الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب البيع]
هذا (كتاب) يذكر فيه جمل من أحكام البيع. واشتقاقه من الباع؛ لأن كل واحد من المتبأيعين يمد باعه إلى الآخر للأخذ والإعطاء. أو من المبأيعة وهي المصافحة؛ لأن كلا منهما يصافح صاحبه عند البيع. ولذلك سمي البيع صفقة. وهو جائز بالإجماع.
وسنده من الكتاب قوله سبحانه وتعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا)] البقرة: 275].
وقوله سبحانه وتعالى: (وأشهدوا إذا تبأيعتم)] البقرة: 282].
وقوله سبحانه وتعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)] النساء: 29].
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا "
(1)
. متفق عليه.
وروى رفاعة " أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى. فرأى الناس يتبأيعون. فقال: يا معشر التجار! فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فُجّارا إلا من بَرّ وصدق "
(2)
. قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، ولا يبذله صاحبه بغير عوض. ففي إباحة البيع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(1976) 2: 733 كتاب البيوع، باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. عن حكيم بن حزام.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1531) 3: 1163 كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.
(2)
أخرجه الترمذي في "جامعه "(1210) 3: 515 كتاب البيوع، باب ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم.
ثم (البيع) في الشرع: (مبادلة عين مالية).
ومعنى المبادلة: دفع شيء وأخذ غيره عوضا عنه. وأتي بصيغة المفاعلة؛ لأنها لا تكون إلا بين اثنين حقيقة أو حكماً كالمحدود
(1)
.
والمراد بالعين المالية: كل جسم أبيح نفعه واقتناؤه مطلقا. أي: لا من أجل شيء لا يباح اقتناؤه إلا لذلك الشيء. فخرج بقيد المالية الخمر والخنزير والميتة النجسة ونحو ذلك.
(أو) مبادلة (منفعة مباحة مطلقا) بأن لا تختص إباحتها بحالة دون حالة. فخرج ما لو أوصى لإنسان بنفع جلد ميتة طاهرة حال الحياه مدبوغ؛ لأنه لا يجوز استعماله إلا في اليابسات.
فإنه لا يجوز له بيع هذا النفع؛ لأنه لا يباح الانتفاع به
(2)
انتفاعاً مطلقا. (بإحداهما) أي: بعين مالية أو منفعة مباحة مطلقا. والجار متعلق بمبادلة. فشمل ذلك صور:
الأولى: مبادلة عين مالية بعين مالية؛ كثوب بثوب.
الثانية: مبادلة عين مالية بمنفعة مباحة؛ كثوب بممر في دار.
الثالثة: مبادلة منفعة مباحة
(3)
بعين مالية؛ كالممر بالثوب.
الرابعة: مبادلة منفعة مباحة بمنفعة مباحة؛ كممر في دار بممر في دار أخرى. (أو) مبادلة عين مالية أو منفعة مباحة
(4)
(بمال في الذمة) من نقد أو غيره. بشرط كون هذه المبادلات (للملك)؛ ليخرج ما لو أعاره عينا بدلا عن إعارة عين أخرى.
وأن تكون (على التأبيد) بأن لم تقيد المبادلة بمدة.
(1)
في أوب: كالممدود.
(2)
في أوب زيادة: إلا.
(3)
في ج زيادة: بمنفعة مباحة.
(4)
في ب: مالية.
وبهذا القيد تخرج الإجارة. لكن دخل في هذا الحد الربا والقرض؛ لشموله لهما. فاحتيج إلى إخراجهما بقوله: (غير رباً وقرض).
ثم لما كان للبيع صورتان:
إحداهما: متفق عليها
(1)
. وهي الأيجاب والقبول.
والأخرى: مختلف فيها. وهي المعاطاة. أشير إليهما. وبُدئ بالمتفق عليها
(2)
بقوله: (وينعقد) أي: البيع مع رغبة كل واحد من المتبأيعين فيما بذل له من الآخر.
(لا) إذا وقع (هزلاً) بأن لم ترد حقيقته
(3)
، (ولا) إذا وقع (تلجِئة وأمانة. وهو) أي: بيع التلجئة والأمانة: (إظهاره) أي: إظهار البيع لاحتياجه له
(لدفع ظالم) عن البائع بالبيع (ولا يراد باطناً) فإنه لا يصح في هذين الصورتين. ويكون انعقاده من البائع (بإيجاب؛ كـ) قوله: (بعتكـ) ــه بكذا
(4)
، (أو ملّكتكـ) ـه بكذا
(5)
، (أو وليتكه) في بيع التولية، (أو أشركتك) فيه في بيع الشركة. وستأتي صورتهما في باب بيع الخيار
(6)
.
(أو وهبتكه) بكذا، (ونحوه)؛ كأعطيتكه بكذا، أو أبدلتكه بكذا، أو رضيت بهذا عوضا عن هذا.
(وقبولٌ) من المشتري؛ (كـ) قوله: (ابتعت أو قبلت أو تملكته أو اشتريته أو أخذته، ونحوه)؛ كاستبدلته على الأصح.
وعنه: يتعين بعت واشتريت لصراحتهما؛ كالنكاح.
(وصح) على الأصح (تقدم قبول) من مشتر (بلفظ أمر) بأن يقول لبائع:
(1)
في أ: عليهما.
(2)
في أ: عليهما.
(3)
في ج: حقيقة.
(4)
ساقط من ب.
(5)
ساقط من ب.
(6)
ص:109.
بعني هذا بكذا. فيقول: بعتك.
(أو) بلفظ (ماض مجرد عن استفهام ونحوه). فيصح إن قال: اشتريت منك هذا بكذا، أو ابتعته أو أخذته بكذا. فقال: بعتك. لا إن قال: أتبيعنى هذا بكذا؛ فقال: بعتك، لأنه ليس بقبول ولا استدعاء.
ولا إن قال: ليتك تبيعني
(1)
هذا بكذا، أو لعل أن تبيعني هذا بكذا. فيقول: بعتك. أو ألا تبيعني هذا بكذا؛ فيقول: بعتك؛ لأنه ليس بمجرد عن نحو استفهام.
(و) صح أيضا (تراخي أحدهما) أي: الإيجاب أو القبول عن الآخر.
(و) محل الصحة: إذا استمر (البيعان بالمجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه) أي: يقطع الكلام في البيع (عرفا)، لأن حالة المجلس كحالة العقد. بدليل أنه يكتفى بالقبض فيه لما يشترط قبضه.
ولأنهما إذا تشاغلا بما يقطعه فقد أعرضا عنه. أشبه ما لو صرحا بالرد.
(و) ينعقد أيضاً (بمعاطاة). وهذه هي الصورة الثانية المختلف فيها.
وقد نص أحمد على صحة البيع بها. وجزم بها أكثر الأصحاب " لعموم الأدلة.
ولأن الله سبحانه وتعالى أحل البيع ولم يبين كيفيته. فوجب الرجوع فيه إلى العرف، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق.
والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك.
ومن أمثلة بيع المعاطاة: (كأعطني بهذا) الدينار أو الدرهم أو الثوب (خبزا. فيعطيه ما يرضيه) وهو ساكت.
(أو يساومه سلعة بثمن. فيقول: خذها، أو) يقول: (هي لك، أو) يقول: (أعطيتكها. أو) يقول البائع: (خذ هذه) السلعة (بدرهم. فيأخذها) وهو ساكت.
(1)
في ج: لا تينك تبعني.
(أو) يقول: (كيف تبيع الخبز؛ فيقول: كذا بدرهم. فيقول: خذه أو اتزنه).
ومن المعاطاة أيضا ما أشير إليه بقوله: (أو وضع ثمنه عادة) مع علم
(1)
قدر
الثمن، (وأخذه) أي: أخذ المبيع (عقِبَه) أي: عقب وضع
(2)
الثمن من غير
لفظ من واحد منهما. وظاهر هذه الصورة ولو لم يكن المالك حاضرًا.
(ونحوه) أي: نحو هذه الصور
(3)
(مما يدل على بيع وشراء) في العادة.
وكذا الحكم في الهبة والهدية والصدقة. فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن
أحد من أصحابه استعمال إيجاب ولا قبول في شيء من ذلك.
وقد أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحبشة وغيرها.
و" كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة "
(4)
-. متفق عليه.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل
عنه أهدية أم صدقة؛ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا ولم يأكل، وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم "
(5)
.
ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب، وإنما سأل ليعلم هل هو صدقة أو هدية.
ولو كان الإيجاب والقبول شرطا في هذه
(6)
العقود لشق ذلك، ولكان أكثر
عقود المسلمين فاسدة، وأكثر أموالهم محرمة.
(1)
في أ: علمه
…
(2)
في أ: بوضع.
(3)
في ب: الصورة.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2442) 2: 911 كتاب الهبة وفضلها، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2441) 4: 1891 كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله عنها.
(5)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2437) 2: 0 91 كتاب الهبة وفضلها، باب قبول الهدية.
(6)
في أ: هذا.
] فصل: في شروط البيع].
(فصل. وشروطه) أي: شروط صحة البيع (سبعة):
أحدها: (الرضى) بالبيع. وهو: أن يبايعه اختيارا. فلا يصح إذا كانا أو أحدهما مكرها، لفوات شرطه.
(إلا من مُكره بحق)؛ كالذي يُكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه. فيصح، لأنه قولٌ حُمل عليه بحق. فصح؛ كإسلام المرتد.
الشرط (الثانى: الرُّشد). وهو: أن يكون العاقد جائز التصرف. وهو: المكلف الرشيد. فلا يصح من مجنون مطلقا، ولا من صغير ولا سفيه
(1)
؛ لأنه قول يعتبر له الرضى. فلا يصح من غير رشيد؛ كالإقرار.
(إلا في) شيء (يسير)، كباقة البقل والكبريت ونحوهما؛ لأن الحكمة
في الحَجْر عليهما خوف ضياع مالهما. وهو مفقود في اليسير.
(و) إلا (إذا أذن لمميز ولسفيه وليٌّ) لهما. ولو في كثير على الأصح. (ويحرم) الإذن لهما بالترف في مالهما (بلا مصلحة) لهما.
(أو) أذن (لقِنّ سيدٌ) فيصح.
وعلى
(2)
ما في " التنقيح" - وهو مخالف للـ" قواعد "-: ويصح من القن قبول هبة ووصيه بلا إذن سيد نصا. ويكونان لسيده.
الشرط (الثالث: كون مبيع مالاً. وهو) أي: المال شرعا: (ما يباح نفعه مطلقا) أي: في جميع الأحوال، (و) ما أبيح (اقتناؤه بلا حاجة). فخرج ما لا نفع فيه أصلا؛ كالحشرات، وما فيه منفعة محرمة، كالخمر، وما فيه منفعة
(1)
في ب: من سفيه.
(2)
في أب: على.
لا تباح إلا عند الاضطرار؛ كالميتة، وما لا يباح اقتناوه إلا للحاجة؛ كالكلب. ثم مثل المال بقوله:(كبغل وحمار) " لأن الناس يتبايعون ذلك وينتفعون
به في كل عصرمن غير نكير.
(وطير لقصد صوته)؛ كالغراب المعلم الكلام والهزار ونحوهما.
(ودود قز)؛ لأنه حيوان يجوز اقتناوه لتملك ما يخرج منه. أشبه البهائم. (وبِزْره)؛ لأنه طاهر منتفع
(1)
به. ويفارق الحشرات التي لا نفع فيها؛
لأن الحرير الذي هو أفخر الملابس لا يخرج إلا منه.
(ونحل منفرد) بدون كواراته (أو مع كُوّارته) خارجا عنها، (و) معها (فيها: إذا شوهد) حال كونه (داخلا إليها).
ويدخل ما فيها من عسل تبعا إن كان، كأساسات الحيطان.
(لا) بيع (كُوارة بما فيها من عسل ونحل)؛ للجهالة.
(وكهِرّ) معطوف على بغل
(2)
، لما في " الصحيح ": " أن امرأة دخلت
النار في هرة لها حبستها "
(3)
. والأصل في اللام الملك.
(وفيل) " لأنه حيوان يباح نفعه واقتناؤه. أشبه البغل.
(وما يصاد عليه، كبومة شِباشاً). وهو: طائر تخيط عيناه ويربط لينزل
عليه الطير.
(أو) يصاد (به؛ كديدان، وسباع بهائم) تصلح لصيد، كالفهود، (و) سباع (طير تصلح لصيد)؛ كالصقر والبازي والعقاب، (وولدها وفرخها وبيضها)؛ لأنه ينتفع بها في المال. أشبهت الجحش الصغير.
(إلا الكلب) هذا مستثنى من سباع البهائم. وتقدمت علة عدم صحة بيعه. وهي: أنه لا يباح انتفاعه إلا للحاجة.
(1)
في ج: ينتفع.
(2)
في ج: كبغل.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2236) 2: 834 كتاب المساقاة الشرب، باب فضل سقي الماء.
(وكقرد لحفظ) والحفظ من المنافع المباحة.
(وعلقٍ لمص دم) كذلك.
(ولبن آدمية) منفصل عنها، لأنه طاهر منتفع به؛ كلبن الشاة. وفيه وجه. (ويكره) بيعه. نص عليه.
(و) كـ (قن مرتد)، لحصول النفع به إلى قتله، وربما كان مقبول التوبة. فيرجع إلى الإسلام.
(ومريض) ولو مع خشية هلاكه؛ لأنها لا تمنع الصحة.
(وجانٍ) من ذكر وأنثى، لأن الجناية حق يثبت بغير رضى سيده. فلم يمنع بيعه؛ كالدين. وفيه وجه.
(وقاتل في محاربة) قد تحتم قتله، لأنه ينتفع به إلى قتله ويعتقه
(1)
فيجر ولاء ولده. وفيه وجه.-
(لا) بيع (منذور عتقه نذر تبرر)؛ كـ لله عليّ أن أعتق عبدي فلان. أو علقه بشرط؛ كإن شفى الله مريضي فلله عليّ أن أعتق عبدي فلانا
(2)
؛ لأن عتقه وجب بالنذر. فلا يجوز إبطالة ببيعه.
(ولا) بيع (ميتة ولو طاهرة)، كميتة الادمي؛ لأنها ليست بمال؛ لعدم النفع بها.
واستثنى من ذلك ما
(3)
فيه نفع بقوله: (إلا سمكا وجرادا ونحوهما) من حيوانات البحر التي لا تعيش إلا فيه ولا تحرم بالموت.
(ولا) بيع (سرجين نجس)؛ للإجماع على نجاسته.
(ولا) بيع (دهن نجس) كشحم الميتة؛ لأنه بعضها.
(1)
في أب: ولعتقه.
(2)
في ب: فلان.
(3)
في أ: لما.
(أو) دهن (متنجس) بأن طرأت عليه النجاسة؛ كزيت ماتت فيه فأرة أو نحو ذلك؛ لأنه لا يطهر بالغسل على الأصح. أشبه نجس العين.
(ويجوز أن يُستصبح بمتنجس) من الدهن (في) غير (مسجد) من غير أن يمس. أشبه الانتفاع بجلد الميتة المدبوغ في اليابسات. وفيه رواية.
(وحرُم بيع مصحف) مطلقا؛ لأن في بيعه ابتذالا له وتركا لتعظيمه.
وفيه رواية: يكره. وأخرى يباح.
وحيث حرم البيع فإنه يصح لمسلم (ولا يصح لكافر)؛ لأنه يُمنع من استدامة الملك عليه. فمنع من ابتدائه؛ كسائر ما لا يجوز بيعه.
(وإن ملكه) الكافر (بإرث أو غيره ألزم بإزالة يده عنه) خشية امتهانه. وقد
" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسافرة بالقرآن الى أرض العدو "
(1)
: مخافة أن تناله أيديهم. فلا يبقى بيد كافر.
(ولا يكره شراؤه) أي: شراء المصحف (استنقاذا) له من تبذيله، (و)
لا (إبداله لمسلم) ولو مع دراهم من أحدهما. وفيهما
(2)
رواية.
(ويجوز نسخه بأجرة) رواية واحدة.
ويجوز أن ينسخه المحدث من غير أن يحمله أو يمسه على الأصح.
(ويصح شراء كتب الزندقة، ونحوها)؛ ككتب المبتدعة (ليتلفها)؛ لأن
فيها مالية الورق، وتعود ورقاً منتفعا به بالمعالجة
(3)
.
(لا) شراء (خمر ليريقها)؛ لأن ذلك لا نفع فيه.
(1)
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ".
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2828) 3: 1090 كتاب الجهاد والسير، باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1869) 3: 1491 كتاب الإمارة، باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم.
(2)
في ب: وفيه.
(3)
في ج: لمعالجة.
الشرط (الرابع) لصحة البيع: (أن يكون) المبيع (مملوكا له) أي: لبائعه. (حتى الأسير) الذي بأرض العدو إذا باع ماله الذي بدار الإسلام؛ لنفوذ تصرفه فيه وفي ماله الذي بدار الحرب.
(أو) يكون (مأذونا له) أي: لبائعه (فيه) أي: في بيعه من مالكه أو من الشارع؛ كالأب يتصرف في مال ولده الصغير، وكالحاكم يتصرف في مال اليتيم والغائب. (وقت عقد. ولو ظناَّ) أي: ظن المالك والمأذون له (عدمهما) أي: عدم الملك والإذن له في بيعه؛ لأن الاعتبار في المعاملات بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف.
إذا تقرر هذا (فلا يصح تصرف فضولي) باع أو اشترى (ولو أجيز) تصرفه (بعد) أي: بعد البيع والشراء.
(إلا إن اشترى في ذمته ونوى) الشراء (لشخص لم يسمه) فإنه يصح على الأصح؛ لأنه متصرف في ذمته وهي قابلة للتصرف.
وعلم مما تقدم أنه إذا سماه لم يصح الشراء. وفيه وجه.
(ثم إن أجازه) أي: أجاز الشراء (من اشتري له ملكه من حين اشترى)؛
لأنه اشتري من أجله. أشبه ما لو كان الشراء
(1)
بإذنه.
(وإلا) أي: وإن لم يجزه من اشتري له (وقع) الشراء (لمشتر، ولزمه) أي: لزم المشتري؛ كما لو لم ينو غير نفسه.
وعلم مما تقدم أن المشتري ليس له تصرف فيه
(2)
قبل عرضه على من اشتري له. (ولا) يصح (بيع ما) أي: بيع معين (لا يملكه) البائع، (إلا موصوفاً) بصفات السلم و (لم يعين): فيصح (إذا قبض) المبيع (أو ثمنه بمجلس عقد. لا بلفظ سلف أو سلم) فإنه يكون سلما، ولا يصح أن يكون السلم حالا. وفيه رواية: لا يصح حتى يراه.
(1)
في أ: اشترى.
(2)
ساقط من أ.
وبيع الموصوف الذي لم يعين المتقدم ذكره مثاله: أن يقول بعتك عبدا حبشيا جنسه كذا، وسنه كذا، ورقيقا أو سمينا، وطويلا أو قصيرا. ويقدر الطول بالشبر، وأكحل أو أدعج. ويستقصى صفات السلم مما يختلف به الثمن بكذا وكذا دينار. فهذا إذا قبض البائع ثمنه بمجلس العقد أو أقبضه الموصوف بمجلس العقد صح وإلا فلا.
(والموصوف المعيّن كـ: بعتك عبدي فلانا. ويستقصي صفته بكذا) فيصح.
وفيه الرواية المتقدمة.
فهذا (يجوز التفرق) فيه (قبل قبض) أي: قبضه وقبض ثمنه؛ (كـ) بيع (حاضر) بالمجلس.
(وينفسخ عقد عليه برده لفقد صفة) يعني: إذا وجده المشتري بخلاف الصفه التي شرطها.
ويقبل قول المشتري في اختلافها؛ لأن الأصل براءة ذمة المشتري من الثمن.
(و) ينفسخ العقد فيه أيضاً (بتلف) أي: تلف المبيع (قبل قبض)؛ لزوال محل العقد.
(ولا) يصح بيع (أرض موقوفة مما فُتح عنوة ولم يقسم).
وعنه: يكره البيع، ويجوز الشراء؛ لأنه بمعنى الاستنقاذ.
وعنه: لحاجته وعياله.
وذلك (كمصر والشام وكذا العراق) لفتحه عنوة، (غير الحِيرة) منه بكسر الحاء. مدينة قرب الكوفة.
(و) غير (أُلَّيْس) منه بضم الهمزة وتشديد اللام المفتوحة بعدها ياء ساكنة
ثم سين مهملة. مدينة بالجزيرة.
(و) غير (بانِقيا) منه بموحدة مفتوحة ثم ألف ثم نون مكسورة ثم قاف ساكنة ثم مثناة من تحت.
(و) غير (أرض بني صَلُوبا) بفتح الصاد المهملة وضم اللام ثم واو ساكنة
ثم موحدة مفتوحة؛ لفتح هذه القرى المستثناة صلحاً.
(إلا المساكن) مما فتح عنوة، ومن غيرها بطريق الأولى؛ لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير. فكان كالإجماع.
(و) إلا (إذا باعها) أي: باع ما فتح عنوة (الإمام لمصلحة) رآها، مثل: أن يكون في الأرض ما يحتاج إلى عمارة ولا يعمرها إلا من يشتريها، لأن فعل الإمام كحكم الحاكم.
(أو) باع ذلك (غيره) أي: غير الإمام (وحكم به) أي: بالبيع (من يرى صحته) من المخالفين؛ لأنه حكم
(1)
في مختلف فيه. فصح بحكم الحاكم؛ كسائر المختلف فيه.
وعلة عدم صحة البيع " أن عمر رضي الله تعالى عنه وقفها على المسلمين؛ لتكون مادة لقتالهم في سبيل الله تعالى إلى يوم القيامة ". وأقرها في أيدي أربابها بالخراج
(2)
الذي ضربه أجرة لها في كل عام
(3)
.
وإنما لم يقدر مدتها، لعموم المصلحة فيها.
ولأنها لو قسمت كانت للذين افتتحوها ثم لمن انتقلت إليه عنهم.
(وتصح إجارتها) أي: إجارة الأرض الموقوفة مما فتح عنوة بشرط بيان
قدر المدة والأجرة، كسائر الإجارات.
(لا بيع ولا إجارة رباع مكة، و) لا رباع (الحرم. وهي المنازل). فإنهما
لا يصحان على الأصح، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: لخراج.
(3)
أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(152) ص: 61 كتاب فتوح الأرضين صلحا، باب فتح الأرض تؤخذ عنوة
…
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة: " لا تباع رَباعها، ولا تُكرى بيوتها ". رواه الأثرم.
وعن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مكة حرام بيع رَباعها، حرام إجارتها "
(1)
. رواه سعيد بن منصور في " سننه ".
وروي " أنها كانت. تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ذكره مسدد
في "سننه ".
و (لفتحها عنوة) على الأصح؛ لما روت أم هانئ أنها قالت: " أجَرت
حموين لي. فأراد عليٌّ أخي قتلهما. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله لِلَّهِ إنى أجرت حموين لي. فزعم ابن أمي علىٌّ أنه قاتلهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت وأمّنا من أمّنت "
(2)
. متفق عليه.
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل أربعة. فقتل منهم ابن خطل، ومقيس بن ضبابة.
فدل ذلك على أنها فتحت عنوة، وأنها لم تقسم بين الغانمين. فصارت وقفا بين
(3)
المسلمين؛ كبقاع المناسك.
(ولا) يصح بيع كل (ماء عِدٍّ) بكسر العين وتشديد الدال. وهو الذي له
مادة لا تنقطع.
وذلك (كـ) ماء (عين، ونَقع بئر) أي: الماء المستنقع فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلإ والنار"
(4)
. رواه أبو عبيد والأثرم. (ولا) يصح بيع (ما في معدن جار) على الأصح. وذلك؛ (كقار وملح ونِفْط) ومومياء؛ لأن نفعه يعم. فلم يملك ولم يجز بيعه؛ كالماء.
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 35 كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع دور مكة
…
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(5806) 5: 2280 كتاب الأدب، باب ما جاء في زعموا.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(336) 1: 498 كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى
…
(3)
في أ: على ..
(4)
أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(729) ص 271 باب حمى الأرض ذات الكلأ والماء.
(ولا نابت من كلإ وشوك، ونحو ذلك)؛ كما لو عشش في أرضه طائر،
أو دخل إليها صيد، أو نضبت عن سمك؛ لأنه لا يملكه.
(ما لم يحزه) أي: الكلأ والشوك والطير الذي عشش في أرضه والسمك الذي نضبت عنه الأرض بائعه. فإنه يملكه بالحوز لا بملك الأرض.
(فلا يدخل) شيء مما ذكر (في بيع أرض)؛ لأنه قبل حوزه مشترك بين المسلمين.
(ومشتريها) أي: مشتري الأرض (أحق به) أي: بما في الأرض؛ لكونه
في أرضه.
(ومن أخذه مَلَكه) بحوزه
(1)
.
(ويحرم دخول لأجل ذلك، بغير إذن رب الأرض إن حوطت) الأرض.
وأما تعديه فلا يمنع تملكه بالحوز؛ كما لو عشش في أرضه طائر فدخل إليه
غير رب الأرض فأخذه.
(وإلا) أي: وإن لم تحوّط (جاز) دخوله إلى الأرض (بلا ضرر) على ربها.
(وحرم) على رب الأرض (منع مستأذن) في الدخول (إن لم يحصل منه ضرر)؛ لما تقدم.
(وطُلول) في أرض مملوكه (تجنى منها النحل؛ ككلإ) في الحكم (وأولى) من الكلإ بالإباحة؛ لأن الطالب للكلإ أكثر في العادة.
(ونحل رب الأرض أحق به) أي: بما فيها من الطلول من غيره؛ لكونه في ملكه.
الشرط (الخامس) من شروط صحة البيع: (القدرة على تسليمه) أي: تسليم المبيع؛ لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم.
(1)
في أ: بحوز.
(فلا يصح بيع) قن (آبق، و) لا جمل أو نحوه (شارد). سواء علم مكانه أو جهله؛ لما روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: " أنه نهى عن بيع الغرر "
(1)
.
وفسره القاضي وجماعة بما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر. والآبق والشارد كذلك؛ لأنه متردد بين الحصول
(2)
وعدمه.
(ولو) كان بيع الآبق والشارد (لقادر على تحصيلهما)؛ للحديث السابق. (ولا) يصح بيع (سمك بماء)، لأنه غرر. (إلا) سمكا (مرئيا) لصفاء
مائه (بـ) محل (محوز يسهل أخذه منه)، كالحوض. فيصح، لأنه معلوم يمكن تسليمه. أشبه الموضوع في طست
(3)
.
(ولا) يصح بيع (طائر) بمحل (يصعب أخذه) منه؛ لأنه غرر. (إلا) إذا
كان (بـ) محل (مغلق ولو طال زمنه) أي: زمن أخذه " للقدرة على التسليم. (ولا) بيع شيء (مغصوب)، لعدم القدرة على تسليمه. (إلا لغاصبه)
على الأصح لإمكان قبضه، لأن المانع منه معدوم، (أو قادر على أخذه) " لعدم الغرر.
(وله) أي: ولمشتر ظن القدره على أخذه من غاصبه (الفسخ إن عجز)
عن أخذه من غاصبه؛ لأنه إنما صح البيع لظن القدرة على التحصيل ولم يوجد. الشرط (السادس) من شروط صحة البيع: (معرفة مبيع) على الأصح "
لأن الجهالة بالمبيع غرر.
وقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه نهى عن بيع الغرر "
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1513) 3: 1153 كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر.
(2)
في ج: حصوله.
(3)
في ج: طشت.
(4)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف كله. فلم يصح؛ كبيع النوى في التمر.
ولأنه بيع. فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع؛ كالسلم.
وقوله سبحانه وتعالى: (وأحل الله البيع)] البقرة: 275 [: مخصوص بما إذا علم المتبايعان المبيع.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا
رآه "
(1)
، والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح.
فجوابه: أن هذا الحديث يرويه عمر بن إبراهيم الكردي وهو متروك الحديث. ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه.
إذا تقرر هذا
(2)
فإن المعرفة تحصل (برؤية متعاقدين) أي: البائع والمشتري رؤية (مقارنة لجميعه) أي: جميع المبيع؛ كوجهي ثوب منقوش. (أو) مقارنة لى (بعضٍ يدل) العلم به (على بقيته) أي: بقية المبيع؛ (كـ) روية (أحد وجهي ثوب غير منقوش).
والمراد بالمقارنة: أن تقارن الرؤية العقد.
(فلا يصح) البيع (إن سبقت) الرؤية (العقد بزمن. يتغير) المبيع (فيه) تغيرا ظاهرا (ولو شكاًّ) أي: ولو كان الزمن الذي بين الرؤية والعقد يشك في تغير المبيع فيه لم يصح العقد؛ للشك في وجود شرط الصحة. والأصل عدمه.
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(10) 3: 54 كتاب البيوع.
وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 268 كتاب البيوع، باب من قال: يجوز بيع العين الغائبه. كلاهما عن أبي هريرة. قال الدارقطني: هذا باطل لا يصح. وإنما يروى عن ابن سيرين موقوفا من قوله. وجاء من طريق أخرى مرسلة عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجها ابن أبي شيبة في "مصنفه "(19970) 4: 273 كتاب البيوع والأقضيه. في الرجل يشتري الشيء ولا ينظر إليه
…
وأخرجها الدارقطني في " سننه "(8) 3: 4 وقال: هذا مرسل، وأبو بكر بن أبي مريم- أحد الرواة- ضعيف
(2)
في ب: ذلك.
وعلم مما تقدم: أن الرؤيه إذا سبقت العقد بزمن لا يتغير فيه المبيع تغيرا
ظاهرا أن البيع صحيح، لأن شرط الصحة العلم، وقد حصل بطريقه. وهو الرؤية المتقدمة. ولهذا اكتفي بالصفة المحصلة للعلم.
ويقرر ما ذكرناه ما لو رأيا
(1)
دارا ووقفا في بيت منها، أو رأيا أرضا ووقفا
في أحد طرفيها وتبايعاها صح، بلا خلاف.
(و) لا يصح عقد البيع (إن قال: بعتك هذا البغل فبان فرسا، ونحوه)؛
كما لو قال: بعتك هذا العبد فبان أمة، أو هذه الناقة فبانت جملا، للجهل بالمبيع.
(وكرؤيته) أي: وكمعرفة المبيع بالرؤية (معرفته بلمس أو شم أو ذوق)
فيما يعرف بذلك؛ لحصول العلم بحقيقة المبيع. فتحصل المعرفة إما بما تقدم ذكره، (أو وصف ما) أي: مبيع (يصح السلم فيه بما) أي: بوصف (يكفي فيه) أي: في عقد السلم.
وهو ذكر ما يختلف
(2)
به الثمن غالبا على ما يأتى في بابه
(3)
؛ لأن الوصف
فيما يصح السلم فيه يقوم
(4)
مقام الروية.
وعلم مما تقدم أن البيع
(5)
بالصفة مخصوص بما يجوز السلم فيه (فيصح بيع
أعمى وشراؤه) فيما يجوز السلم فيه بالوصف، وفيما يمكنه معرفته بغير حاسة البصر؛ كالشم واللمس والذوق. (كـ) ما يصح (توكيله) في البيع والشراء.
(ثم إن وُجد) المشتري (ما وُصف أو تقدمت رؤيته) بزمن لا يتغير فيه
المبيع في العادة تغيرا ظاهرا (متغيرا) ثانى مفعولي
(6)
وجد: (فلمشتر) وجده متغيرا (الفسخ)؛ لأن وجوده متغيرا بمنزلة العيب.
(1)
في أ: رأى.
(2)
في أ: وهو ذكره يختلف.
(3)
رباب السلم ص (190).
(4)
في ج: يقام.
(5)
في ج: المبيع.
(6)
في ب: مفعول.
(ويحلف) المشتري على الأصح (إن اختلفا) في وجود التغير؛ لأن الأصل براءة ذمة المشتري من الثمن.
(ولا يسقط) حق المشتري من الفسخ (إلا بما يدل على الرضى) بتغيره (من سَوْم ونحوه)؛ لما قد تقدم أنه بمنزلة العيب. فيكون خياره على التراخي. (لا
(1)
بركوب دابة) مبيعة (بطريق رد) إلى بائع. فإن ذلك لا يسقط خيار المشتري؛ لأنه لا يدل على الرضى بالتغير.
(وإن أسقط) المشتري (حقه من الرد فلا أرش) له في الأصح. وفارق العيب في
(2)
هذه الصورة؛ لأن خيار العيب يُثبت
(3)
للمشتري ابتداء الخيار بين الرد والأرش. فإذا أسقط حقه من الرد ملك المطالبة بالأرش، وهنا إنما يثبت له الخيار ابتداء بين الرد والإمساك فقط. فإذا أسقط حقه من الرد لم يبق له إلا الإمساك. (ولا يصح بيع حمل ببطن) إجماعاً.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن بيع الملاقيح والمضامين غير جائز.
وإنما لم يجز بيع الحمل في البطن لوجهين:
أحدهما: الجهالة. فإنه لا يعلم صفاته ولا حياته.] ولهذا لو قال: بعتك هذه الأمة الحامل وما في بطنها لم يصح؛ لأنه جمع بين معلوم ومجهول تعذر علمه. ومثل ذلك ما لو قال: بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن]
(4)
.
والثانى: أنه غير مقدور على تسليمه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن بيع حَبَل الحَبَلة "
(5)
. متفق عليه.
(1)
في ب: إلا.
(2)
في أوب: من.
(3)
في أ: ويثبت.
(4)
زيادة من ج.
(5)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2036) 2: 753 كتاب البيوع، باب بيع الغرر وحبل الحبلة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1514) 3: 1153 كتاب البيوع، باب تحريم بيع حبل الحبلة.
ومعناه نتاج النتاج. قاله أبو عبيد.
وعن ابن عمر قال: " كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل
" الحبلة. وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نتجت. فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم "
(1)
. رواه مسلم.
وروى ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المجر "
(2)
.
قال ابن الأعرابي: المجر ما في بطن الناقة، والمجر الربا، والمجر
القمار، والمجر المحاقلة والمزابنة.
(و) لا بيع (لبن بضرع)؛ لما روى ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع
صوف على ظهر أو لبن في ضرع "
(3)
. رواه الخلال وابن ماجه.
ولأنه مجهول الصفة والمقدار. فأشبه الحمل.
وأما لبن الظئر فإنما جاز للحضانة؛ لأنه موضع حاجة.
(و) لا بيع (نوى بتمر)؛ كبيض في طير.
(و) لا بيع (صوف على ظهر) على الأصح في الصوف فقط؛ لحديث ابن
عباس المتقدم. (إلا تبعا) للحامل وذات اللبن والتمر ولذي الصوف؛ لما في إفراد ذلك
بالبيع من الجهالة والغرر.
وأما دخوله تبعا فإنه يجوز كأسِّ الحائط.
ولأنه يفتقر في التبعية ما لا يفتقر في الاستقلال. بدليل بيع الشجرة التي
عليها ثمر مع الثمر قبل بدوصلاحه من غيرشرط قطع.
(ولا) يصح بيع (عَسْب فحْل). وهو ضرابه؛ لما روى سعيد بن المسيب
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1514) 3: 1154 الموضع السابق.
(2)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 341 كتاب البيوع، باب النهي عن بيع حبل الحبلة.
(3)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 340 كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بغ الصوف على ظهر الغنم
…
ولم أجده عند ابن ماجه.
عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح "
(1)
.
قال أبو عبيد: الملاقيح ما في البطون وهي الأجنة، والمضامين ما في أصلاب الفحول. وأنشد:
إن المضامين التي في الصلب ماء الفحول في الظهور الحدب
(ولا) بيع (مسك في فأر) وهو وعاؤه. ويسمى النافجة ما لم يفتح ويشاهد؛ لأنه مجهول؛ كاللؤلؤ في الصدف.
(و) لا بيع (لفت، ونحوه)؛ كجزر وفجل (قبل قلع) نصا؛ للجهالة بما يراد منه.
(ولا) يصح بيع (ثوب مطوي) ولو كان تام النسج حيب لم ير منه ما يدل على بقيته. فإن الناس لم يزالوا في جميع الأمصار والأعصار يتبايعون
(2)
الثياب المطوية ويكتفون بتقليبهم منها ما يدل على بقيتها.
ويدل لذلك قوله في " المغني ": ولو اشترى ثوبا فنشره فوجده معيبا فإن كان مما لا ينقصه النشررده.
فقوله: فنشره دليل على أنه اشتراه مطوياً. وكونه يملك رده بالعيب دليل على صحة البيع.
(أو) ثوب (نسج بعضه على أن ينسج بقيته) ولو منشورا؛ للجهالة فيهما. (ولا) يصح بيع (عطاء)] وهو قسطه من الديوان [
(3)
(قبل قبضه، ولا)
بيع (رقعة به)؛ لأن العطاء مغيب. فيكون من بيع الغرر.
وفي
(4)
بيع رقعته بعوض مقبوض رواية.
(1)
أخرجه الييهقي في " السنن الكبرى " 5: 341 كتاب البيوع، باب النهي عن بيع حبل الحبلة. عن ابن المسيب مرسلا.
(2)
في أ: يبيعون.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: وفيه.
(ولا) بيع (معدن وحجارته) قبل حوزه، (و) لا (سلف فيه) نص عليه؛ لأنه لا يدرى ما فيه. فيكون من بيع الغرر.
(ولا ملامسة)، لما ورد
(1)
من النهي عن بيع الملامسة " لورود عقد البيع
على غير معلوم.
وصورتها (كـ: بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته، أو) على أنك (إن لمسته، أو أي ثوب لمسته: فعليك بكذا ولا منابذة)، لما روى أبو سعيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة "
(2)
.
وصورة المنابذة (كـ) قوله: (متى) نبذتُ أي: طرحت إليك هذا الثوب، (أو إن نبذت هذا) الثوب إليك، (أو أيّ ثوب نبذته) إليك:(فلك بكذا)، لما فيهما من الجهالة أو التعليق. وأحدهما مفسد.
(ولا) يصح (بيع الحصاة) في الثياب، (كـ: ارمها. فعلى أيّ ثوب وقعت: ف) هو (لك بكذا.
أو) في الأرض كقوله: (بعتك من هذه الأرض، قدر ما تبلغ هذه الحصاة
إذا رميتها: بكذا)، أو يقول: بعتك هذا بكذا على أنى متى رميت هذه الحصاة فقد وجب البيع؛ لما في ذلك من الغرر والجهل وتعليق البيع على شرط؛ لما روى مسلم عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة "
(3)
.
(ولا) يصح (بيع
(4)
ما لم يعين، كعبد من عبيد، وشاة من قطيع، وشجرة من بستان)؛ لما في ذلك من الغرر والجهالة.
وفي الأصح (ولو تساوت قيمتهم) أي: قيم العبيد والشياه
(5)
والأشجار.
(1)
في ب: روي.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2040) 754:2 كتاب البيوع، باب بيع المنابذة.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1513) 3: 1153 كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر.
(4)
ساقط من ب.
(5)
في أ: والشاة.
(ولا) بيع (الجميع) أي: بيع العبيد إلا عبدًا غير معين، ولا القطيع إلا
شاة غير معينة، ولا البستان إلا شجرة غير معينة.
أو (إلا) جزءاً (غير معين) أو غير مشاع، كثلث وربع؛ لأن الاستثناء مع جهل المستثنى يفضي إلى التنازع.
(ولا) يصح بيع (شيء بعشرة دراهم، ونحوها) من ثمن يسمى فيه الدراهم (إلا ما) أي: إلا قدرًا من المبيع (يساوي درهما)؛ لجهالة المستنثى. وضابطه: أن كل ما لا يصح بيعه مفردا لا يصح استثناؤه، سوى استثناء رأس الحيوان وجلده وأطرافه؛ للأثر على ما يأتي
(1)
.
(ويصح) في الصورة المتقدمة استثناؤه (إلا بقدر درهم)؛ لأنه استثنى العشرة مما ثمنه عشرة، والتسع مما ثمنه تسعة وهكذا؛ لأنه معلوم.
(ويصح بيع ما شوهد من حيوان)؛ كقطيع مشاهد كله، (و) من (ثياب) شوهدت كلها معلقة أو غير معلقة ونحوها.
حتى (وإن جهلا) أي: البائع والمشتري (عدده) أي: عدد المبيع المشاهد؛ لعلمه بالرؤية.
(و) يصح بيع أمة (حامل بحرٍّ)؛ لأن المبيع معلوم. وجهالة الحمل لا تضر؛ لأنه قد يستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه؛ كما لو باع أمة مزوجة. فإن بيعها يصح. ومنفعة البضع مستثناة بالشرع ولا يصح استثناؤها باللفظ.
(و) يصح بيع (ما مأكوله في جوفه). سواء كان من حيوان؛ كالبيض.
أم من الثمار؛ كالرمان؛ لأن الحاجة تدعو إلى بيعه كذلك؛ لكونه يفسد إدا أخرج من قشره.
(و) يصح بيع (باقلاء، و) بيع (جوز ولوز، ونحوه)؛ كفستق (في قشرَيه)؛ لأنه مستور بحائل من أصل الخلقة. أشبه البيض.
(1)
ص (31).
(و) بيع (حب مشتد في سنبله)، لـ "أنه صلى الله عليه وسلم جعل الاشتداد غاية للمنع "
(1)
. وما بعد الغاية مخالف لما قبلها.
(ويدخل الساتر) من القشر والتبن (تبعا)، كنوى التمر إذا أبيع التمر.
أما لو استثنى القشر أو التبن لم يصح البيع، لأنه يصير كبيع النوى في التمر.
وأما بيع
(2)
التبن دون الحب قبل تصفية الحب منه فصحيح " لأنه معلوم بالمشاهدة، كما لو باع القشر دون ما داخله، أو التمر دون نواه.
(و) يصح بيع (قفيز من هذه الصبرة، إن تساوت أجزاؤها) احترازا من صبرة بقال القرية، (وزادت عليه) أي: على القفيز، وإلا لم يصح للإتيان بـ " من " الدالة على التبعيض.
وإنما صح البيع لتساوي أجزائها وزيادتها على القفيز؛ لأن المبيع حينئذ مقدر معلوم من جملة متساوية الأجزاء. أشبه ما لو باع منها جزءاً مشاعاً. والصبرة: الكومة المجموعة من الطعام. سميت صبرة؛ لإفراغ بعضها
على بعض، ومنه قيل للسحاب فوق السحاب: صبير.
(و) يصح بيع (رطل من دنٍّ، أو) رطل (من زُبْرة حديد، ونحوه) أي:
نحو الحديد؛ كالنحاس والرصاص وشبههما.
(وبتلف) ما في الدن أو تلف الزبرة الحديد أو نحوها (ما عدا قدر مبيع)
من التالف: (يتعين) أي: يكون الباقي مبيعاً.
(ولو فرق قفزانا) من جنس واحد، (وباع) منها (واحدا مبهما) أو أكثر
(مع تساوي أجزائها) أي: أجزاء القفزان: (صح) البيع في الأصح.
(و) يصح بيع (صُبْرة جزافا مع جهلهما) أي: جهل المتبايعين مقدارها.
نص عليه أحمد.
(1)
عن أنس " أن النبي عن نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد" أخرجه أبو داود في " سننه "(3371) 3: 253 كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
(2)
ساقط من أ.
ودل عليه حديث ابن عمر وهو قوله: " كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً. فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه "
(1)
. متفق عليه. (أو) مع (علمهما) أي: علم البائع والمشتري مقدارها. سواء تساوت أجزاؤها أو اختلفت في الأصح.
ولأنه إذا صح البيع مع جهلهما قدرها فمع علمهما أولى.
(ومع علم بائع) مقدارها (وحده يحرم) على البائع بيعها جزافاً. نص عليه؛ لما روى الأوزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عرف مبلغ شيء فلا يبعه جزافا حتى يبينه ".
قال القاضي: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كميته.
ولأن البائع لا يعدل إلى البيع جزافا مع علمه بقدر الكيل إلا للتغرير ظاهراً.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا "
(2)
. فصاركتدليس العيب.
(ويصح) العقد مع الحرمة؛ لأن المبيع معلوم بالمشاهدة.
ولأنه إذا صح البيع مع جهلهما بمقدار الصبرة. فمع العلم من أحدهما أولى. (ولمشتر) اشترى صبرة جزافا مع علم البائع مقدارها ولم يبينه لمشتر (الرد)؛ لأن كتم البائع عن المشتري مقدارها غش وغرر. فصح العقد معه، وثبت للمشتري الخيار.
(وكذا مع علم مشتر وحده) بمقدارها.
ويحرم عليه إذا كتمه عن البائع.
(ولبائع الفسخ) لتغرير المشتري له بعدم تبيين مقدارها؛ لأن الجاهل منهما
(1)
أخرجه البخاري في " صمحيحه "(2017) 2: 747 كتاب البيوع، باب ما ذكر في الأسواق.
واخرجه مسلم في " صحيحه "(1527) 3: 1161 كتاب البيوع، باب بطلان المبيع قبل القبض.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2225) 2: 749 كتاب التجارات، باب النهى عن الغش.
مع علم الآخر مغرور؛ لأن العالم منهما بقدر الكيل لا يعدل إلى البيع جزافا إلا للتغرير.
ويحرم على البائع أيضا حمل الصبرة على زبرة أو حجر أو غيرهما مما ينقصها.
وإذا وجد المشتري ذلك ولم يكن علم به فله الخيار بين الفسخ أو أخذ تفاوت ما بينهما؛ لأنه عيب.
وإن بان تحتها حفرة ولم يكن البائع علم بذلك فله الفسخ، كما لو باعها بكيل معهود ثم وجد ما كال به زائدًا عنه.
ومن باع صُبْرة جزافا بعشرة مثلاً على أن يزيده قفيزا أو ينقصه قفيزا لم يصح؛ لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه.
ولو قال: علي أن أزيدك قفيزا وأطلق: لم يصح " لأن القفيز مجهول.
وإن قال: عليَّ أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى، أو وصفه بصفة تكفي في السلم صح؛ في ن معناه: بعتك هذه الصبرة وقفيزاً من هذه الأخرى بعشرة دراهم.
وإن قال: علي أن. أنقصك قفيزا لم يصح؛ لأن معناه بعتك هذه الصبرة إلا قفيزا، كل قفيز بدرهم وشيء مجهول.
وإن قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة الأخرى لم يصح؛ لإفضائه إلى جهالة الثمن في التفضيل؛ لأنه يصير قفيزا وشيء بدرهم، وهما لا يعرفانه؛ لعدم معرفتهما بكمية ما في الصبرة من القفزان. ولو قصد أنى أحط ثمن قفيز من الصُبرة لا أحتسب به: لم يصح، للجهالة التي ذكرناها.
(و) يصح بيع (صبرة علم قفزانُها إلا قفيزا) على الأصح؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن الثنيا إلا أن تعلم "
(1)
. وهذه ثنيا معلومة.
(1)
أخرجه مسلم في "صحيحه "(1536) 3: 1175 كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة
…
وأخرجه أبو داود في " سننه "(3405) 3: 262 كتاب البيوع، باب في المخابرة.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3880) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع. كلهم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
وكذا لو قال: بعتك قفيزا من هذه الصُبْرة إلا مكُّوكاً، لأن القفيز معلوم والمكوك معلوم.
وكذا لو استثنى من الصبرة جزءا مشاعا كثلثها أو ربعها.
(لا) بيع (ثمرة شجرة إلا صاعا) للجهالة بآصعها. وهي تؤدي إلى جهالة
ما يبقى بعد الصاع المستثنى.
(ولا) بيع (نصف داره الذي يليه) أي: يلي المشتري " لأنه لا يعلم إلى
أين ينتهي قياس النصف. فيؤدي إلى الجهالة، كما لو باعه
(1)
عشرة أذرع من أرض أو ثوب. وعين الابتداء ولم يعين الانتهاء. نص على ذلك.
(ولا) بيع (جريب من أرض أو ذراع من ثوب مبهما)، لأنه لا معينا
ولا مشاعا.
(إلا إن علما ذرعهما) أي: ذرع الأرض والثوب: فيصح. (ويكون مشاعا). وقيل: إن نقص القطع الثوب لم يصح.
(ويصح) استثناء الجريب من الأرض والذراع من الثوب إذا كان المستثنى (معينا بابتداء وانتهاء معا)، لكون الثنية هنا معلومة.
(ثم إن نقص ثوب بقطع وتشاحَّا) أي: المتبايعين (كانا شريكين) في الثوب ولا فسخ. ولا يقطع بل يباع ويقسم ثمنه على قدر حصة كل منهما. (وكذا خشبة بسقف وفص بخاتم) أبيعا ونقص القلع السقف والخاتم في الأصح.
(ولا يصح استثناء حمل مبيع) من آدمية أو بهيمة مأكولة أو غيرها، (أو شحمه) أي: شحم مأكول، (أو رطل لحم أو شحم) من مأكول.
أما عدم صحة استثناء اللحم والشحم، فلأنهما مجهولان، وقد نهي عن
(1)
في أ: باع.
الثنيا إلا أن تعلم.
وأما عدم صحة استثناء الرطل من اللحم أو من الشحم؛ فلجهالة ما يبقى بعدهما.
وكذا لا يصح استثناء كسب سمسم مبيع ولا شيرجه؛ لجهالته.
(إلا) إذا استثنى (رأس) حيوان (مأكول) مبيع، (وجلده وأطرافه) فإنه يصح. نص عليه؛ لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مروا براعي غنم. فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها ".
وقال مالك: يصح ذلك في السفر دون الحضر؛ لأن المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسواقط فجُوّز له شراء اللحم دونها.
(ولا يصح استثناء ما لا يصح بيعه مفردًا؛ إلا في هذه) الصورة. وكون ذلك لا يصح إفراده بالبيع لا يمنع صحة استثنائه، كما أن الثمرة قبل التأبير لا يجوز إفرادها بالبييع بشرط التبقية، ويجوز استثنائها بشرط التبقية. وإنما لم يصح بيع هذا المستثنى مفرداً؛ لعدم اعتياده
(1)
.
ولأن الاستثناء استبقاء
(2)
. وهو يخالف العقد المبتدأ لجواز استبقاء
(3)
المتاع في الدار المبيعة إلى رفعه المعتاد، وبقاء ملك النكاح على المعتدة من غيره والمرتدة.
(ولو أبى مشتر ذبحه ولم يشترط) أي: يشترطه
(4)
البائع عليه (لم يجبر) على ذبحه، (وتلزمه قيمة ذلك) أي: قيمة المستثنى. قاله أحمد (تقريبا). وقد علم مما تقدم أنه إذا اشترط البائع على المشتري ذبحه] لزمه
(1)
في أ: اعتبار.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: استثناء.
(4)
في أ: يشرطه.
ذبحه [
(1)
ودفع المستثنى للبائع؛ لأنه إنما دخل على ذلك فالتسليم مستحق عليه. (وله) أي: للمشتري (الفسخ) أي: فسخ البيع (بعيب يختص المستثنى) بأن يجد في رأسه أو في أطرافه أو جلده عيبا. ذكره في " الفنون ". قال في " الفروع ": ويتوجه لا.
الشرط (السابع) من شروط صحة البيع: (معرفتهما) أي: المتبايعين
(لثمن حال عقد)؛ لأنه أحد العوضين. فاشترط العلم به، كالمبيع، وكرأس مال السلم، حتى (ولو) كان علمهما الثمن (بمشاهدة)، كالصبرة من الدراهم أو من الفلوس أو من غيرهما.
(وكذا) أي: وكالثمن في اشتراط العلم به في بييع (أجرة) في إجارة؛ للعلة المتقدمة.
(فيصحان) أي: البيع والإجارة إذا وقع العقد فيهما على ثمن أو أجرة (بوزن صنجة وملء كيل مجهولين) في العرف ويعرفهما المتعاقدان " كأن يقول: بعتك هذه الدار بوزن هذا الحجر، أو هذه الخشبة دراهم، أوبملء هذا الوعاء أو هذا الكيس دراهم.
(وبصبرة) مشاهدة من دنانير أو دراهم أو فلوس أو غير ذلك لا يعلمان عددها ولا وزنها أو كيلها.
(وبنفقة عبده) فلان أو أمته فلانة (شهراً) أو سنة أو زمناً معينا قل أو كثر. (ويرجع) مشتر على بائع (مع تعذر معرفة) قدر (ثمن) باًن يكون صُبرة فتتلف، أو تختلط بما لا يتميز منه، أو بوزن صنجة لا عرف لها فتتلف. (في فسخ) للعقد بعيب يجده في المبيع أو غير ذلك مما يقتضي رد الثمن (بقيمة مبيع)؛ لأن الغالب في الأثمان أن تكون قيمة ما أبييع بها أو بغيرها.
(ولو أسرَّا ثمناً بلا عقد) بأن قالا نعقده ظاهراً بخمسة عشر والثمن حقيقة
(1)
ساقط من أ
عشرة، (ثم عقداه) ظاهراً (بآخر) وهو الخمسة عشر (فالثمن) الواجب على المشتري (الأول) الذي أسراه بلا عقد وهو العشرة، لأن المشري إنما دخل عليه فقط. فلم يلزمه الزائد.
(ولو عُقد) البيع (سراً بثمن) معين (ثم) عقد (علانية بأكثر) من الأول -
وظاهره ولو من غير جنسه أو بعد لزومه - (فكنكاح). ذكره الحلوانى واقتصر
عليه في " الفروع ".
قلت: (والأصح) في هذه المسألة (قول المنقح) في " تنقيحه ": (الأظهر
أن الثمن هو الثاني إن كان في مدة خيار، وإلا فالأول. انتهى).
وهو الأظهر كما قال. ويؤيده ما قاله الأصحاب، ويأتي في باب الخيار
(1)
من أن
(2)
ما يزاد في ثمن أو مثمن أو يُحط منهما، أو يزاد في أجل أو خيار، أو
ينقص منهما زمن خيار المجلس أو خيار الشرط: يلحق به
(3)
ويخير به في البيع
بتخيير الثمن. وأن ما بعد ذلك لا يخير به.
(ولا يصح) البيع (برقم) وهو القدر المكتوب على السلعه المباعة
(4)
إن
كان أحدهما لا يعلم ما هو مكتوب عليها، للجهالة به
(5)
حالة العقد.
(ولا) يصح البيع أيضاً إن قال: بعتك هذه السلعة (بما باع) به (زيد).
وأحدهما لا يعلم قدر ما باع به زيد، للجهالة حال العقد. (إلا إن علماهما)
أي: علم المتعاقدان بالرقم الذي على السلعة وقدر الثمن الذي باع به زيد.
والمراد علمهما حال العقد.
(ولا) يصح البيع (بألف درهم ذهبا وفضة)، لأن مقدار جنس كل منهما
(1)
ص:118.
(2)
في ب: أنه.
(3)
في هامش أ: قوله: يلحق به. ويجاب عنه: بأن الزيادة هناك مرادة وهنا غير مرادة باطنا وإنما ظهرت تجملا. وكبيع في ذلك إجارة بشيء.
(4)
في ج: المبا حة.
(5)
في ب: بها.
مجهول. فلم يصح " كما لو قال: بعضها ذهب وبعضها فضة.
ولأنه بيع غرر. فيدخل في عموم النهي عن بيع الغرر.
وكذا إذا قال: بألف ذهبا وفضة .. ولم ياًت بلفظ درهم ولا دينار.
(ولا) يصح بيع (بثمن معلوم ورطل خمر) أو وكلب أو وجلد ميتة نجس "
لأن كلا من ذلك لا قيمة له، وما لا قيمه له لا ينقسم عليه البدل. أشبه ما لو كان
الثمن كله من ذلك.
(ولا) يصح البيع (بما ينقطع به السعر) أي: يقف عليه.
(ولا كما يبيع الناس)، لجهالته حال العقد في الصورتين.
(ولا بدينار) مطلق، (أو درهم مطلق. وثَم) في البلد (نقود متساوية
رواجا) " لتردد الدينار أو الدرهم بينهما. ورده إلى أحدهما والحالة هذه ترجيح
من غير مرجح. فيكون مجهولا.
(فإن لم يكن) في البلد (إلا) نقد (واحد أو غلب أحدها) أي: أحد
النقود
(1)
: (صح) العقد (وصرف) الدينار المطلق أو الدرهم المطلق (إليه)
أي: إلى نقد البلد، أو إلى النقد الغالب فيها.
(ولا) يصح البيع إن وقع (بعشرة صحاحاً او إحدى عشرة مكسَّرة.
ولا) إن وقع (بعشرة نقدًا أو عشرين نسيئة. إلا إن تفرقا) أي: المتعاقدين
(فيهما) أي: في الصورتين المذكورتين (على أحدهما) أي: أحد الثمنين في
كل صورة.
ووجه عدم صحة البيع في الصورتين؛ " لأن النبي
(2)
صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في
بيعة"
(3)
.
(1)
في ج: هذه النقود.
(2)
في هامش ب: لعله أن النبي.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(559) 1: 212 كتاب مو اقيت الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس.
وأخرجه الترمذي في "جامعه "(1231) 3: 533 كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة.
وأخرجه النسائي في " سننه "(4632) 7: 295 كتاب البيوع، بيعتين في بيعه. كلهم عن أبي هريرة.
وهذان الصورتان هما ذلك. كذلك فسره مالك والثوري وإسحاق، ومذهب أكثر أهل العلم؛ لأنه لم يجزم له ببيع واحد. أشبه ما لو قال: بعتك أحد هذين.
ولأن الثمن مجهول. أشبه البيع بالرقم المجهول.
(ولا) يصح البيع (بدينار إلا درهما) نصا. نقله أبو طالب.
(ولا بمائة درهم إلا دينارًا، أو إلا قفيز بر، أو نحوه) أي: ونحو
(1)
هذا الاستثناء، لأنه قصد استثناء قيمة الدرهم من الدينار، وقيمة الدينار من المائة درهم، وقيمة القفيز من الدراهم. وذلك غير معلوم، واستثناء المجهول من المعلوم يصيّره مجهولا.
(ولا) يصح البيع إذا قال: بعني هذا (بمائة على أن أرهن بها) أي: بالمائة المذكورة (وبالمائة التي لك هذا) الشيء؛ لأن الثمن مجهول؛ لكونه جعله مائة ومنفعة، هي وثيقه بالمائة الأولى، وتلك المنفعة مجهولة.
ولأنه شرط عقد الرهن بالمائة الأولى. فلم يصح، كما لو أفرده، أو كما لو
باعه داره بشرط أن يبيعه الآخر
(2)
داره.
ولو كان مكان البيع قرض فقال: أقرضني ألفا بشرط أن أرهنك
(3)
عبدي هذا
بألفين: فالقرض باطل؛ لأنه قرض يجر منفعة، وهي الاستيثاق بالألف الأولى، وإذا بطل القرض بطل الرهن.
(ولا) يصح أن يبيع (من صُبرة أو ثوب أو قطيع كل قفيز أو ذراع أو شاة بدرهم)؛ لأن " من " للتبعيض، و " كل " للعدد فيكون ذلك العدد منها مجهولا. فلم يصح في الأصح.
(1)
في ج: أو نحو.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: أرهن.
(ويصح بيع الصُبرة، أو) بيع (الثوب، أو) بيع (القطيع كل قفيز) من الصُبرة بدرهم، (أو) كل (ذراع) من الثوب بدرهم، (أو) كل (شاة) من القطيع (بدرهم) وإن لم يعلما قدر قفزان الصبرة، أو قدر ذرع الثوب، أو عدد شياه القطيع حال العقد، لأن المبيع معلوم بالمشاهدة، والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهته لا يتعلق بالمتعاقدين وهو كيل الصبرة وذرع الثوب وعدد القطيع. فجاز، كما لو باع ما رأس ماله اثنان وسبعون مرابحة، لكل ثلاثة عشر درهما درهم فإنه لا يعلم في الحال وإنما يعلم بالحساب. كذا هاهنا. ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة، والثمن معلوم قدر ما يقابل كل جزء من المبيع. فصح.
(و) يصح بيع (ما بوعاء) من مائع أو جامد (مع وعائه موازنة كل رطل بكذا مطلقا) يعني: سواء علما مبلغ كل واحد من الوعاء والذي فيها أو لا " لأنه قد رضي أن يشتري الظرف كل رطل بكذا وما فيه كذلك. فأشبه ما لو اشترى ظرفين في أحدهما سمن وفي الآخر زيت كل رطل بدرهم. فقال القاضي: لا يصح، لأن وزن الظرف يزيد وينقص. فيدخل على غرر.
والأول أصح، لأن بيع كل واحد منهما صحيح. فكذا إذا جمعهما؛ كالأرض المختلفة الأجزاء ونحوها.
(و) يصح أيضا بيع ما بوعاء (دونه) أي: دون الوعاء (مع الاحتساب بزنته) أي: زنة الوعاء (على مشتر).
ومحل الصحة: (إن علما مبلغ كل منهما) أي: من الوعاء ومما فيه؛ لأنه
إذا علم أن الذي في الوعاء من دهن أو غيره عشرة أرطال، وأن زنة الوعاء رطلان، وكان الثمن كل رطل بدرهم صار كأنه قال: بعتك العشرة أرطال الذي في الوعاء باثني عشر درهماً.
وإن كانا لا يعلمان زنة كل منهما لم يصح البيع؛ لأنه يؤدي إلى جهالة الثمن
في الحال.
(و) يصح بيع كل مظروف لا يختلف؛ كالمائع المشاهد في ظرفه (جزافا
مع ظرفه، أو) ما في الظرف (دونه) أي: دون ظرفه بثمن معلوم.
(أو) موازنة (كل رطل بكذا، على أن يسقط منه) أي: مما يبلغ- وزنهما
(وزن الظرف). ويصير
(1)
كأنه قال: بعتك ما في هذا الظرف كل رطل بكذا.
قال في " الفروع ": وإن باعه إياه في ظرفه كل رطل بكذا على أن يطرح منه
وزن الظرف صح، وفاقا لأبي حنيفة ومالك والشافعي.
قال صاحب " المحرر ": لا نعلم فيه خلافا. مع أنه ذكر ما ذكره صاحب
" الحاوي " من الشافعية إذا باعه جامدا في ظرفه كدقيق وطعام موازنة على شرط حط الظرف: في جوازه وجهان لهم. وذكر أيضا قول حرب لأحمد: الرجل يبيع الشيء في الظرف مثل: قطن في جوالق فيزنه ويلقي للظرف
(2)
كذا وكذا قال: أرجو أن لا بأس به، ولا بد للناس من ذلك.
(ومن اشترى زيتا أو نحوه) من الأدهان (في ظرف. فوجد فيه رُبًّا)، أو
نحوه؛ كالعسل (صح) البيع (في الباقي) من الزيت أو نحوه (بقسطه) من الثمن. أشبه ما لو اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانب تسعة.
(و) لكن (له الخيار) لتبعيض الصفقة في حقه. (ولم يلزمه) أي: يلزم
البائع للمشتري (بدلُ الرُّب). سواء كان عنده من جنس المبيع أو لم يكن. فإن تراضيا على إعطائه بدله جاز.
(1)
في ج: ويصح.
(2)
في ج: الظرف.
فصل في تفريق الصفقة
(وهي: أن يجمع بين ما يصح بيعه وما لا يصح) في صفقة واحدة بثمن واحد. ولذلك ثلاث صور:
إحداها: أن يجمع بين معلوم ومجهول. وفي ذلك تفصيل أشير إليه بقوله: (من باع معلوما ومجهولا لم يتعذر علمه) في صفقة واحدة: (صح) البيع (في المعلوم بقسطه) من الثمن. (لا إن تعذر) علم المجهول، (ولم يبين ثمن المعلوم)؛ كقوله
(1)
: بعتك هذا الفرس وما في بطن هذه
(2)
الفرس الأخرى: فلا يصح؛ لأن المجهول لا يصح بيعه؛ لجهالته. والمعلوم مجهول الثمن. ولا سبيل إلى معرفته؛ لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما
(3)
والمجهول لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط.
الصورة الثانية: أن يبيع نصيبه ونصيب شريكه بغير إذنه. وإلى ذلك أشير بقوله: (ومن باع جميع ما يملك بعضه، صح) البيع (في ملكه) فقط (بقسطه) في الأصح؛ لأن كل واحد من الملكين له حكم لو كان منفرداً. فإذا جمع بينهما ثبت لكل واحد حكمه؛ كما لو باع شقصاً وسيفاً.
ولأن ما يجوز فيه البيع قد صدر فيه من أهله بشرطه. فصح؛ كما لو انفرد. (ولمشتر الخيار) بين الرد والإمساك (إن لم يعلم) بالحال؛ لأن الصفقة تبعضت عليه.
(و) له (الأرش) أيضاً (إن أمسك فيما) أي: في شيء (ينقصه تفريق)؛ بهما لو كانت الصفقة مشتملة على زوجَيْ خفّ أو نحوهما إحداها ملك
(1)
في ج: كقولك.
(2)
في أ: هذا.
(3)
في أ: عليه.
البائع والآخر ملك لغيره. ويختار المشتري الإمساك في التي في ملك البائع
وكانت قيمتها] منفردة درهمين وقيمتها [
(1)
مجتمعه
(2)
ثمانية دراهم وكان ذلك
قدر الثمن الذي أبيعتا به فإنه يمسكها بقسطها من الثمن وهو أربعة وله أرش نقص التفريق
(3)
درهمان فتستقر له بدرهمين.
الصورة الثالثة ما أشير إليه بقوله: (وإن باع قنه مع قن غيره بلا إذنه، أو)
باع قنه (مع حر، أو) باع (خلا مع خمر: صح في قنه) الذي باعه مع قن غيره
أو مع حر بقسطه. (و) صح (في خل) باعه مع الخمر (بقسطه) من الثمن على
الأصح نصا. نقل صالح عن أحمد: فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما حراً:
رجع بقيمته من الثمن.
ولأنه متى سمى ثمنا في مبيع فسقط
(4)
بعضه لا يوجب ذلك جهالة تمنع
الصحة.
(ويقدر خمر خلا)، كالحر يقدر عبدا. (ولمشتر الخيار) بين إمساك القن
أو الخل بقسطه وبين رد البيع؛ لتبعيض الصفقة عليه.
(وإن باع) إنسان يصح بيعه (عبده وعبد غيره بإذنه) بثمن واحد، (أو)
باع (عبديه
(5)
لاثنين) بثمن واحد، (أو اشترى عبدين من اثنين، أو) من (وكيليهما بثمن واحد: صح، وقسط) الثمن (على قيمتيهما) في الأصح فيما
فيه الخلاف من ذلك، لأن جملة الثمن معلومة. فصح العقد والتقسيط؛ كما لو
كان لرجل واحد، وكما لو باعا عبداً واحداً.
(وكبيع إجارة). فلو أجر
(6)
داره ودار غيره بإذنه بأجرة واحدة، أو أجر
(1)
زيادة من ج.
(2)
في أوب: مجتمعين.
(3)
في ج: للتفريق.
(4)
في ب: فقسط.
(5)
في ج: عبدين.
(6)
في أ: أجار.
داره لاثنين بأجرة واحدة، أو استاً جر دارين من اثنين بأجرة واحدة: صح العقد، وقسطت الأجرة المسماة فيه على أجرة المثل عن كل من الدارين.
(وإن جمع) في عقد واحد (بين بيع وإجارة، أو) بين بيع و (صرف أو
خلع، أو) بين بيع و (نكاج بعوض واحد: صحا) أي: البيع وما جمع معه على الأصح؛ لأن اختلاف العقدين لا يمنع الصحة؛ كما لو جمع بين ما فيه شفعة وما لا شفعه فيه. (وقُسِّط عليهما) العوض.
(و) إن جمع (بين بيع وكتابة) بأن كاتب عبده وباعه شيئاً صفقة واحدة؛
مثل: أن يقول لعبده
(1)
: بعتك هذا الشيء وكاتبتك بمائة كل شهر عشره: (بطل) البيع؛ لأنه باع ماله لماله. فلم يصح؛ كبيعه إياه من غير كتابة. (وصحت) الكتابة على الأصح.
(ومتى اعتبر قبض) في المجلس (لـ) صحة (أحدهما) أي: العوضين
(2)
؛ كما لو باع عبداً وحلي ذهب بدراهم صفقة وافترقا
(3)
قبل التقابض: بطل العقد في الحلي بقسطه من الدراهم. و (لم يبطل) العقد (الآخر) الذي على العبد (بتأخُّره) أي: تأخر القبض عن المجلس، ويأخذ المشتري العبد بقسطه من الثمن. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ج: العبد.
(2)
في ب: لصحة أحد العقدين.
(3)
في ج: وافتراقاً.
] فصل: في موانع صحة البيع]
(فصل. ولا يصح بيع) ممن تلزمه جمعة (ولا شراء ممن تلزمه جمعة،
بعد ندائها) أي: نداء الجمعة (الذي عند المنبر) عقب جلوس الإمام على المنبر؛ لأنه الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتعلق الحكم به؛ لقوله سبحانه وتعالى: (يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكرالله وذروا البيع)] الجمعة: 9].
ويحرمان للنهي وهو يقتضي الفساد.
ولأن أحد شقي العقد كالشق الآخر.
قال (المنقح: أو قبله لمن منزلُه بعيد بحيث إنه يدركها. انتهى).
يعني: أن من منزله بعيد عن الجمعة لا يصح منه بيع ولا شراء قبل ندائها الذي عند المنبر، إذا كان ذلك في وقت بحيث إنه يدرك الجمعة بعد النداء الذي عند المنبر، إذا غدا إليها في ذلك الوقت. وهذا على الأصح.
ومعنى ذلك في " المستوعب ". وعبارته: ولا يصح البيع في وقت لزوم السعي إلى الجمعة. انتهى.
ويستثنى من ذلك صور أشير إليها بقوله: (إلا من حاجة؛ كمضطر إلى طعام أو شراب) وجده (يُباع. و) كـ (عريان وجد سترة. و) كـ (كفن ومؤنة تجهيز لميت خيف فسادُه بتأخر. و) كـ (وجود أبيه، ونحوه)؛ كأمه وأخيه (يباع مع من لو تركه لذهب) به. (و) كشراء (مركوب لعاجز) عن المشي إلى موضع الجمعة. (أو ضرير عدم قائدا) إلى موضع الجمعة، (ونحوه)؛ كشراء ماء للطهارة إن لم يجدغيره.
(وكذا) أي: وكالبيع والشراء بعد نداء الجمعة الذي عند المنبر (لو تضايق وقت مكتوبة)؛ لوجود المعنى الذي منع المكلف من أجله البيع والشراء بعد نداء الجمعة.
وعلم من قوله: بيع ولا شراء: أنه لو كان أحد المتعاقدين تلزمه الصلاة التي من أجلها
(1)
منع من البيع والشراء، والآخر لا تلزمه، كالعبد والمرأة إذا باعا أو شريا ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها: أنه لا يصح البيع في الأصح. وكذا إذا وجد الإيجاب قبل النداء والقبول بعده.
(ويصح) بعد نداء الجمعة (إمضاء بيع خيار) في الأصح، (و) كذا (بقية العقود) في الأصح، كالقرض والرهن والضمان والنكاح.
وفي " شرح المقنع ": كا لإجارة والصلح ونحوهما.
(وتحرم مساومة ومناداة) بعد نداء الجمعة، لأنهما وسيلتان إلى البيع.
ويباح البيع لمن لا تلزمه الجمعة بعد ندائها في الأصح.
وقيل: يكره.
(ولا يصح بيع عنب أو عصير لمتخذه خمرًا.
ولا) بيع (سلاح، ونحوه)، كالدرع والترس (في فتنة، أو لأهل الحرب) على الأصح، (أو قطاع طريق ممن علم ذلك) من مشتريه (ولو بقرائن.
ولا مأكول ومشروب ومشموم وقدح لمن يشرب عليه) أي: على المأكول والمشروب والمشموم مسكرًا. (أو به) أي: يشرب بالقدج (مسكرًا
(2)
. وجوز وبيض، ونحوهما)؛ كبندق (لقمار.
و) لا بيع (غلام وأمة لمن عرف بوطء دبر أو) لأجل (غناء) في الأصح، لقول الله
(3)
سبحانه وتعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)] المائدة: 2].
ولأن ما ذكرنا عقد على عين لمعصية الله تعالى بها. فلم يصح العقد؛ كإجارة الأمة للزنا والغناء.
ولأن التحريم هنا لحق الله تعالى. فأفسد العقد؛ كبيع الربا.
(1)
في ج: أجل ما.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في أ: لقوله.
(ولو اتُّهم بغلامه) أي: بوطئه إياه في دبره، (فدبَّره أو لا) يعني: أو لم يدبره، لأن التدبير لا يمنع بيعه (وهو فاجر مُعْلن) بفجوره:(أحيل بينهما) أي: بين الرجل وغلامه، (كمجوسي تسلم أخته ويخاف أن يأتيها) يعني: فإنه يحال بينه وبينها.
قال في " الفروع ": ومن اتهم بغلامه فدبره فنقل أبو داود: يحال بينهما إذا
كان فاجراً معلنا، وهذا كما نقله أبو داود في المجوسي تسلم أخته يحال بينهما إذا خافوا عليه يأتيها. انتهى.
(ولا) يصح بيع (قن مسلم لكافر لا يعتق عليه) أي: على الكافر، لأنه
يمنع من استدامة ملكه عليه. فمنع ابتداؤه، كالنكاح. أو عقد يثبت الملك للكافر على المسلم. فلم يصح، كالنكاح.
وإنما ملكه بالإرث، وبقي ملكه عليه إذا أسلم في يده
(1)
" لأن الاستدامة أقوى من الابتداء بالفعل والاختيار. بدليل ثبوت الملك بهما للمحرم في الصيد مع منعه من ابتدائه. فلا يلزم من ثبوت الأقوى ثبوت ما دونه مع أنا نقطع الاستدامة عليه بإجباره على إزالتها.
وأما إن كان العبد المسلم يعتق على الكافر بالقرابة فإنه يصح شراؤه له على الأصح؛ لأن ملكه لا يستقر عليه، وإنما يعتق بمجرد ذلك في الحال، ويزول الملك عنه بالكلية، ويحصل له من نفع الحرية أضعاف ما حصل له من الإهانة بالرق في لحظة يسيرة.
(وإن أسلم) عبد كافر (في يده) أي: يد الكافر (أُجبر على إزالة ملكه)
عنه " لأنه لا يجوز استدامة الملك للكافر على المسلم إجماعا.
(ولا تكفي كتابته) في الأصح، لأن الكتابة لا تزيل ملك السيد عن المكاتب.
وقال القاضي: له كتابته.
(1)
في أوب: يديه.
(ولا) يكفي (بيعه بخيار)؛ لعدم انقطاع علقه عنه.
(وبيعٌ) بالتنوين (على بيع مسلم) محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يبع بعضكم على بيع بعض "
(1)
.
وذلك (كقوله لمشتر شيئاً بعشرة): أنا (أعطيك مثله بتسعة.
و) كذا (شراء عليه) أي: على شراء مسلم. وذلك (كقوله لبائع شيئا بتسعة: عندي فيه عشرة زمن الخيارين) أي: خيار المجلس وخيار الشرط ليفسخ البيع ويعقد معه؛ لأن الشراء في معنى البيع.
ولأن الشراء يسمى بيعا. وذلك لما فيهما من الإضرار بالمسلم والإفساد عليه. (وسومٌ) بالتنوين (على سومه) أي: على سوم المسلم (مع الرضى) من
البائع (صريحاً: محرم)؛ لما روي عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَسُمْ الرجل على سَوْمِ أخيه "
(2)
.
وعلم مما تقدم أن السوم على سوم المسلم مع عدم رضى البائع لا يحرم؛
لما روى أنس " أن رجلا من الأنصار شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الشدة والجهد. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما بقي لك شيء؛ قال: بلى قدح وحلس. قال: فأتني بهما. فأتاه بهما. فقال: من يبتاعهما؟] فقال رجل: أخذتهما بدرهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهم، من يزيد على درهم. فأعطاه رجل درهمين فباعهما [
(3)
منه "
(4)
. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
(1)
أخرجه النسائي في سننه " (4496) 7: 256 كتاب البيوع، بيع الحاضر للبادي.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(8924) 2: 380 كلاهما عن أبي هريرة.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2577) 2: 971 كتاب الشروط، باب الشروط في الطلاق.
وأخرجه النسائي في" سننه "(4491) 7: 255 كتاب البيوع، بيع المهاجر للأعرابي.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2172) 2: 734 كتاب التجارات، باب لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يسوم على سومه.
(3)
ساقط من أ.
(4)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1218) 3: 522 كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع من يزيد.
وهذا إجماع. فإن المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة.
(لا بعد رد) أي: رد السلعة التي اشتراها من المسلم على بائعها. فإنه لا يحرم أن يقال لمن رد السلعه: أنا أعطيك مثلها بأقل
(1)
؛ لأن ذلك بعد ردها لم يكن بيع على بيع.
(ولا بذل بأكثر مما اشترى). وهو أن يقول لمن اشترى شيئاً بعشرة: أنا أعطيك مثله بأحد عشر
(2)
؛ لأن الطبع يأبى أن يترك شيئا اشتراه بعشرة: ويشتري مثله بأحد عشر.
(ويصح العقد) أي: عقد البيع (على السوم فقط). فلا يصح إن باع على
بيع المسلم، ولا إن اشترى على شراء المسلم في الأصح؛ لأنه
(3)
منهي عنه، والنهي يقتضى الفساد.
(وكذا) أي: وكالبيع فيما تقدم (إجارة). فيحرم أن يؤجر على إيجار مسلم، أو أن يستأجر على استئجار مسلم، أو أن يسوم في الإجارة على سوم مسلم مع الرضى صريحاً.
ويصح عقد الإجارة في صورة السوم فقط.
(وإن حضر باد) أي: قدم على بلد إنسان من غير أهلها (لبيع سلعته بسعر يومها) أي: بسعر ذلك الوقت، (وجهله) أي: جهل الحاضر لبيع سلعته لسعر البلد، (وقصده) أي: قصد القادم لبيع السلعة (حاضر) بالبلد (عارف به) أي: بالسعر (و) كان (بالناس إليها) أي: إلى السلعة التي حضر القادم بها ليبيعها (حاجة: حَرُمت مباشرته) أي: مباشرة من قصد القادم لبيع سلعته (البيع له) أي: للقادم بالسلعة، (وبطل) البيع على الأصح (رضوا) أهل البلد بذلك (أو لا) في الأصح.
(1)
في ب: فأقل.
(2)
في أ: بإحدى عشر.
(3)
في أ: على أنه.
(فإن فُقِد شيء مما ذكِر) بأن قدم لا لبيع سلعته، أولبيعها ولكن لا يجهل السعر،
أو جهله ولكن لم يقصده الحاضر العارف بالسعر، أو لم يكن بالناس حاجة إلى السلعة:(صح) البيع، (كشرائه) أي: شراء الحاضر (له) أي: للبادي. وإن وجدت هذه الشروط كلها بطل البيع على الأصح. نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد.
والأصل في ذلك ما روى مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبع حاضر لباد. دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض "
(1)
.
وقول ابن عباس: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُتلقى ركبان، وأن يبيع حاضر لباد.
قيل لابن عباس: ما قوله: حاضر لباد؛ قال: لا يكون له
(2)
سمساراً "
(3)
. متفق عليه.
والمعنى في ذلك: أنه متى نزل البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر. وإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع منه إلا بسعر
(4)
البلد ضاق على أهل البلد.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في تعليله إلى هذا.
وأما شراء الحاضر للبادي فيصح رواية واحدة، لأن النهي غير متناول للشراء
له بلفظه ولا بمعناه، لأن النهي عن البيع له من أجل الرفق بأهل الحضر " ليتسع عليهم الرزق، ويزول عنهم الضرر. وليس ذلك بموجود في الشراء منهم. (ويخبر) وجوبا عارف بالسعر (مستخبرًا) جاهلاً (عن سعر جهله) المستخبر، لوجوب نصح المستنصح.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1520) 3: 1157 كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي.
(2)
ساقط من أ.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2154) 2: 794 كتاب الإجارة، باب أجر السمسره
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1521) الموضع السابق.
(4)
في أ: إلى بالسعر.
وإن أشار حاضر على بادٍ ولم يباشر له بيعاً لم يكره.
(ومن خاف ضيعة ماله) ببقائه في يده، (أو) خاف (أخذه) منه (ظلماً) فباعه (صح بيعه له) أي: لماله.-
قالط في " الرعاية ": ومن خاف ضيعة ماله أو نهبته أو سرقته أو غصبه أو أخذه ظلما صح بيعه. نقله عنه في " الفروع "، واقتصر عليه؛ وذلك لأنه عقد صدر من أهله في محله من غير إكراه عليه. فصح؛ كما لو لم يخف ضيعته أو أخده منه.
(ومن استولى على ملك غيره بلا حق) أي: تعديا، (أو جحده) أي: جحد حق غيره، (أو منعه) أي: منع غيره من حقه (حتى يبيعه أياه. ففعل) أي: فباعه له من أجل استيلائه عليه أو جحده أو منعه إياه: (لم يصح) البيع؛ لأنه ملجأ إليه.
(ومن أودع شهادة) خوفا على ماله (فقال: اشهدوا أني أبيعه) أي: أبيع مالي لزيد، (أو أتبرع به) له (خوفا) منه (وتقية) لشره ثم باعه ماله أو تبرع به له:(عمل به) أي: بما أودعه من الشهاده. خلافا لمالك في مسألة التبرع. قال في " الفروع " عقب ما نقله عن " الرعايه " من المسائل المتقدمة: وظاهره أنه لو أودع شهادة أنى أبيعه أو أتبرع به خوفا وتقية أنه يصح وهو كما قال؛ لأنه إذا باع أو وهب تقية وادعى المشتري أو المتهب عدم التقية قبل بيمينه إن لم تكن بينة. فكان هذا الإيداع وسيلة إلى حفظ ماله.
(ومن قال لآخر: اشترني من زيد فإني عبده ففعل) أي: فاشتراه من زيد، (فبان) القائل (حرا. فإن) كان القائل (أخذ شيئا) من الثمن (غرمه)؛ لأنه أخده بغير استحقاق. فلزمه رده؛ كالغصب. (وإلا) أي: وإن لم يكن أخذ شيئا من الثمن (لم تلزمه العهدة) أي: ضمان البائع فيما قبضه من الثمن. سواء (حضر البائع أو غاب).
قال في " الفروع ": نقله الجماعة؛ وذلك لأن البائع قبض الثمن بغير
استحقاق وضمن العهدة. فكان عليه رده. ولم يلزم المقر شيء مما قبضه البائع، لأنه إنما حصل منه الإقرار دون الضمان.
(كـ) قول إنسان لآخر عن آخر: (اشتر منه عبده هذا) فاشتراه منه فتبين حرًا. (وأدّب) الذي قال: اشترنى من زيد فإنى عبده (هو وبائع) نصاً " لما
صدر منهما من تغريرهما للمشتري.
(وتحدّ مقرة وُطئت) يعني: أنها لو قالت حرة لرجل: اشترنى من زيد فإنى
أمته فاشتراها ووطئها، ثم تبينت حريتها فعليها حد الزنا؛ لأنه لا شبهة لها في سقوطه عنها.
(ولا مهر) لها. نص عليه، لاتفقاهما على عدم وجوبه.
(ويلحق الولد) الواطئ، لكونه إنما وطئ معتقدا أنها أمته. فكان الوطء بالنسبة إليه وطء شبهة وهو لا يمنع ثبوت النسب.
(ومن باع شيئا بثمن نسيئة) أي: إلى أجل، (أو) غير نسيئة و (لم يُقبض) في ظاهر كلام الإمام، وذكره القاضي وأصحابه والأكثر:(حرم، وبطل شراؤه) أي: شراء البائع (له) أي: للشيء الذي باعه ولم يقبض ثمنه (من مشتريه) منه، (بنقد من جنس) النقد (الأول) الذي باعه
(1)
به أولاً إذا
" كان (أقل منه) أي: من الثمن الأول. (ولو) كان الثمن الثانى (نسيئة) أو وقع ذلك بعد حلول أجل الثمن الأول. نقله ابن القاسم وسندي، لما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية قالت: " دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة. فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إنى بعت غلاماً من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم نقدا. فقالت لها: بئسما اشتريت وبئسما شريت. أبلغي زيداً أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل إلا أن يتوب "
(2)
. رواه أحمد وسعيد.
(1)
في أ: باع.
(2)
أخرجه الدارقطنى في " سننه "(211 - 212) 3: 52 كتاب البيوع.
وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 330 كتاب البيوع، باب الرجل يبيع الشيء إلى أجل ثم يشتريه بأقل.
ولا تقول مثل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم. فجرى مجرى روايتها ذلك عنه.
ولأن ذلك ذريعة إلى الربا ليستبيح بيع ألف بخمسمائة ونحو ذلك إلى أجل. والذرائع معتبرة في الشرع. بدليل منع القاتل من الإرث.
(وكذا) يحرم ويبطل (العقد الأول) أيضا (حيث كان وسيلة إلى) العقد (الثاني. إلا إن) كان المبيع قد (تغيرت صفته) مثل: إن هزل العبد، أو نسي صنعة، أو تخرق الثوب ونحو ذلك، أو يكون الثمن الثانى من غير جنس الأول أو لا يزيد عليه. وكل ذلك مفهوم من عبارة المتن، وفي بعضها خلاف. (وتسمى) هذه المسألة:(مسألة العينة)، وإنما سميت بذلك؛ (لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا، أي: نقدا حاضرا).
قال الشاعر:
أندّان أم نعتان أم ينبري لنا فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربه ومعنى نعتان: أي: نشتري عينة كما وصفنا.
وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيم بالزرع، وتركتم الجهاد: سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "
(1)
.
وهذا وعيد يدل على التحريم.
وروي أن التبايع بها من أشراط الساعة.
(وعكسُها) أي: عكس صورة مسألة العينة وهو: أن يبيع الشيء أولاً بنقد حاضر ثم يشتريه من مشتريه بأكثر من الثمن الأول من جنسه إلى أجل: (مثلها) في الحكم. نقله حرب. وهو المذهب.
ونقل أبو داود: يجوز بلا حيلة.
ووجه المذهب: أن ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا. فهو كمسألة العينة المتقدمة.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3462) 3: 274 كتاب الإجارة، باب في النهي عن العينة.
(وإن اشتراه) أي: اشترى الشيء المباع
(1)
نسيئة (أبوه) أي: أبو بائعه من مشتريه بثمن من جنس الأول أقل منه نقدا (أو ابنه أو غلامه، ونحوه) " كمكاتبه وزوجته: (صح) الشراء. (ما لم يكن) ذلك (حيلة) على التوصل إلى فعل مسألة العينة؛ لأن الأصل حل البيع. وإنما حرم في مسألة العينة؛ للأثر الوارد فيها. ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس.
نص عليه. وهذا يسمى التورق.
وعنه: يكره.
(وإن باع ما) أي: شيئاً (يجري فيه الربا نسيئة)؛ كالمكيل والموزون،
(ثم اشترى منه) أي: من المشتري (بثمنه) الذي باع به (قبل قبضه) شيئاً (من جنسه) أي: جنس الذي باعه؛ كما لو باع مداً من بر بدرهم ثم عوضه في الدرهم برا جزافا أو بكيل، (أو) اشترى البائع من المشتري بثمن المبيع (ما) أي: شيئا (لا يجوز بيعه به) أي: بالمبيع أولاً (نسيئة) " كما لو عوضه في ثمن بر شعيرًا، أو في ثمن شعير برًا، أو نحو ذلك:(لم يصح) ذلك. روي ذلك عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاووس، وبه قال مالك وإسحاق.
ووجه تحريم ذلك: أنه ذريعة إلى بيع المكيل بالمكيل والموزون بالموزون
نسيئة فحرم؛ (حسما لمادة ربا النسيئة).
وظاهر ما تقدم: أنه إذا اشترى من المشتري طعاما بدراهم وسلمها إليه ثم أخذها منه وفاء بما عليه، أو لم يسلم إليه الدراهم. لكن قاصه: جاز وهو كذلك. صرح به في " المغني " و" الشرح ".
مسألة: يستحب الإشهاد بالبييع، وحُمل الأمر به عليه. والجواب عن ظاهر
الأمر قو له تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته)] البقرة: 283].
قال أبو سعيد: صار إلى الأمانة. وفعلُه صلى الله عليه وسلم يفسره.
(1)
في ج: المبيع.
] فصل: في التسعير]
(فصل. يحرم التسعير). وهو: منع السلطان الناس البيع بزيادة على ثمن يقدره لهم؛ لحديث أنس
(1)
.
(ويكره الشراء به) أي: بالتسعير.
(وإن هدد من خالفه) أي: من خالف التسعير: (حرم) البيع (وبطل) في الأصح. مأخذ الوجهين: هل الوعيد إكراه أو لا.
(وحرم) أن يقال لبائع غير محتكر: (بِعْ كالناس)، وفيه وجه وفاقا لمالك. وأوجب الشيخ تقي الدين إلزام السوقة المعاوضة بثمن المثل. خلافا للشافعي، وأنه لا نزاع فيه؛ لأنها مصلحة عامة لحق الله سبحانه وتعالى فهي أولى من تكميل الحرية.
(و) حرم (احتكار) أيضا. وهو: شراء الطعام للتجارة محتبسا له مع حاجة الناس إليه (في قوت آدمي) في المنصو ص.
وعنه: وما يأكله الناس.
ووجه المذهب: ما روى أبو أمامه " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحتكر الطعام ".
وعن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من احتكر فهو خاطئ "
(2)
.
(1)
عن أنس قال: قال الناس: " يا رسول الله! غلا السعر فسعر لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإنى لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال ".
أخرجه أبو داود في " سننه "(3451) 3: 272 كتاب الإجاره، باب في التسعير.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1314) 3: 605 كتاب البيوع، باب ما جاء في التسعير.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2200) 2: 741 كتاب التجارات، باب من كره أن يسعر.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(083 4 1) 3: 286.
(2)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1605) 3: 1227 كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات. وأخرجه أبوداود في " سننه " (3447) 3: 271 كتاب الإجارة، باب في النهي عن الحكرة.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1267) 3: 567 كتاب البيوع، باب ما جاء في الاحتكار.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2154) 2: 728 كتاب التجارات، باب الحكرة والجلب.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(27288) 400:6 كلهم عن عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله ابن نضلة القرشي.
رواهما الأثرم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون "
(1)
.
وعلم مما تقدم: أنه لا يحرم احتكار الإدام؛ كالجبن والعسل والخل.
وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت وهو راوي حديث الاحتكار.
وقال أبو داود: كان يحتكر النوى والخبط والبزر.
ولأن هذه الأشياء لا تعم الحاجة إليها. أشبهت الثياب والحيوان.
(ويصح شراء محتكر) على المذهب.
وفي " الترغيب ": احتمال.
ولا تكره التجارة في الطعام إذا لم يرد الاحتكار على الأصح.
قال في " الرعاية الكبرى ": ومن جلب شيئا أو استغله من ملكه أو
مما استأجره، أو اشتراه زمن الرخص ولم يضيق على الناس إذاً، أو اشتراه من بلد كبير؛ كبغداد والبصرة ومصر ونحوها: فله حبسه حتى يغلو، وليسى محتكرا. نص عليه، وترك ادخاره لذلك أولى. انتهى.
(ويجبر) المحتكر (على بيعه) أي: بيع ما احتكره من الطعام (كما يبيع الناس). خلافا للشافعي.
(فإن أبى) المحتكر بيعه، (وخيف التلف) بحبسه عن الناس:(فرقه الإمام) على المحتاجين إليه، (ويردون) أي: من فرق عليهم الإمام شيئا منه (بدله) أي: مثل الذي أخذوه إن كان مثلياً، أو قيمته إن كان متقوما.
(وكذا سلاح لحاجة) إليه. قاله الشيخ تقي الدين.
(1)
أخرجه ابن ماجة في " سننه "(2153) 2: 728 كتاب الحجارات، باب الحكرة والجلب.
(ولا يكره) لأحد (ادخار قوت أهله ودوابه). نص عليه. ونقل جعفر.
سنة وسنتين، ولا ينوي التجارة.
(ومن ضمن مكاناً ليبيع) فيه وحده، (ويشتري فيه وحده: كُره الشراء منه بلاحاجة، كـ) ما يكره الشراء بلا حاجه (من مضطر، ونحوه)؛ كمحتاج إلى نقد.
قال في " المنتخب ": لبيعه بدون ثمنه أي: ثمن مثله.
(و) كما يكره الشراء من (جالس على طريق.
ويحرم عليه) أي: على من ضمن مكاناً ليبيع فيه وحده أو يشتري فيه وحده (أخذ زيادة) على ثمن أو مثمن (بلا حق). قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في "الفروع".
قال أحمد: استغن عن الناس فلم أر مثله. الغنى من العافية.
ودعا لعلي بن جعفر ثم قال لأبيه: ألزمْه السوق وجنبه أقرانه.
وقال له رجل: إني في كفاية. قال: الزم السوق تصل به الرحم، وتعود به على نفسك.
وقال: لا ينبغي أن تدع العمل وتنتظر ما بيد الناس.
وقال عمن فعل هذا: هم مبتدعة، قوم سوء، يريدون تعطيل الدنيا.
وقد أجاز التوكل لمن استعمل فيه الصدق. قاله المروذي.
وقال: من لم يطمع من آدمي أن يجيئه بشيء رزقه الله سبحانه وتعالى، وكان متوكلا.
] باب: الشروط في البيع]
(باب) مضاف إلى (الشروط في البيع)، والشروط جمع شرط.
(والشرط فيه) أي: في البيع (و) في (شبهه) أي: شبه البيع، كالإجارة والشركة:(إلزام أحد المتعاقدين) العاقد (الآخر، بسبب العقد) متعلق بإلزام، (ما) أي: شرطاً (له) أي: للملزم
(1)
(فيه) أي: في الشرط الملزم به صاحبه (منفعة) أي: غرض صحيح. وستأتي أمثلة ذلك.
(وتعتبر مقارنته) أي: مقارنه الشرط (للعقد).
وفي " الفر وع ": ويتو جه كنكاح.
وينقسم الشرط في البيع إلى قسمين: قسم صحيح، وقسم فاسد.
(وصحيحه) أي: صحيح الشرط أي والشرط الصحيح. وعبارة المتن من باب إضافة الصف إلى الموصوف (أنواع):
النوع الأول: (ما يقتضيه) أي: يقتضي ذلك الشرط (بيع). بأن يطلب البيع ذلك الشرط بحكم الشرع؛ (كـ) شرط (تقابض، وحلول ثمن، وتصرف كل) من المتبايعين (فيما يصير إليه) من ثمن ومثمن. (و) كاشتراط (رده) أي: المبيع (بعيب قديم) يجده به.
(ولا أثر له) أي: لهذا الشرط الذي يقتضيه العقد " لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد. فوجوده كعدمه.
النوع (الثانى) من الشرط الصحيح في البيع: ما كان (من مصلحته) أي: مصلحة تعود على المشترط، (كتأجيل) كل (ثمن أو بعضه) أي: بعض الثمن إلى أجل معلوم، أو ينقده الثمن مع كون المبيع منقولاً غائباً عن البلد مع البعد.
(1)
في ج: للملتزم.
(أو) اشتراط (رهن أو ضمين به) أي: بالثمن (معينين) أي: الرهن والكفيل.
وشمل هذا: ما لو اشترط رهن المبيع على ثمنه. وهو كذلك في المنصوص. فلو قال بائع: إذا رهنتنيه على ثمنه وهو كذا فقد بعتك. فقال: اشتريته
(1)
ورهنتك على الثمن: صح
(2)
الشراء والرهن.
(أو) يشترط المشتري (صفة في مبيع؛ كـ) كون (العبد) المبيع (كاتباً،
أو فحلاً، أو خصياً، أو صانعا) في صناعة معينة، (أو مسلما.
و) كون (الأمة بكرا، أو تحيض.
و) كون (الدابة هِمْلاجَة) أي: تمشي الهملجة وهي مِشية معروفة، (أو لبوناً) أي: ذات لبن، (أو حاملا.
و) كون (الفهد أو البازي صَيُودًا) أي: معلمًا.
(و) كا شتراط كون (الأرض) المبيعة (خراجها كذا) في كل سنة.
(و) كون (الطائر) المبيع (مصوتا، أو يبيض، أو يجيء من مسافة معلومة)؛ لأن في اشتراط هذه الصفات كلها قصدا صحيحاً، وتختلف الرغبات باختلافها. فلو لم يصح اشتراط ذلك لفاتت الحكمة التي شرع لأجلها البيع. فلهذا يصح الشرط.
وكذا لو شرط أن الطائر يصيح في أوقات معلومة؛ كعند الصباح أو عند المساء.
(لا أن يوقظه للصلاة)، أو أنه يصيح عند دخول أوقات الصلوات؛ لأنه يتعذرالوفاء به.
ولا كون الكبش نطاحاً، أو الديك مناقراً، أو الأمة مغنية.
ولا أن البهيمة تحلب في كل يوم قدرًا معلوماً؛ لأن اللبن يختلف ولا يمكن
(1)
في ب: اشتريب.
(2)
في ج: فلو قال بائع: بعتك هذا بكذا على أن ترهنينه على ثمنه فقال: اشتريت ورهنتك على الثمن وصح.
ضبطه. فيتعذرالوفاء به.
ولا أن الحامل تلد في وقت بعينه؛ لأنه لا يمكن الوفاء به. فلا يصح قولاً واحداً.
(و) أما ما تقدم من الشرط الصحيح فإنه (يلزم) من اشتُرط عليه. (فإن
وُفي به) بأن حصل لمن اشترط ما اشترط، (وإلا فله الفسخ) أي: فسخ المبيع؛ لفقد الشرط؛ لأنه شرط وصفا مرغوبا فيه. فصار بالشرط مستحقا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون عند شروطهم "
(1)
.
(أو أرش فَقدِ الصفة) يعني: أنه مخير بين فسخ العقد وبين أخذ أرلش فقد الصفة التى اشترطها. أشبه ما لو ظهر به عيب. وهذا المذهب.
وقيل: لا أرش له إذا اختار الإمساك، إلحاقاً له بالتدليس.
(وإن تعذر ردٌّ) لكون المبيع تلف أو نحوه: (تعين أرش) أي: أرش فقد الصفة؛ إلحاقاً له بالمعيب إذا تلف عند المشتري ولم يرض بعيبه.
(وإن أخبر بائع) مشتريا (بصفة) في المبيع يرغبه فيها، (فصدَّقه) المشتري (بلا شرط) أي: من غير أن يشترطها على البائع فبان فقد تلك الصفة. فلا خيار على المذهب. ذكره أبو الخطاب.
قال في " الفروع ": ويتوجه عكسه.
(أو شرط) المشتري (الأمة) المبتاعة كونها (ثيباً أو كافرة أو هما) أي: كونها ثيبا كافرة (أو سبطة) أي: كون شعرها سبطا، (أو) شرط كونها (حاملا) أو نحو ذلك من الصفات التي هي دون من غيرها، (فبانت) الصفة التي في المبيع
(2)
(أعلا) بأن وجدت المشروطة ثيبا بكرا، أو وجدت المشروطة كافرة مسلمة، أو وجدت المشروطة ثيبا كافرة بكرا مسلمة، (أو) وجدت
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1352) 3: 634 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس.
(2)
في ج ب: المبيعة.
المشروطة سبطة (جَعْدة، أو) وجدت المشروطة حاملا (حائلاً: فلا خيار) للمشتري في جميع ذلك ولا في نحوه؛ كما لو اشترط أنها لا تحيض فبانت تحيض، أو اشترط أنها حمقاء فلم تكن؛ لأنه زاده خيرًا. وفيه وجه.
النوع (الثالث) من المشرط الصحيح في البيع: (شرط بائع) على مشتر (نفعاً، غير) نفع (وطء ودواعيه)؛ كتقبيل ونحوه. فإن هذا لا يصح استثناؤه بلا خلاف. (معلوماً) صفة لقوله: نفعاً (في مبيع) متعلق بقوله: نفعاً.
ومن صور اشتراط النفع المعلوم ما أشير إليه بقوله:
(كسكنى الدار) المبتاعة (شهرًا، وحملان البعير) المبيع (إلى) محل (معين)، وكاستثناء خدمة العبد المبيع مدة معلومة على الأ صح. نص عليه. والأصل في ذلك ما روى جابر " أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة "
(1)
.
وفي لفظ قال: " فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي "
(2)
. متفق عليه.
وفي لفظ: " فبعته بخمس أواق. قال: قلت: على أنّ لي ظهره إلى المدينة. قال. ولك ظهره إلى المدينة "
(3)
. رواه مسلم.
و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم "
(4)
. وهذه معلومة.
ولأن المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري فيما إذا اشترى نخلاً مؤبرًا وأرضا مزروعة، أو دارا مؤجرة، أو أمة مزوجة. فجاز أن يستثنيها البائع؛ كاستثنائه الثمرة التي لم تؤبر.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(2805) 1083:3 كتاب الجهاد والسير، باب استئذان الرجل الإمام. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (715) 3: 1223 كتاب المساقاة، باب بيع البعيو واستثناء ركوبه.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2569) 2: 968 كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة الى مكان مسمى جاز.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(715) 3: 1221 الموضع السابق.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(715) 3: 1223 الموضع السابق.
(4)
سبق تخريجه ص (29) رقم (1).
(ولبائع إجارة) ما استثناه من النفع المعلوم (وإعارة ما استثنى) من النفع المعلوم، كعين مؤجرة أجرها مستأجرها أو أعارها.
وإن باع المشتري العين المستثناة منفعتها مدة معلومة: صح البيع، وتكون
في يد المشتري الثانى مستثناة أيضا. فإن كان عالما بذلك فلا خيار له، وإلا فله خيار الفسخ، كمن اشترى أمة مزوجة أو دارًا مؤجرة.
(وله) أي: ولبائع (على مشتر إن تعذر انتفاعه) أي: انتفاع البائع بما استثناه من النفع (بسببه) أي: سبب المشتري بأن أتلف العين المبيعة، أو باعها لمن اتلفها، أو تلفت بتفريط المشتري:(أجرة مثله) أي: مثل النفع المستثنى نصاً " لتفويته المنفعة المستحقة لغيره.
وعلم مما تقدم: أنه متى تلفت العين المستثناة منفعتها بغير سبب المشتري
أو بغير تفريط لم يضمن شيئاً.
قال الأثرم: قلت: لأبي عبدالله: فعلى المشتري أن يحمله على غيره " لأنه
كان له حملان؛ قال: لا. إنما شرط عليه هذا بعينه؛ لأنه لم يملكها البائع من جهته. فلم يلزمه عوض، كما لو تلفت النخلة المؤبرة بثمرتها، أو غير المؤبرة إذا اشترط البائع ثمرتها، وكما لو باع حائطا واستثنى منه شجرة بعينها فتلفت.
وهذا المذهب.
وقال القاضي: عليه ضمان المنفعة المستثناة، أخذاً بعموم كلام أحمد:
إذا تلفت العين رجع البائع على المبتاع بأجره المثل.
قال شارح " المقنع ": وكلام أحمد محمول على حالة التفريط. انتهى.
ولو أراد المشتري أن يعطي البائع عوضاً عن المنفعة المستثناة ما يقوم مقامها لم يلزمه قبوله وله استيفاء المنفعة من عين المبيع. نص عليه؛ لأن
(1)
حقه تعلق بعينها. أشبه ما لو استأجر عينا فبذل له المؤجر غيرها.
ولأن البائع قد يكون له غرض في استيفاء منافع تلك العين. فلا يجبر على قبول عوضها.
(1)
في ج: لأنه.
(وكذا) أي: وكشرط بائع نفعاً معلوماً في مبيع في الحكم (شرط مشتر نفع
بائع) نفسه (في مبيع)؛ وذلك (كحمل حطب) مبيع (أو تكسيره، و)(خياطة ثوب) مبيع (أو تفصيله، أو جز رطبة) بأن اشترى من إنسان رطبة وشرط عليه جزها، (ونحوه)؛ كمن اشترى قطعة حديد وشرط على المشتري ضربها سيفا أو سكينا، وكمن اشترى زرعا وشرط على المشتري حصاده.
(بشرط علمه) أي: علم النفع المشروط على البائع؛ كحمل الحطب إلى
موضع كذا. نص على ذلك أحمد في رواية مهنا وغيره. وهي المذهب.
واحتج أحمد بما روي " أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب وشارطه على حملها ".
ولأن ذلك بيع وإجارة؛ لأنه باعه
(1)
الحطب وأجره نفسه على حمله، أو
باعه الثوب وأجره نفسه على خياطته.
وكل واحد من البيع والإجارة يصح إفراده بالعقد. فإذا جمعهما جاز؛ كالعينين.
ولم يصح ما احتج به المخالف من " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ".
قال أحمد: إنما النهي عن شرطين في بيع وهذا يدل بمفهومه على جواز.
الشرط الواحد.
وقد علم من قوله في المتن: بشرط علمه أنه لو اشترط المشتري على البائع
حمل الحطب المبيع إلى منزله والبائع لا يعرفه لم يصح الشرط؛ كما لو استأجره على ذلك ابتداء.
قال أحمد: في رجل يشتري النعل على أن يحزوها
(2)
: جائز إذا أراه الشراك.
(وهو) أي: البائع المشترط
(3)
نفعه في المبيع (كأجير.
فإن) تعذر استيفاء العمل منه بأن (مات) البائع قبل أن يحمل الحطب، أو
(1)
في أ: باع.
(2)
في ب: يحوزها.
(3)
في ج: المشتري.
يخيط الثوب أو نحو ذلك مما شرط عليه من النفع وقد قبض الثمن.
(أو تلف) الحطب قبل أن يحمله، أو تلف الثوب قبل أن يخيطه أو نحوهما.
(أو استحق) نفع بائع بأن أجر نفسه مدة يستحق المستأجر نفعه فيها، بأن صار
له أجيرًا خاصا: (فلمشتر عوض ذلك) أي: عوض النفع المشروط عليه في البيع؛ لأن عقد البيع
(1)
مع الشرط المذكور قد جمع بين بيع وإجارة، وقد فات ما ورد عليه عقد الإجارة بما ذكر. فانفسخت؛ كما لو استأجر أجيرًا خاصاً فمات.
وإذا انفسخت الإجارة وقد قبضت الأجرة فإن المستأجر يرجع بعوض المنفعة.
وإن تعذر عمل البائع بمرض أو نحوه في المبيع أقيم مقامه من يعمل العمل المشروط والأجرة عليه كقولنا في الإجارة.
وإن أراد البائع دفع العوض عما شرط عليه بغير رضى المشتري لم يلزمه قبوله.
وإن أراد المشتري أخذ العوض عن ذلك من غير رضى البائع لم يجبر عليه. (وإن تراضيا على أخذه بلا عذر: جاز) في الأصح؛ لأنها منفعة يجوز أخذ العوض عنها لو لم يشترطها. فإذا ملكها المشتري جاز له أخذ العوض عنها؛ كما لو استأجرها، وكما يجوز أن تؤجر المنافع الموصى بها من ورثة الموصي. (ويبطله) أي: يبطل العقد (جمع بين شرطين ولو) كانا (صحيحين) منفردين؛ كحمل حطب مع تكسيره، وخياطة ثوب مع تفصيله؛ لما روى عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك "
(2)
. أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث
(1)
في ج: المبيع.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4 0 35) 3: 283 كتاب الإجارة، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده. وأخرجه الترمذي في " جامعه " (1234) 3: 535 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.
وأخرجه النسائي فى " سننه "(4611) 7: 288 كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع.
حسن صحيح.
قال الأثرم: قيل لأبي عبدالله: إن هؤلاء يكرهون الشرط في البيع فنفض يده وقال: الشرط الواحد لا بأس به في البيع. إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرطين في البيع. وحديث جابر يدل على إباحة الشرط الواحد حين باعه جَمَلَهُ وشرط ظهره إلى المدينه.
(ما لم يكونا من مقتضاه) أي: مقتضى العقد؛ كاشتراطه حلول الثمن مع تصرف كل فيما يصير إليه. فإنه يصح الجمع بلا خلاف.
(أو) يكونا من (مصلحته) في الأصح؛ كاشتراط رهن وضمين معينين بالثمن، أو اشتراط الخيار وتأجيل الثمن؛ لتفسير الإمام الشرطين اللذين لايجوز الجمع بينهما بالصحيحين اللذين ليسا من مصلحة
(1)
العقد؛ كحمل الحطب وتكسيره.
(ويصح تعليق فسخ) في الأصح. يعني: (غير خلع)؛ لأنه لما كان العوض شرطا لصحته ألحق بعقود المعاوضات في عدم صحة تعليقه (بشرط) متعلق بتعليق.
وتعليق الفسخ بالشرط؛ (كـ) قوله: (بعتك على أن تَنقُدَني الثمن إلى كذا) أي: إلى وقت معين ولو أكثر من ثلاثة أيام، (أو على أن ترهننيه) أي: ترهنني المبيع (بثمنه، وإلا) أى: وإذ لم تفعل ذلك (فلا بيع بيننا). فإذا قبل انعقد المبيع.
(وينفسخ) البيع (إن لم يفعل) أي: لم ينقد الثمن إلى الوقت المعين، أو
إن لم يرهنه المبيع.
وقيل: إن البيع يبطل من أصله بفوات ذلك.
(1)
في ج: مقتضى.
] فصل: في الشروط الفاسدة]
(فصل. وفاسده) أي: فاسد الشرط (أنواع) ثلاثة:
النوع الأول: (مبطل) للعقد من أصله. وذلك (كشرط بيع آخر) كأن يقول: بعتك هذه الفرس على أن تبيعني هذا الثوب.
(أو) شرط (سلف)؛ كبعتك على أن تسلمني كذا في كذا.
(أو) شرط (قرض)؛ كبعتك على أن تقرضني كذا.
(أو) شرط (إجارة)؛ كبعتك على أن تؤجرنى دارك بكذا.
(أو) شرط (شركة)؛ كبعتك على أن تشاركني في كذا.
(أو) شرط (صرف الثمن)؛ كبعتك هذا بعشرة دنانير] على أن تصرفها لي
بدراهم.
(أو) شرط صرف (غيره) أي: غير الثمن؛ كبعتك هذا بكذا على أن تصرف لي مائة دينار [
(1)
بدراهم؛ لما صح " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة"
(2)
.
(وهو) أي: وهذا النوع هو: (بيعتان في بيعة، المنهي عنه). قاله أحمد. والنهي يقتضي الفساد.
وكذلك كل ما في معنى ذلك؛ مثل أن يقول: بعتك على أن تزوجني ابنتك، أو على أن تتزوج ابنتي.
قال ابن مسعود: " صفقتان في صفقة ربا ".
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه الترمذي في "جامعه "(1231) 3: 533 كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة. وأخرجه النسائي في " سننه " (4632) 7: 295 كتاب البيوع، بيعتين في بيعه
…
ولأن العقد لا يجب بالشرط؛ لكونه لا يثبت في الذمة فيسقط. فيفسد العقد؛ لأن البائع لم يرض به إلا بالشرط. فإذا فات فات الرضى به.
ولأنه شرط عقد في عقد. فلم يصح؛ كنكاح الشغار.
وقال
(1)
في " المقنع ": ويحتمل أن يبطل الشرط وحده.
النوع (الثاني) من الشروط الفاسدة: (ما يصح معه البيع) على الأصح؛ (كـ) اشتراط (شرط ينافي مقتضاه) أي: مقتضى البيع؛ (كأن) يشترط المشتري على البائع: أن (لا يخسر أو متى نفق) المبيع، (وإلا رده.
أو) يشترط البائع على المشتري: أن (لا يَقفَه، أو) أن لا (يبيعه، أو)
أن لا (يهبه، أو) أن لا (يعتقه، أو إن أعتقه فلبائع ولاؤه.
أو) يشترط عليه (أن يفعل ذلك) أي: أن يقف المبيع أو يبيعه أو يهبه ونحو ذلك. فإن ذلك كله لا يبطل البيع في المنصوص؛ كعود الشرط على غير العاقد نحو: بعتكه على أن لا ينتفع به أخوك أو زوجتك أو زيد.
أما كون الشرط فاسدًا؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة حين شرط أهلها الولاء: " ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل "
(2)
. نص على هذا الشرط وقيس عليه بقيه الشروط؛ لأنها في معناه.
وأما كون العقد صحيحا على المنصوص عن أحمد؛ فلما روت عائشة قالت: " جائتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق. في كل عام أوقية فأعينيني. فقلت: إن أحب أهلك أن أعدّها لهم ويكون ولاوك لي فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها. فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس. فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء. فإنما الولاء لمن أعتق. ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله
(1)
في أ: قال.
(2)
هو طرف من الحديث التالي.
وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله. ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق ودين الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق "
(1)
. متفق عليه.
فأبطل الشرط ولم يبطل العقد.
فإن قيل: المراد بقوله: " اشترطي لهم الولاء " أي: عليهم. بدليل أمرها
به ولا يأمرها بفاسد.
فالجواب: أنه لا يصح هذا التأويل لوجهين:
أحدهما: أن الولاء لها بإعتاقها. فلا حاجة إلى اشتراطه.
الثاني: أنهم أبوا البيع إلا أن يشترط لهم الولاء. فكيف يأمرها بما علم أنهم
لا يقبلونه منها؟
وأما أمرها بذلك فليس بأمر على الحقيقة وإنما هو صيغة الأمر بمعنى التسوية؛ كقوله سبحانه وتعالى: (فاصبروا أو لا تصبروا)] الطور: 16 [والتقدير: واشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي. ولهذا قال عقيبه
(2)
: " فإنما الولاء لمن اعتق ".
(إلا شرط العتق) أي: إلا إذا اشترط البائع على المشتري ان يعتق المبيع فيصح على الأصح؛ لحديث بريرة.
(ويجبر) المشتري على العتق (إن أباه) في الأصح؛ لأنه عتق مستحق لله سبحانه وتعالى؛ لكونه قربة التزمها المشتري. فأجبر عليه؛ كالنذر.
(فإن أصر) على امتناعه (أعتقه حاكم) عليه؛ كما يطلق على مول.
(وكذا) أي: وكحكم ما تقدم من الشروط الفاسدة التي يصح معها البيع (شرط رهن فاسد)؛ كالمجهول والخمر، (ونحوه؛ كخيار أو أجل مجهولين.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2579) 2: 972 كتاب الشروط، باب الشروط في الولاء.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1504) 2: 1141 كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق.
(2)
في أ: عقبه.
أو) شرط (تأخير تسليمه) أي: تسليم المبيع (بلا انتفاع) لبائعه به.
(أو إن باعه) المشتري (فهو) أي: فالبائع (أحق به) أي: بالمبيع (بالثمن) أي: بنظير الثمن الذي باعه به.
(أو) شرط (أن الأمة لا تحمل).
فهذه كلها شروط فاسدة، والعقد معها صحيح.
(ولمن فات غرضه) بفساد الشرط من بائع ومشتر. سواء كان عالماً بالحكم
أو جاهلا: (الفسخ) أي: فسخ البيع؛ لأنه لم يسلم له ما دخل عليه من الاشتراط المتفق عليه في العقد؛ لقضاء الشرع بفساد ما اشترطه مما له فيه غرض.
(أو أرش نقص ثمن، أو استرجاع زيادة بسبب إلغاء) في الأصح. يعني:
أن للبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، وللمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن كان هو المشترط؛ لأن البائع إنما سمح بالبيع بهذا الثمن لما يحصل له من الغرض بالشرط، والمشتري إنما سمح بزيادة الثمن من أجل شرطه. فإذا لم يحصل غرضه فإنه يرجع بما سمح به؛ كما لو وجده معيبا.
(ومن قال لغريمه: بعني هذا) الشيء (على أن اقضيك) دَينك (منه. فباعه: صح البيع) قياسا على ما تقدم. (لا الشرط)؛ لأنه شَرَط أن لا يتصرف فيه بغير القضاء. والبيع يقتضى تصرف المشتري في المبيع بكل ما يختار من التصرف المباح.
(وإن قال رب الحق: اقضنيه) أي: اقضني حقي (على أن أبيعك كذا بكذا فقضاه) حقه على ذلك: (صح) القضاء؛ لأنه أقبضه حقه (دون البع) المشروط في القضاء؛ لأن شرط البيع في القضاء كتعليقه على القضاء. وسيأتي الدليل على بطلان البيع المعلق
(1)
.
(1)
ص (68).
(وإن قال) لغريمه: (اقضني أجود مما لي) عليك (على أن أبيعك كذا ففعلا) أي: فقضاه أجود وباعه ما وعده به: (فباطلان) أي: القضاء والبيع. وعلى القابض رد الأجود المأخوذ، ويطالب بما هو مستقر له من الدين " لأن الدافع لم يرض بدفع الأجود إلا طمعا في حصول المبيع له فبطلانه يبطل القضاء.
النوع (الثالث) من قسم الشروط الفاسدة: (ما) أي: شرطٌ (لا ينعقد معه بيع) وهو: تعليق البيع على شرط " (كبعتك) إن جئتني أو إن رضى زيد بكذا، (أو اشتريت) منك (إن جئتني، أو) إن (رضي زيد بكذا). ووجه عدم انعقاده: كونه عقد معاوضة، ومقتضى عقد المعاوضة نقل الملك حال العقد، والشرط يمنعه.
وعنه: يصح ..
(و) المذهب: (يصح: بعت وقبلت إن شاء الله.
و) يصح أيضا (بيع العُرْبون). ويقال فيه أيضاً: أربون، (وإجارته) أي: إجارة العربون. (وهو) أي: بييع العربون: (دفع بعض ثمن) في بييع عقداه (أو) د فع بعض (أجرة) في إجارة، (ويقول: إن أخذته) أي: أخذت العين المبتاعة، أو أخذت العين المستأجرة احتسبت بما أقبضته من الثمن أو من الأجرة، وإن لم أخذه فما قبضته مني فلك.
(أو) يقول: إن (جئتك بالباقي) وقيل: وعين وقتا، (وإلا فهو) أي: فماقبضته (لك). نص على صحته.
قال أحمد ومحمد بن سيرين: لا بأس به. وفعله عمر.
وعن ابن عمر أنه أجازه.
وعنه: لا يصح. واختاره أبو الخطاب.
وقال الموفق: هو القياس. وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. ويروى عن ابن عباس والحسن؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون "
(1)
. رواه ابن ماجه.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2192) 2: 738 كتاب التجارات، باب بيع العربان.
ووجه المذهب: ما روي عن نافع بن عبد الحارث " أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية. فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا "
(1)
.
قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه؛ قال: أي شئ أقول. هذا عمر، وضعف الحديث الذي رواه ابن ماجه.
فأما إن دفع إلى البائع قبل البيع درهماً وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري وإن
لم أشترها
(2)
منك فهذا الدرهم لك، ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدا وحسب الدرهم من الثمن: صح؛ لأن البيع خلا عن الشرط.
قال في " شرح المقنع ": ويحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر كان على
هذا الوجه. فيحمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس والأئمة القائلين بفساد العربون.
وإن لم يشتر السلعة في هذه الصورة لبم يستحق البائع الدرهم؛ لأنه يأخذه بغير عوض، ولصاحبه الرجوع فيه، ولا يصح جعله عوضا عن انتظاره وتأخير بيعه من أجله؛ لأنه لو كان عوضا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء.
ولأن الانتظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار، كما في الإجارة.
و (لا) يصح البيع إن رهن شخص عند آخر شيئاً واتفقا على أنه: (إن جاء لمرتهن بحقه في محله، وإلا فالرهن له) أي: للمرتهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يغلق الرهن من صاحبه "
(3)
. رواه الأثرم .. وفسره أحمد بذلك.
ولأن البيع معلق على شرط مستقبل. فلم يصح؛ لما تقدم.
(وما دفع في عربون) في بيع (فلبائع، و) في إجارة فـ (لمؤجر إن لم
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 34 كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع دور مكة
…
(2)
في أ: أشتريها.
(3)
سيأتي تخريجه ص (244) رقم (1).
يتم) العقد في ظاهر كلام الإمام والأصحاب، وصرح به ناظم " المفردات " وغيره. وفيه وجه.
(ومن قال) لقنه: (إن بعتك فأنت حر فباعه) أي: باع الذي قال له: إن بعتك: (عتق، ولم ينتقل ملك) فيه. نص أحمد على ذلك في رواية جماعة، ولم ينقل عنه في ذلك خلاف. واختلف الأصحاب في تخريج كلامه على طرق: الأولى: أن ذلك مبني على القول بأن الملك لم ينتقل عن البائع في مدة الخيار. وهي طريقة ضعيفة.
الثانية: أن عتقه على البائع لثبوت الخيار. فلم تنقطع علقة عن المبيع بعد.
الثالثة: أنه يعتق على البائع عقب إيجابه وقبل قبول المشتري.
الرابعة: أنه يعتق على البائع في حال انتقال الملك إلى
(1)
المشتري، حيث يترتب على الإيجاب والقبول انتقال الملك ونفوذ العتق. فيتدافعان وينفذ العتق لقوته وسرايته دون انتقال الملك.
ولعل هذه هي الصحيحة لقوله في " التنقيح ": عتق ولم ينتقل الملك.
الخامسة: أنه يعتق بعد انعقاد البيع وصحته وانتقال الملك إلى المشتري ثم ينفسخ البيع بالعتق على البائع.
وسلك الشيخ تقي الدين طريقة سادسة فقال: إن كان المعلق للعتق قصده اليمين دون التبرر بعتقه أجزأه كفارة يمين إذا باعه، وإن قصد به التقرب صار عتقه مستحقا، كالنذر. فلا يصح بيعه، ويكون العتق معلقا على صورة البيع.
ولا يختلف الحكم إذا قال المالك: إن بعته فهو حر، وقال أجنبي: إن اشتريته فهو حر: فإنه يعتق على البائع دون المشتري.
(وإلا) أي: وإن لم يقل المالك
(2)
: إن بعتُه فهو حر (وقال) إنسان (آخر: إن اشتريته فهو حر. فاشتراه عتق) على الأصح. نص على ذلك؛
(1)
في أ: على.
(2)
في ج: البائع.
لأن الشراء يراد للعتق ويكون مقصوداً، كما في شراء ذي الرحم وغيره.
(ومن) باع شيئا و (شرط) على المشتري (البراءة من كل عيب) في
المبيع، (أو من عيب كذا إن كلان) في المبيع: فالبيع صحيح، و (لم يبرأ)
البائع بذلك إذا وجد المشتري بالمبيع عيباً لم يعلمه حين العقد على الأصح؛ لما
روي " أن عبد الله بن عمر باع زيد بن ثابت عبداً بشرط البراءة بثمانمائة درهم.
فأصاب زيد به عيباً. فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله. فترافعا إلى عثمان.
فقال عثمان لابن عمر: تحلف أنك لم تعلم بهذا العيب؛ قال: لا. فرده عليه
فباعه ابن عمر بألف درهم "
(1)
. رواه الإمام أحمد.
وهذه قصة اشتهرت ولم تنكر. فكانت كالإجماع.
ولأن خيار العيب إنما يثبت
(2)
بعد البيع. فلا يسقط بإسقاطه قبله؛
كالشفعة.
(وإن سماه) أي: سمى البائع العيب للمشتري، (أو أبرأه) أي: أبرأ
المشتري البائع من العيب (بعد العقد: برئ) البائع من العيب في الصورتين.
أما في الأولى؛ فلأنه قد أعلم بالعيب ورضي به.
وأما في الثانية؛ فلأنه أسقطه بعد ثبوته له بالعقد. فسقط؛ كالشفعة.
(1)
أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(14722) 8: 163 كتاب الييوع، باب البيع بالبراءة
…
وأخرجه مالك في " الموطأ " 41) 2: 477 كتاب البيوع، باب العيب في الرقيق.
وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 328 كتاب البيوع، باب بيع البراءة.
(2)
في ج: ثبت.
] فصل: من باع فبان أكثر مما سماه]
(فصل. ومن باع ما) أي: شيء (يُذرع)؛ كأرض وثوب (على أنه عشرة) من الأذرع أو من الأشياء أو من غير ذلك، (فبان) المبيع (أكثر) مما سماه له:(صح) البيع والزيادة للبائع
(1)
؛ لأن ذلك نقص على المشتري. فلم يمنع صحة البيع؛ كالعيب.
وعنه: أنه باطل.
(و) على المذهب: (لكل) من البائع والمشتري (الفسخ) أي: فسخ البيع دفعاً لضرر الشركة، (ما لم يعط) البائع (الزائد) للمشتري (مجاناً) أي: من غير عوض. فيسقط خيار المشتري؛ لأن البائع زاده خيراً.
(وإن بان) المبيع (أقل) من عشرة (صح) البيع أيضا، (والنقص) من العشرة (على بائع)؛ لأنه التزمه بالبيع.
(ويخير) بائع (إن أخذه) أي: أخذ الناقص (مشتر بقسطه) من الثمن بين الرضى والفسخ دفعا لضرر المشاركة. (لا إن أخذه) مشتر (بجميعه) أي: بجميع الثمن؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك، (ولم يفسخ) المشتري، ولا يجبر أحدهما على المعاوضة.
(ويصح) البيع (في صُبرة) على أنها عشرة أقفزة، (و) في (نحوها) أي: نحو الصبرة؛ كزبرة حديد على أنها عشره أرطال.
(ولا خيار لمشتر) إن بانت أكثر، إذ لا ضرر عليه في رد الزائد، ولا إن بانت أقل؛ لأن نقصان القدر ليس بعيب في الباقي.
ويأخذها المشتري بقسطها من الثمن.
(1)
في أ: للبيع.
] باب: الخيار]
هذا (باب) يذكر فيه أقسام الخيار في البيع، وحكم قبض المبيع، وحكم
الإقالة.
ثم (الخيار: اسم مصدر اختار) يختار اختيارًا.
(وهو) أي: الخيار في البيع وفي غيره: (طلب خير الأمرين). والأمران
في العقود.
هما: الإمضاء والفسخ.
(وأقسامه) أي: أقسام الخيار في البيع (ثمانية):
القسم الأول: (خيار المجلِس) بكسر اللام. وهو: موضع الجلوس. والمراد به: مكان التبايع.
(ويثبت) خيار المجلس (في بيع) لم يقع العقد فيه على أن لا خيار فيه على
ما يأتي. وعلى هذا أكثر أهل العلم.
ويروى أيضا عن عمر وابنه وابن عباس وأبي هريرة وأبي برزة الأسلمي. وبذلك قال ابن المسيب وشريح والشعبي وعطاء وطاووس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور.
وقال مالك وأصحاب الرأي: يلزم بالإيجاب والقبول، ولا خيار للمجلس؛ لأنه روي عن عمر:" البيع صفقة أو خيار ".
ولأنه عقد معا وضة. فلزم بمجرده؛ كالنكاح.
ولنا: ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما الآخر. فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم
يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع "
(1)
. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا "
(2)
. يرويه عبدالله بن عمر وحكيم
ابن حزام وعبدالله بن عمرو وأبو برزة. واتفق على حديث ابن عمر وحكيم. ورواه عن نافيع عن ابن عمر مالك وأيوب وعبيدالله بن عمر وابن جريج والليث بن سعد ويحيى بن سعيد وغيرهم.
وهو صريح في حكم المسألة.
وعاب كثير من أهل العلم على مالك مخالفته للحديث مع روايته له وثبوته عنده.
قال الشافعي: لا أدري هل اتهم مالك نفسه أو نافعاً، وأعظم أن أقول عبدالله بن عمر.
فإن قيل: المراد بالتفرق في الحديب التفرق بالأقوال، كما قال الله سبحانه وتعالى:(وماتفرق الذين أوتوا الكتاب)] البينة: 4].
وكما قال صلى الله عليه وسلم: " ستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة "
(3)
. أي:
با لأقوال والاعتقادات.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2006) 2: 744 كتاب البيوع، باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع.
وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1531) 3: 1163 كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(1976) 2: 733 كتاب البيوع، باب ما يمحق الكذب والكتمان في البييع. عن حكيم بن حزام. و (2001) 2: 742 كتاب البيوع، باب كم يجوز الخيار، عن ابن عمر.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1531) 3: 1163 كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتابيعين. و (1532) 3: 1164 كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(3457) 3: 273 كتاب الإجارة، باب في خيار المتبايعين. عن
أبي برزة الأسلمي.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1247) 550:3 كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار مالم يتفرقا. عن عبدالله بن عمرو بن العاص.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(2640) 5: 25 كتاب الإيمان، باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة.
فالجواب: أن هذا باطل، لوجوه:
منها: أن اللفظ لا يحتمل ما قالوه. إذ ليس بين المتبايعين تفرق بقول
ولا اعتقاد، ولا يكون البيع إلا عند اتفاقهما على الثمن والمثمن.
الثانى: أن هذا التأويل يُبطل فائدة الحديث. إذ علم. أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه أو تركه.
الثالث
(1)
: أنه قال في الحديث: " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار "
(2)
. فجعل لهما الخيار بعد تبايعهما وقال: " وإن تفرقا بعد أن تبايعا"
(3)
.
الرابع: أن ذلك يرده تفسير ابن عمر للحديث بفعله. فإنه كان إذا بايع
(4)
رجلا مشى خطوات ليلزم البيع، وتفسير أبي
(5)
برزة له بقوله على مثل قولنا وهما راويا الحديث.
وقول عمر: " البيع صفقة أو خيار " معناه: أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار، وبيع لم يشترط فيه سماه صفقة، لقصر مدة الخيار فيه. فإنه قد روى عنه أبو إسحاق الجوزجانى مثل مذهبنا.
ولا يصح قياس البيع على النكاح، لأن النكاح لا يقع غالبا إلا بعد رويّة ونظر. فلا يحتاج إلى الخيار بعده.
ولأن في ثبوت الخيار في النكاح مضره لما يلزم من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد، وذهاب حرمتها بالرد، وإلحاقها بالسلع.
ولما كان البيع يشمل الكتابة استثناها بقوله: (غير كتابة). وستأتي علة
ذلك في باب الكتابة.
(1)
في أ: الثالثة.
(2)
سبق تخريجه ص (72) رقم (1).
(3)
سبق تخريجه ص (72) رقم (1).
(4)
في ب: باع.
(5)
في أوب: ابن.
(و) غير (تولي طرفي عقد) بأن كان البائع هو المشتري؛ لأنه تولى طرفي العقد. فلم يثبت له خيار في الأصح؛ كالشفيع.
(و) غير (شراء من يعتق عليه)؛ كذي رحمه المحرم.
قال (المنقح: أو يعترف بحريته قبل الشراء)؛ لعتقه بالملك المنتقل بمجرد العقد. أشبه ما لو مات قبل التفرق.
(وكبيع) في ثبوت خيار المجلس فيه
(1)
(صلح) بمعنى بيع، (وقسمة) بمعنى بيع، (وهبةٌ بمعناه) أي: بمعنى بيع. والصلح بمعنى البيع، كما إذا أقر له بدين أو عين ثم صالحه عنه بعوض. والقسمة بمعنى البييع هي التي يشترط لها التراضي، والهبة التي بمعنى البييع هي التي بعوض معلوم.
(و) كبيع أيضا (إجارة)؛ لأنها عقد معاوضة. أشبهت البيع.
(و) كبيع أيضا (ما قبضُه) أي: قبض العوض فيه (شرط لصحته؛ كصرف، وسلم، و) بيع (ربوي) من مكيل أو موزون (بجنسه) على الأصح، لعموم الخبر.
ولأن موضوع خيار المجلس للنظر في الحظ، وهو موجود فيما قبضه شرط لصحته.
(لا في مُساقاة ومزارعة) ومثلها شركة وجعالة ووكالة ووديعة، لأن كلا من
هذه العقود جائز على المذهب. فلا يثبت فيها خيار استغناءً بجوازها والتمكن من فسخها بأصل وضعها.
(و) لا في (حَوالة) في الأصح، لأنها عقد لازم يستقل به أحد المتعاقدين. فلا خيار فيه؛ كالأخذ بالشفعة.
ولأن الخيار إذا لم يثبت في أحد طرفي العقد لا يثبت في الآخر؛ كسائر العقود.
(1)
في ب: ثبوت الخيار فيه.
(و) لا في (سبق)؛ لأنه عقد جُعالة.
(و) لا في (نحوها) أي: نحو ما تقدم كوقف؛ لأنه يستقل به أحد المتعاقدين، وككفالة، وضمان؛ لدخول الكفيل أو الضامن راضياً بالغبن. وكعقد رهن؛ لأن المرتهن يستغني بالجواز
(1)
في حقه عن ثبوت خيار آخر، والراهن
(2)
يستغني بثبوت الخيار له إلى أن يقبض الرهن.
(ويبقى) خيار المجلس لمن ثبت له (إلى أن يتفرقا). ولا خلاف في لزومه بعد التفرق؛ لدلالة الحديث عليه. لكن لا بد أن يكون التفرق الذي يلزم البيع به بما يعدونه الناس تفرقاً (عرفاً)؛ لأن الشارع علق على التفرق حكماً هو: لزوم البيع به ولم يبينه. فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس؛ كالقبض والإحراز. فإن كانا في مكان واسع؛ كالمجلس الكبير والصحراء فبأن يمشي أحدهما مستدبرًا لصاحبه خطوات في الأصح.
وقيل: هو أن يبعد منه
(3)
حث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة.
قال أبو الحارث: سئل أحمد عن تفرقة الأبدان؛ فقال: إذا أخذ هذا كذا وأخذ هذا كذا فقد تفرقا.
وإن كانا في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت فالمفارقه أن يفارقه من بيت إلى
بيت أو إلى مجلس أو صفه أو نحو ذلك.
وإن كانا في دار صغيرة فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد افترقا.
وإن كانا في سفينة كبيرة فبصعود أحدهما أعلاها إن كانا أسفل أو نزوله إلى أسفلها إن كانا في أعلاها. وإن كانت صغيره فبخروج أحدهما منها. (بأبدانهما) فلو حجز بينهما بحاجز كحائط ونحوها أو ناما لم يعد تفرقا؛ لبقائهما بأبدانهما بمحل العقد. وخيارهما بحاله ولو طالت المدة.
(1)
في ب: في الجواز.
(2)
في ج: والرهن.
(3)
في أ: عنه.
وقد روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن أبي الوضيء قال: " غزونا غزوة لنا. فنزلنا منزلاً. فباع صاحب لنا فرساً بغلام. ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما. فلما أصبحا من الغد وحضر الرجل قام إلى فرسه
(1)
يسرجه. فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع. فأبى الرجل أن يدفعه إليه. فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر. فقالوا له هذه القصة. فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. وما أراكما افترقتما "
(2)
. رواه أبو داود والأثرم.
(و) تفرقهما (مع إكراه) لهما أو لأحدهما
(3)
على التفرق، (أو) تفرقهما
مع (فزع من مخوف)؛ كما لو رأيا سبعا أو ظالما خشياه فهربا أو أحدهما فزعا منه، (أو) تفرقا بسبب (إلجاء) إلى التفرق (بسيل) أو نار ونحوهما مما يلجأإلى التفرق، (أو) تفرقا بسبب (حمل) على التفرق من ريح أو نحوه: لا يعد تفرقا في الشرع؛ لأن لزوم البيع حكم علق على التفرق. فلم يثبت مع الإكراه ونحوه؛ كبقية الأحكام.
ويبقى خيار من لم يحصل التفرق باختياره (إلى أن يتفرقا من مجلس زال فيه) الحامل على التفرق من غير رضى.
ويستثنى من ثبوت خيار المجلس ما أشير إليه بقوله: (إلا أن يتبايعا على أن
لا خيار) يعني: أن البيع لازم بمجرد العقد.
(أو يسقطاه) يعني: أن المتبايعين متى أسقطا
(4)
خيار المجلس (بعده) أي: بعد العقد وقبل التفرق سقط؛ لأنه حق ثبت للمسقط بعد البيع. فصح إسقاطه؛ كالشفعة. وهذا الأصح من الروايتين.
(1)
في أ: لفرسه.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3457) 3: 273 كتاب الإجارة، باب في خيار المتبايعين.
(3)
في أ: إحداهما.
(4)
في أ: أسقط.
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه: " المتبايعان بالخيار ما لم
يتفرقا. إلا أن يكون البيع كان عن خيار. فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع "
(1)
. والتخاير في ابتداء العقد وبعده في المجلس واحد. فالتخاير في ابتدائه أن
يقول: بعتك ولا خيار بيننا، ويقبل الآخر على ذلك فلا يكون لهما خيار.
والتخاير بعده أن يقول كل واحد منهما بعد العقد: اخترت إمضاء البيع أو
إلزامه، أو اخترت
(2)
العقد، أو أسقطت خياري. فيلزم العقد من الطرفين.
(وإن أسقطه) أي: أسقط خيار المجلس (أحدهما) أي: أحد المتبايعين
(أو قال) احدهما (لصاحبه: اختر): سقط خيار المسقط وخيار من قال لصاحبه: اختر، و (بقي خيار صاحبه)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديبث ابن عمر:
" فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع "
(3)
. يعني: لزم. ولأنه جعل الخيار لغيره. فلم ييق له شيء؛ كما لو كان خياره خيار شرط.
وأما كون الذي لم يتكلم يبقى على خياره؛ لأنه لم يوجد منه ما يبطله.
(وتحرم الفرقة خشية الاستقالة) يعني: أنه يحرم على أحد المتبايعين أن
يفارق صاحبه خشية أن يفسخ البيع في المجلس على الأصح.
وهذا ظاهر ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا ان يكون صفقة خيار. فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله "
(4)
. رواه النسائي والأثرم والترمذي وقال: حديث حسن.
(1)
سبق تخريجه ص (72) رقم (1).
(2)
في أ: واخترت.
(3)
سبق تخريجه ص (72) رقم (1).
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3456) 3: 273 كتاب الإجارة، باب في خيار المتبايعين.
وأخرجه الترمذي في "جامعه "(1247) 3: 550 كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيارما لم يتفرقا.
وأخرجه النسائي في " سننه "(4483) 7: 251 كتاب البيوع، وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما بأبدانهما.
وما روي عن أين عمر " أنه كان إذا اشترى شيئا يعجبه مشى خطوات ليلزم البيع "
(1)
: فمحمول على أنه لم يبلغه الحديث ولو بلغه لما خالفه.
(وينقطع خيارٌ) أي: خيار المجلس (بموت أحدهما) أي: أحد المتعاقدين؛ لأن الموت أعظم الفرقتين. (لا جنونه) في المجلس؛ لعدم التفرق. (وهو على خياره إذا أفاق) من جنونه. (ولا يثبت) الخيار (لوليه) في الأصح " لأن الرغبة في المبيع أو عدمها لا تعلم إلا من جهته.
وإن خرس قامت إشارته مقام نقطه.
القسم (الثاني) من أقسام الخيار: خيار الشرط. وهو: (أن يشترطاه) أي: يشترط المتعاقدان الخيار (في) صلب (العقد، أو) بعده (زمن الخيارين) أي: خيار المجلس وخيار الشرط، ويكون من حين اشترطاه. فإن كان مشروطا في العقد فيكون من حينه، لا من حين التفرق على الأصح، (إلى أمد معلوم) ولو فوق ثلاثة أيام:(فيصح) الشرط ويثبت الخيار.
وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وابن المنذر. وحكي عن الحسن بن صالح وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور.
وأجازه مالك فيما زاد على الثلاثة بقدر الحاجة؛ مثل قرية لا يصل إليها في
أقل من أربعة أيام.
وقال أبو حنيفه والشافعي: لا تجوز أكثر من ثلاث، لقول عمر: " ما أجد
لكم أوسع مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبان. جعل له الخيار ثلاثة أيام. إن رضي أخذ وإن سخط ترك "
(2)
.
ولأن الخيار ينافي مقتضى البيع؛ لأنه يمنع الملك واللزوم وإطلاق
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه " عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا. قال: فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعاً وهو قاعدٌ قام ليجبَ له الييع ". (1245) 3: 547
كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا.
(2)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 274 كتاب البيوع، باب الدليل على أن لا يجوز شرط الخيار في البيع أكثر من ثلاثة أيام.
التصرف. وإنما جاز للحاجة. فجاز القليل منه، وآخر حد القلة ثلاث.
قال الله سبحانه وتعالى: (تمتعوا فى داركم ثلاثة أيام)] هود: 65 [بعد
قو له: (فيأخذكم عذاب قريب)] هود: 64].
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: " المسلمون على شروطهم "
(1)
.
ولأنه حق يعتمد الشرط. فرجع في تقديره إلى مشترطه " كالأجل. أو يقال؛ لأنه مدة ملحقة بالعقد. فجاز ما اتفقا عليه؛ كالأجل.
ولم يثبت ما روي عن عمر، وقد روي عن أنس خلافه.
وتقدير مالك بالحاجة لا يصح. فإنه لا يملك ضبط الحكم بها لخفائها
(2)
واختلافها. وإنما يرتبط بمظنتها وهو الإقدام. فإنه صلح أن يكون ضابطا، وربط الحكم به في الثلاث
(3)
وفي السلم والأجل.
وقول الآخرين: إنه ينافي مقتضى البيع لا يصح. فإن مقتضى البيع نقل
الملك والخيار لا ينافيه، وإن سلمنا ذلك " لأنه متى خولف الأصل لمعنى في محل وجب تعدية الحكم إنيه لتعدي ذلك المعنى.
وعلم مما تقدم أنه لا يصح اشتراطه بعد لزوم العقد ولا إلى أجل مجهول.
وهو المذهب.
وعنه: يجوز إلى أجل مجهول. فعليهما يكونان على خيارهما إلى أن يقطعاه أو تنتهي مدة ما علق عليه؛ كالحصاد ونحوه.
وحيث علم الأمد فإنه يصح ولو طال حتى (ولو فيما) أي: في مبيع
(4)
(يفسد قبله) أي: قبل انتهاء الأمد؛ كما لو تبايعا بطيخا واشترطا الخيار فيه
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3594) 304:3 كتاب الأقضيه، باب في الصلح.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1352) 3: 634 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس.
(2)
في أ: بخفائها.
(3)
في ج: الثلاثة.
(4)
في ج: بيع.
عشر سنين فإنه يصح، (ويباع) البطيخ (ويحفظ ثمنه إليه) أي: إلى الأمد. وهذا قياس ما يذكر في الرهن.
(لا) إن اشترط الخيار (في عقد حيلة، ليربح فى قرض. فيحرم) نصاً. (ولا خيار) معتد
(1)
به شرعا. (ولا يحل تصرفهما) أي: المتبايعين في ثمن ولامثمن.
قال (المنقح: فلا يصح البيع)، لعدم الفائدة بتحريم تصرف كل واحد منهما فيما صار إليه.
(ويثبت) أي: خيار الشرط (في بيع، وصلح وقسمة) كانا (بمعناه، و)
في (إجارة في ذمة)، كخياطة ثوب، لأنه استدراك للغبن. فيثبت، كخيار المجلس.
(أو) في إجارة (مدة لا تلي العقد)] وكان الخيار ينقضي قبل دخولها [
(2)
،
كما لو أجره سنة خمس في سنة أربع] بشرط الخيار إلى مده معلومة تنقضي قبل دخول سنة خمس [
(3)
" لأنها لو وليته لأدى ذلك إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها أو استيفائها في مدة الخيار، وكلاهما غير جائز.
وقيل: بلى، قياساً
(4)
على البيع.
ولا يثبت الخيار في غير ما ذكر في الأصح.
وقال ابن حامد: يثبت في ضمان وكفالة.
وقال ابن الجوزي ونصر بن علي صاحب " روضته ": فقهنا يثبت كما يثبت خيار المجلس.
ولما كان إطلاق البيع يشمل أنواعه كلها ومنها ما لا يصح أن يدخله خيار
(1)
في ج: يفسد، وفي ب: متعد.
(2)
زيادة من ج.
(3)
زيادة من ج.
(4)
في أ: قياس.
الشرط نفاه بقوله: (لا فيما) أي: لا في بيع (قبضُه) في المجلس (شرط لصحته) أي: لصحة العقد عليه؛ كالصرف والسلم وبيع مال الربا بجنسه؛ لأن موضوع هذه العقود على أن لا يبقى بين المتعاقدين علقة بعد التفرق. بدليل اشتراط القبض. وثبوت خيار الشرط فيها يبقى بينهما علقا. فلا يصح شرطه فيها رواية واحدة.
(وابتداء أمد) أي: أمد خيار الشرط حيث وقع صحيحا (من عقد) شرط فيه؛ كأجل الثمن.
وقيل: من حين التفرق؛ لأن خيار المجلس ثابت حكما. فلا معنى لإثباته بالشرط. فلو قلنا من حين العقد فصرحا باشتراطه من حين التفرق أو بالعكس بطل في الصورة الأولى دون الثانية.
(ويسقط) أي: ينتهي (بأول الغاية) المغيى بها. (ف) إذا شرط (إلى صلاة) مكتوبة يسقط (بدخول وقتها؛ كـ) ما إذا شرطاه إلى (الغد) فإنه يسقط بأوله؛ لأن موضوع "إلى " لانتهاء الغاية. فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها، والأصل حملها على موضوعها. فلا تصرف عنه إلا بدليل.
ولأن الأصل لزوم العقد، وإنما خولف فيما اقتضاه الشرط. فيثبت ما تيقن منه، وما شككنا فيه رددناه إلى الأصل.
(وإن شرطاه) أي: الخيار سنة أو شهرًا (يوماً) يثبت (ويوما) لا يثبت، (صح في اليوم الأول)؛ لإمكانه (فقط)؛ لأنه إذا لزم في اليوم الثانى لم يعد إلى الجواز.
وفيه وجه: يبطل كله.
(ويصح شرطه) أي: الخيار (لهما) أي: للمتعاقدين (ولو) كانا (وكيلين). فإن النظر في تحصيل الحظ مفوض إلى الوكيل، (كـ) ما يصح اشتراطه (لموكليهما)؛ لأن الحظ لهما حقيقة، (وإن لم يأمراهما) أي: وإن لم يأمر الموكلان الوكيلين (به) أي: باشتراط الخيار؛ لما تقدم من أن تحصيل
الحظ مفوض إلى الوكيلين.
(و) يصح شرط الخيار (في) مبيع (معين من مبيعين بعقد) واحد؛ كما
لو تبايعا عبدين يسمى أحدهما سالما والآخر غانما في صفقة، واشترطا الخيار في سالم وحده أو في غانم وحده: فإنه يصح، لأن أكثر ما فيه أنه جمع بين مبيع فيه الخيار، ومبيع لا خيار فيه. وذلك جائز بالقياس على شراء ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه.
(ومتى فسخ) البيع فيما (فيه) الخيار منها (رجع بقسطه من الثمن)؛ كما
لو وجد أحدهما معيباً فرده.
(و) يصح شرط الخيار للمتبأيعين (متفاوتا)؛ كلهذا سنة ولهذا شهرا، (ولأحدهما) أي: أحد المتعاقدين دون الاخر " لأن ذلك حقهما. وإنما جوز رفقاً بهما فكيف ما تراضيا به جاز.
(و) يصح إذا لم يكن العاقدان
(1)
وكيلين أن يجعلا الخيار (لغيرهما) أي: غير المتعاقدين. (ولو) كان الغير
(2)
المشروط له الخيار (المبيع)؛ كما لو تبايعا عبدا وشرطا له الخيار فإنه يصح.
(ويكون) جعل الخيار للأجنبي (توكيلا له فيه) منهما. بدليل أنه (لا) يصح جعل الخيار (له) أي: للأجنبي (دونهما) أي: دون المتبايعين؛ لأن الخيار شرع لتحصيل الحظ لكل واحد من المتعاقدين. فلا يكون لمن لا حظ له فيه. وأما صحة جعله للمبيع، فلأنه بمنزلة الأجنبي.
(ولا يفتقر فسخ من يملكه) أي: يملك الفسخ من المتبايعين (إلى حضور صاحبه) أي: البائع الآخر، (ولا رضاه)، لأن الفسخ حل عقد جعل إليه. فجاز مع غيبه صاحبه وسخطه، كالطلاق.
(وإن مضى زمنه) أي: زمن الخيار المشترط (ولم يفسخ) البيع بفسخ من
(1)
في أ: العاقدين.
(2)
في أ: غير.
جُعل له: (لزم) العقد؛ لأنه لو لم يلزم لأفضى إلى بقاء الخيار أكثر من مدته المشترطة، وهو لا يثبت إلا بالشرط.
(وينتقل ملك) في مبيع إلى مشتر (بعقد). سواء جعلا الخيار لهما أو لأحدهما أيهما كان على الأصح؛ لقوله عليه السلام: " من باع عبدًا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع "
(1)
. رواه مسلم.
ووجهه: أنه جعل المال للمبتاع باشتراطه. وهو عام في كل بيع. فشمل
بيع الخيار.
ولأن البيع تمليك. بدليل صحته بقوله: ملكتك. فثبت به الملك في بيع الخيار؛ كسائر البيع. يحققه أن التمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري ويقتضيه لفظه، والشرع قد اعتبره وقضى بصحته. فيجب أن نعتبره فيما يقتضيه ويدل عليه لفظه. وثبوت الخيار فيه لا ينافيه.
وفيه رواية: لا ينتقل الملك إلا بانقضاء مدة الخيار.
(ولو فسخاه) أي: فسخ العقد المتعاقدان (بعد) أي: بعد العقد، وسواء فسخ بتقابل أو تخالف أو غير ذلك:(ف) على المذهب: (يعتق) بالشراء (ما) أي: رقيق (يعتق على مشتر) بقرابة أو تعليق أو اعترف بحريته. وينفسخ النكاج بشراء أحد الزوجين الآخر مع الخيار.
(ويلزمه) أي: المشتري (فطرة) قن (مبيع)؛ لانتقاله الملك له.
(وكسبه) أي: المبيع، (ونماؤه المنفصل) في مدة الخيار:(له) أي: للمشتري؛ لأنه
(2)
نماء ملكه الداخل في ضمانه؛ بقوله عليه الصلاة والسلام: " الخراج بالضمان "
(3)
. قال الترمذي: حديث صحيح.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1543) 3: 1173 كتاب البيوع، باب من باع نخلا عليها ثمر.
(2)
في أ: لا.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1286) 3: 582 كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد فيه عيبا.
واحتُرز بالمنفصل عن المتصل كالسِّمَن ونحوه. فإنه يتبع العين مع الفسخ؛ لتعذر انفصاله.
(وما أولد) مشتر بوطئه المحرم زمن خيار بائع من أمة مبيعة (فأم ولد) له؛
لأنه صادف محله. أشبه ما لو أحبلها بعد انقضاء مدة الخيار.
وفي سقوط
(1)
خيار البائع بإحبال المشتري الجارية روايتان. فعلى عدم سقوط خياره لبائع فسخ بعد ذلك قيمتها يوم إحبالها؛ لتعذر الفسخ فيها. (وولده) أي: المشتري (حر) ثابت النسب؛ لأنه من مملوكته،
ولا تلزمه قيمته.
(وعلى بائع بوطء) لمبيعة زمن الخيارين (المهر) لمشتر. ولا حد عليه إن جهل الحكم؛ للشبهة.
(و) عليه (مع علم تحريمه) أي: الوطء، (و) علم (زوال ملكه) عن المبيع بالعقد، (وأن البيع لا ينفسخ بوطئه) الأمة المبيعة:(الحد) نصاً؛ لأن وطأه في هذه الحالة لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك.
(وولده) في هذه الحالة (قِنّ) للمشتري. ومع جهل الحكم حر، وعليه قيمته يوم الولادة للمشتري.
(والحمل) الموجود (وقت العقد مبيع) على الأصح، (لا نماء) للمبيع.
وفيه رواية.
فعلى المذهب: يكون كأحد عينين.
(فترد الأمَّات بعيب، بقسطها) من الثمن.
وعلى رواية: أنه نماء: ترد الأم بالثمن كله.
(ويحرم تصرفهما) أي: المتبايعين (مع خيارهما) أي: مع شرط الخيار لهما زمنه (في ثمن معين ومثمن).
(1)
في أوب: سقوطه.
أما تحريم تصرف البائع في المبيع، فلكونه لا يملكه.
وأما تحريم تصرف المشتري فيه، فلكون المبيع لم تنقطع علق البائع عنه. (وينفذ عتق مشتر) أعتق المبيع زمن خيار البائع، لأنه عتق من مالك جائز التصرف. فنفذ؛ كما لو كان بعد مدة الخيار.
وقوله عليه السلام: " لا عتق فيما لا يملك ابن آدم "
(1)
: دال على نفوذه في الملك، وملك البائع الفسخ لا يمنعه.
ويسقطه فسخه حينئذ؛ كما لو وهب ابنه عبدا فأعتقه فإنه ينفذ مع ملك الأب
استرجاعه.
(لا غير عتق)؛ كوقف وإجارة (مع) وجود (خيار الآخر)؛ لأنه لم تنقطع علقة عن المبيع. (إلا) إذا تصرف (معه) أي: مع البائع كأن آجره له (أو بإذنه) أي: بإذن البائع فينفذ، لأن الحق لا يعدوهما.
(ولا يتصرف بائع مطلقا) أي: سواء كان الخيار لهما أو له وحده (إلا بتوكيل مشتر)؛ لأن الملك له. ويكون البائع وكيلا عن المشتري في التصرف، ولم ينفسخ البيع.
ويبطل خيارهما إن كان التوكيل فيما ينقل الملك، كالبيع ونحوه؛ لأنه يدل
على تراضيهما بإمضاء البيع، كما لو تخايرا.
(وليس) تصرف البائع إذا كان الخيار له وحده (فسخاً) للبيع نصا؛ لأن الملك انتقل عنه. فلم يكن تصرفه استرجاعا؛ كما لو وجد ماله عند مفلس، وكما لو أنكر البائع شرط الخيار.
(وتصرف مشتر) في المبيع مع شرطه الخيار له زمنه (بوقف أو بيع أو هبة، أو لمس) للأمة المبتاعة) لشهوة، ونحوه) أي: نحو اللمس لشهوة؛ كالتقبيل لها. (وسَوْمُه) معطوف على تصرف أي: سوم المشتري للمبيع بأن عرضه
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(6781) 2: 190
للبييع: (إمضاء) خبر تصرف للبيع. (وإسقاط لخياره) فيه " لأن فعل واحد مما ذكر دليل على الرضى به.
(لا) إذا تصرف في المبيع (لتجربة)، كركوب دابة لينظر سيرها، وحلب
شاة ليعلم قدر لبنها؛ لأن ذلك هو المقصود من الخيار. فلم يبطل به؛ (كاستخدام. ولا إن قبّلته) الأمة (المبيعة ولم يمنعها) نصاً، لأنه لم يوجد ما يدل على إبطاله.
ولأن الخيار له لا لها. فلو ألزمناه بفعلها ألزمناه
(1)
بغير رضاه.
(ويبطل خيارهما) أي: البائع والمشتري (مطلقا) أي: سواء كان خيار مجلس أو شرط، (بتلف مبيع بعد قبض، و) بـ (إتلاف مشتر إياه) أي: المبيع (مطلقا) أي: سواء
(2)
كان قبض أو لم يقبض، وسواء اشترى بكيل أو وزن أو عد أو ذرع أو لا؛ لاستقرار الثمن بذلك في ذمته والخيار يسقطه.
ولأنه خيار فسخ. فبطل بتلف المبيع " كخيار الرد بالعيب إذا تلف المعيب. (وإن باع عبدا بأمة) أي: بشرط الخيار، (فمات العبد) قبل انقضاء مدة الخيار، (ووجد بها) أي: بالأمة (عيبا) في مدة الخيار (فله ردها) على باذلها، (ويرجع) عليه (بقيمة العبد) الذي مات. وفرق بأن هنا
(3)
تلف بعض المبيع وفي التي قبلها كله.
(ويورث خيار الشرط إن طالب به) المورث (قبل موته) أي: موت المورث؛ لأنه حق ثبت بسبب عقد. فلم يسقط بموت بعد المطالبة به؛ كشفعه. وإلا فلا، لأنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء. فلم يورث؛ كالرجوع في الهبة.
ولأنه نوع خيار جعل للتمليك. أشبه خيار القبول في العقود.
قال أحمد: الموت يبطل به ثلاثة أشياء: الشفعة والحد إذا مات
(1)
في ب: لألزمناه.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: هناك.
المقذوف، والخيار إذا مات الذي اشترط الخيار لم يكن للورثة هذه الثلاثة أشياء، إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب
(1)
فليس يجب. إلا أن يشهد أني على حقي من كذا وكذا وأني قد طلبته فإن مات بعده كان لوارثه الطلب به.
) ولا يشترط ذلك) أي: المطالبة قبل الموت (في إرث خيار غيره) أي:
غير خيار الشرط " كخيار العيب والتدليس، لأنه
(2)
حق فسخ ثبت بعقد. فلم يحتج في انتقاله إلى مطالبة مورث، كالفسخ بالتحالف.
أو يقال: لأنه حق ثبت لمورث من غير اشتراطه. فقام وارثه فيه مقامه؛
كخيار قبول الوصية.
القسم (الثالث) من أقسام الخيار في البيع: (خيار غَبْن يخرج عن عادة)
نصا
(3)
.
وقيل: الثلث.
وقيل: السدس.
وجه الأول: أن الغبن لم يرد بتحديده الشرع. فرجع فيه إلى العرف؛
كالقبض والحرز.
ولأن ما يتغابن به الناس عادة في أسواقهم يتسامح فيه. فلا يثبت به خيار.
وله ثلاث صور:
أولاها: تلقي الركبان. وهو منهي عنه، لقوله عليه السلام: " لا تلقوا
الجلب. فمن تلقّاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار "
(4)
. رواه مسلم.
وإنما صح الشراء مع النهي، لأنه لم يرجع لمعنى في البيع وإنما هو للخديعة، ويمكن استدراكها با لخيار. أشبه المصرّاة.
(1)
في ج: يبطل.
(2)
في أ: له.
(3)
في أ: نصف.
(4)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1519) 3: 1157 كتاب البيوع، باب تحريم تلقي الجلب.
وأشير إلى هذا بقوله: (ويثبت) أي: خيار الغبن (لركبان) جمع راكب. والمراد هنا القادم من سفر وإن كان ماشيا (تُلُقُّوا) بالبناء للمفعول أي: تلقاهم الحاضر حين قربوا من البلد. فاشترى أو باع منهم قبل أن يعرفوا السعر.
(ولو) كان التلقي (بلا قصد) نصا؛ لأن مشروعية الخيار لهم إنما ثبت لإزالة ضررهم بالغبن، وقد يوجد مع عدم القصد.
(إذا باعوا) أي: الركبان (أو اشتروا وغُبِنوا) في حالة منهما؛ للحديث المتقدم.
وعنه: لا يصح العقد.
وعنه: يصح ولا يثبت فيه خيار.
الثانية: المشار إليها بقوله: (ولمستَرسِل) أي: ويثبت الخيار لمسترسل (غُبِن. وهو) أي: المسترسل لغة: اسم فاعل من استرسل: إذا اطمأن واستأنس. وشرعا: (من جهل القيمة) أي: قيمة المبيع، (ولا يحسن يُماكِسُ من
بائع ومشتر)؛ لأنه حصل له الغبن لجهله بالبيع فثبت له الخيار.
وفيه وجه: لا خيار له؛ كالعالم المستعجل.
الثالثة: النجش، وأشار إليها بقوله:(وفي نجش) أي: ويثبت الخيار في نجش، ثم فسر صورة النجش بقوله:(بأن يزايده) أي: يزايد المشتري في السلعة (من لا يريد شراء) ليغر المشتري.
وظاهره: أنه لا بد أن يكون المزايد عالما بالقيمة والمشتري جاهلا بها.
ويثبت له الخيار (ولو) كانت المزايدة (بلا مواطأة) مع البائع؛ للعلة المتقدمة في الصورة الأولى.
(ومنه) أي: من النجش قول بائع: (أعطيت) في هذه السلعة (كذا. وهو) أي: البائع (كاذب) في قوله لتغريره بالمشتري. ولهذا
(1)
يحرم على
(1)
في أ: وبهذا.
البائع ان يسوم المشتري كثيرا ليبذل قريبه. ذكره الشيخ تقي الدين.
(ولا أرش) لمن غبن (مع إمساك) للمبيع؛ لأن الشارع لم يجعل له ذلك، ولم يفت على المغبون جزء ويؤخذ الأرش في مقابلته.
(ومن قال) من بائع ومشتر (عند العقد: لا خلابة) قال الإمام: أرى ذلك جائزا، (فله الخيار إذا خلب) بالبناء للمعفول أي: غبن؛ لما روي " أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة "
(1)
. متفق عليه.
وهي بكسر الخاء أي: لا خديعة. ومنه قولهم: إذا لم تغلب فاخلب.
(والغَبن محرَّم)؛ للحديث المتقدم.
(وخياره) أي: الغبن (كعيب) أي: كخيار عيب (في عدم فورية)؛
لأنه خيار ثبت لدفع ضرر متحقق. فلم يبطل بالتأخير الخالي عن الرضى؛ كخيار القصاص.
(ولا يمنع الفسخ) من أجل الغبن في مبيع (تعيبه) أي: حدوث عيب فيه عند مشتر.
(وعلى مشتر الأرش) للعيب الحادث عنده؛ كتعيب مَعِيب عند مشترٍ على
ما يأنى.
(ولا) يمنع الفسخ أيضا (تلفه) أي: تلف المبيع، (وعليه) أي: على المشتري (قيمته) لبائعه؛ لدخوله في ضمانه.
(وللإمام جعل علامة تنفي الغبن عمن يُغبَن كثيرا). وفيه وجه.
(وكبيع) في ثبوب خيار غبن (إجارة، لا نكاج) - فلا فسخ لامرأة تبين
لها أن المسمى دون مهر مثلها، وفيه احتمال.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2011) 2: 745 كتاب البيوع، باب ما يكره من الخداع في البيع.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1533) 1165:3 كتاب البيوع، باب من يخدع في البيع.
واما الإجارة فلو غر
(1)
مستأجر مؤجرًا فأجره بدون أجره المثل ولم يعلم حتى مضى بعد المدة (فإن انفسخ) المؤجر (في أثنائها، رجع) على المستأجر (بالقسط من أجرة المثل، لا) بالقسط (من) الأجر (المسمى).
قال المجد: لأنه لو رجع عليه بذلك لم يستدرك ظلامة الغبن؛ لأنه يلحقه
(2)
فيما يلزمه من ذلك لمدته. ويفارق ما لو ظهر على عيب في الإجارة ففسخ أنه يرجع عليه بقسطه من المسمى، لأنه يستدرك ظلامته بذلك؛ لأنه يرجع بقسطه منها معيبا فيرتفع عنه الضرر بذلك. نقلته من خط القاضي على ظهر الجزء الثلاثين من تعليقه. انتهى.
وإلا لم يكن لثبوت الخيار فائدة، كما لو لم يعلم بائع بغبنه حتى تلف المبيع
عند المشتري فإن له الفسخ ويرجع بقيمة المبيع لا بالثمن المسمى.
القسم (الرابع) من أقسام الخيار في البيع: (خيار التدليس). ويثبت للمشتري (بما) أي: بتدليس (يزيد به الثمن) وإن لم يكن عيبا، (كتصرية اللبن) أي: جمعه (في الضرع) أي: ضرع بهيمة الأنعام " لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تُصِرُّوا الإبل والغنم. فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر "
(3)
. متفق عليه.
(وتحمير وجه، وتسويد شعر) من رقيق، (وتجعيده) أي: تجعيد شعر الرقيق. والجعد: ضد السبط.
(و) كـ (جمع ماء الرحى) أي: الماء الذي تدور به الرحى (وإرساله)
(1)
في ب: غبن.
(2)
في أ: يلحق.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2043) 2: 755 كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم وكل محفلة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1515) 3: 1155 كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه. . .
أي: الماء (عند عرض)؛ لأنه إذا أرسله بعد حبسه اشتد وكان الرحى حين ذاك. فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد فى ثمنها. فإذا تبين التدليس ثبت له الخيار قياسا على المصراة.
ولأنه تدليس غرّ به المشتري. فكان له الخيار؛ كالنجش.
(ويحرم) التدليس (كـ) حرمة (كتم عيب)؛ للنهي عن التصرية.
ولقوله عليه السلام: " من غشنا فليس منا "
(1)
.
ولقوله عليه السلام: " من باع عيبا لم يبينه لم يزل في مقت من الله، ولم
تزل الملائكة تلعنه "
(2)
. رواه ابن ماجه.
(ويثبت لمشتر) بالتدليس (خيار الرد، ولو) كان التدليس (حصل) في المبيع (بلا قصد) من أحد؛ لأن عدم القصد لا أثر له في إزالة ضرر المشتري. وفيه وجه.
وعلم مما تقدم أنه لو دلسه مما لا يزيد به الثمن كتسبيط
(3)
الشعر، أو علم المشتري بالتدليس: لم يكن له خيار.
أما
(4)
المسألة الأولى؛ فلأنه
(5)
لا ضرر عليه بذلك.
وأما الثانية؛ فلأنه دخل على بصيرة. فلم يثبب له الرد؛ كما لو اشترى معيباً يعلم عيبه.
(ومتى علم) المشتري (التصرية خُيّر ثلاثة أيام منذ علم).
وقيل: بعدها على الفور.
وقيل: يخير مطلقا ما لم يرض؛ كبقية التدليس.
(1)
سبق تخريجه ص (28) رقم (2).
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2247) 2: 755 كتاب التجارات، باب من باع عيبا فليبينه.
(3)
في أ: كتسبيطه.
(4)
في أ: أن.
(5)
في ج: فإنه.
وجه الأول: ظاهر قوله عليه السلام: " من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر"
(1)
رواه مسلم. فإنه يقتضي ثبوت الخيار في الأيام الثلاثة كلها.
والخيار على المذهب (بين إمساك بلا أرش)؛ لأن الشارع لم يجعل له فيه أرشا. وفيه روايه نقلها ابن هانئ وغيره.
(و) بين (رد مع صاع تمر)؛ للحديث المتقدم (سليم)؛ لأن إطلاق التمر يحمل عليه. (إن حلبها) أي: المصراة؛ لأن التمر إنما وجب بدلا للبن المحتلب
(2)
. (ولو زاد) أي: الصاع من التمر (عليها) أي: على المصراة (قيمة) نصاً.
(وكذا) الحكم (لو ردت) المصراة (بغيرها) أي: بعيب غير التصرية.
وله ردها بعد رضاه بالتصرية بعيب غيرها؛ كما لو اطلع على عيب في المبيع فرضي به ثم وجد به آخر. فيرد معها إذا ردت بغير التصرية صاعاً من تمر، ويتعدد الصاع بتعدد المصراة.
(فإن عُدم) التمر حين رد المصراة بمحل الرد (فقيمته)؛ لأنها بدل مثله
عند إعوازه (موضع عقد)؛ لأنه بمنزلة عين أتلفها فيجب عليه قيمتها.
(ويقبل ردُّ اللبن) المحلوب ما دام (بحاله بدل التمر)؛ كردها به قبل الحلب وقد أقر البائع له بالتصرية أو شهد له
(3)
من تقبل شهادته.
(وغيرها) أي: وخيار التدليس في غير المصراة (على التراخي؛ كمعيب). وتقدم التنبيه على ذلك.
(وإن صار لبنها) أي: المصراة (عادة: سقط الرد)؛ لأن الخيار حصل
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1515) 3: 1155 كتاب البيوع، " باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه. . .
(2)
في ج: المحلب.
(3)
في ب: به.
لدفع الضرر وقد زال؛ (كعيب زال) من معيب؛ لزوال الحكم بزوال علته. (و) كشراء الأمة (مزوجة بانت) قبل الرد. ونص الإمام على هذه.
] (وإن كان بغير مصراة لبن كثير فحلبه ثم ردها بعيب: ردَّه) أي: رد اللبن
الذي حلبه إن كان باقيا، (أو) رد (مثله إن عدم) لا إن كان يسيرا.
قال في " الرعاية ": وان اشترى شاة غير مصراة فحدث لها لبن فحلبه وردها بعيب فلا شيء عليه، وإن كان فيها لبن يسير فكذلك، وإن كان كثيرا لزمه مثله، وإن كان باقيا فوده انبنى على رد لبن التصرية]
(1)
.
(وله) أي: المشتري (رد مصراة من غير بهيمة الأفعام)؛ كأمة وأتان في الأصح؛ لأن لبن الأمة يراد للارتضاع، ولبن الأتان يراد لولدها. (مجاناً) أي: من غير عوض عن اللبن؛ لأنه لا يعتاض عنه عادة.
قال في " الفروع ": كذا قالوا وليس بمانع.
قال (المنقح: بل بقيمة ما تلف من اللبن) يعني: إن كان له قيمة.
القسم (الخامس) من أقسام الخيار في البيع: (خيار العيب وما بمعناه). وسيأتى مثال العيب، ومثال ما بمعناه.
(وهو) أي: العيب وما بمعناه: (نقص مبيع أو قيمته عادة)؛ لأن المبيع
إنما صار محلا للعقد باعتبار صفة المالية. فما أوجب نقصا فيها كان عيبا أو بمعناه. ولما لم يرد عن الشارع نص على كل فرد من ذلك رجع فيه إلى عادة أهل هذا الشأن. وهم التجار. فما عدوه في عرفهم منقصا أنيط الحكم به وما لا فلا. والعيب (كمرض) على جميع حالاته في جميع الحيوانات الجائز بيعها. (وبَخَرِ) في أمة أو عبد.
(وحول وخرس وكلف وطرش وقرع وتحريم عام) أي: بالملك والنكاح؛ (كمجوسية.
(1)
ساقط من أ.
وعَفَل وقَرَن وفتق ورَتق، واستحاضة وجنون وسعال وبحة، وحمل أمة)
وهو في البهيمة زيادة.
(و) كـ (ذهاب جارحة) من مبيع؛ كالإصبع الناقصة.
(أو) ذهاب (سن] من كبير) ممن
(1)
ثغر [
(2)
ولو كان آخر الأضراس.
(و) كـ (زيادتها) أي: زيا دة جارحة، كا لإصبع الزائدة، وزيادة سن.
(وزنا من بلغ عشراً) نصاً من عبد أو أمة.
(وشربه مسكرًا، وسرقته وإباقه، وبوله في فراشه، وحمق كبير) أي:
با لغ. (وهو) أي: وحمقه: (ارتكابه الخطأ على بصيرة.
وفزعه) أي: فزع الر قيق الكبير فزعاً (شديدًا. وكونه) أي: الر قيق (أعسر)
ولا يكون عيبا إلا إذا كان (لا يعمل بيمينه عملها المعتاد) وإلا فزيادة خير. (وعدم ختان ذكر) كبير، (وعثرة مركوب وكدْمه ورفسه وحرنه، وكونه شَمُوسا أو بعينه ظفرة) عيب فيه
(3)
.
(و) ما بمعنى العيب، كـ (طول مدة نقل ما في دار) مبيعة (عُرفا) أي:
مدة تعد طويلة في العرف.
(ولا أجرة) على بائع (لمدة نقل) حيث (اتصل) النقل (عادة) بالعقد حيث لم يفسخ المشتري، لأنه لما رضي بإمساك المبيع رضي بتلف المنفعه في زمان النقل.
وإنما ملك الفسخ؛ لطول تأخر تسليم المبيع عادة من غير شرط. أشبه ما لو كانت مؤجرة.
(وتثبت اليد) أي: يد المشتري عليها. فتدخل في ضمانه بالعقد.
(1)
في ج: أي من.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ب: به.
ومحل ذلك: ما لم يمنع البائع المشتري منها.
(وتُسوَّى الحفر) أي: الحفر الحادثة فيها بفعل البائع؛ كما لو كان له بها
دفين فأخرجه. فإن عليه ردها إلى الحالة التي كانت عليها حين رآها؛ كما لو حفر حفرة في أرض غيره بغير إذنه.
ولأنه ضرر لحق الأرض لاستصلاح ماله المخرج. فكان عليه إزالته.
(و) ما بمعنى العيب أيضا وجود (بق ونحوه) مما يؤذي. بشرط كونه
(غير معتاد بها) أي: بالدار المبيعة.
قال في " الفروع ": أنه ظاهر كلام الأصحاب، وقاله جماعة في زمننا.
انتهى كلامه.
وذلك لما فيه من الضرر الحاصل به؛ كما لو اشترى قرية فوجد فيها حية
عظيمة تنقص. الثمن.
(وكونها) أي: الدار المبيعة (ينزلها الجند) أي: صارت منزلة لهم.
نقله في " الفروع " عن القاضي وصاحب " الترغيب " وغيره؛ لما في ذلك من تفويت منفعتها زمن نزول الجند.
(و) كون (ثوب) مبيع مخيط (غير جديد، ما لم يَبِنْ أثر استعماله).
ذكره في " الواضح "، واقتصر عليه في " الفروع "؛ لنقصه بالاستعمال الذي لم يبين
(1)
للمشتري.
(و) كون (ماء) مبيع (استعمل في رفع حدث) لذهاب بعض منافعه،
(ولو اشتري) الماء (لشرب)؛ لأن النفس تعافه.
(لا معرفة غناء) فإنه ليس بعيب؛ لأنه ليس بنقص في عين ولا قيمة. أشبه الصناعة.
(و) لا (ثيُوبة)؛ لأن الغالب على الجواري الثيوبة. والإطلاق لا يقتضي خلافها.
(1)
في ج: يبن.
(و) لا (عدم حيض) نصا؛ لأن الإطلاق لا يقتضي الحيض ولا عدمه.
فلم يكن فواته عيباً.
(و) لا (كفر)؛ لأن الأصل في الرقيق الكفر
(1)
. فالإطلاق لا يقتضي خلاف ذلك.
(وفسق باعتقاد أو فعل)؛ لأن المشتري إذا لم يملك الفسخ بالكفر فعدم ملكه الفسخ بالفسق من باب أولى.
(و) لا (تغفيل وعُجْمة وقرابة).
أما التغفيل؛ فلأن الرقيق لا يشترط فيه الحذق.
وأما العجمة؛ فلأنها الأصل في الرقيق.
وأما القرابة بالرضاع أو النسب؛ فلا توجب خللا في المالية وإنما التحريم مختص به.
(و) لا (صُداع وحُمّى يسيرين.
وسقوط آيات يسيرة) عادة (بمصحف، ونحوه) كسائر الكتب؛ كغبن
يسير عاده؛ لأن مثل ذلك يتسامح فيه؛ كيسير تراب وعُقد ببر.
(ويخير مشتر في) مبيع (معيب قبل عقد) فيما يدخل في ضمان مشتر بمجرد عقد؛ كالعبد والثوب. (أو) قبل (قبض ما) أي: مبيع (يضمنه بائع قبله) أي: قبل قبض، وذلك (كثمر على شجر، ونحوه)؛ كالموصوف المعين، وما تقدمت رؤيته العقد بزمن لا يتغير فيه.
(وما أبيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع) على ما يأتي؛ لأن تعيب المبيع كتلف جزء منه. فإذا تعيب في زمن كان ضمانه فيه على المشتري كان عليه. فلا يملك المشتري خيارا فيه إلا إذا تعيب في زمن يكون ضمانه لو تلف فيه على بائع. (إذا جهله) أي: جهل المشتري العيب (ثم بان) له؛ لأنه إن كان عالماً
(1)
في أ: كفر.
به فلا خيار له بلا خلاف؛ لأنه دخل على بصيرة. أشبه ما لو صرح بالرضى به. وحيث وجد ذلك فإن المشتري يخير (بين رد) أي: رد المبيع على بائع بلا
نزاع في ملكه الرد؛ لأن مطلق العقد يقتضي السلامة. وحيث ظهر معيبا ثبت له خيار الرد؛ استدراكا لما فاته، وإزالة لما يلحقه من الضرر في بقائه في ملكه ناقصا عن حقه.
(ومُؤنته) أي: الرد (عليه) أي: على مشتر؛ لأنه باختيار الرد انتقل
المبيع عنه إلى بائع. فتعلق بالمشتري حق التوفية.
(ويأخذ) المشتري (ما دفع) لبائع من ثمنه (أو) بدل ما (أبرأ) بائع من
ثمنه مشتريا إن لم يكن أقبضه شيئا.
(أو) يأخذ ما (وهب) له بائع (من ثمنه) إن لم يكن أقبضه شيئا.
وإن أقبضه البعض وأبرأ من البعض، أو وهب له البعض أخذ الجميع؛ لأن المشتري بالفسخ استحق استرجاع جميع الثمن؛ كزوج طلق قبل دخول وقد وهبته الصداق فإنه يرجع بنصفه.
(وبين إمساك مع أرش)؛ وذلك لأن المتبايعين تراضيا على أن العوض في
مقابلة المعوض. فكل جزء من العوض يقابله جزء من المعوض، ومع العيب فات جزء منه. فله الرجوع ببدله وهو الأرش.
وفيه روأية: لا أرش لممسك حذرا من أن يلزم البائع ما لم يرض به. فإنه لم
يرض بإخراجه عن ملكه إلا بهذا العوض. فإلزامه بالأرش إلزام له بما لا يلزمه، يحققه حديث المصراة.
وجوابه: أن المصراة ليس فيها عيب، وإنما ملك الخيار فيها بالتدليس، لا
لفوات جزء. فلذلك لم يستحق أرشا. بخلاف المعيب فإنه يستحقه عند تعذر الرد. فلم يصح الإلحاق.
ويجوز ان يسقط المشتري خيار الرد بعوض يبذله له البائع على حسب ما
يتفقان عليه وليس من الأرش في شيء. ذكره القاضي وابن عقيل في الشفعة.
ونص أحمد على مثله في خيار المعتقة تحت عبد. قاله في القاعدة التاسعة والخمسين.
(وهو) أي: الأرش: (قسط ما بين قيمته صحيحا ومعيبا من ثمنه) نص عليه.
فعلى هذا يُقوّم المبيع صحيحاً ثم معيباً. فيؤخذ قسط ما بينهما من الثمن، كما
إذا قوم صحيحا بعشرة ومعيبا بثمانية والثمن خمسة عشر مثلا فالنقص خمس القيمة. فيرجع بخمس الثمن وهو ثلاثة، لأن المبيع مضمون على المشتري بثمنه. ففوات جزء منه يسقط (1) عنه ضمان ما قابله من الثمن؛ لأنا لو ضمناه نقص القيمة لأفضى إلى اجتماع الثمن والمثمن للمشتري في صورة ما إذا اشترى شيئا بعشرة وقيمته عشرون فوجد به عيبا ينقصه النصف فأخذها. وهذا لا سبيل إليه.
ومحل ذلك: (ما لم يفض) أخذ الأرش (إلى ربا). وصورة ذلك: (كشراء حلي فضة بزنته دراهم، أو) شراء (قفيز مما يجري فيه ربا)، كبر وشعير (بمثله، ويجده) أي: الحلي أو القفيز (معيبا. ف) إن المشتري في هذه الصورة ليس له إلا أن (يرد أو يمسك مجانا) أي: من غير أرش " لأن أخذ الأرش يؤدي إلى ربا الفضل.
(وإن تعيب) أي: الحلي أو القفيز المعيب (أيضا) أي: بعيب آخر (عنده) أي: عند المشتري: (فسخه) أي: العقد (حاكم)، لتعذر فسخ كل من البائع والمشتري، لأن الفسخ من أحدهما إنما هو لاستدراك ظلامته؛ لكون الحق له. وأما هنا فإن فَسَخَ البائع فالحق عليه؛ لكونه باع معيبا، وإن فسخ المشتري فالحق عليه؛ لكون المبيع تعيب عنده. فكل واحد منهما إذا فسخ يفر مما عليه، والعيب الموجود قبل الشراء وبعد الشراء لا يهمل، وقد تعذر الفسخ من المتبايعين بلا رضاهما فما لنا طريق إلى التوصل إلى الحق إلا بفسخ الحاكم. كذا علله المنقح في " حواشيه على التنقيح ".
(ورد بائع الثمن) المقبوض، (وطالب) مشتريا (بقيمة المبيع) معيباً بالعيب الأول.
ومحل هذا: اذا لم يرض المشتري بإمساكه بالعيب الأول بدليل قولهم؛
(لأن العيب) من حيث هو (لا يهمل بلا رضاً، ولا أخذ أرش)؛ لأن المشتري لم يرض بإمساكه مجاناً ولم يمكنه أخذ أرش العيب الأول، ولا رده مع أرش العيب الحادث عنده؛ لإفضاء كل منهما إلى ربا الفضل.
(وإن لم يعلم) المشتري للحلي بالدراهم أو لما يجري فيه الربا بمثله (عيبه) أي: عيب ذلك (حتى تلف عنده) المبيع، (ولم يرض بعيبه: فسخ العقد)؛ لأنه وسيلة إلى استدراك ظلامته.
(ورد) مشتر (بدله) أي: بدل المبيع المعيب التالف عنده، (واسترجع الثمن) الذي كان أقبضه للبائع. وإنما كان الأمر كذلك؛ لتعذر أخذ الأرش المفضي إلى ربا الفضل.
(وكسبُ مبيع) معيب من عقد إلى رد (لمشتر)؛ لأن المبيع لو هلك كان
من ماله.
(ولا يرد) مشتر مع مبيع معيب (نماء منفصلا) منه؛ كثمرة شجرة، وولد بهيمة، (إلا لعذر؛ كولد أمة). والعذر هنا: تحريم التفريق.
(وله) أي: للمشتري] (قيمته) أي: الولد على بائع؛ لأنه نماء ملكه.
وعنه: لا يرد معيب إلا مع نمائه.
(وله) أي: المشتري [
(1)
(رد) مبيعة (ثيب وطئها) المشتري قبل اطلاعه على عيبها (مجانا) أي: من غيرشيء معها.
] وعنه: يرد معها [
(2)
مهر مثلها.
وعنه: أن الوطء يمنع الرد.
ووجه الأول: أنه لم يحصل بذلك نقص جزء ولا صفة؛ كما لو كانت مزوجة فوطئها الزوج.
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من أ.
(وإن وطئ) المشتري (بكرًا، أو تعيَّب) المبيع عنده، كثوب قطع،
(أو) كان عبداً (نسي صنعة عنده). ثم بان المبيع معيباً: (فله) أي: المشتري أحد شيئين: (الأرش) للعيب الذي بان به، (او ردَّه) على بائعه (مع أرش نقصه) الحادث عند المشتري. وهو: زوال البكارة، وقطع الثوب،
ونسيان الصنعة.
والأرش هنا: ما بين قيمه البكر معيبة بالعيب الأول وقيمتها ثيبا بالعيب
إلأول. وقيمة الثوب معيباً غير مقطوع وقيمته معيبا مقطوعا. وقيمة العبد معيبا
ناسياً للصنعة وقيمته معيبا حافظا لها؛ لما روى الخلال بإسناده عن ابن سيرين " أن عثمان رضى الله تعالى عنه قال في رجل اشترى ثوباً ولبسه ثم اطلع على عيب. فرده
(1)
وما نقص ".
فأجاز الرد مع النقصان. وعليه اعتمد الإمام.
ولأنه عيب حدث عند أحد المتعاقدين. فلم يمنع الخيار المذكور، كالعيب
الحادث عند البائع قبل القبض.
وعنه: ليس له إلا الأرش.
(و) على المذهب. لو رده ورد معه أرش العيب الحادث عنده " كنسيان
الصنعة. (لا يرجع به) أي: بأرش العيب الحادث عنده (إن زال) بأن ذكر الصنعة التى نسيها؛ لأن المشتري لما فسخ العقد بسبب العيب القديم صار المبيع مضموناً عليه بقيمته معيباً بالعيب الأول فقط. بخلاف ما إذا أخذ المشتري أرش
العيب من البائع ثم زال سريعاً. فإنه يرد الأرش؛ لزوال نقص المعيب الذي
وجب لأجله الأرش.
(وإن دلّس بائع) العيب بأن علمه وكتمه (فلا أرش) له بتعيبه عند مشتر
بفعله كوطء البكر، وخنثى غير مختتن ونحو ذلك مما هو مأذون فيه شرعاً.
(1)
في هامش ب: وفى نسخة: يرده. من غير فاء. وهي الأصح.
بخلاف قطع عضو، وقلع سن ونحو ذلك. فإنه لا يذهب هدراً. أو فعل المبيع؛ كإباقة، أو فعل أجنبي؛ كجنايته. أو فعل] الله تعالى [
(1)
؛ كالمرض.
(وذهَبَ) المبيع (عليه) أي: على البائع (إن تلف) المبيع بغير فعل المشتري؛ كما لو مات، (أو أبق). نص عليه في رواية حنبل وابن القاسم. ويحكى عن الحكم ومالك؛ لأنه غره، ويتبع البائع عبده حيث كان.
(وإلا) أي: وإن لم يكن البائع دلس العيب، (فتلف) المبيع العيب في يد المشتري، (أو عتق، أو لم يعلم) المشتري (عيبه حتى صبغ) الثوب، (أو نسج) الغزل، (أو وهب) المبيع، (أو باعه، أو) وهب أو باع (بعضه: تعين أرش) نص عليه؛ لأن البائع لم يوفه ما أوجبه له العقد، ولم يوجد منه الرضى به ناقصا. فكان له الرجوع عليه؛ كما لو أعتقه.
وعلم من هذا: أنه إن فعل ذلك عالما بعيبه انه لا أرش له؛ لأنه قد رضي بالمبيع ناقصا. فسقط حقه من الأرش؛ كالرد.
وعنه: فيمن باعه غير عالم بعيبه لا شيء عليه
(2)
. إلا أن يرد عليه المبيع. فيكون له حينئذ الرد او الأرش.
وعلم مما تقدم أيضا: أنه إذا تصرف في البعض امتنع عليه الرد في الباقي. وعنه: له رده بقسطه من الثمن.
وعنه: فيما إذا صبغ المبيع أو نسج: أن له الرد، ويكون شريكاً بصبغه ونسجه. (ويقبل قوله) أي: قول مشتر تصرف في المعيب قبل علمه بعيبه (في قيمته). ذكره في "المنتخب " واقتصر عليه في " الفروع "؛ لاتفاق المتعاقدين على عدم قبض جزء من المبيع وهو ما يقابل الأرش. فقبل قول المشتري في قدره.
(لكن لو رُدّ عليه) أي: على من باع المعيب غير عالم بعيبه: (فله) أي:
(1)
في أ: ذلك معه.
(2)
في أوب: له.
للمردود
(1)
عليه أحد شيئين: (أرشه) أي: العيب، (أو ردُّه) أي: المعيب
على بائعه؛ لأنه إذا عاد ملكه ثبتت له الخيرة؛ كما لو لم يبعه.
(وإن باعه) المشتري قبل العلم بعيبه (لبائعه) ثم علم بالعيب: (فله رده)
على البائع الثانى، (ثم للبائع الثاني رده) أي: المبيع المردود (عليه) أي:
على البائع الأول.
(وفائدته) أي: فائدة وجود الرد من الجانبين: (اختلاف الثمنين) أي:
تظهر في اختلاف الثمنين.
وكذا إذا اختار الأرش؛ لما تقدم من أن الأرش: قسط ما بين قيمته صحيحاً
ومعيبا من ثمنه.
وفيه احتمال: لا رد؛ كما لو اتفق الثمنان.
(وإن كسَر) مشتر (ما) أي: مبيعا (مأكوله في جوفه)؛ كالجوز واللوز
والرمان ونحو ذلك، (فوجده) أي: المأكول (فاسداً، و) كان المبيع (ليس لمكسوره قيمة؛ كبيض الدجاج: رجع بثمنه)؛] لأنا تبينا فساد العقد من أصله؛ لكونه نفيع على ما لا يقيع فيه؛ كبيع الحشرات.
وإن كان مما يمكن أن يكون بعضه فاسداً دون البعض؛ كالجوز والرمان
ووجد بعضه فاسداً: رجع بقسطه من الثمن. وليس عليه رد فاسد من ذلك إلى بائعه؛ لعدم الفائده فيه]
(2)
.
(وإن كان له)] أي: لمكسوره [
(3)
(قيمة؛ كبيض النعام، وجوز الهند:
خُيِّر) مشتر (بين) أخذ (أرشه، وبين رده مع أرش كسره) الذي تبقى له معه قيمة، (وأخذ ثمنه)، لأن عقد البيع يقتضي السلامة من كل
(4)
عيب لم يطلع
عليه المشتري. فإذا بان معيبا ثبت له الخيار؛ كالعيب.
(1)
في ج: المردود.
(2)
ساقط من أ.
(3)
ساقط من أ.
(4)
ساقط من أ.
واما كونه إذا رده يرد معه أرش كسره؛ فلنقصه
(1)
به.
(ويتعين أرش) لمشتر (مع كسر لا تبقى معه قيمة)؛ لأنه أتلفه.
(وخيار عيب متراخ)؛ لأنه خيار شرع لدفع ضرر متحقق
(2)
. فلم يبطل بالتأخير الخالي عن الرضى به؛ كخيار القصاص.
(لا يسقط) طلب المشتري به. (إلا إن وجد دليل رضاه؛ كتصرفه) فيه، عالما بعيبه بإجارة أو إعاره أو نحو ذلك.
(واستعماله لغير تجربة)؛ كالوطء والحمل على الدابة. (فيسقط أرشٌ كرد)؛ لأن دليل الرضى منزل منزلة التصريح به.
وعنه: أنه على الفور.
(ولا يفتقر رد) أي: الاعتداد به شرعا (إلى حضور بائع، ولا) إلى (رضاه، ولا) إلى (قضاء) أي: قضاء حاكم؛ لأنه رفع عقد مستحق له. فلم يفتقر إلى رضى صاحبه ولا حضوره ولا حكم حاكم؛ كالطلاق.
(ولمشتر) اشترى (مع غيره) بأن اشترى إنسان هو وآخر، أو هو واثنان أو أكثر (معيبا) صفقة واحدة، (أو) معيبا (بشرط خيار إذا رضي الآخر) أي: إذا رضي من المشتري معه من واحد أو أكثر بالعيب، أو اختار لزوم البيع:(الفسخ في نصيبه) من المعيب أو من المبيع المشترط فيه الخيار؛ لأنه رد جميع ما ملكه بالعقد فجاز؛ (كشراء واحد من اثنين) شيئا ثم ظهر به عيب. فله رده منهما، ورد نصيب أحدهما عليه، وإمساك نصيب الآخر؛ لأنه يرد على البائع جميع ما باعه، ولم يحصل برده تشقيص؛ لأنه كان مشقصا قبل البيع.
وفيه رواية: ليس له ذلك؛ لأن المبيع خرج عن ملكه دفعه غير متشقص
(3)
. فإذا رده مشتركا رده ناقصا. أشبه ما لو تعيب عنده.
(1)
في أ: فلنقص.
(2)
في ج: مستحق.
(3)
في أ: متشقصة.
وجوابه: أن الشركة حصلت بإيجاب البائع؛ لأنه باع كل واحد جزءاً منها. فخرجت السلعة عن ملك البائع متشقصة. بخلاف العيب الحادث.
(لا إذا وُرث) أي: ليس الحكم في ذلك كما لو وَرث اثنان فأكثر عن مورثهما خيار عيب ورضي أحدهما أو أحدهم بالعيب فإنه يسقط حق الباقي من الرد لا الأرش؛ لأنه لو رد من لم يرض لتشقصت السلعة على البائع، وقد أخرجها عن ملكه غير متشقصه؛ لكونه باعها لواحد. بخلاف المسألة التي قبلها. فإن عاقد الواحد مع الاثنين عقدان، ومع الثلاثة ثلاثة عقود. فإذا رد عليه واحد حصته كان ردا لجمييع ما باعه له.
(وللحاضر من مشتريين) مع غيبة الآخر (نقد نصف ثمنه) أي: ثمن ما اشترياه صفقة، (وقبض نصفه) أي: نصف المبيع؛ لخروجه عن ملك البائع مشقصاً. (وإن نقده) أي: الثمن (كله لم يقبض إلا نصفه) أي: نصف المبيع؛ لكونه لم يملك بالعقد غيره.
ومحل هذا في مبيع ينقسم عليه الثمن بالأجزاء؛ كالمكيل والموزون. أما
لو كان عبداً أو نحوه لم يكن للبائع إقباضه بغير إذن الآخر.
(ورجع) أي: مقبض كل الثمن (على الغائب) بنظير ما عليه منه، حيث
نوى الرجوع.
(ولو قال) واحد لاثنين: (بعتكما) هذا بكذا، (فقال احدهما: قبلت) وسكت الآخر: (جاز) أي: صح البيع في نصف المبيع بنصف الثمن؛ لأن البائع رضي بخروج المبيع عن ملكه مشقصا. فصح البيع في نصفه بنصف الثمن. (ومن اشترى معيبين) من واحد، (أو معيبا في وعائين صفقة) واحدة:
(لم يملك رد أحدهما) أي: أحد المعيبين، أو ما في أحد الوعائين مع وجود الآخر؛ لأن في رد أحدهما تفريقا
(1)
للصفقة، مع إمكان أن لا يفرقها. أشبه رد بعض المعيب الواحد.
(1)
في ج: تفرقة.
وله مع الإمساك
(1)
الأرش.
وعنه: له رد أحدهما (بقسطه) من الثمن.
(إلا إن تلف الآخر) فيكون له رد الباقي بقسطه؛ لأن رده لا ضرر فيه على البائع. فجاز؛ كما لو رد الجميع.
(ويقبل قوله) أي: المشتري (بيمينه في قيمته) أي: قيمة التالف؛ لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته.
ولأنه بمنزلة الغارم.
وقيل: يقبل قول البائع.
(ومع عيب أحدهما) أي: أحد المبيعين (فقط) دون الآخر: (له رده) أي: رد المعيب (بقسطه) من الثمن؛ لأنه رد للمبيع المعيب من غير ضرر على البائع.
وعنه: لا يجوز له إلا ردهما أو إمساكهما.
وعلى الأول: (لا) يرد أحدهما (إن نقص) المبيع (بتفريق؛ كـ) ما لو كان المبيع (مصْراعَي باب، و) كذا لو كان (زوجَي خف) ووجد بأحد المصراعين أو الزوجين عيبا. فإن في رد المعيب وحده ضررا على البائع بنقص القيمه وسوء المشاركة.
(أو حرُم) التفريق؛ (كـ) ــما لو كان المبيع (أخوين، ونحوهما)؛ كعبد وعمة أو وخالة. وبان أحدهما معيبا ليس له رده وحده؛ لتحريم التفريق بين كل ذي رحم محرم.
(ومثله) أي: ومثل هذه المسألة في نفي التفريق عبد (جان له ولد) ويراد
بيع الجانى في الجناية: لا يباع وحده؛ لتحريم التفريق. بل (يباعان) أي:
(1)
في أ: إمساك.
الجانى وولده (وقيمة الولد لمولاه)" لعدم تعلق الجن h ية بقيمة الولد " لأنه إنما بيع ضرورة، لتحريم التفريق.
] (والمبيع بعد فسخ أمانة بيد مشتر). وهو أحد الأوجه في المسألة. وهو الذي صرح به أبو الخطاب في " انتصاره "، واختاره القاضي في " المجرد "، وابن عقيل في "الصداق ". نقل ذلك عنهم في " الإنصاف " " وذلك لأنه حصل في يده من غيرتعد.
لكن إن قصر في رده فتلف ضمنه، لأن ذلك تفريط منه، كما لو أطارت الريح إلى داره ثوبا فقصَّر في رده حتى تلف]
(1)
.
(1)
سقط من أ.
[فصل: إذا اختلفا عند من حدث العيب]
(فصل. وإن اختلفا) أي: البائع والمشتري في معيب (عند من حدث العيب مع الاحتمال)؛ لوجوده عند البائع، وحدوثه عند المشتري؛ كالإباق. (ولا بينة) لواحد منهما بدعواه:(ف) القول في ذلك (قول مشتر بيمينه)؛ لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت
(1)
. فكان القول قول من ينفيه؛ كما لو اختلفا في قبض المبيع.
(على البَتِّ) فيحلف أنه اشتراه وبه العيب، أو أنه ما حدث عنده؛ لأن
الأيمان كلها على البتّ. إلا على النفي في فعل الغير.
ومحل هذا: (إن لم يخرج) المبيع (عن يده) أي: يد المشتري نصاً؛
لأنه إذا غاب عنه احتمل حدوثه عند من انتقل إليه. فلم يجز له الحلف على البتّ. وعنه: أن القول فيما تقدم قول البائع بيمينه.
(وإن لم يحتمل) العيب (إلا قول أحدهما)؛ كالإصبع الزائدة، والجرح
الطري الذي لا يحتمل أن يكون قبل العقد: (قُبل) قول المشتري في المثال الأول والبائع في المثال الثانى (بلا يمين)؛ لعدم الحاجة إلى استحلافه.
(ويُقبل قول بائع) بيمينه: (أن المبيع) المعيب (ليس المردود) نصاً؛ لأن
البائع منكر كون هذه سلعته، ومنكر لاستحقاق الفسخ. والقول قول المنكر.
(إلا في خيار شرط) أي: إلا إذا جاء المشتري بسلعة اشتراها بشرط الخيار
له ليردها على البائع بمقتضى الفسخ المشروط له وأنكر البائع أنها سلعته: (فقول مشتر) نصاً أنها السلعة المبتاعة بيمينه؛ لأنهما هنا اتفقا على استحقاق الفسخ. بخلاف التي قبلها.
(1)
في ج: الغائب.
وأيضاً فالمشتري هنا لما تسلم العين - مع أن العقد غير لازم - كان
(1)
ذلك
نوع ائتمان من البائع له. فناسب قبول قوله. بخلاف مسأله العيب.
(و) يقبل (قول مشتر في عين ثمن معين بعقد) أراد البائع رده بعيب أنه ليس المردود بيمينه؛ لما تقدم.
(و) يقبل قول (قابض) بيمينه (في) دين (ثابت في ذمة: من ثمن مبيع، وقرض، وسلم، ونحوه) أي: ونحو ما تقدم؛ كأجرة، وقيمة متلف إذا قبضه وبان معيباً وأراد رده بعيب أنه هو المردود؛ لأن الأصل بقاءه في الذمة.
ومحل ذلك: (إن لم يخرج عن يده) أي: يد القابض؛ لما تقدم.
(ومن باع قناً) أمة أو عبداً (تلزمه عقوبة: من قصاص أو غيره)؛ كحد (ممن يعلم ذلك) أي: وجوب القصاص أو الحد: (فلا شيء له)؛ لأنه رضي به معيباً. أشبه سائر المعيبات.
(وإن علم بعد البيع: خُيّر بين رَدٍّ) وأخذ ما دفع من الثمن، (و) بين (أرش) إن أمسك؛ لأنه عيب تملك به الخيرة؛ كبقية العيوب.
(وبعد قتل) أي: وإن علم المشْتري بالواجب على القن المبيع بعد أن قتل قصاصاً أو حداً (يتعين أرش)؛ لتعذر الرد. وهو ما بين قيمته ليس عليه عقوبة وبين قيمته وعليه العقوبة.
(و) إن علم (بعد قطع) لعضو من أعضائه: (فكما لو عاب عنده) أي:
عند المشتري المبيع المعيب على ما مر؛ لأن استحقاق القطع دون حقيقته. (وإن لزمه) أي: القن المبيع (مال) بأن كانت الجناية موجبة للمال أو للقصاص وعفي عنه إلى المال (والبائع معسر: قُدِّم حق مجني عليه)؛ لأن حق الجناية سابق على حق المشتري. فإذا تعذر إمضاؤهما قدم حق السابق. (ولمشتر الخيار) حيث جهل الحال؛ لأن تمكن المجني عليه من انتزاعه عيب. فملك به الخيار؛ كغيره.
(1)
فى ب: فإن.
ومتى اختار الإمساك والجناية مستوعبة لرقبة المبيع وأخذ بها رجع المشتري بالثمن كله؛ لأن
(1)
أرش مثل ذلك
(2)
جميع الثمن، وإن لم تكن مستوعبة فبقدر أرشه.
(وإن كان) البائع (موسراً: تعلَّق ارشٌ) وجب بالجناية (بذمته) أي:
بذمة البائع؛ لأن الخيرة له بين تسليمه في الجناية وفدائه. فإذا باعه تعين عليه فداؤه.
ولأنه أزال ملكه عن عين تعلق بها حق المجنى عليه. فلزمه الأرش؛ كما لو قتله.
(ولا خيار) للمشتري. إذ لا ضرر عليه؛ لرجوع المجني عليه على البائع.
ومن اشترى متاعاً فوجده خيراً مما اشترى فعليه رده إلى بائعه؛ كما لو وجده أردأ كان له رده. نص عليه. قاله في " الرعاية " و" الحاوي " وغيرهما.
قال في " الإنصاف ": قلت: لعل محل ذلك: إذا كان البائع جاهلاً
به. انتهى. القسم (السادس) من أقسام الخيار: (خيار في البيع بتخبير الثمن. ويثبت في صور) في أنواعه الأربعة. وهي: التولية، والشركة، والمرابحة، والمواضعة. واختصت بهذه الأسماء؛ كاختصاص السلم
(3)
باسمه.
ثم أشار الى صورة كل منها
(4)
فقال: (في تولية؛ ك) قوله: (وليتكه) أي: المبيع، (أو بعتُكه برأس ماله، أو) بعتكه (بما اشتريته، أو) بعتكه (برقمه) وهو الثمن المكتوب عليه.
(و) يصح حيث كانا (يعلمانه.
(1)
فى أ: لأنها، وفى ب: لأنه.
(2)
فى ب: قن.
(3)
فى أ: الثمر. وهو تصحيف.
(4)
فى أ: منهما.
و) في (شركة. وهي: بيع بعضه) أي: بعض المبيع (بقسطه) من
الثمن؛ (ك) ما لو قال: (أشركتك في ثلثه، أو) أشركتك في (ربعه، ونحوهما) أي: نحو هذين المثالين؛ كأشركتك في ثلثيه أو ثمنه.
(وأشركتك) فقط (ينصرف إلى نصفه).
وقيل: لا يصح.
(ف) على الأول: (إن قاله لآخر عالم
(1)
بشركة الأول فله نصف نصيبه)
الربع؛ لأن طلبه الإشراك راجع
(2)
إلى ما ملكه المشارك وهو النصف. فيكون بينهما.
(وإلا) أي: وإن لم يكن
(3)
يعلم بشركة الأول (أخذ نصيبه كله) وهو النصف؛ لأنه طلب منه نصف المبيع.
(وإن قال) الثالث لهما ابتداء: (أشركاني فأشركاه معاً أخذ ثلثه).
وقيل: نصفه.
(ومن أشرك آخر في قفيز) اشتراه من
(4)
نوع معين، (أو نحوه)؛ كالمد
والصاع مما أبيع بكيل أو وزن، والحال أنه:(قبض بعضه) فقط: (أخذ) الذي أشركه (نصف المقبوض)؛ لأن تصرف المشتري بالشركة لا يصح إلا فيما قبض منه.
(وإن باعه) أي: باع مشتري القفيز الشخص الآخر (من كله) أي: كل
القفيز (جزءاً)؛ كنصفه أو ثلثه (يساوي) في القدر (ما قبض) من القفيز: (انصرف) البيع (إلى المقبوض)؛ لأن البيع ينصرف إلى ما يجوز له بيعه.
(و) في (مرابحة. وهي: بيعه) أي: المبيع (بثمنه) أي: برأس ماله
(1)
فى "منتهى الإرادات ": عالما ً. ص: 366
(2)
فى ج: للاشتراك رجع.
(3)
ساقط من أ.
(4)
فى أ: فى.
(وربح معلوم)؛ كقوله: رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة. وهذه الصورة ونحوها تجوز من غير كراهة.
(وإن قال: عليِّ أن أربح في كل عشرة درهماً: كُره) نصاً. واحتج الإمام بكراهة ابن عمر وابن عباس.
وإن قال: ده يازده، أو قال: ده دوازده: كُره أيضاً.
قال الإمام:؛ لأنه بيع الأعاجم.
ولأن الثمن قد لا يعلم في الحال.
ومعنى ده يازده: العشرة أحد عشر. ومعنى ده دوازده: العشرة اثناعشر. (و) في (مواضعة. وهي: بيع بخسران)؛ كقوله: رأس مالي فيه مائة بعتكه بها ووضيعة عشرة.
(وكره فيها) أي: في المواضعة (ما كُره في مرابحة. فما ثمنه) أي: رأس ماله (مائة وباعه به) أي: بالثمن الذي هو مائة (ووضيعة درهم من كل عشرة: وقع بتسعين)؛ لأنه إذا سقط من كل عشرة درهم يبقى تسعون.
(و) به ووضيعة درهم (لكل) عشرة (أو) به ووضيعة درهم (عن كل عشرة:
يقع بتسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم)؛ لأنه اقتضى أن يكون الحط في الصورتين من غير العشرة. فيكون من
(1)
كل أحد عشر درهماً درهم. فيجب أن يسقط من تسعة وتسعين تسعة، ومن درهم جزء. فيبقى ما ذُكر.
(ولا تضرُّ الجهالة) الموجودة (حينئذ) أي: حين إذ وجد العقد؛
(لزوالها) بعد ذلك (بالحساب.
ويعتبر للأربعة) أي: التولية والشركة والمرابحة والمواضعة: (علمُهما) أي: المتعاقدين (برأس المال)؛ لأن ذلك شرط لصحة البيع. فمتى فات لم يصح.
(1)
فى أ: فى.
هكذا ذكر الشيخ في " المقنع " من كون الخيار يثبت في بيع الشركة والتولية والمرابحة والمواضعة. وهو رواية.
(والمذهب) المنصوص: (أنه) أي: أن رأس المال (متى بان أقل) مما
أخبر به البائيع في التولية أو الشركة أو المرابحة أو المواضعة، (أو) بان (مؤجلاً) ولم يبينه:(حط الزائد) في الأربعة.
(ويحط) أيضاً (قسطه في مرابحة، وينقصه) أي: الزائد (في مواضعة، وأُجِّل) الثمن (في مؤجل. ولا خيار) للمشتري؛ لأن الثمن إذا بان أقل مما أخبر به بعشرة وسقطت عنه فقد زيد خيراً. فلم يكن له خيار؛ كما لو اشتراه على أنه معيب فبان صحيحاً، وكما لو وكل من يشتري له معيباً بمائة فاشتراه بتسعين. وعنه: في مؤجل يأخذ به حالاًّ أو يفسخ.
(ولا تقبل دعوى بائع غلطاً) في الإخبار برأس المال. بأن يخبر أنه عشرون
ثم يقول: إنما هو ثلاثون وغلطت، (بلا بينة) تشهد بدعواه؛ لأنه مدع لغلطه على غيره. فلم يقبل إلا ببينة؛ كالمضارب إذا ادعى الغلط في الربح.
وعنه: لا يقبل، وإن أتى ببينة.
وعنه: يقبل قوله بيمينه. فيخير مشترٍ. وله يمين بائع أنه لم يعلم وقت البيع
أن شراءها أكثر.
وعنه: قولُ معروف بالصدق.
(فلو ادعى عِلْمَ مشتر) بذلك (لم يحلف) المشتري. وفيه وجه.
(وإن باع) السلعة (بدون ثمنها) أي: رأس مالها (عالماً بذلك) أي: بالنقص عن رأس مالها: (لزمه) أي: البائع البيع. فلا يثبت له خيار.
(وإن اشتراه) أي: ما باعه تولية أو شركة أو مرابحة أو مواضعة (ممن ترد شهادته له)؛ كأبيه وابنه وزوجته، (أو ممن حاباه) بأن اشتراه منه بأكثر من قيمته محاباة له، (أو لرغبة تخصه) أي: تخص المشتري حتى اشتراه بأكثر من قيمته كما لو كان منزلاً بجوار منزله.
(أو) اشتراه لأجل (موسم ذهب)؛ كالأشياء التي تباع على العيد إذا اشتراها وبقيت عنده إلى بعده.
(أو باع بعضه) أي: بعض المبيع (بقسطه) من الثمن.
(و) الحال أن المبيع بعضه (ليس من المتماثلات المتساوية) الأجزاء. وهي (كزيت ونحوه) من المائعات. فإن لم تكن من ذلك؛ كما لو اشترى شجرة مثمرة وأراد بيعها دون ثمرتها مرابحة أونحوها: (لزمه) جواب الشرط (أن يبين) ذلك للمشتري؛ لأن ذلك كله مما قد لا يرضى به المشتري إذا علمه. (فإن كتم) شيئاً من ذلك (خير مشتر بين رد وإمساك) كالتدليس.
(وما يزاد في ثمن) أي: في رأس المال، (أو) في (مثمن) أي: في العين المبيعة، (أو) في (أجل) للثمن، (أو) في (خيار) إن كان في البيع خيار مشترط، (أو يحط) من ثمن أو مثمن أو أجل أو خيار (زمن الخيارين) متعلق بيزاد أو يحط. والمراد خيار المجلس وخيار الشرط:(يُلحق به) أي: بالعقد. فيجب ان يخبر به؛ كأصله.
(لا) إن زيد شيء أو حط فيما ذكر (بعد لزومه) أي: العقد. فإنه لا يلحق
به فلا يكون عوضاً فلا يجب أن يخبر به.
(ولا إن جنى) المبيع (ففدي) من قبل المشتري لم يلحق بالثمن؛ لأنه لم
يزد به المبيع قيمة ولا ذاتاً وإنما هو مزيل لنقصه بالجناية. فأما الأدوية والمُؤْنة والكسوة فلا تلحق بالثمن. وذكره في " الشرح " وجهاً واحداً.
وإن أخبر بالحال
(1)
فحسن.
(وهبة مشتر) شيئاً (لوكيل باعه) أي: تولى بيعه؛ (كزيادة) في الثمن. (ومثله عكسه) وهو: ما إذا وهب بائع وكيلاً اشترى منه فإنه يكون كنقص
من الثمن.
(1)
1 في ج: بالحكم.
(وإن أخذ) البائع في مرابحة أو نحوها (أرشاً لعيب أو) ل (جناية) عليه: (أخبر به)؛ لأن الأرش في مقابلة جزء من المبيع.
وهل معنى الإخبار به أن يقول: أخذت أرشه كذا، أو يحط من الثمن ويخبر بالباقي فيه وجهان.
و (لا) يلزمه أن يخبر (بأخذ نماء، واستخدام، ووطء ما لم ينقصه) أي: ينقص الوطء المبيع؛ كوطء البكر أو الثيب التي تنقص به. فيجب عليه الإخبار به، كما لو وطئها غيره وأخذ الأرش.
(وإن اشترى ثوباً بعشرة، وعمل) بنفسه (أو) عمل (غيره فيه) أي: في الثوب (ولو بأجرة ما يساوي عشرة) بأن صبغه أو قصره: (أخبر به) على وجهه؛ لأنه لو ضم ذلك إلى الثمن ثم أخبر به كان كذباً وتغريراً للمشتري.
(ولا يجوز) أن يقول: (تحصَّل) عليّ (بعشرين)؛ لأن فيه تلبيساً.
وفيه- إذا لم يعمل فيه بنفسه- وجه.
[(ومثله) أي: ومثل ذلك في الحكم (أجرة مكانه، و) أجرة (كيله، و)
أجرة (وزنه): فإنه يخبر
(1)
بذلك على وجهه]
(2)
.
(وإن باعه) أي: الثوب الذي اشتراه بعشرة (بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة: أخبر به) على وجهه؛ لأنه أقرب إلى الحق وأبلغ في الصدق.
(أو حطَّ الربح) الذي هو خمسة (من الثمن الثانى) الذي هو عشرة (وأخبر
بما بقي) وهو خمسة؛ لأن الربح أحد نوعي النماء. فوجب أن يخبر به في المرابحة؛ كالنماء من
(3)
نفس المبيع؛ كالثمرة ونحوها.
(فلو لم يبق شيء)؛ كما لو اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة: (أخبر بالحال.
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: في.
ولو اشتراه بخمسة عشر ثم باعه بعشرة ثم اشتراه بأي ثمن كان: بيّنه). ولا تضم خسارة إلى ثمن ثان.
(وما باعه اثنان مرابحة فثمنه) بينهما (بحسب ملكيهما)؛ كمساومة، (لا على رأس مالهما).
ونقل ابن هانئ وحنبل عكسه.
وعنه: لكل واحد رأس ماله والربح نصفان. نص الإمام على الأول في رواية الأثرم.
ولأن الثمن عوض المبيع. فكان على قدر ملكيهما.
القسم (السابع) من أقسام الخيار: (خيار) يبثبت (لاختلاف المتبايعين)
في بعض صور الاختلاف.
(إذا اختلفا أو) اختلف (ورثتهما في قدر ثمن) بأن قال بائع: بعتكه بمائة، وقال مشترٍ: بل بثمانين، (ولا بينة) لواحد منهما (أو لهما) أي: لكل منهما بينة بما قاله: تحالفا على المشهور، ونقله الجماعة؛ لأن كلاً منهما مدع ومنكر صورة وكذا حكماً لسماع بينة كل منهما.
قال في " عيون المسائل ": ولا تسمع إلا بينة المدعي باتفاقنا.
وعنه: يقبل قول البائع بيمينه. ذكره في " الترغيب " المنصوص
وعنه: يقبل قول مشترٍ بيمينه.
ونقل أبو داود: يقبل قول البائع أو يترادان. قيل له: فإن أفام كل منهما بينة؟ قال: كذلك.
وعلى المذهب: إذا ترافعا (حلف) أولاً (بائع) ويبدأ بالنفي فيحلف:
(ما بعته بكذا) ثم الإثباب، (وإنما بعته بكذا. ثم) يحلف (مشتر) كذلك:(ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا) وإنما يبدأ بالنفي؛ لأن الأصل في اليمين أنها للنفي.
(ثم) بعد التحالف (إن رضي أحدهما) أي: المتعاقدين (بقول لآخر،
أو) لم يتحالفا بل (نكل) أحدهما عن اليمين (وحلف الآخر: أقر) العقد في الصورتين.
أما في الأولى؛ فلأن من رضي صاحبه بقوله منهما قد حصل
(1)
له ما ادعاه.
فلم يملك خياراً.
وأما في الثانية؛ فلأن النكول بمنزلة إقامة البينة على من نكل.
(وإلا) أي: وإن لم يرض أحدهما بقول الآخر بعد التحالف (فلكل) من البائع والمشتري (الفسخ).
وقيل: ينفسخ بنفس التحالف.
ووجه المذهب: أنه عقد صحيح. فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة؛ كما لو أقام كل منهما بينة.
وعلم مما تقدم أن الفسخ لا يفتقر إلى حكم حاكم؛ لأنه فسخ لاستدراك الظلامة. أشبه رد المعيب.
وقيل: يفتقر.
(و) على المذهب: (ينفسخ) العقد بفسخ أحدهما بعد التحالف (ظاهراً وباطناً)؛ لأنه فسخ لاستدراك الظلامة. فنفذ ظاهراً وباطنا؛ كالرد بالعيب. أو يقال: إنه فسخ بالتحالف. فوقع ظاهراً وباطناً؛ كالفسخ باللعان.
وقيل: ظاهراً فقط مع ظلم البائع.
وفيل: ظاهراً وباطناً في حق المظلوم فقط، وعلى الظالم إثم الغصب.
قال (المنقح: فإن نكلا) أي: البائع والمشتري بأن امتنع كل منهما من الحلف: (صرفهما) الحاكم؛ (كما لو نكل من ترد عليه اليمين)[وصرفهما قوي في النظر لكن المقيس عليه ضعيف]
(2)
وليس بظاهر؛ لأنه قد تقدم أنه متى
(1)
في أ: فحصل.
(2)
زيادة في ج.
نكل أحدهما عن اليمين أقر العقد وقضي عليه. فكيف يتصور نكولهما. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(وكذا إجارة) نصاً. أي: فيما إذا اختلف المتآجران في قدر الأجرة أو
فيما يترتب على ذلك من تحالف وفسخ وباقي أحكام ذلك.
(فإذا تحالفا وفسخت) الإجارة (بعد فراغ مدة) اي: مدة
(1)
الإجارة:
(ف) على المستأجر (أجرة مثل) [عن العين المؤجرة زمن مدة
(2)
الإجارة.
(و) إذا فسخت (في أثنائها) أي: أثناء مدة التآجر (بالقسط) من أجرة المثل]
(3)
.
(ويحلف بائع فقط) إذا اختلفا في قدر الثمن (بعد قبض ثمن، وفسخ عقد) بتقايل أو غيره؛ لأن البائع منكر لما يدعيه المشتري بعد انفساخ العقد. فأشبه ما لو اختلفا في القبض.
(وإن تلف مبيع) قبل قبض ثمنٍ وفسخ عقد واختلف المتبايعان في قدر ثمنه: (تحالفا)؛ كما لو كانت قائمة، (وَغرم مشتر قيمته) أي: المبيع إن وجد فسخ. (ويُقبل قوله) أي: المشتري (فيها) أي: في قدرها. نص عليه في رواية محمد بن العباس؛ لأنه غارم.
وعنه: لا يتحالفان إذا تلف المبيع ويحلف المشتري. واستدل القائل بهذه الرواية بما روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا "
(4)
.
وأن مفهومه لا يشرع التحالف عند عدمها.
وأجيب عن هذا بأن الإمام قال: لم يقل فيه: " والمبيع قائم " إلا يزيد بن هارون. وقد أخطأ. رواه الخلق الكثير عن المسعودي، لم يقولوا هذه الكلمة،
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من ب.
(3)
ساقط من أ.
(4)
أخرجه أحمد في"مسنده "(4446) 1: 466
ولكنها في حديث معن.
(و) يقبل أيضاً قول المشتري (في قدره) أي: قدر المبيع التالف إذا قال البائع: هو قفيزان، وقال المشتري: قفيز واحد ونحو ذلك.
فالقول قوله؛ لأنه غارم.
(وإن تعيب) المبيع عند مشترٍ قبل تلفه: (ضم أرشه إليه) أي: إلى ما يلزمه البائع؛ لكونه مضموناً عليه حين التعّيب.
(وكذا) أي: وكالمشتري في قبول قوله في القيمة وفي القدر والصفة
(1)
وضم أرش عيب حدث عنده (كل غارم).
و (لا) يقبل (وصفه) أي: وصف المشتري للمبيع التالف (بعيب)؛ لأن الأصل السلامة.
(وإن ثبت) أنه كان معيباً (قبل قوله) أي: المشتري (في تقدمه) أي:
تقدم العيب على البيع؛ لأن الأصل براءة ذمته مما يدعيه البائع. فلا يلزم المشتري إلا ما أقرّبه.
القسم (الثامن) من أقسام الخيار: (خيار يثبت للخُلف في الصفة، ولتغير
ما تقدمت رؤيته) العقد. (وتقدم) ذلك في كتاب البيع في الشرط السادس
(2)
.
(1)
في ب: وفي الصفة.
(2)
ص (19).
[فصل: إذا اختلفا في صفة ثمن]
(فصل. وإن اختلفا) أي: البائع والمشتري (في صفة ثمن) اتفقا على تسميته في العقد: (أُخذ نقد البلد) نص عليه؛ لأن الظاهر أنهما لا يعقدان إلا به. (ثم) إن كان في البلد نقود: أخذ (غالبه رواجاً)؛ لأنه لما كانت المعاملة
به أكثر كان الظاهر وقوع العقد به.
(فإن استوت) نقود البلد في الرواج (فالوسط) منها؛ لأن في الأخذ بالوسط توسطاً بينهما، وتسوية بين حقيهما. فالعدول عنه ميل على أحدهما. وعلى مدعي نقد البلد أو غالبه أو وسطه اليمين؛ لأن ما قاله خصمه مما لم
نأخذ به محتمل. فيحلف لوجوبها على المنكر.
(و) إن اختلفا (في شرط صحيح أو فاسد، أو أجَل أو رهن، أو قدرهما،
أو ضمين: فقول منكره) بيمينه؛ لأن الأصل عدمه. فالقول قول من ينفيه؛ كأصل العقد، و (ك) قول منكر (مفسد) إذا ادعى أحدهما ما يفسد العقد؛ كما لو قال: بعتك مكرهاً، أو وأنا صبي، أو كان عبداً وادعى عدم إذن سيده وأنكر المشتري: فإن القول قوله؛ لأن تعاطي المسلم العقد الصحيح أكثر من تعاطيه الفاسد.
(و) إن اختلفا (في قدر مبيع)؛ مثل أن يقول: بعتك مائة رطل. فيقول المشتري: بل مائة وخمسين، (أو) في (عينه)؛ كبعتنى هذا العبد. فيقول: بل هذه الجارية: (فقول بائع) فيهما. نص عليهما.
أما في الأولى؛ فلأن البائع منكر للزيادة. فكان القول قوله.
وأما في الثانية؛ فلأنهما اتفقا على وجوب الثمن واختلفا في التعيين. فكان القول قول البائع؛ لأنه كالغارم.
وقيل: يتحالفان فيهما.
(وإن تشاحا في أِيهما يسلِّم قبل) بأن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلمه حتى أقبض المبيع (والثمن عين: نُصب عدل يقبض منهما) الثمن والمثمن، (ويسلم المبيع) للمشتري (ثم الثمن) للبائع؛ لاستوائهما في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن.
وأما نصب العدل؛ فلأنه طريق إلى قطع النزاع من غرض كل واحد منهما. فوجب المصير إليه.
وأما كون العدل لا يُسلِّم الثمن للبائع حتى يسلم المبيع للمشتري؛ لأن قبض المبيع من تتمات البيع في بعض صوره، واستحقاق الثمن مرتب على تمام البيع. ولجريان عادة الناس بذلك.
(وإن كان) الثمن (ديناً أجبر بائع) أولاً على التسليم، لتعلق حق المشتري بعين المبيع. (ثم) يجبر (مشتر إن كان الثمن حالاًّ بالمجلس)؛ لوجوب دفعه عليه فوراً مع إمكانه وقد أمكن.
(وإن كان) حالاًّ وهو غائب (دون مسافة قصر: حُجر على مشترٍ في ماله كله) حتى المبيع، (حتى يسلمه) خوفاً من أن يتصرف في ماله تصرفاً يضر بالبائع.
(وإن غيبه) أي: غيب المشتري ماله (ب) بلد (بعيد) فوق مسافة القصر، (أو) لم يغيبه بل (كان) ماله (به، أو ظهر عسره) أي: عسر مشتر: (فلبائع الفسخ)؛لأنه لما تعذر عليه قبض الثمن صار (كمفلس.
وكذا) أي: وكبائع في هذه الأحكام (مؤجر بنقد حال.
وإن أحضر) مشتر (بعض الثمن: لم يملك أخذ ما يقابله) من
(1)
المبيع (إن نقص بتشقيص)؛ كمصراعي باب. خوفاً من أن يتصرف فيه ولا يقدر على باقي الثمن. فيحصل للبائع الضرربنقص قيمة ما بقي في يده.
(1)
في أ: في.
وقيل: ليس له أخذ شيء من المبيع إلا بإحضارجميع الثمن.
وقيل: له أخذ ما يقابل ما يحضره من الثمن مطلقاً.
(ولا يملك بائع مطالبة بثمن بذمة) ولو معيناً زمن خيار شرط.
(ولا) يملك (أحدهما قبض) ثمن (معين زمن خيار شرط بغير إذن صريح) في القبض (ممن الخيار له)؛ لأن مَن له الخيار لم ينقطع علقه عن المبيع. فلم يجب عليه
(1)
تسليم
(2)
المبيع ولا الثمن.
(1)
في ب: فلم يجبر على.
(2)
في أ: تسليمه.
[فصل: في التصرف في المبيع قبل قبضه]
(فصل. وما) أي: أي شيء (اشتُري) بالبناء للمفعول (بكيل)؛ كقفيز
من صُبْرة، (أو وزن)؛ كرطل من حديدة، (أو عدٍ)؛ كصُبْرة جوز على أنها مائه، (أو ذرع)؛ كثوب على أنه عشرة أذرع:(مُلك) المبيع بمجرد عقد، (ولزم) البيع فيه (بعقد) لا خيار فيه؛ كبقية المبيعات.
(ولم يصح) من مشتريه (يبعه ولو لبائعه، ولا الاعتياض عنه، ولا إجارته، ولا هبته ولو بلا عوض، ولا رهنه ولو قبض ثمنه، ولا حوالة عليه: قبل قبضه)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه
(1)
حتى يستوفيه"
(2)
. متفق عليه.
ولأنه من
(3)
ضمان بائعه. فلم يجز فيه شيء من ذلك؛ كالسلم.
وعموم الخبر يشمل بيعه من بائعه، وغير البيع من التصرفات المذكورة مقيس على البيع.
وفيه رواية: يصح من بائعه.
وظاهر
(4)
ما تقدم أن المكيل والموزون والمعدود والمذروع إذا اشتري جزافاً كالصُبْرة المتعينة
(5)
والثوب: يجوز التصرف فيه قبل قبضه. وهو كذلك نصاً؛ لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنه
(6)
: " مضت السنة أن ما أدركته الصفقة
(1)
في أج: يبيعه.
(2)
أخرجه البخارى في"صحيحه"(2019) 2: 748 كتاب البيوع، باب الكيل على البائع والمعطى.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1525) 3: 1159 كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(3)
في أ: في.
(4)
في أ: فظاهر.
(5)
في أ: كأجرة معينة.
(6)
في أ: رضي الله عنه.
حياً مجموعاً فهي من مال المشتري "
(1)
.
ولأن التعيين كالقبض.
(ويصح) قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع (جزافاً إن علما قدره)؛ لحصول المقصود به.
ولأنه مع علمهما قدره يصير كالصُبْرة المتعينة.
وسيأتى أن قبضها بمجرد نقلها. .
ولما كان التصرف في المبيع المقدم ذكره قبل قبضه ينقسم إلى فاسد وهو ما تقدم ذكره، وإلى صحيح: شَرع في ذكره فقال:
(و) يصح (عتقه) أي: رقيق بِيع بعد قبل قبضه وجهاً واحداً، (وجعلُه) أي: جعل المبيع الذي لا يصح بيعه قبل قبضه (مهراً.
و) يصح (خلع عليه، ووصية به). وزاد بعضهم: وتزويجه قبل قبضه.
أما العتق؛ فلأنه كالإتلاف، وإتلاف المشتري كقبضه، ولتشوّف الشارع إليه، ولنفوذه بالملك والسراية.
وأما صحة جعله مهراً والخلع عليه؛ فلعدم فسادهما بتلف عوضهما قبل قبضه، ولاغتفار الغرر اليسير فيهما لصحتهما على ما لا قدرة لجاعل على تسليمه؛ كالآبق والشارد.
(وينفسخ العقد) أي: عقد البيع
(2)
(فيما تلف بآفة) أي: مما اشتري
بكيل أو وزن أو عدِّ أو ذرع قبل قبضه؛ لأن في تلفه بفعل الآدمي تفصيلا يأتى
(3)
.
وإنما انفسخ العقد فيما تلف؛ لأنه من ضمان بائعه.
(1)
ذكره البخاري في "صحيحه" معلقاً 2: 751 في كتاب البيوع، باب إذا اشترى متاعاً أو دابة فوضعه
عند البائع. . . وعنده: ". . . مجموعاً فهو من المبتاع".
(2)
في ج: المبيع.
(3)
عند قوله: وإن تلف المبيع أو عاب قبل قبضه بإتلاف مشتر.
(ويخير مشتر إن بقي شيء) في أخذه بقسطه من الثمن، (كما) يخير (لو تعيب بلا فعل، ولا أرش) له إن أخذه معيباً؛ لأنه حيث رضيه معيباً فكأنه اشتراه معيباً عالماً بعيبه بذلك. ومع اختيار رد المبيع، له استرجاع ما دفع من الثمن. ويبرأ بمجرد اختيار الرد من جميع الثمن إن لم يكن دفع شيئا.
(و) إن تلف المبيع أو عاب قبل قبضه (بإتلاف مشتر او تعييبه) له:
(لا خيار) لمشترٍ؛ لأن إتلافه له كقبضه.
ولأنه إذا عيبه فقد عيب ملك نفسه. فلا يرجع به على غيره.
(و) إن تلف أو تعيب (بفعل بائع، أو) بفعل (أجنبي: يخير مشتر بين فسخ) أي: فسخ عقد البيع ويرجع على بائع بما أخذ من ثمنه؛ لأن التلف والتعيب حصل في يده فضمنه.
(و) بين (إمضاء، وطلب) لمتلف (بمثل مثليِّ) منه
(1)
. وهو: المكيل والموزون، (او قيمة متقوم) منه. وهو: المذروع والمعدود (مع تلف) أي: في مسألة التلف، أو إمضاء (و) مطالبة معيبه (بنقص) أي: بأرش نقصه (مع تعيب) أي: في مسألة التعيب؛ لتعديهما على ملك الغير في المسألتين. وقيل: ينفسخ العقد بتلفه بفعل الآدمي، كما إذا تلف بفعل الله تعالى.
وفرق بينهما: بأنه إذا تلف بفعل الله تعالى لم يوجد مقتض للضمان، سوى حكم العقد. بخلاف ما إذا أتلفه آدمي ولو البائع. فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل في المثلي، وبالقيمة في المتقوم فيما إذا أمضى المشتري العقد. وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فيما إذا اختار المشتري الفسخ. فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء.
(والتالف) بآفة مما ذكر فبل قبضه إن كان الجميع أو البعض (من مال بائع)؛ " لأنه عليه السلام نهى عن ربح ما لم يضمن "
(2)
.
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه النسائي في"سننه"(4631) 7: 294 كتاب البيوع، شرطان في بيع وهو أن يقول: أبيعك هذه
السلعة إلي شهر بكذا. . .
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن قوله: "نهى عن ربح ما لم يضمن "، قال: هذا في الطعام وما أشبهه من مأكول ومشروب. فلا يبيعه حتى يقبضه. (ف) يتفرع على هذا (لو أبيع أو أخذ بشفعة ما) أي: مبيع (اشتري بكيل، ونحوه)؛ كمن اشترى عبداً أو شقصاً مشفوعاً بصُبْرة بر على أنها عشرة أقفزة، أو بثوب على أنه عشرة أذرع فباع العبد أو أخذ الشقص بالشفعة، (ثم تلف الثمن) وهو: الصُبْرة أو الثوب (قبل قبضه: انفسخ العقد الأول) الذي وقع على الصُبْرة أو الثوب (فقط) أي: دون الثانى. وهو: الذي وقع على العبد ثانيا وللأخذ بالشفعة؛ لأنه كمل قبل فسخ العقد الأول.
(وغرم المشتري الأول) وهو الذي اشترى العبد أو الشقص بالصُبْرة أو الثوب (للبائع) الذي باع العبد أولاً أو الشقص (قيمة المبيع) الذي هو العبد أو الشقص؛ لتعذر رده، (وأخذ) غارم القيمة (من الشفيع مثل الطعام)؛ لأنه عوض الشقص.
(ولو خلط) ما اشتري بكيل أو وزن أو عد أو ذرع قبل قبضه (بما) أي: بشيء
(لا يتميز) منه؛ كبر ببر وزيت بمثله: (لم ينفسخ) العقد بهذا الخلط؛ لبقاء عينه، (وهما) اي: المالكان للمختلط (شريكان) فيه بقدر ملكيهما، (ولمشترالخيار) أي: بين الفسخ والإمضاء ويكون شريكاً فيما خلط بقدر حصته.
(وما عدا ذلك) أي: عدا ما اشتري بكيل أو وزن أو عد أو ذرع؛ كالعبد والدار: (يصح التصرف فيه قبل قبضه)؛ لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنه: " كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير وبالعكس. فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا بأس أن تؤخذ بسعر يومها ما لم تتفوقا وبينكما شيء"
(1)
رواه الخمسه.
(1)
= واخرجه ابن ماجه فى " سننه"(2188) 2: 737 كتاب التجارات، باب النهى عن بيع ما ليس عندك وعن ربح مالم يضمن
اخرجه ابو داود فى " سننه "(3354) 3: 250 كتاب البيوع، باب فى اقتضاء الذهب من الورق. واخرجه الترمزى فى
"جامعه"(1242) 3 "544 كتاب البيوع، باب ما جاء فى الصرف ..
(إلا المبيع بصفة، أو رؤية متقدمة) أي: فإنه لا يصح التصرف فيه قبل
قبضه.
(و) يكون قبل قبضه (من ضمان مشتر)؛ لقوله عليه السلام: " الخراج بالضمان "
(1)
. وهذا المبيع للمشتري فضمانه عليه.
(إلا إن منعه بائع) من مشتر نصاً، (أو كان) المبيع (ثمراً على شجر)
على ما يأتى، (أو) كان (بصفة أو برؤية متقدمة: ف) إنه إذا أتلف في المسائل الثلاث كان (من بائع) أي: من ضمان بائع.
اما في الأولى؛ فلأنه بمنعه يكون كغاصب فيضمنه ضمان غصب لا عقد ولو
أن حبسه على ثمنه؛ لأنه ليس له ذلك ولا يكون رهناً إلا أن يكون قد اشترط عليه
في نفس البيع.
وأما في الثانية؛ فلما يأتي في باب بيع الأصول والثمار
(2)
.
وأما في الثالثة وهي ما إن كان المبيع بصفة أو رؤية متقدمة؛ فلأنه تعلق به حق توفية. فجرى مجرى ما اشتري بكيل أو وزن أو عد أو ذرع.
(وما لا يصح تصرف مشتر فيه، ينفسخ العقد بتلفه قبل قبضه)؛ لما تقدم
من أنه أجري مجرى ما اشترى بكيل او وزن او عد أو ذرع.
(وثمن) في مبيع (ليس في ذمة) بأن كان معيباً (كمثمن) فيما تقدم من
الأحكام.
(1)
= أخرجه النسائى فى "سننه"(4582) 7: 281 كتاب البيوع، بيع الفضه بالذهب وبيع الذهب بالفضه.
وأخرجه ابن ماجه فى "سننه"(2626) 2: 760 كتاب البيوع، باب اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب
وأخرجه أحمد فى "مسنده "(5555) 2: 83
أخرجه الترمذى فى "جامعه "(1286) 3: 582 كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشترى العبد ويستغله ثم يجد فيه عيبا.
(2)
ص (171).
(وما) أي: والذي (في الذمة له) أي: للبائع (أخذ بدله) من المشتري؛ (لاستقراره) في ذمته.
(وحكم كل عوض ملك بعقد) متصف بأنه (ينفسخ بهلاكه) أي: العوض (قبل قبضه؛ كأجرة معينة) في عقد إجارة.
(وعوض) معين (في صلح) واقع (بمعنى بيع، ونحوهما) أي: نحو الأجرة وعوض الصلح المعينين: (حكم عوض في بيع) هذا خبر قوله: وحكم كل عوض. والمراد: التساوي في الحكم (في جواز التصرف) حيث يجوز في البيع، (ومنعه) حيث يمتنع فيه.
(وكذا) أي: وكحكم هذا العوض الذي ينفسخ العقد بهلاكه قبل قبضه في جواز التصرف وعدمه (ما) أي: عوض (لا ينفسخ) العقد (بهلاكه قبل قبضه)؛ وذلك (كعوض عتق، و) عوض (خلع، ومهر، و) عوض (مصالح به عن دم عمد، و) ك (أرش جناية، وقيمة متلف، ونحوه)؛ كعوض طلاق إلحاقاً لذلك بعقد البيع في الأصح.
وقيل: له التصرف فيه قبل قبضه فيضمنه
(1)
.
(لكن) يفارق البيع من حيث: إنه لا ينفسخ العقد فيه بتلف قبل القبض،
بل (يجب بتلفه مثله) إن كان مثلياً، (أو قيمته) إن كان متقوماً؛ لأنه لما لم ينفسخ العقد وجب العوض.
(ولو تعين ملكه) أي: المتصرف (في) شيء من ملكه بلا عوض من (موروث أو وصية او غنيمة: فله التصرف فيه قبل قبضه)؛ لوجود الملك التام، وعدم توهم غرر الفسخ فيه.
(وكذا) في جواز التصرف (وديعة، ومال شركة، وعارية)؛ للعلة المتقدمة.
(1)
ساقط من ب.
(وما) أي: ومبيع (قبضه) بمجلس العقد (شرط لصحة عقده؛ كصرف، و) كرأس مال (سَلَم: لا يصح تصرفه فيه قبل قبضه). ولم يجز؛ لأنه لم يتم الملك فيه. أشبه التصرف في ملك غيره.
(ولا يصح) ويحرم (تصرف في مقبوض بعقد فاسد)؛ لأن فساد العقد كعدمه. فلا ينفذ
(1)
تصرفه فيه؛ لعدم انتقال الملك. (ويضمن هو) أي: المقبوض بعقد فاسد، (و) يضمن (زيادته) أيضاً؛ (ك) ضمان (مغصوب)؛ لأنه ملك غيره حصل في يده بغير إذن الشرع. فأشبه المغصوب.
فعلى هذا يلزمه أجرة مثل منفعته مدة مقامه بيده ويرد معه زيادته المنفصلة
وأرش ما نقص عنده. وعليه بدل ما تلف منه أو من زيادته الحاصلة عنده.
وفيها وجه: أنها أمانة. فلا ضمان عليه بتلفها عنده؛ كعارية.
(1)
فى أ: ينعقد.
[فصل: فيما يحصل به القبض]
(فصل. ويحصل قبض ما) أي: مبيع (بيع بكيل أو وزن أو عدٍّ أو ذرع: بذلك) أي: بالكيل أو الوزن أو العدّ أو الذرع؛ لما روى عثمان مرفوعاً قال:
" إذا بعت فكِل، وإذا ابتعت فاكتل "
(1)
. رواه الإمام وهو للبخاري بغير إسناد. ولقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا سميت الكيل فكل "
(2)
. رواه الأثرم. وظاهره: أنه لا يشترط نقله. وهو كذلك على المذهب.
وإنما يصح الكيل أو الوزن أو العد أو الذرع
(3)
(بشرط حضور مستحق)؛ لقوله عليه الصلاه والسلام في الحديث المتقدم: " وإذا ابتعت فاكتل ".
(أو نائبه) أي: نائب المستحق الكيل أو الوزن أو العد أو الذرع؛ [لقيام الوكيل مقام الموكل]
(4)
.
) ووعاؤه) أي: وعاء المشتري (كيده). بدليل أنهما لو تنازعا ما فيه كان لربه. وفيه وجه.
(وتكره زلزلة الكيل) نصاً عند القبض؛ لاحتمال الزيادة على الواجب بذلك.
ولأن الرجوع في كيفية الاكتيال إلى عرف الناس في أسواقهم ولم تعهد فيها.
(ويصح قبض متعين بغير رضى بائع) وقبل نقد ثمنه أيضاً؛ لأن التسليم من مقتضيات العقد، وليس للبائع حبس المبيع على ثمنه.
(1)
ذكره البخارى فى " صحيحه " تعليقاً 2: 748 كتاب البيوع، باب الكيل على البائع والمعطى.
وأخرجه أحمد فى "مسنده "(560) 1: 75
(2)
أخرجه ابن ماجه فى "سننه "(2230) 2: 750 كتاب التجارات، باب بيع المجازفه.
(3)
فى أ: ذرع.
(4)
زياده من ج.
(و) يصح قبض (وكيل من نفسه لنفسه) نصاً.
قال في " الترغيب " وغيره: [وعليه الجمهور]
(1)
، بأن يكون للوكيل دين
على الموكل، ويكون للموكل مثلاً. وديعة عند الوكيل من جنس ما له عليه من الدين. فيتوكل من عليه الدين للذي
(2)
له الدين في قبض دينه مما له عنده من الوديعة؛ لأنه يصح أن يشتري لنفسه من مال ولده ويقبضه لنفسه من نفسه. فكذا
هنا.
(إلا ما كان من غير جنس ماله) أي: ما للوكيل على الموكل فلا؛ لافتقار
الاستيفاء إلى عقد معاوضة
(3)
ولم توجد.
(و) يصح (استنابة من عليه الحق للمستحق) بأن يقول من عليه حق لربه:
اكتل من هذه الصُبْرة قدر حقك.
(ومتى وجده) أي: وجد (قابض) المقبوض (زائداً ما) أي: قدراً (لا
يُتغابن به) في العادة: (أعلمه) أي: أعلم القابض المقبوض بالزائد وجوباً.
ولم يجب عليه رده بلا طلب.
ونقل المروذي: يرده.
(وإن قبضه) المشتري من غير اختبار بل (ثقة بقول باذل: إنه قدر حقه)
واعتماداً على صدقه (ولم يحضر كيله، أو وزنه) ثم اختبره فوجده ناقصاً:
(قُبل قوله في) قدر (نقصه) حيث لا بينة؛ لأنه منكر. فكان القول قوله بيمينه.
(وإن صدّقه) قابض (في قدره: برئ) الباذل (من عهدته). فلا
(4)
يقبل
من قابض بعد تصديقه دعوى نقص.
(1)
ساقط من أ.
(2)
فى أ: للدين.
(3)
فى أ: معاوضته.
(4)
ساقط من أ.
(ولا يتصرف فيه) القابض؛ (لفساد القبض)؛ لأن القبض الصحيح في
ذلك بالكيل أو الوزن الموجودين في
(1)
حضور مستحق أو نائبه، ولم يوجد. (ولو أذن) رب دين (لغريمه في الصدقة بدينه) الذي عليه (عنه) أي: عن الآذن، (أو) في (صرفه) عنه:(لم يصح) إلإذن (ولم يبرأ) المدين بفعل ذلك؛ لأن
(2)
الآذن لا يملك شيئاً مما في يد غريمه إلا بقبضه، والقبض لم يوجد. فإذا تصدق أو صرف ما ميزه لذلك فقد حصل بغير مال الآذن. فلم يبرأ بذلك. وفيه وجه.
(ومن قال) لآخر (ولو لغريمه: تصدق عني بكذا، ولم يقل: من ديني: صح) وجهاً واحداً؛ لأنه إذا أمره بالصدقة عنه ففعل لزم.
(وكان) القدر المتصدق به (اقتراضاً) من المأذون له
(3)
، وتوكيلاً له في الصدقة به.
(لكن) إن كان المأذون له مدين الآذن والمأذون فيه من نوع ما عليه له (يسقط من دين غريم بقدره) أي: المأذون فيه (بالمقاصَّة) متعلق بيسقط. (وإتلاف مشتر) المبيع مطلقاً وإتلاف (متهب) العين الموهوبة له (بإذن واهب: قبضٌ) للمبيع والموهوب. (لا غصبه) أي: لا إذا غصب المشتري المبيع الذي لا يدخل في ضمانه إلا بقبضه، ولا إذا غصب المتهب العين الموهوبة له: فإن ذلك لا يكون قبضاً. فلا يصح تصرفه فيهما.
(وغصب بائع) المشتري (ثمناً) للمبيع غير معين، (أو أخذه) أي: أخذ البائع الثمن من مال المشتري (بلا إذن) منه: (ليس قبضاً) للثمن، (إلا مع) وجود (المقاصَّة) من المشتري، بأن يوصي أن يكون ما أخذه البائع عوضاً عما عليه له من الثمن.
(1)
فى ج: مع.
(2)
فى أ: لأن ذلك.
(3)
فى ج: به.
(وأجرة كيَّالٍ) لمكيل، (ووزَّانٍ) لموزون، (وعدَّادٍ) لمعدود، (وذرَّاعٍ) لمذروع، (ونقَّادٍ) لمنقود، (ونحوهم)؛ كمصفي المبيع من غلته (على باذل) لذلك؛ لأنه تعلق به حق التوفية، ولا تحصل إلا بذلك. أشبه السقي على بائع الثمرة.
(ونقل) لمبيع يحصل به قبضه به (على مشتر)؛ لأنه لايتعلق به حق توفية. نص عليه.
(ولا يضمن ناقدٌ حاذقٌ أمين خطأ) وجد منه في المنصوص. سواء كان متبرعاً أو بأجرة.
(و) يحصل القبض (في صُبْرة) بيعت جزافاً (وما ينقل)؛ كأحجار الطواحين: (بنقله) فيهما، وفي حيوان بتمشيته.
(و) في (ما يتناول)؛ كالدراهم والدنانير والجواهر (بتناوله) با ليد.
(و) في (غيره) أي: غير ما ذكر؛ كالأرض والبناء والشجر (بتخلية)
بينه وبين مشتريه، لا حائل دونه؛ لأن القبض مطلق في الشرع. فوجب الرجوع فيه إلى العرف؛ كالإحراز والتفرق. والعرف في قبض هذه الأشياء ما ذكرناه.
(لكن يعتبر في قبض) جزء (مشاع)؛ كنصف وربع من شيء (ينقل، إذنُ شريكه) أي: شريك البائع. (فلو أباه) أي: أبى الشريك الإذن في القبض (وكَّل فيه. فإن أبى) أن يوكل فيه (نصب حاكم من يقبض)؛ مراعاة لحق الشريكين.
(ولو سلمه) البائع (بلا إذنه) أي: الشريك (فالبائع غاصب)؛ لتعديه. (وقرار الضمان) فيما إذا تلف (على مشتر: إن علم) أن له فيه شريكاً لم يأذن.
(وإلا) أي: وإن لم يعلم ذلك (فعلى بائع).
[فصل: - في الإقالة]
(فصل. والإقالة) في البيع مستحبة لأحد المتعاقدين مع ندم الآخر؛ لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً قال: " من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة "
(1)
. ورواه ابو داود. وليس فيه ذكر: يوم القيامة.
وفيها عن الإمام روايتان:
إحداهما: انها بيع؛ لأنها نقل ملك بعوض على وجه التراضي. فكانت بيعاً؛ كالأول.
والثانية التي هي المذهب: أنها (فسخ)؛ لأنها (تصح قبل قبض) فيما
بيع بكيل أو وزن أو عدّ أو ذرع، وفي سلم.
قال ابن المنذر: وفي إجماعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، مع إجماعهم على أن له أن يقيل المسلم جميع المسلَم فيه: دليلُ على أن الإقالة ليست بيعاً.
(و) تصح (بعد نداء جمعة). بخلاف البيع.
(و) تصح (من مضارب وشريك ولو بلا إذن) من رب المال ومن الشريك الآخر.
(و) تصح (من مفلس بعد حجر) عليه (لمصلحة) فيهن.
(و) تصح (بلا شروط بيع) كما لو تقايلا في آيق أو شارد فإنها تصح. بخلاف البيع.
وتصح بلفظها، (وبلفظ صلح، و) بلفظ (بيع).
(1)
أخرجه ابو داود فى " سننه "(3460) 3: 274 كتاب الإجازه، باب فى فضل الإقاله.
أخرجه ابن ماجه فى "سننه"(2199) 2: 741 كتاب التجارات، باب الإقاله.
قال ابن رجب: ظاهر كلام كثير من الأصحاب انعقادها بذلك، وتكون معاطاة.
(و) مراده: أنها تصح ب (ما يدل على معاطاة.
ولا خيار فيها) أي: في الإقالة في مجلس ولا شرط
(1)
. (ولا شفعة) فيها أيضاً. نص عليه في رواية ابن الحكم؛ لأن ما كان فسخاً في حق المتعاقدين كان فسخاً في حق غيرهما؛ كالرد بالعيب.
(ولا يحنث بها) أي: بالإقالة (من حَلَفَ: لا يبيع).
ولا يبر من
(2)
حلف: ليبيعن. ولا يقع بها طلاق ولا عتق معلق على بيع. (ومُؤْنة رد) مبيع تقايلا فيه (على بائع)؛ لأن المبيع يبقى بيد المشتري بعد التقايل أمانة. فلا تلزمه مُؤْنة رده؛ كمودع
(3)
.
(ولا تصح مع تلف مثمن) مطلقاً، (و) لا مع (موت عاقد) أيهما كان؛
لأن خيار الإقالة يبطل بالموت.
وفيه وجه: إن قيل انها بيع.
وفيه وجه وقيل
(4)
: إنها فسخ.
(ولا) تصح إن قيل إنها فسخ أو بيع في الأصح (بزيادة على ثمن) وقع العقد عليه، (أو) مع (نقصه، أو بغير جنسه). ولا ينتقل ملك المشتري عنه بذلك؛ لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه، ورجوع كل واحد إلى الذي له. فلو قال المشتري للبائع: أقلني ولك كذا ففعل فقد نص الإمام على كراهة ذلك معللاً بشبهه بمسائل العينة؛ لأن السلعة ترجع إلى صاحبها ويبقى له على المشتري فضل دراهم.
(1)
فى أوب: بشرط.
(2)
فى أ: فى.
(3)
فى أ: فلا تلزمه رد يرضى البائع كمودع
(4)
فى أ: او قيل.
قال ابن رجب: لكن محذور الربا هنا بعيد جداً؛ لأنه لا يقصد أحد أن يرفع عشرة ثم يأخذ نقداً خمسة مثلاً، لا سيما والدافع هنا هو الطالب لذلك الراغب فيه.
وذكر أيضاً من فوائد الخلاف أنه لو تقايلا بيعاً فاسداً ثم بعد التقايل حكم حاكم بصحته: فإن قيل: أنها بيع نفذ حكمه بصحته، وإن قلنا فسخ لم ينفذ؛ لأن العقد ارتفع بالإقالة فصار كأنه لم يوجد.
وظاهر ما تقدم أنها تصح مع تلف الثمن وهو كذلك، ولعله قولا واحداً.
(والفسخ) بإقالة أو غيرها: (رفع عقد) وقع (من حين فسخ). فما حصل من كسب أونماء منفصل فلمشتر
(1)
.
(1)
فى أ: فلمشترى.
[باب: الربا والصرف]
هذا (باب) أحكام (الربا و) أحكام (الصرف).
والربا: محرم بالإجماع، وسنده قوله تعالى) وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275].
وما روى أبو هريرة مرفوعاً: " اجتنبوا السبع الموبقات. وذكر منها أكل الربا "
(1)
.
ثم (الربا) لغة: الزيا دة.
وشرعاً: (تفاضل في أشياء). وهي: المكيلات بجنسها، والموزونات بجنسها.
(ونَسَاء في أشياء). وهي: المكيلات بالمكيلات. سواء كانت من جنسها أم من غير جنسها، والموزونات بالموزونات كذلك ما لم يكن أحدهما نقداً. وسيأتي في المتن تفاصيل ذلك.
(يختص) التحريم (بأشياء ورد الشرع بتحريمها). وسيأتي تعريف الصرف في المتن
(2)
.
(فيحرم ربا فضل: في كل مكيل) مطعوم؛ كالبر، وغير مطعوم؛ كالأشنان والنور
(3)
، (أو موزون) مطعوم؛ كالسكر، أو غير مطعوم؛ كالكتان (بجنسه)؛ لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح
(1)
أخرجه البخارى فى " صحيحه "(2615) 3: 1017 كتاب الوصايا، باب قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}
(2)
ص (158)
(3)
زياده من ج.
بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد "
(1)
. رواه الإمام أحمد ومسلم.
وعن أبي سعيد مرفوعاً نحوه
(2)
. متفق عليه.
(وإن قل) المبيع؛ (كتمرة بتمرة)؛ لأنه مال يجوز بيعه بحيث من حلف
لا يبيع مكيلاً حنث به. فيكال وإن خالف عادة؛ كموزون.
و (لا) يحرم الربا (في ماء) لإباحته أصلاً، وعدم تموله عادة ولو قيل إنه مكيل. وفيه وجه.
(ولا فيما لا يوزن عُرفاً لصناعته)؛ لارتفاع سعره بها (من غير ذهب أو فضة).
[قال المنقح في " حواشي التنقيح ": الذي يظهر أن محل ما لا يوزن لصناعته
في غير الذهب والفضة. فأما الذهب والفضة فلا يصح فيهما مطلقاً، ولهذا لم نرهم مثلوا بهما. إنما يمثلون بالنحاس والرصاص والحديد ونحوها]
(3)
. (كمعمول من نحاس) خواتم ونحوها، (و) معمول من
(4)
(حديد)؛ كسكاكين ونحوها، (و) معمول من (حرير وقطن)؛ كالثياب، (و) معمول من (نحو ذلك)؛ كالأكسية المتخذة من الصوف والثياب المتخذة من الكتان. (ولا في فلوس.) حيث كانت المعاملة بها (عدداً ولو) كانت (نافقة)؛
لأن هذه الأشياء ليست بمكيل ولا بموزون. إذ لا معنى لثبوت الحكم مع انتفاء العلة وعدم النص والإجماع فيه.
وفيه
(5)
رواية؛ لأن أصله الوزن.
(1)
أخرجه مسلم فى " صحيحه "(1587) 3: 1211 كتاب المساقاه، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً.
وأخرجه أحمد فى "مسنده"(22779) 5: 320
(2)
أخرجه البخارى فى "صحيحه "(2068) 2: 761 كتاب البيوع، باب بيع الفضه بالفضه.
أخرجه مسلم فى "صحيحه "(1584) 3: 1211 كتاب المساقاه، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نفداً.
(3)
ساقط من أ.
(4)
ساقط من أوب.
(5)
فى أ: وفى.
وعلم مما تقدم أن علة الربا في الذهب والفضة كونهما موزونى جنس. وفي
البر والشعير والتمر والملح؛ كونهن مكيلات جنس. نقل ذلك الجماعة عن الإمام. وفعل المكيال شرط.
فعلى هذا يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه؛ كالحبوب كلها، والأشنان والنورة والقطن والصوف والكتان والورس والحناء والعصفر والحديد والنحاس والرصاص؛ لأن القياس دليل شرعي. فيجب استخراج علة هذا الحكم وإثباته في كل موضع وجدت علته فيه.
ولا يجري في مطعوم لا يكال ولا يوزن؛ كالبيض والجوز والحيوان.
ويشترط في بيع
(1)
مكيل أو موزون بجنسه مع التماثل الحلول والتقابض بالمجلس. وسيأتى التنبيه على ذلك في المتن. والتعيين صرح به في " المستوعب " وهو مراد من أطلق.
قال في " المستوعب ": وإذا تبايعا جنساً فيه الربا بجنسه لم يجز إلا متماثلاً
عيناً بعين، وإذا تبايعا جنسين علة ربا الفضل فيهما واحدة متساويين أو متفاضلين عيناً بعين، أو في الذمم بالصفة
(2)
ثم تقابضا قبل التفرق: فكل ذلك جائز. انتهى.
وعنه: لا يحرم ربا الفضل إلا في الجنس الواحد من الذهب والفضة وكل مطعوم آدمي. فتكون العلة في الأثمان الثمنّية. وفيما عداها كونه مطعوم جنس. فيختص بالمطعومات.
وعنه: لا يحرم إلا في الذهب والفضة والمطعوم إذا كان مكيلاً أو موزوناً. وقيل: لا يحرم إلا في الأعيان الستة المنصوص عليها؛ لتعارض الأدلة فيما سواها وخفاء العلة.
(1)
فى ج: مبيع.
(2)
فى أ: بالفضه.
ورجح هذا القول ابن عقيل في " عمدة
(1)
الأدلة ".
(ويصح بيع صُبْرة) من مكيل أو موزون (بجنسها)؛ كصُبْرة بر بصُبْرة بر، وكومة من جبن بكومة من جبن يجانسه (إن علما كيلهما) أي: الصبرتين، (و) علما (تساويهما) في الكيل أو الوزن؛ لوجود التماثل المشترط.
(أو لا) أي: وكذا يصح البيع إن لم يعلما كيلهما أو وزنهما (وتبايعاهما) على أن يكون المبيع (مثْلاً بمثل. فكِيلتا) أو وزنتا (فكانتا سواء)؛ لوجود التماثل المشترط.
(و) يصح بيع (حب جيد بخفيف) من جنسه متساويين كيلاً؛ لأنهما تساويا في معيارهما الشرعي. فلا يؤثر اختلافهما في القيمة.
(لا) بيع حب جيد (بمُسوّس)؛ لأنه لا طريق لنا إلى العلم بالمماثلة وهو حب. والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
(ولا) يصح بيع (مكيل) أي: أصله الكيل؛ كالبر والشعير والتمر والملح (بجنسه وزناً)؛ كرطل بُرّ برطل بُرّ ونحو ذلك.
(ولا) بيع (موزون) أي: أصله الوزن؛ كالذهب
(2)
والفضة والنحاس والرصاص (بجنسه كيلاً)؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " الذهب بالذهب وزناً بوزن، والفضة بالفضة وزناً بوزن، والبر بالبر كيلاً بكيل، والشعير بالشعير كيلاً بكيل ". رواه الأثرم من حديث عبادة.
ولمسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الذهب بالذهب وزناً بوزن،
مثلاً بمثل. فمن زاد أو استزاد فهو ربا "
(3)
.
ولأن التماثل مشترط في المكيل بالكيل، وفي الموزون بالوزن. فمتى باع رطلاً من المكيل برطل منه حصل في الرطل من الخفيف أكثر مما حصل من
(1)
فى الأصول عمد، وما اثبتناه موافق لما فى كُتُب التراجم. انظر 1:102.
(2)
فى ج: كالزبيب.
(3)
أخرجه مسلم فى "صحيحه "(1588) 3: 1212 كتاب المساقاه، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً.
الثقيل. فيختلفان
(1)
في الكيل، والتماثل فيه مشترط.
وكذا إذا باع الموزون كيلاً. وبكل حال لا يتحقق التماثل في المعيار الشرعي. والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل. فلو كيل المكيل أو وزن الموزون فكانا سواء صح، ولهذا قال في المتن:
(إلا إذا عُلم مساواته) أي: المكيل الذي بيع وزناً، أو الموزون الذي بيع كيلاً (في معياره الشرعي.
ويصح) البيع فيما (إذا اختلف الجنس)؛ كبُر بشعير (كيلاً ووزناً وجزافاً) نصاً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشعير بالبر كيف شئتم يداً بيد "
(2)
. وفي لفظ: " إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً
بيد "
(3)
. رواه مسلم وأبو داود.
ولأنهما جنسان يجوز التفاضل فيهما. فجازا جزافاً.
وفيه رواية: لا يجوز؛ لى " نهيه عليه الصلاة والسلام في حديث جابر عن
بيع الصُبْرة بالصُبْرة من الطعام، لا يدرى ما كَيْل هذا وما كَيْل هذا "
(4)
.
ويجاب عن هذا بأنه محمول على الجنس الواحد جمعاً بين الأدلة.
(1)
فى أ: يختلفان.
(2)
أخرجه الترمزى فى "جامعه"(1240) 3: 541 كتاب البيوع، باب ما جاء أن الحنطه بالحنطه مثلا بمثل كراهية التفاضل فيه. عن عباده بن الصامت رضى الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم فى "صحيحه "(1587) 3: 1211 كتاب المساقاه، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً.
وأخرجه ابو داود فى "سننه"(3350) 3: 248 كتاب البيوع، باب فى الصرف. كلاهما عن عباده بن الصامت رضى الله عنه.
(4)
عن جابلا بن عبد الله قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبره من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر ".
أخرجه النسائى فى " سننه"(4547) 7: 269 كتاب البيوع، بيع الصبرهمن التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر.
(و) يصح (بيع لحم بمثله) أي: بوزنه
(1)
(من جنسه)؛ كلحم بقر بلحم بقر- وسيأتي تعريف الجنس
(2)
- رطباً بمثله، ويابساً تناهى جفافه بمثله (إذا نُزع عظمه)؛ لأنه إذا لم ينزع
(3)
أدى إلى الجهل بالتساوي. فإذا نزع صح البيع؛ كالذهب بالذهب مثلاً بمثل.
(و) يصح بيع لحم (بحيوان من غير جنسه) أي: مأكول، كقطعة من لحم ضأن أو بقر أو إبل بحمامة؛ لأنه مال ربوي بيع بغير أصله ولا جنسه. فجاز؛ (كب) حيوان (غير مأكول)، وكما لو باعه اللحم بالأثمان.
وفيه وجه: لا يصح.
ومفهوم ما تقدم: أنه لا يصح بيع اللحم بحيوان من جنسه وهو كذلك؛ لما روى سعيد " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحي بالميت ". ذكره الإمام واحتج به
(4)
. ولأنه مال ربوي بيع بأصله الذي فيه منه. فلم يجز؛ كبيع السمسم بالشيرج.
(و) يصح بيع (عسل بمثله) أي: بمماثل له في الكيل.
ومحل هذا الشرط: إذا اتحد الجنس؛ كعسل قصب بعسل قصب متحدين في
(5)
النوع، وعسل نحل بعسل نحل (إذا صُفِّي) كل
(6)
منهما من شمعه؛ لما تقدم في نزع العظم من اللحم.
(و) يصح بيع (فرع) من جنس- وسيأتي في المتن أن فروع الأجناس أجناس
(7)
- (معه) أي: الفرع (غيره) أي: غير الفرع شيء (لمصلحته)؛ كالجبن. فإن معه ملحاً لمصلحته.
(1)
فى أاو ب: وزنه.
(2)
ص (143).
(3)
فى أ: نزع.
(4)
ساقط من أوب
(5)
فى أ: من.
(6)
فى أكلاً.
(7)
ص (143).
(أو منفرداً) ليس معه شيء غيره
(1)
(بنوعه) متعلق ببيع.
فمثال بيع فرع معه غيره لمصحلته بنوعه؛ (كجبن بجبن.
و) مثال بيع فرع ليس معه غيره بنوعه بيع (سمن بسمن متماثلاً) حال
(2)
من قوله: يصح. أي: في
(3)
معياره الشرعي، وفي الرطوبة أو النشافة. فإن بيع الرطب من ذلك بالناشف يشبه بيع الرطب بالتمر.
(وبغيره) أي: يصح بيع الفرع بغير نوعه؛ (كزبد بمخيض. ولو) كان ذلك (متفاضلاً)؛ كرطل من زبد برطلين من مخيض؛ لاختلافهما في الجنس؛ لما يأتي من أن فروع الأجناس أجناس.
إلا ما استثني من ذلك بقوله: (إلا مثل زبد بسمن) أي: فلا يصح بيعه به؛
(لاستخراجه) أي: السمن (منه) أي: من الزبد. أشبه بيع السمسم بالشيرج. (لا) بيع (ما) أي: نوع (معه ما) أي: شيء (ليس لمصلحته؛ ككَشْك بنوعه) أي: بكشك؛ لأنه مختلط بغيره فهو كمسألة مد عجوة.
(ولا) بيع فرع (بفرع غيره) مع اتحاد الأصل؛ ككشك بجبن أو بهريسة؛
لأنه إذا لم يمكن التماثل في
(4)
الفرع الواحد ففي الفرعين
(5)
أولى.
(ولا) بيع (فرع بأصله؛ كأقط)؛وزبد أو سمن أو مخيض (بلبن)؛ لاستخراج ذلك منه. أشبه بيع لحم الحيوان بحيوان
(6)
من جنسه.
(ولا) يصح بيع (نوع مسته النار)؛ كخبز البر (بنوعه الذي لم تمسه)؛ كعجين البر؛ لأن النار عقدت أجزاء أحدهما وذهبت ببعض رطوبته. فجهل التساوي بينهما، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
(1)
ساقط من أ.
(2)
فى
(3)
فى ب: من.
(4)
فى ب: من.
(5)
فى أ: ففرعين.
(6)
ساقط من أ.
ثم أخذ في تعريف الجنس فقال: (والجنس: ما) أي: مسمى خاص
(شمل أنواعاً)، واحدها نوع. وهو: ما شمل أشياء مختلفة بالشخص. وقد يكون النوع جنساً باعتبار ما تحته والجنس نوعاً باعتبار ما فوقه.
ثم مثل الجنس بقوله: (كالذهب) فإنه يشمل البندقي والتكروري وغيرهما، (والفضة والبر والشعير والتمر والملح) نص عليه؛ لشمول كل اسم
من ذلك لأنواع.
(وفروعها) أي: فر وع
(1)
الأجناس (أجناس).
و" الفروع "؛ (كالأدقَّة والأخباز والأدهان) والخلول وعصير الأشياء المختلفة.
وعلم. مما تقدم أن زيت الزيتون جنس، وزيت البطم جنس، وزيت الفجل
جنس، وزيت القرطم جنس، وزيت السلجم جنس، وزيت الكتان جنس، يجوز بيع زيت كل
(2)
منها بآخر متساوياً ومتفاضلاً.
(واللحم واللبن) كل منهما (أجناس ب) سبب (اختلاف أصولهما).
فلحم الغنم جنس ولبنها جنس، ولحم البقر جنس ولبنها جنس، ولحم الإبل جنس ولبنها جنس. وكذلك لحم سائر الحيواناب ولبنها.
وعنه: أن اللحم كله جنس، [واللبن كله جنس]
(3)
؛ لأنه يشمله اسم
واحد؛ كالطلع.
وينتقض بعسل النحل وعسل القصب.
وعنه: في اللحم أنه أربعة أجناس: لحم الأنعام، ولحم الوحش، ولحم
الطير، ولحم دواب الماء.
(والشحم والمخ والألية، والقلب والطحال والرئة، والكلية والكبد
(1)
فى أ: فى.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
ساقط من أ.
والكارع: أجناس). فيجوز بيع رطل من شحم البقر برطلين من مخ البقر. وهو: ما يخرج من العظام، وبرطلين من الأَلْية ونحو ذلك؛ لأنهما جنسان. فجاز التفاضل بينهما؛ كاللحم باللبن.
(ويصح بيع دقيق ربوي)؛ كدقيق بر (بدقيقه) مثلاً بمثل، (إذا استويا) أي: الدقيقان (نعومة)؛ لأنهما تساويا حال العقد على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان. فجاز؛ كبيع التمر.
(ومطبوخه بمطبوخه) أي: يصح بيع مطبوخ جنس ربوي بمطبوخه؛ كسمن بقري بسمن بقري مثلاً بمثل.
(وخُبزه) أي: وخبز ربوي كبُر أو شعير أو دخن أو ذرة (بخبزه إذا استويا) أي: الخبزان (نَشَافاً أو رطوبة) مثلاً بمثل في المعيار الشرعي.
(وعصيره بعصيره)؛ كماء عنب بماء عنب، (ورطبه برطبه)؛ كالعنب بالعنب، والرطب بالرطب، (ويابسه بيابسه)؛ كالزبيب بالزبيب، والتمر بالتمر، (ومنزوع نواه) من التمر والزبيب (بمثله) أي: التمر المنزوع النوى بتمر منزوع النوى، والزبيب المنزوع النوى بزبيب منزوع النوى؟ كما لو كان في كل واحد منهما نواه.
(لا) منزوع نواه (مع نواه بما) أي: منزوع نواه (مع نواه)؛ لأن التبعية
قد زالت بالنزع. فصار كمسألة مد عجوة.
(ولا منزوع نواه بما نواه فيه.
ولا) يصح بيع (حب)؛ كبر وشعير وذرة ودخن (بدقيقه أو سويقه)؛ لتعذر التساوي بانتشار أجزاء الحب بالطحن.
ولأخذ النار من السويق. وفيه رواية.
(ولا دقيق حب)؛ كبر (بسويقه)؛ لأن النار قد اخذت من أحدهما. فلم يجز بيع بعضه ببعض؛ كالمقلية بالنيئة.
(ولا خبز بحبه أو دقيقه أو سويقه). نص على الخبز بحبه ودقيقه في رواية
ابن القاسم؛ لأن في الخبز ماء.
(ولا نيئه) أي: نئ
(1)
جنس (بمطبوخه)؛ لأخذ النار من المطبوخ.
(ولا أصله بعصيره)؛ لأنه مال ربوي بيع بأصله الذي فيه منه. فلم يجز؛ كبيع اللحم بحيوان من جنسه.
(ولا خالصه) أي: خالص جنس ربوي (أو مَشُوبه بمشوبه)؛ لانتفاء التساوي المشترط في
(2)
خالص بمشوب، وللجهل به في مشوب بمشوب. (ولا رطبه) أي: رطب جنس ربوي (بيابسه)؛ كرطب بتمر، وعنب بزبيب؛ لما روى سعد بن أبي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر. قال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. فنهى عن ذلك "
(3)
. رواه مالك وابو دا ود.
وفي رواية الأثرم قال: " فلا إذاً ".
نهى، وعلل بالنقصان
(4)
إذا يبس، وهو موجود في كل رطب بِيع بيابسه.
ولأنه جنس ربوي بيع بعضه ببعض على وجه ينفرد أحدهما بالنقصان. فلم يجز؛ كبيع المقلي بالنيء.
(ولا) بيع (المحاقلة)؛ لقول أنس: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة "
(5)
رواه البخاري.
والنهي يقتضي التحريم والقساد.
(وهي: بيع الحب الشتد في سنبله) من بر أو شعير (بجنسه).
ولأن التساوي مجهول. والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
(1)
فى أ: فى، وفى ب: من.
(2)
فى ب: من.
(3)
أخرجه أبو داود فى "سننه"(3349) 3: 251 كتاب البيوع، باب فى التمر بالتمر.
أخرجه مالك فى "الموطأ"(22) 2: 485 كتاب البيوع، باب ما يكره من بيع التمر.
(4)
فى اب: النقصان.
(5)
فى أب: النقصان.
(ويصح) بيع الحب المشتد في سنبله (ب) حب (غير جنسه)؛ كما لو كان أحدهما براً والآخر شعيراً؛ لأن اشتراط التساوي منتف مع الجنسين. وفيه وجه. (ولا) بيع (المزابنة)؛ لقول ابن عمر: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة "
(1)
.
متفق عليه.
(وهي: بيع الرطب على النخل بالتمر)؛ لما تقدم في بيع رطب جنسر ربوي بيابسه.
(إلا في العرايا. وهي) أي: العرايا: (بيعه) أي: الرطب على النخل.
فلو كان على وجه الأرض لم يجز للنهي عنه، والرخصة وردت في ذلك؛ ليؤخذ شيئاً فشيئاً لحاجة التفكه.
(خَرْصاً) وهو: أن ينظر الخارص إلى العرية فيحزر كم يجيء منها تمراً فيشتريها المشتري (بمثل ما يؤول إليه) الرطب (إذا جف) أي: صار تمراً (كيلاً)؛ لأن الأصل اعتبار الكيل من الجانبين، سقط في أحدهما وأقيم الخرص مكانه للحاجة. فيبقى الآخر على مقتضى الأصل.
(فيما دون خمسة اوسق)؛ لما روى أبو هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص
في العرايا بأن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق "
(2)
. متفق عليه.
فلا يجوز في الخمسة؛ لوقوع الشك فيها.
وعنه: بلى.
(1)
أخرجه البخارى فى "صحيحه "(2073) 2: 763 كتاب البيوع، باب بيع المزابنه
…
وأخرجه مسلم فى "صحيحه "(1542) 3: 1171 كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا فى العرايا.
(2)
أخرجه البخارى فى "صحيحه"(2253) 2: 839 كتاب المساقاه الشرب، باب الرجل يكون له ممر أو شرب فى حائط أو فى نخل.
وأخرجه مسلم فى "صحيحه"(1541) 3: 1171 كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا فى العرايا.
فأما ما زاد فلا يجوز رواية واحدة.
(لمحتاج لرطب ولا ثمن معه)؛ لما روي عن محمود بن لبيد قال: " قلت لزيد: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطباً وعندهم فضول من التمر. فرخص لهم أن يبتاعوا
(1)
العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونه رطباً "
(2)
. متفق عليه.
وظاهره: أنه لا يعتبر حاجة البائع. فلو احتاج إلى التمر ولا ثمر معه إلا الرطب فقال أبو بكر والمجد: بجوازه. وهو بطريق التنبيه؛ لأنه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة التفكه فلحاجة الاقتيات أولى. إذ القياس على الرخصة جائز إذا فهمت العلة.
وظاهر ما تقدم أنه يعطي المشتري البائع من التمر مثل ما يؤول إليه
(3)
ما في النخل عند الجفاف ارتكاباً لأخف المفسدتين وهو الجهل بالتساوي دون أعظمهما وهو العلم بالتفاضل. وهو المذهب.
وعنه: يعطيه مثل رطبه.
وبقي للعرايا شرطان نبه عليهما بقوله: (بشرط الحلول وتقابضهما) أي: المتعاقدين (بمجلس العقد)؛ لأنه بيع تمر بتمر. فاعتبر فيه شروطه إلا ما استثناه الشرع مما لم يمكن اعتباره في بيع العرايا.
والقبض في كل واحد منهما على حسبه: (ففي نخل بتخلية) بينه وبينه، (وفي تمر بكيل) أونقل لما علم كيله.
وليس من شرطه حضور التمر عند النخل. (فلو) تبايعا و (سلم أحدهما،
ثم مشيا فسلم الآخر: صح)؛ لأن التفرق لم يحصل قبل القبض.
(1)
فى ج: يتبايعوا.
(2)
أخرجه الشافعى فى اختلاف التحديث (ر. فتح البارى 4: 459 طبعة الريان). وقول المصنف متفق عليه وهم.
(3)
زياده من ج.
ولا يشترط في العرية كونها موهوبة؛ لأن اشتراط ذلك مع اشتراط حاجة المشتري إلى أكلها رطباً ولا ثمن معه: يفضي إلى سقوط الرخصة. إذ لا يكاد يتفق ذلك.
ولأن ما جاز بيعه إذا كان موهوباً جاز وإن لم يكن موهوباً؛ كسائر الأموال.
لكن يشترط لبقاء عقد العرايا: أن يأكلها أهلها رطباً فلو تركت حتى صارت
تمراً بطل العقد. وسيأتي التنبيه على ذلك في الباب الذي بعده.
(ولا تصح في بقية الثمار)؛ لما روى الترمذي من حديث سهل ورافع مرفوعاً: "أنه نهى عن المزابنة: التمر بالتمر. إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم، وعن بيع العنب بالزبيب "
(1)
.
ولأن الأصل تحريم بيع العرية، وإنما جازت في ثمرة النخيل رخضة.
ولا يصح قياس غيرها عليها؛ لأن غيرها لا يساويها في كثرة الاقتيات وسهولة الخر ص.
ولأن القياس لا يعمل به إذا خالف نصاً.
وقيل: يجور.
وقيل: في العنب فقط.
(ولا) تصح (زيادة مشتر) على القدر المرخص فيه (ولو) اشتراه (من
عدد في صفقات) بأن يشتري من زيد وسقين، ومن عمرو وسقين، ومن بكر وسقين؛ لأن النهي عن المزابنة عام استثني منه العرية فيما دون خمسة أوسق. فما زاد يبقى على العموم في التحريم.
ولأن ما لم يجز العقد عليه مرة إذا كان من نوع واحد لم يجز في عقدين؛ كالذي على وجه الأرض، وكالجمع بين الأختين.
(1)
أخرجه الترمذى فى "جامعه"(1303) 3: 596 كتاب البيوع، باب منه.
وأما إن باع رجل عريتين من
(1)
رجلين فيهما أكثر من خمسة أوسق جاز؛ لأن المغلب في التجويز حاجة المشتري. وفيه وجه.
(ويصح بيع نوعَي جنس) مختلفي القيمة بنوع آخر أو نوعين لذلك الجنس. (أو) بعكس ذلك كبيع (نوع) من جنس (بنوعيه أو نوعه).
فمثال بيع نوعي جنس بنوع منه؛ (كدينار قُراضة. وهي) أي: القراضة: (قِطعُ ذهب أو) قطع (فضة، وصحيح) معها من جنسها (بصحيحين) من ذلك الجنس (أو قًراضَتين) منه.
وعكس ذلك بأن يبيع القراضتين أو الصحيحين بقراضة (أو صحيح بصحيح.
و) كبيع (حنطة حمراء وسمراء ببيضاء)، وبيضاء بحمراء وسمراء.
(و) كبيع (تمر مَعْقِلي وبَرْني بإبراهيمي). وإنما جاز ذلك؛ لأن الشارع اعتبر المثلية في ذلك. فدل على الإباحة عندها. والجودة ساقطة في باب الربويات فيما قوبل بجنسه. فيما لو اتحد النوع في كل واحد من الطرفين فكذلك إذا اختلفا. وفيه وجه.
(و) يصح بيع (نوى) لتمر (بتمر فيه نوى.
و) بيع (لبن ب) ناقة أو بقرة أو شاة (ذات لبن) من جنس ذلك اللبن.
(و) بيع (صوف بما) أي: بحيوان (عليه صوف) من جنس ذلك الصوف.
نصاً على الأصح.
(ودرهم فيه نحاس بنحاس أو بمساويه في غش.
وذات لبن أو) ذات (صوف بمثلها) في الأصح؛ لأن النوى الذي بالتمر، والصوف واللبن الذي بالحيوان والنحاس الذي بالدرهم: غير مقصود.
ولأن ذلك لا أثر له ولا يقابله شيء من الثمن. أشبه الملح في الشيرج، وحبات الشعير في الحنطة.
(1)
فى أ: فى.
(و) يصح بيع (تراب معدن و) تراب (صاغة بغير جنسه)؛ لأنه لا يشترط بينهما المماثلة. فجاز. لكن
(1)
إن اتفق مع ما بيع به في عله ربا الفضل اشترط الحلول والقبض بالمجلس.
(و) يصح بيع (ما مُوِّهَ بنقد: من دار، ونحوها)؛ كباب وشباك (بجنسه) أي: بجنس النقد المموه به.
(و) بيع (نخل عليه ثمر بمثله) أي: بنخل عليه ثمر، (و) بيع نخل عليه
تمر (بتمر)؛ لأن ما فيه الربا مما تقدم غير مقصود بالبيع. فوجوده كعدمه. وكذا لو اشترى عبداً له مال واشترط ماله وهو من جنس الثمن حيث كان غير مقصود.
(لا) بيع (ربوي بجنسه ومعهما) أي: الثمن والمثمن، (أو) مع (أحدهما
من غير جنسهما)؛ وذلك (كمد عجوة ودرهم بمثلهما) أي: بمد عجوة ودرهم، (أو بمدين، أو بدرهمين). أو باع شيئاً محلى بجنس حليته. فهذه المسألة تسمى مسألة مد عجوة. نص الإمام على عدم جوازها في مواضع كثيرة. وذلك لما روى فضالة بن عبيد قال: " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعه دنانير وسبعه دنانير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا. حتى تميز بينهما. فال: فرده حتى ميز بينهما "
(2)
. رواه أبو داود.
وفي لفظ لمسلم: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده.
ثم قال لهم: الذهب بالذهب وزناً بوزن "
(3)
.
ثم للأصحاب في توجيه البطلان مأخذان:
أحدهما: وهو مأخذ القاضي وأصحابه أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة قُسط الثمن على قيمتهما. فيكون من
(4)
باب التوزيع على
(1)
فى أ: لأن.
(2)
أخرجه ابو داود فى " سننه "(3351) 3: 249 كتاب البيوع، باب فى حلية السيف تباع بالدراهم.
(3)
أخرجه مسلم فى "صحيحه "(1591) 3: 1213 كتابا المساقاه، باب بيع القلاده فيها خرز وذهب.
(4)
فى أ: فى.
الجمل. وهذا يؤدي هنا إما إلى يقين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوي، وكلاهما مبطل للعقد في باب الربا.
والمأخذ الثانى: أن ذلك ممنوع؛ سداً لذريعة الربا. فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح؛ كبيع مائة في كيس بمائتين يجعلاً
(1)
للمائة الثانية في مقابلة الكيس وقد لا يساوي درهماً. فمنع من ذلك ولو كانا غير
(2)
مقصودين؛ حسماً لهذه المادة.
وفي كلام الإمام إيماء إلى هذا المأخذ.
وفيما إذا كان المدان من شجرة والدرهمان من نقد واحد وجهان:
أحدهما: الجواز.
والثاني: المنع.
قال في " الإنصاف " عن الثانى: قلت: وهو المذهب.
وفي أصل المسألة رواية بالجواز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه،
أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه.
(إلا أن يكون) ما مع الربوي (يسيراً لا يُقصد) بالعقد؛ (كخبز فيه ملح بمثله) أي: بخبز فيه ملح، (و) كخبز (بملح)؛ لأن الملح لا يؤثر في وزن. فوجوده كعدمه.
(ويصح) لو قال: (أعطني بنصف هذا الدرهم نصفاً) أي: نصف درهم، (و) بالنصف (الآخر فلوساً أو حاجة) غير الفلوس.
(أو) قال: (أعطني به) أي: با لدرهم (نصفاً وفلوساً، ونحوه) أي: ونحو ذلك القول؛ كما لو دفع إليه درهمين وقال: بعني بهذا الدرهم فلوساً وأعطني بالآخر
(3)
نصفين ففعل.
(1)
فى ج: جعلا.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
فى أ: فلوساً وبالآخر.
وإنما صح ذلك؛ لوجود التساوي. فإن قيمة النصف الذي في الدراهم كقيمة النصف الذي مع الفلوس أو الذي مع الحاجة، وقيمة الفلوس او الحاجة كقيمه النصف الآخر سواء.
(و) يصح (قوله لصائغ: صِغْ لي خاتماً) أي: من فضة (وزنه درهم، وأعطيك مثل زنته، و) أعطيك (أجرتك درهماً. وللصائغ أخذ الدرهمين، أحدهما في مقابلة الخاتم، والثانى اجرة له) وليس ذلك بيع للدرهم بدرهمين. (ومرجع) المكيل في (كيل: عُرْفُ المدينة) أي: مدينة النبي صلى الله عليه وسلم.
(و) مرجع الموزونات في (وزن: عُرْفُ مكة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الكيل ومسألة الوزن؛ لما روى عبدالملك بن عمير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة "
(1)
.
وكلامه صلى الله عليه وسلم إنما يحمل على تبيين الأحكام. فما كان مكيلاً بالمدينة في زمنه صلى الله عليه وسلم انصرف التحريم بتفاضل الكيل إليه. فلا يجوز أن يتغير بعد ذلك. وهكذا الموزون.
(وما لا عُرْفُ له هناك) أي: بالمدينة ومكة (يعتبر) عرفه (في موضعه)؛
لأن ما لا حد له في الشرع يرجع فيه إلى العرف؛ كالقبض والحرز.
وفي وجه: يرد إلى أقرب الأشياء شبهاً به بالحجاز.
(ف) على الأول: (إن اختلف) العرف بالبلاد (اعتبر الغالب) منها.
(فإن لم يكن) هناك عرف غالب (رُدَّ) ذلك الشيء (إلى أقرب ما) أي: أقرب شيء (يشبهه بالحجاز)، لأن الحوادث تُرد إلى أشبه المنصوص عليه بها.
(وكلُّ مائع مكيل)؛ لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد، ويغتسل
(1)
أخرجه أبو داود فى "سننه "(3340) 3: 246 كتاب البيوع، باب فى قول النبى صلى الله عليه وسلم:"المكيال مكيال المدينه ".
وأخرجه النسائى فى "سننه"(2520) 5: 54 كتاب الزكاه، كم الصاع.
بالصاع
(1)
، " ويغتسل هو وبعض نسائه من الفرق "
(2)
.
وهذه مكاييل قدر بها الماء. فكذلك سائر المائعات.
ويؤيد ذلك أيضاً ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن بيع ما في ضروع الأنعام
إلا بكيل "
(3)
. رواه ابن ماجه.
(1)
أخرجه أبو داود فى " سننه "(93) 1: 23 كتاب الطهاره، باب ما يجزئ من الماء فى الوضؤ.
(2)
اخرجه النسائى فى "سننه"(231) 1: 128 كتاب الطهاره، باب ذكر الدلاله على أنه لا وقت فى ذلك.
(3)
أخرجه ابن ماجه فى "سننه"(2196) 2: 740 كتاب التجارات، باب النهى عن شراء ما فى بطون الأنعام وضروعها وضربة الغائض.
[فصل: في ربا النسيئة]
(فصل. ويحرم ربا النسيئة) وهي فعيلة من النساء بالمد. وهو: التأخير
(بين ما) أي: شيئين (اتفقا في علة ربا الفضل)؛ كمكيل بمكيل وموزون بموزون، و (ك) بيع (مد بر بمثله أو) بمد (شعير. و) الموزون بالموزون؛ (ك) بيع درهم من (قز ب) رطل (خبز.
فيشترط) لمثل ذلك (حلول وقبض بالمجلس) اتفاقاً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد "
(1)
.
وفي لفظ: " لا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما
نسيئة فلا "
(2)
. رواه أبو داود.
ولأنهما مالان من أموال الربا علتهما متفقة. فحرم التفرق قبل القبض؛ كالصرف.
(لا إن كان أحدهما) أي: العوضين (نقداً) أي: ذهباً أو فضة؛ كبيع
رطل سكر بدرهم فضة ونحو ذلك. فإنه لا يشترط في ذلك حلول ولا قبض بغير خلاف في المذهب؛ لأن الشارع أرخص في السلم، والأصل في رأس ماله النقدان. فلو حرم النساء في
(3)
ذلك لانسد باب السلم في الموزونات.
(إلا في صرفه) أي: النقد (بفلوس نافِقة) نصاً. فيشترط الحلول والقبض؛ إلحاقاً لها بالنقد. وفيه رواية.
(ويحل نَسَاء) أي: تأجيل (في) بيع (مكيل بموزون)؛ كبيع مد بر برطل
سكر إلى شهر؛ لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل. أشبه بيع
(1)
سبق تخريجه ص (140) رقم (2 - 3)
(2)
أخرجه أبو داود فى "سننه"(3349) 3: 248 كتاب البيوع، باب فى الصرف.
(3)
فى ب: من.
بعض غير أموال الربا ببعض. وفيه رواية.
(و) يحل نَسَاء أيضاً (في) بيع (ما لايدخله ربا فضل) بعضه ببعض؛ (كثياب) بثياب، (وحيوان) بحيوان، (وتبن) بتبن؛ " لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو أن يأخذ على قلائص الصدقة. فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة "
(1)
. رواه الإمام والدارقطني وصححه.
فإن قيل: لعله ابتاع على بيت المال لا في ذمته؛ لأنه قضاه من
(2)
(الصدقة. فالجواب: أن الدين لا يثبت إلا في الذمم، ولو عينت الديون في أعيان الأموال لم يصح. فكيف إذا أطلقت.
وللإمام فعل ذلك للمصلحة ويقضيه من بيت المال.
وعنه: لا يجوزالنساء في ذلك مطلقاً.
وعنه: لا يجوز في الجنس الواحد؛ كالحيوان بالحيوان. ويجوز في الجنسين؛ كالثياب بالحيوان.
(ولا يصح بيع كالئ بكالئ) بالهمز فيهما. (وهو: دين) بيع (بدين) مطلقاً؛ "لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ "
(3)
. رواه أبو عبيد في " الغريب ". ولا بيع دين بنقد أو غيره حاضرَين لغير من هو عليه؛ لأن من
(4)
شرط صحة البيع القدرة على التسليم، والدين على الغير ليس بمقدور على تسليمه.
(ولا) بيع الدين (ب) شيء (مؤجل لمن هو عليه) ويصح بحاضر؛ لما روى ابن عمر قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إنى أبيع الإبل بالبقيع. فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع الدراهم وآخذ الدنانير. فقال: لا بأس أن تؤخذ
(1)
أخرجه أحمد فى "مسنده"(6593) 2: 171.
وأخرجه الدارقطنى فى "سننه"(262) 2: 69 كتاب البيوع.
(2)
فى أ: فى.
(3)
أخرجه الدارقطنى فى "سننه"(269) 3: 71 كتاب البيوع.
(4)
فى أ: فى.
بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء "
(1)
. رواه الخمسة.
فاعتبر شروط الصرف فيه ولو لم يصح لم يعتبر ذلك.
وعنه: لا يصح مطلقاً.
وعلى المذهب: (أو جعله) أي: الدين (رأس مال سلم)؛ لأنه بيع
دين بدين.
(ولا) يصح (تصارف المدينين بجنسين في ذمتيهما).
وصورة ذلك: بأن يكون لأحذ اثنين على الآخر ذهب، ولمن عليه الذهب على الآخر فضة. فيتصارفان على ذلك ولم يحضرا شيئاً فإنه لا يجوز. سواء كانا حالّين أو مؤجلين. نص عليه فيما إذا كانا نقدين؛ لأنه بيع دين بدين.
(و) لا (نحوه) أي: نحو التصارف في الذمتين؛ كما لو كان
(2)
في ذمة
كل واحد ما لا يجوز بيعه بالآخر
(3)
نسيئة؛ كمكيلين أو موزونين من جنسين. (ويصح) تصارفهما (إن أُحضر) بالبناء للمفعول (أحدهما) أي: أحد الدينين، (أو كان أمانة) نصاً؛ لأن هذا بيع دين بعين.
وفيه رواية: لا يصح مطلقاً.
وفيه وجه: إذا كان مؤجلاً.
(ومن) عليه دراهم أو دنانير لآخر ثم (وكَّل) من عليه الدين (غريمه) الذي عليه الحق (في بيع سلعته) للموكل، (و) أذن له في (أخذ دينه من ثمنها) أي: السلعة، (فباع) الوكيل السلعة (بغير جنس ما عليه) أي: على الموكل: (لم يصح أخذه) أي: أخذ الوكيل دينه من ثمن
(4)
السلعة نصاً؛ لأنه لم يأذن له في مصارفة نفسه.
(1)
سبق تخريجه ص (125) رقم (1)
(2)
فى ج: كانا.
(3)
فى ب: لآخر.
(4)
فى أ: من ثمنه ثمن.
ولأنه متهم.
(ومن عليه دينار) ديناً (فبعث إلى غريمه) الذي له الدينار (ديناراً) دون ما عليه (وتتمته دراهم): لم يجز.
(أو أرسل) غريم من عليه دنانير رسولاً (إلى من له عليه دراهم فقال) المرسل (للرسول: خذ حقك منه دنانير. فقال الذي أُرسل إليه) للرسول: (خذ) دراهم (صِحاحاً بالدنانير: لم يجز)؛ لأنه لم يوكله في الصرف. نص عليه.
ولهذا لو بعب المدين مع الرسول بغير نقد عليه رهناً أو قضاء فذهب. فمن
مال الباعب.
[فصل: في الصرف]
(فصل. والصرف) - الموعود بتعريفه أول الباب- (بيع نقد بنقد.
ويبطل) أي: الصرف (كسَلَم) أي: كما يبطل سلم (بتفرق) بأبدان تفرقاً (يُبطل خيار المجلس). إذا وقع التفرق (قبل تقابض) من الجانبين في الصرف، وقبل قبض رأس مال سَلَم في السَّلَم؛ لاشتراط ذلك لصحة عقديهما. ويدل للصرف قوله عليه الصلاة والسلام.:" بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد "
(1)
.
وسيأتي ما يدل للسلم في بابه
(2)
.
(وإن تأخر) التقابض في الصرف (في بعض) منه، أو تأخر قبض بعض رأس مال سلم عن مجلس عقد:(بطلا) أي: الصرف والسلم (فيه) أي: في البعض
(3)
المتأخر (فقط)؛ لفوات شرطه. وصح فيما قبض. بناء على تفريق الصفقة.
وفيه وجه: يبطل في الكل.
(ويصح التوكليل) من أحد المتعاقدين ومنهما بعد عقد (في قبض. في صرف، ونحوه)؛ كسلم. فيصح قبض الوكيل ويقوم مقام قبض موكله، (ما دام موكله في المجلس) أي: مجلس العقد. سواء استمر الوكيل بالمجلس أو فارقه بعد أن وكل ثم عاد وقبض؛ لأنه كالآلة.
(ولا يبطل) عقد الصرف (بتخاير فيه) قبل القبض؛ لأن شرط اللزوم التقابض في المجلس وقد وجد، ولا يلزم قبله بحال.
(1)
سبق تخريجه ص (140) رقم (2)
(2)
ص (190).
(3)
فى أ: القبض.
(وإن تصارفا) أي: المتصارفان (على عينين من جنسين)؛ كأن يقول: بعتك هذا الدينار بهذه الدراهم فيقبل وهما حاضران. أو يذكر وزنيهما كبعتك هذا المثقال الذهب بهذه القطعة الفضة التي وزنها عشرة دراهم. (ولو) علما ذلك (بوزن متقدم) على مجلس العقد (أو) اعتماداً على (خبر صاحبه) ثم تقابضا، (وظهر غصب أو عيب في جميعه) أي: جمييع الذهب أو الفضة. (ولو) كان العيب (يسيراً من غير جنسه) أي: المعيب، كأن يجد الدراهم نحاساً، أو الدنانير رصاصاً، أو يكون فيهما شيء من ذلك ولو يسير:(بطل العقد) نصاً، لأنه باعه غير ما سمى له. فلم يصح؛ كما لو قال: بعتك هذا البغل فوجده حماراً.
وعنه: يصح. وللمشتري الخيار بين الإمساك أو الرد، وله أخذ البدل.
بناء على غدم تعيين النقود بالتعيين.
وعنه: يصح. وليس له رد ولا بدل تغليباً للإشارة على اللفظ.
(وإن ظهر) العيب (في بعضه بطل) العقد (فيه) أي: في المعيب (فقط). وكذا لو ظهربعضه مغصوباً. بناء على تفريق الصفقة.
(وإن كان) العيب (من جنسه) أي: جنس المبيع؛ كالوضوح في الذهب، والسواد في الفضة:(فلآخذه) أي: مشتريه (الخيار) بين الإمساك والرد. وليس له أخذ البدل؛ لأن العقد وقيع على عينه. فإذا أخذ غيره أخذ ما لم يشتره.
(فإن رده) أممب: اختار الرد (بطل) العقد.
(وإن أمسك) أي: اختار الإمساك (فله أرشه) أي: العيب (بالمجلس)
ولو من
(1)
جنس المعيب. (لا) إن جعل (من جنس) النقد (السليم)؛ لأنه إن جعل من جنس السليم يصير كمسألة مد عجوة.
(1)
فى أ: فى.
أما كونه له أخذ الأرش؛ فلأن المماثلة مع الجنسين غير معتبرة. وغايته تخلف قبض بعض العوض عن بعض وهما في المجلس.
وأما كونه لا يصح أخذه بعد التفرق؛ فلأنه يفضي إلى حصول التفرق قبل القبض؛ لبعض أحد العوضين.
(وكذا بعده) أي: وكما أن له أخذ الأرش بالمجلس له أخذه بعده: (إن جعل) الأرش (من غير جنسهما) أي: المعيب والثمن المقابل له؛ كأن يأخذ عن أرش عيب الذهب أو الفضة قفيز حنطة فإنه يجوز.
(وكذا سائر أموال الربا إذا بيعت بغير جنسها) من أموال الربا (مما القبض شرط فيه)؛ كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون.
(فبُر) بِيع (بشعير وُجد بأحدهما) أي: البر أو الشعمر (عيب. فأرش بدرهم أو نحوه مما لا يشاركه في العلة) وهي: الكيل في بيع البر والشعير ونحوهما. فلا يصح أن يكون الأرش هنا من جنس المكيل.
أما إن كان من غير جنسه؛ كدينار (جاز) أخذه بعد المجلس؛ لأنه لم يحصل التفرق قبل قبض ما يشترط قبضه.
(وإن تصارفا على جنسين في الذمة) كأن يقول
(1)
: بعتك ديناراً نقدياً بعشرة دراهم فضة حجراً وزناً ويقبل الآخر: فيصح ذلك. سواء كانت الدراهم والدنانير عندهما أو لم يكونا (إذا تقابضا قبل الافتراق) بأن يستقرضاهما أو غير ذلك.
ولا يعارض ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تبيعوا غائباً منها بناجز "
(2)
: لأن معناه: أن لا يباع عاجل بآجل، أو مقبوض بغير مقبوض. والقبض بالمجلس يجري مجرى القبض حالة العقد.
ولأن القبض يجزئ بالمجلس. فكذا التعيين.
ومتى تقابضا ووجد أحدهما بما قبضه عيباً (والعيب من جنسه) أي: جنس الثمن: (فالعقد صحيح) مع وجود العيب.
ثم إن مشتري المعيب تارة يعلم به قبل تفرقهما وتارة بعده. (فقبل تفرق)
عن مجلس العقد (له إبداله) أي: المطالبة بسليم بدلاً عن المعيب كالسلم فيه؛ لأن العقد وقع على مطلق لا عيب فيه. (أو أرشه) إن اختار ذلك.
(وبعده) أي: بعد التفرق: (له إمساكه مع ارش
(3)
أيضاً نصاً؛ لأن ما
جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده؛ كالسلم فيه. وفيه رواية.
(1)
في أ: يقال.
(2)
أخرجه البخارى فى "صحيحه"(2068) 2: 761 كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالفضة.
(3)
في ج: أخذ أرش.
(و) له إذا اختار الرد (أخذ بدله بمجلس رد. فإن تفرقا قبله) أي: قبل أخذ البدل: (بطل) العقد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تبيعوا غائباً منها بناجز". (وإن لم يكن) العيب (من جنسه فتفرقا) أي: المتصارفان عن مجلس
العقد (قبل رد) للمعيب (وأخذ بدل) عنه: (بطل) العقد بالتفرق.
(وإن عُين أحدهما) أي: أحد العوضين في الصرف الذي من جنسين (دون) العوض (الآخر: فلكل)
(1)
من المعين والذي في الذمة (حكم نفسه) فيما
(2)
تقدم.
(والعقد على عينين ربويين من جنس) واحد؛ كفضة بفضة (ك) على ربويين (من جنسين. إلا أنه لا يصح) فيه (أخذ أرش مطلقاً). سواء كان عيباً من جنسه أو لا، وسواء كان الأرش من جنس الثمن أو لا؛ لأنه إن كان من الجنس أدى إلى التفاضل في الجنس، وإن كان من غير الجنس كان كمسألة مد عجوة. (وإن تلف عوض قُبض) بالبناء للمفعول (في) عقد (صرف) اتحد الجنس فيه؛ كذهب بذهب أو اختلف كذهب بفضة. (ثم عُلم عيبه وقد تفرقا:
(1)
في ج: وصح فلكل.
(2)
في ج: مما
فُسخ) العقد أي: فسخه الحاكم، (ورُدّ) بالبناء للمفعول (الموجود) على بازله. (وتبقى قيمة المعيب) التالف (في ذمة من تلف بيده) لتعذر رد 5
(1)
. (فيرد مثلها) أي: مثل القيمة (أو عوضها إن اتفقا عليه) أي: على العوض. وعنه: لمن وجد العيب أخذ أرشه ولا فسخ.
(و) المذهب: أنه
(2)
(يصح أخذ أرشه) أي: العيب (ما لم يتفرقا) أي: المتصارفان: (إن كان العوضان) في الصرف (من جنسين)؛ لأن الأرش كجزء في المبيع، وقدحصل قبضه بمجلس العقد.
(1)
في ج: ردها.
(2)
زيادة من ج.
[فصل: حكم الشراء من جنس ماصرف]
(فصل. ولكل) من المتصارفين (الشراء من الآخر، من جنس ما صرف) المشترى منه، (بلا مواطأة) بينهما على ذلك؛ لما روى أبو سعيد وأبو هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر. فجاءه بتمر جَنيب. فقال: أَكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله! إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل. بع التمر بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جَنيباً"
(1)
. متفق عليه.
ولم يأمره أن يبيعه من غير من يشتري منه. ولو كان ذلك محرماً لبينه له، أو عرّفه إياه.
ولأنه باع الجنس بغيره من غير شرط ولا مواطأة. فجاز؛ كما لو باعه من غيره.
(و) لشخص (صارف فضة بدينار، أعطى) فضة (أكثر) مما بالدينار
(ليأخذ) صاحب الدينار (قدر حقه منه) أي: مما أعطاه، (ففعل) أي: فأخذ صاحب الدينار قدر حقه من ذلك: (جاز) هذا الفعل منهما. (ولو) أفرزها الآخذ
(2)
(بعد تفرق) عن مجلس العقد؛ لأن المشترط هو التقابض قبل التفرق وقد وجد
(3)
. ولم يحصل بعد التفرق إلا تمييز الواجب عن
(4)
غيره. (والزائد) بما يقابل الدينار (أمانة) في يد آخذه؛ لعدم المقتضي لضمانه. (و) من صارف (خمسة دراهم) ليس معه غيرها (بنصف دينار. فأُعطي)
(1)
أخرجه البخارى في"صحيحه"(2089) 2: 767 كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه.
وأخرجه مسلم في"صحيحه"(1593) 3: 1215 كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل.
(2)
في ج: الآخر.
(3)
في ج: وجه.
(4)
في ب: في، وفي ج: من.
بالبناء للمفعول صاحبُ الدراهم (ديناراً: صح) الصرف؛ لحصول التقابض
بالمجلس، (وله) أي: للقابض الدينار (مصارفته) أي: معطيه (بعد) أي: بعد تفرقهما (بالباقي) أي: بالنصف الباقي؛ لأنه عنده أمانة؛ كما لو كان لإنسان عند آخر دينار وديعة فصارفه به وهو معلوم بقاؤه أو مظنون فإنه يصح. وفي صحته مع الشك [في بقائه]
(1)
وجهان.
(ولو اقترض) دافع الدراهم (الخمسة) التي دفها لصاحب الدينار، (وصارفه بها عن) النصف (الباقي) من الدينار، (أو) صارف (ديناراً بعشرة) دراهم صفقة واحدة (فأعطاه خمسة) من العشرة، (ثم اقترضها) أي: الخمسة التي دفعها (ودفعها) ثانياً (عن) النصف (الباقي) من الدينار: (صح) ذلك (بلا حيلة. وهي: التوسل إلى محرم بما ظاهره الإباحة.
والحيَلُ كلها غير جائزة في شيء من الدين).
ومن الدليل على تحريمها قوله صلى الله عليه وسلم: " من أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن
أن يسبق فهو قمار. ومن أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار "
(2)
. رواه أبو داود وغيره.
فجعله قماراً مع إدخاله الفرس الثالث؛ لكونه لا يمنع معنى القمار. وهو
كون كل واحد من المتسابقين لا ينفك عن كونه آخذاً أو مأخوذاً منه، وإنما دخل صورة تحيّلاً على إباحه المحرم. وسائر الحيل مثل ذلك.
ولأن الله تبارك وتعالى إنما حرم المحرمات لمفسدتها والضرر الحاصل
منها، ولا يزول ذلك مع بقاء معناها.
(ومن عليه دينار) ديناً (فقضاه) حال كونه (دراهم متفرقة، كل نقدةٍ) منها (بحسابها) أي: بما يقابلها (منه) أي: من الدينار: (صح). نص عليه.
(1)
ساقط من باب.
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(2579) 3: 30 أول كتاب الجهاد، باب في المحلل.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2876) 2: 960 كتاب الجهاد، باب السبق والرهان.
(وإلا فلا) أي: وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد تصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز. نص عليه؛ لأنه يصير بيع دين بدين.
(ومن له على آخر عشرة) دنانير أو نحوها (وزناً. فوفَّاها) إلى العشرة (عدداً فوُجدت) أي: وجدها قابضها (وزناً أحد عشر) ديناراً: (ف) الدينار (الزائد مشاع مضمون) لمالكه؛ لأنه قبضه على أنه عوض من ماله. فكان مضموناً بهذا القبض.
(ولمالكه التصرف فيه) كيف شاء.
(ومن باع ديناراً بدينار، بإخبار صاحبه) أي: الباذل لما معه (بوزنه) للآخر فصدقه، (وتقابضا وافترقا فوجده) أي: وجد القابض الدينار (ناقصاً) عن وزن الدينار المعهود: (بطل العقد)؛ لأنهما تبايعا ذهباً بذهب متفاضلاً. (و) إن وجده (زائداً) عن الوزن المعهود في الدنانير (والعقد على عينيهما)
أي: عيني الدينارين: (بطل) العقد (أيضاً)؛ لأنه بيع ذهب بذهب متفاضلاً. (و) إن وقع العقد على ما (في الذمة) بأن قال: بعتك ديناراً بدينار. ووصفاهما. ثم لم يعلم بالزيادة إلا (وقد تقابضا وافترقا: فالزائد بيد قابض) له (مشاع مضمون) لمالكه؛ لأنه قبضه على أنه عوض ولم يفسد العقد؛ لأنه إنما باع ديناراً بمثله وإنما وقع القبض للزيادة على المعقود عليه.
(وله) أي: للقابض (دفع عوضه) أي: الزائد (من جنسه) أي: جنس
الزائد (وغيره)؛ لأنه معاوضة مبتدأة. (ولكل) من المتعاقدين (فسخ العقد). أما قابض الزائد؛ فلأنه وجد المبيع مختلطاً بغيره معيباً بعيب الشركة.
وأما الدافع له؛ فلأنه لا يلزمه أخذ عوضه. إلا أن يكونا في المجلس فيسترجعه ويدفع بدله.
(ويجوز الصرف) بنقد مغشوش (والمعاملة) أيضاً كلها (بمغشوش ولو)
كان الغش (بغير جنسه) أي: جنس النقد (لمن يعرفه) أي: يعرف الغش.
نقل صالح عن الإمام في دراهم يقال لها: المسيبية عامتها نحاس إلا شيئاً
فيها فضة. فقال: إذا كان شيئاً اصطلحوا عليه مثل الفلوس اصطلحوا عليها فأرجو أن لا يكون بها بأس.
ولأنه ليس فيه أكثر من اشتماله على جنسين لا غرر فيهما. فلا يمنع من بيعهما؛ كما لو كانا متميزين.
ولأن هذا مستفيض في الأعصار جارٍ بينهم من غير نكير.
وفي تحريمه مشقة وضرر.
وعنه: لا يجوز. نقلها حنبل. وهي محمولة على ما يخفى غشه. فإن ذلك يفضي إلى التغرير بالمسلمين.
(ويحرم كسرُ السكة الجائزة بين المسلمين. إلا أن يُختلف في شيء منها:
هل هو رديء أو جيد)؟ فيجوز.
(والكيمياء غش فتحرم) وهي: تشبيه المصنوع من ذهب أو فضة أو غيرهما بالمخلوق.
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: هي باطلة في العقل محرمة بلا نزاع بين العلماء، ثبتت على الروباص أو لا. ولو كانت حقا مباحاً لوجب فيها خمس أو زكاة. [ولم يوجب]
(1)
عالم فيها شيئاً.
والقول بأن قارون علمها باطل.
(1)
ساقط من أ.
[فصل: فيما يميز الثمن عن المُثمن]
(فصل. ويتميز ثمن عن مثمن ب) دخول (باء البدلية) عليه، (ولو أن أحدهما) أي: أحد العوضين (نقد) والآخر عوض. فبعتك هذا الدينار بهذا الثوب. الثمن الثوب لدخول الباء عليه.
والمثمن: الدينار.
وقيل: إن كان أحدهما نقداً فهو الثمن. وإلا تميز بالباء.
قال المنقح: وهو أظهر.
(ويصح اقتضاء نقد من) نقد (آخر)؛ كذهب من فضة وفضة من ذهب.
(إن حضر أحدهما) أي: أحد النقدين، (أو كان) أحدهما (أمانة والآخر مستقر في الذمة. بسعر يومه)؛ لما روى أبو داود والأثرم في " سننهما " عن ابن عمر قال: " كنت أبيع
(1)
الإبل بالبقيع. فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله! رويدك أسالك. إنى أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه. فقال رسول- الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء "
(2)
.
ولأنه صرف بعين وذمة. فجاز؛ كما لو لم يسبقه اشتغال الذمة.
(ولا يشترط حلوله) أي: حلول ما في الذمة إذا قضاه بسعر يومها ولم يجعل للمقضي فضلاً لأجل تأجيل ما في الذمة؛ لأنه إذا لم ينقصه عن سعرها شيئاً فقد رضي بتعجيل ما في الذمة بغير عوض. فأشبه ما لو قضاه من جنس الدين.
(1)
في ب: كنا نبيع.
(2)
سبق تخريجه ص (125) رقم (1).
ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر حين سأله. ولو افترق الحال لسأل واستفصل.
وفيه وجه. وتوقف الإمام.
(ومن اشترى) من آخر (شيئاً) ثوباً أو فرساً أو غيرهما (بنصف دينار
لزمه) نصف دينار (شق. ثم إن اشترى) منه شيئاً (آخر بنصف آخر لزمه) نصف آخر (شق أيضاً، ويجوز إعطاؤه) أي: إعطاء المشتري البائع (عنهما) أي: عن الشقيقين ديناراً (صحيحاً)؛ لأنه زاده خيراً. بخلاف ما لو اشترى
شيئاً بمكسرة فإنه لا يجوز له
(1)
أن يعطي عنها صحيحاً أقل منها.
وكذا لو اشترى بصحاح لم يجز أن يعطي عنها مكسره أكثر منها؛ لحصول التفاضل فيهما
(لكن: إن شُرط ذلك في العقد الثانى) أي: شرط أن يعطيه ديناراً صحيحاً
في العقد الثانى (أبطله)؛ لأنه تضمن اشتراط زيادة عن العقد الأول.
(و) اشتراط ذلك (قبل لزوم) العقد (الأول)، كما لو لم يفترقا (يبطلهما) أي: العقد الأول والثانى؛ لأنه وجد ما يفسده قبل انبرامه.
وإن كان بعد تفرقهما ولزومه لم يؤثر ذلك فيه. ولم يلزمه أكثر من ثمنه الذي
عقد البيع به.
(وتتعين دراهم ودنانير بتعيين في جميع عقود المعاوضات) نصاً، لأنها
أحد العوضين. فتتعين بالتعيين؛ كالآخر.
ولأن ما تعين بالغصب تعين بالعقد؛ كالقرض.
ومعنى تعينه في الغصب: أنه إذا طولب به لزمه
(2)
تسليمه ولا يجوز
العدول عنه.
(وتملك به) أي: بعقد المعاوضة. (فلا يصح إبدالها)؛ لأن العقد وقع
(1)
زيادة من ج.
(2)
في أوب: يلزمه.
على عينها. (ويصح تصرفه فيها) قبل القبض؛ كسائر أملاكه.
قال (المنقح: إن لم تحتج إلى وزن أو عد)؛ لأن الوزن والعد قبض لما
بيع به، ولا يصح التصرف فيه قبل قبضه.
(فإن تلفت) الدراهم أو الدنانير المعينة المحتاجة إلى وزن أو عد قبله (فمن ضمانه) أي: ضمان بائعها كسائر المبيعات بوزن أو عد. بخلاف ما لم يحتج إلى ذلك فإنه إذا تلف يكون من ضمان مشتريه.
(ويبطل غير نكاح وخلع وعتق) على معين من دراهم أو دنانير، (وصلح) عليها (عن دم عمد). فيبطل البيع، والصلح بمعناه، ونحوهما (بكونها) أي: الدنانير او الدراهم المعينة تظهر (مغصوبة)؛ كالمبيع
(1)
إذا ظهر مستحقاً. (أو) تظهر (معيبة) بعيب (من غير جنسها)؛ كما لو بانت الدراهم نحاساً أو رصاصاً؛ لأنه باعه غير ما سمى له.
(و) يبطل العقد (في بعض هو كلذلك) أي: يظهر معيباً بعيب من غير جنسه (فقط) أي: دون الباقي. بناء على صحة تفريق الصفقة.
(و) متى ظهرت معيبة بعيب (من جنسها) لم يبطل العقد: (يخير) مشتر
لها (بين فسخ) للعقد (أو إمساك بلا أرش، إن تعاقدا على مثلين)؛ كدرهم فضة بمثله؛ لأن أخذ الأرش هنا يفضي إلى التفاضل المحرم إن كان الأرش من جنس الثمن.
(وإلا) أي: وإن لم يحصل العقد على مثلين (فله) أي: من وجدها معيبة (أخذه) أي: أخذ الأرش بمجلس العقد؛ لأن أكثر ما فيه حصول زيادة من أحد
(2)
الطرفين ولا يمنع ذلك من الجنسين.
(لا بعد المجلس. إلا إن كان) الأرش (من غير الجنس)؛ لحصول الفرقة قبل القبض المعتبر.
(1)
في أوب: كالبيع.
(2)
في أ: أجل.
وعنه: لا تتعين النقود بالتعيين.
(ويحرم الربا بدار حرب)؛ لعموم الكتاب والسنة.
ولأن دار الحرب كدار البغي؛ لأنه لا يد للإمام عليها.
(ولو بين مسلم وحربي) بأن يأخذ المسلم زيادة من الحربي؛ لما تقدم.
ولنص الإمام على تحريمه مطلقاً.
وعنه: لا يحرم بين مسلم وحربي لا أمان بينهما؛ لما روى مكحول مرفوعاً: " لا ربا بين المسلم وأهل الحرب في دار الحرب ".
ورد: بأنه خبر مجهول لا يترك به تحريم ما دل عليه القرآن والسنة.
(لا بين سيد ورقيقه ولو) كان الرقيق (مدبراً، أو) كان (أم ولد). نص عليه؛ لأن المال كله للسيد. (أو مكاتباً في مال كتابة) فقط.
[باب: بيع الأصول والثمار]
هذا (باب) أحكام (بيع الأصول و) أحكام بيع (الثمار).
ثم (الأصول) هنا: (أرض ودور وبساتين، ونحوها)؛ كالمعاصر والطواحين. (والثمار)؛ ككتاب جمع ثمر كجبل: (أعم مما يؤكل) فيشمل القرظ
(1)
بالظاء ثمر السنط ونحوه.
(ومن باع أو وهب أو رهن أو وقف) داراً (أو أقر أو أوصى بدار: تناول)
ذلك (أرضها بمعدنها الجامد)، حيث لا مانع؛ كما لو كانت من سواد العراق ونحوه، (وبناءَها) أي: الدار؛ لأنهما داخلان في مسماها (وفِناءَها) بكسر الفاء. وهو: ما اتسع أمامها (إن كان) لها فناء. إذ غالب الدور ليس لها فناء. (و) تناول (متصلاً بها) أي: الدار (لمصلحتها؛ كسلاليم) من خشب جمع سُلَّم- بضم السين وفتح اللام المشددوة - وهو
(2)
: المرقاة. ولفظه: مأخوذ من السلامة. مسمرة، (ورفوف مسمَّرة، وأبواب) منصوبة وحلقها، (ورحى منصوبة، وخوابي مدفونة)؛ لأن ذلك كله متصل بها لمصلحتها. أشبه الحيطان. .
وعلم مما تقدم أن السلاليم والرفوف إذا لم تكن مسمرة، والباب والرحى
إذا لم يكونا منصوبين، والخوابي إذا لم تكن مدفونة: لا تدخل؛ لأنه منفصل عنها. أشبه الطعام في الدار.
(و) يدخل
(3)
(ما فيها) أي: الدار: (من شجر) مغروس (وعرش) جمع عريش وهي الظلة؛ لأنهما متصلان بها.
(1)
في أ: فشمل والقرظ.
(2)
في ب: وهى.
(3)
في ج: تناول.
) لا كنز وحجر مدفونين)؛ لأنهما مودعان فيها للنقل عنها. أشبها الفرش
والستور.
(ولا منفصل) عنها؛ (كحبل ودلو وبكرة وقُفل وفرش)؛ لأن اللفظ لايشمله ولا هو من مصلحتها.
(و) لا (مفتاج) للدار، (وحجر رحىً فوقاني)؛ لأن اللفظ لا يتناوله
ولا هو متصل بها.
وفي المفتاج وحجر الرحى الفوقانى إذا كان السفلانى منصوباً وجه؛ لأنهما
من مصلحتها.
ولو كانت الصيغة المتلفظ بها الطاحونة أو المعصرة دخل الفوقانى وجهاً وحداً
(1)
.
(ولا) يدخل (معدن جارٍ، وماء نبع)؛ لأن ذلك يجري من تحت الأرض
إلى ملكه. فأشبه الماء الجاري في النهر إلى ملكه.
ولأن ذلك لا يملك إلا بالحوز في الآنية.
وفيه رواية.
(و) من باع أو وهب أو رهن أو وقف أرضاً أو أقر أو وصى (بأرض أو بستان: دخل غراس وبناء) في الأرض (ولو لم يقل بحقوقها)؛ لأنهما من حقوقها وما كان كذلك فيدخل فيها بالإطلاق.
وفي عدم دخولهما إن لم يقل بحقوقها وجه.
وأما دخولهما في البستان؛ فلأن البستان اسم للأرض والشجر والحائط.
بدليل أن الأرض المكشوفة لا تسمى به.
و (لا) يدخل في بيع الأرض ونحوه مما تقدم (ما فيها من زرع لا يحصد إلا مرة؛ كبر وشعير) وسمسم وأرز (وقطنيات ونحوها) مما المقصود منه مستتر؛
(1)
في ج زيادة: والمعصرة كالطحونة.
(كجزر وفجل وثوم، ونحوه)؛ كلفت وبصل؛ لأنه مودع في الأرض يرادان للنقل. فأشبه الثمرة المؤبرة.
(ويبقى) في الأرض (لبائع إلى أول وقت أخذه) وإن كان بقاوه لثمرة.
(بلا أجرة) على بائع؛ لأن المنفعة حصلت مستثناة له.
(ما لم يشترطه) أي: الزرع (مشتر) أو نحوه؛ كمتهب.
ولا يضر جهله في بيع ولا عدم كماله لكونه دخل تبعاً للارض.
(وإن كان) ما في الأرض من الزرع (يجز مرة بعد أخرى؛ كرَطبة) بفتح
الراء وهي: الفصة. فإذا يبست فهي قت، (وبقول)؛ كنعناع وهندباء.
(أو تتكرر ثمرته؛ كقثاء وباذنجان)، أو يتكرر أخذ زهر؛ كورد وياسمين:(فأصول) من جميع ذلك في بيع (لمشتر)؛ لأن ذلك يراد للبقاء. أشبه الشجر.
(وجزَّة ظاهرة) وقت بيع، (ولقطة أولى)، وزهر تفتح وقت
(1)
بيع:
(لبائع)؛ لأنه يجنى مع بقاء أصله. أشبه ثمرة
(2)
الشجرة المؤبرة
(3)
.
(وعليه) أي: على بائع (قطعها) أي: الأشياء التي قلنا إنها له (في الحال) أي: على الفور؛ لأن ذلك ليس له حد ينتهي إليه، وربما ظهر غير ما كان ظاهراً فيعسر تمييز حق كل منهما.
(ما لم يشترطه مشتر) على بائع دخول ما قلنا إنه لبائع؛ لأنه لو اشترى شجراً عليه ثمر أبر واشترطه كان له. فكذا هنا.
(وقصب سكر كزرع) فيبقى لبائع إلى أوان حصده
(4)
. فإن حصده بائع قبل أوانه لينتفع بالأرض في غيره لم يكن له ذلك؛ لأن منفعة الأرض إنما حصلت
(1)
فى أ: ذلك.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ج: ثمر الشجر اللمؤبر.
(4)
في ج: حصاده.
مستثناة عن مقتضى العقد ضرورة بقاء الزرع. فيتقدر ببقائه؛ كالثمرة على الشجرة. وكما لو كان المبيع بدار ولا ينقل مثله عادة إلا في شهر فتكلف المشتري نقله
في يوم لينتفع
(1)
بالدار في غيره لم يكن له ذلك.
(و) قصب (فارسي كثمرة) تتكرر. إن ظهر منه شيء فلبائع، ويقطعه
على الفور، (وعروقه لمشتر)؛ لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها. أشبهت الشجر.
(وبذر) لشيء (بقي أصله)؛ كالبقول التي تجز مرة بعد أخرى لمشتر (كشجر)؛ لأنه يترك في الأرض للبقاء.
ولأنه لو كان ظاهراً كان له فالمشتري أولى.
(وإلا) أي: وإن لم يبق أصله (ف) يكون لبائع. إلا أن يشترطه المبتاع؛ (كزرع.
ولمشتر جَهِله) أي: جهل أنه في الأرض (الخيار بين فسخ) للبيع؛ لأنه يفوت عليه منفعة الأرض عاماً، (و) بين (إمضاء مجاناً) أي: من غير أرش؛ لأن المبيع ليس به نقص يقابل به الأرش.
(ويسقط) خيار مشتر (إن حوَّله) أي: البذر (بائع) من الأرض (مبادراً)
إلى ذلك (بزمن يسير)؛ لأنه أزال العيب بالنقل على وجه لا يضر بمنافع الأرض. (أو وهبه) أي: وهب البائع المشتري (ما هو من حقه)؛ لأنه زاده خيراً. فلزمه قبوله؛ لأن فيه تصحيحاً للعقد.
(وكذا مشتر نخلاً) عليها طلْع و (ظن) المشتري أن (طلعها) له لكونه (لم يُؤبر. فبان مؤبراً) في ثبوت الخيار وسقوطه بهبة البائع ذلك للمشتري.
(لكن لا يسقط) خيار المشتري (بقطع) للطلع؛ لأنه لا تأثير له؛ لأنه قد فات المشتري ثمرة ذلك العام.
(1)
في أ: ينتفع.
(ويثبت) الخيار أيضاً (لمشتر) أرضاً أو شجراً (ظن دخول زرع) بالأرض، (أو) دخول (ثمرة) على شجر
(1)
مما يكون (لبائع) في عقد البيع؛ (كما لو جهل وجودهما) أي: وجود الزرع في الأرض والثمر على الشجر.
ولأنه إنما رضي ببذل ماله عوضاً عن الأرض والشجر بما فيهما. فإذا بان خلاف ذلك ثبت له الخيار؛ كالمشتري للمعيب يظنه صحيحاً.
(والقول قوله) أي: قول المشتري بيمينه
(2)
(في جهل ذلك إن جهله مثله)؛ لكونه عامياً. فإن هذا مما يجهله كثير من الناس.
وإن لم يجهل مثله ذلك لم يقبل قوله؛ لمخالفته لظاهر الحال.
(ولا تدخل مزارع قرية) فيما. إذا قال: بعتك هذه القرية (بلا نص)
عليها، كما لو قال: بمزارعها، (أو قرينة) تدل على دخولها؛ كالمساومة على الجميع، أو بذل ثمن لا يصلح إلا فيها وفي أرضها؛ لأن اسم القرية يجوز
أن يطلق عليها مع أرضها والقرينة صارفة إليه ودالة عليه. فأشبه ما لو صرح به. وإن لم يكن نص ولا قرينة لا يتناول البيع إلا البيوت والحصن الدائر عليها.
فإن القرية اسم لذلك.
(وشجر) مبتدأ (بين بنيانها) أي: بنيان القرية، (وأصول بقولها) في الحكم (كما تقدم) في بيع الأرض.
(1)
في ج: شجرة.
(2)
زيادة من ج.
[فصل: في حكم بيع النخل المتشقق طلعه]
(فصل. ومن باع أو رهن أو وهب نخلاً) وقد (تشقَّق طلعه ولو لم يؤبر)
أي: يُلقّح.
والتلقيح: وضع طلع الفُحّال في طلع الثمر.
(أو) نخلاً به (طلع فُحَّال يراد للتلقيح، أو صالح به) أي: بالنخل الذي
به ذلك، (أو جعله أجرة أو صداقاً أو عوض خلع: فثمر) وطلع فُحّال (لم يشترطه) كله آخذ، (أو) يشترط (بعضه المعلوم آخذ) كأن يقول: إلا ثمرة هذه الشجرة من هذا البستان فإنها لي ويكون ما عدا ذلك (لمعط، متروكاً) في رؤوس النخل (إلى جذاذ).
أما كون من باع نخلاً قد تشقق طلعه فثمرتها للبائع ما لم يشترطها المبتاع؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع "
(1)
. متفق عليه.
وعلم من ذلك أن ما قبل ذلك للمشتري؛ لأنه جعل التأبير حداً لملك البائع للثمرة. وإلا لم يكن حداً، ولا يكون
(2)
ذكر التأبير مفيداً.
ولأنه نماء كامن لظهوره غاية. فكان تابعاً لأصله فبل ظهرره وغير تابع له
بعد ظهرره؛ كالحمل في الحيوان.
وإنما نص على التأبير، والحكم منوط بالتشقق؛ لملازمته له غالباً.
وأما كون ذلك يجري في بقية عقود المعاوضات؛ فبالقياس
(3)
على البيع
(1)
أخرجه البخارى في "صحيحه"(2250) 2: 838 كتاب المساقاة الشرب، باب الرجل يكون له ممر
أو شرب في حائط أو نخل.
وأخرجه مسلم في" صحيحه"(1543) 3: 1173 كتاب البيوع، باب من باغ نخلا عليها ثمر.
(2)
في أ: كان.
(3)
في أ: فالقياس.
المنصوص عليه.
وأما إلحاق الهبة بذلك؛ فلأن الملك يزول فيها بغير فسخ، ويتصرف المتهب فيها بما شاء. أشبه المالك بالشراء.
وأما الرهن؛ فلأنه يراد للبيع ليستوفي الدين من ثمنه فألحق به.
وأما كون الثمرة تترك في رؤوس النخل إلى الجذاذ؛ لأن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة، كما لو باع داراً فيها طعام لم يجب نقله إلا على حسب العادة في ذلك. وهو: أن ينقله نهاراً شيئاً بعد شيء. ولا يلزمه النقل ليلاً، ولا جمع دواب البلد لنقله. كذلك هاهنا تفرغ النخل من الثمرة في أوان تفريغها وهو أوان جذاذها.
إذا تقرر هذا فالمرجع في جذه إلى ما جرت به العادة. فإذا كان المبيع نخلاً فحين يتناهى حلاوة ثمره.
(ما لم تجر عادة بأخذه بُسراً، أو يكن) بسره (خيراً من رطبه). فإنه يجذه حين يستحكم حلاوة بسره؛ لأن هذا هو العادة.
ومحل ذلك: (إن لم يشترط قطعه) على بائع، (ولم يتضرر النخل ببقائه.
فإن تضررت قُطع). والتفصيل المتقدم في عقود المعاوضات والرهن والهبة. (بخلاف وقف ووصية: فإن الثمرة تدخل فيهما) نصاً، أبرت أو لم تؤبر؛ (كفسخ) في بيع أو نكاج قبل دخول (لعيب، ومقايلة في بيع، ورجوع أب في هبة). وإنما دخلت الثمرة مطلقاً في هذه الصور ونحوها؛ لأنها نماء متصل. أشبهت السِّمن.
(وكذا) أي: وكالطلع إذا تشقق في الحكم (ما بدا) أي: ظهر على الشجرة (من) ثمرة لا قشر عليها ولا نَوْر لها؛ ك (عنب وتين وتوت) وجميز. أو يظهر في قشره ويبقى فيه إلى حين الأكل، (و) ذلك ك (رمان) وموز.
أو يظهر في فشرين (و) ذلك ك (جوز).
وفي هذا وجه: أنه إن تشقق القشر الأعلى فهو للبائع، وإن لم يتشقق فهو
للمشتري؛ كالطلع. وَرُدّ.
(أو ظهر من نَوره) أي: وكالطلع إذا تشقق في الحكم ما ظهر من نَوره مما
له نَور يتناثر؛ (كمشمش وتفاج وسفرجل ولوز) وخوخ وأجاص.
(أو خرج من أكمامه) جمع كم وهو الغلاف؛ (كورد) وياسمين ونرجس وبنفسج (وقطن) يحمل في كل سنة؛ لأن ذلك كله بمثابة تشقق الطلع.
(وما قبله) أي: قبل ذلك (لآخذ)؛ كمشتر ومتهب ومؤجر؛ لأن ذلك
يتبع الأصل. فوجب أن يكون لآخذ؛ (كورق) أي: ورق الشجر؛ لأنه من أجزائها، خلق لمصلحتها. فهو كأجزاء سائر المبيع.
وقيل: ورق التوت المقصود كثمرة.
(وكزرع قطن يحصد كل عام.
ويقبل قول معط)؛ كبائع وواهب (في بُدوٍّ) للثمرة قبل العقد؛ لأنها نماء ملكه، والآخذ يدعي انتقاله إليه. فلا يحكم له فيه إلا بسبب ظاهر، ولا حجة معه. فيبقى على الأصل وهو: عدم انتقال الملك فيه، وعليه اليمين؛ لقطع الخصومة.
(ويصح شرط بائع) ونحوه (ما لمشتر) ونحوه؛ كمن باع نخلاً عليها طلع
لم يتشقق، واشترط: أن ذلك كله له.
(أو جزءاً منه معلوماً)؛ كنصف أو ثلث أو عشر
(1)
هذه النخلة. وله تبقيته
إلى جذاذه، ما لم يشترط عليه قطع غير المشاع.
(وإن ظهر أو تشقق) من شجر سوى النخل أو النخل (بعض ثمرة أو) بعض (طلع ولو من نوع) واحد: (فلبائع) ونحوه ما ظهر من الثمرة أو تشقق من الطلع.
(وغيره) أي: وغير ما ظهر أو تشقق (لمشتر) ونحوه.
مثال ذلك: لو باع عشر شجرات من تين أو توت منها خمس ظهرت ثمرتها
دون الباقي. فثمره الخمسة التي ظهرت لبائع، وثمرة الباقي لمشتر. وكذا لو
(1)
في ب: عشرة.
كانت
(1)
نخلاً: ما تشقق طلعها فلبائع، ومالم يتشقق طلعها فلمشتر. نص عليه؛ لأن صريح الخبر الذي عليه مبنى هذه المسألة: أن ما أُبّر للبائع، ومفهومه: أن ما لم يؤبر للمشتري.
(إلا) إذا تشقق بعض طلع (في شجرة) دون البعض (فالكل) أي: الطلع الذي تشقق والذي لم يتشقق من الشجرة (لبائع).
وعنه: أن بقية نوع تشقق بعض طلعه لبائع أيضاً.
وقيل: وكذا الجنس من بستان.
(ولكل) من معط وآخذ (السقي) من ماله (لمصلحة).
وقيل: لحاجة. ويرجع في ذلك إلى قول أهل الخبرة.
(ولو تضرر الآخر) بذلك؛ لأنهما دخلا في العقد على ذلك.
وعلم مما تقدم أنه ليس له السقي لغير مصلحة؛ لأن سقيه يتضمن التصرف
في ملك غيره.
والأصل: المنع. وإنما أباحته المصلحة.
(ومن اشترى شجرة) فأكثر، (ولم يشترط قطعها أبقاها في أرض بائع)؛ كالثمر على الشجرة بلا أجرة.
(ولا يغرس) المشتري (مكانها لو بادت)؛ لأنه لم يملك المغرس إذ اللفظ قاصر عنه.
والمغرس: أصل. فلا يكون تبعاً.
(وله) أي: المشتري (الدخول لمصالحها)؛ لأنه قد ثبت له حق الاختيار.
(1)
في ب: كان.
[فصل: في بيع الثمرة قبل بُدو صلاحها]
(فصل. ولا يصح بيع ثمرة قبل بُدوِّ صلاحها، ولا زرعٍ قبل اشتداد حبه
لغير مالك الأصل أو الأرض.
ولا يلزمهما) أي: مالك الأصل ومالك الأرض (قطع شرط. إلا معهما)
أي: إلا الثمرة
(1)
مع الشجر، أو الزرع مع الأرض، (أو بشرط القطع في الحال). أما كون الثمرة لا يصح بيعها مفردة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع؛
" فلأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. نهى البائع والمبتاع "
(2)
. متفق عليه.
والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث.
وأما كونه يصح بشرط القطع في الحال؛ فلأن المنع إنما كان خوفاً من تلف الثمرة وحدوث العاهة عليها قبل أخذها. بدليل ما روى أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تُزهي. قال: أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه "
(3)
. رواه البخاري.
وهذا مأمون فيما يقطع. فصح بيعه؛ كما لو بدا صلاحه.
وأما كون الزرع لا يصح بيعه مفرداً قبل اشتداد حبه إلا بشرط القطع في
(1)
في ج: أي: الثمن.
(2)
أخرجه البخارى في "صحيحه"(2082) 2: 766 كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1534) 3: 1165 كتاب البيوع، باب النهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع.
(3)
أخرجه البخارى في"صحيحه"(2086) 2: 766 كتاب البيوع، باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع.
الحال؛ فلما روى مسلم عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهوَ، وعن بيعِ السنبلِ حتى يبيض ويأمنَ العَاهةَ. نهى البائع والمشتري"
(1)
. قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يعدل عن القول به.
وأما صحة بيعهما لمالك الشجر والأرض، أو مع الشجر والأرض من غير شرط القطع المستفاد حكم ذلك من مفهوم كلام المتن؛ فلأن الثمر إذا بيع مع الشجر أو الزرع مع الأرض حصل تبعاً في البيع. فلم يضر احتمال الغرر فيه، كما احتملت الجهالة في بيع اللبن في الضرع مع الشاة والنوى في التمر مع التمر وأساسات الحيطان في بيع الدار.
ولأن الثمرة إذا بيعت مفردة قبل بدو صلاحها لمالك الأصل. أو الزرع قبل اشتداد حبه لمالك الأرض فقد حصل التسليم للمشتري على الكمال؛ لكونه مالكاً للأصل والقرار. فصح؛ كبيعهما معهما.
وفيه وجه ما لم يشرط القطع. فيصح وجهاً واحداً.
وأما كونه
(2)
لا يلزم رب الأصل ولا رب الأرض قطع شرط عليه؛ فلأن
(3)
الأصل له
(4)
.
ومحل الصحة في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع قبل اشتداد حبه مفرداً لغير مالك الأصل والأرض بشرط القطع: (إن انتفع بهما) أي: بالثمرة والزرع. فلو لم ينتفع بهما؛ كثمرة الجوز وزرع الترمس لم يصح؛ لما تقدم في شروط البيع.
(وليسا)[أي: الثمرة والزرع]
(5)
(مشاعين)؛ كبيع نصف الثمرة أو الزرع
أو نحو ذلك؛ لأنه لا يمكن قطعه إلا بقطع ملك غيره. فلم يصح اشتراطه.
(1)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(1535) الموضوع السابق.
(2)
في أ: لكونه.
(3)
في أ: ولأن.
(4)
في ج: والارض له.
(5)
زيادة من ج.
(وكذا رَطبة وبُقُول) أبيعت مفردة لغير مالك الأرض. فإنه لايصح بيعهما
(1)
إلا بشرط القطع في الحال.
أما كون البيع لا يصح مع عدم شرط القطع في الحال؛ فلأن ما في الأرض مستور مغيب، وما يحدث منه معدوم. فلم يجز بيعه؛ كالذي يحدث من الثمرة. وأما صحته مع الشرط؛ فلأن الظاهر منه مبيع معلوم لا جهاله فيه ولا غرر.
أشبه ما جاز بيعه من غير ذلك.
(ولا) بيع (قثاء، ونحوه)؛ كخيار وباذنجان، (إلا لَقْطَة) موجودة
ف (لَقْطَة) موجودة
(2)
؛ لأن ما لم يخلق لم يجز بيعه.
(أو) إلا (مع أصله)؛ لأنه أصل يتكرر فيه الثمرة. أشبه الشجر.
(وحصاد) لزرع (ولِقاط) لما يباع لقطة لقطة. (وجذاذ) لثمر (على مشتر) لذلك؛ لأن نقل المبيع وتفريغ ملك البائع منه على المشتري؛ كنقل الطعام المبيع من دار البائع. ويفارق الكيل والوزن
(3)
فإنهما على البائع؛ لأنهما من مؤْنة التسليم إلى المشتري. وهو على البائع، وهنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع. بدليل جواز بيعها والتصرف فيها.
(وإن ترك) المشتري (ما) أي: مبيعاً (شُرط قطعه) ولا يصح بدونه،
كما لو ترك ثمراً أبيع مفرداً حتى زاد: (بطل البيع بزيادته)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها "
(4)
.
فاستثني منه ما اشتراه بشرط القطع فقطعه بالإجماع. فيبقى ما عداه على أصل التحريم.
ولأن التبقية معنى حرم الشرع اشتراطه لحق الله تعالى. فأبطل العقد
(1)
زيادة من ج.
(2)
في أ: مؤجرة فلقطة مؤجرة.
(3)
في ج: المكيل والموزون.
(4)
سبق تخريجه ص (180) رقم (2)
وجوده؛ كالنسيئة فيما يحرم فيه النساء، وترك التقابض فيما يشترط فيه القبض، أو الفضل فيما يجب فيه التساوي.
ولأن صحة البيع تجعل ذلك ذريعة إلى شراء الثمرة قبل بدو صلاحها وتركها حتى يبدو صلاحها. ووسائل الحرام حرام؛ كبيع العِينة
(1)
.
وفيه رواية: لا يبطل.
(و) على المذهب (يُعفى عن يسيرها) أي: الزيادة (عرفاً)، لعسر التحرز منه.
(وكذا) في بطلان البيع بالترك (لو اشترى رطباً عرية) ليأكلها (فأتمرت)
أي: صارت تمراً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " يأكلها أهلها رطباً "
(2)
. ولأن شراءها إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب. فإذا أتمر تبينا عدم الحاجة.
ولا فرق بين كون ذلك لعذر أو غيره.
وحيث بطل البيع رجعت الثمرة كلها للبائع تبعاً للأصل؛ كسائر نماء المبيع المتصل إذا رجيع إلى البائع بفسخ أو بطلان.
ونقل ابن أبي موسى في " الإرشاد ": أنهما يكونان شريكين في الزيادة. فتُقوّم الثمرة وقت العقد وبعد الزيادة.
وعنه: لا يبطل. والزيادة لهما.
وقال القاضي: للمشتري.
وعنه: يتصدقان بها على الروايتين وجوباً.
وقيل: ندباً.
وعنه: يفسد إن أخره عمداً بلا عذر.
(1)
ر ص (49)
(2)
أخرجه البخارى في"صحيحه"(2079) 2: 763 كتاب البيوع، باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة.
وعنه: يفسد لقصد حيلة.
(وإن حدث مع ثمرة) لبائع (انتقل ملك أصلها)؛ كمن باع [شجراً عليه
ثمرة]
(1)
أو نحوه؛ كباذنجان ونحوه. فإن الثمرة التي كانت واللقطة الأولى تكون لبائع متروكة إلى حين بلوغها ما لم يشترطها مشتر (ثمرةٌ) فاعل حدث (أخرى) أي: غير التي كانت واختلطتا
(2)
.
(أو اختلطت) لقطة (مشتراة بغيرها) أي: بثمرة حدثت، (ولم تتميز) إحداهما من الأخرى:(فإن عُلم قدرها) أي: قدر الحادثة بالنسبة إلى
الأولى؛ كثلث أو ربع (فالآخذ) للحادثة (شريك به) أي: بالجزء المعلوم قدره حادثاً، (وإلا) أي: وإن لم يعلم ذلك (اصطلح) عليها. (ولا يبطل البيع)؛ لأن المبيع لم يتعذر تسليمه، وإنما اختلط بغيره. فهو كما لو اشترى [طعاماً في مكان فانثال عليه طعام للبائع ولم يعرف قدر كل واحد منهما.
ويفارق هذا ما لو اشترى]
(3)
ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع فتركها حتى
بدا صلاحها. فإن البيع يبطل على الأصح؛ لكون اختلاط المبيع بغيره حصل بارتكاب نهي. وكونه يتخذ حيلة على شراء الثمرة قبل بُدُوّ صلاحها.
ويفارق ما لو اشترى عرية فتركها حتى أثمرت. فإنه يتخذ حيلة على شراء الرطب بالتمر من غير كيل ولا حاجة إلى أكله رطباً.
وعنه: يبطل البيع.
وعلى بقاء البيع يكون الحكم (كتأخير قطع خشب) اشتراه (مع شرطه)
أي: شرط القطع فزاد: فإن البيع لا يبطل.
(ويشتركان) أي: البائع والمشتري (في زيادته). نص عليه في رواية ابن منصور، قياساً على ما تقدم.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: وأخلطنا.
(3)
ساقط من أ.
وعنه: أنها لصاحب الأرض.
وقيل: للمشتري.
(ومتى بدا صلاج ثمر، أو اشتد حب: جاز بيعه) أي: بيع الثمر أو بيع الحب، (مطلقاً) أي: من غير شرط، (وبشرط التبقية) أي: تبقية الحب إلى الحصاد أو الثمر إلى الجذاذ؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تبدو صلاحها وتأمن العاهة "
(1)
.
وتعليله بأمن العاهة يدل على التبقية؛ لأن ما يقطع في الحال لا يخاف العاهة عليه، وإذا بدا الصلاح فقد أمنت العاهة. فيجب أن يجوز بيعه يبقى؛ لزوال علة المنع.
وكذا يقال في الحب.
(ولمشتر بيعه) أي: الثمرالذي بدا صلاحه والتصرف فيه بغير البيع (قبل جذه)؛ لأنه مبيع مقبوض بالتخلية. فجاز له التصرف فيه؛ كسائر المبيع. (وقطعه) في الحال، (وتبقيته) أي: قطع الثمر أو الزرع المشتد الحب وتبقيته إلى حصاد وجذاذ؛ لأن العرف يقتضي ذلك.
(وعلى بائع سقيه) أي: الثمر. يسقي الشجر الذي هو عليها ولو لم يحتج
إليه؛ لأنه يجب عليه تسليمه كاملاً. بخلاف ما إذا باع الأصل وعليه ثمر للبائع. فإنه لا يلزم المشتري سقيها؛ لأن البائع لم يملكها من جهته وإنما بقي ملكه عليها.
(ولو تضرر أصل) بالسقي.
(ويجبر إن أبى)؛ لكونه دخل على ذلك.
(وما تلف) من ثمر على أصوله قبل أوان جذاذه (سوى يسير) منه (لا ينضبط)؛ لعلته، (بجائحة) متعلق بتلف.
(1)
سبق تخريجه ص (180) رقم (3)
(وهي) أي: الجائحه: (ما) أي: كل آفة سماوية (لا صُنع لآدمي فيها)؛ كالريح والحر والبرد والعطش.
(ولو) كان التلف (بعد قبض) بالتخلية: (ف) ضمانه (على بائع)؛ لما روى جابر [" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح "
(1)
.
وعنه]
(2)
: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ "
(3)
. رواهما مسلم. ولأن التخلية في ذلك ليس بقبض تام؛ لأن على البائع المؤْنة إلى تتمة صلاحه. فوجب كونه من ضمان بائع؛ كما لو لم يقبض.
ولأن الثمر على الشجر كالمنافع في الإجارة يؤخذ شيئاً فشيئاً. ثم لو تلفت المنافع قبل استيفائها كانت من ضمان الآجر
(4)
. كذا هنا.
ومحل ذلك: (ما لم تُبع مع أصلها)؛ لحصول القبض التام وانقطاع علق البائع عنه. (أو يؤخر أخذها عن عادته) لتفريط المشتري.
وعنه: إن أتلف الثلث فصاعداً ضمنه بائع، وإلا فلا.
(وإن تعيبت) الثمرة (بها) أي: بالجائحه في وقب يكون تلفها بالجائحة من
(5)
ضمان بائع: (خُير) مشتر (بين إمضاء) للبيع (و) أخذ (أرش) للعيب، (أو ردٍّ) للبيع
(6)
(وأخذ ثمن كاملاً)؛ لأن ما ضمن تلفه بسبب في وقت كان ضمان تعيبه فيه بذلك من باب أولى.
(و) إن تلف ما ضمن بالجائحة (بصنع آدمي). وظاهره: ولو كان البائع
بأن يحرقه أو يسرقه ونحوه: (خُيّر) مشتر (بين فسخ) للبيع ومطالبة بائع بما
(1)
أخرجه مسلم في"صحيحه"(1554) 3: 1191 كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه مسلم في"صحيحه"(1554) 3: 1190 الموضوع السابق.
(4)
في ج: الآخر.
(5)
أ: في.
(6)
في ج: للمبيع.
قبضه من الثمن، (أو إمضاء) له (ومطالبة متلف)؛ كالمكيل إذا أتلفه آدمي قبل القبض.
(وأصل ما) أي سبب (يتكرر حمله من قثاء، ونحوه)؛ كباذنجان وخيار ودباء؛ (كشجر) فيما تقدم.
(وثمرته) أي: ثمرة ما يتكرر حمله؛ (كثمر) على الأشجار الكبار (في جائحة وغيرها.
وصلاح بعض ثمرة شجرة، صلاح لجميع) أشجار (نوعها الذي بالبستان) الواحد؛ لأن اعتبار الصلاح في الجميع يشق [ويؤدي إلى الاشتراك واختلاف الأيدي. فوجب أن يتبع ما لم يبد صلاحه من نوعه لما بدا]
(1)
، وكالشجرة الواحد ة.
وعنه: لا يكون صلاحاً إلا لبقية ثمرة الشجرة.
وعنه: يكون صلاحاً لذلك النوع وما قاربه مما بالبستان.
(والصلاح فيما) أي: في ثمر (يظهر فماً واحداً؛ كبلح وعنب: طِيبُ أكله، وظهور نُضجه) موافقة لأكثر الأخبار.
وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن بيع الثمر حتى يطيب "
(2)
.
متفق عليه.
(و) الصلاح (فيما يظهر فماً بعد فم؛ كقثاء: أن يؤكل عادة).
وقيل: أن يتناهى عظمه.
ورُدّ: بأن ذلك آخر صلاحه.
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه البخارى في "صحيحه"(2077) 2: 764 كتاب البيوع، باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1536) 3: 1176 كتاب البيوع، باب النهى عن المحاقلة والمزابنة. . . كلاهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(و) الصلاح (في حب: أن يشتد أو يبيض)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل اشتداد الحب غاية لصحة بيعه
(1)
؛ كبدو الصلاح في الثمرة.
(ويشمل بيع دابة)؛ كفرس (عذاراً) وهواللجام (ومِقْوداً) بكسر الميم (ونعلاً) حيث كان ذلك بها.
(و) يشمل بيع (قن) ذكراً أو أنثى (لباساً معتاداً) عليه؛ لأن ذلك مما يتعلق به حاجة المبيع أو مصلحته، وجرت العادة ببيعها معه.
(ولا يأخذ مشتر ما) أي: حلياً أو ثياباً (لجمَال)
(2)
؛ لأنها زيادة على العادة ولا يتعلق بها حاجة المبيع، وإنما يلبسه إياها لينفقه بها. وهذه حاجة البائع لا حاجة المبيع. أشبه ما لو زين الدار بفرش أو ستور.
(ولا) يأخذ مشتر (مالاً معه) أي: مع القن (أو بعض ذلك) أي: بعض ثياب الجمال أو بعض المال. (إلا بشرط) بأن يشترط المشتري ذلك على البائع عند العقد؛ لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع "
(3)
. رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.
ولأن العبد وماله للبائع. فإذا باع العبد اختص البيع به.
(ثم إن قصد) ما لم يدخل في البيع إلا باشتراط المشتري (اشتُرط له شروط البيع) جميعها؛ كالعلم به، وأن لا يكون بينه وبين الثمن رباً، كما يعتبر ذلك في العينين المبيعين؛ لأنه مبيع مقصود. فأشبه ما لو ضم إلى القن عيناً أخرى وباعهما.
(1)
عن أنس"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتي يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد.
أخرجه أبو داود في "سننه"(3371) 3: 253 كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
(2)
في ج زيادة: أي زينة.
(3)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(1543) 3: 1173 كتاب البيوع، باب من باغ نخلاً عليها ثمر.
وأخرجه أبو داود في"سننه"(3433) 3: 268 كتاب الإجارة، باب في العبد يباع وله مال.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(2211) 3: 746 كتاب التجارات، باب ما جاء فيمن باع نخلاً مؤبراً
أو عبداً له مال.
(وإلا) أي: وإن لم يقصد المال أو ثياب الجمال أو الحلي (فلا) يشترط
له شروط البيع؛ لأن ذلك دخل تبعاً غير مقصود. فأشبه أساسات الحيطان والتمويه بالذهب في السقوف.
وسواء قلنا إن العبد يملك بالتمليك أو لا. وهذه الطريقة هي الموافقة لأصول المذهب.
والطريقة الثانية: البناء على ملك القن وعدمه إن قلنا لا يملك اشتراط علم المال والتقابض فيما يشترط فيه، وإن قلنا يملك لم يشترط ذلك؛ لأنه غير داخل في العقد، وإنما اشترط كون القن ذا مال وذلك صفة في المبيع.
والطريقة الثالثة: أنا إن قلنا إن
(1)
القن يملك لم يشترط لماله شروط البيع بحال، وإن قلنا لا يملك فإن كان المال مقصوداً للمشتري اشترط له شروط البيع، وإلا فلا.
فرع:
لو رد القن المبيع المشترط ماله بعيب أو إقالة أو نحوهما رد ماله معه؛ لأن القن إذا كان معه مال كانت قيمته أكثر فأخذه ينقص قيمته. فلم يملك رده حتى يدفع ما يزيل نقصه.
فإن تلف ماله ثم أراد رده فهو بمنزلة العيب الحادث عند المشتري على ماتقدم.
(1)
زيادة من ج.
] باب: السلم]
هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام السلم.
(السلم) في الشرع هو: (عقد على) شيء يصح بيعه (موصوف) أي:
ينضبط بالصفة (في ذمة)، كجائز التصرف.
والذمة: وصف يصير به المكلف أهلا للإلزام والالتزام.
(مؤجل) أي: الموصوف (بثمن) متعلق بعقد (مقبوض) أي: الثمن
(بمجلس العقد).
وهو جائز بالإجماع. وسنده من الكتاب قوله تعالى: (يايها الذين ءامنوا
إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمى فاكتبوه)] البقره: 282].
روى سعيد بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال: " أشهد أن
السلف المضمون إلى اجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ
هذه الآية "
(1)
.
وهذا اللفظ يصح للسلم ويشمله بعمومه.
ومن السنة ما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه قدم المدينة وهم
يسلفون في الثمار السنتين والثلاث. فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل
معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم "
(2)
. متفق عليه.
ولأن المثمن في البيع أحد عوضي العقد. فجاز أن يثبت في الذمة،
كالثمن.
(1)
أخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(14064) 8: 5 كتاب البيوع، باب لا سلف إلا إلى أجل معلوم. وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 19 كتاب البيوع؟ باب جواز الرهن والحميل في السلف.
(2)
أخرجه البخاري في " صححيحه "(2124) 2: 781 كتاب السلم، باب السلم في كيل معلوم. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1604) 3: 1226 كتاب المساقاة، باب السلم.
ولأن بالناس حاجة إليه، لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون
إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل. وقد تعوزهم النفقة فيجوز
(1)
لهم السلم،
ليرتفقوا ويرتفق المسلم با لاسترخاص.
(ويصح) السلم (بلفظه ولفظ: سلف)، لأنهما حقيقة فيه. إذهما للبيع
الذي عجل ثمنه وأجل مثمنه.
(و) بلفظ (بيع وهو نوع منه)، لأنه بيع إلى اجل. فشمله النص.
(بشروط) متعلق بيصح، سبعة تأتي مفصلة:
(أحدهما): أن يكون المسلم فيه مما يمكن (انضباط صفاته)، لأن
ما لا يمكن ضبط صفاته يختلف كثيرا. فيفضي إلى المنازعة والمشاقة المطلوب شرعا عدمها.
وذلك (كموزون) من قطن وإبريسم وصوف ونحاس ورصاص وزئبق
وشب وكبريت.
(ولو) كان الموزون (شحما).
قيل لأحمد: إنه يختلف. قال: كل سلف يختلف.
(ولحما نيئا، ولو مع عظمه)، لأنه كالنوى في التمر. (إن عين محل
يقطع منه)، كاًن يقول: من الفخذ أو الجنب. نقله الجماعة.
وظاهر تخصيصه بالنيء: أنه لا يصح في اللحم المطبوخ والمشوي، لأنه
يختلف وهو المذهب. وفيهما وجه. وسياًتي أن من شروط السلم ذكر النوع وما
يتميز مختلفه. فيشترط أن يذكر في اللحم أنه لحم غنم ضاًن أو معز، جذع أو
ثني، خصي أو غيره، رضيع أو فطيم، معلوفة أو راعية، سمين أو هزيل.
(و) كـ (مكيل) من حب أو تمر أو خل أو دهن أو لبن ونحو ذلك.
(و) كـ (مذروع) من ثياب وخيوط.
(1)
في ج: فجوز.
وعنه: لا يصح السلم في مذروع.
(و) كـ (معدود من حيوان ولو) كان الحيوان (آدميا).
وقيل: لا يجوز إلا في المكيل والموزون.
(لا في أمة وولدها)، لندرة جمعهما الصفة.
(أو) في حيوان (حامل)، لأن الصفة لا تاًتي على ذلك. والولد مجهول
وغير محقق
(1)
. وفيه وجه.
(ولا) على الأصح (في فواكله معدودة)، لأنها تختلف بالصغر والكبر.
(وبقول)، لأنها تختلف ولا يمكن تقديرها بالحزم.
(وجلود)، لأنها تختلف ولا يمكن ذرعها، لاختلاف الأطراف.
(ورؤوس واكارع)، لأن أكثر ذلك العظام والمشافر، واللحم فيه قليل
وليس بموزون.
(وبيض ونحوها) كجوز، لأن ذلك يختلف.
(و) لا في الأصح في (اوانى مختلفة رؤوسا وأوساطا كقماقم) جمع قمقم
بضم القافين.
(ولا في ما لا ينضبط، كجوهر) ولؤلؤ وعقيق وبلور ونحو ذلك، لأن
اثمان ذلك تختلف اختلافا متباينا بالصغر والكبر، وحسن التدوير، وزيادة
الضوء، والصفاء، ولا يمكن تقديرها ببيض العصعفور ونحوه، لأن ذلك
يختلف، ولابشيء معين، لأن ذلك يتلف.
(و) كـ (مغشوش اثمان)، لأن غش ذلك يمنع العلم بالقدر المقصود
منه. فلم يصح. ولما فيه من الغرر.
(او يجمع اخلاطا) مقصودة (غير متميزة كمعاجين) يتداوى بها (وند
وغالية)، لعدم ضبطها بالصفة، (وقسي ونحوها) مما يجمع اشياء لا يمكن
(1)
في ج: لأن الولد مجهول وغير متحقق.
ضبط مقدار كل منها. فإن القسى تشتمل على خشب وقرن. وعصب وتوز
وطلاء. ولا يمكن تمييز ما فيها منها.
(ويصح) السلم (فيما) اي: في شيء (فيه لمصلحته شيء غير مقصود،
كجبن) فإن فيه أنفحة، (وخبز) وعجين فإن فيه ملحا، (وخل تمر) فإن فيه
ماء، (وسكنجبين) فإن فيه خلا، (ونحوها) أي: ونحو ذلك مما فيه
لمصلحته شيء غير مقصود، كالشيرج فإن فيه ملحا، لأن الخلط يسير غير
مقصود بالمعاوضة لمصلحة المخلوط. فلم يؤثر.
(و) يصح (فيما يجمع أخلاطا متميزة، كثوب من نوعين)، كالمنسوج
من قطن وكتان او صوف وحرير.
(و) كـ (نشاب ونبل مريشين، وخفاف ورماح، ونحوها)، لإمكان
ضبط ذلك بالصفات التي لا يتفاوت الثمن معها غالبا. وفيها وجه.
(وفي أثمان) والمراد: الخالصة، لتقدم حكم المغشوشة، لأنها ثبتت في
الذمة صداقا. فيثبت سلما، كالعروض.
(ويكون راس المال غيرها) اي: غير الأثمان، كالثوب والفرس. وإنما
اشترط ذلك، لأنه لا ربا بينهما من حيب التفاضل او النساء. فصح، كإسلام
العرض في العرض.
(و) يصح السلم (في فلوس) ولو نافقة وزنا (ويكون رأس مالها عرضا)
إلحاقا لها بالنقد، كما تقدم في ربا النسيئة.
(و) يصح (في عرض بعرض)، كإسلام فرس في ثوب، وفي فرس وخبز
في تمر. (لا إن جرى بينهما) اي: بين رأس مال السلم والمسلم فيه (ربا
فيهما) اي: في مسأله إسلام العرض في الفلوس، والعرض في العرض، كما
لو أسلم في الفلوس نحاسا، أو في تمر تمرا، أو جبن جبنا ونحو ذلك، لأن
ذلك يؤدي إلى بيع المكيل والموزون بجنسه نسيئة. وكذا إن كان بغير جنسه كبر بشعير وحديد بنحاس، لأن ذلك كله ربا.
(وإن جاءه) أي: جاء المسلم إليه عرضا في عرض إلى المسلم (بعينه)
اي: بعين رأس المال (عند محله)، كمن أسلم عبدا صغيرا في عبد كبير
ووصفه بصفات الصغير إلى عشر سنين. ثم جاءه به بعينه [عند الحلول]
(1)
وقد
كبر: (لزم) المسلم (قبوله)، لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته. فلزم قبوله،
كما لو كان غيره.
وقيل: لا، لأنه يفضي إلى كون الثمن [هو المثمن.
ورد: بأن المثمن]
(2)
إنما هو في الذمة وهذا عوض عنه.
ومحل ذلك: ما لم تكن حيلة، كما لو اسلمه جارية صغيرة في كبيرة إلى
امد تكبر، متصفة بصفات الصغيرة، يستمتع بها ويردها عند الأمد من غير عوض للوطء أو نحو ذلك: فإن هذا لا يصح وجها واحدا.
فرع: يصح السلم في السكر والفانيد والدبس ونحو ذلك مما مسته النار،
لأن عمل النار فيه معلوم بالعادة ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة. فصح السلم
فيه، كالمجفف بالشمس.
الشرط (الثاني: ذكر ما يختلف به ثمنه) اي: المسلم فيه (غالبا)، لأن
السلم عوض يثبت في الذمة فاشترط العلم به كالثمن، (كنوع) وذكره مستلزم
لذكر الجنس (وما يميز مختلفه) اي: مختلف النوع. ففي سلم في قمح ونحوه
يشترط ذكر نوعه. ففي إقليم مصر يقال: صعيدي او بحيري، وفي الشام
يقال: حوراني أو شمالي، ونحو ذلك.
(و) ذكر (قدر حب) فيقال: صغار الحب او كباره، ومتطاول الحب او
مدوره.
(ولون) فيقال: احمر أو ابيض.
ومحل هذا: (إن اختلف)، ليتميز بالوصف.
(1)
ساقط من ب.
(2)
2 ساقط من أ.
(وبلده) أي: الحب. فيقال: من زرع بلد كذا، بشرط أن تكون كبيرة
يبعد فيها الآفة، كما سياً نى.
(وحداثته وجودته) فيقال: حديث جيد.
(او ضدهما) أي: الحداثة والجودة. فيقال: قديم سنتين أو ثلاثة،
رديء، أو مشعر، اي: به شعير، أو مزيون اي: به زيوان.
وكذا الحكم في سائر الحبوب.
وفي سلم في حيوان ذكر جنسه. ففي غنم يقال: غنم ونوعه، كضاًن أو معز.
(و) ذكر (سن حيوان) فيقول: جذعا أو ثنيا.
(و) ما يميز مختلفه فيقول: (ذكرا وسمينا ومعلوفا، او ضدها)، كأنثى
وهزيلا وراعيا.
وفي إبل يقال: بختية او عرابية، وبنت مخاض أو بنت لبون ونحوهما،
وبيضاء او
(1)
حمراء أو ورقاء، ومن نتاج بني كذا.
وأوصاف الخيل كأوصاف الإبل.
(و) مصيود بعد استقصاء صفة الصيد فيقول: (صيد أحبولة، أو) صيد
(كلب، او) صيد (صقر)، أو صيد
(2)
فهد أو فخ. فإن الأحبوله يؤخذ الصيد
منها سليما، والكلب أطيب نكهة من الفهد.
وفي تمر بذكر النوع، كبرنى، الجودة أو عكسها، وبالقدر نحو. كبار أو
صغار. وبالبلد نحو: بغدادي، لأنه احلى وأقل بقاء لعذوبة مائه، او بصري
وهو بخلافه، وبالحداثة وعكسها. فإذاء أطلق العتيق أجزأ، وإن شرط عتيق عام
أو عامين فله شرطه. وباللون إن كان يختلف به. والرطب كالتمر فيما ذكرنا إلا الحداثة وضدها. ولا يأخذ إلا ما أرطب كله، ولا يأخذ مشدخا ولا قديما قارب
أن يتمر.
(1)
في أ: أو بنت لبون، وبيضاء حمراء.
(2)
زيادة من ج.
وهكذا ما جرى مجراه من العنب.
وفي
(1)
عسل: يذكر جنسه، كعسل نحل، أو عسل قصب. وبلده
كمصري
(2)
أو نحوه.
ويجزئ ذلك عن ذكر النوع وزمنه، كربيعي أو صيفي، ولونه، كأبيض أو
أحمر. وليس له إلا مصفى من الشمع.
وفي سمن: يذكر النوع، كسمن بقر أو ضاًن. وكاللون
(3)
، كأصفر أو
أبيض، والمرعى. ولا يحتاج إلى ذكر الحداثة، لأن إطلاقه يقتضي الحديث.
ولا يصح السلم في عتيقه، لأنه عيب، ولا ينتهي إلى حد ينضبط به.
والزبد كالسمن ويزيد: زبد يومه] أو أمسه.
وفي لبن: يذكر النوع والمرعى. ولا يحتاج إلى ذكر اللون ولا حلب
يومه [
(4)
، لأن إطلاقه يقتضي ذلك.
وفي ثوب: يذكر النوع، ككتان أو قطن. والبلد، كبغدادي، واللون
والطول والعرض والخشونة، أو النعومة والصفاقة او الرقة. ولا يذكر الوزن فإن ذكره لم يصح، لتعذر الجمع بين صفاته.
وفي غزل: يذكر النوع، كغزل كتان او قطن. والبلد واللون والوزن
والغلظ أو الرقة.
وفي صوف ووبر وشعر: يذكر البلد واللون والطول او القصر والذكورة أو
الأنوثة، لأن صوف الإناث أنعم. والزمان، لأن صوف الخريف أنظف.
وفي كاغد: يذكر البلد والطول والعرض والرقة أو الغلظ واستواء الصنعة،
واللون وما يختلف به الثمن.
(1)
في ا: ومن.
(2)
في ج: كبصري.
(3)
في ج: وا لكون.
(4)
4 ساقط من أ.
وفي رقيق: يذكر النوع، كحبشي أو رومي أو زنجي.
(وطول رقيق بشبر).
قال الإمام: يقول: خماسي سداسي، اسود أبيض، أعجمي أو فصيح،
والذكوريه او الأنوثية.
(وكحلاء أو دعجاء، وبكارة أو ثيوبة، ونحوها) مما يختلف به الثمن،
كسمينة أو هزيلة مما يختلف به القن.
وإن ذكر شيئا من صفات الحسن، ككونها أقنى الأنف أو زجاء
الحاجبين لزمه.
(و) من اسلم في طير ذكر (نوع طير)، ككركي او حمام، (ولونه
وكبره) إن كان يختلف، كالأوز والدجاج والحمام.
وفي لحم طير: لا يشترط ذكر ذكورية ولا أنوثية. إلا إن أختلف بذلك،
كلحم الدجاج. ولا إلى موضع اللحم. إلا أن يكون كبيرا يؤخذ منه بعضه،
كالنعام. ولا يلزم قبول الرأس والساقين، لأنه لا لحم عليهما.
وفي سيف: ذكر نوعه، كفولاذ. وطوله وعرضه ورقته وغلظه وبلده
وقدمه، أو ضده ماض او غيره. ويصف قيمته.
وفي قصاع: ذكر نوع الخشب، كجوز، وصغر أو كبر، وعمق وضيق
وتخانة ودقة.
ويضبط العنبر بلونه ووزنه والبلد. وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز، وإن لم
يشترط فله أن يعطيه صغار أو كبار.
ويضبط العود الهندي ببلده وما يعرف به.
ويضبط المصطكا واللبان والغراء العربي وصمغ الشجر والمسك وسائر
مايجوزالسلم فيه بما لايختلف به.
(ولا يصح شرطه اجود)، لتعذر الوصول إليه إلا نادرا. إذ ما من جيد
إلا ويحتمل ان يوجد أجود منه.
(او اردا)، لأنه لا ينحصر. وفيه وجه.
(وله) أي: لرب السلم (اخذ دون ما وصف)، لأن الحق له وقد رضي بدونه.
(و) له اخذ (غير نوعه من جنسه)، لأن الموعين مع اتحاد
(1)
في الجنس
كالشيء الواحد. بدليل تحريم التفاضل.
(ويلزمه) أي: رب السلم (اخذ اجود منه) أي: مما اسلم فيه إذا كان
(من نوعه) إذا بذله المسلم إليه، لأنه أتى بما يتناوله العقد وزيادة نفع. وكشرطه. وعنه: يحرم قبوله.
وعلم مما تقدم انه إذا جاء بغير نوعه، كلحم معز عن ضاًن: لم يلزمه
قبوله، لأن العقد تناول ما وصفاه
(2)
على الصفة التي شرطاها، والنوع صفة.
فأشبه ما لو فات غيره من الصفات. وفيه وجه.
ويجوز أخذه برضاهما، لأنه لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، ويضم
أحدهما إلى الاخر في الزكاة. فجاز، كالنوع الواحد.
وبغير جنسه، كمن أسلم في لحم غنم فجاءه بلحم بقر أو نحوه لم يجز له قبوله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره "
(3)
. رواه
ابو داود وابن ماجه من رواية عطية العوفي.
ولأن اخذ غير الجنس عن المسلم فيه بيع له. فلم يجز، كبيعه من غيره.
واما أخذه غير النوع فليس ببيع، وإنما هو قضاء للحق مع تفضيل من أحدهما.
(1)
في ا: اتحاد.
(2)
في ج: وصفناه.
(3)
3 أخرجه أبو داود في " سننه "(3468) 3: 276 كتاب الإجارة، باب السلف لا يحول.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه ") 2283) 2: 766 كتاب التجاراب، باب السلف في كيل معلوم ووزن
معلوم إلى أجل معلوم.
(ويجوز) لرب سلم (رد) سلم (معيب) قبضه غير عالم بعيبه، وإمساكه
(وأخذ أرشه)، كمبيع غير سلم.
(و) لمسلم إليه اخذ (عوض زيادة قدر) دفعه، لأن الزيادة هنا يجوز
إفرادها بالبيع. (لا) عوض (جودة) لو جاءه بأجود مما عليه، لأن الجودة
صفة لا يجوز إفرادها بالبيع.
(ولا) لرب سلم اخذ عوض (نقص رداءة) لو جاءه بأردأ، لما تقدم.
الشرط (الثالث) من شروط السلم: أن يذكر (قدر كيل في مكيل، و)
قدر (وزن في موزون، و) قدر (ذرع في مذروع متعارف فيهن) اي: في المسائل الثلاثه، باًن يكون كل من المكيال والرطل والذراع المقدر به معروفا عند العامة. وإنما اشترط التقذير بالمتعارف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من اسلف في شيء
فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم "
(1)
.
ولأنه عوض غير مشاهد يثبت في الذمة. فاشترط معرفة قدره، كالثمن.
إذا ثبت هذا (فلا يصح) ان يسلم (في مكيل وزنا، ولا) في (موزون
كيلا). نص عليه، لأنه مبيع يشترط معرفة قدره. فلم يجز بغير ما هو مقدر به
في الأصل، كبيع الربويات بعضها ببعض.
ولأنه قدر المسلم فيه بغير ما هو مقدر به في الأصل. فلم يجز، كما لو
اسلم في المذروع وزناً. فإنه لا يصح بغير خلاف.
وفي السلم في المكيل وزنا، وفي الموزون كيلا رواية.
(ولا) يصح (شرط صنجة او مكيال او ذراع لا عرف له).
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم على أن السلم في
الطعام لا يجوز بقفيز لا يعرف عياره، ولا في ثوب بذراع فلان، لأن المعيار لو
تلف أو مات فلان بطل.
(1)
1 سبق تخريجه ص (190) رقم (2).
ولأنه غرر لا يحتاج إليه العقد.
(وإن عين فردا مما له عرف) فمكيال فلان أو رطله وهما معروفان عند
العامة (صح العقد). وفيه وجه. (دون التعيين)، وفيه وجه.
وما لا يمكن وزنه بميزان، كالأحجار الكبار تحط في سفينة وينظر إلى اي
موضع تغوص فيعلم ثم يرفع، ويحط مكانه رمل أو احجار صغار إلى أن يبلغ
الماء الموضع الذي كان بلغه، ثم يوزن فما بلغ فهو زنة ذلك الشيء.
الشرط (الرابع) من شروط السلم: (ذكلر أجل معلوم) نصا، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى اجل معلوم "
(1)
.
فأمر بالأجل وامره يقتضي الوجوب.
ولأنه امر بهذه الأمور تثبيتا لشروط السلم، ومنعا منه بدونها. ولذلك لا يصح إن انتفى الكيل والوزن. فكذلك الأجل.
ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل. فاذا
انتفى الأجل انتفى الرفق. فلا يصح، كالكتابة.
ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه.
] أما الاسم، فلأنه يسمى سلما وسلفا، لتعجل أحد العوضين وتأخر
الاخر. ومعناه [
(2)
: ان الشارع أرخص فيه للحاجة الداعية إليه، ومع حضور ما
يبيعه حالا لا حاجة إلى السلم.
ويفارق بيوع الأعيان فإنها لم تثبت على خلاف الأصل، لمعنى يختص
بالتأجيل.
واحتج من أجازه حالأ بأنه إذا جاز مؤجلا فحالأ أجوز، ومن الغرر ابعد.
واجيب بأن ذلك إنما يجزى فيما إذا كان المعنى المقتضي موجودا في الفرع
(1)
سبق تخريجه ص (190) رقم (2).
(2)
2 ساقط من ا.
بصفة التأكيد. وليس كذلك هاهنا. فإن البعد من الغرر ليس هو المقتضي لصحة
السلم المؤجل، وإنما المصحح له شيء اخر لم يذكر اجتماعهما فيه.
(له وقع في الثمن عادة)، لأن الأجل إنما اعتبر ليتحقق الرفق الذي شرع
من اجله السلم، ولا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن.
والأجل الذي له وقع في الثمن، (كشهر ونحوه).
وفي " الكافي ": كنصفه.
وعنه: يصح ولو يوما. ذكرها
(1)
القاضي.
(ويصح) أن يسلم (في جنسين) كبر وشعير (إلى اجل) واحد: (إن بين
ثمن كل جنس)، كالبيع. (وفي جنس) واحد (إلى اجلين)، لأن كل بيع
جاز إلى أجل جاز إلى أجلين واجال.
ومحل صحة ذلك: (إن بين قسط كل اجل وثمنه)، لأن الأجل الأبعد له
زيادة وقع على الأقرب. فما يقابله أقل مما يقابل الاخر. فاعتبر معرفة قسطه
وثمنه، وبهذا يحصل التمييز للأجل الاخر
(2)
.
(و) يصح (ان يسلم في شيء) يصح السلم فيه (يأخذه كل يوم جزءا
معلوما مطلقا) اي: سواء بين ثمن كل قسط أو لا.
وفيه وجه: لا يصح إلا ان يبين. وسواء كان المسلم فيه لحما أو خبزا أو
غيرهما.
وظاهر كلام بعضهم اختصاص الجواز بهما.
وإنما صح مطلقا، لأن الحاجة داعية إلى ذلك في الخبز واللحم وغيرهما.
ويعتبر تبيين ثمن قسط كل يوم.
وعلى المذهب: متى قبض البعض وتعذر قبض الباقي رجع بقسطه من
(1)
في ج: ذكره.
(2)
في ب، الواحد.
الثمن. ولا يجعل للمقبوض فضلا على الباقي، لأنه مبيع واحد متماثل
الأجزاء. فيقسط الثمن على أجزائه بالسويه، كما إذا اتفق أجله.
(ومن اسلم او باع) على أن الثمن مؤجل، (او اجر، او شرط الخيار
مطلقا) بأن لم يجعل له غاية، (او) جعلها المجهول، كحصاد وجذاذ،
ونحوهما)، كإلى العطاء: لم يصح غير البيع، لأنه لا بد من علم الأجل، لقوله
سبحانه وتعا لى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى .... ) الاية] البقرة: 282].
ولأن الحصاد والجذاذ ونحوهما يختلف بالقرب والبعد. فلا يصح أن يكون
أجلا، كقدوم زيد.
وكذا لو أبهم الأجل، كما لو قال: إلى وقت أو زمن (او عيد او ربيع او
جمادى او النفر: لم يصح) مما تقدم من
(1)
السلم والإجارة والخيار (غير
البيع)، لأنه لا تعلق له بالأجل.
(وإن قالا) أي: المسلم والمسلم إليه: (محله رجب، او إليه) أي:
إلى رجب، (او فيه) اي: في رجب، (ونحوه) أي: نحو رجب، كمحله
شعبان ونحو ذلك: (صح) العقد (وحل) السلم (بأوله) أي: أول ذلك
الشهر المسمى، كما لو قال لامراته: أنت طالق في شهر كذا فإنه يتعلق باً وله.
فإن فيل: الطلاق يتعلق بالأخطار ويجوز تعليقه على مجهول، كنزول
المطر ونحوه. بخلاف هذه المساً لة.
قلنا: سلمنا ذلك. إلا انه إذا جعل محله في شهر معين تعلق بأوله. فلا
يكون مجهولا. وكذا السلم.
(و) إن قال: محله (إلى اوله) أي: أول شهر كذا، (او اخره: يحل
بأول جزء منهما) أي: من أوله أو اخره، كتعليق الطلاق.
(ولا يصح) إن قالا: (يؤديه فيه) أي: في شهر كذا، لجعله كله ظرفا.
فيحتمل أوله وآخره. فلم يكن الأجل معلوما.
(1)
1 في أوب: في.
(ويصح) ان يجعلا الأجل (لشهر وعيد روميين إن عرفا)، كشباط
(1)
والنيروز عند من يعرفهما، لأنهما معلومان لا يختلفان. أشبه اشهر المسلمين
وأعيادهم.
(ويقبل قول مدين) وهو المسلم إليه (في قدره) أي: قدر الأجل،
(ومضيه) بيمينه.
نقل حرب: إذا اختلفا في أجله قبل قول المسلم إليه.
أما كون القول قوله في قدر الأجل، فلأن العقد اقتضى الأجل. والأصل بقاوه.
واما كون القول قوله في أنه لم يمض، فلأن المسلم يدعي استحقاق
التسليم، والمسلم إليه منكر. والأصل معه.
(و) كذا يقبل قوله في (مكان تسليم) نصا، لأن الأصل براءة ذمته من مؤنه
نقله إلى الموضع الذي يدعي المسلم شرط التسليم فيه.
(ومن اتي بماله) اي: بدين (من سلم وغيره قبل محله) بكسر الحاء (ولا
ضرر) عليه (في قبضه) من خوف تلف أو تحمل مؤنة أو نحو ذلك. ولا يختلف
قديمه وحديثه، كالعسل:(لزمه) قبضه نصا، لأن غرضه حاصل مع زيادة
تعجيل المنفعة. فجرى مجرى زيادة الصفة.
وعلم مما تقدم انه لو كان في قبضه قبل المحل ضرر: إما لكونه مما يتغير، كالأطعمة، أو كان قديمه دون حديثه، كالحبوب، أو كان حيوانا يخشى تلفه،
او يحتاج إلى النفقة، او كان الزمن مخوفا وخشي نهب ما يقبضه
(2)
او نحو
ذلك: لم يلزمه قبضه قبل محله.
وعلم مما تقدم أنه إذا أحضره في محله أو بعده لزمه قبضه مطلقا، كالمبيع
المعين.
وحيب لزم القبض (فإن ابى قال له حاكم: إما ان تقبض او تبرئ. فإن
(1)
في أوب: كشباطة.
(2)
في أ: يقبض.
أباهما) أي: أبى القبض وا لإبراء (قبضه) الحاكم (له) أي: لرب الدين. فلو
امتنع السيد من قبض مال الكتابة قبضه الحاكم وحكم بعتقه.
نقل حرب: إن أبى مولاه الأجل ما أعلم زاده
(1)
إلا خيرا. وقال: فيه
حديث يروى. قلت: حديب عثمان؟ قال: نعم. قال
(2)
له: ضعها في بيت
المال وخلي سبيله.
ونقل بكر وحنبل خلافه.
وإنما صح قبض الحاكم لرب الدين، لأنه يقوم مقام الممتنع بولايته. وليس
له أن يبرئ، لأنه لا يملك الإبراء.
(ومن اراد قضاء دين عن غيره فأبى ربه) أي: رب الدين قبضه من غير
المدين، (او أعسر) زوج (بنفقة زوجته. فبذلها اجنبي. فأبت) الزوجة
قبولها من الأجنبى: (لم يجبرا) اي: رب الدين والزوجة على قبض الدين
والنفقة من غير المدين والزوج.
] (وملكت) الز وجة (الفسخ) با لإعسار. ذكره في " المحرر "
و" الرعاية "، كما لو لم يبرئها أجنبي]
(3)
.
وفيه احتمال: كوكيله
(4)
، او كتمليكه للزوج والمديون.
وإنما لم يجبرا، لأنه إن كان المديون يقدر على الوفاء وجب عليه وفاوه من
ماله، وإلا لم يلزمه شيء.
وعلى كلا التقديرين لا يلزم رب الدين قبول منة الدافع.
الشرط (الخامس) من شروط السلم: (غلبة مسلم فيه في محله) أي:
عند حلوله، لوجوب تسليمه إذا ولو كان معدوماً عند العقد، كالسلم في العنب
الرطب زمن الشتاء إلى الصيف. فلو عكس ذلك لم يصح، لأنه لا يمكن
(1)
في خ: ما زاده.
(2)
ساقط من ا.
(3)
ساقط من اوب.
(4)
في خ: با لإجبار كوكيله.
تسليمه غالبا عند وجوبه. اشبه بيع الآبق. بل أولى.
(ويصح) السلم (إن عين) في العقد (ناحية تبعد فيها آفة)، كمن أسلم
في تمر، وعين كونه من تمر المدينة على ساكنها أفضل الصلاه والسلام، لغلبة المسملم فيه.
و (لا) يصح إن عين (قرية صغيرة أو بستانا.
ولا) إن أسلم في حيوان وقال: (من غنم زيد، او نتعاج فحله.
او في) ثوب وقال: (مثل هذا الثوب ونحوه)، كفي مثل هدا السيف،
لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى. فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اما من حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمى [إلى أجل مسمى]
(1)
"
(2)
. رواه ابن ماجه وغيره. ورواه أبو إسحاق الجوزجانى في " المترجم " وابن المنذر. وقال: المنع منه كا لاجماع.
ولأنه لا يؤمن انقطاعه ولا تلف المسلم في مثله. أشبه ما لو قدره بمكيال أو
صنجة غير معروفين.
(وإن أسلم) في شيء (إلى محل) أي: وقت (يوجد فيه) المسلم فيه
(عاما. فانقطع). فإن لم يعدم بل عسر تحصيله، (وتحقق بقاؤه: لزمه
تحصيله) ولو شق، كبقية الديون.
(وإن تعذر) المسلم (او بعضه) بأن لم لوجد: (خير) مسلم. (بين صبر)
إلى أن يوجد فيطالب به، (أو فسخ قيما تعذر)، كما لو اشترىقنا فأبق قبل
القبض.
(ويرجع) إن فسخ (براس ماله) إن كان موجودا بعينه (او عوضه) إن عدم،
لتعذر رده. وعوضه مثل مثلي وقيمه متقوم.
(1)
ساقط من ا.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2281) 2: 765 كتاب التجارات، باب السلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
وفيه وجه: أن العقد ينفسخ بنفس التعذر.
فرع:
لو اسلم ذمي إلى ذمي في خمر ثم أسلم أحدهما: أخذ المسلم من المسلم
إليه ما أقبضه إياه على انه رأس المال أو عوضه، لتعذر استيفائه إن كان هو
المسلم، او تعذر الإيفاء إن كان المسلم إليه هو المسلم.
الشرط (السادس) من شروط السلم: (قبض راس ماله) بمجلس العقد
(قبل تفرق) يبطل به خيار المجلس. نص على هذا الشرط الإمام واستنبطه
الشافعي رحمه الله تعالى من
(1)
قوله عليه الصلاة والسلام: " من اسلف [في
شئ]
(2)
فليسلف "
(3)
اي: فليعط.
قال: لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يفارق من
اسلفه. انتهى.
وحذارا ان يصير بيع. دين بدين فيدخل تحت النهي.
وإن قبض بعضه فقط فقد تقدم في باب الربا
(4)
.
(وكقبض) في الحكم (ما بيده) أي: يد المسلم إليه (امانة او غصب)
من دينار أو نحوه. فجعله مالكه راس مال سلم في قنطار من
(5)
جبن
(6)
أو نحوه
في ذمة من تحت يده الدينار. (لا في ذمته)، كما لو كان لإنسان في ذمة اخر
دين فجعله سلما في شيء. وإنما لم يصح هنا، لأن المسلم فيه دين. فإذا جعل
الثمن دينا كان بيع دين بدين. بخلاف ما قبلها.
(1)
في أ: في.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
سبق تخرلجه ص (190) رقم (2).
(4)
ص (158).
(5)
في أ: سلم من قنطار إن.
(6)
في ب: خبز.
فرع:
لو تعاقدا على مائة درهم في كر طعام، وشرطا أن يجعل له منها خمسين
وخمسين إلى أجل: لم يصح العقد في الكل. ولو
(1)
قلنا بتفريق الصفقة، لأن
للمعجل فضلا على المؤجل. فيقتضي أن يكون في مقابلته أكثر مما في مقابلة المؤجل، والزيادة مجهولة فلا يصح.
[وفيه وجه: يصح]
(2)
في المعجل بقسطه.
(وتشترط معرفة قدره) أي: قدر راس مال السلم، (وصفته) في
الأصح " لأنه قد يتأخر بتسليم المعقود عليه ولا يؤمن انفساخه. فوجب معرفة
رأس ماله ليرد بدله، كالقرض.
ولأنه لا يؤمن أن يظهر بعض الثمن مستحقا. فينفسخ العقد في قدره. فلا
يدري في كم بقي وكم انفسخ.
فإن قيل: هذا متوهم!
قلنا: التوهم معتبر هاهنا، لأن الأصل عدم الجواز وإنما جوز إذا وقع الأمن
من الغرر ولم يوجد.
(ف) على هذا (لا تكفي مشاهدته) فلا يصح كونه صبرة لا يعلمان
عد د ها
(3)
وقيمتها.
(ولا يصح بما لا ينضبط، كجوهر، ونحوه)، كثوب غريب النسج.
(ويرد) اي: يرد المسلم ما قبضه مما لا يصح كونه رأس مال سلم (إن
وجد) " لأن العقد إذا كان فاسدا وجب على كل من المتعاقدين رد ما قبض بسببه
إن كان موجودا.
(وإلا) أي: وإن لم يوجد (فقيمته) ولو مثليا.
(1)
في ب: فان.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ج: قد رها.
(فإن أختلف فيها) أي: في قدرها (فقول مسلم إليه) بيمينه، لأنه غارم.
(فإن تعذر) ذلك بأن قال مسلم إليه: أنا لا أعوف قيمة ما قبضته (فـ) عليه
(قيمة مسلم فيه مؤجلة) إلى الأجل الذي عيناه. ويقع عقد المعاوضة من
(1)
بيع
أو إجارة كان الثمن فيه أو الأجرة صبرة مشاهدة لا يعلم كيلها من بر أو شعيرأو نحوهما: بقيمة مثلي، لأنه قد ينفسخ العقد. فيؤمر برد ما قبضه وقد تلف
فيضمنه بأقل أو اكثر وهو ربا. قاله في " الانتصار "، ونقله عنه في " الفروع " مشعرا بالتقديم له ثم قال: وظاهر كلام غيره بمثله.
الشرط (السابع) من شروط السلم: (أن يسلم في ذمة) ولم يذكره
(2)
بعضهم استغناء عنه بذكر الأجل، لأن المؤجل لا يكون إلا في ذمة.
(فلا يصح في عين، كشجرة نابتة ونحوها)، لأن المعين يمكن بيعه في
الحال. فلا حاجة إلى السلم فيه.
ولأن شرط تأخير تسليم مبيع ليس لمثله اجرة باطل.
(1)
في ا: في.
(2)
في ا: هان لم يذكر، في ب: ولم يذكر.
] فصل: في ذكر مكان الوفاء]
(فصل. ولا يشترط ذكر مكان الوفاء) في عقد السلم، لعدم ذكره في الحديث.
ولأنه عقد معاوضة. اشبه بيوع الأعيان.
وقيل: إن كان لحمله مؤدة وجب شرطه وإلا فلا.
ومحل ذلك: (إن لم يعقد ببريه او سفينة، ونحوهما)، كعلى جبل غير
مسكون، او في دار الحرب، (و) ذلك لأن العقد إذا كان ببلد (يجب) الوفاء
(مكان عقد) فإذا وقع ببرية أو نحوها لم يمكن التسليم في مكان العقد. فإذا ترك
ذكره كان مجهولا. فاشترط تعيينه بالقول، كالكيل.
وقيل: لا يشترط ويوفي
(1)
بأقرب الأماكن إلى مكان العقد.
(وشرطه) أي: الإيفاء (فيه) اي: في مكان العقد (مؤكد)، لأنه شرط
يقتضي
(2)
العقد فلا يؤثر.
وعنه: لا يصح هذا الشرط.
(وإن دفع) المسلم إليه السلم إلى المسلم (في غيره) اي: غير مكان العقد
(لا مع اجرة حمله إليه) اي: إلى مكان العقد: (صح) الإقباض إن تراضيا على
ذلك، وبرى
(3)
به (كشرطه) اي: الوفاء (فيه) أي: في غير محل العقد.
اما كونه لا يصح ان يأخذ معه أجرة حمله، لأن ذلك كاخذ بدل بعض السلم.
وأما كون الإيفاء يصح اشتراطه في غير محل العقد، فقياسا على بيوع
الأعيان. وفيه رواية.
(1)
في ب: ولو.
(2)
في ا: مقتضى ..
(3)
في ج: ويروى.
(ولا يصح اخذ رهن او كفيل بمسلم فيه)، لأن الرهن إنما يجوز بشيء
يمكن استيفاوه من ثمن الرهن، والضمان يقيم ما في ذمة [الضامن مقام ما في
ذمة]
(1)
المضمون عنه. فيكون في حكم العوض والبدل عنه، وكلاهما
لا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " [من أسلم]
(2)
في شيء فلا يصرفه إلى غيره "
(3)
. وفيهما رواية.
(ولا) يصح (اعتياض عنه) أي: عن مال السلم، (ولا بيعه او) بيع
(راس ماله) الموجود- وسيأتي حكمه إذا عدم- (بعد فسخ وقبل قبض. ولو)
كان البيع (لمن عليه-، ولا حوالة به ولا) حوالة (عليه).
أما كونه لا يصح بيع السلم فيه ولا الاعتياض عنه قبل قبضه، " فلنهيه عليه
الصلاة والسلام عن
(4)
ربح ما لم يضمن "
(5)
.
ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه. فلم يجز بيعه، كالطعام قبل قبضه.
وأما كونه لا يصح بيع رأس ماله بعد الفسخ وقبل القبض، فلقوله عليه
الصلاة والسلام: " من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره "
(6)
.
ولأنه مضمون على المسلم إليه بعقد السلم. فلم يجز التصرف فيه قبل
قبضه، كما لو كان في يد المشتري. وفيه وجه.
وأما كونه لا تصح الحوالة به، فلأنها معاوضة بالمسلم فيه قبل قبضه. فلم
تجز، كالبيع.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من ا.
(3)
سبق تخريجه ص) 198) رقم) 3).
(4)
في ج زيادة: بيع الطعام قبل قبضه وعن.
(5)
5 أخرجه النسائي في " سننه ") 4631) 7: 294 كتاب البيوع، شرطان في بيع وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا
…
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(88 1 2) 2: 737 كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليي عندك وعن ربح ما لم يضمن.
(6)
سبق تخريجه ص (198) رقم (3).
واما كونه لا تصح الحوالة عليه، فلأنها إنما تصح على دين مستقر، والسلم
معرض للفسخ.
ولأن ذلك نقل للملك في المسلم فيه على غير وجه الفسخ. فلم يجز، كالبيع.
(وتصح هبة كل دين) اي: دين كل سلم وغيره (لمدين فقط) مع اقتضاء
الهبة ووجود معين. وهو منتف، لإفادة الهبة هنا لمعنى الإسقاط. [ولهذا لو
وهبه دينه هبة حقيقة لم يصح، لانتفاء معنى الإسقاط]
(1)
وانتفاء شرط الهبة.
ومن هنا امتنع هبته لغير من هو عليه.
(و) يصح (بيع) دين (مستقر من ثمن وقرض، ومهر بعد دخول، واجرة
استوفي نفعها، وارش جناية، وقيمة متلف، ونحوه)، كعوض خلع (لمدين،
بشرط قبض عوضه قبل تفرق)، لخبر ابن عمر: " كنا نبيع الأبعرة بالبقيع
بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم وبالدراهم وناً خذ عنها الدنانير. فسألنا رسول الله صص فقال: لا بأس ان تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء "
(2)
. رواه
أبو داود وابن ماجه.
فدل على جواز بيع ما في الذمة من احد النقدين بالاخر. وغيره مقاس عليه.
ولأنه إذا لم يقبض عوضه بالمجلس صار بيع دين بدين.
ومحل اشتراط قبض عوضه قبل تفرق: (إن بيع) الدين (بما) اي: بشيء
(لا يباع به نسيئة)، كالدراهم بالدنانير. وعكسها الصورتين المسؤول عنهما في
الخبر المقول في جوابهما: " ما لم تتفرقا وبينكما شيء ".
(او) بيع الدين (بموصوف في ذمة)، لأنه يصير كبيع دين بدين.
(لا لغيره) اي: لا بيع الدين المستقر لغير من عليه، لأنه غير قادر على تسليمه.
أشبه الآبق.
(1)
زبادة من ج.
(2)
سيق تخريجه ص (125) رقم (1).
(ولا) بيع (غير) دين (مستقر، كدين كتابة، ونحوه)، كأجرة قبل
مضي مدة.
(وتصح إقالة في سلم)، لأنها فسخ، (و) تصح في (بعضه)، لأن
الإقاله مندوب إليها. وكل مندوب إليه صح في جميع شيء صح في بعضه،
كالإبراء والإنظار.
وفيه
(1)
روا ية.
وتصح الإقالة في السلم (بدون قبض رأس ماله او عوضه إن تعذر في
مجلسها) أي: مجلس الإقالة، لأنه إذا حصل الفسخ ثبت الثمن في ذمة البائع.
فلم يشترط قبض بدله في المجلس، كالقرض.
وفيه وجه: يشترط.
(وبفسخ) لعقد السلم (يجب) على المسلم إليه (رد ما اخذ) من المسلم
إن كان باقيا، لأن العقد انفسخ فيرجع إلى الثمن.
(وإلا) أي: وإن لم يكن بافيا (فمثله) إن كان مثليا (ثم قيمته) إن عدم
المثل أو كان متقوما، لأن ما تعذر رده رجع بعوضه.
(فإن اخذ بدله ثمنا وهو ثمن فصرف) لا يجوز التفرق فيه قبل القبض.
(وفي غيره) أي: غير ما ذكر بأن كان العوضان أو أحدهما عرضا (يجوز تفرق
قبل قبض).
وعلم مما تقدم أنه
(2)
لو عوضه مكيلا عن مكيل أو موزونا عن موزون: أن
حكمه حكم الصرف.
(ومن له سلم وعليه سلم من جنسه. فقال لغريمه: اقبض سلمي لنفسك)
ففعل: (لم يصح) قبضه (لنفسه)، لأن قبضه لنفسه حوالة به. (ولاللآمر)،
(1)
في ا: وفي.
(2)
في أ: أن.
لأنه لم يجعله نائبا له في القبض فلم يقع له. فيبقى على ملك
(1)
المسلم إليه.
وفيه وجه.
(وصح) قبضه لهما إن قال: اقبضه (لي ثم) اقبضه (لك)، لأنه أستنابة
في قبضه له. فإذا قبضه له كله جاز ان يقبض لنفسه، كما لو كان عليه وديعة عند
من له عليه دين.
وفيه رواية.
فعلى المذهب: يصح قبض وكيل من نفسه لنفسه. إلا ما كان من غير جنس
ماله وعكسه.
وتقدم التنبيه على ذلك في آخر باب الخيار في البيع
(2)
.
(و) إن قال رب السلم لغريمه: (انا اقبضه لنفسي) أي: من الذي لى
عليه، (وخذه بالكيل الذي تشاهد، او) قال له: (احضر اكتيالي منه) اى:
ممن لي عليه الحق، (لأقبضه لك) ففعل:(. صح قبضه لنفسه) في
الصورتين، لأن قبض المسلم فيه قد وجد من مستحقه.
ولا يؤثر قوله في الصورة الثانية: لأقبضه لك. فإن القبض مع نيته لغريمه
كمع نيته لنفسه.
(وإن) اكتاله و (تركه بمكياله وأقبضه لغريمه: صح) القبض (لهما)، لأن
استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه، وقبض المشتري له في المكيال جرى لصاعه فيه. (ويقبل قول قابض) لدين سلم او غيره (جزافا في قدره) أي: المقبوض
فيحلف، لأنه منكر للزائد. والأصل عدمه.
(لكن لا يتصرف،) من أخذ اكثر من قدر حقه جزافاً (في قدر حقه، قبل
اعتباره) بمعياره الشرعي لعدم تميزه. وفيه وجه.
(لا) قول (قابض بكيل او وزن دعوى غلط ونحوه) كسهو، لأنه قبضه
(1)
في أ: ذلك.
(2)
ص (130).
بكيل أو وزن شاهده ورضي به. فإذا ادعى بعد ذلك خلافه لم يقبل، كما لو أقر بالقبض ثم جحد بعضه.
(وما قبضه من دين مشترك) بسبب لا فعل للشريكين فيه، (بإرث، أو
إتلاف) لما هو مشترك بينهما، (أو) مشترك بفعل من جهتهما، كالمشترك بـ
(عقد، أو ضريبة سبب استحقاقها واحد) بغير إذن شريكه: (فشريكه مخير بين
اخذ من غريم)، لبقاء اشتغال ذمته، (أو) أخذ من (قابض)، لأنهما سواء
في الملك لا تتميز حصة أحدهما من حصة الآخر. فلا يكون أحدهما أولى من
الآخر به. فكان له محاصته. (ولو بعد تأجيل الطالب لحقه)، للعلة
المتقدمة. وفيه وجه.
(ما لم يستأذنه) أي: يستأذن القابض شريكه في القبض، لأنه اذن له في
القبض من غير توكيل في نصيبه. فإذا قبض لنفسه لم يحاصه، كما لو قال:
أقبض لك. وفيه وجه.
(او يتلف) المقبوض (فيتعين غريم) فيهما. ويكون التالف من حصه
القابض، لأنه قبضه لنفسه. ولا يضمن لشريكه شيئا، لأنه لم يملك المقبوض.
قال في " الفروع ": وما قبضه من دين مشترك بإرب أو إتلاف، قال
شيخنا: أو ضريبة سبب استحقاقها واحد، فلشريكه الأخذ من الغريم، وله
الأخذ منه، جزم به الأكثر.
وعنه: لا. كما لو تلف المقبوض في يد قابضه تعين حقه فيه، ولم يرجع
على الغريم لعدم تعديه، لأنه قدر حقه. وإنما شاركه لثبوته مشتركا. مع انهم
ذكروا لو أخرجه القابض برهن أو قضاء دين فله أخذه من يده، كمقبوض بعقد
فاسد. انتهى.
(ومن استحق) أي: تجدد له دين (على غريمه) الذي له عليه الدين
(مثل ما) أي: الذي (له عليه قدرا وصفة حالين)، كأن يقترض زيد من عمرو
دينارا بندقيا، ثم يشتري عمرو من زيد سلعة بدينار بندقي حال في الذمة،
(او مؤجلين اجلا واحدا)، كثمنين أجلهما واحد، (تساقطا) أي: استويا
(او) سقط (بقدر الأقل) من الأكثر بدون تراض، لأنه لا فائده في اقتضاء الدين
من أحدهما ودفعه إليه بعد ذلك لشبهه بالعبث.
ولأنه يدور.
وعنه: بر ضاهما.
وعنه: أو أحدهما.
وعنه: لا. ولو رضيا.
(لا إذا كانا) اي: الدينان (او احدهما دين سلم). فلا يتساقطان ولو
تراضيا، لأنه تصرف في دين المسلم قبل قبضه.
(او تعلق به) أي: بأحد الدينين (حق)، كما لو باع الراهن الرهن لتوفيه
الدين ممن له عليه مثل ثمنه بثمن في الذمة، لتعلق المرتهن به.
وكما لو باع المفلس بعض ماله على بعض غرمائه بثمن في الذمة من جنس ما
له على المفلس. فإنه لا مقاصة، لتعلق حق الغرماء بذلك الثمن.
وفي "المغني ": من عليها دين من جنس واجب نفقتها لم يحتسب به مع
عسرتها، لأن قضاء الدين بما فضل.
(ومتى نوى مديون وفاء بدفع: برئ، وإلا فمتبرع. وتكفي نية حاكم وفاه
قهرا من مديون).
] باب: القرض]
هذا (بماب) يذكر فيه مسائل من أحكام القرض.
(القرض) شرعا: (دفع مال) حال كون الدفع (إرفاقا لمن ينتفع به)
أي: بالمال (ويرد بدله).
وهو جائز بالإجماع. وسنده فعله عليه الصلاة والسلام
(1)
.
(وهو) أي: القرض (من المرافق المندوب إليها)، لما روى ابن مسعود
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة"
(2)
.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رايت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل! ما
بال القرض أفضل من الصدقة؟ - ومعناه والله أعلم أي: ماله أكثر تضعيفا من الصدقة- قال: جبريل: لأن السائل يسأل وعنده. والمستقرض لا يسأل إلا من
حاجة "
(3)
. رواهما ابن ماجه.
ولا يلزم من ذلك: ان يكون اصل القرض افضل من أصل الصدقة، بل
فضل القرض مرتين كفضل الصدقة مرة بدليل الحديث السابق.
ومما يدل على استحباب القرض أيضا، ما روى ابو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف عنه كربة من كرب يوم
(1)
1 عبد الله بن أبي ربيعه قال: " استقرض منى النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا فجاءه مال فدفعه إلي وقال بارك الله لك قي أهلك ومالك إنما جزاء السلف الحمد والأداء".
أخرجه النسائي في " سننه "(4683) 7: 4 31 كتاب البيوع، 1 لاستقراض.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2424) 2: 809 كتاب الصدقات، باب حسن القضاء.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2430) 2: 812 كتاب الصدقات، باب القرض.
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2431) الموضع السابق.
القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه "
(1)
.
ولأن فيه تفريجا وقضاء لحاجة أخيه المسلم، وعونا له. فكان مندوبا إليه،
كالصدقة عليه.
(و) هو (نوع من السلف)، لارتفافه، ولصحته بلفظ السلف.
ويصح أيضا بكل لفظ يؤدي معناه نحو قوله
(2)
: ملكتك هذا على ان ترد
بدله.
(فإن قال معط: ملكتك، ولا قرينة على رد بدل فقول اخذ بيمينه: إنه
هبة)، [لأن الظاهر معه]
(3)
وليس بواجب على المقرض.
ولا لكره في حق المقترض. نص عليهما. وقال: إذا اقترض لغيره ولم
يعلمه بحاله لم يعجبني.
وقال: ما أحب أن يقترض بجاهه لإخوانه. [قال القاضي: اذا كان من
(4)
يقترض له غير معروف بالوفاء، لكونه تغريرا بمال المقرض وإضرارا به. أما إن كان معروفا بالوفاء لا يكره، لكونه إعانة له وتفريجا]
(5)
.
(وشرط علم قدره) اي: المال المقرض بمقدر معروف، (ووصفه)، كسائر عقود المعاوضات.
(و) شرط (كون مقرض يصح تبرعه)، لأنه عقد على مال، فلا يصح من
جائز التصرف.
(ومن شأنه) أي: القرض (أن يصادف ذمة) لا على ما يحدث. ذكره في
" الانتصار "، وأنه لا يجوز قرض المنافع.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4946) 4: 287 كتاب الأدب، باب فى المعونة للمسلم.
(2)
زياده من خ.
(3)
ساقط من ب.
(4)
زيادة من " الشرح الكبير " 4: 353 يقتضيها السياق.
(5)
ذيادة من ج.
وفي " الموجز ": يصح قرض حيوان وثوب لبيت المال ولآحاد
المسلفين. نقله في " الفروع ".
(ويصح في كل عين يصع بيعها) من مكيل وموزون وغيره، كالجوهر
والحيو ان.
وفي الجوهر وجه.
(إلا بني آدم) فلا يصح قرضهم، قال الإمام: أكره قرضهم. اختاره
القاضي، لأنه لم ينقل قرضهم ولا هو من المرافق.
وفيه وجه، ماً خوذ من احتمال لفظ الإمام لكراهة التنزيه.
(ويتم) القرض (بقبول) له.
(ويملك) المال المقرض، (ويلزم) العقد (بقبض)، لأنه عقد يقف
التصرف فيه على القبض. فوقف الملك عليه، كالهبة.
(فلا يملك مقرض استرجاعه)، لأنه قد لزم من جهته. فلا يملك الرجوع
فيه، كالمبيع لكونه أزال ملكه عنه بعقد لازم من غير خيار.
(إلا إن حجر على مقترض لفلس)، لما روى ابو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من ادرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به "
(1)
. متفق عليه.
وهذا شامل للقرض.
(وله) أي: للمقرض (طلب بدله) أي: القرض من المقترض في
الحال، لأنه سبب يوجب رد المثل في المثليات. فأوجبه حالا، كالإتلاف.
فعلى هذا لو اقرضه تفاريق ثم طالبه بها جملة كان له ذلك، لأن الجمع
(1)
1 أخرجه البخاري في " صحيحه "(2272) 2: 845 كتاب الاستقراض
…
، باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1559) 3: 1194 كتاب المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه.
حال. اشبه ما لو باعه بيوعا حالة متفرقة
(1)
ثم طالبه بثمنها جملة.
(وإن شرط رده لم يصح) هذا الشرط لمنافاته لمقتضى العقد، لأن مقتضاه
التوسع بالتصرف، ورده بعينه يمنعه من ذلك.
(ويجب) على المقرض (قول مثلي رد) عليه من المقترض على وجه التوفية.
سواء تغير سعره او لم يتغير، لأنه رده على صفة حقه. فلزمه قبوله، كالسلم.
وعلم من ذلك: ان غير المثلي لو رد على المقرض لم يلزمه قبوله ولو استمر
سعره بحاله، لأن الواجب له قيمته. بخلاف المثلي. فإن الواجب له مثله.
(ما لم يتعيب)، كحنطة ابتلت وعفنت، لأن عليه في قبوله ضررا، لكونه
دون حقه، (او يكن) القرض (فلوسا، او) دراهم (مكسرة فيحرمها
السلطان) ولو لم يتفق الناس على ترك المعاملة بها: (ف) تكون (له قيمته)
أي: قيمة ما اقترضه (وقت قرض) نصا.
وقيل: وقت فسدت، والخلاف فيما إذا كان ثمنا.
وقيل: يوم الخصومة. سواء بقيت في يد المقترض او هلكت، لأنها
تعيبت في ملكه. نص عليه الإمام في الدراهم المكسرة.
وقال: يقومها كم تساوي يوم اخذها ثم يعطيه، وسواء نقصت قيمتها قليلا
أو كثيرا.
وتكون القيمة (من غير جنسه) اي: جنس ما اقرضه، (إن جرى فيه)
اي: في دفع القيمة (ربا فضل)، كما لو اقترض حلي فضة وقيمته أكثر من
وزنه، لصناعته. فإنه لا يعطي قيمته إلا من ذهب.
(وكذا) في الحكم (ثمن لم يقبض). وقيد في " التنقيح " الثمن
بالمعين، ولعل ذلك على ضعيف وهو القول بأن الدراهم والدنانير لا تتعين
بالتعيين في عقود المعاوضات.
(1)
في " شرح البهوتي " 2: 100: لو باعه بيوعا متفرقة. بإسقاط: حالة.
(أو طلب ثمن برد مبيع) فإنه لا يدفع عنه ما يجري
(1)
فيه ربا فضل، وتكون
له القيمة وقت بيع.
(ويجب رد مثل فلوس كلت أو رخصت أو كسدت، ومثل مكيل أو
موزون)، لأنهما يضمنان في الغصب والإتلاف بمثلهما. فكذا هنا، مع أن
المثل أقرب شبها بالقرض من القيمة.
(فإن اعوز) المثل (ف) عليه (قيمته يوم إعوازه)، لأنها حينئذ ثبتت في
الذمة.
(و) يجب رد (قيمة غيرهما) أي: غير المكيل والموزون، لأنه لا مثل
له. فيضمن بقيمته، كحالة الإتلاف والغصب.
(فجوهر ونحوه) مما يختلف اختلافا كثيرا، كالكتب: تلزمه قيمته (يوم
قبض)، لأنها تختلف قيمتها في الزمن البعيد، باعتبار قلة الراغب وكثرته.
فتنقص فيتضرر المقترض، أو تزيد زيادة كثيرة فينظر المقرض.
(وغيره) أي: وغير الجوهر ونحوه، كالمذروع والمعدود: تلزمه قيمته
(يوم قرض).
وقيل: يجب رد قدره من جنسه مماثل له في الصفات تقريبا. فإن تعذر
فعليه قيمته يوم التعذر.
(ويرد مثل كيل مكيل دفع وزنا)، لأن الكيل هو معياره الشرعي.
(ويجوز قرض ماء) حال كونه (كيلا)، كغيره من المكيلات.
(و) يجوز اقتراضه (لسقي) حيب كان (مقدرا بأنوبة او نحوها) مما يتخذ
من فخار ورصاص ونحوه على هيئتها.
(و) مقدرا (بزمن من نوبة غيره، ليرد عليه مثله) في القدر (من نوبته).
نص عليه. وقال وإن كان غير محدود كرهته. وإنما كرهه إذا لم يكن
(1)
في ا: جرى.
محدودا، لأنه لا يمكن رد مثله.
(و) يجوز اقتراض (خبز وخمير عددا ورده عددا بلا قصد زيادة)، لما
روت عائشة قالت: " قلت: يا رسول الله! الجيران يستقرضون الخبز والخمير
ويردون زيادة ونقصان فقال: لا باًس. إنما ذلك من مرافق الناس لا يراد به
الفضل ". ذكره أبو بكر في " الشافي " بإسناده.
ولأن هذا مما تدعو الحاجة إليه، ويشق اعتبار الوزن فيه، وتدخله
المسامحة. فجاز، كدخول الحمام من غير تقدير أجرة، والركوب في سفينة
الملاح وأشباههما.
فرع:
قال في "الفصول ": فصل. وأما الذهب والفضة فيعفى فيهما عن الرجحان
في القضاء إذا كان يسيرا، ويعفى عن الصفة إذا قبض الصحاح مكان المكسرة والأجود بنقد أو سكة من الذي اقترضه، وكذلك إذا قضى مكان النوع أجود
منه، مثل: أن يقضي مكان البرنى معقليا. نص عليه احمد في عدة مواضع.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للوزان: " أرجح "
(1)
.
ويقول: " خيركم
(2)
أحسنكم قضاء "
(3)
.
ولأن مبناه على العفو لأجل الرفق، لأنه في المعنى بيع ثمن بثمن وورق
(4)
بورق وذهب بذهب إلى أجل.
(1)
1 أخرجه أبو داود في " سننه "(3336) 3: 5 4 2 كتاب البيوع، باب في الرجحان في الوزن والوزن با لأجر.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(5 0 13) 3: 598 كتاب البيوع، باب ما جاء في الرجحان في الوزن. وأخرجه النسانى في " سننه " (4592) 7: 284 كتاب البيوع، الرجحان في الوزن.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2220) 2: 748 كتاب التجارات، باب الرجحان في الوزن.
(2)
في اوب: ويقال: أخيركم.
(3)
سياًتى تخريجه ص (224) رقم (1).
(4)
في أوب: ورق.
وليس لنا إبدال ثمن بثمن يتأخر القبض فيه عن المجلس، ولكن جوز ذلك
لأجل الحاجة. وإذا جاز أن يرتفق هو بتعجيل القرض
(1)
جاز أن يرتفق غيره
بتجويد وزيادة في القضاء. انتهى.
(ويثبت البدل) في ذمة المقترض (حالا)، لأنه عقد منع فيه من
التفاضل. فمنع الأجل فيه، كالصرف. او لأنه سبب يوجب رد المثل في
المثليات. فأوجبه حالا، كا لإتلاف.
(ولو مع تأجيله)، لأنه وعد لا يلزم الوفاء به.
ولأن مقتضى القرض رد البدل حالا .. فإذا قال: أقرضتك استقر بذلك.
فشرط الأجل زيادة بعد استقرار العقد. فلا يلزم.
(وكلذا كل) دين (حال او حل) فإنه لا يتأجل بالتأجيل، كما لو اعاره
سنة. فإن له طلب العارية قبلها.
وقيل: لا يحرم التأجيل.
(ويجوز شرط رهن فيه) أي: في القرض، " لأنه عليه الصلاة والسلام
استقرض من يهودي شعيرا ورهنه درعه "
(2)
. متفق عليه.
ولأن ما جاز فعله جاز شرطه.
(و) يجوز أيضا شرط (ضمين) كما قلنا في الرهن، للعلة الموجودة فيه.
(لا) شرط (تأجيل او نقص في وفاء)، لأن القرض يقتضي المثل. فشرط
النقصان يخالف مقتضاه.
(او) شرط (جر نفع) فيحرم ذلك، (كأن) يشرط عليه: أن (يسكنه
داره، او يقضيه خيرا منه) أي: مما اقرضه، (او) يقضيه (ببلد اخر) ولحمله
(1)
في ج: بتأجيل العوض.
(2)
2 أخرجه البخاري في " صحيحه "(2378) 2: 888 كتاب الرهن، باب الرهن عند اليهود وغيرهم. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1603) 3: 1226 كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر.
مؤنة، لأنه عقد إرفاق وقربة. فشرط النفع فيه يخرجه عن موضوعه.
وإن شرط القضاء ببلد اخر وليس لحمله مؤنة ففيه روايتان منصوصتان فيمن
اقترض دراهم وشرط أن يكتب له بها سفتجة.
وقطع في " المغني " بالجواز، لما روي " أن ابن الزبير كان يأخذ من قوم
بمكة دراهم ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه. فسئل
عن ذلك ابن عباس فلم ير به بأسا ".
ولما روي عن علي " أنه سئل عن مثل ذلك فلم ير به بأسا ".
ولكون ذلك مصلحة لهما جميعا.
وذكر القاضي: ان للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في بلد اخر،
ليزيح خطر الطريق.
قال في "المغني ": والصحيح جوازه، لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد
منهما، والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها بل بمشروعيتها.
ولأن هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معنى المنصوص. فوجب
إبقاوه على الإباحة. انتهى.
ومن أراد إرسال نفقته إلى أهله فأقرضها ليوفيها المقترض لهم جاز. وفيه
وجه.
وظاهر ما تقدم أن القرض لا يفسد بذكر الشرط المحرم فيه وهو كذلك.
وفيه وجه.
(وإن فعله) اي: فعل ما اشتراطه محرم بأن أسكنه داره ونحوه بعد الوفاء
(بلا شرط، او اهدى له) هدية (بعد الوفاء، او قضى خيرا منه) أي: مما
اقترض (بلا مواطأة) في الجميع. نص عليه، (او علمت زيادته) اي: زيادة
المقترض
(1)
على ما يجب عليه وفاؤه عنده (لشهرة سخائه: جاز) ذلك، وعلله
(1)
في أ: المقرض.
في الأصل، وذكرته تبعا له بقوله:" لأن النبى صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فرد خيرا منه، وقال: خيركم أحسنكم قضاء "
(1)
متفق عليه. من حديث ابي رافع.
ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض ولا وسيلة إليه ولا إلى استيفاء
دينه. أشبه ما لو
(2)
لم يوجد قرض.
وفيه رواية.
(وإن فعل) المقترض شيئا من ذلك بأن اسكنه داره ونحوه (قبل الوفاء
ولو لم ينو) المقترض
(3)
(احتسابه من دينه أو مكافأته) عليه: (لم يجز. إلا إن جرت عادة بينهما به) اي: بما فعله المقترض مع المقرض (قبل قرض)،
لما روى انس مرفوعا قال: " إذا اقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو حمله على
الدابة فلا يركبها ولا يقبله. إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك "
(4)
. رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن عياش عن عتبة بن حميد. وفيهما كلام.
وفيه رواية: يجوز ما لم يشرطه.
(وكذا) أي: وكالمقترض
(5)
(كل غريم) غيره في حكم ما تقدم ذكره.
(فإن استضافه حسب له ما اكل). نص عليه.
قال في " الفروع ": ويتوجه لا. وظاهر كلامهم أنه في الدعوات كغيره.
(ومن) أي: واي مدين (طولب) أي: طالبه رب الدين (ببدل قرض،
أو) بدل (غصب ببلد اخر) اي: غير بلد القرض والغصب: (لزمه) أي: لزم
(1)
1 أخرجه البخاري في " صحيحه "(83 1 2) 2: 9 0 8 كتاب الوكالة، باب الوكالة في قضاء الديون. من حديب أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1600) 3: 1224 كتاب المساقاة، باب من استسلف شيئاً فقضى
خيرأ منه
…
عن أبي رافع.
(2)
ساقط من ا.
(3)
في ب خ: المقرض.
(4)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2432) 2: 813 كتاب الصدقات، باب القرض.
(5)
في أ: وكالمقرض.
المدين دفعه حيب كان الدين أثمانا او نحوها، لأنه أمكنه قضاء الحق بلا ضرر.
(إلا ما لحمله مؤنة) كالحديد والقطن ونحوهما، (وقيمته ببلد القرض)
أو الغصب (انقص) من قيمته ببلد الطلب: (فلا يلزمه إلا قيمته بها) أي: ببلد
القرض او الغصب " لأنه لا يلزمه حمله إلى بلد الطلب. فيصير كالمتعذر. وإذا
تعذر المثل تعينت القيمة.
وإنما اعتبرت ببلد القرض أو الغصب، لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه.
فعلى هذا متى نقصت به فليس له إلا الناقصة.
(ولو بذله) اي: بذل المثل (المقترض، او الغاصب) بغير بلد القرض أو
الغصب (ولا مؤنة لحمله) إليه: (لزم) المقرض أو المغصوب منه (قبوله،
مع امن البلد والطريق)، لأنه لا ضرر عليه إذا.
فرع:
قال في " المغني ": قال أحمد فيمن اقترض من رجل دراهم وابتاع بها منه
شيئا فخرجت زيوفا فالبيع جائز ولا يرجع عليه بشيء. يعني: لا يرجع البائع
على المشتري ببدل الثمن، لأنها دراهمه فعيبها عليه، وإنما له على المشتري
بدل ما أقرضه إياه بصفته زيوفا.
وهذا يحتمل انه اراد فيما إذا باعه السلعة بها وهو يعلم عيبها. فاً ما إن باعه
في ذمته بدراهم ثم قبض هذه بدلا عنها غير عالم بها فينبغي أن يجب له دراهم
خالية من العيب، ويرد هذه عليه.
وللمشتري ردها على البائع وفاء عن
(1)
القرض، ويبقى الثمن في ذمته.
وإن حسبها على البائع وفاء عن القرض ووفاه الثمن جيدا جاز.
(1)
في ب: غير.
] باب: الرهن]
هذا (باب) يذكر فيه شيء من أحكام الرهن.
(الرهن) لغة: الثبوت والدوام.
وشرعا: (توثقة دين). والمراد به: غير دين سلم وتقدم. وغير دين
الكتابة، لأنه غير لازم. فإن للعبد تعجيز نفسه. (بعين يمكن اخذه) أي:
الدين كله (او بعضه) إن لم يف به (منها) أي: من العين إذا كانت من جنس
الدين، (او) يمكن أخذه أو بعضه من (ثمنها) إن لم تكن من جنس الدين.
وشمل الدين المنفعة في الذمة كخياطة ثوب وبناء دار، لأنه ثابت في الذمة
ويمكن وفاؤه من الرهن، بأن يستأجر من ثمنه من يعجل العمل.
(والمرهون: عين معلومة) قدرا وصفة وجنسا (جعلت وثيقة بحق يمكن
استيفاؤه او) استيفاء (بعضه منها أو) من (ثمنها).
والرهن جائز بالإجماع. وسنده من الكتاب قوله تعالى: (فرهان مقبوضة)
] البقر ة: 283].
ومن السنة أحاديث منها: ما روت عائشه رضى الله تعالى عنها " أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعه "
(1)
. متفق عليه.
ويجوز سفرا وحضرا، لما روي أن ذلك كان بالمدينة.
ولأنها وثيقه تجوز في السفر. فجازت في الحضر، كالضمان.
واما ذكر السفر فإنه خرج مخرج الغالب، لكون الكاتب يعدم في السفر
غالبا. ولهذا لم يشترط عدم الكاتب وهو مذكور معه.
واشترط كونه في السفر مجاهد.
(1)
سبق تخريجه ص (222) رقم (2).
(وتصح زيادة رهن)، لأنه توثقة، (لا دينه) يعني: لا زيادة دين الرهن.
فلو استدان منه مائة مثلا ورهن عليها عينا، ثم استدان قدرا زائدا على المائة
وجعل الرهن على المائة والزائد لم يصح، لأنه رهن مرهون.
[(و) يصح (رهن)]
(1)
كل (ما يصح بيعه)، لأن المقصود من الرهن
الاستيثاق المتوصل إلى استيفاء الدين منه أو ثمنه إن تعذر من ذمة الراهن.
(ولو) كان ذلك (نقدا او مؤجرا أو معارا) ولو عند رب الدين.
(ويسقط ضمان العارية) بانتقاله إلى الأمانة.
(أو مبيعا) ولو قبل قبضه، لأنه يجوز بيعه إذا فصح رهنه، كبعد القبض.
(غير مكيل وموزون ومعدود ومذروع قبل قبضه)، لأنه لا يصح بيعه قبل.
قبضه. فلم يجز رهنه (ولو على ثمنه) نصا، لأن الثمن صار دينا في الذمة،
والمبيع صار ملكا للمشتري. فجاز رهنه بالثمن، كغيره من الديون. وفيه وجه.
(أو) كان (مشاعا) ولو نصيبه من معين في مشاع يمكن قسمته، مثل: أن
يكون له نصف دار مشاعا فيرهن نصيبه من بيت منها بعينه.
وفي هذا وجه لا يصح، لاحتمال أن يقسم الشريكان. فيحصل الرهن في
حصة شريكه.
ووجه المذهب: أنه يصح بيعه في محل الحق. فيصح رهنه، كالمغرر.
وما ذكروه لا يصح، لأن الراهن ممنوع من التصرف في الرهن بما يضر
بالمرتهن. فيمنع من القسمة المضرة، كما يمنع من بيعه.
(وإن لم يرض شريك ومرتهن بكونه) أي: ما منه
(2)
الرهن (بيد احدهما
او) بيد (غيرهما: جعله حاكم بيد امين أمانة او باجرة)، لأن قبض المرتهن
الرهن واجب، ولا يمكن ذلك منفردا، لكونه مشاعا. فتعين ما ذكر، لكونه
وسيلة إلى القبض الواجب.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: فيه.
(أوآجره) الحاكم عليهما، لوجود المصلحه لهما بذلك. وفيه وجه.
(أو) كان ذلك (مكاتبا)، لأنه يجوز بيعه وإيفاء الدين من
(1)
ثمنه.
وفيه وجه.
(و) على المذهب: (يمكن من كسب)، لأن ذلك مصلحة.
(فإن عجز) عن وفاء مال الكتابة وعاد قنا (فهو وكسبه رهن)، لأنه نماوه.
(وإن عتق) بالأداء (فما ادى بعد عقد الرهن رهن)، كقن رهن ثم مات
بعد أن كسب.
(أو) كان ذلك (يسرع فساده)، كالبطيخ والقثاء، لأنه يجوز
(2)
بيعه
فيحصل المقصود به. وفيه وجه. ولو رهنه (بمؤجل)، لأن التأجيل لا أثر له
في منع صحة ذلك.
(ويباع) لحفظه بالبيع، (ويجعل ثمنه رهنا) فيما إذا كان الدين مؤجلا.
وإن كان الدين حالا أوحل قضى منه.
وإن كان مما يمكن تجفيفه، كالعنب والرطب جفف، ومؤنة تجفيفه على
الراهن، لأن في ذلك حفظا له وتبقيه. فلزمه، كاجر الخزن ونفقة الحيوان.
فلو شرط الراهن عليه أن لا يبيعه أو لا يجففه فالشرط فاسد، لتضمنه فوات
المقصود، وتعريض المالك
(3)
بذلك للهلاك.
(او) كان ذلك (قنا مسلما) ولو بدين (لكافر إذا شرط) في العقد (كونه
بيد مسلم عدل)، كرهن (كتب حديث وتفسير) عند كافر، لحصول مقصود
الرهن من غير ضرر.
وفي [رهن القن المسلم]
(4)
وجه: لا يصح لكافر. والمدبر كالقن، لأن
(1)
في ا: في.
(2)
في ج: يصح.
(3)
زيادة من ج.
(4)
ساقط من ا.
تعليق عتقه بصفة لا يمنع استيفاء الحق. اشبه ما لو علقه بصفة توجد بعد حلول
الحق.
وعلم من قوله في المتن: ويصح رهن ما يصح بيعه صحة رهن المرتد
والقاتل في المحاربة والجانى خطأ أو عمدأعلى النفس او دونها.
ثم إن كان المرتهن عالما بالحال فلا خيار له. أشبه المشتري إذا علم
العيب، وإلا ولم يعلم إلا بعد اسلام المرتد وفداء الجانى فلا خيار له، كما
لو زال عيب المبيع.
وإن علم قبل ذلك فله رده وفسخ بيع شرط فيه، لأن الشرط يقتضي
السلامة. وله إمساكه بلا ارش، لأن الرهن لو تلف بجملته قبل قبضه لم يملك
بدله فبعضه أولى.
وكذلك لو لم يعلم حتى قتل بالردة أو القصاص او أخذ بالجناية.
ومتى امتنع السيد من فداء الجانى لم يجبر ويباع في الجناية، لتقدم حق
المجني عليه على الرهن. اشبه ما لو جنى بعد الرهن.
(لا) إن كان (مصحفا).
نقل الجماعة عن الإمام: لا ارخص في رهن المصحف، لأنه وسيلة إلى
بيعه وهو محرم. وفيه رواية.
(وما لا يصح بيعه)، كالخمر والكلب والوقف وأم الولد والايق والمجهول
والمرهون: (لا يصح رهنه)، لأن القصد من
(1)
الرهن: استيفاء الدين من ثمنه
عند التعذر. وما لا يصح بيعه لا يمكن فيه ذلك.
(سوى) رهن (ثمرة قبل بدو صلاحها) بلا شرط قطع.
(و) سوى (زرع أخضر بلا شرط قطع)، لأن النهي عن بيعهما إنما شرع،
لعدم الأمن من العاهة. ولهذا أمر بوضع الجوائح، وذلك مفقود هنا.
(1)
في ا: في.
وتقدير تلفها لا يفوت حق المرتهن من الدين، لتعلقه بذمة الراهن.
(و) سوى (قن) ذكر أو أنثى (دون ولده، ونحوه)، كولد دون والده،
وأخ دون اخيه، لأن النهي عن بييع ذلك إنما هو لأجل التفريق بين ذى الرحم
المحرم، (و) ذلك مفقود هنا. فإنه إذا استحق بييع الرهن (يباعان) معا أي:
الوالد وولده، أو الأخوان.
(ويختص المرتهن بما يخص المرهون: من ثمنهما).
وفي كيفية تقدير ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يقال كم قيمة المرهون؟ فيقال مثلا: مائة، ومع والده وولده
أو أخيه الذي لم يرهن مائة وخمسون. فيكون للمرتهن ثلثا ثمنهما
(1)
. وقدمه
في " الرعاية الكبرى ".
الثانى: أن يقوم غير المرهون مفردا، كاًن يكون الولد غير مرهون قيمته
عشرون وقيمته هو وإياها مائة وعشرون. فيكون للمرتهن خمسة أسداس.
الثالث: أن يقوم المرهون مع قريبه. فلو كان أما قومت ولها ولد ثم يقوم
الولد مع أمه فإن التفريق ممتنع.
قال في " التلخيص ": وهذا الصحيح عندي إذا كان المرتهن يعلم أن لها
ولدا.
قال في " الرعاية الكبرى ": وهو أولى.
(ولا يصح) عقد الرهن (بدون إيجاب وقبول، أو ما يدل عليهما) من
الراهن والمرتهن، كبقية العقود.
(1)
في ج: ثمنها.
] فصل: في شروط الرهن]
(فصل) لما كانت صحه الرهن تفتقر إلى شروط ستة احتيج إلى التنبيه
عليها.
الأول: التنجيز. وأشار إليه بقوله:
(وشرط تنجيزه) أي: العقد. فلا يصح معلقا.
(و) الثانى: (كونه) أي: الرهن (مع حق او بعده). فمع الدين، كأن
يقول: بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك فلانا. فيقول: اشتريت
ورهنت: فيصح، لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذا فإنه لو لم يعقده مع الحق لم
يتمكن من إلزام المشتري عقده بعده، وكانت الخيرة له. والظاهر: أنه
لا يبذله. فتفوت الوثيقة بالحق.
وأما بعده فيصح با وجماع، وسنده قوله تعالى: (وإن كنتض علي سفر ولم
تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) [البقرة: 283]. فجعله بدلا عن الكتابة. فيكون في
محلها ومحلها بعد وجوب الحق.
وعلم من هذا: أنه لا يصح قبل الدين. نص عليه الإمام.
ولأن الرهن تابع للدين، كالشهادة والثمن في البيع فلا يتقدمه. وفيه وجه.
(و) الثالث: كون الراهن (ممن يصح بيعه)، لأنه نوع تصرف في
المال. فلا يصح من محجور عليه من غير إذن، كالبيع.
(و) الرابع: (ملكه) أي: الراهن للرهن (ولو لمنافعه بإجارة، أو)
الانتفاع به (بإعارة) وإنما يصح رهن المؤجر والمعار، (بإذن مؤجر ومعير).
ولا يشترط لصحة الإذن تعيين الدين ولا وصفه ولا معرفة رب الدين.
لكن لو شرط في الإذن شيء من ذلك فرهنه بغيره: لم يصح الرهن، لأنه لم
يؤذن له فيه. اشبه ما لو لم يؤذن في اصل الرهن.
لكن لو اذن في رهنه بمائة فرهنه بمائة وخمسين او نحو ذلك ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يبطل في الكل، لأنه خالف المنصوص عليه. فبطل، كما لو
قال: ارهنه بدنانير فرهنه بدراهم، أو بمؤجل فرهنه بحال ونحوه. فإنه لا يصح. والوجه الثانى: أنه يبطل في الزائد فقط، كتفريق الصفقة.
ويفارق المقيس عليه فإن العقد لم يتناول مأذونا فيه بحال. وكل واحد من
تلك الأمور يتعلق به غرض لا يوجد في الاخر فإن الراهن قد لا يقدر على فكاكه
إلا عند الأجل وبالعكس، وقد يقدر على فكاكه بأحد النقدين دون الآخر فيفوت الغرض بالمخالفة.
(ويملكان) اي: المؤجر والمعير (الرجوع) في الإذن في الرهن (قبل
إقباضه) اي: إقباض المستأجر والمستعير الرهن للمرتهن، لأن الرهن لا يلزم
إلا بالقبض.
(لا في إجارة لرهن) يعني: ان الإنسان إذا استأجر عينا مدة معلومة ليرهنها
فإن المؤجر لا يملك الرجوع فيها (قبل) مضي (مدتها) أي: مدة الإجارة
للزومها.
(ولمعير) عينا ليرهنها المستعير (طلب راهن) دفعها رهنا على دين عليه
(بفكه) أي: فك الرهن (مطلقا) يعني: حالا كان الدين أو مؤجلا في
محل الحق.
وقيل: محله، لأن العارية لا تلزم.
(وإن بيع) الرهن في وفاء الدين (رجع) مؤجر أو معير على مستأجر او
مستعير (بمثل مثلي، وبالأكثر من قيمة متقوم، او ما) اي: قدر (بيع به)
الرهن، لأنه إن بيع بأقل من قيمته ضمن الراهن [النقص، وإن بيع بأكثر كان ثمنه كله لمالكه. يؤيده ان المرتهن لو اسقط حقه من الرهن]
(1)
رجع الثمن كله إلى
(1)
ساقط من أ.
صاحبه. فإذا قضى به دين الراهن رجع به عليه.
ولا يلزم من وجوب ضمان النقص أن لا تكون الزيادة للمالك، كما لو كان
باقيا بعينه.
(والمنصوص) يرجع (بقيمته) لا بما بيع به.
(وإن تلف) الرهن لتفريط ضمنه الراهن بقيمته. وبغير تفريط (ضمن
المعار، لا المؤجر)، لأن العارية مضمونة.
(و) الخامس من الشروط: (كونه) أي: الرهن (معلوما جنسه وقدره
وصفته)، لأنه عقد على مال. فاشترط علمه، كالمبيع
(1)
.
(و) السادس: كونه (بدين واجب)، كالقرض وقيم المتلفات، (او مآله
إليه) أي: إلى الوجوب. (فيصح بعين مضمونة)، كالمغصوب والعواري،
والمقبوض على وجه السوم، (و) بـ (مقبوض بعقد فاسد)، (و) بـ (نفع
إجارة في ذمة)، كخياطة ثوب، وبناء دار، وحمل معلوم إلى موضع معين.
ويصح الرهن (بدية على عاقلة، وجعل قبل) مضي (حول) في صورة
الدية، (و) قبل تمام (عمل) في صورة الجعل. وفيهما وجه.
(ويصح بعدهما) أي: بعد الحول والعمل، لوجوب الدية والجعل إذا.
(ولا بدين كتابة)، لفوات الإرفاق بالأجل المشروع، لأنه كان يمكنه بيع
الرهن وإيفاء الكتابة.
(و) لا بـ (عهدة
(2)
مبيع). فإن البائع إذا وثق على عهدة المبيع. فكأنه ما
قبض الثمن ولا ارتفق به.
ولأنه ليس له حد ينتهي إليه. فيعم ضرره بمنع البائع التصرف فيه.
(و) لا بـ (عوض غير ثابت في ذمة، كثمن وأجرة معينين، وإجارة منافع
(1)
في أوب: كالبيع.
(2)
في اوب: لا عهدة.
معينة، كدار، ونحوها)، كعبد ودابة زمنا معينا.
(او دابة لحمل معين إلى مكان معلوم)، لأن الذمة لم يتعلق لها في هذه
الصور حق واجب، ولا يؤول إلى الوجوب، لأن الحق في أعيان هذه الأشياء.
وينفسخ عقد الإجارة عليها بتلفها.
(ويحرم) على الولي، (ولا يصح رهن مال يتيم لفاسق)، لما فيه من
التعريض للهلاك، لأن الفاسق قد يجحده أو يفرط فيه فيضيع.
(ومثله) في الحكم (مكاتب) وصغير، (و) قن
(1)
(مأذون له) في
التجارة " لاشتراط وجود المصلحة لصحة تصرفهما.
(وإن رهن ذمي عند مسلم خمرا بيد ذمي: لم يصح)، لعدم حصول
المقصود منه. (فإن) وقع ذلك ف (باعها الوكيل) صورة في حفظها وهو الذمي
الذي تحت يده الخمر: (حل) لرب الدين أخذ دينه من ثمن الخمر،
(فيقبضه) أي: يقبض دينه من ثمن الخمر التي باعها الذمي، لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرت مجرى الصحيحة.
قال عمر رضي الله تعالى عنه: " في أهل الذمة معهم الخمور: ولوهم
بيعها، وخذوا من أثمانها "
(2)
.
(او يبرئ) من الدين. أوماً إليه الإمام.
وعلم مما تقدم أنه
(3)
ليس من شرط الرهن: أن يكون بإذن من عليه الدين،
لأنه إذا جاز أن يقضى عنه الدين بغير إذنه فجواز الرهن عليه أولى.
قال الشيخ تقي الدين: يجوز أن يرهن الإنسان مال نفسه على دين غيره،
كما يجوز أن يضمنه وأولى.
(1)
زباده من ج.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2432) 2: 813 كتاب الصدقات، باب القرض.
(3)
في ا: أن.
] فصل: في لزوم الرهن بالقبض]
(فصل. ولا يلزم إلا في حق راهن)، لأن الحظ فيه لغيره. فلزم من
جهته، كالضمان في حق الضامن.
وعلم من ذلك انه جائز في حق المرتهن، لأن الحظ فيه له وحده. فكان له
فسخه، كالمضمون له.
ولزومه لا يكون إلا (بقبض)، لقوله تعالى:(فرهان مقبوضة)] البقرة: 283].
ولأنه عقد إرفاق يفتقد إلى القبول. فافتقر إلى القبض، كالقرض.
وعنه: أن رهن المعين يلزم بمجرد العقد.
فعليها متى امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه، كالمبيع.
ويكون قبض الرهن (كقبض مبيع) فيلزم به.
(ولو) صدر القبض (ممن اتفقا) اي: الراهن والمرتهن (عليه) اي:
على أن يكون تحت يده، لأنه وكيل المرتهن في ذلك.
(ويعتبر) أي: ويشترط (فيه) أي: في القبض الصحيح (إذن ولي امر
لمن جن، ونحوه)، كمن حصل له برسام. يعني: أن من رهن شيئا ثم جن
قبل إقباضه رجع الأمر في ذلك إلى ولي الأمر، لأنه نوع تصرف في المال فاحتيج إلى نظر في الحظ.
ثم إن كان الحظ للمجنون في التقبيض، مثل: أن يكون شرطا في بيع،
والحظ في إتمامه أقبضه. وإن كان الحظ في تركه لم يجز له تقبيضه.
وإنما اعتبر الإذن لشبهه بالهبة من حيث إنه لا يلزم إلا بالقبض. فلو تعدى
المرتهن وقبضه من غير إذن الراهن كان بمنزلة ما لم يقبض.
وإن مات الراهن قبل إقباضه فورثته مقامه: فإن أحبوا عدم تقبيضه لم
يلزمهم، لأنه لم يلزم الميت .. وإن أحبوا إقباضه وليس على الميت سوى هذا
الدين فلهم ذلك.
(وليس لورثة إقباضه وثم غريم لم يأذن) فيه. نص عليه في رواية علي بن
سعيد، لأنه ليس للوارب تخصيص المرتهن برهن لم يقبض.
وعنه: لهم ذلك. وذكرها فقط في " الفروع " بصيغة: " وعنه " تنبيها على
أن الصحيح خلافه.
قال في " المغنى ": فإن قيل: فما الفائدة في القول بصحة الرهن إذا لم
يختص المرتهن به؟
قلنا: فائدته: أنه يحتمل أن يرضى الغرماء بتسليمه إليه فيتم الرهن. ولا فرق
فيما ذكرناه بين ما قبل الإذن في القبض وبعده، لبطلان الإذن بالجنون والموت. (ولراهن الرجوع) في الرهن (قبله) أي: قبل إقباضه، (ولو اذن فيه)،
والتصرف فيه بكل نوع، لأنه لم يلزم.
ثم إن كان التصرف بهبة أو بيع أو عتق او جعله صداقا أو رهنه ثانيا: بطل
الرهن الأول. سواء أقبض الهبة والبيع والرهن الثانى أو لم يقبضه " لأنه اخرجه
عن إمكان استيفاء الدين من ثمنه، أو اتى بما يدل على فصده ذلك.
وإن دبر العبد أو كاتبه او اجره او زوج الأمة: لم يبطل، لأن هذا التصرف
لم يمنع ابتداء الرهن فلا يقطع استدامته، كاستخدامه.
(ويبطل إذنه) أي: إذن الراهن في القبض (بـ) ما يزيل اختياره على
الصحيح، كـ (نحو إغماء وخرس) وحجر لسفه.
وتنتظر إفاقة مغمى عليه. وليس لأحد تقبيضه، لأن المغمى عليه لا تثبت
عليه الولاية.
وإن خرس وكانت له كتابة مفهومة أو إشارة معلومة فكمتكلم، وإلا لم يجز
القبض.
(وإن رهنه) أي: رهن المدين رب الدين (ما) أي: عينا مالية للمدين
(بيده) أي: بيد رب الدين أمانة أو مضمونة (ولو) كانت (غصبا): صح
الرهن، كالهبة، و (لزم) بمجرد العقد في ظاهر كلام الإمام، لأن اليد ثابتة
والقبض حاصل. وإنما تغير الحكم لا غيره. ويمكن تغيره مع استدامة القبض، كالوديعة إذا حجزها المودع. فإنها تصير مضمونة. ولو عاد فأقر بها وقال
لمالكها: خذ وديعتك فقال: دعها عندك وديعة كما كانت: فإنها تعود أمانة.
(وصار) المضمون كالعارية، والمقبوض في بيع فاسد، أو على وجه
السوم، والمغصوب (امانة) لا ضمان عليه في تلفه بغير تعد او تفريط، لأنه
مأذون له في إمساكه رهنا لم يتجدد منه فيه عدوان. فلم يضمنه، كما لو قبضه
منه ثم أقبضه إياه أو أبرأه من ضمانه.
ولأن السبب المقتضي للضمان قد زال وحدب سبب يخالف حكمه،
والحكم لا يبقى مع زوال سببه.
(واستدامة قبض) من المرتهن للرهن (شرط) تبعا (للزوم) فيه، لقوله
تعالى: (فرهان مقبوضة)] البقرة: 283].
ولأن الاستدامة إحدى حالتي الرهن. فكان القبض فيها شرطا، كالابتداء.
وعنه: ان استدامة القبض في المتعين ليست بشرط للزومه.
(ف) على المذهب: (يزيله) أي: اللزوم (اخذ راهن) للرهن (بإذن
مرتهن) له في أخذه (ولو) بعقد، كإجارة وإعارة، أو (نيابة له)، كإيداع،
لأن استدامة القبض شرط للزوم وقد زالت. فينتفي المشروط بانتفاء شرطه.
وعلم من قوله: بإذن مرتهن ان يده لو أزيلت بغير حق، كما لو غصب، أو
زالت يده المشاهدة، كما لو ابق أو شرد أو سرق: كان لزومه باقياً، لأن يده
ثابتة حكما فكأنها لم تزل.
(و) يزيل لزومه أيضا: (تخمر عصير) رهن، لأن صيرورته خمرا تمنع
من صحة العقد عليه. فلأن تخرجه عن اللزوم بطريق أولى. وتجب إراقته
حينئذ. فإن أريق بطل العقد فيه، ولا خيار لمرتهن، لأن التلف حصل في يده.
(ويعود) اللزوم الزائل بأخذ الراهن للرهن باختيار المرتهن (برده) إلى
المرتهن بحكم العقد السابق.
قال الإمام في رواية ابن منصور: إذا ارتهن دارا ثم أكراها صاحبها: خرجت
من الرهن. فإذا رجعت إليه صارت رهنا.
وقال: فيمن رهن جاريته ثم ساًل المرتهن أن يبعثها إليه لتخبز لهم فبعث
فيها فوطئها: انفكت
(1)
من الرهن. فإن لم يكن وطئها فلا شيء.
قال أبو بكر: لا تكون رهنا في تلك الحال. فإذا ردها رجعت إلى الرهن.
(و) يعود أيضا لزوم زال بتخمر عصير بـ (تخلل بحكم العقد السايق)،
كما لو زالت يد المرتهن عنه ثم عادت. فلو استحال العصير خمرا قبل قبض
المرتهن له بطل العقد فيه، ولم يعد بعوده خلا، لأن العقد قبل القبض ضعيف،
لعدم لزومه. أشبه إسلام أحد الزوجين قبل الدخول.
وذكر القاضي أنه إذا استحال خمرا بعد القبض أنه يبطل الرهن فيه، ثم إذا
عاد خلا عاد ملكا لصاحبه مرهونا بالعقد السابق، لأنه لا يعود ملكا بحكم الأول
فيعود حكم الرهن.
ورد: بأن اليد لم تزل عنه حكما. بدليل ما لو غصبه منه غاصب فتخلل في
يده كان ملكا للمغصوب منه.
قال في " المغني ": ولم تظهر لي فائدة الخلاف بعد اتفاقهم على عوده رهنا
باستحالته خلا، وأرى القول ببقائه رهنا أقرب إلى الصحة، لأن العقد لو بطل
لماعاد صحيحا من غيرابتداءعقد.
(وإن اجره) أي: أجر الراهن الرهن، (او اعاره لمرتهن، او)
لى (غيره) أي: غير المرتهن (بإذنه) أي: إذن المرتهن: (فلزومه باق)،
لأن هذا التصرف لا يمنع البيع. فلم يفسد القبض.
(1)
في اوب: انتقلت.
وعنه: يزول لزومه.
(وإن وهبه) أي: وهب الراهن الرهن، (ونحوه) أي: فعل نحو ذلك،
كما لو وقفه أو رهنه (بإذنه) اي: بإذن المرتهن: (صح) العقد المأذون فيه،
لأن الراهن إنما منع من مثل ذلك، لتعلق حق المرتهن. وقد أسقطه بالإذن.
(وبطل الرهن)، لأن ما أذن فيه يمتنع معه جواز الرهن ابتداء. فامتنع منه
د واما.
(وإن باعه) أي: باع الراهن الرهن (بإذنه) أي: إذن المرتهن (والدين
حال): صح الإذن والبيع و (أخذ) المدين (من ثمنه)، لأن الإذن في البيع
لا دلالة فيه على الرضى بإسقاط حقه من الرهن، ولا مقتضى لتاً خير وفائه.
فوجب دفع الدين من ثمنه.
(وإن شرط في) دين
(1)
(مؤجل رهن ثمنه) أي: شرط المرتهن على
الراهن حين أذن له في بيعه أن يرتهن ثمنه (مكانه فعل) - بالبناء للمفعول-
بالشرط، وكان الثمن إذا باعه رهنا، لأنهما تراضيا على إبدال العين المرهونة
بغيرها.
(وإلا) أي: وإن لم يشترط كون الثمن رهنا والدين مؤجل (بطل)
الرهن، لأنه أذن له في التصرف من غير شرط البدل. فبطل، كما لو أذن له في
هبته. وفيه وجه.
وإن شرط عليه أن يجعل الدين المؤجل من ثمنه ففي صحة البيع مع وجود
الشرط وجهان. والمذهب صحته، ويكون الثمن رهنا. وفيه وجه.
(وشرط تعجيله) أي: الدين المؤجل (لاغ) قولا واحدا. قاله في
" المحرر "، لأن التأجيل أخذ قسطا من الثمن. فإذا أسقط بعض مدة الأجل في
مقابلة الإذن فقد أذن بعوض. وهو ما يقابل الباقي من مدة الأجل من الثمن،
وهذا لا يجوز أخذ العوض عنه فيلغو.
(1)
زيادة من ج.
ومتى اختلفا في الإذن فقول مرتهن بيمينه، لأنه منكر. ولو اتفقا عليه وقال
المرتهن: إنما اذنت لك فى بيعه بمثرط أن يكون ثمنه رهنا أو نحوه، وانكر
راهن: قبل قيوله بيمينه، لأن الأصل عدم الشرط. وفيه وجه.
(وله) اي: المرتهن (الرجوع فيما) أي: تصرف (اذن فيه) للراهن،
(قبل وقوعه) منه " لعدم لزومه في حقه. أشبه ما لو وكل في عقد ثم عزل
الوكيل قبل فعله.
وعلم من ذلك: أن رجوعه بعد وقوعه لا أثر له. فلو ادعى المرتهن أنه رجع
قبل تصرف الراهن، وقال الراهن: بل بعده: فوجهان:
أحدهما: أن القول قول المرتهن. اختاره القاضي، واقتصر عليه في " المغني ".
والثانى: انه قول الراهن.
قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب.
(وينفذ عتقه) اي: عتق الراهن للرهن المقبوض ولو (بلا إذن) من
المرتهن. سواء كان الراهن موسرا أو معسرا نصا، لأنه إعتاق من
(1)
مالك تام
الملك. فنفذ، كعتق المؤجر. وفارق غيره من التصرفات، لأنه مبني على
التغليب والسراية. بخلاف غيره.
وعنه: لا ينفذ عتق المعسر.
(و) على المذهب: (يحرم) العتق بلا إذن المرتهن، لما فيه من إبطال
حقه من عين
(2)
الرهن. وفيه رواية.
(فإن نجزه) أي: نجز الراهن عتق المرهون، (او أقر) الراهن] (به)
أي: بسمق عتقه على عقد الرهن (فكذبه) المرتهن، (او احبل) الراهن]
(3)
(الأمة) المرهونة (بلا إذن مرتهن في وطء) او اشتراطه في عقد الرهن.
(1)
في ا: في.
(2)
في ا: غير.
(3)
ساقط من ا.
وسيأتى في المتن ما يدل على صحة اشتراط وطء الأمة المرهونة للراهن في عقد الرهن.
(أو ضربه) أي: ضرب الراهن الرهن (بلا إذنه) اي: للمرتهن في
الضرب (فتلف) به الرهن- (ويصدق) المر تهن (بيمينه، ووارثه في عدمه) -
أي: الإذن، لأنه الأصل. وهذه جملة معترضة لأجل الاختصار بين جملة
الشرط المتقدمة والجزاء وهو قوله:
(فعلى موسر ومعسر ايسر قيمته) اي: قيمة ما فوته على المرتهن بالأسباب
المتقدم ذكرها. تكون (رهنا) عوضه، لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة بغير
إذنه. فلزمته قيمته، كما لو ابطلها اجنبي. والاعتبار في القيمة حال الإعتاق أو الإقرار به او الإحبال أو الضرب. وكذا لو جرحه فمات. فإنه يلزمه قيمته حال الجرح.
ومحل هذا: إذا كان الدين مؤجلاً، أما لو كان حالا او حل: طولب بالدين
خاصة، لأن ذمته تبرأبه من الحقين معا.
قال في " المغني ": فإن قيل: إنما أذن في الوطء ولم يأذن في الإحبال؟
قلنا: الوطء هو المفضي إلى الإحبال. ولا يقف على اختياره. فالإذن في
سببه إذن فيه.
(وإن ادعى راهن) فيما إذا ولدت المرهونة: (ان الولد منه، وامكن
(1)
،
واقر مرتهن بإذنه وبوطئه وانها ولدته: قبل) قوله بلا يمين، لأنا لم نلحقه به
بدعواه بل بالشرع.
(وإلا) اى: وإن لم تجتمع هذه الأمور بأن لم يمكن بأن لم تمض مدة بعد
الوطء يمكن أن تلده فيها، أو انكر المرتهن الإذن، او قال: أذنت ولم تطأ، أو
أذنت ووطئ ولكن ليس هذا ولدها وإنما استعارته: (فلا) يقبل قول الراهن
] على المرتهن في بطلان الرهن في الأمة وعدم لزومه لوضع قيمتها رهنا
(1)
في ج زياده: وأن المرتهن أذن له في وطئها.
مكانها]
(1)
، لأن الأصل عدم ذلك كله وبقاء الوثيقة حتى تقوم البينة [به.
وإن أنكر المرتهن الإذن وأقرها سواه خرجت الأمة من الرهن ولزم الراهن قيمتها تكون رهنا مكانها]
(2)
.
(وإن) وطئ الراهن الأمة المرهونة بغير إذن المرتهن و (لم تحبل: ف)
عليه (أرش بكر) صارت بوطئه ثيبا (فقط) يكون معها رهنا، كجنايته.
ولو أقر الراهن بالوطء حال العقد أو قبل لزومه: لم يمنيع ذلك صحته " لأن
الأصل عدم الحمل. ومتى بانت حاملا منه بولد تصير به أم ولد: بطل الرهن،
ولا خيار للمرتهن وإن كان الرهن مشروطا في بيع، لأن البائع دخل مع العلم بأنها
قد لا تكون رهنا. فإذا خرجت من الرهن بذلك السبب الذي عليه لم يكن له
خيار، كالجاني إذا اقتص
(3)
منه.
وإن كان إقراره بالوطء بعد لزوم الرهن وهي حامل أو ولدت: لم يقبل في
حق المرتهن، لأنه أقر بما يفسخ عقدا لازما لغيره. فلم يقبل " كما لو أقر بأنه
غصبها، أو أنها جنت جناية تعلق أرشها برقبتها.
(ولراهن غرس ما) أي: غرس أرض مرهونة (على) دين (مؤجل).
وفيه وجه.
ووجه المذهب: أن تعطيل منفعتها إلى حلول الدين تضييع للمال وقد نهي عنه.
بخلاف الحال فإن الراهن إذا يجبر على فك الزهن بالوفاء أو بيعه. فلا
تعطل منفعتها.
(و) له (انتفاع) مطلقا بالرهن (بإذن مرتهن، ووطء بشرط أو إذن) من
المرتهن، لأن الراهن إنما منع من ذلك، لأجل حق المرتهن، وقد أسقطه
بالإذن فيه أو الرضى به.
(1)
زيادة من ج.
(2)
زيادة من ج.
(3)
في ج: اقبض.
وعلم من ذلك أن ما تقدم محرم مع عدم الشرط والإذن.
قيل للإمام في رواية ابن منصور: له ان يطأ؟ قال: لا والله.
(و) له (سقي شجر، وتلقيح، وإنزاء فحل على مرهونة، ومداواة،
وفصد، ونحوه)، كتعليم فن صناعة، ودابة السير، لأن في ذلك ونحوه
مصلحة للرهن، وزيادة في حق المرتهن من غير ضرر عليه. فلم يملك المنع
منه. فلو كان الرهن فحلا من البهائم لم يكن للراهن إطراقه بغير رضى المرتهن، لأنه انتفاع به. إلا ان يصير إلى حال يتضرر فيها بترك الإطراق فيجوز، لأنه كالمداواة له. (والرهن) مع ذلك (بحاله)، لأنه لم يطرأ عليه ما يفسده.
(لا ختان) لرقيق مرهون (غير ما) اي: غير رهن (على) دين (مؤجل
يبرأ) جراحه (قبل اجله) اي: الدين، لأنه لا يضر المرتهن إذا ويزيد به الثمن.
(و) لا (قطع سلعة خطرة) من مرهون، لأنه يخاف عليه من قطعها.
بخلاف ما لو كانت به أكلة فإنه يخاف من تركها لا من قطعها.
(ونماؤه) أي: الرهن المتصل، كالسمن والتعلم والمنفصل
(1)
(ولو
صوفا ولبنا) وورق شجر مقصودا. وفي الثلاثة وجه.
(وكسبه) أي: الرهن، (ومهره) لو كان امة حيث وجب، (وارش جناية عليه) أي: على الرهن: (رهن)، كالأصل يباع معه في وفاء الدين.
اما كون] النماء يتبع الرهن، فلأنه حكم ثبت في العين بعقد المالك.
فيدخل فيه [
(2)
النماء والمنافع، كالملك بالبيع وغيره.
وأما كون أرش الجناية عليه يتبعه، فلأنه بدل جزء. فكان من الرهن،
كقيمته إذا أتلفه إنسان.
(وإن اسقط مرتهن) عمن جنى على الرهن (ارشا) لزمه، (او ابرا منه)
بأن قال: أسقطت الأرش أو أبرأت منه: (سقط حقه) اي: المرتهن (منه)
(1)
في ا: وكالمنفصل.
(2)
ساقط من أ.
أي: الأرش. وسقوط حقه منه هو انقطاعه عن أن يتبع الأصل. وفيه وجه.
(دون حق راهن)، لأنه ملكه. وليس للمرتهن التصرف عليه فيه.
(ومؤنته) أي: الرهن (وأجرة مخزنه) إن احتاج إلى خزن، (و) مؤنة
(رده من إباقه) أو شروده لو كان قنا، أو حيوانا فأبق أو شرد:(على مالكه)،
لما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه "
(1)
. رواه الشافعي والدارقطني وقال: إسناد حسن متصل.
(ككفنه) لو مات، لأن ذلك تابع لمؤنته.
(فإن) احتيج إلى شيء من ذلك و (تعذر) أخذه من مالكه: (بيع) من
الرهن جزء (بقدر حاجة) إلى ذلك، (أو) بيع (كله إن خيف استغراقه)، لأن
في ذلك مصلحة لهما.
(1)
1 أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2441) 2: 816 كتاب الرهون، باب لا يغلق الرهن.
وأخرجه الدارقطني في " سننه "(126) 3: 32 كتاب البيوع.
وأخرجه الشافعي في " مسنده "(567) 2: 164 كتاب الرهن.
] فصل: الرهن امانة]
(فصل. والرهن امانة) بيد المرتهن (ولو قبل عقد) للرهن. نقله ابن
منصور، (كبعد وفاء) او إبراء، لحديث أبي هريرة المتقدم
(1)
.
ولأنه لو ضمن لامتنع الناس من فعله خوفا من الضمان، وذلك وسيلة إلى
تعطيل المداينات. وفيه ضرر عظيم. وهو منفي شرعا.
فعلى هذالوتلف بغيرتعد منه فلا شيءعليه.
ونقل ابو طالب: إذا ضاع الرهن عند المرتهن لزمه، لما روى عطاء " أن
رجلا رهن فرسا فنفق عند المرتهن فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال: ذهب حقك "
(2)
.
ولأنها عين مقبوضة للاستيفاء. فيضمنها من قبضها لذلك أو من قبضها
نائبه، كحقيقة المستوفى.
والجواب عن ذلك: بأن حديث عطاء مرسل، وأنه كان يفتي بخلافه.
وعلى تقدير صحته فيحمل على ذهاب حقه من الوثيقة، وأما المستوفى فإنه
يصير ملكا للمستوفي، له نماوه وغنمه، وعليه ضمانه وغرمه.
وأما كونه بعد الوفاء والإبراء أمانة فإنه ليس عليه رده ولم يطرا عليه ما يقتضي الضمان به.
(ويدخل في ضمانه) اي: ضمان المرتهن (بتعد او تفريط) فيه، (ولا
يبطل) الرهن بدخوله في ضمانه، لأن العقد جمع امانة واستيثاقا. فإذا بطل
احدهما بقي الاخر. وفيه وجه.
(1)
ص (244).
(2)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 41 كتاب الرهن، باب من قال: الرهن مضمون.
(ولا يسقط بتلفه) أي: الرهن (شئ من حقه) أي: المرتهن نصا، لأنه
كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف ولم يوجد ما يسقطه فبقي بحاله.
و (كدفع عين) إلى غريمه (ليبيعها ويستوفي حقه من ثمنها، وكحبس عين
مؤجرة بعد فسخ، على الأجرة فيتلفان) أي: العينان. بخلاف حبس البائع
المتميز على ثمنه فإن الثمن يسقط
(1)
في إحدى الروايتين بتلفه " لأنه عوضه،
والرهن ليس بعوض الدين، لأن الدين لا يسقط بتفاسخهما. ذكره في
" الانتصار " و" عيون المسائل ".
وقال: العلة الجامعة أنها عين محبوسة في يده بعقد على استيفاء دين له عليه.
(وإن تلف بعضه) أي: بعض المرهون: (فباقيه رهن بجميع الحق)،
لأن الحق كله يتعلق بجميع أجزاء الرهن.
(وإن ادعى) مرتهن (تلفه) أي: الرهن فتارة لا يعين سببا وتارة يعين.
فإن عينه (بحادث) فتارة يكون خفيا، كالسرقة، وتارة يكون ظاهرا، كالنهب والحريق. فإن ادعاه بسبب ظاهر. فتارة تقوم به بينة وتارة لا. فمتى لم تقم
بالسبب الظاهر بينة لم يقبل قوله.
(و) متى (قامت بينة بظاهر)، أو ادعاه بسبب خفي، (أو لم يعين سببا:
حلف) وبرئ منه، لأنه أمين.
(وإن ادعى راهن تلفه) أي: المرهون (بعد قبض) للمرتهن (في بيع شرط
فيه) الرهن: (قبل قول مرتهن: إنه قبله).
قال ابن قندس في " حاشية الفروع " قوله: وإذا ادعى الراهن تلفه بعد قبض
المرتهن له قبل قول المرتهن. المراد بهذه المسألة: انه باع شيئا إلى أجل وشرط
على المشتري أنه يرهن على الثمن رهنا معينا، ثم إن الرهن تلف. فقال البائع:
تلف الرهن قبل أن أقبضه فلي فسخ البيع، لأن الرهن الذي شرط لم يسلم إلي.
فلي الفسخ بفواب الرهن، وقال المشتري: إنما تلف بعد أن سلم إليك فلا خيار
(1)
في ا: يسقطه.
لك، لكونك قبضت الرهن. فذكر المصنف: أن القول قول المرتهن وهو البائع.
ووجهه والله أعلم: أن الأصل عدم قبض الرهن.
(ولا ينفك بعضه) أي: بعض المرهون (حتى يقضى الدين كله)، لأن
حق الوثيقة تعلق بجميع الرهن. فيصير محبوسا بكل جزء منه لا ينفك منه شيء
حتى يقضي جميعه. ولو كان مما يقسم قسمة إجبار. حتى لو قضى احد الوارثين
ما يخصه من دين برهن رهنه الميت لم يملك أخذ حصته منه.
(ومن قضى) بعض دين عليه، (او اسقط) عن غريمه (بعض دين) له
(وببعضه) أي: الدين المقبض بعضه أو المسقط بعضه (رهن أو كفيل: وقع)
قضاء البعض أو إسقاط البعض (عما نواه)، لأن التعيين في ذلك له فينصرف
إليه. فإن نواه عما عليه الرهن أو به الكفيل، وكان بقدره: انفك الرهن وبرئ
الكفيل. والقول قوله في نيته، لأنه لا يعلم ذلك إلا من جهته.
(فإن اطلق) القضاء أو الإسقاط بأن لم ينو شيئا: (صرفه) بعد ذلك (إلى
ايهما شاء)، لأن له ذلك في الابتداء. فكان له ذلك بعده، كما لو كان له مالان
حاضر وغائب. فأدى قدر زكاة أحدهما، كان له صرفه إلى أيهما شاء.
وفيه وجه: أنه يوزع بين المالين بالحصص.
(وإن رهنه) أي: رهن الراهن الرهن (عند اثنين) بدين لهما. فكل واحد
منهما ارتهن نصفه (فـ) متى (وفى احدهما) ما عليه له انفك نصيبه من الرهن،
لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين. فكأنه رهن كل واحد النصف مفردا.
فإن أراد الراهن مقاسمة المرتهن وأخذ نصيب من
(1)
وفاه وكان الرهن مما
لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون: لزم ذلك، وإلا لم تجب قسمته، لأن
على المرتهن ضررا فيها. ويقر بيد المرتهن نصفه رهن ونصفه وديعة.
(او رهناه) أي: رهن الإثنان واحدا (شيئا، فوفاه احدهما) ما عليه:
(1)
في أ: نصيبه ممن
(انفك) الرهن (في ئصيبه) أي: نصيب من وفى ما عليه من الرهن " لأن
الراهن متعدد. فتعلق ما على كل منهما بنصيبه.
ولأن الرهن لا يتعلق بملك الغير إلا إذا كان مأذونا فيه ولم يوجد.
ونقل مهنا: في رجلين رهنا دارا لهما عند رجل على الف فقضاه أحدهما
ولم يقض الاخر: فالدار رهن على ما بقي.
وقال ابو الخطاب: في رجل رهن عبده عند رجلين فوفى أحدهما. فجميعه
رهن عند الاخر حتى يوفيه.
قال في "المغني ": وهذا من كلام أحمد وابي الخطاب محمول على أنه ليس
للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه من الضرر، لا بمعنى أن العين كلها تكون رهنا. ولو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف فهذه أربعة
(1)
عقود، ويصير كل
ربع من العبد رهنا بمائتين وخمسين. فمتى قضاها من هي عليه انفك من الرهن
ذلك القدر.
(ومن ابى وفاء) ما عليه من دين (حال، وقد أذن في بيع رهن) عليه،
(ولم يرجع) في الإذن: (بيع) الرهن بمباشرة من أذن له في البيع (ووفي)
الدين من ثمنه " لأن
(2)
التوفية هي المقصودة بالبيع، وما فضل من ثمنه
فلمالكه. وإن بقي من الدين شيء فعلى الراهن.
(وإلا) أي: وإن لم يكن أذن في البيع او كان قد اذن ثم رجع لم يبع " لأنه
لم يأذن في البيع ورفع الأمر إلى الحاكم. فإن وفاه قبل الدعوى، وإلا (اجبر
على بيع) للرهن (أو وفاء) للدين من
(3)
غير الرهن " لأن الراهن قد يكون له
غرض في ذلك.
(فإن أبى) الراهن كلا من بيع الرهن ووفاء الدين: (حبس أو عزر) بالبناء
(1)
في أوب: أربعة.
(2)
في ا: لأنه.
(3)
في ب: في.
للمفعول فيهما أي: حبسه الحاكم أو عذره حتى يفعل ما امره به، لأن هذا شأن
الحاكم.
(فإن أصر) على الامتناع من
(1)
كل منهما: (باعه) اي: الرهن
(الحاكم) نصا بنفسه أو امينه، لأنه تعين طريقا إلى اداء الواجب فوجب فعله، (ووفى) الدين، لأنه حق تعين عليه. فإذا امتنع من ادائه قام الحاكم مقامه فيه،
كالإيفاء من جنس الدين.
وظاهر ما تقدم: انه ليس للمرتهن بيعه بغير إذن ربه أو الحاكم. وهو
المذهب. وفيه وجه.
(1)
في أ: في.
] فصل: في صحة جعل الرهن بيد عدل]
(فصل. ويصح جعل رهن بيد عدل) باتفاق الراهن والمرتهن، لأنه قبض
في عقد. فجاز فيه التوكيل، كسائر المقبوض. فإذا قبضه قام مقام قبض
المرتهن.
(وإن شرط) بالبناء للمفعول جعل الرهن (بيد) عدلين أو (اكثر):
جاز. و (لم ينفرد واحد) منهما أو منهم (بحفظه)، لأن المتراهنين لم يرضيا
إلا بحفظ العدد المشترط. فلم يجز الانفراد، كإسناد الإيصاء إلى عدد. فإنه
ليس لواحد الانفراد بالتصرف.
(ولا ينقل) الرهن (عن يد من شرط) أن يكون تحب يده (مع بقاء حاله)
من الأمانة، (إلا باتفاق راهن ومرتهن)، لأن الحق لا يعدوهما.
ولمن شرط جعل الرهن تحت يده رده على الراهن والمرتهن، لأنه أمين
متطوع في الحفظ. فلا يلزمه المقام عليه. ويلزمهما قبوله. فإن امتنعا أجبرهما الحاكم. فإن تغيبا نصب الحاكم أمينا يقبضه لهما، لأن للحاكم ولاية على
الممتنع من الحق الذي عليه. وإن لم يجد حاكما فتركه عند عدل اخر لم
يضمن. ولو لم يمتنعا فدفعه الحاكم إلى أمين أو العدل إلى اخر ضمناه.
وإن أراد من لثمرط جعل الرهن تحت يده رده على المتراهنين
(1)
فوجدهما
غائبين. فإن كان له عذر، كمرض أو سفر رفعه إلى الحاكم فقبضه منه، أو
نصب له عدلا. فإن لم يجد حاكما أودعه ثقة. وليس له ذلك مع وجود حاكم.
وإن لم يكن له عذر وكانت غيبتهما مسافة قصر قبضه حاكم. فإن لم يجد
حاكما دفعه إلى عدل.
(1)
1 في أ: المترهن.
وإن كانت غيببهما دون مسافة قصر فكالحاضرين، لأن ذلك في حكم
الإقا مة.
وإن كان أحدهما غائبا، فكما لو كانا غائبين.
(و) في جميع هذه الأقسام (لا يملك) العدل (رده إلى احدهما) أي:
المتراهنين بغير إذن الاخر. سواء امتنع او سكت، لأن له حظا في إمساكه في
يده، وفي رده إلى احدهما تضييع.
(فإن فعل) أي
(1)
: دفعه إلى احدهما بغير إذن الاخر، (وفات) أي:
تلف: (ضمن) الدافع (حق الآخر) من المتراهنين، لأنه فوت عليه حقه الذي
استحقه بعقد الرهن. أشبه ما لو أتلفه ولو لم يفت. فعلى الدافع رده إلى يد
نفسه، لأن في ذلك عود الحق إلى مستحقه.
(ويضمنه) أي: الرهن (مرتهن بغصبه) إياه من العدل الذي تراضيا عليه.
(ويزول) الغصب (برده) إلى العدل، لأن يده نائبة عن يد مالكه. اشبه ما
لو رده إليه.
(لا) برده (من سفر) لم ياً ذن فيه راهن (ممن) هو (بيده).
قال المجد في " شرح الهداية ": وظاهر كلام أصحابنا: أنه لا يجوز أن
يسافر [بالرهن. بخلاف ما قالوه في الوديعة. ولعل الفرق: أن الرهن يتعلق
ببلده أحكام من بيعه بنقده، وبيعه فيه لوفاء الدين وغير ذلك. فلذلك تعين بقاؤه
فيه عند حاكم أو ثقة.
ثم صرح القاضي بعد ذلك بالمسألة في موضع آخر فقال: إذا كان الرهن في
يدي المرتهن لم يكن له أن يسافر]
(2)
به مع القدرة على صاحبه. فإن فعل صار ضامنا. انتهى
(3)
.
(1)
في ج: بأن.
(2)
ساقط من أ.
(3)
ساقط من أ.
(ولا بزوال تعديه)، لأن استئمانه زال فلم يعد بفعله مع بقائه بيده.
(وإن حدث له) أي: للعدل الذي الرهن تحت يده (فسق أو نحوه)،
كضعف عن الحفظ، أو كان بيد المرتهن فتغيرت حاله في الثقة والحفظ، (او
تعادى) من بيده الرهن (مع احدهما) أي: المتراهنين، (أو مات) العدل،
(أو) مات (مرتهن ولم يرض راهن بكونه) أي: الرهن (بيد ورثة، او) بيد
(وصي) له: (جعله حاكم بيد أمين)، لأن في ذلك حفظا لحقوقهما، وفطعا
لنزاعهما.
ومحل ذلك: ما لم يتفقا على إنسان يضعانه تحت يده.
وإن اختلفا في تغير حال العدل أو المرتهن بحب الحاكم عن ذلك وعمل بما
بان له.
(وإن أذنا) اي: الراهن والمرتهن (له) اي: للعدل
(1)
، (او) اذن
(راهن لمرتهن في بيع) أي: في أن يبيع الرهن، (وعين) له (بنقد: تعين).
فلم يصح بيعه بغيره.
(وإلا) أي: وإن لم يعين له نقد (بيع) بالبناء للمفعول (بنقد البلد) إن لم
يكن فيه إلا نقد واحد، لأنه ليس في بيعه بغيره حظ، لعدم رواجه.
(فإن تعدد) النقد: (فبأغلب) نقد فيه، لأنه اروج.
(فإن لم يكن) فيه أغلب: (ف) يباع (بجنس الدين)، لأنه اقرب إلى
وفاء الحق.
(فإن لم يكن) فيه جنس الدين: (ف) يباع (بما يراه) المأذون له في البيع
(أصلح)، لأن الغرض تحصيل الحظ.
(فإن تردد) نظره: (عينه) اي: عين النقد للبائع (حاكم)، لأنه أعرف
بالأحظ، وأبعد من التهمة.
(1)
في ج: العدل
(وتلفه) أي: النقد الذي هو ثمن الرهن بلا تفريط (بيد عدل) باعه: (من
ضمان راهن)، لأنه وكيل الراهن في البيع، والثمن ملكه. وهو أمين في
قبضه. فإذا تلف كان من ضمان موكله، كسائر الأمناء.
وان انكر الراهن والمرتهن قبض العدل الثمن وادعاه فوجهان:
أحدهما: يقبل قوله، لأنه أمين. والآخر لا، لأن هذا إبراء للمشتري.
فلا يقبل، كما لو أبرأه من عين
(1)
الثمن.
(وإن استحق رهن بيع) أي: ظهر مستحقا لغير الراهن: (رجع مشتر
اعلم) بالبناء للمفعول بالحال (على راهن)، لأن البيع
(2)
له. فالعهدة عليه،
كما لو باع بنفسه.
وكذلك كل وكيل باع مال غيره وأعلم المشتري بالحال
(3)
فإن علم المشتري
بعد تلف الثمن في يد العدل رجع على الراهن دون العدل.
فإن قيل: لم لا يرجع بالثمن على العدل، لأنه قبضه بغير حق؟
فالجواب: أنه سلمه إليه على أنه أمين يسلمه إلى المرتهن. فلم يجب عليه
ضمانه، وأما المرتهن فقد بان له فساد الرهن. فإن كان مشروطاً في بيع ثبت له الخيار فيه، وإلا سقط حقه.
وأما إن ظهر مستحقا وقد دفع الثمن إلى المرتهن رجع المشتري عليه، لأن
عين ماله صار إلى المرتهن بغير حق. فكان رجوعه عليه، كما لو قبضه منه.
وإن رده المشتري بعيب لم يرجع على المرتهن، لأنه قبض الثمن بحق.
ولا على العدل، لأنه أمين فتعين رجوعه على الراهن.
(وإلا) أي: وإن لم يعلم العدل المشتري أنه وكيل: (فـ) له الرجوع
(على بائع) ويرجع هو على الراهن إن أقر بذلك او قامت به بينة، وإن انكر قبل
(1)
في اوب: غير.
(2)
في ج: المبيع.
(3)
قلادة من ج.
قول العدل بيمينه. فإن نكل قضي عليه.
وإن تلف الرهن المبيع
(1)
بيد المشتري ثم بان مستحقا قبل وزن ثمنه.
فللمغصوب منه تضمين من شاء من الغاصب والعدل.
وفي " المغني ": والمرتهن.
وفي " الرعاية ": والمشتري بدل المرتهن.
قال ابن نصر الله: ولعله الصواب، إذ لا تعلق للمرتهن به، لأنه لم يقبضه
ولا قبض ثمنه فكيف يضمنه؟ انتهى.
ويستقر الضمان على المشتري، لأن التلف في يده.
ومحله: إن علم بالغصب، وإلا فهل يستقر الضمان عليه أو على
الغاصب؟ على روايتين.
(وإن قضى) العدل (مرتهنا) دينه (في غيبة راهن. فأنكر) المرتهن
القضاء (ولا بينة) للعدل به: (ضمن)، لأنه فرط حيث لم يشهد.
وعنه: لا يضمن. إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل.
(ولا يصدق) العدل (عليهما) اي: الراهن والمرتهن.
أما كونه لا يصدق على الراهن لو قال: أشهدت وأنكره، فلأن الدفع
ليس بإذنه.
وإن فرض إذنه، فلأنه إنما اذن له في قضاء مبرئ ولم يحصل.
وأما كونه لا يصدق على المرتهن، فلأنه إنما وكله في الحفظ فقط. فلا
يصدق
(2)
عليه فيما ليس بوكيل فيه.
إذا تقرر هذا (فيحلف مرتهن، ويرجع) بدينه على من شاء من
الراهن والعدل.
(1)
في ب: لمبيع.
(2)
في أ: يصح.
(فإن رجع على العدل لم يرجع) العدل (على احد)، لأنه يدعي أن
المرتهن ظلمه وأخذ منه المال ثانيا بغير حق. فلم يرجع على الراهن،
كما لو غصبه مالا آخر.
(وإن رجع) المرتهن (على راهن: رجع) الراهن (على العدل)، لأنه مفرط
بالقضاء بغير بينة. فلزمه الضمان " كما لو تلف الرهن بتفريطه. وفيه رواية.
(وكذا) أي: وكالعدل إذا قضى الدين بغير بينة ميع غيبه الراهن في الحكم
(وكيل) في قضاء دين إذا قضاه في غيبة الموكل ولم يشهد.
(ويصح) في عقد الرهن (شرط كل ما يقتضيه العقد) بلا نزاع، وذلك
(كـ) شرط (بيع مرتهن، و) بيع (عدل لرهن) عند حلول دين، (ونحو
ذلك)، كشرط كونه بيد عدل معين أو اثنين او أكثر.
(وينعزلان) أي: المرتهن والعدل المأذون لهما في بيع الرهن (بعزله)
أي: الراهن في المنصوص " كسائر الوكالات. وحينئذ لا يملك البيع.
وقال ابن أبي موسى: يتوجه لنا أن لا ينعزل. فإن أحمد منع الحيلة. وهذا
يفتح باب الحيلة للراهن. [فإنه يشترط ذلك للمرتهن فيجيبه إليه ثم يعزله.
ولأن وكالته صارت من حقوق الرهن]
(1)
. فلم يكن للراهن إسقاطه، كسائر حقوقه.
ورد: بأنه لا يمنع جوازه، كما لو شرط الرهن في البيع فإنه لا يصير لازما.
و (لا) يصح شرط (ما لا يقتضيه) عقد الرهن، (او ينافيه، كـ) شرط
(كون منافعه له) أي: للمرتهن، لأن الرهن ملك للراهن. فلا تكون منافعه
لغيره. وكذا لو
(2)
شرط أنه إدن جاءه بحقه في محله وإلا فالرهن له، لقوله عليه الصلاة والسلام " لا يغلق الرهن "
(3)
رواه الأثرم.
(1)
ساقط من ا.
(2)
في ج: إن.
(3)
سبق تخريجه ص (244) رقم (1)
وقال: قلت لأحمد: ما معنى قوله: " لا يغلق الرهن " قال: لا يدفع رهنا
إلى رجل، ويقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك.
وفي هذا الحديث دلالة على صحة الرهن مع الشرط الفاسد، لأن المنفي
غلقه دون اصله.
ومثال الثانى. وهو: ما ينافي العقد: شرط توفيته، او كونه يوما لازما
ويوما جائزا، او لا يباع الرهن إلا بثمن يرضاه الراهن.
(او ان لا يقبضه) الرهن، (او لا يبيعه عند حلول، او) كونه (من ضمان
مرتهن) فلا يصح لمنافاته العقد. (ولا يفسد العقد) اي: عقد الرهن باشتراط
الشروط الفاسدة فيه، لحديث:" لا يغلق الرهن "
(1)
.
وفيه رواية: لا يصح مطلقا.
وقال القاضي: كل شرط فاسد فيه نقصان في حق المرتهن فإنه يفسد الرهن
وجها واحدا، وإن كان فيه زيادة في حق المرتهن فهل يبطل الرهن؟ على
وجهين.
(1)
سبق تخريجه ص (244) رقم (1).
] فصل: حكم مالو اختلف الراهن والمرتهن]
(فصل. وإن اختلفا) أي: الراهن والمرتهن (في انه) أي: الرهن
(عصير او خمر) بأن قال الراهن: اقبضتك عصيرا، وقال: المرتهن بل
خمرا. (في عقد شرط فيه) الرهن: فقول راهن نصا، لأنهما اختلفا فيما يفسد
به العقد فيقبل
(1)
قول من ينفيه.
ولأن المرتهن معترف بعقد وقبض وهو يدعي فساده. والأصل السلامة.
وعنه: قول المرتهن. وجعلها القاضى كخلف في حدوب عيب.
(او) اختلفا في (رد رهن) بأن قال المرتهن: رددت إليك الرهن، وقال
الراهن: لم ترده لي
(2)
فقول راهن، لأن الأصل معه. والمرتهن قبض الرهن
لمنفعته. فلم يقبل قوله في الرد، كالمستأجر. وفيه وجه.
(او) اختلفا (في عينه) أي: الرهن بأن قال: رهنتك هذا العبد، قال:
بل هذه الجارية: فقول راهن بيمينه ان ما رهنه الجارية. وخرج العبد ايضا من الرهن، لاعتراف المرتهن بأنه لم يرهنه
(3)
.
(او) اختلفا في (قدره) أي: الرهن بأن قال: رهنتك هذا العبد، قال:
بل هو وهذه الجارية: فقول راهن بيمينه، لأنه منكر.
قال في " المغني ": ولم نعلم في هذا خلافا.
(او) اختلفا في قدر (دين به) أي: بالرهن، كأن يقول الراهن رهنتك
عبدي هذا بألف. فيقول المرتهن: بل بألفين.
(1)
في ج: فقيل.
(2)
في ب: إلي.
(3)
في ا: يراهنه، وفي ب: يرتهنه.
(او) اختلفا في (قبضه، وليس) الرهن (بيد مرتهن) حالة الاختلاف:
(فقول راهن) بيمينه، لأنه منكر للزيادة، والقول قول المنكر. حتى ولو كان له
عنده ألفان، لأنه ينكر تعلق حق المرتهن في أحد الألفين بعبده، والقول قول
المنكر. فلو كان أحد الألفين مؤجلا والاخر حالا، وقال الراهن: هو رهن
بالمؤجل، وقال المرتهن: بل بالحال. فالقول قول الراهن أيضا " لأنه منكر.
ولأن القول قوله في أصل الرهن. فكذا في صفته.
(و) إن قال من بيده رهن لصاحبه: (ارسلت زيدا ليرهنه بعشرين،
وقبضها) زيد، (وصدقه) أي: صدق زيد المرتهن، وادعى أنه سلم العشرين
إلى من أرسله: (قبل قول الراهن) الذي أرسل زيدا بيمينه أن الرهن
(بعشرة). فإن حلف برئ من العشرة، وعلى الرسول غرامتها للمرتهن، لأنه
يزعم أنها حق له وإنما الراهن ظلمه. وإن صدق زيد مرسله فعلى زيد اليمين أنه
ما رهنه إلا بعشرة، ولا قبض إلا عشرة. ولا يمين على مرسله، لأن الدعوى
على غيره فإذا حلف زيد برئا جميعا.
وإن نكل فعليه العشرة المختلف فيها، ولا يرجع بها على أحد " لأنه مصدق
لمرسله في أنه ما أخذها، ولا أمره بأخذها وإنما المرتهن ظلمه.
وإن عدم الرسول فعلى الراهن اليمين أنه ما أذن في رهنه إلا بعشرة، ولا
قبض أكثر منها ويبقى الرهن بها.
(وإن اقر) الراهن (بعد لزومه) أي: لزوم عقد الرهن (بوطء) قبل رهنه
للأمة المرهونة يترتب عليه أنها صارت أم ولد.
(او) أقر (ان الرهن جنى) قبل رهنه، (او) انه (باعه) قبل رهنه،
(او) أنه (غصبه) قبل رهنه: (قبل على نفسه)، لأنه مقر على نفسه. فقبل،
كما لو أقر بدين. (لا على مرتهن انكره) أي: انكر ما أقر به الراهن، لأن
الراهن متهم في حق المرتهن، وإقرار الإنسان على غيره غير مقبول
فعلى هذا لو أنكره ولي الجناية أيضا فيما إذا أقر ان الرهن جنى: لم يلتفت
إلى قول الراهن. وإن صدقه لزمه أرشها إن كان موسرا، لأنه حال بين المجني
عليه وبين رقبة الجانى برهنه. أشبه ما لو قتله. وإن كان معسرا تعلق حق المجني عليه برقبته إذا انفك الرهن، ويستحق المشتري والمغصوب منه الرهن إذا انفك،
لأن اعترافه مقتض لذلك نصا حالا ومآلا. خولف بالحال لأجل حق المرتهن.
فمتى زال عمل المقتضي عمله. وعلى مرتهن اليمين أنه لا يعلم ذلك. فإن نكل
حكم عليه ببطلان الرهن، لوجود المقتضي السالم عن المعارض.
(ولمرتهن ركوب) حيو ان (مرهون)، كالفرس والناقة، (و) له (حلبه،
واسترضاع امة) ايضا (بقدر نفقته، متحريا للعدل). نص على ذلك، لما
روى البخاري وغيره عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي
يركب ويشرب النفقة "
(1)
.
ولا يعارض هذا قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يغلق الرهن من راهنه، له
غنمه وعليه غرمه "
(2)
، لأنا نقول بأن النماء للراهن. لكن للمرتهن ولاية صرفه
إلى نفقة الرهن، لثبوت يده عليه.
ولأن نفقة الحيوان واجبة، وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه من نماء
الرهن، والنيابة عن المالك فيما وجب عليه، واستيفاء ذلك من منافعه. فجاز
ذلك، كما يجوز للمرأة اخذ مؤنتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة
عنه في الإنفاق عليها. وهذا فيمن أنفق محتسبا بالرجوع
(3)
فأما إن انفق متبرعا لم ينتفع به رواية واحدة.
(ولا ينهكه) أي: المركوب والمحلوب بالركوب والحلب. نص عليه،
لما فيه من الضرربه.
(بلا إذن راهن) متعلق بركوب وحلب أي: للمرتهن فعل ذلك بلا إذن
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2377) 2: 888 كتاب الرهن، باب الرهن مركوب ومحلوب.
(2)
سيق تخريجه ص: 254.
(3)
في ا: للرجوع.
راهن. (ولو) كان (حاضرا. ولم يمتنع) راهن من النفقة على الرهن، لأنه
مأذون فيه شرعاً.
وفيه وجه: لا يجوز للمرتهن ذلك. إلا مع غيبة الراهن او امتناعه.
وهل تدخل الأمة المرضعة في المحلوب فله استرضاعها بقدر نفقتها أم لا؟
على روايتين مطلقتين في " الرعاية الصغرى ":
إحداهما: تدخل. جزم به الزركشي وصححه في " الرعاية الكبرى "،
وأشار إليه ابو بكر في " التنبيه ".
والثا نية: لا.
وظاهر ما تقدم أن الرهن إذا كان حيوانا غير مركوب أو محلوب، كالثور
والعبد لا يجوز للمرتهن أن ينتفع به بقدر نفقته. وهو كذلك. نص عليه الإمام
في رواية الأثرم قال: سمعت أبا عبدالله يساًل عن الرجل يرهن العبد فيستخدمه.
قال: الراهن لا ينتفع منه بشيء. إلا حديث أبي هريرة خاصة في الذي يركب
ويحلب ويعلف. قلت له: فإن كان اللبن والركوب أكثر، قال: لا. إلا بقدره.
وفيه رواية نقلها حنبل: ان له استخدام العبد.
قال أبو بكر: خالف حنبل الجماعة.
والعمل على أنه لا ينتفع من الرهن بشيء إلا ما خصه الشرع به. فإن القياس يقتضي أن لا ينتفع من الرهن بشيء، تركناه في المركوب والمحلوب، للأثر.
(ويبيع) المرتهن (فضل لبن بإذن) من الراهن، لأنه ملكه.
(وإلا) أي: وإن لم يأذن او كان غائباً: (فحاكم)، لقيامه مقامه.
(ويرجع) مرتهن (بفضل نفقة) عن ركوب وحلب (على راهن) إن نوى
الرجوع.
(و) لمرتهن (ان ينتفع به) اي: بالمرهون (بإذن راهن مجانا) أي: من
غيرمقابل.
(ولو) ان ذلك (بمحاباة)، لوجود طيب النفس. (ما لم يكن الدين
قرضا). وتقدم حكم ذلك في باب القرض
(1)
.
(ويصير) الرهن بعد أن كان أمانة (مضمونا بالانتفاع) أي: انتفاع المرتهن
به، لأنه صار عارية وهي مضمونة. فإن
(2)
شرط ان يكون الرهن
(3)
مبيعا من المرتهن بالدين بعد شهر مثلا. فالرهن بعد الشهر مضمون على المرتهن، لأنه
مبيع بيعا فاسدا، وللفساد حكم الصحة] في ضممان العقود]
(4)
.
(وإن أنفق) مرتهن (عليه) أي: على الرهن (ليرجع) على راهن (بلا إذن
راهن) متعلق بأنفق. أي: اذا كان انفاقه بلا إذن راهن، (وامكن) استئذانه:
(فمتبرع) في الحكم، لأنه تصدق به. فلم يرجع بعوضه، كالصدقة على
مسكين. أو لأنه مفرط حيث لم يستأذن المالك. إذ الرجوع فيه معنى المعاوضة.
فافتقر إلى الإذن والرضى، كسائر المعاوضات.
وفيه رواية: يرجع، كإذنه، أو إذن حاكم.
وعلم مما تقدم أنه إذا أنفق لا ليرجع
(5)
أنه متبرع بلا خلاف.
(وإن) أراد استئذانه و (تعذر)، لتواريه أو غيبته ونحوهما
(6)
: (رجع)
اي: ملك الرجوع على الراهن (بالأقل مما أنفق) على المرهون (أو نفقة مثله،
ولو لم يستأذن حاكما) مع القدره عليه (أو) لم (يشهد)، لأن إنفاقه عند العجز
عن استئذانه وهو محتاج إليه لحراسة
(7)
حقه. أشبه ما لو عجز عن استئذان
الحاكم.
وعنه: لا يرجع. إلا إن أشهد.
(1)
ص (223).
(2)
في ب: بأن.
(3)
زيادة من ج.
(4)
ساقط م ن أ.
(5)
في ا: يرجع.
(6)
في ا: أو نحوهما.
(7)
في ج: لحر مة.
(و) حيوان (معار ومؤجر ومودع) فيما إذا أنفق عليه مستأجر ومودع
ومستعير: (كرهن) في التفصيل المتقدم على الطريقة المقدمة.
(وإن عمر) المرتهن (الرهن)، كما لوكان دارا فانهدمت:(رجع)
المرتهن (بآلته) فقط، لأنها ملكه. (لا بما يحفظ) به (مالية الدار)، كأجرة
المعمرين. (إلا بإذن) من مالكها، لأن عمارتها ليست بلازمة
(1)
على مالكها.
فلم يكن لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزم. بخلاف نفقة الحيوان، لعدم بقاء
حيوانيته المحترمة بدونها.
وأطلق في " النوادر ": يرجع.
(1)
في اوب: ملازمة.
] فصل: حكم الجناية من الرهن وعليه]
(فصل. وإن جنى) رقيق (رهن: تعلق الأرش) اي: أرش جنايته
(برقبته). وقدمت على حق المرتهن، لأنها مقدمة على حق المالك. والملك
أقوى من الرهن فأولى أن يقدم على الرهن.
فإن قيل: حق المرتهن يقدم على حق المالك أيضا.
فالجواب: أن حق المرتهن ثبت من جهه المالك بعقده. بخلاف حق
الجناية فإنه ثبت بغير اختياره مقدما على حقه فيقدم على ما ثبت بعقده، لأن حق الجناية يختص بالعين ويسقط بفواتها، وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ولا
يختص بها. فكان تعلقه بها أخف وأدنى.
(فإن استغرقه) أي: استغرق أرش الجناية الرقيق الجانى (خير سيده)
أي: سيد الجانى (بين فدائه) أي: الجاني (با لأقل منه) اي: الأرش (ومن
قيمته)، لأنه إن كان الأرش أقل فالمجني عليه لا يستحق اكثر من ارش جنايته.
وإن كانت القيمة أقل فلا يلزم السيد أكثر منها، لأن ما يدفعه عوض عن الجانى.
فلا يلزمه أكثر من قيمته، كما لو أتلفه.
وعنه: إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش بالغا ما بلغ.
(والرهن بحاله)، لأن حق المرتهن قائم، لوجود سببه. وإنما قدم حق
المجني عليه، لقؤته. فإذا زال ظهر حكم الرهن كحق من لا رهن له مع حق المرتهن في تركة مفلس إذا أسقط المرتهن حقه ظهر حكم الآخر.
(أو بيعه) أي: بيع الرهن (في الجناية، أو تسليمه) أي: الجانى
(لوليها) أي: ولي الجناية. (فيملكه) أي: فيملك ولي الجناية الجانى.
(ويبطل) الرهن (فيهما) أي: فيما إذا باعه في الجناية، وفيما إذا سلمه
إلى وليها، لأن الجناية تعلقت بالجاني. وبالبيع في الجناية، أو تسليمه ليستقر
كونه عوضا عنها فبطل كونه محلا للرهن. أشبه ما لو تلف أو ظهر مستحقا لغيره. (وإلا) اي: وإن لم يستغرق الأرش قيمة الجاني (بيع منه بقدره)، لأن
بيعه إنما جاز ضرورة. فيتقيد بمحلها وقدرها، (وباقيه رهن) بحاله، لزوال
المعا رض.
(فإن تعذر) بيع بعضه (فـ) يباع (كله)، للضرورة المقتضية لبيعه، ويكون
باقي ثمنه رهنا. صرح به في " الكافي " و" المغني ".
(وإن فداه) أي: فدى الجانى (مرتهن: لم يرجع) على راهن. (إلا إن
نوى) المرتهن الرجوع، (وأذن راهن) في الفداء، لأنه إن لم ينو الرجوع كان متبرعا، وإن نواه ولم يأذن الراهن كان فيه تآمر على المالك، لأنه لا يتعين عليه الفداء.
(ولم يصح شرط) المرتهن (كونه) أي: الجانى (رهنا بفدائه مع دينه
الأول)، لأن الجاني رهن بدين فلا يجوز رهنه ثانيا بدين سواه، كما لو رهنه
بدين سوى هذا.
وفيه وجه: إن كان المجني عليه رقيقا للراهن وهو رهن أيضا، فإما ان يكون
عند مرتهن الجاني أو غيره. فإن كان عند مرتهن الجانى والجناية موجبة
للقصاص واقتص مالكهما في النفس: بطل الرهن في المجني عليه، وعليه قيمة المقتص منه. وإن عفى على مال او كانت الجناية موجبة له، وكانا
(1)
رهنا بحق
واحد فجنايته هدر، لأن الحق متعلق بكل منهما. فإذا قتل أحدهما بقي الحق
متعلقا بالاخر.
وإن كان كل واحد منهما مرهونا بحق مفرد ففيه أربع مسائل:
الأولى: أن يكون الحقان سواء وقيمتهما سواء. فتكون الجناية هدرا.
سواء كان الحقان من جنسين، مثل: أن يكون أحدهما بمائة دينار والاخر بألف
درهم قيمتها مائة دينار
(2)
، أو من جنس، لأنه لا فائدة في اعتبار الجناية.
(1)
في ب: وكان.
(2)
ساقط من أ.
الثانية: أن يختلف الحقان وتتفق القيمتان، مثل: أن يكون دين احدهما
مائة والآخر مائتين، وقيمة كل واحد مائة. فإن كان دين القاتل أكثر لم ينقل إلى
دين المقتول، لعدم الغرض فيه.
وإن كان دين المقتول اكثر نقل إلى القاتل، لأن للمرتهن غرضا في ذلك.
وهل يباع القاتل وتجعل قيمته رهنا مكان المقتول او ينقل بحاله؟ على وجهين: أحدهما: لا يباع، لأنه لا فائدة فيه.
والثانى: يباع، لأنه ربما زاد فيه مزايد فبلغه اكثر من ثمنه. فإن عرض للبيع
فلم يزد فيه لم
(1)
يبع، لعدم ذلك.
الثالثة: أن يتفق الدينان وتختلف القيمتان بأن يكون دين كل مائة وقيمة
أحدهما مائة والآخر مائتين. فإن كانت قيمة المقتول أكثر فيبقى على حاله، لأنه
لا غرض في النقل، وإن كانت قيمة القاتل اكثر بيع منه بقدر جنايته يكون رهنا
بدين المجني عليه والباقي رهن بدينه.
وإن اتفقا على تبقيته ونقل الدين إليه صار مرهونا بهما. فإن حل أحد الدينين
بيع بكل حال، لأنه إن كان دينه المعجل بيع ليستوفى من ثمنه وما بقي منه رهن بالدين الآخر، وإن كان المعجل الاخر بيع ليستوفى منه بقدره والباقي رهن بدينه. الرابعة: أن يختلف الدينان والقيمتان، مثل: أن يكون احد الدينين
خمسين والاخر ثمانين وقيمة احدهما مائة والاخر مئتان. فإن كان دين المقتول
أكثر نقل إليه، وإلا فلا.
وأما إن كان المجني عليه رهنا عند غير مرتهن القاتل فللسيد القصاص، لأنه
مقدم على حق المرتهن. بدليل: أن الجناية الموجبة للمال مقدمة عليه
فالقصاص اولى. فإن اقتص بكل الرهن في المجني عليه لأن الجناية عليه لم
توجب مالا يجعل رهنا مكانه، وعليه قيمة المقتص منه تكون
(2)
رهنا، لأنه أبطل
(1)
ساقط من ا.
(2)
ساقط من ب.
حق الوثيقة فيه باختياره، وللسيد العفو على مال. فتصير الجناية كالجناية
الموجبة للمال. فيثبت المال في رقبة العبد " لأن السيد لو جنى على العبد
لوجب أرش جنايته لحق المرتهن فباًن يثبت على عبده أولى. فإن كان الأرش لا يستغرق قيمته بيع منه بقدر أرش الجناية يكون رهنا عند مرتهن المجني عليه،
وباقيه باق عند مرتهنه
(1)
.
وإن لم يكن بيع بعضه بيع جميعه وقسم ثمنه بينهما على حسب ذلك يكون
رهنا.
وإن كانت الجناية تستغرق قيمته نقل الجانى فجعل رهنا عند الآخر.
قال في " المغني ": ويحتمل أن يباع " لاحتمال أن يرغب فيه راغب بأ كثر
من قيمته. فيفضل من قيمته شيءيكون رهنا عند مرتهنه.
(وإن جني عليه) أي: على الرقيق المرهون: (فالخصم) في ذلك
(سيده)، لأن المرتهن إنما له فيه حق الوثيقة. فصار كالعبد المستأجر
والمعار.
(فإن اخر الطلب لغيبة أو غيرها) تعمدا أو كان له عذر يمنعه منه: (فـ)
الخصم (المرتهن) " لأن حقه متعلق بموجب الجناية. فملك الطلب، كما لو
كان الجانى سيده.
(ولسيد ان يقتص) من الجانى إن أوجبته الجناية، لأنه حق له. (إن اذن
مرتهن)، لما له فيه من حق التوثق، (او اعطاه) أي: أغطى الراهن المرتهن
(ما) أي: شيئا (يكون رهنا)، لأن المرتهن إن لم ياً ذن في القصاص كان فيه
تفويت لحقه من التوثق بقيمته من غير إذنه.
(فإن اقتص) السيد (بدونهما) أي: الإذن وإعطاء ما يكون رهنا (في نفس
او دونها)، لأن في كل منهما تفويتا على المرتهن من
(2)
حق الوثيقة، (أو
(1)
في ب: مرتهن.
(2)
في اوب: في.
عفى) السيد (على مال: فعليه) أي: على السيد في الصور الثلاث (قيمة
اقلهما) أي: الجانى والمجني عليه، (تجعل) رهنا (مكانه) أي: المجني
عليه. نص على ذلك في رواية ابن منصور، لأن الراهن في الصورتين الأوليين
اتلف مالا استحق بسبب إتلاف الرهن. فغرم قيمته، كما لو كانت الجناية موجبة للمال. وإنما وجب أقل القيمتين، لأن حق المرتهن متعلق بالمالية والواجب
من
(1)
المال هو أقل القيمتين. فلو كان الرهن يساوي عشرة والجانى خمسة او
بالعكس لم يكن عليه إلا الخمسة، لأن في الأولى لم يفوب على المرتهن إلا
ذلك القدر. وفي الثانية لم يكن حق المرتهن متعفقا إلا بذلك القدر.
وقيل: لا يجب عليه شيء، لأنه لم يجب بالجناية مال، وليس على الراهن
أن يسعى للمرتهن في اكتساب مال.
(والمنصوص: ان عليه قيمة الرهن او ارشه) الواجب بالجناية يكون
رهنا، لأنهما بدل ما فات على المرتهن.
والمفتى به الأول، جزم به في " المقنع " اصل هذا.
وقال الزركشي: هذا المشهور عند الأصحاب والمنصوص عن أحمد.
وقال في القواعد الفقهية: اختاره القاضي
(2)
والأكثرون.
(وكذا) أي: وكما لو جنى على الرهن فاختص السيد بغير إذن المرتهن في
الحكم (لو جنى) الرهن (على سيده فاقتص) منه (هو او) اقتص (وارثه)
منه.
(وإن عفا) السيد (عن المال: صح) العفو في حقه، لأنه يملكه. (إلا
في حق مرتهن) فيؤخذ من الجانى. وقيل: من الراهن قيمة الرهن إذا قتل، او
أرشه إن نقص تكون رهنا.
(فإذا انفك) الرهن (بأداء او إبراء: رد ما اخذ من جان) إليه، كما لو اقر
(1)
مثل السابق.
(2)
في ب: الرضى.
مالك الرهن أنه مغصوب.
(وإن استوفى) الدين (من الأرش: رجع جان على راهن)، لأن ماله
ذهب في قضاء دينه. فلزمته غرامته، كما لو غصبه فرهنه فبيع في الدين.
وفيه وجه: لا يرجع.
(وإن وطئ مرتهن) أمة (مرهونة، ولا شبهة: حد)، لتحريمه إجماعا،
لقوله تعالى: (إلا علي ازواجهم أوما ملكت أيمانهم)[المؤمنون: 6]. وليست هذه زوجة ولا ملك يمين.
ولأن الرهن استيثاق بالدين، ولا مدخل لذلك في إباحة الوطء.
ولأن وطء المستأجرة يوجب الحد مع ملكه لنفعها. فالرهن اولى.
(ورق ولده) إن ولدت منه، لأنه من زنى. ولا فرق في ذلك بين
(1)
أن
يكون الوطء بإذن الراهن او بغير إذنه حيب لا شبهه.
(ولزمه) أي: لزم المرتهن (المهر) حيب لم يأذن المالك في الوطء.
سواء اكرهها أو طاوعته، لأنه يجب للسيد. فلا يسقط بمطاوعة الأمة وإذنها،
كما لو اذنت في قطع يدها.
ولأنه استوفى هذه المنفعة المملوكة للسيد بغير إذنه. فكان عليه عوضها،
كما لو اكرهها، وكأرش بكارتها لو كانت بكرا. وسواء وطئها معتقدا للحل او غيرمعتقد له، أو ادعى شبهة أو لم يدعها، لأن المهر حق ادمي. فلا يسقط
بالشبهات.
(وإن أذن راهن) في الوطء (فلا مهر)، لأن المالك اذن في استيفاء
المنفعة. فلم يجب عوضها، كالحرة المطاوعة.
(وكذا لا حد) اي: وكما أنه لا يجب المهر مع إذن الراهن في الوطء
لا يجب الحد: (إن ادعى) المرتهن (جهل تحريمه) أي: الوطء، (ومثله)
(1)
في ا: من.
أي: المرتهن (يجهله) اي: التحريم، لكونه ممن نشأ ببادية او حديث عهد
بالإسلام.
(وولده) من هذا الوطء (حر)، لأنه وطئها معتقدا إباحة وطحها. فهو كما
لو وطئها يظنها أمته.
(ولا فداء) عليه. سواء أكان مع الشبهة إذن من الراهن في الوطء أو لا:
أما مع الإذن، فلأن الولد حدث عن وطء مأذون فيه. فلم يلزمه قيمة
الولد، كالمهر.
ولأن الإذن في الوطء إذن فيما يترتب عليه.
وأما مع عدم الإذن، فلأنه إنما وطئ على ان لا يغرم لولده فداء، لأن
الشبهة نشأت عن كونه تسلمها لحق له فيها. لا كما اشتبه عليه حق التوثق بحق
الملك. وفيه وجه قوي.
] باب: الضمان]
هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام الضمان.
وقد أجمع المسلمون على جوازه في الجملة. وسنده من الكتاب قوله
سبحانه وتعالى: (ولمن جآء بهء حمل بعير وأنا به زعيم)] يوسف: 72].
قال ابن عباس: " الزعيم الكفيل "
(1)
.
وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " الزعيم غارم "
(2)
. رواه أبو داود والترمذي وقال:
حديث حسن.
وما روى البخاري عن سلمة بن الأكوع " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل ليصلي
عليه. فقال: هل عليه دين؟ فقالوا: نعم. ديناران. فقال: هل ترك لهما
وفاء، قالوا: لا. فتأخر. فقيل: لم لا تصلي عليه؟ فقال: ما تنفعه صلاتي
وذمته مرهونة؟ ألا قام أحدكم فضمنه! فقام أبو قتاده فقال: هما علي
يا رسول الله! فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم "
(3)
.
ثم (الضمان) شرعا: (التزام من) أي: إنسان (يصح تبرعه) بمال
لنفسه. فلا يصح من صغير دون التمييز، ولا من
(4)
مجنون بلا خلاف، ولا من
سفيه. وفيه وجه كمميز، لأنه إيجاب مال بعقد. فلم يصح منهم، كالشراء.
(1)
ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4: 51، وعزاه إلى ابن جرير وابن المنذر.
(2)
2 أخرجه أبو داود في " سننه "(3565) 3: 296 كتاب الإجارة، باب في تضمين العارية.
واخرجه الترمذي في " جامعه "(1265) 3: 565 كتاب البيوع، باب ما جاء في أن العارية مؤداة.
وأخرجه ابن ماجه فى " سننه "(2405) 2: 804 كتاب الصدقات، باب الكفالة.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2173) 2: 803 كتاب الكفاله، باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع.
(4)
زياده من ج.
فلو قال ضامن بالغ: إنما ضمنته وأنا صغير
(1)
، او قال: كنت مجنونا
وعرف له حالة جنون، وقال المضمون له: بل بعد بلوغك، أو وأنت عاقل:
فالقول قول المضمون له بيمينه " لأن معه سلامة العقد، كما لو اختلفا في شرط
فاسد. وفيهما وجه.
وإن لم يعلم للضامن حالة جنون. فالقول قول المضمون له وجها واحدا.
(او) التزام (مفلس)، لأنه من أهل التصرف، والحجر عليه في ماله لا في
ذمته. فأشبه الراهن يصح تصرفه فيما عدا الرهن. وفيه رواية في " التبصرة ".
قال في " الفروع ": فيتوجه عليها عدم تصرفه في ذمته.
(او) التزام (قن او مكاتب بإذن سيدهما)، لأنه لو اذن لهما في تصرف
غير ذلك صح.
وعلم مما تقدم أنه لا يصح ضمانهما بغير إذن سيدهما. سواء وجد إذن في
التجارة أو لا " لأن الضمان عقد تضمن إيجاب مال. فلم يصح بغير إذن فيه، كالنكاح.
وفيهما وجه: لا يصح ضمانهما مطلقا.
(ويؤخذ) مال الضمان الصحيح الذي ضمنه المكاتب (مما بيد مكاتب.
و) يؤخذ (ما ضمنه قن) بإذن سيده (من سيد)، لتعلقه بذمة سيده.
وقيل: يتعلق ضمان القن برقبته، والمكاتب بذمته يتبع به بعد العتق.
(ما) مفعول التزام أي: مالا (وجب على انجر)، كقيم المتلفات، واروش
الجنايات، وثمن المبيعات، (مع بقائه) اي: بقاء ما وجب على الضمين
(2)
.
(او) مالا (يجب) على اخر، كجعل قبل العمل، لقوله تعالى: (ولمن
جآء به حمل بعير وأنا بهزعيم)] يوسف: 72].
(1)
في اوب: صغيرا.
(2)
في أ: المضمون.
ولأنه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل. وإنما الذي لا يلزم هو العمل.
والمال يلزم بوجوده، والضمان للمال دون العمل.
(غير جزية فيهما) اي: في ضمان ما وجب، وفي ضمان ما يجب، لفقد
الصغار الواجب على المضمون بدفع الضامن.
ويكون الالتز ام (بلفظ: ضمين، وكفيل، وقبيل، وحميل، وصبير،
وزعيم، وضمنت دينك، او تحملته، ونحوه)، كعندي الذي عند غريمك،
وكبعه أو زوجه وعلي الثمن أو المهر. لا اودي او احضر " لأنه وعد.
قال في " الفروع ": ويتوجه بل بالتزامه. وهو ظاهركلام جماعة في
مسائل، كظاهر كلامهم في النذر.
ومن قال لاخر: اضمن عن فلان، أو اكفل بفلان. ففعل كان الضمان
والكفالة لازمين للمباشر
(1)
دون الامر، لأنه كفل باختيار نفسه، وإنما الامر
أرشد وحث على فعل خير
(2)
فلا يلزمه شيء.
(و) يصح (بإشارة مفهومة من أخرس)، لقيامها مقام لفظه.
(ولرب الحق مطالبة أيهما شاء) اي: أي الغريمين شاء. وهما الضامن
والمضمون.
قال الإمام: ياً خذ من شاء بحقه، لأن الحق ثابت في ذمتهما. فملك مطالبة
من شاء منهما، كالضامنين.
وعنه: يبرأ المديون بمجرد الضمان إذا كان ميتا مفلسا.
(و) له مطالبة الأصميل والضامن (معا)، لثبوته في ذمتهما " لمنعه الزكاة
عليهما، وصحة هبته لهما.
ولأن الكفيل لو قال: التزمت وتكفلت بالمطالبة دون اصل الدين لم يصح وفاقا.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: ذلك.
(في الحياة والموت)، لقوله عليه السلام " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى
يقضى عنه "
(1)
.
ولقوله عليه الصلاة والسلام في خبر ابي قتادة: " الآن بردت جلده "
(2)
.
حين أخبره انه قضى دينه.
فإن قيل: إن الشيء الواحد لا يشغل محلين.
فالجواب: ان اشتغاله على سبيل التعلق والاستيثاق، كتعلق دين الرهن به
وبذمة الراهن.
(فإن احال) رب الدين على الأصيل، (او احيل بدينه، او زال عقد)
وجب به الدين بتقايل أو غيره: (برئ ضامن وكفيل، وبطل رهن)، لأن
الحوالة كالتسليم.
قال مهنا: سألت احمد عن رجل له على رجل ألف درهم فأقام بها كفيلين،
كل واحد منهما كفيل ضامن فأيهما شاء أخذه بحقه. فأحال رب الدين رجلا عليه
بحقه. فال: يبرا الكفيلان. قلت: فإن مات الذي احاله عليه بالحق ولم يترك
شيئا قال: لا شيء له، وتذهب الألف.
(لا إن ورب) الدين المضمون، او الذي به الرهن: فإن الرهن لا يبطل.
ولا يبرأ ضامن ولا كفيل، لأن كلاً من ذلك حق للميت
(3)
. فورث عنه،
كسائر حقو قه.
(لكن) هذا الاستدراك من مساً لة الحوالة (لو احال رب دين على اثنين) له
عليهما دين، (وكل) منهما (ضامن الاخر) إنسانا (ثالثا ليقبض) المحتال عليهما
(من ايهما شاء: صح)، لأنه لا فضل هاهنا في نوع ولا أجل ولا عدد، وإنما
هو زيادة استيثاق. فلم يمنع ذلك صحة الحوالة، كحوالة المعسر على المليء.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2413) 2: 6. 8 كتاب الصدقات، باب التشديد في الدين.
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده "(4537 1) 3: 330
(3)
في ج: على الميت.
وكذا لو أحاله عليهما ليقبض منهما وكل منهما ضامن الاخر أو لا، لأنه لما
كان له أن يستوفي الحق من واحد كان له أن يستوفي فيه من اثنين، كالوكيلين.
وإن أحاله على أحدهما بعينه
(1)
وكل منهما ضامن الاخر صح، لأن الدين
على كل واحد منهما مستقر.
قال ابن نصر الله: لكن يسأل عن الرجل الاخر الذي لم يحل عليه هل برئت
ذمته من المحيل أم لا؟ والظاهر براءة ذمته من المحيل، لأن الدين واحد وقد
نقل إلى المحتال. فلو بقي للمحيل أن يطالب الآخر لزم تعدد الحق، وهو محال.
قال: والاظهر أن يقال: أن الحوالة على الضامن حوالة على المضمون
عنه، لأنه فرعه، ولئلا يلزم براءة ذمه المضمون عنه بغير أداء منه ولا إبرائه، أو بقاء الدين في ذمته لغير مستحق. فإن صاحبه قد نقل حقه. فلم يبق له فيه حق، والضامن لا يستحقه، لأنه إنما يستحقه بالأداء. فلم ييق إلا أنه صمار للمحتال
كما كان للمحيل، لئلا يلزم بقاء الحق بغير مستحق.
قال: ولم يتعرض الأصحاب لهذه المساً لة ولا الشافعية. وإنما الموجود
في كلام أصحابنا والشافعية صحة الحوالة على الضامن. ويحتاج ذلك إلى
الكلام في المضمون عنه كيف حكمه إذا صحت الحواله على صاحبه، والأظهر
فيه ما قلناه. والله أعلم.
قال: ثم ذكر لي أن بعض الشافعية تكلم عن المسألة المذكورة وذكر أن
الدين الذي على المضمون عنه يصير للضامن. لكن لا يستحق الضامن المطالبه
به حتى يؤدي.
قال: ووجدت في كلام أصحابنا ما يشبه ذلك. فإنهم قالوا: إذا أدى الدين
ضامن الضامن برئ الأصيل منه أي: بالنسب إلى رب الدين، وليس لضامن
الضامن مطالبه الأصيل] وإنما له أن يطالب الضامن الأول. فإذا أدى إليه الضامن
(1)
في ج: اثنين.
الأول استحق مطالبة الأصيل [
(1)
. وهذا يشبه مساً لتنا من حيب إن الأصيل يبرأ
من حق صاحب الدين بالنسبة إلى صاحب الدين، ولا يستحق غيره مطالبته به إلا بشرط الأداء. فيشبه أن يكون هنا كذلك فبرئ الأصيل بالنسبة إلى رب الدين،
لانتقال حقه عنه، لأن الحوالة استيفاء فإن المحيل كان قد استوفى من المحال
عليه، وينتقل الدين إلى الضامن، لأنه في المعنى كان قد استوفى منه.
ولأنه لا يستحق مطالبة الأصيل إلا بحقيقة الأداء.
قال: ويتفرع على
(2)
ذلك مسألة حسنة وهي: ان الضامن حينئذ هل يصح
إبراؤه للأصيل أو إبراء المحتال على الضامن للأصيل؟ فأما المحتال فالظاهر عدم صحه إبرائه للأصيل، لأنه لا يستحق مطالبته حالا ولا مآلا. وأما الضامن
المحال عليه فيحتمل أن يصح إبراوه للأصيل، لأن دينه لا يستحق له غيره. ويحتمل أن لا يصح إبراؤه قبل أدائه الدين، لأنه لا يستحق المطالبة به. والأول
أظهر. انتهى.
وقال ايضا: ولو أقر رب الدين بالدين- يعني: لغيره- فالظاهر بطلان
الضمان والرهن، لتبين
(3)
انه ضمن له ما ليس له ورهنه بغير دين له، كما لو
ضمن له ما له على زيد فتبين أنه ليس له على زيد شيء، ثم ظهر ان الصواب عدم بطلان الضمان بالإقرار، كانتقاله بالموت وأولى، لأن بالموت ينتقل من مستحق
إلى مستحق فلا يبطل به الضمان. فلأن لا يبطل بالإقرار أولى، لأن الدين في
الحقيقة لم ينتقل من مستحق إلى غيره بل الإقرار بين المستحق في الأصل.
والضمان لا يشترط فيه معرفة المضمون له في الصحيح فكذلك تعيينه. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
ثم ظهر أن الأصح أنه إن قال ضمنت ما عليه ولم يعين المضمون له.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في أ: لتبيين.
فالضمان باق بالإقرار، لأنه
(1)
لم يعين المضمون له.
وإن قال: ضمنت لك ثم أقر المضمون له بالدين لم يصح الضمان، كما لو
قال لإنسان: ضمنت لك ما على زيد ولم يكن له على زيد شيء. فالضمان لا
يصح. انتهى.
وإن أحال احد الاثنين اللذين كل منهما ضامن الآخر رب الدين به: برئت
ذمتهما له معا، كما لو قضاه.
(وإن ابرئ أحدهما) أي: أبرأه رب الدين (من الكل) أي: من كل ما
عليه: (بقي ما على الآخر اصالة)، لأن الإبراء إنما صادف ما على المبرئ
أصالة وكفالة. فبقي ما على الآخر اصالة، واما ما كان عليه كفالة فإنه برئ منه بإبراء الأصيل.
(وإن برئ مديون) بإبراء أو قضاء أو حوالة: (برئ ضامنه)، لأنه تبع له،
والضمان وثيقة. فإذا برئ الأصيل زالت الوثيقة، كالرهن.
(ولا عكس) أي: ولا يبرا المديون ببراءة الضامن، لأن الأصل لا يبرأ
ببراءة التبع.
ولأنه وثيقة انحلت من غير استيفاء الدين منها. فلم تبرأ ذمة الأصيل،
كالرهن إذا انفسخ من غير استيفاء.
وهذا إذا انفرد الضامن. فلو تعدد. سواء ضمن كل واحد منهم جميع الدين
أو جزءا منه: لم يبرا أحد منهم بإبراء الآخر. لكن لو ضمن كل واحد منهم
الجميع برئ الكل بأداء أحدهم، وبرؤوا بإبراء المضمون عنه.
وإن ضمن
(2)
أحد الضامنين الآخر لم يصح، لأن الحق ثبت في ذمته بضمانه
الأصلي فهو أصل. فلا يجوز ان يصير فرعا. بخلاف الكفالة، لأنها ببدنه لا بما
في ذمته. فلو سلمه احدهما برئ وبرئ كفيله به لا من إحضار مكفول به.
(1)
في اوب: أنه.
(2)
في ج: برى.
ولما كان في بعض افراد المسألة خلاف الإمام أبي حنيفة نبه عليه بقوله:
(ولو لحق ضامن بدار حرب مرتدأ، او) لم يرتد بل كان كافرا (اصليا)
فلحق بدار حرب: (لم يبرأ.
وإن قال رب دين لضامن) له الدين: (برئت إلي من الدين. فقد أقر
بقبضه)، لأن قوله: برئت إلي إخبار بفعل الضامن، والبراءة لا تكون ممن عليه
الحق إلا بالأداء.
(لا) إن قال: (ابرأتك، او برئت منه) أي: الدين من غير أن يقول: إلي
اي: فلا يكون مقرا بالقبض.
أما في قوله: ابرأتك، فظاهر.
وأما في قوله: برئت منه، فلأن البراءة قد تضاف إلى ما لا يتصور الفعل
منه، كقوله: برئت ذمتك فهو اعم من أن تكون البراءة بفعل الضامن أو المضمون
له. فلا يكون مقرأ بالقبض، لأنه لا دلالة فيه عليه. وفي هذه وجه.
(و) قول رب الدين لضامن: (وهبتكه) أي: الدين (تمليك له) أي:
للضامن. (فيرجع) به (على مضمون)، كما لو دفعه عنه ثم وهبه إياه.
وقيل: ابرأ فلا يرجع به على أحد.
(ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمرا. فأسلم مضمون له او) أسلم مضمون
(عنه: برئ) المضمون عنه (كضامنه) معاً.
اما كونهما يبرآن بإسلام المضمون له، فلأن مالية الخمر بطلت في حقه.
فلم يملك المطالبة بها.
وأما كونهما يبرآن بإسلام المضمون عنه، فلأنه صار مسلماً.
ولا يجوز وجوب الخمر على مسلم والضامن فرعه.
(وإن اسلم ضامن) في خمر دون مضمون له ومضفون عنه: (برئ)، لأنه
لا يجوز وجوب خمر على مسلم (وحده)، لأنه تبع. فلا يبرأ الأصل ببراءته.
(ويعتبر) لصحة الضمان (رضا ضامن)، لأن الضمان تبرع بالتزام الحق.
فاعتبر له الرضى، كالتبرع بالأعيان.
(لا من ضمن) بالبناء للمفعول أي: لارضى المضمون عنه، لأنه لو قضى
الدين بغير إذنه ورضاه صح. فكذا إذا ضمن عنه.
(او ضمن له) أي: ولا رضى المضمون له، لأن أبا قتادة ضمن من غير
رضى المضمون له. وأقره الشارع عليه الصلاة والسلام.
ولأنه وثيقة لا يعتبر فيها قبض
(1)
. فلم يعتبر لها رضى، كالشهادة.
(ولا) يعتبر لصحة الضمان (ان يعرفهما) أي أن
(2)
: يعرف المضمون له
أو المضمون عنه (ضامن)، لأنه لا يعتبر رضاهما. فكذا معرفتهما.
وقال القاضي: تعتبر، ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه
أم
(3)
لا، وليعلم المضمون له فيؤدى إليه.
وفي ذلك وجه اش: أنه يعتبر معرفه المضمون له فقط.
(ولا العلم) أي: علم الضامن (بالحق)، لقوله تعالى: (ولمن جاء به
حمل بعير وانا به زعيم) [يوسف: 72] وهو غير معلوم، لأنه يختلف.
(ولا) يشترط (وجوبه) أي: الحق (إن آل إليهما) أي: إلى العلم
والوجوب، للآية الكريمة، لأنها دلت على ضمان حمل بعير مع أنه لم يكن
وجب.
فإن قيل: إن الضمان ضم ذمة إلى ذمة. فإذا لم يكن على المضمون شيء
فلاضم.
فالجواب: أنه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه في أنه يلزم ما يلزمه.
وهذا كاف.
(1)
ساقط من ا.
(2)
قلا دة ج.
(3)
في ج: أو.
إذا تقرر هذا (فيصح) بقوله: (ضمنت لزيد ما على بكر) وإن كان مجهولا
بالنسبة إلى الضامن إذا، (او ما يداينه)، أو يقر به له، أو يثبب له عليه، وإن
لم يكن له عليه شيء إذا لما تقدم.
(وله) أي: للقائل (إبطاله) أي: إبطال ضمانه (قبل وجوبه) أي:
وجوب الحق، لأنه إنما يلزم بالوجوب. فإذا أراد إبطاله قبل لزومه فله ذلك،
كما قبل العقد. وفيه وجه.
(ومنه) أي: ومن ضمان ما يؤول إلى الوجوب (ضمان السوق.
وهو) أي: وضمان السوق: (أن يضمن) إنسان (ما يلزم التاجر من
دين، وما يقبضه) أي: يقبضه التاجر (من عين مضمونة)، كما لو قبض عينا ليشتريها بعد مساومة.
(ويصح ضمان ما) أي: شيء (صح أخذ رهن به) ولا عكس " لصحة
ضمان العهدة دون أخذ الرهن بها.
(و) ضمان (دين ضامن) وهو: أن يضمن الضامن ضامن
(1)
اخر، وكذا
لو ضمن الاخر اخر والاخر اخر وإن كثروا، لأنه دين لازم في ذمة الضمان.
فصح ضمانه " كسائر الديون. ويثبت الحق في ذمة الجميع أيهم قضاه برئت
ذممهم كلها، لأنه حق واحد. فإذا قضى مرة لم يجب مرة أخرى.
ولمن قضى الدين الرجوع على مضمونه، ومضمونه على مضمونه إلى أن
يبلغوا الأصيل.
وإن أبرأ الغريم الأصيل برئ الضامنون كلهم.
وإن أبرأ أحد الضامنين فإن كان الاخر برئ وحده، وإن كان مضمونا برئ هو وفرعه دون أصله. وليس في الإبراء غرم.
(و) يصح ضمان دين (ميت) ولو لم يخلف وفاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حض
(1)
في ب: بقاء من ..
أصحابه على ضمان الميت في حديث سلمة المذكور اول الباب بقوله: " ألا قام
أحدكم فضمنه "
(1)
. وهذا صريح
(2)
في المساً لة.
ولأنه دين ثابت. فصح ضمانه، كما لو خلف وفاء.
ولو تبرع إنسان بقضاء دينه جاز لصاحب الدين اقتضاوه. ولو ضمنه حيا ثم
مات لم تبرا ذمة الضامن.
(ولا تبرا ذمته) اي: الميت (قبل قضاء) نصا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " نفس
المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه "
(3)
.
و" لما أخبر أبو قتادة النبي صلى الله عليه وسلم بوفاء الدينارين فقال: الآن بردت
جلدته "
(4)
. رواه الإمام.
ولأنه وثيقة بدين. فلم يسقط قبل القضاء، كالرهن.
ولأنه ضمان. فلا يبرأ به المضمون عنه، كالحي. وفيه رواية.
(و) يصح ضمان (مفلس مجنون)، لقوله عليه الصلاة والسلام:
" الزعيم غارم "
(5)
.
ولا ينافي ذلك ما ذكره في " الانتصار " من أن المفلس المجنون: إذا مات لم
يطالب في الدارين، لأن جواز سقوط الدين لا يمنع صحة ضمانه.
(و) يصح ضمان (نقص صنجة، أو) نقص (كيل) في بذل واجب أو ماله
إليه. ما لم يكن دين سلم وتقدم، لأن النقص باق في ذمة الباذل
(6)
. فصح
ضمانه، كسائر الديون.
ولأن غايته انه ضمان معلق على شرط. فصح، كضمان العهدة.
(1)
سيق تخريجه ص (270) رقم (3).
(2)
في ب: صالح.
(3)
سيق تخريجه ص (273) رقم (1).
(4)
سيق تخريجه ص (273) رقم (2).
(5)
سيق تخريجه ص (270) رقم (2).
(6)
في أ: البذل.
(ويرجع) قابض (بقوله مع يمينه) في قدر نقص، لأن الأصل عدم براءة
ذمة باذل. فيملك رب الحق الرجوع على ضامن، لأنه يلزمه ما يلزم المضمون.
وفيه وجه: لا يرجع على ضامن إلا ببينة.
(و) يصح ضمان (عهدة مبيع).
وعهدة المبيع لغة هي: الصك
(1)
المكتوب فيه الابتياع.
واصطلاحا: عبارة عن الدرك وضمان الثمن. وهذا المعنى هو المراد هنا.
ثم تارة يكون ضمان العهدة (عن بائع لمشتر) وذلك: (بأن يضمن)
الضامن (عنه) اي: البائع (الثمن) المقبوض (إن استحق المبيع) أي: تبين
استحقاقه لغير البائع حين البيع، (او رد) على البائع (بعيب، او) يضمن
(أرشه) إن اختار المشتري الامساك مع العيب.
(و) تارة يكون (عن مشتر لبائع: بأن يضمن) الضامن (الثمن الواجب)
في البيع (قبل تسليمه، أو إن ظهر به عيب، او استحق) رجع بذلك على ضامن. فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثمن او جزء منه عن احدهما للاخر.
وإنما صح ضمان العهدة، لأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة على البائع.
والوثائق ثلاثة: الشها دة، والرهن، والضمان.
فأما الشهادة، فلا يستوفى منها الحق.
وأما الرهن، فلا يجوز في ذلك بالإجماع، لأنه يؤدي إلى أن يبقى ابدا
مرهونا. فلم يبق إلا الضمان.
ولأنه لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف، وفي ذلك ضرر
عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها. ومثل ذلك لا يرد به الشرع. والفاظ ضمان العهدة: ضمنت عهدته، او ثمنه، او دركه، او يقول للمشتري:
ضمنت خلاصك منه، أو متى خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن.
وظاهر ما تقدم صحة الضمان قبل قبض الثمن، كضمان الجعل في الجعاله
(1)
في أ: الكيل.
قبل العمل. وفيه وجه.
وأما إن ضمن للمشتري خلا ص المبيع لم يصح. قالى الإمام: في رجل باع
عبدا أو أمة وضمن له الخلا ص: فكيف يستطيع الخلاص إذا خرج حرا.
فإن ضمن عهدة المبيع وخلاصه بطل في الخلاص فقط بناء على تفريق
الصفقة. وفيه وجه.
(ولو بنى مشتر) في مبيع (فهدمه مستحق: فالأنقاض لمشتر)، لأن ملكه
لم يزل عنهما، (ويرجع) مشتر (بقيمة تالف على بائع)، لأنه غره. (ويدخل)
ذلك (في ضمان العهدة) فيصح أن يرجع بالقيمة على ضامن العهدة.
وفيه وجه: لا يدخل ولا يرجع على ضامن إلا إذا ضمن ذلك صريحا.
(و) يصح ضمان (عين مضمونة، كغصب وعارية، ومقبوض على وجه
سوم، وولده) أي: ولد المقبوض على وجه السوم، لأنه يتبعه في الضمان
(في بيع أو إجارة) متعلق بسوم، لأن هذه الأعيان من ضمان من هي بيده لو
تلفت. فصح ضمانها، كعهدة المبيع.
ومحل ضمان المقبوض على وجه السوم: (إن ساومه وقطع ثمنه) أو
أجره، (او ساومه فقط) من غير قطع ثمن ولا أجرة، (ليريه أهله إن رضوه،
وإلا رده. لا) ضمان ما أخذه ليشتريه: (إن اخذه لذلك، بلا مساومة ولا قطع
ثمن)، لأنه في هذه الصورة غير مضمون على أخذه، إذ لا سوم فيه.
وعنه: أنه مضمون في هذه الصورة أيضا.
وعنه: أن المقبوض على وجه السوم غير مضمون. فلا يصح ضمانه.
وعنه: لا يصح ضمان الأعيان، لأنها غير ثابتة في الذمة.
ويجاب عن ذلك: بأن الضمان في الحقيقة إنما هو ضمان استنقاذها وردها
والتزام
(1)
تحصيلها أو قيمتها عند تلفها. وهذا مما يصح ضمانه، كعهدة المبيع.
(ولا) يصح ضمان (بعض لم يقدر من دين)، كما لا يصح ضمان أحد
(1)
في ا: وإلزام
هذين الدينين ولم يفسره لجهالته حالا ومآلا.
وفي صورة المتن وجه: أنه يصح دون الثانية، لأن المطالبة فيها لا تمكن.
(ولا) يصح ضمان (دين كتابة)، لأن للمكاتب الامتناع من الأداء وتعجيز
نفسه. فإذا لم يلزم الأصيل فالضمين أولى. وفيه رواية.
(ولا) يصح ضمان (امانة، كوديعة، ونحوها)، كعين مؤجرة، ومال
شركة وعين، او ثمن بيد وكيل في بيع او شراء، لأنها غير مضمونة على صاحب اليد. فكذا على ضامنه.
وفي عيون المسائل: لأنه لا يلزم
(1)
إحضارها، وإنما على المالك ان يقصد
الموضع فيقبضها.
(إلا ان يضمن التعدي فيها) فيصح ضمانها، لأنها مضمونة على من هي في
يده. اشبهت المغصوب.
وعنه: صحة ضمانها مطلقا.
وحملها الأصحاب على تعديه كتصريحه به.
(ومن باع) شيئا (بشرط ضمان دركه إلا من زيد، ثم ضمن دركله منه
ايضا: لم يعد صحيحا). ذكر هذه المساً لة في " الانتصار ".
ووجه ذلك: ان استثناء زيد من ضمان الدرك يدل على حق له في المبيع،
وانه لم يأذن له في بيعه فيكون باطلا. فإذا ضمن دركه بعد: دل على انتقال حق
زيد إلى البائع بعد ذلك. فلم ينقلب البيع صحيحا.
(وإن شرط خيار في ضمان او) في (كفالة: فسدا) اي: الضمان والكفالة.
(ويصح) قول مكلف لاخر: (الق متاعك في البحر) ونحوه، (وعلي
ضمانه)، ويضمنه إن ألقاه. ويأتى الكلام على ذلك في آخر هذا الباب
(2)
.
(1)
في ا: يلزمه.
(2)
ص (299).
] فصل: في رجوع الضامن على المضمون]
(فصل. وإن قضاه) اي: الدين (ضامن، او أحال) الضامن رب الدين
(به، ولم ينو) الضامن (رجوعا) على المضمون بما قضاه أو أحال به: (لم
يرجع)، لأنه متطوع بذلك. أشبه الصدقة. وسواء ضمن بإذنه أو لا.
(وإن نواه) أي: نوى الضامن الرجوع: (رجع على مضمون عنه) إن أراد
ذلك. ثم هاهنا أحوال:
أحدها: أن يكون الضامن والقضاء أو الحوالة بإذن المضمون عنه. فهنا له
الرجوع قولا واحدا. وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف.
وفصل أبو حنيفة ومحمد بن الحسن فقالا: إن قال: اضمن عني، وانقد
عني: رجع. وإن قال: انقد هذا لم يرجع. إلا أن يكون مخالطا له يعطيه
ويأخذ منه، لأن قوله: انقد بمثابة قوله: هب لهذا، أو تصدق عليه.
ويرجع
(1)
المخالط استحسانا، لأنه قد يأمر مخالطه بالنقد عنه.
ويجاب عن ذلك: باًن أمره بالنقد ينصرف إلى ما ضمنه. بدليل المخالطة
له. فيجب عليه اداء ما ادى عنه، كما لو صرح به.
الحال الثانى: ضمن بإذنه وقضى بغير إذنه: فله الرجوع أيضا، لأنه إذا أذن
في الضمان تضمن ذلك إذنه في الأداء، لأن الضمان يوجب عليه الأداء. فرجع
عليه، كما لو أذن في الأداء صريحا.
الحال الثالث: ضمن بغير إذنه وقضى بإذنه: فله الرجوع أيضا، لأنه ادى
دين غير بأمره. فرجع عليه، كما لو لم يكن ضامنا، او كما لو ضمن بأمره.
الحال الرابع: ضمن بغير إذنه وقضى بغير إذنه: ففيه روايتان:
(1)
في ب: ولم يرجع.
إحداهما: يرجع، لأنه قضاء مبرئ من دين واجب. فكان من ضمان من
هو عليه، كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه.
قال في " الإنصاف " عن هذا: أنه المذهب بلا ريب. ونص عليه.
وقال اين رجب في القاعدة الخامسة والتسعين: يرجع على اصح
الروايتين. وهي المذهب عند الخرقي وأبي بكر والقاضي والأكثرين. انتهى.
والثانية: لا يرجع. وأشير إلى محل الخلاف في المتن بقوله:
(ولو لم ياذن) أي: المضمون عنه (في ضمان ولا قضاء).
واستدل القائلون بعدم الرجوع مع عدم الإذن بحديب علي وأبي قتادة
(1)
فإنهما لو كانا يستحقان الرجوع على الميت صار الدين لهما. فكانت ذمة الميت مشغولة بدينهما. ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
والجواب عن ذلك: انهما تبرعا بالقضاء والضمان. فإنهما قضيا دينه قصدا
لتبرئة ذمته، ليصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهما بأنه لم يترك وفاء. والنزاع في المحتسب بالرجوع لا في المتبرع.
وإذا رجع الضامن رجع (بالأقل مما قضى) الضامن.
(ولو) كان المرجوع به (قيمة عرض عوضه) الضامن (به) اي: بالدين،
(أو) بالأقل من (قدر الدين)، لأنه إن كان الأقل المقضي: فإنما يرجع.
بما غرم. ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشيء.
(1)
1 أما حديب علي فقد رواه أبو سعيد الخدري قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة. فلما وضعت قال لمجييه: هل على صاحبكم من دين، قالوا: نعم، درهمان. قال: صلوا على صاحبكم. فقال علي: يا
رسول الله! هما علي. وأنا لهما ضامن. فقام فصلى عليه. ثم أقبل على علي وقال: جزاك الله عن الإسلام خيرا، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ". أخرجه الدارقطني في " سننه ") 194) 3: 4746 كتاب البيوع.
وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 7372 كتاب الضمان، باب: وجوب الحق بالضمان. وأما
حديث أبي قتادة فقد سبق ذكره وتخريجه ص: 280.
وإن كان الأقل الدين فالزائد لم يكن واجبا على المضمون فإذا أداه ضامن
كان متبرعا به.
(وكذا) أي: وكضامن في هذه الأحكام (كفيل، وكل مؤد عن غيره دينا
واجبا. لا زكاة ونحوها) مما يفتقر إلى نية ككفارة " لعدم إجزائه " لعدم النية فيه.
(لكن: يرجع ضامن الضامن عليه) أي: على مضمونه. (وهو) أي:
مضمونه الذي هو ضامن الأصل يرجع (على الأصيل).
وعنه: يرجع من أذن له في الضمان على من أذن له.
وإن احال رب الدين إنسانا به على الضامن: فقال ابن نصر الله: يتوجه أن
يقال من جهة البحث: أن الضامن له أن يطالب المضمون عنه بمجرد أن يحال
عليه، لأن الحوالة عليه كالاستيفاء منه.
ولو مات الضامن قبل أن يؤدي إلى المحتال عليه ولم يخلف تركة فإن طالب
المحتال الورثة فلهم أن يطالبوا الأصيل ويؤدوا إلى المحتال ما يأخذونه منه،
لأنهم خلفاء الميت، ولهم أن يدفعوا الطلب عن أنفسهم، لعدم لزوم الدين
لهم. وحينئذ يرفع المحتال الأمر إلى الحاكم، ليأخذ الدين من الأصيل ويدفعه
إلى المحتال. ولا يقال يسقط المحتال لعدم التركة، لأن الضامن له تركة بالنسبة
إلى هذا الدين وهو ما يستحقه في ذمة الأصيل.
قال: وقد نقل لي ان شيخ الاسلام البلقينى أفتى بذلك. وهو متجه. قال:
ومثل هذا يتوجه ايضا في ما إذا أدى ضامن الضامن فمات الضامن قبل أدائه إلى ضامنه ولم يترك شيئا.
وأما إذا أبرأ المحتال الضامن بعد أن احيل عليه فإنه يبرأ بلا ريب.
لكن هل يكون له مطالبة الأصيل؟ يحتمل أن لا يملك ذلك، لعدم غرامته
عنه. فإن الإبراء إسقاط لا تمليك.
ويحتمل أن له مطالبته على قول من يقول: الإبراء تمليك. إذ كأنه استوفاه
منه ثم ملكه إياه.
(وإن انكر مقضي القضاء) أي: إذا ادعى الضامن انه قضى الدين وأنكر
المضمون له، ولا بينة (وحلف: لم يرجع) مدعي القضاء (على مدين)، لأنه
لا يرجع إلا في قضاء مبرئ، ولم يوجد. (ولو صدقه) المدين على رفع الدين،
لأن المانع من الرجوع تفريط الضامن من حيث: إنه قضى بلا بينة، وذلك
مشترك بين التصديق والتكذيب.
(إلا إن ثبت) القضاء ببينة، (أو حضره) المضمون عنه، لأنه هو المفرط
في ترك الإشهاد. وفيه وجه.
(او اشهد) الدافع (ومات) شهوده، (أو غاب شهوده وصدقه) أي:
صدق المدين ضامنه على حضوره أو غيبة الشهود أو موتهم " لأنه لم يفرط بترك الإشهاد. وليس الموت او الغيبة من فعله.
وإن قال الضامن: أشهدت ومات الشهود أو غابوا، او قال المدين: لم
تشهد: فالقول قوله، لأن الأصل معه. وفيه وجه.
ومتى أنكر المضمون له القضاء وحلف ورجع فاستوفى من الضامن مرة
ثانية: رجع على المضمون عنه بما قضاه عنه
(1)
ثانيا، لبراءة ذمته به ظاهرا. قاله القاضي، ورجحه في " الشرح ".
وفيه احتمال: يرجع بالأول، للبراءة به باطنا.
(وإن اعترف) المضمون له بالقضاء، (وأنكر مضمون عنه: لم يسمع
إنكاره)، لأن ما في ذمته حق للمضمون له. فإذا اعترف بالقبض من الضامن فقد اعترف بأن الحق الذي له صار للضامن. فيجب أن يقبل إقراره، لكونه إقرارا في
حق نفسه. وفيه وجه.
(ومن ارسل آخر إلى من) أي: إلى إنسان (له) أي: للمرسل (عنده)
أي: عند المرسل إليه (مال لأخذ دينار) من الدين. (فأخذ) الرسول من
المرسل إليه (أكثر) من دينار: (ضمنه) أي: ضمن المأخوذ (مرسل)، لأنه
(1)
زياده من ج.
هو المسلط للرسول، (ورجع به) أي: بما ضمنه (على رسوله)، لأنه متعد.
(ويصح ضمان الحال مؤجلا) نصا.
قال الإمام في رجل ضمن ما على فلان ان يؤديه في ثلاث سنين: فهو عليه،
ويؤديه كما ضمن، لحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا
(1)
.
ولأنه مال لزم مؤجلا بعقد. فكان كما التزمه
(2)
، كالثمن المؤجل.
فإن قيل: عندكم الحال لا يتأجل. فكيف يتأجل على الضامن، ام كيف
يثبت في ذمة الضامن على غير الوصف الذي يتصف به في ذمة المضمون عنه؟ فالجواب: أن الحق يتأجل في ابتداء ثيوته، إذا كان ثبوته بعقد، ولم يكن
على الضامن حالا ثم تأجل. ويجوز تخالف ما في الذمتين
(3)
. بدليل ما لو مات المضمون عنه والدين مؤجل.
إذا ثبت هذا وكان الدين مؤجلا إلى شهر فضمنه إلى شهرين لم يطالب إلى
مضيهما.
(وإن ضمن) الدين (المؤجل حالأ: لم يلزمه) أداوه (قبل اجله)، لأن
الضامن فرع للمضمون عنه. فلا يلزمه ما لا يلزم المضمون عنه.
ولأن المضمون عنه لو الزم نفسه تعجيل هذا الدين لم يلزمه تعجيله. فبأن
لا يلزم الضامن اولى.
(وإن عجله) أي: عجل الضامن الدين المؤجل (لم يرجع) على
المضمون عنه (حتى يحل)، لأن ضمانه لم يغيره عن تأجيله.
(1)
1 عن ابن عباس " أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول الله لمجيلى. فقال: ما عندي شيء أعطيكه. فقال: لا والله! لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل. فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه. فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم: كم تستنظره، فقال: شهرا. فقال رسول الله كي: فأنا أحمل له. فجاءه في الوقب الذي قال
النبي. فقال له النبي: من أين أصبت هذا، قال: من معدن. قال: لا خير فيها. وقضاها
عنه ". أخرجه ابن ماجه في " سننه " (2406) 2: 804 كتاب الصدقات، باب الكفالة.
(2)
في ب: لو التزمه.
(3)
في ب: الدينين.
ومحل ذلك: إن لم يأمره المضمون عنه بتعجيله. قإن امره بتعجيله فإن له
ان يرجع عليه إذا، لأنه ادخل الضرر على نفسه.
وفيما إذا ضمن المؤجل حالا وجه: انه يلزمه كما ضمن
(1)
.
(ولا يحل) دين مؤجل (بموت مضمون عنه، ولا ضامن)، لأن التأجيل
حق من حقوق الميت. [فلم يبطل بموته، كسائر حقوقه.
ومحل هذا: إذا وثق الورثة.
وعنه: يحل على الميت منهما. وعلى هذا: لو كان الميت]
(2)
الضامن
فاستوفى الغريم الدين من تركته لم يكن للورثة مطالبة المضمون عنه حتى يحل الحق، لأنه مؤجل عليه. فلا يستحق مطالبته قبل اجله.
(ومن ضمن او كفل) إنسانا (ثم قال) عن المضمون عنه: إنه (لم يكن
عليه حق) للمضمون له: (صدق خصمه) أي: المضمون له، لأن الأصل
صحة الكفالة أو بقاء الدين. (بيمينه)، لاحتمال صدق دعواه. فإن نكل
المضمون له عن اليمين قضي عليه ببراءة الضمين والأصيل.
(1)
في ب: يضمن.
(2)
ساقط من أ.
فصل: في الكفالة
(وهي) أي: الكفالة: (التزام رشيد إحضار من) أي: إنسان (عليه حق
مالي إلى ربه) اي: الحق. والجار متعلق بإحضار.
والكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر اهل العلم، لقوله سبحانه وتعالى: (قال
لن أزسله معكم حتي نؤتون موثقا من الله لتأتنني به الا ان يحاط بكم)] يوسف: 66].
فإن قيل: لم يثبت على المكفول به هنا شيء.
قيل: بل عليه حق، لأنه إذا دعاه والده لزمته الإجابة.
ولأن الحاجة داعية إلى الاستيثاق بضمان المال او ضمان البدن، وضمان
المال يمتنع منه كثير من الناس. فلو لم تجز الكفالة بالنفس، لأدى إلى الحرج
وعدم المعاملات المحتاج إليها.
(وتنعقد) الكفالة (بما) أي: بلفظ (ينعقد به ضمان)، لأنها نوع منه.
فانعقدت بما ينعقد به.
وقيل: لا تنعقد بحميل وقبيل.
(وإن ضمن) إنسان (معرفته) أي: معرفة إنسان غيره، بأن جاء إنسان إلى
آخر يستدين منه فقال له: أنا لا أعرفك لأعطيك. فأتاه بإنسان فضمن معرفته لمن
يريد أن يداينه. فاطمأن وداينه ثم غاب المستدين أو توارى: (أخذ) بالبناء
للمفعول ضامن المعرفة (به) أي: بالمستدين نصا.
قال المجد في " شرح الهداية ": فصل في ألفاظ الكفالة. قال أحمد في
رواية أبي طالب فيمن ضمن لرجل معرفة رجل: أخذ به. فإن لم يقدر ضمن.
انتهى. أي: إن لم يقدر على تحصيله ضمن ما عليه.
وقال ابن عقيل في " الفصول ": فصل. نقل أبو طالب عنه: في رجل ضمن
معرفة رجل أخذ به. فإن لم يقدر عليه غرم. وهذا يعني: أن أحمد جعل ضمان
المعرفة توثقة لمن له المال. فكأنه قال: ضمنت لك حضوره متى اردت، لأنك
أنت لا تعرفه، [ولا يمكنك إحضار من لا تعرفه]
(1)
فأنا أعرفه فاً حضره لك متى أردت. فصار كقوله: تكفلت ببدنه. انتهى.
فيطالب ضامن المعرفة بإحضاره. فإن عجز عن إحضاره مع حياته لزمه ما
عليه لمن ضمن معرفته له، لأن قوله: أنا ضمين لك بمعرفته في قوة قوله: أنا
ضمين لك بإحضاره، لأن الضمان ليس له صيغة معينة لا يصح إلا بها. فكل
صيغة ادت معنى التوثق. يصح بها الضمان.
فإن قيل: المراد بقوله: أخذ به أن يدل رب الدين على اسمه ومكانه.
فالجواب: ان ذلك باطل من وجوه:
الأول: أنه لو كان الأمر كذلك لقال الإمام: امر أن يدل عليه، او قال: أخذ
بمعرفته. أو قال: كلف تعريفه. وفي قوله: أخذ به ما يدل على بطلان ذلك.
الثانى: أنه لو كان الأمر كذلك لاستغنى رب الدين بسؤاله المستدين عن
نسبه ومكانه. وإن ارتاب في صحة قوله حصل زوال الريبة بمن يصدقه على ذلك
من غير ضمان معرفته.
الثالث: ان المقصود من ضمان المعرفة التوثيق. فإنه لا فائدة لرب الدين في
أن ينسب له او يذكر له أنه ساكن بمحلة كذا ولو مع غنائه مع غيبته وغيبة
(2)
ماله. الرابع: ان قول الإمام: فإن لم يقدر ضمن: يدل على أن المطلوب منه قد
لا يقدر عليه في بعض الأحوال والتعريف قادر عليه في كل وقت طلب منه إما
بلفظه أو كتابته أو إشارته إن عرض له ما يمنعه من التلفظ.
فإن قيل: قد قال الشيخ تقي الدين إن دلالة الكفيل المكفول له على
المكفول به وإعلامه بمكانه يبرأ به ريعد تسليما ولهذا لو دل على الصيد محرم
كفر. فهنا كذلك.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من ا.
فالجواب: أن الشيخ تقي الدين إنما قال ذلك في مكفول محبوس في حبس
الشرع. وهذا رب الدين متمكن
(1)
من استعداء الحاكم عليه فيأمر بإخراجه
ليحاكم غريمه ثم يرده إلى الحبس.
وأيضا فقوله: اسمه كذا وسكنه هذا البيت مع غيبته عن البيت: ليس بدلالة عليه
ولا بإعلام بمكانه، لأن مكانه إذا هو المستقر به، لا البيت الذي كان يسكنه قبل.
لكن يؤخذ من كلام الشيخ تقي الدين: أنه لو أتى به إلى بيت به المكفول ولا
يمكنه الفرار منه وليس ثم يد حائلة ظالمة تمنعه منه أنه يبرا بذلك.
وأما لو قال: أعط فلاناً ألفا ففعل لم يرجع على الامر ولم يكن ذلك كفالة
ولا ضمانا. إلا أن يقول: أعطه عني. ذكره في " شرح المقنع ".
(وتصح) الكفالة (ببدن من) أي: إنسان (عنده عين مضمونة)،
كالعاريه، (أو عنيه) اي: في ذمته (دين)، لأن كلا منها حق مالي. فصحت
الكفالة به، كالضمان.
وجملة ذلك: أن الكفالة تصح ببدن كل ما يلزم حضوره لمجلس الحكم
بدين لازم. فتصح بصبى ومجنون، لأنه قد يجب إحضارهما مجلس الحكم
للشهادة عليهما بالإتلاف، وإذن وليهما في الكفالة يقوم مقام
(2)
إذنهما.
وببدن محبوس وغائب، لأن كل وثيقة صحت مع الإطلاق والحضور
صحت مع الحبس والغيبة، كالرهن وضمان المال. لكن لو كان الغائب منقطع
الخبر فهل يلزم الكفيل ما عليه إذا أو حتى يمضي مدة يمكنه الإتيان به فيها ولم يفعل؟ فيه وجهان ماً خوذان من اختلاف كلام القاضي في ذلك.
و (لا) تصح ببدن من عليه (حد) لله سبحانه وتعالى، كحد الزنا، أو
لآدمي، كحد القذف، لما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
في ج: يتمكن.
(2)
ساقط من اوب.
قال: " لا كفالة في حد "
(1)
.
ولأنها استيثاق يلزم الكفيل ما
(2)
على المكفول به عند تعذر إحضاره.
والحد مبناه على الإسقاط والدرء بالشبهة. فلا يدخل فيه الاستيثاق، ولا يمكن
استيفاوه من غير الجانى.
(او قصاص)، لأنه بمنزلة من عليه حد.
(ولا بزوجة وشاهد)، لأن الذي عليهما أداوه لا يمكن استيفاوه من الكفيل.
ولا بمكاتب من أجل دين الكتابة، لأن الحضور لا يلزمه، إذ له تعجيز نفسبه.
(ولا إلى أجل أو بشخص مجهولين).
أما كونها لا تصح إلى اجل مجهول، فلأن المكفول له ليس له وقت يستحق
المطالبة فيه.
واما كونها لا تصح بشخص مجهول، فلأنه غير معلوم في الحال والمآل.
فلا يمكن تسليمه. بخلاف ضمان الدين المجهول. وفيه وجه.
(ولو) كانت جهالة ذلك (في ضمان)، لما تقدم.
(وإن كفل) إنسان (بجزء شائع) من إنسان، كثلثه أو ربعه، أو (عضو)
منه ظاهر، كرأسه ويده ورجله، أو باطن، كقلبه وكبده ونحوهما.
(أو) تكفل (بشخص على أنه إن جاء به) اي: بالشخص المكفول،
(وإلا) أي: وإن لم يجئ به (فهو كفيل بآخر) أي: بإنسان اخر معين، (أو)
فهو (ضامن ما عليه) من المال.
(أو) قال: (إذا قدم الحاج فأنا كفيل بزيد شهرا: صح) عقد الكفالة
والضمان.
اما صحة الكفالة بالجزء الشائع من الإنسان، فلأنه لا يمكنه إحضاره
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 77 كتاب الضمان، باب ما جاء في الكفالة ببدن من عليه حق.
(2)
في ج: مع ما.
إلا بإحضار الكل.
وأما صحتها بالعضو، فلأنه لا يمكنه إحضاره على صفته إلا بإحضار الكل.
وأما الصحة في قوله: على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل باخر أو ضامن
ما عليه، فلأن تعليق الكفالة والضمان على شرط يصح، كضمان العهدة.
ونص على صحة تعليق الكفالة في رواية مهنا.
واما المسألة الأخيرة فقد جمعت تعليقا وتوقيتا. وكلاهما صحيح على المذهب.
وفي الجميع وجه: لا يصح.
(ويبرأ) كفيل شهرا أو نحوه: (إن لم يطالبه) المكفول له بإحضاره (فيه)
أي: في الشهر أو نحوه، لأنه بمضيه لا يكون كفيلا.
(وإن قال) إنسان لرب الدين (أبرئ الكفيل وأنا كفيل: فسد الشرط)،
لأنه لا يلزم الوفاء به، (فيفسد العقد) أي: عقد الكفالة، لتقيده به. وفيه وجه.
وقيل: يصح الشرط أيضا.
ولو قال: كفلت لك هذا
(1)
الغريم على أن تبرأني من الكفالة بفلان، أو
ضمنت لك هذا الدين بشرط أن تبرأني من ضمان الدين الاخر: لم يصح، لأنه
شرط فسخ عقد في عقد، كالبييع بشرط فسخ بيع اخر.
وفيه وجه: يصح.
وكذا لو شرط في الكفاله او الضمان أن يتكفل
(2)
المكفول له، او المكفول
به اخر، أو يضمن دينا عليه، أو يبيعه شيئا عنه، أو يؤجره داره: لم يصح،
لما ذكرنا
(3)
.
(ويعتبر) أي: يشترط لصحة الكفالة (رضى كفيل)، لأنه لا يلزمه الحق
ابتداء إلا برضاه. (لا) رضى (مكفول به)، كالضمان. وفيه وجه.
(1)
في اوب: بهذا.
(2)
في ج: يكفل.
(3)
في ب. ذكرناه.
وعلم من ذلك: أنه لا يعتبر رضى المكفول له من باب أولى، لأنها وثيقة
لا قبض فيها. فصحت من غير رضاه، كالشهادة.
(ومتى سلمه) أي: سلم الكفيل المكفول به للمكفول له (بمحل عقد،
وقد حل الأجل) أي: أجل الكفالة فيما إذا كانت الكفالة مؤجلة (او لا) أي:
أو لم يحل. (و) الحالة انه (لا ضرر) على رب الدين (في قبضه) اي: قبض المكفول. والضرر مثل: أن تكون حجة الغريم غائبة، او لم يكن يوم مجلس
الحكم، أو الدين مؤجل عليه لا يمكنه اقتضاوه منه، او قد وعده بالإنظار في
تلك المدة، (وليس ثم) بفتح المثلثة (يد حائلة) بينه وبين المكفول (ظالمة،
او سلم) المكفول (نفسه) للمكفول له، (أو مات) المكفول، (أو تلفت
العين) التي كفله في التعدي فيها، كالمودعة والمؤجرة (بفعل الله تعالى قبل
طلب: برئ كفيل).
اما كون الكفيل إذا سلم المكفول بمحل العقد برئ، فلأن الكفالة عقد على
عمل. فبرئ منه بالعمل المعقود عليه، كالإجارة.
وعنه: لا يبرأ حتى يقول: قد برئت لك منه، او سلمته إليك.
وأما كونه يبرأ وإن لم يحل الدين حيث لا ضرر عليه في فبضه، فلأنه زاده
خيرا بتعجيل حقه.
وظاهر ما تقدم انه لو سلمه بغير محل العقد أو بغير محل تسليمه فيه: لم
يبرأ. وهو الأصح من الوجهين، لأنه سلم ما عليه في غير محله. فلم يبرأ، كما
لو أحضر المسلم إليه في غير محل العقد، أو في غير الموضع الذي شرطه.
ولأنه قد يسلَمه في موضع لا يقدر صاحب الحق على إثبات الحجة فيه لغيبة
شهوده او غير ذلك.
وأما كونه يشترط أن لا يكون هناك يد حائلة ظالمة تمنعه منه، فلأن التسليم
مع وجود ذلك كعدمه.
وأما كون المكفول إذا سلم نفسه يبرأ الكفيل، فلأن الأصل أدى ما عليه.
اشبه ما لو قضى المضمون عنه الدين.
وأما كونه يبرا بموت المكفول وتسقط الكفالة في المنصوص، فلأن
المكفول سقط عنه الحضور بالموت. فبرئ كفمله، كما لو أبرئ من الدين.
وأما كونه يبرأ بتلف العين بفعل الله تعالى، فلأن ذلك بمنزلة موت المكفول به.
وقيل: لا يبرأ الكفيل بموت المكفولى. إلا بشرط البراءة.
ولو قال في الكفالة: إن عجزت عن إحضاره، أو متى عجزت عن إحضاره
كان علي القيام بما أقر به. فقالى ابن نصر الله: لم يبرأ بموت المكفول ولزمه ما
عليه. قالى: وقد وقعت هذه المسألة وأفتيت فيها بلزوم المالى.
و (لا) يبرا الكفيل (إن مات هو) أي: الكفيل (او) مات (مكفول له)
والمكفول حي فيهما، لأن الكفالة أحد نوعي الضمان. فلم تبطل بموت كفيل
ومكفول له، كضمان المالى.
(وإن تعذر) على كفيل (إحضاره) أي: المكفو لى (مع بقائه) أي: حياته
باًن توارى، (او غاب) عن البلد غيبة قريبة أو بعيدة، (ومضى زمن يمكن)
الكفيل (رده) إلى البلد (فيه، او) مضى زمن (عينه) الكفيل (لإحضاره)
اي: المكفولى، كما لو قال: كفلته على أن أحضره لك غدا، أو نحوه فمضى
الغد ولم يحضره: (ضمن ما عليه) أي: ما على المكفول للمكفول له نصا،
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " الزعيم غارم "
(1)
.
ولأنه احد نوعي الضمان. فوجب الغرم بها، كالكفالة بالمال.
قال المجد في " شرحه ": ولم يسقط عنه المال بإحضاره بعد الوقت
المسمى. صرح به في رواية مهنا فيما وجدته بخط القاضي على ظهر الجزء
السابع والأربعين من " تعليقه ". انتهى.
وأما كون الكفيل يمهل مع غيبة المكفول إلى أن يمضي زمن يمكن رده فيه،
فلأن الحق يعتبر في وجوب ادائه إمكان التسليم، ولو كان حالا، كالدين. فإذا
(1)
سبق تخريجه ص (270) رقم (2).
مضت مدة يمكن إحضاره فيها ولم يحضره، او امتنع من إحضاره مع إمكانه:
أخذ بما عليه.
(لا إذا شرط) الكفيل (البراءة منه) أي: من المال إذا تعذر عليه
إحضاره. فلا يلزمه المال.
قال بعضهم: قولا واحدا، لما روي عن الإمام أنه قال: " المسلمون على
شروطهم "
(1)
.
ولأنه إنما التزم الكفالة على هذا الوجه. فلا يلزمه سوى ما اقتضاه التزامه.
(وإن ثبت) بالبينة (موته) أي: المكفول الغائب ونحوه (قبل غرمه)
اي: غرم الكفيل المال بإعطائه للمكفول له عن المكفول، لانقطاع خبره:
(استرده) أي: استرد الكفيل ما أعطاه للمكفوك له لتبين عدم استحقاقه له ببراءه
الكفيل بموت المكفول، وإن فدر على المكفول وقد ادى عنه ما لزمه.
قال في " الفروع ": فظاهر كلا مهم أنه في رجوعه عليه كضامن، وأنه
لا يسلمه إلى المكفول له ثم يسترد ما اداه. بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع
بقاءه لامتناع بيعه. انتهى.
(والسجان كالكفيل).
قال في " الفروع ": قاله شيخنا واقتصر عليه.
وقال ابن نصرالله: والأظهر انه كالوكيل يجعل في حفظ الغريم، وكذا
رسول الشرع ونحوه.
فإن هرب غريم منه وكان بتفريطه لزمه إحضاره وإلا فلا.
(وإذا طالب كفيل مكفولا به ان يحضر معه) إلى غريمه ليسلمه فيبرأ من
كفالته، (او) طالب (ضامن مضمونا بتخليصه) من ضمانه بتوفية الحق لربه:
(لزمه) اي: المكفول او المضمون ذلك (إن كفل أو ضمن بإذنه) أي: إذن
المكفول أو المضمود، (وطولب) الكفيل أو الضامن، لأنه شغل ذمته من اجله
(1)
سيق تخريجه ص (79) رقم (1).
بإدنه. فلزمه تخليصها، كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه فإن عليه تخليصه إذا
طلبه سيده.
(ويكفي) في وجوب لزوم الحضور (في) المسألة (الأولى) وهي: ما إذا
طالب الكفيل] المكفول بالحضور معه إلى غريمه (أحدهما) أي: الإذن، أو
مطالبة رب الدين الكفيل]
(1)
.
أما مع وجود الإذن فقد تقدم الكلام عليه.
وأما مع وجود المطالبة فقط، فلأن حضور المكفول حق للمكفول له وقد
استناب الكفيل في ذلك بمطالبته به. اشبه ما لو صرح بالوكالة.
وقيل: لا يلزمه الحضور إلا مع إذنه ومطالبة رب الدين الكفيل.
(ومن) أي: مدين (كفله اثنان. فسلمه احدهما) أي: أحد الكفيلين لرب
الدين: (لم يبرأ) الكفيل (الآخر)، لأن أحد الوثيقتين انحلت من غير استيفاء
فلم تنحل الأخرى، كما لو أبرأ أحدهما، او انفك أحد الرهنين من غير قضاء.
وقيل: يبرأ، كما لو قضى الدين احد الضامنين.
ورد: بأن الوثيقة هنا برئت بقبض ما فيها. بخلاف هذا.
وقيل: إن كفلاه معا أو وكل كل منهما الآخر في تسليمه برئ.
(وإن سلم) المكفول (نفسه: برئا) أي: الكفيلان، لأن المكفول أصل لهما.
فيبرآن ببراءته.
(وإن كفل كل واحد منهما) أي: من الكفيلين شخص (آخر. فأحضر)
هذا الاخر (المكفول به) أي: مكفول مكفوله: (برئ) من أحضره (هو ومن)
أي: الذي (تكفل به) من الكفيلين، لأنه أدى ما عليهما، كما لو سلمه من
تكفل به (فقط) أي: دون الكفيل الثانى، لأنه إذا انحلت أحد الوثيقتين من غير
استيفاء لم تنحل الأخرى، وتقدم.
وإن تكفل ثلاثة بواحد وكل منهم كفيل بصاحبه: صح ذلك.
(1)
ساقط من أ.
ومتى سلمه أحدهم برئ هو وصاحباه من كفالتهما به خاصة، لأنه أصل
لهما، وهما فرعان له، ويبقى على كل واحد منهما الكفالة بالمدين، لأنهما
أصلان فيها.
(ومن كفل لاثنين. فأبرأه أحدهما) من الكفالة، أو سلم المكفول به
لأحدهما: (لم يبرأ من الآخر)، لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين.
ولأنه قد التزم إحضاره لكل واحد منهما. فإذا أحضره لأحدهما، أو أبرأه
بقي حق الآخر، كما لو ضمن دينا لاثنين فوفى أحدهما.
(وإن كفل الكفيل) شخص (آخر، و) كفل (الآخر) شخص (آخر:
برئ كل) من الكفلاء (ببراءة من قبله). فيبرا الثانى ببراءة الأول، والثالث
ببراءة الثاني، لأنه فرعه.
(ولا عكس) اي: ولا يبرا واحد ببراءة من بعده، لأنه أصله، (كضمان)
في مال.
لكن لو سلم أحدهم المكفول به برئ الجميع، لأنه أدى ما عليهم، كما لو
سلم المكفول به نفسه لرب الدين.
وفي " المغني ": ما يدل على ذلك.
(ولو ضمن اثنان واحدأ) في مال، (وقال كل) منهما لرب الدين:
(ضمنت لك الدين. فـ) هذا (ضمان اشتراك) في التزام بالدين (في انفراد)
بأن يطالب كل منهما بجميع الدين على انفراده: (فله) أي: لرب الدين (طلب
كل) من الضامنين (بالدين كله)، لالتزامه به.
(وإن قالا) أي: الضامنان لرب الدين: (ضمنا لك الدين: فبينهما
بالحصص)، على كل واحد منهما نصفه.
وإن كانوا ثلاثة فكل واحد ضامن ثلثه.
فإن قال واحد منهم: أنا وهذا ضامنون لك الألف. فسكت الاخران فعليه
ثلث الألف، ولاشيءعليهما.
ومتى ادى ضامن المدين المال او حصته منه لم يرجع إلا على المضمون
عنه، لأن كل واحد منهم ضامن اصل، وليس بضامن على الضامن الآخر.
فرع:
متى خيف غرق سفينة فألقى بعض من فيها متاعه في البحر لتخف لم يرجع به
على أحد، لأنه أتلف مال نفسه باختياره من غير ضمان.
وإن قال بعضهم: ألق متاعك فألقاه فكذلك، لأنه لم يكرهه على إلقائه ولا
ضمن له.
وإن قال: القه وعلي ضمانه فألقاه فعى القائل ضمانه. ذكره أبو بكر " لأن
ضمان مالم يجب صحيح.
وإن قال: القه وانا وركبان السفينة ضمنا له ففعل. فالمذهب: انه ضامن
وحده بالحصة.
وقال أبو بكر: يضمنه القائل كله. إلا أن يتطوع بقيتهم.
وقال القاضي: إن كان ضمان اشتراك فليس عليه إلا ضمان حصته، لأنه لم
يضمن الجميع إنما ضمن حصته، واخبر عن سائر ركبان السفينة بضمان سائره. فلزمته حصته ولم يقبل قوله في حق الباقين. وإن كان ضمان اشتراك
(1)
وانفراد:
بأن يقول كل واحد منا ضامن لك متاعك او قيمته لزم القائل ضمان الجميع.
وهذا المذهب في هذه الصورة. سواء قال هذا والباقون يسمعون فسكتوا،
أو قالوا: لا نفعل او لم يسمعوا، لأن سكوتهم لا يلزمهم به حق.
وإن ضمنه الجميع فالغرم على عددهم، كضمانهم ما عليه من الدين.
ويجب إلقاء المتاع إن خيف تلف آدمي بعدمة.
(1)
ساقط من أ.
[باب: الحوالة]
هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام الحوالة.
وهي ثابتة بالسنة
(1)
، لما روى أبو هريره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مَطل الغني ظلم. وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع "
(2)
. متفق عليه.
وفي لفظ: " ومن أحيل بحقه على مليء فليحتل "
(3)
.
وأجمع أهل العلم على جوازها في الجملة.
واشتقاقها من التحول، لأنها تحول الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
و (الحوالة عقد إرفاق) منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره، ولا يدخلها خيار.
وقيل: إنها بيع.
ورد: بأنها لو كانت بيعا لدخلها الخيار، ولجازت بلفظه، وبين جنسين؛ كبقية البيوع. ولما جاز التفرق قبل القبض؛ لأنها بيع مال الربا بجنسه.
(وهي) أي: الحوالة شرعاً: (انتقال مال من ذمة إلى ذمة) أي: من
(4)
ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. بحيث لا يملك المحتال الرجوع على المحيل بحال إذا اجتمعمت شروطها ورضي بها المحتال؛ لأنها براءة من دين ليس فيها
(1)
ساقط من أ.
(2)
آخر جه البخاري في " صحيحه "(2166) 2: 799 كتاب الحوالات، باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة.
واخر جه مسلم في " صحيحه "(1564) 3: 1197 كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني. . .
(3)
آخر جه أحمد في " مسنده "(9974) 2: 463
(4)
في أوب: في.
قبض ممن هو عليه، ولا ممن يدفع عنه. أشبه ما لو أبرأه من الدين.
وتصح (بلفظها) أي: لفظ الحواله، كقول محيل: أحلتك، وقول محتال: احتلت.
(أو معناها الخاص)؛ كقول مدين لرب الدين: أتبعتك بدينك على زيد ونحو ذلك.
(وشرط) لصحة الحوالة خمسة شروط:
أحدها: (رضا محيل)؛ لأن الحق عليه. فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين على المحال عليه.
(و) الثاني: (المقاصة) ومن شروطها:
اتفاق الحقين بأن يتماثلا في الجنس. فلا تصح ممن عليهم دنانير على من عليه دراهم ونحو ذلك.
وفي الصفة. فلا تصح ممن عليه مكسرة على من عليه صحاح ونحوه.
وفي الحلول أو التأجيل أجلا واحدا. فلا تصح مع اختلاف واحد من ذلك؛ لأنها عقد إرفاق؛ كالقرض. فلو جوزت مع الاختلاف لصار المطلوب منها الفضل فتخرج عن موضعها.
لكن. إذا صحت فرضي المحال عليه بأن يدفع للمحتال خيرا من حقه، أو رضي المحتال بأن يأخذ منه دون حقه في الصفة، أو تراضيا على تأجيل حال أو تعجيل مؤجل: جاز.
(و) الثالث: (علم المال)، لأنها إن كانت بيعا فلا تصح في مجهول،
وإن كانت انتقالا فيعتبر فيه التسليم، والجهالة تمنع منه.
(و) الرابع: (استقراره) أي: استقرار المال في ذمة المحال عليه. نص عليه؛ كبدل القرض، وثمن البيع بعد لزوم البيع.
(فلا تصح على مال سلم) أي: على مسلم فيه، (أو رأسه) أي: رأس
مال سلم (بعد فسخ)؛ لعدم حصول المقاصة في ذلك.
(أو صداق قبل دخول، أو مال كتابة)؛ لعدم استقرارهما.
(وتصح) الحوالة: (إن أحال) المكاتب (سيده، أو) أحال (زوج امرأته) بمال كتابة أو صداق قبل دخول على دين مستقر.
(لا) الحوالة إن احتال المكاتب (بجزية)؛ لفوات الصغار الواجب.
(ولا أن يحيل ولد على أبيه)؛ لأن المحيل لا يملك مطالبة المحال عليه.
(و) الخامس: (كونه) أي: المال المحال عليه (يصح السلم فيه من مثلي)؛ كمكيل أو موزون موصوفين، (وغيره) أي: غير المثلي؛ (كمعدود ومذروع) ينضبطان بالصفة. وفيهما وجه.
فعلى المذهب: تصح الحوالة بإبل الدية على من عليه مثلها. وفي ذلك وجه.
و (لا) يشترط (استقرار) مال (محال به)؛ لأن الحوالة به بمنزلة وفائه، ويصح الوفاء قبل الاستقرار.
(ولا رضى محال عليه)؛ لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله،
وقد أقام المحتال مقام
(1)
نفسه في القبض. فلزم المحال عليه الدفع إليه؛ كالوكيل.
(ولا) رضى (محتال: إن أحيل على مليء، ويجبر على اتباعه) نصا؛
لظاهر الأمر من قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع "
(2)
.
ولأن للمحيل أن يوفي الحق الذي عليه بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال
عليه مقام نفسه في التقبيض. فلزم المحال القبول؛ كما لو وكل رجلا في إيفائه. وفارق ما إذا أراد ان يعطيه عما في ذمته عرضا؛ لأنه يعطيه غير ما وجب له. فلم يلزمه قبوله.
وفيه رواية: لا يجبر.
(1)
فى ج: أقام المحال عليه مقام
(2)
سبق تخريجه قريباص (301) رقم (1)
والمذهب: يجبر.
(ولو) كان المحال عليه المليء (ميتا).
قال في " التنقيح ": قاله في " الرعاية ".
(ويبرأ محيل بمجردها، ولو أفلس محال عليه، أو جحد) الدين، (أو مات). نقله الجماعة.
وعنه: إذا أجبره حاكم.
قال في " الفروع ": فيتوجه قبله مطالبة محيله. وذكر أبو حازم وابنه
أبو يعلى: لا؛ كتعيينه كيسا فيريد غيره.
قال أبو يعلى: والوكالة في الإيفاء يحرم امتناعه ولا يسقط حقه بها بل مطالبته. انتهى.
(والمليء) الذي يجبر المحتال على اتباعه هو: (القادر بماله وقوله وبدنه). بهذا عرف الإمام المليء. نقله عنه إسماعيل العجلي. ونبه على عدم الزيادة على ذلك بقوله: (فقط)، وزاد في " الرعاية الصغرى " و" الحاويين ": وفعله. وزاد في " الكبرى " عليهما: ويمكنه من الأداء. وقيل: أن المليء هو المليء بالقول والأمانة وإمكان الأداء.
والمذهب ما قال الإمام.
لكن اختلف في تفسير كلامه (فعند الزركشي) في " شرح الخرقي ": (ماله: القدرة على الوفاء. وقوله: أن لا يكون مماطلا. وبدنه: إمكان حضوره إلى مجلس الحكم. فـ) على هذا التفسير (لا يلزم) رب الدين (أن يحتال على والده)؛ لأنه يمكنه حضوره إلى مجلس الحكم.
وعند الشيخ صفي الدين في " شرح المحرر ": ماله: القدرة على الوفاء. وقوله: إقراره بالدين. وبدنه: الحياة. فحصل الاتفاق منهما على تفسير القادر بماله، واختلفا في القادر بقوله وبدنه. فعلى ما في " شرح المحرر " يجبر المحتال على اتباعه ولو كان مماطلا حيث كان مقرا بالدين. والأظهر: أنه
لا يجبر على اتباع جاحد ولا مماطل. يؤيد ذلك قوله في " المغني ": والظاهر "أن الخرقي أراد بالمليء هاهنا القادر على الوفاء غير الجاحد ولا المماطل. انتهى.
(وإن ظنه) أي: ظن المحتال المحال عليه (مليئا، أو جهله) أي: جهل المحتال حال المحال عليه، (فبان) له كونه (مفلسا: رجع) بما احتال به على المحيل، لأن الفلس عيب ولم يرض به. فاستحق الرجوع، كالمبيع إذا بان معيبا.
(لا إن رضي) بالحوالة عليه (ولم يشترط الملاءة)، لتفريطه بترك اشتراط الملاءة، كما لو اشترى معيبا عالماً بعيبه.
وعلم مما تقدم أنه إذا اشترط المحتال على المحيل ملاءة المحال عليه فبان معسرأ: أنه يرجع من باب أولى.
ويؤخذ من هذا صحة هذا الشرط، لأن له فيه مصلحة. أشبه اشتراط صفة
في المبيع.
(ومتى صحت) الحوالة بالتراخي أو بالجبر على المليء، (فرضيا) أي: المحتال والمحال عليه (بخير منه) أي: أن يدفع المحال عليه خيراً من المحال به في الصفة، (أو بدونه) أي: أن يأخذ
(1)
المحتال دون المحال به في الصفة أو القدر، (أو) تراضيا على (تعجيله) وهو مؤجل، (أو تأجليه) وهو حال، (أو عوضه: جاز) ذلك، لأن الحق لهما. لكن إن جرى بين العوضين ربا النسيئة كما لو كان الدين المحال به من الموزونات فعوضه فيه موزونا من غير جنسه، أو كان مكيلا فعوضه عنه مكيلا من غير جنسه: اشترط فيه التقابض بمجلس التعويض.
(وإذا بطل بيع) بأن بان المبيع مستحقا، أو كان آدمياً فبان حرا، (وقد أحيل بائع) بأن كان للمشتري عند شخص دين من جنس الثمن وأحال المشتري.
(1)
في أوب: أي بأخذ.
البائع عليه بالثمن، (أو أحال) البائع شخصا له عليه دين على المشتري (بالثمن: بطلت) الحوالة، لأن ببطلان البيع تبينا أن لا ثمن على المشتري، والحوالة فرع على سلامة الثمن
(1)
. فيرجع المشتري على من كان له عليه الدين
في مسألة حوالته، وعلى المحال عليه في مسألة الحوالة عليه. لا على البائع؛
لأن الحوالة لما بطلت وجب بقاء الحق على ما كان. ويعتبر ثبوت ذلك ببينة أو اتفاقهم. فلو اتفقا على حرية العبد وكذبهما المحتال لم يقبل قولهما عليه؛ لأنهما يبطلان حقه؛ كما لو باع المشتري ثم اعترف هو وبائعه أنه كان حرا.
وإن أقاما بينة لم تسمع، لأنهما كذباها بدخولهما في التبايع. لكن إن
(2)
أقامها العبد قبلت وبطلت الحواله.
وإن صدقهما المحتال وادعى أنها بغير ثمن العبد قبل قوله بيمينه.
وإن اتفق المحيل والمحتال على حريته وكذبهما المحال عليه لم يقبل قولهما
عليه " لأنه إقرار على غيرهما، وتبطل الحوالة.
ولو اعترف المحتال والمحال
(3)
عليه بذلك: عتق، لإقرار من هو في يده بحريته، وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما، ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل " لأن دخوله معه في الحوالة اعتراف ببراءته.
(لا إن فسخ) العقد وقد أحيل بائع بالثمن أو أحال به (على أي وجه كان) الفسخ. فشمل ما إذا كان الفسخ باتفاقهما " كالتقايل، أو باختيار أحدهما " كالفسخ بخيار أو عيب فإن الحوالة لا تبطل.
(وإن لم يقبض) الثمن؛ لأن عقد البيع لم يرتفع فلم يسقط الثمن. فلم
تبطل الحوالة " لانتفاء المبطل. وكما لو أخذ البائع بحقه عوضا
(4)
وحينئذ للمشتري الرجوع على البائع فيهما، لأنه لما رد المعوض استحق الرجوع بالعوض، والرجوع في عينه متعذر؛ للزوم الحوالة. فوجب في بدله. وإذا لزم
(1)
في أ: فرع على الثمن. وفي ب: فرع عن الثمن.
(2)
في ج: لو.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في أ: عرضأ.
البدل وجب على البائع؛ لأنه هو الذي انتفع بمبدله.
قال في " المقنع ": ويحتمل ان تبطل إن لم يكن قبضها. وحكاه في
" المحرر " و" الفروع " قولا، وقدمه في " الكافي "، وأبطل القاضي الحوالة بالثمن على غريم المشتري، لا إن
(1)
أحال البائع على المشتري.
(وكذا نكاح فسخ) وقد أحيلت الزوجة بالمهر، (ونحوه)؛ كعقد الإنجارة
إذا فسخ وقد احال المؤجر بالأجرة، أو أحيل عليه بها.
(ولبائع) احيل بالثمن ثم فسخ البيع (أن يحيل المشتري) مما استحقه بالفسخ (على من احاله) المشترى، (عليه في) المساًلة (الأولى)؛ لأن دينه ثابت على من احاله المشتري عليه. فصحت الحوالة عليه؛ كسائر الحقوق المستقرة.
(ولمشتر أن يحيل محالا عليه) من قبل بائع (على بائع في) المسألة (الثانية)؛ لأن دينه ثابت على البائع ثبوتا مستقرا. فصحت الحوالة عليه؛ كبقية الحقوق.
(وإن اتفقا) أي: رب دين ومدين (على) قول المدين لرب الدين: (أحلتك) على زيد، (أو) على أنه قال:(أحلتك بديني) على زيد، (وادعى احدهما إرادة الوكالة: صدق) بيمينه؛ لأن الأصل بقاء الحق على كل من المحيل والمحال عليه، ومدعي الحوالة يدعي نقله، ومدعي الوكالة ينكره. والقول قول المنكر. وفيه وجه.
ولا موضع للبينة في هذه المسألة؛ لأنهما لم يختلفا في لفظ يسمع ولا فعل يرى، وإنما يدعي المحيل نيته، وهذا لا تشهد به البينة نفيا ولا إثباتا.
(و) إن اتفقا (على) قول المدين لرب الدين: (أحلتك بدينك)، وادعى أحدهما إرادة الوكالة والآخر الحوالة:(فقول مدعي الحوالة).
قال في " المقنع ": وجها واحدا؛ لأن الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة.
فلم يقبل قول مدعيها.
(1)
في أ: إذا
) وإن قال زيد لعمرو: أحلتني بديني على بكر، واختلفا) أي: زيد وعمرو
) هل جرى بينهما لفظ الحوالة أو غيره) أي: غير لفظ الحوالة؛ كالوكالة بأن قال زيد: أحلتني على بكر بدين بلفظ الحوالة، وقال عمرو: بل وكلتك في قبض دين بلفظ التوكيل، ولا بينة لواحد منهما، لأن اختلافهما هنا في اللفظ وهو مما يمكن إقامة البينة عليه،) صدق عمرو) بيمينه؛ لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله، والأصل معه. (فلا يقبض زيد من بكر)؛ لعزله بالإنكار، (وما قبضه) زيد من بكر قبل ذلك (وهو) أي: المقبوض (قائم) لم يتلف ف (لعمرو أخذه) من زيد؛ لأن قبض زيد بطريق النيابة عن عمرو.
(والتالف) من المقبوض بيد زيد إن لم يحصل منه تفريط (من) مال
(عمرو)؛ لاتفاقهما على صحه قبضه من بكر، (ولزيد طلبه) أي: طلب عمرو (بدينه) عليه؛ لاعترافه ببقائه في ذمته بإنكاره الحوالة.
وفيه وجه؛ لأن دعوى زيد الحوالة براءة.
وقيل: يصدق زيد فيأخذ من بكر.
وعلى كلا الوجهين: إن كان زيد قد قبض الدين من بكر وتلف في يده بتفريط أو غيره فقد برئ كل من زيد وعمرو لصاحبه؛ لأنه إن تلف بتفريط وكان المحتال محقا فقد أتلف ماله. وإن كان مبطلا ثبت لكل واحد منهما في ذمة الآخر مثل ما في ذمته له. فيتساقطان بالمقاصة.
وإن تلف بغير تفريط فالمحتال يقول: قد قبضت حقي وتلف في يدي،
وبرئ منه عمرو بالحوالة، وبكر بتسليمه إلي، والمحيل يقول: قد تلف المال في يد وكيلي بغير تفريط: فلا ضمان عليه.
(ولو قال عمرو: أحلتك) بلفظ الحوالة، (وقال زيد: وكلتني) في قبضه
بلفظ الوكاله ولا بينة لواحد منهما: (صدق) زيد بيمينه؛ لأن عمرا يدعي انتقال الحق وزيد ينكره. والأصل معه.
ولزيد القبض من بكر؛ لأنه إما وكيل وإما محتال. فإن قبض منه بقدر ما له
على عمرو فأقل قبل أخذه من عمرو فله أخذ ما قبض لنفسه؛ لأن عمرا يقول: هو لك، وزيد يقول: هو أمانة في يدي ولي مثله على عمرو. فإذا أخذه لنفسه حصل غرضه ولم يأخذ من عمرو شيئا. وإن استوفى زيد من عمرو دون بكر رجع عمرو على بكر في أحد الوجهين.
قال القاضي: وهو أصح؛ لأنه قد ثبتت الوكالة بيمين زيد وبقي الحق في
ذمه بكر لعمرو. وفي الآخر: لا يرجع عمرو على بكر؛ لاعترافه أنه قد برئ من حقه، وأن زيدا ظلمه بأخذ ما كان على بكر.
وقيل: يصدق عمرو.
وعلى الوجهين: إن كان زيد قبض المال من بكر وأتلفه، أو تلف في يده بتفريط: سقط حقه؛ لأنه إن كان محقا فقد أتلف حقه، وإن كان مبطلا فقد أتلف مثل دينه. فيثبت في ذمته فيتقاصان.
وإن تلف في يده بلا تفريط فالتالف من مال عمرو، ولزيد طلبه بحقه، وليس لعمرو الرجوع على بكر؛ لاعترافه ببراءته.
وقيل: يسقط حق زيد.
(والحوالة) ممن له حق في الديوان لغيره (على ما له في الديوان: إذن) له (في الاستيفاء) فقط، وللمحتال الرجوع ومطالبته محيله.
قال
(1)
الشيخ تقي الدين:؛ لأن الحوالة إنما تكون على ذمة.
(وإحالة من) أي: إنسان) لا دين عليه) إنسانا (على من دينه عليه): وكاله) له في طلبه وقبضه.
(و) إحالة (من لا دين عليه على مثله) أي: على من لا دين له: (ومحالة
في اقتراض. وكذا مدين) محيل
(2)
(على بريء: فلا يصارفه). نص عليه. وفي " الموجز " و" التبصرة ": إن رضي البريء بالحوالة صار ضامنا يلزمه
الأد اء.
***
(1)
في ب: قاله
(2)
كذا في ج. وفي أوب: يحيل.
] باب: الصلح]
هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام الصلح وحكم الجوار.
(الصلح) ثابت بالإجماع. وسنده عموم قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ] الحجرات: 9].
النساء: 128].
وما روى أبو هريره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصلح جائز بين المسلمين. إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما "
(1)
. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الحاكم.
وهو لغة: قطع المنازعة.
وشرعا: (التوفيق والسلم.
ويكون) أنواعا خمسة:
أحدها: أن يكون (بين مسلمين وأهل حرب.
و) الثانى: (بين أهل عدل و) أهل (بغي.
و) الثالث: أن يكون (بين زوجين خيف شقاق بينهما، أو خافت) الزوجة (إعراضه) أي: إعر اض زوجها عنها.
(و) الرابع: أن يكون) بين متخاصمين في غير مال).
(1)
آخر جه أبو داود في " سننه "(3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.
واخر جه الترمذي في " جامعه "(1352) 3: 634 كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس.
واخر جه ابن ماجه في " سننه "(2353) 2: 788 كتاب الأحكام، باب الصلح.
واخر جه الحاكم في " مستدركه "(2313) 2: 58 كتاب البيوع
والخامس: أن يكون بين متخاصمين في مال. (وهو فيه) أي: والصلح
في المال: (معاقدة يتو صل بها إلى موافقة بين مختلفين). وهذا النوع هو المعقود له هذا
(1)
الباب.
(وهو) أي: هذا النوع (قسمان):
أحدهما: الصلح (على إقر ار. وهو) أي: الصلح على إقر ار (نوعان: نوع) منهما يقع (على جنس الحق؛ مثل: أن يقر له) أي: لمن يصح تبرعه (بدين) معلوم في ذمته، (أو) يقر له ب (عين) تحت يده (فيضع) المقر له عن المقر بعض الدين المقر به؛ كنصفه أو ثلثه أو نحوهما، (أو يهب) له (البعض) من العين المقر بها، (ويأخذ الباقي) بعد الوضع أو الهبة:(فيصح)؛ لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه أو هبته؛ كما لا يمنع من استيفائه؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر ليضعوا عنه "
(2)
.
وقضية كعب مع ابن أبي حدرد شاهدة بذلك
(3)
.
قال الإمام: إذا كان للرجل على الرجل الدين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما.
) لا بلفظ الصلح) في اشهر الروايتين؛ لأنه هضم للحق.
والثانية: يصح. وهو ظاهر ما في " الموجز " و" التبصر ة ".
(أو بشرط أن يعطيه الباقي) فلا يصح ولو لم يذكر لفظ الشرط؛ كما لو
(1)
ساقط من ب.
(2)
قال جابر: " قتل أبي وعليه دين. فسأل النبى صلى الله عليه وسلم غرماءه أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي ". ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا 2: 918 كتاب الهبة، باب إذا وهب دينا على رجل
(3)
عن كعب بن مالك " أنه كان له مال على عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي فلقيه فلزمه فتكلما حتى ارتفعب الأصوات فمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا كعب! وأشار بيده كأنه يقول النصف فأخذ نصف ما عليه
وترك نصفأ ". آخر جه مسلم في " صحيحه " (1558) 3: 1193 كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين. واخر جه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 52 كتاب التفليس، باب ما جاء في الملازمة.
قال: علي أن تعطيني كذا منه أو تعوضني منه كذا؛ لأن ذلك كله يقتضي المعاوضة فكأنه عاوض بعض حقه ببعض وهو باطل. وفيه وجه.
وهذا المعنى ملحوظ أيضاً في لفظ الصلح؛ لأنه لا بد له من حرف يتعدى
به؛ كالباء وعلى ونحوهما. وذلك يقتضي المعاوضة. فلا يصح بلفظ الصلح. (أو يمنعه) أي: يمنع من عليه الحق ربه (حقه بدونه) أي: بدون أن
يعطيه منه. فلا يصح؛ لأنه أكل لمال الغير بالباطل.
(ولا) يصح ذلك (ممن لا يصح تبرعه؛ كمكاتب، و) قن (مأذون له)
في تجارة، (وولي) لصغير أو سفيه؛ لأنه تبرع، وهؤلاء لا يملكونه.
(إلا ان أنكر) من عليه الحق (ولا بينة) لربه؛ لأن استيفاء البعض عند
العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه.
(ويصح) ويباج للولي: أن يصالح (عما ادعي على موليه) بدفع ويبرئ
مما سواه.
(و) محل ذلك: إذا كان للمدعي (به بينة)؛ لأن ذلك إذا يكون فيه مصلحه.
(ولا يصح) الصلح (عن) دين (مؤجل ببعضه) أي: إلمؤجل (حالأ)
نصاّ. نقله الجماعة؛ لأنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا عن تعجيل ما في ذمته. وبيع الحلول والتأجيل لا يجوز؛ كما لا يجوز أن يعطيه عشرة حالة بعشرين مؤجله. ولأنه يبيعه عشرة بعشرين
(1)
. فلم يجز؛ كما لو كانت معينة.
وفيه رواية اختارها الشيخ تقي الدين لبراءة الذمة هنا.
والمذهب: لا يصح.
(إلا في) مال (كتابة) إذا عجل المكاتب لسيده بعض كتابته على أن يعتقه
(2)
ويسقط عنه الباقي، جزم به الأصحاب، ونقله ابن منصور.
(1)
في ب: بعشرة.
(2)
في أوب: يعتق
(وإن وضع) رب دين (بعض حال، وأجّل باقيه: صح الوضع) إذ لا مانع
من صحته؛ لأنه ليس في مقابلته تأجيل؛ كما لو وضعه كله. وفيه رواية.
(لا التأجيل)؛ لأن الحالّ لا يتأجل. ولأنه وعد. وفيه رواية.
والخلاف: فيما إذا صالح بمائة صحاح بخمسين مكسرة هل هو إبراء من الخمسين ووعد في ال آخر ى؟.
(ولا يصح) الصلح (عن حق؛ كدية خطأ، أو قيمة متلف غير مثليّ بأكثر
من حقه) أي: من ذلك الحق الذي هو الدية وقيمه المتلف، (من جنسه)؛ لأن الدية والقيمة ثبتت في الذمة بقدره. فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر من جنسها؛ كالثابت عن قرض. إذ الزائد لا مقابل له. فيكون حراما؛ لأنه من أكل المال بالباطل.
(ويصح) الصلح (عن متلف مثلي بأكثر من قيمته، و) كذا (بعرض قيمته أكثر) من الدية أو قيمة المتلف (فيهما) أي: المسألتين؛ لأنه لا ربا بين العوض والمعوض. فصح؛ كما لو باعه ما يساوي عشرة دراهم بدرهم.
(ولو صالحه) أي: صالح المدعى عليه المدعي (عن بيت) ادعى عليه
به، و (أقر) له (به على بعضه) أي: البيت، (أو سكناه) أي: على أن يسكنه المدعى عليه (مدة) معلومة؛ كسنة كذا، أو مجهولة؛ كما عاش ونحو ذلك، (أو) على (بناء غرفة له) أي: للمدعى عليه (فوقه) أي: فوق البيت.
(أو ادعى) إنسان (رق) إنسان (مكلف أو زوجية) امرأة (مكلفة. فأقرا) أي: المدعى رقه والمدعى زوجيتها له) أي: للمدعي بالرق أو الزوجية (بعوض منه) أي: من المدعي: (لم يصح) الصلح ولا الإقرار
أما كون الصلح لا يصح؛ فلأنه مصالحة عن ملكه أو على منفعة ملكه.
وإن فعل ذلك على سبيل المصالحة معتقدا وجوبه عليه بالصلح رجع عليه بأجر ما سكن وأجر ما في يده من الدار؛ لأنه أخذه بعقد فاسد. فأشبه المبيع
والمؤجر بعقد فاسد.
وإن بنى فوق البيت غرفة أجبر على نقضها.
وإذا آجر السطح مدة مقامه في يده وله أخذ اّلته. فإن
(1)
اتفقا على أن يصالحه صاحب البيت عن بنائه بعوض جاز.
وإن أسكنه أو أعطاه بعض الدار غير معتقد وجوبه كان تبرعاً منه. ومتى شاء انتزعه منه.
وأما كون إقرار المدعى عليه الرق أو الزوجية بهما لم يصح " فلقوله صلى الله عليه وسلم:
" إلا صلحا أحل حراما "
(2)
. وهذا يحل حراما " لأنه يثبت الرق على من لم يثبت رقه، والزوجية على من لم يثبت نكاحها.
ولو أراد الحر بيع نفسه أو المراة بذل نفسها بعوض لم يجز.
(وإن بذلا) أي: المدعى عليه العبودية والمدعى عليه الزوجية (مالا) إلى مدعي ذلك، حال كون البذل (صلحا عن دعواه، أو) بذلت امرأة مالا (لمبينها ليقر) لها (ببينونتها: صح).
أما كون المدعى عليه العبودية يصح بذله المال لمدعيها " فلأنه يجوز العتق على عوض، ويشرع ذلك في حق الدافع " لقطع الخصومة المتوجهة عليه.
وأما كون المدعى عليها الزوجية يصح منها ذلك، فلأن المدعي يأخذ ذلك عوضا عن حقه في النكاح. فجاز، كعوض الخلع. والمرأة تبذله، لقطع الخصومة، وإزالة الشرور.
وفي هذه المسألة وجه: لا يصح ذلك.
وعلى المذهب: لو ثبتت زوجيتها بعد ذلك فهل يحكم ببينونتها بأخذ العوض " لأنه أخذه عما كان يستحقه من نكاحها. فكان خلعا " كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها، أو ببقاء النكاح " لأنه لم يوجد منه طلاق ولا خلع؟ فيه وجهان.
(1)
في الأصول: وإن. وما أثبتناه من " شرح البهونى " 2: 140
(2)
سبق تخريجه ص (310) رقم (1).
قال في " الإنصاف " عن هذا: قلت: وهو الصواب.
وأما كون المرأة يصح أن تبذل مالا لمبينها ليقر ببينونتها؛ فلأنه يجوز أن تبذل له مالا ليبينها.
قال في " الإنصاف " عن هذا: قلت: يجوز لها أن تدفع إليه، ويحرم عليه
أن يأخذ منها. انتهى.
وقيل: لا يجوز دفعها المال في ذلك، وصححه في " الإنصاف. ".
(و) من قال لغريمه: (أقر لي بديني وأعطيك) منه مائة، (أو) أقر لي بديني و (خذ منه مائة. ففعل) أي: فأقر: (لزمه) ما أقر به؛ لأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره، (ولم يصح الصلح)؛ لأنه يجب عليه الإقرار بما عليه من الحق. فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه. فيرد ما أخذ، ويعطي ما أقر به.
(النوع الثاني) من قسم الصلح على الإقرار: أن
(1)
يصالح عن الحق (على
غير جنسه)، وهذا النوع معاوضة؛ كما لو اعترف له بعين في يده أو دين في ذمته، ثم يعوضه فيه ما يجوز تعويضه عنه.
(ويصح بلفظ الصلح)؛ لأنا إنما منعناه في النوع الذي قبله؛ لأنه يقتضي المعاوضة. وهي هناك محذورة وهنا مقصودة. وتقدم في أول كتاب البيع
(2)
: أنه ينعقد بلفظ الصلح. وفيه وجه.
ثم لما كان هذا النوع ينقسم إلى أقسام نبّه عليها بقوله: (فبنقد عن نقد: صرف) أي: إذا أقر له بذهب وصالحه
(3)
عنه بفضة أو عكس. فتكون هذه المصالحة صرفأّ؛ لأنها بيع أحد النقدين ب الآخر. فيشترط لها ما يشترط للصرف من التقابض بالمجلس.
وكذا لو أقر له بقمح وعوضه عنه شعيرا أو نحوه مما لا يباع به نسيئة.
(1)
في أ: من.
(2)
ص (74).
(3)
في أب: فصالحه.
(و) المصالحة (بعرض) عن نقد؛ كما لو أقر له بدينار أو دراهم فصالحه
عن ذلك بثوب، (أو) صالحه (عنه) أي: عن عرض أقر له به؛ كما لو أقر له بفرس فصالحه عنها (بنقد) ذهب أو فضة، (أو عرض)؛ كما لو صالحه عن الفرس بدار أو ثوب:(بيعٌ) في الصور الثلاثة، يشترط له ما يشترط للبيع من العلم به وسائر شروط البيع.
(و) الصلح عن نقد أو عرض أقر به (بمنفعة؛ كسكنى) دار، (وخدمة
عبد معينين: إجارةٌ) تبطل بتلف الدار وموت العبد؛ كسائر الإجارات.
ثم إن كان التلف قبل استيفاء شيء من المنفعة انفسخت الإجارة ورجع بما صولح عنه.
وإن كان عن إنكار رجع بالدعوى.
وإن كان بعد استيفاء بعضها انفسخت فيما بقي فيرجع بقسطه.
وقيل: تبطل في الجميع.
وإن باع العبد أو الدار المالك قبل استيفاء المنفعة أو بعضها صح البيع، ويكون للمشتري مسلوب المنفعة إلى انقضاء المدة، وللمشتري الفسخ إن لم يعلم؛ لأنه
(1)
عيب.
وإن أعتق العبد نفذ عتقه. وللمصالح أن يستوفي نفعه إلى انقضاء المدة؛ لأنه أعتقه بعد أن ملك منفعته لغيره. فأشبه ما لو أعتق الأمة المزوجة بحر. ولا يرجع العبد على سيده بشيء؛ لأنه ما أزال ملكه بالعتقد] إلا عن الرقبة، والمنافع حينئذ مملوكة لغيره. فلم تتلف منافعه بالعتق [
(2)
فلا يرجع بشيء.
ولأنه اعتقه مسلوب المنفعة. فلم يرجع بشيء.
وذكر القاضي وابن عقيل وجها: أنه يرجع على سيده بأجر مثله؛ لأن العتق
(1)
في ب: أنه.
(2)
ساقط من أ.
اقتضى إزالة ملكه
(1)
عن الرقبة والمنفعة جميعا. فكأنه حال بينه وبين منفعته. ورد: بأن إعتاقه لم يصادف سوى ملك الرقبة. فلم يؤثر إلا فيه؛ كما لو وصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفعه فأعتق صاحب الرقبة.
وبأنه إنما اقتضى زوال الملك عن المنفعة إذا كانت مملوكه له. أما إذا كانت مملوكة لغيره. فلا يقتضي إعتاقه إزالة ما ليس بموجود.
وإن تبين أن الدار والعبد
(2)
مستحق تبين بطلان الصلح؛ لفساد العوض، ورجع المدعي فيما أقر له به.
وإن تبين له أن الدار والعبد
(3)
معيب عيباً ينقص به المنفعة فله رده وفسخ الصلح. .
وإن صالحه بتزويج أمته صح بشرطه وكان المصالح به صداقها. فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالحه عنه. وأن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه.
(و) الصلح (عن دين يصح بغير جنسه مطلقا) أي: سواء كان أقل منه؛ كما لو صالح عن مد قمحا قرضاً بنصف مد سمسماً، أو أكثر؛ كما لو صالح عنه بمدين شعيرا.
(لا بجنسه) أي: لا (بـ) قمح (أقل أو أكثر على سبيل المعاوضة)؛ لأن
ذلك يفضي إلى ربا الفضل.
ومحل ذلك: إذا كان المصالح به معينا.
(و) أما إن كان الصلح (بشيء في الذمة) في نحو المسائل المتقدمة فإنه (يحرم التفرق قبل القبض)؛ لأنه إذا حصل التفرق قبل القبض كان كل واحد من العوضين دينا؛ لأن محله الذمة. فيصير بيع دين بدين وهو منهي عنه شرعاً.
(1)
في أب: الملك.
(2)
في أ: أو العبد
(3)
في ا: أو العبد.
(ولو
(1)
صالح الورثة من) أي: إنسانا (وصّىَ له) من قبل مورثهم (بخدمة) من رقيق معين من التركة، (أو سكنى) دار معينة، (أو حمل أمة) معينة (بدراهم مسماة: جاز) ذلك صلحا لا بيعا أي: لا أن يبيع ذلك للورثة؛ لعدم العلم به.
(ومن صالح عن عيب في مبيعه بشيء) من عين؛ كما لو أعطى للمشتري دينارا، أو منفعة؛ كما لو صالحه على سكنى داره شهرا:(رجع به) أي: بذلك الشيء المصالح به. (إن بان عدمه) أي: عدم العيب؛ كما لو كانت بطن الأمة منتفخة وظن أنها حامل ثم بان لهما الحال، (أو زال سريعا) بأن كانت حاملا فوضعته في الحال، أو كان المبيع مريضا فعوفي أو نحو ذلك؛ لحصول الجزء الذي قد نقصه العيب من المبيع.
(وترجع امرأة صالحت عنه) أي: عن عيب في مبيعها (بتزويجها) إن بان
عدمه أو زال سريعا (بأرشه) أي: بقدر أرش العيب لو كان أو لم يزل، أو بان المبيع فاسدا؛ كما لو وقع العقد على قن فبان حرا وظهر المبيع مستحقا للغير؛ لأنها رضيت الأرش مهرا لها.
(ويصح الصلح عما) أي: عن مجهول (تعذر علمه: من دين)؛ كالرجلين
يكون بينهما المعاملة والحساب الذي قد مضى عليه الزمن الطويل، (أو عين). نقل عبدالله: إذا اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير وطحنا. فإن عرفت قيمة
دقيق الحنطة ودقيق الشعير بيع هذا وأعطي كل واحد منهما قيمة ماله. إلا أن يصطلحاعلى شيءويتحالا.
(بـ) مال (معلوم نقد ونسيئة)؛ " لقوله صلى الله عليه وسلم لرجلين اختصما في مواريث
درست بينهما: استهما وتوخيا الحق، وليحلل أحدكما صاحبه "
(2)
. رواه أحمد وأبو داود.
(1)
في ب: ومن.
(2)
آخر جه أبو داود قي " سننه "(3585) 3: 302 كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ.
واخر جه أحمد في " مسنده "(26757) 6: 0 32
ولأنه إسقاط حق. فصح في المجهول للحاجة.
ولأنه إذا صح الصلح مع العلم وإمكان أداء الحق بعنيه. فلأن يصح مع الجهل أولى.
وذلك لأنه إذا كان معلوما فلهما طريق إلى التلخيص وبراءة أحدهما من صاحبه بدونه، ومع الجهل لا يمكن ذلك، ولو لم يجز الصلح أفضى إلى ضياع المال على تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كل واحد منهما قدر حقه.
قال في " الإنصاف ": وسواء كان الجهل من الجانبين أو ممن عليه وهذا المذهب مطلقا. انتهى.
وعلم مما تقدم أن الصلح لو وقع بمجهول لم يصح؛ لأن تسليمه واجب والجهالة تمنعه وتفضي إلى التنازع. . فلا يحصل مقصود الصلح.
(فإن لم يتعذر) علمه (فكبراءة من مجهول). قدمه في " الفروع "، واقتصر عليه في " التنقيح ".
أي: إن قلنا بصحة البراءة من المجهول صح الصلح، وإلا فلا.
قال في " التلخيص ": وقد نزل أصحابنا الصلح عن المجهول المقر به بمعلوم منزلة الإبراء من المجهول. فيصح على المشهور؛ لقطع النزاع.
ونقل حنبل ما يدل على أنه لا يصح الإبراء من المجهول. فلا يصح الصلح عنه، وهذا منهم يدل على أنه يختص بما في الذمم؛ لأن الأعيان لا تقبل الإبر اء.
وقال في " الفروع ": وجزم صاحب " المحرر " وغيره بالمنع؛ لعدم الحاجة؛ كالبيع. قال: وهو ظاهر نصوصه، وظاهر ما جزم به في " الإرشاد " وغيره وفافاّ لمالك. وخرج في " التعليق " و" الانتصار " وغيرهما في صلح المجهول والإنكار من البراءة من المجهول عدم الصحة، وخرجه في " التبصره " من الإبراء من عيب لم يعلماه. انتهى.
وظاهر كلامه في " الإنصاف " أيضاً: أن الصحيح المنع.
وقيل: لا يصح عن أعيان مجهولة، لكونه إبراء. وهي لا تقبله.
وفي " الترغيب ": هو ظاهر كلامه-.
(القسم الثانى) من قسمي الصلح في المال: الصلح (على إنكار)، وذلك (بأن يدعي) إنسان على آخر (عينا أو دينا فينكر) المدعى عليه (أو يسكت، وهو) أي: المدعى عليه (يجهله) أي: المدعى به، (ثم يصالحه على نقد أو نسيئة)، لأن المدعي ملجأ إلى التأخير بتأخير خصمه:(فيصح) في قول أكثر العلماء، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" الصلح بين المسلمين جائز "
(1)
.
فإن قيل: فقد قال: " إلا صلحا أحل حراما "
(2)
. وهذا داخل فيه، لأنه لم
يكن له أن يأخذ من مال المدعى عليه. فحل بالصلح.
فالجواب: أنا لا نسلم دخوله فيه. ولا يصح حمل الحديث عليه، لوجهين:
أحدهما: أن هذا يوجد في الصلح بمعنى البيع. فإنه يحل لكل واحد منهما
ما كان محرما عليه قبله، وكذلك الصلح بمعنى الهبة. فإنه يحل للموهوب له ما كان حراما عليه، والإسقاط يحل له ترك أداء ما كان واجبا عليه.
الثانى: لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحا. فإن الصلح الفاسد لا يحل الحرام. وإنما معناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه " كما لو صالحه على استرقاق حر، أو إحلال بضيع محرم، أو صالحه بخمر أو خنزير، وليس ما نحن فيه كذلك.
ولأنه صلح يصح مع الأحنبي فصح مع الخصم، كالصلح مع الإقرار. يحققه: أنه إذا صح مع الأجنبي مع غناه عنه. فلأن يصح مع الخصم مع حاجته إليه اولى.
(و) إذا ثبت هذا فإنه (يكون) الصلح (إبراء في حقه) أي: المدعى
(1)
سبق تخريجه ص (310) رقم (1).
(2)
سبق تخريجه ص (310) رقم (1).
عليه؛ لأنه إنما بذل مال الصلح ليدفع عن نفسه الخصومة. لا في مقابلة حق ثبت عليه، وحينئذ (لاشفعة فيه) إن كان شقصا من عقار.
(ولا يستحق) المدعى عليه (لعيب) وجده فيما إذا
(1)
ادعى به
(2)
عليه (شيئا)؛ لأنه لم يبذل المال في مقابلة العين. فلا يكون في معنى المعاوضة؛ لاعتقاده أنه كان في ملكه قبل الصلح.
(وبيعا في حق مدّع ِ) فيكون: (له رده) أي: رد المصالح به عما ادعاه (بعيب) فيه؛ لأنه يأخذه على سبيل العوض عما ادعاه، (وفسخ الصلح)؛ كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا.
(ويثبت فية) ما إذا صالحه بشقص (مشفوع الشفعة)؛ لأنه بيع؛ لكونه أخذه عوضا عما ادعاه؛ كما لو اشتراه به.
ويستثنى من كون المصالح به بيعا في حق مدع صورة أشير إليها بقوله:
(إلا إذا صالح) المدعى عليه المدعي (ببعض عين مدعى بها)؛ كما لو ادعى نصف دار بيد المدعى عليه فأنكره ثم صالحه على ربعها: (فهو فيه) أي: فالمدعي في صورة هذا الصلح (كالمنكر) أي: كالمدعى عليه المنكر في أنه لا يؤخذ منه بشفعة.
ولا يستحق بعيب
(3)
شيئاً؛ لأن المدعي يعتقد أنه أخذ بعض عين ماله مسترجعا له
(4)
ممن هو عنده. فلم يكن بيعاً؛ كاسترجاع العين المغصوبة.
(و) محل ما تقدم ذكره: فيما إذا كان المدعي يعتقد أن ما ادعاه حق والمدعى عليه يعتقد أنه لا حق عليه. أما (من علم كذب نفسه) منهما: (فالصلح باطل في حقه)؛ لأنه إن كان المدعي فإن الصلح مبني على دعواه الباطلة، وإن كان المدعى عليه فإنه مبني على جحد المدعى عليه حق المدعي
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في أب: لعيب.
(4)
ساقط من أ.
ليأكل ما ينتقصه بالباطل.
(وما أخذه) المدعي العالم بكذب نفسه من المال المصالح به أو المدعى عليه. مما انتقصه من الحق بجحده (: فحرام) على كل منهما؛ لأنه أكل مال الغير بالباطل المنهي عنه. ولا يٌشهَد له إن علم ظَلمه. نقله المروذي.
(ومن قال) ل آخر: (صالحني عن الملك الذي تدعيه: لم يكن مقرا به) أي: لم يكن القائل مقرا بالملك للمقول له؛ لاحتمال إرادة صيانة نفسه عن التبذل، وحضور مجلس الحكم بذلك. فإن ذوي المروءات يصعب عليهم ذلك، ويرون دفع ضررها عنهم من أعظم مصالحهم.
وفيه وجه: أنه يكون إقرارا ً، وأطلقهما في " الفروع ".
قال المجد في " شرح الهداية ": وإذا ادعى عليه حقاً فأنكره ثم قال: صالحني لم يكن إقراراً، كما دل عليه كلامه.
وإن قال: بعني ذلك فهل يكون إقرارا؛ للشافعية فيه وجهان:
أحدهما: يكون إقراراً. اختاره أبو الطيب، وبه قا ل أبو حنيفة. انتهى.
(وإن صالح أجنبي عن منكِر لدين، أو) منكر لى (عين)، وسيأتي إذا صالح الأجنبى لنفسه (بإذنه) أي: إذن المنكر)] أو دونه) أي: دون إذنه:) صح) الصلح فيهما) ولو لم يقل) الأجنبي:) إنه) أي: المنكر (وكّله) [
(1)
في ذلك. أما في الدين؛ فلأن قضاءه عن غيره جائز بإذنه وبغير إذنه؛ فإن عليا
وأبا قتادة قضيا عن الميت فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما في العين؛ فلأن في الصلح افتداء للمنكر من الخصومة، وإبراء له من الدعوى، وذلك جائز.
(لا يرجع)، فى المسألتين على المنكر بشيء مما صالح به إن وقع الصلح
(1)
ساقط من أ.
(بدون إذنه)؛ لأنه ادعى عنه ما لا يلزمه أداؤه. فكان متبرعا؛ كما لو تصدق عنه. وعلم مما تقدم أن المنكر إذا أذن للأجنبي في الصلح أو في الأداء: أن له الرجوع إذا أدى بنيته
(1)
.
أما الرجوع مع الإذن في اللأداء؛ فظاهر.
وأما مع الإذن في الصلح فقط؛ فلأنه يجب عليه الأداء بعقد الصلح. فإذا
أداه فقد أدى واجبا عن غيره محتسبا بالرجوع. فكان له الرجوع على الأصح من
(2)
الروايتين.
(وإن صالح) الأجنبي (لنفسه ليكون الطلب له وقد أنكر) الأجنبي (المدعى) به: لم يصح الصلح؛ لأنه يشتري من المدعي ما لم يثبت له، ولم يتوجه إليه خصومه يفتدي منها. فأشبه ما لو اشترى منه ملك غيره عالمين بذلك.
(أو أقر) الأجنبي بصحة الدعوى (والمدعى) له (دين): لم يصح الصلح أيضاً؛ لأنه بيع دين من غير من هو في ذمته لا يصح. وفيه وجه.
قال في " المغني ": وليس بجيد؛ لأن بيع الدين المقر به من غير من هو في
ذمته لا يصح. فبيع دين في ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى.
(أو هو) أي: المدعى به (عين، وعلم) الأجنبي (عجزه عن استنقاذها)
من المدعى عليه: (لم يصح) الصلح أيضاً؛ لأنه بيع مغصوب ممن لا يقدر على أخذه.
(وإن ظن القدرة) على استنقاذها؛ كما لو قال الأجنبي للمدعي: أنا أعلم
أنك صادق فصالحني عنها فإنى قادر على استنقاذها من المنكر.
(أو) ظن (عدمها) أي: عدم القدرة، (ثم تبينت) قدرته على استنقاذها:(صح) الصلح في المسألتين.
(1)
في ج: ببينه
(2)
في أ: في.
أما في الأولى؛ فلأنه اشترى من مالكه ملكه القادر على أخذه في اعتقاده.
قال في " المغني ": ويحتمل أنه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبين أن الصلح كان فاسداً.
وأما في الثانيه " فلأن البيع تناول ما يمكن تسليمه. فلم يؤثر ظن عدمه.
وفيه وجه.
(ثم إن) قدر على أخذه استقر الصلح، وإن (عجز: خٌيّرَ) الأجنبي (بين فسخ) للصلح؛ لأنه لم يسلم له المعقود عليه. فكان له الرجوع إلى بدله، (و) بين (إمضاء) للصلح، لأن الحق له؛ كالرد بالعيب.
قال في " المغني ": فإن قال الأجنبي للمدعي: أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك عن هذه العين وهو مقر لك بها وإنما يجحدها في الظاهر: فظاهر كلام الخرقي أن الصلح لا يصح؛ لأنه يجحدها في الظاهر لينقص المدعي بعض حقه أو يشتريه بأقل من ثمنه. فهو هاضم للحق متوصل إلى أخذ المصالح عنه بالظلم والعدوان. فهو بمنزلة ما لو شافهه بذلك. فقال: أنا أعلم صحة دعواك وأن هذا لك، ولكن لا أسلمه إليك، ولا أقر لك به عند الحاكم حتى تصالحني منه على بعضه أوعوض عنه.
وقال القاضي: يصح.
ثم ينظر إلى المدعى عليه فإن صدقه على ذلك ملك العين ورجع الأجنبي
عليه بما أدى عنه إن كان أذن في الدفع. وإن أنكر الإذن في الدفع فالقول قوله مع يمينه ويكون حكمه حكم من قضى دينه بغير إذنه. وإن أنكر الوكالة فالقول قوله مع يمينه وليس للأجنبي الرجوع عليه ولا يحكم له بملكها. فأما حكم ملكها في الباطن فإن كان الأجنبي قد
(1)
وكل في الشراء فقد ملكها؛ لأنه اشتراها بإذنه فلا يقدح إنكاره في ملكها؛ لأن ملكه ثبت قبل إنكاره، وإنما هو ظالم بالإنكار.
(1)
زيادة من ج
للأجنبي. وإن كان لم يوكله لم يملكها، لأنه اشترى له عينا بغير إذنه.
ويحتمل أن يقف على إجازته كما
(1)
قلنا فيمن اشترى عينا لغيره بغير إذنه
بثمن في ذمته: فإن أجازه لزم في حقه، وإن لم يجزه م من اشتراه.
وإن قال الأجنبي للمدعي: قد عرف المدعى عليه صحة دعواك وهو يسألك
أن تصالحه عنه وقد وكلني في المصالحة عنه فصالحه صح، وكان الحكم كما ذكرنا؛ لأنه هاهنا لم يمتنع من أدائه بل اعترف به وصالح عليه وبذله له. فأشبه ما لو لم يجحده.
***
(1)
فى ب: فإن
] فصل: في الصلح عما ليس بمال]
(فصل. ويصح صلح مع إقرار، و) مع (إنكار عن قود) في نفس أو دونها، (و) عن (سكنى) دار ونحوها، (و) عن (عيب) في عوض أو معوض. قال في " المجرد ": وإن لم يجز بيع ذلك؛ لأنه لقطع الخصومة، وقاله
في "الفصول " في فصل صلح الإنكار، وأن القود له بدل وهو
(1)
الدية؛ كالمال. قال المجد في " شرح الهداية ": وهذا إن أراد أنه بيع من الغير فصحيح.
وإن أراد بيعها ممن هي عليه فقياس المذهب المختار عندي جوازه فإنه معنى الصلح، وإن كان بلفظ البيع وذلك بأن يقول: بعتك هذا العيب بكذا. وقد صرح أصحابنا بأن الصلح عن المجهول يصح بلفظ البيع فيما إذا أتلف عليه صبرة لا يعلمان كيلها. . وأن لفظ البيع ولفظ الصلح فيها سواء. ذكره القاضي في مسألة الإبراء من المجهول.
إذا ثبت هذا فإنه يصح الصلح عن القود (بفوق دية) أي: بما يزيد على قدرها ولو بلغ ديات؛ لما روي " أن الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة بن خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها ".
ولأن المال غير متعين. فلم يقع العوض في مقابلته.
وفي " الترغيب ": لا يصح على جنس الديه إن قيل موجبه أحد شيئين،
ولم يختر الولي شيئا إلا بعد تعيين الجنس من إبل أو غنم، حذراً من الربا.
وفي " الانتصار ": لا يجوز بأكثر من دية إذا قلنا الواجب أحد شيئين.
(وبما) أي: شيء (يثبت مهراً) في عقد نكاح من نقد أو عرض (حالأ ومؤجلا). صرح به المجد في " شرح الهداية "؛ لأنه يصح إسقاط المصالح
(1)
في أوب: هو.
عليه. فلأن يصح الصلح عليه من باب أولى.
و) لا) يصح الصلح (بعوض عن خيار) في بيع أو إجارة، (أو) عن إسقاط (شفعة).
نقل ابن منصور: الشفعة لا تباع ولا توهب.
(أو حد قذف)؛ لأنه لم يشرع واحد منهما لاستفادة مال. وإنما شرع الخيار للنظر في الأحظ والشفعة؛ لإزالة الضرر بالشركة، وحد القذف للزجر عن الوقوع في أعراض الناس.
(وتسقط جميعها)، وفي الشفعة والحد وجه.
(ولا) يصح أيضاً أن يصالح إنسان (سارقاً أو شارباً ليطلقه)؛ لأن الدفع
إلى السلطان ليس حقا يجوز الاعتياض عنه.
(أو شاهدا ليكتم شهادته)؛ لأن كتمانها حرام. فلم يصح الاعتياض
عنه. وتشمل صورا:
منها: أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بحق تلزمه الشهادة به؛ كدين آدمي، أو حق لله تعالى لا يسقط بالشبهه؛ كالزكاة.
ومنها: أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بالزور فهو حرام؛ كما لو صالحه على أن لا يقتله أو. يغصبه ماله.
ومنها: أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بما يوجب حد الزنا والسرقة. فلا يجوز الاعتياض في الكل.
(ومن صالح) آخر (عن دار، أو نحوها)؛ كعبد وثوب بعوض (فبان العوض) المصالح به (مستحقاً) لغير المصالح، أو كان قنا فبان حمرا:(رجع بها) أي: بالدار المصالح عنها أو بالعبد أو بالثوب المصالح عنه إن كان باقيا أو بقيمته إن كان تالفا.
ومحل ذلك: إذا كان الصلح (مع إقرار) من المصالح؛ لأن الصلح إذاً بيع
في الحقيقة. فإذا تبين أن العوض كان مستحقاً أو حراً، كان البيع فاسداً. فرجع
فيما كان له، (و) رجع (بالدعوى) أي: إلى دعواه قبل الصلح.
(وفي " الرعاية ": أو قيمة) المصالح به (المستحق) لغير المدعى
(1)
عليه (مع إنكار) متعلق برجع. وكذا قوله: وبالدعوى.
وجه المذهب: أن الصلح لما تبين فساده بخروج المصالح به غير مال، كما
لو صالح بعصير فبان خمراً، أو بقِنّ فبان حراً، أو غير مستحق للمدعى عليه؛ كما لو بان أنه غصبه أو نحو ذلك: حكم ببطلان عقد الصلح، وحيث بطل عاد الأمر إلى ما كان عليه قبله. فيرجع المدعي فيما كان له وهو الدعوى.
ووجه ما قاله صاحب " الرعاية ": أن المدعي لما رضي بالمصالح به وانقطعت الخصومة ولم يسلم له كان له قيمته.
وهو مردود: بأن الصلح لا أثر له، لتبين فساده.
وإنما ذكرت هذا القول في المتن؛ لانفراد صاحب " الرعاية " به، وإعلاما
بأنه يؤخذ من كلامه القول بالتفصيل بين صلح الإقرار وصلح الإنكار. خلافا لما توهمه بعبارة " الفروع " من كونه: لا فرق بينهما. وأطال ابن قندس الكلام على ذلك في " حواشيه ". فليراجعه من أراده.
(و) رجع المصالح (عن قود) في نفس أو دونها بقن أو غيره إذا خرج حرا
أو مستحقا (بقيمة عوض) مصالح به؛ لأنه تعذر تسليم ما جعل عوضا عنه فرجع في قيمته.
(وإن علماه) أي: علم المتصالحان عند الصلح أن المصالح به حر أو مستحق للغير: سقط القود إلى الدية؛ لحصول الرضى على ترك القصاص. (ف) يرجع ولي الجناية (بالدية)؛ لأن الصلح هنا باطل يعلمان بطلانه فكان وجوده كعدمه.
(ويحرم أن يجري) الإنسان (في أرض غيره أو سطحه) أي: سطح غيره (ماء، بلا إذنه) أي: إذن صاحب الأرض أو السطح؛ لتضرره، أو تضرر.
(1)
في أ: الدعوى
أرضه، وكزرعه بغير إذنه بجامع أن كلاً منهما استعمال لمال الغير بغير إذنه.
وفيه رواية: إن دعت ضرورة.
وقيل: أو حاجة.
(ويصح صلحه على ذلك بعوض)، لأن ذلك إما بيع أو إجارة، وكل منهماجائز.
ثم أشار إلى ما يتميز به أحدهما بقوله: (فمع بقاء ملكه) أي: ملك مالك المحل الذي صالح على إجراء الماء فيه، باًن تصالحاً على إجراء الماء في أرضه أو سطحه وملكه بحاله: فذلك (إجارة.
وإلا) أي: وإن لم يقع الصلح على أن ذلك المحل باق له: (فـ) ذلك (بيع. . ويعتبر) لصحة ذلك إذا وقع إجارة (علم قدر الماء) المجري " لأنه يختلف
ضرره بكثرته وقلته (بساقيته) أي: ساقية الماء، لأنه لا يمكن أن يجري في الساقية أكثر من ملئها.
(و) علم قدر (ماء مطر: برؤية ما) أي: محل (يزول عنه، أو مساحته)
بأن يقاس ليعلم مبلغه، لأنه يمكن أن يجري منه القليل والكثير.
(وتقدير ما يجري فيه الماء) من ذلك المحل.
(لا) علم قدر (عمقه) " لأنه إذا ملك عين الأرض أو نفعها كان له إلى التخوم. فله أن ينزل فيها
(1)
ما شاء.
(ولا) علم (مدته) أي: مدة الإجراء (للحاجة) إلى ذلك، إذ العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقدير مدة جائز " (كنكاج).
وفي "القواعد": ليس بإجارة محضة، لعدم تقدير المدة، بل هو شبيه بالبيع. (ولمستأجر ومستعير) أرضا (الصلح) أي: أن يصالح غيره (على) إجراء
(1)
في أوب: فيه.
ماء في (ساقية محفورة) فيها، لأنها لو لم تكن محفورة لما جاز إحداثها فيها.
(لا) أن يصالح المستأجر أو المستعير (على إجراء ماء مطر على سطح،
أو) ماء سطح على (أرض).
أما منعه على السطح " فلأن السطح يتضرر بذلك ولم يؤذن له فيه.
وأما منعه على الأرض، فلأنه يجعل لغير صاحب الأرض رسماً. فربما ادعى استحقاق رب الماء ذلك على صاحب الأرض.
وقيل: يجوز في الثانية إذا لم يحتج إلى حفر ولم يكن فيه مضرة " لأنه بمنزلة إجراء الماء في ساقية محفورة.
ورد: بأن الساقية المحفورة تدل على رسم قديم. بخلاف هذه الصورة فإنها تجدده.
(و) أرض (موقوفة) في حكم الصلح على ذلك (كمؤجرة). ذكره القاضي وابن عقيل وقدمه في " الفروع "، لأن الموقوفة عليه لا يملك إحداث ساقية فيها " لأنه يجعل لرب الماء
(1)
رسما على الأرض. أشبه التصرف في رقبة الموقوف وهو لا يملكه.
قال في " المغني ": والأولى أنه يجوز له حفر الساقية، لأن الأرض له،
وله التصرف فيها كيف شاء ما لم ينتقل الملك فيها إلى غيره.
قال في " الفروع ": فدل أن الباب والخوخة والكوة ونحو ذلك لا يجوز في مؤجرة. وفي موقوفة الخلاف، أو يجوز قولاً واحداً وهو أولى " لأن تعليل الشيخ لو لم يكن مسلّماً لم يفد. وظاهره لا تعتبر المصلحة وإذن الحاكم، بل عدم الضرر، وأن إذنه يعتبر لدفع الخلاف.
قال: ويأتي كلام ابن عقيل، وفيه إذنه فيه لمصلحة المأذون المختار بأمر شرعي. فلمصلحة الموقوف أو الموقوف عليه أولى. وهو معنى نصه في تجديده لمصلحة.
وذكره شيخنا عن أكثر العلماء في تغيير صفاته لمصلحة " كالحكورة.
(1)
في أ: المال.
وعمله حكام أصحابنا بالشام، حتى صاحب " الشرح " في جامع المظفر.
وقد زاد عمر وعثمان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيّرا بناءه، ثم عمر بن عبدالعزيز وزاد فيه أبواباً، ثم المهدي ثم المأمون.
نقل أبو داود فيمن أدخل بيتاً في المسجد أله أن يرجع فيه؛ قال: لا، إذا أذن.
قال الحارثي بعد ذكر رواية البخاري وغيره: الزيادة في مسجده صلى الله عليه وسلم، "وخبر عائشة:" لولا أن قومك حديثوا عهد "
(1)
.
قال: إذا ثبت ما ذكرنا فيطرد في سائر الأوقاف بالأولى والأحرى. انتهى. (وإن صالحه) أي: صالح إنسان إنساناً (على سقي أرضه) أي: أرض أحدهما (من نهره) أي: نهر الآخر (أو) من (عينه مدة ولو) كانت مدة السقي (معينة) أي: بعوض: (لم يصح)؛ لعدم ملكه.
وقيل: بلى؛ للحاجة، وكسبهم منها تبعاً؛ كما لو صالحه على ثلث النهر
أو العين بعوض فإنه يصح، ويكون تبعا للقرار، والماء تابع له.
(ويصح شراء) إنسان لـ (ممر في دار) في من يملكه، (وموضع بحائط يفتح بابا، وبٌقعة تحفر بئرا)؛ لأن ذلك يجوز بيعه أو إجارته. فجاز الاعتياض عنه بالصلح. وليس ذلك خاصاً بالدار، بل الأملاك فيها كذلك.
وإنما اعتبر بالدار؛ لأن الغالب وقوعه فيها.
(و) يصح شراء (علو بيت ولو لم يٌبن) البيت (إذا وصف) البيت؛ ليكون معلوما (ليبني) متعلق بشراء (أو يضع عليه) أي: على العلو الذي اشتراه (بنياناً) أي: يبني عليه بنياناً، (أو) يضع عليه (خشباً موصوفين).
أما كونه يصح بيع العلو فقط؛ فلأنه ملك للبائع. فجاز بيعه؛ كالأرض.
وأما كونه يصح وإن لم يبن بشرطه؛ فلأنه ملك للمصالح. فجاز له أخذ العوض عنه؛ كالإقرار.
وفيه وجه: لا يصح حتى يبني.
(1)
آخر جه البخاري في " صحيحه "(126) 1: 59 كتاب العلم، باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه. . .
(ومع زواله) أي: زوال ما على علو البيت من بنيان أو خشب: (له) أي: للمصالح (الرجوع) على رب السفل (بمدته) أي: بأجرة مدة زواله عنه. (و) له (إعادته مطلقاً) أي: سواء زال لسقوطه أو سقوط ما تحته أو لهدمه
إياه أو غير ذلك " لأنه استحق إبقاءه بعوض.
(و) له (الصلح على عدمها) أي: عدم إعادته؛ لأنه لما جاز أن يبيع ذلك
منه جاز أن يصالح عنه؛ (كـ) ما يصح (على زواله) أي: على رفعه. سواء كان ما صالحه به مثل العوض الذي صولح به على وضعه أو أقل أو أكثر؛ لأن هذا عوض عن المنفعة المستحقة له. فيصح بما اتفقا عليه.
وكذلك لو كان له مسيل ماء في أرض غيره أو ميزاب أو غيره فصالح صاحب الأرض مستحق ذلك بعوض؛ ليزيله عنه، جاز.
(و) له (فعله) أي: وضع البنيان أو الخشب على بناء غيره (صلحاً أبداً) أي: على التأبيد بلا شراء ولا إجارة.
(أو) فعله (إجارة مدة معينة. وإذا مضت: بقي، وله أجرة المثل).
قال في " الفنون ": فإذا فرغت المدة يحتمل أنه ليس لرب الجدار مطالبته بقلع خشبه. قال: وهو الأشبه كإعارته لذلك " لما فيه من الخروج عن حكم العرف؛ لأن العرف وضعها للأبد. فهو كإعارة الأرض للدفن لما كان يراد لإحالة الأرض للأجساد لم يملك الرجوع قبل ذلك.
ثم إما أن يتركه بعد المدة بحكم العرف بأجرة مثله إلى حين نفاذ الخشب؛
لأنه العرف فيه؛ كالزرع إلى حصاده للعرف فيه، أو تجدد إجارة بأجرة المثل وهي المستحقة بالدوام بلا عقد؛ لئلا يفضي إلى تمليك المؤجر ما يفضي إلى القلع
(1)
وهو زيادة الأجرة. فيلجئه إلى القلع
(2)
؛ كما لو غاب المستأجر فإنه يتركه بأجرة المثل؛ لأن العرف يقضي عليه؛ لأنه يعلم أنها لا تستأجر كذلك إلا للتأبيد، ومع التساكت له أجرة المثل.
(1)
في أوب: القطع.
(2)
في أ: القطع.
(فصل: في حكم الجوار)
الجوار هو: الاسم من المجاورة؛ كالقتال من المقاتلة. وأصله الملازمة، ومنه قيل للمعتكف: مجاور.
وقد جاء في الحديث " انة صلى الله عليه وسلم كان يجاور في المسجد "
(1)
.
وذلك لأن الجار يلزم جاره في المسكن.
وعٌقد هذا الفصل فيه: أنه يلزم المجاور لجاره: رفع ما يتأذى به في مسكنه، ومعونته على حاجته إذا خلت من ضرر عليه. فقد قال صلى الله عليه وسلم:" ما زال جبريل يوصيني في الجار حتى ظننت أنه سيورثه "
(2)
.
وقد جاء في معناه أحاديث كلها تدل على مثل ذلك.
وهذا الفصل وضع لبيان ما يجب من
(3)
ذلك.
(إذا حصل في هوائه) أي: هواء الإنسان، (أو) في (أرضه) التي يملكها أو بعضها أو يملك نفعها أو بعضه. بأن حصل في هوائه (غصن شجر غيره، أو) حصل في أرضه (عِرقّه) أي: عرق شجرة غيره: (لزمه) أي: لزم صاحب الغصن أو العرق (إزالته) إما برد ذلك إلى ناحية آخر ى، وإما بالقطع. سواء أثر ذلك ضررًا أو لم يؤثر؛ لأن ذلك إخلاء ملكه الواجب إخلاؤه والهواء تابع للقرار. فوجب إزالة ما يشغله.
(1)
آخر جه البخاري في " صحيحه "(1916) 2: 710 كتاب صلاه الترأويح، باب تحري ليله القدر في الوتر من العشر الأواخر.
(2)
آخر جه البخاري في " صحيحه "(5669) 5: 2239 كتاب الأدب، باب الوصاءة بالجار.
واخر جه مسلم فى " صحيحه "(2625) 4: 2025 كتاب البر والصلة والاداب، باب الوصية بالجار والاحسان إليه.
واخر جه أبو داود في " سننه "(52 1 5) 4: 338 كتاب الأدب، باب في حق الجوار.
(3)
في أوب: في.
(وضمن) صاحب الغصن أو العرق (ما تلف به بعد طلب)؛ لأنه لما طلب
منه إخلاء ملكه من ذلك فلم يفعل صارمتعدياً.
وبناه في " المغني " على مسألة ما إذا مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئاً. وستاًتي المسألة إن شاء الله تعالى في باب الغصب مفصلة بما فيها من الخلاف.
(فإن أبى) صاحب الغصن أو العرق أن يزيله من هواء غيره أو أرضه: (فله) أي: لصاحب الهواء أو الأرض (قطعه) أي: قطع الغصن أو العرق إذا لم يمكنه إزالته إلا بذلك؛ كما لو دخلت بهيمة غيره إلى ملكه بغير إذنه ولم يمكنه آخر اجها إلا بإتلافها. ولا غرم في هذه الحالة؛ لأن الإنسان لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه بغير رضاه.
و (لا) يصح (صلحه) أي: مالك الغصن والعرق (ولا) صلح (من مال حائطه أو زَلِقَ خشبه إلى ملك غيره عن ذلك) أي: عن جميع ما تقدم ذكره بأن يبقى (بعوض)؛ لأن شغل ذلك لملك الآخر لا ينضبط.
وفيه وجه: يصح مطلقاً.
وقيل: إن كان الغصن رطباً لم يصح؛ لزيادته في كل وقت، وإن كان يابساً
فإن كان معتمدا على حائط ونحوها صح، وإن كان في الهواء فلا؛ لأنه تابع للهواء المجرد.
(وإن اتفقا) أي: صاحب الغصن وصاحب الحائط أو الهواء على (أن الثمرة له أو بينهما: جاز)؛ لأن الصلح على الثمره أو بعضها أسهل من القطع، (ولم يلزم) إذ لزومه يؤدي إلى ضرر مالك الشجر؛ لتأبد استحقاق الثمرة عليه، أوإلى ضرر مالك الهواء؛ لتأبيد بقاء الغصن في ملكه.
وكذا الحكم إن اتفقا على أن ما ينبت من عروق الشجر الممتدة في أرضه؛ كعروق العنب لصاحب الأرض أو بينهما.
(وحرُم آخر اج دُكان) بضم الدال (ودَكة) بفتحها.
قال في " القاموس ": والدّكة بالفتح والدُّكان بالضم: بناء يُسَطح أعلاه للمقعد.
وقال في موضع آخر: والدكان كرُمان الحانوت. معرّب.
وقال في محل آخر: والمِصطبة بكسر الميم؛ كالدكان للجلوس عليه بأن يبنى مصطبة.
(بـ) طريق (نافذ)؛ لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه؛ كغير النافذ.
ولا فرق بين أن يضر بالمدة أو لا؛ لأنه إن لم يكن حالا فقد يضر مآلاً.
ولا فرق بين أن يأذن الإمام في ذلك أو لا؛ لأنه ليس له أن يأذن فيما ليس فيه مصلحة، لا سيما إدا احتمل ان يكون مضراً.
(فيضمن ما تلف به) أي: بالدكان.
(وكذا) أي: وكالدكان في الحكم المتقدم ما عدا ما يستثنى (جَناح) وهو: الرّوْشن على أطراف خشب مدفونة في الحائط.
(وساباط) وهو: المستوفي للطريق على جدارين، (وميزاب. إلا بإذن إمام أو نائبه)؛ لأنه نائب المسلمين. فجرى مجرى إذنهم في الطريق النافذ. ويدل على كون اللإمام له ذلك ما روى أحمد " أن عمر اجتاز على دار العباس رضي الله تعالى عنهما وقد نصب ميزاباً الى الطريق. فقلعه. فقال: تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده. فقال: والله! لا تنصبه إلا على ظهري. فانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه ".
ولأن العادة جارية به.
ومحل ذلك: حيب وقع (بلا ضرر، بأن يمكن عبور محمّل) من تحته.
وقيل: بحيث إذا سار تحته الفارس ورمحه منصوب لا يبلغه.
وعلم مما تقدم أنه لا يجوز فعل ذلك بغير إذن الإمام؛ لأنه لا يأذن في ذلك حتى ينظر هل فيه ضرر أو لا.
وليس له الإذن فيما فيه ضرر بسد ضوء أو نحوه.
(ويحرم) فعل (ذلك في ملك غيره أو هوائه) أي: هواء غيره، (أو) في (دَرْب غير نافذ، أو فتح باب في ظهر دار فيه) أي: في درب غير نافذ (لاستطراق. إلا بإذن مالكه) إذا فعله في ملك غيره، (أو أهله) أي: أهل الدرب الذي غير نافذ إذا فعله فيه.
أما كون فعل ذلك لا يجوز في ملك غيره أو هوائه؛ فلأنه نوع تصرف في ملك الغير يتضرر به. فلم يجز إلا بإذن مالكه.
وأما كونه لا يجوز في درب غير نافذ إلا بإذن أهله؛ فلأن الدرب ملك لقوم معينين. فلم يجز إلا بإذنهم؛ لأن الحق لهم.
(ويجوز) أن يفتح الباب من ظهر داره في درب غير نافذ (لغير استطراق)؛ كالضوء والهواء؛ لأنه لا ضرر على أهل الدرب في ذلك؛ لأن الحق لأهله في الاستطراق، ولم يزاحمهم فيه.
ولأن غايته أنه
(1)
تصرف في ملك نفسه برفع بعض حائطه. وفيه وجه.
ووجهه: أنه ربما يستدل به مع تقادم السنين على حق الاستطراق.
(و) يجوز فتح ذلك (في) زقاق (نافذ)؛ لأنه ارتفاق بما لم يتعين له مالك ولا إضرار بذلك على المجتازين.
(و) يجوز (صلح عن ذلك) أي: عن آخر اج الجناح أو الساباط أو الميزاب في هواء غيره، أو الدكان أو الدكة في أرض غيره، أو عن استطراق في درب غير نافذ (بعوض)؛ لأن ذلك حق للمالك الخاص ولأهل الدرب. فجاز أخذ العوض عنه؛ كسائر الحقوق.
(و) يجوز (نقل باب في) درب (غير نافذ) من آخر هـ (إلى أوله)؛ لأن
في ذلك تركاً لبعض حقه في الاستطراق فلم يمنع عنه.
ومحل ذلك: حيث كان (بلا ضرر؛ كـ) كون فتحه في (مقابلة باب
(1)
ساقط من أ.
غيره، ونحوه)، كفتحه عاليا يصعد إليه بسلم يشرف منه على دار غيره.
(لا) نقله (إلى داخل) منه نصا. (إن لم يأذن من فوقه) أي: من هو داخل عنه تلقاء صدر الزقاق " لأنه تقدم إلى موضع لا استطراق له فيه. فلم يجز إلا بإذن أهله. وفيه وجه.
وظاهر نقل يعقوب: يجوز أن يسد الأول، واختاره ابن أبي موسى.
(و) حيث أذن من فوقه (يكون إعارة).
قال في " الفروع ": في الأشبه. انتهى.
قلت: لكن ليس للاذن الرجوع بعد فتح الداخل وسد الأول قياساً على ما
قالوه فيما إذا أذن صاحب حائط لجاره في البناء عليه، أو وضع سترة، أو خشبة عليه في الموضع الذي لا يستحق وضعه فيه؛ لأن في الرجوع إضرار به. فلو سد الباب الداخل مالكه ثم أراد فتحه لم يملك ذلك إلا بإذن مستأنف، لأن المنع إنما كان لما فيه من الضرر وقد زال بغير فعل المعير. أشبه ما لو أعار أرضاً للغرس فغرسها ثم زال الغرس بفعل المستعير. فإنه لا يملك غرس بدله إلا بإعارة مستنفة. والله أعلم.
(ومن خرق بين دارين له) أي: للخارق (متلاصقتين) من جهة ظهريهما (باباهما في دربين مشتركين) أي: باب كل واحدة منهما في درب غير نافذ، (واستطرق) بسبب ما خرقه (إلى كل من ال آخر ى) أي: استطرق إلى هذه من هذه وإلى هذه من هذه: (جاز).
وفي المسألة وجهان مطلقان في " التلخيص " و" المحرر " و" الحاويين ".
قال الموفق: والأشبه الجواز.
قال في " النظم ": وهو الأقوى وجزم به في " المنور ".
قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب.
وجه ذلك: أنه إنما هو يستطرق من كل درب إلى داره التي فيه. فلا يمنع
من الاستطراق منها إلى موضع آخر، كما لو كانت دارا واحدة لها بابان. فإنة
لا يمنع أن يدخل من واحد ويخرج من الآخر.
وعدم الجواز، قاله القاضي، وجزم به في " المذهب "، وقدمه ابن رزين
في "شرحه ".
وقال في " الرعاية الكبرى ": لم يجز في الأصح.
وقال في " الصغرى ": جاز في وجه.
وجه ذلك: أنه يجعل له حق في الاستطراق إلى مكان ليس من ذلك الدرب. فلا يجوز؛ كما لو فتح في ظهر داره باباً إلى الدرب واستطرق منه. (وحرُم) على كل مالك (أن يحدث بملكه ما) أي: شيئاً (يضر بجاره؛ كحمام) يتأذى جاره بدخانه، أو يضر ماوه حائطه، (وكنيف) يتأذى جاره بريحه، أو يصل إلى بئره، (ورحى) يهتز بها حيطانه، (وتنور) يتعدى دخانه إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار "
(1)
. وهذا إضرار بجاره.
(وله) أي: للجار (منعه) أي: منع جاره (إن فعل) ذلك؛ (كابتداء إحيائه).
قال في " الفروع ": بإجماعنا. ذكره القاضي وغيره أي: كما له منعه من ابتداء إحياء ماجاوره؛ لتعلق مصالحه به.
وسيأتي الكلام على ذلك في باب إحياء الموات إن شاء الله تعالى.
(وكـ) ما له منعه من (دق وسقي يتعدى) إليه.
وعنه: ليس له منعه من
(2)
ذلك في ملكه المختص به ولم يتعلق حق غيره. وكتعلية داره في ظاهر ما ذكره الموفق، ولو أفضى إلى سد الفضاء عن جاره. قاله الشيخ تقي الدين.
قال في " الفروع ": وقد احتج أحمد بالخبر: " لا ضرر ولا ضرار "
(3)
فيتوجه منه منعه.
(1)
أخر جه ابن ماجه في " سننه "(1 234) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره
(2)
في أ: في.
(3)
الحديث السابق.
وروى أبو حفص العكبرى في " الأدب " عن أبي هريرة مرفوعاً: " من حق الجار على الجار أن لا يرفع البنيان على جاره ليسد عليه الريح ".
قال شيخنا: وليس له منعه خوفاً من نقص أجرة ملكه بلا نزاع كذا قال. انتهى. (بخلاف طبخ وخبز فيه) أي: في ملكه. فلا يمنع منه؛ لأن ضرره يسير والحاجة داعية إليه، لا سيما بالقرى التي لا طباخ بها ولا خباز.
(ومن له حق ماء يجري على سطح جاره: لم يجز لجاره تعلية سطحه؛ ليمنع الماء)؛ لإبطال حقه بذلك. (أو لـ) كي (يكثر ضرره) أي: ضرر صاحب الحق في الماء بإجرائه على ما علاه. ذكره ابن عقيل وغيره للمضارة بذلك. (ويحرم) على الإنسان (تصرف في جدار جار، أو) جدار (مشترك) بين المتصرف وبين غيره (بفتح رَوْزَنة) متعلق بتصرف.
والروزنة: الكُوّة- بفتح الكاف وضمها-. وهي: الخرق في الحائط.
(أو) بفتح (طاق ِ).
قال في " القاموس " والطاق ما عطف من البنيان. انتهى.
قلت: ومن ذلك طاق القبلة.
(أو) بـ (ضرب وتد).
قال في " الفروع ": "ولو بسترة. ذكره جماعة. وحمل القاضي نصه يلزم الشريك النفقة مع شريكه على السترة: على سترة قديمة انهدمت. واختار في " المستوعب " وجوبها مطلقا على نصه.
(ونحوه) أي: ويحرم التصرف في الجدار المذكور بنحو ما تقدم؛ كجعل
رفّ فيه.
(إلا بإذن) من مالكه أو شريكه؛ لأنه انتفاع بملك غيره بما له قيمة بغير إذنه. فمنع منه؛ كالبناء عليه.
(وكذا) في الحكم إلا ما يستثنى (وضع خشب) على جدار جار أو
المشترك، (إلا أن لا يمكن تسقيف إلا به) فيجوز (بلا ضرر). نص عليه.
قال في " الفروع ": ولم يعتبر ابن عقيل الحاجة، وأطلقه أحمد أيضاً
و" المحرر " وغيرهما، كعدمها دواماً. بخلاف خوف سقوطه، ولربه هدمه لغرض صحيح. انتهى.
(ويجبر إن أبى)؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يمنعن
(1)
جار جاره أن يضع خشبة على جداره. ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم "
(2)
. متفق عليه.
ولأنه انتفاع بحائط جاره على وجه لا يضر. أشبه الاستناد إليه.
ويشترط القاضي وأبو الخطاب للجواز: أن يكون له ثلاث حيطان، ولجاره حائط واحد.
قال في " المغني ": وليس هذا في
(3)
كلام أحمد. إنما قال في رواية أبي داود: لا يمنعه إذا لم يكن ضرر وكان الحائط يبقى.
وقال أيضاً: ولا فرق فيما ذكرنا بين البالغ واليتيم والمجنون والعاقل.
(وجدار مسجد كـ) جدار (دار) نصاً؛ لأنه إذا جاز في ملك الجار مع أن
حقه مبني على الشح والضيق. ففي حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة والمساهلة أول.
وفيه رواية نقلها أبو طالب وخرج أبو الخطاب
(4)
منها وجهاً للمنع من وضع الخشب في ملك الجار؛ لأنه إذا منع من وضع الخشب في الجدار المشترك بين المسلمين- وللواضع فيه حق-. فلأن يمنع من الملك المختص بغيره أولى.
(1)
في ج. يمنع.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2331) 2: 869 كتاب المظالم، باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(9 0 6 1) 3: 0 23 1 كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار
(3)
في أ: من.
(4)
في ب: أبو طالب.
فإن قيل: فلم لا تجيزون فتح الطاق والباب في حائط الجار بالقياس على
وضع الخشب؟
فالجواب: أن الخشب يمسك الحائط. بخلاف الطاق والباب فإنه يضعفه؛ لأنه يبقى مفتوحا في الحائط والذي يفتحه للخشبة يسده بها.
ولأن وضع الخشب تدعو الحاجة إليه. بخلاف غيره.
ومتى زال الخشب بسموط أو قلع، أو سقط الحائط ثم أعيد والسبب المجوز لوضعه باق: فله إعادته.
وإن خيف سقوط الحائط باستمراره عليه لزمه إزالته؛ لأنه يضر بمالك الجدار.
وإن استغنى رب الخشب عن إبقائه عليه لم يلزمه إزالته؛ لأن فيها ضررا بصاحبه، ولا ضرر على صاحب الحائط بإبقائه.
ولو أراد رب الجدار الذي استحق جاره وضع خشبه عليه هدمه لغير حاجة،
أو إعارته، أو إجارته على وجه يمنيع هذا المستحق من وضع خشبه: لم يملك ذلك؛ لما فيه من تفويت حق ذي الخشب.
وإن احتاج إلى هدمه للخوف من انهدامه، أو لتحويله إلى مكان آخر، أو
لغرض صحيح: ملك ذلك " لأن صاحب الخشب إنما ثبت حقه للإرفاق به، مشروطا بعدم الضرر بصاحب الحائط. فمتى أفضى إلى الضرر زال
الاستحقاق؛ لزوال شرطه.
فرع:
من وجد بناءه أو خشبه على حائط جاره أو مشترك ولم يعلم سببه فمتى زال فله
إعادته " لأن الظاهر [أن هذا الوضع بحق. فلا يزول هذا الظاهر حتى يعلم خلافه. وكذا لو وجد مسيل مائه في أرض غيره، أو مجرى ماء سطحه على سطح غيره
وما أشبه هذا فهو له؛ لأن الظاهر]
(1)
أنه له بحق. فجرى ذلك مجرى اليد الثابتة.
(1)
ساقط من أ.
وإذا اختلفا في ذلك هل هو بحق أو بعدوان؟ فالقول قول صاحب الخشب والبناء والمسيل مع يمينه؛ لأن الظاهر معه.
(وله) أي: ولغير مالك الجدار (أن يستند) إليه (ويسند قماشه) إليه، (وجلوسه في ظله) من غير إذن مالكه؛ لأن هذا لا مضرة فيه، والتحرز منه يشق. وفي " النهاية " في منعه: احتمالان.
(ونظره) أي: وللإنسان أن ينظر إلى ما ينتفع بالنظر إليه (في ضوء سراج غيره) بغير إذنه؛ لما تقدم. نص عليه في رواية جعفر.
ونقل المروذي: يستأذنه أعجب إلي. فإن منعه حاكمه.
(وإن طلب شريك في حائط) انهدم (أو سقف) فيما بينهما مشاعا، أو بين
سفل أحدهما وعلو الآخر (انهدم شريكه) فيه، (ببناء معه) أي: مع الطالب: (أجبر) على البناء معه نصا. نقله الجماعة.
قال في " الفروع ": اختاره أصحابنا.
(كنقض) أي: كما يجبر على نقضه معه (عند خوف سقوط) للحائط أو السقف، وكما يجبر على القسمة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:" لا ضرر ولا ضرار"
(1)
. وعنه: لا يجبر. لكن لشريكه بناؤه ومنعه مما كان له عليه من طرح خشب
أو غيره.
ويمنع أيضاً في صورة السقف من سكنى السفل في ظاهر قول
(2)
قاله في
" المحرر "؛ لأنه ملك لا حرمة له في نفسه. فلم يجبر مالكه على الإنفاق عليه؛ كما لو انفرد. وفارق القسمة؛ لأنها لدفع الضرر عنهما بما لا ضرر فيه، والبناء فيه ضرر؛ لما فيه من الغرامة، والضرر لا يزال بمثله. وقد يكون الممتنع لا نفع له في الحائط، أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع، أو يكون معسرا.
ورد ذلك: بأن عدم حرمة الملك إن لم توجب ذلك. فحرمة شريكه الذي
(1)
سبق تخريجه ص (338) رقم (1).
(2)
في أ: قوله.
يتضرر بترك البناء توجب ذلك. وفارق البناء المفرد من حيب: إنه لا يفوت به حق ولا يتضرر به.
وقولهم: الضرر لا يزال بالضرر مدفوع بما روى أبو حفص العكبري عن
أبي هريرة مرفوعا: "من حق الجار أن لا يرفع البنيان على جاره ليسد عليه الريح ". وقولهم: قد يكون الممتنع. . . إلى آخره ينتقض بوضع خشبه عليه.
وأما المعسر فلا قائل بإلزامه مع عسرته.
(فـ) على المذهب: (إن أبى) الشريك أن ينفق معه على ذلك: (أخذ حاكم) ترافعا إليه (من ماله) النقد، وانفق مع الشريك بقدر حصة الممتنع. (أو باع) الحاكم (عرضه) أي: عرض الممتنع إن لم يقدر على النقد (وأنفق) من ثمنه مع الشريك ما يخصه من النفقة.
(فإن تعذر) على الحاكم ذلك بأن غيب ماله أو نحوه: (اقترض) الحاكم (عليه)، لأن هذا من شأن الحاكم.
(وإن بناه) الشريك (بإذن شريك، أو) بإذن (حاكم، أو) بدون إذنهم
(ليرجع) حال كون ما يبنيه (شركة: رجع)، لوجوبه على المنفق عنه.
(و) إن بناه الشريك (لنفسه بآلته) أي: آلة المنهدم: (فـ) المبني (شركة) بينهما على قدر الحصص كما كان، لأن البانى إنما أنفق على التأليف وذلك أثر لا عين ملكها، وحينئذ فليس له منع شريكه من الانتفاع به قبل أخذ نصف نفقة تأليفه في الأشهر، كما أنه ليس له نقضه. صرح به في " النهاية ". وقيل: يملك منعه حتى يؤدي ما خصه من الغرامة.
قال في " المبدع ": وينبغي أن يؤدي الأجرة، إذ لو لم يكن كذلك لأدى إلى ضياع حق الشريك.
ولأنه إذا أجبر على العمل. فكذا يجبر على وزن أجرة البناء.
(و) إن بناه (بغيرها) أي: بغير آلته: (فله) أي: فالمبني للبانى خاصة. (وله) أي: لبانيه (نقضه)، لأنه ملكه (لا إن دفع) له (شريكه نصف قيمته)
فلا يملك نقضه " لأنه لما كان الشريك يجبر على البناء أجبر على الإبقاء.
وإن أراد غير الباني نقضه أو إجبار بانيه على نقضه: لم يكن له ذلك؛ لأنه
إذا لم يملك منعه من بنائه. فلئلا يملك إجباره على نقضه أولى.
وإن قال له من له على الحائط رسم انتفاع ووضع خشب: إما أن تأخذ مني نصف قيمته وتمكني من انتفاعي ووضبع خشبي، وإما أن تقلع حائطك لنعيد البناء بيننا
(1)
: لزمه إجابته؛ لأنه لا يملك إبطال رسومه وانتفاعه.
وإن لم يرد الانتفاع به فطالبه البانى بالغرامة أو القيمة: لم يلزمه ذلك، لأنه
إذا لم يجبر على البناء فأولى أن لا يجبر على الغرامة. إلا أن يكون قد أذن في البناء والإنفاق فيلزمه ما أذن فيه.
(وكذا) أي: وكالحائط المشترك إذا انهدم في كون الشريك يجبر على العمارة مع شريكه فيه على التفصيل فيه وفي حكم النفقه: (إن احتاج لعمارة نهر، أو بئر، أو دولاب، أو ناعورة، أو قناة مشتركة).
وفيما ذكر أيضاً روايه: أن الشريك لا يجبر على العمارة مع شريكه.
وقال ابن أبي موسى: يجبر هنا قولا واحدا، وحكى الروايتين في الحائط.
قال في " القواعد ": والفرق أن الحائط يمكن قسمته. بخلاف القناة والبئر.
(ولا يمنع شريك من عمارة) في ذلك كالحائط.
(فإن فعل) أي: فإن عمره (فالماء) أي: ماء النهر والبئر الذي بينهما (على الشركة) كما كان. فليس للمعمر منعه ممن لم يعمر؛ لأن الماء ينبع من ملكيهما. وإنما أثر أحدهما في نقل الطين منه، وليس له فيه عين مال. فأشبه الحائط إذا بناه بآلته.
والحكم في الرجوع بالنفقة، كما مضى في الحائط.
(وإن بنيا) أي: الشريكان
(2)
(ما بينهما نصفين) من حائط أو غيرها
(3)
(والنفقه) منهما (كذلك) أي: نصفين (على أن لأحدهما أكثر) من الآخر؛
(1)
في ج: ليفيد البناء بيتا.
(2)
في ج: الشر يكين.
(3)
في ج: غيرهما.
ككون لأحدهما ثلاثه أرباعه
(1)
وللآخر الربع، أو له الثلثان وللآخر الثلث: لم يصح " لأنه يصالح على بعض ملكه ببعض. فلم يصح؛ كما لو أقر له بدار فصالحه على سكناها.
(أو) بنياه على (أن كلا منهما يحمله ما احتاج: لم يصح) أيضاً؛ لجهالة الحمل، (ولو وصفا الحمل).؛ لأنه لا ينضبط.
وفيه وجه: يصح مع الوصف.
(وإن عجز قوم عن عمارة قناتهم، أو نحوها)؛ كنهرهم، (فأعطوها لمن يعمرها، ويكون له منها جزء معلوم)، كثلث أو ربع:(صح). نص على ذلك في القناة.
سأله حرب: قوم لهم في قناة حق فعجزوا عنها فاً عطوها رجلا ليعمرها لهم
وله منها الثلث أو الربع؛ قال: أرجو أن لا بأس.
قال في " الفر وع ": ويتوجه الروايتان.
(ومن له علو) من محلين ولآخر سفله، (أو) له (طبقة ثالثة) من ثلاث لساكن بعضها فوق بعض. فانهدم السفل من المكانين [أو السفل]
(2)
أو الوسط أو هما من الثلاثة: (لم يشارك) صاحب العلو (في) النفقة على (بناء انهدم تحته). سواء كان سفلا أو وسطا.
وكذا من له وسط لا يشارك في بناء أسفل، وذلك أن الحيطان إنما تبنى لمنع. النظر، والوصول إلى الساكن. وهذا يختص به صاحب السفل دون من فوقه. فكان عليه بناوه وحده، كما لو كان العلو أيضاً له.
(وأجبر عليه) أي: على بناء السفل (مالكه)؛ لما تقدم.
وعنه: لا يجبر.
وعنه: يشاركه صاحب العلو فيما يحمله.
وعنه: في مسأله الثلاثة أماكن التي بعضها فوق بعض: أنه يشترك صاحب
(1)
في أ: أرباع.
(2)
ساقط من ب.
العلو وصاحب الوسط وصاحب السفل في بناء السفل، وأنه يشترك صاحب العلو وصاحب الوسط في بناء الوسط. وكذا الطبقة الرابعة فأكثر وصاحب الوسط
(1)
مع من تحته كمن فوقه معه. فإن بنى رب العلو ففي منعه رب السفل الانتفاع بالعرصة قبل أخذ القيمة: احتمالان.
قال في " الإنصاف ": قلت: الأولى المنع.
(ويلزم الأعلى سترة) أي: بناء سترة (تمنع مشارفة الأسفل)؛ لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا ضرر ولا ضرار. وللرجل أن يضع خشبة في حائط جاره، وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع "
(2)
. رواه أحمد وابن ماجه. والإشراف على الجار إضرار
(3)
به؛ لأنه يكشف جاره ويطليع على حرمه.
فمنع منه؛ نفيا للضرر.
(فإن استويا) بحيث لم يكن أحدهما أعلا من الآخر: (اشتركا)؛ لأنه
ليس أحدهما أولى من الآخر بالسترة. فلزمتهما.
فإن امتنع أحدهما من البناء مع الآخر أجبر؛ لأنه حق لزمه لتضرر
(4)
جاره بمجاورته له من غير سترة. فأجبر عليه مع الامتناع؛ كسائر الحقوق.
(ومن هدم بناء له) أي: للهادم (فيه جزء) ولو قل: (إن) كان (خيف سقوطه: فلا شيء عليه) لشريكه بسبب ذلك؛ لوجوب هدمه إذا.
(وإلا) أي: وإن لم يخف سقوطه (لزمته إعادته) كما كان؛ لتعديه على حصة شريكه. ولا يمكن الخروج من عهدة ذلك إلا بإعادة جميعه.
والله أعلم.
* **
(1)
في ج زيادة: وصاحب العلو.
(2)
آخر جه ابن ماجه في (سننه " (2339) 2: 784 كتاب الأحكام، باب إذا تشاجروا في قدر الطريق. وآخر جه أحمد في " مسنده " (2867) 1: 313 واللفظ له.
(3)
في أ: إضرارا.
(4)
في أ: لضرر.
[كتاب الحجر]
هذا (كتاب)
(1)
يذكر فيه مسائل من أحكام الحجر والفلس.
(الحجر) في اللغة: التضييق والمنع. ومنه سمي الحرام حجرا.
قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا} [الفرقان: 22]. أي: حراماً محرما. ويسمى العقل حجرا. قال الله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5].
أي: عقل. سمى حجرا، لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب ما يقبح وتضر عاقبته. وفي الشرع:(منع مالك من تصرفه في ماله. و) حد الحجر (لفلس: منع حاكم من) أي: إنسانا (عليه دين حال يعجز عنه، من تصرفه في ماله الموجود. مدة الحجر). أي: إلى أن يوفي الدين أو يحكم الحاكم بفك الحجر عنه. (والمفلس) لغه: (من لا مال له، ولا ما يدفع به حاجته).
ولهذا لما قال النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " أتدرون من المفلس؛ قالوا: يا رسول الله! المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: ليس ذلك المفلس. ولكن المفلس من يأتى يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتى وقد ظلم هذا، ولطم هذا، وأخذ من عرض هذا. فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن بقي عليه شيء أخذ من سيئاتهم فرد عليه، ثم صك له صك إلى النار"
(2)
. أخرجه مسلم بمعناه.
فقولهم ذلك إخبار عن حقيقة المفلس. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس ذلك المفلس ": لم يرد به نفي الحقيقة، بل أراد ان فلس الآخرة أشد وأعظم بحيث يصير مفلس الدنيا بالنسبة إليه كالغني.
(1)
في أ: باب.
(2)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(2581) 4: 1997 كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم.
ونحو هذا قوله عليه الصلاة والسلام: " ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب "
(1)
.
وإنما سمي هذا مفلسا؛ لأنه لا مال له إلا الفلولس. وهي أدنى أنواع المال.
(و) المفلس (عند الفقهاء) أي: في عرفهم: (من دينه أكثر من ماله). وسموه مفلسا وإن كان ذا مال؛ لأن ماله مستحق الصرف في جهة دينه. فكأنه معدوم.
وقد دل عليه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم مفلس الآخرة. فإنه أخبر أن له حسنات أمثال الجبال لكنها كانت دون ما عليه. فقسمت بين الغرماء وبقي لا شيء له.
قال في " المغني ": ويجوز أن يكون سمي بذلك؛ لما يؤول إليه من عدم
ماله بعد وفاء دينه. ويجوز أن يكون سمي بذلك؛ لأنه يمنع من التصرف في ماله إلا الشيء التافه الذي لا يعيش إلا به؛ كالفلولس ونحوها. انتهى.
(والحجر) الذي هو منع مالك من تصرفه في ماله (على صربين):
الأول: الحجر (لحق الغير) أي: لحق غير المحجور عليه، وذلك (كـ) الحجر (على مفلس) لحق الغرماء، (وراهن) لحق المرتهن حيث لزم الرهن. (و) على (مريض) مرض الموت المخوف فيما زاد على الثلث من ماله؛ لحق الورثة.
(و) على (قن ومكاتب)؛ لحق السيد.
[(و) على (مرتد)؛ لحق المسلمين؛ لأن تركته فيء. فربما تصرف فيها تصرفا يقصد به إتلافها؛ ليفوتها على المسلمين]
(2)
.
(و) على (مشتر) في حالتين:
إحداهما: في المبيع إذا كان شقصا مشفوعا (بعد طلب شفيع) له؛ لحق الشفيع.
(1)
أخر جه البخاري في " صحيحه "(5763) 5: 2267 كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب.
(2)
ساقط من ب.
الثانية: هي المشار إليها بقوله: (أو تسليمه المبيع) يعني: إذا سلم البائع للمشتري المبيع بثمن حال وامتنع المشتري من أداء الثمن، (وماله بالبلد أو قريب منه) فإنه يحجر على المشتري في ماله كله حتى يوفيه؛ لحق البائع.
وتقدم الكلام على بعض صور ذلك. وسيأتي على باقيها إن شاء الله تعالى. الضرب (الثاني): الحجر على الإنسان (لحظ نفسه)، وذلك (كـ) الحجر (على صغير ومجنون وسفيه).
والأصل في هذا الضرب قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: 5].
وأضاف الأموال
(1)
إلى الأولياء، لأنهم مدبروها.
وقوله تعالى: (وابتلوا اليتمى) أي: اختبروهم في حفظهم لأموالهم، {حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} أي مبلغ الرجال والنساء، {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا} أي: أبصرتم وعلمتم منهم حفظا لأموالهم وصلاحا في تدبير معاشهم، {فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [11 لنساء: 6].
وقول الفقهاء في هذا الضرب لحظ نفسه؛ لأن المصلحة تعود هنا على المحجور.
ثم الحجر على هؤلاء عام؛ لأنهم يمنعون من التصرف في أموالهم وذممهم، ولا يصح إلا بإذن الولي؛ لأنه بدونه يفضي إلى ضياع مالهم. وفيه ضرر عليهم.
(ولا يطالب) مدين، (ولا يحجر) عليه (بدين لم يحل).
أما كونه لا يطالب؛ فلأن من شرط صحة المطالبة لزوم الأداء. وهو
لا يلزمه أداؤه قبل الأجل.
وأما كونه لا يحجر عليه من أجل ذلك؛ فلأن المطالبة إذا لم تستحق لم يستحق عليه حجر.
قال في " الفروع ": وفي إنظار المعسر فضل عظيم.
(1)
في ب: المال.
وأبلغ الأخبار عن بريدة مرفوعا: " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة
قبل أن يحل الدين. فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة. "
(1)
رواه أحمد. حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن جحادة عن سليمان بن بريدة عن أبيه فذكره. إسناد جيد.
(ولغريم من) خبر مقدم أي: ولغريم مدين (أراد سفرا) طويلا فوق مسافة قصر عند الموفق وولد أخيه وجماعة.
قا ل في " الإنصاف ": ولعله أولى.
(سوى) السفر في (جهاد متعين) على المدين " كالسفر في جهاد غير متعين وأمر مخوف؛ لأن في ذلك تعريضا لفوات النفس. فلا يؤمن من فوات الحق. (و) كذا (لو) كان السفر الطويل (غير مخوف، أو لا يحل) الدين (قبل مدته) أي: السفر، (وليس بدينه) أي: بدين الغريم الذي يريد مدينه السفر (رهن يحرز) أي: يوفى منه جميع الدين، (أو) ليس به (كفيل مليء: منعه) مبتدأ مؤخر أي: منع رب الدين المدين من السفر (حتى يوثقه بأحدهما) أي: برهن يحرز أو كفيل مليء، لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن محله، وقدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر.
وفيما إذا لم يحل الدين قبل مدة السفر رواية.
و (لا) يملك رب الدين (تحليله) أي: المدين (إن أحرم)؛ لوجوب إتمامه لو كان نفلا. أشبه الواجب ابتداء. فإنه ليس له منعه من واجب.
قال الشيخ تقي الدين: وله منع عاجز حتى يقيم كفيلا ببدنه.
قا ل في " الفروع ": وهو متجه. انتهى.
ومعناه والله أعلم: أن لرب الدين إذا كان المدين عاجزا عن وفائه وأراد سفرا: منعه منه حتى يقيم كفيلا ببدنه، لأنه قد تحصل له ميسرة، ولا يتمكن من
(1)
أخر جه أحمد في " مسنده "(94 230) 5: 360.
مطالبته لغيبته عن بلده إلا بطلبه من الكفيل.
(ويجب وفاء) دين (حال فورا على) مدين (قادر بطلب ربه) له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم "
(1)
.
وبالطلب يتحقق المطل.
(فلا يترخص من سافر قبله).
وفيه وجه: أن قبل الطلب كبعده.
(و) حيث وجب الإيفاء (يمهل) المدين (بقدر ذلك).
قال في " الفروع ": اتفاقا؛ كأن يطالبه في المسجد أو بالسوق وماله بداره
أو مودع أو ببلد آخر فيمهل بقدر ما يحضره فيه.
(ويحتاط إن خيف هروبه) أي: المدين (بملازمته) أي: بملازمة رب الدين للمدين إلى أن يوفي الدين.
(أو) يحتاط بـ (كفيل) والمراد مليء؛ لأنه لا فائدة في الكفيل المعسر.
(أو ترسيم) عليه. قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في " الفروع ".
وقال: (وكذا لو طلب تمكينه منه محبوس، أو يوكل فيه) أي: وكما يمهل غير المحبوس للحضور بما عليه من موضعه يمكن المحبوس عليه من الخروج ليحضر بالحق.
وكذا لو توكل إنسان في إيفاء الحق وطلب الإمهال ليحضر بالحق فإنه يمكن
من ذلك كما يمكن الموكل.
(وإن مطله) أي: مطل المدين رب الدين (حتى شكاه: وجب على حاكم) يعلم قدرته عليه أو يجهل حاله (أمره بوفائه بطلب غريمه) وجوبا على الحاكم؛ لتعينه عليه؛ لما فيه من فصل القضاء المننتصب له، (ولم يحجر
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(167 2) 2: 798 كتاب الحوالات، باب إذا أحال على ملي فليس له رد. وأخر جه مسلم في " صحيحه " (1564) 3: 1197 كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني. . .
عليه)؛ لعدم الحاجة ويتمكن الغرماء من الطلب بحقهم في الحال.
ويقضى دين الغريم بمال له فيه شبهة. ذكره أبو طالب المكي وغيره
عن الإمام.
قال الشيخ تقي الدين: لأنه لا تتقى شبهة بترك واجب، وكل الخلق عليهم واجبات من نفقة نفسه ونفقة قريبه وقضاء دينهم وغير ذلك. فترك ذلك ظلم محقق وفعله بشبهة غيرمحقق. فكيف نتورع بظلم محتمل عن ظلم محقق. (وما غرم) رب الدين (بسببه) أي: بسبب مطل المدين المحجور لرب الدين إلى شكواه (فعلى مماطل). قاله الشيخ تقي الدين، وجزم به في " الفروع "؛ لأنه ظالم بتأخير حقه عنه. أشبه ما لو تعدى على مال لحمله أجرة، وحمله لبلد أخرى، وغاب ثم غرم مالكه أجرة حمله لعوده إلى محله الأول. فإنه يرجع به على المتعدي بنقله.
(وإن تغيب مضمون فغرم ضامن بسببه، أو) غرم (شخص لكذب) أي:
من أجل كذب (عليه) أي: الشخص (عند ولي الأمر: رجع) الغارم (به على مضمون وكاذب). قاله الشيخ تقي الدين أيضاً. ولعل المراد: أن يضمنه بإذنه، وإلا فلا فعل له في ذلك ولا تسبب.
(وإن أهمل شريك بناء حائط بستان) بين اثنين فأكثر، وقد (اتفقا) أي: الشريكان (عليه) أي: على البناء. (فما تلف من ثمرته) أي: البستان (بسبب ذلك) أي: بسبب إهماله بترك البناء مع شريكه: (ضمن حصة شريكه منه) أي: من التالف. ذكره الشيخ تقي الدين أيضاً، واقتصر عليه في " الفروع "؛ لأن بناء حصته مع شريكه واجب عليه وقد حصل التلف بسبب تفريطه بترك الواجب فضمنه.
(ولو) ادعى إنسان على آخر شيء لحمله مؤنة فألزمه الحاكم بإحضاره ليدعي على عينه فـ (أحضر) المدعى عليه (مدعى به، ولم يثبت لمدع: لزمه) أي: المدعي (مؤنة إحضاره و) مؤنة (رده)، وإلا لزما المنكر. قاله في " الرعاية "؛ لأنه هو الملجئ له على ذلك.
(فإن أبى) أي: إذا أمر الحاكم من عليه الدين لوفائه بطلب غريمه فأبى: (حبسه)، لما روى عمرو بن الشريد
(1)
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته "
(2)
. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.
قال الإمام: قال وكيع: عرضه: شكواه، وعقوبته: حبسه.
وقال في " المغني ": إذا امتنع الموسر من قضاء الدين فلغريمه ملازمته ومطالبته والإغلاظ عليه بالقول فيقول: يا ظالم يا متعدي ونحو ذلك. واستدل بالحديث المتقدم.
وبقوله: صلى الله عليه وسلم: " مطل الغني ظلم "
(3)
.
وبقوله: " إن لصاحب الحق مقالا "
(4)
.
(وليس له) أي: للحاكم (أخراجه) من الحبس (حتى يتبين) له (أمره)،
لأن أمره بالحبس حكم لغيره فلم يكن له رفعه بغير رضى المحكوم له، أو يتبين
(5)
للحاكم عدم استحقاق المحبوس، لكونه معسرا أو نحو ذلك.
(وتجب تخليته) أي: المحبوس (إن بان) للحاكم كونه (معسرا) ولو لم يرض غريمه. فيخرجه الحاكم ولم يسعه حبسه. نقله حنبل.
(أو) حتى (يبرئه) غريمه من الدين أو من الحبس، بأن يقول للحاكم:
خل عنه، لأن الحق له في ذلك.
(1)
في أوب: الشديد. وفي ج: الرشيد، وما أثبتناه من " السنن ".
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3628) 3: 313 كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره. وأخرجه النسائي في " سننه " (4690) 7: 317 كتاب البيوع، مطل الغني.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2427) 2: 811 كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة. واخرجه أحمد في " مسنده " (17975) 4: 222
(3)
سبق تخريجه ص: 369.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2183) 2: 809 كتاب الوكالة، باب الوكالة في قضاء الديون.
(5)
في أ: بتبيين.
(أو) حتى (يوفيه) أي: يوفي غريمه ما حبس عليه؛ لانتهاء غاية الحكم بإيفاء
(1)
الحق.
(فإن أبى) دفع ما عليه بعد حبسه: (عزره) الحاكم. قاله في " الفصول " وغيره.
قال: (ويكرر) حبسه وتعزيره حتى يقضيه؛ كقولنا فيمن أسلم على أكثرمن أربع.
قال في " الفروع ": قال شيخنا: نص عليه الأئمة من أصحابنا من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا أعلم فيه نزاعا.
(ولا يزاد كل يوم على أكثر التعزير).
قال في " الفروع ": إن قيل: يتعزر.
(فإن أصر) مع ذلك على عدم قضاء الدين: (باع) الحاكم (ماله، وقضاه)؛ لما روى كعب بن ممالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه "
(2)
. رواه الخلال والدارقطني من رواية إبراهيم بن معاوية. وقد ضعف. ورواه الحاكم وقال: على شرطهما.
وظاهره: يجب.
نقل حرب: إذا تقاعد بحقوق الناس يباع عليه ويقضى.
وقال الشيخ تقي الدين: لا يلزم الحاكم ذلك.
وهو ظاهر ما قدمه في " الفروع "، وقال فيه: ومن طلب منه دين حال يقدر عليه بلا سفر لم يترخص في الأصح. وإن لم يطلبه أو يحل في سفره فقيل: له السفر والقصر والترخص؛ لكيلا يحبس قبل طلبه؛ كحبس الحاكم.
وقيل: لا. إلا أن يوكل؛ لئلا يمنع به واجبا.
(1)
في ب: بإبقاء.
(2)
أخرجه الدارقطنى في " سننه "(95) 4: 0 23 كتاب في الأقضيه.
وأخرجه الحاكم في مستدركه (7060) 4: 113 كتاب الأحكام.
وقيل: إن سافر وكيل في القضاء قبله لم يترخص [اهـ].
وإلا عذر؛ لفوت رفقة ومرض ونحوه. ذكره في " الانتصار ".
(وتحرم مطالبة ذي عسرة بما عجز عنه وملازمته والحجر عليه)؛ لقول الله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء الذي كثر دينه: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك "
(1)
.
(فإن ادعاها) أي: ادعى المدين العسرة ولم يصدقه رب الدين (ودينه عن عوض؛ كثمن) عن مبيع أخذه، (و) كبدل (قرض، أو عرف له مال سابق والغالب بقاؤه، أو) كان الدين (عن غير عوض وأقر) المدين (أنه مليء) به: (حبس)؛ لأن الأصل بقاء المال.
ولأنه مؤأخذ بإقراره.
(إلا أن يقيم بينة به) أي: بما ادعاه من العسرة. (ويعتبر فيها) أي: في البينة التي تشهد بعسرته (أن تخبر باطن حاله)؛ لأن هذا من الأمور الباطنة التى لا يطلع عليها في الغالب إلا المخالط له.
فإن قيل: هذه شهادة على نفي. فلم تسمع؛ كالشهادة على أنه لا دين له؛ فالجواب: أن الشهادة على النفي لا ترد مطلقا. فإنه لو شهدت بينة أن هذا وارث هذا الميت لا وارث له سواه قبلت.
ولأن هذه وإن كانت تتضمن النفي فهي تثبت حالة تظهر وتقف عليها المشاهدة. بخلاف ما إذا شهدت أنه لا حق له. فإن هذا مما لا يوقف
(2)
عليه ولا تشهد به حالة يتوصل بها إلى معرفته. بخلاف مسألتنا.
(ولا يحلف) المدين (معها) أي: مع البينة الشاهده بإعساره؛ لما فيه من تكذيب البينة.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1556) 3: 1191 كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين.
(2)
في ب: يتوقف.
(أو) إلا أن (يدعي تلفا) لماله (ونحوه) أي: التلف، كنفاد ماله في النفقة أو غيرها، (ويقيم بينة به) أي: بما يدعيه من التلف أو النفاد. وتسمع سواء كانت ممن تخبر باطن حاله أو لا، لأن التلف والنفاد يطلع عليه من خبر باطن حاله وغيره.
(ويحلف معها) إن التمس ذلك منه رب الدين
(1)
؛ لأن اليمين هنا على أمر محتمل غير ما شهدت به البينة.
وفي هذه وجه: لا يحلف. وفي التي قبلها وجه يحلف؛ لأنها تشتهد بالظاهر.
وفي "الترغيب ": إن حلف أنه قادر حبس، وإلا حلف المنكر عليهما وخلي. (ويكفي في الحالين أن تشهد بالتلف أو الإعسار)
قال الزركشي: هذا المحقق، وجزم به الموفق وصاحب " الفروع " وغيرهم.
وفي " التلخيص ": لا يكتفى في الشهادة بالإعسار، بل لا بد من الشهادة بالتلف والإعسار معا.
وفي " الرعايتين " و" الحاويين " و" الفائق ": تشهد بذهابه وإعساره، لا أنه لا يملك شيئا.
(وتسمع) البينة (قبل حبس كبعده) ولو بيوم، لأن كل بينة جاز سماعها
بعد مدة جاز سماعها في الحال، كسائر البينات.
(أو) إلا أن (يسأل سؤال مدع) عن علم حاله فتكون دعوى مستقلة، (ويصدقه) المدعي على عسرته:(فلا) يحبس في الصور الثلاث. وهي ما إذا اقام البينة على عسرته، أو على نفاد ماله، أو صدقه المدعي عليها.
(وإن أنكر) المدعي عسرته (وأقام بينة بقدرته) ليسقط عنه اليمين، (أو حلف بحسب جوابه)، كسائر الدعاوي:(حبس) المدعى عليه.
(وإلا) أي: وإن لم يكن دينه عن عوض، ولم يعرف له مال سا، ولم
(1)
في ج: الدين الحلف.
يقر أنه مليء، ولم يحلف مدع طلب يمينه أنه لا يعلم عسرته:) حلف مدين) أنه لا مال له، (وخلي) سبيله؛ لأن الأصل عدم المال.
قال ابن المنذر: الحبس عقوبة ولا نعلم له ذنبا يعاقب به.
وفي " الترغيب ": يحبس إلى ظهور إعساره.
وفي " البلغة ": إلى أن يثبت.
وظاهر الخرقي: أنه كمن عرف بمال.
وظاهره: أنه إذا نكل حبس. والله أعلم.
وإذا حبس زوج لحق زوجته فقال الشيخ تقي الدين: لم يسقط من حقوقه
عليها شيء قبل الحبس فيستحقها
(1)
عليها بعد الحبس؛ كحبسه في دين غيرها. فله إلزامها ملازمة بيته، ولا تدخل إليه أحدا إلا بإذنه.
فإن خاف أن تخرج منه بلا إذنه فله أن يسكنها حيث لا يمكنها الخروج؛ كما
لو سافر عنها، أو حبسه غيرها.
ولا يجب حبسه في مكان معين، بل المقصود تعويقه عن التصرف حتى يؤدي ذلك. فيجب حبسه في دار ولو في دار نفسه بحيث [لا يمكن من الخروج. ويجوز أن يحبس وترسم هي عليه إذا حصل المقصود بذلك بحيث]
(2)
تمنعه
من الخروج. وهذا أشبه بالسنة.
فـ " إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الغريم بملازمة غريمه وقال له: ما فعل أسيرك "
(3)
.
وإنما المرسم وكيل الغريم في الملازمة.
فإذا لم يكن للزوج من يحفظ امرأته غير نفسه وأمكن أن يحبسها في بيت
واحد فتمنعه هي من الخروج فعل ذلك. فإن له عليها أن يحبسها في منزله ولها
(1)
في أب: يستحقها.
(2)
زبادة من ج.
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2428) 2: 811 كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة.
عليه حبسه في دينها، وحقه عليها آكد. فإن حق نفسه في المبيت
(1)
ثابت ظاهرا وباطنا. بخلاف حبسها له. فإنه بتقدير إعساره لا يكون حبسه مستحقا في نفس الأمر، إذ حبس العاجز لا يجوز، لقوله تعالى:{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
ولأن حبسها له عقوبة حتى يؤدي الواجب عليه، وحبسه لها حق ثبت بموجب العقد وليس بعقوبة، بل حقه عليها كحق المالك على المملوك. ولهذا كان النكاج بمنزلة الرق والأسر للمرأة.
قال عمر: " النكاج رق. فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته ".
وقال زيد بن ثابت: " الزوج سيد في كتاب الله تعالى وقرا: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم "
(2)
.
والعاني الأسير.
وإذا كان كذلك ظهر أن ما يستحقه عليها من الحبس أعظم مما تستحقه عليه. إذ غاية الغريم أن يكون كالأسير.
ولأنه يملك مع حبسها في منزله الاستمتاع بها متى شاء. فحبسه لها دائما يستوفى في حبسها ما يستحقه عليها، وحبسها له عارض إلى أن يوفيها حقها، والحبس الذي يصلح لتوفية الحق مثل المالك لأمته. بخلاف الحبس إلى أن يستوفي الحق فإنه من حبس الحر للحر. ولهذا لا يملك الغريم منع المحبوس من تصرف يوفي به الحق ولا يمنعه من حوائجه إذا احتاج الخروج من الحبس مع ملازمته له.
(وليس على محبوس قبول ما يبذله غريمه مما عليه منة فيه). قاله الشيخ
تقي الدين.
(1)
في أ: البيت.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(163 1) 3: 467 كتاب الجنائز، باب ما جاء في حق المرأه على زوجها. ولفظه:" ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم ".
وقال: وليس للزوجة أن تمنع من قبول ذلك من زوجها. وبهذا وغيره يتبين
أن له أن يلزمها ويمنعها من الخروج أكثر مما لها أن تلزمه وتمنعه من الخروج من حبسه. فإذا لم يكن له أن يلزمها من يقوم مقامه في ذلك لم يجز أن يمنع من ملازمتها وهذا حرام بلا ريب. إلى أن قال: ولو طلب منها الاستمتاع في الحبس فعليها أن توفيه ذلك؛ لأنه حق عليها. وإنما المقصود بالحبس أو الملازمة أن الغريم يلازمه حتى يوفيه حقه ولو لازمه في داره جاز
(1)
.
فإن قيل: فهذا يفضي إلى أن يمطلها ولا يوفي؟
فالجواب: أن تعويقه عن التصرف هو الحبس. وهو كاف في
(2)
المقصود
إذا لم يظهر امتناعه عن أداء الواجبات. فإن ظهر أنه قادر وامتنع ظلما عوقب بأعظم من الحبس بضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي، إلى أن قال: ففي الجملة لا يجوز حبسها له، وتذهب هي حيث شاءت باتفاق العلماء، بل لا بد من الجمع بين الحقين ورعاية المصلحتين، لا سيما إذا كان ذهابها مظنة للفاحشة. فإن ذلك يصير حقا لله تعالى، يجب على ولي الأمر رعايته وإن لم يطلبه الزوج. انتهى. وإن قامت بينة بمعين
(3)
للمدين فأنكر ولم يقر به لأحد، أو قال لزيد فكذبه: قضي منه دينه. وإن صدقه فوجهان. وعليها لا يثبت الملك للمدين؛ لأنه لا يدعيه.
قال في " الفروع ": وظاهر هذا أن البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى، وإن
كان له بينة قدمت؛ لإقرار رب الدين.
وفي " المنتخب ": بينة المدعي؛ لأنها خارجة. انتهى.
(وحرم إنكار معسر، وحلفه)؛ أنه لا حق عليه (ولو تأول) نصا؛ لأنه يصير ظلما بذلك. فلم ينفعه التأويل.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أ: من.
(3)
في ج: بعين.
وقال في " الإنصاف ": قلت: لو قيل بجوازه إذا تحقق ظلم رب الحق له وحبسه ومنعه من القيام على عياله لكان له وجه. انتهى.
ومن سئل عن غريب وظن إعساره شهد. قاله في " الفروع ". انتهى.
وعبارته في " الرعاية ": والغريب العاجز عن بينة إعساره يأمر الحاكم من
يسأل عنه. فإذا ظن السائل إعساره شهد به عنده
(1)
.
(وإن سأل غرماء من) أي: مدين (له مال لا يفي بدينه) الحال، (أو)
سأل (بعضهم الحاكم الحجر عليه) أي: على المدين: (لزمه) أي: الحاكم (إجابتهم) أي: إجابة الغرماء أو بعضهم وحجر.
والأصل فى ذلك ما روى كعب بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ
[وباع ماله "
(2)
. رواه الخلال بإسناده.
وعن عبد الرحمن بن كعب قال: " كان معاذ]
(3)
بن جبل من أفضل شبان قومه، ولم يكن يمسك شيئا. فلم يزل يدان حتى أغرق ماله في الدين. فكلم النبي صلى الله عليه وسلم غرماءه. فلو ترك أحد من أجل أحد لتركوا معاذا من أجل النبي صلى الله عليه وسلم. فباع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله حتى قام معاذ بغير شيء "
(4)
.
قال بعض أهل العلم: إنما لم يترك الغرماء لمعاذ حين كلمهم النبي صلى الله عليه وسلم؛
لأنهم كانوا يهودا.
وظاهر ما تقدم: أنه لا بد من سؤال من له حق الحاكم في الحجر وحكم الحاكم به. وهو المذهب.
(1)
في أ: عنه.
(2)
سبق تخريجه ص (354) رقم (2).
(3)
ساقط من أ.
(4)
وأخرجه عبدالرزاق في " مصنفه "(177 5 1) 8: 268 كتاب البيوع، باب المفلس والمحجور عليه. وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 48 كتاب التفليس، باب الحجر على المفلس وبيع ماله
في ديونه.
وعنه: إن ضاق ماله عن ديونه صار محجورا عليه بغير سؤال ولا حاكم، واختارها الشيخ تقي الدين.
وقيل: إن طلب المفلس من الحاكم الحجر لزمه إجابته.
(وسن إظهار حجر سفه وفليس)؛ ليعلم الناس بحالهما. فلا يعاملوهما إلا
على بصيرة.
(والإشهاد عليه) أي: علل الحجر؛ لأنه ربما عزل الحاكم أو مات فيثبت
عند من قام مقامه فيمضيه
(1)
، ولا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان.
***
(1)
في أ: فيحضيه.
[فصل: في أحكام الحجر]
(فصل. ويتعلق بحجره) أي: المفلس (أحكام) أربعة:
(أحدها: تعلق حق غرمائه بماله)؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان في الحجر عليه فائدة.
ولأنه يباع في ديونهم. فكانت حقوقهم متعلقة به؛ كالرهن.
إذا ثبت هذا (فلا يصح أن يقر به) المفلس (عليهم) أي: على الغرماء، (أو) أن (يتصرف فيه بغير تدبير).
وفي " المستوعب ": وصدقة بيسير.
أما كونه يصح بالتدبير؛ فلأن تأثير ذلك بعد زوال الحجر بالموت.
قلت: وقياس التدبير الوصية. لكن إنما يظهر أثر صحة ذلك إذا مات عن
مال يخرج المدبر أو الموصى به من ثلثه بعد وفاء دينه. والله أعلم.
والمراد تصرفا مستأنفا؛ كالبيع والهبة والوقف والإصداق وجعله عوضا في طلاق أو خلع أو عتق ونحو ذلك.
أما كون المفلس لا يصح إقراره بماله؛ فلأنه محجور عليه فيه. أشبه الراهن
يقر بالرهن؛ لأن في ثبوته إبطالا لحق غير المقر له. فلم يقبل.
ولأنه متهم في ذلك. فيكون كالإقرار على غيره.
وإن أقر بعين قبل على نفسه.
ونقل موسى بن سعيد: إن تصرف قبل طلب رب العين بها جاز لا بعده.
ذكره في " الفروع ".
قال المجد في " شرج الهداية ": فإن أفاد مالا غير ما في يده فقال في التفريع: قضي من ذلك المال ما أقر به. وهذا بظاهره يشمل ما قبل ذلك الحجر
وبعده، وهو متوجه يحتمله مذهبنا
(1)
؛ لأنه غير متهم بالنسبة إليه. وصرح به في "التهذيب " وبسط القول فيه. انتهى.
وأما كونه لا يصح تصرفه فيه؛ فلأنه محجور عليه بحكم حاكم. أشبه السفيه.
وأما كونه يصح إذا لم يكن مستأنفا؛ كما لو اشترى معيبا قبل الحجر ثم اطلع على عيبه بعده، واختار الفسخ، أو اشترى أو باع واشترط الخيار إلى وقت معين ثم حجر عليه قبل مضيه واختار إمضاء البيع أو فسخه؛ فلأن ذلك إتمام لتصرف سابق حجره. فلم يمنع منه؛ كاسترداد وديعة له أودعها قبل الحجر. ولا يتقيد هذا التصرف بالأحظ في أصح أو جهين. قاله في " البلغة ".
وأما كون تدبير المفلس صحيحا؛ فلأنه وصية ولا ضرر على الغرماء بذلك؛ لأن المدبر يصح بيعه فلا يفوت عليهم بذلك شيء.
وظاهر ما تقدم أن عتق المفلس لا ينفذ. وهو المذهب؛ لأنه ممنوع من التبرع لحق الغرماء. فلم ينفذ عتقه؛ كالمريض الذي يستغرق دينه ماله.
وفيه رواية: ينفذ لقوته بسرايته إلى ملك الغير. بخلاف سائر التصرفات. وأجيب عن ذلك: بأن شرط السرايه: أن يكون المعتق موسرا ليأخذ منه
قيمة نصيب شريكه فلا يتضرر بذلك، ولو كان معسرا لم ينفذ إلا فيما يملك
(2)
؛ صيانة لحق الغير حفظا له عن الضياع. كذا هنا.
وعلم مما تقدم أن تصرفه في ماله قبل الحجر عليه صحيح. نص عليه؛ لأنه رشيد غير محجور عليه.
ولأن سبب المنع الحجر فلا يتقدم سببه.
وفيه وجه: لا ينفذ. واختاره الشيخ تقي الدين.
وعلى المذهب: يحرم إن أضر بغريمه. ذكره الآمدي البغدادي.
(ولا) يصح (أن يبيعه لغرمائه) أي: لا يصح أن يبيع المفلس ماله
(1)
في ج: متجه يحمله متعيناً.
(2)
في ب: ملك.
لغرمائه، (أو لبعضهم بكل الدين)؛ لأنه ممنوع من التصرف فيه. فلم يصح بيعه؛ كما لو باعه بأقل من الدين.
ولأن الحاكم لم ينشئ الحجر إلا للمنع من التصرف. وفي القول بصحة البيع إبطال لذلك.
وفيه وجه: يصح؛ لأنه إنما منع من التصرف فيه لحق الغرماء، وإذا باعه بقدر جميع الدين فقد حصل الوفاء
(1)
بثمنه. فكأنه لم يكن مفلسا. وأطلقهما في " الفروع ".
وإذا تصرف المفلس بإذن الغرماء في استيفاء دين أو المسامحة فيه أو نحو ذلك،
قال المجد في " شرحه "
(2)
: فكلام القاضي وابن عقيل في كتابيهما يدل على صحته ونفوذه، والذي حكيناه عن القاضي قيل هذا ظاهره خلاف ذلك. انتهى.
(ويكفر هو وسفيه بصوم)؛ لأن إخراج الكفارة من مال المفلس يضر بغرمائه. ومن مال السفيه يضر به. وللمال
(3)
المكفر به بدل وهو الصوم. فرجع إليه؛ كما لو وجبت الكفارة على من لا مال له.
(إلا إن فك حجره وقدر) على المال (قبل تكفيره): فإنه يصير كموسر لم يحجر عليه قبل ذلك.
(وإن تصرف) المفلس المحجور عليه (في ذمته بشراء أو إقرار، ونحوهما)؛ كضمان: (صح)؛ لأنه أهل للتصرف، والحجر متعلق بماله لا بذمته. فوجب صحة تصرفه بذمته عملا بأهليته السالمة عن معارضة الحجر. (وتبع) بالبناء للمفعول المفلس المحجور عليه (به) أي: بثمن المبيع أو بالمقر به أو المضمون (بعد فكه) أي: الحجر؛ لأنه حق عليه. وإنما منعنا تعلقه بماله لحق الغرماء السابق على ذلك. فإذا استوفي
(4)
فقد زال العارض،
(1)
في أ: الفرق.
(2)
في ج: " شرج الهداية ".
(3)
في أ: وللمالك.
(4)
في أ: وللمالك.
وملك رب الحق المطالبه بحقه.
وعلم من ذلك: أنه ليس لأرباب هذه الحقوق مشاركة الغرماء؛ لأن من علم فلسه وعامله فقد رضي بالتأخير، ومن لم يعلم فقد فرط.
أما إن ثبت عليه بعد الحجر حق لزمه قبله شاوك صاحبه الغرماء؛ كما لو شهد به قبل الحجر.
(وإن جنى) المفلس المحجور عليه جنايه موجبة للمال أو للقصاص- وصولح عنها على مال: (شارك مجني عليه الغرماء)؛ لأن حقه ثبت على الجانى بغير اختيار من له الحق ولم يرض بتأخيره
(1)
، كما قبل الحجر.
(وقدم) بالبناء للمفعول (من) أي: إنسان (جنى عليه قنه) أي: قن المفلس (به) أي: بالقن الجانى؛ لتعلق حقه بعينه، كما يقدم حق المرتهن بثمن الرهن على الغرماء.
الحكم (الثاني) من الأحكام المتعلقة بالحجر: (أن من وجد عين ما باعه) للمفلس (أو أقرضه) إياه (أو أعطاه) له حال كونه (رأس مال سلم، أو). وجد شيئا (أجره) للمفلس حتى (ولو) كان المؤجر للمفلس (نفسه)؛ أي: غريم المفلس (ولم يمض من مدتها) أي: الإجارة (شيء) أي: زمن له أجرة. فيما إذا أجره شيئا أو أجره نفسه؛ لأنه لا يمكن التحرز عن مضي جزء منها بحال. (أو نحو ذلك)؛ كما لو وجد شقصا أخذه المفلس منه بالشفعة.
إذا وجد ذلك جميعه قبل الحجر. (و) كذا (لو) فعل ذلك (بعد حجره)
حال كون البائع أو المقرض أو المسلم أو المؤجر (جاهلأ به) أي: بالحجر. ومن نحو ما تقدم أيضاً لو أصدق امرأة عينا ثم انفسخ النكاج قبل الدخول على
وجه يسقط به المهر ثم حجر عليها والعين بيدها: (فهو) أي: واجد العين التي باعها أو أقرضها، أو أعطاها رأس مال سلم، أو أجرها بشرط ذلك المقدم ذكره، أو أخذها المفلس منه بالشفعه، أو أخذتها المفلسة صداقا وسقط (أحق بها).
(1)
في أ: بتأخير.
والأصل في ذلك ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك متاعه عند إنسان فهو أحق به "
(1)
متفق عليه.
وقال بذلك في الجملة عثمان، وعلي، وعروة بن الزبير، ومالك،
والأوزا عي، والليث، وعبدالله
(2)
بن الحسن، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر. وقال: لا نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خالف عثمان وعليا.
وأما كون حكم من عامله بعد حجره جاهلا به حكم من عامله قبله في كونه أحق بعين ما أعطاه له على التفصيل المتقدم " فلأنه معذور بجهله الحجر، وليس بمقصر بعدم السؤال عنه " لأن الغالب على الناس عدم الحجر.
وقيل: ليس له ذلك.
وقيل: له ذلك ولو علم بحجره.
إذا ثبت هذا فإن لمن قلنا إنه أحق بعين ماله أخذها (ولو قال المفلس: أنا أبيعها وأعطيك ثمنها) نصا. نقله أبو الحارث.
(أو بذله) أي: ولو بذل له ثمنها (غريم) أي: من غرماء المفلس. نص عليه أيضاً.
(أو خرجت) أي: ولو خرجت عن ملك المفلس ببيع أو غيره (وعادت لملكه) بعقد أو فسخ أو غيرهما، كما لو وهبها لولده ثم رجع فيها " لأن الحديث ليس بمقيد بما عدا هذه الصور
(3)
فيتناولها إطلاقه.
وقيل: لا يكون أحق بها بعد خروجها عن ملك المفلس مطلقا.
وقيل: إن عادت إلى ملكه بفسخ كان أحق بها وإلا فلا.
(وقرع إن باعها) أي: باع السلعة المفلس (ثم اشتراها) من مشتريها أو غيره (بين البائعين). فأيهما قرع الآخر كان أحق بها " لأنه يصدق على كل
(1)
سيأتي تخريجه ص: 387
(2)
في أوب: وعبيدالله.
(3)
في أ: الصورة.
منهما أنه أدرك متاعه الذي باعه عند من أفلس، وتقديم أحدهما به ترجيح من غير مرجح. فاحتجنا إلى تمييز المقدم بها بالقرعة.
وقيل: يقدم البائع الأول لسبقه.
فإن قيل: لم لا تقسم العين بينهما من غير قرعة؛ لتعلق استحقاق كل منهمابها؟
فالجواب: أنا لا نسلم أن كلا من البائعين تعلق استحقاقه بها؛ لأن ذلك
يفضي إلى إسقاط حق كل منهما. يوضح ذلك: أن المبيع لو كان أمة مثلا وباع المفلس نصفها ولم تعد إلى ملكه لم يكن البائع أحق بها؛ لأنه لم يدرك متاعه، وإنما أدرك بعضه. فكذا إذا قيل يتعلق حق البائع الثانى بأخذ نصفها. وإذا سقط حق البائع الأول وهو أسبق فأولى ان يسقط حق البائع الثانى إذا قيل إن البائع الأول حقه متعلق بالنصف الآخر، وإنما الأحق بأخذها أحدهما لا بعينه، لاشتراكهما في كون كل منهما أدرك متاعه الذي باعه عند من أفلس فاحتجنا إلى إخراجه بقرعة؛ لأنها تميز المبهمات. والله سبحانه وتعالى أعلم.
إذا ثبت هذا فإن لمن قلنا إنه أحق بمتاعه الذي أدركه أن يترك حقه ويكون
أسوة الغرماء. لكن لو تركه أحد البائعين في المسألة التي تقدمت تعين الآخر ولا يحتاج إلى قرعة.
(وشرط) لملك الأخذ شروط ستة
(1)
:
الأول: (كون المفلس حيا إلى أخذها)؛ لما روى أبو بكر بن عبدالرحمن
ابن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء "
(2)
. رواه مالك وأبو داود مرسلا.
(1)
في أب: ستة شروط.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3520) 3: 286 كتاب الاجارة، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده.
وأخرجه مالك في " الموطأ "(87) 2: 522 كتاب البيوع، باب ما جاء في إفلاس الغريم.
ورواه أبو داود مسندا من حديث إسماعيل بن عياش عن الزبيدي
(1)
عن الزهري عن أبي بكر عن أبي هريرة
(2)
.
"قال أبو داود: وحديث مالك أصح
(3)
.
ولأن الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة. أشبه ما لو باعه.
وعنه: ليس ذلك بشرط؛ لحديث رواه أبو داود أيضا
(4)
.
والجواب عنه: بأنه مجهول الإسناد. قاله ابن المنذر.
(و) الشرط الثانى: (بقاء كل عوضها) أي: العين (في ذمته) أي: المفلس؛ للحديث المتقدم.
ولأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة
(5)
على المشتري وإضرارا؛ لكونه لا يرغب فيه كالرغبة كاملا. فيتضرر المفلس والغرماء بالنقص.
ولأنه سبب يفسخ به البيع. فلم يجز مع تشقيصه، كالرد بالعيب.
(و) الثالث: (كون كلها) أي: السلعة (في ملكة) أي: المفلس؛ لأنه
مع تلف بعضه أو وقفه أو بيعه وبقائه على ملك مشتريه، أو هبته وبقائه على ملك الموهوب له لم يدرك متاعه وإنما أدرك بعضه.
ولأنه إذا أدركه كله حصل له بأخذه فصل الخصومة وانقطاع ما بينهما من المعاملة. بخلاف ما إذا وجد بعضه.
ولا فرق بين أن يرضى بالباقي بجميع الثمن أو بقسطه منه؛ لأنه قد فات
(1)
في أ: الزبير.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3522) 3: 287 كتاب الإجارة، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده.
(3)
ساقط من ب.
(4)
في أ: وأيضا. عن أبي المعتمر، عن عمر بن خلدة قال:" أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به ". أخرجه أبو داود في " سننه "(3523) الموضع السابق.
(5)
في أ: للصفة.
شرط الرجوع. .
(إلا إذا جمع العقد عددا)؛ كما لو كان المبيع عن دين: (فيأخذ مع تعذر بعضه) أي. المبيع بتلف أحدهما أو بعضه؛ كما لو قطعت يده، (ما بقي) أي: العبد الذي بقي سالما. نص على نحو ذلك الإمام في رواية الحسن بن ثواب؛ لأن السالم من المبيع وجده البائع بعينه فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: " من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد
(1)
أفلس فهو أحق به "
(2)
. وعنه: لا يرجع. نقلها أبو طالب.
(و) الشرط الرابع: أن تكون (السلعة بحالها) حتى انتقلت عنه. بأن لم تنقص ماليتها لذهاب صفة مع بقاء عينها؛ وذلك بأن (لم توطأ بكر) فتصير ثيبا، (ولم يجرح قن) جرحا تنقص به ماليته؛ لأنه قد ذهب من العين جزء له بدل وهو المهر والأرش. فمنع الرجوع؛ كما لو قطعت يده. وفيهما
(3)
وجه.
(و) بأن (لم تخلط بغير متميز) عنها؛ كما لوكانت زيتا فخلطت بزيت،
أو قمحا فخلطت بقمح ونحو ذلك؛ لأنه لم يجد عين ماله. فلم يكن له الرجوع؛ كما لو تلفت.
ولأن ما يأخذه من غير ماله إنما يأخذه عوضا عن ماله. فلم يختص به دون الغرماء.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أدرك متاعه بعينه " أي: من قدر عليه وتمكن من أخذه من المفلس. بدليل ما لو وجده بعد زوال ملك المفلس عنه، أو كان مسامير قد سمر بها بابا ونحو ذلك.
(1)
في ج: فقد.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2272) 2: 845 كتاب الاستقراض. . .، باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة فهو أحق به.
وأخرجه مسلم في " صحيحه"(1559) 3: 1194 كتاب المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه.
(3)
في أ: وفيها.
(و) بأن (لم تتغير صفتها بما يزيل اسمها؛ كنسج غزل، وخبز دقيق، وجعل دهن صابونا)، وجعل شرط إبراء ونحو ذلك؛ لأنه لم يجد متاعه بعينه. فلم يكن له الرجوع؛ كما لو تلف.
(و) الخامس: كون السلعة (لم يتعلق بها حق؛ كشفعة). وإنما منع تعلق الحق بالشفعة من الرجوع؛ لأن حق الشفيع أسبق؛ لكونه ثبت بالبيع، والبائع ثبت حقه بالحجر، وما كان أسبق فهو أولى.
وقال ابن حامد: للبائع أخذه؛ لعموم الخبر.
وفيه وجه ثالث: إن طالب بها فهو أحق
(1)
لتأكد حقه بالمطالبه، وإلا فلا. (وجناية)؛ كما لو كان عبدا فجنى على المفلس أو غيره.
وإنما منع تعلق حق [الجناية من]
(2)
الرجوع؛ لأن الرهن يمنعه، وحق الجناية مقدم عليه فأولى أن يمنع. وفيه وجه.
(ورهن). وإنما منع تعلق حق المرتهن به من الرجوع؛ لأن المفلس عقد
قبل الفلس عقدا منع نفسه به من التصرف فيه. فلم يملك باذله الرجوع فيه؛ كما لو وهبه المفلس.
ولأن في الرجوع إضرارا بالمرتهن، والضرر لا يزال بمثله. فلو كان دين المرتهن دون قيمة الرهن، بييع كله ورد باقي ثمنه على مال المفلس. فإن بييع بعضه ووفى الدين فباقيه بين الغرماء.
ولمحيه وجه: يرجع فيه باذله؛ لأنه عين ماله.
(وإن أسقطه) أي: الحق (ربه)؛ كالشفيع من الشفعة، وولي الجناية منها، والمرتهن من الرهن:(فكما لو لم يتعلق) بالعين حق من ذلك. ويملك مدركه الرجوع فيه؛ لأنه وجد متاعه بعينه خاليا من تعلق حق غيره به.
(و) الشرط السادس: كون السلعة (لم تزد زيادة متصلة؛ كسمن)،
(1)
في ب: أحق بها.
(2)
في أ: البائيع فئ.
وكبر، (وتعلم صنعة) تزيدها القيمة؛ ككتابة وحدادة
(1)
وقصارة، (وتجدد حمل) في بهيمة.
ؤوجه ذلك: أنه فسخ بسبب حادث. فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متصلة؛ كفسخ النكاج با لإعسار، أو الرضاع.
ولأنها زياده وجدت في ملك المفلس. فلم يستحق أخذها؛ كالمنفصلة، وكالحاصلة بفعله.
ولأن النماء لم يصل إليه من البائع. فلم يستحق أخذه منه؛ كغيره من أمواله. وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع؛ لأنه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة.
فلا تمنعه المتصلة؛ كالرد بالعيب.
ورد: بمفارقته الرد بالعيب لوجهين:
أحدهما: أن الفسخ
(2)
للعيب من المشتري فهو راض بإسقاط حقه من الزيادة. بخلاف مسألتنا.
والثاني: أن الفسخ للعيب لمعنى فارق العقد وهو العيب القديم، والفسخ
هنا لسبب
(3)
حادث. فهو بفسخ النكاج الذي لا يستحق به استرجاع العين الزائدة أشبه.
واحتج القائلون بأنها لا تمنع الرجوع أيضاً؛ بعموم الخبر.
ورد: بأنه محمول على من وجد متاعه على صفته ليس بزائد ولم يتعلق به حق آخر. وهاهنا قد تعلقت به حقوق الغرماء؛ لما فيه من الزيادة لما ذكرنا من الدليل. يحققه: أنه إذا كان تلف بعض المبيع مانعا من الرجوع من غير ضرر يلحق بالمفلس ولا بالغرماء. فلأن تمنع الزيادة فيه مع تفويتها بالرجوع عليهم أولى. ولأنه إذا رجع في الناقص فما رجع إلا فيما باعه وخرج منه. وإذا رجع في
(1)
في أ: وحداد.
(2)
في ب: الرد.
(3)
في ج: بسبب.
الزائد استرجع ما لم يخرج منه. فكان بالمنع أحق.
(لا إن ولدت) البهيمة عند المفلس. فإن ذلك لا يمنع من الرجوع، لأن
ذلك زيادة منفصلة؛ كما لو كانت السلعة نخلا فحصل منها تمر، أوعبدا ذا كسب
(1)
فكسب بغير خلاف بين الأصحاب.
وسيأتى الكلام على ذلك في المتن.
(ويصح رجوعه) أي: رجوع المدرك متاعه عند المفلس بشرطه (بقول): كرجعت في متاعي، أو أخذته، أو استرجعته، أو فسحت البيع إذا كان مبيعا. (ولو متراخيا)، كالرجوع في الهبة.
وقيل: على الفور " كخيار الشفعة وهما مبنيان على الروايتين في الرد بالعيب.
(بلا حاكم)، لثبوته بالنص، كفسخ المعتقة.
وقيل: بلى
(2)
. بناء على تسويغ الاجتهاد.
(وهو) أي: رجوع من أدرك متاعه بعينه عند المفلس فيه (فسخ) أي: كالفسخ في الحكم، لأنه قد لا يكون هناك عقد يفسخ " كاسترجاع الزوج للصداق الذي انفسخ النكاج فيه فسخا يسقط الصداق قبل فلس المرأة.
ومحل ذلك: لو باعته ثم عاد إليها ونحو ذلك، وإلا فيرجع إلى ملكه قهرا حيب استمر في ملكها بصفته.
(لا يحتاج) الراجع (إلى معرفة) بالمرجوع فيه لو كان قد تولى العقد وكيله
أو نحو ذلك.
(ولا قدرة) من المفلس (على تسليم) له.
(فلو رجع فيمن أبق) من المفلس، كما لو كان عبدا:(صح) رجوعه، (وصار) الآبق ملكأ (له فإن قدر) عليه (أخذه، وإن) عجز عنه أو (تلف) بأن
(1)
في أ: لكسب.
(2)
في أوب: بين.
مات بعد الرجوع فيه (فمن ماله) أي: مال الراجع؛ لدخوله في ملكه بالرجوع.
(وإن بان تلفه حين رجع)،بأن تبين أنه مات قبل رجوعه:(بطل استرجاعه)؛ لأنه تبين أنه لم يكن هناك ما يرجع فيه، وكان له أن يضرب مع الغرماء في الموجود من
(1)
مال المفلس.
(وإن رجع في شيء اشتبه بغيره) بأن قال الراجع: هذا عين مالي، وقال المفلس: بل هذا: (قدم تعيين مفلس)؛ لإنكاره دعوى استحقاق الراجع، والأصل معه.
(ومن رجع فيما) أي: في مبيع (ثمنه مؤجل، أو في صيد وهو) أي: الراجع (محرم: لم يأخذه) أي: الذي ثمنه مؤجل (قبل حلوله، ولا) الصيد (حال إحرامه).
أما المسألة الأولى؛ فقد نص عليها الإمام في رواية الحسن بن ثواب: أنه يكون ماله موقوفا إلى أن يحل دينه فيختار الفسخ أو الترك؛ لأنه لا يباع في الديون الحالة؛ لأن حق هذا البائع تعلق بالعين. فقدم على غيره وإن كان مؤجلا؛ كالمرتهن والمجني عليه.
وأما الثانية وهي مسألة الصيد؛ فلأن الرجوع فيه تملك له، ولا يجوز ذلك
مع الإحرام؛ كشرائه له.
وإن كان البائع حلالا والمفلس محرما: لم يمنع من
(2)
أخذه؛ لأن المانع
غير موجود في حقه.
(ولا يمنعه) أي: لا يمنع الراجع الرجوع (نقص) في السلعة؛ (كهزال، ونسيان صنعة)، ومرض، وجنون، ونحو ذلك؛ لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله.
(1)
في أ: في.
(2)
في ب: من له.
لكن من قلنا إنه أحق به مخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه، وبين أن يضرب
مع الغرماء بكمال ثمنه، لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن أو هزال
أو نحوهما. فيصير كنقصه لتغير الأسعار.
(ولا) يمنعه أيضاً (صبغ ثوب أو قصره)، ولا لت سويق بدهن.
أما كون باذل الثوب الذي صبغ، والسويق الذي لت يملك الرجوع فيهما؛
فلأن عين مالهما قائمة مشاهدة ما تغير اسمها. ويكون المفلس شريكا لصاحب الثوب والسويق بما زاد عن قيمتهما.
قال في " المغني ": ويحتمل أن لا يكون له الرجوع إذا زادت القيمة؛ لأنه
اتصل بالمبيع زيادة للمفلس. فمنعت الرجوع " كما لو سمن العبد.
وقال ابن أبي موسى: إن صبغه صبغا لا ينقلع لم يكن له رجوع.
وأما كون باذل الثوب الذي قصره يملك الرجوع فيه، فلأنه وجد عين ماله لم
يتغير
(1)
اسمها ولا ذهب عينها. فملك الرجوع فيها. ويكون المفلس شريكا له
بما زاد عن
(2)
قيمته.
قال في " المغني ": وعلى قياس قول الخرقي لا يملك الرجوع إن زادت
قيمته بالقصارة، لأن الثوب زاد زيادة لا تتميز زيادتها. فلم يملك الرجوع،
كبائع الصبغ إذا صبغ به، والزيت إذا لت به.
وعلم مما تقدم أن قيمة الثوب إذا لم تزد ولم تنقص بالصبغ أو القصارة، كان
له الرجوع بغير خلاف في المذهب.
ومحل ذلك الرجوع: (ما لم ينقص) الثوب (بهما) أي: بالصبغ والقصارة. قاله في " التنقيح " تبعا لصاحب " الفروع ".
قال في " الرعاية " في مسألة صبغ الثوب: إن نقصت قيمته لم يرجع في
الأقيس.
(1)
في أ: يتعين.
(2)
في أ: على.
وقال المجد في " شرحه ": وذكر القاضي وابن عقيل وجها فيما إذا نقص الثوب بالقصاره أنه يسقط الرجوع؛ لأنه نقص بفعله. فأشبه إتلاف البعض. ووجها: لا يسقط؛ كا لهزال. قا ل: وهو أصح. انتهى.
ويقال هذا التعليل أيضاً فيما إذا نقص بالصبغ.
ورد هذا التعليل في " المغني " بأن هذا النقص نقص صفة. فلا يمنع الرجوع؛ كنسيان صنعة وهزال العبد.
وحيث تقرر ثبوت الرجوع في الثوب الذي صبغ أو قصر فمتى زادت قيمة المصبوغ بقدر قيمة الصبغ شارك المفلس فيه بقدر قيمة صبغه. إلا أن يدفعها الراجع. فإن أبى دفعها أجبر على بيع حقه. وإن نقصت عن قيمة الصبغ فالنقص من المفلس، وإن زادت قيمتهما فالزيادة مع قيمة الصبغ له.
وقيل: يشتركان فيه بالنسبة.
وإن زادت قيمة المقصور فإن كانت القصارة بعمل المفلس أو بأجرة وفاها.
فهما شريكان في الثوب. فإن كانت قيمته غير مقصور خمسة فصار مقصورا يساوي سته: فللمفلس سدسه، وللراجع فيه خمسة أسداسه.
فإن اختار صاحبه دفع قيمة الزيادة للمفلس لزمه قبولها؛ لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة من غير ضرريلحقه. فأشبه ما لو دفع الشفيع قيمة البناء إلى المشتري. وإن لم يختر: بيع وأخذ كل واحد من ثمنه بقدر حقه.
وإن كان العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب عليه. فإن كانت الزيادة بقدر الأجرة دفعت إليه، وإن كانت أقل فله حبس الثوب على استيفاء قدر الزيادة ويضرب مع الغرماء بما بقي.
وإن كانت أكثر، مثل: أن تكون الزيادة درهمين وأجرة مثله درهم فله قدر أجرته
(1)
وما فضل للغرماء.
(1)
في أوب: أجره.
وإن كان الذي أخذه المفلس صبغا فصبغ ثوبا، أو زيتا فلت به سويقا: سقط الوجوع فيهما.
ولو اشترى ثوبا وصبغا من شخص واحد فصبغ به الثوب ثم أفلس، ولم تزد
قيمة الثوب والصبغ، ولم تنقص: فللبائع أخذ الثوب بما له. قاله القاضي وابن عقيل. فقله عنهما المجد في " شرحه ".
قال: وعندي
(1)
: أن زيادة الثوب بالصبغ تبقى للمفلس؛ لأن الصبع المشترى لا بد وأن يتلف بعض أجزائه إذا صبغ به، ويضرب بثمنه مع الغرماء، ويكون الثوب نفسه له بثمنه. فإن كان الثوب بعشرة والصبغ بخمسة ثمنا وقيمة فلما صبغ به صار الثوب يساوي اثنا عشرة. فقال القاضي وابن عقيل والشافعية: يجعل النقصان أبدا من الصبغ؛ لأن الثوب بحاله. وإنما ذهب بعض عين الصبغ. فللبائع أخذ الثوب مصبوغا باثني عشر، ويضرب مع الغرماء ببدل التالف ثلاثة.
قال المجد: وعندي أن له خمسة أسداس الثوب بثمنه رجوعا فيه، والقدر الباقي فيه من الصبغ لا يختص به، بل هو أسوة مال المفلس. فيضرب بثمن جميع الصبغ مع الغرماء، قال: وما قالاه أي: القاضي وابن عقيل متناقض في المذهب لأنهما أجازا الوجوع مع تلف البعض، وجعلا الوجوع في البعض الباقي بقيمته لا بنسبته من الثمن. ولا نعلم به قائلا. انتهى.
ثم قال: فإن صار الثوب بالصبغ يساوي عشرين فقالا- أي: القاضي وابن عقيل-: هو كزيادة عين، تكون هذه الزيادة للمفلس وحده. فيكون له ربع الثوب، وللبائع ثلاثة أرباعه
(2)
.
ثم قال: فإن تعدد بائع الثوب والصبغ فجعلا- أي: القاضي وابن عقيل- الثوب
لهما في الفصل الأول، وهو: ما إذا لم تزد قيمه الثوب والصبغ ولم تنقص.
(1)
في ب: وعنه.
(2)
في أ: أرباع.
وفي الثانى: وهو ما إذا نقصت قيمتهمما وصار بعد الصبغ يساوي اثني
عشر
(1)
، جعلاه بينهما أسداسا.
وفي الثالث: وهو ما إذا زادت فصار يساوي عشرين، جعلا للمفلس ربعه، ولبائع الثوب نصفه، ولبائع الصبغ ربعه.
قال المجد: والصحيح أن بائع الصبع يضرب بماله، وتكون الزيادة بالصبغ للمفلس، سواء كانت ناقصة عن ثمنها أوزائدة. انتهى.
وقال في " المغني " بعد أن حكى القول بالرجوع فيما إذا اشترى ثوبا من شخص وصبغا من آخر، وصبغه به عن الشافعية، وأن القاضي ذكر مثل هذا في موضع: ولنا أنه لم يجد عين ماله. فلم يكن له الرجوع؛ كما لو تلف.
ولأن المشري شغله بغيره على وجه التبع. فلم يفلك بائعه الرجوع فيه؛
كما لو كان حجرابنى عليه، أو مسامير سمر بها باباً.
ثم قال: ولو
(2)
اشترى ثوباً وصبغا من واحد فصبغه به فقال أصحابنا:
لا فرق بين ذلك وبين كون الصبغ من غير صاحب الثوب. فعلى قولهم يرجع في الثوب وحده ويكون المفلس شريكا له بزيادة الصبغ ويضرب مع الغرماء بثمن الصبغ.
ويحتمل أن يرجع فيهما هاهنا؛ لأنه وجد عين ماله متميزا عن غيره. فكان
له الرجوع فيه؛ للخبر.
[ولأن المعنى في المحل الذي ثبت فيه الرجوع. موجود هاهنا. فيملك الرجوع به؛ كما يملكه]
(3)
ثم.
ولو أنه اشترى رفوفا ومسامير من واحد فسمرها بها رجع بائعهما فيهما كذلك. وكذلك ما يشبهه. انتهى.
(1)
في ج: عشرة.
(2)
في أ: لو.
(3)
ساقط من أ.
(ولا) تمنع رجوع بائع وجد عين ما باعه عند من أفلس، حيث وجدت
شروطه (زيادة منفصلة)؛ كولد وثمرة وكسب.
قال في " المغني ": بغير خلاف بين أصحابنا، وسواء نقص بها المبيع أو
لم ينقص إذا كان نقصه صفة، لأنه وجد عين ماله لم يتغير اسمها ولا نقص شيء
من عينها.
(وهي) أي: الزيادة (لبائع) نصا.
قال الإمام في رواية حنبل في ولد الجارية ونتاج الدابة: هو للبائع.
واختاره أبو بكر والقاضي في " الجامع " و" الخلاف " وابن عقيل. وجزم به
في " المنور " و" منتخب الآمدي ". وقدمه في " المستوعب " و" الخلاصة "
و" التلخيص " و" المحرر " و" الرعايتين " و" الحاويين " و" الفروع " و" الفائق ". وعنه: أن الزيادة للمفلس. اختاره ابن حامد والقاضي في روايتيه
و" المجرد " والشريف وأبو الخطاب وخلافيهما وابن عقيل في " الفصول" والموفق. وقال: إنه ظاهر كلام الخرقي، لأنه منع الرجوع بالزيادة المتصلة، لكونها للمفلس فالمنفصلة
(1)
أولى.
قال في " المغني ": وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وآخر هـ إلى أن قال: ولا
ينبغي أن يقع في هذا خلاف
(2)
لظهوره. وكلام أحمد في رواية حنبل يحمل على
أنه باعهما في حال حملهما. فيكونان مبيعين. ولهذا خص هذين بالذكر دون. بقية النماء. انتهى.
(وظهر في " التنقيح " رواية كونها) أي: كون الزيادة المنفصلة (لمفلس) وعبارته: وعنه: لمفلس وهو أظهر.
وقال الشارح: هذا أصح إن شاء الله تعالى. وجزم به في " الوجيز ".
فعلى هذا لو كانت الزياده ولد أمة أجبر البائع على بدل قيمته. فإن أبى سقط
رجوعه في وجه.
(1)
في ج: فالمتصلة.
(2)
في أ: اختلاف.
وفي آخر: يباعان ويصرف إليه ما خص الأم. قاله في " التلخيص ".
وقال في " الرعايتين " و" الحاويين " و" الفائق ": له أخذه بقيمته أو بيع
الأم معه، وله قيمتها ذات ولد بغير ولد.
(ولا) يمنع رجوعه أيضاً (غرس) وجد في (أرض) باعها، (أو بناء) حصل (فيها. فإن رجع قبل قلع) للغرس أو البناء [كان له ذلك]
(1)
؛ لأنه أدرك متاعه بعينه. ومال الغارس أو البانى دخل على وجه التبع؛ كصبغ الثوب.
قال في " المغني ": ويحتمل أن لا يستحقه حتى يوجد القلع؛ لأنه قبل القلع لم يدرك متاعه إلا مشغولا بملك المشتري.
وحيث رجع
(2)
(واختاره) أي: اختار القلع (غريم: ضمن نقصا حصل
به) أي: بالقلع، وذلك أرش النقص الحاصل بالقلع. .
(ويسوي حفرا) حصلت بالقلع أيضاً.
قال في " الفروع ": والأصح له الرجوع. فيضمن غريم نقصا حصل به ويسوي حفرا.
وعبارة " الرعاية ": وللمفلس إلزام غرمائه القلع مع تسوية الحفر أو أرشه، ويشاركهم البائع به. فإن أبى البائع الشرى والمشتري القلع فلا رجوع. بخلاف ما إذا وجد البائع عين ماله ناقصة فرجع فيها. فإنه لا يرجع في النقص؛ لأن النقص كان في ملك
(3)
المفلس، وهاهنا حدث بعد رجوعه في العين. فلهذا ضمنوه ويضرب بالنقص مع الغرماء.
(ولمفلس مع الغرماء القلع، ومشاركلة أخذ بالنقص) الحاصل بالقلع. يعني: أن الراجع في الأرض يشارك غرماء المفلس بأرش نقص أرضه بسبب القلع؛ لأن الأخذ للأرض لا حق له في الغراس ولا البناء فرجع في أرضه.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: ذلك.
ويضرب مع الغرماء بأرش نقصها، لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان عليه.
(فإن أبوه) أي: أبى المفلس والغرماء القلع لم يجبروا عليه، لأنه وضع بحق. ومفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:" ليس لعرق ظالم حق "
(1)
: أنه إذا لم يكن ظالما فله حق.
ومع ذلك (فلآخذ) للأرض (القلع) للبناء أو الغراس) وضمان نقصه، أو
أخذ غرس، أو بناء بقيمته)؛ لأن البناء والغراس حصل في ملكه لغيره بحق. فكان له فلعه، ويضمن نقصه أو أخذه بقيمته، كالشفيع إذا أخذ الأرض وفيها غراس
(2)
أو بناء للمشتري. وكالمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير. وليس له في ذلك على قول من يقول: أنه ليس له الرجوع قبل القلع؛ لأن
بناء المفلس وغرسه في ملكه. فلم يجبر على قلعه ولا بذله بعوضه.
(فـ) على المذهب: (إن أباهما) أي: أبى الأخذ والقلع مع ضمان النقص وإن أبى أخذ غرس أو بناء بقيمته (أيضا) أي: مع إباء المفلس والغرماء القلع: (سقط) حقه في الرجوع؛ لأنه لم يدرك متاعه على وجه يمكنه أخذه منفردا عن غيره. فلم يكن له أخذه؛ كالحجر إذا بنى به، والمسامير إذا سمر بها ولم يقلعوا.
ولأن ذلك ضررا على المشتري والغرماء، ولا يزال بالضرر.
ولأنه لا يحصل بالرجوع هاهنا انقطاع نزاع وخصومة. بخلاف ما إذا وجدها
غير مشغولة بشيء.
وقيل: لا يسقط؛ لأن مال المشتري فيه على وجه التبع؛ كالثوب إذا صبغه المفلس.
ورد: بالفرق بين ذلك وبين الثوب من وجهين:
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه "(3073) 3: 178 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إحياء الموات. وأخرجه الترمذي في "جامعه " (1378) 3: 662 كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات.
(2)
في أب: غرس.
أحدهما: أن الصبغ يتفرق في
(1)
الثوب فيصير كالصفة فيه. بخلاف البناء والغراس
(2)
فإنهما أعيان متميزة وأصلان في أنفسهما.
والثانى: أن الثوب لا يراد للبقاء. بخلاف الأرض والبناء.
ولو كان المبيع غراسا وغرسه في أرضه ثم أفلس ولم يزد الغراس فلبائعه الرجوع فيه؛ لأنه أدرك متاعه بعينه.
وإذا رجع فعليه تسوية الأرض وأرش نقصها بقلعه؛ لأنه نقص حصل لتخليص ملكه من ملك غيره.
وإن بذل المفلس والغرماء له قيمته لمملكوه بذلك لم يجبر على قبولها
(3)
؛ لأنه إذا اختار أخذ ماله وتفريغ ملكهم، وإزالة ضرره عنهم لم يكن له منعه؛ كالمشتري إذا غرس في الأرض المشفوعة.
وإذا امتنع من القلع فبذلوا له القيمة ليملكه المفلس أو أرادوا قلعه وضمان النقص: فلهم ذلك.
وكذلك إن أرادوا قلعه من غير ضمان النقص؛ لأن المفلس إنما ابتاعه مقلوعا. فلم يجب إبقاوه في أرضه.
وقيل. ليس لهم قلعه من غير ضمان النقص؛ لأنه غرس بحق. فأشبه غرس المفلس في الأرض التي ابتاعها إذا رجع بائعها فيها.
والفرق ظاهر. فإن إبقاء الغراس في هذه الصورة حق عليه. فلم يجب عليه بفعله. وفي التي قبلها إبقاوه حق له. فوجب له بغراسه في ملكه.
فإن اختار بعضهم القلع وبعضهم التبقية قدم طالب القلع؛ لأن الإبقاء ضرر
غير واجب. فلم يلزم الممتنع منه الإجابة إليه.
وإن زاد الغراس في الأرض امتنع الرجوع؛ لأنها زيادة متصلة.
(1)
في أ: من.
(2)
في ج: والغرس.
(3)
في ج: أخذها.
وإن اشترى أرضا من شخص وغراسا من آخر فغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد الشجر: فلكل منهما الرجوع في عين ماله، ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان نقصه بالقلع، لأن البائع إنما باعه مقلوعا فلا يستحقه إلا كذلك.
وإن أراد بائعه قلعه فقلعه فعليه تسوية الحفر وضمان نقصها الحاصل به.
وإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها ليملكها لم يجبر على ذلك "
لأن الأرض أصل فلا يجبر على بيعها.
وإن بذل صاحب الأرض قيمة الغراس ليملكه إذا امتنع من القلع: فله ذلك "
لأن غرسه حصل في ملك غيره بحق. فأشبه غرس المفلس في أرض البائع.
وإن اتفقا على إبقائهما كذلك وينتفع هذا بأرضه وهذا بغرسه جاز.
وإن اشترى شجرا ثم أفلس لم يخل من أربعة أحوال:
أحدها: إذا لم يزد ولم يثمر ولم يتلف بعضها فلبائع الرجوع فيها.
الثانية: أن يكون فيها ثمر ظاهر أو طلع مؤبر ويشترطه المشتري فيتصرف
فيه، أو يذهب بجائحة ثم يفلس: فهذا في حكم ما لو اشترى عينين فتلفت إحداهما ثم أفلس على ما تقدم.
وتلف بعضها كتلف جميعها.
وإن زادت أو بدا صلاحها: فهذه زيادة متصلة في إحدى العينين. وتقدم
ذكرها.
الثالثة: أن يشتري نخلا قد أطلعت ولم تؤبر أو شجرا فيها ثمرة لم تظهر:
فهذه الثمرة تدخل في البيع المطلق.
فإن أفلس بعد تلف الثمرة، أو تلف بعضها، أو الزيادة فيها، أو بدو صلاح:
فحكم ذلك حكم تلف بعض المبيع وزيادته المتصلة؛ لأن المبيع كان بمنزلة العين الواحدة، ولهذا دخل الثمر
(1)
في مطلق المبيع
(2)
. بخلاف التي قبلها.
(1)
في ب: الثمن.
(2)
في أ: البيع.
الرابعة: أن يشتري نخلا فيطلع أو شجرا فيثمر: فذلك على أربعة أضرب: أحدها: أن يفلس قبل تأبيرها: فالطلع زيادة متصلة تمنع الرجوع.
الضرب
(1)
الثانى: أفلس بعد التأبير وظهور الثمرة: فلا يمنع الرجوع؛ لأن الثمرة لا تتبع في البيع الذي يكون بتراضيهما. ففي الفسخ الحاصل بغير رضى المشتري أولى.
ولو اشترى أرضا فارغة فزرعها ثم أفلس: فإن بائعها يرجع في الأرض دون الزرع وجها واحدا؛ لأن ذلك من فعل المشتري.
الضرب الثالث: أفلس فالطلع غير مؤبر. فلم يرجع حتى أبر: لم يكن له الرجوع؛ كما لو أفلس بعد تأبيرها؛ لأن العين لا تنتقل إلا باختياره لها، وهذا لم يخترها إلا بعد تأبيرها.
فإن ادعى البائع الرجوع قبل تأبيرها وأنكره المفلس. فالقول قوله بيمنه؛ لأن الأصل بقاء ملكه وعدم زواله.
وإن قال البائع: بعت بعد التأبير، وقال المفلس: بل قبله: فالقول قول البائع؛ لهذه العله.
فإن شهد الغرماء للمفلس لم تسمع شهادتهم للتهمة.
وإن شهدوا للبائع وهم عدول قبلوا؛ لعدم التهمة.
الضرب الرابع: أفلس بعد أخذ الثمرة أو تلفها: رجع البائع في الأصل.
والثمر ة
(2)
للمشتري. وفيهما وجه.
وكل موضع لا يتبع الثمر الشجر إذا رجع البائع فليس له مطالبة المفلس بقطع الثمرة قبل أوان الجذاذ.
وكذا إذا رجع في الأرض وفيها زرع للمفلس فليس له المطالبة بأخذه قبل
(1)
في أ: والضرب.
(2)
في ب: الثمن.
أوان الحصاد، لأن المشتري زرع في أرضه زرعا تجب تبقيته فكأنه استوفى منفعة الأرض. فلم يكن عليه ضمان ذلك.
إذا ثبت هذا فإن اتفق المفلس والغرماء على التبقية أو القطع فلهم ذلك.
وإن طلب بعضهم قطعه وبعضهم تبقيته نظرنا فإن كان مما لا قيمة له مقطوعا
أو قيمته يسيرة لم يجب قطعه، لأنه سفه. وإن كانت كثيرة فأوجه:
أحدها: يقدم قول من طلب القطع؛ لأنه أحوط.
والثانى: ينظر ما فيه الأحظ فيعمل به. قال في " الإنصاف ": قلت: وهو
الصواب.
والثالث: إن كان الطالب للقطع الغرماء وجبت إجابتهم؛ لأن حقوقهم حالة. فلا يلزمهم تأخيرها مع إمكان إبقائها.
وإن كان الطالب له المفلس دونهم وكان التأخير أحظ: لم يقطع " لأنهم رضوا بتأخير حقوقهم لحظ يحصل لهم وللمفلس.
تنبيه: ظاهر ما تدم أن صاحب السلعة لو مات كان لوارثه الرجوع فيها كمورثه.
قال في " الإنصاف ": وهو صحيح، وهو ظاهر ما قدمه في " الفروع "، وظاهر كلام أكثر الأصحاب.
قال الزركشي: وهو ظاهر كلام الشيخين المصنف والمجد؛ لعدم اشتراطهم ذلك.
وقال في " الترغيب " و" الرعاية الكبرى ": ولربه دون ورثته على الأصح أخذه، وقدمه في " الر عاية الصغرى " و" الفائق " والزركشي.
وقال في " التلخيص ": من
(1)
الشروط: أن يكون البائع حيا، إذ لا رجوع للورثة؛ للحديث. وحكى أبو الحسن الآمدي رواية أخرى: أنهم يرجعون. انتهى.
(1)
في أ: في.
(وإن مات بائع) شيئا حال كون البائع (مديناً: فمشتر) لذلك الشيء (أحق بمبيعه) من طعام وغيره (ولو قبل قبضه) نص عليه؛ لأنه ملكه ببيع من مالك غير محجور عليه. فلا يملك أحد منازعته فيه؛ كما لو لم. يمت بائعه مدينا. والله أعلم.
وإن باع سلعة فمات المشتري مفلسا والسلعة بعد في يد البائع، قال المجد
في "شرح الهداية": فهو أسوة الغرماء على قياس المذهب. وظاهر كلام أحمد. وقال القاضي في " تعليقه ": يكون أحق بها على معنى الرهن فتباع ويستوفى الدين من ثمنها، كما يستوفى من الرهن. قال: وهذا لا وجه له. إلا إذا قلنا بحبس المبيع على الثمن. انتهى.
الحكم (الثالث) من الأحكام المتعلقة بحجر المفلس: (أن يلزم الحاكم) مفعول مقدم (قسم ماله) فاعل يلزم أي: مال المفلس (الذي من جنس الدين) الذي عليه.
(و) أن يلزمه أيضاً (بيع ما ليس من جنسه) أي: الدين (في سوقه، أو غيره) أي: غير سوقه (بثمن مثله) أي: المبيع (المستقر في وقته أو أكثر) من ثمن المثل إن حصل راغب.
(وقسمه) أي: الثمن أو المال الذي من جنس الدين (فورا) حال من قسم وبيع.
أما كون الحاكم يلزمه قسم مال المفلس الذي من جنس الدين الذي عليه على غرمائه على الفور؛ فلأن هذا هو جل المقصود من الحجر الذي طلبه من الغرماء أوبعضهم.
وأما كونه يلزم ذلك على الفور؛ فلأن تأنجيره مطل، وفيه ظلم لهم.
وأما كونه يلزمه بيع ما ليس من جنس الدين وقسم ثمنه على غرمائه؛ فـ " إنه
صلى الله عليه وسلم لما حجر على معاذ باع ماله في دينه، وقسم ثمنه بين غرمائه "
(1)
.
(1)
سبق تخريجه ص (360) رقم (4).
ولفعل عمر رضي الله عنه
(1)
.
ولأنه محجورعليه محتاج إلى قضاء دينه. فجاز بيع ماله بغير رضاه؛ كالسفيه.
وأما كونه لا يبيعه إلا بثمن مثله المستقر أو أكثر منه؛ فلأنه محجور عليه في
ماله. فلا يتصرف فيه إلا بما فيه حظ؛ كالتصرف في مال السفيه.
(وسن إحضاره) أي: المفلس عند بيع ماله لفوائد:
منها: أن يضبط الثمن.
ومنها: أنه أعرف بالجيد من متاعه ليتكلم عليه.
ومنها: أنه أطيب لنفسه. ووكيله كهو. قاله في " البلغة ".
(مع غرمائه) أيضاً؛ لأنه أطيب لقلوبهم وأبعد للتهمة. وربما رغبوا في
شيء فزادوا في ثمنه، أو يجد أحدهم عين ماله فيأخذها.
(و) سن (بيع كل شيء في سوقه)؛ لأنه أحوط وأكثر لطلابه.
(و) سن (أن يبدأ) في المبيع (بأقله بقاء)؛ كالفاكهة ونحوها؛ لأن بقاءه يتلفه. .
(و) بـ (أكثره كلفة)؛ كالحيوان.
ولأنه يحتاج إلى مؤنة في بقائه وهو معرض للتلف.
(ويجب ترك) أي: أن يترك للمفلس (ما يحتاجه: من مسكن وخادم)
يصلح (لمثله) كل من المسكن والخادم؛ لأن ذلك مالا غنى عنه. فلم يبع
في دينه.
(1)
عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف عن أبيه " أن رجلا من جهينة كان يشتري الرواحل فيغالي بها ثم يسرع
البسير فيسبق الحاج فأفلس فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب فقال: أما بعد أيها الناس فإن الأسيفع أسيفع
جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال: سبق الحاج إلا أنه قد ادان معرضاً فأصبح وقد رين به. فمن كان
له عليه دين فليأتنا بالغداة نقسم ماله بين غرمائه. وإياكم والدين فإن أوله هم وآخر هـ حرب ". أخر جه
البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 49 كتاب التفليس، باب الحجر على المفلس وبيع ماله في ديونه.
(ما لم يكونا) أي: المسكن والخادم (عين مال غريم) فإنه إن شاء أخذهما (ويشترى) للمفلس، (أو يترك له) من ماله (بدلهما)؛ لما تقرر من أن واجد عين ماله أحق بها بشرطه.
ولأن حقه تعلق بالعين. فكان أقوى سببا من المفلس.
(ويبدل أعلا) أي: لو كان في ماله ما هو محتاج إليه؛ كالمسكن والخادم والثوب وكان أعلا مما يصلح لمثله أبدل (بصالح) لمثله؛ لأن في ذلك نظرا بالأحظ في حق المفلس والغرماء الواجب على الحاكم فعله.
(و) يجب أن يترك المفلس أيضاً إن كان تاجرا (ما) أي: شيئا من ماله (يتجر به، وآلة محترف).
قال الإمام في رواية الميمونى: يترك له قدر ما يقوم به معاشه ويباع الباقي.
ونقل عبدالله: يباع الكل إلا المسكن وما يواريه من ثياب وخادم وما يحتاجه. (ويجب له) أي: للمفلس (ولعياله أدنى نفقه مثلهم: من مأكل ومشرب وكسوة، وتجهيز ميت)؛ كما لو مات المفلس أو أحد ممن تلزمه نفقته غير زوجه (من ماله حتى يقسم)؛ لأن ملكه باق عليه قبل القسمة.
(وأجرة مناد، ونحوه)؛ كحمال وحافظ وكيال ووزان (لم يتبرع) أحد
منهم بالعمل (من المال)؛ لأن البيع
(1)
وحق التوفية في المكيل والموزون ونحوه حق على المفلس؛ لكونه طريق وفاء دينه.
وقيل: من بيت المال؛ لأنه من المصالح. وعلى هذا: إن لم يكن فمن المال. وقيل: لا ينادى على عقار بل يعلم به أهل البلد.
(وإن عينا) أي: المفلس والغريم الواحد أو الجماعة (مناديا غير ثقة: رده حاكم. بخلاف بيع مرهون) إذا اتفق الراهن والمرتهن على أن يبيعه شخص معين غيرثقة.
(1)
في ج: المبيع.
والفرق: أن للحاكم في بيع مال المفلس نظرا واجتهادا فإنه قد يظهر غريم
آخر فيتعلق حقه به. بخلاف بيع المرهون فإنه لا نظر للحاكم فيه.
(فإن اختلف تعيينهما) بأن عين المفلس زيدا والغرماء عمرا وكل منهما
ثقة: (ضمنهما) الحاكم (إن تبرعا) بالعمل؛ لأن ذلك أسكن لقلب كل منهم
من غير ضرر على واحد منهم.
(وإلا) أي: وإن لم يتبرعا. والمراد: ولا واحد منهما: (قدم) الحاكم
(من شاء) منهما.
وظاهر ما تقدم أنه لو تطوع أحدهما دون الآخر قدم؛ لأنه أوفر. وصرح به
في "المغني ".
(وبدئ) بالبناء للمفعول أي: يبدأ الحاكم في قسمه (بمن جنى عليه) أو
جنى على قنه (قن المفلس)؛ لأن الحق متعلق بعين الجانى يفوت بفواتها. بخلاف من جنى عليه المفلس فإنه أسوة الغرماء؛ لتعلق حقه بذمته.
(فيعطى) بالبناء للمفعول ولي الجناية (الأقل من ثمنه) أي: ثمن الجانى
(أو) الأقل من (الأرش)؛ لأن الأقل إن كان ثمن الجانى فهو لا يستحق غيره؛
لأن حقه متعلق بعينه. وإن كان الأرش فهو لا يستحق إلا أرش الجناية.
فعلى هذا إذا فضل شيء من ثمن الجانى عن أرش الجناية قسم على بقية
الغرماء. قاله في " المبدع ".
(ثم بمن عنده رهن) من الغرماء. أي: لازم بقبضه أو؛ قبض ما اتفقا على
أن يكون بيده (فيخص) بالبناء للمفعول أي: يخصه الحاكم (بثمنه) بأن يبيعه
(1)
ويعطيه ثمنه إن كان بقدر دينه أو أقل؛ لأن حقه متعلق بعين الرهن وذمة الرهن. بخلاف بقية الغرماء.
وعنه: أنه بعد موت المفلس أسوة الغرماء.
(1)
في أ: يبيع.
(فإن بقي) للمرتهن (دين) أي: بقية بعد أخذ ثمن الرهن (حاصص الغرماء) بتلك البقية؛ لأنه ساواهم في ذلك.
(وإن فضل عنه) أي: عن الدين شيء من ثمن الرهن: (رد على المال)؛
لأن الفاضل انفك من الرهن بالوفاء. فصار كسائر مال المفلس.
(ثم بمن له عين مال) اشتراها منه المفلس أو نحوه فيأخذها بالشروط المتقدمة.
(أو) كان (استأجر عينا)؛ كالدار والعبد (من مفلس) قبل ضرب الحجر عليه، (فيأخذها) ليستوفي نفعها مدة إجارته؛ لأن حقه متعلق بالعين والمنفعة، وهي مملوكة له في هذه المدة.
(وإن بطلت) الإجارة (في أثناء المدة) بأن انهدمت الدار أو مات العبد: (ضرب له بما بقي) له مما عجله من الأجرة مع الغرماء؛ كما لو استأجر دابته أو عبده لعمل معلوم في الذمة.
(ثم يقسم) الحاكم (الباقي) من المال بعد ما ذكر (على قدر ديون من بقي) من الغرماء؛ لأن في ذلك تسوية لهم، ومراعاة لكمية حقوقهم. فلو قضى الحاكم أو المفلس بعضهم لم يصح؛ لأنهم شركاؤه. فلم يجز اختصاصه دونهم. (ولا يلزمهم) أي: الغرماء الحاضرين (بيان أن لا غريم سواهم). بخلاف من اثبت بينة أنه وارث من أخ أو عم؛ لأنه مع كون الأصل عدم الغريم فإن الذي يقبضه كل غريم لا يحتمل أن يكون فوق حقه. بخلاف الوارث الخاص فإنه يحتمل أن يأخذ ملك غيره فاحتيط بزيادة استظهار.
(ثم إن ظهر) غريم (رب) دين (حال: رجع على كل غريم بقسطه) أي:
بقدر حصة من ظهر مما أخذه الحاضر؛ لأنه لو كان حاضر قاسمهم. فإذا ظهر بعد ذلك قاسمهم؛ كغريم الميت يظهر بعد قسم ماله.
(ولم تنقض) القسمة؛ لعدم المقتضي لذلك؛ لأنهم لم يأخذوا قدرا زائدا
على حقهم، وإنما تبين مزاحمتهم فيما قبضوه من حقهم.
قال في " الفروع ": وظاهر كلامهم يرجع على من أتلف ما قبضه بحصته.
وهو كما قال.
وقيل: لا. وذكر الأزجي: أنه ظاهر المذهب.
وفي " فتاوي الموفق ": لو وصل مال الغائب فأقام رجل بينه أن له عليه دينا وأقام آخر بينة: إن طالبا جميعا اشتركا. وإن طالب أحدهما اختص به؛ لاختصاصه بما يوجب التسليم وعدم تعلق الدين بماله.
قال صاحب " الفروع ": ومراده ولم يطالب أصلا وإلا شاركه ما لم يقبضه. (ومن دينه مؤجل) من الغرماء: (لا يحل) نصا. فلا يشارك ذوي الديون الحالة؛ لأن الآجل حق للمفلس. فلا يسقط بفلسه
(1)
؛ كسائر حقوقه.
ولأنه لا يوجب حلول مال له. فلا يوجب حلول مال عليه؛ كالإغماء.
وعنه: يحل. ذكرها أبو الخطاب.
وعنه: لا يحل إذا وثق برهن أو كفيل مليء، وإلا حل. نقلها ابن منصور
(2)
.
(و) على المذهب: (لا يوقف له) أي: لمن دينه مؤجل شيء من مال المفلس، (ولا يرجع على الغرماء) بشيء (إذا حل)؛ لأنه لم يكن يملك المطالبة به حين القسمه.
" وأشير إلى حكم ما كان مؤجلا وحل قبل القسمة أو في أثنائها بقوله:) ويشارك من حل دينه قبل قسمة في الكل) أي: في كل مال المفلس، كما لو تجدد على المفلس دين بجنايته قبل القسمة.
(و) يشارك من حل دينه (في أثنائها) أي: القسمة (فيما بقي) من مال المفلس دون ما قسم.
(ويضرب له) أي: لمن حل دينه في أثناء القسمة فيما بقي (بكل دينه)
(1)
في أوب: تفليسه.
(2)
في ب: أبي منصور.
الذي حل؛ كما لو تجدد على المفلس دين بجناية
(1)
في أثناء القسمة.
(و) يضرب (لغيره) وهو من أخذ شيئا قبل حلول المؤجل (ببقيته) أي:
بقية دينه فيما بقي من المال.
(ويشارك مجني عليه) أي: من جنى عليه المفلس (قبل حجره، وبعده)
قبل القسمة أو في أثنائها بجميع أرش الجناية؛ لأنه حق ثبت للمجني عليه بغير اختياره ولم يرض بتأخيره.
ولو كانت الجناية موجبة للقصا ص فعفى صاحبها عنه إلى مال، أو صالحه المفلس على مال: شارك أيضاً، لأن سببه ثبت بغير اختيار صاحبه. أشبه ما لو أوجب المال.
(ولا يحل) دين (مؤجل بجنون). وفيه وجه.
(ولا) يحل أيضا بـ (موت: إن وثق ورثته) باختيار منهم، (أو) وثق
(أجنبي) رب الدين (الأقل من الدين أو التركة).
أما كونه لا يحل بموت المدين؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من ترك حقاً أو مالا فلورثته "
(2)
. والأجل حق للميت فينتقل إلى ورثته.
وأما كون ذلك مشروطا بالتوثق؛ فلأن الورثة قد لا يكونون أملياء ولم يرض
بهم الغريم. فيؤدي ذلك إلى فوات الحق.
وعنه: أنه يحل بالموت ولو قتله ربه.
وذكر القاضي: ان الحق ينتقل إلى ذمم الورثة بموت مورثهم من غير أن يشترط التزامهم له.
(1)
في أ: بجنايته.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6350) 6: 2476 كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من ترك مالاً فلأهله ".
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1619) 3: 1237 كتاب الفرائض، باب من ترك مالا فلورثته. .
قال في " المغني ": ولا ينبغي أن يلزم الإنسان دين لم يلتزمه
(1)
ولم يتعاط سببه، ولو لزمهم ذلك بموت مورثهم للزمهم وإن لم يخلف وفاء. انتهى.
ولو مات إنسان وعليه دين حال ودين مؤجل والتركة بقدر الدين الحال أو اقل
منه فإن لم توثق الورثة رب المؤجل حل دينه وشارك أصحاب الحال؛ لئلا يفضي إلى إسقاط دينه بالكلية. ولو وثقوه أو وثقه أجنبي لم يترك لرب الدين المؤجل شيء. (ويختص بها رب حال)، ويوفى رب المؤجل دينه إذا حل من التوثقة.
وقيل: على القول بعدم حلول المؤجل الذى هو المذهب: هل يترك لرب المؤجل حصته ليأخذها إذا حل دينه، أو يوفى الحال ويرجع عليه صاحب المؤجل بحصته إذا حل، أو لا يرجع؛ يحتمل أوجها.
(فإن تعذر توثق) حل؛ لما تقدم، (أو لم يكن) للميت (وارث) معين:(حل) أيضاً " لأن الأجل إنما ينتقل إلى الوارث المعين وقد عدم.
وقيل: ينتقل إلى بيت المال ويضمن الإمام الدين للغرماء.
(وليس لضامن) إذا مات مضمون عنه (مطالبة رب حق بقبضه) الدين المضمون (من تركة مضمون عنه)؛ ليبرأ الضامن.
(أو) أنه (يبرئه) أي: يبرئ الضامن، كما أنه ليس له ذلك لو لم يمت الأصيل.
وفي مسألة المتن وجه.
(ولا يمنع دين) على ميت، سواء كان محيطا بالتركة أو لا (انتقالها إلى) ملك (ورثة) نصا؛ لأن تعلق الدين بالمال لا يزيل الملك في حق الجانى والراهن والمفلس. فلم يمنع نقله.
وقال في " الفنون ": لو تعلق بالأعيان لما استحق لمن طرأ حقه بوقوعه في
بئر حفرها الميت حال الحياة كالرهن، ولما سقط الحق بالبراءة.
وعنه: يمنع.
(1)
في أ: يلزمه.
فعلى الأولى: لو تصرف الورثة في التركة ببيع أو نحوه صح تصرفهم ولزمهم اداء الدين. فإن تعذر وفاؤه فسخ العقد؛ كما لو باع السيد عبده الجانى أو النصاب الذي وجبت فيه الزكاة.
وعلى الثانية: لا يصح؛ لأنهم تصرفوا في غير ملكهم.
وعليهما
(1)
يصح تصرف كل من الوارث والغريم بإذن الآخر؛ لأن الحق
لا يعدوهما.
(ويلزم) الحاكم (إجبار مفلس محترف) أي: ذي حرفة؛ ككاتب وحائك، (على إيجار نفسه) في تلك الحرفة التي لا يحسن غيرها لبقية دينه. وإن كان له صنائع فيكون الإجبار على إيجار نفسه (فيما يليق به) من تلك الصنائع (لبقية دينه) أي: ليوفي من
(2)
ذلك ما بقي علمه من الدين بعد قسم ماله الموجود.
وبالإجبار قال عمر بن عبد العزيز وسوار العنبري وإسحاق؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم
باع سرقا فى دينه. وكان سرق رجلا دخل المدينة وذكر ان وراءه مالا فداينه الناس وركبته ديون ولم يكن وراءه مال فسماه سرقا، وباعه بخمسة أبعرة "
(3)
. ولأن المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغنى بها فكذلك في وفاء الدين منها.
ولأن الإجارة عقد معاوضة. فجاز إجباره عليها؛ كبيع ماله.
ولأنها إجارة لما يملك إجارته. فيجبر عليها في وفاء دينه؛ (كـ) إجارة (وقف وام ولد يستغني عنهما).
ولأنه قادر على وفاء دينه. فلزمه؛ كمالك ما يقدر على الوفاء منه.
(1)
في ب: وعليها.
(2)
في أ: في.
(3)
أخرجه الحاكم في مستدركه (7062) 4: 114 كتاب الأحكام.
وعنه: لا يجبر؛ لقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)
[البقرة: 280].
ولما روى أبو سعيد " أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه. فتصدقوا عليه. فلم يبلغ وفاء دينه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك "
(1)
. رواه مسلم.
ولأن هذا تكسب للمال. فلم يجبر عليه؛ كقبول الهبة والصدقة.
وأجيب عن الاية: بأن هذا ليس بداخل
(2)
تحت عمومها؛ لأن هذا في حكم الأغنياء في حرمان الزكاه، وسقوط نفقته عن قريبه، ووجوب نفقة قريبه عليه. وعن حديث مسلم: بأنه قضية عين لا يثبت حكمها إلا في مثلها. ولم يثبت
أن لذلك الغريم حرفة يكتسب بها ما
(3)
يفضل عن قدر نفقته.
وأما التكسب بالحرفة فليس عليه فيه منة ولا ضرر. بخلاف قبول الهبة والصدقة.
فإن قيل: حديث سرّق منسوخ بدليل أن الحر لا يباع. والبيع وقع على رقبته. بدليل: أن في الحديث أن الغرماء قالوا لمشتريه: ما تصنع به؛ قال: أعتقه. قالوا: لسنا بأزهد منك في إعتاقه فأعتقوه.
فالجواب: أن هذا إثبات نسخ بالاحتمال ولا يجوز.
ولم يثبت أن بيع الحر كان جائزا في شريعتنا. وحمل لفظ بيعه على بيع منافعه أسهل من حمله على بيع رقبته المحرم. فإن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه شائع كثير في القرآن وفي كلام العرب. -
وكذلك قوله: أعتقه أي: من حقي عليه. ولذلك قال: فأعتقوه- يعني:
(1)
سبق تخريجه ص (355) رقم (1).
(2)
في ج: داخلا.
(3)
في أ: يما.
الغرماء- وهم لا يملكون إلا الدين الذي عليه.
إذا ثبت هذا فيكون (مع الحجر عليه) أي: على المؤجر نفسه أو وقفه أوأم ولده (لقضائها) أي: قضاء بقية دينه.
(لا) إجبار (امراة على نكاح) يعنى: لو كان المفلس امرأة يرغب في نكاحها وبقيت عليها بقية لم تجبر على أن تتزوج لتأخذ مهرها ليوفى منه دينها؛ لأنه يترتب عليها بالنكاح
(1)
من الحقوق ما قد تعجز عنه
(2)
.
(ولا) يجبر (من لزمه حج أو كفارة) يعني: أن من وجب عليه حج أو كفارة وهو غير مفلس وله حرفة يمكنه ان يحصل منها ما يحج به حجة الفرض وما يخرجه عن كفارته لم يجبر على إيجار نفسه ليحج حجة الفرض، أو يخرج ما لزمه من كفارة من ذلك؛ لأن ماله لا يباع في ذلك، ولا تجري فيه المنافع مجرى الأعيان. (ويحرم) إجبار من بقيت عليه بقية من دينه (على قول هبة، و) قبول (صدقة، و) قبول (وصية)؛ لما في ذلك من الضرر عليه بتحمل المنة التي تأباها قلوب ذوي المروءات.
(و) كذا يحرم إجباره على (تزويج أم ولد) ليأخذ مهرها فيوفي منه الدين. وظاهره ولو لم يكن يطؤها؛ لما فيه من تحريمها عليه بالنكاح، وتعلق حق الزوج بها.
(و) يحرم إجباره أيضاً على (خلع) بأن يخالع زوجته على عوض يوفي منه بقية دينه؛ لما في ذلك من تحريم زوجته عليه. وقد يكون له إليها ميل.
ولأن وجود أم الولد والزوجة لا يثبت به غنى ولا يمنع أخذ الزكاة.
(و) لا يجبر أيضاً على (رد مبيع) مشروط له في عقد الخيار، (و) لا على. (إمضائه) ولو كان في ذلك حظ؛ لأن ذلك إتمام؛ كتصرف سابق على الحجر. فلم يجبر عليه فيه.
(1)
في ج: وأتت بالنكاح.
(2)
ساقط من ب.
(و) لا يجبر أيضاً على (أخذ دية عن قود) وجب له بجناية عليه أو على مورثه؛ لأن ذلك يفوت المعنى الذي وجب لأجله القصاص
ثم إن اقتص لم يجب للغرماء شيء، وإن عفى على مال ثبت وتعلقت حقوق الغرماء به.
(و) لا يجبر أيضاً على (نحوه) أي: نحو ما تقدم؛ كما لو بذلت له زوجته مالا على أن يطلقها فإنه لا يجبر على ذلك؛ كما لو بذلت له امرأة مالاً على ان يتزوجها.
وكما لو ادعى المفلس على إنسان بشيء فأنكره وبذل له مالا على أن لا يحلفه.
(وينفك حجره) أي: المفلس (بوفاء) لما عليه من الدين؛ لأن المعنى الذي شرع من أجله الحجر قد زال فيلزم أن يزول زواله.
(ويصح الحكم بفكه) أي: فك الحجر، (مع بقاء بعض) من الدين؛ لأن حكم الحاكم بفك الحجر مع بقاء بعض الدين لا يكون إلا بعد البحث عن فراغ ماله والنظر في الأصلح من بقاء الحجر أو فكه.
وعلم من ذلك أنه لا ينفك عنه الحجر مع بقاء بعض الدين إلا بحكم حاكم؛ لأن الحجر ثبت بحكم. فلا يزول إلا بحكم؛ كالمحجور عليه لسفه.
وقيل: ينفك بانقضاء قسم ماله.
(فـ) على المذهب (لو طلبوا) أي: غرماء من فك الحاكم الحجر عنه
(إعادته) عليه (لما بقي) لهم من الدين: (لم يجبهم)؛ لأنه ما فك عنه الحجر حتى لم ييق له شيء.
فإن ادعوا أن بيده مالا وبينوا سببه أحضره الحاكم وسأله فإن أنكر حلف
وخلي. وإن أقر وقال: هو لفلان وأنا وكيله أو عامله وفلان حاضر سأله
(1)
الحاكم فإن صدقه فهو له، ويستحلف لجواز تواطئهما. وإن أنكره فكما لو أقر
(1)
في أ: وسأله.
المفلس أنه له. فيعاد الحجر إن طلب ذلك الغرماء، وإن كان المقر له. غائباً أقر
بيد المفلس إلى أن يحضر فيسأل.
(وإن ادّان) من فك عنه الحجر وعليه بقية من الدين، (فحجر عليه) يطلب
أرباب الديون التي لزمته بعد فك الحجر (تشارك غرماء الحجر الأول و) الحجر (الثاني) في ماله الموجود إذا؛ لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في ذمته. فوجب أن يتساووا في المشاركة؛ كغرماء الميت. إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرين يضربون بجميعها.
(ومن فلس) بالبناء للمفعول (ثم ادان: لم يحبس)؛ لأن أمره قد وضح.
نقله حنبل.
(وإن أبى مفلس أو) أبى (وارث الحلف مع شاهد له) أي: للمفلس أو
للمورث (بحق: فليس لغرماء) المفلس أو الميت (الحلف)؛ لأنهم يثبتون
ملكا لغيرهم ليتعلق
(1)
حقوقهم به بعد ثبوته. فلم يجز؛ كالمرأة تحلف لإثبات
ملك زوجها لتتعلق
(2)
نفقتها به.
وعلم مما تقدم أن المفلس والوارث لا يجبر أحد منهما على اليمين؛ لأنا لا
نعلم صدق الشاهد، وأنه إذا حلف ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء.
الحكم (الرابع) من الأحكام المتعلقة بالحجر: (انقطاع الطلب عنه)
أي: عن المفلس؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)
[البقرة: 280].
ولأن قوله: (فنظر) خبر بمعنى الأمر أي: انظروه إلى يساره.
ولقوله صلى الله عليه وسلم لغرماء معاذ: " خذوا ما وجدتم. ليس لكم إلا ذلك "
(3)
.
(1)
في ج: لتعلق.
(2)
في ج: لتعلق.
(3)
لم أر هذا النص في حق غرماء معاذ. وقد سبق ذكر هذا النص في حق غرماء الرجل الذي أصيب في ثمار ابتاعها ر. ص (394).
وروي: " لا سبيل لكم عليه ".
ولأن من لا يملك قبض دين بغيررضى من هو عليه لا يملك المطالبة به.
إذا ثبت هذا: (فمن أقرضه) أي: فمن أقرض المفلس شيئا (أو باعه شيئا: لم يملك طلبه) ببدل القرض ولا بثمن المبيع؛ لأنه هو الذي أتلف ماله " بمعاملة من لا شيء معه، (حتى ينفك حجره)؛ لتعلق حق الغرماء حالة الحجر بعين مال المفلس.
لكن إذا وجد البائع أو المقرض أعيان مالهما فهل لهما الرجوع فيهما؛ على وجهين:
أحدهما: له ذلك؛ للخبر.
والثانى: لا فسخ لهما؛ لأنهما دخلا على بصيرة بخراب ذمته؛ كمشتر لمعيب يعلم عيبه.
[فصل: فيمن دفع مالا إلى صبي ونحوه]
(فصل. ومن دفع ماله بعقد)؛ كبيع وقرض (أو لا) بعقد؛ كعارية ووديعة (إلى محجور عليه لحظ نفسه) وهو الصغير والمجنون والسفيه: (رجع) الدافع لماله (في باقٍ) منه؛ لأنه عين ماله.
(وما تلف) منه بنفسه؛ كموت قن، أو بفعل الصبي أو المجنون أو السفيه؛ كقتله له:(فعلى مالكه) أي: فمن مال مالكه غير مضمون؛ لأنه سلطه عليه برضاه. وقيل: يضمن مجنون.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدافع لماله (علم بحجر) على المدفوع إليه
(أو لا) أي: أو لم يعلم لتفريطه؛ لأن الحجر في مظنه الشهرة.
وقيل: يضمن سفيه جهل حجره.
وقيل: يضمن الجميع ما ليس بعقد؛ كالعارية والوديعة.
(وتُضمن جناية) كل منهم على ما لم يدفع إليه؛ لأنه لا تفريط من المالك في ذلك.
(و) يضمن أيضاً (إتلاف ما لم يُدفع إليه)؛لاستواء الأهل وغيره في الإتلاف. (ومن أعطاه) أي: أعطى المحجور عليه لحظ نفسه غيره (مالاً) بلا أذن وليه في دفعه
(1)
: (ضمنه) أي: صار في ضمان أخذه؛ لتعديه بقبضه ممن لا يصح دفعه منه (حتى يأخذه) منه (وليه) أي: ولي الدافع؛ لأنه هو الذي يملك قبض مال الدافع شرعاً وحفظة.
(لا إن أخذه) أي: (لمال إنسان من المحجور عليه (ليحفظه) عن الضياع: فأنه لا يضمنه؛ (كآخذ مغصوباً) من غاصبه (ليحفظه لربه) فأنه
(1)
في أ: دفع.
لا يضمنه، لأن في ذلك إعانة على رد الحق إلى مستحقه.
(و) محل ذلك: إن (لم يفرط) الآخذ، لأنه إن فرط ضمن لتفريطه.
وفي الأخذ من الحجور عليه وجه.
(ومن بلغ) من ذكر أو أنثى حال كونه (رشيداً أو) بلغ (محنونا، ثم عقل ورشد:
انفك الحجر عنه).
أما كونه ينفك عن الأول؛ فلقوله تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)
[النساء: 6].
ولأن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله على وجه المصلحة حفظاً له. وببلوغه رشيداً يقدر على ذلك فيزول الحجر بزوال سببه.
وأما كونه ينفك عن الثانى؛ فلأن الحجر عليه لجنونه. فإذا زال وجب زوال الحجر؛ لزوال علته.
(بلا حكم) من حاكم بفكه. نص عليه الإمام في الصبي في رواية مهنا.
وصرج بالتسوية بين الوصي والأب.
وسواء رشده الولي أو لا. قاله الشيخ تقي الدين؛ لأن الحجر عليهما
لا يفتقر إلى حكم فيزول بدونه.
وذكر القاضي وابن عقيل احتمالاً بافتقاره إلى الحكم.
وهو مردود باًمر الله تعالى بدفع أموالهم إليهم عند البلوغ وإيناس الرشد. فاشتراط حكم الحاكم زيادة تمنع الدفع عند وجود ذلك بدون حكم الحاكم. وهو خلاف النص.
(وأعطي) من قلنا ينفك الحجر عنه (ماله)؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء: 6].
(لا قبل ذلك بحال)؛ لأن الله تعالى لما امر بدفع أموال اليتامى بوجود شرطين وهما: البلوغ والرشد أقتضى ذلك أن لا يدفع إليهم أموالهم قبل
وجودهما ولو صاروا شيوخاً.
(وبلوغ ذكر) يحصل (بإمناء) إجماعاً، وسنده قوله تعالى:(وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ)[النور: 59].
(أو تمام خمس عشرة سنة)، لما روى ابن عمر قال: " عُرضت على النبي
صلى الله عليه وسلم يوم أحد وانا ابن أربع عشرة سنه فلم يجزنى، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازنى "
(1)
. متفق عليه.
وفي رواية البيهقي بإسناد حسن " فلم يجزنى ولم يرنى بلغت "
(2)
.
وروى الشافعي رحمه الله تعالى: " أن عمر بن عبدالعزيز كتب إلى عماله أن
هذا فرق بين الذرية والمقاتلة "
(3)
.
(أو نبات شعر خَشِن). وهو الذي استحق أخذه بالموسى (حول قُبُله)،
" لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعد بن معاذ في بني فريظة حكم بأن يقتل مقاتلهم ويسبى ذراريهم، وأمر بأن يكشف عن مؤتزرهم. فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحقوه بالذرية. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد حكم بحكم الله تعالى من فوق سبعه أرقعة "
(4)
. متفق عليه.
و"كتب عمر إلى عامله أن لا تأخذ الجزية إلا ممن جرت عليه الموسى"
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2521) 2: 948 كتاب الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1868) 3: 1490 كتاب الإمارة، باب بيان سن البلوغ.
(2)
لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج البيهقي نحوه في " السنن الكبرى 6: 55 كتاب الجهاد، باب البلوغ في السن. ولفظه: " فاستصغرنى وردنى مع الغلمان ".
(3)
أخرجه الشافعي في " مسنده "(421) 2: 128 كتاب الجهاد.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3895) 4: 1 151 كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1768) 3: 1388 كتاب الجهاد، باب جواز قتال من نقض العهد. . . وليس فيهما قوله:" وأمر بأن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحقوه بالذرلة ".
(5)
أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(93) ص: 39 باب من تجب عليه الجزية ومن تسقط عنه من الرجال والنساء.
وروى محمد بن يحيى بن حبان، " أن غلاماً من الأنصار شبب بامرأه في شِعره فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال: لو أنبت الشعر لحددتك ".
ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالباً ويستوي فيه الذكر والأنثى. فكان علماً على
البلوغ، كالاحتلام.
(و) بلوغ (أنثى) يحصل (بذلك) الذي يحصل به البلوغ للذكر، (و) تزيد عليه (بحيض) " لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار "
(1)
. رواه الترمذي وحسنه.
وعنه: لا يحكم ببلوغها بغيره.
قال أبو بكر: هو
(2)
قول أول.
(وحملُها دليل إنزالها)، لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بخلق الولد
من مائهما " لقوله تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)[الطارق: 5 - 7]
(وقدره أقل مدة الحمل) فإذا ولدت حكم ببلوغها من ستة أشهر " لأنه اليقين.
(وإن طُلقت زمن إمكان بلوغ، وولدت لأربع سنين: أُلحق بمطلق، وحكم ببلوغها من قبل الطلاق).
قال في " التلخيص ": فإن كانت ممن لا توطئ، كإن طلقها زوجها وأتت بولد لأكثر مدة الحمل من حين طلاقها فيحكم ببلوغها قبل المفارقة.
(و) بلوغ (خنثى) يحصل باً حد خمسة: (بسِنّ، أو نبات حول قُبُلَيْه).
فإن وجد حول أحدهما فلا. قاله القاضي وابن عقيل.
(أو إمناء من أحد فرجيه، أو حيض من قُبُل، أو هما) باًن يخرج المني والحيض) من مخرج) واحد. وهو باق في الصورة الأخيرة على إشكاله.
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(377) 2: 15 2 أبواب الصلاة، باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار.
(2)
في أج: هي.
ووجه ثبوت البلوغ مع بقاء كونه مشكلاً: أنه إن كان ذكراً فقد أنى، وإن
كان أنثى فقد أمنت وحاضت. وكل واحد منهما يحصل به البلوغ.
(والرشد: إصلاح المال).
قال ابن عباس: في قوله تعالى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) يعني: صلاحاً في
أموالهم (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء: 6].
وقال مجاهد: إذا كان عاقل اً.
ولأن هذا إثبات في نكرة، ومن كان مصلحاً لماله فقد وجد منه رشد.
وعنه: والدِّ ين.
قال في " التلخيص ": نص عليه.
ورده صاحب " المغني " باًن العدالة لا تعتبر في الرشد على الدوام. فلا تعتبر في الابتداء، كالزهد في الدنيا.
وقولهم: أن الفاسق غير رشيد منتقض بالكافر فأنه غير رشيد في دينه ولم يحجر عليه من أجله.
(ولا يعطى) من بلغ رشيداً في الظاهر (ماله حتى يختبر) بتفويض التصرفات التي يتصرف فيها أمثاله إليه.
(ومحله) أي: الاختبار (قبل بلوغ)؛ لقوله ئعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ)[النساء: 6].
ووجه الاستدلال لذلك بهذه الاية من وجهين:
أحدهما: أنه سماهم يتامى، [وإنما يكونون يتامى]
(1)
قبل البلوغ.
(1)
ساقط من أ.
والثانى: أنه مَدّ اختبارهم إلى البلوغ بلفظه: "حتى ". فدل على أن الاختبار قبله.
ولأن تأخير الاختبار إلى البلوغ مؤد إلى الحجر على البالغ الرشيد؛ لأن الحجر يمتد إلى أن يختبر ويعلم رشده، واختباره قبل البلوغ يمنع ذلك. لكن لا يختبر إلا من يعرف المصلحة من المفسدة. وتصرفه حالة الاختبار صحيح. وفي الاختبار رواية: أن محله بعد البلوغ.
(بلائق به) متعلق بيختبر أي: لا يعطى ماله حتى يختبر بلائق به. (و)
حتى (يؤنس رشده). ويختلف ذلك باختلاف الناس.
(فولد تاجر) يؤنس رشده: (بأن يتكرر بيعه وشراؤه. فلا يغبن غالباً غبناً فاحشاً.
وولد رئيس وكاتب) يؤنس رشده: (باستيفاء على وكيله) فيما وكله فيه.
(و) يؤنس رشد (أنثى: باشتراء قطن، واستجادته، ودفعه، و) دفع (أجرته للغزَّالات، واستيفاء عليهن) أي: على الغزالات.
(و) يشترط مع ما تقدم في إيناس الرشد (أن يحفظ كل ما في يده عن صرفه
فيما لا فائدة فيه)؛ كشراء نفط يحرقه للتفرج عليه ونحو ذلك.
(أو) صرفه في (حرام؛ كقمار وغناء، وشراء) شيء (محرم)؛ كخمر، ونحوه؛ كآلات اللهو؛ لأن من صرف ماله
(1)
في ذلك عُدّ سفيهاً مبذراً عُرفاً. فكذا شرعاً.
ولأن الشخص قد يحكم بسفهه بصرف ماله في المباح. فلأن يحكم بسفهه
في صرف ماله في المحرم بطريق الأولى.
ونقل أبو طالب: لا يدفع إلى الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو
(1)
في أ: في صرف بماله.
تقيم في بيت الزوج سنة.
وعلى هذه: إن لم تتزوج دفع إليها إذا عنست أو كبرت وبرزت للرجال.
(ومن نُوزع في رشده. فشهد به عدلان: ثبت)؛ لأنه قد يعلم با لاستفا ضة.
(وإلا) أي: وإن لم تقم به بينة (فادعى) المحجور عليه (علم وليه) رشده: (حلف) الولي أنه لا يعلم أنه رشيد؛ لاحتمال صدق المدعي.
(ومن تبرع في) حال (حجره فثبت كونه) أي: المتبرع (مكلفاً رشيدً: نَفَذ) تبرعه؛ لتبين عدم المانع.
[فصل: في من له ولاية المملوك والصغير]
(فصل. وولاية مملوك لسيده)، لأنه ماله. (ولو) كان السيد (غير عدل)، لأن العدالة ليست بشرط لصحة تصرف الإنسان في ماله.
(و) ولايه (صغير وبالغ مجنون لأب بالغ)، لأن الولد قد يُلحق بمن لم
يثبت بلوغه، ومن لم يثبت بلوغه لم ينفك عنه الحجر فلا يكون ولياً. (رشيد)؛ لأن غير الرشيد محجور عليه.
(ثم) تكون الولاية (لوصيه) أي: وصي الأب إن عدم، لأنه نائب الأب. أشبه وكيله في الحياة.
وظاهره (ولو بجُعل وثَمَّ متبرع). ذكره في " الخلاف ".
وإنما قدم الأب على غيره " لكمال شفقته.
ولأنها ولاية. فقدم فيها الأب؛ كولاية النكاح.
(أو) كان الأب (كافراً) فتثبت الولاية له (على) ولد (كافر). والمر اد
إذا كان عدلاً في دينه.
(ثم) بعد الأب ووصيه تكون الولاية على الصغير وعلى من بلغ مجنوناً أو عاقلاً ثم جُن (حاكم)، لأن الولاية انقطعت من جهة الأب. فتكون للحاكم، كولاية النكاح؛ لأنه ولي من لا ولي له.
(وتكفي العدالة ظاهراً) في الولي. فلا يحتاج الحاكم إلى تعديل الأب أو وصيه في ثبوت ولايتهما.
وليست الحرية شرطاً. فتثبت الولاية للمكاتب على ولده الذي معه في الكتابة. لكن لا تثبت له الولاية على ابنه الحر.
(فإن عُدم) الحاكم (فأمين يقوم مقامه) أي: مقام الحاكم. اختاره الشيخ
تقي الدين، وقال في حاكم عاجز كالعدم.
نقل ابن الحكم: فيمن عنده مالى تطالبه الورثة فيخاف من أمره، ترى أن يخبر الحاكم ويدفعه إليه؟ قال: أما حكامنا اليوم هؤلاء فلا أرى أن يُتقدم إلى أحد منهم ولا يُدفع إليهم شيئاً.
والولاية بالنسب لا تقف على أذن الغير. ذكره المجد في " شرح الهداية "
عن القاضي واقتصر عليه.
وعُلم مما تقدم أن الجد والأم وباقي العصبات ليس لهم ولاية.
وعنه: للجد ولاية.
فعليها يقدم على الحاكم وعلى الوصي.
وذكر القاضي أن للأم ولاية.
وقيل: وسائر العصبة.
(وحرم تصرف ولي صغير و) ولي (مجنون. إلا بما فيه حظ) لهما؛
لقو له تعا لى: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[الإسراء: 34].
والمجنون في معناه.
ولقوله عليه والصلاة والسلام: " لا ضرر ولا ضرار "
(1)
. رواه الإمام.
(فإن تبرع) الولي لهبة أو صدقة، (أو حابا) بأن اشترى لوليه بزيادة أو باع بنقصان، (أو زاد) في الانفاق عليهما (على نفقتهما) بالمعروف، (أو) زاد في الإنفاق على (من تلزمهما مؤنته بالمعروف: ضمن) الزائد؛ لأنه مفرط فيه، كتصرفه في مال غيرهما.
وللولي أن يعجل للمولى عليه نفقته مدة جرت بها عادة أهل بلده.
(وتدفع إن أفسدها يوماً بيوم. فإن أفسدها) المولى عليه بإتلافها أو دفعها
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1 234) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه مايضر بجاره. وأخرجه أحمد في " مسنده " (2867) 1: 313
لغيره: (أطعمه) الولي (معاينة) أي: حال كونه معايناً له. وإلا كان مفرطاً. (وإن أفسد كسوته: ستر عورته فقط في بيت، إن لم يمكن تحيل) على إبقائها عليه (ولو) كان التحيل (بتهديد).
ومتى أراه الناس ألبسه فإن أعاد نزعه عنه.
وسأله مهنا: المجنون يقيد بالحديد إذا خافوا عليه؟ قال: نعم.
(ولا يصح أن يبيع) ولي من مال صغير ومجنون تحت حجره شيئاً لنفسه،
(أو يشتري) شيئاً، (أو يرتهن من مالهما لنفسه) لمظنة التهمة. (غير أب)؛ لأنه يلي بنفسه فجاز أن يتولى طرفي العقد؛ كالنكاح. والتهمة بين الولد ووالده منتفية؛ إذ من طبعه الشفقة عليه والميل إليه، وترك حظ نفسه لحظه. وبهذا فارق الوصي والحاكم.
وفي الأب وجه: أنه لا يجوز له ذلك. ذكره المجد في " شرح الهداية ".
(وله) أي: للأب (ولغيره) أيضاً من الأولياء كالوصي والحاكم (مكاتبة قنهما) أي: قن الصغير والمجنون اللذين تحت حجره؛ لأن في ذلك تحصيلاً لمصلحة الدنيا والآخرة.
وقيدها بعض الأصحاب بما إذا كان فيها حظ.
(وعتقه على مال)؛ لأنه معاوضة فيها حظ. فملكها الولي؛ كالبيع.
وعنه: ومجاناً لمصلحة بأن تساوي أمة له مع ولدها مائة وبدونه مائتين
ولا يمكن إفرادها بالبيع فيعتق
(1)
الولد لتكثر قيمة الأم. اختاره أبو بكر.
قال في " الإنصاف ": ولعل هذا كالمتفق عليه.
(وتزويجه) أي: وله تزويج قن موليه الصغير أو المجنون (لمصلحة) ولو بعضاً ببعض؛ لأن في ذلك إعفافاً عن الزنا، وإيجاباً لنفقة الإماء على أزواجهن.
(1)
في أ: فيتعلق.
وفي " الرعاية ": لا يزوج عبده بغير أمته.
(و) له أيضاً (أذنه في تجارة) يعني: أن للولي أن يأذن لعبد محجوره في التجارة بماله؛ كما للولي أن يتجر فيه بنفسه.
(و) له ايضاً (سفر بمالهما مع أمن) فإن كان لتجارة فقال في
" الإنصاف ": لا أعلم فيه خلافاً؛ وذلك لما روى عبدالله بن عمرو مرفوعاً: " من ولي يتيماً له مال فليتجر به، ولا يتركه حى تأكله الصدقة "
(1)
.
وروي موقوفاً على
(2)
عمر. وهو أصح.
ولأنه أحظ للمُولّى عليه؛ لكون نفقته من ربحه، كما يفعله البالغون العاقلون في أموالهم.
وإن كان لغيرها بأن عرض له سفر. فقال في " الإنصاف ": جاز على الصحيح من المذهب.
وقال في " الفروع ": وله السفر بماله، خلافا للـ" مجرد " و" المغني "
و" الكافي ".
(ومضاربته به ولمحجور ربحه كله) يعني: للولي المضاربة بمال محجوره
بأن يتجر فيه بنفسه؛ لما تقدم آنفاً.
ويكون جميع الربح لموليه؛ لأنه نماء ماله. فلا يستحقه غيره إلا بعقد. ولا يعقدها الولي لنفسه؛ للتهمة. وفيه وجه.
(و) للولي أيضاً (دفعه) أي: دفع مال موليه لغيره (مضاربة بجزء من ربحه) للعامل؛ " لأن عائشة رضي الله تعالى عنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر ".
ولأن الولي نائب عن محجوره في كل ما فيه مصلحة. وهذا فيه مصلحة
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(641) 3: 32 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم.
(2)
في ب: عن.
وحينئذ فللعامل ما وافقه عليه الولي من الربح.
وقيل: أجرة مثله.
وقيل: الأقل منهما.
(و) للولي أيضاً (بيعه) أي: بيع مال المولّى عليه (نسَاء) أي: إلى
أجل، (وقرضه ولو بلا رهن لمصلحة) فيهما، باًن يكون الثمن المؤجل أكثر مما يباع به حالاً.
وأن يكون القرض لمليء يأمن جحوده خوفاً على المال من سفر أو غيره أو
نحو ذلك.
(وإن أمكنه) أي: الولي أخذ رهن أو ضمين به: (فا لأولى أخذه)؛ [لأنه
لا يأمن فلس المشتري أو المقترض فيضيع المال]
(1)
.
(وإن تركه) أي: ترك الولي التوثق مع إمكأنه (فضاع المال: لم يضمنه)؛ لأن الظاهر السلامة.
قال في " المغني ": وهذا ظاهر كلام الإمام؛ لكونه لم يذكر الرهن.
وفيه وجه: يضمنه؛ لتفريطه. ولا يقرضه لمودة ومكافأة نصاً.
(و) له أيضاً (هبته بعوض)؛ لأنها في معنى البيع. فيقال فيها ما يقال فيه. (ورهنه لثقة لحاجة، وإيداعه) ولو مع إمكان قرضه لمصلحة.
وللأب أن يرتهن مالهما من نفسه ولا يجوز ذلك لولي غيره.
وفي " المغني " رواية: بجواز ذلك لغير الأب.
قال الزركشي: وفيها نظر.
(و) لوليهما من أب وغيره (شراء عقار) من مالهما؛ ليشتغل مع بقاء الأصل لهما، وإذا جازت المضاربة فيه فهذا أولى.
(1)
ساقط من أ.
(وبناؤه) أي: العقار لهما من مالهما، لأنه في معنى الشراء. إلا أن يكون الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين تقديمه. (بما جرت عادة اهل بلده) " لأنه العرف، ويتقيد ذلك بما إذا كان (لمصلحة)،لأن المصلحه إذا انتفت لم يكن قرباناً للمال بالتي هي أحسن.
ونقل في " المغني " عن الأصحاب: أن البناء يكون بالآجرّ " لأن اللبن إذا أنه دم فسد.
ورده بأن كل الأماكن لا يقدر فيها على الآجر، وإن وجد فبقيمة كثيرة. فلو
قيد البناء بذلك أفضى إلى فوات الحظ. فيحمل قول الأصحاب على من عادتهم البناء به " كالعراق ونحوها. ولا يصح حمله في حق غيرهم.
(و) له (شراء أضحية لموسر) تحت حجره نصاً.
وحمل النص فى " المغني " على يتيم يعقلها، لأنه يوم عيد وفرح " ليحصل بذلك جبر قلبه، وإلحاق بمن له أب، كالثياب الحسنة. مع استحباب التوسعه في هذا اليوم.
وعنه: لا يجوز ذلك، لأنها إخراج من ماله بغير عوض. أشبهت الهدية. (ومداواته) أي: مداواة محجوره ولو بأجرة لمصلحة في ذلك ولو بإذن حاكم نصاً.
وحمله بأجره ليشهد الجماعة. قاله في " المجرد " و" الفصول " واقتصر عليه في " الفروع ".
وأذنه في تصدقه بيسير. قاله في " المذهب " واقتصر عليه في " الفروع ".
(و) له أيضاً (ترلى صبي بمكتب)، ليتعلم الخط وما ينفعه (بأجرة)، لأن ذلك من مصالحه. أشبه ثمن مأكوله.
ومثل ذلك تركه في دكان ليتعلم صناعة. وأشار إلى معنى ذلك في "الشرح "،
(و) له أيضاً (شراء لعب غير مصورة لصغيرة) تحت حجره (من مالها) نصاً.
فرع: للولي خلط نفقة موليه بماله إذا كان أرفق له. قاله المجد.
وهو قول مالك والشافعي. ونص القرآن يدل عليه.
ولو مات من يتجر ليتيمة ولنفسه بماله وقد اشترى شيئاً ولم يعرف لمن هو،
قال الشيخ تقي الدين: لم يقسم بينهما ولم يوقف الأمر حتى يصطلحا، خلافاً للشافعي، بل مذهب أحمد: يقرع. فمن قرع حلف وأخذ.
(و) للولي على الصغير والمجنون (بيع عقارهما لمصلحة) نصاً؛ لكونه
في مكان لا غلة فيه أو فيه غلة يسيرة، أو لسوء الجار، أو ليعمر به عقاره الآخر، أو لمصلحة غير ذلك.
(ولو بلا ضرورة، أو زيادة على ثمن مثله).
وقيل: بل لضرورة أو غبطة.
وقيل: بزيادة الثلث فأكثر على
(1)
ثمنه.
(ويجب) على وليهما (قول وصية لهما بمن يعتق عليهما) بقرابة.
ومحل ذلك: (إن لم تلزم نفقته) الصغير أو المجنون (لإعسار أو غيره)؛ كوجود أقرب من الموصى له وهو غني، أو قدرة الموصى به على التكسب؛ لأن في قبول الوصية إذاً مصلحة محضة.
" (وإلا) أي: وإن لم يكن الأمر كذلك (حرم) على الوصي قبولها؛ لما في ذلك من الضرر بتفويت مال الموصى له بالنفقة على الموصى به.
(وإن لم يمكنه) أي: الولي (تخليص حقهما) أي: الصغير والمجنون
(إلا برفع مَدين) أي: رفع من عليه الدين (لوال يظلمه: رفعه)؛ لأنه هو الذي جر الظلم إلى نفسه، (كما لو لم يمكن رد مغصوب) على مالكه (إلا بكلفة عظيمة) فإن ذلك يلزم الغاصب.
وفيه وجه: لا يرفعه؛ لما فيه من تسليط الوالي الظالم على ظلم غير مستحق، مضرته أكثر من منفعة عدله. ذكرهما الشيخ تقي الدين.
(1)
في اب: في.
[فصل: في حكم من سفه بعدفك حجره]
(فصل: ومن فُكَّ حجرُه) لتكليفه ورشده (فَسَفِهَ) أي: صار سفيها ًبعد ذلك: (أُعيد) عليه الحجر نظراً إلى دوران الحكم مع العلة.
(ولا ينظر في ماله إلا حاكم)؛ لأن التبذير الذي هو سبب الحجر عليه ثانياً يختلف فاحتاج إلى الاجتهاد. وما افتقر إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم الحاكم؛ [كالحجر على المفلس. فيلزم الحاكم إذا ثبت سفهه الحجر عليه. نقله الجماعة.
وقيل: ينظر في ماله الحاكم]
(1)
أو أبوه.
وقيل: ينظر فيه وليه الأول؛ كما لو بلغ سفيهاً.
وقيل: إن زال الحجر بمجرد رشده بلا حكم عاد بالسفه.
وحكم من سفه (كمن جُنّ) بعد رشده.
قال في " الإنصاف ": لو جُن بعد رشده فوليه الحاكم، على الصحيح من المذهب.
وقيل: بل يليه الأب. ذكره في " الرعاية الكبرى ".
وقال في " الانتصار ": على أبويه المجنونين.
ونقل المروذي: أرى أن يحجر الإبن على الأب إذا أسرف، أو كان يضيعه
في الفساد.
(ولا ينفك) الحجر عمن سفه بعد رشده (إلا بحكمه) أي: الحاكم؛ لأنه حجر ثبت بحكمه. فلا ينفك إلا به؛ كحجر المفلس.
وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده.
(1)
ساقط من أ
(ويصح تزوُّجه) أي: السفيه (بلا أذن وليه لحاجة) تدعو من السفيه إليه. وظاهره يشمل الحاجة للمتعة والحاجة للخدمة، لأن النكاح لم يشرع لقصد المال، ومع الحاجة إليه يكون مصلحة محضة، حتى أنه يصح تزويج ولي السفيه له بغير أذنه إذاً. فلأن يصح من
(1)
السفيه بغير أذن وليه إذاً من باب أولى.
وفيه وجه: لا يصح إلا بإذن الولي.
(لا عتقه) السفيه لرقيقه فلا يصح، لأنه تبرع. أشبه هبته ووقفه.
(و) يصح (تزويجه) أي: تزويج الولي السفيه (بلا أذنه لحاجة)، لما تقدم آنفاً.
وقيل: ليس له ذلك.
(وإجباره) أي: إجبار الولي السفيه على النكاح (لمصلحة) فيه، كما له
أن يجبره على ما سواه من المصالح.
و (كسفيهة) فإن لوليها إجبارها على النكاح لمصلحتها.
(وإن أذن) للسفيه وليه في التزويج: (لم يلزم) أي: لم يشترط (تعيين المرأة) في الأذن. وفيه وجه.
(ويتقيد) الأذن (بمهر المثل). فلو تزوج بزيادة عليه لم تلزم.
(وتلزم ولياً زيادة زَوّج بها) فيدفعها من ماله " لتعديه (لا زيادة أذن فيها)، لأن السفيه لما باشر النكاح لزمته.
وفي كل من المساً لتين وجه مثل حكم الأخرى.
(وإن عضَلَه) أي: عضل الولي السفيه أن يتزوج (استقلَّ) به السفيه. فيصح بدون أذنه.
(فلو علمه) أي: علم السفيه أنه (يطلق) إذا زوَّجه (اشترى له أمة) يتسرى بها ولا ينفذ عتقه فيها.
(1)
في ب: مع
فإن قيل: لم أجيز طلاق السفيه دون عتقه وكل منهما إتلاف. بدليل ما لو شهد اثنان على رجل بطلاق قبل الدخول وأمضى الحاكم الحكم بشهادتهما ثم رجعا فأنه ما يغرمان نصف المسمى؟
فالجواب: أن الطلاق ليس بإتلاف؛ لأن الزوج لا ينفذ في زوجته بيعه إياها،
ولا هبته لها، ولا تورث عنه إذا مات فليست بمال. والرقيق بخلاف ذلك.
وغُرْمُ الشاهدين إنما هو لأجل تفويت الاستمتاع بما أوقعا من الحيلولة وإن
لم يتلفا مالاً؛ كما لو شهدا بما يوجب القود ثم بعد الاستيفاء قالوا: أخطاً نا. فأنه ما يغرمان الدية وإن لم يكن الحق مالاً.
وأيضاً فإن الطلاق يستفاد به قبل الدخول نصف المسمى وبعده سقوط النفقة. فلم يجز أن يمنع من هذه الفائدة ويجبر على التزام النفقة.
وأيضاً فالسفيه يدخل في عموم قوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)[البقرة: 230].
وقوله صلى الله عليه وسلم: " الطلاق لمن أخذ بالساق "
(1)
.
ولأن السفيه أحسن حالاً من العبد؛ لحريته وثبوت ملكه فلما صح طلاق العبد بلا أذن سيده مع منعه في التصرف في المال. فأولى أن يصح طلاق السفيه.
(ويستقل) السفيه (بما) أي: بفعل (لا يتعلق بالمال مقصوده)؛ كالطلب بحد القذف ونحوه.
(وإن أقر بحد) أي: بما يوجب الحد؛ كالقذف والزنا، (أو) أقر بـ (نسب أو طلاق أو قصاص: أُخذ به في الحال).
قال ابن المنذر: هو إجماع من نحفظ عنه؛ لأنه غير متهم في نفسه. والحجر إنما يتعلق في ماله فيقبل على نفسه.
والطلاق ليس بتصرف في المال لما تقدم. فلا يمنع؛ كالإقرار بالحد.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(081 2) 1: 672 كتاب الطلاق، باب طلاق العبد
(ولا يجب) فيما إذا أقر بقصاص (مال عُفي) القصا ص (عليه)؛ لأن السفيه ومن أقر له قد يتواطآعلى ذلك. وفيه وجه.
(و) إن أقر (بمال)، كالقرض وجناية الخطاً والإتلاف:(فـ) لا يلزم إلا (بعد فكه) أي: فك الحجر عنه، لأنا لو قبلناه في الحال لزال معنى الحجر. وأما كونه يلزمه بعد حجره؛ فلأنه مكلف يلزمه ما أقر به؛ كالراهن إذا أقر بالرهن فأنه يلزمه بعد فك الرهن.
لكن إن علم الولي صحة ما أقر به السفيه لزمه أداؤه في الحال.
وفيما إذا لم يعلم الولي صحته وجه: أنه لا يلزمه مطلقاً.
(وتصرُّفُ وليه) أي: ولي السفيه في ماله في الحكم، (كـ) تصرف (ولي صغير ومجنون) على ما سلف؛ لأن ولايته على السفيه لحظه. أشبه ولي الصغير.
[فصل: في حكم أكل الولي من مال موليه]
(فصل. ولولي) على صغير ومجنون وسفيه (غير حاكم وأمينه) أي:
امين الحاكم (الأكل لحاجة، من مال موليه)، لقوله تعالى) وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 6].
ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إني فقير وليس لي شيء، ولي يتيم. فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف "
(1)
. رواه أبو بكر.
وروى ابن بطة عن الحسن العربي مرفوعاً معناه
(2)
.
وظاهره
(3)
أنه لا يحل له ان يأكل شيئاً مع غناه، لقوله تعالى:(وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ)[النساء: 6].
وعنه: بلى، كالعمل في الزكاة.
وعنه: لا يجوز للوصي أن يأكل من مال اليتيم شيئاً.
وعلى المذهب: إنما يباج له أن يأكل (الأقل من أجرة مثله وكفايته) يعني: أنه لو كانت أجره مثله عشرة دراهم في كل شهر ويكفيه ثمانية، أو كانت
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2872) 3: 5 1 1 كتاب الوصايا، باب ما جاء فيما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3668) 6: 256 كتاب الوصايا، ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه. وأخرجه ابن ماجه في " سننه " (2718) 2: 907 كتاب الوصايا، باب قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف).
وأخرجه أحمد في " مسنده "(7022) 2: 216
(2)
في ب: بمعناه.
(3)
في أ: فظاهره.
أجرة
(1)
مثله ثماني ولا يكفيه إلا عشرة: ليس له أن ياً كل فى الصورتين إلا بثمانية
(2)
؛ لأنه إنما يباج له الأكل بالعمل والحاجة جميعاً. فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا فيه.
وفي " الأيضاح ": إذا قدره حاكم.
(ولا يلزمه عوضه) أي: عوض ما أكله (بـ) وجود (يساره)؛ لأن ذلك جعل عوضاً عن عمله. فلم يلزمه عوضه مطلقاً؛ كالأجير والمضارب.
ولأنه تعالى أباح الأكل ولم يذكر عوضاً.
وعنه: بلى؛ لأنه استباحه بالحاجة من مال غيره. فلزمه عوضه؛ كالمضطر إلى طعام غيره.
وجوابه: أن العوض هناك
(3)
استقر في ذمته. بخلاف
(4)
هنا.
والروايتان في غير الأب. قاله في " المغني " و" الشرح ".
(و) للولي الأكل من مال الصغير والمجنون والسفيه (مع عدمها) أي:
عدم الحاجة مع فرض الحاكم له شيئاً من مال هؤلاء (ما فرضه له حاكم).
قال في " الإنصاف ": بغير خلاف. قاله في القاعدة الحادية والسبعين. وقال: هذا ظاهر كلام القاضي، ونص أحمد عليه في رواية البزراطي في الأم الحا ضنة. انتهى.
وقد علم من ذلك ان للحاكم الفرض في مال الصغير والمجنون والسفيه.
لكن ينبغي تقييد ذلك بوجود المصلحه.
(ولناظر وقف ولو لم يحتج: أكلٌ) منه (بمعروف). نص الإمام في رواية
أبي الحارث وحرب: على جواز الأكل منه بالمعروف.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أب: ثمانية.
(3)
في ب: هنا.
(4)
في أب: بخلافه.
قال في " الفائق ": قلت: وإلحاقه بعامل الزكاة في الأكل مع الغنى أولى.
كيف وقد نص أحمد على أكله منه بالمعروف ولم يشترط فقراً. ذكره الخلال. وعنه: ياً كل إذا اشترط ذلك. ومفهومه المنع من الأكل بدون الشرط.
[ومحل الخلاف: إذا لم يشرط له الواقف شيئاً. فإن شرط فله ما شرطه.
قال الشيخ تقي الدين: لا يقدم بمعلومه بلا شرط]
(1)
إلا أن يأخذ أجرة عمله
مع فقره؛ كوصي اليتيم.
(ومن فُكَّ حجره) لرشده أو عقله، (فادعى على وليه تعدياً، أو) ادعى
إليه (موجب ضمان)؛ كتفريط، (ونحوه)؛ كدعواه عدم المصلحة في بناء عقاره أو نحو ذلك، (أو) ادعى (الولي وجود ضرورة، أو) وجود (غِبْطِة، أو) وجود (تلف، أو قدر نفقة أو كسوة: فقول ولي) في ذلك كله؛ لأنه أمين. أشبه المودَع.
ومحل ذلك: (ما لم يخالفه) أي: الولي (عادة وعرف، ويحلف) وليٌ
(غير حاكم).
وعنه: يقبل قوله بلا يمين.
وأما الحاكم فلا يحلف مطلقاً.
(لا) قول الولي (في دفع مال بعد رشد أو) بعد (عقل. إلا أن يكون)
الولي (متبرعاً).
أما كون غير المتبرع لا يقبل فوله في الدفع؛ لأنه في قبضه للمال مصلحة
تعود عليه. أشبه المستعير
(2)
.
وأما كون المتبرع يقبل قوله في الدفع؛ فلأنه لم يقبضه إلا لمصلحة المحجور. أشبه المودَع.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: المال المستعير.
وقيل: لا يقبل قوله أيضاً إلا ببينة؛ لتفريطه بترك الإشهاد الماًمور به بنص
القرآن.
وقيل: إنما ضمن لكون ائتمانه ليس من جهة المحجور عليه فهو كالأجنبي
معه.
(ولا) يقبل قول الولي أيضاً (في قدر زمن إنفاق). فلو قال من فك حجره: أنفقت عليّ من سنة. فقال الولي: بل من سنتين. لم يقبل قوله إلا ببينة؛ لأن الأصل عدم ذلك.
(وليس لزوج) حرة (رشيدة حجر عليها في تبرع زائد على ثلث مالها)؛
لقوله تعالى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء: 6].
والآية ظاهرة في فك الحجر عنهن، وإطلاقهن في التصرف. بدليل قوله
عليه الصلاه والسلام: " يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن "
(1)
.
وكن يتصدقن ويقبل منهن ولم يستفصل.
ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه بلا أذن أحد؛ كالذكر.
وعنه: لز وجها.
وذلك لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجوز للمرأة عطيه من مالها إلا بإذن زوجها "
(2)
إذ هو مالك عصمتها رواه أبو داود. وجوابه: بأن شعيباً لم يدرك عبد الله بن عمرو.
ولم يثبت ما يدل على تحديد المنع بالثلث.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(1397) 2: 533 كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر.
وأخرجه مسلم في " صحيحه"(1000) 2: 695 كتاب الزكاة، باب فضل النفقه والصدقة على الأقربين. . .
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3547) 3: 293 كتاب الإجارة، باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها.
وإن قاسوا ذلك على حقوق الورثة المتعلق بمال المريض: ففاسد؛ لأن المرض سبب يفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث. والزوجية إنما تجعله من أهل الميراث. فهي أحد وصفي العلة. فلا يثبت الحكم بمجردها، كما لا يثبت لها الحجر على زوجها.
وعنه: له منعها مما دون الثلث. فلا تهب شيئاً ولا ينفذ عتقها إلا بإذنه.
(ولا لحاكم حجر على مقِّتر على نفسه وعياله)؛ لأن الحجر يفيد جمع المال وإمساكه لا إنفاقه.
واختار الأزجي من أصحابنا وابن شريح وأبو سعيد الاصطخرفي من أصحاب الشافعي: بلى.
وعلى هذا القول لا يمنع من عقوده ولا يُكفّ عن التصرف في ماله. لكن ينفق عليه جبراً بالمعروف من ماله.
[فصل: في أذن السيد والولي لموليه في التجارة]
(فصل) يذكر فيه حكم أذن الولي والسيد لموليه ورقيقه في التجارة، ومسائل من تصرفات الرقيق غير الماً ذون له.
(لولي مميز وسيده) إن كان قناً (أن يأذن له) أي: لمحجوره أو قنه (أن يتجِّر)؛ لأنه عاقل محجور عليه. فصح تصرفه بإذن وليه وسيده؛ كالعبد الكبير والسفيه. وفيه وجه.
وعنه: لا يصح حتى يبلغ؛ لأنه غير مكلف؛ كغير المميز.
وعلى المذهب: لو تصرف بلا أذن لم يصح.
وقيل: بلى، ويوقف على الإجازة.
(وكذا) أي: وكما يصح الأذن للمميز أن يتجر يصح الأذن له في (أن يدعي) على خصم للسيد أو للولي أو للماًذون له، (و) في أن (يقيم بينة) على الخصم، (وتحليف) أي: وفي أن يحلف الخصم إذا أنكر، (ونحوه)؛ كمخالعه ومقاسمة؛ لأن هذه كلها تصرفات متعلقة بالمال. أشبهت التجارة.
(ويتقيد فك) أي: إطلاق تصرف المأذون له (بقدر ونوع عُيِّناً) أي: خصصهما الولي أو السيد؛ لأن كل واحد منهما يتصرف بالأذن من جهة آدمي. فوجب أن يتقيد بما أذن له فيه وأمره به دون غيره؛ (كوكيل ووصي في نوع) من التصرفات. فأنه ليس له أن يتجاوزه.
(و) كمن أذن له في (تزويج بـ) شخص (معين). فأنه ليس له أن يزوج
من غيره.
(و) كمن أذن له مالك في (بيع عين ماله). فأنه ليس له أن يبيع غير عين ملك الأذن
(و)(العقد الأول) فيما إذا أذن له في بيع عين فباعها الوكيل ثم عادت
إلى ملك الموكل. فإنه ليس له أن يعقد عليها مرة اخرى إلا بإذن متجدد.
قال في " الفروع ": وفي طريقة بعض أصحابنا منع فك حجره؛ لأنه لو
انفك لما تصور عوده، ولما اعتبر علم العبد بإذنه له؛ كما لو أعتقه، ولكان: فككت عنك، مطلقاً في التصرف؛ لأنه أتى بالمقتضى؛ كقوله: ملكتك، بدل: بعتك.
وفي " الانتصار " رواية: إن أذن لعبده في نوع ولم ينه عن غيره: ملكه.
أي: جاز له أن يتجر في غيره.
وينفك عنه الحجر مطلقاً؛ لأن إطلاق الأذن لا يتبعض؛ كبلوغ الصبي.
قال في " المبدع ": وجوابه: بأنه ينتقض بما إذا أذن له في شراء ثوب يلبسه ونحوه. والرق سبب الحجر وهو موجود.
(وهو) أي: الذي أذن له وليه أو سيده في التجارة (في بيع نسيئة وغيره؛ كمضارب).
قال في " الفروع ": أنه ظاهر كلام الأصحاب.
ولو كان العبد مشتركاً ولم يأذن له جميع الشركاء لا يجوز له التصرف بإذن البعض؛ لأن التصرف يقع بمجموع العبد.
(ولا يصح أن يؤجر) العبد البالغ الماًذون له في التجارة (نفسه، ولا) أن (يتوكل) لغيره؛ لأن كلاً منهما عقد على نفسه. فلا يملكه الا بالأذن فيه؛ كبيع نفسه وتزويجه.
ولأن ذلك يشغله عن التجارة المقصودة بالأذن.
حتى (ولو) كان الأذن له قي التجارة مطلقاً (لم يقيد عليه) فيه بشيء دون شيء.
وفي إيجار عبيده وبهائمه خلاف في " الانتصار ".
(وإن وكل) هو غيره (فـ) الحكم فيه (كوكيل). وسياًتي حكمه في باب الوكالة إن شاء الله تعالى.
وقيل: ليس له أن يوكل مطلقاً إلا بإذن أو عرف.
(ومتى عزل سيد قنه) من الأذن في التجارة: (انعزل وكيله) أي: وكيل
القن؛ (كـ) ما ينعزل وكيل (وكيل) بعزله، وكما ينعزل وكيل (ومضارب) بفسخ رب المال للمضاربة؛ لأنه متصرف لغيره بإذنه، وتوكيله فرع إذنه. فإذا بطل الإذن بطل ما هو مبني عليه.
(لا كصبي) أذن
(1)
له وليه في أن يتجر بمال نفسه فوكل ثم منعه من التجارة. فإنه لا يتعدى منعه للوكيل.
(و) لا (مكاتب) وكل ثم عزل السيد وكيل مكاتبه مع بقاء الكتابة.
(و) لا (مرتهن أذن لراهن في بيع) للرهن
(2)
. فوكل الراهن في بيعه ثم رجع المرتهن عن الأذن. فأنه في هذه الصور لا ينعزل الوكيل، لأن كلاً
(3)
من الثلاثة متصرف في ماله لنفسه. فلم ينعزل وكيله بتغير الحال.
(ويصح أن يشتري) القن المأذون له في التجارة (من) أي: قناً (يعتق
على مالكه) أي: مالك المشتري (لرحم)، كاًخي سيده، (أو قول) كما لو اشترى من قال السيد عنه: إن ملكته فهو حر، (أو زوجاً له) أي: لسيده، سواء أكان رجلاً أو امرأة.
وفيه وجه: لا يصح شراؤه لأحد ممن ذكر، كما (لا) يصح أن يشتري شيئاً (من مالكه، ولا أن يبيعه)؛ كغير المأذون له.
وقيل: بلى.
وقيل: يصح شراوه من مالكه إذا كان عليه دين بقدر قيمته.
(1)
في أ: وكل أذن.
(2)
في ج: المر تهن.
(3)
في أ: كل.
قال المجد في " شرح الهداية ": وليس له أن يسافر في مذهب الشافعي وكذلك يجب على أصلنا بلا خلاف. بخلاف المكاتب والمضارب؛ لأن ملك السيد في رقبته وماله أقوى.
وقال في موضع آخر: والبيع الفاسد لا يتناوله الأذن المطلق في التجارة عندنا.
(ومن رآه سيده أو وليه يتجر. فلم ينهه: لم يَصرْ مأذوناً له)؛كتزويجه وبيعه ماله؛ لأنه تصرفٌ يفتقر إلى الأذن. فلم يقم السكوت مقامه؛ كما لو تصرف أحد المتراهنين في الرهن والآخر ساكت، وكتصرف الأجانب.
(ويتعلق دين مأذون له) إذا استدانه للتجارة فيما أذن له فيه أو في غيره. نقله
أبو طالب؛ لأنه غر الناس بإذنه، أو اقترضه بإذن سيده:(بذمة سيد) في أصح الروايات؛ لأنه متصرف لغيره. ولهذا لسيده الحجر عليه، والتصرف في بيع خيار بفسخ وإمضاء، وثبوت الملك له.
وعنه: بر قبته.
[وعنه: بهما]
(1)
.
وعنه: بذمة العبد.
وعلى المذهب: يكون التعلق بجميع الدين، كما هو ظاهر المتن. نقله الجماعة.
وعنه:. بقدر
(2)
قيمته. نقله مهنا.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون المأذون له بيده مال أو لا. كما هو ظاهر المتن واختيار الأكثر.
وجعل ابن حمدان في " رعايتيه " محل الخلاف فيما إذا عجز ما بيده عن الدين.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في أ: يقدر.
(و) يتعلق (دين غيره) أي: غير المأذون له في التجارة " كما إذا اشترى
في ذمته أو اقترض بغير أذن سيده وأتلف ما اشتراه أو اقترضه بيده أو يد سيده " لأن البائع أو المقرض له أخذ ما باعه أو أقر ضه مع بقائه لفساد العقد.
وسيأتي التنبيه على ذلك في المتن.
(برقبته) فيفديه سيده بالأقل من قيمته أو قدر الدين، أو
(1)
يسلمه سيده لرب الدين ولا شيء عليه غيرذلك.
أما كونه إذا استدان بغير أذن سيده يكون الحكم فيه كما في المتن. فقد نص عليه الإمام في رواية الجماعة، وعليه الأكثر، وهو من المفردات.
وعنه: يتعلق بذمته يُتبع به بعد العتق.
وعنه: إن علم رب الدّين
(2)
أنه رقيق فلا شيء له.
وعنه: إن اختار السيد فداءه فداه بكل الحق بالغاً ما بلغ.
وهذا كله مبني على القول بعدم صحة تصرف العبد في ذمته بدون أذن سيده. وهو المذهب.
وفيه رواية: يصح.
(وإن اعتق) الرقيق الذي تعلق دينه برقبته-: (لزم سيده) ما عليه. نص عليه في رواية أبي طالب، واقتصر عليه في " الفروع " " لأنه فوّت رقبته على رب الحق بإعتاقها.
وظاهر النص: أنه لو تعلق برقبته مائة وقيمته خمسون: أن السيد تلزمه المائة بإعتاقه. وهو مشكل، لأنه لم يفوت إلا خمسين. والله أعلم.
(ومحله) أي: ومحل تعلق ما استدانه غير الماً ذون له برقبته: (إن تلف. وإلا) أي: وإن لم يتلف (أُخذ) أي: أخذه صاحبه (حيث أمكن) أخذه
له، إذ هو باقٍ على ملكه؛ لفساد العقد.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أب: العين.
(ومتى اشتراه) أي: اشترى العبد (رب دين) وقد (تعلق) الدين (برقبته) أي: برقبة العبد: (تحول) الدين المتعلق برفبته (إلى ثمنه) أي: ثمن العبد الذي اشتراه به.
(و) إن كان الدين متعلقاً (بذمته) أي: بذمة العبد (فملكه) رب الدين المتعلق بذمته (مطلقاً) أي: بشراء أو غيره، (او) ملك رب الدين المتعلق بالرقبة (من تعلق برقبته) من الرقيق (بلا عوض)؛ كما لو ورثه أو وهب له:(سقط) الدين؛ لعدم البدل عن الرقبة الذي يتحول إليه الدين.
(ويصح أقرار مأذون) له (ولو) كان (صغيراً في قدر ما أُذن فيه) فقط؛
لأن مقتضى الأقرار الصحة. ترك فيما لم يأذن له فيه سيده لحق السيد. فوجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.
(وإن حجر عليه) أي: على الماً ذون له سيده بأن منعه من التصرف (وبيده) أي: العبد (مال، ثم أذن له فأقر به) أي: بالمال الذي بيده لشخص معين: (صح) أقراره به؛ لأن المانع من صحة إقر اره الحجر وقد زال با لأذن. ولأن تصرفه فيه صحيح. فصح إقراره به؛ كالحر.
قال القاضي في " التعليق ": وكذلك إذا أقر حال الحجر به أو بدين سابق على الحجر.
(ويبطل أذن) لرقيق في تجارة (بحجر على سيده)، جعله " في " الموجز "
و" التبصرة " مقيساً عليه.
(وموته) أي: موت السيد، (وجنونه المطبَق). ذكرهما القاضي في
" خصاله ". ذكر ذلك عنه المجد في " شرح الهداية " واقتصر عليه؛ لأن كلاً من ذلك يمنع ابتداء الأذن. فمنع استدامته؛ كبقية العقود الجائزة.
و (لا) يبطل) بإباق يحصل من المأذون له. نص عليه؛ (و) لا (أسر) له، (و) لا (تدبير، وإيلاد) لو كان أنثى، (وكتا بة، وحرية، وحبس بدين وغصب) للمأذون له؛ لأن ذلك لا يمنع ابتداء الأذن له في التجارة. فلم يمنع استدامته.
وفيه مع الإباق والكتابة والحرية والأسر والإيلاد وجه: أنه يبطل.
(وتصح معاملة قن لم يثبت كونه مأذوناً له) خلافا للـ" نهاية "؛ لأن الأصل صحة التصرف.
(لا تبرع مأذون له) بما يتمول عادة؛ (بدراهم وكسوة، ونحوهما)؛ كفرس وحمار: فإنه لا يصح؛ لأن ذلك ليس من التجارة ولا يحتاج إليه. أشبه غير الماً ذون.
(وله) أي: للرقيق المأذون له (هدية مأكول، وإعارة دابة، وعمل دعوة، ونحوه)؛ كإعارة ثوبه (بلا إسراف) في الكل؛ " لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك "
(1)
.
وروى أبو سعيد مولى أبي أسيد " أنه تزوج فحضر دعوته جماعة من الصحابة، منهم ابن مسعود وأبو حذيفة فأمّهم وهو يومئذ عبد ". رواه صالح في "مسائله ".
ولأنه مما جرت به عاده التجار فيما بينهم. فيدخل في عموم الأذن. وفيه وجه.
قال في " النهاية ": أنه الأظهر.
(ولى) رقيق (غير مأذون) له في التجارة (أن يتصدق من قوته بما لا يضر
به؛ كرغيف، ونحوه)؛ كبيضة؛ لأنه مما جرت العادة بالمسامحه. فيه: فجاز؛ كصدقة المرأة من بيت زوجها.
وعنه: ليس له ذلك؛ كالضيف.
(ولزوجة وكل متصرف في بيت) كاً جير، (الصدقة منه بلا أذن صاحبه بنحو ذلك)؛ لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت،
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2296) 2: 770 كتاب التجارات، باب ما للعبد أن يعطي ويتصدق.
ولزوجها أجر ما كسب، وللخازن مثل ذلك. لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً "
(1)
. متفق عليه.
ولم تذكر أذناً، إذ العادة السماح وطيب النفس به.
(إلا أن يمنع) الزوج من ذلك، (أو يضطرب عُرف، أو يكون بخيلاً، ويُشَِك في رضاه فيهما) أي: فيما إذا اضطرب عُرف أو كان بخيلاً: (فيحرم).
وعنه: ليس لها ولا لأجير ذلك. نقلها أبو طالب.
(كزوجة أطعمت بفرض ولم تعلم رضاه) أي: رضى زوجها بالصدقة.
قال في " الفروع ": ولم يفرق أحمد.
(ومن وجد بما اشترى من قن عيباً. فقال) البائع: (أنا غير مأذون لي) في التجارة: (لم يقبل) منه.
، نقل مهنا: فيمن اشترى من عبد ثوبا فوجد به عيبا فقال العبد: أنا غير مأذون لي في التجارة، قال: لا يقبل منه، إنما أراد أن يدفع عن نفسه.
(ولو صدقه سيد) على عدم الأذن؛ لأن العلة التي ذكرها الإمام تتمشى في سيده أيضاً.
ونقل مهنا أيضاً فيمن قدم ومعه متاع يبيعه فاشتراه الناس منه. فقال: أنا غير مأذون لي في التجارة، قال: هو عليه في ثمنه، كان مأذوناً له أو غير ماذون. وقال الشيخ تقي الدين: إن علم السيد بتصرفه لم يقبل ولو قدر صدقه فتسليطه عدوان منه فيضمن
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(1359) 2: 517 كتاب الزكاة، باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1024) 2: 710 كتاب الزكاة، باب أجر الخازن الأمين. . .
(2)
ساقط من ب.
وفي طريقة بعض أصحابنا: التجار أتلفوا أموالهم لما لم يساًلوا الولي؛ إذ الأصل في حق العبد الحجر، وسكت بناء على الأصل وهو الحجر. فلم يغرهم، بل البائع اغتر لما أقدم ولم يسأل.
فإن قيل: يؤدي إلى تلف أموالهم لثبوتها في ذمته، ولهذا منعنا من ثبوت الحجر الخاص بعد الأذن الشائع؛ لأنه تغرير.
قيل: هذا نظر إلى الحكم والمصالح، والحكم إنما ينبني على الأسباب،
وإلا أدى إلى أطراحها، ويثبت الحجر الخاص وإن لم يعلم. نقل ذلك صاحب " الفروع ".
[باب: الو كا لة]
هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام الوكالة.
و (الوكالة) بفتح الواو وكسرها اسم مصدر بمعنى التوكيل.
وهو لغة: التفويض يقال: وكلت أمري إلى فلان أي: فوضته واكتفيت به.
وقد تطلق ويراد بها الحفظ. ومنه قوله تعالى: (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا) [النساء
: 109] أي: حفيظا.
وقوله
(1)
: (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[ال عمران: 173] أي: الحفيظ.
وشرعاً: (استنابة) إنسان (جائز التصرف مثله) أي: إنساناً جائز التصرف، (فيما) أي: في قول أو فعل (تدخله النيابة). فالقول؛ كالعقود، والفعل؛ كالإقباض والقبض ونحوهما.
وهي جائزة با لإجماع.
وسنده من الكتاب قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا)[التوبة: 60].
فجوز العمل عليها وذلك بحكم النيابة عن المستحقين.
وقوله تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)[الكهف: 19].
وقوله تعا لى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) الاية [النساء: 6].
ووجه الدلالة منها: أنه لما جاز نظر الأولياء، ونظرهم إنما يكون بوصية
أب أو تولية حاكم وهما لا يملكان: كان توكيل المالك في ملكه أجوز منه.
(1)
ساقط من ب.
ومن السنة أحاديث كثيرة، منها حديث عروة بن الجعد رضي الله تعالى عنه قال:" عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فاًعطانى دينار. فقال: يا عروة! ائت الجلب فاشتري لنا شاة. قال: فاً تيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار. فجئت أسوقهما أو أقودهما. فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار. فاً تيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة. فقلت: يا رسول الله! هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: وصنعت كيف؟ قال: فحدثته الحديث. قال: اللهم! بارك له في صفقه يمينه "
(1)
رواه ابو داود وابن ماجه والأثرم. واللفظ له.
وروي " أنه صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبه "
(2)
.
و" أبا رافع في قبول نكاح ميمونة "
(3)
.
ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لا يمكن كل واحد فعل ما يحتاج إليه بنفسه. (وتصح) الوكالة (مؤقتة)؛ كاً نت وكيلي في شراء كذا. في وقت كذا، أوإلى انقضاء هذا الشهر ونحوه.
(ومعلقة) بشرط. نص عليه وقطع به الأكثر؛ كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة؛ كقوله: إذا قدم الحاج فبع هذا الطعام، وإذا دخل رمضان فقد وكلتك، أو فاً نت وكيلى في كذا ونحوه.
أما كونها تصح مؤقتة؛ فبلا خلاف.
واما المعلقة فقال الشافعي: لا تصح إلا أنه إن تصرف نفذ تصرفه.
قال المجد في " شرحه ": وتكون فائدة الخلاف أنه إن سمى له جُعلاً لم يثبت المسمى ووجب أجر المثل. وهذا خلاف لا يعود إلى هذه المساً لة.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3384) 3: 56 2 كتاب البيوع، باب في المضارب يخالف.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1258) 3: 559 كتاب البيوع، باب.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2402) 2: 803 كتاب الصدقات، باب الأمين يتجر فيه فيربح.
(2)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 139 كتاب النكاح، باب الوكالة في النكاح
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(841) 3: 200 كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم. وأخرجه أحمد في " مسنده " (" 4 272) 6: 393
ووافقوا أنه إذا قال: وكلتك في طلاق امرأتي، أو بيع ثوبي بعد شهر صح؛ لأنه عقد الوكالة في الحال وعلق التصرف على الشرط.
قال في " المغني ": ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أميركم زيد. فإن قتل فجعفر. فإن قتل فعبدالله بن رواحة "
(1)
. وهذا في معناه.
(و) تصح وكالة (بكل قول دلَّ على أذن). نص عليه؛ كبع عبدي هذا،
أو أعتقه، أو كاتبه، أو دبره، أو فوضت إليك امره، أو أقمتك مقامي، أو جعلتك نائباً عني في ذلك، ونحو ذلك؛ لأنه لفظ دل
(2)
على الأذن. فى؛ كلفظها الصريح.
ونقل جعفر: إذا قال: بع هذا: ليس بشيء حتى يقول: وكلتك. وتأوّله القاضي على التأكيد.
قال ابن عقيل: هذا دأب شيخنا أن يحمل نادر كلام أحمد على أظهره ويصرفه عن ظاهره. والواجب ان يقال: كل لفظٍ رواية. ويصحح الصحيح. قال الأزجي: ينبغي أن يعول في المذهب على هذا؛ لئلا يصير المذهب
رواية واحدة.
قال في " الفروع ": ودل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال؛ كبيع، وهو ظاهر كلام الشيخ فيمن دفع ثوبه إلى قصّار أو خياط، وهو أظهر كالقبول. انتهى.
(و) يصح (قبول بكل قول أو فعل دلَّ عليه)؛ لأن وكلاء النبي بهي لم ينقل
عنهم سوى امتثال أوامره.
ولأنه أذنٌ في التصرف. فجاز قبوله بالفعل؛ كاًكل الطعام.
(ولو) وقع ذلك حال كونه (متراخياً) عن الأذن؛ نحو أن يبلغه أن فلاناً
وكله في بيع عبده منذ سنة فيقول: قبلت، أو يبيعه من غير قول؛ لأن قبول وكلاء النبي صلى الله عليه وسلم لوكالته كان بفعلهم، وكان متراخياً عن توكيه إياهم.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(13، 4) 4: 554 1 كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام.
(2)
في أب: دال.
ولأن الأذن قائم ما لم يرجع عنه.
(وكذا) أي: وكالوكالة في ذلك (كل عقد جائز)؛ كمساقاة، ونحوها
(1)
.
(وشُرط) لصحة الوكالة (تعيين وكيل). قاله القاضى وأصحابه، بأن يقول: وكلت فلانا في كذا.
وفي " الانتصار ": لو وكل زيداً وهو لا يعرفه أو لم يعرف موكله لم يصح.
(لا علمه بها) أي: لا يشترط لصحة التصرف بالوكالة علم الوكيل بالوكاله. فلو باع إنسان عبد زيد على أنه فضولي فبان أن سيده وكله في بيعه قبل البيع صح؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف. وفيه وجه.
(وله) أي: للوكيل (التصرف) فيما وكل فيه (بخبر من ظن صدقه) بتوكيل زيد له فيما تصرف فيه.
(ويضمن) ما ترتب على تصرفه إن أنكر زيد التوكيل.
قال في " الفروع ": في ظاهر قوله. يعني: الإمام.
وقال الأزجي: إذا تصرف بناء على هذا الخبر فهل يضمن؟ فيه وجهان. ذكرهما القاضي في " الخلاف " بناء على صحة الوكالة وعدمها، وإسقاط التهمة في شهادته لنفسه.
والأ صل فى هذا قبول الهدية إذا ظن صدقه. وأذن الغلام في دخوله بناء على ظنه.
(ولو شهد بها) أي: بالوكاله (اثنان، ثم قال أحدهما: عَزَله و) الحال
أنه (لم يحكم بها) أي: بصحة الوكالة حاكم قبل قوله ذلك: (لم تثبت) الوكالة؛ لأنه رجوع عن الشهاة قبل الحكم.
قال في " الفروع ": ويتوجه بلى.
(1)
في أوب: ونحوهما.
(وإن حُكم) بصحتها، ثم قال أحد الشاهدين: قد عزله، (أو قاله) إنسان (غيرهما) قبل الحكم أو بعده:(لم يقدح) ذلك فيها، لأن الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل.
وإن قالا جميعاً: قد عزله: ثبت العزل؛ لأن الشهاده تمت به كما تمت
با لتوكيل؛
ولو شهد اثنان أن فلاناً الغائب وكّل؛ فلاناً الحاضر. فقال الوكيل: ما علمت
وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة، لأن معنى ذلك أي: لم أعلم إلى الآن.
وقبول الوكالة يجوز متراخياً.
وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل ولا علمه. فلا يضر جهله به.
وإن قال: ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت؛ لقدحه في شهادتهما.
وإن قال: ما علمت وسكت، قيل له: فَسِّر. فإن فسر بالأول ثبتت وكالته، وإن فسر بالثاني لم تثبت. ذكره في " المغني " وملخصاً في " الفروع ".
(وإن أبى) وكيل (قولها) أي: الوكالة باًن قيل له: فلان وكلك في كذا. فقال: لا أقبل: (فكعزله نفسه) أي: يكون قوله: لا أقبل؛ كقوله: عزلت نفسي. ولعل هذا والله أعلم ماً خوذ من أقوال الأصحاب في الموصى له إذا قال: لا أقبل ولا أرد: أنه يحكم عليه بالرد.
وقال في " الإنصاف " بعد نقله المساً لة عن " الرعاية الكبرى ": قلت: ويحتمل لا.
(ولا يصح توكيل) أي: أن يوكل إنسان (في شيء إلا) إن كان الموكِّل (ممن يصح تصرفه فيه) أي: في ذلك الشيء؛ لأن من لا يصح تصرفه بنفسه في شيء لا يصح أن يستنيب غيره فيه. فلا يصح من سفيه توكيل في عتق عبده ونحوه. (سوى أعمى) رشيد، (ونحوه)، كمن يريد شراء عقار وبيعه والعقار
ببلد لم يدخلها: فأنه يصح أن يوكل (عالماً) بصيراً (فيما يحتاج لرؤية). وإن لم يصح منه تولي ذلك بنفسه، لأن سلبهما القدرة على صحة التصرف لعجزهما
عن العلم بالمبيع لا لمعنى فيهما يقتضي منع التوكيل.
(ومثله) أي: مثل التوكيل في الحكم (توكل) عن غيره. (فلا يصح أن يوجب) عن غيره (نكاحاً من لا يصح منه) إيجابه (لموليته)، لأنه إذا لم يجز أن يتولاه بنفسه لم يجز أن يتوكل فيه، كالمرأة.
(ولا يقبله) أي: النكاح (من لا يصح منه لنفسه)، كالكافر يتوكل في قبول نكاح مسلمة لمسلم. (سوى) قبول (نكاح أخته، ونحوهما) " كخالته وعمته (لأجنبي.
و) سوى قبول (حر واجد الطَّوْل نكاح أمة لمن تباح له) الأمة.
(و) سوى توكل
(1)
(غني في قبض زكاة لفقير).
وإنما صح التوكل
(2)
في هذه الصور وإن لم يصح ذلك من الوكيل " لأن المنع منه لنفسه إنما هو على سبيل التنزيه له، لا لمعنى فيه يقتضي منع التوكيل
(3)
.
(و) سوى (طلاق امرأة نفسها وغيرها بوكالة)؛ لأنه لما ملكت طلاق نفسها بجعله لها ملكت طلاق غيرها بالوكالة.
(ولا تصح) الوكالة (في بيع ما سيملكه، أو) في (طلاق من يتزوجها)؛
لأن ذلك لا يملكه الموكِّل حين التوكيل. ذكره الأزجي واقتصر عليه في "الفروع ". وإن قال: إن تزوجت هذه فقد وكلتك في طلاقها، وإن اشتريت هذا العبد
فقد وكلتك في عتقه: صح إن قلنا يصح تعليقهما على ملكهما، وإلا فلا. وقيل: بلى. قاله في " الفروع ".
وفي " المغني ": ليس للمكاتب أن يتوكل لغيره بغير جُعل إلا بإذن سيده؛
لأن منافعه كأعيان ماله. وليس له بذل عين ماله بغير عوض.
(1)
في ج: توكيل.
(2)
في ج: التوكيل.
(3)
في أوب: التوكل.
(ومن قال لوكيل غائب) في مطالبته: (احلف ان لك مطالبتي، أو أنه) أي: موكِّلك (ما عزلك: لم يُسمع) أي: لم يلتفت إلى قول المدعى عليه ذلك. (إلا أن يدعي علمه) أي: علم الوكيل (بذلك) أي: بالعزل (فيحلف)؛ لاحتمال صدق المدعى عليه ونكول المدعي فيمتنع الطلب.
(ولو قال) من ادعى عليه وكيل غائب (عن) دين (ثابت) في ذمة المدعى عليه: (موكلُك اخذ حقه) فهو مقر ماع وفاء: (لم يقبل) إلا ببينة.
(ولا يؤخَّر) (ي: لا يحكم على الوكيل بتأخير الطلب إلى أن يحضر موكل
(ليحلف موكل) أنه لم يأخذه منه؛ لكيلا يكون ذلك وسيلة إلى تأخير الحق المتيقن لشيء مشكوك فيه؛ كما لو كان المدعي رب الحق وذكر المدعى عليه أنه وفاه وله بينة غائبة عن البلد بذلك. فإن الحق لا يؤخر إلى حضورها.
(فصل): فيما يصح فيه التوكيل
وما لا يصح، وما للوكيل فعله وما يمتنع عليه.
وجملة الأعمال ثلاثة أقسام:
قسم يجوز فيه التوكيل مع العجز والقدرة.
وقسم لا يجوز التوكيل فيه مطلقاً.
وقسم مع العجز فقط.
فالأول نوعان:
أحدهما: حقوق الآدمي ين. وإليه أشير بقولي: (وتصح في كل حق آدمي) متعلق بمال أو ما يجري مجراه، (من عقد) متعلق
(1)
بالمال؛ كالبيع والإجارة، أو متعلق بما يجري مجرى المال؛ كعقد النكاح.
(وفسخ وطلاق)؛ لأن التوكيل إذا جاز في عقد النكاح جاز في حَلِّه بطريق
الأولى.
(ورجعة)؛ لأن التوكيل حيثُ ملك به الأقوى وهو إنشاء النكاح ملك به الأضعف وهو تجديده بالرجعة من باب أولى.
(وتملُّكِ مباح) من
(2)
صيد وحشيش ونحوهما؛ لأن ذلك تملك مال
لا يتعين عليه. فجاز التوكيل فيه؛ كالابتياع والاتهاب.
وقيل: أن الوكيل في الاحتشاش والاحتطاب يملك ما احتشه واحتطبه. (وصلح) " لأنه عقد على مال. أشبه البيع.
(1)
في ب: يتعلق.
(2)
في أ: في.
(وإقرار)؛ لأنه قول يلزم به الوكيل
(1)
مال. أشبه التوكيل في الضمان.
(وليس توكيله فيه بإقرار)؛ كما لو وكله في وصية أو هبة فإن توكيله فيهما
ليس بوصية ولا بهبة.
وقال في "الرعاية الكبرى": وفي صحة التوكيل في الإقرار والصلح وجهان.
وقيل: التوكيل فى الإقرار إقرار.
وقيل: يقول جعلته مقراً. انتهى.
ويصح التوكيل في الإقرار بالمجهول باًن يقول له: وكلتك في الإقرار لزيد
بمال أو بشيء، ويرجع في تفسيره إلى الموكل. نقله المجد في " شرح الهداية " عن الأصحاب.
وصفة التوكيل: أن يقول له: وكلتك في الإقرار. فلو قال له: أقر عنى لم
يكن ذلك وكالة. ذكره المجد أيضاً.
(و) يصح أيضاً التوكيل في (عتق وإبراء)؛لأنه ما من حقوق الآدمي المتعلقة بالمال.
(ولو لأنفسهما، إن عينا) باًن يقول السيد لرقيقه: وكلتك في أن تعتق. نفسك، أو رب الدين لغريمه: وكلتك في ان تبرئ نفسك.
وعلم مما تقدم أن السيد لو قال لأحد عبيده: وكلتك في إعتاق عبيدي، أو
قال رب الدين لأحد غرمائه: وكلتك في إبراء غرمائي: لم يكن للعبد عتق نفسه، ولا للغريم إبراء نفسه. وهو المذهب.
وقيل: يملك ذلك. وجزم به الأزجي.
وعلم من قوله:. وتصح في كل حق آدمي: جوازها في أشياء دخلت في
عموم هذا اللفظ ولم ينص عليها في المتن؛ كالحواله والرهن والكفالة والشركة
(1)
في أوب: الموكل
والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والكتابة والتدبير والإعتاق
(1)
والقسمة. وكذا في الوقف. ذكره الزركشي وابن رزين وحكى الإجماع في الجميع. والقسم الثانى وهو: ما لا يجوز التوكيل فيه مطلقاً وإليه أشير بقولي: (لا في ظهار، ولعان، ويمين، ونذر، وإيلاء، وقَسَامة، وقَسْم لزوجات، وشهادة، والتقاط، واغتنام، وجزية، ومعصية، ورضاع).
أما كون التوكيل لا يصح في الظهار؛ فلأنه قول منكر وزور يحرم. أشبه بقية المعاصي.
وأما اليمين مطلقاً والنذر والإيلاء والقَسَامة؛ فلأن منها ما هو زجر، ومنها
ما يشبه التعبد وتتعلق بعين
(2)
الحالف والناذر. فلا تدخلها النيابة؛ كبقية العبادات البدنية.
وأما القَسْم بين الزوجات؛ فلأمر
(3)
يختص بالزوج لا يوجد في غيره.
وأما الشهاده؛ فلأنها تتعلق بعين الشاهد؛ لكونها خبراً عما راه أو سمعه،
ولا يتحقق هذا المعنى في نائبه. فإن استناب فيها كان النائب شاهداً على شهادته؛ لكونه يؤدي ما سمعه من شاهد الأصل وليس بوكيل.
وأما الالتقاط؛ فلأن الملتقط أحق به من الآمر
(4)
.
وأما الاغتنام؛ فلأنه إنما يستحق بالحضور. فلا يملك غائب المطالبة به.
وأما التوكيل في دفع الجزية؛ فلفوات الواجب من الصَّغار على من وجبت عليه.
وأما الرضاع؛ فلأنه
(5)
يختص بالمرضعة، وهو إنبات لحم المرتضع
(1)
في أوب: والإنفاق.
(2)
في ج: بيمين، وفي ب: بغير.
(3)
في ج: فلأنه.
(4)
في ج: الآخر.
(5)
في أ: فلأمر.
وإنشاز
(1)
عظمه بلبنها.
(وتصح) الوكالة (في بيع ماله) أي: مال الموكل (كل هـ)؛ لأنه يعرف
ماله فلا غرر.
(أو) يوكله أن يبيع (ما شاء) الوكيل (منه) أي: من مال الموكِّل؛ لأن التوكيل إذا جاز في الجميع ففي بعضه أولى.
(و) كذا لو وكله في (المطالبة بحقوقه) كلها، (والإبراء منها كلها أو ما شاء منها).
قال في " الفروع ": وظاهر كلامهم في: بع من مالي ما شئت، له بيع كل ماله.
وذكر الأزجي في: " بع من عبيدي ما شئت ": أن " مِنْ " للتبعيض.
فلا يبيعهم إلا واحداً ولا الكل، لاستعمال هذا في الأقل غالباً، وقال: هذا ينبني على أصل وهو استثناء الأكثر. كذا قال. انتهى.
(لا) التوكيل (في) عقد (لمحاسد)، لأن الله تعالى لم يأذن فيه.
ولأن الموكِّل لا يملكه فوكيله في ذلك أولى.
(أو) في (كل قليل وكثير) فأنه لا يصح. ذكره الأزجي اتفاق الأصحاب؛ لأنه يدخل فيه كل شيء من هبة ماله، وطلاق نسائه، وإعتاق رقيقه. فيعظم الغرر والضرر.
ولأن التوكيل لا بد وأن يكون في تصرف معلوم.
(ولا) يصح التوكيل إن قال: (اشتر ما شئت، أو عبداً بما شئت)؛ لأن
ما يمكن شراؤه والشراء به يكثر فيكثر فيه الغرر فلا يصح، (حتى يُبين) بالبناء للمفعول للوكيل (نوع) يشتريه (وقدر ثمن) يشتري به.
قال الإمام في رواية ابن منصور فيمن قال لرجل: اشتري لي سلعة. ولم
(1)
في ج: وانتشار.
يصف له فاشترى بأقل أو بأكثر: فهذا لم يشتر له حتى يصف. فإذا وصف لم يضمن. إلا ان يشتري بأكثر. ذكرها في " التعليق ". نقلها
(1)
المجد في " شرح الهد اية ".
واختار ذلك أبو الخطاب؛ لأن الغرر لا ينتفي إلا بذكر الشيئين.
واختار القاضي وابن عقيل: أن ذكر النوع أو الجنس والثمن كاف؛ لأنه إذا
بين له النوع فقد أذن في أغلاه ثمناً، وإذا بين له الجنس والثمن فقد أذن
(2)
في جميع أنواع ذلك الجنس ميع تبيين الثمن فيقل الغرر.
وعن الإمام ما يدل على الصحه مع عدم ذكر النوع وقدر الثمن؛ فأنه روي
عنه فيمن قال: ما اشتريت من شيء فهو بيننا: أن هذا جائز وأعجبه. وهذا توكيل في شراء كل شيء.
(ووكيله) أي: الزوج (في خلع بمحرم، كهو) أي: كالزوج على ما
يأتى في كتاب الخلع. (فلو خالع بمباح: صح بقيمته). قاله في " الفروع ". قال في " الرعاية ": وإن قال: خالع زوجتى على محرم ففعل: صح الخلع مجاناً. ويُخرّج بطلانه. وإن خالعها على مباح صح الخلع وفسد العوض، وله قيمة العوض لا هو. انتهى.
والنوع الثانى مما يجوز فيه التوكيل مع العجز والقدرة هو المشار إليه
(3)
بقوله: (وتصح) الوكالة (في كل حق لله تعالى تدخله نيابة، من إثبات حد واستيفائه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " واغد يا أنيس! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. فاعترفت فأمر بها فرُجمت "
(4)
. متفق عليه.
(1)
في أب: نقله.
(2)
في ج: أذن له.
(3)
في أوب: إليها.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2190) 2: 813 كتاب الوكالة، باب الوكالة في الحدود.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1697) 3: 1325 كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى.
فقد وكله في الإثبات والاستيفاء معاً.
وقال أبو الخطاب: لا يجوز التوكيل في إثباتها؛ لأنها تسقط بالشبهات،
وقد أمرنا بدرئها. والتوكيل يوصل إلى الإيجاب.
وجوابه: الخبر. وباًن الحاكم إذا استناب دخل فيها الحدود. فإذا دخلت
في التوكيل بطريق العموم فالتخصيص بدخولها أولى.
والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات.
(و) من (عبادة) متعلقة بالمال؛ (كتفرقة صدقة، و) تفرقة (نذر، و) تفرقة (زكاة)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها.
وحديث معاذ شاهد بذلك
(1)
.
(وتصح) الوكالة في إخراج الزكاة (بقوله) أي: الموكل لوكيله: (أخرج زكاة مالي من مالك)؛ لأنه اقتراض من مال الوكيل، وتوكيل في إخراج الزكاة. (و) تصح الوكالة أيضاً في تفرقة (كفارة) على الموكِّل؛ لأن ذلك كتفرقة الزكا ة.
وأما القسم الثالث من أعمال الذي يجوز فيه التوكيل مع العجز فهو المشار
إليه بقولي: (وفعل حج وعمرة). فإنه يجوز أن يستنيب من يفعلهما عنه بشرطه. (وتدخل ركعتا طواف تبعاً) لأركانهما، وإن كانت الصلاة مما لا تصح فيها الاستنابة.
و (لا) تصح الوكالة في عبادة (بدنية محضة) أي: لم تتعلق بمال.
(1)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن، قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض
عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (6937) 6: 2685 كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله.
وهي: (كصلاة وصوم وطهارة من حدث)، لأنها متعلقة ببدن من هي عليه فلا يجوز التوكيل فيها.
(ونحوه) أي: ونحو ذلك، كالاعتكاف. فإن الثواب عليه لأمر يختص المعتكف، وهو لبث ذاته في المسجد. فلا تصح الاستنابة فيه.
وعلم من تقييد الطهارة بالحدث صحة الاستنابة في الطهارة من النجاسات "
لأنها من باب الترك. أشبهت الاستنابة في تنظيف الأوساخ.
(ويصح استيفاء) لما وكل فيه (بحضرة موكِّل وغيبته). نص عليه، لعموم الأدلة. (حتى في) استيفاء (قَوَد وحد قذف).
وفيهما لاحتمال العفو وجه.
ورد: باًن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود مع احتمال النسخ.
ولأن الأصل عدم العفو، والظاهر أنه لو عفا لأعلم وكيله.
ثم شرع في ذكر ما للوكيل فعله وما يمتنع عليه
(1)
فقال:
(ولوكيل توكيل فيما يعجزه) فعله (لكثرته ولو في جميعه)، لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل. فجاز في جميعه، كما لو أذن فيه لفظاً.
وعند القاضي: أنه لا يوكل إلا فيما زاد على ما يتمكن من فعله.
(و) في (ما لا يتولى مثله بنفسه)، كالأعمال البدنية في حق أشراف الناس المترفعين
(2)
عن فعلها في العادة، لأن الأذن إنما ينصرف إلى ما جرت به العادة.
(لا فيما يتولى مثله بنفسه) نص عليه في روايه ابن منصور، لأنه لم يأذن له
في التوكيل ولا تضمنه أذنه. فلم يجز، كما لو نهاه.
ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه. فلم يكن له أن يوليه لمن لا ياًمنه
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أوب: المرتفعين.
عليه؛ كالوديعة.
وعنه: يجوز. نقلها حنبل.
(إلا بإذن) أي: إلا إذا أذن له أن يوكل فإنه يجوز بلا خلاف؛ لأنه عقد أذن
له فيه. فكان له فعله؛ كالتصرف المأذون فيه.
وقال في " الفروع " بعد ذكر المسألة: ولعل ظاهر ما سبق يستنيب نائب في الحج لمرض، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي.
(ويتعين أمين)؛ لأنه لا نظر للموكل في توكيل من ليس باً مين. فيتقيد جواز التوكيل بما فيه الحظ والنظر.
(إلا مع تعيين موكل) بأن قال له: وكل عنك فلاناً. فيكون له توكيله وإن
لم يكن أميناً؛ لأنه قطع نظره بتعيينه له.
وإن وكل
(1)
أميناً فصار خائناً فعليه عزله؛ لأن تركه يتصرف تضييع وتفريط. (وكذا) أي: وكالوكيل في التفصيل المتقدم (وصي يوكّل، وحاكم يستنيب)؛ لأن كلاً متصرف في مال غيره بالأذن.
وقيل: يجوز لهما ذلك. وإن منعناه في الوكيل
(2)
.
(و) قول الموكل لوكيله: (وكّل عنك): فإن وكيله (وكيل وكيله) ينعزل بموت الوكيل الأول وعزله.
(و) وكل (عني أو يُطلّق) فوكل كان (وكيل موكله) لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله.
ولا يملك الأول عزله؛ لأنه ليس بوكيله.
وإن مات الموكل الأول أو حصل منه ما يقتضي بطلان وكالته انعزلا
(3)
، سواء كان أحدهما فرع الاخر أو لا.
(1)
في ا: يان كان.
(2)
في ا: التوكيل.
(3)
في ب: انعزل.
وقول الموكل لوكيله: وكل عني (كـ) قول الموصي لوصيه: (أوص إلى من يكون وصياً لي). فيكون من أوصى إليه الوصي وصياً للموصي الأول. ذكر ذلك في " الفروع ". ثم قال: وذكر الأزجي احتمالاً: لا يصح؛ لعدم أذن الموصي حين إمضاء الوصية.
(ولا يوصي وكيل مطلقاً) أي: سواء أذن له في التوكيل أو لا.
قال في " الفروع ": على ما في " التعليق " و" المغني " وغيرهما.
(ولا يعقد) الوكيل عقداً وكل فيه (مع فقير أو قاطع طريق) إلا أن يأمره الموكل. وهو المراد بقولي بعد: إلا بإذن. . نقله الأثرم؛ لأن في ذلت مع عدم أذن الموكل تفريطاً.
(أو ينفرد من عدد) يعني: أن من وكل اثنين أو ثلاثة أو أكثر في بيع أو في غيره فليس لواحد منهما أو منهم أن ينفرد بالتصرف؛ لأن الموكل لم يرض بتصرفه منفرداً. بدليل إضافة الغير إليه.
فلو وكل اثنين في حفظ ماله حفظاه
(1)
معاً في حرز لهما. فلو غاب أحدهما
لم يكن للآخر أن يتصرف، ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا
(2)
معا؛ لأن قول الموكل فعلاً يقتضي اجتماعهما على فعله.
ولو قال لاثنين: أيكما باع سلعتي فبيعه جائز صح.
وإن قال: قد وكلت ببيع سلعتي هذا أو هذا: لم تصح الوكالة. قاله ابن المنذر.
وقال أهل. الرأي: يجوز استحساناً. فاً يهما باع جاز. نقل ذلك المجد في
" شرح الهدايه ".
(أويبيع نَساء أو) بغير نقد؛ (بمنفعة أوعرض).
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أ: ليتصرف.
أما كونه لا يصح إذا باع نَساء؛ فلأن الموكل لو
(1)
باع بنفسه
(2)
وأطلق انصرف إلى الحلول. فكذا إذا أطلق الوكالة.
وأما كونه لا يصح بمنفعة أو عرض؛ فلأن الإطلاق محمول على العرف، والعرف يقتضي أن الثمن إنما يكون من النقدين.
قال المجد في " شرحه ": فإن وكله أن يشتري له طعاماً لم يجز له غير شراء الحنطة حملاً على العرف. ذكره القاضي وابن عقيل في البيوع قبل السلم.
(إلا بإذن) من الموكل في جميع ذلك؛ لأنه إذا فعل شيئاً من ذلك بإذنه فقد فعل ما اقتضته الوكالة.
(أو) يبيع (بـ) نقد (غير نقد البلد، أو) بنقد غير (غالبه إن جمع) البلد (نقوداً، أو) بغير (الأصلح) من نقوده (إن تساوت) رواجاً. إلا إن عينه موكل. أما كونه لا يصح العقد منه إذا فعل شيئاً من ذلك مع الإطلاق؛ فلأن إطلاق الوكالة إنما يملك به الوكيل فعل الأحظ لموكله ومع التعيين فقد فعل ما أذن له فيه. قال في "المقنع ": ويحتمل أن يجوز كالمضارب. وهي روايه في "المحرر". وفرق الموفق بين الوكيل والمضارب، بأن المقصود من المضاربه الربح وهو في النَّساء أكثر.
ولأن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود ضرر التأخير في التقاضي عليه. بخلاف الوكالة فإن ضرر التقاضي
(3)
فيها يعود على الموكل. وعلم مما تقدم أن بيعه بالفلوس كبالعروض. وهذا
(4)
فيما يباع بالنقد " كالثوب والفرس. أما إذا كان ما وكل في بيعه يباع مثله بالفلوس، كالرغيف ونحوه: فإنه يصح بالفلوس دون عرض سواها، لأنه العرف.
(1)
في ج: إذا.
(2)
في أ: نفسه.
(3)
في أ: القاضي.
(4)
في أ: فهذا.
(وإن وكل) إنسان (عبد غيره) فتارة يكون فيما يملك العبد فعله بدون أذن سيده، كالصدقة بالرغيف ونحوه والطلاق والرجعة، وتارة يكون التوكيل فيما لا يملك العبد فعله إلا بإذن سيده. وذلك قسمان:
أحدهما: إيجاب النكاح وقبوله. وفي كل واحد منهما بلا أذن سيده وجهان.
القسم الثانى: عقود المعاوضات كالبيع والشراء. وفي ذلك مع أذن السيد روايتان، والروايتان أيضاً فيما إذا وكله أجنبي في شراء نفسه أو عبد غيره من سيده.
والصحيح: أنه إن توكل في بيع أو إجارة أو نحوهما أو شراء (ولو في شراء نفسه) أو قن غيره (من سيده: صح) ذلك (إن أذن) فيه سيده.
(وإلا) أي: وإن لم يأذن له سيده في التوكل (فلا) يصح تصرفه.
ومحل ذلك: (فيما لا يملكه العبد).
أما ما يملك فعله لنفسه بدون أذن سيده، كالصدقة باليسير والطلاق والرجعة: فإنه يصح توكله فيه بدون أذن سيده.
ووجه المذهب: أن العبد محجور عليه لحق سيده. فإذا أذن له صار كمطلق التصرف.
وأما كونه يصح أن يشتري نفسه من سيده، فلأنه
(1)
لماجاز له الشراء من غير سيده جاز له من
(2)
سيده، وإذا جاز له أن يشتري من سيده غيره جاز له أن يشتري نفسه، كما أن المرأة لما جاز لها التوكل في طلاق غيرها جاز في طلاق نفسها. وأما كونه لا يحتاج إلى أذن سيده في التوكل في الطلاق ونحوه، فلأن ما صح من العبد فعله لنفسه بدون إذن سيده فيه صح بطريق النيابة بدونه.
(1)
في أب: فأنه.
(2)
ساقط من أ.
فعلى صحة شراء العبد نفسه من سيده قال في " المغني ": إذا قال العبد اشتريت نفسي لزيد، وصدقه سيده وزيد: صح ولزم زيداً الثمن.
وإن قال السيد: ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق العبد بقوله وإقراره على نفسه بما يعتق به، ويلزم العبد الثمن في ذمته لسيده؛ لأن زيداً لا يلزمه الثمن؛ لعدم حصول العبد له، وكون سيده لا يدعيه عليه. فلزم العبد؛ لأن الظاهر ممن باشر العقد أنه له.
وإن صدقه السيد
(1)
وكذبه زيد نظرت في تكذيبه. فإن كذبه في الوكالة حلف وبرئ، وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده؛ لتعذر ثمنه. وإن صدقه في الوكالة وكذبه في أنك ما اشتريت نفسك لي: فالقول قول العبد؛ لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه. انتهى.
(1)
ساقط من ب.
(فصل): في حكم عقد الوكالة
وما يبطل به، وانعزال الوكيل، وعزله، وحكم ما بيده بعده
والو كالة، والشر كة، والمضاربة، والمسا قاة، والمز ارعة، والود يعة، والجعالة: عقود جائزة من الطرفين)؛ لأن غاية ما في كل منها
(1)
أذن وبذل نفع، وكلاهما جائز.
(لكل) من المتعاقدين (فسخها) أي: هذه العقود؛ كفسخ الأذن في أكل طعام.
(وتبطل بموت وجنون وحجر لسفه)؛ لأن كلاً من هذه العقود يعتمد الحياة والعقل وعدم الحجر. فإذا انتفى ذلك انتفت صحتها؛ لانتفاء ما تعتمد عليه وهو أهلية التصرف.
والمراد ببطلانه (بالحجر للسفه) حيث (عتبر) لها (رشد) بأن كانت في شيء لا يتصرف في مثله السفيه. أما إن كانت في شيء يسيريتصرف في مثله السفيه بدون إذن وليه، أو كانت الوكالة في طلاق أو رجعة، أو في تملك مباح؛ كاستقاء ماء واحتطاب والذي حجر عليه الموكل في هذه الصورة: فلا تنفسخ.
(وتبطل وكالة بسكر يُفسَّق به فيما ينافيه؛ كإيجاب نكاح، ونحوه)؛ كإثبات حد واستيفائه؛ لخروجه بالفسق عن أهلية التصرف في ذلك.
(و) تبطل الوكالة أيضاً (بفلس موكل فيما حجر عليه فيه) بأن كانت الوكاله
في أعيان ماله؛ [لانقطاع تصرفه فيها.
(وبردته) أي: تبطل الوكالة بردة الموكل؛ لامتناعه من التصرف في
(1)
في أ: كلامهما.
ماله]
(1)
ما دام مرتداً.
ولا تبطل بردة وكيل إلا فيما ينافيها.
(و) تبطل الوكالة أيضاً (بتدبيره) أي: تدبير السيد، (أو كتابته قناً وكل
في عتقه)؛ لدلالة ذلك على الرجوع عن الوكالة في العتق.
(لا بسكناه) أي: الموكل (أو بيعه) بيعاً (فاسداً ما) أي: شيئاً (وكل
في بيعه)، لأن السكنى لا تختص بالملك. والبيع الفاسد لم ينقله.
(و) تبطل الوكالة (بوطئه) أي: الموكل، (لا قُبلتِه زوجة وكل في طلاقها)، لدلالة وطئه على رغبته فيها واختياره إمساكها. ولذلك لو وطئها بعد طلاقها رجعياً كان ارتجاعاً لها. فإذا اقتضى رجعتها بعد طلاقها. فلأن يقتضي استبقائها على نكاحها من باب أولى.
قال في " المغني ": وإن باشرها دون الفرج أو قبًلها أو فعل بها ما يحرم
على غير الزوج فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق؟ يحتمل وجهين بناء على الخلاف في حصول الرجعة به.
(وكذا) أي: وكبطلانها بما إذا طرأ على موكل ما ينافيها يكون (وكيل فيما ينافيها). فتبطل بارتداد النائب في الحج قبل فعله، وارتداد الوكيل في قبول نكاح مسلمة ونحو ذلك.
(و) تبطل الوكالة أيضاً (بدلالة رجوع أحدهما) أي: الموكِّل والوكيل عنها. وتقدمت صور من دلالة رجوع الموكل.
ومن صور دلالة رجوع الوكيل ما إذا قبل الوكالة من مالك عبد في عتقه وكان
قد وكله إنسان في شرائه. فإن قبول الوكالة في عتقه يدل على رجوعه عن الوكالة الأولى في شرائه.
(وبإقراره) أي: الوكيل (على موكله بقبض ما) أي: شيء (وكل)
(1)
ساقط من أ.
الوكيل (فيه).
قال في " الفروع ": ولو كان وكيلاً في الخصومة.
ومراده: دون القبض. وإنما بطلت؛ لاعتراف الوكيل بذهاب محل الوكالة بالقبض.
(و) تبطل أيضاً (بتلف العين) التي وكل في التصرف فيها؛ لأن محل الوكالة ذهب.
وكذا لو وكل إنساناً في نقل امرأته، أو بيع عبده، أو قبض داره من فلان فقامت البينة بطلاق الزوجة أو عتق العبد أو انتقال الدار عن الموكل: فإن الوكالة تبطل؛ لأنه إذا زال تصرف الموكِّل زالت وكالته.
(و) تبطل الوكالة بـ (دفع عوض لم يأمر به) الوكيل؛ كما لو أعطاه الموكل دينارين وقال: اشتر بهذا ثوباً وبهذا شاة فتلف الدينار الذي أمر باًن يشتري به ثوباً فاشترى ثوباً بالدينار الذي أمر أن يشتري به شاة: فلا يصح هذا الشراء؛ لأنه لو صح للزم الموكل ثمن لم يلتزمه ولا رضي بلزومه.
(وإنفاق ما أمر به. ولو نوى اقتراضه) أي: اقتراض الوكيل ديناراً أو غيره
أمر بالشراء به بأن تصرف فيه ولو بخلطه على دنانير لا يتميز منها لتلفه. فتبطل الوكالة؛ لتعذر دفع ما استاً داه من الموكل ثمناً فيما وكل في شرائه.
(و) لو أن الوكيل (عزل عوضه) أي: عوض الدينار الذي تصرف فيه؛
لأن ما عزله عوضه لا يصير للموكل حتى يقبضه.
(لا بتعد) يعني: أنه لو دفع إنسان إلى آخر ثوباً أو نحوه ووكله في بيعه فتعدى الوكيل فيما وكل في بيعه، بأن لبس الثوب أو رهنه أو نحو ذلك: لم تبطل الوكالة؛ لأن الوكالة أذن في التصرف مع ائتمان. فإذا زال أحدهما لم يزل الآخر.
(ويضمن) أي: وتصير العين المتعدى عليها من ضمان الوكيل. (ثم إن تصرف) فيها (كلما أمر: برئ بقبضه العوض.).
فلو تلف في يده من غير تعد ولا تفريط لم يضمنه؛ لأنه لم يتعد في عينه.
ذكره
(1)
في " التلخيص ".
قال في " القواعد ": ولا يزول الضمان عن عين ما وقع فيه التعدي بحال إلا
على طريقة ابن الزاغوني في الوديعة.
وقيل: تبطل الوكالة بتعدي الوكيل.
ومحل الخلاف: مع بقاء العين، أما إذا كان التعدي بإتلافها فإن الوكالة
تبطل قولاً واحداً.
(ولا) تبطل الوكالة أيضاً (بإغماء) يحصل للموكل أو للوكيل؛ لأن
(2)
المغمى عليه لا تثبت عليه الولاية بالإغماء. أشبه النوم.
(و) لا (عتق وكيل وبيعه وإباقه) يعني: أنه لو وكل عبده أو عبد غيره بإذنه
فعتق العبد أو انتقل الملك فيه أو أبق: لم تبطل وكالته.
أما إذا وكل عبد نفسه في شيء ثم أعتقه ففي بطلان وكالته بعتقه وجهان:
أصحهما: لا تبطل؛ لأن الحرية لا تمنع ابتداء الوكالة. فلا تقطع استدامتها.
والثانى: بلى؛ لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة إنما هو استخدام
بحق الملك
(3)
. فيبطل بزواله.
وأما إذا وكل عبد غيره بإذنه ثم عتق لم تبطل الوكالة وجهاً واحداً. قاله غير
واحد؛ لأن ما عللوا به الوجه الثانى فيما إذا كان الموكل سيده لا يتاً تى هاهنا.
وأما إذا وكل عبد نفسه أو وكله غيره بإذنه ثم انتقل الملك فيه ففي الصورتين
وجهان:
أصحهما: لا تبطل الوكالة فيهما، ولو كان انتقال الملك فيه للموكل لما
قلنا في العتق.
ولأن ملك الموكل له لا ينافي أذنه. لكن لا يتصرف وكيل انتقل الملك فيه
(1)
في أ: ذكر.
(2)
في أ: لا.
(3)
في ج: الملك فيه.
إلا بإذن سيده الثانى. قاله المجد في " شرحه " حاكياً له عن ابن المنذر وأنه لم يحك فيه خلافاً
وفي " المغني ": إلا أن المشتري إن رضي ببقائه على الوكالة بقي وإن لم يرض بطلت.
وأما إذا أبق الوكيل ففي بطلان وكالته بذلك وجهان: أصحهما: لا تبطل؛
لما تقدم في العتق.
(و) لا تبطل الوكالة أيضاً فيما إذا وكل زوجته في شراء أو بيع أو غيرهما بـ (طلاق وكيلة)؛ لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة. فلا يقطع استدامتها.
(و) لا بـ (جحود وكالة) يعني: لا تبطل الوكالة بجحود موكل أو وكيل إياها؛ لأن الجحود منهما ليس فيه شيء يدل على دفع الأذن السابق؛ كما لو أنكر زوجية امرأة ثم قامت بها البينة فإنه لا يكون طلاقاً.
وقيل: تبطل بالجحد
(1)
.
(وينعزل) الوكيل (بموت مو كِّل وعزله) أي: عزل الموكِّل للوكيل.
وهذا بعد بلوغ الوكيل موت موكله أو عزله إياه. لا خلاف فيه على مقتضى
كلام الأصحاب وعلى أصح الروايتين.
(ولو لم يبلغه).
قال في " الفروع ": اختاره الأكثر، وذكر شيخنا: أنه أشهر.
وقال في " الإنصاف ": وهو المذهب.
وقال القاضي: هذا
(2)
أشبه بأصول المذهب، وقياس لقولنا: إذا كان الخيار لهما كان لأحدهما الفسخ من غير حضور الاخر.
وجزم به في " الوجيز " و" المنور " و" نهاية ابن رزين ".
(1)
في ج: بالحجة.
(2)
في ب: هو.
ووجهه: أن الوكالة عقد لو أراد أحد المتعاقدين أن يرفعه لم يفتقر إلى رضى الآخر. فلم يفتقر إلى علمه؛ كالطلاق.
والرواية الثانية: لا ينعزل قبل علمه بموت الموكل أو عزله؛ لما فيه من الضرر المترتب على ذلك. فأنه ربما باع جارية ووطئها المشتري، أو طعاماً واكله المشتري أو غير ذلك ويتصرف فيه المشتري ويكون مضموناً.
ولأنه متصرف بأمر الموكل. فلم يثبت حكم الرجوع في حقه قبل علمه؛ كالفسخ.
ورد: بما تقدم. وبالفرق بينه وبين الفسخ بأن أمر الشارع يتضمن المعصية بتركه، ولا يكون عاصياً من غير علمه. وهذا يتضمن إبطال التصرف. فلا يمنع منه عدم العلم.
وقيل: ينعزل بالموت قبل بلوغه لا بالعزل حتى يبلغه. ذكره الشيخ تقي الدين.
ثم من الأصحاب من جعل محل الخلاف في نفس انفساخ الوكالة. قبل العلم، ومنهم من جعله في نفوذ التصرف.
قال الشيخ تقي الدين: والخلاف لفظي وينبني على الروايتين تضمينه وعدمه. فإن قلنا: ينعزل ضمن، وإلا فلا.
وقال الشيخ تقي الدين: لا يضمن مطلقاً.
قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب؛ لأنه لم يفرط.
ووكيل فيما تقدم (كشريك ومضارب) في الأصح.
وقيل: لا ينفسخان بفسخ عامل وشريك حتى يعلم رب المال وشريكه؛
لأنه يؤدي إلى تعطيل المال عن الفوائد.
(لا مودَع) فإنه لا ينعزل قبل علمه في أصح الوجهين. فلا يضمن تلفها عنده بعد العزل من غير تفريط ولا تعد ولو نقلها من محل إلى آخر أو سافر بها مع عدم ربها ووكيله وكان السفر أحفظ لها أو نحو ذلك.
(ولا يقبل) قول موكِّل أنه عزل وكيله من حين كذا وقد تصرف الوكيل بعد ذلك الحين أو لا (بلا بينة) تشهد بالعزل من حينه؛ لأن الأصل بقاء الوكالة وبراءة ذمة الوكيل من ضمان تلف ما وكل فيه بعد الوقت الذي ادعى الموكل عزله فيه. قال الشيخ تقي الدين: لو باع أو تصرف فادعى أنه عزله قبله لم يقبل. فلو
أقام به بينة ببلد آخر وحكم به حاكم فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه، وإلا كان حكماً على غائب.
ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله قبل العلم فإن كان قد بلغه ذلك نفذ، والحكم
(1)
الناقض له مردود، وإلا وجوده
(2)
كعدمه، والحاكم الثانى إن
(3)
لم يعلم بأن العزل قبل العلم أو علم ولم يره، أو رآه ولم ير نقض
(4)
الحكم المتقدم فحكمه كعدمه.
وقبض الثمن من وكيله دليل بقاء وكالته.
وأنه قول أكثر العلماء. نقله عنه في " الفروع " وقال: ويتوجه خلافه. (ويقبل) قول من وكل وكيلاً في إخراج زكاته
(5)
: (أنه أخرج زكاته قبل
دفع وكيله للساير)؛ لأن الزكاة عبادة. والقول قول من وجبت عليه في أدائها وزمنه.
ولأنه انعزل من طريق الحكم بإخراج المالك زكاة نفسه.
(و) على هذا (تؤخذ) من الساعي (إن بقيت بيده)؛ لأنها عين مال اقتضى الشرع فساد قبضه مع بقائه. فتعين الرجوع فيه.
(و) يقبل (إقرار وكيل) على موكله (بعيب فيما باعه) عنه؛ لأنه أمين. فكان القول قوله في صفة المبيع؛ كقدر الثمن.
(1)
في أ: والحاكم.
(2)
في أ: إلا جوده.
(3)
في أ: أنه.
(4)
في أ: ينقض.
(5)
في أ: زكاة
(وإن) ادعى المشتري على الوكيل بعيب فأنكره فالتمس يمينه فنكل
فـ (رد) عليه المبيع (بنكوله: رُد) بالبناء للمفعول (على موكل)؛ لأن حقوق العقد متعلقة بالموكل " كما لو باشره.
(و) يحصل (عزل) لوكيل
(1)
(في) وكا لة (دوريَّه. وهي) أن يقول الموكل لمن يريد أن يوكله: (وكلتك، وكلما عزلتك فقد وكلتك ب) قوله له: (عزلتك، وكلما وكلتك فقد عزلتك) فقط.
وعلم من ذلك صحة الوكالة الدورية، وجزم بصحتها في " الرعايتين " و" الفائق ".
قال في "التلخيص ": وهي على أصلنا صحيحة في صحة التعليق.
(وهو) أي: عزل الوكيل في الدورية (فسخ معلق بشرط) وهو التوكيل.
قلت: فعلى هذا من قال لإنسان: كلما وكلتك فقد عزلتك، ثم قال له: وكلتك في كذا لم يصح تصرفه؛ لوجود العزل المعلق بوجود الوكالة. والله أعلم.
وقال الشيخ تقي الدين: لا تصح الوكالة الدورية؛ لأنه يؤدي إلى تصيير
(2)
العقود الجائزة لازمة، وذلك تغيير لقاعدة الشرع. وليس المقصود المعلق إيقاع الفسخ وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه، والعقود لا تنفسخ قبل " أنعقادها. انتهى.
(ومَن) أي: وأيّ مكلف رشيد (قيل له: اشتر كذا بيننا. فقال) القائل له ذلك: (نعم، ثم قالها) أي: قال نعم (لآخر) قال له بعد الأول مثل ما قال له الأول: (فقد عزل نفسه) من وكالة الأول؛ لأنه لما قال للثانى: لعم دل على رجوعه عن الشراء الأول.
(1)
في أ: الوكيل.
(2)
في أ: تغير، وفي ب: تصير
(وتكون) العين المشتراة (له) أي: للمشتري، (وللثاني) أي: الذي
قال له ثانياً: اشتر كذا بيننا، وقال له: نعم: نصفين؛ لأنه لا مقتضى لتفضيل أحدهما.
(وما بيده) أي: الوكيل وكذا كل أمين (بعد عزله أمانة)، وكذا الهبة إذا رجع فيها الأب وهي تحت يد الولد.
ومحل التضمين المبني على انعزال الوكيل: قبل علمه مع تصرفه. أما إذا
لم يتصرف ولم يتعدّ أو يفرّط فلا ضمان عليه.
وفيما تقدم ذكره وجه: أن الأمين إذا علم بعزل نفسه ولم يبادر بالدفع إلى المالك فحصل تلف ضمنه؛ كمن أطارت الريح إلى داره ثوباً.
(فصل): في حكم عقود الوكيل
وما يمتنع عليه منها وما يترتب على تصرفه من ضمان.
(وحقوق العقد) سواء كان مما تجوز إضافته إلى الوكيل؛ كالإجارة، أو
لا؛ كالنكاح وصلح الدم: (متعلقة بموكل).
قال في " الإنصاف ": وهو المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به كثيرمنهم.
قلت
(1)
: قوله كثير منهم يشعر بخلاف في المذهب ولم أقف عليه.
والله أعلم.
ثم رأيت منقولاً عن الشيخ تقي الدين أنه قال: وذكر بعض أصحابنا رواية
عن أحمد أن حقوق العقد تتعلق بالوكيل.
وعنه: تتعلق به عهدة الثمن في الذمة إن كان مشترياً. انتهى كلامه.
قال الإمام في رواية مهنا: إذا دفع إلى رجل ثوباً ليبيعه ففعل فوهب له المشتري منديلاً
(2)
: فالمنديل لصاحب الثوب.
قال في " المغني ": إنما قال ذلك؛ لأن هبة المنديل سببها البيع. فمن اشترى شيئاً بطريق الوكالة لم تدخل في ملك الوكيل.
(فلا يعتق من) اشتراه وكيل من أقاربه؛ كأخيه ونحوه ممن) يعتق على وكيل، وينتقل ملك من بائع (لموكل)؛ لأنه قَبل عقداً لغيره. فوجب أن ينتقل الملك إليه؛ كالأب والوصي، وكما لو تزوج له.
(ويطالب) الموكل (بثمن) ما اشتراه له وكيله.
(1)
في أ: قلنا.
(2)
في ج: منه منديلاً.
(ويبرأ منه بإبراء بائع وكيلاً لم يعلم) بائع (أنه وكيل)، ولم يكن للوكيل
أن يرجع على الموكل بشيء. ذكره القاضي في ضمن مساًلة الشفيع هل يحط عنه ما حط عن المشتري بما يشعر أنه إجماع. نقله عنه
(1)
المجد في " شرحه ".
(ويرد) الموكل أي: له أن يرد ما اشتراه له وكيله (بعيب) يجده فيه، لأن
ذلك حق له. فملك طلبه " كسائر حقوقه.
(ويضمن) الموكل (العهدة) فيما باعه وكيله. عنه، كطلبه بالثمن فيما إذا
ظهر ماشتراه له وكيله مستحقاً.
(نحوه) أي: ونحو ذلك؛ كملك المشتري مطالبة البائع بقبض مبيع باعه
له وكيله.
لكن إن
(2)
باع الوكيل بثمن في الذمة فلكل من الوكيل وموكله المطالبة به، لصحة قبض كل منهما له.
وإن اشترى له بثمن في ذمة الوكيل فإنه يثبت في ذمة الموكل أصلاً وفي ذمة الوكيل تبعا " كالضامن. وللبائع مطالبة من شاء منهما. فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل، وإن أبرأ الموكِّل برئ الوكيل أيضاً، كالضامن والمضمون عنه سواء. وهذا الذي هنا
فيما إذا علمت الوكالة وأن السلعة لغير الوكيل المباشر بإقراره
أو ببينة. قاله المجد. فيحمل ما نقله عن القاضى فيما تقدم على غير هذه الصورة، لئلا يكون مناقضاً له. والله أعلم.
(ويختص) وكيل (بخيار مجلس لم يحضْره موكِّل) في عقد يثبت فيه خيار المجلس، لأن ذلك من متعلق العاقد، كالإيجاب والقبول.
وفهم من قولي: لم يحضره
(3)
موكِّل أنه لو حضر كان الأمر له، إن شاء حجر
على الوكيل في ذلك، وإن شاء أبقاه له مع كونه يملكه، لأن حقيقة الخيار له.
(1)
في أ: عن.
(2)
في أب: إذا.
(3)
في أ: يحضر.
(ولا يصح بيع وكيل) في بيع شيء مع الإطلاق (لنفسه) بأن يشتريه من نفسه لنفسه.
(ولا) للوكيل
(1)
في شراء شيء (شراؤه منها) أي: من نفسه (لموكله)،
لأن العرف في البيع بيع الإنسان لغيره، وفي الشراء شراؤه من غيره.
فحملت الوكالة عليه؛ كما لو صرح به فقال: بعه من غيرك [أو اشتره من غيرك]
(2)
ولأنه باً حد هذين تلحقه التهمة ويتنافى الغرضان. فلم يصح، كما لو نهاه فقال: لا تبع من نفسك، أولا تشتر من نفسك.
(ألا إن أذن) الموكِّل لوكيله في الصررتيْن فأنه يجوز.
قال كثير من الأصحاب: رواية واحدة. نقله في القاعدة السبعين.
(فيصح) للوكيل (تولي طرفي عقد فيهما). .
وعنه: يجوز أن يبيع لنفسه بدون أذن الموكِّل إذا زاد على مبلغ ثمنه، أو
وكل من يبيع وكان هو أحد المشتريين. قاله في " المقنع "؛ لأن بذلك يحصل غرض الموكل من إلثمن. اشبه ما لو باعه لأجنبي.
وأما إن باع الوكيل لأجنبي واشترط عليه أن تركه فيه ففيه روايتان:
إحداهما: يجوز. نقلها أبو الحارث في الوكيل يبيع ويستثني لنفسه الشركة: أرجو أن لا يكون به بأس.
والثانية: يكره. نقلها ابن منصور في رجل يدفع إليه الثوب يبيعه فإذا باعه. قل: أشركني فيه، قال: أكره هذا. نقلهما ابن رجب في القاعدة السبعين. وتولي طرفي العقد جائز (كأب الصغير) يشتري له من نفسه أو يشتري لنفسه
من مال الصغير. . -
(و)(توكيله) أي: توكيل مالك شيء إنساناً (في بيعه، وآخر) أي:
(1)
في ج؛ الموكل. . .
(2)
ساقط من ب.
وتوكيل إنسان آخر للذي وكل في بيعه (في شرائه.
ومثله) أي: مثل عقد المبيع (نكاح) بأن يوكله الولي في الإيجاب والزوج
في القبول.
(و) مثله أيضاً (دعوى) باًن يوكله المتداعيان في الدعوى عنهما والجواب، وإقامة الحجة لكل منهما. قاله الموفق والشارج وقدمه في "الفروع ". وقال الأزجي في الدعوى: الذي يقع الأعتماد عليه لا يصح؛ للتضاد. (وولده) أي: الوكيل (ووالده ومكاتبه ونحوهم) ممن لا تقبل شهادته
له؛ كزوجته، وولد بنته، وأبي أمه؛ (كنفسه) في أنه لا يجوز له البيع لأحد منهم، ولا الشراء منه مع إطلاق الموكل؛ لأنه يتهم في حقهم، ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن؛ كتهمته في حق نفسه.
وقيل: يجوز لموافقة العرف في بيعه لغيره.
وذكر الأزجي الخلاف في الإخوة والأقارب.
(وكذا) أي: وكالوكيل فيما تقدم (حاكم وأمينه، ووصي، وناظر
وقف، ومضا رب).
قال (المنقح: وشريك عِنَان ووجوه)؛ للعلة المذكورة في الوكيل.
(وإن باع وكيل) شيئاً مما هو موكل في بيعه (أو مضارب) شيئاً من مال المضاربة
(بزائد على) ثمن (مقدر) أي: قدّره له رب المال، (أو) بزائد على (ثمن مثل ولو) كان الزائد (من غير جنس ما أمرا) أي: الوكيل والمضارب ببيعه (به: صح) البيع؛ كما لو أذن (في بيع شيء)
(1)
بمائة درهم فأبيع بمائة درهم وعشرة، أو وثوب؛ لأنه قد باع المأذون فيه وزيادة تنفعه ولا تضره.
ولأن من رضي بمائة لا يكره أن يزاد عليها ثوباً، وكما لو باعه بالمائة ود ينا ر.
(1)
ساقط من أ.
قال
(1)
القاضي: ويحتمل أن يبطل في الزيادة من غير الجنس بحصته من الثمن.
قال في " المغني ": وإن باعه بمائة دينار أو بتسعين درهماً وعشرة دنانير وأشباه ذلك، أو بمائة ثوب، أو بثمانين درهماً وعشرين ثوباً: لم يصح. ذكره القاضي. وهو مذهب الشافعي؛ لأنه
(2)
خالف موكله في الجنس. فأشبه ما لو باعه بثوب يساوي أكثر من مائة درهم.
ويحتمل أن يصح فيما إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها؛ لأنه
ماً ذون فيه عرفاً. فإن من رضي بدرهم رضي مكانه ديناراً. فجرى مجرى بيعه بمائة درهم ودينار.
وأما الثياب فلا يصح بيعه بها؛ لأنها من غير جنس الأثمان.
(وكذا) أي: وكما يصح فيما إذا باعا
(3)
بزائد على مقدر أو ثمن مثل يصح البيع والشراء أيضاً (إن باعا بأنقص) عن مقدار أو ثمن مثل، (أواشتريا بأزيد) عن مقدر أو ثمن مثل. نص الإمام على الصحه في المسألتين؛ لأن من صح بيعه أو شراؤه بثمن صح بأنقص منه وأزيد؛ كالمريض.
وبعدم الصحة في مساًلة البيع رواية.
وفي مسألة الشراء وجه.
(و) على المذهب (يضمنان) أي: الوكيل والمضارب (في شراء) بأزيد
عن مقدر أو ثمن مثل (الزائد) عنهما.
(و) يضمنان (في بيع) بأنقص عن مقدر أو ثمن مثل (كل النقص عن مقدر، وما لا يتغابن بمثله عادة)؛ كأن يعطي لوكيله ثوباً ثمن مثله مائة درهم ليبيعه له ولم يقدر له الثمن فيبيعه بثمانين، والحال أن مثل الثوب قد يبيعه غيره
(1)
في أ: وقال.
(2)
في أ: لا.
(3)
في ب: باعه.
بخمسة وتسعين درهماً. فهذه الخمسة التي نقصت عن ثمن مثله مما يتغابن الناس بمثله في العادة. فلو أن الوكيل باع بمثل
(1)
هذا النقص لم يضمن شيئاً،
لأن التحرز عن مثل هذا عسر. لكنه باع بنقص لا يتغابن بمثله بين التجار وهو عشرون من مائة فيضمن جميع هذا النقص (عن ثمن مثل)، لأن البائع بمثل هذا النقص مفرط بترك الاحتياط لآذنه وطلب الحظ له.
ولأن في بقاء العقد مع تضمين المفرط جمعاً بين المصالح.
وقيل: إنما يضمن ما بين ما يتغابن به الناس وبين ما لا يتغابنون به.
وقدر ذلك في الصورة المتقدمة خمسة عشر درهماً.
(ولا يضمن قن) أذن له سيده في شراء شيء فاشتراه بأكثر مما قدره له، أو
بأكثر من ثمن مثله، أو في بيع شيء فباعه بأنقص من ثمن مثله، أومما قدره شيئاً
من ذلك (لسيده) كما لو أتلف مال سيده.
(ولا) يضمن أيضاً (صغير) أذن له وليه في التجارة. فباع من مال نفسه
شيئاً بدون ثمن مثله، أو بدون ما قدر له وليه، أو اشترى بمال نفسه شيئاً باً كثر
من ذلك (لنفسه)، كما لو أتلف مال نفسه.
(وإن) أراد وكيل بيع سلعة لموكله فـ (زيد) فيها (على ثمن مثل قبل بيع:
لم يجز) للوكيل أن يبيعها (به) أي: بثمن المثل، لأن عليه طلب الحظ لموكله، وبيعها بثمن المثل مع من يزيد ينافي ذلك.
(و) إن باعها بثمن مثلها ثم حضر من يزيد فيها (في مدة خيار: لم يلزم)
الوكيل (فسخ) العقد، لأن الزيادة منهي عنها إذاً. فلا يلزم الرجوع إليها.
ولأن المزايد قد لا يثبت على الزيادة. فلا يلزم الفسخ بالشك.
قال في " المغني ": ويحتمل أن يلزمه ذلك، لأنها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها. فاً شبه ما لو جاءته قبل البيع، والنهي يتوجه إلى الذي زاد، لا إلى الوكيل.
(1)
في أ: بمثله.
(و) من أعطى وكيله شيئاً وقال: (بعه بدرهم فباع به) أي: بالدرهم (وبعرض، أو) باعه (بدينار: صح) البيع في المساً لتين؛ لأنه في المساً لة الأولى باع بالمأذون فيه حقيقة وزيادة تنفع الموكِّل ولا تضره.
وفي المسالة الثانية: باع بماًذون فيه عرفاً. فإن من رضي، بدرهم رضي مكانه بدينار. وفيه وجه.
(وكذا) أي: وكما يصح من الوكيل البيع في المسألتين المتقدمتين يصح
منه فيما إذا قال له الموكل: بعه (بألف نَسَاء. فباع به) أي: بالألف (حالاً ولو مع ضرر) يلحق الموكِّل بحفظ الثمن؛ لأنه زاده خيراً.
وقيل: لا يصح مطلقاً.
وقيل: لا يصح إن استضر بحفظ الثمن في الحال، وإلا صح.
ومحل ذلك على المذهب: (ما لم ينهه) عن بيعه به حالاً لمخالفته؛
لأن كل تصرف كان الوكيل فيه مخالفاً لموكله. فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبي. (و) من قال له موكله عن شيء: (بعه بدرهم. فباع بعضه بدون ثمن كله: لم يصح)؛ لأن على الموكل ضرراً في تبعيضه، ولم يوجد منه أذن في ذلك نطقاً
(1)
ولا عرفاً.
ويفهم مما تقدم: أنه لو باع البعض بقدر ثمن الكل: أنه يصح، وهو المذهب؛ لأنه مأذون فيه من جهة العرف. فإن من رضي بمائة مثلا ثمناً عن الكل رضي بها ثمناً عن البعض.
ولأنه حصل له المائة وابقى له زيادة تنفعه ولا تضره.
وله بيع ما بقي منه بمقتضى الأذن. أشبه ما لو باعه صفقة بزياده على الثمن. وقيل: يصح بعضه بدون ثمن كله.
وقيل: لا يصح بيع بعضه بقدر ثمن كله.
(1)
في أ: مطلقاً.
وقيل: ليس له بيع باقيه بعد بيع بعضه بدون إذن متجدد.
ومحل عدم الصحة فيما إذا باع بعضه بدون ثمن كله: (ما لم يبع باقيه، أو يكن) الموكل في بيعه (عبيداً أو صبرة ونحوها) مما لا ينقصه التفريق: (فيصح) " لأنه إذا باع باقي ما يحصل الضرر بتشقيصه فقد زال التشقيص.
ولأن العبيد والصبرة ونحوهما يملك بمجرد التوكيل العقدَ عليهم جملة، وواحداً بعد واحد باقتضاء العرف.
ولا ضرر على الموكل في الإفراد، لأنه لا نقص فيه ولا تشقيص.
ومحل ذلك: (ما لم يقل) الموكل لوكيله بع ذلك (صفقة)، لأن تنصيصه
على ذلك يدل على غرضه فيه. فلم يتناول أذنه سواه.
وحكم وكيل في بيع في
(1)
هذا (كشراء). فلو قال: اشتر لي عشرين عبداً، أو عشرين رطلاً من غزل، أو عشرين مداً من بر: فأنه يصح أن يشتري ذلك له صفقة وشيئاً بعد شيء. ما لم يأمره بشرائه صفقة. فلو قال: اشتر
(2)
لي عبدين صفقة. فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيليهما أو من احدهما بإذن الآخر جاز.
وإن كان لكل واحد منهما عبد مفرد فاشتراهما من المالكين بأن أوجبا له البيع فيهما وقبل ذلك منهما بلفظ واحد. فقال في " المغني ": فقال القاضى: لا يلزم الموكل. وهو مذهب الشافعي، لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان. ويحتمل أن يلزمه؛ لأن القبول هو الشراء وهو متحد، والغرض لا يختلف.
وإن اشتراهما من وكيلهما وعين ثمن كل واحد منهما، مثل أن يقول: بعتك هذين العبدين، هذا بمائة وهذا بمائتين. فقال: قبلت: احتمل أيضاً وجهين.
(و) إن قال: (بعه بألف في سوق كذا. فباعه به) أي: بالألف (في)
(1)
في أ: من.
(2)
في أ: اشتري.
سوق (آخر: صح) البيع حيثما كان السوق الذي باع فيه والذي نص له عليه متساويين لغرض الموكل؛ لأن القصد البيع بما قدره له، وتنصيصه على أحدهما مع استوائهما في الغرض أذن في الآخر؛ كما لو استأجر أو استعار أرضاً لزراعة شيء فأنه يكون أذناً في زراعة مثله.
ومحل ذلك: (ما لم ينهه)؛ لما تقدم من أن تصرف الوكيل مع المخالفة؛ كالأجنبي.
(أو يكن له) أي: للموكل (فيه) أي: في السوق الذي نص عليه (غرض) صحيح؛ كحل نقده، أو صلاح أهله، أو مودة بينه وبينهم؛ لأنه قد نص على أمر له فيه غرض. فلم يجز تفويته.
(و) من قال لوكيله عن شيء: (اشتره بكذا) أي: بثمن قدره له.، (فاشتر اه) الوكيل (به) أي: بالثمن الذي قدره له موكله (مؤجلاً.
أو) قال له: اشتر لي (شاة بدينار فاشترى) له (شاتين تساويه) أي: الدينار (إحداهما، أو) اشترى له (شاة تساويه بأقل) من دينار: (صح) الشراء في المسائل الثلاثة.
أما في الأولى؛ فلأنه إذا اشتراه بما قدره له مؤجلاً فقد زاده خيراً.
وقيل: إن لم يتضرر بذلك.
وقيل: لا يصح مطلقاً؛ للمخالفة.
وأما الثانية؛ فلحديث عروة بن الجعد البارقي المذكور أول الباب
(1)
.
ولأنه حصل للموكل ما أذن فيه وزيادة من جنسه تنقع ولا تضر فوقع ذلك له.
وفي " المبهج " روا ية: أنه كفضولي.
وعلى المذهب: إن باع الوكيل إحدى الشاتين وجاء بالأخرى وهي تساوي ديناراً جاز ذلك. نص عليه في رواية حنبل؛ لحديث عروة المذكور.
(1)
ص (432) رقم (1).
ولأنه حصل له المقصود، والزيادة لو كانت غير شاة جاز فجاز له إبدالها بغيرها. -
وأما في الثالثة: وهي ما إذا أمره بشراء شاة بدينار فاشترى شاة تساوي ديناراً بأقل منه؛ فلأن من رضي شيئاً بدينار فقد رضي به باً قل منه.
(وإلا فلا) أي: وإن لم تكن إحدى الشاتين في الثانية أو الشاة في الثالثة تساوي دينارا: لم يصح الشراء للموكل؛ لأنه لم يحصل له المقصود. فلم يقع البيع له، لكونه غير مأذون فيه لفظاً ولا عرفاً.
وقيل: إن ساوت كل واحدة منهما نصف دينار صح للموكل.
وإن كانت كل واحدة منهما لا تساوي نصف دينار فروايتان:
إحداهما: يقف على إجازة الموكل " لخبر عروة.
وقيل: الزائد على الثمن والمثمن المقدرين للوكيل.
(و) من قال لوكيله: (اشتر عبداً لم يصح) منه لموكله (شراء اثنين معاً)، لأنه لم يوجد منه أذن في ذلك نطقاً ولا عرفاً.
(ويصح شراء واحد ممن) أي: من عبدين (أُمر بهما) أي: بشرائهما.
قاله في " الانتصار " واقتصر عليه في " الفروع ".
ولعل مراده ما لم يقل: صفقة؛ لما تقدم.
(و) من أمر وكيله بشراء شيء موصوف، كفرس عربي، وعسل مصري:
فـ (ليس له شراء معيب) من ذلك، لأن الإطلاق يقتضي السلامة. ولذلك جاز الرد بالعيب.
(فإن) اشتراه وقد (علم) أنه معيب (لزمه) أي: الوكيل، لدخوله في العقد على العيب.
(ما لم يرضه) معيباً (موكله) فلا يملك الوكيل أخذه لنفسه بغير رضى الموكل، لأن العقد منوي له.
(وإن جهل) الوكيل العيب عند العقد صح وكان كشراء الموكل بنفسه؛ لأن التحرز عن مثل هذا يشق.
ثم إن رضي الموكل بالعيب فليس للوكيل رده؛ لان الحق للموكل.
وإن سخطه
(1)
، أو كان غائباً:(فله) أي: للوكيل (رده) على بائعه؛
لأنه قائم مقام الموكِّل.
(فإن ادعى بائع رضى موكله وهو) أي: الموكل (غائب: حلف) وكيل (أنه لا يعلم) أن موكله رضي بالعيب، (ورده) الوكيل.
(ثم إن حضر) موكل (فصدق بائعاً) على الرضى بالعيب أو قامت به بينة:
(لم يصح الرد)؛ لأن رضاه بالعيب عزل للوكيل عن الرد.
(وهو باق لموكِّل) فله استرجاعه ولو كانت دعوى الرضى من قبله.
وإن لم يدع البائع رضى موكله، وقال له: توقف حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم يلزم الوكيل ذلك؛ لأنه لا ياًمن فوات الرد بهرب البائع وفوات الثمن بتلفه.
ثم إن طاوعه وأخره فلم يرض به الموكل لم يسقط رده.
(ولا يرد) وكيل (ما) أي: شيئاً (عيّنه له موكل)؛ كما لو قال: اشتر لي
هذا العبد فبان معيباً: فليس له رده (بعيب وجده) فيه (قبل إعلامه) أي: إعلام
(2)
الموكل؛ لأنه قطع نظر الوكيل بالتعيين فربما رضيه على جميع صفاته. وفيه وجه: له ذلك، وصححه في " الإنصاف ".
وإن علم الوكيل بعيب ما عينه له موكله قبل شرائه فهل له شراءه قبل إعلام الموكل؛
قال الموفق والشارح: يحتمل وجهين مبنيين على رده إذا علم عيبه بعد شرائه، إذا قلنا يملك رده فليس له شراؤه؛ لأن العيب إذا جاز به الرد بعد
(1)
في أ: سخط.
(2)
في ب: إعلامه.
العقد. فلأن يمنع من الشراء أولى.
وإن قلنا: لا يملك الرد ثم فله الشراء هاهنا " لأن تعيين الموكل قطع نظره واجتهاده في جواز الرد فكذلك في الشراء.
وخالفهما صاحب " الفروع "، وعبارته: فإن ملكه فله شراؤه إن علم عيبه
قبله أنتهى.
فيحتمل أنه اطلع على ما يخالفهما في كلام الأصحاب وقوي عنده فجزم به، ويحتمل أنه سبق قلم وهو أقر ب، لأنه لو لم يكن كذلك لذكر ما قالا وجهاً. والله أعلم.
وإن رضي الوكيل المعيب
(1)
أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الرد ثم حضر الموكل وأراد الرد فله ذلك إن صدق البائع ان الشراء له أو قامت به بينة.
(وإن أنكر بائع أن الشراء وقع لموكله) ولا بينة بذلك: (حلف، ولزم) العقد (الوكيل)، لأن الظاهر أن من اشترى شيئاً فهو له فيغرم الثمن.
(و) من قال لوكيله: (اشتر) لي كذا (بعين هذا) الثمن، (فاشترى) له (في ذمته) ثم نقد الثمن الذي عينه له موكله أو غيره:(لم يلزم) الشراء (موكلاً)، لأنه إذا تعين الثمن انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوباً، ولم يلزمه ثمن في ذمته، وهذا غرض صحيح للموكل. فلم تجز مخالفته، ويقع الشراء للوكيل.
قال في " المغني ": وهل يقف على إجازة الموكِّل؟ على روايتين.
(وعكسه) أي: عكس ما تقدم. وصورته أن يقول لوكيله: اشتر لي في ذمتك وانقد هذه الدراهم ثمناً فإذا اشترى له بعينها فإنه (يصح) الشراء للموكل، (ويلزمه). نقله في " المغني " عن الأصحاب، لأنه أذن له في عقد يلزم به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذناً في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها.
(1)
في ج: العيب.
وفيه وجه: لا يصح، وهو احتمال في " المغني ".
(وإن أطلق) القول فقال: اشتر
(1)
لي بكذا ولم يقل بعينها ولا في الذمة: (جازا) أي: الشراء بالعين والشراء في الذمة، لأن الشراء يقع على هذين الوجهين. فإذا أطلق كان للوكيل فعل ما شاء منهما.
(و) من قال لوكيله عن شيء: (بعه لزيد. فباعه لغيره) أي: لغير زيد:
(لم يصح) البيع.
قال في " المغني ": بغير خلاف علمناه، سواء قدر له الثمن أو لم يقدره "
لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره.
إلا أن يعلم الوكيل بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري. وهذا الاستثناء للموفق وتبعه عليه في " الشرح ".
(ومن وُكّل) بالبناء للمفعول باًن وكله غيره (في بيع شيء: ملك) الإيجاب في عقد البيع و (تسليمه) أي: الشيء الموكل في بيعه لمشتريه؛ لأن إطلاق الوكالة في البيع يقتضي التسليم، لأنه من تمام البيع.
(لا قبض ثمنه) أي: المبيع. يعني: أن الوكيل في البيع فقط لا يملك قبض الثمن (مطلقاً) أي: سواء دلت قرينة الحال على القبض؛ كأمره بالبيع في سوق غائب عن الموكل أو لا؛ لأنه قد يوكل
(2)
في البيع من لا ياًتمنه على قبض الثمن. وهذا أحد الأوجه في المسألة.
قال في " الإنصاف ": وهو المذهب، وقدمه في " الفروع " و" التنقيح "، واختاره الأكثر.
والوجه الثانى: يملكه مطلقاً؛ لأنه من موجب البيع. فملكه؛ كتسليم المبيع. والثالث: أنه إن دلت قرينة الحال على قبضه؛ كأمره ببيعه بموضع يضيع إن
لم يقبضه الوكيل ملك قبضه وكان ضامناً له إن تركه، وإلا لم يكن له قبضه.
(1)
في أ: اشتري.
(2)
في أ: يوكله.
واختاره " الموفق " وقدمه في " المحرر " و" الرعايه الكبرى "، وقال عنه
في " الإنصاف ": وهو الصواب.
(فـ) على الأول (إن تعذر) على الموكل قبض الثمن: (لم يلزمه) أي: الوكيل؛ كظهور مبيعه مستحقاً أو معيباً.
و (كحاكم وأمينه) يبيعان شيئاً على غائب أو صغير أو نحوهما ويتعذر قبض الثمن من مشتريه بهربه أو نحوه.
قال (المنقح: مما لم يفض) أي: ترك قبض ثمن المبيع (إلى ربا)، ومراده: ربا النسيئة.
(فإن أفضى)؛ كما لو أمره أن يبيع مداً من تمر بمثله أو بزبيب فباع (ولم يحضر موكله) مجلس العقد: (ملك قبضه)؛ لأنه ماً ذون فيه شرعاً.
(وكذا) أي: وكالمبيع في كون الوكيل فيه لا يملك قبض العوض إلا بإذن صريح يكون (الشراء). فلا يملك الوكيل في الشراء تسليم المبيع إلا بإذن صريح. (وإن أخر تسليم ثمنه) أي: ما وكل في شرائه (بلا عذر) في التاً خير فهلك: (ضمنه)؛ لأنه مفرط.
وإن كان له عذر؛ كما لو أبى البائع قبضه أو نحو ذلك فلا ضمان. نص عليه؛ لعدم تفريطه.
ومن وكل في قسم شيء أو بيعه أو طلب شفعة فهل يملك بذلك تثبيت ما وكل فيه؟ لأنه طريق للتوصل إليه، أو لا؛ لإمكان أحدهما بدون الآخر؛ فيه وجهان مطلقاًن في " المغني ".
(وليس لوكيل في بيع تقليبه) أي: المبيع (على مشتر. إلا بحضرة موكل)، والمراد بذلك- والله أعلم - تقليب يغيب به عن الوكيل؛ كما لو دفعه إليه ليريه أهله أو نحو ذلك؛ لأن الأذن في البيع لا يتناوله. ومع حضور الموكل يدل على رضاه به.
(وإلا) أي: وإن لم يكن الموكل حاضراً وتلف: (ضمن) الوكيل؛
لتعديه. ذكره في " النوادر ".
قال في " الفروع ": ويتوجه العرف.
وليس لوكيل في شراء أن شرط خيار البائع. قاله في " الرعاية ".
(ولا) لوكيل في بيع شيء (بيعه ببلد آخر).
قال في " الفروع ": في الأصح.
(فيضمن) تلفه قبل بيعه؛ لتعديه.
(ويصح) بيعه له؛ لأن الوكالة لا تبطل بتعد. وتقدم الكلام على ذلك.
(ومع مُؤْنة نقل) للمبيع (لا) يصح. ذكره في " الانتصار "، واقتصر عليه
في " الفروع ".
قلت: ولعل وجه ذلك: أن فيه دلالة على رجوعه عن التوكل؛ لأن مثل ذلك لا يفعله بغير أذن صريح إلا المتصرف لنفسه. والله أعلم.
(ومن أُمر) من قبل مالك (بدفع شيء)؛ كثوب (إلى) قصار أو خياط (معين) بتعيين الامر (ليصبغه) بأن يقصره أو يخيطه، (فدفع) المأمور الثوب إلى من أمر بدفعه له (ونسيه) فضاع الثوب (لم يضمن)؛ لأنه إنما. فعل ما أمر به ولم يتعد ولم يفرط.
(وإن أطلق ممالك) الأذن بأن دفعه إليه وقال: ادفعه إلى من يقصره أو يخيطه، (فدفعه) الوكيل (إلى من) أي: إلى إنسان (لا يعرت عينه)؛ كما لو ناوله إياه من وراء سترة، (ولا اسمه) بأن لم يساًل عنه، (ولا دكانه) بأن دفعه بمحل غير دكانه ولم يساًل عنه فضاع الثوب:(ضمنه) الوكيل؛ لتفريطه. ذكره ابن الزاغونى. نقله عنه في " الفروع "، ثم قال: واطلق أبو الخطاب: إذا دفعه إليه لم يضمن إذا اشتبه عليه.
(ومن وُكّل) بالبناء للمفعول (في قبض درهم أو) في قبض (دينار) ممن عليه للموكل دراهم أو دنانير: (لم يُصارِف) أي: لم يجز له مصارفة المدين
باًن يقبض عن الدنانير
(1)
دراهم ولا عكسه.
قال في " المغني ": قال أحمد في رواية أبي الحارث: في رجل له على
أخر دراهم فبعث إليه رسولاً يقبضها فبعث إليه مع الرسول ديناراً فضاع مع الرسول: فهو من مال الباعث؛ لأنه لم يأمره بمصارفته.
وإنما كان من ضمان الباعث؛ لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل.
فإن المرسل إنما أمره بقبض ما له في ذمته وهي الدراهم ولم يدفعها، وإنما دفع ديناراً عوضاً عن دراهم. وهذا صرف يفتقر إلى رضى صاحب الدين وأذنه ولم يأذن. فصار الرسول وكيلاً للباعث في تاً ديته إلى صاحب الدين ومصارفته به. فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه.
لكن إن أخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون حينئذ من
(2)
ضمان الرسول؛ لأنه غره وأخذ الدينارعلى أنه وكيل للمرسل.
وإن قبض منه الدراهم التى أمر بقبضها فضاعت من الرسول فهي من ضمان صاحب الدين، لأنها تلفت من يد وكيله.
وقال في رواية مهنا: في رجل له عند آخر دنانير وثياب فبعث إليه رسولاً وقال: خذ
(3)
ديناراً وثوباً فاً خذ دينارين وثوبين فضاعت: فالضمان على الباعث. يعني: الذي أعطاه الدينارين والثوبين. ويرجع به على الرسول. يعني: عليه ضمان الدينار والثوب الزائدين. إنما جعل عليه الضمان " لأنه دفعهما إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه فيرجع بهما على الرسول؛ لأنه غره وحصل التلف بيده. فاستقر الضمان عليه.
وللموكل تضمين الوكيل " لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه.
(1)
في أوب: الدينار.
(2)
في أ: في.
(3)
في أ: أخذ.
فإذا ضمنه لم يرجع على أحد، لأن التلف حصل في يده. فاستقر الضمان عليه. .
(وإن) أمره رب الدين بالقبض فـ (أخذ) من المدين (رهناً: أساء، ولم يضمنه) أي: الر هن.
قال في " المغني ": قال أحمد في رجل وكل وكيلاً في اقتضاء دينه وغاب فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل فقال: أساء الوكيل في أخذ الرهن، ولا ضمان عليه.
إنما لم يضمنه الراهن
(1)
، لأنه رهن فاسد. والقبض في العقد الفاسد، كالقبض في الصحيح. فما كان القبض في صحيحه مضمونا كان مضموناً في فاسده، وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده.
ونقل البغوي عن أحمد: في رجل أعطى آخر دراهم يشتري له بها شاة فخلطها مع دراهمه فضاعا
(2)
: فلا شيء عليه.
وإن ضاع أحدهما أيهما ضاع غرمه، قال القاضي: هذا محمول على أنه خلطها بما يتميز منها. ويحتمل أنه أذن له في خلطها.
أما إن خلطها بما لا يتميز منه بغير أذنه ضمنها " كالوديعة.
وإنما لزمه الضمان إذا ضاع أحدها، لأنه لا يعلم أن الضائع دراهم الموكل. والأصل بقا ؤها.
ومعنى الضمان هاهنا: أنه يحسب الضائع من دراهم نفسه.
فأما على المحمل الآخر وهو ما
(3)
إذا خلطها بما يتميز منه، فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلا ضمان عليه، لأنها ضاعت من غير تعد منه.
(ومن وكل) غيره (ولو) كان الوكيل (مودعاً في قضاء دين) على
(1)
في أوب: الرهن.
(2)
في أ: دراهم فضاع.
(3)
قلادة من ج.
الموكل، (فقضاه ولم يشهد) بالقضاء، (وأنكر غريم) أي: رب الدين القضاء: لم يقبل قول الوكيل عليه بالدفع، لأنه ليس بأمينه؛ كما لو ادعاه الموكل.
و (ضمن) الوكيل لموكله ما أنكر رب الدين قضاءه؛ لأنه مفرط بترك
الإشهاد.
ولهذا إنما يضمن (ما ليس بحضرة موكل)؛ لأنه إذا حضر مع ترك الإشهاد
فقد رضي بما فعل وكيله؛ كما لو قال: اقضه ولا تُشهد عليه فأنه لا ضمان عليه في هذه الصورة إذا أنكره رب الدين، سواء حضر الموكل أو غاب؛ لأنه لم يفرط.
فإن قيل: إن الموكل في الصورة الأولى لم ياً مر
(1)
وكيله بالإشهاد فكيف يكون مفرطاً بتركه؟
فالجواب: أن إطلاق الأمر بالقضاء يقتضي ذلك؛ لأنه إنما أذن في قضاء
مبر للموكل
(2)
، ولهذا يضمن ولو قال الموكل: أنا أعلم صدق وكيلي وكذب رب الدين.
وعنه: لا يضمن الوكيل لموكله ما أنكره رب الدين. إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل.
ثم التوكيل في قضاء الدين (بخلاف) التوكيل في (إيداع) على المذهب.
فأنه إذا وكل في إيداع شيء فاًودعه الوكيل ولم يشهد وأنكر المودع: لم يضمن الوكيل شيئاً. نقله في " المغني " عن الأصحاب؛ لأن المودع لما كان قوله مقبولاً في الرد والتلف لم يكن للموكل فائدة في الاستيثاق. بخلاف الدين.
فإن قال الوكيل: دفعت المال إلى المودع فقال: لم تدفعه: فالقول قول الوكيل؛ لأنه ما اختلفا في تصرفه وفيما وكل فيه فكان القول قوله فيه.
(وإن قال) الوكيل في قضاء الدين: (اشهدت) على رب الدين بالقضاء
(1)
في أ: يامن.
(2)
في أ: للمولى.
شهوداً (فماتو ا) وأنكره الموكل.
(أو) قال له: (أذنت لي فيه) أي: في القضاء (بلا بينة) أي: بدون إشهاد وأنكره الموكل.
(أو) قال له: إنما (قضيت بحضرتك) قال: بل في غيبتي: (حلف موكل) في هذه الصور الثلاث، لإحتمال صدق الوكيل، وقضي له بالضمان " لأن الأصل معه.
(ومن وُكل) من قبل غيره (في قبض) لدين ممن هو عليه، أو لعين ممن
هي عنده: (كان) الوكيل بالتوكيل في القبض (وكيلاً في خصومة)، سواء كان رب الحق عالماً ببذل الغريم ما عليه أو جحده أو مطله، لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالإثبات. فكان الأذن في القبض أذناً فيه عرفاً.
(لا عكسه) يعني: أن الوكيل في الخصومة لا يكون وكيلاً في القبض؛ لأن الأذن لم يتناوله نطقاً ولا عرفاً.
ولأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض.
وفي كل من المسألتين وجه مثل حكم الأخرى.
وقد علم مما تقدم جواز التوكيل في الخصومة.
قال في " الفروع ": يروى عن علي. نقله حرب.
وليس لوكيل في خصومة إقرار على موكله مطلقاً. نص عليه، كإقراره عليه بقَوَد وقذف. وكالولي. ولهذا لا يصح منهما يمين.
(ويحتمل في) قول إنسان لأخر: (أجب خصمي عني، كخصومة) يعني: أنه يكون كقوله: وكلتك في خصومته
(1)
.
(و) يحتمل (بطلانه) أي: بطلان الوكالة بهذا اللفظ. أطلق هذين الاحتمالين صاحب " الفروع " وقال: ولا تصح ممن علم ظلم موكله في الخصومة. قاله في " الفنون "
(1)
في أ: خصومة.
فظاهره تصح إذا لم يعلم. فلو ظن ظلمه جاز ويتوجه المنع، ومع الشك يتوجه احتمالان. ولعل الجواز أولى كالظن. فإن الجواز فيه ظاهر وإن لم
(1)
يجز الحكم مع الريبة في البينه.
وقال القاضي في قوله تعالى: (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)[النساء: 105]:
يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه وهو غير عالم بحقيقه أمره.
وكذا في " المغني ": في الصلح عن المنكر يشترط أن يعلم صدق المدعي. فلا تحل دعوى ما لم يعلم ثبوته. انتهى.
(و) من قال لوكيله: (اقبض حقي اليوم) أو الليلة، أو بع ثوبي اليوم أو الليلة:
(لم يملكه) أي: أن يفعل ما وكل فيه (غداً) " لأنه لم يتناوله أذنه نطقاً ولا عرفاً.
ولأنه قد يؤثر التصرف في زمن الحاجة إليه دون غيره.
ولهذا لما عين الله تعالى لعبادته وقتاً لم يجز تقديمها عليه ولا تاًخيرها عنه. وإنما صح فعلها قضاء " لأن الذمة لما اشتغلت كان الفعل مطلوب القضاء.
(و) من قال لوكيله: اقبض حقي (من فلان: ملكه) أي: القبض من فلان و (من وكيله)، لأن وكيل فلان إذا أقبض بإذنه جرى مجرى إقباضه " لأنه قائم مقامه.
(لا من وارثه) أي: لا يملك القبض من وارث فلان، لأنه لم يؤمر بذلك،
ولا يقتضيه العرف " لأن الحق انتقل إلى الوارث واستحق الطلب عليه بطريق الأصالة. بخلاف الوكيل. ولهذا لو حلف لا يفعل شيئاً حنث بفعل وكيله. (وإن قال) له: اقبض حقي (الذي قَبِلَه) أي: قبل فلان أو الذي عليه: (ملكه) أي: القبض (من وارثه)؛ لأن الوكالة اقتضت قبض حقه مطلقاً. فشمل القبض من الوارث، لأنه حقه.
(1)
ساقط من أ.
(فصل): في اختلاف الوكيل مع الموكل
وما يقبل قوله فيه وغير ذلك
(والوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط)؛ لأنه نائب المالك في
اليد والتصرف. فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك؛ كالمودع.
وكذا حكم كل من بيده شيء لغيره على سبيل الأمانة؛ كالوصي ونحوه.
وكلامه شامل للوكيل المتبرع والوكيل بجُعل؛ لأنه لا فرق بين تلف العين الموكل فيها وبين تلف ثمنها؛ لأنه أمين.
وفهم من المتن: أنه يضمن مع التفريط وهو كذلك. ومع التعدي من باب أولى.
(ويصدق) وكيل (بيمينه في تلف) يدعيه للعين أو الثمن إذا قال موكله:
لم يتلف.
(و) كذا يقبل قوله في (نفي تفريط) لو قال موكله: فرطت؛ لأنه أمين.
ولا يكلف على ذلك ببينة؛ لأن هذا مما تتعذر إقامة البينة عليه.
ولأنه لو كلف ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إلى ذلك.
ومحل هذا: إذا ادعى التلف بسبب خفي؛ كالسرقة ونحوها.
وسيأتى في المتن إذا ادعى أحد من الأمناء التلف بسبب ظاهر
(1)
.
(ويقبل إقراره) أي: الوكيل على موكله (في كل ما وُكّل فيه، ولو) كان الموكل فيه (نكاحاً)؛ لأنه يملك التصرف. فقبل قوله فيه؛ كما يقبل قول ولي المجبرة في النكاح.
وقال القاضي: لا يقبل فوله في النكاح؛ لأن الشهادة شرط فيه فلا تتعذر
(1)
ص (482).
البينة عليه. بخلاف سائر العقود.
وهذه قاعدة. وسيأتى الكلام على بعض أفرادها.
ومنها: لو قال وكيل في بيع شيء: بعته وقبضت ثمنه فتلف، وقال موكل: لم تقبضه: فإن إقراره على موكله بقبض الثمن لازم له.
ومنها: لو قال وكيل في شراء شيء: اشتريته بعشرة، وقال موكله: بل بخمسه. فإن إقراره ملزم
(1)
لذمه موكله بالعشرة، لأنه أمين في التصرف. فكان القول قوله في وجوده وصفته.
لكن قال المجد في " شرح الهداية ": فصل: وإذا ادعى الوكيل
(2)
ما لا يشبه من قليل ثمن المبيع أو زيادة ثمن المشترى لم يصدق. انتهى.
ومنها: ما قال المجد أيضاً: وإذا وكلت رجلاً أن يسلف لك دراهم في طعام ففعل. ثم أتى المسلم إليه بدراهم زائفة يردها مدعياً أنها التي أعطاها الوكيل فصدقه قبل قوله على موكله.
وإن قبلها الوكيل ولم يعرفها لزمته دون الموكل.
وإن لم يقبلها فللبائع بها عليه اليمين: أنه لا يعلم أنها تلك الدراهم.
وكذلك له على البائع اليمين كذلك. هذا مذهب مالك، وقياس نص
إما منا 0 أنتهى.
ومنها: ما لو وكل بائع في بيع
(3)
ومشتر في شراء واتفق الوكيلان على الثمن واختلف فيه الموكلان؛ فقال القاضي: يتحالفان. وقال المجد: والأصح أن لا تحالف، وأنه يقبل قول الوكيلين.
(وإن اختلفا) أي: الوكيل والموكل (في رد عين) على الموكل، (أو في) دفع (ثمنها) له:(فقول وكيل) متبرع، (لا) وكيل (بجُعْل).
(1)
في أب: يلزم.
(2)
في ج: وكيل.
(3)
في أوب: مبيع.
وجملة الأمناء على ضربين:
أحدهما: من قبض المال لنفع مالكه لا غير؛ كالمودَع والوكيل المتبرع. فيقبل قوله في الرد؛ لأنه لو كلف البينه عليه لامتنع الناس من دخولهم في الأمانات مع الحاجة فيلحقهم الضرر بذلك.
الضرب الثانى: من
(1)
ينتفع بقبض الأمانة؛ كالوكيل بجُعل والمضارب والمرتهن ونحوهم فلا يقبل قوله في الرد على الأصح. نص عليه الإمام في المضارب في رواية اين منصور؛ لأن في قبضه نفعاً لنفسه. فلا يقبل قوله في رده
(2)
؛كا لمستعير.
وفيه وجه: بلى؛ لأنه أمين.
وإن طالب موكل وكيلاً في بيع بثمن ما باعه فقال: لم أقبضه بعد. فأقام المشتري بينة عليه بقبضه: ألزم به الوكيل، ولا يقبل قوله في رد ولا تلف
(3)
؛ لأنه صار خائناً بجحده. قاله المجد، وقال: وبهذا يقول
(4)
أهل الرأي وكذلك ابن المنذر. انتهى.
(ولا) يقبل قول وكيل في رد (إلى ورثة موكل). نقله في " التلخيص "؛ لأنهم لم يأتمنوه.
(أو) دفع (إلى غير من ائتمنه، ولو بإذنه) أي: الموكل؛ كما لو دفع إليه ديناراً وأذن له ان يقرضه لزيد، وقال الوكيل: دفعته لزيد وأنكر زيد فيكلف الوكيل البينة على ذلك، وإن عجز ضمن: فقيل لتفريطه بترك الإشهاد.
فعلى هذا لو صدقه الآمر على الدفع لم يسقط الضمان.
وقيل: لأنه ليس أميناً للماً مور بالدفع إليه.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أ: الردة.
(3)
في أ: تكلف.
(4)
ساقط من أوب.
وقيل: يقبل قوله بالدفع لزيد.
قال في " الفروع ": وإطلاقهم ولا في صرفه في وجوه عُيّنت له من، أجرة لزمته. وذكره الآدمي البغدادي. انتهى.
(ولا) يقبل قول (ورثة وكيل في دفع لموكل)؛ لأنه لم يأتمنهم.
(ولا) يقبل قول (أجير مشترك) كخياط ونحوه في رد ما خاطه، (و) لا
قول (مستأجر) لدابة ونحوها في ردها إلى مالكها؛ لأن في قبض الثوب والدابة نفعاً للأجير والمستاً جر. فلا يقبل قولهما في الرد؛ كالمستعير
(1)
.
(ودعوى الكل) أي: الأمناء المقبول قولهم في الرد وغيرهم (تلفاً بحادث ظاهر)؛ كحريق ونهب وشبههما، (لا يقبل إلا ببينة تشهد بالحادث)؛ لأن وجود الأمر الظاهر لا يخفى. فلا تتعذر إقامة البينة عليه.
(ويقبل قوله) أي: المدعي للتلف بسبب هذا الأمر الظاهر (فيه) أي: في التلف به والمراد بيمينه؛ لأن تكليف الأمين بإقامة البينة بكون الوديعة أو الموكل فيه ونحوهما حرق أو نهب متعذر؛ كما لو حصل التلف بسبب خفي فقبل قوله فيه. (و) إن قال وكيل لموكله: (أذنت لي في البيع نَساء، أو) أذنت لي في البيع (بغير نقد البلد)، أو أذنت لي في البيع بعرض وأنكر الموكل.
(أو اختلفا) أي: الوكيل والموكل (في صفة الأذن) باًن قال الوكيل: وكلتني
في أن أشتري لك طعاماً بعشرة دراهم فقال: بل بخمسة، أو قال: وكلتني أن أشتري لك عبداً فقال: بل أمة، أو قال: بل وكلتني في أن أبيع عبدك من زيد فقال: بل من عمرو، أو قال موكل في بيع بنسيئة: أمرتك أن تبع برهن أو كفيل وأنكر الوكيل ونحو ذلك: (فـ) المعتبر من قوليهما إن لم تكن بينة (قول وكيل كمضارب) فيما إذا اختلف هو ورب المال في مثل ذلك. نص عليه في المضارب؛ لأن كلاً منهما أمين في التصرف فكان القول قوله في صفة الأذن؛ كالخياط إذا قال: أذنت لي في تفصيله قََباء، وقال المالك: بل قميصاً.
(1)
في أ: كمستعير.
وفيه وجه قوي: إن القول قول الموكل.
وقال في " المغني ": أنه أصح لوجهين:
أحدهما: أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الوكيل. والأصل عدمه.
فكان القول قول من ينفيه.
والثانى: أنهما اختلفا في صفة قول الموكل. فكان القول قوله في صفة
كلامه.
وبنى على هذا الوجه مسائل يطول الكلام عليها فليراجعها من شاء.
وإن اختلف اثنان في أصل الوكالة فقال أحدهما: وكلتني في كذا وأنكر
الآخر: فالقول قول المنكر؛ لأن الأصل عدم الوكالة ولم يثبت أنه أمينه ليقبل قوله عليه.
ومثل ذلك لو قال أحدهما: وكلتك أن تشتري لي كذا بدينار ودفعته فقال
الآخر: لم توكلني ولم تدفع إليّ شيئاً، أو قال: وكلتني ولم تدفع إلي شيء: فالقول قول المنكر؛ لما تقدم.
ولو باع الوكيل السلعة وقال: بذلك أمرتني. فقال المالك: بل أمرتك
برهنها: صدق ربها
(1)
. فاتت أو لم تفت؛ لأن الاختلاف هنا في جنس التصرف. (و) من فروع ذلك لو قال إنسان لآخر: (وكلتني أن أتزوج لك فلانة) بصداق كذا، (ففعلت) أي: فتزوجتها لك، (وصدقت) فلانة (الوكيل) أي: مدعي الوكالة على ما ذكره، (وأنكر) من يدعيان أنه (مُوكل) ما يدعيا نه:(فقوله) أي: المنكر (بلا يمين) نصاً.
قال الإمام: إن اقام البينة وإلا لم يلزم الآخر عقد النكاح ولا يستحلف.
أما كون القول قوله؛ فلأن الأصل عدم التوكيل.
وأما كونه بلا يمين فقال القاضي: لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره.
(1)
في أ: وبها.
(ثم إن تزوجها) الموكل، (وإلا لزمه) أي: المدعى عليه (تطليقها).
قال في " المغني ": قال أحمد: ولا تتزوج المرأة حتى تطلق. لعله يكون
كاذباً في إنكاره. قال: وظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها؛ لأنها معترفة أنها زوجة له فتؤخذ بإقرارها وإنكاره ليس بطلاق. انتهى.
فيؤخذ من النص أن إلزامه بالطلاق لإزالة الاحتمال وإزاله الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه كالنكاح الفاسد.
وفيه وجه: لا يلزمه أن يطلقها؛ لأنه لم يثبت في حقه نكاح.
(ولا يلزم وكيلاً) أي: مدعي الوكالة (شيء) للمرأه من حقوق العقد؛
لأن دعواها على الموكل، وحقوق العقد لا تتعلق بالوكيل.
ونقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد: أن الوكيل يلزمه نصف الصداق؛ لأن الوكيل في الشراء ضامن للثمن. وللبائع مطالبته به. كذا هنا.
قال في " المغني ": والأول أولى؛ لما ذكرنا.
ويفارق الشراء؛ لأن الثمن مقصود للبائع، والعادة تعجيله وأخذه من المتولي للشراء، والنكاح يخالفه في هذا كله.
ولكن إن كان الوكيل ضمن المهر فلها الرجوع عليه بنصفه؛ لأنه ضمنه عن الموكل وهو مقر باً نه في ذمته.
فروع:
قال المجد في " شرح الهداية ": فإن دفع إليه ألفاً وقال: أسلفها في طعام ففعل ثم اختلفا فقال الوكيل: عن نفسي أسلفت وقال الموكل: بل عني. فقال أصحابنا: القول قول الوكيل؛ لأن النية نيته. وهو أعلم.
وعندي في هذا نظر؛ لأن الوكيل يدعي عقداً فاسداً؛ لأنه متى عقد لنفسه
فقد حصل التقبيض من
(1)
مال الغير بدون أذنه. فيبطل العقد؛ لفوات شرط
(1)
في ج: التقابض في.
القبض. فكان قياس المذهب: أن يكون القول قول مدعي الصحة وهو
الموكل. أنتهى.
وقال في " المغني ": وإذا
(1)
كان عبد بين رجلين فباعه أحدهما بأمر الآخر
باً لف وقال: لم أقبض ثمنه، وادعى المشتري أنه قبضه وصدقه الذي لم يبع: برئ المشتري من نصف ثمنه؛ لاعتراف شريك البائع بقبض وكيله حقه؛ كما لو أقر أنه قبضه بنفسه. وتبقى الخصومة بين البائع وشريكه والمشتري. فإن خاصمه شريكه وادعى عليه أنك قبضت نصيبي من الثمن فانكر: فالقول قوله مع يمينه إن لم يعلم للمدعي بينة. وإن كانت له بينه قضي بها عليه. ولا تقبل شهادة المشتري له؛ لأنه يجر بها إلى نفسه نفعاً.
وإن خاصم البائع المشتري فادعى المشتري أنه دفع إليه الثمن فأنكر البائع:
فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه منكر. فإذا حلف أخذ من المشتري نصف الثمن، ولا يشاركه فيه شريكه، لأنه معترف أنه يأخذه ظلماً فلا يستحق مشاركته فيه.
وإن كانت للمشتري بينة حكم بها.
ولاتقبل شهاده شريكه عليه؛ لأنه يجر بها إلى نفسه نفعاً.
ومن شهد بشهادة لجر إلى نفسه نفعا بطلت شهادته في الكل.
ولا فرق بين مخاصمة الشريك قبل مخاصمة المشتري أو بعدها.
وإن ادعى المشتري أن شريك البائع قبض منه الثمن فصدقه البائع نظرت فإن
كان البائع أذن لشريكه في القبض فهي كالتي قبلها، وإن لم يأذن له في القبض لم تبرأ ذمة المشتري في
(2)
شيء من الثمن، لأن البائع لم يوكله في القبض فقبْضُه له لا يلزمه ولا يبرئ المشتري منه؛ كما لو دفعه إلى أجنبي. ولا يقبل قول المشتري على شريك البائع؛ لأنه ينكره، ولبائع المطالبة بقدر نصيبه لا غير
(3)
؛ لأنه مقر أن شريكه قبض حقه، ويلزم المشتري دفع نصيبه إليه ولا يحتاج إلى
(1)
في ب: إذا.
(2)
في: من.
(3)
في أ: يميز.
يمين؛ لأن المشتري مقر ببقاء حقه.
وإن دفعه إلى شريكه لم تبرأ ذمته. فإذا قبض حقه فلشريكه مشاركته فيما
قبض؛ لأن الدين لهما ثابت بسبب واحد. فما قبض منه يكون بينهما؛ كما لو كان ميراثاً.
وله أن يشاركه ويطالب المشتري بحقه كله.
ويحتمل أن لا يملك الشريك مشاركته فيما قبض؛ لأن كل واحد منهما
يستحق ثمن نصيبه الذي ينفرد به. فلم يكن لشريكه مشاركته فيما قبض من ثمنه؛ كما لو باع كل واحد منهما نصيبه في صفقة.
ويخالف الميراث؛ لأن سبب استحقاق الورثة لا يتبعض. فلم يكن للورثة تبعيضه، وهاهنا يتبعض؛ لأنه إذا كان البائع اثنين كان بمنزلة عقدين.
ولأن الوارث نائب عن الموروث فكان ما يقبضه للموروث يشترك فيه جميع الورثة. بخلاف مسألتنا فإن ما يقبضه لنفسه.
فإن قلنا: له مشاركته فيما قبض فعليه اليمين أنه لم يستوف حقه من المشتري، وياًخذ من القابض نصف ما قبضه، ويطالب المشتري ببقية حقه إذا حلف له أيضاً: أنه ما قبض منه شيئاً. وليس للمقبوض منه أن ير. جع على المشتري بعوض ما أخذ منه؛ "لأنه مقر أن المشتري قد برئت ذمته من حق شريكه، وإنما أخذ منه ظلماً فلا يرجع بما ظلمه على غيره.
وإن خاصم المشتري شريك البائع فادعى عليه أنه قبض الثمن منه فكانت له
بينة: حكم له بها.
وتقبل شهادة البائع له إذا كان عدلاً؛ لأنه لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا يدفع
عنها
(1)
ضرراً؛ لأنه إذا ثبت أن شريكه قبض الثمن لم يملك مطالبته بشيء؛ لأنه ليس بوكيل له في القبض فلايقع قبضه له.
(1)
في أوب: عنه.
هكذا ذكر بعض أصحابنا. وعندي: لا تقبل شهادته له؛ لأنه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة شريكه له فيما يقبضه من المشتري.
وإذا لم تكن بينة فحلف أخذ من المشتري نصف الثمن، وإن نكل أخذ المشتري نصفه. انتهى.
ولو ادعى إنسان أن فلاناً لغائب وكله في تزويج امرأة فتزوجها له ثم مات الغائب: لم ترثه المرأة. إلا أن يصدقه الورثة أو يثبت ببينة.
ولو غاب رجل فجاء إنسان إلى امراته فذكر لها أن زوجها طلقها بائناً ووكله
في تجديد نكاحها بألف فأذنت في نكاحها وعقد عليها وضمن الوكيل الألف ثم جاء زوجها فأنكر هذا كله: فالقول قوله والنكاح الأولى بحاله.
قال في " المغنى ": وقياس ما ذكرنا أن المرأة إن صدّقت الوكيل لزمه الألف. إلا ان يبينها زوجها قبل دخوله بها، وحكي ذلك عن مالك وزفر.
وحكي عن أبي حنيفة والشافعي: أنه لا يلزم الضامن شيء؛ لأنه فرع على المضمون عنه، ولم يلزم المضمون عنه شيء فكذلك فرعه.
ولنا: أن الوكيل مقر بأن الحق في ذمة المضمون عنه وأنه ضامن عنه. فلزمه
ما أقر به؛ كما لو ادعى على رجل أنه ضمن له ألفا له على أجنبي فاً قر الضامن بالضمان وصمحته وثبوت الحى في ذمة المضمون عنه وأنكر المضمون عنه.
وكما لو ادعى شفعة على إنسان في شقص اشتراه فأقر البائع بالبيع وأنكره المشتري: فإن الشفيع يستحق الشفعة في أصح الوجهين.
وإن لم تدع المرأة صحة ما ذكره الوكيل فلا شيء عليه.
ويحتمل ان من أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة ومن أوجبه أوجبه
في الصورة الأخرى. فلا يكون فيها اختلاف. والله أعلم. انتهى.
(ويصح التوكيل بلا جعل) للوكيل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وكل أُنيساً في إقامة الحد
(1)
،
(1)
سبق ذكر حديث أنيس وتخريجه ص (442) رقم (4).
وعروة في الشراء
(1)
بغير جعل.
(و) يصح أيضاً (بـ) جعل (معلوم)؛ كدينار صفته كذا.
ويصح أن يجعل للوكيل في كل يوم كذا (أياماً معلومة، أو يعيطه من الألف
شيئاً معلوماً)؛ كعشرة ونحوه.
ويدل لصحة الوكالة بالجعل أن النبي عييه كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم على ذلك جعلاً.
ولأن التوكيل تصرف لغيره فلا يلزمه فعله. فجاز أخذ الجُعل عليه؛ كرد الآبق.
و (لا) يصح أن يجعل له (من كل ثوب كذا، لم يصفه) أي: الثوب،
(ولم يقدر ثمنه) في ظاهر كلام الإمام. قاله في " الفروع "؛ لجهالة المسمى، وله أجر مثله.
(وإن عين الثياب المعينة في بيع أو شراء من) إنسان (معين)؛ كما لو قال
له: كل ثوب بعته لي من هذه الثياب بكذا فلك على بيعه كذا، ويعينه، أو كل ثوب اشتريته لي من فلان من هذه العشرة بكذا فلك على شرائه كذا، ويعينه:(صح) ما سماه؛ (كـ) ما لو قال: (بع ثوبي بكذا) ويُعيّنه (فما زاد فلك) فأنه يصح نصاً.
قال الإمام: هل هذا إلا كالمضاربة، واحتج بأنه يروى عن ابن عباس.
ووجه شبه هذا بالمضاربة: أنه عين تُنِّمى بالعمل عليها وهو البيع. فهو
كدفع المال مضاربة.
فعلى هذا: إن باع الوكيل الثوب بزيادة على ما عينه له الموكل ولو من غير جنس الثمن- قاله المجد في " شرحه "- فهي له، وإلا فلا شيء له؛ كما لو لم يربح المال في المضاربة.
(1)
سبق ذكر حديث عروة وتخريجه ص (432) رقم (2)
(ويستحقه) أي: يستحق الوكيل في بيع شيء جعله (قبل تسليم ثمنه)؛
لأن الوكيل في البيع لا يلزمه استخلاص الثمن من المشتري. (إلا إن اشترطه) أي: إلا ان يشترط في استحقاق الوكيل الجعل ان يسلمه الثمن بأن يقول الموكل: إذا بعت الثوب وقبضت الثمن وسلمته إليّ فلك كذا. فأنه في هذه الصورة لا يستحق شيئاً حتى يسلم الثمن إلى الموكل. فإن فاته التسليم لم يستحق شيئاً؛ لفوات الشرط.
(ومن عليه حق) لآدمي، (فادعى إنسان أنه وكيل ربه في قبضه، أو وصيه) أي: وصي ربه بأن يدعي أنه مات وأنه وصيه وكان الحق ديناً أو عيناً، (أو) كان الحق
(1)
ديناً فقط وادعى أنه (أُحيل به) من قبل رب الدين (فصدقه) أي: صدق مدعي الوكالة أو الوصية أو الحوالة: (لم يلزمه) أي: من عليه الحق (دفع إليه) أي: إلى من يدعي؛ لأنه لا يبرأ بهذا الدفع؛ لجواز أن ينكر رب الحق الوكالة أو الحوالة، أو يظهر حياً في ممساً لة دعوى الوصية فيرجع على الدا فع.
(وإن كذبه) أي: كذب من عليه الحق مدعي الوكالة أو الحوالة أو الوصية:
(لم يستحلف) له؛ لعدم فائدة استحلافه وهي الحكم عليه بالنكول. (وإن دفعه) أي: دفع من عليه الحق ما عليه إلى من ادعى وكالة صاحبه باختياره، (وأنكر صاحبه) أي: صاحب الحق (ذلك: حلف) أنه لم يوكل المدفوع إليه في ذلك ولا أحاله عليه؛ لاحتمال صدق المدعي الوكالة والحوالة فيها.
(ورجع على دافع) وحده (إن كان) المدفوع (ديناً)؛ لأن الحق في ذمته
ولم يبرأ منه بدفعه لغير ربه أو وكيله، ولم تثبت وكالة المدفوع إليه.
ولأن الذي أخذه مدعي الوكالة عين مال الدافع في زعم صاحب الحق فتعين رجوعه على الدافع.
(1)
زيدة من ج.
(و) رجع (دافع على مدع) أي: مدعي الوكالة أو الحوالة أو الوصية بما
دفعه (مع بقائه) لا مع تلفه؛ لأن المدعي والدافع يزعمان أنه صار ملكاً لصاحب الحق وأنه ظالم للدافع بالأخذ منه. فيرجع الدافع فيما أخذ منه المدعي، ويكون قصاصاً مما اخذ منه صاحب الحق.
(أو) يبدله مع (تعديه) أي: تعدي المدفوع إليه (لمحي تلف) به؛ لأن. من وجب عليه رد شيء مع بقائه وجب عليه رد بدله مع إتلافه إياه.
وفهم من هذا: أنه إن تلف في يده من غير تعد ولا تفريط: لم يرجع عليه بشيء؛ لأنه مقر بأنه أمين في دعواه الوكالة أو الوصية.
(و) أما (مع) دعوى (حوالة) يرجع عليه (مطلقاً) أي: سواء بقي في
يده أو تلف؛ لأن ما قبضه للمحتال على أنه محال به مضمون عليه؛ لأنه قبضه لنفسه.
(وإن كان) المدفوع إلى مدعي الوكالة (عيناً؛ كوديعة، ونحوها)؛ كعارية ومقبوض على وجه السوم ومغصوب، (ووجدها) ربها بيد مدعي الوكالة أو غيره:(أخذها) من هي بيده؛ لأنها عين حقه.
(وإلا) أي: وإن لم يجدها (ضمن) أي: طالب (أيهما شاء) من الدافع والمدفوع إليه بردها؛ لأن المدفوع إليه قبض ما لا يستحق قبضه، والدافع تعدى بالدفع إلى من لا يستحق. فتوجهت المطالبة على كل منهما.
(و) أيهما ضمنه المالك (لا يرجع بها على غير متلف أو مفرط)؛ لأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذه المالك ظلم ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد. "فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره.
وما تقدم من التفصيل فهو فيما إذا صدق المدعى عليه المدعي.
(و) أما (مع عدم تصديقه) فإنه (يرجع) على المدفوع إليه بما دفعه (مطلقاً) أي: سواء بقي المدفوع بيد المدفوع إليه أو تلف.
قال في " المغني ": إلا أن يكون الدافع دفعها للوكيل من غير تصديقه فيما
ادعاه من الوكالة. فإن ضمن رجع على الوكيل؛ لكونه لم يقر بوكالته ولا تثبت ببينه، وإن ضمن الوكيل لم يرجع عليه وإن صدقه. لكن إن كان الوكيل تعدى فيها أو فرط: استقر الضمان عليه. فإن ضمن لم يرجع على أحد، وإن ضمن الدافع رجع عليه؛ لأنه وإن كان يقر أنه قبضه قبضاً صحيحاً. لكن لزمه الضمان بتفريطه وتعديه. فالدافع يقول: ظلمني المالك بالرجوع عليّ وله على الوكيل حق يعترف به الوكيل. فيأخذه فيستوفي حقه منه.
(وإن ادعى) المطا لب (موته) أي: موت رب الحق (وأنه وارثه: لزمه) أي: لزم من عليه الحق (دفعه) لمدعي الإرث لرب الحق (مع تصديق) منه على ذلك؛ لأنه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع. فلزمه الدفع؛ كما لو طلبه مورثه.
(وحلفه) أي: ولزمه أن يحلف (مع إنكاره) كونه وارثه؛ لأن من لزمه الدفع مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار.
وصفتها: أن يحلف أنه لا يعلم صحة ما قال؛ لأن اليمين هنا على نفي فعل الغير. فكانت على نفي العلم.
(ومن قُبل قوله في رد)؛ كالمودع والوكيل المتبرع، (وطُلب منه) الرد:
(لزمه) فعله، (ولا يؤخره ليشهد) على رب الحق به لعدم الحاجة إليه؛ لأنه متى ادعى عليه به وثبت كان القول قوله في الرد.
(وكذا مستعيره ونحوه) ممن لا يقبل قوله في الرد؛ كمقترض وغاصب حيث
(لا حجة) أي: بينة (عليه)؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك. فأنه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك قال: لا يستحق علي شيئاً وحلف كما أجاب. (وإلا) بأن كان عليه بينة بذلك: (أُخّر) الرد ليشهد عليه؛ لئلا ينكر القبض. ولا يقبل قول الدافع في الرد. وإن قال: لا يستحق علي شيئاً قامت عليه البينة.
والحكم في هذا
(1)
(كـ) الحكم في (دين بحجة.
ولا يلزمه) أي: رب الحق (دفعها) أي: دفع الحجة المكتوب فيها الحق
إلى من كان عليه؛ لأن الكتاب ملكه. فلا يلزمه تسليمه إلى غيره.
(بل) يلزم رب الحق (الإشهاد بأخذه)؛ لأن بينة الأخذ تسقط البينة الأولى،
(كحجة مما باعه) فأنه لا يلزمه تسليمها إلى المشتري؛ لما تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم
(2)
.
(1)
في أ: ذلك.
(2)
في ب: والله أعلم.