبوه من غيرهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أقارب أمه. وهم

(5)

بنو زهرة شيئا.

ولم يدفع أيضا إلى بني عماته، كالزبير بن العوام، وعبدالله بن جحش ونحوهم.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2999) 3: 153 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في سهم الصفي.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 303 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب سهم الصفى.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2994) 3: 152 كتاب الخراج والإمارة والفئ، باب ما جاء في سهم الصفي.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3311) 3: 1290 كتاب المناقب، باب مناقب قريش.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(16760) 4: 81

(5)

ساقط من أ.

ص: 396

فبنو هاشم وبنو المطلب يستحقون هذا السهم (حيث كانوا). فيقسم بينهم

(للذكر مثل حظ الأنثيين) على الأصح. (غنيُّهم وفقيرُهم فيه سواء) في الأصح؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

} الاية] الأنفال: 41].وهو عام لا يجوز تخصيصه بغير دليل.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي اقاربه كلهم وفيهم الغني؛ كالعباس وغيره.

ولأنه مال مستحق بالقرابة. فاستوى فيه الغني والفقير؛ كالميراث والوصية

للأقارب.

(وسهم لفقراء اليتامى. وهم) اي: واليتامى: (من لا اب له ولم يبلغ) الحلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يُتم بعد احتلام "

(1)

.

واعتبر فيهم

(2)

الفقر؛ لأن ذا الأب لا يستحق. والمال أنفع من وجود الأب.

ولأن الصرف إليهم لحاجتهم. فإن اسم اليتيم يطلق عليهم في العرف للرحمة. ومن كان إعطاوه لذلك اعتبرت الحاجة فيه.

(وسهم للمساكين). وهم: أهل الحاجة. فيدخل في عمومهم الفقراء. فالفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد هاهنا وفي سائر الأحكام. ويعم به جميعهم في جميع البلاد؛ كسهم ذي القربى واليتامى. (وسهم لأبناء السبيل). وقد ذكر ابن السبيل في الباب الذي ذكرت فيه أهل الزكاة. (فيُعطَون كزكاة) أي: كما يعطون من الزكاة.

(بشرط إسلام الكل). فلا حق في الخمس لكافر؛ لأنه عطية من الله سبحانه وتعالى. فلم يكن لكافر

(3)

فيه حق؛ كالزكاة. ولا لقن؛ لأن ما يعطاه لسيده دونه.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2873) 3: 15 1 كتاب الوصايا، باب ما جاء متى ينقطع اليتم.

(2)

في أ: فيه.

(3)

في أ: للكافر.

ص: 397

(ويعمُّ من جميع البلاد، حسب الطاقة)، لأنه سهم مستحق بوصف. فوجب دفعه إلى كل مستحقيه كالميراث.

فعلى هذا يبعب الإمام إلى عماله بالأقاليم وينظر كم حصل من ذلك. فإن استوت فرّق كل خمس فيمن قاربه، وإن اختلفت أمر بحمل الفضل ليدفع إلى مستحقه،

كالميراث.

(فإن لم تأخذ بنو هاشم وبنو المطلب: رُذَّ) سهمهما (في كُرَاع) وهو الخيل، (و) في (سلاح) عدة في سبيل الله عز وجل " كفعل أبي بكر وعمر. ذكره أبو بكر. ولا شيء لمواليهم.

(ومن فيه) من مستحقي الخمس (سببان فأكثر)، كابن سبيل مسكين من ذوي القربى: (اخذَ بهما

(1)

أي: بما فيه من الأسباب، لأنها أسباب لأحكام. فوجب ان تثبت أحكامها، كما لو انفردت.

(ثم بنَفَل) بفتح الفاء. ثم يعطى النفل بعد ذلك. (وهو) أي: النفل هو القدر (الزائد على السهم لمصلحة)؛ لأنه حق ينفرد به بعض الغانمين. فقدم على القسمة كالأسلاب والنفل من أربعة أخماس الغنيمة.

(ويرضخ). وهو: العطاء من الغنيمة دون السهم لمن لا سهم له فيرضخ

(لمميز وقِنّ وخنثى وامرأة) من الغنيمة. (على ما يراه) الإمام فيفضل العبد المقاتل وذا البأس على من ليس مثله. وتفضل المرأة المقاتله والتي تسقي الماء وتداوي الجرحى على من ليست مثلها.

(إلا أنه لا يبلغ به لراجل سهم الراجل، ولا لفارس سهم الفارس، ولمبعض بالحساب من رضخ وإسهام). كما أنه لا يبلغ بالتعزير الحد، ولا بالحكومة دية العضو.

(وإن غزا قِنّ على فرس سيده: رضخ له) أي: للعبد، (وقسم لها) أي: للفرس التي تحته، لأن مالكها يستحق سهمها. وكذا لو كان مع العبد

(1)

في أوب: بها

ص: 398

فرس أخرى فإنه يقسم لها أيضاً؛ كما لو كانتا مع السيد. نص على ذلك أحمد. ومحل قسمه لما معه من فرس أو فرسين: (إن لم يكن مع سيده فرسان)؛

لأنه لا يسهم لأكثر من فرسين على ما يأتي

(1)

.

وأما إن غزا الصبي على فرس له أو المرأة على فرس لها: رضخ للفرس ولراكبها من غير إسهام للفرس؛ لأنه لو أسهم للفرس كان سهمها لمالكها. فإذا لم يستحق مالكها السهم بحضوره للقتال فبفرسه أولى. بخلاف العبد إذا غزا على فرس سيده فإن سهمها لغير راكبها وهو سيده.

(ثم يَقسم) الإمام (الباقي) بعد ما ذكر (بين من شهد الوقعة) أي: وقعة

الحرب (لقصد قتال)، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجرائهم الذين يستعدون للقتال.

وإنما كانت الغنيمة لمن شهد الوقعة وإن لم يقاتل؛ لما روي عن عمر أنه قال:

" الغنيمة لمن شهد الوقعة "

(2)

.

ولأن غير المقاتل ردء للمقاتل ومعين له. فشاركه؛ كردء المحارب.

ويسهم للخياط والخباز والبيطار ونحوهم إذا حضروا الوقعة. نص عليه أحمد.

(أو بُعث في سرية) يعني: أنه يقسم الباقي بين من شهد الوقعة وبين من بعثه الإمام في سرية. (أو) بعثه (لمصلحة؛ كرسول، ودليل، وجاسوس. و) كذا (من خلّفه الأمير ببلاد العدو وغزا، ولم يمرَّ به فرجع)؛ لأن الذي في مصلحة الجيش والمسلمين ممن ذكر أولى بالإسهام ممن شهد الوقعة ولم يقاتل. فيسهم لمن ذكر. (ولو مع منع غريم) له، (أو) منع (أب) له من الغزو

وغزا بدون إذن غريمه وابيه؛ لتعين الجهاد عليه بحضوره الصف.

(لا من لا يمكنه قتال) لمرض، (ولا دابة لا يمكن) القتال (عليها

(1)

ص (400).

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 9: 50 كتاب السير، باب الغنيمة لمن شهد الوقعة.

ص: 399

لمرض) يعني: فإنه لا يسهم له ولا للفرس " لأن المرض لا يتمكن معه من القتال كالزمانة والشلل. فخرج

(1)

به عن أهلية الجهاد. بخلاف الحمى اليسيرة والصداع ووجع الضرس ونحو ذلك. فإنه يسهم لمن قام به ذلك لأنه لم يخرج به عن أهلية الجهاد.

(ولا مخذِّل ومرجِف ونحوهما) ممن تعين منعه من الدخول لأنه ممنوع

من الدخول مع الجيش. أشبه الفرس العجيف.

(ولو ترك ذلك) أي: ترك التخذيل وا لإرجاف (وقاتل.

ولا يرضخ له) أي: للمخذل ولا للمرجف، (ولا لمن نهاه الأمير ان يحضر). فلم ينته، لأنهم عصاة.

(و) لا (كافر لم يستأذنه) اي: يستاًذن الأمير.

(و) لا (عبد لم يأذن) له (سيده) في الغزو.

(و) لا (طفل، و) لا (مجنون، و) لا (من فر من اثنين) كافرين.

ذكره في " الروضة " و" الروايتين " و" الحاويين ".

وكيفية القسم بين من شهد الوقعة: أن يكون (للرّاجل ولو) كان (كافراً سهم،

و) أن يكون (للفارس على فرس عربي، ويسمى العتيق: ثلاثة) أي: ثلاثه أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه العتيق، لما روى ابن عمر:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم، سهمان لفرسه وسهم له "

(2)

. متفق عليه.

وقال خالد الحذاء: " لا يُختلف فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اسهم هكذا

(3)

: للفرس سهمين ولصاحبه سهماً. وللراجل سهما "

(4)

.

(1)

في أ: يخرج.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(3988) 4: 5 4 5 1 كتاب المغازي، باب غزوه خيبر.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1762) 3: 1383 كتاب الجهاد، باب كيفية قسمة الغنيمه بين الحاضرين.

(3)

في أ: كذا.

(4)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 327 كتاب قسم الفيء والغنممة، باب ما جاء في سهم الراجل والفارس.

ص: 400

(و) للفارس (على فرس هَجين. وهو: ما أبوه فقط عربي.

او) على فرس (مُقرِفٍ، عكس الهجين) وهو: ما أمه فقط عريبة

(1)

.

(أو) على فرس (بِرذَون. وهو: ما ابواه نبطيان: سهمان) سهم له وسهم لفرسه على الأصح.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب وعليه اكثر الأصحاب. انتهى.

ويدل لذلك ما روى مكحول: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس العربي سهمين. واعطى الهجين سهماً "

(2)

. رواه سعيد.

وروى سعيد أيضأ بإسناده عن أبي الأقمر قال: " أغارت الخيل على الشام. فأدركت العراب من يومها، وادركت الكوادن

(3)

ضحى الغد، وعلى الخيل رجل من همدان يقال له: المنذر بن أبي حميصة. فقال: لا اجعل الذي ادرك من يومه مثل الذي لم يدرك. ففضّل الخيل العراب. فقال عمر: هبلت

(4)

الوادعيَّ امه. أمضوها على ما قال "

(5)

.

ولم يعرف عن الصحابة خلاف هذا القول.

(وإن غزا اثنان على فرسهما) اي: على فرس مشتركة بينهما (فلا بأس) بذلك، (وسهمه) اي: سهم الفرس الذي بينهما (لهما)، ويكون بينهما بقدر ما لكل واحد منهما من الفرس.

(وسهم) فرس (مغصوب) غزا عليه غاصبه أو غيره (لمالكه). نص أحمد على ذلك؛ لأنه فرس قاتل عليه من يستحق. السهم. فاستحق الفرس السهم؛ كما لو كان مع صاحبه.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " المراسيل " ص: 170 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الجهاد.

(3)

جمع الكودن، هو: البرذون الهجين.

(4)

أي: نكلب.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2772) 2: 280 كتاب الجهاد، باب ما جاء في تفضيل الخيل على البراذين.

ص: 401

وإذا ثبت أن للفرس سهما كان لمالكه؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما "

(1)

.

وما كان للفرس كان لمالكه.

] ولأن سهم الفرس مستحق بنفعه ونفعه لمالكه. فوجب أن يكون ما يستحق

به لمالكه [

(2)

.

(و) سهم فرس (معار ومستأجر وحِبيس لراكبه) إن كان من أهل الإسهام؛ لأنه قاتل عليه من يستحق سهما وهو مستحق لنفع

(3)

الفرس. فاستحق سهمه، ولا يمنع من ذلك كونه حبيسا؛ لأنه إنما حبس على من يغزو عليه.

(ويُعطى) راكب الحبيس (نفقة الحبيس) من سهمه؛ لأنه نماؤه.

(ولا يُسهم لأكثر من فرسين) يعني: أنه إذا كان مع الرجل خيل كثيرة أسهم لفرسين منها. فيعطى صاحبه خمسة أسهم، سهم له وأربعه للفرسين. ولم يُزد على ذلك؛ لما روى الأوزاعي:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل. وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين، وإن كان معه عشره أفراس "

(4)

.

وعن أزهر بن عبدالله " أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراج:

أن يسهم للفرس سهمين، وللفرسين أربعة أسهم، ولصاحبها سهم. فذلك خمسة أسهم. وما كان فوق الفرسين فهي جنائب "

(5)

. رواهما سعيد.

ولأن للمقاتل إلى الثانى حاجه. فإن إدامة ركوب فرس واحد يضعفه ويمنع

القتال عليه. فيسهم للثانى كالأول. بخلاف الثالث فإنه مستغنى عنه.

(1)

سبق تخريجه ص (400) رقم (2).

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: لمنفعة.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2774) 2: 281 كتاب الجهاد، باب من قال: لا سهم لاكثر من فرسين.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(2775) الموضع السابق.

ص: 402

(ولا شيء) اي: لا سهم ولا رضخ (لغير الخيل) على الأصح.

قال في " الفروع ": ولا شيء لغير خيل.

وعنه: لراكب بغير سهم.

وعنه: عند عدم غيره.

واختار جماعة: يسهم له مطلقا. منهم أبو بكر والقاضي. وظاهر كلام بعضهم: كفرس.

وقيل: له ولفيل سهم هجين. انتهى.

ووجه المذهب: أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم] انه اسهم [

(1)

لغير الخيل من البهائم

وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا. ولم تخلُ غزاة من غزواته من الإبل، بل

هي غالب دوابهم. فلم ينقل أنه أسهم لها، ولو أسهم لها لنقل.

وكذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بعده لم ينقل عن أحد منهم فيما علمناه انه اسهم لبعير، ولو أسهموا له لم يَخفَ ذلك.

ولأنه لا يمكن صاحبه الكر والفر. فلم يسهم له؛ كالبغل.

***

(1)

ساقط من أ.

ص: 403

] فصل: في أحكام الغنيمة [

(فصل. ومن أسقَط حقه) من الغانمين (ولو) كان (مفلساً. لا) إن كان (سفيهاً: فـ) إن سهمه يكون (للباقي) من أهل الغنيمة؛ لأن المسقط حقه قد ملك التملك بالاستيلاءعلى الغنيمة

(1)

.

ولأن اشتراك الغانمين في الغنيمة اشتراك تزاحم. فإذا أسقط أحدهم حقه كان للباقين.

(وإن أسقط الكل) حقهم من الغنيمة (فـ) هي (فيء) يعني: تصرف مصرف الفيء.

(وإذا لحق) بالجيش (مدد أو أسير) تفلّت قبل تقضّي الحرب، (أو صار الفارس راجلاً، أو عكسه) بأن صار الراجل فارساً قبل تقضي الحرب، (أو أسلم) ممن شهد الوقعة كافراً، (أو بلغ) صبي، (أو عتق) قن (قبل تقضّي الحرب: جُعلوا كمن كان فيها كلها كذلك) أي: على الحال الذي تقضّت الحرب وهم عليه؛ لأن الغنيمة لمن شهد الوقعة، وقد شهدوها.

ولأن من تغيّر حاله قبل تقضّي الحرب لم تنتقل الغنيمة إلى ملك المسلمين إلا وهم على الهيئة التي صاروا إليها. فجعلوا كما لو كانوا في أول الحرب كذلك.

(ولا قِسْمَ لمن مات أو انصرف أو أُسر قبل ذلك) أي: قبل تقضي الحرب؛ لأن الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهؤلاء لم يشهدوا إلا بعضها، ولم يكونوا عند انتقال ملك الغنيمة إلى المسلمين؛ لأن الغنيمة لا تملك إلا بالاستيلاء عليها عند تقضي الحرب، وهؤلاء لم يكونوا حضوراً عند ذلك.

(ويحرُم قول الإمام: من أخذ شيئاً فهو له) على الأصح.

(1)

في أ: الغانمين.

ص: 404

(و) من أخذ شيئاً بقول الإمام ذلك فإنه (لا يستحقه)؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم، وكذا الخلفاء بعده.

ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال وظفر العدو بهم.

ولأن الاغتنام سبب في استحقاقهم الغنيمة على سبيل التساوي. فلا يزول ذلك بقول الإمام.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر:" من أخذ شيئاً فهو له "

(1)

: فمنسوخ حكمه. فإنهم اختلفوا فيها فأنزل الله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ

} الأنفال: 1].

ويستثنى من ذلك صوره أشير إليها بقوله:

(إلا فيما تعذّر حملُه)؛ كالأحجار الكبار، والقدور الكبار والحطب ونحو ذلك (وتُرك فلم يُشتر) أي: فلم يرغب أحد في شرائه: فإنه يجوز للإمام أن يقول: من أخذ شيئاً من ذلك فهو له.

(وللإمام أخذه) أي: أخذ ذلك (لنفسه، و) له (إحراقه) أي: إحر اق ما يحرق منه؛ كما لو كان حطباً أو تبناً ونحوهما

(2)

إنكاء للعدو؛ لئلا ينتفعون به.

(وإلا) أي: وإن لم يكن كما ذكر (حرُم) على الإمام أن يقول: من أخذ شيئاً فهو له. وإنما جاز ذلك فيما ذكر؛ لأنه كالمرغوب عنه.

(ويصح تفضيل بعض الغانمين لمعنى فيه) بأن يرضخ له زيادة عن سهمه وقد تقدم.

(ويَخص إمام بكلب) يجوز اقتناؤه (من شاء) من الجيش. ولا يدخل في غنيمة.

(ويُكسر الصليب، ويُقتل الخنزير). قاله أحمد.

(1)

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"6: 316 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب الوجه الثالث من النفل.

(2)

في أ: أو نحوهما.

ص: 405

(ويُصب الخمر، ولا يُكسر الإناء). نقله أبو داود.

(ولا تصح الإجارة للجهاد) على الأصح.

وعليه: إن كان قد أخذ شيئاً من الأجرة رده.

(فيسهم له) أي: لمن استؤجر للجهاد؛ (كأجير الخدمة)؛ لأنه حضر الوقعة، وهو من أهل القتال. فيسهم له؛ كغير الأجير.

ولقول عمر: " الغنيمة لمن شهد الوقعة "

(1)

.

ومن أجر نفسه بعد أن غنموا على حفظ الغنيمة أو حملها أو سوقها أو رعيها أبيح له أخذ الأجرة على ذلك، ولم يسقط من سهمه شيء؛ لأن ذلك من مؤنة الغنيمة. فهو كعلف الدواب وطعام السبي، يجوز للإمام بذله.

ويباح للأجير أخذ الأجره عليه؛ لأنه قد أجّر نفسه لفعلٍ للمسلمين إليه حاجة. فحلت له الأجرة؛ كالدليل على الطريق.

وتصح الإجارة على ذلك بدابة معينة من المغنم

(2)

.

(ومن مات بعد تقضَّي الحرب فسهمُه لوارثه)؛ لأنه مات بعد ثبوت ملكه عليها. فكان سهمه لورثته؛ كسائر أمواله. حتى ولو كان موته قبل إحراز الغنيمة. وبعد الاستيلاء عليها؛ لأنه أدركها في حال لو قسمت فيه صحت قسمتها، وكان له سهمه منها. فيجب أن يستحق سهمه فيها؛ كما لو مات بعد إحرازها في فى دار الإسلام.

(ومن وطئ جارية منها) أي: من الغنيمة، (وله) أي: للواطئ (فيها)

أي: في الغنيمة (حق، أو لولده) أي: ولد الواطئ فيها حق: (أُدِّب) الواطئ؛ لأنه فعل ما لا يحل. (ولم يبلغ به) أي: بتأديبه (الحد)؛ لأن الملك يثبت للغانمين في الغنيمة. فيكون للواطئ حق في الجارية الموطوءة. وإن قلّ فيدرأ عنه الحد للشبهة؛ كوطء جارية له فيها شرك.

(1)

سبق تخريجه ص (399) رقم (2).

(2)

في أ: الغنيمة.

ص: 406

وعموم قوله سبحانه وتعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2 [مخصوص بوطء الجارية المشتركة وجارية ابنه. فيقاس عليه وطء الجارية من الغنيمة.

(وعليه مهرُها) يطرح في المقسم. (إلا أن تلد منه فـ) تكون عليه (قيمتها) تطرح في المقسم؛ لأن استيلادها كإتلافها. (وتصيرُ أمَّ ولده)؛ لأنه وطء يلحق به النسب. أشبه الملك. فتصير به أم ولد؛ كوطء جارية ابنه.

(وولده حر) لا تلزمه قيمته على الأصح؛ لأنه ملكها حين علقت. ولم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال. فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئهما.

ولأنه يعتق عليه حين علوقها به ولا قيمة له حينئذ.

(وإن أعتق) بعض الغانمين (قِنّاً) من الغنيمة؛ (أو كان) في الغنيمة من الأسرى المسترقين من (يَعتِق عليه: عَتَق) ممن أعتقه، أو عتق عليه (قدر حقه، والباقي) منه حكمه (كعتقه شِقْصاً) من قِنّ مشترك يأتي حكمه.

وعلم مما تقدم أن بعض الغانمين لو عتق أسيراً من الرجال قبل أن يخير الإمام فيهم، أو كان ممن يعتق على بعض الغانمين لو كان رقيقاً: لم يعتق؛ لأن العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وعم علي وعقيل أخي علي كانا في أسرى بدر فلم يعتقا عليهما.

ولأن الرجل لا

(1)

يصير رقيقاً بنفس السبي.

(والغالّ. وهو: من كتم ما غَنِمَ، أو) كتم (بعضه لا يُحْرَم سهمه) من الغنيمة على الأصح؛ لأن سبب الاستحقاق موجود. فيستحق كما لو لم يغلّ.

ولم يثبت حرمان سهمه في خبر ولا يدل عليه قياس. فبقي بحاله. ولا يحرق؛ لأنه ليس من رحله.

(ويجبُ حرق رحلِه كله وقتَ غُلوله) وبه قال الحسن، وفقهاء الشام، منهم مكحول والأوزاعي والوليد بن هشام ويزيد بن يزيد بن جابر.

(1)

ساقط من أ.

ص: 407

] و" قد أتي سعيد بن عبدالملك بغالّ. فجمع ماله وأحرقه، وعمر بن عبد العزيز حاضر فلم يعبه "

(1)

.

وقال يزيد بن يزيد بن جابر [

(2)

: " السُّنّة في الذي يغل أن يحرق رحله ".رواهما سعيد في "سننه".

وقال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي: لا يحرق؛" لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق "

(3)

.

فإن عبد الله بن عمرو روى:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس. فيجيئون بغنائمهم. فيخمسه ويقسمه. فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر. فقال: يا رسول الله! هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة. فقال: سمعت بلالاً ينادي ثلاثاً؛ قال: نعم. قال: فما منعك أن] تجئ به؟ فاعتذر. فقال: إن أنت [

(4)

تجيءبه يوم القيامة فلن أقبله منك "

(5)

.أخرجه أبو داود.

ولأن إحراق المتاع إضاعة له، وقد "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال "

(6)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(2731) 2: 270 كتاب الجهاد، باب ما جاء في عقوبة من غل.

(2)

ساقط من أ.

(3)

قال البخاري: إنما روى هذا-يعني حديث تحريق متاع الغال-صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث، قال محمد: وقد رُوي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال فلم يأمر فيه بحرق متاعه. ذكره عنه الترمذي فى"جامعه "4: 61

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرجه أبو داود في"سننه"(2712) 3: 68 أول كتاب الجهاد، باب في الغلول إذا كان يسيراً يتركه الإمام ولا يحرق رحله.

(6)

روى المغيرة بن شعبه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال؛ إضاعة المال". أخرجه البخاري في"صحيحه"(2277) 2: 848 كتاب الاستقراض، باب ما ينهى عن إضاعة المال.

وأخرجه مسلم في "صحيحه"(593) 3: 1341 كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة. . .

ص: 408

ولنا: ما روى صالح بن محمد بن زائدة قال:" دخلت مع مسلمة أرض الروم. فأتي برجل قد غلّ. فسأل سالماً عنه.] فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وجدتم الرجل قد غلّ فاحرقوا متاعه واضربوه. قال: فوجدنا في متاعه مصحفاً. فسأل سالماً عنه [

(1)

.فقال: بعه وتصدق بثمنه "

(2)

. رواه سعيد وأبو داود والأثرم.

وأما حديثهم فلا حجة لهم فيه. فإن الرجل لم يعترف أنه غله، وإنما توانى في المجيء به معتذراً عن توانيه. وليس الخلاف فيه.

وأما النهي عن إضاعة المال فمحله: إن لم يكن فيه مصلحة، وأما معها فلا بأس، ولا يعد تضييعاً؛ كإلقاء المتاع في البحر عند خوف الغرق، وكقطع يد العبد السارق. مع أن كل المال لا تكاد المصلحة تحصل به إلا بذهابه. فأكله إتلافه وإنفاقه إذهابه. ولا يعد شيء من ذلك تضييعاً.

ومحل وجوب إحراقه: (ما لم يخرج عن ملكه).فإن إحراقه حينئذ يكون عقوبة لغير الجانى.

ومحله أيضاً: (إذا كان) الغالّ (حياً). فإن مات قبل إحراقه لم يحرق. نص عليه، لأنه عقوبة. فتسقط بالموت، كالحدود.

ومحله أيضاً: إذا كان الغال (حراً مكلفاً ملتزماً).

أما مع كونه رقيقاً " فلأن المتاع لسيده، ولا يعاقب السيد بجناية عبده.

وأما مع كونه غير مكلف؛ فلأن الإحراق عقوبة، وليس يخير المكلف من أهلها.

وأما مع كونه غير ملتزم أحكام المسلمين؛ فإنه لا يعاقب على ما لا يعتقد تحريمه.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في"سننه"(2713) 3: 69 أول كتاب الجهاد، باب في عقوبة الغال.

وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(2729) 2: 269 كتاب الجهاد، باب ما جاء في عقوبة من غل.

ص: 409

قال في"الفروع":والمر اد ملتزماً. ذكره الآمدي البغدادي.

لكن لا تشترط ذكورية الغال ولا إسلامه. فيحرق رحله. (ولو) كان (أنثى، و) لو كان (ذمياً)؛لأنهما من أهل العقوبة، ولذلك يقطعان في السرقة.

ويستثنى من متاع الغال أشياء يحرم حرقها أشير إليها بقوله:

(إلا سلاحاً، ومصحفاً، وحيواناً بآلته ونفقته، وكتب علم، وثيابه التي عليه، وما لا تأكله النار: فـ) يكون (له) أي: للغال في الأصح.

وقيل: يباع المصحف ويتصدق بثمنه.

(ويُعزّر) الغال من أجل غلوله، لأنه فعل شيئاً محرماً.

(ولا يُنفى).نص عليه.

(ويؤخذُ ما غَلّ) من الغنيمة (للمغنَم) أي: للمقسم؛ لأنه حق للغانمين. فتعين رده إلى أهله.

(فإن تاب بعد قسم: أَعطى الإمام خمسه، وتَصدق ببقيته)؛لما روى سعيد بن منصور، عن عبدالله بن المبارك، عن صفوان بن عمرو، عن حوشب بن سيف. قال:" غزا الناس الروم وعليهم عبدالرحمن] بن خالد بن الوليد [

(1)

.فغل رجل مائة دينار.] فلما قسمت الغنيمة وتفرق الناس ندم. فأتى عبد الرحمن فقال: قد غللت مائة دينار [

(2)

فاقبضها. فقال: قد تفرق الناس فلن أقبضها منك حتى توافي الله

(3)

بها يوم القيامة- يشير بذلك إلى قوله سبحانه وتعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161 [-. فأتى معاوية فذكر ذلك له. فقال له مثل ذلك. فخرج وهو يبكي. فمر بعبدالله بن الشاعر السكسكي فقال: ما يبكيك؟

(4)

فأخبره. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون أمُطيعي

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في الأصول: الناس. وما أثبتناه من"السنن".

(4)

ساقط من أ.

ص: 410

انت يا عبدالله؟ قال: نعم. قال: فانطلق إلى معاوية فقل له: خُذ مني خمسك. فأعطه عشرين ديناراً وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش. فإن الله سبحانه وتعالى يعلم أسماءهم ومكانهم. فإن

(1)

الله يقبل التوبة عن عباده. فقال معاوية: أحسن. والله! لأن أكون أفتيته بهذا أحب إلي من أن يكون لي مثل كل شيء امتلكت "

(2)

.

وعن ابن مسعود: "أنه رأى أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه ".

فقد قال به ابن مسعود ومعاوية ومن بعدهم، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم. فكان إجماعاً.

(وما أُخذ من فدية) أي: فديه أسرى الكفار فغنيمة. فـ " إن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فداء أسارى بدر

(3)

بين الغانمين ".

ولأنه مال حصل بقوة الجيش. أشبه الخيل والسلاح.

(أو أُهدي للأمير) أي: أمير الجيش، (أو) أهدي (لبعض قواده، أو) بعض (الغانمين بدار حرب: فغنيمة)؛لأن الظاهر أنهم لم يفعلوا ذلك إلا للخوف من المسلمين.

(و) ما أهدي (بدارنا فلمُهدى له). سواء كان الإمام أو غيره؛" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية

(4)

المقوقس ". فكانت له دون غيره. والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

(1)

في أ: وإن.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(2732) 2:270 كتاب الجهاد، باب ما جاء فيمن غل وندم.

(3)

ساقط من ب.

(4)

في ج: هبة.

ص: 411

] باب: في الأراضي المغنومة [

(باب. الأرَضُون المغنومة ثلاث) أي: ثلاثة أصناف:

الأول منها: (عَنوَة. وهي: ما أَجْلوا عنها) أهلها بالسيف. (ويخير إمام) فيها (بين قسمها) بين الغانمين (كمنقول).

قال في " شرح المقنع ": ولم نعلم أن شيئاً مما فتح عنوة قسم بين الغانمين إلا خيبر. فـ " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم نصفها "

(1)

. فصار لأهله لا خراج عليه.

وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمر رضى الله تعالى عنه ومن بعده؛ كأرض الشام والعراق ومصر وغيرها لم يقسم منه شيء. فروى أبو عبيد في " كتاب الأموال ": " أن عمر قدم الجابية. فأراد قسم الأرضين بين المسلمين. فقال له معاذ رضي الله تعالى عنه: والله! إذاً ليكونن ما تكره. إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم. ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد والمرأة. ثم يأتى من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسداً، وهم لا يجدون شيئاً. فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم. فصار عمر إلى قول معاذ "

(2)

.

وروى أيضاً قال: قال الماجشون:" قال بلال لعمر بن الخطاب في القرى التي افتتحها عنوة: اقسمها بيننا، وخذ خمسها. فقال عمر: لا. هذا عين المال. ولكني أحبسه فيئاً يجري عليهم وعلى المسلمين. فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا. فقال عمر: اللهم! اكفني بلالاً وذويه. فما حال الحول ومنهم عين تطرف "

(3)

.

(1)

أخرجه أبو داود في "سننه"(3010) 3: 159 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر. عن سهل ابن أبي حثمة، قال:" قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته ونصفاً بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً ".

(2)

أخرجه أبو عبيد في"الأموال"(152) ص: 61 كتاب فتوح الأرضين صلحاً، باب فتح الأرض تؤخذ عنوة. . .

(3)

أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(147) ص: 59 الموضع السابق.

ص: 412

(و) بين (وقفها لامسلمين بلفظ يحصل به) الوقف. (ويضرب عليها خراجاً) مستمراً (يؤخذ ممن هي بيده، من مسلم وذمي) يكون أجرة لها في كل عام.

الصنف الثانى ما أشير إليه بقوله:

(الثانية: ما جَلَوا عنها خوفاً منا، وحكمُها كالأولى).فيخير الإمام فيها؛ كما تقدم على الأصح.

وعنه: أنها تصير وقفاً بنفس الاستيلاء عليها.

الصنف الثالث ما أشير إليه بقوله:

(الثالثة: المُصالَح عليها). وهي نوعان. أشير إلى الأولى بقوله:

(فما صُولحوا على أنها) أي: على أن الأرض (لنا) ونقرها معهم بالخراج: (فـ) هذه (كالعنوة) على الأصح، لا يسقط خراجها بإسلام.

وعنه: أنها تصير وقفاً بذلك.

النوع الثانى ما أشير إليه بقوله:

(وعلى أنها) أي: على أن الأرض (لهم، ولنا الخراج عنها: فهو) أي: فالخراج المأخوذ عنها (كجزية. إن أسلموا) سقط عنهم، (أو انتقلت إلى مسلم سقط) عنهم؛ كما تسقط الجزية بالإسلام.

وإن انتقلت إلى ذمي من غير

(1)

أهل الصلح لم يسقط عنه الخراج في الأصح، وتبقى الأرض ملكاً لهم، وتسمى دار عهد، لا يمنعون فيها من إحداث كنيسة ولا بيعة.

(ويُقَرُّون فيها بلا جزية)؛لأنهم في غير الإسلام. (بخلاف ما قبل) أي: ما قبل ذلك من الأرضين المذكورة.

(وعلى إمام فعلُ الأصلح) للمسلمين فيما يفتحه من الأراضي، من وقف أو

(1)

ساقط من ب.

ص: 413

قسمة، (ويُرجع في) قدر (خَراج وجزية إلى تقديره) أي: تقدير الإمام في الزيادة والنقصان على قدر الطاقة بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده على الأصح.

قال في " شرح المقنع ": وهو اختيار الخلال وعامة شيوخنا؛ لأنه أجرة.

فلم تتقدر بمقدار لا يختلف؛ كأجرة المساكن.

وفيه رواية ثانية: أنه يرجع إلى ما ضربه عمر لا يزاد ولا ينقص؛ لأن اجتهاد عمر أولى من قول غيره.

وعنه رواية ثالثة: أن الزيادة تجوز دون النقص؛ لما روى عمرو بن ميمون:"أنه سمع عمر يقول لحذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف: لعلكما حمّلتما الأرض ما لا تطيق. فقال عثمان: والله! لو زدت عليهم فلا يجهدهم "

(1)

.فدل على إباحة الزيادة ما لم يجهدهم.

وأشير إلى ما ضربه عمر وإن لم يكن المذهب ليعلم بقوله:

(ووضع عمر رضى الله تعالى عنه على كل جَريب درهماً وقفيزاً وهو) أي: القفيز: (ثمانية أرطال. قيل: بالمكيّ).قدمه في"شرح المقنع"وقال: نص عليه، واختاره القاضي.

وقال أبو بكر: قيل: أن قدره ثلاثون رطلاً.

(وقيل بالعراقيّ، وهو نصف المكيّ)،وقدمه في "المحرر"و"الرعايتين"و"الحاويين" وقالوا: نص عليه.

] قال في"الإنصاف":هذا القفيز قفيز الحجاج. وهو صاع عمر. نص عليه. والقفيز الهاشمى: مكوكان. وهو ثلاثون رطلاً عراقية. انتهى.

قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام: أعلا وأصح حديث في أرض السواد حديث عمرو بن ميمون يعني:"أن عمر رضى الله تعالى عنه وضع على كل جريب درهماً وقفيزاً"

(2)

.

(1)

أخرجه أبو عبيد في"الأموال"(106) ص: 43 باب فرض الجزية. . .

(2)

أخرجه أبو عبيد في"الأموال"(105) الموضع السابق.

ص: 414

وقدر القفيز: ثمانية أرطال بالمكي. نص عليه أحمد [

(1)

،واختاره القاضي.] فيكون ستة عشر رطلاً بالعراقي [

(2)

.

وقال أبو بكر: قد

(3)

قيل أن قدره،: ثلاثون رطلاً.

وينبغي أن يكون من جنس ما تخرجه الأرض؛ لأنه روي عن عمر " أنه ضرب على الطعام درهماً وقفيز حنطة، وعلى الشعير درهماً وقفيز شعير "

(4)

.ويقاس عليه غيره من الحبوب.

(والجريب: عشر قَصَبات في مثلها) أي: في عشر قصبات. (والقصبة: ستة أذرع بذراع وسط)،لا أطول ذراع ولا أقصرها، (وقبضة وإبهام قائمة).وما بين الشجر من بياض الأرض تبع لها فليس فيه إلا خراج الأرض.

(والخراج على الأرض لها ماء تُسقى به ولو لم تُزرع، لا على مال يناله ماء ولو أمكن زرعه وإحياؤه ولم يفعل)؛لأن الخراج أجرة الأرض وما لا منفعة فيه لا أجرة له.

وعنه: يجب فيه الخراج إذا كان على صفة يمكن إحياؤه؛ ليحييه من هو في يده، أو يرفع يده عنه فيحييه غيره وينتفع به.

(وما لم ينبت) إلا عاماً بعد عام، (أو ينله) الماء (إلا عاماً) بعد عام:(فـ) يجب (نصف خراجه في كل عام)؛لأن نفع هذه الأرض على النصف. فكذلك الخراج؛ لكونه في مقابلة النفع.

(وهو) أي: الخراج (على المالك)؛لأن الخراج على رقبة الأرض دون المستأجر لها، كما تجب الفطرة على مالك العبد.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرج أبو عبيد في "الأموال" عن محمد بن عببدالله الثقفي، قال:" وضع عمر بن الخطاب رحمه الله على أهل السواد على كل جريب عامر أو الغامر درهما وقفيزاً"(174) ص: 70 باب أرض العنوة تقر في أيدي أهلها. . .

ص: 415

(و) هو أيضاً (كالدين، يُحبس به الموسر، ويُنظر المعسر)؛لأنه أجرة. أشبه أجره المساكن

(1)

.

(ومن عجز عن عمارة أرضه أُجْبِرَ على إجارتها، أو رفع يده عنها) يعني: أن من كانت بيده أرض خراجية فهو أحق بها بالخراج كالمستأجر، وتنتقل إلى

(2)

وارثه بعده على الوجه التي كانت في يد مورثه. فإن آثر بها أحداً صار الثانى أحق بها. فإن عجز من هي في يده عن عمارتها ودفع خراجها أجبر على رفع يده عنها بإجارة أو غيرها. ويدفعها إلى من يعمرها ويقوم بخراجها؛ لأن الأرض للمسلمين. فلا يجوز تعطيلها عليهم.

(ويجوز أن يُرشَى العامل ويُهْدَى له لدفع ظلم) عن المرشي أو المهدي؛ لأنه يتوصل بذلك إلى كف اليد العادية عنه. (لا ليدع خَراجاً) عن المرشي أو المهدي؛ لأن ذلك يتوصل به إلى إبطال حق. فحرمتا على الآخذ والمعطي؛ كرشوة الحاكم ليحكم له بغير الحق.

(والهدية: الدفع) إلى المهدى إليه (ابتداء) من غير طلب، (والرشوة):الدفع للمرتشي (بعد الطلب) من دافع الرشوة. (وأخذهما) أي: الرشوة والهدية (حرام).

ويكره للمسلم أن يشتري من أرض الخراج المزارع

(3)

؛ لأن في إعطاء الخراج معنى المذلة. وبهذا وردت الأخبار عن عمر وغيره. ومعنى الشراء هاهنا: أن يقبل الأرض بما عليها من خراجها؛ لأن شراء رقبتها غير جائز.

(ولا خراج على مساكن مطلقاً) أي: سواء فتحت عنوة أو صلحاً.

وإنما كان أحمد يؤدي الخراج عن داره؛ لأن بغداد كانت مزارع وقت فتحها.

(ولا) خراج على (مزارع مكة) في الأصح؛ لأن الخراج جزية الأرض

(1)

في ج: المساكين.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: الزارع.

ص: 416

ولا يجوز إعطاؤها عن أرض.

وأجازه في "الانتصار"؛ كسائر أرض العنوة.

قال صاحب "المحرر": لا أعلم من أجاز ضرب الخراج عليها سواه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم يضرب عليها شيئاً.

(والحرم) كله (كهي) أي: كمكة. نص عليه.

(وليس لأحد البناء والانفراد به فيهما) أي: في مكة والحرم على الأصح.

(ولا) يجوز لأحد (تفرقة خراج عليه بنفسه)؛لافتقاره إلى اجتهاد؛ لعدم تعيين مصرفه.

ولأن الخراج والغنيمة لمصالح المملكة؛ لأن بها تجتمع الجند على باب السلطان فينفذ أوامر الشرع، ويحمي البيضة، ويمنع القوي من الضعيف. فلو فرقه غيره تفرقوا وزالت حشمته وطمع فيه. فجرّ ذلك إلى الفساد.

(ومصرفه) أي: مصرف الخراج (كفيء) أي: كمصرف الفيء.

(وإن راى الإمام المصلحة في إسقاطه) أي: إسقاط الخراج (عمن) أي: عن إنسان (له) أي: للإمام (وضعه) أي: وضع الخراج (فيه) أي: في ذلك الإنسان، بأن كان ممن له حق الفيء:(جاز)؛لأنه لا فائدة في أخذه منه ثم رده إليه.

ولأنه لو أخذ الخراج وصار في يده جاز له أن يخص به شخصاً إذا رأى المصلحة فيه. فجاز له تركه بطريق الأولى.

(ولا يُحتسب بما ظُلم في خراجه من عُشْر) عليه في حب أو ثمر على الأصح.

قال الإمام أحمد: لأنه غصب.

وعنه: بلى، اختاره أبو بكر.

***

ص: 417

] باب: الفيء [

هذا (باب) يذكر فيه أموال الفيء ومصرفها.

وأصل الفيء الرجوع. يقال: فاء الظل إذا رجع نحو المشرق. وسمي المال الحاصل من الكفار على ما يأتي تفصيله فيئاً؛ لأنه رجع من المشركين إلى المسلمين.

والأصل فيه قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر:6 [،وقوله سبحانه وتعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الآية] الحشر:7].

ثم (الفيء) هنا: (ما أُخذ من مال كافر بحق بلا قتال؛ كجزية، وخراج، وعُشر تجارة) من حربي، (ونصفه) أي: ونصف عشر تجارة من ذمي، (وما تُرك) أي: وما تركه الكفار للمسلمين (فزعاً) من المسلمين، (أو) ترك (عن ميت ولا وارث) له.

(ومصرفه) أي: مصرف ما ذكر من المال (و) مصرف (خُمس خُمس الغنيمة: المصالح) أي: مصالح المسلمين في الأصح؛ لقول عمر:"ما أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب، إلا العبيد فليس لهم فيه شيء، وقرأ عمر: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} - حتى بلغ- {وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ} [الحشر:7 - 10 [فقال: هذه استوعبت المسلمين عامة"

(1)

.

ولأن المصالح نفعها عام، والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلاً لها.

وذكر أحمد الفيء. فقال فيه: لكل المسلمين، وهو بين الغني والفقير.

(1)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"6: 351 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.

ص: 418

قال القاضي: ومعنى كلام أحمد أنه بين الغني والفقير يعني: الغني الذي فيه مصلحة للمسلمين من المجاهدين والقضاة والفقهاء. قال: ويحتمل أن يكون معنى كلامه أن لجميع المسلمين الانتفاع بذلك المال؛ لكونه يصرف إلى من يعود نفعه إلى جمييع المسلمين. انتهى.

والمذهب: أنه لا يختص بالمقاتلة.

قال في"الإنصاف": وقيل: يختص بالمقاتلة. اختاره القاضي. انتهى.

(و) حيث تقرر صرفه في المصالح فإنه (يُبدأ بالأهم فالأهم: من سدّ ثغر، وكفاية أهله) أي: أهل الثغر، (وحاجة من يدفع عن المسلمين)؛ لأن أهم أمور المسلمين حفظ بلادهم، وأمنهم من عدوهم. فيعطى من يلي ذلك كفايته من مال الفيء. وسد الثغور عمارتها، وكفايتها بالخيل والسلاح.

(ثم) بـ (الأهم فالأهم من سد بَثْق) وهو: المكان المنفتح في جانبي النهر. وسده هو: جرف الجسور؛ لحصول النفع بعلو الماء بسبب ذلك.

(و) من (كَرْيِ نهر) أي: تعزيل ما يعيق ماء النهر عن جريانه، (وعمل قنطرة، ورزق قضاة، وغير ذلك)؛ كعمارة المساجد، وإصلاح الطرق، وأرزاق الأئمة والمؤذنين والفقهاء، وكل ما يعود نفعه على المسلمين.

(ولا يخمَّس) الفيء. نص أحمد على ذلك في رواية أبي طالب، واختاره أكثر الأصحاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى أضافه إلى أهل الخمس، كما أضاف إليهم خمس الغنيمة. فإيجاب الخمس فيه لأهله دون باقيه منع لما جعله الله سبحانه وتعالى لهم بغير دليل، ولو أريد الخمس منه لذكره الله سبحانه وتعالى كما ذكره في خمس الغنيمة. فلما لم يذكره ظهرت إرادة الاستيعاب.

(ويقسم فاضل) عما ذكر مما يعم نفعه المسلمين (بين أحرار المسلمين، غنيهم وفقيرهم)؛لأنه مال فضل عن حاجتهم. فقسم بينهم؛ لأنهم استحقوه بمعنى مشترك. فاستووا فيه؛ كالميراث.

وهذا المذهب.

ص: 419

وعنه: يقدم المحتاج على غيره؛ لأن المصلحة في حقه أعظم منها في حق غيره.

واختار أبو حكيم والشيخ تقي الدين: أنه لا حظ للرافضة فيه. وذكره ابن القيم في "الهدي " عن مالك وأحمد.

(وتُسن) عند القسم (بِداءة بأولاد المهاجرين، الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد هنا بالمهاجرين: الذين هجروا أوطانهم وخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جماعة مخصوصون.

والمراد بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم: القرشيون؛ لما روى أبو هريرة قال:"قدم على عمر ثمانية ألف درهم. فلما أصبح أرسل إلى نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: قد جاء الناسَ مال لم يأتهم مثله منذ كان الإسلام، أشيروا عليّ بمن أبدأ. قالوا: بك يا أمير المؤمنين! إنك ولي ذلك. قال: لا. ولكن أبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب. فوضع الديوان على ذلك "

(1)

.

إذا تقرر هذا فيبدأ ببني هاشم؛ لأنهم أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيه لما ذكرنا من خبر

عمر.

ثم بني المطلب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبَّك بين أصابعه "

(2)

.

ثم بني عبد شمس؛ لأنه هو وهاشم أخوان لأب وأم.

ثم ببني نوفل؛ لأنه أخو هاشم لأبيه.

ثم ببني عبدالعزى وبني عبد الدار. ويقدم بني عبدالعزى؛ لأن فيهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خديجة منهم. ثم الأقرب فالأقرب حتى تنقضي قريش.

(1)

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"6: 364 كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب إعطاء الفيء على الديوان ومن يقع به البداية.

(2)

سبق تخريجه ص (396) رقم (4).

ص: 420

(وقريش قيل):إنهم (بنو النضر بن كِنانَة، وقيل): إنهم (بنو فِهْر بن مالك بن النضر) بن كنانة.

(ثم بأولاد الأنصار). والأنصار هم: الحيان الأوس والخزرج. وقُدِّموا على غيرهم؛ لسابقتهم في الإسلام.

(فإن استوى اثنان) فيما تقدم: (فأسبق إسلام. فأسن. فأقدم هجرة وسابقة. ويفضَّل بينهم) أي: بين أهل العطاء (بسابقة) في الإسلام، (ونحوها) كلمعنى فيه على الأصح. نص على ذلك؛ لأن عمر قسم بينهم على السوابق، وقال:"لا أجعل من قاتل على الإسلام كمن قوتل عليه ".

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم النفل بين أهله متفاضلاً على قدر غنائهم. وهذا في معناه.

و" قد فضل عمر وعثمان "

(1)

، و"لم يفضل أبو بكر وعلي "

(2)

.

(ولا يجب عطاء إلا لبالغ عاقل حر بصير صحيح، يُطيق القتال). ويتعرف قدر حاجة أهل العطاء وكفايتهم، ويزيد ذا الولد من أجل ولده، وذا الفرس من أجل فرسه. وإن كان له عبيد في مصالح الحرب حسب مُؤْنتهم في كفايته. وإن كانوا لزينة أو تجارة لم يحسب مُؤْنتهم. وينظر في أسعار بلادهم؛ لأن الأسعار تختلف، والغرض الكفاية. ولهذا تعتبر الذرية.

(ويُخرج من المقاتلة بمرض لا يُرجى زواله؛ كزمانة، ونحوها)؛ كقطع

(1)

أخرج أبو عبيد في"الأموال"(550) ص:211 باب فرض الأعطية من الفيء. عن الشعبي قال: " لما افتتح عمر العراق والشام وجبى الخراج، جمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت أن أفرض العطاء لأهله الذين افتتحوه. فقالوا: نعم الرأي ما رأيت يا أمير المؤمنين! فقال: فمن نبدأ؛ قالوا: ومن أحق بذلك منك؛ ابدأ بنفسك. قال: لا. ولكني أبدأ بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب عائشة أم المؤمنين في اثنى عشر ألفا. وكتب سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عشره آلاف، ثم فرض بعد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب خمسة آلاف، ولمن شهد بدراً من بني هاشم ".

(2)

أخرج أبو عبيد في "الأموال"(648) ص:244 باب التسوية بين الناس في الفيء. عن يزيد بن أبي حبيب" أن أبا بكر قسم بين الناس قسماً واحداً. فكان ذلك نصف دينار لكل إنسان ".

ص: 421

يده، ويسقط سهمه بذلك. بخلاف المرض المرجو زواله؛ كالحمى والصداع ونحوهما؛ لأنه في حكم الصحيح؛ لأنه ليس له أن يستنيب في الحج مع وجود ذلك.

(وبيت المال ملك للمسلمين، يضمنه متلفه، ويحرُم أخذٌ منه بلا إذن إمام) لذلك الوقت؛ لأن تعيين مصارفه وترتيبها يرجع فيه إلى الإمام. فافتقر الأخذ منه إلى إذنه.

(ومن مات بعد حلول العطاء دفع لورثته حقه)؛لأنه مات؛ بعد الاستحقاق. فانتقل حقه إلى وارثه

(1)

؛ كسائر حقوقه.

(ولامرأة جندي يموت، ولصغار أولاده كفايتهم) إلى أن يبلغوا؛ لما في ذلك من تطييب قلوب المجاهدين؛ لأنهم إذا علموا أن عيالهم يُكفون المؤْنة بعد موتهم توفروا للجهاد. وإذا علموا أن عيالهم خلاف ذلك توفروا على الكسب وآثروه؛ مخافة الضيعة على عيالهم.

(فإذا بلغ ذكرهم) أي: ذكر أولاد الجندي وكان (أهلاً للقتال: فرض له إن طلب) ذلك؛ لأن البالغ لا يجبر على خلاف مراده إلا على الواجب

(2)

عليه.

ولا شك أن دخوله في ديوان المقاتلة ليس بواجب عليه.

(وإلا) أي: وإن لم يطلب ذلك (تُرك كالمرأة والبنات) أي: بنات الجندي (إذا تزوجن).

والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

(1)

في ج: ورثته.

(2)

في ب: إلا الواجب.

ص: 422

] باب: الأمان [

(باب) يذكر فيه (الأمان). وهو: (ضد الخوف).

والأصل في مشروعيته قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].

(ويحرُم به) أي: بالأمان (قتل ورِق وأسر)، والتعرض لما معه من مال.

(وشُرط) لصحة الأمان: (كونه من مسلم).فلا يصح من كافر ولو كان ذمياً أو مستأمنا.

(عاقل) فلا يصح من مجنون.

(مختار) فلا يصح من مكره عليه.

(غير سكران)؛ لأن السكران لا يعرف المصلحة. أشبه النائم والمغمى عليه.

لا الحرية ولا الذكوزية ولا البلوغ.

فيصح الأمان من المسلم العاقل المختار غير السكران. (ولو كان قناً أوأنثى أو مميزاً). على الأصح في المميز، (أو أسيراً).نص عليه؛ لما روى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم. فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا

(1)

عدل".رواه البخاري.

وخالف أبو حنيفة وأبو يوسف في صحة أمان العبد، إلا أن يكون مأذوناً له في القتال؛ لأنه لا يجب عليه الجهاد.

(1)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(6374) 6: 2482 كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه.

ص: 423

وجوابهما: أنه إما أن يكون أدنى المسلمين فيصح أمانه بالحديث، أو يكون غيره أدنى منه فيصح أمانه بطريق التنبيه.

ولذلك يصح أمان الأجير والتاجر في دار الحرب؛ لدخول جميع من ذكرنا في عموم الخبر.

حتى (ولو) كان الأمان (لأسير)؛ لما روي عن أم هانئ "أنها قالت: يا رسول الله! إني أجرت أحمائي وأغلقت عليهم بابي، وإن ابن أمي أراد قتلهم. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. إنما يجير على المسلمين أدناهم "

(1)

. رواه سعيد.

(و) شرط أيضاً لصحة الأمان (عدم ضرر) على المسلمين بتأمين الكفار، (وأن لا يزيد) زمن الأمان (على عشر سنين).

قال في " الفروع " عن " الترغيب ": ويشترط للأمان عدم الضرر علينا، وأن لا تزيد مدته على عشر سنين واقتصرعليه. وقاله في"الانتصار"

(2)

أيضاً عن"المستوعب". ثم قال: وقوله: وأن لا تزيد مدته عن عشر سنين، جزم به في "الرعايتين"و "الحاويين"و"تذكرة ابن عبدوس". انتهى.

(ويصح) الأمان (منجَّزاً) كقوله: أنت آمن، (ومعلقاً) بشرط كقوله:

من فعل كذا فهو آمن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن

(3)

".

ويصح الأمان (من إمام لجميع المشركين) وآحادهم؛ لأن ولايته عامة على جميع المسلمين.

(و) يصح (من أمير لأهل بلدة جُعل) الأمير (بإزائهم).فأما في حق غيرهم فهو كآحاد المسلمين؛ لأن ولايته على قتال أولئك دون غيرهم.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في"سننه"(2612) 2: 234 كتاب الجهاد، باب المرأة تجير على القوم.

(2)

في ب: "الأنصاف".

(3)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1780) 3: 1406 كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة.

ص: 424

(و) يصح (من كل أحد) يصح أمانه (لقافلة وحصن صغيرين عُرفاً)،كمائة فأقل؛ لما روى فضيل بن يزيد الرقاشي قال:"جهز عمر بن الخطاب جيشاً فكنت فيه. فحصرنا موضعاً فرأينا أنا سنفتحها اليوم، وجعلنا نُقبل ونروح، وبقي عبد منا. فراطنهم وراطنوه. فكتب لهم الأمان في صحيفة وشدها على سهم ورمى بها إليهم فأخذوها وخرجوا. فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب. فقال: العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم "

(1)

. رواه سعيد.

ولا يصح الأمان من آحاد الرعية لأهل بلدة أو رستاق أو جميع كبير؛ لأن ذلك يفضي إلى تعطيل

(2)

الجهاد والافتيات على الإمام.

ويحصل الأمان ويصح (بقول كـ: سلام) ممن يصح أمانه على حربي.

(و) كقوله: (أنت أو بعضك) آمن، (أو يدك) آمنة، (ونحوها) من الأعضاء؛ كرأسك (آمن.

وكـ) قوله: (لا بأس عليك، وَأَجَرْتُكَ، وِقفْ، وَأَلْق سلاحك، وقُم، ولا تَذْهَل، ومَتَرْس) ومعناه: لا تخف وهو بفتح الميم وسكون الراء وآخره سين مهملة.

وكذا قوله: لا تخف أو لا تخش ونحو ذلك؛ لما روي] عن عمر [

(3)

أنه قال:" إذا قلتم: لا بأس، أو لا تذهل أو مَتَرْس: فقد آمنتموهم. فإن الله تعالى يعلم الألسنة "

(4)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في "سننه "(2608) 2: 233 كتاب الجهاد، باب ما جاء في أمان العبد.

(2)

في أ: لتعطيل.

(3)

ساقط من أ.

(4)

ذكره البخاري في"صحيحه" تعليقاً ولفظه:" إذا قال مَتَرْس فقد آمنه، إن الله يعلم الألسنة كلها ". 3: 1158 كتاب الجزية، باب إذا قالوا صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا.

وأخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"موصولاً من حديث أبي وائل 9: 96 كتاب السير، باب كيف الأمان.

وأخرجه سعيد بن منصور في"سننه"(2599 - 2600) 2: 230 كتاب الجهاد، باب الإشارة إلى=

ص: 425

والذي ورد به الشرع من ذلك لفظتان: أجرتك وأمنتك.

قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن "

(1)

.

وفي معنى ذلك جميع ما ذكر.

(وكشرائه) يعني: أنه يحصل الأمان للحربي إذا شراه مسلم يصح أمانه.

قال الإمام أحمد: إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه] إذا [

(2)

اشتراه فقد أمنه.

(و) يصح الأمان أيضاً (بإشارة تدل) عليه؛ (كإمرار يده) كلها (أو بعضها عليه، وبإشارة بسبابته إلى السماء)؛ لقول عمر: " لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك. فنزل إليه فقتله. لقتلته "

(3)

. رواه سعيد.

وقال أحمد: إذا أشير إليه بشيء غير الأمان فظنه أمانا فهو أمان. وكل شيء يرى العلج أنه أمان فهو أمان.

فإن قلت: كيف صح الأمان بالإشارة مع القدرة على النطق بخلاف البيع والطلاق ونحوهما؟

قلنا: تغليباً لحقن الدماء، كما حقن دم من له شبهة كتاب تغليباً لحقن دمه.

مع أن الحاجة داعية إلى الإشاره؛ لأن الغالب منهم عدم فهم الكلام العربي. (ويسري) الأمان (إلى من معه) أي: مع المستأمن (من أهل ومال. إلا أن يخصص) بالأمان بأن يقول له: أنت آمن دون أهلك ومالك. فلا يسري إليهما.

(1)

= المشركين والوفاء بالعهد. وأخرجه عبدالرزاق في"مصنفه"(9429) 5: 219 كتاب الجهاد، باب دعاء العدو.

سبق تخريجه ص (424) رقم (3).

(2)

زيادة من " شرح البهوتي"1: 653.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور في"سننه"(2597) 2: 229 كتاب الجهاد، باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد.

ص: 426

(ويجب رد معتقد) شيئاً (غير الأمان أماناً إلى مأمنه) أي: مأمن المعتقِد وجوباً؛ لما تقدم من أن كل شيء يرى العلج أنه أمان فهو أمان.

ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام لزم إجابته ثم يُرد إلى مأمنه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6].

قال الأوزاعي: هي إلى يوم القيامة.

(ويُقبل من عدل: إني أَّمنتُه) في الأصح؛ كإخبار اثنين أنهما أمناه؛ كالمرضعة على فعلها.

(وإن ادَّعاه) أي: ادعى الأمان (أسير) وأنكره من جاء به: (فقول منكر) على الأصح؛ لأن الأصل إباحة دم الحربي وعدم الأمان.

(ومن أسلم أو أُعطي أماناً ليفتح حصناً ففتحه، واشتبه) علينا فيهم: (حُرم قتلهم). نص عليه. (ورقهم)؛لأن كل واحد منهم إذا ادعى أنه الذي أمناه. فإنه يحتمل صدقه، وقد اشتبه المباح بالمحرم فيما لا ضرورة إليه. فحرم الكل؛ كما لو اشتبهت ميتة بمذكاة، أو أخته بأجنبيات، أو زانٍ محصن بمعصومين.

(ويتوجه مثلُه) أي: مثل من أعطى أماناً واشتبه: (لو نُسي) بضم النون، (أو اشتَبه من لزمه قود) بمن لم يلزمه فإنه يحرم قتله. وأصل التوجيه لصاحب"الفروع"ولم أر من خالفه.

(وإن اشتبه ما أُخذ من كافر) بحق (بما أخذ من مسلم) بغير حق (فينبغي الكف) أي: أن يكف عنهما. قاله أحمد.

(ولا جزية مدة أمان) على الأصح. نص عليه.

وقال أيضاً: وذلك إذا أمنه الإمام؛ لأنه لم يلتزمها.

ص: 427

(ويُعقد) الأمان (لرسول ومستأمن)؛"لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمن رسل المشركين

(1)

".

ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك. فإننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا. فتفوت مصلحة المراسلة.

(ومن جاء بلا أمان، وادعى أنه رسول أو تاجر) ومعه ما يبيعه، (وصدَّقتْه عادة: قُبل) ما يدعيه من ذلك.

قال أحمد: إذا ركب القوم في البحر فاستقبلهم مركب

(2)

فيه تجار مشركون من أرض العدو يريدون بلاد الإسلام لم يتعرضوا لهم ولم يقاتلوهم. وكل من دخل بلاد المسلمين من أرض الحرب بتجارة بويع ولا يسأل عن شيء.

(وإلا) أي: لم تصدقه عادة، (أو كان جاسوساً فكأسير) أي: فهو كالمأخوذ

(3)

في حالة الحرب، يخير الإمام فيه.

(ومن جاءت به ريح) من الكفار، (أو ضل الطريق) منهم، (أو أَبَقَ) إلينا من رقيقهم، (أو شَرَدَ إلينا) من دوابهم:(فلآخذه) أي: فهو لمن أخذه على الأصح؛ لأنه أخذ بغير قتال في دار الإسلام. فكان لآخذه؛ كالصيد والحشيش.

(ويبطل أمانٌ بردٍ) من المستأمن؛ لأنه إذا رد الأمان انتقض.

(و) يبطل الأمان أيضاً (بـ) وجود (خيانة)؛لأن خيانتهم غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر.

(وإن أودَع) مستأمن مسلماً، (أو أقرَض مستأمن مسلماً مالاً، أو تركه) ببلاد الإسلام (ثم عاد لدار حرب). فإن كان عوده لدار الحرب لحاجة أو رسولاً

(1)

عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:" لولا أنك رسول لقتلتك"أخرجه أحمد في "مسنده"(3855) 1: 406

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: فكالمأخوذ.

ص: 428

أو نحو ذلك فهو على أمانه في نفسه وماله، لأنه لم يخرج بذلك عن نية الإقامة بدار الإسلام. فأشبه الذمي إذا دخل لذلك.

وإن عاد إلى دار الحرب مستوطناً أو محارباً، (أو انتقض عهد ذمي):بطل الأمان في نفسه، و (بقي أمان ماله)،لأنه بدخول دار الإسلام بأمان ثبت الأمان لماله الذي معه. فإذا بطل في نفسه بدخوله دار الحرب بقي في ماله؛ لاختصاص المبطل بنفسه. فيختص البطلان به. (ويُبعث) ماله إليه (إن طلبه)؛ لبقاء الأمان فيه.

وإن تصرف فيه ببيع أو هبة أو نحوهما صح تصرفه؛ لأنه ملكه.

(وإن مات) في دار الحرب (فـ) يكون المال (لوارثه)؛لأن الأمان حمتى لازم متعلق بالمال. فإذا مات ربه انتقل إلى الوارث بحقه؛ كسائر الحقوق من الرهن والضمان والشفعة.

(فإن عُدم) بأن لم يترك وارثاً (ففيء) يعني: فيكون فيئاً لبيت المال؛ كمال الذمي إذا مات ولم يترك وارثاً.

(وإن استُرق) رب المال (وُقفَ) الأمر في ماله حتى يحلم آخر أمره. (فإن عَتَقَ أخذه) يعني: كان له أخذه.

(وإن مات) حال كونه (قناً ففيء) يعني: كان ماله فيئاً؛ لأن الرقيق لا يورث.

وإن دخل دار الإسلام بغير أمان ليأخذ ماله جاز قتله وسبيه؛ لأن ثبوت الأمان لماله

(1)

لا يثبت الأمان لنفسه، كما لو كان ماله وديعة بدار الإسلام وهو مقيم بدار الحرب.

(وإن أُسر مسلم) أي: أسره الكفار، (فأُطلِقَ بشرط أن يُقيم عندهم مدة) معينة، (أو) أن يقيم عندهم (أبداً) ورضي بإطلاقه على الشرط المذكور: لزمه الوفاء لهم بذلك، ولم يكن له أن يهرب. نص عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(1)

في أ: لمالكه. وهو تصحيف.

ص: 429

" المؤمنون عند شروطهم "

(1)

.

(أو) أطلقوه بشرط (أن يأتي) إلى بلاد الإسلام (ويرجع) إليهم، (أو) أن (يبعث) إليهم (مالاً، وإن عجز) عنه (عاد إليهم) ورضي: (لزم) عليه (الوفاء)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} [النحل:91].

ولما صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية على رد من جاء مسلما وفى لهم وقال:"إنا لا يصلح في ديننا الغدر "

(2)

.

ولأن في الوفاء مصلحة للأسارى، وفي الغدر مفسدة في حقهم؛ لأنهم لا يؤمنون بعده. والحاجة داعية إليه. فيلزمه الوفاء؛ كما يلزم بعقد الهدنة.

ولأنه إذا عاهدهم على مال لزمه الوفاء به لهم

(3)

؛ كثمن المبيع.

وإن أكرهوه على ذلك ولو مع حلفه مكرهاً لم يلزمه الوفاء لهم برجوع ولا فداء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "

(4)

.

(إلا المرأة) الأسيرة إذا أطلقوها بشرط أن ترجع إليهم (فلا ترجع)،ولا يحل لها ذلك

"لقول الله سبحانه وتعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة:10].

ولأن في رجوعها تسليطاً لهم على وطئها حراماً، وقد منع الله سبحانه وتعالى ورسوله

(5)

رد النساء إلى الكفار بعد صلحه على ردهن في قصة الحديبية وفيها:

" فجاء نسوة مؤمنات فنهاهم الله أن يردوهن "

(6)

. رواه أبو داود وغيره.

(1)

سبق تخريجه ص (377) رقم (3).

(2)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(2581) 2: 979 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب. . .

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه ابن ماجه في"سننه"(2043) 1: 659 كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي. عن ابي ذر الغفاري رضي الله عنه.

(5)

ساقط من أ.

(6)

أخرجه أبو داود في "سننه"(2765) 3: 85 أول كتاب الجهاد، باب في صلح العدو.

ص: 430

(و) إن أطلق الكفار الأسير (بلا شرط، أو) شرطوا (كونه رقيقاً فإن أمَّنوه فله الهرب) منهم (فقط) ولو مع رضاه بالشرط؛ لأن كونه رقيقاً حكم شرعي لا يثبت عليه بقوله.

(وإلا) أي: وإن لم يؤمنوه (فـ) يهرب و (يقتل ويسرق أيضاً) يعني: أن له أن يفعل ذلك؛ لأنه لم يؤمنهم ولم يؤمنوه.

(ولو جاء عِلْجٌ) من الكفار (بأسير) من المسلمين (على أن يُفادى) المسلم (بنفسه. فلم يجد)، قال الإمام أحمد:(لم يُردَّ، ويفديه المسلمون إن لم يُفْدَ من بيت المال).

قال أحمد: والخيل أهون من السلاح، ولا يبعث السلاح.

(ولو جاءنا حربي بأمان، ومعه مسلمة لم تُردَّ معه) إلى دار الحرب، (ويُرضَّى) على تركها ببلاد الإسلام.

(و) إن كان معه رجل ولم يرض بتركه فإنه (يرد الرجل).

ولو سبيت كافرة وجاء ابنها يطلبها وقال: إن عندي أسيراً مسلماً فأطلقوها حتى أحضره. فقال الإمام: أحضره فأحضره لزم إطلاقها؛ لأن المفهوم من هذا إجابته إلى ما سأل. فإن قال الإمام: لم أرد إجابته لم يجبر على ترك أسيره ورُدَّ إلى مأمنه؛ لأن هذا يفهم منه الشرط. فوجب الوفاء به؛ كما لو صرح به.

ولأن الكافر فهم منه ذلك وبنى عليه. فأشبه ما لو فهم الأمان من الإشارة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 431

] باب: الهدنة [

هذا (باب) يذكر فيه جملة من أحكام الهدنة.

وهي لغة: الدَّعة والسكون.

ثم (الهدنة) شرعاً: (عقدُ إمام أو نائبه على ترك القتال) معِ الكفار (مدة معلومة، لازمة. وتسمى: مُهَاَدَنَة، ومُوادَعَة، ومعاهدة، ومسالمة).

والأصل في جوازها قوله سبحانه وتعالى: {بَرَاءةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1].

وقوله سبحانه وتعالى

(1)

: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61].

وما روى مروان والمسور بن مخرمة:" أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح سهيل بن عمرو على وضع القتال عشر سنين "

(2)

.

ولأنه قد يكون بالمسلمين ضعف. فتكون المصلحة في مهادنة الكفار إلى أن يقوى المسلمون.

(ومتى زال مَن عقدها) بأن مات الإمام العاقد للهدنة مع الكفار أو عزل:

(لزم) الإمام (الثاني الوفاء) بما فعله الأول؛ لأن الإمام عقده باجتهاد. لم يجز نقضه باجتهاد غيره؛ كما لا يجوز للحاكم نقض أحكام من قبله باجتهاده.

(ولا تصح) الهدنة إلا من الإمام أو نائبه؛ لأنه عقد مع

(3)

جملة الكفار وليس ذلك لغيره.

(1)

في أ: وقوله تعالى.

(2)

حديث قصة الحديبية، أخرجه البخاري في"صحيحه" (2518) 2: 974 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد. . بطوله. ولكن دون ذكر المدة. وأخرجه أبو داود فى "سننه " (2766) 86:3 أول كتاب الجهاد، باب في صلح العدو.

(3)

ساقط من أ.

ص: 432

ولأن تجويز عقدها لغير الإمام يتضمن تعطيل الجهاد بالكلية أو بتلك الناحية التي هادن أهلها، وفي ذلك افتيات على الإمام.

ولا يصح أيضاً (إلا حيث جاز تأخير الجهاد)، للطمع في إسلامهم بهدنتهم، أو في أدائهم الجزية، أو غير ذلك من المصالح.

(فمتى رآها) الإمام (مصلحة ولو بمال منا ضرورة) مثل: أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر، (مدة معلومة)؛ لأن مهادنتهم مطلقاً يفضي إلى تعطيل الجهاد بالكلية؛ لكونها تقتضي التأبيد. فلم يجز ذلك. وإنما جازت مع طول المدة على الأصح؛ لما يراه الإمام من المصلحة في ذلك:(جاز وإن طالت) المدة؛ لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال. كذا هذا.

ولأن بذل المال وإن كان صَغاراً فإنه يجوز تحمله لدفع صَغار أعظم منه وهو القتل أو الأسر وسبي الذرية الذين

(1)

يفضي سبيهم إلى كفرهم.

وقد روى عبد الرزاق في المغازي عن الزهري قال: " أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلى عيينة بن حصن وهو مع أبي سفيان يعني يوم الأحزاب: أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان أو تخذل بين الأحزاب؟ فأرسل إليه عيينة

(2)

: إن جعلت الشطر فعلت "

(3)

.

ولولا أن ذلك جائز لما بذله النبي صلى الله عليه وسلم.

(فإر زاد) الإمام (على) مدة (الحاجة) إلى الهدنة (بطلت الزيادة) فقط في الأصح، بناء على تفريق الصفقة.

(وإن أطلقت) المدة (أو عُلِّقت) الهدنة أو المدة (بمشيئة لم تصح).

أما إطلاق المدة، فلإفضاء الهدنة إلى التأبيد.

وأما تعليقها أو تعليق الهدنة بالمشيئة؛ فلأن الهدنة عقد. يشترط فيه معرفة

(1)

في أ: الذي.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9737) 5: 367 كتاب المغازي، وقعة الأحزاب وبني قريظة.

ص: 433

المعقود عليه، وانبرامه؛ كعقد الإجارة. فلو قال: هادنتكم ما شئتم أو شئنا أو شاء فلان لم تصح؛ لأن ذلك ينافي مقتضى العقد. فلم يصح؛ كما لو شرط ذلك في البيع والنكاح.

(ومتى جاءوا) أي: الكفار (في) هدنة (فاسدة) بأن يتولى عقدها غير الإمام أو نحو ذلك، (معتقدين الأمان: رُدُّوا آمنين) إلى مأمنهم. ولا يقرون في دار الإسلام؛ لأن الأمان لم يصح.

(وإن شَرط فيها) أي: في الهدنة (أو) شرط (في عقد ذمة شرطاً فاسداً؛ كرد امرأة) إلى الكفار، (أو) رد (صداقها، أو) رد (صبي، أو) رد (سلاح، أو) شرط (إدخالهم) أي: إدخال الكفا ر (الحرم: بطل) الشرط. أما كونه لا يجوز رد النساء المسلمات؛ فلقوله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله منع الصلح في النساء ".

وذلك لأن المرأة تفارق الرجل من وجوه:

أحدها: أنه لا يؤمن أن تزوج بكافر يستحلها أو يكرهها من ينالها. وإلى ذلك أشار الله سبحانه وتعالى بقوله: {لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10].

الثانى: أنها ربما فتنت عن دينها؛ لأنها أضعف قلباً، وأقل معرفة من الرجل.

الثالث: أن المرأة لا يمكنها الهرب عادة. بخلاف الرجل.

وأما كونه لا يجوز رد الصبيان العقلاء إذا جاؤوا مسلمين؛ فلأنهم بمنزلة المرأة في ضعف العقل والمعرفة والعجز عن التخلص والهرب.

أما الطفل الذي لا يصح إسلامه فيجوز شرط رده؛ أنه ليس بمسلم شرعاً.

وأما كونه لا يصح شرط إدخالهم الحرم؛ فلقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28].

ص: 434

وإذا بطل الشرط فإنه يبطل (دون عقد) في الأصح، بناء على الشروط الفاسدة في البيع.

(وجاز) في عقد الهدنة (شرطُ ردِّ رجل جاء) منهم (مسلماً للحاجة)؛"لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرط ذلك في صلح الحديبية، ووفى لهم به. فرد أبا جندل وأبا بصير "

(1)

.

(و) جاز للإمام (أمرُه) أي: أن يأمر من جاءه مسلماً (سراً بقتالهم والفرار) منهم. (ولا يمنعهم أخذَه، ولا يُجبره عليه). فإن أبا بصير لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الكفار في طلبه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:" إنا لا يصلح في ديننا الغدر، وقد علمت ما عاهدناهم عليه، ولعل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً.

فلما رجع مع الرجلين قتل أحدهما في طريقه، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له

(2)

:

يا رسول الله! قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم وأنجانى الله منهم. فلم ينكر عليه النبى صلى الله عليه وسلم ولم يلمه، بل قال: ويل أمه مُسَعِّر حرب لو كان معه رجال. فلما سمع ذلك أبو بصير لحق بساحل البحر، وانحاز إليه أبو جندل بن سهيل من معه من المستضعفين بمكة. فجعلوا لا تمر عليهم عير لقريش إلا عرضوا لها وأخذوها وقتلوا من معها. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن يضمهم إليه ولا يرد إليهم أحدأ جاءه ففعل "

(3)

.

فيجوز إذا لمن أسلم من الكفار المهادنين أن يتحيزوا بناحية وأن يقتلوا من قدروا عليه من الكفار، ويأخذون أموالهم، ولا يدخلون في الصلح. فإن ضمهم الإمام إليه بإذن الكفار دخلوا في الصلح وحرم عليهم قتال الكفار وأخذ أموالهم.

(ولو هرب منهم قن فأسلم لم يُردَّ) إليهم (وهو حر)؛لأنه ملك نفسه بإسلامه، y

(1)

سيأتي تخريجه في الحديث التالي.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه" (2581) 2: 979 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب. . .

ص: 435

وإذا عقد الإمام الهدنة من غير شرط فجاءنا منهم إنسان مسلماً أو بأمان لم يجب رده إليهم ولم يجز ذلك. سواء كان حراً أو عبداً، رجلاً أو امرأة. ولا يجب رد مهر المرأة

(1)

.

(ويؤخذون) يعني: الكفار والمهاجرين زمن الهدنة (بجنايتهم على مسلم: من مال، وقود، وحد)؛ كقذف وسرقة في الأصح.

قال في"الإنصاف": وإن قتل مسلماً لزمه القود، وإن قذفه حُد، وإن سرق ماله قطع، على الصحيح. انتهى.

ووجه ذلك: أن الهدنة تقتضي أمان المسلمين منهم، وأمانهم من المسلمين في النفس والمال والعرض. فلزمهم ما يجب في ذلك. ولا يُحدون لحق الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم ليسوا بملتزمين أحكامنا.

(ويجوز قتل رهائنهم: إن قتلوا رهائننا) على الأصح.

(وعلى الإمام حمايتهم) من المسلمين ومن أهل الذمة؛ لأنه أمّنهم ممن هو في قبضته وتحت يده، كما أمّن من في قبضته وتحت يده منهم. فمن أتلف من المسلمين أو أهل الذمة على أهل الهدنة شيئاً فعليه ضمانه.

(إلا من أهل الحرب) فلا يلزم الإمام حمايتهم عنهم؛ لأن الهدنة التزام كف الإمام ومن في قبضته فقط عنهم.

(وإن سباهم كافر ولو) كان الكافر (منهم لم يصح لنا شراؤهم)؛ لأنهم في عهدنا. وليس علينا استنقاذهم؛ لأن السابي لهم ليس في قبضتنا.

(وإن سبى بعضُهم ولد بعض، وباعه أو ولد نفسه أو أهليه صح) في الأصح؛ (كحربي) باع ولده أو أهله. (لا ذمي).

قال في "الإنصاف":الصحيح من"المذهب":شراء أولاد الكفار المهادنين منهم وأهليهم؛ كحربي باع أهله وأولاده. جزم به ابن عبدوس في "تذكرته"، وقدمه في"الفروع"، وصححه في " النظم ".

(1)

ساقط من ب.

ص: 436

وعنه: يحرم شراؤهم، كذمي باعهم. انتهى.

(وإن خيف) من المهادنين (نقضُ عهدهم) أي: ما بيننا وبينهم من العهد (نُبذَ) بضم النون (إليهم) أي: نبذ الإمام إليهم العهد الذي بينه وبينهم. بأن يعلمهم بأنه لم ييق بينه وبينهم عهد، لقول الله سبحانه وتعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} [الأنفال: 58]. أي: أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهم سواء في العلم.

ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى تكون عن إمارة تدل عليه. ولا يفعل ذلك إلا الإمام؛ لأن نقضها لخوف الخيانة يحتاج إلى نظر واجتهاد. فافتقر إلى الحاكم.

ومتى نقضها وفي دارنا منهم أحد وجب رده إلى مأمنه؛ لأنه فى خل بأمان. فوجب رده إلى مأمنه؛ كما لو أفرده بالأمان.

وإن كان عليهم حق استوفي منهم.

ولا يجوز أن يبدأهم بقتال ولا غارة قبل إعلامهم بنقض العهد؛ للآية.

(بخلاف) عقد (ذمة). فإنه ليس له نبذه إذا خاف من أهل الذمة الخيانة. والفرق: أن عقد الذمة آكد من عقد الهدنة؛ لأنه يجب على الإمام إجابتهم إليه، وهو نوع معاوضة وعقده مؤبد. بخلاف الهدنة والأمان. ولهذا لو نقضه بعضهم لم ينتقض عهد الباقين. بخلاف الهدنة

(1)

.

ولأن أهل الذمة في قبضة الإمام وتحت ولايته ولا يخشى منهم ضرر كثير. بخلاف أهل الهدنة. فإنه يخشى منهم الغارة والضرر الكثير

(2)

.

(ويجب إعلامهم) أي: إعلام أهل الهدنة بنبذ العهد الذي بيننا وبينهم

(قبل الإغارة) عليهم، للآية.

(1)

في ب: بخلاف أهل الهدنة.

(2)

في أ: الكبير.

ص: 437

(ويَنْتَقِضُ عهد نساء وذرية) أي: نساء أهل الهدنة وذريتهم (تبعاً) لرجالهم؛"لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجال بني قريظة حين نقضوا عهدهم

(1)

، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم "

(2)

.

ولما هادن قريشاً فنقضوا عهده حل له منهم ما كان حرم عليه منهم.

ولأن الهدنة عقد مؤقت ينتهى بانقضاء مدته. فيزول بنقضه وفسخه؛ كعقد الإجارة. بخلاف عقد الذمة.

(وإن نقضها) أي: نقض الهدنة (بعضهم) أي: بعض المهادنين، (فأنكر الباقون) على الناقضين وكان إنكارهم (بقول أو فعل ظاهراً، أو كاتبونا) أي: كاتبنا الذين لم ينقضوا بنقض الناقضين: (أُقِرُّوا) أي: أقر من لم ينقض (بتسليم من نَقَض) إن قدر على ذلك، (أو تمييزه) أي: تمييز من نقض (عنهم) أي: عمن لم ينقض.

(فإن أبَوْهما) أي: أبوا التسليم والتمييز حال كونهم (قادرين) على واحد منهما: (انتقض عهدُ الكل) بذلك.

***

(1)

في أ: عهده.

(2)

أخرجه أبو داود في "سننه"(3005) 3: 157 كتاب الخراج والإمارة والفئ، باب في خبر النضير. عن ابن عمر.

ص: 438

] باب: عقد الذمة [

هذا (باب عقد الذمة).

والذمة لغة: العهد والضمان والأمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " يسعى بذمتهم أدناهم "

(1)

. وهي فِعلة من أذمَّه يذمه: إذا جعل له عهداً.

ومعنى عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الله.

والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].

وما روى المغيرة بن شعبة: "أنه قال لجند كسرى يوم نهاوند: أمرنا نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية "

(2)

. رواه البخاري.

وعن بريدة قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحداً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله سبحانه وتعالى في خاصة نفسه ومن معه

(3)

من المسلمين خيراً. وقال له: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خصال ثلاث:

ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية. فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم "

(4)

.رواه مسلم.

(1)

أخرجه أبو داود في"سننه"(2751) 3: 80 أول كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(2989) 3: 1152 أبواب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب.

(3)

في أ: ومعه.

(4)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1731) 3: 1357 كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث. . .

ص: 439

(ويجب) عقد الذمة (إذا اجتمعت شروطُه). وستأتي في الباب.

ومحل وجوبه: (ما لم تُخَفْ غائلتهم) أي: ما لم يخف منهم الغدر بتمكينهم من الإقامة بعقد الذمة في بلاد الإسلام.

(ولا يصح) عقد الذمة (إلا من إمام أو نائبه) أي: نائب الإمام؛ لأن ذلك يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة.

ولأنه عقد مؤبد. فلا يجوز أن يفتات به على الإمام.

(وصفتُه) أي: وصفة عقد الذمة أن يقول الإمام ونائبه: (أقررتكم بجزية واستسلام. أو يبذلون ذلك) من أنفسهم (فيقول: أقررتكم عليه، أو نحوهما) أي: نحو هاتين الصفتين؛ كقوله: عاهدتكم

(1)

على أن تقيموا بدارنا بجزية.

ولا يعتبر في العقد ذكر قدر الجزية في الأصح.

(والجزية: مال يؤخذ منهم) أي: من الكفار (على وجه الصَّغار) بفتح الصاد المهملة أي: على وجه الذلة والامتهان، (كل عام) أي: عن كل عام، (بدلاً عن قتلهم و) عن

(2)

(إقامتهم بدارنا) فإنهم لو لم يبذلوها لم يكف عنهم.

(ولا تُعقَد) أي: ولا يصح عقد الذمة (إلا لأهل الكتاب) أعني: (اليهود والنصارى) على اختلاف طوائفهم. والمراد بكتاب اليهود: التوراة، وبكتاب النصارى: الإنجيل.

(و) كذا (من يَدين بالتوراة؛ كالسامِرَة) فإنهم يدينون بشريعة موسى. وإنما يخالفون اليهود في فروع من دينهم.

(او) يدين بـ (الإنجيل؛ كالفِرِنْج والصابئين) والروم والأرمن. وكذا كل من انتسب إلى دين عيسى والعمل بشريعته. فإنه من أهل الإنجيل.

(1)

في ب وج: عاهدتم.

(2)

في أ: على.

ص: 440

ونقل عن الإمام أحمد في الصابئين رواية: بلغني أنهم يُسبتون. فإذا سبتوا فهم من اليهود.

ونقل عنه حنبل: من ذهب

(1)

مذهب عمر فإنه قال: هم يسبتون، جعلهم بمنزلة اليهود. انتهى.

(أو من له شُبهة كتاب) يعني: أنه يصح عقد الذمة أيضاً لمن له شبهة كتاب؛ (كالمجوس) فإنه يروى أنه كان لهم كتاب فرفع. فصار لهم بذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم، وأخذ الجزية منهم، ولم ينتهض في إباحة نكاح نسائهم ولا ذبائحهم. هذا قول أكثر أهل العلم.

ونقل عن أبي ثور أنهم من أهل الكتاب وتحل ذبائحهم ونساوهم؛ لما روي عن علي أنه قال: " أنا أعلم الناس بالمجوس. كان لهم علم يعلَمونه وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم سكر فوقع على بنته أو أخته. فاطلع علية بعض أهل مملكته. فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم. ودعا أهل مملكته وقال: تعلمون ديناً خيراً من دين آدم وقد أنكح بنيه بناته فأنا على دين آدم.

قال: فبايعه قوم، وقاتلوا الذين يخالفونه حتى قتلوهم. فأصبحوا وقد أسري بكتابهم، ورفع العلم الذي في صدورهم. فهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأراه قال وعمر منهم الجزية "

(2)

. رواه الشافعي وسعيد وغيرهما.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "

(3)

.

] ولنا على أنهم ليسوا من أهل الكتاب قوله سبحانه وتعالى] {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} [الأنعام: 156 [والمجوس من غير الطائفتين.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " [

(4)

: يدل على أنهم غيرهم.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه الشافعي في"مسنده"(432) 2: 131 كتاب الجهاد، باب ما جاء في الجزية.

(3)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"9: 189 كتاب الجزية، باب المجوس أهل كتاب والجزية تؤحذ منهم.

(4)

زيادة من ب.

ص: 441

وروى البخاري بإسناده عن بجالة أنه قال: "ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى حدَّثه عبدالرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر"

(1)

.

ولو كانوا أهل كتاب لما وقف عمر في أخذ الجزية منهم. مع أمر الله سبحانه وتعالى بأخذ الجزية] من أهل الكتاب.

وما روي عن علي فقال أبو عبيد: لا أحسبه محفوظاً.

إذا تقرر هذا فإن أخذ الجزية [

(2)

من أهل الكتابين والمجوس إذا لم يكونوا من العرب ثابت بالإجماع.

(وإذا اختار كافر لا تعقد له) الجزية (ديناً من هؤلاء) الثلاثة، (أُقِرَّ وعقدت له) الذمة على أخذ الجزية.

(ونصارى العرب ويهودُهم ومَجُوسُهم من بئي تغلب وغيرهم)، كمن تنصر من تنوخ وبهزا، أو تهود من كنانة وحمير، أو تمجس من بني تميم:(لاجزية عليهم ولو بذلوها).

قال في " الإنصاف " عند قوله في " المقنع ": ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب: ظاهر كلام المصنف: أنها لا تؤخذ منهم ولو بذلوها، وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطعوا به.

وفي " المغني " ومن تابعه احتمال: تقبل إذا بذلوها.

والأصل في ذلك ما روي " أن عمر دعاهم إلى بذل الجزية فأبوا وأنِفوا وقالوا: نحن عرب. خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة. فقال عمر: لا آخذ من مشرك صدقه. فلحق بعضهم بالروم. فقال النعمان بن زرعة:

يا أمير المؤمنين! إن القوم لهم بأس وشدة وهم عرب يأنفون من الجزية. فلا تُعِن

(1)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(2987) 3: 1151 أبواب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب.

(2)

ساقط من أ.

ص: 442

عليك عدوك بهم، خذ منهم الجزية باسم الصدقة. فبعث عمر في طلبهم فردهم وضَّعف عليهم من الإبل في كل خمس شاتان، ومن كل ثلاثين بقرة تبيعان، ومن كل عشرين دينار

(1)

ديناراً، ومن كل مائتي درهم عشرة دراهم، وفيما سقت السماء الخممس، وفيما سقي بنضح أو دولاب أو عزب العشر "

(2)

.

فاستقر ذلك من قول عمر ولم يخالفه أحد من الصحابة فصار إجماعاً. فلا يكون لإمام بعد عمر نقض عهدهم أو تجديد الجزية عليهم.

قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب؛ لأن عقد الذمة مؤبد.

وقد عقده

(3)

عمر"معهم هكذا. وعليه أكثر الأصحاب. واختار ابن عقيل جواز ذلك؛ لاختلاف المصلحة باختلاف الأزمنة. انتهى.

(ويؤخذ عوضها) أي: عوض الجزية (زكاتان من أموالهم) يعني: مثلي ما يؤخذ من المسلمين (مما) تجب (فيه زكاة) على ما ذُكر من فعل عمر. (حتى) أننا نأخذها (ممن لا تلزمه جزية).فنأخذها من أموال نسائهم وصغارهم ومجانينهم. (ومصرفُها) أي: مصرف هذه الزكاة المضعفة (كجزية) أي: مصرف الجزية على الأصح؛ لقول أحمد في رواية محمد بن موسى: تضاعف عليهم الجزية.

وعنه: أن مصرفها الزكاة؛ لقول أحمد في رواية ابن القاسم: إنما هي الزكاة، الصغير والكبير سواء.

(ولا جزية على صبي وامرأة)؛لأن الجزية بدل من القتل. وقتل الصبي والمرأة ممتنع.

ولأنهما ليسا من أهل القتال؛] لقوله سبحانه وتعالى [

(4)

: [قَاتِلُوا [التوبة: 29 [والمقاتلة إنما تكون بين اثنين.

(1)

في ج: ديناراً.

(2)

أخرجه أبو عبيد في"الأموال"(71) ص: 32 كتاب سنن الفيء، باب أخذ الجزية من عرب أهل الكتاب.

(3)

في ب: عقد.

(4)

ساقط من ب.

ص: 443

و"كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن اضربوا الجزية ولا تضربوها على النساء والصبيان "

(1)

. رواه سعيد.

(ولو بذلتها) أي: بذلت المرأة الجزية (لدخول دارنا) فلا نأخذها.

(وتمكن) من دخول دارنا (مجاناً) أي: من غير شيء.

وإن كانت أعطت شيئاً رُدّ عليها؛ لأن من أدى مالاً يظن أنه عليه. فتبين أن لا شيء عليه وجب رده على من أداه؛ لتبين فساد القبض.

وإن بذلتها امرأة من غير سبب أُخبرت أنه لا جزية عليها. فإن قالت: أنا أتبرع بها قبلت منها ولم تكن جزية بل هبة تلزم بالقبض. فإن شرطت ذلك على نفسها تم رجعت فلها ذلك.

(و) لا جزية على (مجنون، و) لا (قِنّ، و) لا (زَمِن، و) لا (أعمى، و) لا (شيخ فان، و) لا (راهب بصومعة)؛ لأنهم لا يقتلون. فلا تجب عليهم الجزية؛ كالنساء والصبيان.

(ويؤخذ) من الراهب مما بيده من مال (ما زاد على بُلغته) بضم الباء الموحده. فلا يبقى بيده إلا بلغته فقط. قاله الشيخ تقي الدين.

قال: ويؤخذ منهم ما لنا؛ كالرزق الذي للذيورة والمزارع إجماعاً.

قال: ويجب ذلك.

قال: ومن في تجارة أو زراعة وهو مخالط لهم أو معاونهم على دينهم؛ كمن يدعو إليه من راهب وغيره تلزمه إجماعاً وحكمه حكمهم بلا نزاع. انتهى.

وقوله: بصومعه: يقتضي أنه لو لم يكن مقيماً بصومعته بل يتردد بين الناس ويخالطهم كأحدهم ويبيع ويشتري ويتكسب: أنه تؤخذ منه الجزية. وبذلك أفتى القاضي محب الدين بن نصر الله في رهبان بالقدس بهذه الصفة.

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(93) ص: 39 كتاب سنن الفيء، باب من تجب عليهه الجزية ومن تسقط عنه من الرجال والنساء.

ص: 444

] (و) لا جزية على (حنثى)؛لأن الأصل براءة ذمته منها. (فإن بان) الخنثى (رجلاً أخذ) منه (للمستقبل) من الزمان (فقط) أي: دون قسط الزمن الماضي.

قال في "الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وقطع به من ذكره منهم.

وقا ل في "الفروع": ويتوجه وللما ضي. انتهى [

(1)

.

(ولا) جزية (على دقير غير مُعتَمِل يعجز عنها)؛ " لأن عمر جعل الجزية على ثلات طبقات جعل أدناها على الفقير المعتمل". فدل على أن

(2)

غير المعتمل لا شيء عليه.

ولأن الله سبحانه وتعالى قال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

ولأن الجزية مال يجب بحلول الحول. فلم يلزم الفقير العاجز؛ كالزكاة.

(والغني منهم) أي: ممن تجب عليه الجزية: (مَن عدَّه الناس غنياً).وليس ذلك بمقد؛ لأن التقديرات بابها التوقيف ولا توقيف في هذا. فيرجع فيه إلى العادة والعرف.

(وتجب على معتَق ولو لمسلم) على الأصح؛ لأنه حر مكلف موسر من أهل القتل. فلم يقر في دارنا بغير جزية؛ كالحر الأصلي.

إذا ثبت هذا فإن حكمه فيما يستقبل من زمن حريته، حكم من بلغ من صبيانهم أو أفاق من مجانينهم.

(و) تجب الجزية على (مبَّعض بحسابه) أي: بقدر ما فيه من الحرية؛ لأنه حكم يتجزأ، يختلف بالرق والحرية. فينقسم على قدر ما فيه؛ كالإرث.

(ومن صار أهلاً) لأن تؤخذ منه الجزية، بأن بلغ الصبي، أو أفاق الجنون، أو استغنى الفقير أو عتق العبد (بأثناء حول: أُخد منه) عند تمام الحول (بقسطه) ولم يترك حتى يتم حوله؛ لئلا يحتاج إلى إفراده بحول، وربما

(1)

ساقط من ب.

(2)

ساقط من أ.

ص: 445

أفضى ذلك إلى أن يصير لكل واحد حول مفرد.

ويكون الأخذ منه (بالعقد الأول) في الأصح؛ لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه تجديد عقد لهؤلاء.

ولأن العقد يكون مع ساداتهم. فيدخل فيه سائرهم.

ولأن الصغار والمجانين دخلوا في العقد. فلم يحتج إلى تجديده لهم عند تغير

(1)

أحوالهم.

(ويلفَّق من إفاقة مجنون حول، ثم يؤخذ) منه لذلك الحول الملفق في الأصح؛ لأن أخذها قبل ذلك أخذ للجزية قبل كمال حولها، وليس ذلك بجائز

(2)

.

(ومتى بذلوا ما) وجب (عليهم) من الجزية: (لزم قبوله) منهم.

(و) لزم (دفع من قصدهم بأذى: إن لم يكونوا بدار حرب. وحرُم قتلُهم وأخذُ مالهم) حتى ولو كانوا منفردين ببلد.

قال في"الترغيب":والمنفردون ببلد غير متصل ببلدنا يجب ذب أهل الحرب عنهم على الأشبه، ولو شرطنا أن لا نذب عنهمو لم يصح. انتهى، واقتصر عليه في "الفروع ".

(ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه) الجزية. نص عليه. وأنه يدخل في قوله:"من أسلم على شيء فهو له"؛ لأنها عقوبة لا أجرة عن السكنى.

وفي "الفنون":أنها عقوبة، وأن بقاء النفس مع الذل ليس بقيمة عند العقلاء. ومن عدَّ الحياة مع الذل نعمة فقد أخطأ طريق الإصابة.

وفي " الفنون " أيضاً عن القول بأنها عوض عن كف الأذى: لا بأس به.

وفي " الإيضاح": لا تسقط بإسلام.

ويدل للمذهب قوله سبحانه وتعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ

(1)

في أ: تغيير.

(2)

في أ: يجزئ.

ص: 446

لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38].

وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس على المسلم جزية "

(1)

.

رواه الخلال.

وقد ذكر ان أحمد سُئل عنه قال: ليس يرويه غير جرير.

قال: وقد روي عن عمر أنه قال: " إن أخذها في كفه ثم أسلم ردها عليه ".

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج يعني:

الجزية ".

وروي " أن ذمياً أسلم فطولب بالجزية وقيل: إنما أسلم تعوذاً. قال إن في الإسلام معاذاً. فرفع إلى عمر فقال: إن في الإسلام معاذاً، وكتب: أن لا تؤخذ منه الجزية"

(2)

. رواه أبو عبيد بنحو من هذا المعنى.

ولأن الجزية صَغار. فلا تؤخذ من مسلم؛ كما لو أسلم قبل الحول.

(لا إن مات) من وجبت عليه الجزية (أو جُنَّ، ونحوه)؛ كما لو عمى وقد حال الحول قبل ذلك. فإنها لا تسقط بشيء من ذلك؛ لأن الجزية دَين وجب

(3)

عليه قبل موته أو جنونه أوعماه. فلم يسقط بشيء من ذلك؛ كديون الآدميين.

وفارق ذلك الإسلام فإنه الأصل. والجزية بدل عنه. فإذا أتى بالأصل استغنى عن البدل؛ كمن وجد الماء لا يحتاج معه إلى التيمم.

وفارق سقوط الحد بالموت؛ لتعذر استيفائه بفوات محله.

إذا تقرر هذا (فتؤخذ) الجزية (من تركة ميت، ومال حي.

و) أما إذا طرأ المانع (في أثنائه) أي: أثناء الحول. فإن الجزية لذلك الحول (تسقط)؛ لأن الجزية لا تجب ولا تؤخذ قبل كمال حولها.

(1)

أخرجه أبو داود في "سننه"(3053) 3: 171 كتاب الخراج، باب في الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه جزية.

(2)

أخرجه أبو عبيد في"الأموال"(122) ص: 50 باب الجزية على من أسلم من أهل الذمة. . .

(3)

في ب: وجبت.

ص: 447

(وتؤخذ) الجزية (عند انقضاء كل سنة)؛ لأنها مال يتكرر وجوبه بتكرر السنين. فلم يؤخذ قبل مضي سنة؛ كالزكاة.

(فإن انقضت سنون) ولم تؤخذ (استوفيت كلها) ولم تتداخل؛ لأن الجزية حق يجب في آخر كل حول. فلم تتداخل؛ كالدية على العاقلة.

(ويُمْتَهنون) أي: الذين يعطون الجزية (عند أخذها) منهم، (ويُطال قيامُهم، وتُجّرُّ أيديهم) عند ذلك وجوباً؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].

وقيل: إن الصغار: التزام الجزية وجريان أحكامنا عليهم.

(ولا يُقبل) ممن وجبت عليه الجزية (إرسالُها)؛ لزوال الصغار، بل يحضر الذمي بنفسه ويؤديها وهو قائم والآخذ جالس.

(ولا يَتداخل الصَّغار) يعني: من اجتمعت

(1)

عليه جزية سنين وأريد استيفاؤها منه. فإنه يمتهن عند استيفاء الأولى، ثم يعاد امتهانه عند دفعه عن السنه الثانية، ثم كذلك إلى أن تستوفى كلها. .

(ولا يصح شرط تعجيله) أي. تعجيل الامتهان

(2)

، (ولا يقتضيه الإطلاق).

قال في "الفروع": قال أصحابنا: لأنّا

(3)

لا نأمن نقض أمانه فيسقط حقه من العوض. وعند أبي الخطا ب وغيره: يصح

(4)

، ويقتضيه الإطلاق. انتهى.

ولا يعذبون في أخذها ولا يشتط عليهم." فإن عمر أتي بمال كثير قال أبو عبيد: أحسبه الجزية فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس. قالوا: لا.

والله! ما أخذنا إلا عفواً صفواً. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال:

الحمد الله الذي لم يجعل دلك على يدي ولا في سلطاني "

(5)

. رواه أبو عبيد.

(1)

في ب: يعني: أن من وجبت.

(2)

ساقط من ب وج.

(3)

ساقط من أ.

(4)

زيادة من "الفروع "6: 263

(5)

أخرجه أبو عبيد في "الأموال "(114) ص: 46 كتاب سنن الفيء، باب اجتباء الجزية والخراج. . .

ص: 448

(ويصح أن يّشرط عليهم) أي: على المقيمين بدارنا من الكفار تحت الجزية (ضيافة من يمر بهم من المسلمين، و) علف (دوابهم)؛ لما روى الإمام أحمد بإسناده عن الأحنف بن قيس:" أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا القناطر، وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته "

(1)

.

قال ابن المنذر: وروي عن عمر: " أنه قضى على أهل الذمة ضيافة من يمر بهم من المسلمين ثلاثة أيام، وعلف دوابهم وما يصلحهم ".

وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار، وكانوا ثلاثمائة

نفس في كل سنة

(2)

، وأن يضيفوا مت يمر بهم من المسلمين ثلاثة أيام "

(3)

.

ولأن في هذا ضرباً من المصلحة؛ لأنهم ربما امتنعوا من مبايعة المسملمين إضراراً بهم. فإذا شرطت عليهم الضيافة أمن ذلك

(4)

.

(و) يصح (أن يكتفى بها) أي: بالضيافة (عن الجزية) في الأصح.

قال في "الإنصاف":لو جعل الضيافة مكان الجزية صح على الصحيح من"المذهب ". اختاره القاضي، واقتصر عليه في "المغني"، وقدمه في "الشرح" ونصره. انتهى.

ووجه المذهب: ما روي " أن عمر كتب لراهب من أهل الشام: إنني إن وليت هذه الأرض أسقطت عنك خراجك. فلما قدم عمر

(5)

الجابية وهو أمير المؤمنين جاءه بكتابه فعرفه. وقال: إنني جعلت لك ما ليس لي. ولكن اختر إن شئت أداء الخراج، وإن شئت أن تضيف المسملمين فاختار الضيافة ".

(1)

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى" عن الأحنف بن قيس " أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يشترط على أهل الذمه ضيافة يوم وليلة وأن يصلحوا قناطر وإن قتل بينهم قتيل فعليهم ديته ". 9: 196 كتاب الجزية، باب الضيافة في الصلح.

(2)

في أ: نفس.

(3)

أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 9: 194 كتاب الجزية، باب كم الجزية.

(4)

في أ: أمن من ذلك.

(5)

ساقط من أ.

ص: 449

لكن يشترط: أن تكون الضيافة يبلغ قدرها ما يقابل ما يجب عليهم من الدراهم والدنانير

(1)

.

(و) إذا ثبت صحة ذلك: فإنه (يعتبر بيان قدرها) أي: قدر الضيافة،

(و) قدر (أيامها، وعدد من يُضاف) من الرجالة والفرسان. فيقول: تضيفون في كل سنة مائة يوم. في كل يوم عشرة من المسلمين، من خبز كذا، وأدم كذا. وللفرس من الشعير كذا، ومن التبن كذا؛ لأن ذلك من الجزية. فاعتبر العلم به؛ كالنقود.

ويعتبر له أيضاً: بيان ما ينزلهم فيه، وما على الغني والفقير.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب في ذلك كله، اختاره القاضي. وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وقدمه في " الفروع " و"الرعاية الكبرى ".

وقيل: يجوز إطلاق ذلك كله، وقدمه في " الكافي " واختاره.

وقيل: تقسم الضيافة على قدر جزيتهم. ذكره في " الرعاية ". انتهى.

وللمسلمين النزول في الكنائس والبيع. فـ " إن عمر صالح أهل الشام على أن يوسعوا أبواب بيعهم وكنائسهم لمن يجتاز بهم من المسلمين ليدخلوها ركباناً"

(2)

.

فإن لم يجدوا مكاناً فلهم النزول في الأفنية وفضول المنازل.

وليس لهم تحويل صاحب المنزل منه. والسابق إلى منزل أحق به ممن يأتي بعده.

فإن امتنع بعضهم من القيام مما يجب عليه أجبر عليه. فإن امتنع الجميع أجبروا. فإن. لم يمكن إلا بالقتال قوتلوا، فإن قاتلوا انتقض عهدهم.

(ولا تجب) عليهم ضيافة (بلا شرط) في الأصح.

(1)

في ب: أو الدنانير.

(2)

سيأتى تخريجه ص (456) رقم (3).

ص: 450

وقيل: تجب يوم وليلة.

(وإذا تولى إمام. فعرف) فدر (ما عليهم) أي: على أهل الذمة من جزية، (أو قامت به بينة، أو ظهر) ما عليهم وكان عقد الإمام الذي قبله صحيحاً: (أقرهم عليه) ولم يحتج إلى تجديد عقد؛ لأن الخلفاء أقروا عقد عمر ولم يجددوا عقداً سواه.

ولأن عقد الذمة مؤبد.

وإن كان فاسداً رده إلى الصحة.

(وإلا) أي: وإن لم يكن يعرف ما عليهم ولم تقم به بينة ولم يكن أمره ظاهراً: (رجع إلى قولهم) أي: قول أهل الذمة، (إن ساغ) أي: إن كان يصلح أن يكون جزية على مثلهم.

(وله تحليفُهم مع تهمة) أي: مع اتهامه إياهم فيما يذكرونه.

(فإن بان) لَه بعد ذلك (نقص) أي: أنهم أخبروه بنقص عما كانوا يؤدونه] للإمام الأول (أخذه) أي: رجع به عليهم.

وإن قالوا: كنا نؤدي كذا وكذا جزية وكذا هدية استحلفهم يميناً واحدة؛ لأن الظاهر فيما يدفععونه [

(1)

أنه كله جزية.

وإن قال

(2)

بعضهم: كنا نؤدي ديناراً، وقال بعضهم: كنا نؤدي دينارين: أخذ كل واحد منهم بما أقر به. ولا يقبل قول بعضهم على بعض؛ لأن أقوالهم غير مقبولة. وهذا المذهب.

واختار أبو الخطاب: أنه إذا تولى إمام يستأنف العقد معهم.

وما يذكر عن بعض أهل الذمة من أن معهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عنهم لايصح.

وسئل ابن شريح عن ذلك فقال: لم ينقل ذلك أحد من المسلمين.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: وقال.

ص: 451

وروي: أنهم طولبوا بذلك فأخرجوا كتاباً ذكروا أنه بخط علي بن أبي طالب كتبه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن فيه شهادة سعد بن معاذ ومعاوية فوجد تاريخه بعد موت سعد وقبل إسلام معاوية. فاستدل بذلك على بطلانه.

(وإذا عقدها) أي: عقد الإمام الذمة مع الكفار (كتب أسماءهم وأسماء آبائهم) فيكتب فلان بن فلان الفلانى، (وحُلاهم) جمع حلية. فيكتب طويل أو قصير أو رَبْعة، أو أسمر أو أخضر أو أبيض، مقرون الحاجبين أو مفروقهما، أدعج العين، أو أقنى الأنف، أو ضدهما. ونحو ذلك من الصفات اللازمة التي يتميز بها كل واحد عن الآخر.

(ودينهم) فيكتب يهودي أو نصرانى أو مجوسي.

(وجعل لكل طائفة عريفاً) يجمعهم عند أداء الجزية، و (يكشف حال من تغير حاله) فيعلمنا بمن بلغ من غلمانهم، أو أفاق من مجانينهم، أو استغنى من فقرائهم، وبمن يسافر أو يموت أو يسلم منهم؛ لأن ذلك أمكن لاستيفاء الجزية وأحوط. وبمن سقطت عنه الجزية؛ كعمى أو نحوه.

(أو نقَض العهد، أو خرَق شيئاً من الأحكام) أي: أحكام الذمة؛ ليفعل فيه الإمام ما يجب عليه.

ومن أُخذت منه الجزية فأراد أن يُكتب له براءة بذلك ليكون له حجة إذا احتاج إليها أجيب

(1)

.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

(1)

ساقط من أ.

ص: 452

] باب: أحكام أهل الذمة [

هذا (باب) يذكر فيه جملة من أحكام أهل الذمة.

(على الإمام) أي: يلزمه (أخذُهم) أي: أخذ أهل الذمة (بحكم الإسلام في) ضمان (نفس ومال وعرض، و) في (إقامة حد فيما يحرمونه) أي: يعتقدون تحريمه؛ (كزنى. لا فيما يحلونه) أي: يعتقدون حله؛ (كـ) شرب (خمر)؛ لأن عقد الذمة لا يصح إلا بشرطين:

أحدهما: بذل الجزية.

والثانى: التزام أحكام مله الإسلام من حقوق الآدميين في العقود، والمعاملات، وأروش الجنايات، وقيم المتلفات.

فإن عقد على غير هذين الشرطين لم يصح؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].

قيل الصغار: جريان أحكام المسلمين عليهم.

فمن قتل أو قطع طرفاً، أو تعدى على مال، أو قذف، أو سب مسلماً أو ذمياً: أخذ بذلك. وكذا لو زنى أو سرق مال مسلم أو ذمي: أقيم عليه الحد بشرطه؛ لما روى أنس"أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها. فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(1)

.متفق عليه.

وروى ابن عمر"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتُي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما"

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(6485) 6: 2522 كتاب الديات، باب من أقاد بالحجر.

وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1672) 3: 1299 كتاب القسامة، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره. . .

(2)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(6450) 6: 2510 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة؛ باب =

ص: 453

ولأن الزنا محرم في دينه، وقد التزم حكم الإسلام.

وأما ما يعتقدون حله؛ كشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ونكاح ذوات المحارم للمجوس: فيقرون عليه، ولا حد عليهم فيه؛ لأنهم يعتقدون حله.

ولأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم جرماً وإثماً من ذلك. إلا أنهم يمنعون من إظهاره بين المسلمين؛ لأنهم يتأذون بذلك.

(ويلزمهم) أي: أهل الذمة (التميُّز عنا بقبورهم) تمييزاً ظاهراً؛ كالحياة وأولى. ذكره الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في "الفروع". وذلك: بأن لا يدفنون أحداً منهم في مقابرنا.

(و) يلزم التميز عنا أيضاً (بحلاهم. بحذف مقدَّم رؤوسهم) وهو: حذف الشعر عن مواضع التحذيف، وهو الشعر الذي بين العذار والنزعتين.

(لا كعادة الأشراف) وهو: أن يتخذوا شوابير.

(وأن لا يفرقوا شعورهم) وهو: أن تكون شعور رؤوسهم جمة. ولا يفرقوه؛ لأن الفرق من سنة المسلمين

(1)

.

والأصل في ذلك ما رواه الخلال بإسناده عن إسماعيل بن عياش قال: حدثنا غير واحد من أهل العلم قال:"كتب أهل الجزية إلى عبدالرحمن بن غنم: إنا حين قدمنا بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا. على أنا شرطنا ذلك على أنفسنا: أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة، ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نأوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً، وان لا نكتم أمر من غش المسلمين، وألا نضرب ناقوساً إلا ضرباً خفياً

(2)

في جوف

(1)

= أحكام أهل الذمة وإحصانهم. . .

وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1699) 3: 1326 كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى.

في ج: المرسلين.

(2)

في أ: خفيفاً.

ص: 454

كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً،] ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، ولا نخرج صليبنا [

(1)

ولا كتابنا في سوق المسلمين،] وأن لا نخرج باعوثاً ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا [

(2)

مع أمواتنا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركاً، ولا نُرغّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نتخذ شيئاً من الرقيق الذين جرت عليهم سهام المسلمين، وأن لا

(3)

نمنع أحداً من أقاربنا إذا أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم زينا حيب ما كنا،] وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم [

(4)

، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، وأن نجز مقادم رووسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشد الزنانير في أوساطنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله، ولا نتقلد بالسيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشد الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحد منا مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر

(5)

سبيل ثلاثه أيام، ونطعمه من أوسط ما نجد. ضمنّا على ذلك أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا. وإن نحن غيّرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه: فلا ذمة لنا. وقد حل لكم

(6)

منا

(7)

ما يحل لأهل المعاندة والشقاق. فكتب بذلك عبدالرحمن بن غنم إلى عمر ابن الخطاب. فكتب له

(8)

عمر: أن امض لهم ما سألوا، وألحق فيه حرفين

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من ب.

(3)

في أ: ولا.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في الأصول: جائز. وما أثبتناه من " الشرح الكبير " 10: 614

(6)

في ب: لك.

(7)

ساقط من أ.

(8)

في أ: لهم.

ص: 455

اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: أن لا يشتروا من سبايانا شيئاً، ومن ضرب مسلماً فقد خلع عهده. فأنفذ عبدالرحمن بن غنم ذلك. وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط "

(1)

.

فلهذا يلزمهم التميز

(2)

عن المسلمين في شعورهم، بحذف مقادم رووسهم، ويجزون شعورهم، ولا يفرقونها؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق شعره "

(3)

.

(و) يلزمهم التميز عن المسلمين أيضاً (بكناهم وألقابهم. فيمنعون) من التكني بكنى المسلمين، (نحو: أبي القاسم)، وأبي عبدالله.

(و) من أن يتلقبوا بألقاب المسلمين نحو: (عز الدين)، وزين الدين.

ولا يمنعون الكنى بالكلية. فإن أحمد قال لطبيب: يا أبا إسحاق، وقال " أليس النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على سعد بن عبادة قال: ألا ترى ما يقول أبو الحباب ".

وقال لأسقف نجران: " أسلم يا أبا الحارث ".

وقال عمر لنصراني: " يا أبا حسان أسلم تسلم ".

(و) يلزمهم التميز عن المسلمين أيضاً (بركوبهم عَرْضاً) رجلاه إلى جانب وظهره إلى جانب.

(بإكَاف على غير خيل)؛ لما روى الخلال " أن عمر أمر بجز نواصي أهل الذمة، وأن يشدوا المناطق، وأن يركبوا الأكف بالعرض "

(4)

.

(1)

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"9: 202 كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية.

(2)

في ج: التمييز.

(3)

روى ابن عباس رضي الله عنهما" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ". أخرجه البخاري في "صحيحه"(3365) 3: 1305 كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(137) ص: 55 باب الجزية كيف تجتبى.

ص: 456

(و) يلزمهم التميز عن المسلمين أيضاً (بلباس) ثوب

(1)

(عسلي ليهود، و) لباس ثوب (أدكن وهو: الفاخِتيُّ لنصارى. وشدُّ خرق بقلانسهم وعمائمهم، و) شد (زُنَّار فوق ثياب نصراني وتحت ثيادب نصرانية.

ويُغاير نساء كل) من اليهود والنصارى (بين لونَي خُفٍ)؛ ليحصل التميز بذلك بين المسلم والذمي، وبين المسلمة والذمية.

ولا يمنعون فاخر الثياب ولا العمائم والطيلسان؛ لحصول التميز بالغيار والزنار.

(و) يلزمهم (لدخول حمامنا):أن يتميزوا بـ (جُلْجُل أو خاتم رصاص، ونحوه)؛ كخاتم حديد وطوق من نحو ما تقدم (برقابهم) يدخلون به الحمام. (ويحرُم قيام لهم) أي: لأهل الذمة (ولمبتدع يجب هجره، وتصديرُهم)

في المجالس على الأصح.

وعنه: يجوز ذلك لأهل الذمة لمصلحة راجحة؛ كرجاء إسلامهم. اختاره الشيخ تقي الدين، ومعناه اختيار الآجري، وأنه قول العلماء

(2)

يعاد ويعرض عليه الإسلام.

ونقل أبو داود " إن كان يريد يدعوه إلى الإسلام فنعم.

ويدعو بالبقاء وكثوه المال والولد. زاد جماعة: قاصداً كثرة الجزية.

وقد كره أحمد الدعاء لكل أحد بالبقاء ونحوه؛ لأنه شيء فرغ منه.

(و) يحرم أيضاً (بداءتهم بسلام، وبـ: كيف أصبحت، أو): كيف (أمسيت، أو): كيف (أنت، أو):كيف (حالك، وتهنئتُهم، وتعزيتُهم، وعيادتُهم، وشهادة أعيادهم)؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبدووا

(3)

اليهود والنصارى بالسلام. فإذا لقيتم أحدهم في الطريق

(1)

في أ: برد.

(2)

في أ: الإمام.

(3)

في أ: تبتدأوا.

ص: 457

فاضطروهم إلى أضيقها "

(1)

.أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح. قال أبو داود: قلت لأبي عبدالله: تكره أن يقول الرجل للذمي: كيف أصبحت، أو كيف أنت، أو كيف حالك؛ قال: نعم أكرهه. هذا عندي أكبر من السلام.

وأما تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم وشهادة أعيادهم فهي في معنى السلام.

(لا بيعنا لهم) شيئاً (فيها) أي: في أعيادهم؛ لأن ذلك ليس فيه تعظيم لهم.

(ومن سلَّم على ذمي) لا يعلم أنه ذمي، (ثم علمه) ذمياً (سُن قوله) له:

(رُدَّ عليَّ سلامي)؛لما روي عن ابن عمر" أنه مرَّ على رجل فسلم عليه. فقيل: إنه كافر. فقال: ردَّ عليَّ ما سلمت عليك. فرد عليه. فقال: أكثر الله مالك وولدك. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أكثر للجزية ".

وقال يعقوب بن بختان: سألت أبا عبدالله فقلت: نعامل اليهود والنصارى ونأتيهم في منازلهم وعندهم قوم مسلمون أنسلم عليهم؛ قال: نعم. تنوي السلام على المسلمين. وسُئل عن مصافحة أهل الذمة. فكرهه.

(وإن سلَّم ذمي) على مسلم (لزم ردُّه. فيقال) له: (وعليكم)؛لما روى أحمد بإسناده عن أنس أنه قال: " نهينا أو أمرنا ألا نزيد أهل الكتاب

(2)

على: وعليكم "

(3)

.

وعند الشيخ تقي الدين: يرد مثل تحيته فيقول: وعليك مثل تحيتك، وأنه يجوز أن يقال للذمي: أهلاً وسهلاً.

(وإن شمَّته كافر) أي: شمت الكافر مسلماً عند عطاسه (أجابه) المسلم

بـ: يهديك الله.

(1)

أخرجه الترمذي في "جامعه"(1602) 4: 154 كتاب السير، باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب.

(2)

في ب: الذمة.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(12136) 3:113

ص: 458

وأما إن عطس الذمي فقد روي عن أبي موسى: " أن اليهود كانوا يتعاطسُون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: يرحميهمُ الله. فكان يقول لهم: يهديكم الله ويصلحُ بالَكُم "

(1)

. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه.

(وتُكره مصافحته) أي: يصافح المسلم ذمياً. وتقدم نص أحمد على كراهة ذلك.

***

(1)

أخرجه أبو داود في "سننه"(5038) 4: 308 كتاب الأدب، باب كيف يشمت الذمي.

وأخرجه الترمذي في "جامعه"(2739) 5: 75 كتاب الأدب، باب ما جاء كيف تشميت العاطس.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(19510) 4: 400.

ص: 459

[فصل: ما يمنع منه أهل الذمة]

(فصل. ويُمنعون) أي: يمنع أهل الذمة (من حمل سلاح، و) من (ثِقَاف، و) من (رمي ونحوها) أي: نحو هذه الأشياء، كلعب برمح ودبوس.

وكره أحمد بيعهم الثياب المكتوب عليها ذكر الله سبحانه وتعالى.

قال مهنا: سألت أبا عبدالله: هل يكره للمسلم أن يعلم غلاماً مجوسياً شيئاً من القرآن؟ قال: إن أسلم فنعم، وإلا فأكره أن يضع القرآن في غير موضعه.

قلت: فنعلمه أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم.

(و) يمنعون أيضاً من (تعلية بناء فقط) على الأصح (على مسلم ولو رضي) جاره المسلم بتعليته عليه؛ لأنه لو قبل بسقوط الحق برضاه لسقط حق من يحدث بعده، وليس بجائز، لقولهم في شروطهم:" ولا نطلع عليهم في منازلهم "

(1)

.

ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الإسلام يَعلو ولا يُعلى

(2)

"

(3)

.

ولأن في تعليه بنائهم تعلية رتبة على المسلمين. فمنعوا منه؛ كما منعوا التصدير في المجالس.

قال في "الفروع": لاصَقَه أو لا.

وفي " شرح المقنع ": إنما يمنع من تعليته على بناء المسلم المجاور له لا من تعليته على من ليس بمجاور له، لأن الضرر إنما يحصل على المجاور دون غيره.

(1)

سبق تخريجه ص (456) رقم (3).

(2)

في أ: يعلى عليه.

(3)

ذكره البخاري في "صحيحه" تعليقاً 1: 454 كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه. . .

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 205 كتاب اللقطة، باب ذكر بعض من صار مسلماً بإسلام أبويه أو أحدهما.

ص: 460

وقولي: فقط يعني: أنه لا يمنع من مساواة بناء جاره المسلم على الأصح؛ لأن ذلك لا يفضي إلى علو الكفر.

(و) متى فعل فإنه (يجب نقضه)؛ لما في ذلك من حق الله سبحانه وتعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يعلو ولا يعلى "

(1)

.

(ويضمن ما تلف به) أي: بالبناء المعلى (قبله) أي: قبل نقضه؛ لتعديه بالتعلية؛ لعدم إذن الشارع فيها.

(لا إن ملكوه) أي: لا إن ملكوا بناء عالياً (من مسلم) فإنه لا يجب نقضه؛ لأنهم ملكوه على هذه الصفة، ولم تحصل منه تعلية.

(ولا يُعاد عالياً) ما ملكوه من صعسلم عالياً (لو انهدم)؛لأنه بعد انهدامه كان كأن لم يوجد.

(ولا) ينقض بناوهم (إن بنى) مسلم (داراً عندهم) أي: في محلتهم (دون بنائهم) في الأصح؛ لأنهم لم يعلوا بناءهم على بناء المسلم.

(و) يمنعون أيضاً (من إحداث كنائس، وبيَع) جمع: بيعة، (ومجتمع) أي: ومحل يجتمعون فيه (لصلاة) في شيء من أرض المسملمين. سواء كانت مما مَصّره المسلمون؛ كالبصرة وبغداد وواسط، أو مما فتحه المسلمون عُنوة؛ كالشام ومصر.

ولا يجوز صلحهم على إحداث كنيسة بمكان من أرض المسلمين.

والأصل في ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال:" أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، ولا أن يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يتخذوا فيه خنزيراً "

(2)

. رواه الإمام أحمد واحتج به.

ولأن أراضي المسملمين ملك لهم. فلا يجوز أن يبنوا فيها مجامع للكفر.

(1)

سبق قريباً.

(2)

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"9: 301 كتاب الجزية، باب يشترط عليهم أن لا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسه ولا مجمعاً. . .

ص: 461

وما وجد في هذه البلاد من الكنائس والبيع مثل: كنيسة الروم في بغداد.

فهذه كانت في قرى أهل الذمة فأقرت على ما كانت عليه؛ وذلك لأن ما فتحه المسلمون من بلاد الكفار وفيه بيع أو كنيسة أو بيت نار لم يجب هدمه على الأصح؛ لأن الصحابة فتحوا كثيراً من البلاد عنوة. فلم يهدموا شيئاً من ذلك.

ويشهد لصحة ذلك وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة، ومعلوم أنهم لم يحدثوا شيئاً من ذلك. فيلزم أن تكون موجودة حين الفتح وأبقيت

(1)

.

(و) كذا حكم إحداث (صومعة لراهب)؛لأن في حديث عبدالرحمن بن غنم:" وأن لا نحدث قلاية ولا صومعة لراهب "

(2)

.

(إلا إن شُرط) علينا أن يحدثوا ذلك أو شيئاً منه (فيما فُتح صلحاً على أنه) أي: أن البلد المفتوح (لنا) ونقره معهم بالخراج؛ لأنا لم نفتحها إلا على هذا الشرط. فوجب الوفاء به.

(و) يمنعون أيضاً (من بناء ما استُهدم أو هُدم ظلماً منها) أي: مما منعوا من إحداثها (ولو) كان ما استهدم أو هدم ظلماً (كلها) على الأصح؛ (كـ) ما يمنعون من (زيادتها) أي: زيادة ما منعوا من إحداثها؛ لأن في كتاب أهل الجزية لابن غنم: "ولا نجدد ما خرب من كنائسنا "

(3)

.

ولما روى كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تبنى الكنيسة في الإسلام، ولا يجدد ما خرب منها "

(4)

.

ولأن إعادتها بناءُ كنيسة أو بيعة في دار الإسلام. فلم يجز؛ كما لو ابتدأ بناوها.

(لا رَمِّ شعثها) يعني: أنهم لا يمنعون رم شعث الكنائس والبيع والصوامع القديمة؛ لأنهم لما ملكوا استدامتها ملكوا رم شعثها.

(1)

في أ: وأثبتت.

(2)

سبق تخريجه ص (456) رقم (3).

(3)

سبق تخريجه ص (456) رقم (3).

(4)

ذكره المتقي الهندي في"كنز العمال"(11287) 4: 435 وقال: رواه الديلمي عن ابن عمر.

ص: 462

(و) يمنعون أيضاً (من إظهار مُنكر)، كنكاح المحارم.

(و) إظهار (عيد، و) إظهار (صليب، و) إظهار (أكل وشرب بـ) نهار (رمضان، و) إظهار (خمر وخنزير. فإن فعلوا) أي: أظهروهما (أتلفناهما. و) يمنعون أيضاً من (رفع صوت على ميت، وقراءة قرآن، و) إظهار (ضرب ناقوس، وجهر بكتابهم)؛ لأن في شروطهم لابن غنم: " وأن لا نضرب ناقوساً إلا ضربا خفياً

(1)

في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وأن لا نخرج صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين، وأن لا نخرج باعوثاً ولا شعانين، ولا نرفيع أصواتنا مع موتانا، وأن لا نجاورهم بالخنازير

(2)

، ولا نظهر شركاً"

(3)

.

وقاس الشيخ تقي الدين على ذلك إظهار الأكل والشرب بنهار رمضان؛ لما فيه من المفاسد.

(وإن صُولحوا في بلادهم) أي: فيما فتح صلحاً على أن الأرض لهم (على جزية أو خَراج: لم يمنعوا شيئاً من ذلك) أي: من جميع ما قلنا أنهم يمنعون منه؛ لأنهم في بلادهم. أشبهوا أهل الحرب في زمن الهدنة.

(ويمنعون) أي: الكفار مطلقاً. سواء كانوا مستأمنين أو ذميين، (دخول حرم مكة)؛ لقوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28].

والمراد به الحرم

(4)

بدليل قوله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1].وإنما أسري به من بيت أم هانئ وهو خارج المسجد.

(1)

في ب: خفيفاً.

(2)

في ب: بالجنائز.

(3)

سبق تخريجه ص (456) رقم (3).

(4)

في ب: الحرام.

ص: 463

وإنما منع من الحرم دون الحجاز؛ لأن الحرم افضل أماكن العبادات للمسلمين وأعظمها؛ لأنه محل النسك

(1)

. فوجب أن يمنع منه من لا يؤمن به.

ولأن هذه الآية نزلت واليهود بالمدينة وخيبر، وغيوهما من أرض الحجاز ولم يمنعوا من الإقامة به.

وكان أول من أجلاهم من الحجاز عمر.

ولأن الحرم له شرف على غيره بتحريم شجره وصيده وأحترام الملتجئ إليه. فلا يصح قياس غيره عليه.

ولا يمكنون من دخوله (ولو بذلوا مالاً) على ذلك. يعني: أنه متى صالحهم الإمام على دخول الحرم بمال فالصلح باطل. لكنهم إن دخلوا إلى إنتهاء ما صولحوا على دخوله ملك عليهم جميع العوض المصالح به، ولا يرد عليهم منه شيء؛ لأنهم قد استوفوا ما صالحهم عليه. وإن لم يستوفوا دخولهم إلى الموضع الذي صالحوا عليه. (وما استوفي من الدخول ملك ما يقابله من المال) المصالح عليه في الأصح.

قال في " شرح المقنع ":ويحتمل أن يرد عليهم العوض بكل حال؛ لأن ما استوفوه لا قيمة له، والعقد لم يوجب العوض؛ لبطلانه.

(لا المدينة) يعني: فإن الكفار لا يمنعون من دخول حرمها؛ لأن الآية نزلت واليهود بالمدينة ولم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم بخروجهم عند نزولها.

ويعم منع الكفار من دخول حرم مكة (حتى غير مكلف) من صغير ومجنون، (و) حتى (رسولهم) أي: رسول الكفار إذا جاء من عندهم إلى الإمام والإمام بالحرم.

(ويخرج إليه) الإمام إن أبى الرسول من أداء الرسالة إلا له. ولم يُمكّن من الدخول؛ للآية.

(ويعزَّر من دخل) حرم مكة من الكفار مع علمه بالمنع (لا جهلاً) ويهدد،

(1)

في ب: للنسك.

ص: 464

(ويخرج ولو) كان مريضاً أو (ميتاً. ويُنبش إن دفُن به) أي: بحرم مكة ويخرج منه (ما لم يَبْلَ)؛ لأنه إذا وجب إخراجه حياً فإخراج جيفته أولى.

وإنما جاز دفنه بالحجاز سوى حرم مكة؛ لأن خروجه من حرم مكة إلى الحل سهل ممكن؛ لقرب الحل منه. وخروجه من أرض الحجاز إلى غيرها وهو مريض أو ميت صعب ممتنع؛ لبعد المسافة.

(و) يمنع الكفار أيضاً (من إقامة) أي: من أن يقيموا (بالحجاز؛ كالمدينة، واليمامة، وخيبر، واليَنبُع، وفَدَك) بفتح الفاء والدال المهملة، قرية بينها وبين المدينة يومان (ومَخَاليفها) وهي: القرى المجتمعة؛ كالرساتيق

(1)

. واحدها مخلاف. وسمي الحجاز حجازاً؛ لأنه حجز بين تهامة ونجد.

قال في " الفروع ":وهو مكة والمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفَدَك ومخاليفها.

وقال شيخنا: منه تبوك ونحوها، وما دون المنحنى وهو عقبة الصوّان من الشام؛ كمعان. انتهى.

والأصل في ذلك ما روى أبو داود بإسناده عن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ويقول:

" لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً"

(2)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وعن أبن عباس قال:"أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه، وسكت عن الثالثة "

(3)

. رواه أبو داود.

(1)

في ب: كالرستاق.

(2)

أخرجه الترمذي في"جامعه"(1607) 4: 156 كتاب السير، باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى مت جزيرة العرب.

(3)

أخرجه أبو داود في"سننه"(3029) 3: 165 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إخراج اليهود من جريرة العرب.

ص: 465

وجزيرة العرب: ما

(1)

بين الوادي إلى أقصى اليمن

(2)

. قاله سعيد بن عبد العزيز.

وقال الأصمعي وأبو عبيد: هي من ريف العراق إلى عدن طولاً، ومن تهامة وما وراءها إلى أطراف الشام عرضاً.

وقال أبو عبيدة: هي حفر أبي موسى إلى اليمن طولاً، ومن رمل تبرين

(3)

إلى منقطع السماوة عرضاً.

وقال الخليل: إنما قيل لها جزيرة؛ لأن بحر الحبشة وبحر فارس والفرات قد أحاطت بها. ونسبت إلى العرب؛ لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها.

قال أحمد: جزيرة العرب المدينة وما والاها.] يعني: أن الممنوع من سكنى الكفار به المدينة وما والاها وهو مكة والمدينة وخيبر والينبع وفدك ومخاليفها وما والاها]

(4)

.

وهذا قول الشافعي؛ لأنهم لم يجلوا من تيماء ولا من اليمن ولا من فَيد بفتح الفاء، وهي: قرية بشرقي سلمى أحد جبلي طيء.

(ولا يدخلونها) أي: الأماكن التي قلنا؛ لأنهم يمنعون من الإقامة بها (إلا بإذن الإمام).

قال في "الفروع": ولهم دخوله، والأصح بإذن إمام

(5)

.انتهى.

وذلك لأن دخولهم الحجاز في اعتبار الإذن كالحكم في دخول أهل الحرب دار الإسلام، لا

(6)

يجوز إلا بإذن الإمام. فيأذن لهم إذا رأى المصلحة فيه. وقد كان الكفار يتّجرون إلى المدينة في زمن عمر.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: الوادي.

(3)

في ب: بيرين.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في أ: الإمام.

(6)

في أ: ولا.

ص: 466

وقد روي"أنه أتاه شيخ بالمدينة فقال له: أنا الشيخ النصرانى وإن عاملك عشرنى مرتين. فقال له عمر: وأنا الشيخ الحنيف، وكتب له عفر: أن لا يعشروا في السنة إلا مرة"

(1)

.

(ولا يُقيمون لتجارة بموضع واحد، أكثر من ثلاثة أيام) في الأصح.

وقيل: أربعة.

ووجه الأول: أنه المروي عن عمر.

(ويوكّلون في) المطالبة والقبض لدين

(2)

(مؤجل، ويُجبر من لهم عليه).

دين (حّال على وفائه) لهم. (فإن تعذر) وفاؤه لمطل أو تغيب أو نحوهما (جازت إقامتُهم له) أي: لاستيفاء دينهم؛ لأن التعدي من غيرهم وفي إخراجهم قبل استيفائه ذهاب مالهم.

(ومن مرض) من الكفار ببلد من بلاد الحجاز (لم يخرج) أي: لم يلزمه أن يخرج (حتى يبرأ) من مرضه؛ لمشقة الانتقال على المريض.

(وإن مات دُفن به) أي: بالبلد الذي مرض فيه من الحجاز؛ لأنه لما جازت له الإقامة مع المرض كان جواز دفنه فيه إذا مات أولى.

ولا يمنعون من الإقامة بتيماء وفيد ونحوهما؛ لأن عمر لم يمنعهم من ذلك.

(وليس لكافر دخول مسجد ولو أذن) له (مسلم) على الأصح؛"لأن أبا موسى دخل على عمر ومعه كتاب قد كتب فيه حساب عمله. فقال له عمر: ادع الذي كتبه ليقرأه. قال: إنه لا يدخل المسجد. قال: ولم لا يدخل؟ قال: إنه نصرانى. فانتهره عمر

(3)

".

(1)

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"9: 211 كتاب الجزية، باب لا يؤخذ منهم ذلك في السنة إلا مرة واحدة إلا أن يقع.

وأخرجه أبو عبيد في"الأموال"(1684) ص: 479 باب ما يأخذ العاشر من صدقة المسلمين وعشور أهل الذمة والحرب.

(2)

في أ: وقبض الدين.

(3)

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"9: 204 كتاب الجزية، باب لا يدخلون مسجداً بغير إذن.

ص: 467

وهذا يدل على اتفاق منهم على أن الكافر لا يدخل المسجد.

وفيه دليل على شهرة ذلك بينهم وتقريره عندهم.

ولأن حدث الحيض والجنابة يمنع الإقامة في المسجد فحدب الكفر أولى.

قال في "الفروع": وعنه: يجوز كاستئجاره لبنائه. ذكره شيخ المذهب.

ثم منهم من أطلقها، ومنهم من قال: لمصلحة، ومنهم من قال: بإذن مسلم، ومنهم من اعتبرهما، وكلام القاضي: يجوز ليسمعوا الذكر فترق قلوبهم ويرجى إسلامهم.

واحتج بما رواه أحمد وأبو داود والإسناد جيد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص: "أن وفد ثقيف قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، واشترطوا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لا يحشروا ولا يعشروا، ولا خير في دين لا ركوع فيه"

(1)

. انتهى.

(ويجوز استئجاره) أي: استئجار الكافر (لبنائه) أي: لبناء المسجد.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.

(والذمي) التاجر (ولو أنثى صغيرة) من الذميين أو من لا تجب عليه الجزية لزمانة أو غيرها، (أو) كان (تغلبياً) على الأصح (إن اتجر إلى غير بلده ثم عاد، ولم يؤخذ منه الواجب فيما سافر إليه من بلادنا: فعليه نصف العشر مما معه). سواء كان سفره إلى الحجاز أو غيره؛ لما روى أبو عبيد في "كتاب الأموال " بإسناده عن لاحق بن حميد: "أن عمر بعث عثمان بن حنيف إلى الكوفة فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون فيها. في كل عشرين درهماً درهاً"

(2)

. وهذا كان بالعراق واشتهر وعمل به الخلفاء بعده، ولم ينكر فكان إجماعاً.

وعلم مما تقدم: أن العاشر لا يأخذ منهم شيئاً من غير مال التجارة. فلو مر

(1)

أخرجه أبو داود في "سننه"(3026) 3: 163 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(17942) 4: 218.

(2)

أخرجه أبو عبيد في"الأموال"(1654) ص: 474 باب ذكر العاشر وصاحب المكس. . .

ص: 468

بالعاشر منهم منتقل ومعه أمواله أو سائمة لم يؤخذ منه شيء نص عليه أحمد. إلا ان تكون الماشية للتجارة. فيؤخذ منها نصف العشر.

(ويمنعه) أي: يمنع وجوب نصف العشر (دين؛ كزكاة) يعني: كما يمنع الدين وجوب الزكاة.

ومحل ذلك: (إن ثبت) الدين (ببينة)؛لأنه لا يقبل قوله فيه فلا يصدق.

(ويصدَّق) في: (أن جارية معه أهله) أي: زوجته، (أو) أنها (بنته ونحوهما) على الأصح؛ لتعذر إقامة البينة على ذلك.

ولأن الأصل عدم ملكه لها. فلا يؤخذ منه نصف عشر قيمتها.

ما يؤخذ من التاجر الحربي (ويؤخذ مما مع حربى اتَّجر إلينا العشر)؛ " لأن عمر أخذ من أهل الحرب العشر "

(1)

.

واشتهر ذلك فيما بين الصحابة وعمل بذلك الخلفاء بعده والأئمة في كل عصر من غير نكير فكان إجماعاً.

و (لا) يؤخذ العشر ولا نصفه (من أقل من عشرة دنانير معهما) أي: مع الذمي والحربي على الأصح.

وذللى لأن العشرة مالاً يبلغ واجبه نصف دينار. فوجب فيه؛ كالعشرين في حق المسلم.

ولأنه مال معشور. فوجب فيه العشرة منه؛ كمال الحربي.

(ولا) يؤخذ (أكثر من مرة كل عام). نص عليه أحمد؛ لما روي بإسناده قال:" جاء شيخ نصرانى إلى عمر فقال: إن عاملك عشرنى في السنة مرتين.

(1)

أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" عن أنس بن سيرين أخي محمد ين سيرين قال:" جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنس بن مالك عى صدقة البصرة. فقال لي أنس بن مالك: أبعثك على ما بعثنى عليه عمر بن الخطاب رضي إدله عنه. فقلت: لا أعمل ذلك حتى تكتب لي عهد عمر بن الخطاب الذي عهد إليك. فكتب لي: أن خذ من أموال المسلمين ربع العشر، ومن أموال أهل الذمة إذا اختلفوا للتجارة نصف العشر، ومن أموال أهل الحرب العشر " 9: 210 كتاب الجزية، باب: ما يؤخذ من الذمي إذا اتجر في غير بلده، والحربي إذا دخل بلاد المسلمين بأمان.

ص: 469

قال: ومن أنت

(1)

؟ قال: أنا الشيخ النصرانى. قال عمر: وأنا الشيخ الحنيف. ثم كتب إلى عامله: أن لا يعشروا في السنة إلا مرة "

(2)

.

ولأن الجزية والزكاة إنما تؤخذ في السنة مرة. فكذلك هذا.

ومتى أخذ منهم ذلك مرة كتب لهم حجة بأدائهم؛ ليكون وثيقة لهم، وحجة على من يمرون عليه. فلا يعشرهم مرة ثانية. إلا أن يكون معه أكثر من المال الأول. فيأخذ من الزيادة؛ لأنها لم تعشر، وذلك لأن العشر حق يؤخذ من التجارة. فلا يؤخذ في السنة إلا مرة؛ كنصف العشر من الذمي.

(ولا يُعشَّر ثمن خمر و) لا ثمن (خنزير) على الأصح. نص عليه أحمد.

وبه قال عمر بن عبدالعزيز وأبو عبيد وأبو ثور.

قال عمر بن عبدالعزيز: " الخمر لا يعشرها مسلم "

(3)

.

قال أبو عبيد: ومعنى قول عمر: ولُّوهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن: أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنازير من جزيتهم وخراج أرضهم بقيمتها ثم يتولى المسلمون بيعها. فأنكره عمر، ثم رخص لهم أن يأخذوا من أثمانها إذا كان أهل الذمة المتولين لبيعها.

وروى بإسناده عن سويد بن غفلة: "أن بلالاً قال لعمر: إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج. فقال: لا تأخذوها، ولكن ولُّوهم بيعها وخذوا من الثمن "

(4)

.

(وعلى الإمام حفظُهم) أي: حفظ أهل الذمة، (ومنع من يؤذيهم) من المسلمين. ومن مثلهم من أهل الذمة ومن أهل الحرب؛ لأنه التزم بالعهد حفظهم. ولهذا قال علي:" إنما بذلوا الجزية؛ ليكون دمائهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا ".

(1)

في ج: أين أنت.

(2)

سبق تخريجه ص (467) رقم (1).

(3)

أشار إلى قول عمر بن عبدالعزيز هذا أبو عبيد في"الأموال"ر."الأموال"ص: 53.

(4)

أخرجه أبو عبيد في"الأموال"(129) ص: 52 باب أخذ الجزية من الخمر والخنزير.

ص: 470

وقال عمر في وصيته للخليفة بعده: " وأوصيه بأهل ذمة المسلمين خيراً: أن يوفي لهم بعهدهم، ويحاظر من ورائهم ".

(و) على الإمام أيضاً (فُك أسراهم). سواء كانوا في معرفتنا أو لم يكونوا؛ لأننا التزمنا حفظهم بمعاهدتهم وأخذ جزيتهم. فلزمنا القتال من ورائهم والقيام دونهم. فإذا عجزنا عن ذلك وأمكننا تخليصمهم لزمنا، ولكن (بعد فك أسرانا)؛لأن حرمة المسلم أعظم والخوف عليه أشد، وهو معرض للفتنة عن دين الحق. بخلاف أهل الذمة.

(وإن تحاكموا) أي: أهل الذمة (إلينا) بعضهم مع بعض، (أو) تحاكم إلينا (مستأمنان باِّتفاقهما، أو استعدى ذمي على) ذمي (آخر: فلنا الحكم و) لنا (الترك) أي: أننا بالخيار بين الحكم بينهم وبين ترك الحكم بينهم؛ لقول الله سبحانه وتعا لى: [فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ t [المائدة: 42].

ولأنهما كافران. فلم يجب الحكم بينهم؛ كالمتشاحنين إن لم يتفقا على أن يتحاكما إلينا على الأصح.

وإذا اختار الحكم بينهم لم يحكم إلا بحكم الإسلام؛ لقول الله سبحانه وتعالى: [وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة: 42].

(ويحرم إحضار يهودي في سبته، وتحريمه) أي: تحريم السبت على اليهود (باق) عليهم. (فيستثنى) شرعاً (من عمل في إجارة) يعني: أنه متى أجر يهودي نفسه مدة لعمل لم يلزمه أن يعمل شيئاً في السبت.

قال في "الفروع": ولا يحضر يهودياً يوم سبت. ذكره ابن عقيل. أي: لبقاء تحريمه عليه. وفيه وجهان. أو مطلقاً لضرره بإفساد سبته. ولهذا لا يُكره امرأته على إفساده مع تأكد حقه.

قال ابن عقيل: يحتمل أن السبت مستثنى من عمل في إجارة. انتهى.

والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في أثناء حديث رواه النسائي والترمذي وصححه:

"وأنتم يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت "

(1)

.

(1)

أخرجه الترمذي في "جامعه "(3144) 5: 305 كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل.=

ص: 471

(ويجب) الحكم (بين مسلم وذمي)؛ لما في ذلك من إنصاف الممسلم من غيره أو رده عن ظلمه. وذلك واجب.

ولأن في ترك هذا الواجب تضييعاً للحق. فيتعين فعله.

(ويلزمهم) أي: يلزم أهل الذمة (حكمُنا) فلا يملكون أن لا يقيلوه ولا نقضه.

(ولا يُفسخ بيع فاسد تقابضاه، ولو أسلموا، أو لم يحكم به) أي: بتبايعهم (حاكمهم)؛ لأنه عقد قديم قبل ترافعهم إلينا، أوقبل أن يسلموا على شيء يجوز ابتداء العقد عليه في ملتهم. فأقروا عليه ولم ينقض؛ كأنكحتهم.

وعلم مما تقدم أنه إذا لم يتم بالتقابض فسخ. سواء كان قد حكم به حاكمهم أو لم يحكم؛ لأف عقد لم يتم. ولا يجوز الحكم بإتمامه؛ لكونه فاسداً. فتعين نقضه وحكم حاكمهم به، وجوده كعدمه؛ لأن من شرط الحاكم النافذ الحكم بالإسلام ولم يوجد.

وسئل أحمد عن الذمي يعامل بالربا ويبيع الخمر والخنزير ثم يسلم وذلك المال بيده أيلزمه أن يخرج عنه؟ فقال: لا يلزمه أن يخرج منه شيئاً؛ لأن ذلك مضى في حال كفره. فأشبه نكاحه في الكفر إذا أسلم.

(ويُمنعون) أي: يمنع أهل الذمة (من شراء مصحف، و) من شراء كتب (حديث وفقه). فإن فعلوا فالشراء باطل؛ لأن القول بصحته يتضمن ابتذال

(1)

ذلك بأيديهم.

ويمنعون أيضاً من أن يتبايعوا بربا في أسواقنا؛ لأن ذلك عائد بفساد نقدنا.

وكذا إن أظهروا بيع مأكول في نهار رمضان؛ كشراء. فإنهم يمنعون. ذكره القاضي واقتصر عليه في " الفروع ".

***

(1)

= وأخرجه النسائي في "سننه"(4078) 7: 111 كتاب تحريم الدم، السحر. كلاهما عن صفوان بن عسال.

في أ: إبذال.

ص: 472

[فصل: إذا تهود نصراني]

(فصل. وإن تهوَّد نصراني أو تنصَّر يهودي: لم يُقَرَّ) على الأصح؛ لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه. فلم يقر عليه؛ كالمرتد ولا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه،] لأننا أقررناه عليه أولاً فنقره عليه ثانياً.

(فإن أبى ما كان عليه و) أبى (الإسلام) أيضاً: (هُدِّد وحُبس وضُرب) حتى يسلم أو يرجع إلى الدين الذي كان عليه [

(1)

على الأصح.

قال أحمد: إذا دخل اليهودي في النصرانية رددته إلى اليهودية. فقيل له: أنقتله؟ قال: لا. ولكن يضرب ويحبس؛ لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب. فلم يقتل؛ كالباقي على دينه.

ولأنه مختلف فيه. فلا يقتل للشبهة.

(وإن انتقلا) أي: اليهودي والنصرانى إلى غير دين أهل الكتاب، (أو) انتقل (مجوسي إلى غير دين أهل الكتاب: لم) يقر؛ لأنه انتقل إلى دين أدنى من دينه. فلم يقر؛ كالمسلم إذا ارتد. ولم (يقبل منه إلا الإسلام) على الأصح. نص عليه واختاره الخلال؛ لأن غير الإسلام أديان باطلة قد أقر ببطلانها. فلم يقر عليها؛ كالمرتد. فإنه لا يقبل منه إلا الإسلام.

(فإن أباه قُتل بعد استتابته) ثلاثه أيام، كالمرتد.

(وإن انتقل غير كتابي) ولو مجوسياً (إلى دين أهل الكتاب) بأن تهود أو تنصر أقر عليه على الأصح؛ لأنه انتقل إلى دين يقر عليه أهله، وأعلا من دينه الذي كان عليه. فأقر، كما لو كان ذلك أصل دينه.

(أو تمجَّس وثني) وهو أحد عباد الأوثان (أُقِرَّ) على المجوسية على

(1)

ساقط من أ.

ص: 473

الأصح؛ لأنه انتقل إلى دين يقر عليه أهله. فأقر.

(وإن تزَنْدَقَ ذمي لم يُقتل) لأجل الجزية. نقله ابن هانئ عن أحمد.

(وإن كذَّب نصراني بموسى خرج من دينه) الذي هو دين النصرانية؛ لتكذيبه لنبيه عيسى في قوله صلى الله عليه وسلم: {مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [الصف: 6].

(ولم يقرَّ) على غير الإسلام. فإن أباه قتل بعد استتابته ثلاثاً.

(لا) إن كذب (يهودي بعيسى) فإنه لم يخرج من دينه ويبقى عليه؛ لأن ذلك ليس فيه تكذيب لنبيه موسى صلى الله عليه وسلم.

(وينتقضُ عهد من أبى) من أهل الذمة (بذل جزية، أو) أبى (الصَّغار، أو) أبى (التزام حكمنا) إذا حكم عليه بشيء. سواء شرط عليهم

(1)

ذلك أو لا؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [توبة: 29].قيل الصغار: التزام أحكام المسلمين.

(أو قاتلنا) منفرداً أو مع أهل الحرب؛ لأن إطلاق الأمان يقتضي عدم القتال.

(أو لَحِقَ بدار حرب مقيماً) بها؛ لأنه صار بذلك من جملة أهل الحرب.

(أو زنا بمسلمة أو أصابها باسم نكاح) نصاً.

والأصل في ذلك ما روي عن عمر " أنه رُفع إليه رجل أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا. فقال: ما على هذا صالحناكم. وأمر به فصلب في بيت المقدس "

(2)

.

(1)

في أ: عليه.

(2)

عن سويد بن غفلة قال:" كنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين بالشام فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدي فغضب غضباً شديداً فقال لصهيب: انظر من صاحب هذا؟ فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي فقال له: إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً قلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين فإني أخاف عليك بادرته فجاء معه معاذ فلما انصرف عمر من الصلاة قال أين صهيب؟ فقال: أنا هذا يا أمير المؤمنين قال: أجئت بالرجل الذي ضربه؟ قال: نعم. فقام إليه معاذ بن جبل فقال: يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تعجل عليه. فقال له =

ص: 474

(أو قطع طريقاً)؛لأنه لم يف بمقتضى الذمة، وهو أمن جانبه. فانتقض عهده بذلك.

(أو تجسَّسَ، أو آوَى جاسوساً)؛ لما في ذلك من الضرر على المسلمين.

أشبه الامتناع من بذل الجزية.

(أو ذكر الله) سبحانه و (تعالى، أو) ذكر (كتابه أو دينه) أي: دين الإسلام (أو رسوله) أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم (بسوء ونحوه) أي: نحو ذلك؛ لما روي" أنه قيل لابن عمر: إن راهباً يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو سمعته لقتلته إنا لم نعط الأمان على هذا ".

(أو تعدَّى على مسلم بقتل أو فتنة عن دينه)؛لأن هذا ضرر يعم المسلمين. أشبه ما لو قاتلهم.

(لا بقذفه) يعني: أنه لا ينقض عهد أحد من أهل الذمة بقذفه مسلماً،

(و) لا (إيذائه بسحر في تصرفه) نصاً؛ لأن ضرره لا يعم.

(ولا إن أظهر) الذمي (منكراً، أو رفع صوته بكتابه) فإنه لا ينتقض عهده؛ لأن العقد لا يقتضي ذلك، ولا ضرر فيه على المسلمين.

(و) من قلنا ينتقض عهده فإنه (لا) ينتقض

(1)

(عهد نسائه وأولاده) بنقض عهده نصاً. نقله عبدالله؛ لأن النقض وجد منه دونهم. فاختص حكمه به.

(و) من انتقض عهده فإنه (يخير الإمام فيه، ولو قال: تبت كأسير)

(1)

= عمر: ما لك ولهذا؛ قال: يا أمير المؤمنين رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع ثم دفعها فخرب عن الحمار ثم تغشاها ففعلت ما ترى قال: ائتني بالمرأة لتصدقك فأتى عوف المرأة فذكر الذي قال له عمر رضي الله عنه قال أبوها وزوجها: ما أردت بصاحبتنا فضحتها فقالت المرأة: والله لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها: نحن نبلغ عنك أمير المؤمنين فأتيا فصدقا عوف بن مالك بما قال فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب ثم قال: يا أيها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له ".

أخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"9: 201 كتاب الجزية، باب يشترط عليهم أن أحداً من رجالهم إن أصاب مسلماً بزنا.

في أ: ينقض.

ص: 475

حربي؛ "لأن عمر صلب الذي أراد استكراه المرأة المسلمة

(1)

على الزنا ". ولأنه كافر لا أمان له قَدرنا عليه في دارنا بغير عقد ولا عهد ولا شبه ذلك. فأشبه اللص الحربي.

(ومالُه فيء) في الأصح؛ لأن المال لا حرمة له في نفسه، إنما هو تابع لمالكه حقيقة، وقد انتقض عهد المالك في نفسه. فكذا في ماله.

(ويحرُم قتله إن أسلم)، حتى (ولو كان) نقض عهده إن (سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم.قطع به في "المغني" و"الشرح" و"شرح ابن رزين"وغيرهم، وقدمه في"الفروع"و

"الرعاية". وهو ظاهر كلام الأكثر.

(وكذا) لحرم (رقُّه، لا إن رُقَّ قبل) أي: قبل إسلامه فإنه يستمر رقيقاً.

وقيل: يقتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم بكل حال. اختاره ابن أبى موسى وابن البنا والسامري والشيخ تقي الدين وقال: هو الصحيح من المذهب.

وهو ظاهر ما قدمه في " الفروع " في باب المرتد.

(ومن جاءنا بأمان. فحصل له ذرية، ثم نقض العهد فكذمي) يعني: فحكمه حكم الذمي إذا نقض العهد.

ذكره في " المنتخب " واقتصر عليه في " الفروع ".

وتخرج نصرانية لشراء الزنار، ولا يشتريه مسلم لها؛ لأنه من علامات الكفر.

والله سبحانه وتعالى أعلم

(2)

.

***

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: تم. يتلوه كتاب البيع.

ص: 476