المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(باب: إحياء الموات) وهو مشتق من الموت. قال في " القاموس ": - شرح منتهى الإرادات لابن النجار = معونة أولي النهى - جـ ٧

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

(باب: إحياء الموات)

وهو مشتق من الموت.

قال في " القاموس ": والمُوات كغراب الموْت، وكسحاب ما لا روح فيه، وأرض لا مالك لها. والموتان بالتحريك خلاف الحيوان، أو أرض لم تُحيى بعد، وبالضم موت يقع بالماشية ويفتح. انتهى.

وفي " المغني ": الموات هو الأرض الخراب الدارسة. تسمى ميتة ومواتاً وموتاناً

(1)

بفتح الميم والواو. والموتان بضم الميم وسكون الواو: الموت الذريع. ورجل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو يعني: عمي القلب لا يفهم. انتهى

(و) الموات في اصطلاح الفقهاء: (هي الأرض المنفكّة عن الاختصاصات وملك معصوم).

قال الحارثي عن هذا الحد: فيدخل فيه كل ما يُملك بالإحياء وخرج كل ما

لا يملك به. انتهى.

وسيأتي صور ذلك في المتن.

والأصل في إحياء الأرض ما روى جابر رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحيى أرضاً ميتة فهي له "

(2)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وروى سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أحيى أرضاً ميتة فهي له"

(1)

في ب. وموتاً.

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1379) 3: 663 كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء الأرض الموات.

ص: 5

وليس لعرق ظالم حق "

(1)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وروى مالك في " موطئه " وابو داود في " سننه " عن عائشة مثله

(2)

.

قال ابن عبد البر: وهو مسند

(3)

صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم.

وروى أبو عبيد في " الأموال " عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحيى أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها "

(4)

.

قال في " المغني ": وعامة فقهاء الأمصار على أن الَمَوَات يُملك بالإحياء

وأن اختلفوا في شروطه. انتهى.

(فيُملك بإحياءٍ كل ما) أى: كل مكان (لم يجرعليه ملك لأحد، ولم يوجد فيه اثر عمارة).

قال في " المغني ": بغير خلاف بين القائلين بالإحياء. انتهى.

وذلك لأن الأحاديث المتقدمة متنأولة له.

نقل أبو الصقر: في أرض بين قريتين ليس فيها مزارع ولا عيون وأنهار تزعم

كل قرية أنها لهم في حرمهم: فأنهاا ليست لهؤلاء ولا لهؤلاء حتى نعلم أنهم أحيوها فمن أحياها فله .. ومعناه

(5)

نقل ابن القاسم.

(وأن) كان هذا المكان الذي لم يوجد فيه أثر عمارة تحقق أو كان قد (ملكه مَن) أى إنسان (له حرمة) وهو مسلم والذمي والمستأمن. (أو شُك) بالبناء للمفعول (فيه) أى: فيمن كان مالكاً له هل كان ممن له حرمة أو لا ولم يعلم حاله.

(6)

(1)

أخرجه الترمذى في " جامعه "(1378) 3: 662 الموضع السابق.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(73 0 3) 3: 78 1 كتاب الخراج والإماره والفيء، باب في إحياء الموات. عن سعيد بن زيد.

وأخرجه مالك في " الموطأ "(26) 2: 570 كتاب الأقضية، باب القضاء في عماره الموات، عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا.

ولم أره فيهما عن عائشة، كما ذكره المصنف.

(3)

في ج: سند.

(4)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(3 0 7) ص: 264 باب إحياء الأرضين

(5)

في أوج: ومعناها

(6)

.

ص: 6

(فإن وجد) المالك له (أو أحد من ورثته: لم يُملك بإحياء).

قال في " المغني ": قال ابن عبدالبر: أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه. انتهى.

ومراده بإجماع العلماء فيما ملك بشراء أو عطية. وإلا فمالك يخالف فيما ملك بإحياء ثم دثر. وسيأتى الكلام عليه.

(وكذا) الحكم وهي كونها: لا تملك بإحياء على الصحيح من المذهب:

(أن جهل) المالك بأن لم تعلم عينه مع العلم بجريان الملك لذي حرمة. نص على ذلك في رواية أبي داود وأبي الحارث ويوسف بن موسى، لحديث عائشه المتقدم:: " من أحيى أرضاً ليست لأحد "

(1)

. وهذه مملوكة.

ولأن هذا مكان مملوك. فلم يملك بإحياء " كما لو كان مالكه معينا.

وعنه: بلى. نقلها صالح وغيره.

وعنه: يملكه محييه مع الشك في عصمة مالكه.

(وأن علم) مالكه وأو مات (ولم يُعقِب) أى: لم يترك ذرية ولا وارثاً:

لم يملك أيضاً بإحياء، و (أقطعه الإمام) لمن شاء، لأنه فيء.

وعنه: يملكه محييه.

(وأن مٌلك) مكان (بإحياء، ثم تٌرك حتى دَثَر وعاد مواتاً لم يملك بإحياء:

أن كان لمعصوم) بغير خلاف بين الأصحاب.

وقال مالك: بلى، لعموم قوله:" من أحيى أرضاً ميتة فهي له "

(2)

. ذكره

في "المغني ".

وأجاب عنه بأن حديث: " من أحيى أرضاً ميتة ليست لأحد "

(3)

: مقيد للحديث المطلق.

(1)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(2)

سبق تخريجه ص: هـ.

(3)

سبق تخريجه قريبا.

ص: 7

وبأن هشام بن عروة قال في تفسير قوله عليه السلام: " وليس لعرق ظالم

[حق، العرق الظالم]

(1)

: أن ياً تي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها ".

ذكره سعيد بن منصور في " سننه ".

وبأن مُلك المحيِِِي أولا لم يزل عنها بالترك. بدليل سائر الأملاك.

(وأن عُلم ملكه لمعين غير معصوم) وهو الكافر الذي لا ذمة له: (فإن)

كان قد (أحياه بدار حرب وأندرس، كان) ذلك (كمَوَات أصلي) أى: فيملكه

من يحييه، لأن ملك من لاعصمة له كعدمه.

(وأن) لم يتحقق ملكه لمعصوم

(2)

لكونه ليس به أثر ملك لكن (تردد في

جريان الملك عليه، أو كان به أثر ملك غير جاهلي، كالخرب الذي ذهبت أنهارها، وأندرست آثارها، ولم يعلم لها مالك) أى: لم يعلم أنها الأن مملوكة لأحد.

(أو) كان به أثر ملك (جاهلي قديم، أو) اثر ملك جاهلي (قريب: مٌلك

بإحياء) في المسائل الأربعة.

أما في الأول ى وهي: ما إذا تردد في جريان الملك عليه؛ فلأن الأصل عدم

ذلك.

قال في " الإنصاف ": القسم الرابع: ما تردد في جريان الملك عليه، وفيه

روايتان. ذكرهما ابن عقيل في " التذكرة " والسامري وصاحب " التلخيص "

وغيرهم، وقا لوا: الأصح الجواز.

والرواية الثانية عدم الجواز. انتهى.

وأما في المسألة الثانية وهي: الخرب التي أندرست آثارها ولم يعلم لها

مالك وفيها روايتان أصحهما تُملك بالإحياء للخبر. صححه في " الحاوي الصغير " و" الفائق " و" النظم ".

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: المعصوم.

ص: 8

قال في " الإنصاف ": لفظ المصنف وغيره يقتضي تعميم الخلاف في المندرس بدار الإسلام وبدار الحرب، وقد صرج به في كل منهما: القاضي وابن عقيل والقاضي أبو الحسين وابو الفرج الشيرازي

(1)

والشيرازى في " المغني " والشارح وغيرهم.

وكلامه في " التنقيح " يقتضي التعميم وتبعته عليه في المتن. لكن قال في

" الإنصاف ": والصحيح من المذهب التفرقة بين دار الحرب والإسلام. ولعله تبع في ذلك الحارثي فإنهقال في " الإنصاف ": قال الحارثي: وبالجملة. فالصحيح: المنع في دار الإسلام، وكذا قال الأصحاب.

وأما في المساً لة الثالثة وهي: ما إذا كان به أثر جاهلي قديم، كديار عاد ومساكن ثمود واثار الروم فلم يذكر القاضي في " الأحكام السلطانية "، والموفق في " المغني " خلافاً في جواز إحيائه.

قال في " الإنصاف ": وهي طريقة صاحب " المحرر " و" الوجيز "وغيرهما.

قال الحارثي: وهو الحق الصحيح من المذهب. فإن أحمد وأصحابه

لا يختلف قولهم في البئر العاديِّة. وهو نص منه في خصوص النوع ..

وصحح الملك فيه بالإحياء: صاحب " التلخيص " و" الفائق " و" الشرح "

و" الفروع " و" التصحيح " وغيرهم. انتهى كلامه في " الإنصاف ".

قال في " المغني ": لأن ذلك الملك لاحرمه له.

وقد روي عن طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: " عادي الأرض لله

ولرسوله ثم هو بعد لكم "

(2)

. رواه سعيد في " سننه " وأبو عبيد في "الأموال ".

وقال: عادي الأرض التي كان بها ساكنٌ في آباد الدهر فإنقرضوا فلم ييق منهم أنيس. وأنما نسبها إلى عاد لأنهم كانوا مع تقدمهم ذوي قوة وبطش وآثار كثيرة فنسب كل أثر قديم إليهم.

(3)

(1)

في أ: الشيراجي.

(2)

أخرجه أبو. عبيد في " الأموال "(676) ص: 53 2 كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها، باب الإقطاع.

ص: 9

ويحتمل أن كل ما فيه أثر الملك ولم نعلم زواله قبل الإسلام: أنه لا يملك؛

لأنه يحتمل أن المسلمين أخذوه عامراََ فاستحقوه. فصار موقوفا بوقف عمر له. فلم يملك؛ كما لو علم مالكه. انتهى كلامه في " المغني ".

وأما في المساً له الرابعة وهو: ما إذا كان به أثر جاهلي قريب ففيه

روايتان.

قال في " الإنصاف ": والصحيح من المذهب: أو يملك بالإحياء. قاله الحارثي وغيره.

والرواية الثانية: لا يملك. انتهى.

ووجه المذهب: أن أثر الملك الذي بها لا حرمة له. أشبه أثر الجاهلي القديم.

(ومن أحي) مما يجوز إحياؤه (ولو) كان الإحياء (بلا إذن الإمام، أو)

كان المحيي (ذمياً) أرضاً (مَواتا، سوى موات الحرم وعرفات، و) سوى ما (أحياه مسلم: من أرض كفار صولحوا على أنها) أى: الأرض) لهم، ولنا الخراج عنها، و) سوى) ما قرب من) المكان (العامر وتعلق بمصالحه، كطرقه وفنائه، ومسيل مائه، ومرعاه ومحتطبه، وحريمه، ونحو ذلك)، كمطرح ترابه:(ملكه) جواب من.

أما كون من أحيى مواتاً ملكه ولو بدون إذن الإمام في إحيائه في المنصو ص؛ فلعموم الحديث.

ولأنها عين مباحه. فلم يفتقر في ملكها إلى إذن الإمام " كأخذ المباح.

وهو فبني على أن عموم الأشخا ص يستلزم عموم الأحوال.

وفيل: لا يجوز إلا بإذنه وحكاه في " الواضح " و" الإقناع " رواية " لأن له مدخلا في النظر في ذلك.

وأما كون الذمي في ذلك كالمسلم. فقد نص عليه أحمد.

وقال مالك: لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام.

ص: 10

قال القاضي: وهو مذهب جماعة من أصحابنا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " موتان

الأرض لله ورسوله ثم هي لكم مني "

(1)

.

فجمع الموتان ثم جعله للمسلمين.

ولأن موتان الأرض من حقوقها والدار للمسلمين. فكان مواتها لهم "

كمرافق المملوك.

وأجيب عن ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من أحيى أرضاً ميتة فهي له "

(2)

.

وبأن الإحياء جهة من جهات التملك. فاشترك فيها المسلم والذمي، كسائر جهاته. وبأو أنما يعرف من الحديث الذي ذكروه قوله: " لله ورسوله ثم هو لكم

بعد. ومن أحيى مواتا من الأرض فله رقبتها ".

قال في " المغني ": هكذا رواه سعيد بن منصور وهو مرسل. رواه طأووس

عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم لا يمتنع أن يريد بقوله: " هي لكم " أى: لأهل دار

(3)

الإسلام.

والذمي من أهل الدار تجري عليه أحكامها.

وقولهم: أنها من حقوق دار الإسلام.

قلنا: وهو من أهل الدار فيملكها كما يملكها بالشراء، ويملك مباحاتها من الحشيش والحطب والصيود والركاز والمعدن واللقطة. وهي من مرافق فى دار

الإسلام. انتهى.

وأما كون موات الحرم وعرفات لا يملك بالإحياء، فلما فيه من التضييق على

الحاج واختصاصه بمحل الناس فيه سواء.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 143 كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمي يحي

عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

سبق تخريجه ص: 5.

(3)

في أ: دين.

ص: 11

قال في " الإنصاف ": هل يملك المسلم موات الحرم وعرفات بإحيائه؛

يحتمل وجهين. وأطلقهما في " التلخيص " و" الرعاية " و" الفر وع ".

قلت: الأول ى أو لا يملك ذلك بالإحياء. ثم وجدت الحارثي قال: هذا الحق. انتهى.

وأما كون المسلم لا يملك ما أحياه من أرض كفار صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج عنها، لأنهم صولحوا في بلادهم. فلا يجوز التعرض لشيء منها عامراً كان أو مواتا، لأن الموات تابع للبلد

(1)

. فإذا لم يملك عليهم البلد لم يملك مواته.

ويفارق دار الحرب حيث يملك مواتها، لأن دار الخرب على أصل الإباحة. وهذه صالحناهم على تركها لهم فحرمت علينا.

قال في " المغنى ": ويحتمل أن يملكها من أحياها، لعموم الخبر.

ولأنها من مباحات دارهم. فجاز أن يملكها من وجد منه سبب. فملكها؛ كالحشيش والحطب. وقد روي عن أحمد: أو ليس في السواد موات- يعني: سواد العراق-.

قال القاضي: هذا محمول علي الدار. ويحتمل أن أحمد قال ذلك؛ لكون السواد كان معموراً كله في زمن عمر بن الخطاب وحين أخذه المسلمون من الكفار. حتى بلغنا أن رجلاً منهم ساًل أن يعطى خربة فلم يجدوا له خربة فقال: أنما أردت أن أعلمكم كيف أخذتموها منا. وإذا لم يكن فيها موات حين ملكها المسلمون لم يصر فيها موات بعده، لأن ما دثر من أملاك المسلمين لم يصر مواتا على أحد الروايتين. انتهى.

واما كون ما فرب من العامر وتعلق بمصالحه لا يملك بالإحياء بلا خلاف في المذهب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من أحيى أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له "

(2)

(1)

في أ: البلد.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 147 كتاب إحياء الموات، باب ما يكون إحياء وما يرجى فيه من الأجر

ص: 12

فإن مفهومه: أن ما تعلق به حق مسلم لا يملك بالإحياء.

ولأنه تابع للمملوك فأعطي حكمه.

ومفهوم كلام المتن: أن ما قَرُب من العامر ولم يتعلق بمصالحه يملك بالإحياء. وهو المذهب؛ لعموم الخبر وأنتفاء المأنع.

قال أحمد في رواية أبي الصقر: في رجلين أحييا قطعتين من موات وبقيب بينهما رقعة فجاء رجل ليحييها: فليمس لهما منعه.

وفيه رواية: لا يجوز إحياؤه.

إذا ثبت هذا فإنهلا حد يفصل بين البعيد والقريب سوى العرف.

وقال الليب: حده غلوة. وهي خمس خمس الفرسخ.

وقال أبو حنيفة: حد البعيد هو الذي إذا وقف الرجل في أدناه فصاح بأعلا صوته لم يسمع أدنى أهل المصر إليه.

ولنا: أن التحديد لا يعرف إلا بالتوقيف لا بالرأى ولم يرد من الشرع تحديد. فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف؛ كالقبض والإحراز. وما ذكراه لا يجوز أن يكون حداً لكل ما قرب من عامر، لأنه يفضي إلى أن من أحيى أرضاً في موات حرم إحياء شيء من ذلك الموات على غيره ما لم يخرج عن الحد.

وحيث قلنا يملك المحيي

(1)

لما أحياه فإنه يملكه (بما فيه من معدن جامد) باطن، (كذهب وفضة وحديد) ونحاس ورصا ص، (و) من معدن جامد (ظاهر؛ كجص وكحل) وزرنيخ وكبريت، لأنه مَلَك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها وهذا منها فدخل في ملكه على سبيل التبعية.

ويفارق الكنز فإنهلا يملك ما فيها من كنز؛ لأنه مودع فيها وليس من أجزائها. وأنما يملك المحيي المعادن في الأرض التي أحياها إذا حفرها وأظهرها،

أما ما كان ظاهراً فيها قبل إحيائها فلا يملكه؛ لأن في ملكه إذاً قطعاً لنفع كان واصلاً إلى المسلمين ومنعاً لأنتفاعهم.

(1)

في ب: الإحياء.

ص: 13

وأما إذا ظهر بإظهاره فإنه لم يقطع عنهم شيئا.

وظاهر كلام المتن شامل لأرض العنوة وغيرها. وهو صحيح. وهو المذهب عند الأكثر.

قال الحارثي: وهو أقوى.

(وعلى ذمي خراج ما أحيي: من موات عنوة)؛ لأنها للمسلمين

(1)

. فلا

تقر في يد غيرهم بدون الخراج؛ كغير الموات.

فأما غير العنوه وهي أرض الصلح وما أسلمأهله عليه إذا أحيى الذمي فيه

مواتا: فكالمسلم

(2)

.

وعنه: لا تملك أرض العنوة بالإحياء. وما أحياه مسلم منها يقر بيده بالخراج كالذمي.

وعنه: إن أحياه مسلم فعليه عشر ثمره وزرعه.

وعنه: على ذمي أحيى غير عنوة عشر ثمره وزرعه.

(ويُملك بإحياء ويُقطع) بالبناء للمفعول فيهما (ما) أى: مكان (قَََََرُب من الساحل مما) أى: من محل (إذا حصل فيه الماء صار ملحاً)؛ لأنه لا تضييق على المسلمين بذلك بل يحدث نفعه بالعمل فيه. فلم يمنع منه؛ كبقية الموات وإحياء هذا بتهيئة لما يصلح له، من حفر ترابه، وتمهيده، وفتح قناه إليه يصب الماء فيه؛ لأنه يتهيأ بهذا للأنتفاع

(3)

به.

(أو من العامر) يعني: أو يملك بإحياء ويقطع ما قرب من العامر.

(ولم يتعلق بمصالحه) نصاً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحيى أرضاً ميتة فهي

له "

(4)

(1)

فى أوب: للمسلم.

(2)

فى أوب: كالمسلم.

(3)

في أ: هذا للانتفاع.

(4)

سبق تخريجه ص: 5.

ص: 14

و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزنى العقيق "

(1)

.

وهو يعلم أنه بين عمارة المدينة.

ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة العامر. فجاز إحياؤه؛ كالبعيد.

وعنه: لا يجوز إحياؤه؛ لأنه في مظنة تعلق المصلحة به.

و (لا) تملك ولا تقطع (معادن منفردة) أما الظاهرة وهي التي يتوصل إلى

ما فيها من غير مؤنة ينتابها الناس وينتفعون بها؛ كمقاطع الطين والملح والكحل فلا خلاف؛ لأن فيه ضرراً بالمسلمين وتضييقا عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع أبيض ابن حمال معدن الملح فلما قيل له: أو بمنزلة الماء العد رده. كذا قال أحمد. وروى أبو عبيد. وأبو داود والترمذي بإسنادهم عن أبيض بن حمال: " أو استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الذي بمأرب فلما ولى قيل: يا رسول الله! اتدري ما أقطعت له؛ أنما أقطعته الماء العد. فرجعه منه، قال قلت: يا رسول الله! ما يحمى من الأراك؛ قال: ما لم تنله أخفاف الإبل "

(2)

. وهو حديث غريب. ولأن هذا يتعلق به مصالح المسلمين العامة. فلم يجز إحياؤه ولا إقطاعه؛ كمشارع الماء وطرقات المسلمين.

قال ابن عقيل: هذا من مداد الله الكريم، وفيض جوده العميم الذي لا غنى عنه. فلو ملكه أحد بالاحتجار ملك منعه فضاق على المسلمين. وأن أخذ العوض عنه أغلاه فخرج عن العوض الذي وضعه الله به من تعميم ذوي الحوائج من غيركلفة.

قال في " المغني ": وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا. انتهى.

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(679) ص: 53 2 كتاب أحكام الأرضين، باب الإقطاع.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3064) 3: 174 كتاب الخراج والإماره والفيء، باب في إقطاع الأرضين.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1380) 3: 664 كتاب الأحكام، باب ما جاء في القطائع.

وأخرجه أبو عبيد في " الأموال "(685 - 686) ص: 255 كتاب أحكام الأرضين، باب الإقطاع.

والماء العد هو الدائم الذي لا ينقطع.

ص: 15

وحكم المعادن الباطنة إذا كانب ظاهرة حكم المعادن الظاهرة الأصل. قاله

في " الإنصاف " ولم يذكر فيه خلافاً.

وأما الباطنه وهي: التي يحتاج في إخراجها إلى حفر ومُؤْنة؛ كمعدن الجواهر ونحوها: فالصحيح من المذهب: أنها كالمعادن الظاهرة لا تملك بإحياء ولا يجوز إقطاعها.

وقيل: تملك بإحياء.

قال الحارثي: ونص عليه في رواية حرب.

وقيل: يجوز إقطاعها؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارت معادن القَبَلِيِّة جَلْسِيَّها وغَورْيَّها "

(1)

رواه أبو دا ود وغيره.

اختاره الموفق وابن اخيه.

والقَبَلِيِّة: بقاف وموحدة مفتوحتين وكسر اللام وتشديد المثناة تحت من ناحية " الفروع ". وجَلْسِيَّها: بفتح الجيم وسكون اللام وسين مهملة أى: نجديها، ويقال لنجد: جلس.

(ولا يملك ما) أى: محل (نضَب) أى: غار (ماؤه) من الجزائر.

قال أحمد في رواية العباس بن موسى: إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فناء رجل لم يبن فيها؛ لأن فيه ضرراً. وهو أن الماء يرجع.

قال في " المغني ": يعني: أو يرجع إلى ذلك المكان. فإذا وجده

(2)

مبنيا رجع إلى الجأنب الاخر فاً ضر بأهله.

ولأن الجزائر منبت الكلأ والحطب فجرت مجرى المعادن الظاهرة.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا حمى في الأراك "

(3)

.

(1)

أخرجه ابو داود فى "سننه"(3062) 3: 173 كتاب الخراج والأمارة والفئ؛ باب فى أقطاع الأرضين

(2)

فى أ: أوجده

(3)

أخرجه ابو داود فى "سننه"(3066) 3: 173 كتاب الخراج والأمارة والفئ؛ باب فى أقطاع الأرضي

ص: 16

وقال أحمد في رواية حرب: يروي عن عمر: " أنه أباح الجزائر ". يعني: أباح ما ينبت في الجزائر من النبات،

وقال: إذا نضب الفرات عن شيء ثم نبت فيه نبات فجاء رجل يمنع الناس

منه فليس له ذلك. فأما أن غلب الماء على ملك إنسان، ثم عاد فنضب عنه فله أخذه ولا يزول ملكه بغلبة الماء عليه. وأن كان ما نضب عنه الماء لا ينتفع به أحد فعمره رجل عمارة لا ترد الماء مثل: أن يجعله مزرعة فهو أحق به من غيره؛ لأنه متحجر لما ليسن لمسلم فيه حق. فاً شبه المتحجر في الموات. انتهى

وقال في " الإنصاف ": إذا نضب الماء عن جزيرة فلها حكم الموات لكل

أحد إحياؤه بعدت أو قربت. ذكره ابن عقيل والمصنف والشارح والحارثي وغيرهم ونص عليه.

قال الحارثي: هذا مع عدم الضرر. ونص عليه. انتهى.

وقال في " التنقيح ": أو لا يملك. وتابعته عليه.

(وأن ظهر فيما أحى) من موات (عين ماء، أو معدن جار). وهو الذي كلما أُخذ منه شيء خلفه عوضه؛ (كنِفْط وقَار، أو) ظهر فيها (كلأ أو شجر: فهو أحق به)؛ لأنه لو سبق إلى المباح الذي ليس بأرضه كان أحق به؛ لقوله: " من سبق إلى ما لم يَسبق إليه مسلم فهو له "

(1)

. رواه ابو داود. وفي لفظ " فهو أحق به ". فهنا أولى.

(ولا يملكه) نصاً؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار " رواه الخلال وابن ماجه من حديث ابن عباس. وزاد فيه " وثمنه حرام "

(2)

.

ولأنها ليست من أجزاء الأرض. فلم يملكها بملك الأرض؛ كالكنز.

وعنه: بلى؛ لأنها خارجة من أرض. فاً شبهت الزرع والمعادن الجامدة.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3071) 3: 177 الموضع السابق

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2472) 2: 826 كتاب الرهون، باب المسلمون شركاء في ثلاث.

ص: 17

(وما فضل من مائه) الذي لم يحزه (عن حاجته وحاجة عياله وماشيته وزرعه: يجب بذله لبهائم غيره وزرعه) أى: زرع غيره؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ "

(1)

متفق عليه. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: " من منع فضل مائه أو فضل كلئه: منعه

(2)

الله فضله يوم القيامة "

(3)

رواه أحمد. ولا يتوعد على ما يحل.

ولأن في منعه تضييقٌ على غيره بما لا نفع له فيه فلم يجز.

وعنه: لا يجب بذله لزرع غيره.

ومحل وجوب بذله: (ما لم يجد) ربُ البهائم أو الزرع ماء (مباحاً) فإنهحينئذ يكون مستغنيا به.

ولأن الخبر ظاهر في اختصاصه بمحل الحاجة. فإذا لم تكن حاجة لم يجب البذل. (أو يتضرر به) الباذل؛ لأن الضرر ممنوع شرعاً.

(أو يؤذه) أى: يؤذي طالبُ الماء مَنِ الماء في أرضه (بدخوله) إليها.

قال أحمد: إلا أن يؤذيه بالدخول.

(أو له فيه ماء السماء ويخاف عطشاً.: فلا بأس أن يمنعه).

قال في " الإنصاف ": وقدمه في " الهداية " و" المستوعب ".

قال الحارثي: هذا الصحيح واختيار أكثر الأصحاب. منهم أبو الخطاب والقاضي أبو الحسين والشيرازي والشريفان أبو جعفر واليزيدي. وهو من المفردات. انتهى.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2227) 2: 830 كتاب المساقاة، باب من قال أن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(566 1) 3: 98 1 1 كتاب المساقاه، باب تحريم فضل بيع الماء الذي يكون بالفلاة ويحتاج إليه لرعي الكلأ.

(2)

في أ: منع.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (6673) 2: 179.

ص: 18

وقال الإمام أحمد أيضاً: وليس له أن يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ. واحتج بالخبر.

وفي " الروضة ": يكره منعه فضل مائه ليسقي به للخبر. نقله في " الفروع ". وعلم مما تقدم أو لا يلزم من قلنا يلزمه بذل الماء حبل ولا دلو؛ لأنهما يتلفإن بالاستعمال. أشبها بقية ماله. قاله في " الكافي ".

(ومن حفر بئراً بموات) أى: بأرض موات اللسابلة) أى: لنفع المجتازين (فحافر كغيره) أى: كسائر المنتفعين بها

(1)

(في سقي وزرع وشرب).

قال في " الإنصاف ": قاله الأصحاب، وفي " الفروع " قال جماعة: من حفر بئراً بموات للسابلة فهو كغيره في شرب وسقي وزرع.

(ومع ضيق) أى: تزاحم (يُسقى آدمي) أولا (فحيوان فزرع) بعدهما؛

لأن الحيوان له حرمة.

(و) أن حفرها في موات (أرتفاقاً) بها (كالسفارة) والمنتجعين يحتفر ون البئر. (لشربهم و) شرب (دوابهم: فهم) أى: المحتفرون (أحق بمائها) أى: ماء البئر التي احتفروها (ما أقاموا) أى: مدة إقامتهم عليها. يعني: أنهم لا يملكونها.

قال في " الإنصاف ": وهو المذهب.

ووجهه: أنهم جازمون بأنتقالهم عنها وتركها لمن نزل منزلتهم. بخلاف الحافر للتملك.

وقيل: بل تكون ملكاً للحافر.

قال في " الإنصاف ": وهو الصواب.

(وعليهم) أى: الحافرين لها (بذل فاضل) عنهم من مائها الشارب

(1)

فى أوب: منها.

ص: 19

فقط). قاله في " الأحكام السلطانيه "، وتبعه في " المستوعب " و" الترغيب "، واقتصر عليه في " الفروع ".

(وبعد رحيلهم) أى: رحيل الحافرين لها (تكون) البئر (سابلة

للمسلمين)؛ لأنه ليس لأحد ممن لم يحفرها أولى بها من الاخر.

(فإن عادوا) أى: الحافرين لها (كانوا أحق بها) من غيرهم؛ لأنهم لم يحفروها إلا من أجل أنفسهم ومن عادتهم الرحيل والرجوع. فلم تزل أحقيتهم بذلك.

واختار كون الحافرين أحق بها من غيرهم أبو الخطاب في بعض " تعاليقه ".

قال في " الإنصاف ": قلت: وهو الصواب وقدمه في " الرعاية الكبرى "

و" الفائق ". قال في " الرعاية الصغرى " و" الحاوي الصغير ": فهو أولى بها في أصح الوجهين. انتهى.

وقيل: يكونون إذا عادوا كغيرهم. اختاره القاضي في " الأحكام السلطانية ".

(و) أن حفر إنسان بئراً في مَوات حال كون الحفر (تملكاً فملك لحافر)؛

كما لوحفرها بملكه الحي.

قال في " الأنصاف ": جزم به الحارثي وغيره وقدمه. في " الفروع " وغيره.

قال في " الرعاية ": مَلَكها في الأقيس.

قال في " الأحكام السلطانية ": أن احتاجت طيا ملكها بعده. وتبعه في

" المستوعب "، وقال: هو وصاحب " التلخيص ": وأن حفرها لنفسه تملكا فما لم يخرج الماء فهو كالشارع في الإحياء وأن خرج الماء استقر ملكه، إلا أن تحتاج إلى طي فتمام الإحياء بطيها. انتهى.

ص: 20

[فصل: فيما يتحقق به الإحياء]

(فصل. وإحياءارض) موات (بحوز بحائط منيع). سواء أرادها للبناء

أو للزرع أو حظيرة للغنم أو للخشب أو غيرهما. نص عليه " لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أحاط حائطاً على أرض فهي له "

(1)

رواه أحمد وأبو داود. ورويا أيضاً بسندهما إلى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله

(2)

.

ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء. أشبه ما لو جعلها للغنم حظيرة.

وتبين بهذا

(3)

أن القصد لا اعتبار به. بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتاً فإنهيملكها. وهذا لا يصنع للغنم مثله.

والمراد بالحائط المنيع: أن يمنع ما وراءه. ولا يعتبر مع ذلك تسقيف؛-

لأنه لم يذكر في الخبر.

(أو إجراء ماء) أى: بأن يسوق إليها ماء من نهر أو بئر (لا تُزرع إلا به)

أى: بالماء المسوق إليها.

(أو منع ماء لا تزرع معه) يعني: أن الأرض الموات لو كانت لا يمكن زرعها إلا بحبس الماء عنها؛ كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته: كان إحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها " لأن يسوق الماء إلى ما ليس لها ماء وحبسه عما يفسدها يمكن الأنتفاع بها فيما أراد من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(15129) 3: 381.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3077) 3: 179 كتاب الخراج والإماره والفيء، باب في إحياء الموات. وأخرجه أحمد في " مسنده " (0238 2) 5: 1

(3)

فى أوب: ويبين هذا

ص: 21

(أو حفر بئر) أو نهر نصاً.

قال أحمد في رواية علي بن سعيد: الإحياء أن يحوط عليها حائطاً أو يحفر

فيها بئرأونهراً. انتهى.

(أو غرس شجرٍ فيها) أى: في الأرض الموات؛ كما لو كانت لا تصلح للغراس لكثرة أحجارها أو نحوها فينقيها ويغرسها.

قال في " الفروع ": ويملكه بغرس وإجراء ماء. نص عليهما.

ووجه ذلك: أن الغرس يراد للبقاء كبناء حائط.

وعنه: أن إحياء الأرض ما عُدَ إحياء في العرف؛ لأن الشرع ورد بتعليق الملك على الإحياء ولم يبينه ولا ذكر كيفيته. فيجب الرجوع فيه إلى ما كان إحياء في العرف.

ولأن الشارع لو علق الحكم على مسمى باسم لتعلق بمسماه عندأهل اللسان. فكذلك يتعلق الحكم بالمسمى إحياء عندأهل العرف.

وقيل: ما يتكرر كل عام؛ كالسقي والحرث فليس بإحياء، وما لا

(1)

يتكرر

فهو إحياء.

وعلى المذهب: لا يشترط

(2)

في إحياء الأرض للسكنى تسقيف البيوت ولا نصب أبوابها؛ لأن السكنى ممكنة بدون ذلك. "

ولا يحصل الإحياء بحرث وزرع.-،

قيل لأحمد: فإن

(3)

كرب حولها، قال: لا يستحق ذلك حتى يحوط. والكرب: إثارة الأرض للزرع. قاله في " القاموس ".

قال في " المغني ": ولو خندق عليه خندقاً لم يكن إحياء وكان تحجراً؛

لأن المسافر قد ينزل منزلاً ويحوط على رحله بنحو من ذلك. انتهى.

(1)

في أ: ولا.

(2)

في أ: يشرط.

(3)

في أ: بأن.

ص: 22

(وبحفر بئر) في الموات (يملك) الحافر (حريمها. وهو) أى: حريم

البئر (من كل جأنب في قديمة) وهي: التي يسمونها العاديٍِّة- بتشديد الياء- نسبة إلى عاداً ولم يرد عادا بعينها لكن لما كانت عاد في الزمن الأول وكانت لها آثار في الأرض نسمب إليها كل قديم.

وعند الشيخ تقي الدين: أن العادية هي التي اعيدت.

والأول هو المنصو ص عن أحمد.

نقل ابن منصور: البئر العاديَِّة القديمة.

ونقل حرب وغيره: العادية التي لم تزل.

وحيث تقرر ذلك فحريمها من كل "جأنب (خمسون ذراعاً.

و) حريم بئر (في غيرها) أى: غير القديمة (خمسة وعشرون) ذراعاً.

فنص عليه، واختاره أكثر الأصحاب " لما روى أبو عبيد في " الأموال " عن سعيد ابن المسيب قال:" السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعاً والبدي خمسة وعشرون ذراعاً "

(1)

.

وروى الخلال والدارقطني نحوه مرفوعاً

(2)

.

ولا بد أن يصل الحافر إلى الماء. فإن لم يصل فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء. فالمراد بحفر البئر القديمة استخراج مائها حتى يكون إحياء لها. فاً ما البئر التي مأوها ظاهر فليس لأحد احتجار؛ كالمعادن الظاهرة.

وعند القاضي: حريم البئر قدر مد رشائها من كل جأنب.

وقيل: قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها. واختاره القاضي أيضاً في

" المجرد ".

فعلى هذا إن كان يستقى منها بدولاب فحريمها قدر مدار الثور، وأن كان

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(722) ص: 269 كتاب أحكام الأرضين، باب إحياء الأرضين

(2)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(63) 4: 0 22 كتاب في الأقضية والأحكام.

ص: 23

بسانية فبقدر

(1)

طول البئر، وأن كان يستقي منها بيده فبقدر

(2)

ما يحتاج إليه الواقف.

وقال في " الأحكام السلطانية ": له أبعد الأمرين من الحاجة أو قدر الأذرع. مع أن أحمد توقف في التقدير في روأىه حرب.

قال الحارثي: وهو غلط. ولو تأ ملوا النص بكماله من " مسائل حرب والخلال " لما قالوا ذلك. نقله عنه في " الإنصاف ".

(وحريم عين وقناة) احتفرهما إنسان في موات (خمسمائة ذراع). نص عليه في العين في رواية غير واحد.

وقال الحارثي عن حريم القناة: والمذهب أو كحريم العين، وقال: واعتبره القاضي في " الأحكام السلطانية " بحريم النهر. نقل ذلك في " الإنصاف ".

وقال في " التنقيح ": وحريم عين وقناة خمسمائة ذراع نصاً.

وفي " الفروع ": وحريم عين خمسمائة ذراع. نص عليه.

وعند جماعة: قدر الحاجة، ولم يتعرض للقناة. فلعل صاحب " التنقيح " وجد بما قال الحارثي أو المذهب في حريم القناه نصا عند وضعه للـ" تنقيح " بعد " الإنصاف ". والله أعلم.

(و) حريم (نهر) احتفر في موات (من جانبيه: ما يحتاج إليه لطرح كرايته) وهو: ما يلقى منه طلبا لسرعه جريه، (وطريق شأويِّه) أى: القيم عليه، والكراية والشاوي لم أجد لهما أصلا في اللغة بهذا المعنى ولعلهما مولدتأن من قبل أهل الشام، (ونحوهما) أى: ونحو مطرج كرأىته وطريق شأويه مما يرتفق به ومما يستضر صاحبه بتملكه عليه وأن كثر.

قال في " الرعاية ": وأن كان بجنبه مستقاة لغيره ارتفق بها في ذلك

(1)

في أ: فبقدر.

(2)

مثل السابق.

ص: 24

ضرورة. وله عمل أحجار طحن على النهر ونحوه وموضع غرس وزرع

ونحو هما 0 انتهى.

(و) حريم (شجرة) غرست في موات (قدر مد أغصأنها) حواليها؛

لماروى أبو داود بإسناده عن أبى سعيد قال: " اختصم إلى النبى صلى الله عليه وسلم في حريم. نخلة. فأمر بجريدة من جرائدها فزرعت فكانت سبعة أذرع أو خمسة أذرع. فقضى بذلك "

(1)

.

قال في " المغني ": وإن سبق إلى شجر مباح؛ كالزيتون والخروب فسقاه وأصلحه فهو أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء. فإن طعمه ملكه بذلك وحريمه؛ لأنه تهيأ للأنتفاع به لما يراد منه. فهو كسوق الماء الى الأرض الموات. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سبق إلى ما لم يسبق اليه مسلم فهو أحق به "

(2)

. انتهى.

وحكاه في " الإنصاف " فائدة، واقتصر عليه.

(و) حريم (أرض) من موات (تزرع: ما) أى: محل (يحتاج) إليه

(لسقيها، وربط دوابها، وطرج سبخها، ونحوه) مما يرتفق به زارعها؛ كمصرف مائها عند الاستغناء عنه.

(و) حريم (دار من موات حولها) أى: حواليها (مطرح تراب وكُناسة

وثلج وماء ميزاب، وممر لباب)؛ لأن هذا كله مما يرتفق به ساكنها.

(ولا حريم لدار محفوفة بملك) أى: بملك غيره من كل جأنب؛ لأن الحريم من المرافق، ولا يرتفق بملك غيره؛ لأن مالكه أحق به.

(ويتصرف كل منهم) أى: من أرباب الأملاك (بحسب عادة) في الأنتفاع. فإن تعدى العادة منع.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3640) 3: 316 كتاب الأقضية، أبواب من القضاء.

(2)

سبق تخريجه ص (17) رقم (1).

ص: 25

(وأن وقع في) قدر (الطريق نزاع وقت الإحياء: فلها سبعة أذرع)؛

للخبر

(1)

.

(ولا تُغيَّر بعد وضعها)؛ لأنها للمسلمين. نص عليه.

واختار ابن بطة: أن الخبر في أرباب ملك مشترك أرادوا قسمته، واختلفوا

في قدر حاجتهم.

(ومن تَحَجَّر مَواتاً:. بأن أدار حوله أحجاراً) أو تراباً أو شوكاً أو حائطاً غير

منيع، (أو حفر بئراً لم يصل ماؤها). نقله حرب، (أو سقى شجراً مباحاً وأصلحه ولم يُركّبه، ونحوه)؛ كما لو حرث الأرض أو خندق حولها، (أو أُقطعه) أى: أَقْطَعَه

(2)

له الإمام ليحييه فلم يحيه: (لم يملكه) بذلك؛ لأن الملك إنما يكون بالإحياء، ولم يوجد.

(وهو) أى: - من شرع في إحياء شيء ولم يتمه (أحق به) من غيره؛ لأنه

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له "

(3)

رواه أبو دا ود.

(و) كذا (وارثه) من بعده يعني: أو يكون أحق به من غيره؛

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من ترك حقاً أو مالاً فهو لورثته "

(4)

.

ولأنه

(5)

حق للموروث. فيقوم الو ارث مقامه فيه؛ كسائر الحقوق.

(و) يكون أيضاً (من ينقله) المتحجر (إليه) أحق به ممن سواه؛ لأن المتحجر جعله مقامه فيه.

(وكذا) أى: وكما أن من تحجر مواتاً ونقله إلى غيره يكون بمنزلته (من

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قضى النبي إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع ". أخرجه البخاري في " صحيحه "(2341) كتاب المظالم والغصب.

(2)

في ب: أقطع.

(3)

سبق تخريجه ص (17) رقم (1).

(4)

أخرجه النسائي في " سننه "(963 1) 4: 66 كتاب الجنائز، الصلاة على من عليه دين.

(5)

في أ: ولا.

ص: 26

نزل عن أرض خَراجية بيده لغيره). فإن المنزول له يكون أحق بها وورثته من بعده.

وليس للإمام أخذها منه.

قال ابن رجب في القاعدة السابعة والثمانين

(1)

: ومنها منافع الأرض الخَراجية. فيجوز نقلها بغير عوض إلى من يقوم مقامه فيها، وتنتقل إلى الوارث فيقوم مقام مورثه

(2)

فيها. وكذلك يجوز جعلها مهراً. نص عليه في رواية عبدالله.

ونص في رواية ابن هانئ وغيره: على جواز دفعها إلى الزوجة عوضاً عما تستحقه عليه من المهر. وهذا معاوضة عن منافعها المملوكة.

فاً ما البيع فكرهه أحمد ونهى عنه، واختلف قوله في بيع العمارة التي فيها "

لئلا يتخذ طريقاً إلى بيع رقبة الأرض التي لا تملك. بل هي إما وقف وإما فيء للمسلمين جميعاً.

ونص في رواية المروذي: على أو يبيع آلات عمارته بما تساوى.

وكره أن يبيع بأكثر من ذلك لهذا المعنى.

وكذلك نقل عنه ابن هانئ أو قال: يقوم دكانه وما فيها من غلق وكل شيء يحدثه فيه فيعطى ذلك، ولا أرى أن يبيع سكنى دار ولا دكان.

ورخص في رواية عنه: في شراءها دون بيعها؛ لأن شراءها استنقاذ لها بعوض ممن يتعدى بالتصرف فيها وهو جائز.

ورخص في رواية المروذي أيضا ً في بيع ما يحتاج إليه للنفقة منها، وأن كان

فيه فضل عن النفقة تصدق به. وكل هذا بناء على أن رقبة هذه الأرض وقفها عمر [رضي الله عنه].

ومن الأصحاب من حكى رواية [أخرى] بجواز البيع مطلقاً، كالحلوانى

(1)

ص: 199 - 201. وما بين الأقواس من " القواعد ".

(2)

فى أوب: موروثه.

ص: 27

وابنه. وكذلك خرجها ابن عقيل من نص أحمد على صحة وقفها. ولو كانت وقفاً لم يصح وقفها. وكذلك وقع في كلام أبي بكر وابن شاقلاء وابن أبي موسى ما يقتضي الجواز. وله مأخذأن:

أحدهما: أن الأرض ليست وقفاً. وهو ماً خذ ابن عقيل. وعلى هذا فإن كانت مقسومة فلا إشكال في ملكها، وأن كانت فيئاً لبيت المال، وأكثر كلام أحمد يدل عليه فهل تصير وقفاً بنفس الأنتقال إلى بيت المال [أم لا]؟ على وجهين.-

فإن قلنا: لا تصير وقفاً فللإمام بيعها وصرف ثمنها في المصالح.

وهل له إقطاعها إقطاع تمليك؟ على وجهين. ذكر ذلك القاضي في

" الأحكام السلطانية ".

والماًخذ الثانى: أن البيع هنا وارد على المنافع دون الرقبة فهو نقل للمنافع المستحقة بعوض. وهذا اختيار الشيخ تقي الدين. ويدل عليه من كلام أحمد: أو أجاز دفعها عوضا عن المهر. ويشهد له ما تقدم من المعاوضة عن المنافع في مسائل متعددة. وإن كان القاضي وابن عقيل والأكثرون صرحوا بعدم صحة بيع المنافع المجردة. والتحقيق في ذلك أن المنافع نوعأن:

أحدهما: منافع الأعيأن المملوكة التي تقبل المعاوضة مع أعيأنها. فهذه قد جوز الأصحاب بيعها في مواضع.

* منها: [أن] اصل وضع الخراج على أرض العنوة إذا قيل هي فيء فإنهليس بأجرة، بل هو شبيه بها ومتردد بينها وبين البيع.

* ومنها المصالحة بعوض على وضع الأخشاب وفتح الأبواب ومرور المياه ونحوها. وليس بإجارة محضة؛ لعدم تقدير المدة. وهو شبيه بالبيع.

* ومنها: لو أعتق عبده واستثنى خدمته سنه فهل له أن يبيعها منه؛ على روايتين. ذكرهما ابن أبي موسى وهما منصوصتأن عن أحمد. ولا يقال: هو لا يملك بيع العبد في هذه الحال، لأن هذه المنافع كان يملك المعاوضة منها في حال الرق. وقد استبقاها بعد زوالى. فاستمر حكم المعاوضة عليها؛ كما يستمر

ص: 28

حكم وطء المكاتبة إذا استثناه في عقد الكتابة. وهل الكتابة إلا عقد معاوضة على المنافع؟

النوع الثانى: المنافع التي ملكت مجردة عن الأعيأن، أو كانت أعيانها غير قابلة للمعاوضة. فهذا

(1)

محل الخلاف الذي نتكلم فيه

(2)

هاهنا. والله أعلم. انتهى.

(أو) نزل إنسان (عن وظيفة لآهل) أى: لمن فيه أهلية لها.

قال في " الفروع ": بعد أن ذكر مسألة متحجرالموات وأن من ينقله إليه أحق به: ويتوجه مثله في نزوله عن وظيفة لزيد. هل يتقرر غيره؟ وقال شيخنا فيمن نزل عن وظيفة الإمامة: لا يتعين المنزول له ويولي من إليه الولاية من يستحق التولية شرعا. انتهى.

قال ابن أبي المجد: التوجيه المذكور إذا كان النزول متوقفاًً على الإمضاء؛ كشرط واقف أو غيره فإن النزول حينئذِ لم ينبرم ولم يتم فهو شبيه بالمتحجر، إذ المتحجر لا يتم ملكه إلا بالإحياء، والنزول لا يتم إلا بالإمضاء. فما بين المتحجر والإحياء كما بين النزول والإمضاء. فكما أن المبادِرَ إلى الإحياء فيما بين ذلك لا يملكه، ولا يبطل حق المتحجر في المحيى بل حقه قائم به على المذهب، فكذلك المبادر إلى التقرير في الوظيفه المنزول عنها لا يستحقها، ولا يبطل حق المنزول له فيما نزل له عنه بل حقه قائم به متوقف لزومه على الإمضاء. فإن وجد أنبرم وتم النزول له، وإلا كان المنزول عنه للنازل؛ لأنه لم يرغب عنه ركبة مطلقة بل مقيدة بحصوله للمنزول له ولم يحصل. وليس للناظر التقرير في مثل هذا أنما يقرر فيما هو خال عن يد مستحق أو في يد من يملك أنتزاعه منه لمقتض شرعي. فحينئذ يكون تقريوه سائغا، ويكون من اطلق القول بأن الناظر يقرر من شاء محمولا على من رغب عنه ركبة مطلقة، ولم يكن المنزول لهأهلا. ففي هذا يتجه القول به.

(1)

في ج: فهذه.

(2)

في ج: فيها.

ص: 29

وأما إذا لم يكن النزول مشروطاً بالإمضاء وكان المنزول له أهلاً فلا ريب أو ينتقل إليه عاجلاً بقبوله. ولا يتوقف على تقرير ناظر ولا مراجعته، إذ هو حق له نقله إلى غيره وهو مطلق التصرف في حقوقه ليس محجورا عليه في شيء منها. أشبه سائر حقوقه إذ لا فرق.

وله شواهد من كلامهم: منها: ما ذكروه في المتحجر أن من نقله إليه يكون أحق به من غيره. وكذا ذكروا أن من بيده أرض خراجية ليس للإمام أنتزاعها منه ودفعها إلى غيره. وأن نزل عنها أو آثر بها غيره صار الثانى أحق بها مع أن للإمام

(1)

نظرا ولم يعتبروه فكذا هذا. والله أعلم. انتهى.

(أنه آثر) إنسان (شخصاً بمكانه في الجمعه) يعنى: فإنه يكون أحق به.

قال في " التنقيح " بعد أن ذكر مساً لة النزول عن الأرض الخراجية: قلت: وقريب منه ما صححه المصنف وغيره لو آثر شخصا بمكانه في الجمعة لم يكن لغيره سبقه إليه؛ لأنه أقامه مقامه في استحقاقه. أشبه من تحجر مواتا أو سبق إليه واثر به. وخالف ابن عقيل. انتهى.

(وليس له) أى: لمن هو أحق بشيء كمتحجر الموات ونحوه (بيعه)؛

لأنه لم يملكه. فلم يملك بيعه؛ كحق الشفعة قبل الأخذ، وكمن سبق إلى مباح.

وقيل: بلى.

(فإن طالت المدة) أى: مدة التحجر (عرفاً، ولم يتم إحياؤه، وحصل مُتشَوِّف لإحيائه: قيل له) أى: قال له الإمام أو نائبه: (إما أن تحييه أو تتركه) ليحييه غيرك؛ لأنه ضَيَّق على الناس في حق مشترك بينهم. فلم يُمَكن من ذلك؛ كما لو وقف في طريق ضيق أو مشرعة ماء أو معدن لا ينتفع ولا يدع غيره ينتفع.

(فإن طلب المهلة لعذر: أُمهل ما يراه حاكم، من نحو شهر أو ثلاثة).

(1)

في أ: الإمام

ص: 30

وإن لم يكن له عذر قيل له: إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك. فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها.

(و) حيث أمهل لعذر (لا يُملك بإحياء غيره فيها) أى: في مدة الإمهال، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:" من أحيى أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له "

(1)

.

ولأنه إحياء في حق غيره. فلم يملكه، كما لو أحيى ما يتعلق به مصالح

ملك غيره.

ولأن حق المتحجر أسبق. فكان أولى، كحق الشفيع يقدم على شراء المشتري. وفيه وجه: بلى.

(وكذا) أى: وكما أن محيي الموات المتحجر في مدة الإمهال لا يملكه بالإحياء لتعلق حق المتحجر به (لا يُقرر) في الأرض الخراجية ولا في الوظيفة المنزول عنهما

(2)

. لآهل (غير منزول له)، لتعلق حقه بذلك.

(و) كذا (لا) يكون (لغير المؤثر أن يسبق) إلى المكان المؤثر به غيره " لتعلق حق المؤثر به.

علم مما تقدم أو لو أحياه إنسان بعد أنقضاء مدة المهله أو يملكه وهو صحيح. قال في " الإنصاف ": لا أعلم فيه خلافاً. انتهى.

وللإمام إقطاع موات لمن يحييه، لما روي " أنه صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق "

(3)

.-

و" أقطع وائل بن

(4)

حجر أرضاً "

(5)

.

و" أقطع أبا بكر وعمر وعثمان وجمعا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين "

(6)

..

(1)

سبق تخربجه ص (12) رقم (2).

(2)

في ب: عنها.

(3)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(679) ص: 53 2 كتاب أحكام الأرضين، باب الإقطاع.

(4)

ساقط من أ.

(5)

سيأتي تخريجه قريباً.

(6)

ر. " الأموال " ص: 256 - 257.

ص: 31

ويصير مقطَعه كمتحجره؛ لأنه ترجح بالإقطاع على غيره؛ كما ترجح المتحجر على غيره بتحجيره.

فإن طالت المدة عرفاً ولم يحيه قيل له ما يقال للمتحجر، ويمهل لعذر بقدر

ما يمهله المتحجِّر.

وأن لم يكن للمقطع عذر في ترك العمارة قيل له كما يقال للمتحجر: إما أن تعمره، وإما أن ترفع يدك. وأن لم يكن للمتحجر ولا للمقطع عذر واستمر التعطيل حتى مضت ثلاث سنين فجاء قوم فعمروا المقطع أو المتحجر من الموات فهو أحق به.

والأصل في ذلك ما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع. فلما كان عمر قال لبلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحيزه على الناس أنما أقطعك لتعمره فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي "

(1)

. رواه أبو عبيد في " الأموال ".

وذكر سعيد في " سننه ": حدثنا

(2)

عبد العزيز بن محمد عن ربيعة قال: سمعت الحارث بن بلال بن الحارث يقول: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق فلما ولي عمر بن الخطاب فال: ما أُقطعته لتحتجبه. فأقطعه الناس ".

وروى علقمه بن وائل عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً بحضرموت "

(3)

.

فال الترمذي: هذا حديث صحيح.

وقال سعيد: أنبأنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع ناساً من جهينة أو مزينة أرضاً فعطلوها فجاء قوم فأحيوها. فخاصمهم الذين أقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(713) ص: 267 كتاب أحكام الأرضين، باب إحياء الأرضين

(2)

في أ: حديث.

(3)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1381) 3: 665 كتاب الأحكام، باب ما جاء في القطائع.

ص: 32

عنه. فقال عمر: لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردها، ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا أردها، ثم قال عمر: من كانت له أرض- يعني: من" تحجر أرضاً- فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها ".

ولا يملك الموات من أُقطعه حتى يحييه؛ لأنه لو ملكه- بمجرد الإقطاع لما

جاز استرجاعه.

وقال الحارثي: وقال مالك: يثبت الملك بنفس الإقطاع يبيع ويهب ويتصرف يورث عنه.

قال الحارثي: وهو الصحيح إعمالاً بحقيقة الإقطاع وهو التمليك. ذكره

عن في " الإنصاف ".

وقال: فائدتان:

* إحداهما: للإمام إقطاع غير الموات تمليكاً وإنتفاعا ً للمصلحة دون غيرها.

* الثانية: قسم الأصحاب الإقطاع إلى ثلاثة أقسام: إقطاع تمليك،

وإقطاع استغلال، وإقطاع إرفاق، وقسَّم القاضي إقطاع التمليك إلى: موات، وعامر، ومعادن. وجعل إقطاع الاستغلال على ضربين عشر وخراج. انتهى.

قال

(1)

في " المغني ": ولا ينبغي أن يقطع الإمام أحداً من الموات إلا

ما يمكنه إحياؤه؛ لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقاً على الناس في حق مشترك بينهم بما لا فائدة فيه. فإن فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه: استرجعه منه، كما استرجع عمر من بلال بن الحارث ما عجز عنه من عمارته من العقيق التي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.

وقد تقدم حكم ذلك في المتن.

(وللإمام إقطاع جلوس بطريق واسعة، ورحبة مسجد غير محوطة: ما لم

يُضيِّق على الناس).

(1)

في أ: وقال

ص: 33

قال في " المغني ": فصل في القطائع. وهي ضربان:

أحدهما: إقطاع إرفاق، وذلك إقطاع مقاعد الأسواق والطرق الواسعة ورحاب المساجد التي ذكرنا أن للسابق إليها الجلوس فيها. فللإمام إقطاعها لمن يجلس فيها، لأن له في

(1)

ذلك اجتهاداً من حيث: إنه لا يجوز له الجلوس إلا فيما لا يضر بالمارة. فكان للإمام أن يجلس فيها من لا يرى أو يضر بجلوسه.

(ولا يملكه مُقطَع) بذلك. (بل يكون أحق به) أى: بالجلوس فيها من غيره بمنزلة السابق إليها من غير إقطاع سواء، إلا في شيء وأحد وهو: أن السابق إذا نقل متاعه منها فلغيره الجلوس فيها، لأن استحقاقه لها بسبقه إليها ومقامه فيها. فإذا أنتقل عنها زال استحقاقه، لزوال المعنى الذي استحق به. وهذا استحق بإقطاع الإمام. فلا يزول حقه بنقل متاعه، ولا لغيره الجلوس فيه. (ما لم يَعُدِ الإمام في إقطاعه)؛ لأنه كما أن له اجتهاد في الإقطاع له اجتهاد في استرجاعه.

وعلم مما تقدم أن رحبة المسجد لو كانت محوطة لم يكن له إقطاع الجلوس فيها، لأنها حينئذ تكون من

(2)

المسجد.

(وأن لم يُقطع) ذلك لأحد (فالسابق) إلى الجلوس فيها (أحق) به: (مالم يُنقل قُماشه عنها)، لقول النبى صلى الله عليه وسلم:" من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به "

(3)

.

ولما روى الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لأن يحمل أحدكم حبلاً فيحتطب به ثم يجيء فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني به فينفقه على نفسه: خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "

(4)

رواه أحمد.

ومحل ذلك: ما لم يضيق على أحد ولا يضر بالمارة.

(1)

ساقط من أ

(2)

في أ: فى.

(3)

سبق تخريجه ص (17) رقم (1)

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(1407) 1: 164.

ص: 34

ولإتفاق أهل الأمصار في سائر الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير أنكار.

ولأنه ارتفاق بمباح من غير إضرار. فلم يمنع منه؛ كالإجتياز.

وعلم مما تقدم أو إذا قام وترك متاعه أو لا يجوز لغيره إزالته، وأنه إذا نقل متاعه كان لغيره الجلوس فيه ولو لم يأت الليل. وهو الصحيح.

وعنه: أو يكون أحق به إلى الليل.

وظاهر ما تقدم أنه لا يحتاج في ذلك إلى إذن الإمام. وفيه وجه.

(فإن أطاله) أى: أطال الجلوس من غير إقطاع (أُزيل)؛ لأنه يصير كالتملك. ويختص بنفع يسأويه فيه غيره. وفيه وجه.

(وله) أى: لمن هو أحق بالجلوس بإقطاع الإمام أو بسبقه (أن يستظل بما) ليس ببناء مما (لا يضر؛ ككساء) ونحوه؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك. (وأن سبق اثنان فأكثر إليه) أى: إلى ما تقدم ذكره، (أو إلى خان مسبَّل،

أو رباط أو مدرسة أو خانكاة ولم يتوقف) الأنتفاع (فيها إلى تنزيل ناظر) وضاق المكان عن أنتفاع جميعهم: (أقرع)؛ لأنهم استووا في السبق. والقرعة مميزة.

وقيل: يقدم الإمام من يرى منهم؛ لأنه أعلم بالمصلحة في ذلك.

(والسابق إلى معدن أحق بما يناله) منه. سواء كان المعدن باطناً أو ظاهراً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له "

(1)

. (ولا يمنع إذا طال مقامه)؛ للخبر.

وقيل: بلى.

وقيل: أن أخذ قدر حاجته واراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره: مُنع منه.

(وأن سبق عدد) إلى معدن، (وضاق المحل عن الأخذ جملة: أقر ع)؛

(1)

سبق تخريجه ص (17) رقم (1).

ص: 35

لأنه لا أحقيِّه لبعضهم فيُقدم، ولا نقص في بعضهم فيؤخر. فلم ييق إلا القرعة. وقيل: يقسم بينهم.

وقيل: يقدم الإمام من يرى تقديمه.

وذكر القاضي وجهاً رابعاً وهو: أن الإمام ينصب من يأخذ لهم ويقسم عليهم.

(والسابق إلى) أخذ شيء (مباح؛ كصيد وعنبر وحطب وثمر) وما ينبع

من المياه في الموات، (ومنبوذ رغبة عنه)؛ كالعظم الذي به شيء من اللحم رغب عنه، وكالنِّثار في الأعراس ونحوها، وما يتركه الحصاد من الزرع واللقاط من الثمر رغبة عنه:(أحق به). فيملكه بأخذه. سواء كان الآخذ مسلماً أو ذمياً.

(ويقسم بين عدد) لم يسبق أحد منهم إليه ولم يتاًخر عن باقيهم (بالسويَّه)؛ لأنهم استووا في السبب. والقسمة ممكنة. وحذاراً من تاً خير الحق.

وقيل يقرع.

وقيل: يقدم الإمام باجتهاده.

وظهور الأحقية منهم من أداه اجتهاده إليه؛ كأموال بيت الصال. ولا فرق

بين ذي الحاجة منهم وغيره؛ لأن الاستحقاق بالسبب لا بالحاجة.

ص: 36

فصل: في الحِمى

قال في " القاموس ": حِمى الشيء يحميه حِمياً وحِمأىة بالكسر، ومحمية منعه. ثم قال: وأحمى المكان جعله حمى لا يقرب. انتهى.

وكان في الجاهلية من إذا أنتجع بلدا أوفى بكلب على نشز ثم استعواه ووقف

له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيب ما انتهى صوته حماه من كل جانب

(1)

لنفسه، ورعى مع العامة فيما سواه.

فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؛ لما فيه من التضييق على الناس ومنعهم من الأنتفاع بشيء لهم فيه حق، وجاء الشرع: باً نه لا حمى إلا لله ورسوله.

روى الصعب بن جث امة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا حمى إلا لله ولرسوله "

(2)

. رواه ابو دا ود.

ولم يحم النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه شيئاً وإنما حمى للمسلمين.

روى ابن عمر قال: " حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين "

(3)

. رواه

أبو عبيد.

والنقيع: بالنون موضع لنبع فيه الماء فيكثر فيه الخصب لمكان ما يصير فيه

من الماء.

وأما سائر أئمة المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهبم شيئاً، ولهم على

(1)

فى أوب: ناحية.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(83 5 3) 3: 5 8 1 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل.

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(0 74) ص: 274 كتاب أحكام الأرضين،

(3)

باب حمى الأرض ذات الكلأ.

ص: 37

أصح قولي العلماء: أن يحموا مواضع ليرعى فيها خيل المجاهدين، ونَعم الجزية، وإبل الصدقة، وضوالٌ الناس التي يقوم بحفظها، وماشية الضعيف من الناس على وجه لا يستضر به من سواه من الناس. وإلى ذلك أُشير بقوله:(ولإمام) أى: القائم بأمر المسلمين (لا غيره إقطاع غير موات: تمليكاً وإنتفاعا ً للمصلحة، وحمى مَوات لرعي دواب المسلمين التي يقوم بها ما لم يُضيِّق) على الناس؛ لما روى ابو عبيد بإسناده عن عامر بن عبد الله بن الزبير أحسبه عن أبيه قال: " أتى أعرابي عمر فقال: يا أمير المؤمنين! بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام تحميها؛ فاً طرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه. وكان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ. فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك. فقال عمر: المال مال الله والعباد عباد الله. والله! لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبراً في شبر "

(1)

.

قال مالك: "بلغني أنه كان يحمل في كل عام على أربعين ألفاً من الظهر"

(2)

.

وعن أسلم قال: " سمعت عمر يقول لهنُيِّ حين استعمله على حمى الرَّبَذَة:

يا هني! أضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصُريمة والغُنَيمة. ودعني من نَعَم ابن عوف ونعم ابن عفإن. فإنهما أن هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع، وأن هذا المسكين أن هلكت ماشيته جاء يصرخ يا أمير المؤمنين! فالكلأ أهون عليًَ أم غرم الذهب والوَرِق؟ أنها أرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام. وأنهم ليرون أنا نظلمهم. ولولا النعم التي يحمل عليها في سبيل الله ما حميت على الناس من بلادهم شيئا أبدا "

(3)

.

(1)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(742) ص: 275 الموضع السابق

(2)

أخرجه مالك في " موطئه "(38) 2: 0 37 كتاب الجهاد، باب ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله.

(3)

أخرجه أبو عبيد في " الأموال "(741) ص: 274 كتاب أحكام الأرضين، باب حمى الأرض ذات الكلأ.

ص: 38

ووجه هذا القول: أن ما كان من مصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام

النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده "

(1)

.

وروي أيضاً: أن عثمان حمى. واشتهر ولم ينكر فكان كالإجماع.

واحتج القائل بأنه ليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمي بقوله " لا حمى إلا لله

ولرسو له "

(2)

.

وأجيب عنه: بأنه مخصو ص بما يحميه الإمام لنفسه فإنه يفارق حمى

النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه؛ لأن صلاحه يعود إلى صلاج المسلمين، وماله كان يرده في المسلمين. ففارق الأئمة في ذلك وسأووه فيما كان صلاحاً للمسلمين. ولهذا اشترط في جواز الحمى: أن لا يكون في قدر يضيق على المسلمين؛ لأنه أنما جاز لما فيه من المصلحة، وليس من المصلحة إدخال الضرر على أكثر المسلمين بالتضييق عليهم.

(وله) أى: وللإمام إذا حمى محلاً (نقضُ ما حماه) باجتهاده (أو) حماه

(غيره من الأئمة)؛ لأن حمى الأئمة اجتهاد فيجوز نقضه باجتهاد آخر. وينبغي على ذلك أنه لو احياه إنسان ملكه؛ لأن ملك الأرض بالإحياء منصو ص عليه. والنص مقدم على الاجتهاد.

وقيل: لا يجوز لإمام نقض ما حماه غيره من الأئمة، كما لا يجوز له نقض

حكمه.

(لا ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهلا يجوز لأحد نقضه؛ لأن النص

(3)

لا

ينقض با لاجتهاد.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(14) 1: 4 بمعناه

(2)

سبق تخريجه ص (37) رقم (2)

(3)

في أ: النقض.

ص: 39

(ولا يملك بإحياء ولو لم يحتج إليه) أى: إلى ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في " الإنصاف ": لكن لو زالت الحاجة إليه فهل يجوز نقضه؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا يجوز. وهو الصحيح من المذهب. وهو ظاهر كلام كثير من

الأصحاب، وجزم به في " الوجيز " وغيره. انتهى.

وإذا كان الحمى لكافة الناس تسوى فيه جميعهم. فإن خص به المسلمون اشترك فيه غنيهم وفقيرهم ومنع منهأهل الذمة. وإن خص به الفقراء منع منه الأغنياء وأهل الذمة.

ولا يجوز أن يخص به الأغنياء دون الفقراء ولاأهل الذمة. فلو امتنع الحمى

المخصو ص لعموم الناس جاز أن يشتركوا به؛ لإرتفاع الضرر على من يخص به، ولو ضاق الحمى العام عن جميع الناس لم يجز أن يختص به أغنياؤهم.

وفي فقرائهم قول.

ولا يجوز لأحد أن يأخذ من أرباب الدواب عوضاً من رعي موات أو حمى؛

لأنه عليه السلام شرِّك الناس فيه. قاله في " الأحكام السلطانية ".

ص: 40

[فصل: في أحكام الأنتفاع بالمياه غير المملوكلة]

(فصل) يذكر فيه مسائل من أحكام الأنتفاع بالمياه غير المملوكة ونحو ذلك.

ثم الماء لا

(1)

يخلو من حالين: إما أن يكون جارياً أو واقفاً. فإن كان جارياً

فهو ضربان:

* أحدهما: أن يكون في نهرٍ غير مملوك. وهو قسمان:

أحدهما: أن يكون نهراً عظيماً؛ كالنيل والفرات وما أشبههما من الأنهار العظيمة التي لا يستضر أحد بسقيه منها. فهذه لكل أحد أن يسقي منها ما شاء متى شاء.

القسم الثانى: أن يكون نهراً صغيراً أو سيلاً يتشاحِّ الناس في مائه. وهذا المشار إليه بقوله:

(ولمن في أعلا ماء غير مملوك؛ كالأمطار والأنهر الصغار: أن يسقي ويحبسه) أى: الماء (حتى يصل إلى كعبه، ثم يُرسله إلى من يليه) أى: من يلي من سقى أولاُ، (ثم هو) أى: الذي أرسل إليه الماء (كذلك) أى: يفعل كما فعل الأول، (مرتباً) أى: ثم الذي يليه يفعل كما فعلا. وعلى هذا يكون الحال إلى أن تنتهي الأراضي كلها (أن فضل شيء) عمن قلنا له السقي والحبس، (وإلا فلا شيء للباقي) أى: لمن بعده؛ لأنه ليس له إلا ما فضل. فهو

(2)

كالعصبة مع أهل الفروض في الميراث.

والأصل في هذا ما روى عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم: " قضى في شرب النخل من

(1)

ساقط من أ

(2)

فى أوب: فهم.

ص: 41

السيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين. ثم يرسل إلى الأسفل الذي عليه. وكذلك حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء "

(1)

. رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد.

وما روى عبد الله بن الزبير " أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شَرَاج الحرّة التي يسقون بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير! ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصاري. وقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك. فتلوَّن وجه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: يا زبير! اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر. قال الزبير: فوالله! أنى لأحسب هذه الآية نزلت فيه:

(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)[النساء: 65"]

(2)

. متفق عليه.

رواه مالك في " موطئه " عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن الزبير.

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: " نظرنا في قول النبي: ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر وكان ذلك إلى الكعبين ".

قا ل أبو عبيد: الشراج جمع شرح، والشرح: نهر صغير، والحرة: أرض ملبسة

(3)

بحجارة سود. والجدر الجدار.

وأنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أن يسقي ثم يرسل الماء؛ تسهيلاً على غيره. فلما قال الأنصاري ما قال استوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه.

وروى مالك في " الموطاً " أيضا ً عن عبد الله بن ابي بكر بن حزم أو بلغه:

" أن رسول الله قال في سيل مهزور ومذينيب: يمسك حتى الكعبين. ثم يرسل الأعلى على الأسفل"

(4)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(483 2) 2: 830 كتاب الرهون، باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء. وأخرجه أحمد في " مسنده " (22830) 5: 327

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(233 2) 2: 832 كتاب المساقاة، باب شرب الأعلى إلى الكعبين. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (2357) 4: 1829 كتاب الفضائل، باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم

(3)

في ب: ملتبسة.

(4)

أخرجه مالك في " موطئه "(28) 2: 570 كتاب الأقضية، باب القضاء في المياه.

ص: 42

قال ابن عبد البر: هذا حديث مدنى مشهور عند أهل المدينة، معمول به عندهم.

قال عبد الملك بن حبيب: مهزور ومذينيب واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر ويتنافس أهل الحوائط في سيلهما.

وروى ابو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك " أو سمع كبراءهم يذكرون أن رجلاً من قريش كان له سهم في بني قريظة. فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور السيل الذي يقتسمون ماءه. فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء إلى الكعبين. لا يحبس الأعلى على الأسفل "

(1)

ولأن من أرضه قريبة من فوهة النهر أسبق إلى الماء. فكان أولى به؛ كمن سبق إلى المشرعة.

(فإن كان لأرض أحدهم أعلى وأسفل) يعني: أو من كانت أرضه مختلفة

منها مستعلية ومنها مستفلة: (سقى كلاً) من ذلك (على حدته) أى: على انفراده.

(ولو استوى اثنان فأكثر في قرب) من أول النهر، (قُسم) الماء بينهم (على قدر الأرض) أى: أرض كل منهم. فلو كان لأحدهم جريب ولآخر جريبان ولآخر ثلاثة: كان لرب الجريب السدس، ولرب الجريبين الثلث، ولرب الثلاثة النصف؛ لأن الزائد في أرض من أرضه أكثر مسأى في القرب. فاستحق جزءاً من الماء؛ كما لو كانوا ستة لكل وأحد منهم جريب فإنهم كانوا يستوون في الماء.

ومحل ذلك: (أن أمكن) قَسّمه، (وإلا) أى: وأن لم يمكن قسمه (أقرع) بينهم. فمن خرجت له القرعة قدم بالسقي. فيسقي منه بقدر حقه. ثم يقرع بين الآخرين فمن قرع سقى بقدرحقه ثم تركه للاخر.

وليس لمن تخرج له القرعة أن يسقي بجميع الماء؛ لأن من لم تخرج له

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3638) 3: 316 كتاب الأقضية، أبواب من القضاء.

ص: 43

يساويه في استحقاق الماء، وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل الحق. بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل عن الأعلى. وهذا معنى قول المتن:

(فإن لم يفضل عن وأحد سقى القارع بقدر حقه) يعني.: أن الماء لو كان قليلاً بحيث لا يفضل عن كفاية أرض من خرجت له القرعة لا يسقي منه إلا بقدر ماله فيه؛ لئلا يستهلك شيئاً من حصة شريكيه أو شريكه فيفوت به الحق أو بعضه.

(وأن أراد إنسان إحياء أرض بسقيها منه) أى: من السيل والنهر الصغير:

(لم يمنع) أى: ليس لمن له حق في هذا الماء منعه من الإحياء؛ لأن حقه في الماء لا في الموات. (ما لم يضر بأهل الأرض الشاربه منه) فإنهم يملكون منعه؛ لأنه حيث كان ذلك يضرهم كان لهم دفيع الضرر الحاصل من ذلك يمنعه.

(و) حيث كان ذلك لم يضرهم وفعل (لا يسقي قبلهم)؛ لأنهم أسبق إلى النهرمنه.

ولأن من ملك أرضاً ملكها بحقوقها ومرافقها فلا يملك غيره إبطال حقوقها، وسبقهم إياه بالسقي من حقوقها.

وقيل: لهم منعه أن كان ما يريد إحياءه أقرب إلى رأس النهر من

(1)

أرضهم؛ لئلا يصير ذلك ذريعه إلى منعهم حقهم من السقي؛ لتقديمه عليهم بالقرب إذا طال الزمان وجُهل الحال.

وقيل: وله أن يسقي قبلهم.

(و) على الأول (لو أحى) إنسان (سابق) غيره مواتاً (في أسفله) أى: النهر، (ثم) أحيى إنسان (آخر) مكاناً (فوقه) أى: فوق الذي أحياه الأول، (ثم) أحيى إنسان (ثالث) مكاناً (فوق) مكان (ثان) وأرادوا السقي: (سقى

(1)

فى أوب: في.

ص: 44

المحي أولاً) وهو الأسفل، (ثم ثان) في الإحياء وهو الذي فوق الأسفل، (ثم ثالث) في الإحياء وهو الذي فوق الثانى. وإنما كان كذلك، لأن العبرة في التقدم بالسبق إلى الإحياء لا إلى أول النهر.

وقيل: بل العبرة بالسبق إلى أول النهر فينعكس ذلك.

في الضرب الثانى: الماء الجاري في نهر مملوك. وإلى ذلك أُشير بقوله:

(وأن حُفر نهر صغير وسبق ماؤه من نهر كبير: مُلك) أى فيصير حافره مالكاً للماء الداخل إليه وقراره وحافتيه بأنتهاء الحفر إلى قصده.

(وهو) أى: هذا النهر يكون (بين جماعة) اشتركوا في حفره، (على حسب عمل ونفقة)، لأنه أنما مُلك بالعمارة، والعمارة بالنفقة.

(فإن) كفاهم لما يحتاجون إليه منه فلا كلام، وأن الم يكفهم وتراضوا على قسمته) بالمهأىأة أو غيرها:(جاز)، لأنه حقهم لا يخرج عنهم.

(وإلا) أى: وأن لم يتراضوا على قسمته بأن تشاحوا في قسمته (قسمه حاكم على قدر ملكهم) أى: قسم لكل وأحد من الماء بقدر ما يملك من النهر.

فتؤخذ خشبة صلبة أو حجر مستوي الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستوٍ من الأرض في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوىة في السعة.

فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك.

فإن كان لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه وللاخر سدسه: جعل فيه ستة ثقوب: لصاحب النصف ثلاثة نصب في ساقيته، ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب السدس واحد.

وأن كان لوأحد الخمسان والباقي لأثنين يتساوىان فيه: جعل عشرة ثقوب لصاحب الخمسان أربعة نصب في ساقيته، ولكل وأحد من الاخرين ثلاثة نصب في ساقية له،

وأن كان النهر لعشرة لخمسة منهم أراضي قريبة من أول النهر ولخمسة أراضي بعيدة: جعل لأصحاب القريبة خمسه ثقوب، لكل واحد ثقب، وجعل

ص: 45

للباقين خمسة تجري في النهر حتى تصل إلى أرضهم ثم يقسم بينهم قسمة أخرى.

وأن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقيه غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز إلا برضاه؛ لأنه متصرف في ساقيته ويخرب حافتيها بغير إذنه ويخلط حقه بحق غيره على وجه لا يتميز. فلم يجز ذلك.

إذا تقرر هذا (فما حصل لأحدهم في ساقيته تصرف فيه بما أحب)؛ لأنه أنفرد بملكه. فله أن يسقي به ما شاء من الأرض. سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لا؛ كما لو أنفرد به من أصله. وله أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو غير ذلك؛ لأنها ملكه لأحق لغيره فيها.

(والمشترك ليس لأحدهم أن يتصرف فيه بذلك) ولا نحوه بغير إذن شركائه. لكن لكل إنسان أن ياً خذ من الماء الجاري المملوك وغيره لشربه ووضوءه وغسله وغسل ثيابه والأنتفاع به في أشباه ذلك، مما لا يؤثر فيه من غير إذن مالكه إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه.

ولا يحل لصاحبه المنع من ذلك؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان بفضل ماء بالطريق فمنعه ابن السبيل

"

(1)

رواه البخاري.

فاً ما ما يؤثر فيه؛ كسقي الماشية الكثيرة ونحو ذلك فإن فضل الماء عن حاجة صاحبه لزمه بذله كذلك، وإلا فلا. وقد تقدم حكمه.

(ومن سبق إلى قناة لا مالك لها. فسبق) إنسان (آخر إلى بعض أفواهها من فوق أو) من (أسفل: فلكل) منهما (ما سبق إليه) من ذلك.

(ولمالك أرض منعه من الدخول بها، ولو كانت رسومها) أى: القناة (في

(1)

أخرجه البخاري في " صمحيحه "("223) 2: 831 كتاب المساقاة، باب إثم منع ابن السبيل من الماء

ص: 46

أرضه، و) أو (لا يملك تضييق مجرى قناة في (رضه: خوف لص)؛ لأنه لصاحبها. نص على الكل.

وقال أبو بكر: إن لم يصل إلى عمارتها إلا في الأرض فليس له منعه.

قال في " الفروع ": يعني على رواية حنبل، وقد ذكر إجبار عمر محمد بن مسلمة على إجراء الماء في أرضه كل ما كان على هذه الجهة. وفيه ضرر يمنع صاحبه. فإن أجاب وإلا أجبره السلطان.

ونقل المروذي في نهر لضياع: أكره الاستئجار عليه.

ونقل يعقوب فيمن غصب حقه من ماء مشترك: للبقية أخذ حقهم.

(ومن سَدَّ له ماء لجاهه. فلغيره السقي منه لحاجة: ما لم يكن تركه يردُه على من سُدَّعنه).

نقل مثنى: من سد له الماء لجاهه أفأسقي منه إذا لم يكن تركي له يرده على

من يسد عنه؟ فأجازه بقدر حاجتي. انتهى.

ص: 47

[باب: الجعالة]

هذا (باب) يذكر

(1)

فيه مسائل من أحكام الجُعالة. بتثليث الجيم عن ابن مالك.

وهي مشتقة من الجُعْل بمعنى التسمية. ومنه قوله تعالى {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}

[الزخرف: 19]. أى: سمو هم.

ولأن الجاعل يسمي الجُعْل لمن يعمل له العمل بذكره له.

وقيل: من الجُعْل بمعنى الآيجاب، يقال: جعلت له كذا، أى: أوجبت. ويسمى ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله جُعلاً وجُعالة وجعيلة. قاله ابن فارس. والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ)[يوسف: 72].

وكان معلوماً عندهم، كالوسق. وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يكن في شرعنا ما يخالفه.

وحديث اللديغ

(2)

شاهد بذلك

(3)

.

(1)

فى ب: تذكر.

(2)

في ب: اللذيع

(3)

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: " أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم فبينماهم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل معكم من دواء أوراق فقالوا: إنكم لم تعرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء فجعل يقرأ بأم القرأن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فضحك وقال: وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم ". أخرجه البخاري في " صحيحه "(5404) 5: 2166 كتاب الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب

ص: 48

مع أن الحكمة تقضيه والحاجة تدعو إليه. فإن قد لا يوجد من يتبرع بالعمل فاقتضت جواز ذلك.

ثم (الجعالة) شرعا: (جَعْلُ) أى: تسمية مال (معلوم) إن كان من مسلم 0 (لا) إن كان (من مال محارب) فإنه لا يشرط فيه العلم. (يصح مجهولاً لمن) متعلق بجعل (يعمل له) أى: للجاعل (عملاً ولو.) كان العمل (مجهولاً)، كمن خاط لي ثوباً فله كذا. (أو) لمن يعمل له (مدة ولو مجهولة) " كمن حرس زرعي

(1)

فله في كل يوم كذا.

ومثاله في العمل المعلوم والمدة المعلومة، (كمن رد لقطتي، أو بنى لي

هذا الحائط، أو) من (أقر ضني زِيدَ بجاهه ألفاً، أو أذن بهذا المسجد شهراً فله كذا، أو من فَعَلهُ من مِدِينيّ) أى: ممن لي عليهم الدين (فهو بريء من كذ).

قال في " الإنصاف ": فائدة: الجُعالة نوع إجارة لوقوع العوض في مقابلة منفعة. وإنما تُميز بكون الفاعل لم يلتزم الفعل، وبكون العقد قد يقع مبهما لا مع معين.

ويجوز في الجعالة الجمع بين تقدير المدة ؤالعمل، على الصحيح من المذهب.

وقيل: لا، كالإجا رة.

وتقدم ذلك في الإجاره أيضاً. انتهى.-

أما كون ذلك يصح مع كونه تعليقاً؛ فلأنه في معنى المعاوضة لا تعليقاً محضاً.

وأما كونه يصح في قوله: فهو بريء من كذا، فلأن تعليق الإسقاط أقوى من تعليق الإشغال.

(1)

في أ: زرعين.

ص: 49

ومن كون ذلك في معنى المعاوضة اشتُرط كون الجُعْل من مسلم معلوم

(1)

"

لأنه يستقر على الجاعل بتمام العمل " كالأجرة.

وقيل: بصحتها مع جهالة الجُعْل إن لم يمنع التسليم، كقوله: من رد ضالتي فله ثلثها. بخلاف قوله فله شيء. أخذاً من قول الإمام قي الغزو: من جاء بعشرة رؤوس فله رأس.

فعلى هذا لو كانت الجهالة تمنع من التسليم لم تصح الجعالة وجهاً واحداً. وحينئذ فيستحق العامل أجرة المثل، لأنه عمل بعوض لم يسلم له. فاستحق أجر المثل، كالإجارة.

وأما كون الجُعالة تصح في: من أقر ضني زِيدَ بجاهه ألفاً فله كذا، فلأنه في مقابلة ما بذله من جاهه، من غير تعلق له بالمقرض.

وأما كونه يشترط أن يكون العمل للجاعل، فلأن النفيع الواقع لفاعله لا تنعقد الجُعالة عليه، لأجتماع الأمرين له. ولهذا امتنع عقد الإجارة عليه. فلو قال: من ركب دابته أو خاط قميصه فله كذا لم ينعقد ذلك جعالة. والله أعلم.

وقيل: بلى.

وقيل: إن كان لأجنبي، كمن بنى حائط فلان فله كذا أنعقدت جعالة.

إذا تقرر هذا (فمن بلغه) الجُعْل على ذلك الفعل الذي ليس نفعه لفاعله ولا لأجنبي (قبل فعله: استحقه به) أى: بفعله إياه؛ لأن العقد استقر بتمام العمل. فاستحق ما جعل له؛ كالربح في المضاربة.

(و) من بلغه الجُعْل (في أثنائه) أى: العمل: (فحِصَّة تمامه) أى: فأنه يستحق من الجُعْل بقسط ما بقي من العمل فقط، لأن عمله قبل بلوغه الجُعْل وقع غير ماًذون فيه. فلم يستحق عنه عوضاً؛ لأنه بذل منافعه متبرعاً بها.

ومحل ذلك: (أن أتمه بنية الجُعْل.

(1)

في أوب: معلوما.

ص: 50

و) لهذا لو لم يبلغه الجُعْل إلا (بعده) أى: بعد تمام العمل: (لم يستحقه) أى: الجُعْل والأشياء منه، لأنه لم يبلغه إلا بعد تمام العمل، (وحرُم) عليه (أخذه).

نقل حرب: في اللقطة: أن وجد ما سمع النداء فلا باًس أن ياً خذ منه وإلا ردها ولا جُعل. انتهى.

وعلم مما تقدم أن لو اشترك جماعة في العمل الذي يستحق به الجُعْل اشتركوا في استحقاق الجُعْل. بخلاف ما لو قال: من دخل النقب فله دينار فدخله جماعة استحق كل واحد منهم ديناراً، لأنه قد دخل دخولاً كاملاً. بخلاف رد اللقطة ونحوها فإنه لم يردها وأحد منهم رداً كاملاً.

ومن نحو ذلك لو قال: من نقب

(1)

السور فله دينار. فنقبه ثلاثة نقباً واحداً اشتركوا في الدينار، وإن نقب كل واحد نقباً استحق كل واحد ديناراً.

ولو جعل لإنسان في رد آبق ديناراً ولآخر ديناران ولآخر ثلاثة دنانير فرده الثلاثة. فلكل وأحد منهم ثلث ما جُعل له في رده.

فلو جعل لواحد ديناراً ولأخرين عوضاً مجهولاً. فردوه: فلصاحب الدينار

ثلث الدينار، وللأخرين أجرة عملهما.

وإن جعل لإنسان جعلاً فرده هو وآخران معه وقالا: رددناه معاونة له: استحق جميع الجُعْل. وإن قالا: رددناه لنأخذ العوض فلا شيء لهما وله ثلث الجُعْل.

فائدة:

قال في " الإنصاف ": لو قال: من داوى له هذا حتى يبرأ من جرحه أو رمده فله كذا: لم يصح مطلقاً، على الصحيح من المذهب، قدمه في " الرعايتين " و" الحا وي الصغير " و" الفائق " وغيرهم، واختاره القاضي.

(1)

في أ: ثقب.

ص: 51

وقيل: يصح جعالة. اختإره ابن أبي موسى والمصنف. نقله الزركشي في

الإجارة.

وقيل: يصح إجارة. انتهى.

(و) إن قال إنسان: (من رد عبدي فله كذا. وهو) أى: الجُعْل المسمى

(أقل من دينار، أو) أقل من (اثني محشر درهما) من فضة، (اللذين قدرهما الشارع) في رد الآبق:(فقيل: يصح) ذلك، (وله) أى: للذي يرد (برده)

أى: الآبق (الجُعْل ققط). قدم ذلك في " الفروع ". وهو ظاهر كلام غيره.

ووجهه: أو رده على ذلك فلم يستحق غيره.

(وقيل): لا تصح التسمية. ولمن

(1)

يرده (ما قدر الشارع) له. قطع به

الحا رثي.

ووجهه: أن من أوجب عليه الشارع شيئاً مقداراً من المالط عند وجود سبب:

استقر عليه كاملاً بوجود سببه؛ كدفع ربع مال الكتابة عند اداء مالها كاملاً للمكاتب. وما ذكرت من كون الشارع قدر في رد الابق ديناراً أو اثني عشر درهماً هو الصحيح.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب.

قال في " الرعاية " و" شرح الحارثي " وغيرهما: وسواء كان يساويها

أو لا. انتهى.

قال في " الفروع ": ويستحق برد آبق مطلقاً؛ لئلا يلحق بدار الحرب أو

يشتغل بالفساد ديناراً أو اثني عشر درهما.

وعنه: أربعين درهما من خارج المصر.

وعنه: ومنه عشرة. استقرت عليه الرواية. قاله الخلالط وجزم به في " عيون

(1)

في أ: لمن.

ص: 52

المسائل "، وأن الرواية الصحيحة من خارج المصر ديناراً أو عشرة دراهم. انتهى.

ونقل ابن منصور: سئل أحمد عن جُعل الآبق؛ فقال: لا أدري قد تكلم الناس فيه. لم يكن عنده فيه حديث صحيح.

قال في " المغني ": فظاهر هذا أن لا جُعل فيه. وهو ظاهر قول الخرقي ..

فإنه قال: وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه ولم يذكر جعلا. انتهى.

قال في " الإنصاف ": وعنه: لا شيء لراده من غير جعالة. اختاره المصنف. انتهى.

والقول بتقدير الدينار أو اثني عشر درهماً يروى عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما.

وروى عمرو بن دينار وابن أبي مليكة مرسلا " أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في جُعل الآبق إذا جاء به خارجاً من

(1)

الحرم ديناراً "

(2)

.

(ويستحق من ردَّ) آبقاً (من دون معينة) أى: من دون مسافة عينها الجاعل

في الجعالة (القسط) من الجُعْل المسمى. فإن كان المحل الذي رده منه نصف المسافة استحق نصف المسمى وإن كان أقل أو أكثر فبحسابه.

(و) إن رده (من أبعد) من المسافة فله (المسمى فقط)؛ لأنه لم يجعل للزائد على المسافة عوضاً. فلم يستحق الراد في مقابله شيئا.

(و) يستحق (من ردَّ أحد آبقين نصفه) أى: نصف الجُعْل عن ردهما؛

لأنه رد نصفهما.

ولا يستحق واجد آبق بهربه قبل تسليمه شيئاً؛ لأنه شرط الجُعْل برده ولم

(1)

في أ: عن.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(21932) 4: 446 كتاب البيوع والأقضية، جعل الآبق

ص: 53

يرده. وكذا لو مات؛ كما لو

(1)

استأجره لخياطة ثوب فخاطه ولم يسلمه حتى تلف. فإن كان الجاعل قال: من وجد لقطتي فله دينار فقد وُجد الوُجدان.

قلنا: قرينة الحال تدل على اشتراط الرد، والمقصود هو الرد لا الوجدان المجرد. وأنما اكتفى بذكر الوجدان؛ لأنه سبب الرد. فصار كأن قال: من وجد لقطتي فردها علي. قاله في " المغنى ".

والجعالة: عقدٌ جائز من الطرفين. لكلٍ من الجاعل والمجعول له المعين فسخها.

(وبعد شروع عامل) في العمل: (إن فسخ جاعل فعليه) للعامل (أجرة)

مثل (عمله)؛ لأنه عمل بعوض ولم يسلم له. فكان له أجرة مثله.

وعلم مما تقدم أنه إذا عمل شيئاً بعد الفسخ أنه لا أجرة له؛ لأنه عملٌ غير مأذون فيه.

(وإن فسخ عامل) قبل إتمام العمل: (فلا شيء له)؛ لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شُرِط عليه؛ كعامل المضاربة.

ومتى زاد الجاعل أو نقص في الجُعْل قبل الشروع في العمل جاز وعمل به بعده؛ لأنه عقد جائز. فجاز فيه ذلك؛ كالمضاربة.

(ويصح) في جعالة (الجمع بين تقدير مدة وعمل)؛ كمن بنى لي هذا الحائط في يوم فله كذا؛ لأنه عقد يصح مع جهالة المدة والعمل، للحاجة إلى ذلك؛ لأن الجُعْل قد يكون على رد شئ لا يدرى محله ولا متى يقدر عليه. فكونها تصح مع تقدير المدة والعمل من باب أولى.

(وإن اختلفا) أى: الجاعل والعامل (في أصل جُعل: فقول من ينفيه) منهما؛ لأن الأصل عدمه.

(و) إن اختلفا (في قدره) أى: الجُعْل (أو) في قدر (مسافة)؛ كما لو

قال الراد للآبق لسيده: جعلت في رده عشرين درهما. فقال: بل خمسة عشر.

(1)

ساقط من أ

ص: 54

أو قال: جعلت هذا الجُعْل لمن يرده من بريد. فقال: إنما جعلته لمن يرده من بريدين: (فقول جاعل) فيهما؛ لأنه منكر، والأصل براءة ذمته مما لم يعترف وقيل: يتحالفان فيهما كالأجير، ويجب أجر المثل.

وقيل: في آبق المقدر شرعاً.

وكذا لو اختلفا في عين العبد الذي جعل الجُعْل في رده، بأن قال العامل: جعلت لمن رد عبدك فلاناً دينارين وقد رددته. فقال المالك: إنما جعلتهما لمن رد عبدي الآخر: فالقول قوله؛ لأنه أعلم بشرطه.

ولأنه منكر والأصل براءة ذمته.

(وإن عمل) إنسان (ولو المعد لأخذ أجرة) على عمله (لغيره عملاً بلا إذن

أو) بلا (جُعل) ممن عمل له العمل: (فلاشيء له)؛ لأنه بذل منفعته من غير عوض. فلم يستحقه.

ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلتزمه ولم تطب نفسه به.

(إلا في تخليص متاع غيره، ولو) كان المتاع (قنا من بحر أو فلاة) يظن هلاكه في تركه (فأجر مثله).

قال في القاعدة الرابعة والسبعين

(1)

ومنها: من أنقذ مال غيره من التلف؛ كمن خلص عبد غيره من فلاة مهلكة أو متاعه من موضع يكون هلاكه فيه محققاً أو قريباً منه؛ كالبحر وفم السبع: فنص أحمد على وجوب الأجرة له في المتاع. وذكره القاضي وابن عقيل وصاحب " المغني " في العبد أيضاً. وحكى القاضي فيه احتمالا بعدم الوجوب كاللقطة. وأورد في " المجرد " عن نص أحمد: فيمن خلص من فم السبع شاة أو خروفا أو غيرهما. فهو لمالكه الأول ولا شيء للمخلص.

(1)

في الأصول: الرابعة والثمانين. والنص المنقول من القاعدة الرابعه والسبعين. ر"القواعد " ص: 136

ص: 55

والصحيح الأول؛ لأن هذا يخشى هلاكه وتلفه على مالكه. بخلاف اللقطة.

وكذلك لو أنكسرت السفينة فخلِّص قوم الأموال من البحر فأنه تجب لهم الأجرة على الملاك

(1)

. ذكره في " المغني "؛ لأن فيه حثا وترغيبا في إنقاذ الأموال من الهلكه. فإن الغواص إذا علم أنه يستحق الأجر ة غرر بنفسه وبادر إلى التخليص

(2)

. بخلاف ما إذا علم أن لا شيء له فهو في معنى رد الآبق.

وفي مسودة " شرح الهداية " لأبي البركات: وعندي أن كلام أحمد على ظاهره في وجوب الأجرة على

(3)

تخليص المتاع من المهالك دون الادمي؛ لأن الادمي أهل

(4)

في الجملة لحفظ نفسه. انتهى.

وفيه نظر فقد يكون صغيراً وعاجزاً، وتخليصه أهم وأولى من المتاع. وليس في كلام أحمد تفرقة.

فاً ما من عمل في مال غيره على غير ما ذكرنا فالمعروف من المذهب: أن

لا أجرة له.

ونقل أبو جعفر الجرجرائي عن أحمد: في رجل عمل في قناة رجلٍ بغير إذنه فقال: لهذا الذي عمل نفقته إذا عمل ما يكون منفعة لصاحب القناة. وهذه تتخرج على أصلين:

أحدهما: أن الغاصب يكون شريكا بآثار عمله.

والثانى: أن يجبر على أخذ قيمة آثار عمله من المالك ليتملكها عليه.

وصرح القاضي في " خلافه " باً نه يكون شريكاً بآثار عمله إذا زادت به القيمة حتى في غسل الثوب ونحوه. وذكر نص أحمد في العمل في القناة من رواية حرب وابن هانئ. انتهى.

(1)

كذا في " القواعد "، وفى أوب: الأملاك. وفي ج: المالك.

(2)

في ب: التخلص

(3)

فى أوب: من

(4)

كذا في " القواعد ". وفي الأصول: الأصل

ص: 56

(و) إلا في (رد آبق: من ّقِن ومُدَبِّر وأمَّ ولد أن لم يكن) الراد (الإمام:

فـ) إن لراده (ما قدر الشارع) في رده.

قال ابن رجب: والمعني فيه الحث على حفظه على سيده وصيانة العبد عما

يخاف من لحاقه بدار الحرب والسعي في الأرض بالفساد. ولهذا المعنى اختص الوجوب برد الآبق دون غيره من الحيوان والمتاع، وسواء كان معروفا برد الآبق أو لم يكن، إلا السلطان فإنه لا شيء له. نص عليه في رواية حرب، لأنتصابه للمصالح وله حق في بيت المال على ذلك ولذلك لم يكن له الأكل من مال اليتيم كماسبق. انتهى.

ومحل ذلك: (ما لم يمت سيد مدبر وأم ولد، قبل وصول: فيعتقا، ولا

شيء له) " لأن العمل لم يتم؛ لكون العتيق لا يسمى آبقا.

(أو يهرب) الآبق ممن وجده قبل وصوله؛ لأنه لم يرد شيئا.

(ويأخذ) واجده (ما أنفق عليه أو على دابة) يجوز التقاطها (في قوت،

ولو هرب أو لم يستأذن مالكاً مع قدرة) على استئذانه.

أما كونه يرجع بما أنفق ولو لم يستأذن المالك مع القدرة على استئذانه؛

فلأن الإنفاق مأذون فيه شرعا لحرمة النفس.

وأما كون النفقة لا تسقط عن ذمة المالك بهرب المنفق عليه. نص عليه؛

فلأنها وقعت مأذوناً فيها شرعاً. أشبه ما لو وقعت بإذن المالك.

قال في " الفروع ": ويرجع بنفقته ولو لم يستحق جُعلاً؛ كرده من غير بلد سماه، أو هربه منه. لص عليه.

وقيل: بنية رجوعه.

وفي جواز استخدامه بها روايتان.

قال في " الإنصاف ": حكاهما أبو الفتح الحلوانى في " الكفاية "؛ كالعبد المرهون، وذكرهما في " الموجز " و" التبصرة ".

ص: 57

والصحيح من المذهب: أنه لا يجوز ذلك في العبد المرهون. فكذا هنا بطريق أولى. والله أعلم. انتهى.

(ويؤخذان) أى: الجُعْل والنفقة (من تركة) سيد (ميت)، لأنهما عوضان عن عمله وما أنفقه. فلا يسقطان بالموت، كسائر الحقوق.

ومحل ذلك: (ما لم ينو) الراد (التبرع) بالعمل والنفقة فإنه لا حق له إذا.

(وله ذبح مأكول خيف موته، ولا يضمن ما نقصه)، لأن العمل في مال الغير متى كان أنقاذاً له من

(1)

التلف المشرف عليه كان جائزاً بغير إذن من مالكه، ومن غير ضمان على المتصرف أن حصل به نقص. صرح بذلك في " المغني " و" الشرح" و" شرح ابن رزين " وغيرهم.

(ومن وجد آبقا: أخذه).

قال في " المغني ": ويجوز أخذ الآبق لمن وجده. وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأى ولا نعلم فيه خلافاً، وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب وارتداده واشتغاله بالفساد في سائر البلاد. بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها.

(وهو أمانة) عند أخذه إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه.

قال ابن رجب في القاعدة الثالثة والأربعين: ونص أحمد على من أخذ عبدا

ابقا ليرده فأبق منه فلا ضمان عليه. لكن قد يقال: هنا إذن شرعي في اخذ الآبق لر ده

(2)

. انتهى.

وليس لواجده بيعه ولا يملكه

(3)

بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل.

(1)

في أ: في.

(2)

في أوج: ليرده.

(3)

في أ: تملكه

ص: 58

(ومن ادعاه) أى: ادعى على واجده أن الآبق ملكه من غير بينة، (فصدقه الآبق) على ذلك:(أخذه) أى: استحق أخذه من واجده؛ لأنه إذا استحق أخذه بوصفه إياه. فبتصديقه على أنه مالكه أولى.

(ولنائب إمام) حصل الآبق في يده (بيعه لمصلحة)؛ لأنتصابه لذلك. (فلو قال) سيده: (كنت اعتقته) قبل البيع: (عمل به) أى: بهذا القول، ومن العمل به إلغاء البيع. وأنما قبل منه

(1)

ذلك؛ لأنه لا يجر به إلى نفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرارً ولم يصدر منه ما ينافيه.

وقيل: لا؛ كما لو باعه السيد ثم أقر بعتقه.

وعلى هذا يرد ثمنه إلى بيت المالك؛ لأن السيد يدعي عدم استحقاقه.

لكن أن عاد فإنكر العتق وطلب الثمن دفع إليه؛ لأنه لا منازع

(2)

له فيه.

والله سبحنه وتعالى أعلم

(3)

.

(1)

في أوب: قيل فيه.

(2)

في ج: منافع.

(3)

في ب: والله أعلم.

ص: 59

[باب: اللقطة]

(باب) يذكر فيه مسائل من أحكام اللُقَطَة.

قال في " القاموس ": واللقطة محرَّكْة وكحُزمْةِ وهُمزِة وثُمامةِ: ما التقط. انتهى.

ومراده بقوله: محر كه أى: مفتوحة اللام.

ثم (اللقطة) شرعاً: (مال)، كنقد ومتاع، (أو مختصٍ)؛ كخمرة الخلال (ضائع)، كالساقط من ماله من غير علمه (أو في معناه) أى: معنى الضائع " كالمتروك قصداً لأمر يقتضيه. ومنه المال المدفون

(1)

مستقر فيه الملك والاختصاص (لغير حربي)، لأنها إن كانت لحربي ملكها واجدها، كما لو ضل الحربي الطريق فأخذه إنسان فإنه يكون لأخذه.

والأصل في جواز ما يجوز من اللقطة ما روى زيد بن خالد الجهني قال:

" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق؛ فقال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة. فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك. فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه. وسأله عن ضالة الإبل فقال: ما لك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقائها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.

وسأله عن الشاة فقال: خذها. فمإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب "

(2)

متفق عليه. والوكاء: الخيط الذي يشد به المال في الخرقة.

والعفاص: الذي هي فيه من خرقة أو قرطاس أو غمره. قاله أبو عبيد.

(1)

في ج: المد فوع.

(2)

أخرجه البخاري في " صهحيحه "(2296) 2: 856 كتاب في اللقطة، باب ضالة الغنم

وأخرجه مسملم في " صحيحه "(1722) 3: 349؛ كتاب اللقطة.

ص: 60

والأصل في العفاص

(1)

: أو الجلد الذي يلبسه رأس القارورة.

وقوله: معها حذاؤها يعني: خفها؛ لأنه لقوته وصلابته يجري مجرى الحذاء.

وسقأوها: بطنها؛ لأنها تاًخذ فيه ماء كثيراً فيبقى معها يمنعها العطش

(2)

.

والضالة: اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة. والجمع: ضوال، ويقال لها أيضاً: الهوامي والهوافي والهوامل، قاله في " المغني ".

ثم الالتقاط يشتمل على أمانة واكتساب.

قال في " الإنصاف ": قال الحارثي: وللناس خلاف في الغالب منهما،

منهم من قال: الكسب. ووجه بأنه مآل الأمر. ومنهم من قال: الأمانه وهو الصحيح؛ لأن المقصود أىصال الشيء إلى أهله ولأجله شرع الحفظ والتعريف أولاً. والملك أخراً عند ضعف الترجي للمالك. انتهى.

(ومن أُخذ) بالبناء للمفعول (متاعه، وتُرك) بالبناء للمفعول أيضاً (بدله "

أى: شيء متمول غيره (فكلقطة).

قال في " الإنصاف ": نص عليه فى رواية ابن القاسم وابن بختان.

قال في " المغني ": ومن أخذ ثيابه من حمام ووجد بدلها أو أخذ مداسه وترك له بدلها: لم يملكه بذلك. قال ابو عبد الله فيمن سرقت ثيابه ثم وجد غيرها: لم يأخذها. فإذا أخذها عرفها منه ثم تصدق بها. إنما قال ذلك؛ لأن سارق الثياب لم يجر بينه وبين مالكها معاوضه تقتضى زوال ملكه عن ثيابه فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره ولا يعرف صاحبها فيعرفه كاللقطة. انتهى.

وقيل: لا يعرفه مع قرينة ققتضي السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيراً من. المتروكة وكانت مما لا تشتبه على الآخذ بثيابه ومدا سه؛ لأن التعريف إنما جعل في الضال الضائع عن ربه ليعلم به ويأخذه. وتارك هذه عالمأ بها راض

(1)

ساقط من أ

(2)

في أ: للعطش.

ص: 61

ببدلها عوضاً عما أخذه ولا يعترف أنه له. فلا يحصل في تعريفه فائدة.

قال في " الإنصاف ": قلت: وهو عين الصواب.

قال الحارثي: وهذا أحسن. انتهى.

(ويأخذ) الواجد (حقه منه) أى: من الموجود مكان متاعه (بعد تعريفه) على المذهب من غير رفعه إلى حاكم.

قال الموفق عن هذا: أو أقر ب إلى الرفق بالناس؛ لأن فيها نفعاً لمن سرقت ثيابه بحصول عوضٍ عنها، ونفعاً للآخذ إن كان سارقاً بالتخفيف عنه من الإثم، وحفظاً لهذه الثياب عن الضياع.

وقيل: يرفعها للحاكم ليبيعها ويدفع إليه ثمنها عوضاً عن ماله.

وقيل: يتصدق بالموجود بعد تعريفه.

وعلى الأول لو كانت الثياب المتروكة أكثر قيمة من الماًخوذة فإنما ياًخذ منها بقدر قيمة ثيابه؛ لأن الزائد فاضل عما يستحقه، ولم يرض صاحبها بتركها عوضا عما أخذه ويتصدق بالباقي.

(وهي) أى: اللقطة (ثلاثة اقسام): قسم يجوز التقاطه ويملك به، وقسم لا يجوز التقاطه ولا يملك بتعريفه، وقسم يجوز التقاطه ويملك بتعريفه. فالقسم الأول:(ما لا تتبعه همة أوساط الناس) يعني: ما لا يهتمون في طلبه.

قال في " القاموس ": والهِمة بالكسر وتفتح: ما هم به من أمر ليفعل. انتهى.

وذلك (كسوط) وهو الذي يضرب به. وفي " شرح المهذب ": هو فوق القضيب ودون العصا.

وفي " المختار ": هو سوط لا ثمرة له.

(وشِسْع) بتقديم المعجمة: أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين. (ورغيف) وتمرة، وكل ما لا خطر له، كخرقة وحبل لا تتبعهما الهمة:

ص: 62

(فيملك بأخذ) ويباج الأنتفاع به. نص عليه؛ لما روى جابر قال: " رخص النبي صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به "

(1)

. رواه أبو داود. وفي " التبصرة ": صدقته به أولى.

(ولا يلزمه تعريفه)؛ لأنه من قبيل المباحات. وعنه: بلى.

وقيل: مدة يظن طلب ربه له.

(ولا) يلزمه أيضاً (بدله) أى: بدل ما وجده مما لا تتبعه الهمة (إن وجد ربه) الذي سقط منه؛ لأن لاقطه ملكه بأخذه.

قال في " الفروع ": خلافاً للـ" تبصرة "، وكلامهم فيه يحتمل وجهين. انتهى.

(وكذا) في الحكم (لو لقي كناس ومن في معناه)؛ كالمقلش (قطعا صغاراً متفرقة) من فضة فإنه يملكها بأخذها، ولا يلزمه تعريفها ولا بدلها إن وجد ربها (ولو كثرت) بضم بعضها إلى بعض؛ لأن وجودها متفرقة يدل على أن أربابها متغأىرة.

وعنه: لا يعرض للشيء

(2)

اليسير.

قيل لأحمد في التمرة

(3)

يجدها أو يلقيها عصفوراً يأكلها؛ قال: لا. قال: أيطعمها

(4)

صبيا أو يتصدق؛ فال: لا يعرض لها. نقله ابو طالب وغيره واختاره عبدالوهاب الوراق.

(ومن ترك دابة بمهلكة أو فلاة لأنقطاعها) بعجزها عن المشي، (أو عجزه) أى: عجز مالكها (عن علفها) بأن لم يجد ما يعلفها فتركها: (ملكها أخذها).

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1717) 2: 138 كتاب اللقطة، باب في الشح

(2)

في أ: الشيء.

(3)

في ج: التمرة

(4)

في أ: أطعمها

ص: 63

قال في " المغني ": ومن ترك دابة بمهلكة فاًخذها إنسان فاً طعمها وسقاها

وخلصها ملكها. وبه قال الليث والحسن بن صالح وإسحاق، إلا أن يكون تركها ليرجع إليها أو ضلت عنه.

وقال مالك: هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها.

وقال الشافعي وابن المنذر: هي لمالكها. والاخر متبوع بالنفقة لا يرجع بشيء؛ لأنه ملك غيره. فلم يملك بغير عوض من غيررضاه؛ كما لو كانت في غير مهلكة. ولا يملك الرجوع؛ لأنه أنفق على مال غيره بغير إذنه. فلم يرجع بشيء؛ كما لو بنى داره.

ولنا: ما روى الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من وجد دابة قد عجز عنهاأهلها فسيبوها فأخذها فاً حياها فهي له ".

قال عبيد الله ين حميد بن عبد الرحمن فقلت: - يعني: للشعبي- من حدثك بهذا؛ قال: غير وأحد من اصمحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(1)

ورواه ابو داود بإسناده.

وفي لفظ عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من ترك دابة بمهلكة

فأحياها رجل فهي لمن أحياها ".

وروى الأول الدارقطني أيضاً.

ولأن في الحكم بملكها إحياءها وأنقاذها من الهلاك وحفظاً للمال عن الضياع ومحافظة على حرمة الحيوان. وفي القول باً نها لا تملك تضييع لذلك كله من غير مصلحة تحصل.

ولأنه نبذ

(2)

رغبة عنه وعجز عن أخذه. فملكه أخذه؛ كالساقط من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبة عنه. انتهى.

(1)

وأخرجه الدارقطني في " سننه "(59 2) 3: 68 كتاب البيوع

(2)

في أ: بذل.

ص: 64

(وكذا) أى: وكالقول فيما تقدم من كون أخذه يملكه بأخذه يقال في (ما يُلقى) من سفينة (خوف غرق) أى: من أجل ذلك؛ لأن هذا مال ألقاه صاحبه فيما يتلف بتركه فيه اختياراً منه فملكه من أخذه؛ كالذي ألقاه رغبة عنه.

القسم (الثانى) من أقسام اللقطة: وهو الذي لا يجوز التقاطه ولا يملك بتعريفه: (الضوال التي تمتنع من صغار السباع)؛ كالأسد الصغير والذئب وابن آوى.

وامتناعها إما لكبر جثتها؛ (كالإبل وبقر وخيل وبغال وحمر) أهلية.

وخالف الموفق فيها.

(و) إما لسرعة عدوها؛ (ظباء، و) إما لطيرانها؛ (طير، و) إما بنابها؛ (فهد، ونحوها) أى: نحو ما تقدم؛ كفيل وزرافة ونعامة وقرد وهر وقن كبير.

(فغير) القن الكبير (الابِق) مما تقدم ذكره (يحرُم التقاطُه)؛ لـ " قول النبي لما سئل عن ضالة الإبل: ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاها ترد الماء وتاًكل الشجر حتى يجدها ربها "

(1)

. وتقدم الحديث وهو متفق عليه.

ولما روى منذر ين جرير قال: " كنت مع أبي جرير بالتواريخ في السواد. فراحت البقر فرأى بقرة أنكرها. فقال ما هذه البقرة؛ قالوا: بقرة لحقت بالبقر. فأمر بها فطردت حتى توارت. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا ياً وي الضالة إلا ضال "

(2)

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

(1)

تقدم تخريجه ص (60) رقم (2)

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(0 172) 2: 139 كتاب اللقطة، باب في الشح.

وأخرجه ابن ماجه في سننه ") 53 5 2) 2 " 836 كتاب اللمطة، باب ضالة الأبل والبقر والغنم

وأخر ج أحمد في " مسنده، (19169) 4:

ص: 65

ولأحمد ومسلم من حديث زيد بن خالد قوله

(1)

: " لا ياً وي الضالة إلا ضال "

(2)

. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه: " من أخذ ضالة فهو ضال "

(3)

أى: مخطئ.

ولأن الأصل عدم جواز الالتقاط؛ لأنه مال غيره. فكان الأصل عدم جواز أخذه؛ كغير الضالة. وأنما جاز لحفظ المال على صاحبه، وإذا كان محفوظا لم يجز أخذه.

وبهذا قال الشافعي والأوزاعي وأبو عبيد.

وقال مالك والليث في ضالة الإبل: من وجدها في القرى عرفها ومن وجدها

في الصحراء لايَقْرْبها.

ورواه المزنى عن الشافعي.

وكان الزهري يقول: من وجد بدنة فليعرفها فإن لم يجد صاحبها فلينحرها

قبل أن تنقضي الأيام الثلاثة.

وقال أبو حنيفة: هي لقطة. أشبهت الغنم.

قال في " المغني ": وقياسهم يعارض صريح النص. وكيف يجوز ترك نص النبي صلى الله عليه وسلم وصريح قوله بقياس نصه في موضع اخر: على أن الإبل تفارق الغنم لضعفها أو قلة صبرها عن الماء. انتهى.

(ولا يُملك) ما حرُم التقاطه (بتعريف) له؛ لأنه متعد لعدم إذن المالك، وعدم إذن الشارع في ذلك. فهو كالغاصب.

ولا فرق في ذلك بين زمن الأمن والفساد، وبين الإمام وغيره.

(1)

ساقط من ب.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1725) 3: 1351 كتاب اللقطة، باب في لقطة الحاج.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (50) 2: 581 كتاب الأ قضية، باب القضاء في الضوال.

وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 191 كتاب اللقطه، باب ما يجوز له أخذه وما لا يجوز مما يجده ..

ص: 66

(و) لكن (لإمام ونائبه أخذه ليحفظه لربه). لا على أو لقطة؛ لأن للإمام

نظرا في حفظ مال الغائب.

وفي أخذ هذه على وجه الحفظ مصلحة لمالكها؛ لصيأنتها.

(ولا يلزمه) أى: يلزم الإمام أو نائبه (تعريفه) أى: تعريف ما أخذه ليحفظه،

لـ." أن عمر رضى الله تعالى عنه لم يكن يعرف الضوال ".

ولأنه إذا عرف من الإمام حفظ الضوال فمن كانت له ضالة فإنه يجيء إلى موضع الضوال. فمن عرف ماله اقام البينة عليه.

(ولا يؤخذ منه) أى: من الإمام أو نائبه (بوصف) أى: لا يكتفي فيها بالصفة؛ لأن الضالة قد كانت ظاهرة للناس حين كانت في يد مالكها فلا يختص بمعرفة صفاتها دون غيره. فلم يكن ذلك دليلاً. وتمكنه إقامة البينة عليها؛ لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرأو بملكه إياهًا.

وما يحصل عند الإمام من الضوال فإنه يشهد عليها ويجعل عليها وسماً باًنها ضالة، ثم أن كان له حِمى تركها ترعى فيه أن رأى ذلك، وإن رأى المصلحة في بيعها وحفظ ثمنها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحلبها ويحفظ. صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها فإن ذلك أحفظ لها، لأن تركها يفضي إلى أن تاً كل جميع ثمنها. وأن أخذها غير الإمام أو نائبه ليحفظها لصاحبها: لم يجز له ذلك ولزمه ضمانها؛ لأنه لا

(1)

ولاية له على صاحبها.

قال في " المغني ": وهذا

(2)

ظاهر مذهب الشافعي. ولأصحابه وجه: أن

له أخذها لحفظها قياسا على الإمام. ولا يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع أخذها من غير تفريق بين قاصد الحفظ وقاصد الالتقاط.

ولا يصح القياس على الإمام؛ لأ ن له ولاية وهذا لا ولاية له. انتهى.

(ويجوز التقاط صيود متوحشة) بحيب (لو تركت رجعت إلى الصحراء

(1)

ساقط من أ

(2)

من ب: وهو

ص: 67

بشرط عجز ربها) عنها؛ لأن تركها والحالة هذه أضيع لها من سائر الأموال. والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها، ولو كان المقصود حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان. فإن الدينار دينار حيثما كان.

قال في " الإنصاف ": قطع به المصنف والشارح واقتصر عليه الحارثي.

قلت: فيعاى بها، وظاهر ما قدمه في " الفروع " عدم الجواز.

قلت: وهو ضعيف. انتهى.

(ولا يملكها بالتعريف)؛ لما تقدم من كونه يحفظها لصاحبها؛ لأنه يكون كالمودَع.

وقال في " المغنى " عن الضالة التي لا يجوز التقاطها من غير مقتض: وأن وجدها في موضع يخاف عليها به مثل أن يجدها في أرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها أن تركت به، أو قريبا من دار الحرب يخاف عليها من أهل ها، أو بموضع يستحلأهله أموال المسلمين كوادي التيم، أو في بريه لا ماء فيها ولا مرعى: فالأول جواز أخذها للحفظ. ولا ضمان على أخذها؛ لأن فيه أنقاذها من الهلاك. فأشبه تخليصها من غرق أو حريق. فإذا حصلت في يده سلمها إلى نائب الإمام وبرئ من ضمانها. ولا يملكها بالتعريف؛ لأن الشرع لم يرد بذلك فيها. انتهى.

قال في " الإنصاف " بعد أن ذكر المساً لة عن الموفق ومن تبعه: قال الحا رثي: وهو كما قال، وجزم به في " تجريد العناية ".

قلت: لو قيل بوجوب أخذها والحالة هذه لكان له وجه. انتهى.

و (لا) يجوز التقاط (أحجار طواحين، وقُدور ضخمة، وأخشاب كبيرة) ونحوها مما يتحفظ بنفسه؛ كمدافع النفط؛ لأن هذه لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكا نها فهي أولى بعدم التعرض من الضوال؛ لأن الضالة متعوضة في الجمله للتلف إما بالسبع وإما بالجوع والعطش وغير ذلك. وهذه بخلاف ذلك. قال في " الإنصاف ": قال ابن عقيل في " الفصول " والمصنف والشارح

والزركمثي وجماعة: احجار الطواحين والقدور الضخمة والأخشاب الكبيرة ونحوها: ملحقة بالإبل في منع الالتقاط.

ص: 68

قال الحارثي: وظاهر كلام غير واحد من الأصحاب: جواز الالتقاط.

وكذا نصه في رواية حنبل. انتهى.

وقال في " الفروع " بعد أن ذكر أنه يحرم التقاط ممتنع عن سَبُع صغير: وله

التقاط غيره من حيوان، وغيره غير ممتنع بنفسه؛ كخشبة كبيرة.

وعنه: نحو شاه.

وعنه: وعوض 0 انتهى.

فتحصل من ذلك وجود خلاف في المسألة. وقد قدم في " التنقيح " عدم

جواز الالتقاط وتابعته على ما قدمه. والله أعلم بالصواب.

(وما) أخذه إنسان مما (حرُم التقاطه: ضمنه أخذه إن تلف أو نقص؛)

ضمان (غا صب) ولو كان الإمام أو نائبه وأخذه على سبيل الالتقاط لا على سبيل الحفظ؛ لأن التقاط ذلك غير مأذون فيه من الشارع.

(لا) إذا كان الماً خوذ (كلباً): فإنه لا ضمان فيه مع كونه يحرم التقاطه.

وفيه وجه؛ لأنه ليس بمال.

(ومن) التقط ما لا يجوز التقاطه و (كتمه) عن ربه ثم أقر به أو قامت بينة (فتلف: فقيمته مرتين) عليه لربه.

قال في " المحرر ": ومن التقطه وكتمه حتى تلف ضمنه بقيمته مرتين. نص

عليه. انتهى.

قال في " الفروع ": ونصه، وقال أبو بكر: يضمن ضالة مكتومة بالقيمة

مرتين للخبر. انتهى.

قال ابو بكر في " التنبيه ": ثبت خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " في الضالة المكتومة غرامتها ومثلها معها

(1)

(1)

عن أبي هريرة عن النبي ع قال: " ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها ".

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 191 كتاب اللقطة، باب ما يجوز له أخذه وما لا يجوز مما يجده.

ص: 69

قال: وهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرد. انتهى.

قال في " الإنصاف ": ضمنها بقيمتها مرتين على المذهب. نص عليه في رواية ابن منصور، إماماً كان أو غيره. واختاره أبو بكر وغيره وجزم به في " المحرر " و" الرعايتين " و" الحاوي الصغير " و" الفائق " وغيرهم.

قال الحارثي: وقال به غير واحد. انتهى.

وقيل: بقيمتها فقط. وهو ظاهر كلام الأكثر " لأنهم نزلوها منزلة الغصب. والله أعلم.

(ويزول ضمانه) أى: ضمان ما حرم التقاطه عمن أخذه (بدفعه إلى الإمام

أو نائبه) " لأن للإمام نظر في ضوال الناس فيقوم مقام المالك.

(أو رده) أى: رد ما أخذه (إلى مكانه) الذي أخذه منه (بأمره) أى: الإمام أو نائبه " لما روى الأثرم عن القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن ثابت بن الضحاك عن عمر " أو قال لرجل وجد بعيراً: أرسله حيث وجدته ". لأن أمره برده

(1)

كاًخذه منه.

وقيل: يبرأ برده إلى مكانه، ولو بدون إذن الإمام أو نائبه.

وعلم مما تقدم أنه أن رده بغير أمر الإمام أو نائبه فتلف كان من ضمانه " لأنه

أمانة حصلت في يده. فلزمه حفظها. فإذا ضيعها لزمه ضمانها؛ كما لو ضيع الود يعة.

ولأنها لما حصلت في يده لزمه حفظها، وتركها تضييع لها.

وبهذا قال الشافعي وروي عن طاووس.

ولأن ما لزم ضمانه بأخذه لا يزول إلا برده إلى مالكه أو من يقوم مقامه؛ كالمسروق والمغصو ب.

وقيل: يبرأ برده ولو لم يأمره به الإمام. ذكره في " الفروع ".

(1)

فى أ: يرده

ص: 70

القسم (الثالث) من أقسام اللقطة: وهو ما يجوز التقاطه ويملك بتعريفه المعتبر شرعاً: (ما عداهما) أى: ما عدا ما ذكر من القسمين المتقدمين (من ثمن) أى: نقد (ومتاع)؛ كالثياب والفرش والأنهانى والآت الحرف ونحوها، (وغنم وفصلان) بضم الفاء وكسرها جمع فصيل. وهو: ولد الناقة إذا فصل عن امه، (وعجاجيل) جمع عجل. وهو: ولد البقره، (وافلاء) بالمد جمع فلو بوزن سحر، وجرو وعدو وسمو. وهو: الجحش والمهر إذا فطما أو بلغا السنة. قاله في " القاموس ".

(وقن صغير). قال في " الرعاية ": والعبد الصغير كالشاة.

قال الحارثي: وصغار الرقيق مطلقا يجوز التقاطه. ذكره القاضي وابن عقيل واقتصر على ذلك، نقله عنه في " الإنصاف ".

ثم قال: وقيل: لا يملك بالتعريف. انتهى.

والمريض من كبار الإبل ونحوها كالصغير.

قال في " الفائق ": قلت: وكذا مريض لا ينبعث ولو كان كبيرا. انتهى. (ونحو ذلك)؛ كالخشبة الصغيرة والقطعة من الحديد والنحاس والرصاص والزق من الدهن أو العسل والغرارة من الحب والورق والكتب وما جرى مجرى ذلك.

إذا تقرر هذا فتارة يكون الالتقاط لذلك محرما وتارة يكون مباحا باعتبار النظر

إلى حالة الواجد.

(فيحرم على من لا يأمن نفسه عليها) أى: على اللقطة (أخذها)؛ لما في ذلك من تضييع مال غيره. فحرم؛ كإتلافه. وكما لو نوى تملكها في الحال أو كتمانه.

(ويضمنها به) أى: بأخذها أن تلفت. سواء كان تلفها بتفريط أو بدونه؛

لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه. فضمنه؛ كالغاصب.

ص: 71

(ولم يملكها ولو

(1)

عرفها)؛ لأن السبب المحرم لا يفيد الملك. بدليل السرقة.

وقيل: بلى؛ لأن الملك بالتعريف والألتقاط. قد وجدا.

ولأن عموم النص يتناوله. ورد: بأنه مخصص.

(وإن أمِن نفسه) عليها (وقوي على تعريفها: فله) أى: أبيح له (أخذها) أى: اللقطة. وهي منصوص عليها في النقدين. وقيس عليهما كل متمول غير الحيوان. ومنصوص عليها أيضاً في الشاة. وقيس عليها كل حيوان لا يمتنع بنفسه من صغار السباع.

وظاهر ما تقدم أنه لا فرق في ذلك بين الإمام وغيره. وهو المذهب.

وعنه: لا يلتقط الشاة ونحوها إلا الإمام.

وعنه: ي شاة وفصيل وعجل وفِلْو لا يجوز التقاطه.

وعلم مما تقدم أن العاجز عن تعريفها ليس له أخذها. وهو صحيح ولو أخذها بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة.

قال في " التلخيص ": يحتمل وجهين:

* احدهما: لا يضمن؛ كما لا يضمن لو كان أودعه.

قال الحارثي: وهو اختيار المصنف- يعني: الموفؤ- وهو الصحيح. انتهى.

* والثانى: يضمن. قا ل في " التلخيص ": وهو الأشبه بقول أصحابنا في التضمين بمجرد اعتقاد الكتمأن. ويخالف المودَع فإنه مسلط من جهة المالك. نقله عنه في " الإنصاف ".

(والأفضل) لمن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها (تركها) أى: عدم التعرض لها.

(1)

في ب: أن

ص: 72

قال أحمد رحمه الله تعالى: الأفضل ترك الالتقاط.

وروي معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر. وبه قال جابر بن زيد والربيع بن خيثم وعطاء.

و" مرَّ شريح بدرهم فلم يعرض له ".

حتى (ولو) وجدها (بمضيعة)؛ لأن في الالتقاط تعريض لنفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها واداء الأمانة فيها. فكان ترك ذلك أولى وأسلم؛ كولاية مال اليتيم.

وقيل: الأفضل أخذها بمضيعة. وخرج وجوبه إذا.

(ومن أخذها ثم ردها إلى موضعها أو فرط) فيها فتلفت: (ضمنها)؛ لأنها أمانة حصلت في يده. فلزمه حفظها؛ كسائر الأمانات. وتركها والتفريط فيها تضييع لها. فلزمته إذا تلفت؛ كما لو ضيع الوديعة.

(إلا أن يأمره إمام أو نائبه بردها) إلى موضعها فإنه يبرأ من ضمانها؛ لأن للإمام

(1)

نظراً في المال الذي لا يعلم مالكه.

وكذا لو التقطها ودفعها إلى الإمام أو نائبه فإنهيبرا من ضمانها.

وعلم مما تقدم أنه لو تلفت منه في حول التعريف بغير تفريط أنه لا ضمان عليه؛ لأنها أمانة في يده. فلم يضمنها؛ كالوديعة.

فإن ضاعت منه فالتقطها آخر لزمه مع علمه بالحالي ردها إلى الأول؛ لأنه قد ثبت له حق التمول وولاية التعريف والحفظ فلا يزول ذلك بالضياع.

فإن لم يعلم الثانى بالحال حتى عرفها حولاً: ملكها؛ لأن سبب الملك وجد منه من غير عدوان فيثبت الملك به كالأول. ولا يملك الأول أنتزاعها؛ لأن الملك مقدم على حق التملك. وإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثانى وليس له مطالبه الأول؛ لأنه لم يفرط.

(1)

في أ: لإمام

ص: 73

وأن علم الثانى بالأول فردها إليه فأبى أخذها وقال: عرفها أنت فعرفها ملكها أيضاً، لأن الأول ترك حقه فسقط.

وإن قال: عرفها ويكون ملكها لي فهو مستنيب له في التعريف ويملكها الأول " لأنه وكله في التعريف فصح، كما لو كانت بيد الأول.

وأن قال: عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا ً وكانت بينهما، لأنه

(1)

أسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي.

وإن قصد الثانى بالتعريف تملكها لنفسه دون الأول.

قال في " المغني ": احتمل وجهين:

أحدهما: يملكها الثانى " لأن سبب الملك وجد منه. فملكها " كما لو

أذن له الأول في تعريفها لنفسه.

والثانى: لا يملكها " لأن ولاية التعريف للأول. فأشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها وكذلك الحكم إذا علم الثانى بالأول فعرفها ولم يعلمه بها. ويشبه هذا المتحجر في الموات إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير إذنه.

فأما إن غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها وجهاً واحداً " لأنه متعد بأخذها ولم يوجد منه [سبب تملكها. فإن الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه]

(2)

.

ويفارق هذا: ما إذا التقطها ثان فإنه وجد منه الالتقاط والتعريف. انتهى. ***

(1)

في أ: لا

(2)

ساقط من: أ

ص: 74

[فصل: فيما أُبيح التقاطه ولم يملك به]

(فصل. وما أُبيح التقاطه ولم يملك به). وهو القسم الثالث من اقسام اللقطة المتقدم ذكرها (ثلاثة أضرب):

الضرب الأول: (حيوان) ماًكول؛ كالفصيل والشاة والدجاجة: (فيلزمه) أى: الملتقط (فعل الأصلح) لمالكه (من) أمور ثلاثة:

1 -

(أكله بقيمته) في الحال.

والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " هي لك أو لأخيك أو للذئب"

(1)

فجعلها له في الحال؛ لأنه سوى بينه وبين الذئب. والذئب لا يستاًنى بأكلها.

ولأن في أكل الحيوان في الحال إغناء عن الأنفاق عليه وحراسة لماليته على صاحبه إذا جاء

(2)

فإنه ياًخذ قيمته بكمالها.

ومتى أراد

(3)

أكله حفظ صفته. فمتى جاء صاحبه فوصفه: غرم قيمته له؛

لأنه عين يجب ردها مع بقائها. فيجب غرمها مع تلفها؛ كلقطة النقد بعد تعريفها في أكلها وإنفاقها. وقال: هي كسائر مالك.

2 -

(أو بيعه) أى: الحيوان (وحفظ ثمنه) ولو لم ياًذن في ذلك الإمام؛

لأنه إذا جاز أكله بغير إذن فبيعه أولى.

3 -

(أو حفظه ويُنفق عليه) الملتقط (من ماله)؛ لما في ذلك من حفظه على مالكه عيناً ومالاً.

(1)

سبق تخريجه ص (60) رقم (2). من حديث زيد بن خالد الجهني

(2)

ساقط من أ

(3)

في أ: أراده.

ص: 75

فإن ترك الأنفاق عليه حتى تلف: ضمنه؛ لأنه مفرط.

(وله) أى: للملتقط (الرجوع) على مالكه أن وجده بما أنفق (بنيته) أى: بنية الرجوع. نص عليه في رواية المروذي: في طيرة أفرخت عند قوم فقضى أن الفراخ لصاحب الطيرة، ويرجع بالعلف إذا لم يكن متطوعا.

"وقضى عمر بن عبدالعزيز: فيمن وجد ضالة فإنفق عليها وجاء ربها فإنه يغرم

له ما أنفق؛ وذلك لأنه أنفق على اللقطة لحفظها. فكان من مال صاحبها؛ كمؤنة الرطب والعنب إذا جعله تمرا أو زبيبا.

وعنه: لا يرجع بشيء.

(فإن استوت) الأمور (الثلاثة) في نظر الملتقط فلم يظهر له أن أحدها

أحظ: (خُير) بين الثلاثة؛ لجواز كل منها، وعدم ظهرر الأحظ في أحدها

(1)

.

وفي " الترغيب ": لا يبيع بعض الحيوان.

وأفتى أبو الخطاب وابن الزاغوني بأكله بمضيعة بشرط ضمانه، وإلا لم يجز

تعجيل ذبحه؛ لأنه يطلب.

وقال ابو الحسين وابن عقيل: لا يتصرف قبل الحول في شاة ونحوها باً كل

أو غيره رواية واحدة.

الضرب (الثانى: ما) التقط مما (يُخشى فساده) بتبقيته؛ كالبطيخ والخضر وات ونحو ها: (فيلزمه) أى: الملتقط (فعل الأحظ من:

1 -

بيعه) بقيمته وحفظ ثمنه من غير إذن حاكم؛ لأنه مال أبيح للملتقط

أكله. فاً بيح له بيعه؛ كماله.

وعنه: يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم.

(1)

في أ: فلم يظهر له أن أخذها أحظ (خير) بين الثلاثة لجواز كل منهما وعدم ظهرر الأحظ في أخذها.

ص: 76

2 -

(أو اكله بقيمته)؛ لأن في كل منهما حفظ لماليته على مالكه. ويحفظ صفاته في الصورتين؛ ليدفع لمن وصفه ثمنه أو قيمته.

3 -

(أو تجفيف ما) أى: شيء (يجفف)؛ كالعنب والرطب؛ لأن ذلك أمانة بيده. وفعل الأحظ في الأمانة متعين.

وإن احتاج في تجفيفه إلى غرامة باع بعضه في ذلك.

(فإن استوت) الثلاثة في نظر الملتقط: (خُير) بينها. فاً يها فعل جاز.

وإن تركه حتى تلف ضمنه؛ لأنه فرط في حفظ ما بيده أمانة. فضمنه؛

كا لو د يعة.

قال في " المغني ": ويقتضي قول أصحابنا أن العروض لا تملك بالتعريف: أن هذا كله لا يجوز له أكله. لكن يتخير بين الصدقة به وبين بيعه. وقد قال أحمد: فيمن يجد في منزله طعاما لا يعرفه: يعرفه ما لم يخش فساده. فإن خشي فساده تصدق به. فإن جاء صاحبه غرمه.

وكذلك قال مالك وأصحاب الرأى في لقطة ما لا يبقى سنة: يتصدق به.

وقال الثوري: يبيعه ويتصدق بثمنه.

ولنا: على جواز أكله؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم: " خذها فإنما هي

لك أو لأخيك أو للذئب "

(1)

.

وهذا تجويز للأكل فإذا جاز فيما هو محفوظ بنفسه ففيما يفسد ببقائه أولى. انتهى

الضرب (الثالث: باقي المال) أى: ما عدا الضربين المذكورين من المال؛ كالأثمان والمتاع ونحوهما.

(ويلزمه). أى: الملتقط (حفظ الجميع)؛ لأنه صار أمانة في يده بالتقاطه.

(1)

سبق تخريجه ص (60) رقم (2

ص: 77

(و) يلزمه أيضاً (تعريفه) أى: الجميع من حيوان وغيره. سواء أراد الملتقط تملكها أو حفظها لصاحبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب

(1)

. ولم يفرق.

ولأن حفظها لصاحبها أنما يفيد بإيصالها إليه وطريقه التعريف. أما بقاؤها

في يد الملتقط من غير وصولها إلى صاحبها فهو وهلاكها سيان.

ولأن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها. فلم يجز؛ كردها إلى موضعها أو إلقأوها في غيره.

ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط؛ لأن بقاءها في مكانها إذا أقر ب

إلى وصولها إلى صاحبها، إما بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها، وإما بأن يجدها من يعرفها. وأخذ هذا لها يفوت الأمرين فيحرم. فلما جاز الالتقاط وجا التعريف؛ لئلا يحصل الضرر.

ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها فكذلك على من أراد حفظها.

وكلام المتن شامل للملتقط لها بدار الحرب.

قال في " المغني ": ومن وجد لقطه في دار الحرب فإن كان في جيش فقال أحمد: يعرفها سنة في دار الإسلام ثم يطرحها في المقسم. إنما عرفها في دار الإسلام؛ لأن أموال أهل الحرب مباحة، ويجوز أن تكون لمسلم.

ولأنه قد لا يمكنه المقام في دار الحرب لتعريفها.

ومعناه والله أعلم يتمم التعريف في دار الإسلام فأما ابتداء التعريف فيكون في الجيش الذي هو فيه؛ لأنه يحتمل أن تكون لأحدهم. فإذا فعل أتم التعريف في دار الإسلام.

فأما أن كان دخل دارهم بأمأن فينبغي أن يعرفها في دارهم؛ لأن أموالهم محرمه عليه. فإذا لم

(2)

تعرف ملكها؛ كما يملكها في دار الإسلام.

(1)

سبق تخريج حديث زيد بن خالدص (0 6) رقم (2)، وسياتي تخريج حديث أبي بن كعب ص (96) رقم (2).

(2)

ساقط من أ

ص: 78

وإن كان في الجيش طرحها في المغنم بعد التعريف؛ لأنه وصل إليها بقوة الجيش. فأشبهت مباحات دار الحرب إذا اخذ منها شيئا.

وإن دخل إليهم متلصصا فوجد لقطة عرفها في دار الإسلام؛ لأن أموالهم مباحة له ثم يكون حكمها حكم غنيمة. ويحتمل أن تكون غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف؛ لأن الظاهر أنها من أموالهم غنيمة. انتهى.

وحيب تقرر وجوب التعريف فإنه يكون (فوراً)؛ لظاهر الأمر. إذ مقتضاه

(1)

الفور.

ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها. فإذا عرفت إذا كان أقرب إلى وصولها إليه.

(نهاراً)؛ لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم، (أول كل يوم) فبل اشتغال الناس بمعاشهم، (اسبوعا) أى: سبعة أىام؛ لأن الطلب فيه أكثر.

ولأن أكثر توالي طلب صاحبها لها في كل يوم باعتبار غالب أحوال الناس

اسبوعاً.

(ثم) لا يجب تعريفها بعد الأسبوع متواليا وإنما يجب (عادة) أى: بالنظر

إلى عادة الناس في ذلك.

وقيل: على العادة من حين الالتقاط

(2)

.

وفيل: يعرفها في كل يوم شهراً ثم مرة في كل شهر.

وقيل: يعرفها في كل يوم اسبوعاً، ثم في كل أسبوع مرة شهراً، ثم في كل شهر مرة.

(حولاً) كاملاً (من التقاط) أى: يكون أول الحول من ساعة التقاطه.

وروي تقديره بالسنة عن عمر وعلي وابن عباس. وبه قال ابن. المسيب والشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأى.

(1)

في أ: مقتضاها

(2)

في أ: التقاط.

ص: 79

وعن عمر أيضاً: أو ثلاثة أشهر.

وعنه: أيضاً أو ثلاثة أعوام.

ويدل للأول حديث زيد بن خالد الصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بعام واحد

(1)

.

ولأن السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد

من الحر والبرد والاعتدال. فصلحت قدراً؛ كمدة أجل العنين.

وصفة التعريف (بأن ينادي: من ضاع منه شيئاً أو نفقة).

قال في " المحرر": ولا يصفها فيه، بل يقول: من ضاع منه شيء أو نفقة.

وفي " المغني ": السادس في كيفية التعريف. وهو: أن يذكر جنسها

لا غير. فيقول: من ضاع منه ذهب أو فضة أو دنانير أو دراهم أو ثياب ونحو ذلك. انتهى.

لكن اتفقوا على أن لا يصفها؛ لأنه لا يؤمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها ويذكر صفتها التي يجب دفعها بوصفها فيأخذها فتضيع على مالكها.

ومقتضى قولهم: لا يصفها أن لو وصفها فأخذها غير مالكها بالوصف: ضمنها الملتقط لمالكها، كما لو دل المودَع لصاً على مكان الوديعة فسرقها. ويكون مكان النداء (في الأسواق) عند أجتماع الناس، (وأبواب المساجد وأوقات الصلاة)؛ لأن المقصود إشاعة ذكرها ويحصل ذلك عند أجتماع الناس للصلا ة.

(وكره) التعريف (داخلها) أى: المساجد؛ لما روى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من سمع رجلأ ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا اداها الله اليك. فإن المساجد لم تُبنَ لهذا "

(2)

.

(1)

سبق ذكره وتخريجه ص (60) رقم (2).

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(568) 1: 397 كتاب المساجد، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد.

ص: 80

وفي " عيون المسائل ": لا يجوز. وقاله ابن بطة في " الإنشاد " دون

التعريف.

وقيل: تعرف لقطة صحراء بقرية.

إذا تقرر هذا فللملمتقط أن يتولى التعريف بنفسه، وله أن يستنيب فيه

متبرعاً

(1)

، وله أن يستنيب فيه باً جرة.

(وأجرة منادٍ على ملتقط) نص عليه؛ لأنه سبب في العمل. فكانت أجرته

عليه؛ كما لو اكترى شخصاً يقطع له مباحاً.

وقال أبو الخطاب: ما لا يملك بالتعريف وما يقصد حفظه لمالكه يرجع

بالأجرة عليه.

وكذا قال ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف.

وقيل: على ربها مطلقاً.

وعند الحلوانى وابنه: الأجرة من نفس اللقطة؛ كما لو جفف العنب ونحوه. .وقيل: من بيت المال. فإن تعذر أخذها الحاكم من ربها.

وأجيب عن ذلك: بأن التعريف واجب على الملتقط. فكانت أجرته عليه؛

كما لو كانت تملك بالتعريف، أو قصد تملكها به.

ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له عليه اجرة فكذلك إذا استأجر عليه.

قال المنقح: ولم يذكر الأكثر للحيوان تعريف. انتهى.

وسبقه بذلك صاحب " الفروع " وعبارته: وهو كالقطة. ولم يذكر الأكثر

تعريفه. انتهى.

وقد تقدم في المتن: أنه يعرف الجميع.

قال الزركشي: وظاهر كلام الخرقي أن الحيوان يعرف كغيره. وهو مقتضى

كلام صاحب " التلخيص " وأبي البركات وغيرهما.

(1)

في ج: متبرعأ به.

ص: 81

(ويُنْتَفَع بمباح من كلاب ولا يُعرَّف).

قال في " الفروع ": وينتفع بكلب مباح. وقيل: يعرفه سنة. انتهى.

وظاهره

(1)

: جواز التقاطه.

قال في " الإنصاف ": قال الحارثي: اختلف

(2)

الأصحاب في الكلب المعلم

فأدخله المصنف- يعني: الموفق- فيما يمتنع التقاطه كما اقتضاه ظاهر لفظه هنا

(3)

يعني: في " المقنع "- وصريح لفظه في " المغني " اعتباراً بمنعته بنابه.

وجوز التقاطه القاضى وغيره. وهو أصح؛ لأنه لا نص في المنع، وليس

(4)

في معنى الممنوع، وفي أخذه حفظ على مستحقه. أشبه الأثمان. وأولى من جهة أو ليس مالاً فيكون أحق.

وعلى هذا هل ينتفع به بعد حول التعريف؛ فيه وجهان. وفيهما طريقأن: إحداهما: بناء الخلاف على الخلاف في تملك الشاة بعد الحول. وهو طريقة القاضي.

والأخرى: بناء الأنتفاع على التملك لما يتملك بعد الحول، وبناء منع الأنتفاع على أن لا يضمن لمن ضاع منه بالقيمة لو تلف؛ لأنتفاء كونه مالا فيؤدي إلى الأنتفاع مجأنا وهو خلاف الأصل. انتهى.

(وإن أخره) أى: أخر الملتقط التعريف (الحول) كله (أو بعضه لغير عذر: أثم) للأمر به وهو يقتضي الوجوب، (ولم يملكها به) أى: بالتعريف (بعد) أى: بعد الحول؛ لأن شرط الملك التعريف فيه ولم يوجد.

(1)

في أ: فظاهره.

(2)

ساقط من أ

(3)

في أ: هذا

(4)

ساقط من أ

ص: 82

ولأن الظاهر أن التعريف بعد الحول لا فائدة فيه، لأن ربها بعده يسلو عنها ويترك طلبها.

ويسقط التعريف بتأخيره عن الحول الأول في المنصوص عن أحمد " لأن حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأول، وإن تركه في بعض الحول عرف بقيته فقط.

قال في " المغني ": ويتخرج أن لا يسقط التعريف بتأخيره، لأنه واجب ولا يسقط بتأخيره عن وقته، كالعبادات وسائر الواجبات.

ولأن التعريف في الحول الثانى يحصل به المقصود على نوع من القصور. فيجب الإتيان به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "

(1)

.

فعلى هذا أن اخر التعريف بعض الحول أتى بالتعريف في بقيته وأتمه في الحول الثانى.

وعلى كلا القولين لا يملكها بالتعريف فيما عدا الحول الأول، لأن شرط الملك التعريف في الحول الأول ولم يوجد.

وهل له أن يتصدق بها أو يحبسها عنده أبدا؛ على روايتين. ويحتمل أن يلزمه دفعها إلى الحاكم، كقولنا فيما إذا التقط ما لا يجوز التقاطه.

ولو ترك التعريف في بعض الحول الأول لم يملكها أيضاً بالتعريف فيما

بعده " لأن الشرط لم يكمل. وعدم بعض الشرط كعدم جميعه " كما لو أخل

(2)

ببعض الطهارة أو ببعض السترة في الصلاة. انتهى.

وظاهر عبارة المتن المنقولة من " التنقيح ": أن لو اخر التعريف عن الحول

أو بعضه لعذر ومرض وحبس ونحوهما أو يملكها بتعريفها حولاً بعد زوال

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6858) 6: 2658 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

في أ: أخذ. وهو تصحيف

ص: 83

العذر. وفي ذلك وجهان مطلقان في " المغني " و" الشرح " و" شرح الحارثي " و" الفر وع " و" الفائق ":

أحدهما: أن يملكها بذلك؛ لأنه لم يؤخر التعريف عن وقت إمكانه. فأشبه ما لو عرفها في الحول الأول.

والثانى: لا يملكها بذلك؛ لأن تعريفها في الحول الأول سبب الملك. والحكم ينتفي لأنتفاء سببه. سواء أنتفى لعذر أو لغير عذر.

قال في " الإنصاف " عن هذا الوجه: قدمه في " الرعايتين " و" الحاوي الصغير " و" شرح ابن رزين ". لكن كلامه في " التنقيح " مفهومه: أن الأول المذهب. والله أعلم.

إذا تقرر هذا فحكم اللقطة في كون واجدها لا يملكها بدون تمليك ربها له أن علم: (كالتقاط) لها (بنية تملك، أو لم يرد تعريفاً) أى: بنية أو لا يعرفها ولو عرفها؛ لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه. فأشبه الغاصب. قال في " المغني ": نص على هذا أحمد. ويحتمل أن يملكها " لأن ملكها بالتعريف والالتقاط، وقد وجد. فيملكها به؛ كالإصطياد والاحتشاش. فإنه لو دخل حائطاً لغيره بغير إذنه فاحتش أو اصطاد منه صيدا: ملكه وإن كان دخوله محرماً. كذا هاهنا

(1)

.

ولأن عموم النص يتنلول هذا الملتقط فيثبت حكمه فيه.

ولأننا لو اعتبرنا فيه التعريف وقت الالتقاط لافترق الحال بين ذا عدل والفاسق والصبي والسفيه؛ لأن الغالب على هؤلاء الالتقاط للتملك من غير تعريف. انتهى.

(وليس خوفه) أى: الملتقط (أن يأخذها) أى: اللقطة (سلطان جائر، أو) خوف الملتقط أن (يطالبه) السلطان (بأكثر) مما وجد (عذراً) له (في ترك تعريفها).

(1)

في أ: محرما هنا.

ص: 84

قال في " الفروع ": فإن أخر لم يملكها إلا بعده. ذكره أبو الخطاب

وا بن

(1)

الزغوانى.

ومرادهم والله أعلم: أن ليس عذراً (حتى يملكها) بلا تعريف. وهو المراد بقولي: (بدونه) قال: ولهذا جزم باًنه يملكها بعده. وقد ذكروا أن خوفه على نفسه أو ماله عذر في ترك الواجب.

وقال أبو الوفاء: تبقى بيده فإذا وجد أمنا عرفها حولاً. انتهى.

قلت: فيؤخذ من هذا ما يرجح أن تأخير التعريف للعذر لا يؤثر.

والله أعلم.

(ومن) وجد لقطة و (عرفها حولاً فلم تعرف) فيه. وهي

(2)

مما يجوز التقاطه: (دخلت فى ملكه)، غنياً كان الملتقط أو فقيراً.

وعنه: إنما يملكها إذا كان فقيراً من غير ذوي القربى. نقلها حنبل وأنكرها الخلال وبمثلها قال ابو حنيفة؛ لما روى عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب. فإن وجد صاحبها فليرددها عليه، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء "

(3)

رواه النسائي.

وما يضاف إلى الله أنما يتملكه من يستحق الصدقة.

وقال مالك والثوري والحسن بن صالح: يتصدق بها فإذا جاء صاحبها خيرهم بين الأجر والغرم؛ لما روى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه سُِئل عن اللقطة؛ فقال: عرفها حولاً- وروي ثلاثة أحوال-. فإن جاء ربها وإلا تصدق بها. فإذا جاء ربها فرضي بالأجر وإلا غرمها ".

(1)

في أ: وفي. وهو تصحيف.

(2)

في أ: وهو

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1709) 2: 136 كتاب اللقطة، باب في الشح.

ص: 85

قال في " المغني ": ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد: " فإن

لم تعرف فاستنفقها "

(1)

.

وفي لفظ: " وإلا فهي كسبيل مالك "

(2)

.

وفي لفظ: " ثم كلها "

(3)

.

وفي لفظ: " فإنتفع بها ".

وفي لفظ: " فشأنك بها "

(4)

.

وفي حديث أبي بن كعب: " فاستنفقها "

(5)

وفي لفظ: " فاستمتع بها "

(6)

. وهو حديث صحيح.

ولأن من ملك بالقرض ملك اللقطة؛ كالفقير. ومن جاز له الالتقاط ملك به

بعد التعريف؛ كالفقير.

وحديثهم عن أبي هريرة لم يثبت، ولم ينقل في كتاب يوثق به.

ودعواهم في حديث عياض: أن ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه إلا من يستحق الصدقة لا برهان لها ولا دليل عليها. وبطلانها ظاهر. فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله تعالى خلقا وملكا. قال الله تعالى: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)[النور: 33]. (حكما) كا لمير اث.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1722)(3) 3: 1349 كتاب اللقطة

(2)

أخرجه ابن ماجه فى " سننه "(6 0 5 2) 2: 837 كتاب اللقطة، باب اللقطة.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1722) 3: 1346 كتاب اللقطة.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(43 22) 2: 836 كتاب المساقاه، باب شرب الناس والدواب من الأنها ر.

(5)

أخرجه مسلم في "صحيحه "(1722)(5) 3: 1349 كتاب اللقطة، من حديث زيد ين خالد الجهني

(6)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1723)(9) 3: 0 135 كتاب اللقطة.

ص: 86

قال أحمد في رواية الجماعة: إذا جاء صاحبها وإلا كان كسائر أمواله.

واختار أبو الخطاب: أنها لا تدخل في ملكه حتى يختار؛ لأن هذا

تملك بعوض. فلم يحصل إلا باختيار المتملك؛ كالقرض. وهو رواية في

" الو اضح ".

ووجه الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " وإلا فهي كسبيل مالك "

(1)

.

وقو له: " فاستنفقها "

(2)

.

ولو وقف ملكها على تملكها لبينه له؛ لأنه لا يجوز له التصرف قبله.

ولأن الالتقاط والتعريف سبب للتملك. فإذا نما وجب أن يثبت الملك

حكماً؛ كالإحياء والاصطياد.

ولأنه سبب يملك به. فلم يقف الملك بعده على قوله ولا اختياره؛ كسائر الأسباب. وذلك لأن المكلف ليس إليه إلا مباشرة الأسباب. فإذا أتى بها ثبت الحكم قهراً

أو جبراً من الله تعالى غير موقوف على اختيار المكلف.

وأما الاقتراض فهو السبب في نفسه. فلم يثبت الملك بدونه.

وعلى المقدم في " التنقيح " تملك اللقطة (ولو) كانت (عرضاً) فإنه قال:

وتملك عروض كأثمان.

وعنه: لا. اختاره الأكثر. انتهى.

وعبارته في " الإنصاف ": تنبيه: قدم المصنف أن غير الأثمان كالأثمان.

وهو إحدى الروايتين. وهو ظاهر كلام الخرقي.

قال في " عيون المسائل ": هذا الصحيح من المذهب. وصححه الناظم،

واختاره ابن أبي موسى والمصنف وغيرهما.

قال في " الفائق ": وهو المختار.

(1)

سبق قريبا

(2)

سبق قريبا

ص: 87

وقال

(1)

ابن رزين: الأظهر.

وقدمه في " الكافي " و" المحرر " و" الشرح " و" الفروع " وغيرهم، وجزم به في " العمدة " و" الوجيز " و" المنور "، ثم ذكر الرواية المحكية في " المقنع " بلفظه فقال: وعن أحمد: لا يملك إلا الأثمان. وهي ظاهر المذهب، وكذا قال في " الهداية " و" المذهب " و" المستوعب " و" الفائق " وغير هم.

قال في " الرعاية الكبرى ": هذا أشهر.

قال في " الخلاصة " و" الرعاية الصغرى ": وتملك الأثمان، ولا تملك العروض على الأصح. أنتهيا.

واختاره أبو بكر والقاضي وابن عقيل وغيرهم.

قال

(2)

المصنف والشارح والحارثي وصاحب " الفروع ": اختاره أكثر

الأصحاب.

قال القاضي: نص عليه في رواية الجماعة. وقدمه في " الرعاية "

و" الحاوي الصغير " و" الفائق " وغيرهم، وجزم به ناظم " المفردات " فقال: ملتقط الأثمان مذ عرفها حولاً فقهراً ذا الغنا يملكها

قال الزركشي: وعنه: وهي المشهورة في النقل والمذهب عند عامة الأصحاب: أن الشاة ونحوها تملك دون العروض. انتهى كلامه في " الإنصاف ".

وعبارته في " الفروع ": وعنه: لا تملك نحو شاة. ونقل الجماعة: تملك الأثمان فقط. اختاره الأكثر. انتهى.

ووجه كون العروض كالأثمان: عموم الأحاديب التي في اللقطة جميعها.

(1)

فى أوب: قال

(2)

فى أ: قال

ص: 88

فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: " عرفها سنة- ثم قال في آخره-: فإنتفع بها، أو فشأنك بها "

(1)

وفي حديث عياض بن حمار: " من وجد لقطة "

(2)

. وهو لفظ عام.

وروى الجوزجانى والأثرم في كتابيهما قال: أنباًنا أبو نعيم قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء أو في قرية مسكونة؛ فقال: عرفه سنة فإذا جاء صاحبه وإلا فشأنك به "

(3)

.

ورويا " أن سفيان بن عبدالله وجد عيبه. فأتى بها عمر بن الخطاب فقال: عرفها سنة فإن عرفت وإلا فهي لك.- زاد الجوزجانى-: فلم تعرف فلقيه العام المقبل فذكرها له. فقال عمر: هي لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك "

(4)

. ورواه النسائى أيضاً.

وهذا

(5)

نص في غير الأثمان.

وروى الجوزجانى بإسناده عن الحر بن الصباح قال: " كنت عند ابن محمر بمكة إذ جاءه رجل فقال: أنى وجدت هذا البرد وقد نشدته وعرَّفته فلم يعرفه أحد وهذا يوم التروية ويوم يتفرق الناس. فقال: أن شئت قومته قيمة عدل ولبسته وكنت له ضامناً، متى

(6)

جاءك صاحبه دفعت إليه ثمنه، وإن لم يجئ له طالب فهو لك أن شئت ".

فإن قيل: أن النص خا ص في الأثمان.

قلنا: بل هو عام في كل لقطة. فيجب العمل بعمومه. وإن ورد فيها نص

(1)

رص (86)،

(2)

سبق تخريجه ص (85) رقم (3).

(3)

أخرجه النسائي في " سننه "(2494) 5: 44 كتاب الزكاة، باب المعدن.

(4)

أخرجه الدارمي في " سننه "(2595) 2: 182 كتاب البيوع، باب في اللقطة.

(5)

قي ي: في هذا.

(6)

فى ج: فمتى

ص: 89

خاص فقد روي خبر عام فيعمل بهما. ثم قد روي نص خاص في العروض. فيجب العمل به كما وجب العمل بالخاص من الأثمان. ثم لو اختص

(1)

الخبر بالأثمان لوجب أن يقاس عليها ما كان في معناها كسائر النصوص التي عقل معناها ووجد في غيرها، وهاهنا قد وجد المعنى. فيجب قياسه على المنصوص عليه. أو نقول أن المعنى هاهنا آكد فيثبت الحكم فيه بطريق التنبيه. بيانه أن الأثمان لا تتلف بمضى الزمن عليها وإنتظار صاحبها بهذا أبداً والعروض تتلف بذلك. ففي النداء عليها دائماً هلاكها وضياع ماليتها على صاحبها وملتقطها وسائر الناس. وفي إباحة الأنتفاع بها وملكها بعد

(2)

التعريف حفظ لماليتها على صاحبها بدفع قيمتها إليه ونفع لغيره. فيجب ذلك؛ لـ " نهي النبي عن إضاعة المال "

(3)

.

ولما فيه من المصلحة والحفظ لمال المسلم عليه وعلى أخيه.

ولأن في إثبات الملك فيها حثاً على التقاطها وحفظها وتعريفها؛ لكونه وسيلة إلى الملك المقصود للادمي. وفي نفي ملكها تضييع لها لما في التقاطها من الخطر والمشقة والكلفة من غير نفع يصل إليه فيؤدي إلى أن لا يلتقطها أحد لتعريفها فتضيع.

وعلى القول بأن العروض لا تملك بالتعريف اختلفوا فيما يصنع بها. فقال

ابو بكر وابن عقيل: يعرفها أبدا.

وقال القاضي: هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجيء صاحبها وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها.

(1)

في أوب: اختصر.

(2)

في أ: بغير.

(3)

عن المغيرة عن النبي ك قال: " أن الله حرم عليكم عُقوق الأمهات، ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإاضاعة المال ".

أخرجه البخاري في " صحيحه "(5630) 5: 2229 كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (593) 3: 1341 كتاب الأقضية، باب النهى عن كثرة المسائل من غيرحاجة

ص: 90

وهل له بيعها بعد الحول ويتصدق بها؛ على روايتين.

(أو) كانت اللقطه (لقطة الحرم) فإنها

(1)

تملك بالتعريف حكماً كلقطة الحل.

قال في " الإنصاف ": وهو الصحيح من المذهب.

قال الحارثي: عدم الفرق هو المشهور في المذهب واختيار أكثر الأصحاب، ونص عليه.

قال الزركشي: هو اختيار الجمهور. وقدمه في " المحرر " و" الشرح "

و" الفروع " وغيرهم، واختاره ابن أبي موسى والموفق والشارح وصاحب " النها ية " وغيرهم.

قال في " المغني ": وظاهر كلام أحمد والخرقي: أن لقطة الحل والحرم سواء. وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب. وهو مذهب مالك وابي حنيفة.

وروي عن أحمد رواية أخرى: أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتملك وإنما يجوز لحفظها لصاحبها. فإن التقطها

(2)

عرفها أبداً حتى يأتي صاحبها. وهو قول عبدالرحمن بن مهدي وأبي عبيد. وعن الشافعي كالمذهبين.

والحجة لهذا القول قول النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة: " لا تحل ساقطتها إلا لمنشد"

(3)

متفق عليه.

قال أبو عبيد: المنشد المعرف، والناشد الطالب. وينشد إصاخة الناشد

(1)

فى أوب: فإنها.

(2)

في أ: التقاطها

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2 230) 2: 857 كتاب في اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1355) 2: 988 كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها

ص: 91

للمنشد فيكون معناه: لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها، لأنها خصت بهذا من بين سائر البلاد

(1)

.

وروى يعقوب بن شيبة في " مسنده " عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج "

(2)

.

قال ابن وهب: يعني: يتركها حتى يجدها صاحبها.

ورواه أبو داود أيضاً.

ووجه الرواية الأول: عموم الأحاديث، وأنه أحد الحرمين. فأشبه حرم المدينة.

ولأنها أمانة. فلم يختلف حكمها بالحل والحرم؛ كالوديعة.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إلا لمنشد "

(3)

: يحتمل أن يريد إلا لمن عرفها عامأ. وتخصيصها بذلك لتاً كدها لا لتخصيصها، كقوله عليه السلام

(4)

: " ضالة المسلم حرق النار "

(5)

. وضالة الذمي مقيسة عليها.

وعنه: لا تملك لقطة بحال.

وقول المتن: ولو عرضاً أو لقطة الحرم: تصريح بما شمله العموم ليعلم أنهما مقصودان بالتعميم وليتكلم على الخلاف فيهما.

وقوله: (أو لم يختر) هو مفهوم قوله: دخلت في ملكه حكماً. يعني:

من غير اختيار من الملتقط. وتقدم الكلام على الخلاف في ذلك.

وكذا قوله: (أو اخَّره لعذر) فإنه مفهوم قوله: وإن أخر التعريف الحول أو بعضه لغير عذر أثم ولم يملكها به بعد. وتقدم الكلام عليه.

(1)

فى أوب: من سائر البلاد.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1719) 2: 139 كتاب اللقطة، باب في الشح.

(3)

سبق تخريجه قريبا.

(4)

ساقط من أ.

(5)

أخرجه ابن ماجه في " سننه (2 0 5 2) 2: 836 كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل والبقر والغنم.

ص: 92

(أو ضاعت) يعني: لو ضاعت اللقطة من واجدها من غير تفريط فالتقطها

ثان (فعرفها الثانى مع علمه بالأول) أى: بأنها ضاعت من ملتقط أول، (ولم يعلمه) أى: ولم يعلم الثانى الأول بها، (أو أعلمه) وعرفها الثانى (وقصد بتعريفها) تملكها (لنفسه): فأنها تدخل في ملك الملتقط الأول حكما بإنقضاء الحول الذي عرفها فيه؛ لأن حق التمول للأول. أشبه ما لو غصبها من الملتقط غاصب فعرفها.

وقيل: يملكها الثانى؛ كما لو أذن له الأول في أن يعرفها لنفسه.

وتقدم الكلام على ذلك عند قوله: ويلزمه حفظ الجميع بأتم من هذا

(1)

.

والله سبحانه وتعالى أعلم

(2)

.

(1)

ص (78)

(2)

فى ب: والله أعلم

ص: 93

[فصل: فيما يشترط لإباحة التصرف في اللقطة]

(فصل. ويحرم تصرفه) أى: الملتقط (فيها) أى: في اللقطة بعد. التعريف (حتى يَعْرف وعاءها. وهو كيسُها، ونحوه)، كالخرقة التي تكون مشدودة فيها. والقدر أو الزق الذي يكون فيه المائع. واللفافة التي تكون فيها الثياب.

(و) حتى يَعرف (وكاءَها) أى: اللقطة (وهو: ما شُّد به) الكيس أو الزق ونحوهما هل هو سير أو خيط، وهل هو من إبريسم أو كتان

(و) حتى يعرف (عِفاصها) بكسر العين المهملة (وهو: صفة الشد).

قال في " الإنصاف ": والعفاص، قال في " المستوعب ": هو الشد والعقد.

وقيل: هو صمام القارورة. وذكر ابن عقيل في " التذكرة ": أو الصرة.

وهو ظرفها.

قال الزركشي: هو الوعاء التي تكون فيه من خرقة أو غيرها.

قال الحارثي: العفاص مقول على الوعاء. وورد: " احفظ عفاصها ووعاءها ". والعفاص في هذه الرواية: صمام القارورة أى: الجلد المجعول على راسها. يقالى عليه أيضاً. انتهى.

وفي " المبدع ": حتى يعرف وعاءها. وهو: العفاص التي تكون فيه من خرقة أو غيرها.-

وقيل: هو صفة شده وعقده. انتهى.

فحيب جمع بين الوعاء والعفا صفي الحديث تعين أن يكون غيره.

ص: 94

قال في " القاموس ": والقارورة عفَصها: شَّد عليها العفا ص

كاًعفصها. ثم قال: وككتاب: الوعاء فيه النفقة، جلداً أو خرقة، وغلاف القارورة، والجلد يغطى به رأسها. انتهى.

وقال في فصل الصاد المهملة من باب الميم: وصِمَام القارورة وصمامتها وصمتها، بكسرهن: سدادها. وضمها: سدها. وأصمها: جعل لها صماماً. انتهى.

إذا تقرر هذا فحيث ذكر العفا صفي رواية دون الوعائين تعين أن يكون معناه الوعاء، وإن

(1)

ذكر مع الوعاء فالأول حمله على صفة الشد، لقول القاضي وابن عقيل وغيرهما،

ويتعرف المربط هل هو عقدة

(2)

أو عقدتان وأُنْشوطة أو غيرها، للاتفاق

على الأمر بمعرفة صفاتها. وهذا منها.

والأنشوطة قال في " القاموس ": كانبوبة: عقدة يسهل أنحلالها كعقد

(3)

التّكّة. انتهى.

(و) حتى يعرف (قدرها) بالعد أو الوزن أو الكيل بمعيارها الشرعي، (وجنسها، وصفتها) التي تتميز بها من الجنس وهي نوعها ولونها.

والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فى حديث زيد بن خالد: " اعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها "

(4)

. رواه الترمذي.

وفي بعض حديثه: " فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها

فاًعطها إياه وإلا فهي لك "

(5)

. رواه مسلم.

(1)

في ب: اذا.

(2)

في ب: عقد ..

(3)

في ج: كعقده

(4)

أخرجه الترمذي في جامعه (1372) 3: 5 65 كتاب الأحكام، باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم.

(5)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1723) 3: 0 135 كتاب اللقطه.

ص: 95

وفي لفظ عن أبي بن كعب أو قال: " وجدت مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عرّفْها حولاً. فعرفتها حولاً. فلم تعرف. فرجعت إليه

(1)

فقال: اعرف عدتها ووعاءها ووكاءها واخلطها بمالك. فإن جاء ربها فاً دها إليه "

(2)

.

لأن

(3)

دفعها إلى ربها يجب بوصفها، وإذا تصرف فيها قبل معرفه صفاتها لم

يبق سبيل إلى معرفة وصفها بأنعدامها بالتصرف.

ولأنه حيث وجب دفعها إلى ربها بوصفها. فلا بد من معرفته؛ لأن ما لا يتم

الواجب إلا به واجب.

(وسُن) للملتقط أن يكون (ذلك عند وجدانها)؛ لأن في بعض

ألفاظ حديث أبي بن كعب: " اعرف عفاصها ووكاءها وعددها ثم عرفها سنة"

(4)

.

ولأنها ربما تضيع منه في حول التعريف فيصفها لواجدها أو ربما يحصل منه

تفريط في حول التعريف. فيعرف القدر الواجب عليه بذلك.

ولأن فى ذلك تحصيلا للعلم بذلك.

(و) سن أيضا ً عند وجدانها (إشهاد عدلين عليها).

قال أحمد رحمه الله تعالى: لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها. وهذا

النص ظاهر في الاستحباب، وأو أن لم يشهد عليها لا ضمان عليه.

وعنه: يلزمه الإشهاد. اخماره أبو بكر وابن أبي موسى.

فعلى هذا أن لم يشهد ضمنها.

(1)

في أ: عليه

(2)

أخرجه الترمذى قي " جامعه "(1374) 3: 658 كتاب الأحكام، باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم

وأخرجه أحمد في " مسنده "(20416) 5: 126.

(3)

فى أوب: لأنه

(4)

سبق تخريجه قريبا.

ص: 96

والدليل على وجوبه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل "

(1)

.

ولأنه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه أخذها لنفسه. وبهذا قال ابو حنيفة.

قال في " المغني ": ولنا خبر زيد بن خالد وأبي بن كعب. فإنه أمرههما بالتعريف دون الإشهاد

(2)

.

ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. فلو كان واجباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.

سيَّما وقد سئل عن حكم اللقطة. فلم يكن ليخل بذكر الواجب فيها. فتعين حمل الأمر في حديث عياض على الندب والاستحباب.

ولأنه أخذ أمانة. فلم يفتقر إلى الإشهاد؛ كالوديعه.

والمعنى الذي ذكروه غير صحيح فإنهإ ذا حفظها وعرفها فلم يأخذها لنفسه.

وفائدة الإشهاد: صيانة نفسه من الطمع فيها وكتمها، وحفظها من ورثته أن مات، ومن غرمائه أن أفلس.

و (لا) يستحب الإشهاد (على صفتها)؛ لئلا ينتشر ذلك فيدعيها من

لا يستحقها. ويذكر صفتها كما قلنا فى التعريف، ولكن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من الجنس والنوع.

قال أحمد في رواية صالح وقد سأله: إذا أشهد عليها. هل يبين كم هي؟ قال: لا. ولكن يقول: قد اصبت لقطة.

قال في " المغني ": ويستحب أن يكتب صفاتها؛ ليكون أثبت لها، مخافة

أن ينساها أن اقتصر على حفظها بقلبه. فإن الإنسان عرضة النسيان. انتهى. (وكذا لقيط) يعني: أو يسن لمن وجد لقيطاً أن يشهد على وجدانه.

(1)

أخرجه أبو داود في " سننه "(1709) 2: 136 كتاب اللقطة، باب في الشح.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(5، 5 2) 2: 836 كتاب اللقطه، باب اللقطة

(2)

سبق تخريج حديث زيد بن خالد ص (60) رقم (2)، كما صا سبق تخريج حديث أبى بن كعب ص (96) رقم (2).

ص: 97

قال في " الفروع ": وقيل يلزمه، لئلا يسترقه

(1)

. فلو تركه فلا ولاية. ذكره في " الترغيب ". انتهى.

(ومتى وصفها) أى: اللقطة (طالبُها) أى: مدع ضياعها بصفاتها التي أمر الملتقط بأن يتعرفها: (لزم دفعها) له (بنمائها.

ومع رِقِّ ملتقط، وإنكار سيده فلا بُّد من بينة). وإنما احتيج إلى بينة على التقاط الرقيق، لأن إقرار العبد لا يصح فيما يتعلق برقبته. ذكره في " الإنصاف "

وقا ل: صححه في " المستوعب " وقدمه في " الفر وع " وغيره.

وقيل: لا يلزمه. انتهى.

ولا يشترط في لزوم الدفيع بينة تشهد بالملك للواصف، ولا أنها

(2)

ضاعت منه، ولا يمينه على شيء من ذلك، ولا أن يغلب على ظن الملتقط صدق طالبها.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. نص عليه. انتهى.

وقيل: لا يدفعها إليه إذا وصفها إلا مع ظن صدقه. قدمه في " الرعاية الكبرى ".

وقال في " المبهج " و" التبصرة ": جاز الدفع. ونقل ابن هانئ ويوسف بن موسى: لا باًس به.

وبالأول قال مالك وأبو عبيد ودا ود وابن المنذر.

وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجبر على ذلك إلا ببينة. ويجوز له دفعها إليه

إذا غلب على ظنه صدقه.

(1)

في أ: يسرقه.

(2)

في أ: ولأنها

ص: 98

وقال أصحاب الرأى: إن شاء دفعها إليه وأخذ كفيلاً بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: " البينة على المدعي "

(1)

.

ولأن صفة المدعي لا يستحق بها؛ كالمغصوب.

قال في " المغني ": ولنا قول النبى صلى الله عليه وسلم: " فإن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه "

(2)

.

قال ابن المنذر: هذا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبه أقول.

ورواه ابن القصار: " فإن جاء باغيها ووصف عفاصها وعددها فادفعها

إليه ".

وفي حديث زيد الذي ذكرناه: " اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن

لم تعرف فاستنفقها، وإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه "

(3)

.

يعني: إذا ذكر صفاتها؛ لأن ذلك هو المذكور في صدر الحديث، ولم. يذكر البينة في شيء من الحديث. ولو كانت شرطاً للدفع لم يجز الإخلال به ولا الأمر بالدفع بدونه.

ولأن إقامة البينة على اللقطة تتعذر؛ لأنها إنما تسقط حال الغفلة والسهو.

فتوقف دفعها عليها منع لوصولها إلى صاحبها ابدا.

وهذا يفوت مقصود الالتقاط، ويفضي إلى تضييع أموال الناس. وما هذا

سبيله يسقط اعتبار البينة فيه، كالأنفاق على اليتيم.

والجمع بين هذا القول وبين تفضيل الالتقاظ على تركه متناقض جداً؛ لأن الالتقاط حينئذ يكون تضييعاً لمال المسلم يقيناً، وإتعاباً لنفسه بالتعريف الذي

(1)

أخرجه الجاري في " صحيحه "(4277) 4: 1656 كتاب التفسير، باب:(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا)

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1 171) 3: 1336 كتاب الأ قضية، باب اليمين على المدعى عليه.

(2)

سبق تخريجه ص (96) رقم (2). عن أبي بن كعب رضى الله عنه.

(3)

سبق تخريجه ص (60) رقم (2).

ص: 99

لا يفيد، والمخاطرة بدينه بترك الواجب من تعريفها. وما هذا سبيله يجب أن يكون حراماً فكيف يكون فاضلاً.

وعلى هذا نقول: لو لم يجب دفعها بالصفة لم يجز التقاطها لما ذكرناه.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعي "

(1)

: يعني: إذا كان ثم منكر " لقوله في سياقه: " واليمين على من أنكر "، ولا منكر هاهنا. على أن البينة تختلف، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بينة مدعي اللقطة وصفها. فإذا وصفها فقد أقام بينة.

وقياس اللقطه على المغصوب غير صحيح فإن النزاع ثم في كونه مغصوبا والأصل عدمه، وقول المنكر يعارض دعواه فاحتيج إلى البينة. وهاهنا قد ثبت كون هذا المال لقطة وإن له صاحباً غير من هو في يده ولا مدعي له إلا الواصف، وقد ترجح صدقه فينبغي أن يدفع إليه. انتهى.

قال في " الفروع ": ومثله وصفه مغصوباً ومسروقاً. ذكره في " عيون المسائل " والقاضي وأصحابه على قياس قوله: إذا اختلف المؤجر والمستأجر في دفن الدار في وصفه فهو له.

وقيل: لا، كوديعة وعارية ورهن وغيره، لأن اليد دليل الملك ولا تتعذر البينة. انتهى.

وظاهر ما تقدم أو لو جاء مدع للقطة

(2)

ولم يصفها ولا أقام بينة أنها له: لم

يجز دفعها إليه

(3)

. سواء غلب على ظنه صدقه أو لا، لأنها أمانة. فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أو صاحبها، كالوديعة. فلو دفعها فجاء آخر فوصفها أو اقام بها يينة: لزم الدافع غرامتها له، لأنه فوتها على مالكها بتفريطه. وله الرجوع على مدعيها، لأنه أخذ مال غيره. فإذا ضمنها لأخذها: لم يرجع على

(1)

سبق قريباً

(2)

في ج: اللقطة

(3)

ساقط من أ

ص: 100

أحد. وإن لم ياًت لها طالب فللملتقطمطالبة آخذها بها، لأنه لا يؤمن مجيء صاحبها فيغرمه إياهًا.

ولأنها أمانة في يده. فملك أخذها ممن أخذها بغير حق " كالوديعة.

وحيث وجب الدفع فإنه يكون بنمائها المتصل " لأنه ملك مالكها ولا يمكن أنفصالها عنه.

ولأنه يتبع في العقود والفسوخ. وكذا المنفصل قبل تمام حول التعريف "

لأنه نماء ملكه.

(والمنفصل بعد حول تعريفها لواجدها)، لأنه ملك اللقطة بأنفصال الحول. فنمأوها إذاً نماء ملكه.

وقيل: لربها كالنماء المتصل، وكمن استرجع ماله ممن أفلس وقد زاد زيادة منفصلة. والفرق بينهما: أن الملتقط يضمن النقص بعد الحول فتكون له الزيادة " ليكون الخراج بالضمان. والمفلس لا ضمان عليه في النقص لغيره فأمكن أن لا يكون الخراج له. والله أعلم.

ثم أعلم أن أكثر الأصحاب حكى في المساً لة الخلاف وجهين وهما روأىتات

في " الترغيب " و" التلخيص ".

(وإن تلفت) اللقطة (أو نقصت قبله) أى: قبل الحول بيد الملتقط،

(ولم يفرِّط: لم يضمنها)، لأنها أمانة بيده. فلم تضمن بغير تفريط " كالوديعة. (و) أن تلفت أو نقصت (بعده) أى: بعد الحول فإن الملتقط (يضمنها مطلقاً) أى: سواء فرَّط فيها أو لم يفرط، لأنها دخلت في ملكه. فكان تلفها من ماله.

قال فى " المغني ": وتملك اللقطة ملكاً مراعى يزول بمجئ صاحبها، ويضمن له بدلها أن تعذر ردها. والظاهر أنه يملكها بغير عوض يثبت في ذمته. وإنما يتجدد وجوب العوض بمجيء صاحبها كما يتجدد زوا ل الملك عنها بمجيئه، وكما يتجدد وجوب نصف الصداق للزوج أو بدله أن تعذر ثبوت الملك فيه بالطلاق. وهذا قول بعض اصحاب الشافعي.

ص: 101

وقال أكثرهم: لا يملكها إلا بعوضٍ يثبت في ذمته لصاحبها. وهذا قول

القاضي وأصحابه. بدليل أو يملك المطالبة به. فأشبه القرض.

ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن جاء صاحبها وإلا فهي مال الله يؤتيه من

يشاء "

(1)

. فجعلها من المباحات.

ولأنه لو مات لم يعزل من تركته بدلها، ولا يستحق أن ياًخذ من الزكاة بسبب

الغرم، ولا يلزمه أن يوصي به، ولا يمتنع وجوب الزكاة من ماله بسبب الدين،

ولا يثبت شيء من أحكام الدين في حقه. وإنتفاء أحكامه دليل

(2)

على أنتفائه.

وقال القاضي: يمنع ذلك وجوب الزكاة.

ولأنه لو ملكها بعوض لم يزل ملكه عنها بمجيء صاحبها، ولو وقف ملكه

لها على رضاه بالمعاوضة

(3)

واختياره كالقرض والأمر بخلاف ذلك. وإنما يستحق صاحبها المطالبه بعد مجيئه بشرط تلفها. فأنها لو كانت موجودة لأخذها

ولم يستحق لها بدلاً، وإن كانت تالفة تجدد له ملك المطالبة ببدلها، كما يتجدد

له الملك فيها لو كانت موجودة، وكما يتجدد له الملك في نصف الصداق بالطلاق قبل الدخول، وفي بدله أن كان معدوماً. وهذا أشبه بمسألتنا، وبه يبطل ما ذكروه.

وأما القرض فإنه لما ثبت بدله في الذمة لم يعد الملك له في المقرض إلا

برضى المقترض واختياره. انتهى.

وعنه: لا يضمنها الملتقط إذا تلفت. حكى ابن ابي موسى عن أحمد: أنه

لوح في موضع إذا أنفقها بعد الحول والتعريف: لم يضمنها؛ لحديث عياض بن حمار المرفوع

(4)

: " فإن جاء ربها وإلا فهي

(5)

مال الله يؤتيه من يشاء "

(6)

.

(1)

سبق تخريجه صى (85) رقم (3).

(2)

في ج.: حمل دليل.

(3)

ساقط من ب.

(4)

في ج: المعر وف

(5)

فى أوب: فهو.

(6)

سبق تخريجه ص (85) رقم (3).

ص: 102

وقيل: ولا يردها إذا كانت باقية.

(وتعتير القيمة) في اللقطة إذا تلفت وقد زادت أو نقصت (يوم عرف ربُها)، لأنه قد وجب على الملتقط رد العين إليه يوم معرفته به. فإذا لم يمكنه ردها إليه وجبت عليه قيمتها يومئذ.

وقيل: يوم ملكها.

وقيل: يوم تصرفه فيها.

وقيل: يوم غرم بدلها.

وأما إذا كانت من ذوات الأمثال فإنه يلزمه مثلها.

قال بعض الأصحاب: لا أعلم في هذا خلافاً.

(وإن وصفها) أى: اللقطة (ثان قبل دفعها للأول: أقرع) بينهما، (ودُفعت إلى قارع بيمينه). نص عليه، وبه جزم القاضي وابن عقيل.

قالب الحارثي: والمذهب القرعة ودفعها إلى القارع مع يمينه. نص عليه.

قال في " المغني ": فإن وصفها اثنان أقرع بينهما. فمن وقعت له القرعة حلف أنها له وسلمت إليه. وهكذا أن أقاما بينتين أقرع بينهما. فمن وقعت له القرعة حلف ودفعت إليه. ذكره القاضي.

وقال أبو الخطاب: تقسم بينهما، لأنهما تساوىا فيما يستحق به الدفع. فتساوىا فيها؛ كما لو كانت في أيديهما.

والذي قلناه أصح وأشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا عيناً في يد غيرهما.

ولأنهما تداعيا عيناً في يد غيرهما وتساوىا في البينة أو فى عدمها: فتكون لمن وقعت له القرعة. كما لو ادعيا وديعة في يد إنسان. فقال: هي لأحدكما لا أعرفه عينا.

وفارق ما إذا كانت في أيديهما، لأن يد كل وأحد على نصفها فرجح قوله فيه. (و) أن وصفها إنسان فدفعت إليه ثم جاء ثان (بعده) فادعاها ووصفها:

(لا شيء للثانى)؛ لأن الأول يستحقها لوصفه إياه وعدم المنازع فيها حين

ص: 103

أخذها وثبتت يده عليها ولم يوجد ما يقتضي أنتزاعها منه. فوجب إبقاؤها له؛ كسائر ماله.

وقال أبو يعلى الصغير: إن زاد في الصفة احتمل تخريجه على بينة النتاج والنتاج. فإن رجحنا به رجحنا هنا.

(وإن) وصفها إنسان وأخذها ثم (اقام آخر بينة أنها له: أخذها من واصف)؛ لأن البينة أقوى من الوصف. فيرجح صاحبها بذلك.

ولأنه يحتمل أن يكون الواصف رآها عند من أقام البينة فحفظ أوصافها فجاء وادعاها وهو مبطل.

(فإن) كانت قد (تلفت) عند الواصف كان عليه ضمانها؛ لأن يده يد

عادية. فضمنها؛ كا لغصب.

و (لم يضمن ملتقط) لمن أقام البينة شيئا؛ لأنه دفعها إلى الواصف بإذن الشرع. فلم يضمنها؛ كما لو دفعها باً مر الحاكم.

ولأن الدفع واجب عليه فكان بغير اختياره. فلم يضمن؛ كالمكره.

وقيل: لمن اقام البينة تضمين من شاء من الواصف والملتقط الدافع إليه،

إلا أن يكون قد دفعها باً مر حاكم؛ لأن أخذها بأمر الحاكم على سبيل القهر يشبه ما لو غصبها منه غاصب.

وإن كان الملتقط أنما أعطى الواصف بدل اللقطة بمقتضى أنها قد كانت تلفت عنده: لم يكن لذي البينة طلب الواصف؛ لأن ما أخذه ليس من ماله وإنما هو من مال الملتقط. وتعين طلبه على الملتقط؛ لأن ماله أنما تلف تحت يده. وللملتقط الرجوع على الواصف بما أخذه؛ لتبين عدم استحقاقه له.

ومحل ذلك: ما لم يكن أقرللواصف بملكها فإنه حينئذ يكون مدعيا أن مقيم البينة ظلمه بتضمينه. فلا يملك الرجوع به على غير من ظلمه.

وإن التقطها اثنان فعرفاها حولاًً فلم تعرف كانت بينهما بالسويه. وكذا لو كان الملتقط أكثر من اثنين.

ص: 104

وإن رأياه معا فبادر أحدهما فاً خذها، أو رآها أحدهما وأعلم بها صاحبه فأخذها: فهي لأخذها؛ لأن استحقاق اللقطة بالأخذ لا بالرؤية؛ كالاصطياد. وإن قال أحدهما لصاحبه: هاتها فرفعها. نظرت في نيته فإن رفعها لنفسه

فهي له دون الأمر، وإن رفعها للأمر فهي له، كما لو وكله في الاصطياد له. ذكره في " المغني ".

قال ابن نصر الله في حاشيته على هذا المحل: فإن رفعها من غير نية احتمل وجهين: أقواهما أنها للاخذ. وجزم في " الكافي " بأنها للآخذ؛ لأنه لا يصح التوكيل فيه ولم يذكر النية ليكون كلامه في " الكافي " على ما إذا لم تكن له نية، وهنا على ما إذا كانت له نية. وإن قال: ارفعها لي

(1)

فيتوجه أنها للامر، إلا أن ينوي نفسه. انتهى.

(ولو أدركها ربها بعد الحول مبيعة أو موهوبة) بعد الحول والتعريف وهي

بيد من أنتقلت إليه: (فليس له) أى: لربها (إلا البدل)، لأن تصرف الملتقط وقع صحيحاً؛ لكونها صارت في ملكه.

(ويُفسخ) العقد أن أدركها ربها (زمن خيار، وترد) له؛ ما لو أدركها (بعد عودها) إلى الملتقط (بفسخ أو غيره)، لأنه وجد عين ماله في يد ملتقطه. فكان له أخذه؛ كالزوج إذا طلق

(2)

قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة.

(أو) كما لو أدركها بعد (رهنها) فإن ربها ينتزعها من يد المرتهن؛ لقيام ملكه وإنتفاء إذنه. قاله الحارثي.

قال- في " الإنصاف ": قلت: يتوجه عدم الأنتزاع؛ لتعلق حق المرتهن به. (ومؤُنْة الرد) أى: رد اللقطة إلى مالكها أن احتاج إلى مؤنة (على ربها).

(1)

في ج: إليَّ.

(2)

في أ: إلى طلقا. وهو تصحيف.

ص: 105

ذكره في " التعليق " و" الأنتصار "؛ لتبرع الملتقط بحفظها. ومعناه في " منتهى الغاية " في عدم سقوط الزكاة بتلف المال قبل التمكن.

وفي " التغريب " و" الر عا ية ": عليه.

(ولو قال مالكها بعد تلفها) بيد الملتقط قبل زمن التعريف المشروع:

عليك ضمانها بتعديك لكونك إنما (أخذتها لتذهب بها) لا لأن تعرفها، (وقال الملتقط): إنما أخذتها (لأعرفها: فقوله) أى: الملتقط (بيمينه). ذكره المجد في

" شرحه ".

ووجهه: أنه منكر، وإن الأصل براءة ذمته.

(ووارث) للملتقط أو لرب اللقطة (فيما تقدم) من الأحكام (كمورثه).

ومن ذلك: أن الملتقط إذا مات واللقطة موجودة بعينها قام وارثه مقامه في

إتمام تعريفها إن مات قبل الحول. ودخولها في ملكه بعد إتمام التعريف. وإن مات بعد الحول ورثها الوارث؛ كسائر أموال الميت.

ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما ياً خذها من الموروث. وإن كانت. معدومة العين فصاحبها غريم للميت بمثنها أن كانت من ذوات الأمثال، أو بقيمتها إن لم تكن كذلك. فياً خذ ذلك من تركته إن اتسعت لذلك.

وإن ضاقت زاحم الغرماء. سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله؛ لأنها

قد دخلت في ملكه بمضي الحول.

وإن علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريط فلا شيء لصاحبها؛ لأنها أمانة

تلفت بغير تفريط. فلم تضمن؛ كالوديعة.

فأما أن لم يعلم تلفها ولم توجد في التركة: فقال في " المغني ": أن ظاهر

كلام الخرقي: أن صاحبها غريم بها. سواء كان قبل الحول أو بعده؛ لأن الأصل بقاؤها. قال: ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شيء ويسقط حق صاحبها؛ لأن الأصل براءة ذمة الملتقط منها، ويحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريطه فلا تشتغل ذمته بالشك.

ص: 106

ويحتمل أنه إن كان الموت قبل الحول فلا شيء عليه، لأنها كانت أمانة عنده

لم تعلم خيانته فيها. والأصل براءة ذمته منها.

وإن مات بعد الحول فهي في تركته؛ لأن الأصل بقاؤها إلى ما بعد الحول،

ودخولها في ملكه، ووجوب بدلها عليه.

فإن قيل: قد

(1)

قلتم أن صاحبها لو جاء بعد بيع الملتقط لها أوهبته لم يكن

له إلا بدلها فلم قلتم أنها إذا أنتقلت إلى الوارث يملك صاحبها أخذها؛

قلنا: لأن الوارث خليفة الموروث. وإنما

(2)

يثبت له الملك فيها على

الوجه الذي كان ثابتا لموروثه، وملك موروثه فيها كان مراعى مشروطا بعدم مجيء صاحبها فكذلك ملك وارثه. بخلاف ملك المشتري والمتهب فإنه اما يملكان ملكاً مستقراً. انتهى.

قال ابن نصر الله: ولأن البيع والهبة اختياري، والإرث قهري.

(ومن استيقظ) من نوم وإغماء (فوجد في ثوبه) أو كيسه (مالا) دراهم أو

غيرها (لا يدري من صره) أو وضعه: (فهو له) ولا تعريف عليه؛ لأن قرينة الحال تقتضي تمليكه له.

قال في " الإنصاف ": ولأحمد نص يوجب التعريف وينفي الملك.

(ولا يبرأ من أخذ من نائم شيئاً، إلا بتسليمه له) بعد أنتباهه.

قال في " الإنصاف ": وكذلك الساهي. انتهى.

يعني: أن من أخذ من إنسان ساه شيئاً في حال سهوه: لم يبرأ إلا برده عليه بعد زوال حالة السهو عنه.

ووجه ذلك: أن الأخذ في حالة من هاتين الحالتين موجب لضمان المأخوذ

على آخذه؛ لوجود التعدي؛ لأنه إما سارق أو غاصبٌ. فلأ يبرأ من عهدته إلا برده على مالكه لمحي حإلة يصح قبصه له فيها. والله أعلم .. ؛ ""

(1)

في أ: فلم.-

(2)

في ا: فإنما.

ص: 107

(ومن وجد في حيوان نقداً)، كما لو اشترى إنسان شاة فذبحها فوجد في بطنها دنانير ودراهم (أو دُرَّة) أو عنبرة:(فلقطة) يلزمه تعريفها. ويبدأ بالبائع " لاحتمال أن يكون ذلك من ماله. فإن لم يعرف كان (لواجده).

قال في " الفروع ": نص عليه.

ونقل ابن منصرر: ولبائع ادعاه. إلا أن يدعي مشترِ أو أكله عنده فله.

(وإن وجد) إنسان (دُرَّة غير مثقوبة في سمكة: فلصياد).

قال في " الفروع ": لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها.

قال في " المغني ": لأن الدر يكون في البحر. بدليل قول الله تعالى

(1)

: (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)[فاطر: 12].

حتى ولو باعها الصياد. نص عليه، لأنه إذا لم يعلم ما في بطنها لم يبعه ولم يرض بزوال ملكه. فلم يدخل في البيع، كمن باع دارا له مال مدفون فيها.

وإن كانت الدرة فيها أثر لادمي، مثل: أن كانت مثقوبة ومتصلة بذهب أو فضة

أو غيرها: فلقطة لا يملكها الصياد، كما لو وجد في بطن السمكة دراهم أو دنانير.

ومن صاد غزالاً أو نحوه فوجده مخضوباً أو في عنقه خرزاً وفي إذنه قرط أو نحوه ذلك مما يدل على ثبوت اليد عليه قبل ذلك: فهو لقطة.

وقال أحمد: فيمن ألقى شبكة في البحر فوقعت بها سمكة فجذبت السمكة فمرت بها في البحر فصادها رجل: فإن السمكة للذي حازها والشبكة يعرفها ويدفعها إلى صاحبها.

فجعل الشبكة لقطة، لأنها مملوكه لادمي. والسمكة لمن صادها " لأنها كانت مباحة ولم يملكها صاحب الشبكة، لكون شبكته لم تثبتها. فبقيت على الإباحة. ذكره في " المغني ".

ونقل عن أحمد: في رجل انتهى إلى شرك فيه حمار وحشي أو ظبية قد

(1)

في أ: قوله تعالى.

ص: 108

شارف الموت فخلصه وذبحه: هو لصاحب الأحبولة. وما كان من الصيد فى الأحبولة فهو لمن نصبها وإن كان بازياً أو صقراً أو عقاباً.

قال: وسئل عن بازي أو صقر أو كلب معلم أو فهد ذهب من

(1)

صاحبه فدعاه فلم يجبه ومر في الأرض حتى أتى لذلك أيام فأتى قرية فسقط على حائط فدعاه رجل فأجابه قال: يرده على صاحبه. قيل له: فإن دعاه فلم يجبه فنصب له شركاً فصاده به؛ قال: يرده على صاحبه.

قال في " المغني ": فجعل هذا لصاحبه؛ لأنه قد ملكه فلم يزل ملكه عنه بذهابه عنه. والسمكة في الشبكة لم يكن مالكها ولا حازها. ولذلك جعل ما وقع في الأحبولة من البازي والصقر والعقاب لصاحب الأحبولة ولم يجعله هاهنا لمن وقع في شركه؛ لأن هذا فيما علم أو قد كان مملوكاً لإنسان فذهب. وإنما يعلم هذا بالخبر، ويوجد ما يدل على الملك فيه؛ مثل: وجود السير في رجله. واثار التعليم؛ مثل: استجابته للذي يدعوه ونحو ذلك. ومتى لم يوجد ما يدل على أو مملوك فهو لمن اصطاده؛ لأن الأصل عدم الملك فيه وإباحته. انتهى. (ومن ادعى ما) أى: مالا (بيد لصٍ أو ناهب أو قاطع طريق) قد قدر عليه، (ووصفه) أى: وصف ما ادعاه بصفة تُميِّره: (فهو له) بمجرد الوصف. ولا يكلف بينة تشهد بملكه إياه؛ لأنه بيد من لم يدع ملكه.

قال ابن رجب في القاعدة الثامنه والتسعين: من ادعى شيئا ووصفه دفع إليه بالصفه إذا جهل ربه ولم تثبت عليه يدٌ من جهة مالكه، وإلا فلا. ويتخرج على ذلك مسائل. ثم قال: ومنها: الأموال المغصربة والمنهوبة والمسروقة؛ كالموجوده مع اللصر صوقطاع الطريق ونحوهم يكتفى فيها بالصفة. انتهى.

(1)

فى أوب: عن ج

ص: 109

[فصل: لا فرق بين ملتقط غني وفقير]

(فصل. ولا فرق بين ملتقط غني و) بين ملتقط (فقير، و) لا بين ملتقط

(. مسلم و) ملتقط (كافر، و) لا بين ملتقط (عدل و) ملتقط (فاسق يأمن نفسه عليها)؛ لأن الالتقاط نوع اكتساب. فكان الفاسق والكافر من أهله؛ كالاحتشاش والاحتطاب.

قال في " الإنصاف ": وهذا المذهب. جزم به في " الوجيز " وغيره. وقدمه في " الهداية " و" المستوعب " و" الرعاية الصغرى " و" الحا وي الصغير " و" الفروع ".

قال ابن منجى في " شرحه ": هذا المذهب. انتهى.

وقيل: تدفع لقطة الكافر لعدل؛ لتعذرحفظها منه.

وقيل: يضم إليه عدل.

قال في " المغني ": وإن علم بها الحاكم أو السلطان أقرها في يده وضم إليه مشرفاً عدلاً يشرف عليه ويعرفها؛ لأننا لا نأمن من الكافر على تعريفها، ولا ناًمنه أن يخل بالتعريف بشيء من الواجب عليه فيه. وأجر المشرف عليه فإذا تم حول التعريف ملكها الملتقط.

ويحتمل أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يد عدل؛ لأنه غير مأمون عليها

انتهى. وقيل: يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها وقطع به جماعة.

قال في " المغني ": ويستحب لمن ليس بأمين أن لا يأخذ اللقطة؛ لأنه

ص: 110

يعرض نفسه للأمانة وليس هو من أهل ها. فإن التقط صح

(1)

التقاطه، لأنها جهة من جهات الكسب وهو من أهل الكسب.

ولأنه إذا صح التقاط الكافر فالمسلم أولى. فإذا التقطها فعرفها حولاًً ملكها، كالعدل

(2)

.

وإن علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه مشرفاً يشرف عليه ويتولى تعريفها كما قلنا في الذمي، لأنه لا يأمنه

(3)

عليها، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه. وقال في الاخر: ينزعها من يده ويضعها في يد عدل.

ولنا: أن من خلى بينه وبين الوديعة لم تزل يده عن اللقطة كالعدل. والحفظ يحصل بضم المشرف إليه، وإن لم يمكن المشرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد عدل. فإذا عرفها وتمت السنة ملكها ملتقطها، لأن سبب الملك وجد منه. انتهى.

وتقدمت رواية: أن لا يملكها بعد حول التعريف ملتقطها، إلا إذا كان فقيراً

من ذوي القربى.

(وإن وجدها) أى: اللقطة (صغير أو سفيه أو مجنون): صح التقاطه،

لأنه نوع تكسب. فصح منه، كالاصطياد والاحتطاب. و (قام وليه) أى: ولي واجدها من هؤلاء (بتعريفها)، لأنه قد ثبت لواجدها حق التمول فيها فكاد على وليه القيام بها.

(فإن تلفت بيد احدهم) أى: بيد الواجد لها منهم (و) كان قد (فرط)

في

(4)

حفظها: (ضمن) ما تلف منها بتفريطه في ماله.

(1)

في أ: اللقط يصح.

(2)

في أ: لها كالعدول.

(3)

فى أوب: نأمنه.

(4)

ساقط من أ.

ص: 111

قال في " الفروع ": نص عليه في صبي.

(كإتلا فه) وكعبد.

وفي " المنتخب " وغيره: لا يضمن.

(وإن كان) تلفها (بتفريط الولي) أى: ولي الواجد لها بأن علم بها ولم

ياً خذها منه؛ لكونه ليس أهلاً للحفظ حتى تلفت: (فعليه) أى: على الولي ضمانها؛ لأنه هو المُضيِّع لها؛ لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق موليه.

(فإن) لم تتلف وعرفها الولي و (لم تعرف: فلواجدها) أى: فتدخل في ملك واجدها؛ لأن سبب الملك تم بشرطه فيثبت الملك عقبه.

ولو كان الصغير مميزاً فعرفها بنفسه فقال في " الإنصاف ": قال الحارثي: فظاهر كلامه في " المغني " عدم الإجزاء. والأظهر الإجزاء؛ لأنه يعقل التعريف. فالمقصود حاصل. واقتصر على كلامهما في " القواعد الأصولية ". انتهى كلامه في " الإنصاف ".

وإن لم يعرفها الصغير ولا الولي فقال في " المغني ": قال أحمد في رواية العباس بن موسى: في غلام له عشر سنين التقط لقطة ثم كبر: فإن وجد صاحبها دفعها إليه، وإلا تصدق بها قد مضى أجل التعريف فيما تقدم من السنين. ولم ير عليه استقبال أجل التعريف. قال: وقد كنت سمعته قبل هذا أو بعده يقول في أنقضاء أجل التعريف: إذا لم يجد صاحبها. أيتصدق بمال الغير؟.

وهذه المسألة قد مضى نحوها فيما تقدم

(1)

إذا لم يعرف الملتقط اللقطة في حولها فإنه لا يملكها، وإن عرفها فيما بعد ذلك؛ لأن التعريف بعده لا يفيد ظاهراً لكون صاحبها يئس منها ويترك طلبها. وهذه المسألة تدل على أو إذا ترك التعريف لعذر كان كتركه لغير عذر؛ لكون الصبي من أهل العذر، وقد ذكرنا في هذا الوجهين فيما تقدم.

(1)

ص (83).

ص: 112

وقال أحمد: في غلامٍ لم يبلغ أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى منزله فضاعت. فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها: تصدق بها. فإن لم يجد عشرة وكان يحجف به، تصدق قليلاً قليلاً.

قال القاضي: معنى هذا أنها تلفت بتفريط الصبي. وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها. انتهى.

(والرقيق) يصح التقاطه، لعموم الأحاديث.

ولأن الالتقاط سبب يملك به الصغير ويصح منه. فصح

(1)

من الرقيق "

كا لاصطياد.

قال في " الفروع ": ولعبد أن يلتقط

(2)

ويعرف بلا إذن سيده في الأصح فيهما، لأنه فعل حسي كاحتطابه. فلم يمكن رده. انتهى.

وقيل: ليس له ذلك بدون إذن السيد. اختاره أبو بكر. وهو رواية ذكرها الزركشي وغيره، وجزم به في " البلغة ".

ومع

(3)

كونه يصح التقاطه وتعريفه بغير إذن سيده (لسيده أخذها) منه ليتولى تعريفها؛ لأنها من كسبه وللسيد انتزاع كسبه من يده

وإن كان العبد قد عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه.

(و) لسيده أيضاً (تركها معه) أى. مع الرقيق الملتقط (إن كان عدلاً يتولى تعريفها) وكان

(4)

السيد مستعيناً به في حفظها كما يستعين به في حفظ سائر ماله. وإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطاً بإقرارها في يده فيضمنها إن تلفت، كما لو أخذها من يده ثم ردها إليه، لأن يد العبد كسيده وما يستحق بها فهو لسيده.

(1)

في أ: فيصح.

(2)

في أ: يلقط.

(3)

في أ: ومن.

(4)

في أ: وإن كان.

ص: 113

وإن أعتق السيد عبده بعد التقاطه كان له انتزاع اللقطة من يده " لأنها من كسبه.

(وإن لم يأمن) الرقيق الملتقط (سيده) عليها أى: على اللقطة: (لزمه سترها عنه)، لأنه يلزمه حفظها، وذلك وسيلة إليه ويسلمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان.

فإن أعلم سيده بها فلم يأخذها منه وأخذها فعرفها وأدى الأمانة فيها فتلفت

في الحول الأول بغير تفريط: فلا ضمان فيها " لأنها لم تتلف بتفريط من أحدهما.

(ومتى تلفت) اللقطه (بإتلافه) أى: إتلاف الرقيق الملتقط، (أو تفريطه) بأن دفعها لسيده وهو لا يأمنه عليها أو غير ذلك فتلفت:(ففي رقبته) ضمانها. نص عليه؛ لأنه أتلف مال غيره. فكان ضمانه في رقبته؛ كغير اللقطة.

وعنه: أن وجد ذلك قبل الحول فالضمان في رقبته، وإن وجد بعد الحول

فهو في ذمته.

وقيل: إن تلفت بتفريطه بدفعها لسيده وهو لا يأمنه عليها تعلق الضمان برقبة العبد وذمة السيد جميعاً.

ونقل ابن منصور: جنايته في رقبته، وإذا خرق ثوب رجل هو دين عليه. (ومكاتب) في التقاطه (كحر)؛ لأن المكاتب يملك اكتسابه، وهذا منها. ومتى عاد قناً بعجزه كانت كلقطة القن.

(و) أما (مُبَعَّض) يلتقط شيئاً (فبينه وبين سيده) على قدر ما فيه من الحرية والرق؛ كسائر اكتسابه.

(وكذا) في الحكم (كل نادر من كسب؛ كلهبة وهدية ووصية، ونحوها)؛ كنثار يقع في حجره.

ص: 114

(ولو أن بينهما) أى: بينه وبين سيده (مُهايأة) أى: موافقة على أن يكون كسبه لنفسه مده معلومة ولسيده مدة معلومة؛ لأن الكسب النادر لا يعلم وجوده ولا يظن فلا يدخل في المهايأة.

وقيل: بلى.

فعلى هذا أن وجد اللقطة [في نوبته

(1)

كانت له، وإن وجدها]

(2)

في نوبة سيده كانت لسيده.

وإن كان الرقيق الملتقط بين شركاء فاللقطة بينهم على قدر حصتهم منه.

والله سبحانه وتعالى أعلم

(3)

.

***

(1)

في أ: ثبوته. وهو تصحيف.

(2)

ساقط من ب.

(3)

في ب: والله أعلم

ص: 115

[باب: اللقيط]

هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام اللقيط. فعيل بمعنى

(1)

المفعول؛

كقتيل وجري وطريح.

ثم (اللقيط) شرعاً: (طفل لا يعرف نسبه ولا) يعرف (رقه، نُبذ) بالبناء للمفعول. أى: طرح في شارع أو غيره، (أو) لم ينبذ بل (ضَلَّ) ما بين ولادته (إلى سن التمييز).

قال في " الإنصاف ": فقط على الصحيح من المذهب. انتهى.

(وعند الأكثر: إلى البلوغ).

قال في " التنقيح ": وقيل: والمميز إلى البلوغ، وعليه الأكثر. انتهى.

قال في " الفائق ": وهو المشهور.

قال الزركشي: هذا المذهب.

قال في " التلخيص ": والمختار عند أصحابنا: أن المميز يكون لقيطاً؛

لأنهم قالوا: إذا التقط رجل وامرأة معا من له أكثر من سبع سنين: أقرع. ولم يخير. بخلاف الأبوين. فلو نبذ أو ضل طفل معروف النسب أو معلوم الرق فرفعه من يعرفه أو غيره فهو لقيط لغة لا شرعا.

(والتقاطه) أى: اللقيط شرعا (فرض كفاية)؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ)] المائدة: 2].

ولأن فيه إحياء نفسه. فكان واجبا؛ كإطعامه إذا اضطر، وإنجائه من الغرق. فلو تركه جميع من راه أثم الجميع.

(1)

فى ا: معنى.

ص: 116

وقال الحلوإني: يستحب لمن رآه أن يأخذه ويربيه إن كان أميناً، وإن كان سفيهاً فللحاكم رفع يده عنه وتسليمه إلى أمين ليربيه.

وله ثلاثه أركان:

* اللقيط. وقد عُرف.

* والالتقاط، وفي وجوب الإشهاد عليه ما في اللقطة

(1)

.

وقيل: يجب قولاً واحداً؛ لئلا يسترقه.

- والملتقط وهو: كل حر مكلف رشيد عدل ولو ظاهراً. وسيأتي التنبيه على ذلك.

(ويُنفق عليه مما معه) إن كان معه شيء، لأن نفقته واجبه في ماله.

وما وجد معه فهو ماله، لأن الطفل يملك وله يد صحيحة. بدليل أنه يرث ويورث، ويصح أن يشتري له وليه ويبيع من ماله.

(وإلا فمن بيت المال)، لما روي عن سنين أبي جميلة قال:" وجدت ملقوطاً. فأتيت به عمر رضي الله تعالى عنه. فقال: عريفي يا أمير المؤمنين! إنه رجل صالح. فقال عمر: أكذلك هو؟ قال نعم. قال: فاذهب فهو حر ولك ولآؤه وعلينا نفقته "

(2)

. رواه سعيد عن سفيان عن الزهري سمع سنيناً أبا جميلة بهذا، وقال:" علينا رضاعه ". ذكره في " المغني ".

(فإن) لم يكن معه شيء و (تعذر) اخذ نفقته من بيت المال، لكونه لا مال فيه، إن لكون البلد ليس بها بيت المال أو نحو ذلك:(اقترض عليه) أى: على بيت المال (حاكم). قاله الحارثي، نقله عنه في " الإنصاف ". وظاهره ولو مع وجود متبرع يها؛ لأنه امكن الأنفاق عليه بدون منة تلحقه في المستقبل. اشبه الأخذ بها من بيت المال.

(1)

رص (96).

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 253 كتاب اللقطة، باب التقاط المنبوذ وإن لا يجوز تركه ضائعا.

ص: 117

(فإن تعذر) الاقتراض عليه: (فعلى من علم حاله) الأنفاق عليه؛ لقول

الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)[المائدة: 2].

ولأن في ترك الأنفاق عليه هلاكه. وحفظه عن ذلك و (3)؛ كانقاذه من الغرق.

(ولا يرجع) إذاً منفق بما أنفقه؛ لوجوبه عليه. (فهى) أى: فالنفقة على

من علم به (فرض كفاية) إذا قام به قوم سقط عن الباقين، وإن تركه الكل أثموا.

قال في " التنقيح ": وقيل: يرجع عليه بنية الرجوع. وقدمه في

" الفر وع " انتهى.

قال في " الإنصاف ": الأنفاق يجب مجاناً عند القاضي وجماعة. منهم صاحب " المستوعب " و" التلخيص "، واختاره صاحب " الموجز " و" التبصرة " وقالا: له أن ينفق عليه من الزكاة. وقدمه في " الرعاية ".

قال الحارثي: وهو أصح.

وقال: وكلام المصنف في " المغني " يقتضي ثبوت العوض للمنفق أن اقترن بالأنفاق قصد الرجوع. وقدمه في " الفروع "؛ لأنه جعل الأنفاق عليه بنية الرجوع، كمن ادى حقاً واجبا عن غيره على ما تقدم في باب الضمان.

وقال في القاعدة الخامسة والسبعين: نفقة اللقيط خرجها بعض الأصحاب على الروايتين فيمن أدى حقا واجباً عن غيره، على ما تقدم في باب الضمان. ومنهم من قال: يرجع هنا قولاً واحدا، وإليه ميل صاحب " المغني "؛ لأن

له ولاية على اللقيط "-- ونص أحمد: أو يرجع بما أنفقه على بيت المال. انتهى.

وقال الناظم: أن نوى الرجوع واستأذن الحاكم: رجع لى الطفل بعد الرشد، وإلا رجع على بيت المال.

قال الحارثي: وناقض السامري وصاحب " التلخيص " فقالا: بعد تعذر

ص: 118

الاقتراض على بيت المال، وامتناع من وجب الأنفاق عليه مجاناً إن أنفق الملتقط رجع على اللقيط في إحدى الروايتين.

والأخرى: لا يرجع ما لم يكن الحاكم أذن له في الأنفاق. زاد في

" التلخيص ": والأصح أنه يرجع. انتهى.

قال الحارثي: والوجوب مجاناً واستحقاق العوض لا يجتمعان، وإنما ذلك- والله أعلم- ما إذا كان للقيط مالٌِ تعذر إنفاقه لمانع، أو ينتظر حصوله من وقف أو غيره. انتهى كلامه في " الإنصاف ".

وعبارته في " الفروع ": وإن أنفق ففي رجوعه بنيته الخلاف. ولا يلزمه. واختار في " الموجز " و" التبصرة ": لا يرجع، وفيهما: له أن ينفق عليه من الزكاة، وما حكي من أنه لا يرجع مع إذن الحاكم سهو. وإنما اعتبر في أنفاق المودع من

(1)

الوديعة على ولد ربها الغائب إذن حاكم؛ لأنه يشترط

(2)

عنده إثبات حاجته؛ لعدم ماله وعدم نفقة متروكة برسمه. انتهى.

(ويحكم بإسلامه) أى: اللقيط (وحريته).

أما كونه يحكم بإسلامه بوجوده في دار الاسلام مع وجود مسلم أو مسلمه يمكن كونه من أحدهما، فلظاهر الدار وتغليب الاسلام فإنه يعلو ولا يعلى عليه.

وأما كونه يحكم بحريته؛ فلأنها الأصل في الادميين فإن الله تعالى خلق ادم وذريته أحراراً، وإنما الرق لعارض. فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل. (إلا أن يوجد) اللقيط (في بلدأهل حرب، ولا مسلم فيه، أو فيه مسلم؛ كالتاجر وأسير: فكافر رقيق)؛ لأن الدار لهم. وإذا لم يكن فيها مسلم كان أهلها منهم، وإن كان فيها قليل من المسلمين غلب فيها حكم الأكثر من أجل كون الدار لهم.

(1)

فى أوب: في.

(2)

في أ: لأنه لا يشترط. وهو تصحيف.

ص: 119

وقيل. يحكم بإسلامه في الصورتين.

أما في الأولى " فلأحتمال أن يكون بها مؤمن يكتم إيمانه واللقيط منه.

وأما في الثانية، فلتغليب الإسلام.

وقيل يحكم بإسلامه في الصورتين اعتباراً بفقد أبويه.

وقال في " الرعاية ": وإن كان فيها مسلم ساكنٌ فاللقيط مسلم. وإلى ذلك أشار الحارثي فقال: مثل الأصحاب في المسلم هنا بالتاجر والأسير واعتبروا إقامته زمناً حتى صرح في " التلخيص " أو لا يكفي مروره مسافراً. انتهى. (وإن كثُر المسلمون) في دار الحرب (فـ) اللقيط فيها (مسلم). قاله في

" الفائق " و" الحاوي الصغير " وابن عبدوس في " تذكرته " وصاحب " الرعايتين " وغيرهم. ومثِّل مساً لة الخلاف في " الرعاية " بالمسلم الواحد. (أو) إلا أن يوجد (في بلد إسلام كلأهله ذمة: فكافر)، لأن تغليب حكم الإسلام إنما يكون مع الاحتمال، وهذه لا مسلم فيها يحتمل كونه منه.

وقيل: بل يحكم بإسلامه، لأن الدار للمسلمين. واحتمال كونه من مسلم يكتم أىمانه.

(وإن كان بها) أى: ببلد الإسلام التي كلأهله ذمة (مسلم يمكن كونه) أى: اللقيط (منه) أى: من المسلم: (فـ) اللقيط بها (مسلم).

قال بعض الأصحاب: قولاً واحداً، تغليبا للإسلام. ولظاهر الدار.

(وإن لم يبلغ من) أى: اللقيط الذي (قلنا بكفره تبعاً للدار) أى: لدار الكفر، (حتى صارت) دار الكفر (دار إسلام: فمسلم) أى: حكمنا بإسلامه تبعاً للدار، لأنها صارت دار إسلام.

(وما وجد معه) أى: مع اللقيط (من فراش تحته، أو) من (ثياب) فوقه، (أو مال في جيبه أو تحت فراشه، أو) وجد ذلك (مدفوناً تحته) دفناً (طرياً) بأن كان الحفر متجدداً،) أو (وجد ذلك) مطروحاً) حال كون الطرح

ص: 120

(قريباً منه، أو) وجد معه (حيوان مشدود بثيابه)، أو وجد اللقيط مشدوداً على دابة أو في سرير أو صندوق:(فله).

قال في " الإنصاف ": وقال في " المغني " و" الكافي " و" الشرح " وابن رزين في " شرحه " وغيرهم: وكذا لو كان مجعولاً في دار أو خيمة تكون له. وظاهر كلام المجد وجماعة: خلافه. انتهى.

ووجه كون ما وجد معه له: أن الطفل يملك ملكاً صحيحاً، ومن له ملك صحيح فله يد صحيحة؛ كالبالغ. فيحكم بثبوت ملكه على ما معه لثبوت يده عليه.

وفي بعض صور ما تقدم خلاف. فمن ذلك: المال المدفون تحته، وقد

علم من المتن: أن المذهب: أنه إذا كان الدفن طريا كان له، وإلا فلا، اعتماداً على القرينة.

قال في " الإنصاف " عن هذا التفصيل: وهو المذهب في " التصحيح "، وقطع به ابن عقيل وصاحب " الخلاصة " و" المحرر " و" الوجيز " و" المنور " و" تذكرة ابن عبدوس ".

قلت: وهو الصواب.

والوجه الثانى: لا يكون له. قدمه في " الهداية " و" المستوعب "

و" الكافي " و" التلخيص " و" النظم " و" شرح ابن رزين ". وهو المذهب على المصطلح في الخطبة.

وحكى في " الرعايتين " و" الحاوي الصغير " و" الفائق " وجهاً: أنه له

ولو لم يكن الدفن طرياً. وهو ظاهر كلام المصنف هنا- يعني: في " المقنع "- وهو بعيد جداً، ولم يذكره في " المغني " و" الفروع " و" شرح الحارثي ". انتهى.

ومن ذلك المال المطروح قريباً منه، وقد علمت من المتن: أن المذهب أنه

له؛ لأن الظاهر أنه تُرك له فهو بمنزلة ما هو تحته.

ص: 121

ولأن القريب من البالغ يكون في يده، ألا ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه بقربه وحكم باًنه في يده. والحمَّال إذا جلس للاستراحة ترك حمله قريبا منه.

قال في " الإنصاف " عن هذا القول: وهو الصحيح من المذهب صححه في

" المغني " و" الشرح " و" الفائق " و" التصحيح "، وجزم به في " الخلاصة " و" المحرر " و" الوجيز " و" المنور ".

وقيل: لا يكون له؛ لأنه منفصل عنه. أشبه المطروح بعيداً منه.

قال في " الإنصاف ": وكذا قول ثالث في أصل المساًلتين بالفرق بين الملقى قريبا منه وبين المدفون تحته. فيكون الملقى القريب له دون المدفون تحته. قاله في " المجرد " وقطع به.

قال الحارثي: ويقتضيه إيراده في " المغني ".

قلت: قدم في " الكافي " و" النظم ": أنه لا يملك المدفون، وأطلق في الملقى القريب الوجهين. انتهى.

قال في " الفروع " بعد إطلاق الوجهين في المسألتين: وقيل: أن وجد رقعة فيها أنه له: فله. انتهى.

يعني: وإن لم توجد رقعة أو له فليس له على هذا القول. والله أعلم.

وكلما حكمنا باً نه ليس له فحكمه حكم اللقطة. قاله في " المغني ".

(والأول ى بحضانته) أى: اللقيط (واجده: أن كان أميناً عدلاً)؛ لأن عمر رضي الله تعالى عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له عريفه: " إنه رجل صالح "

(1)

.

ولأنه سبق إليه فكان أولى به.

(ولو) لم يعلم باطن حاله كفى كونه عدلاً (ظاهراً)؛ لأن هذا حكمه حكم

(1)

سبق تخريجه ص (117) رقم (2).

ص: 122

العدل باطناً وظاهراً في لقطة المال، والولاية في النكاح، والشهادة فيه، وفي أكثر الأحكام.

ولأن الأصل في المسلمين العدالة.

ولذلك قال عمر رضى الله تعالى عنه: " المسلمون عدول بعضهم على بعض "

(1)

.

ويشترط مع ذلك أن يكون (حراً) تام الحرية؛ لأن كلا من القن والمدبر والمعلق عتقه بصفة، وأم الولد منافعه مستحقة لسيده فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه. وكذلك المكاتب فإنه ليس له التبرع بماله ولا بمنافعه إلا أن ياً ذن له سيده في ذلك. وكذلك المبعض فإنه لا يتمكن من استكمال الحضانة.

وعلم مما تقدم أنه يقر في يده مع إذن سيده؛ لأنه يصير كأن السيد التقطه واستعان برقيقه في

(2)

حضأنته.

قال ابن عقيل: أن أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه.

ويشترط مع ذلك كونه (مكلفاً)؛ لأن غير المكلف لا يلي أمر نفسه فلا يلي

أمر غيره.

ويشترط في الملتقط أيضاً مع ما تقدم كونه (رشيداً) فلا يقر بيد سفيه. جزم

به في " الهداية " و" المذهب " و" المستوعب " و" التلخيص " وغيرهم؛ لأنه لا ولاية له على نفسه فإنه الى أن لا يكون ولياً على غيره.

قال في " الإنصاف ": وظاهر كلام المصنف هنا وصاحب " المحرر " وغيرهما: أنه يقر بيده؛ لأنهأهل للأمانه والتربيه.

قال- الحارثي: وهذا أصح. وهو ظاهر ما قدمه في " الفروع ".

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 10: 197 كتاب الشهادات، باب من جرب بشهادة زور لم تقبل شهادته.

(2)

ساقط من أ

ص: 123

قلت: وهو الصواب. انتهى.

ويجوز لكل من قلنا لا يقر اللقيط بيده التقاطه؛ لأن عدم الإقرار بيده دواما

لا يمنع أخذه ابتداءً.

ولأن أخذ اللقيط قربة فلا يختص بوأحد دون آخر. إلا الرقيق فإنه لا يجوز له التقاطه إلا بإذن سيده. إلا أن لا يعلم به سواه. فيجب عليه التقاطه " لأنه تخليص له من الهلاك. أشبه تخليصه من الغرق.

(وله) أى: لواجده المتصف بالصفات المتقدمة (حفظ ماله) أى: مال اللقيط؛ لأنه وليه.

ووجه كونه وليه: أو الأول ى بحضانته لا من أجل قرابته منه. فكانت ولايته

له؛ كالحاكم.

إذا تقرر هذا فلا يحتاج في حفظ مال اللقيط إلى إذن حاكم.

قال في " الإنصاف ": قطع به في " المغني " وغيره.

وقال في " التلخيص ": يحتمل اعتبار إذن الحاكم فيه.

(و) له (الأنفاق عليه منه) أى. من مال اللقيط بغير إذن حاكم.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب وعليه الأصحاب.

قال في " المغني ": ذكره ابو عبدالله بن حامد؛ لأنه ولي له. فلم يعتبر في الأنفاق عليه في حقه إذن الحاكم؛ كوصي اليتيم.

ولأن هذا من الأمر با لمعروف فاستوى به الإمام وغيره، كتبديد الخمر.

وروى أبو الحارث عن أحمد: في رجل أوح رجلاً مالاً وغاب وطالت غيبته

وله ولد ولا نفقة له: هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب؛ فقال: تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالأنفاق عليهم. فلم يجعل له الإنفاق من غير إذن الحاكم. فقال بعض اصحابنا هذا مثله. قال: والصحيح أن هذا مخالف له من وجهين:

ص: 124

أحدهما: أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله. فإن له ولاية أخذه وحفظه.

والثانى: أن ينفق على اللقيط من ماله. وهذا بخلافه.

ولأن الأنفاق على الصبي من مال أبيه مشروط بكون الصبى محتاجاً إلى ذلك؛ لعدم ماله وعدم نفقة تركها أبوه برسمه. وذلك لا يقبل فيه قول المودع. فاحتيج إلى إثبات ذلك عند الحاكم. ولا كذلك في مساًلتنا. فلا يلزم من وجوب استئذان الحاكم ثم وجوبه في اللقيط.

ثم قال بعد أسطر: فإذا ثبت هذا فالمستحب أن يستأذن الحاكم في موضع

يجد حاكماً؛ لأنه أبعد من التُهمة وأقطع للمظنة، وفيه خروح من الخلاف وحفظ لماله من أن يرجع عليه بما أنفق. فإذا ثبت هذا فينبغي أن ينفق عليه بالمعروف

(1)

كما ذكرنا في ولي اليتيم. فإذا بلغ اللقيط واختلفا في قدر ما أنفى وفي التفريط في الأنفاق فالقول قول المنفق؛ لأنه أمين فكان القول قوله في ذلك كولي اليتيم. انتهى كلامه في " المغني ".

(و) له أيضاً (قبول هبة ووصية له) أى: للقيط (بغير حكم حاكم).

قال الحارثي: مقتضى قوله في " المغني " أنه أى قبول ذلك للملتقط ومقتضى كلام صاحب " التلخيص ": أنه للحاكم. ذكره عنه في " الإنصاف "، ثم قال: قلت: كلام صاحب " المغنى " موافق لقواعد المذهب في ذلك. انتهى.

(ويصح التقاط قِنًَ لم يوجد غيره). وتقدم التنبيه على ذلك وتعليله في

" الشرح" قريباً

(2)

(و) يصح التقاط (ذمي لذمي) أى: لمن حكم بكفره-؛ لأن الذين كفروا بعضهم أولياء بعض.

(1)

في أ: كالمعروف.

(2)

ص (113).

ص: 125

(ويُقر) اللقيط (بيد من) التقطه بالبادية إذا كان (مقيماً في حِلّة) بكسر الحاء المهملة أى: في بيوت مجتمعة للاستيطان بها " لأن الحله كالقرية في كون أهلها لا يرحلون عنها لطلب الماء والكلأ.

(أو) لم يكن في حِلّه ولكنه (يريد نقله) أى: نقل اللقيط (إلى الحضر)،

لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى أرض الرفاهية والدَّعة والدَّين.

(لا) أن كان ملتقطه (بدوياً ينتقل في المواضع)؛ لأن في إقراره بيده إتعاباً للطفل بتنقله. فيؤخذ منه ويدفع إلى من في قرية، لأنه أرفه له وأخف عليه.

وقيل: يقر بيده " لأن الظاهر أنه ابن بدوياً

(1)

وإقراره في يد

(2)

ملتقطه أرجى لكشف نسبه. وصوَّبه في " الإنصاف " بعد أن ذكر: أن الأول المذهب.

(أن من وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية) فإنه لا يقر بيده.

قال في " المغني ": لوجهين:

أحدهما: أن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له.

والثانى: أنه إذا وجده في الحضر فالظاهر أنه ولد فيه. فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهورأهله واعترافهم به.

وفي " الإنصاف ": وقيل: يقر. وأطلقهما في " المغني " و" الشرح ". انتهى.

قلت: الوجهان مطلقان في " المغني " فيما إذا أراد النقلة به إلى بلد آخر من الحضر، وأما إذا اراد نقله من الحضر إلى الباديه فإنه لم يذكر فيه خلافاً. وقوله في " الإنصاف " وقدمه في " الفروع " قبل قوله: وقيل يقر: يدل على أن في " الفروع " قولاً بإقراره بيده فيما إذا وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية.

(1)

فى أوب: بدويين.

(2)

فى أوب: يدي.

ص: 126

وليس كذلك فليراجع " الفروع " بتأمل من شاء. بل لم أقف على خلاف في المسألة في المذهب. والله أعلم.

(أو مع فسقه أو رقه أو كفره: واللقيط مسلم) يعني: لو كان واجده فاسقاً

أو رقيقاً أو كان كافراً واللقيط مسلم فإنه لا يقر في يده لفقد شرط الأهلية.، وتقدم الكلام على ذلك.

(وإن التقطه في الحضر من يريد النقلة إلى بلد آخر) من الحضر، (أو) إلى (قرية، أو) من يريد النقلة (من حلة إلى حلة لم يقر بيده).

قال في " الإنصاف ": وهو الصحيح من المذهب، قدمه في " الفروع "

و" شرح ابن رزين ". انتهى.

ووجه ذلك: أن إبقاءه

(1)

في بلده أو قريته أو حِلته أرجى لكشف نسبه. فلم

يقر في يد المنتقل عنه. قياساًعلى المنتقل به إلى البادية.

وقيل: يقر؛ لأن المنتقل إليه كالمنتقل عنه في الرفاهة. أشبه ما لو أنتقل

من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر.

قال في " الإنصاف ": والوجه الثانى: يقر. وهو ظاهر ما جزم به في

" الوجيز " وصححه الناظم وصاحب " التلخيص ". انتهى.

ومحل المنع: (ما لم يكن المحل الذي كان) أى: وجد (به وباء) أى: وخيماً؛ (كغور بِيسَان) بالباء الموحدة المكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم سين مهمله مفتوحة ونون: بلدة باًرض الشام، (ونحوه) أى: نحو غور بيسان من الأراضي الوبيئة؛ كالجحفة باً رض الحجاز. فإن اللقيط يقر بيد المنتقل عنها إلى البلاد التي لا وباء فيها أو دونها في الوباء لتعين المصلحة في النقل.

قال في " التنقيح ": قاله الحارثي: وهو جيد. انتهى.

وفي "الترغيب " و" التلخيص ": متى وجده في فضاء خال فله نقله إلى حيث شاء.

(1)

فى أوب: بقاءه

ص: 127

(ويقدَّم موسر ومقيم من ملتقطين) للقيط معا (على ضدهما). فيقدم الموسر على المعسر، لأن ذلك أحظ للطفل. ويقدم المقيم على المسافر " لأن ذلك أرفق بالطفل.

قال في " المغنى ": وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل؛ لأن حظ الطفل منه أكثر من الجهة التى يحصل الحظ فيها باليسار، وربما تخلق بأخلاقه وتعلم من جوده. انتهى.

وقال في " التلخيص " و" الترغيب ": يقدم البدوي على ضده. انتهى.

وفيل: يقدم ظاهر العدالة على مستورها، لأن المانع في حق ظاهر العدالة منتفٍ بلاشك.

وأُجيب عنه بأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح.

(فإن استويا) بأن لم يتصف أحدهما بما يكون أولى به من الاخر فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه وتسليم اللقيط إلى صاحبه جاز، لأن الحق لا يعدوهما ولا يمنع أحدهما من الإيثار به.

وإن تشاحا (أقرع) بينهما، لقول الله تعالى:(وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)[ال عمرآن: 44].

ولأنه لا يمكن أن يكون عندهما

(1)

في حالة واحدة.

وإن تهإياه بأن جُعل عند كل واحد يوماً أو أكثر: أضر بالطفل، لأنه تختلف

عليه الأغذية والأنس والألف.

ولا يمكن دفعه إلى أحدهما دون الآخر بالتحكم، لتساوى حقهما. فتعين الأقراع بينهما " كالشريكين في تعيين السهام بالقسمة، وكما يقرع بين النساء في البداءة بالقسم.

(1)

في أ: غيرهما.

ص: 128

ولا ترجح المرأة في الالتقاط كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه؛ لأنها

إنما رجحت هناك لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها، والأب يحضنه بأجنبية. فكانت أمه أحظ له. وأما هاهنا فهي اجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستويا.

(وإن اختلفا في الملتقط منهما: قُدِّم) به منهما (من له بينة) دون الآخر؛ لثبوت حقه بالبينة.

(فإن عَدِماها) أى: عدم المختلفإن في التقاطه البينة وكان بيد أحدهما: (قُدم ذو اليد)؛ لأن اليد دليل استحقاق الإمساك (بيمينه). ذكره- أبو الخطاب ونصره في " المغني " و" الشرح ".

قال الحارثي: وهو الصحيح.

وقال القاضي: قياس المذهب: أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح.

(فإذا كان) الملتقط (بيديهما) أى: مع عدمهما البينة: (أقرع) بينهما؛ لاستوائهما في السبب وعدم المرجح. (فمن قَرع) صاحبه: (سُلِّم إليه مع يمينه) على الصحيح. وعلى قول القاضي بلا يمين.

وإن كان لكل وأحد منهما بينة وأرختا قدم أسبقهما تاريخاً؛ لأن الثانى إنما

أخذ من قد ثبت الحق فيه لغيره. وإن اتحد تاريخهما أو اطلقتا معا أو ارخت احدهما واطلقت الأخرى فقد تعارضتا. ويصيران

(1)

كما لو عدماها في الأصح. وقد علم الحكم فيه.

(وإن لم لكن لهما) أى: لمن عدمت بيناتهما

(2)

أو تعارضتا (يد) على الملتقط، (فوصفه أحدهما بعلامة مستورة في جسده) بأن يقول: بظهره أو ببطنه أو كتفه أو فخذه شامة أو أثر جرج أو نار أو نحو ذلك، فيكشف فيوجد كما ذكر:(قُدم) باللقيط على صاحبه الذي لم يصف. ذكره أبو الخطاب.

(1)

فى أوب: فيصيران.

(2)

فى أوب: بينتاهما.

ص: 129

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب، وجزم به في " الهداية "

و" المذهب "، و" الخلاصه "، و" الوجيز "، و" شرح الحارثي " و" المحرر " و" القواعد الفقهية " في القاعدة الثامنة والتسعين وغيرهم. وقدمه في " الفروع " وغيره. انتهى.

قال في " المغني ": وهو قول أبي حنيفة، لأن هذا فرع من اللقطة. فقدم بوصفها " كلقطة المال.

ولأن ذلك يدل على سبق يده عليه.

وقيل: لا يقدم واصفه. ذكره القاضي في " الخلاف " وصاحب " المبهج "

و" المنتخب " و" الو سيلة ".

قال في " الإنصاف ": وذكره في " الفنون " و" عيون المسائل " عن أصحابنا انتهى.

قال في " المغني ": وقال الشافعي: لا يقدم بالصفة كما لو وصف المدعي

المدعى. انتهى.

(وإن وصفاه) أى: وصف اللقيطُ كلٌ من المختلفين فيه الذين عدمت بينتاهما أو تعارضتا: (أقرع) بينهما.

قال في " الإنصاف ": قاله في " التلخيص "، واقتصر عليه الحارثي. انتهى.

ولعل وجه ذلك: أن وصفهما له يدل على تقدم عهدهما به. فاً شبه ما لو تنازعاه وهو بأيديهما. والله أعلم.

(وإلا) أى: وإن لم يكن لوأحد منهما بينة ولا يد ولا وصفه: (سلمه الحاكم إلى من يرى منهما، أو من غيرهما).

قال في " الإنصاف ": وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.

لأنه لا حق لهما فيه.

ص: 130

وقيل: بل يُقرع بينهما " لأنهما تنازعا حقاً فى يد غيرهما. أشبه لو تنازعا وديعةً بيد غيرهما.

وعلى الأول فلا مهاياً ة ولا تخيير للصبي. قاله في " الفروع ".

وإن رأى اثنان جميعا اللقيط فسبق احدهما فاًخذه أو وضع يده عليه: فهو

أحق به " لقوله عليه السلام: " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له "

(1)

.

وإن رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى أخذه الاخر فالسابق إلى أخذه أحق؛

لأن الالتقاط هو الأخذ لا الرؤيه.

ولو قال أحدهما لصاحبه: ناولنيه فاً خذه الاخر: نظرلا إلى نيته، فإن نوى

أخذه لنفسه فهو أحق " كما لو لم ياً مره الاخر بمناولته إياه، وإن نوى مناولته فهو للامر؛ لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه. فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح. ذ كره في " المغني ".

(ومن أسقط حقه) من اللقيط من المختلفين فيه: (سقط). قاله في

" الفروع "؛ كسائر الحقوق.

ومن ادعى من المختلفين فيه: أن الآخر أخذه منه قهراً وساًل يمينه، قال فى

" الفروع ": فيتوجه يمينه.

وفي " المنتخب ": لا؛ كطلاق. انتهى.

(1)

سبق تخريجه ص (17) رقم (1).

ص: 131

[فصل: في ميراث اللقيط]

(فصل. وميراثه) أى: اللقيط (وديته إن قُتل لبيت المال).

ومحل ذلك: أن لم يكن له وارث كغير اللقيط، لأنه مسلم ولا وارث له

فكان ماله وديته لبيت المال. فإن كانت له زوجة فلها الربع والباقي لبيت المال.

وإن كانت لقيطة لها زوج فله النصف والباقي لبيت المال. وإن كافت له بنت أو

ذو رحم كبنت بنت، أو ابن بنت: أخذ جميع المال " لأن الرد وذا الرحم مقدم

على بيما المال.

وقال في " الإنصاف " بعد أن ذكر أن ما في المتن المذهب وإن عليه الأصمحاب: وذكر ابن أبي موسى في " الإرشاد ": أن بعض شيوخه حكى رواية

عن أحمد: أن الملتقط يرثه، واختاره الشيخ تقي الدين. ونصره، وصاحب

" الفائق ".

قال الحارثي: وهو الحق. انتهى.

وقال في " المغني " بعد أن ذكر أن الأول قول مالك والشافعي وأكثرأهل

العلم: وقال شريح وإسحاق: عليه الولاء لملتقطه " لما روى واثلة بن الأسقع

(1)

فال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأه تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه "

(2)

. أخرجه ابو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

(1)

فى أ. أبي سقع. وهو تصحيف.

(2)

أخرجه ابو داود في " سننه "(2906) 3: 125 كتاب الفرائض، باب ميراث ابن الملاعنة.

وأخرجه الترمذي في " جامعه "(2115) 4: 429 كتاب الفرائض، باب ما جاء ما يرث النساء من الولاء.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2742) 2: 916 كتاب الفرائض، باب تحوز المرأة ثلاث مواريث

ص: 132

وقال عمر لأبي جميلة في لقيطه: " هو حرٌ ولك ولاؤه وعلينا نفقته "

(1)

.

قال: ولنا: قول النبي: " إنما الولاء لمن أعتق "

(2)

.

ولأنه لم يثبت عليه رق ولا

(3)

على آبائه. فلم يثبت عليه ولاء؛ كالمعروف نسبه.

ولأنه أن كان ابن حرين فلا ولاء عليه وإن كان ابن معتقين فلا يكون عليه لغير معتقهما.

وحديث وآثلة لا يثبت. قاله ابن المنذر. انتهى.

وعنه: إن قتل خطأ فديته لملتقطه. ذكره في " الرعاية "، نقلاً عنه في "المبدع ".

(ويخير الإمام في) قتل (عمد بين أخذها) أى: الدية، (و) بين (القصاص). نص عليه، أيهما فعله جاز إذا رآه اصلح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" السلطان ولى من لا ولي له "

(4)

.

ومتى عفا على مال أو صالح عليه كان لبيت المال؛ كجناية الخطأ لموجبة للمال.

وقال في " الإنصاف ": وذكر في " التلخيص " وجها: أنه لا يجب له حق الاقتصاص، وإن أبا الخطاب خرَّجه.

قال: ووجهه: أو ليس له وارث معين. فالمستحق جميع المسلمين، وفيهم صبيانُ ومجانين فكيف يستوفى؟

(1)

سبق تخريجه ص (117) رقم (2).

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6371) 6: 2481 كتاب الفرائض، باب الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط. عن ابن عمر رضى الله عهما.

(3)

في ج: ولا ولاء.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(083 2) 2: 229 كتاب النكاج، باب في الولي.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1879) 1: 695 كتاب النكاج، باب لا نكاج إلا بولي.

ص: 133

قال: وهذا يجري في قتل كل من لا وارث له. انتهى.

(وإن قُطع طرفه) أى: طرف اللقيط وهو صغير أو مجنون حال كون القطع (عمداً: أنتُظر بلوغه) أى: اللقيط (ورشدًه) ليقتص أو يعفو؛ لأن مستحق الاستيفاء المجني عليه وهو حينئذ لا يصلح للاستيفاء. فإنتظرتأهليته ليستوفي حقه .. ويحبس الجأني إلى أن يصيرأهلاً.

وعنه: للإمام استيفاؤه قبل ذلك؛ لأنه أحد نوعي القصاص. فكان له استيفاؤه عن اللقيط؛ كالنفس.

وجوابه: أنه قصاص لم يتحتم

(1)

استيفاؤه. فوقف على مستحقه؛ كما لو

كان بالغاً غائباً. وفارق القصاص في النفس؛ لأن القصاص ليس له بل لوارثه والإمام هو المتولي عليه.

(إلا أن يكون) اللقيط (فقيراً: فيلزم الإمام العفو على ما) أى: شيء من المال يكون في العفو عليه حظ للقيط (يُنفق عليه) منه. وظاهره سواء كان اللقيط عاقلأ أو مجنوناً. وهو المذهب.

قال في " الإنصاف ": وهو الصحيح من المذهب.

قال القاضي والمصنف- يعني به الموفق- في باب القود عند قول الخرقي:

وإذا اشترك جماعة في القتل: هذا أصح، وكذا قال في " الكافي " في باب العفو عن القصاص. ومحي وصححه في " الشرح " في باب استيفاء القصا ص، وحكاه المجد عن ذص أحمد. انتهى.

وقيل: ليس للأمام العفو على مال ولو كان اللقيط فقيراً مع كونه عاقملأ.

فعلى هذا لشى للأمام ذلك إلا أن يكون اللقيط فقيراً مجنوناً. وهو ظاهر

ما فطع به في " الهداية "، و" المذهب " و" المستوعب " و" الخلاصة " وغيرهم وجزا به في " المغني " و" الشرح " في. باب اللقيط.

(1)

في ج: يحتم.

ص: 134

وعُلم مما تقدم أن اللقيط لو كان مجنوناً غنياً لم يكن للإمام العفو على مال بل نتظر إفاقته. وهو المذهب.

قال في " الإنصاف ": قال الحارثي: هذا المذهب وقطع به في

" الشرح"، وذكر في " التلخيص " وجهاً: أن للإمام ذالك، وجزم به في " الفصول " و" المغني ". وهو ظاهر كلامه في " الوجيز "، وأطلقهما في " الفروع " و" الرعاية". انتهى.

(وإن ادعى جان عليه) جناية موجبة للقصا ص [أو المال رقَّه]

(1)

، (أو) ادعى (قاذفه رقََّّه، وكذَّبه لقيط بالغ: فقوله)؛ لأنه محكوم بحريته فقبل قوله؛ لأنه موافق للظاهر. بدليل أو لو قذف إنساناً وجب عليه حد الحر في الأصح. وعلى هذا اللقيط طلب حد القذف واستيفاء القصاص من الجانى وإن كان حراً.

وقيل: يقبل قول القاذف؛ لاحتمال صحة فوله بأن يكون اللقيط ابن أمة. فيكون ذلك شبهة، والحد يدرأ بالشبهات.

وفارق القصاص له في دعوى الجانى رقه؛ لأن القصاص ليس بحد وإنما وجب حقاً لآدمي. ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله. بخلاف حد القذف.

ويتخرج من هذا: أن اللقيط إذا كان قاذفاً فادعى أو عبد ليجب عليه ما يجب على العبد: قبل منه لذلك.

قال في " المغني ": والأول أصح؛ لأن من كان محكوما بحريته لا يسقط الحد عن قاذفه باحتمال رقه. بدليل مجهول النسب، ولو سقط الحد لهذا الاحتمال لسقط وإن لم يدع القاذف رقه؛ لأنه موجود، وإن لم يدعه. انتهى. وعلم مما تقدم أن اللقيط إذا صدق قاذفه أو الجانى عليه على كونه رقيقا لم يكن عليه إلا ما يجب في قذف الرقيق أو جنايته عليه.

(1)

ساقط من ب.

ص: 135

(وأن ادعى أجنبي) أى: غير واجده (رقه) أى: رق اللقيط (وهو بيده)

أى: يد المدعي رقه: (صُدِّق) المدعي.

قال في " الإنصاف ": قاله الحارثي، وقاله في " التلخيص " وغيره؛

لدلالة اليد على الملك.

(بيمينه). قال الحارثي: ومقتضى كلام المصنف، في " المغني "

و" الكافي " وجوب يمينه وهو الصواب؛ لإمكان عدم الملك. فلا بد من يمين تزيل أثر ذلك، ثم إذا بلغ وقال: أنا حر لم يقبل. انتهى.

(ويثبت نسبه) أى: اللقيط (مع رقه) أى: مع كونه رقيقاً.

قال في " الفروع ": ولو ادعى أجنبي لنسبه ثبت مع بقاء ملك سيده ولو مع

بينه بنسبه.

قال في الترغيب " وغيره: إلا أن يكون مدعيه امرأة حرة فتثبت حريته،

وإن كان رجلأً عربياً فروايتان. انتهى.

وعلم مما تقدم أنه لو لم يكن بيد مدعي رقه لم يصدق، وإن المدعي لو كان ملتقطه لم يصدق أيضاً.

قال في " الإنصاف ": ذكره في " التلخيص " وغيره. انتهى.

وقيل: تسمع دعواه؛ لأنها ممكنة ولا يقضى له بشيء من غير بينة، لأنها دعوى تخالف الظاهر. وتفارق دعوى النسب من وجهين:

أحدهما: أن دعوى النسب لا تخالف الظاهر، ودعوى الرق مخالفة له.

والثانى: أن دعوى النسب يثبت بها حق اللقيط، ودعوى الرق يثبت بها حقاً عليه. فلم تقبل بمجردها؛ كما لو ادعى رق غير اللقيط.

(وإلا) أى: وإن لم يكن اللقيط بيد من ادعى رقه وكاد غير ملتقطه (فشهدت له بينة بيد)، كما لو قالا: نشهد أو كان بيده: حكم له باليد، (وحلف أو) أى: اللقيط (ملكه) حكم له به؛ لأن ثبوت اليد دليل على الملك فقبل قوله فيه.

ص: 136

وذكر القاضي: أنه لا يكفي قول البينة نشهد أو كان بيده حتى يقولا: وأنه

ضل عنه أو ذهب أو غصب ونحو ذلك.

(أو) شهدت له بينة (بملك) بأن قالا: نشهد أو جار في ملكه، أنه جار ملكه أو مملوكه أو عبده أو قنه أو رقيقه حكم له به ولو لم يذكرا سبب الملك؛ كما لو شهدا بملك دار أو ثوب. ذكره في " المغني " و" الشرح" والقاضي وابن عقيل وصا حب " المحرر " وغيرهم.

وقيل: لا بد من ذكر السبب؛ لاحتمال التعويل على ظاهر اليد.

(أو) تشهد

(1)

له بينة (أن امته) أى: المدعي (ولدته) أى: اللقيط (في ملكه) أى: المدعي: (حُكم له به)؛ لأن الغالب أنها لا تلد في ملكه إلا ملكه.

وعلم مما تقدم أن البينة لو شهدت أو ابن امته أو أن امته ولدته ولم تقل في ملكه: لم يثبت الملك بذلك؛ لأنه يجوز أن تلده قبل ملكه لها. فلا يكون له مع كونه أبن أمته وكونها ولدته. وفيه وجه.

وهل يكفي في البينة التي تشهد أن أمته ولدته في ملكه امرأه واحدة أو رجل واحد؛ لأنه مما لا يطلع عليه في غالب الأحوال رجال، وبه جزم في " المغني "، أو لا بد في ذلك من رجلين أو رجلٌ وامراتين كما ذكره

(2)

القاضي؛ فيه وجهان. قال الحارثي عن قول القاضي: أو أشبه بالمذهب.

(وإن ادعاه) أى: ادعى رق اللقيط (ملتقط) له: (لم يقبل) منه ذلك (إلا ببينة) تشهد بملكه له، أو أن أمته ولدته في ملكه. فيحكم له به إذاً؛ كما لو لم يكن ملتقطه.

وقيل: لا تستعمل بينة الملتقط؛ لاحتمال تعويلها في الملك على يده،

ويده لا تقبل الملك. اختاره صاحب " التلخيص ".

(1)

فى أوب: شهد.

(2)

في أ: ذكر

ص: 137

(وإن أقر به) أى: بالرق (لقيط بالغ) بأن قال: أنا ملك زيد: (لم يُقبل) إقراره ولو صدقه زيد أو لم يعترف بالحرية قبل ذلك.

قال في " المغني ": وهو الصحيح، لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها. فلم يصح؛ كما لو أقر قبل ذلك بالحرية.

ولأن الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ولا حريتها. ولم يتجدد له حال يعرف

به رق نفسه " لأنه في تلك الحال ممن لا يعقل ولم يتجدد له رق بعد التقاطه فكان إقراره باطلاً. وهذا قول ابن القاسم وابن المنذر. انتهى.

وعنه: يقبل إقراره مطلقاً. اختاره ابن عقيل في " التذكرة "، لأنه مجهول الحال. فيقبل إقراره بالرق؛ كما يقبل بالحد والقصا ص، وإن تضمن فوات نفسه.

وقال القاضي: يقبل فيما عليه رواية واحدة.

وهل يقبل في غيره على روايتين حكاه الموفق عنه في " المقنع ".

وقيل: أن تقدم إقراره بالرق تصرفٌ ببيع أو شراء أو نكاح أو صداق ونحوه: لم يقبل إقرار هـ. وإلا قُبل.

وقيل: إن كان اعترف قبل ذلك لنفسه بالحرية: لم يقبل إقراره بالرق بعده " لأن الحريه حقٌ لله تعالى، وقد اعترف به فلا يقبل رجوعه في إبطاله. وإن قام برق اللقيط المكلف بينة عادلة سمعت وحكم بها. فإن كان اللقيط

قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء أو غيرهما: نقضت تصرفاته " لأنه بان أنه كان تصرف بغير إذن سيده.

(و) أن أقر لقيط بالغ (بكفر) بأن قال: أو كافر (و) كان (قد نطق بإسلام وهو يعقله) أى: الإسلام، (أو) أقر لقيط بالغ (مسلم حكماً) تبعا للدار:(فمرتد) أى: فحكمه حكم سائر المرتدين يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل في الصورتين:

ص: 138

أما في الأولى وهي

(1)

: ما إذا نطق بالإسلام وهو يعقله ثم قال بعد بلوغه: أنه كافر؛ فبلا نزاع في المذهب؛ لأن إسلامه متيقن فلا يقبل إقراره بما ينافيه.

وأما في الثانية وهي: ما إذا كان محكوماً بإسلامه تبعا للدار ثم قال بعد بلوغه: أنه كافر، فالصحيح من المذهب أنه لا يقبل منه ذلك؛ لأن دليل الإسلام وجد عرياً عن المعارض وثبت حكمه واستقر. فلم تجز إزالة حكمه بقوله؛ كما لو قال ذلك ابن مسلم. وقوله لا دلالة فيه أصلاً؛ لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه، وإنما يقول ذلك من تلقاء نفسه. وذكر القاضي في هذا وجهاً: أو يقر على كفره؛ لأن قوله أقوى من ظاهر الدار.

قال في " المغني ": وهذا وجه مظلم. انتهى.

(وإن أقر به) أى: بأن اللقيط- ولده (مَن) أى: إنسان (يمكن كونه) أى: كون اللقيط (منه) أى: من المقر (ولو) كان المقر الذي يمكن كونه منه كافراً أو (أنثى ذات زوج أو) ذات (نسب معروف) أو ذات إخوة أو كان المقر رقيقاً: (أُلحق) اللقيط (ولو) كان اللقيط (ميتاً به) أى: با لمقر؛ لأن الإقرار بالنسب مصلحة محضة للقيط؛ لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه. فقبل؛ كما لو أقر له بمال. وهذا بلا خلاف في المذهب فيما إذا كان المقر رجلاً حراً مسلماً يمكن كونه منه. نص عليه أحمد في رواية جماعة.

وعلى الصحيح فيما إذا كان المقر كافراً وهو داخل في عموم نص أحمد؛

لأنه إقرار بنسب مجهول النسب، وليس في إقراره إضرار بغيره؛ لأنه إنما يلحقه في النسب لا في الدين. فصح إقراره؛ كالمسلم.

وفيه وجه: لا يلحق به في النسب. ذكره في " الرعاية ".

وعلى الصحيح أيضاً فيما إذا كان المقر أنثى ذات زوج أو نسب معروف أو أخوة؛ لأنها أحد الأبوين. فثبت النسب بدعواها؛ كالأب.

(1)

في أ: وهو ج

ص: 139

ولأنه يمكن أن يكون منها كما يكون ولد الرجل بل أكثر " لأنها تاًتي من زوجٍ

ومن وطءٍ شبهة ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب وعليه الأصحاب. انتهى.

وعن أحمد في المسألة ثلاثُ روايات:

الأولى: هذه.

والثانية: أنها إن كان لها زوج لم يثبت النسب بإقرارها، لإفضائه إلى أن امرأته وطئت بالزنا أو شبهة. وفي ذلك ضرر عليه.

والثالثة: نَقَلَها الكوسج عن أحمد. في امرأة ادعت ولدا إن كان لها إخوة أو نسب معروف: فلا تصدق إلا ببينة.

وقيل: لا يثبت النسب بدعواها بحال. وهذا قول أكثرأهل العلم، لأنها يمكنها إقامة البينة على الولادة. فلا يقبل قولها بمجرده، كما لو علق زوجها طلاقها بولادتها.

قال في " المغني ": ولنا: أنها أحد الوالدين. فاً شبهت الأب. وإمكان البينة لا يمنع قبول القول كالرجل. فإنه يمكنه إقامة البينة أن هذا ولد على فرا شه. انتهى.

وعلى الصحيح أيضا ً فيما إذا كان المقر رقيقاً.

قال في " الإنصاف ": وهو المذهب وعليه الأصحاب.

قال الحارثي: استلحاق العبد كاستلحاق الحر في لحاق النسب

(1)

. قاله

الأصحاب. انتهى.

قال في " المغني ": وإن كان المدعي أمةُ فهي كالحرة. إلا أننا إذا قبلنا دعواها في نسبه لم يقبل قولها في رقه، لأننا لا نقبل الدعوى فيما يضره،

(1)

في ج: قال الحارثي: استحقاق العبد كاستحقاق الحر في حال النسب

ص: 140

كما لم

(1)

نقبل الدعوى في كُفره إذا ادعى نسبه كافر. انتهى.

قال الحارثي: والأمة كالحرة في دعوى النسب على ما ذكرنا. قاله الأصحاب. إلا أن الولد لا يحكم برقه بدون بينة حكاه المصنف- يعني: الموفق-. ونص عليه في رواية ابن مشيش.

وأما كونه يلحقه نسبه وإن كان اللقيط ميتاً؛ فلأن الحي والميت في ذلك

سواء معنى. فوجب استوأوهما حكما.

و (لا) يلحق بـ (زوج) امرأة (مُقرة)؛ لأنه لا يجوز أن يلحقه نسب ولد

لم يولد على فراشه ولم يقر به.

وكذلك إذا ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته.

فإن قيل: الرجل يمكن أن يكون له ولد من امرأة اخرى أو من امته .. والمرأة

لا يحل لها نكاج غير زوجها ولا يحل وطؤها لغيره.

قلنا: يمكن أن تلد من وطء شبهة أو غيره. وإن كان الولد يحتمل أن يكون

موجودا قبل أن يتزوجها هذا الزوج أمكن أن يكون من زوج آخر.

فإن قيل: إنما قبل الإقرار بالنسب من الزوج؛ لما فيه من المصلحة بدفع

العار عن الصغير، وصيأنته عن النسبة إلى كونه ولد زنا، ولا يحصل هذا بإلحاق

نسبه بالمرأة بل إلحاقه بها دون زوجها يطرق العار إليه وإليها.

قلنا: بل قبلنا دعواه؛ لأنه يدعي حقا لا منازع له فيه ولا مضرة على أحد فيه؛ كدعوى المال. وهذا متحقق في دعوى المرأة.

(ولا) يتبع رقيقا ادعى نسبه (في رق). وتقدم تعليل ذلك عند الكلام على

صحة دعوى الرقيق النسب.

(ولا) يتبع (كافراً) أقر بنفسه (في دينه. إلا أن يقيم) مدعيه الكافر (بينة

أو ولد على فراشه).

قال فى " الإنصاف ": قال الحارثي: قال الأصحاب: أن أقام الذمي بينة

(1)

ساقط من أ

ص: 141

بولاته على فراشه لحقه في الدين أيضاً؛ لثبوت أنه ولد ذميين. فكما لو لم يكن لقيطاً. وهذا مقيد باستمرار أبويه على الحياة والكفر. وقد أشار إليه في

" الكافي "؛ لأن أحدهما لو مات أو أسلم لحكم بإسلام الطفل فلا بد فيما قالوا من ذلك. انتهى.

ولأن الدعوى في النسب إنما قُبلت لعدم الضرر والكفر بخلافه فإن فيه ضرراً عظيماً؛ لأنه سبب الخزي في الدنيا والآخرة. فاحتيج إلى البينة؛ لتحقق الولادة. والولد المحقق يتبع مطلقا.

(وإن ادعاه) أى: ادعى أن اللقيط ابنه

(1)

(اثنان) أى: رجلأن (فأكثر معاً: قُدِّم من له بينة)؛ لأن البينة علامة واضحة الحق لمن قامت له. (فإن تساووا) أى: المدعين (فيها) بأن أقام كُل منهم بينة بأنه ولده، (أو) تساووا (في عدمها) بأن لم يكن لوأحد منهم بينه بدعواه:(عُرض) اللقيط (مع) كل (مُدع) موجود (أو) مع (أقاربه) أى: أقارب مدعي النسب كأبيه وجده وأخيه وابنه وابن ابنه (أن) كان قد (مات على القافة).

والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة، بل

[كل من]

(2)

عرف

(3)

منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف.

قال في " المغني ": وقيل: أكثر ما يكون هذا في بني مدلج رهط مجزز بجيم وزايين المدلجي، الذي رأى أسامة وأباه زيد قد غطيا رؤوسهما وبدت اقدامهما فقال: أن هذه الأقدام بعضها من بعض

(4)

. وكان إياس بن معاوية المزنى قائفا وكذلك قيل في شريح. انتهى.

(فإن ألحقته) القافة (بوأحد أو اثنين) من المدعين له أو أكثر: (لحق)

نسبه بمن ألحقوه به من وأحد أو أكثر.

(1)

في أ: ابن.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

(3)

في ج عرفت.

(4)

سيأتى تخريجه ص (144) رقم (3).

ص: 142

أما كون البينة هنا إذا قامت لأكثر من وأحد تتساقط؛ فلأن

(1)

استعمالها في المال، إما بقسمته بين المتداعين ولا سبيل إلى القسمة هنا، وإما بالأقراع والقرعة لا يثبت بها النسب.

فإن قيل: فإن ثبوته هاهنا يكون بالبينة لا بالقرعة وإنما القرعة مرجحة.

قلنا: فيلزم أو إذا اشترك رجلأن في وطء امرأة فأتت بولد أن يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطء لا بالقرعة.

وعلم من قولي: فإن تساووا أنه لو ترجح وأحد بكونه خارجاً بأن يكون اللقيط ليس بيده، بل بيد الباقي: قدمت بينته وعمل بها.

وأما عرضه على القافة مع المدعيين أو أقاربهم أن فقدوا وإلحاقه بمن ألحقته القافه به فهو قول الجمهور من العلماء.

قال في " المغني ": هذا قول أنس وعطاء ويزيد بن عبدالملك والأوزاعي والليث والشافعي وأبي

(2)

ثور.

وقال أصحاب الرأى: لا حكم للقافة. ويلحق بالمدعيين جميعا؛ لأن الحكم بالقيافة تعويل على مجرد الشبه والظن والتخمين*. فإن الشبه يوجد بين الأجانب وينتفي بين الأقارب.

ولهذا روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم " أن رجلا أتاه. فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود. قال: فهل لك من إبل؛ قال: نعم. قال: فما ألوانها؛ قال: حمر. قال: فهل فيها من أَوْرَق؛ قال: نعم. قال: أنى أتاها ذلك. قال: لعل عرقاً نزع. قال: - وهذا لعل عرقا نزع "

(3)

. متفق عليه.

(1)

في أ: فإن.

(2)

في أ: وابن.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6884) 6: 2667 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب من شبه أصلا معلوما باً صل مبين

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1500) 2: 1137 كتاب اللعان.

ص: 143

قالوا: ولو كان الشبه

(1)

كافيا لاكتفي به في ولد الملاعنة، وفيما إذا أقر أحد الورثة باًخٍ

(2)

فاً نكره البا قون.

قال: ولنا: ما روي عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه. فقال: الم تر أن مجززاً المدلجي نظر أنفا إلى زيد وأسامه وقد غطيا رووسهما وبدب اقدامهما. فقال: أن هذه الأقدام بعضها من بعض "

(3)

. متفق عليه.

فلولا جواز الاعتماد على القافة لما سُر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا اعتمد عليه.

ولأن عمر رضي الله تعالى عنه قضى به بحضرة الصحابة. فلم ينكره منكر فكان إجماعاً.

ويدل على ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم في ولد الملاعنة: " أنظروها فإن جاءت به حمش الساقين كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها. وإن جاءت به أكحل جعداً جمالياً سابغاً الأليتين خَدَلَّجَ الساقين فهو للذي رميت به. فاً تت به على النعت المكروه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا الأيمان لكان لي ولها شأن "

(4)

فقد حكم به النبي صلى الله عليه وسلم للذي أشبهه منهما. وقوله: " لولا الأيمان لكان لي

ولها شأن ": يدل على أو لم يمنعه من العمل بالشبه إلا الأيمان. فإن أنتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه.

وكذلك " قول النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة حين رأى به

(5)

شبها بينا بعتبة بن

(1)

في أ: التشبه.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6388) 6: 486 2 كتاب الفرائض، باب القائف.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1459) 2: 1081 كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2256) 2: 277 أبواب الطلاق، باب في اللعان.

(5)

فى أوب: بها.

ص: 144

ابي وقاص: احتجبي منه يا سودة "

(1)

فعمل بالشبه في حجب سودة منه.

فإن قيل: فالحديثان حجة عليكم إذ لم يحكم النبي ي بالشبه فيهما بل

الحق الولد بزمعة، وقال لعبد بن زمعة:" هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر "

(2)

. ولم يعمل بشبه ولد الملاعنة في إقامة الحد عليها لشبهه بالمقذوف.

قلنا: إنما لم يعمل به في ابن أمة زمعة؛ لأن الفراش أقوى. وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منها لا يوجب الإعراض عنها إذا خلت عن المعارض. ولذلك ترك إقامة الحد عليها من أجل أىمانها. بدليل قوله " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ".

على أن ضعف الشبه عن إقامة الحد لا يوجب ضعفه عن إلحاق النسب. فإن

الحد في الزنا لا يثبت إلا بأقوى البينات وأكثرها عدداً، وأقوى الإقرار حتى يعتبر فيه تكراره أربع مرات، ويدرأ بالشبهات. والنسب يثبت بشهادة امراة واحدة على الولادة، ويثبت بمجرد الدعوى ويثبت مع ظهور أنتفائه. حتى لو أن امراة اتت بولد وزوجها غائب عنها منذ عشرين سنة لحقه ولدها فكيف يحتج على نفيه بعدم إقامة الحد.

ولأنه حكم بظن غالب ورأى راجح ممن هوأهل الخبرة. فجاز؛ كقول المقومين. وقولهم: أن الشبه يجوز وجوده وعدمه.

قلنا: الظاهر وجوده، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قالت أم سلمة: " أو ترى

ذلك المرأة؛ قال: فمن أين يكون الشبه "

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6368) 6: 2481 كتاب الفرائض، باب الولد للفراش، حرة كانت أو أمة.

(2)

سبق تخريجه في الحديث السابق

(3)

عن أم سليم " أنها سالت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل. فقالت أم سليم واستحييت من ذلك، قالت: وهل يكون هذا؟ فقال

نبي الله صلى الله عليه وسلم: نعم فمن أين يكون الشبه؟ أن ماء الرجل غليظ أبيض. وماء المرأة رقيق أصفر. فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه ". أخرجه مسلم في " صحيحه " (311) 1: 250 كتاب الحيض،=

ص: 145

والحديث الذي احتجوا به حجة عليهم، لأن أنكار الرجل لولده لمخالفة

لونه وعزمه على نفيه لذلك يدل على أن العادة خلافه وإن في طباع الناس أنكاره. وإن ذلك إنما يوجد نادرا. وإنما ألحقه النبي صلى الله عليه وسلم به لوجود الفراش. وتجوز مخالفة الظاهر لدليل، ولا يجوز تركه من غير دليل.

ولأن ضعف الشبه عن نفي النسب لا يلزم منه ضعفه عن إثباته. فإن النسب يحتاط لثبوته ويثبت بأدنى دليل ويلزم من ذلك التشديد في نفيه.

ولأنه لا ينتفي إلا باً قوى الأدلة كما أن الحد لما أنتفى بالشبه لم يثبت إلا

باً قوى دليل. فلا يلزم حينئذ من المنع من نفيه بالشبه في الخبر المذكور: أن لا يثبت به النسب في مساًلتنا.

فإن قلنا: فهاهنا إذا عملتم بالقيافة فقد نفيتم النسب عمن لم تلحقه القافة به. قلنا: إنما أنتفى النسب هاهنا لعدم دليله؛ لأنه لم يوجد إلا بمجرد الدعوى

وقد عارضها مثلها فسقط حكمها. فكان الشبه مرجحا لأحدهما فإنتفت دلالة الأخرى. فلزم أنتفاء النسب " لأنتفاء دليله. وتقديم اللعان عليه لا يمنع العمل به عند عدمه، كاليد تقدم عليها البينة ويعمل بها. انتهى.

فإن ألحقه القافة باثنين (فيرث) اللقيط (كلاً منهما) أى: من الاثنين اللذين ألحقته القافة بهما (إرث ولد). فلو لم يخلفا غيره ورث جميع مالهما. (ويرثانه) جميعا (إرث أب) وا حد.

(وإن وصُي له: قبلا) أى: قبل الوصية له أبواه.

(وإن خلَّف احدهما: فله) أى: للمخلف منهما (إرب اب كامل، ونسبه) مع ذلك (ثابت من الميت).

قال في " المغني ": قال أحمد: إذا ألحقته القافة بهما ورثهما وورثاه. فإن مات أحدهما فهو للباقي منهما ونسبه من الأول قائم لا يزيله شيء.

ومعنى قوله: هو للباقي منهما- والله أعلم- أو يرثه ميراث أبِ كامل، كما (1)

= باب وجوب الغسل على المرأة بخروح المني منها. والحديث مروي عن أم سليم وليس عن أم سلمة.

ص: 146

أن الجده إذا أنفردت أخذت ما تأخذه الجدات والزوجة تأخذ وحدها ما تأخذه جميع الزوجات. انتهى.

(ولأمِّي أبويه) إذا مات وخلفهما (مع ام أم) وعاصب (نصف سدس، ولها) ولأم امه (نصفه) أى: نصف السدس، كما لو اجتمعت مع أم اب واحد. (وكذا) الحكم (لو ألحقته) القافة (بأكثر) من اثنين فإنه يلحق بهم وإن كثر وا.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، ونص عليه

في رواية جماعة.

قال في " المغنى ": وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم القافة فنص أحمد

في رواية مهنا: أو يلحق بثلاثة. ومقتضى هذا: أو يلحق ممن ألحقته القافة وإن كثروا.

وقال أبو عبد الله بن حامد: لا يلحق بأكثر من اثنين وهو قول أبي يوسف،

لأننا صرنا إلى ذلك للأكثر فيقتصر عليه.

وقال القاضي: لا يلحق باً كثر من ثلاثة وهو قول محمد بن الحسن. وروي

ذلك عن أبي يوسف أيضاً.

ولنا: أن المعنى الذي لأجله ألحق باثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه. وإذا جاز أن يخلق من اثنين جاز أن يخلق بأكثر من ذلك.

وقولهم: أن إلحاقه بالاثنين على خلاف الأصل ممنوع، وإن سلمناه لكنه

ثبت لمعنى موجود في غيره. فيجب تعدية الحكم به، كما أن إباحة أكل الميتة عند المخمصة أبيح على خلاف الأصل لا يمنع من أن يقاس على ذلك مال غيره والصيد الحرمي وغيرهما من المحرمات، لوجود المعنى وهو إبقاء النفس وتخليصها من الهلاك.

وأما قول من قال: أو يجوز إلحاقه بثلاثة ولا يزاد على ذلك فتحكمٌ. فإنه

لم يقتصر على المنصوص عليه ولا عدى الحكم إلى كل ما وجد فيه المعنى. ولا

ص: 147

نعلم في الثلاثة معنى خاص يقتضي إلحاق النسب بهم. فلم يجز الاقتصار عليه بالتحكم. انتهى.

(وإن) ادعاه أكثر من واحد و (لم توجد قافة، أو نفته) عمن ادعياه أو ادعوه، (أو اشكل) الأمر على القافة بأن قالوا: لم يظهر لنا شيء، أو قالوا: أُشكل علينا حاله أو نحو ذلك، (أو اختلف قائفان) فيه فقال أحدهما: هو ابن هذا، وقال الآخر: بل ابن هذا، (أو) اختلف (اثنان) من القافة (وثلاثة) منهم. فقال اثنان: هو ابن هذا، وقال ثلاثة: بل ابن هذا: (ضاع نسبه) في هذه الصور كلها في الأصح مما فيه الخلاف منها؛ لأنه لا دليل ولا مرجح لبعض من يدعيه. أشبه من لم يدع نسبه.

ونص عليه فيما إذا نفته القافة عنهم.

فال في " الإنصاف ": ضاع نسبه في أحد الوجهين. وهو المذهب، وجزم

به في " العمده " و" الوجيز "، واختاره أبو بكر.

قال المصنف: قول أبي بكر أقر ب.

قا ل الحارثي: وهو الأشبه با لمذهب. وقدمه في " الفووع ". انتهى.

فعلى هذا لا يرجح أحدهم بذكر علامة في جسده؛ لأنه لا يرجح به في سائر الدعاوى سوى الالتقاط في المالية.

وقيل: يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء ممن ادعوه.

قال القاضي: وقد أنهماً إليه أحمد واختاره ابن حامد، وقطع به في

" التلخيص " وقدمه في " الرعايتين " و" الحاوي الصغير " و" الفائق "؛ لأن الإنسان يميل بطبعه إلى قريبه دون غيره.

ولأنه مجهول نسبه أقر به من هوأهل للإقرار وصدقه المقر له. فيثبت نسبه؛ كما لو أنفرد.

ورده في " المغني ": بأنه إنما يميل إلى قرابته بعد معرفته بأنه قرابته. فالمعرفة بذلك سبب الميل فلا يثبت قبله. ولو ثبت أو يميل إلى قرابته لكنه يميل

ص: 148

إلى من أحسن إليه. فإن القلوب جُبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها. وقد يميل إليه لإساءة الآخر إليه، وقد يميل إلى أحسنهما خلقا وأعظمهما قدراً أو جاهاً أو مالاً فلا يقع للميل اثر في الدلالة على النسب.

وقولهم: أو صدق المقر بنسبه.

قلنا: لا يحل

(1)

له تصديقه. فـ " أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من ادعى إلى غير أبية أو تولى غير مواليه "

(2)

. وهذا لا يعلم أو ابوه فلا يأمن أن يكون ملعوناً بتصديقه. ويفارق ما إذا أنفرد. فإن المنفرد يثبت النسب بقوله من غير تصديق.

وقيل: يلحق باثنين ادعياه. اختاره في " المحرر "، ونقل ابن هانئ: يُخير بينهما، ولم يذكر قافة.

وعنه: يقرع بينهما فيلحق نسبه بالقرعة. ذكرها في " المغني " في كتاب الفرائض، نقله عنه في " القواعد ".

ويعمل بالقافة في غير البنوة

(3)

؛ كأخوة وعمومة عند أصحابنا. قاله في

" الإنصاف ".

وعند أبي الخطال: لا يعمل بها في غير البنوه؛ كإخبار راعٍ بشبه.

وقال في " عيون المسائل ": في التفرقة بين الولد والفصيل، لأنا وقفنا على مورد الشرع. ولتأكد النسب لثبوته مع السكوت.

وإن ادعاه امرأتان في إثباته بالبينة أو كونه يرى القافة مع عدمها كالرجلين.

قال أحمد في رواية بكر بن محمد: في يهودية ومسلمة ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلمة فتوقف. فقيل: يرى القافة. فقال: ما أحسنه.

(1)

فى أوب: يميل.

(2)

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ادعى إلى غير أبيه أو أنتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة ". أخرجه أبو داود في " سننه "(5115) 4: 330 كتاب الأدب، باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه.

(3)

في ب: من غير بنوة.

ص: 149

ولأن الشبه يوجد بينها وبين ابنها كوجوده بين الرجل وابنه بل أكثر " لاختصاصها بحمله وتغذيته.

والكافرة والمسلمة والحرة والأمه في الدعوى واحدة كما قلنا في الرجال.

وإن ألحقته القافة بأمتين لم يلحق بهما وبطل قول القافة؛ لأننا

(1)

نعلم خطاًه يقينا.

وإن ادعى نسب اللقيط رجل وامرأة فلا تنافي بينهما

(2)

؛ لأنه يمكن أن يكون منهما بنكاح كان بينهما أو وطء شبهة. فيلحق بهما جميعا. ويكون ابنهما بمجرد دعواهما؛ كما لو أنفرد كل واحد منهما بالدعوى.

وإذا قال الرجل: هذا ابني من زوجتي وادعب زوجته ذلك وادعت امرأة أخرى: فهو ابن الرجل؛ وهل

(3)

ترجح زوجته على الأخرى؟ قال في " المغني ": يحتمل وجهين:

أحدهما: ترجح، لأن زوجها أبوه. فالظاهر أنها أمه.

ويحتمل أن يتساويا " لأن كل واحدة منهما لو أنفردت لألحق بها. فإذا

اجتمعتا

(4)

تساوتا. انتهى.

وإن ولدت امرأة ذكرا وأخرى أنثى وادعت كل واحدة أن الذكر ولدها دون الأنثى: فقال في " المغني ": يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يرى المرأتان القافة مع الولدين فيلحق كل منهما بما ألحقته القافة بها؛ كما لو لم يكن لهما ولد اخر.

والثانى: أن يعرض لبنهما على أهل الطب والمعرفة، فإن لبن الذكر يخالف

لبن الأنثى في طبعه وزنته. وقد قيل: لبن الأنثى ثقيل ولبن الابن خفيف.

(1)

في ج: لأنا.

(2)

في أ: ملكهما.

(3)

في أ: وهو ..

(4)

في ب: اجتمعا.

ص: 150

فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به عندأهل المعرفة، فمن كان لبنها لبن الابن فهو ولدها والبنت للأخرى. فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة.

وإن تنازعا أحد الولدين وهما جميعا ذكرأن وإنثيان عُرضوا على القافة كما

ذكر نا.

قال الحارثي عن الوجه الأول: - وهو العرض على القافة أن وجدت- قلت: وهذا

(1)

المذهب على ما مر من نصه. وفال عن الثانى: - وهو اعتبار اللبن- أن كان مطرداً في العادة غير مختلف فهو أن شاء الله تعالى أظهر من الأول. فإن أصول الشبه قد تخفى على القائف.

(ويُؤخذ باثنين) أى: بقو ل قائفين (خالفهما) قائف (ثالث).

قال في " الإنصاف ": نص عليه.

(كبيطارين) خالفهما بيطار (وطبيبين) خالفهما طبيب (في عيب). قاله

في "المنتخب ".

ويثبت النسب (ولو رجع عن دعواه) النسب (من الحقته به القافة: لم يقبل) منه الرجوع؛ لأنه حق عليه. فلم يقبل رجوعه عنه.

(ومع عدم إلحاقها بوأحد من أننين) مدعيين لنسبه، (فرجع أحدهما) عن دعواه:(يلحق بالاخر)؛ لأن رجوع احدهما لا يلزم منه أن يضيع نسبه. والله أعلم.

(ويكفي) في ذلك (قائف واحد).

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. نص عليه في رواية

أبي طالب وإسماعيل بن سعيد، واختاره القاضي وصاحب " المستوعب " وصححه في " النظم " وقدمه في " الرعايتين " و" الفروع " و" الحاوي الصغير ". انتهى.

لأنه حكم ويكفي في الحكم قول واحد.

(1)

في ب: وهو.

ص: 151

(وهو كحاكم فكيف مجرد خبره).

قال في " الإنصاف ": القائف كالحاكم عند أكثر الأصحاب. قاله في

" القواعد الأصولية " والحارثي، وقطع به في " الكافي ".

وقيل: هو كالشاهد. وهو الصحيح على ما تقدم. يشير بذلك إلى قوله قبل

ذلك.

وعنه: يشترط اثنان - أى: قائفان-. نص عليه في رواية محمد بن داود

المصيصى والأثرم وجعفر بن محمد. والخلاف في كونه هل يكفي واحد أو لا بد

من اثنين؛ مبنيٌ عند كثير من الأصحاب على أو هل هو شاهد أو حاكم: فإن قلنا: هو شاهد اعتبرنا العدد، وإن قلنا: هو حاكم فلا.

وقال جماعة من الأصحاب: ليس الخلاف مبنيا على ذلك، بل الخلاف

جار سواء قلنا: القائف حاكم أو شاهد؛ لأنا أن قلنا هو حاكم فلا يمتنع التعدد

في الحكم كما يعتبر حاكمين في جزاء الصيد.

وإن قلنا: شاهد فلا يمتنع شهادة الوأحد كما في المرأة حيب قبلنا شهادتها والطبيب والبيطار.

وقال طائفة من الأصحاب: هذا الخلاف مبني على أو شاهد أو مخبر. فإن

جعلناه شاهدا اعتبرنا التعدد، وإن جعلناه مخبراً لم يعتبر كالخبر في الأمور الدينية. نقله في " الإنصاف ".

ومتى ألحقته قافة بوأحد ثم جاءت قافة أخرى فألحقته باخر كان لاحقاً بالأول؛ لأن القائف جرى مجرى حكم الحاكم. ومتى حكم الحاكم حكما لم ينتقض بمخالفة غيره له. وكذلك لو ألحقته بوأحد ثم عادت فاً لحقته بغيره كذلك.

وإن أقام الاخر بينة أو ولده حكم له به وسقط قول القائف؛ لأنه بدل.

فيسقط بوجود الأصل؛ كالتيمم مع الماء. قاله في " المغني ".

(وشُرط كونه) أى: القائف (ذكراً)؛ لأن القيافة حكم مستندها النظر

وا لاستد لال. فاعتبرت الذكورية فيه؛ كالقضاء.

ص: 152

(عدلاً)؛ لأن الفاسق لا يُقبل قوله.

وعلم من اشتراط عدالته اشتراط إسلامه؛ لأن العدل لا يكون إلا مسلما. والعجب من خفاء مثل هذا على صاحب " المستوعب ". فإنه قال: لم اجد أحداً من اصحابنا اشترط إسلام القائف، وعندي: أو يشترط. انتهى. (حراً). جزم به القاضي وصاحب " المستوعب " و" الموفق "

و" الشارح "، وذكره في " الترغيب " عن الأصحاب.

قال في " القواعد الأصولية ": الأكثرون على أو كحاكم. فتشترط حريته. وقدمه في " الرعاية الكبرى " و" الحاوي الصغير ".

قال في " المغني ": لأن قوله حكم والحكم يعتبر له هذه الشروط. انتهى.

واما قوله في " الإنصاف ": أن عدم اشتراط الحرية هو المذهب فقد رجع

عنه بدليل أو قال في " الإنصاف " بعد ذكر القولين: فعلى الأول وهو عدم اشتراط الحرية يكون بمنزلة الشاهد، وعلى الثانى: وهو اشتراطها يكون بمنزلة الحاكم. ثم لما ألف " التنقيح " جزم بأن القائف كحاكم. فإذا تشترط حريته. والله أعلم.

(مجرَّباً في الإصابة)، لأنه امر علمي. فلا بد من العلم بحكمه له وذلك

لا يعرف بغير التجربة له فيه.

قال القاضي في كيفية التجربة: هو أن يترك اللقيط مع عشرة من الرجال غير

من يدعيه ويرى إياه م فإن الحقته بوأحد منهم سقط قوله، لأنا نتبين خطؤه، وإن لم يلحقه بوأحد منهم اريناه إياه مع عشرين فيهم مدعيه فإن الحقه به لحق. ولو اعتبر بأن يرى صبيا معروف النسب مع قوم فيهم ابوه أو أخوه فإذا ألحقه بقريبه علمت إصابته، وإن ألحقه بغيره سقط قوله جاز.

قال في " المغني ": وهذه التجربة عند عرضه على القائف للاحتياط في معرفة إصابته. وإن لم يجربه في الحال بعد أن يكون مشهورا بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز.

ص: 153

(وكذا) أى: وكاللقيط (أن وطئ اثنان امرأة) لا زوج لها (بشبهة) في ظهر، (أو) وطئ اثنان (أمتهما) المشتركة بينهما (في ظهر، أو) وطئ (اجنبي بشبهة زوجة) لاخر (أو سرية لآخر) وقد ثبت افتراشه لها (واتت بولد يمكن كونه منهما) أى: من الواطئين الأجنبية لشبهة، أو الواطئين أمتهما، أو

(1)

الزوج والأجنبي، أو السيد والأجنبي. فإنه يرى القافة.

قال في " المحرر ": سواء ادعياه

(2)

أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الافتراش. ذكره القاضي وغيره.

وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة: أن يدعي الزوج أو من الشبهة. فعلى قوله: أن ادعاه لنفسه اختص به " لقوة جانبه. انتهى.

ويقول أبي الخطاب جزم في " المقنع ". وعبارته: وكذلك الحكم أن وطئ

اثنان امراة بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في ظهر وأحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أو من الواطئ: أري القافة معهما. انتهى.

وما قدمه في " المحرر " هو المذهب، ولهذا مشيب عليه في المثن.

قال في " الفروع ": وكذا أن وطئت امرأة بشبهة أو اشتراك في ظهر واحد،

واختار أبو الخطاب أن ادعاه لنفسه لحقه.

وفي " الأنتصار ": رواية مثله، ورواية كا لأول. انتهى.

فعلم من قوله: واختار أبو الخطاب

إلى آخره: أو أنفرد به عن الأصحاب قبل مجيءمن تبعه عليه.

وكلامه في " الإنصاف " في هذا المحل مشكل فليراجعه بتأمل من شاء.

ونقل أبو الحارث: فيمن غصب امرأة رجل فولدت عنده ثم رجعت إلى

(1)

في أ: و.

(2)

في أ: ادعاه.

ص: 154

زوجها كيف يكون الولد للفراش مثل هذا؛ إنما يكون له إذا ادعاه وهذا لا يدعيه

فلا يلزمه. انتهى.

وعلم من قول المتن: وكذا

إلى اخره: أن القافة إذا ألحقت الولد

لاًحدهما لحق به دون الآخر، وإن نفته عنهما، أو أشكل على القافة، أو اختلف

قائفان أو اثنان وثلاثة، أو لم توجد قافة أو: يضيع نسبه؛ لاستوائهما في

؛ كاستواء مدعي اللقيط في الدعوى.

استوائهما في الفراش: أن كلا منهما في الصورة الأول ى- واطئ بشبهة.

وفي الثانية: كل واحد منهما لو ابنفرد بالملك كان صاحب الفراش فهما سواء.

وفي الثالثة والرابعة: قد استوى الواطئ بالشبهة والزوج أو السيد في حكم الفراش فلا مزية. فلا أثر لجحود أحدهما للولد مع ثبوت الافتراش كالزوج والسيد إذا نفى الولد المولود من زوجته أو من أمته.

وقيل: إن عدمت القافة ألحق بالزوج أو السيد لأنه صاحب الفراش الحقيقي.

ورد: بأن الفراش الحكمي كالحقيقي في اعتبار الشارع فلا مزية.

والمراد بعدم القافة في قول الأصحاب: العدم الحقيقي فلو وجدت بعيدة سافروا إليها.

(وليس لزوج ألحق به) الولد بإلحاق القافة له وهو يجحده (اللعان لنفيه) لأن شرط صحة اللعان: أن يكون معه قذف لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] وهذا ليس بقاذف فلا يصح اللعان لعدم شرطه.

وعنه: له أن يلاعن لنفي الولد فينفي عنه بلعانه لوحده

قال في المحرر: وهي أصح عندي انتهى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 155

[كتاب الوقف]

(كتاب) يذكر فيه مسائل من أحكام الوقف.

وهو مصدر وقفَ الإنسان الشيء يقفه، بمعنى حبسه وأحبسه. ولا يقال: أوقفه إلا في لغة شاذة. عكس أحبسه.

وهو مما اختص به المسلمون.

قال الشافعي: لم تحبس أهل الجاهلية. وإنما حبس أهل الإسلام.

وهو من القرب المندوب إليها.

والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر قال: " أصاب عمر ارضاً بخيبر. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستاًمره فيها. فقال: يا رسول الله! أني أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عند ي منه. فما تأمرنى فيه؛ قال: أن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. غير أو لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث. قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف. لا جناج على من وليها أن يأكل بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه ".

وفي لفظ: " غير مُتَأَّثل "

(1)

. متفق عليه.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اذا مات ابن آدم أنقطع عمله الا من ثلاث: صدقةٌ جارية، أو علمٌ ينتفع به من بعده، أو ولدٌ صالح يدعو له "

(2)

. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(1)

أخرجه البخاري فى " صحيحه "(586 2) 2: 982 كتاب الشروط. باب الشروط في الوقف. وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1632) 3: 1255 كتاب الوصية. باب الوقف.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1631) 3: 1255 كتاب الوصية. باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفا ته.

وأخرجه الترمذي في جامعه (6 لأ 13) 3: 0 66 كتاب الأحكام. باب فى الوقف.

ص: 157

وأكثرأهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف.

قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف.

قال الحميدي: تصدق أبو بكر بداره على ولده. وعمر بربعه عند المروة

على ولده. وعثمان برومة بئر بالمدينة. وتصدق علي بأرضه بينبع. وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بحصر وأمواله بالمدينة على ولده. وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده. وعمرو بن العا ص

(1)

بالوهط مال كان له بالطائف على ثلاثة أميال من " وج " وبداره بمكة على ولده. وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده. فذلك كله إلى اليوم.

ولم ير شريح الوقف. وقال: لا حبس عن فرائض الله.

قال أحمد: وهذا مذهب أهل الكوفة.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده، وللواقف الرجوع فيه إلا أن يوصي به بعد موته. فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم. وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود وابن عباس. وخالف صاحباه فقالا كقول سائرأهل العلم.

واحتج بعضهم بما روي " أن عبد الله بن زيد صاحب الأذان جعل حائطه صدقة وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء أبواه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط. فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم

(2)

ماتا فورثهما ". رواه المحاملي في " أماليه ".

وباً نه أخرج ماله على وجه القربة من ملكه. فلم يلزمه بمجرد القول، كالصدقة.

قال في " المغني ": وهذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. فإن

(3)

النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في وقفه: " لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث "

(4)

.

(1)

في ب: العباس.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: قال.

(4)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1375) 3: 659 كتاب الأحكام. باب في الوقف

ص: 158

قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عندأهل العلم من اصحاب رسول الله وغيرهم لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً.

ثم قال: ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصيه. فإذا نجزه حال الحياة لزم من غير حكم؛ كالعتق.

وحديث عبد الله بن زيد أن ثبت فليس فيه ذكر الوقف. والظاهر: أو جعله صدقة غير موقوف استناب فيها رسول الله ي. فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما. ولهذا لم يردها عليه إنما دفعها إليهما.

ويحتمل: أن الحائط كان لهما وكان هو متصرف فيه بحكم النيابة عنهما. فتصرف بهذا التصرف بغير إذنهما فلم ينفذاه، وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فرده إليهما. والقياس على الصدقة لا يصح؛ لأنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم. وإنما يفتقر إلى القبض. والوقف لا يفتقر إليه. فافترقا. انتهى

قال بعضهم: ولعل خلاف أهل الكوفة في غير المساجد ونحوها؛ لقول القرطبي: لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد. واختلفوا في غير ذلك.

ثم (الوقف) حقيقة شرعا: (تحبيس مالك مطلق التصرف، ماله المنتفع

به، مع بقاءعينه بقطع تصرفه) متعلق بتحبيس. [أى: تحبيس]

(1)

المال بقطع تصرف المالك (وغيره في رقبته) بنوع من أنواع التصرفات تحبيساً، (يصرف رَيْعُه) أى: المال الذي حبس بسبب تحبيسه (إلى جهة بَّر)، حال كون تحبيسه (تقرباً إلى الله تعالى) أى: نوى به القربة.

وهذا الحد ذكره صاحب " المطلع " وتبعه عليه في " التنقيح " وتبعته عليه

في المتن.

والذي يظهر

(2)

أن قوله: تقربا إلى الله تعالى إنما يحتاج إلى ذكره في حد

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: ظهر.

ص: 159

الوقف الذي يترتب عليه الثواب لا غير ذلك. فإن الإنسان قد يقف ملكه على غيره تودداً لا

(1)

لأجل القربة ويكون وقفاً لازماً. ومن الناس من يقف عقاره على ولده خشية على بيعه له بعد موته وإتلاف ثمنه واحتياجه إلى غيره من غير أن تخطر القربة بباله. وربما يترقى الحال إلى ترتب الإثم به، فإن من الناس من يستدين حتى يستغرق الدين ماله وهو مما يصح وقفه، فيخشى أن يحجر عليه وإن يباع ماله في الدين فيقفه؛ ليفوته على رب الدين. ويكون وقفاً لازماً؛ لكونه قبل الحجر عليه مطلق التصرف في ماله. هذا مع أن بعض الناس ربما يقف على ما لا يقف عليه غالبا إلا قربة؛ كالمساكين والمساجد قاصداً بذلك الرياء أو نحوه فإنه يلزم ولا يثاب عليه؛ لأنه لم يبتغ وجه الله تعالى. والله أعلم.

(ويحصل) الوقف حكماً (بفعل مع) شيء (دالٍ عليه) أى: على الوقف (عُرفاً) كما يحصل ذلك بالقول؛ لاشتراكهما في الدلالة عليه في اصح الر وا يتين.

قال الموفق والشارح وصاحب " الفائق " وغيرهم: هذا ظاهر المذهب.

قال الحارثي: مذهب أبي عبد الله: أنعقاد الوقف به وعليه الأصحاب. انتهى.

قال في " الإنصاف ": وجزم به في " الجامع الصغير " و" رؤوس المسائل " للقاضي، و" رؤوس المسائل " لأبي الخطاب و" الكافي " و" العمدة " و" الوجيز " وغير هم.

وذلك (كان يبني) إنسان (بنياناً على هيئة مسجد، ويأذنْ إذناً عاماً) أى:

لمن شاء الصلاة فيه من المسلمين (في الصلاة فيه. حتى لو كان) المكان المأذون في الصلاة فيه (سفل بيته أو علوه أو وسطه) فإنه يصح وإن لم يذكر استطراقاً؛ كما لو باعه ولم يذكره، (ويستطرق).

(1)

ساقط من أ.

ص: 160

قال في " الفروع ": قال شيخنا: أو أذن فيه وأقام. ونقله أبو الخطاب وجعفر وجماعة. ولو نوى خلافه. نقله أبو طالب. انتهى.

ومعنى قول الشيخ تقي الدين: أن من بنى بنيانا على هيئة مسجد وأذن فيه

وأقام فيه الأذان والإقامة فيه مقام الإذن العام في الصلاة فيه. ومعنى نقل أبي طالب: أن نيه خلاف ما دل عليه الفعل لا أثر لها. والله أعلم.

(أو) يبني إنسان (بيتاً) يصلح (لقضاء حاجة أو تطهرُ ويُشَرَّعُه) أى: يفتح

بابه إلى الطريق.

قال في " القاموس ": وأَشْرَع باباً إلى الطريق: فتحه. والطريق بَيَّنَه كَشَرَّعَهُ- تشريعاً. انتهى.

(أو يجعل أرضهُ) مهيأة لأن تكون (مقبرة ويأذن إذناً عاماً في الدفن فيها)،

لأن الإذن الخا ص قد يقع على غير الموقوف فلا يفيد دلالة الوقف. فاله

الحارثي.

(و) يحصل (بقول) رواية واحدة. والإشارة المفهمة من الأخرس كالقول.

(وصريحه: وقفت، وحبَّست، وسَّبلت). فمن أتى بكلمة من هذه الكلم الثلاث صح بها الوقف، لعدم احتمال غيره بعرف الاستعمال المنضم إليه عرف الشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن شئت حبست أصلها وسبَّلت ثمرتها "

(1)

. فصارت هذه الألفاظ في الوقف، كلفظ التطليق في الطلاق.

قال في " الإنصاف ": وأما سبلت فصريحة على الصحيح من المذهب

وعليه الأصحاب.

وقال الحارثي: والصحيح أنه ليس صريحا؛ لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: " حبس الأصل وسبل الثمرة "

(2)

.

(1)

سبق تخريجه من حديث عمر ص (157) رقم (1).

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(03 36) 6: 232 كتاب الأحباس. باب حبس المشاع

ص: 161

غائر بين معنى التحبيس والتسبيل فامتنع كون أحدهما صريحاً في الاخر.

وقد علم كون الوقف هو: الإمساك في الرقبة عن أسباب التملكات. والتسبيل: إطلاق التمليك. فكيف يكون صريحا في الوقف؛. انتهى.

ويمكن الجواب عن ذلك: بأن إضافة التحبيس إلى الأصل والتسبيل إلى الثمرة لا يقتضي المغايرة في المعنى. فإن الثمرة محبسة أيضا ًعلى ما شرط صرفها إليه.

وبأن المالك لو قال: حبست ثمرة نخلي على الفقراء كان ذلك وقفاً لازماً باتفاق من يرى أن التحبيس صريح في الوقف. فصحة التحبيس في الثمرة دون صحة التسبيل في الأصل ترجيح من غير مرجح.

وباًنا لا نسلم أن التسبيل إطلاق التمليك؛ لأن الشارع قيده بإزاء الوقف فصار فيه حقيقة شرعية.

فإن قيل: فيلزم أن يقال ذلك في لفظ: تصدقت فإن في بعض الروايات الصحيحة: " أن شئت حبست أصلها وتصدقت بها "

(1)

.

فالجواب: أن الصدقة سبق لها حقيقة شرعية في غير الوقف هي أعم من الوقف. فلا يؤدي معناه بها إلا بقيد يخرجها عن المعنى الأعم، ولهذا كانت كناية فيه. بخلاف التسبيل. والله أعلم.

وفي جمع الشارع بين لفظي

(2)

التحبيس والتسبيل تبيين لحالتي الابتداء والدوام. فإن حقيقة الوقف ابتداء تحبيسه ودوام تسبيل

(3)

منفعته. ولهذا حد غالب الأصحاب الوقف بهما.

(1)

= وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2397) 2: 1 80 كتاب الصدقات. باب من وقف. كلاهما عن عمررضى الله عنه.

أخرجه البخاري في " صحيحه "(586 2) 2: 982 كتاب الشروط. باب الشروط فى الوقف.

(2)

فى أوب: لفظتي.

(3)

في ب: ودواما تسبيل.

ص: 162

قال في " المغني ": والوقف مستحب. ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة. وعبارته في " المقنع ": وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.

قال في " الإنصاف ": وكذا قال في " الهداية " و" المذهب "

و" المستوعب " و" الخلاصة " و" الكا في " و" التلخيص " و" الرعايتين " و" الحاوي الصغير " و" الوجيز " و" الفائق " وغيرهم.

قال الزركشي: وأراد من حد بهذا الحد مع شروطه

(1)

المعتبرة. وأدخل غيرهم الشروط في الحد. انتهى.

(وكنايته) أى: الوقف: (تصدَّقت، وحرَّمت، وأبَّدت)، لعدم خلا ص

كل لفظ منها

(2)

عن الاشتراك. فإن الصدقة تستعمل في الزكاة. وهي ظاهرة في صدقة التطوع. والتحريم صريح في الظهار. والتأبيد يستعمل في كل ما يراد تاً بيده من وقف وغيره.

(و) الحكم فيها: أو (لا يصح) الوقف (لها) مجردة عن شيء يصرفها

إلى الوقف ككنايات الطلاق فيه، لأنها لم يثبت لها فيه عرف لغوي ولا شرعي. وأُشير إلى ما يصرفها

(3)

إليه بقوله: (إلا بنية) أى: نية الوقف. فمتى اتى مالك باً حد هذه الكنايات الثلاث واعترف أو نوى بها الوقف: لزمه في الحكم؛ لأنها بالنية صارت ظاهره فيه.

وإن قال: ما أردت بها الوقف: قبل قوله؛ لأنه أعلم بما في ضميره، لعدم الإطلاع على ما في الضمائر.

(أو قًَرَنها) أى: الكناية في اللفظ (بأحد الألفاظ الخمسة) وهي الكنأىات والصرائح التلاث، (كـ) قوله:(تصدقت صدقة موقوفة. أو) تصدقت صدقة (محبَّسة. أو) تصدقت صدقة (مسبَّلة. أو) تصدقت صدقة (محرَّمة. أو) تصدقت صدقة (مؤبَّدة.

(1)

في أ: شروط.

(2)

في أ: منهما.

(3)

في أ: صرفها

ص: 163

أو) قرن الكناية (بحكم الوقف،) قوله: تصدقت صدقة (لا تباع.

أو) صدقة (لا توهب. أو) صدقة (لا تورث. أو) تصدقت بداري (على قبيلة) كذا، (أو) على (طائفة كذا)، لأن ذلك كله لا يستعمل في ما سوى الوقف. فإنتفت الشركة.

وذكر أبو الفرج: أن أبَّدت: صريح. وإن صدقة موقوفة أو مؤبَّدة أو لاتباع: كناية.

وقال الحارثي: إضافة التسبيل بمجرده إلى الصدقة لا يفيد زوال الاشتراك.

فإن التسبيل لا يفيد ما تفيده الصدقة أو بعضه فلا يفيد معنى زائدا. وكذا لو اقتصر على إضافة التاً بيد إلى التحريم لا يفيد الوقف

(1)

؛ لأن التأبيد قد يريد به دوام التحريم فلا يخلص اللفظ عن الاشتراك. قال: وهذا الصحيح. انتهى.

ومن الألفاظ المفيدة للوقف: لو قال إنسان تصدقت باًرضي، أو- بداري،

أو بنخلي على زيد، والنظر لي أيام حياتي، أو ثم من بعد زيد على عمرو، أو على ولده، أو على مسجد كذا ونحو ذلك؛ لأن هذه الألفاظ ونحوها لا تستعمل فيما عدا الوقف. أشبه ما لو أتى بلفظه الصريح.

(فـ) أما (لو قال: تصدقت بداري على زيد، ثم قال: أردت الوقف وإنكر زيد) وقال: إنما هي صدقة فلي التصرف في رقبتها بما أريد: كان له ذلك، و (لم تكن وقفاً)؛ لأن قول المتصدق في الحكم مخالف للظاهر.

قال في " الإنصاف ": فيعايى بها. انتهى.

ولعل وجه ذلك: على تقدير حصرل النية باطناً. والله أعلم.

(1)

فى أوب: الوقت.

ص: 164

[فصل: في شروط الوقف]

(فصل. وشروطه) أى: شروط الو قف المعتبرة لصحته أربعة:

الأول: (مصادفته عيناً يصح بيعها، و) أن تكون من الأعيأن التي (ينتفع بها) ما يعد أنتفاعا (عرفاً).

وأن يكون النفعُ مباحا بلا ضرورة مقصوداً متقوماً؛ (كإجارة) كما قلنا في النفع الذي يصح عقد الإجارة عليه (مع بقائها) أى: العين.

واعتبر أبو محمد الجوزي بقاء متطأولا أدناه عمر الحيوان. وسيأتي في المتن محترز ذلك.

(أو) مصادفة الوقف (مشاعاً منها) أى: من عين متصفة بالصمات المتقدمة في قول أكثر العلماء؛ لما روى ابن عمر قال: " المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها فاًردت أن أتصدق بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحبس أصلها وسَّبل ثمرتها "

(1)

. رواه النسائي وابن ماجه.

ولأنه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزاً. فجاز عليه مشاعاً؛ كالبيع.

ويعتبر أن يقول: كذا سهماً [من كذا سهماً]

(2)

. قاله أحمد.

قال في " الفروع ": ثم يتوجه أن المشاع لو وقفه مسجداً ثبت حكم المسجد

(1)

أخرجه النسائي في " سننه "(03 36) 6: 232 كتاب الأحباس. باب حبس المشاع.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2397) 2: 8،1 كتاب الصدقات. باب من وقف. كلاهما عن عمر رضي الله عنه.

(2)

ساقط من أ

ص: 165

في الحال. فيمنع منه الجنب. ثم القسمة متعينة هنا لتعينّها

(1)

طريقا للأنتفاع بالموقوف. وكذا ذكره ابن الصلا. انتهى.

وفي " الرعاية الكبرى ": لو وقف نصف عبده صح

(2)

. ولم يسر إلى بقيته. وسواء كانب هذه العين التي صادفها الوقف أو صادف منها جزء اً مشاعاً

معلوما (منقولة؛ كحيوان)؛ كما لو وقف فرساً على الغزاة، (وأثاثٍ)؛ كما لو وقف بساطاً لفرش مسجد عند صلاة، (وسلاح)؛ كما لو وقف سيفاً أو رمحاً أو قوساً على الغزاة، (وحِلي على لُبْسٍ وعارية) لمن يباج له. (أو لا) يعني: أو لم تكن العين منقولة؛ (كعقار).

أما صحة وقف الحيوان؛ فلما روى ابو هريرة مرفوعاً: " من احتبس فرساً

في سبيل الله أىمانا واحتسابا فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه حسنات "

(3)

. رواه

البخاري.

ولأنه يحصل تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. فصح الوقف فيه؛ كا لأرض.

وأما في الأثاث والسلاح؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أما خالد فقد حبس أدراعه واعتاده في سبيل الله "

(4)

. متفق عليه.

وفي لفظ للبخاري: " واعتده "

(5)

.

قال الخطابي: الأعتاد: ما يعده الرجل من ركوب وسلاح وآلة الجهاد.

(1)

فى أوب: لتعيينها.

(2)

في أ: يصح.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2698) 3: 48 0 1 كتاب الجهاد والسير. باب من احتبس فرساًً.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1399) 2: 534 كتاب الزكاة. باب قول الله تعالى: (وَفِي الرِّقَابِ)[التو بة: 60]

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(983) 2: 666 كتاب الزكاة. باب في تقديم الزكاة ومنعها.

(5)

أنظر السابق.

ص: 166

وأما في الحلي، فلما روى نافع:" أن حفصة ابتاعت حلياً بعشرين ألفاً حبسته على نساء آل الخطاب. فكانت لا تخرج زكاته ". رواه الخلال.

ولوجود الضابط.

ولأن فيه نفعاً مباحاً مقصوداً. فجاز أخذ الأجرة عليه وصح وقفه " كوقف السلاح في سبيل الله.

وعنه: لا يصح الوقف إلا في العقار.

قال أحمد في رواية الأثرم: إنما الوقوف في الدور والأرضين على ما وقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال فيمن وقف خمس نخلات على مسجد: لا باًس به.

ونقل المروذي: لا يجوز وقف سلاح. ذكره أبو بكر.

وعنه: ولا حلي لتحلّ.

وفي " الوسيلة ": يصح وقف المصحف رواية واحدة.

وظاهر ما تقدم: أو إذا وقف عقاراً مشهوراً لم يشترط إلا ذكر حدوده. وهو المذهب. نص عليه.

قال في " الفروع ": نقل جماعة فيمن وقف الدار ولم يحدها قال: وإن لم يحدها إذا كانت معروفة. انتهى.

و (لا) يصح أن يصادف الوقف (ذمة، كدار وعبد. أو) أن يصادف (مبهما " كأحد هذين) هذا بيأن لمحترز قوله: مصادفته عينا. فإنه لو قال: وقفت على زيد داراً أو عبداً ولم يعين ذلك أو وقفب عليه أحد هذين العبدين أو الدارين أو نحو ذلك: لم يصح، لأنه نقل ملك على وجه الصدقة. فلم يصح في غير معين " كالهبة. وفي وقفت أحد هذين وجه بالصحة.

وأُشير إلى محترز قوله يصح بيعه بقوله: (أو ما لا يصح بيعه " كأم ولد، وكلب، ومرهون)، لأن الوقف تصرف بإزالة الملك. فلا يصح فيما لا يصح بيعه.

ص: 167

وفي أم الولد وجه.

ثم اشار إلى محترز قوله: وينتفع بها عرفاً مع بقائها بقوله: (أو لا ينتفع به

مع بقائه، كمطعوم ومشموم، وأثمان؛ كقنديل من نقد على مسجد، ونحوه) أى: نحو القنديل، كحلقة فضة تجعل في بابه، وكوقف الدراهم والدنانير لينتفع بافتراضها " لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح فيه ذلك. فعلى المذهب: يزكي النقد ربه

(1)

، لبقائه في ملكه. وقيل: يصح وقف القنديل والحلقة ونحوهما على المسجد فيكسر ويصرف

في مصلحته.

وقيل: يصح وقف الدراهم والدنانير على قول من أجاز إجارتها.

ولما كان وقف الأثمان يصح في بعض الصور على سبيل التبعية اشار إلى ذلك بقوله. (إلا تبعاً، كالفرس) أى: كوقف فرس في سبيل الله (بلجامٍ وسرج سة مفضّضين).

قال أحمد: فيمن وصى بفرس وسوج ولجام مفضض يوقف في سبيل الله:

فهو على ما وقف ووصى. وإن بيع الفضة من السرج واللجام وجعل في وقف مثله فهو أحب إلي " لأن الفضة لا ينتفع بها، ولعله يشتري بتلك الفضة سوجاً ولجاماً فيكون أنفع للمسلمين. قيل له: تباع الفضة وتجعل فى نفقته؟ قال: لا. قال في " المغني ": فأباح أن يشتري بفضه السرج واللجام سوجاً ولجاماً "

لأنه صرف لهما في جنس ما كانت عليه حين لم ينتفع بهما فيه. فأشبه الفرس الحبيس إذا عطب فلم ينتفع به في الجهاد جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله، ولم يجز أنفاقها على الفرس، لأنه صرفٌ لها إلى غير جهتها. انتهى.

وظاهر قوله: وحلي على لبس وعارية: أو لو أطلق الوقف فيه: لم يصح. وهو المذهب. قطع به في " الفائق " وقدمه في " الفروع ".

(1)

في ج: به.

ص: 168

وقيل: يصح. ويحمل عليها.

الشرط (الثانى) من شروط صحة الوقف: (كونه على بِرِّ). سواء كان الواقف مسلماً أو ذمياً. نص عليه أحمد: في نصارى وقفوا على البيعة ضياعاً كثيرة وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى: فلهم أخذها، وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أىديهم.

قال في " المغني ": وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً؛ لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمي كالوقف على غير معين.

فإن قيل: فقد قلتم أن أهل الكتاب إذا عقدوا عقوداً فاسدة وتقابضوا ثم أسلموا أو ترافعوا إلينا لم ينقض ما فعلوه. فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه على كنائسهم؛

قلنا: الوقف ليس بعقد معاوضة. وإنما هو إزالة للملك في الموقوف على وجه القربة. فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك. فيبقى بحاله؛ كالعتق.

وقد روي عن أحمد رحمه الله: في نصرانى أشهد على نفسه في وصية: أن غلامه فلاناً يخدم البيعة خمس سنين ثم هو حر. ثم مات مولاه وخدمه سنة ثم أسلم ما عليه؟ قال: هو حر. ويُرجع على الغلام بأجرة خدمة مبلغ أربع سنين.

وروي عنه فال: هو حر ساعة مات مولاه؛ لأن هذه معصية. وهذه الرواية أصح وموافق لأصوله.

ويحتمل أن قوله: يُرجع عليه بخدمه أربع سنين لم يكن لصحة الوصية. بل

لأنه إنما اعتقه بعوض يعتقدأن صحته. فإذا تعذر العوض بإسلامه كان عليه ما يقوم مقامه؛ كما لو تزوج الذمي ذمية على ذلك ثم اسلم فإنه يجب عليه المهر. كذا هاهنا يجب عليه العوض. والأول أولى. انتهى.

والمراد بالبر هنا

(1)

القربة؛ وذلك (كـ) الوقف على (المساكين

(1)

في أ: هاهنا.

ص: 169

والمساجد والقناطر والأقارب)، لأنه شرع لتحصيل الثواب. فإذا لم يكن على بِرّ لم يحصل المقصود الذي شُرع من أجله.

فعلى هذا لا يصح على طائفة الأغنياء، ولا على طائفة أهل الذمة، ولا على

صنف منهم. وإنما صح على المساجد والقناطر وإن كان تمليكاً " لأنه على المسلمين، لأنه يعود نفعه إليهم.

(ويصح من ذمي على مسلم معين، وعكسه) أى: ومن مسلم على ذمي معين، لما روي " أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقفت على أخٍٍ لها يهو دي ".

ولأن الذمي موضع للقربة لجواز الصدقة عليه.

ولأن من جاز أن يقف عليه الذمي جاز أن يقف عليه المسلم.

وعلى المذهب: يصح الوقف على الذمي (ولو) كان (اجنبياً) من

الواقف.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، جزم به في " المغني ".

و" الكافي " و" المحرر " و" الشرح" و" المنتخب " و" عيون المسائل " وغيرهم.

قال في " الفائق ": ويصح على ذمي من أقاربه. نص عليه، وعلى غيره من

معين في اصح الوجهين دون الجهة. وهو ظاهر ما قطيع به الحارثي. واطلق الوجهين في " الحاوي الصغير ".

وقال الحلوإنى: يصح على الفقراء منهم دون غيرهم. وصحح في

" الواضح " صحة الوقف من ذمي عليهم دون غيرهم

(1)

0 انتهى.

(ويستمر) الوقف (له) أى: للذمي الموقوف عليه (إذا اسلم، ويلغو

شرطه ما دام كذلك) يعني: لو وقف إنسان شيئاً على ذمي وشرط استحقاقه له

(1)

فى أ: غيره.

ص: 170

ما دام ذمياً فأسلم بقي له وكان الشرط لاغياً، لأنه لو قيل بصحته لخرج الوقف عن كونه قربة. وفيه وجه.

قلت: ويتوجه مثل ذلك ما لو وقف على زيد ما دام غنياً، أو على فلانة

ما دامت متزوجة.

وقيل: لا يشترط كون الوقف على بِرّ. بل المشترط: أن لا يكون على مكر وه.

وقيل: المشترط أن لا يكون على جهة معصية. سواء كان قربة وثواباً أو لم يكن.

فعلى هذا يصح الوقف على طائفة الأغنياء وطائفة أهل الذمة.

وعلى كل من الأقوال (لا) يصح الوقف (على كنائس) جمع كنيسة.

قال في " القاموس ": والكنيسة: متعبد اليهود أو النصارى أو الكفار. انتهى.

(أو) على (بيوت نارٍ). واحدها بيب نار. وهو: للمجوس.

(أو) على (بِيع) جمع بيعة بكسر الباء الموحدة: متعبد النصارى، (ونحوها)، كصوامع الرهبان. (ولو) كان الوقف (من ذمي)؛ لكون ذلك معصية. والمسلم والذمي في ذلك سواء.

ولا يصح الوقف أيضا ً على من يعمرها؛ لأنه يُراد لتعظيمها.

(بل على المار بها من مسلم أو ذمي)؛ لأن الوقف على المجتازين. والصدقة عليهم: جائزة وصالحة للقربة.

وظاهر كلام المتن: أن الوقف على المار بها من أهل الذمة فقط: لم يصح. وهو كذلك. وهو المذهب.

قال الحارثي: أن خصأهل الذمة فوقف على المارة منهم: لم يصح. وقدمه في " الفروع ".

ص: 171

وقيل: بلى.

وقاله في " المغني " في بناء بيت يسكنه المجتازمنهم.

وحكى في " الموجز " رواية بصحة الوقف على كنيسة وبيعة.

وفي " المنتخب " و" عيون المسائل " و" المغني ": يصح الوقف على أهل الذمة كالمسلمين. وصححه الحلواني على فقرائهم. وصححه في " الواضح " من ذمي عليهم وعلى بيعة وكنيسة.

(ولا) يصح (على كَتْبِ التوراة والأنجيل) أى: كتابتهما أو كتابة شيء منهما؛ لأن كتابتها معصية، لكونها مبدلة منسوخة.

ولذلك: غضب النبي لمجم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة وقال: " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؛ ألم ات بها بيضاء نقية. لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي "

(1)

.

قلت: ويلحق بذلك كتب المبتدعة

(2)

؛ كالخوارج والقدرية ونحوهما.

والله أعلم.

(أو) على (حربي أو) على (مرتد). فلا يصح على وأحد منهما؛ لأن ملكه تجوز إزالته، والوقف يجب أن يكون لازماً.

ولأن إتلاف أنفسهما والتضييق عليهما واجب فلا يجوز فعل ما يكون سبباً لبقائهما والتوسعة عليهما.

وفي " الأنتصار ": لو نذر الصدقة على ذمية لزمه. نقله في " الفروع " واقتصر عليه.

ويصح الوقف على الصرفية. وهم المشتغلون بالعبادات في غالب الأوقات المعرضون عن الدنيا؛ لأن ذلك جهة بِرّ.

قال الشيخ تقي الدين: فمن كان منهم جماعا للمال، أو لم يتخلق بالأخلاق

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (195 15) 3: 387.

(2)

في أ: كالمبتدع.

ص: 172

المحمودة ولا تأدب بالآداب الشرعية غالباً، أو فاسقاً: لم يستحق لإدآب وضعية- يعني: قد اصطلح على وضعها-.

قال في " الفروع ": ولم يعتبر الحارثي الفقر. ويتوجه احتمال: لا يصح عليهم. ولهذا قال الشافعي: ما رأيت صوفياً عاقلاً إلا سلمان الخواص.

وقال: لو أن رجلا تصوف من أول النهار لم يأت الظهر إلا وجدته أحمق. انتهى. ويصح وقف عبده على حجرة النبي صلى الله عليه وسلم لإخراج ترابها وإشعال قناديلها

وإصلاحها. لا لإشعالها وحده وتعليق

(1)

ستورها الحرير، والتعليق، وكنس الحائط، ونحو ذلك. ذكره في " الرعاية ".

وابطل ابن عقيل وقف ستور لغير الكعبة، لأنه بدعة. وصححه ابن الزاغوانى فيصرف لمصلحته. ذكر ذلك ابن الصيرفي.

وفي " فتاوى ابن الزاغوانى ": أو معصية لا ينعقد.

وأفتى أبو الخطاب بصحته وينفى ثمنها على عمارته ولا يستر؛ لأن الكعبة خُصّت بذلك كالطواف. نقل ذلك في " الفروع ".

وعلم مما تقدم أو لا يصح الوقف على قطَّاع الطريق ولا المغانى ولا المتمسخرين ولا لعاب الشطرنج أو النرد أو نحوهما من حيث الجهة.

ويصح على رجل معين متصف بذلك. وإن شرط ما دام كذلك: لغا الشرط " كقوله في وقف على كافر: ما دام كافرا. وتقدم التنبيه على ذلك

(2)

. وإن وقف على امرأة ما دامت عزباً: قال في " الإنصاف ": فعلى المذهب: اشتراط العزوبة باطل؛ لأن الوصف لسى قربة، ولتمييز الغنى عليه. وعلى هذا: هل يلغو الوصف ويعم، أو يلغو الوقف، أو يفرق بين أن يقف

(1)

في أ: ويتعلق.

(2)

ص: (171)

ص: 173

ويشترط، أنه يذكر الوصف ابتداء. فيلغى في الا شتراط ويصح الوقف؟ يحتمل أوجهاً. قاله في " الفائق ". انتهى.

(ولا) يصح (عند الأكثر) أن يقف الإنسان ماله (على نفسه) في إحدى

الروايتين.

قال في " الإنصاف ": وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام الخرقي.

قال في " الفصول ": هذه الرواية اصح.

قال الشارح: هذا اقيس.

قال في " الرعايتين ": ولا يصح على نفسه على الأصح.

قال الحارثي: وهذا الأصح عند أبي الخطاب وابن عقيل والمصنف، وقطع

به ابن أبي موسى في " الإرشاد "، وأبو الفرج الشيرازي في " المبهج "، وصاحب " الوجيز " وغيرهم.

نقل حنبل وابو طالب: ما سمعت بهذا، ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله. واختاره ابن عبدوس في " تذكرته ". وقدمه في " الفروع " و" شرح ابن رزين " و" الحاوي الصغير ". انتهى.

ووجه هذا: أن الوقف تمليك إما للرقبة أو للمنفعة، وكلاهما لا يصح؛

لأن الإنسان لا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه؛ كما لا يجوز له أن يبيع ماله من نفسه.

ولأن الوقف على نفسه إنما حاصله منع نفسه التصرف في رقبة الملك. فلم يصح ذلك؛ كما لو أفرده بأن يقول: لا أبيع هذا ولا أهبه ولا أورثه.

وعلى هذه الرواية هل يصح الوقف على من جعله له بعده؛ كما لو قال: وقفت هذا على نفسي ثم على الفقراء. فيصح ويصرف على الفقراء ابتداء، أو يقع باطلا؛ فيه وجهان. بناء على الوقف المنقطع الابتداء. والصحيح منهما: أو يصح

ص: 174

(وينصرف إلى من بعده في الحال). جزم به في " التنقيح " وتبعته عليه وقدمه في " المحرر ".

ووجه ذلك: أن وجود ما لا يصح الوقف عليه كعدمه. فيكون كأنه وقف على من بعده ابتداء.

فإن لم يذكر غير نفسه فملكه بحاله ويورث عنه.

(وعنه: يصح) أن يقف الإنسان ماله على نفسه. نص الامام على ذلك في رواية إسحاق بن إبراهيم ويوسف بن موسى والفضل بن زياد.

قال في " المذهب " و" مسبوك الذهب ": صح في ظاهر المذهب.

قال الحارثي: هذا هو الصحيح.

قال أبو المعالي في " النهاية " و" الخلاصة ": يصح على الأصح.

قال الناظم: يجوز على المنصو ص من نص أحمد وصححه في

" التصحيح " و" إدراك الغاية ".

قال في " الفائق ": وهو المختار واختاره الشيخ تقي الدين ومال إليه صاحب " التلخيص " وجزم به في " المنور " و" منتخب الآدمي " وقدمه في " الهداية " و" المستوعب " و" الها دي " و" الفائق " وغير هم. وقدمه المجد في " مسودته على الهداية ".

قال (المنقح) في " التنقيح ": (اختاره جماعة، وعليه العمل. وهو أظهر).

وعبارته في " الإنصاف ": قلت: وهذه الرواية عليها العمل في زمننا وقبله

عند حكامنا من أزمنة متطاولة. وهو الصواب. وفيه مصلحة عظيمة وترغيب في فعل الخير. وهو من محاسن المذهب. انتهى.

قال في " المغني ": ونقل جماعة: أن الوقف صحيح. اختاره أين

أبي موسى.

ص: 175

قال ابن عقيل: وهي أصح. وهو قول ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي يوسف وابن شريح؛ لما ذكرنا فيما إذا اشترط أن يرجع إليه شيء من منافعه.

ولأنه يصح أن يقف وقفا عاما فينتفع به، كذلك إذا خص نفسه بأنتفاعه.

والأول أقيس. انتهى.

قال في " الفروع ": ومتى حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم فظاهر كلامهم ينفذ حكمه ظاهرا، وإن فيه في الباطن الخلاف.

وفي " فتاوى أبي عمرو ابن الصلاح ": فيما إذا حكم به حنفي وإنفذه شافعي: للواقف نقضه إذا لم يكن ذلك الصحيح في مذهب أبي حنيفة، وإلا جاز له نقضه في الباطن فقط. بخلاف صلاته بالمسجد وحده حياته؛ لعدم القربة والفائدة فيه. ذكره ابن شهاب وغيره. انتهى.

ويؤخذ من قوله: فظاهر كلامهم ينفذ حكمه ظاهراً بعد تقديمه عدم صحة جواز القضاء بالمرجوج من الخلاف. والله أعلم.

(وإن وقف) إنسان شيئاً (على غيره، واستثنى غلتها أو بعضها له) أى: للواقف، (أو) استثناها أو بعضها (لولده) أى: لولد

(1)

الواقف، (أو) استثنى (الأكل) منه، (أو) استثنى (الأنتفاع) لنفسه أو (لأهله، أو) اشترط أو (يُطعم صديقه) مدة (حياته أو مدة معينة: صح) الوقف والشرط في الجميع

(2)

.

قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: يَشترط في الوقف أنى أنفق على نفسي واهلي منه؟ قال: نعم. واحتج قال: سمعت ابن عيينة عن ابن طاووس عن أبيه عن حجر المدري " أن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر".-.- وبذلك قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وابو يوسف والزبيري وابن سريج.

(1)

في ب: ولد.

(2)

في أ: جميع

ص: 176

ولنا أيضاً: أن عمر رضي الله تعالى عته لما وقف قال: " لا جناج على من

وليها أن ياً كل منها أو يطعم صديقاً غير متمول فيه "

(1)

. وكان الوقف في يده إلى أن مات.

ولأنه إذا وقف وقف عاما، كالمساجد والسقأىات والرباطات والمقابر فإن

له الأنتفاع بذلك وكذلك هاهنا. وسواء في ذلك إطلاق ما يؤكل منه وتقديره. فإن عمر لم يقدر ما يأكل الولي ويطعم منه إلا بقوله بالمعروف.

وفي حديث صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه شرط أن يأكل أهله منها بالمعروف غيرالمنكر.

وإن وليها أحد من أهل هـ كان له ذلك؛ لى " أن حفصه بنت عمر كانت تلي صدقته بعد موته ثم وليها بعدها عبد الله بن عمر ".

(فلو مات) من استثنى نفع ما وقفه مدة معينة (في أثنائها: فلورثته)، كما

لو باع داراً واشترط أن يسكنها سنة فمات في اثنائها.

(وتصح إجارتها) أى: إجارة المدة المستثنى نفعها من الموقوف عليه. وغيره. قاله في " الإنصاف ".

وقيل: لا يصح الشرط.

وقيل: ولا الوقف.

(ومن وقف على الفقراء فافتقر: تناول منه).

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، ونص عليه في رواية المروذ ي.

قال فى " التلخيص ": هذا ظاهر كلام اصحابنا.

قال الحارثي: هذا الصحيح.

قال في " الفروع " و" الرعاية ": شمله في الأصح.

(1)

سبق تخريجه ص (157) رقم (1).

ص: 177

قال في " القواعد الأصولية والفقهية ": يدخل على الأصح من المذهب. انتهى.

والمراد بقوله: تناول منه جواز التناول منه لا تعينه. ووجه ذلك: وجود الوصف الذي هو الفقر فيه.

وقيل: لا يباح له ذلك. وهو احتمال في " التلخيص ".

وفيل: أن قلنا بصحة الوقف على النفس أبيح له الأخذ منه، وإلا فلا " لأنه

لا يتناول بالخصوص. فلا يتناول بالعموم بطريق الأولى.

(ولو وقف) إنسان (مسجداً، أو مقبرةً، أو بئراً، أو مدرسةً للفقهاء، أو لبعضهم) أى: نوع منهم " كعلى الحنابلة أو الشافعية، (أو رباطاً للصوفية مما يعم: فهو) أى: الواقف لذلك (كغيره) في الأنتفاع به " لما روي أن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه " سبَّل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين "

(1)

. قال الحارثي: له ذلك من غير خلاف. انتهى.

الشرط (الثالث) من شروط صحة الوقف: (كونه على معين) من جهة أو شخص (يملك) ملكاً (ثابتاً) " كعلى زيد، أو كعلى المسجد الأقصى.

أما كون الوقف لا يصح على غير معين، فلأنه تمليك. وهو لا يصح لمجهول، كالهبة.

واما كونه لا يصح على من لا يملك ملكاً ثابتاً؛ فلأن الوقف يقتضي تحبيس الأصل تحبيسا لا تجوز إزالته. ومن ملكه غير ثابت تجوز إزالته.

ثم لما كان للتعيين محترزات وهما الجهل والإبهام أخذ في تبيينها بقوله:

(فلا يصح) أى: الوقف (على) شيء (مجهول، كرجل) لصدقه على

كل رجل، (ومسجد) لصدقه على كل مسجد.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(3703) 5: 627 كتاب المناقب. باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ص: 178

قال في " الإنصاف " عن كون الوقف لا يصح على رجل ومسجد: بلا

نزاع. انتهى.

ووجهه: ما تقدم.

(أو) على (مبهم،) قوله: وقفت داري على (أحد هذين) الرجلين،

أو أحد ابني هذين، أو على أحد هذين المسجدين، أو على أحد هاتين القبيلتين؛ لتردده، كما لو قال: بعتك أحد هذين الثوبين. أو وهبتك احدهما. وقيل: يصح مطلقاً. وهو احتمال في " الرعاية ".

وقيل: يصح أن قلنا أن الوقف لا يفتقر إلى قبول. وهو مخرج من القول

بالصحة في وقفت أحد هذين الدارين. وعلى القول بالصحة في المبهم يخرج بالقرعة.

وقوله:) (أو لا يملك) محترز قوله: يملك. فلا يصح على حيوان لا يملك؛ (كقن، وام ولد، ومَلَك) بفتح اللام أحد الملائكة، (وبهيمة).

قال أحمد: فيمن وقف على مماليكه: لا يصح الوقف حتى يعتقهم؛

وذلك لأن الوقف تمليك. فلا يصح على من لا يملك.

فإن قيل: فقد جوزتم الوقف على المساجد والسقأىات وأشباهها وهي لاتملك ..

فلنا: الوقف هناك على المسلمين إلا أنه عين في نفع خاص لهم.

فإن قيل: فينبغي أن يصح الوقف على الكنائس ويكون الوقف على أهل

الذمة.

قلنا: الجهة التي عين صرف الوفف فيها ليست نفعاً بل هي معصية محرمة

يزدادون بها عقابا وإثماً. بخلاف المساجد.

وقيل: يصح الوقًف على القن على القول بأنه يملك. وفي ذلك

روايتان.

ص: 179

قال في " القواعد الفقهية ": الأكثرون على أنه لا يصح الوقف على العبد

على الروايتين لضعف ملكه. انتهى.

وقيل: يصح عليه. سواء قلنا يملك أو لا. ويكون لسيده. واختاره

الحارثي. قاله في " الإنصاف ".

وأما أم الولد فالصحيح أنها كالقن. كما هو مجزوم به في المتن.

قال في " الإنصاف ": لا يصح الوقف على أم الولد، على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب. واختار الحارثي: الصحة.

وقال الشيخ تقي الدين: يصح الوقف على أم ولده بعد موته. وإن وقف

على غيرها، على أن ينفق عليها مدة حياته، أو يكون الريع " لها مدة حياته: صح. فإن استثناء المنفعة لأم ولده كاستثنائها لنفسه.

وإن وقف عليها مطلقا. فينبغي أن يقال: أن صححنا الوقف على النفس: صح؛ لأن ملك ام ولده أكثر ما يكون بمنزلة ملكه. وإن لم نصححه. فيتوجه أن يقال: هو كالوقف على العبد القن.

ويتوجه الفرق بأن أم الولد لا تملك بحال. وفيه نظر.

وقد يخرج على ملك العبد بالتمليك. فإن هذا نوع تمليك لأم ولده. بخلاف العبد القن فإنه قد يخرج عن ملكه. فيكون ملكاً لعبد الغير.

وإذا مات السيد: فقد تخرج هذه المساً لة على مسألة تفريق الصفقة؛ لأن الوقف على أم الولد يعم حال رقها وعتقها. فإذا لم يصح في إحدى الحالين: خرج في الحال الأخرى وجهان.

وإن قلنا: أن الوقف المنقطع الابتداء يصح. فيجب أن يقال ذلك، وإن قلنا: لا

(1)

يصح، فهذا كذلك. انتهى.

وأما البهيمة فلا قائل بأنها تملك فهي كالميت في عدم صحة الوقف عليها.

(1)

ساقط عن أ.

ص: 180

قال في " الإنصاف ": وهو المذهب وعليه الأصحاب. واختار الحارثي: الصحة. وقال: وهو الأظهر عندي؛ كما في الوقف على القنطرة والسقاية وينفق عليها. انتهى.

(و) كذلك الوقف على (حمل أصالة)؛ كوقفت داري على ما في بطن

هذه المرأة فإنه لا يصح الوقف.

قال في " الفروع ": بناء على أنه تمليك إذاً، وأنه لا يملك. وفيهما نزاع. وصححه ابن عقيل والحارثي لحمل

(1)

وفاقا لمالك كوصية له وفاقاً. انتهى. وكذا الوقف على المعدوم؛ (كعلى من سيولد لي أو) على من سيولد

(لفلان): فإنه لا يصح.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وجزم به القاضي في " خلافه " وغيره. وقدمه في " الفروع " وغيره. وصححه المصنف في " المغني " وغيره. ذكره المصنف: في مسألة الوصيه لمن تحمل هذه المرأة.

وقال المجد: ظاهر كلام أحمد: صحته. ورده ابن رجب. انتهى.

وعلم من قوله: وحمل أصالة أن للحمل صورتان:

إحداهما

(2)

: أن يوقف عليه بطريق الأصالة. وتقدمت الإشارة إلى ذلك. والأخرى: أن يوقف عليه بطريق التبعية. وإلى ذلك أُشير بقوله:

(بل تبعاً) فول الواقف: وقفت هذه الدار (على أولادي، أو) على (أولاد فلان، و) أى: في أولاده أو في أولاد فلان (حمل) فإن الوقف يشمله. (فيستحق) هذا (بوضع.

وكل حمل من أهل وقف: من ثمر وزرع. ما يستحقّه مشتر) لشجر وارض

عن ثمر وزرع.

(1)

ساقط من ب.

(2)

في ب: أحدهما

ص: 181

قال ابن رجب: قاعدة تمليك المعدوم والإباحة له نوعان:

أحدهما: أن يكون بطريق الأصالة. فالمشهور: أنه لا يصح.

والثانى: أن يكون بطريق التبعية. فيصح في الوقف والإجارة.

وهذا إذا صرح بدخول المعدوم. فأما أن لم يصرج وكان المحل

(1)

لا يستلزم المعدوم ففي دخوله خلاف. وكذا لو أنتقل الوقف إلى قوم فحدث من يشاركهم. ويتخرج على هذه القاعدة مسائل. ثم قال:

ومنها: الوقف على ولده وولد ولده أبداً أو من

(2)

يولد له: فيصح بغير إشكال. نص عليه.

ومنها: لو وقف على ولده وله أولاد موجودون ثم حدث له ولد اخر ففي دخوله روايتان. وظاهر كلام أحمد دخوله في المولود قبل تأبير النخل. وقد سبق. وهو قول ابن أبي موسى أيضاً، وظاهر كلام القاضي وابن عقيل، وأفتى به ابن الزاغونى. انتهى.

لكن قو له: وظاهر كلام أحمد

إلى اخره مرجوج، والمنصوص:. أنه يستحق من الزرع والثمر ما يستحقّه مشترٍ كما في المتن.

قال في " الإنصاف ": تجدد حق الحمل بوضعه من ثمر وزرع كمشترٍ. نقله المروذي وجزم به في " المغني " و" الشرح" والحارثي. وقال: ذكره الأصحاب في الأولاد وقدمه في " الفروع ".

ونقل جعفر: يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد، ومن نخل لم يؤبر. فإن

بلغ الزرع الحصاد أو أبر النخل لم يستحق منه شيئاً. وقطيع به في " المبهج " و" القواعد ". وقال: وكذلك الأصحاب صرحوا بالفرق بين

(3)

المؤبر وغيره

(1)

في ج: الحمل.

(2)

فى أوب: ومن.

(3)

في أ: هن.

ص: 182

هنا. منهم ابن أبي موسى والقاضي وأصحابه معللين بتبعية غير المؤبر في العقد. فكذا في الاستحقاق.

وقال في " المستوعب ": يستحق قبل حصاده.

وقال الشيخ تقي الدين: الثمرة الموجوده عند التاًبير أو بدو الصلاح. انتهى. (وكذا) أى: وكالحمل في تجدد الاستحقاق (من) أى: إنسان (قدم إلى) ثغر (موقوف عليه فيه) أى: في ذلك المكان، (أو خرج منه إلى مثله. إلا أن يشرط لكل زمن من قدر معين فيكون له بقسطه).

قال في " الفروع ": ويشبه الحمل أن قدم إلى ثغر موقوف عليه، أو خرج

منه إلى بلد موقوف عليه فيه. نقله يعقوب. وقياسه: من نزل في مدرسة ونحوه

(1)

.

وقال ابن عبد القوي: ولقائل أن يقول ليس كذلك؛ لأن واقف المدرسة ونحوها جعل ريع الوقف في السنة كالجُعْل على اشتغال من هو في المدرسه عاما. فينبغي أن يستحق بقدر عمله من

(2)

السنة من ريع الوقف في السنة؛ لئلا يفضي إلى أن يحضر الإنسان شهراً مثلاً فيأخذ مغل جميع الوقف ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهرر الثمرة فلا يستحق شيئا. وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقا صدها. انتهى.

قال الشيخ تقي الدين: يستحق بحصته من مغله. وقال: من جعله كالولد

فقد اخطأ. انتهى.

وقوله: (أو يملك لا ثابتاً) هو محترز قوله: يملك ثابتا فإن من ملكه غير ثابت؛ (كمكاتب) لا يصح الوقف عليه.

قال في " المغني ": ولا يصح الوقف على المكاتب وإن كان يملك؛ لأن ملكه غيرمستقر.

(1)

في ب: ونحوها.

(2)

في أ: في.

ص: 183

وقيل: يصح. اختاره الحارثي.

وقطع بالأول جماعة.

وقال في " الإنصاف ": أن الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأ صحاب.

الشرط (الرابع) من شروط صحة الوقف: (أن يقف ناجزاًً) أى: غير معلق

(1)

أو مؤقت أو مشروط فيه الخيار أو نحوه، كأن يبيعه أو يهبه أو يحوله عن جهته متى شاء. وسيأتي الكلام على ذلك في المتن.

(فلا يصح تعليقه) على شرط في الحياة. سواء كان التعليق لابتدائه، كقوله: إذا قدم زيد أو ولد لي ولد أو جاء رمضان فداري وقف على كذا. أو كان التعليق لأنتهائه " كقوله: داري وقف على كذا إلى أن يحضر زيد أو يولد لي ولد أو نحو ذلك " لأنه نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسرأىة. فلم يجز تعليقه بشرط في الحياة، كالهبة.

قال في " الفروع ": ولا يصح معلقا بشرط. وفيه وجه.

قال في " الإنصاف " بعد أن ذكر أن المذهب: لا يصح تعليقه بمثرط: وقيل: يصح. واختاره الشيخ تقي الدين وصاحب " الفائق " والحارثي. وقال: الصحة أظهر. ونصره.

وقال ابن حمدان- من عنده- أن قيل: الملك لله تعالى: صح التعليق،

وإلا فلا. انتهى.

وقال في " المغني ": في تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة: أو

لا يجوز. لا نعلم فيه خلافاً.

وحكى في تعليق أنتهائه على شرط وجهين.

(إلا) أن علق الواقف الوقف (بموته) بأن قال: هو وقف بعد مونى فإنه يصح.

(1)

في أ: متعلق.

ص: 184

قال في " الإنصاف ": وهو المذهب.

ووجه ذلك: أنه تبرع مشروط بالموت. فصح؛ كما لو قال: قفوا داري على جهة كذا بعد موتي.

وقال أبو الخطاب في " الهداية ": لا يصح.

قال في " المغني ": ولنا على صحة الوقف المعلق بالموت ما احتج به الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه "أن عمر وصى فكان في وصيته هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين أن حدب به حدب

(1)

أن ثمغاً صدقة "

(2)

. وذكر بقية الخبر. وقد ذكرناه في غير هذا الموضع، ورواه أبو داود بنحو من هذا.

وهذا نص في مسألتنا. ووقفه هذا كان بأمر النبى صلى الله عليه وسلم.

ولأنه اشتهر في الصحابة. فلم ينكر فكان إجماعاً. "

ولأن هذا تبرع معلق بالموت. فصح، كالهبة والصدقة المطلقة.

أو نقول صدقة معلقة بالموت. فأشبهت غير الوقف. ويفارق هذا التعليق على شرط في الحياة. بدليل الصدقة والهبة المطلقة وغيرهما " وذلك لأن هذا وصية والوصية أوسمع من التصرف في الحياة. بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم وللمجهول والحمل وغير ذلك. وبهذا يتبين فساد قياس من قاس على هذا الشرط بقية الشروط. انتهى.

وقيل: لا يصح.

والثمَغ: بمئلثة ومعجمة وميم مفتوحة بينهما.

قال في " القاموس ": وثمغ بالفتح: مال بالمدينة لعمر وقفه.

(و) على المذهب ة (يلزم) الوقف (من حينه) أى: من حين قوله: هو وقف بعد موتي.

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2879) 3 0 17 1 كتاب الوصايا. باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف

ص: 185

قال ابن رجب في القاعدة الثانية والثمأنين: وأما عقود غير التملكات المنجزة فنوعان:

احدهما: ما يؤول إلى التمليك. فما كان منه لازماً لا يستقل العاقد أو من

يقوم مقامه بإبطاله من غير سبب. فإنه يتبع فيه النماء المنفصل من العين وغيرها ويندرج في ذلك صور.

ثم ذكر مسائل. ثم قال: ومنها المعلق وقفها بالموت أن قلنا: هو لازم.

وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميمونى: صارت كالمستولدة. فينبغى أن هما ولدها، وإن قلنا: ليس بلازم، وكلام أحمد في اخر رواية الميمونى يشعر به حيث قال: أن كان يتاًول ويُشبَّههُ بالمدبر- يعني: أنه يبيعه- فهل يتبعه الولد كالمدبرة أو لا يتبع " لأن الوقف تغلب فيه شائبة التمليك. فهو كالموصى به؛ يحتمل وجهين. انتهى.

وعبارته في " الإنصاف ": قال الحارثي: كلام الأصحاب يقتضي أن الوقف المعلق على الموت، أو على شرط في الحياة: لا يقع لازماً قبل وجود المعلق عليه، لأن ما هو معلق بالموت وصية، والوصية في قولهم لا تلزم قبل الموت، والمعلق على شرط في الحياة في

(1)

معناها. فيثبت فيه مثل حكمها في ذلك.

قال: والمنصوص عن أحمد في المعلق على الموت هو: اللزوم.

قال الميموني في " كتابه ": سألته عن الرجل يوقف على أهل بيته، أو على المساكين بعده فاحتاج إليها، أىبيع على قصة المدبر؟ فابتدأنى أبو عبد الله بالكراهة لذلك. فقال: الوقوف إنما كانت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يبيعوا ولا يهبوا.

قلت: فمن شّبهه وتاًول المدبر عليه. والمدبر قد يأتي عليه وقت ويكون فيه

(1)

ساقط من أ.

ص: 186

حراً، والوقوف إنما هي

(1)

شيء وقفه بعده. وهو ملك الساعة

(2)

.

قال لي: إذا كان يتأول.

قال الميموني: وإنما ناظرته بهذا؛ لأنه قال لي: المدبر ليس لأحد فيه شيء.

وهو ملك الساعة. وهذا شيء وقفه على قوم مساكين فكيف يحدث به شيئا؛ فقلت: هكذا الوقوف. ليس لأحد فيها شيء، الساعة هو ملك. وإنما استحق بعد الوفاة كما أن المدبر الساعة ليس بحر، ثم ياً تي عليه وقت يكون فيه حرا. انتهى كلام الميمونى.

قال صاحب " الإنصاف ": فنص أحمد على الفرق بين الوقف بعد الموت وبين المدبر. قال الحارثي: والفرق عسر جداً.

وتابع في " التلخيص " المنصر صفقال: أحكام الوقف خمسة: منها: لزومه

في الحال. أخرجه مخرج الو صية أو لم يخرجه، وعند ذلك ينقطع تصرفه فيه. قال صاحب " الإنصاف " وشيخنا رحمه الله

(3)

في حواشي " المحرر ": لما

لم يطلع على نص أحمد رد كلام صاحب " التلخيص " وتأوله، اعتماداً على أن المسألة ليس فيها منقول. مع أنه وافق الحارثي على أن ظاهر كلام الأصحاب: لا يقع الوقف والحالة هذه لازماً. انتهى كلام صاحب " الإنصاف ".

فعلم مما تقدم أن المذهب اللزوم؛ لكونه ظاهر النص، وإن فيه احتمالاً

ماًخوذاً من قوله: إذا كان يتأول. والله أعلم.

(ويكون) الوقف المعلق بالموت معتبراً (من ثلثه) أى: ثلث مال الواقف؛ لأنه في حكم الو صية. فإن خرج. من الثلث لم يكن لأحد من الورئة ولا من غيرهم رد شيء، وإن زاد على الثلث: لزم الوقف منه في قدر الثلث، ووقف الز ائد على إجازة الورثة.

(1)

في أ: هو.

(2)

في أ: الساع.

(3)

في أ: رحمه الله تعالى.

ص: 187

قال في " المغني ": لا نعلم في هذا خلافاً عند القائلين بلزوم الوقف.

(وشرط بيعه) أى: شرط الواقف بيع الوقف، (أو) شرط (هبته متى

شاء، أو) شرط (خيار فيه، أو توقيته)، كما لو قال: وقفته يوماً أو شهراً أو سنه أو نحو ذلك، (أو تحويله) " كما لو قال: وقفت داري على كذا على أن أحولها عن هذه الجهة، أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئت:(مبطل) للوقف، لأنه ينافي مقتضاه.

قال في " الإنصاف ": لو شرط في الوقف أن يبيعه أو يهبه أو يرجع فيه متى

شاء: بطل الشرط والوقف في أحد الأوجه. وهو الصحيح من المذهب. نص عليه. وقدمه في " الفروع " و" شرح الحارثي " و" الفائق " و" الرعايتين " و" الحاوي الصغير ".

قال المصنف في " المغني ": لا نعلم فيه خلافاً.

ويل: يبطل الشرط دون الوفف. وهو تخريج

(1)

من البيع، وما هو ببعيد.

وقال الشيخ تقي الدين: يصح في الكل. نقله عنه في " الفائق "، ثم قال:

لو شرط الخيار في الوقف فسدا. نص عليه وهو المذهب. وخرج فساد الشرط وحده من

(2)

البيع.

قال الحارثي: وهو أشبه. انتهى كلامه في " الإنصاف ".

(1)

في أ: تخرج.

(2)

فى أوب: في

ص: 188

[فصل: فيما لا يشترط للزوم الوقف]

(فصل. ولا يشترط للزومه) أى: الو قف (إخراجه) أى: المو قوف (عن يده) أى: الواقف. نص عليه، لحديث عمر رضي الله تعالى عنه. فإنه نقل أن وقفه كان بيده إلى أن مات.

ولأن الوقف تبرع يمنع البييع والهبة. فلزم بمجرد اللفظ " كالعتق.

وعنه: بلى؛ لأنه تبرع بمال لم يخرجه عن المالية. فلم يلزم بمجرد اللفظ " كالهبة.

وأجيب عن ذلك: بأن الهبة تمليك مطلق، والوقف. تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. فهو بالعتق اشبه. فإلحاقه به أولى.

وعلم مما تقدم أن إخراجه عن يده إذا لم يشترط للزومه فعدم اشتراطه لصحة الوقف من باب أولى.

ومن الأ صحاب من حكى الروايتين فى اشتراط ذلك لصحة الوقف. وحكاهما الأكثر في اشتراط ذلك للزومه.

قال ابن رجب في القاعدة التاسعة والأربعين: وأما الوقف ففي لزومه بدون إخراج الو قف عن يده روايتان معروفتان. انتهى.

وعلى القول بالاشتراط فيعتبر تسليمه إلى ناظر يقوم به.

ولو شرط نظره لنفسه. قال في " الفروع ": سلمه ليد غيره ثم أرتجعه نقلاً

عن الأصحاب.

قال الحارثي: ولنا التسليم إلى من يُنصّبه هو. فالمنصوب إما غير ناظر

ص: 189

فوكيل محض يده كيده، وإما ناظر فالنظر لا يجب شرطه لأجنبي. فالتسليم إلى الغير غير واجب. انتهى.

نقله عنه في " الإنصاف "، ثم قال: قلت: وهذا هو الصواب. انتهى.

وقال الحارثي أيضاً: وبالجملة فالمساجد والقناطر والآبار ونحوها تكفي التخلية بين الناس وبينها من غير خلاف. والقياس يقتضي التسليم إلى المعين الموقوف عليه إذا قيل بالأنتقال إليه، وإلا فإلى الناظر أو الحاكم. انتهى. (ولا) يشترط (فيما) وقف (على) شخص (معين قبوله) للو قف.

قا ل في " الإنصاف ": وهو المذهب.

قال في " الكافي ": هذا ظاهر المذهب.

قا ل الشارح: هذا أولى.

قال الحارثي: هذا أقوى. وقطع به القاضي وابن عقيل.

قال في " الفائق ": لا يشترط في أصح الوجهين. وصححه في

" التصحيح "، وجزم به في " الوجيز " و" المنور ". وقدمه في " المحرر " و" الفروع ".

ووجه ذلك: أن الوقف إزالة ملك يمنع البيع والهبة والميراث. فلم يعتبر

فيه القبول؛ كالعتق.

وقيل: بلى؛ كهبة ووصية.

ورد: بالفرق بينه وبينهما

(1)

بأن الوقف لا يختص المعين بل يتعلق به حق من

يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم، إلا أو مرتب فصار بمنزلة الوقف على الفقراء الذي لا يبطل برد وأحد منهم ولا يقف على قبوله والوصية للمعين بخلافه.

(1)

في ب: وبينها.

ص: 190

وقال ابن منجى في " شرحه " بعد تعليل الوجهين: والأشبه أن يبنى ذلك

على أن

(1)

الملك هل ينتقل إلى الموقوف عليه أم لا؟

فإن قيل: بالأنتقال، قيل: باشتراط القبول

(2)

، وإلا فلا.

وقال في " الرعايتين ": قلت: أن قلنا هو لله لم يعتبر القبول. وإن قلنا هو للمعين والجمع المحصور اعتبر فيه القبول.

قال الحارثي: وفي ذلك نظر. فإن القبول أن أُنيط بالتمليك فالوقف لا يخلو من تمليك. سواء قيل بالامتناع أو عدمه.

قال

(3)

الزركشي: والظاهر أن الخلاف على القول بالأنتقال. إذ لا نزاع بين الأصحاب: أن الأنتقال إلى الموقوف عليه هو المذهب، مع اختلافهم في المختار هنا. انتهى.

وعلم مما تقدم أن الوقف لو كان على غير معين لا يشترط له القبول من باب أولى. وذكر الناظم احتمالاً أن نائب الإمام يقبله.

(و) على الأول) لا يبطل) الوقف على ادمي معين (برده) للوقف. فقبوله ورده وعدمهما سواء في الحكم.

وعلى الثانى: إن لم يقبله أو رده بطل في حقه دون من بعده " لأن المبطل إنما وجد في الأول. فاختص به، وكان كما لو وقف على من لا يجوز" كالمرتد، ثم على من يجوز، كالمساكين يصرف في الحال إلى من بعده.

وفيه وجه اخر: أنه إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف أنقراضه كعبده

فلأن صرف إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض ثم يصرف إلى من بعده. وعلى القول باشتراط القبول فقال الحارثي: يشترط اتصال القبول

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ب: وقال.

ص: 191

بالإيجاب

(1)

. فإن تراخى عنه بطل كما يبطل في البيع والهبة. وعلله. ثم قال:

وإذا علم هذا فيتفرع عليه عدم اشتراط القبول من المستحق الثانى والثالث ومن

بعد لتراخي استحقاقهم عن الآيةجاب. انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين: إذا اشترط القبول على المعين فلا ينبغي أن يشترط المجلس. بل يلحق بالوصية والوكالة. فيصح معجلاً ومؤجلاً بالقول والفعل فأخذ ريعه قبول.

وقطع

(2)

واختار في القاعدة الخامسة والخمسين: أن تصرف الموقوف عليه

المعين يقوم مقام القبول بالقول.

(ويتعين مصرف الوقف إلى الجهة المعينة) من قبل الواقف له نصاً. نقله

الجماعة وقطع به أكثر الأصحاب؛ لأن تعيين الواقف لها صرفٌ عما سواها.

(فلو سبّل ماء للشرب: لم يجز الوضوء به)؛ لأنه لو لم يجب اتباع تعيينه

لم يكن له فائدة.

وقيل: يجوز الوضوء مما سبل للشرب.

قال في " الفروع ": فشرب ماء للوضوء يتوجه عليه وأولى.

وقال الآجري: في الفرس الحبيس: لا يعيره ولا يؤجره إلا لنفع الفرس،

ولا ينبغي أن يركبه في حاجة إلا لتأديبه وجمال للمسلمين ورفعة لهم أو غيظة. للعدو.

وعنه: يجوز إخراج بسط المسجد وحصره لمن ينتظر الجنازة. وسئل عن

التعليم بسهام الغزو فقال: هذا منفعة للمسلمين، ثم قال: أخاف أن تكسر.

قال في " الإنصاف ": وأما ركوب الدابة لعلفها وسقيها فيجوز. نقله الشالنجي وجزم به في " الفروغ " وغيره. انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين: يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح ضنه.

(1)

في أ: با لأصحاب.

(2)

ساقط من ب.

ص: 192

وإن اختلف ذلك باختلاف

(1)

الأزمان. حتى لو وقف على الفقهاء والصوفية واحتاج الناس إلى الجهاد

(2)

صرف للجند. انتهى.

(و) الوقف إذا كان (منقطع الابتداء) فقط؛ كمن وقف على عبده ثم على ولده ثم على المساكين: (يصرف في الحال إلى من بعده) أى: بعد ما هو منقطع منه. فيصرف في الحال إلى ولد الواقف.

(و) يصرف (منقطع الوسط) فقط بعد من يجوز الوقف عليه؛ كمن وقفط على ولده ثم على عبده ثم على المساكين (إلى من بعده) أى: بعد ما هو منقطع منه. فيصرف بعد موت الولد إلى المساكين؛ لأن الواقف قصد صيرورة الوقف إلى الوسط أو للاخر في الجملة ولا حالة يمكن أنتظارها. فوجب الصرف إليه؛ لئلا يفوت غرض الواقف ولكيلا تبطل فائدة الصحة.

ولأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه. يكون كاً نه وقف على الجهة الصحيحة من غير ذكر الباطلة.

ولأننا لما صححنا الوقف مع ذكر من لا يجوز الوقف عليه فقد ألغيناه. ف نه يتعذر التصحيح مع اعتباره.

وقيل: أن كان من لا يجوز الوقف عليه يمكن اعتبار أنقراضه كما مثلنا: صرف في الحال إلى مصرف الوقف المنقطع. إلى أن ينقرض من لا يجوز الوقف عليه. فإذا أنقرض صرف إلى من بعده.

وبنى بعض الأصحاب

(3)

صحة الوقف على تفريق الصفقة. فأجرى وجهاً

(4)

ببطلانه من أصله.

(و) يصرف الوقف الذي هو منقطع (الآخر بعد من يجوز الوقف عيه)؛

(1)

في أ: اختلاف.

(2)

في أ: إظهار.

(3)

في أ: أصحابنا.

(4)

في خ، وجهاً واحداً

ص: 193

لو قال: وقفت هذه الدار على زيد ولم يزد على ذلك، أو قال: وقفتها على زيد ثم على الكنائس.

(وما وقفه وسكت)؛ كما لو قال: وقفت هذه الدار ولم يسم مصرفاً: صحيح؛ لأن مقتضى الوقف التأبيد. فيحمل على مقتضاه ولا يضر تركه ذكر مصرفه. ولأن الإطلاق إذا كان له عرف صح وحمل عليه وعرف المصرف هاهنا أولى الجهات به. فكاً نه عينهم لصرفه.

ويفرق بين هذا

(1)

وبين ما إذا عين جهة باطلة؛ كقوله: وقفت على الكنيسة

ولم يذكر بعدها جهة صحيحة: بأن الإطلاق في الصورة الأولى يفيد مصرف البر؛ لخلو اللفظ عن المانع منه. بخلاف الصورة الثانية فإنه عين المصرف الباطل واقتصر عليه.

ويصرف ريعه (إلى ورثته) أى: الواقف (نسباً) أى: من النسب. فلا يصرف إلى من يرثه بولاء ولا بنكاح

(2)

. ويكون ريعه موزعا عليهم (على قدر إرثهم) من الواقف. جزم بذلك في " الفروع " وغيره. حال كون ذلك (وقفاً) عليهم. فلا يملكون نقل الملك في رقبته. وإنما يستحقون ريعه على سبيل البر؛ لأن الوقف مصرفه البر وأقاربه الوارثون له أولى الناس ببره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " أنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس "

(3)

.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: " صدقتك على غير رحمك صدقة. وصدقتك

(4)

على رحمك صدقة وصلة "

(5)

.

(1)

فى أوب: ذلك.

(2)

في ب: نكاح.

(3)

هذا جزء من حديث سعد. أخرجه البخاري في " صحيحه "(5039) 5: 2046 كتاب النفقات. باب النفقة على الأهل.

(4)

في ج: وصد قة.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(658) 3: 46 كتاب الزكاه. باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة. وأخرجه النسائي في " سننه "(2582) 5: 92 كتاب الزكاة. الصدقه على الأقارب.

ص: 194

ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل والمفروضات. فكانوا أولى بصدقته المنقولة.

ولأن ورثته أولى الناس بماله. فسبيل غلة وقفه سبيل ماله؛ لأنه إنما وقف الأصل دون النماء.

فإذا لم يعين للغلة مصرفاً أو عين مصرفاً لا يجوز صرفها إليه: كانت لورثته؛ كسائر ما له.

وعنه: يكون وقفاً مصروفاً ريعه إلى أقر ب عصبته غنيهم وفقيرهم.

وقيل: يختص به فقراء الورثة والعصبة.

وعنه: أو للورثة ملكاً.

وعنه: أو لأقر ب العصبة ملكاً.

وعنه: يكون وقفاً مصروفاً ريعه في المصالح.

وعنه: للفقراء.

وعنه: يرجع إلى ملك واقفه الحي.

ونقل حرب: أو قبل ورثته لورثة الموقوف عليه.

ونقل المروذي: أن وقف على عبيده لم يستقم. قلت: فيعتقهم؛ قال: جائز. فإن ماتوا ولهم أولاد فلهم، وإلا فللعصبة. فإن لم تكن بيع وفرق على الفقراء.

وقال القاضي واصحابه فيما إذا قال: وقفت هذه الدار ولم يزد على ذلك:

أن ريعها يصرف في وجوه البر.

وفي " عيون المسائل ": فيها، وفي تصدقت به: أو يكون لجماعة المسلمين ..

(و) على الأول وهو كونه يرجع إلى ورثة الواقف وقفا (يقع الحَجْبُ بينهم

) وقوعه في (إرث).

ص: 195

قال القاضي: فللبنت مع الابن الثلث وله

(1)

الباقي. وللأخ من الأم ح الأخ للأب السدس وله ما بقي. وإن كان جد وأخ قاسمه. وإن كان أخ وعم أنفرد به الأخ. وإن كا ن عم وابن عم أنفرد به العم.

قال الحارثي: وهذا تخصيص بمن يرث من الأقارب في حالٍ دون حال، وتفضيل لبعضٍ على بعض. وهو لو وقف على أقاربه لما قالوا فيه بهذا التخصيص والتفضيل. وكذا لو وقف على أولاده أو أولاد زيد لا يفضل فيه الذكر على الأنثى وقد قالوا هنا إنما ينتقل إلى الأقارب وقفاً. نقله عنه في " الإنصاف "، ثم قال: فظاهر كلامه: أنه مالَ إلى عدم المفاضلة وما هو ببعيد. (فإن عُدموا) بأن لم يكن للواقف وارث (فللفقراء والمساكين) وقفا عليهم. قاله

(2)

أكثر الأصحاب؛ لأن القصد بالوقف الثواب الجاري على وجه الد وام.

وإنما قدمنا الأقارب على المساكين؛ لكونهم أولى. فإذا لم يكونوا فالمساكين أهل لذلك فصرف إليهم.

قال في " المغني ": إلا على قول من قال: أنه يصرف إلى ورثة الواقف ملكاً لهم فإنه يصرف عند عدمهم إلى بيت المال؛ لأنه بطل الوقف فيه بأنقطاعه وصار ميراثاً لا وارث له. فكان بيت المال به أولى. انتهى.

(ونصه) أى: الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه في رواية ابن إبراهيم وأبي طالب وغيرهما: أو يصرف (في مصالح المسلمين) فيرجع إلى بيت المال.

(ومتى أنقطعت الجهة والو اقف حي: رجع إليه وقفاً) يعني: ومتى قلنا يرجع إلى أقارب الواقف وقفا وكان الواقف حيا هل يرجع إليه؟ على روايتين.

قال ابن رجب: حكاهما ابن الزاغونى في " الإقناع "، وجزم ابن عقيل في

(1)

في أ: وكذا.

(2)

في أ: قال

ص: 196

" المفردات " بدخوله. وكذلك لو وقف على أولاده وأنسالهم أبداً على أن من توفي منهم من غير ولد رجع نصيبه إلى أقر ب الناس إليه فتوفي أحد أولاده من

(1)

غير ولد والأب الواقف حي فهل يعود نصيبه إليه؛ لكونه أقر ب الناس إليه أو

(2)

لا؟ يخرج على ما قبلها. والمساً لة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه. انتهى.

(ويعمل في) وقف (صحيح وسط فقط) أى: دون الابتداء والاخر؛ كما

لو قال: وقفت داري على عبدي ثم على فلان ثم على الكنائس (بالإعتبارين). فيصرف في الحال إلى فلأن ويرجع بعد موته إلى ورثة الواقف وقفا عليهم.

وفيه وجه مخرج بالبطلان.

(ويملكه) أى: الوقف الشخص الذي هو (موقوف عليه).

قال في " الإنصاف ": أو المذهب بلا ريب، وإن عليه الأصحاب، وأو

من المفردات.

وعنه: أنه ملك لواقفه. ذكرها أبو الخطاب والموفق.

وعنه: أنه ملك لله تعالى؛ كالوقوف على المساجد ونحوها.

ووجه المذهب: أن الوقف سبب نقل الملك عن الواقف

(3)

ولم يخرج عن

المالية إلى من يصح تملكه. فوجب أن ينتقل الملك إليه؛ كالهبة والبيع.

ولأن الوقف لو كان تمليك للمنفعة المجردة لما كان لازما؛ كالعارية والسكنى، ولما زال ملك الواقف عنه؛ كالعارية.

ويفارق العتق فإنه يخرج المعتوق عن المالية. وامتناع التصرف في الرقبة

لا يمنع وجود الملك؛ كأم الولد.

ولهذا الخلاف فوائد كثيرة. فمنها:

(1)

فى أوب: عن.

(2)

فى أوب: أم.

(3)

في: الوقف.

ص: 197

إذا لم يعين الواقف ناظراً: فإن قلنا أنه ملك للموقوف عليه المعين (فينظر

فيه هو) أن كان رشيداً، (أو وليه) أن كان محجوراً عليه.

وقيل: يضم إلى الفاسق أمين.

وإن قيل: أنه ملك لواقفه كان النظر له.

قال الزركشي: وإن قيل: أنه ملك لله تعالى كان النظر فيه للحاكم.

قال ابن رجب: وظاهر كلام أحمد أن نظره للحاكم- يعني: مطلقاً- وهو قول ابن أبي موسى.

قال الحارثي: وعندي أن هذا لا يختص بالقول بأنتفاء ملك الموقوف عليه بل ينظر فيه الحاكم وإن قلنا: ملكه للموقوف عليه لعلاقة حق من ياً تي بعده. انتهى * ومنها: لو كان الموقوف أرضاً على معين (و) قلنا: أنه يملك الوقف فغصبها إنسان وزرعها وادركها من وقفت عليه والزرع قائم: فإنه (يتملك زرع غاصب) إن شاء.

وإن قيل بعدم ملكه له كان كالمستاًجر والموصى له بمنفعه الأرض.

* ومنها: لو كان الموقوف آدمياً وجنى جناية موجبة للأرش خطأ، (و)

قلنا أن الموقوف عليه المعين يملكه: فإنه (يلزمه أرش خطئه) " كما يلزم سيد أم الولد ارش جنايتها. فلا يكون عليه أكثر من قيمته.

وإن قيل: أنه ملك لواقفه: قال في " الإنصاف ": فيحتمل أن يجب على الواقف، ويحتمل أن يجب في كسبه. قاله

(1)

الزركشي من عنده

وقال الحارثي بعد أن حكى الوجهين فيما إذا قيل أنه ملك لله تعالى: هل يكون أرش جنايته في حسسبه أنه في بيت المال؟ ولهم وجه ثالث وهو الوجوب على الواقف. قال: وفيه بحث. انتهى.

قال ابن رجب: وفيه وجه لا للزم الموقوف عليه الأرش على القولين.

(1)

في أ: قال.

ص: 198

أى: سواء قلنا أنه ملك للموقوف عليه أنه لله تعالى؛ لأن امتناعه من التسليم بغير اختياره. إذ لا قدرة له على التسليم بحال،. انتهى.

وإن جنى الموقوف على

(1)

غير معين؛ كالعبد الموقوف على خدمة المرضى ونحوه. فقال في " المغثي ": ينبغي أن يكون الأرش في كسبه؛ لأنه ليس له مستحق يمكن إيجاب الأرش عنيه. ولا يمكن تعليقها

(2)

برقبته فتعين في كسبه. قال: ويحتمل أن تجب في بيت المال. انتهى.

ومنها إذا كان الموقوف رقيقا (و) قلنا أنه ملك للموقوف عليه المعين:

فإنه تلزمه (فطرته).

قال في " الإنصاف ": على الصحيح.

وقيل: لا.

واما إذا اشترى عبداً من غلة الوقف لخدمة الوقف فإن الفطرة تجب قولاً واحداً لتمام التصرف فيه. قاله أبو المعالي. انتهى.

ومنها: لو كان الموقوف إبلاً أو بقراً أو غنماً تجب فيه الزكاة (و) قلنا:

أن الوقف ملك للموقوف عليه المعين وحال عليه الحول: فإنه تلزمه (زكاته). قال في " الإنصاف ": وعلى ظاهر كلام أحمد واختيار القاضي في

" التعليق " والمجد وغيرهما وقدمه الزركشي.

قال الناظم: ولكن ليخرج من سواها ويمدد.

قلت: فيعأىى بها.

وقيل: لا تجب الزكاة مطلقا؛ لضعف الملك. اختاره صاحب " التلخيص " وغيره. وقاله القاضي وابن عقيل.

فأما الشجر الموقوف فيجب الزكاة في ثمره على الموقوف عليه وجهاً واحداً؛ لأن ثمرته للموقوف عليه. قاله في " الفوائد ".

(1)

في أ: عليه.

(2)

في ب: تعلقها.

ص: 199

وقال الشيرازي: لا زكاه فيه مطلقاً، ونقله غيره رواية. انتهى.

ومنها: لو سرق الوقف أو نماؤه وهو على معين (و) قلنا يملكه: فإنه (يقطع سارقه)، وإن قلنا: أنه ملك لله تعالى لم يقطع.

وقيل: بلى.

قال في " الفروع ": وإن سرقه أو نماءه فإن مَلَكَه المعين قطع، وإلا فلا في الأصح فيهما. لا بوقف على غير معين. انتهى.

ومنها: لو كان الموقوف حيواناً ولم يعين الواقف محلاً لنفقته ولم تكن له غلة: فإنها تلزم الموقوف عليه المعين.

وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في المتن بعد نحو ورقة

(1)

وإنما نبهت عليها هاهنا، لئلا يتوهم نسيانها، وليعلم أنها من فوائد الخلاف.

(و) منها أنه (لا) يجوز للموقوف عليه إذا كان رجلاً معيناً أنه (يتزوج)

أمة (موقوفة عليه) لإن قلنا: ن الملك فيها له، ويجوز أن قيل: أن الملك فيها للواقف أنه لله تعالى.

قال في " القواعد ": هذا البناء ذكره في " التلخيص " وغيره. قال: وفيه

نظر فإنه يملك منفعة البضح على كلا القولين ولهذا يكون المهر له. انتهى.

قال الحارثي: فعلى الأول لو وقفت عليه زوجته أنفس النكاح، لوجود الملك. انتهى.

(و) مع ذلك فإن الموقوف عليه الأمة ولو كان معيناً (لا) يحل له أنه (يطأها)، لأن ملكه لها ناقص. ولا يؤمن حبلها فتنقص أنه تتلف أنه تخرج من الوقف بأن تصير أم ولد.

(و) منها أن المعين الموقوفة عليه الأمة (له تزويجها): أن قلنا الملك

له: (أن لم يشرط) ذلك أى: يشرطه الواقف (لغيره).

(1)

ص (224).

ص: 200

قال ابن رجب: وإن قيل: هي ملك لله تعالى فالولاية للحاكم فيزوجها بإذن الموقوف عليه، وإن قيل: هي ملك للواقف فهو الولي. انتهى.

واشترط الزركشي فيما إذا زوجها الواقف أيضاً إذن الموقوف عليه.

قال في " الإنصاف ": قلت: هو مراد من لم يذكره قطعا. وقد طرده الحارثي في الواقف والناظر إذا قيل بولاتهما.

وقيل: لا يجوز تزويجها بحال، إلا إذا طلبته. وهو وجه في " المغني ".

قال في " الرعاية ": ويحتمل منع تزويجها أن لم تطلبه. انتهى.

(و) للموقوف عليه الأمة (أخذ مهرها ولو) كان المهر (لوطء شبهة)؛

لأنه بدل المنفعة. وهو يستحقها؛ كالأجرة والصوف واللبن والثمرة. (وولدها) أى: الموقوف (من) وطء (شبهة حر)؛ لاعتقاد الواطئ الإباحة، وإن كان الواطئ رقيقا.

(وعلى واطئ قيمته) أى: الولد؛ لأن رقه فات بسببٍ من جهته. وتعتبر القيمه يوم وضعه حيا.

و (تصرف) القيمة المأخوذة (في) شراء (مثله) يكون وقفاً مع الموطوءة. (و) ولدها (من زوج أنه زنا: وقفٌ) معها؛ لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها كأم الولد. والكسب ما لم يعرض لذلك ما يمنعه كالشبهة واشتراط زوج الأمة على سيدها عند تزويجها حرية ولدها ونحوهما.

* ومنها لو كان الوقف أمه على معين (و) قلنا بملكه

(1)

الوقف فوطئها فإنه (لا حد ولا مهر) عليه (بوطئه). قد تقدم أنه لا يحل للإنسان وطء الأمة الموقوفة عليه؛ لأن ملكه ناقص لكنه لا حد عليه للشبهة. ولا يجب عليه بوطئه مهر؛ لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب للإنسان شيء على نفسه.

(وولده حر) للشبهة (وعليه قيمته) أى: الولد يوم وضعه!؛ لأنه فوّت رقه

(1)

في ج: بملك.

ص: 201

على من يؤول الوقف إليه بعده. (تصرف في مثله)، لأنها بدل عن الوقف. فوجب أن ترد في مثله.

(وتعتق) المستولدة ممن هي وقف عليه (بموته) " لأنها ولدت من مالكها فصارت أم ولد. (وتجب قيمتها في تركته)، لأنه اتلفها على من بعده من البطون (يشترى بها) أى: بقيمتها الواجبة باستيلادها (وبقيمة وجبت بتلفها أنه) بتلف (بعضها: مثلها) يكون وقفا مكانها في صورة ما إذا فاتت كلها، (أنه) يشترى بقيمة بعضها الفائت (شقص) من أمة (يصير) ما اشتري

(1)

بجميع القيمة أنه بعضها (وقفا بالشراء)؛ لينجبر على البطن الثانى ما فاتهم.

وقيل: مصروفة للبطن الثانى أن تلقى الوقف من واقفه.

قال في " الفروع ": فدل على خلاف. والمذهب: أنه ولو قلنا ذلك

لا تصرف إلى البطن الثانى. والله أعلم.

وإن قيل أن الموقوف عليه المعين لا يملك الوقف لم تصر أم ولد باستيلاده إياهًا؛ لأنها غير مملوكة له.

(ولا يصح عتق) رقيق (موقوف) بحال، لأنه تعلق به حق من يؤول الوقف إليه.

ولأن الوقف عقد لازم لا يملك إبطاله. وفي القول بنفوذ عتقه إبطال له.

وإن كان بعضه غير موقوف فاً عتقه مالكه صح فيه، ولم يسر إلى البعض الموقوف، لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة. فلئلا يعتق بالسراية من باب أو لى.

(وإن قُطِعَ) بالبناء للمفعول جزء من الرقيق الموقوف عدواناً: (فله) أى: فللرقيق (القود)؛ لأنه لا يشاركه فيه غيره.

(وإن عفا) الرقيق المقطوع عن القود أنه كان القطع لا يوجب قوداً: (فـ) أنه يؤخذ (أرشه) من الجاني يصرف (في مثله) أى: مثل المجني عليه أن

(1)

فى ج: يشترى.

ص: 202

أمكن. وإلا اشتري به شقص من رقيق مثله، لأن الأرش بدل عن بعض الوقف. فوجب أن يرد في مثله.

(وإن قتل) الرقيق الموقوف (ولو) مع كون الجناية عليه (عمداً) محضاً

في

(1)

مكافئ له: (فـ) الواجب بذلك (قيمته) دون القصا ص " لأنه محل لا يختص به الموقوف عليه. فلم يجز أن يقتص من قاتله، كالعبد المشترك.

قال في " المغني " عن هذا: أنه الظاهر. ولم يذكر غيره. وكذا قال في

" الفروع ". ولم يعزه إلى أحد.

قال في " الإنصاف ": قال الحارثي: وتحرير قوله في " المغني ": أن العبد الموقوف مشترك بين الملاك ومن شرط استيفاء القصا ص مطالبة كل الشركاء وهو متعذر، قال: وفيه بحث وذكره. ومال إلى وجوب القصا ص. انتهى.

(ولا يصح عفو عنها) أى: عن قيمة المقتول من قبل الموقوف عليه ولو

قلنا أنه يملك، لأن ملكه لا يختص به. فلم يختص ببدله، كالعبد المشترك. وبيان عدم الاختصا ص: أن

(2)

حق البطن الثانى متعلق به تعلقا لا يجوز إبطاله. ولا نعلم قدر ما يستحق هذا منه فيعفو عنه. فلم يصح العفو عن شيء منه، كما لو أتلف إنسان رهنا فإنه تؤخذ منه قيمته فتجعل رهنا مكأنه. ولا يصح عفو وأحد منهما عنها.

أما الراهن " فلتعلق حق المرتهن بذلك.،

واما المرتهن، فلأنه ليس ملكه.

(و) أن قُتل الرقيقُ الموقوف (قوداً) بأن قتل مكافئاً له عمدأ فقتله ولي المقتول قصاصاً: (بطل الوقف)، كما لو مات حتف أنفه،

(لا أن قطع) عضو منه قصاصاً فإن الوقف باق فيما لم يقطع، كما لو تلف عضو منه بفعل الله تعالى.

(1)

فى أوب: من.

(2)

في أ: إلى.

ص: 203

(ويتلقاه) أى: يتلقى الموقوف عليهم الوقف (كل بطن) منهم (عن واقفه).

أما البطن الأول. فبلا خلاف.

وأما البطن التي بعده. ففيه وجهان.

قال في " الفائق ": وهل يتلقى البطن الثانى الوقف من البطن الذي قبله أنه

من الواقف؛ فيه وجهان. انتهى.

والمذهب: أن ما عدا البطن الأول من البطون يتلقونه من واقفه لا من البطن الذي قبله. قاله القاضي في " المجرد " وابن عقيل في " الفصول " والموفق في " المغني " وابن رجب في " القواعد الفقهية ". وصححه الطوفي في " قواعده "؛ لأن الوقف صار

(1)

على جميع أهل الوقف من حينه. فمن وقف شيئا على أولاده ثم أولادهم ثم أولاد أولادهم ما تناسلوا كان الوقف على جميع نسله. إلا أن استحقاق كل طبقة مشروط بأنقراض من فوقها.

(فـ) على هذا: (إذا امتنع البطن الأول) حال استحقاقهم (من اليمين مع شاهد) لهم بالوقف؛ (لثبوت الوقف: فلمن بعدهم) من البطون ممن لم يؤول إليه الوقف إذن (الحلف) مع الشاهد لثبوت الوقف؛ لأنهم من جملة الموقوف عليهم.

(وأرش جناية وقف) أى: رقيق موقوف (على غير معين)؛ كالمساكين، حال كون الجناية (خطأ: في كسبه) أى: كسب الموقوف الجانى خطاًً؛ لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه. ولتعذر تعلقه برقبته؛ لكونه لا يمكن بيعه.

وقيل: أرش جنايته في بيت المال كأرش جناية الحر- المعسر. وضعفه في

" المغني " بأن الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة تحملها العاقلة عند عدمها. وجناية العبد لا تحملها العاقلة.

(1)

فى أوب: صادر.

ص: 204

[فصل: في الرجوع إلى شرط الواقف]

(فصل. ويُرجع) بالبناء للمفعول عند التنازع في شيء من أمر الوقف (إلى شرط واقف)؛ كقوله: شرطت لزيد كذا ولعمرو كذا؛ " لأن عمر رضي الله تعالى عنه شرط في وقفه شروطاً ". فلو لم يجب اتباعها لم يكن في اشتراطها فائدة. ولأن ابتداء الوقف مفوض إلى واقفه فاتبع شرطه.

(ومثله) أى: مثل الشرط الصحيح في حكم وجوب الرجوع إليه.

(أستثناء).

قال في " الإنصاف ": والاستثناء كالشرط، على الصحيح من المذهب.

نص عليه.

وقيل: لا. انتهى.

فلو وقف شيئا على جماعة؛ كأولاده أنه إخوته أنه قبيلة واستثنى إنساناً منهم

لم يكن له شيء.

(و) مثل الشرط أيضاً (مخصص من صفة)؛ كما لو وقف شيئاً على الفقهاء أنه المساكين أنه قبيلة فإنه يختص بهم فلا يشاركهم من سواهم. وإلا لما كان لتخصيصه فائدة.

(و) مثل الشرط في حكم الرجوع إليه مخصص من (عطف بيان)؛ لأنه مشبه للصفة في أيضاًج متبوعه وعدم استقلاله.

فمن وقف على ولده أبي محمد بن عبد الل هـ وفي أنهلاده من كنيته أبو محمد غيره اختص به عبد الله.

(و) مثله في الحكم أيضا ً مخصص من (توكيد)؛ كما لو وفف على أنهلاد

زيد نفسه. فإنه لا يدخل أولاد أولاده.

ص: 205

وكذا مخصص من (بدل)، كمن له أربعة أولاد، وقال: وقفت هذا على ولدي فلان وفلان وفلان، وعلى أولاد أولادي: فإن الوقف يكون على الثلاثة وأولاد الأربعة، لأنه ابدل بعض الولد وهو فلان وفلان وفلان من اللفظ المتناول للجميع وهو ولدي فاختص بالبعض المبدل وهو فلان وفلان وفلان " كما لو قال: على ولدي فلان. وذلك لأن بدل البعض يوجب اختصاص الحكم به " كقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)[آل عمران: 97] لما خص المستطيع بالذكر اختص الوجوب به. ولو قال:

ضربت زيداً رأسه، أنه رأىت زيداً وجهه: اختص الضرب بالرأس، والروية بالوجه.

قال في " المغني ": ومنه قوله تعالى: (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ)

[الأنفال: 37]. وقول القائل: طرحت الثياب بعضها فوق بعض. فإن الفوقية تختص بالبعض مع عموم اللفظ الأول. كذا هاهنا.

وخالف القاضي فقال بدخول من لم يسم. واحتج بأن قوله ولدي يستغرق الجنس فيعم الجمييع. وقوله: فلان وفلان وفلان تأكيد لبعضهم. فلا يوجب إخراج بقيتهم، كالعطف في قوله:(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ)[البقرة: 98]. ورده في " المغني " بأن عطف

الخا ص على العام يقتضي تأكيده لا تخصيصه. انتهى.

ولو قال: وقفت على ولدي فلان وفلان ثم الفقراء لا يشمل ولد ولده. وقيل: بلى.

(و) مثل ما تقدم في الحكم مخصص من (نحوه)؛ كتقديم الخبر " مثل

أن يقول واقف داره على أولاد هـ: والساكن منهم عند حاجته بلا أجرة فلان. (و) كذا مخصص من (جار) ومجرور (نحو على أنه، وبشرط أنه، ونحوه)، كقوله: لكن أن كان كذا فكذا.

(فلو تعقب) الشرط (جملاً عاد إلى الكل).

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. وقد ذكر المصنف في

" المغني " وجهين في قوله: أنت حرام، ووالله لا اكلمك أن شاء الله. انتهى.

ص: 206

(وفي عدم إيجاره) أى: الوقف. وهذا الجار متعلق بقوله يرجع المذكور

في أول الفصل، (أو قدر مدته) أى: الآيةجار يعني: أن الواقف لو شرط أن لا يؤجر الوقف أبداً أنه شرط أن لا يؤجر إلا مدة كذا رجع إلى شرطه.

(و) يجب الرجوع أيضاً إلى شرط الواقف (في قسمته) أى: الوفف فلو وقف على أولاد هـ وشرط لأحدهم النصف ولاخر الثلث ولآخر السدس ونحو ذلك: اتبع شرطه. وقال في " الفروع " بعد أن قدم الرجوع إلى شرط الواقف مطلقاً: واختار شيخنا لزوم العمل بشرط مستحب خاصة. وذكره ظاهر المذهب؛ لأنه لا ينفعه ويعزر عليه. فبذل المال فيه سفه ولا يجوز.

ثم قال: وقال شيخنا: ومن قدر له الواقف شيئاً فله أكثر أن استحقه بموجب الشرع. وقال: الشرط المكروه باطل اتفاقا.

ثم قال: قال شيخنا: قول الفقهاء: نصرصه كنصوص الشارع: يعني:

في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل. مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب أنه لغة الشارع أنه لا.

وقال: ولا خلاف أن من وقف على صلاه أنه صيام أنه قراءة أنه جهاد غير شرعي ونحوه: لم يصح. والخلاف في المباح؛ كما لو وقف على الأغنياء. لا يُخَرَّج مثله هنا؛ لأنه يفعل؛ لأنه مباح. ولا يجوز اعتقاد غير المشروع مشروعاً وقربة وطاعة واتخاذه دينا. والشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم يفض ذلك إلى الإخلال بالمقصود الشرعي. ولا تجوز المحافظة على بعضها مع فوات المقصود بها. قال: ومن شرط في القربات أن يقدم فيها الصنف المفضول فقد شرط خلاف شرط الله؛ كشرطه في الإمامة تقديم غير الأعلم. فكيف إذا شرط أن يختص بالصنف المفضول. انتهى.

(و) يرجع إلى شرط الواقف أيضاً على المذهب في (تقديم بعض أهله).

أى

(1)

: أهل الوقف؛ (كـ) وقفت هذا (على زيد وعمرو وبكر. ويبدا بالدفع

(1)

في أ: إلى

ص: 207

إلى زيد. أنه) وقفت (على طائفة كذا، ويُبدأ بالأصلح، ونحوه)؛ كيًبدأ بالأفقه أنه الأدين أنه المريض أنه الفقير.

(و) يُرجع إليه أيضاً في (تأخير عكسه) يعني: أن التاً خير عكس التقديم؛ كقوله: وقفت على أولادي يعطى منهم أولا ما سوى فلان كذا، ثم ما فضل لفلان. فلا يكون لفلان

(1)

المؤخر إلا ما فضل، وإن لم يفضل شيء سقط.

(و) يُرجع إلى شرطه أيضاً في (ترتيب؛ كجعل استحقاق بطن مرتباً على آخر)؛ مثل: أن يقف على أولاد هـ ثم أولاد هم.

(فالتقديم: بقاء الاستحقاق للمؤخر، على صفة: أن له ما فضل. وإلا)

أى: وإن لم يفضل شيء (سقط. والترتيب: عدمه) أى: عدم الاستحقاق (مع وجود المقدم).

ويُرجع إلى شرطه أيضاً في جمع وتسوية. فلو قال: وقفت هذا على جميع أولاد يقسم ر يعه بينهم بالسوية: عُمل به. وتركت ذكر ذلك لظهوره فإنه لو لم يقل: سوى وقفته على أولادي قسم على جميعهم بالسوية بينهم.

(و) يرجع إلى

(2)

شرطه أيضا ً في (إخراج من شاء من أهل الوقف) مطلقاً

(أنه بصفة)؛ كوقفت هذا على بناتي. ومن تزوجت منهن

(3)

سقط حقها. . (وإدخال من شاء منهم) أى: من أهل الوقف مطلقاً؛ كوقفت هذا على أولادي أخرج من أشاء منهم وادخل من أشاء منهم.

(أنه بصفة)؛ كوقفت هذا على أولاد ي يصرف ريعه الأن للفقراء

(4)

منهم مع

من افتقر بعد الآن.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: على.

(3)

في أ: منهم.

(4)

في أ: إلى الفقراء.

ص: 208

و (لا) يجوز شرط (إدخال من شاء من غيرهم) أى: غيرأهل الوقف (كشرطه تغيير شرط). وعبارته في " التنقيح " كما في المتن. وظاهرها: أن الحكم فيما إذا شرط ذلك لنفسه أنه لغيره وأحد لا يختلف.

وقال في " الإنصاف ": ظاهر قوله- يعني: صاحب " المقنع "-: وإخراج

من شاء بصفة وإدخاله بصفة: أن الواقف لو شرط للناظر إخراج من شاء بصفة من أهل الوقف وإدخال غيره بصفة منهم: جاز؛ لأنه ليس بإخراج للموقوف عليه من الوقف وإنما علق الاستحقاق بصفة فكأنه جعل له حقا في الوقف إذا اتصف بإرادة الناظر ليعطيه ولم يجعل له حقا اذا أنتفت تلك الصفة فيه.

وإن شرط له أن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم:

لم يصح؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فاًفسده؛ كما لو شرط أن لا يُنتفع به. قال ذلك المصنف ومن تابعه. انتهى.

وعبارته في " الفروع ": وإن شرط للناظر إخراج من شاء منهم وإدخال من

شاء من غيرهم: بطل لمنافاته مقتضاه. انتهى.

فتحرر أن المسألة مفروضة في " الفروع " و" الإنصاف " فيما شرط ذلك للناظر. وكلامه في " التنقيح " أعم. ويؤيد ما في " التنقيح " تعليلهم للحكم. فلهذا تبعته في العبارة. والله أعلم.

وفرَّق الموفق بين هذه المسألة وبين مساً لة إدخال من شاء منهم في الحكم.

وهو المعتمد. فإن هذه المسألة تعليق لمنع الاستحقاق أنه للاستحقاق على صفة هي مشيئته أنه غيرها؛ كما لو وقفه ابتداء على المشتغلين من ولده فإنه يستحقه المشتغل دون غيره. فمن ترك الاشتغال زال استحقاقه فإن عاد إليه عاد استحقاقه. ذكره في " المغني " و" الشرح ".

قال في " الفروع ": وقال الحارثي: الفرق لا يتجه.

وقال شيخنا: كل متصرف بولاية إذا قيل يفعل ما يشاء

(1)

فإنما هو لمصلحة

(1)

فى أ: شاء.

ص: 209

شرعية، حتى لو صرح الواقف بفعل ما يهواه أنه ما

(1)

يراه مطلقاً: فشرط باطل لمخالفته الشرع. وغايته أن يكون شرطاً مباحاً. وهو باطل على الصحيح المشهور. حتى لو تساو عملان عمل بالقرعة. وإذا قيل هنا بالتخيير فله وجه. انتهى.

(و) يُرجع إلى شرط واقف (في ناظره) أى: الوقف؛ " لأن عمر جعل وقفه إلى بنته حفصة رضي الله تعالى عنها. ثم يليه ذوي الرأى من أهلها"

(2)

.

ولأن مصرف الوقف يتبيع فيه شرط واقفه. فكذا في نظره.

(و) في (أنفاق عليه) إذا خرب أنه إذا كان حيواناً بأن يقول: يعمر أو ينفق

عليه من جهة كذا.

(و) في (سائر) أى: باقي (أحواله) لأنه ثبت بوقفه. فوجب أن

يتبع فيه شرطه؛ وذلك (كـ) ما لو شرط: (أن لا ينزل فيه فاسق، ولا شرير، ولا مُتَجَوّه، ونحوه)؛ كأن لا ينزل فيه من يرى بخلق القرأن فإنه يعمل بذلك.

قال في " الفروع ": وإلا توجه أن لا يعتبر في فقهاء ونحوهم. انتهى.

(و) على اعتباره بالرجوع إلى تخصيص الواقف: (أن خصص مقبرة أنه رباطاً أنهمدرسةً أو إمامتها، بأهل مذهب، أنه) باًهل (بلد، أنه) ب (قبيلة: تخصّص. "،) بهم.

قال في " الإنصاف ": لو خصص المدرسة بأهل مذهب أنه بلد أنه قبيلة تخصصت. وكذلك الرباط والخانقاه والمقبرة كذلك. وهذا المذهب، جزم به في " التلخيص " وغيره وصححه الحارثي وغيره.

قال الحارثي: وذكر بعض شيوخنا في كتابه احتمالا بعدم الاختصاص.

(1)

في أ: يفعل ما يهواه أو كما.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2878) 3: 16 1 كتاب الوصايا. باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف.

ص: 210

) لا المصلين بها) يعني: لو خصص واقف المدرسة المصلين بها بذي مذهب بأن قال: ليصلي فيها الحنابلة أو الحنفية أو المالكية أو الشافعية فقط: لم تتخصص بأهل ذلك المذهب على الصحيح من الوجهين.

قال في " الإنصاف ": وإن خصص المصلين فيه- يعني: المسجد- بمذهب فقال في " التلخيص ": يختص بهم على الأشبه، لاختلاف المذاهب في أحكام الصلاة.

قال الحارثي: وقال غير صاحب " التلخيص " من

(1)

متاً خري الأصحاب:

يحتمل وجهين. وقوى الحارثي عدم الاختصا صقلت: وهو الصواب.

قال في " الفائق ": قلت: واختار ابن هبيرة عدم الاختصاص في المسجد بمذهب في الإمام.

قال في " الفروع ": وقيل: لا تتعين طائفة وقف عليها مسجداً ومقبرة " كالصلاة فيه.

وقال أبو الخطاب: يحتمل أن عين

(2)

من يصلي فيه من أهل الحديث أنه يدرس العلم: اختص. وإن سلم فلأنه لا يقع 0 التزاحم بإشاعته. ولو وقع فهل هو أفضل، لأن الجماعة تراد له. انتهى.

(ولا الإمامة) أى: لا تتخصص (بذي مذهب مخالف. لظاهر السنة).

قال في " الإنصاف ": وأما المسجد فإن عين لإمامته شخصاً تعين، وإن خصص الإمامه بمذهب تخصصت به. ما لم يكن في شيء من احكام الصلاة مخالفا لصريح السنة أنه ظاهرها. سواء كان لعدم الاطلاع أو لتأويل ضعيف. انتهى. - ولو وجد في كتاب وقف: أن رجلاً وقف على فلان وعلى بني بنيه.

(1)

في أ: في.

(2)

في أ: أن يعين

ص: 211

واشتبه: هل المرا. د بني بنيه جمع ابن أو بنى بنت

(1)

واحدة البنات؟ فقال ابن عقيل في " الفنون " يكون بينهما عندنا؛ لتسأنهيهما كما في تعارض البينات.

قال الشيخ تقي الدين: ليس هذا من تعارض البينتين. بل هو بمنزلة تردد البينة الواحدة. ولو كان من تعارض البينتين فالقسمة عند التعارض رواية مرجوحة. وإلا فالصحيح إما التساقط وإما القرعة. فيحتمل أن يقرع هنا، ويحتمل أن يرجح بنو البنين؛ لأن العادة أن الإنسان إذا وقف على ولد بنيه لا يخص منهما الذكور

(2)

بل يعم أولاد هما. بخلاف الوقف على ولد الذكور فإنه يخص ذكورهم كثيرا كآبائهم.

ولأنه لو أراد ولد البنت لسماها باسمها أنه لشرك بين ولدها وولد سائر بناته. قال: وهذا أقر ب إلى الصواب. نقله عنه في " الإنصاف ".

ونقل عنه أيضاً: أنه أفتى فيمن وقف على أحد أولاد هـ وله عدد أولاد وجهل اسمه أنه يميز بالقرعة.

(ولو جهل شرطه) أى: الواقف؛ كما لو قامت بينة بالوقف دون شروطه: (عمل بعادة جارية، ثم عُرْفٌ)؛ لأن العادة المستمرة من العرف المستقر في الوقف يدل على شرط الواقف أكثر مما يدل لفظ الاستفاضة. قاله الشيخ تقي الدين.

(ثم) أن لم تكن عادة ولا عرف ببلد الواقف؛ كما لو كان ببادية ليس لها

عادة ولا عرف: (التساوى) أن يتساوى فيه بين المستحقين؛ لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل. فوجبت التسوية.

وقيل: يسوى بينهم مطلقاً. ذكره في " الكافي " من غير قيد.

(فإن لم يشترط) الواقف (ناظراً) على الموقوف أنه شرطه لمعين فمات: (فـ) نظره (للموقوف عليه المحصور كل) منهم ينظر (على حصته)؛

(1)

في ب: بنته.

(2)

في ا: الذكر

ص: 212

كالملك المطلق المشترك. سواء كان عدلاً أنه فاسقاً؛ لأنه ملكه وغلته له. وقيل: يضم إلى الفاسق أمين حفظاً لأصل الوقف عن الضياع.

وإن كان الموقوف عليه محجوراً عليه لصغر أو سفه قام وليه مقامه.

(وغيره) أى: غير الوقف على المحصور؛ (كـ) الموقوف (على مسجد، ونحوه)؛ كعلى الفقراء: فنظره (لحاكم) يلي بلد الموقوف؛ لأنه ليس له مالك معين.

وقيل: أن النظر مع عدم تعيينه لأحد أنه عدم من عينه: للحاكم مطلقاً. والمراد حاكم بلد الموقوف.

ووجه كونه للحاكم مع عدم المعين؛ لأنه يتعلق به حق الموجودين وحق من

ياً تي من البطون. وبناه الموفق

(1)

ومن تبعه على الملك وعدمه. فإن قلنا: الملك للموقوف عليه فالنظر له، وإن قلنا: لله تعالى فالحاكم يتولاه؛ لأنه ليس له مالك معين. وللحاكم أن يستنيب فيه.

(ومَن) من الواقفين (اطلق النظر للحاكم)؛ لعدم تقييده بكونه شافعياً أو حنفياً أو مالكياً أو حنبلياً: (شمل) لفظ الحاكم أى حاكم كان. (سواء أكان مذهبه) أى: الحاكم الذي شمله اللفظ (مذهب حاكم البلد زمن الواقف، أم لا). وإلا لم يكن له نظر إذا انفرد. وهو باطل اتفاقاً. قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في " الفروع ".

قال في " الإنصاف ": وقد أفتى الشيخ نصر الله الحنبلي والشيخ برهان الدين

ولد صحاحب " الفروع " في وقف شرط وافقه: أن النظر فيه لحاكم المسلمين كائنا من كان: بأن الحكام إذا تعددوا يكون النظر فيه للسلطان. يوليه من شاء للمتأهلين لذلك.

ووافق على ذلك القاضي سراج الدين البلقيني، وشهاب الدين الباعونى،

وابن الهائم، والمقهني الحنفي، والبساطى المالكي.

(1)

في أ: الموقوف.

ص: 213

وقال القاضي نجم الدين ابن حجر نقلاً وموافقة للمتأخرين: إن كان صادراً

من الواقف قبل حدوث القضاة الثلاثة. فالمراد: الشافعي، وإلا فهو الشافعي أيضاً على الراجح. انتهى كلامه في " الإنصاف ".

(ولو فوَّضه) أى: النظر (حاكم) لإنسان: (لم يجز لـ) حاكم (اخر نقضه)، جزم به في " الفروع " و" الإنصاف ".

قلت: ولعل وجهه:. أن الأصمحاب قاسوا التفويض على حكم الحاكم قبله. والله أعلم.

(ولو ولى كل منهما) أى: من الحاكمين

(1)

(لنظر شخصاً) وتنازعاه الشخصان: (قَدَّمَ وَلِّي الأَمر) وهو السلطان من الشخصين (أحقهما) به. قطع به في " الفروع " و" الإنصاف ".

أما كون النظر لا يتجاوز به إلى غيرهما " فلتعلق حق كل منهما به.

وأما كونه يقدم الأحق منهما به ولا يشتركان " لأن كلاً منهما إنما وَلِيَّ لينظر

فيه على أنفراده. فكان أحقهما أولى بذلك.

واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا يجوز لواقف شرط النظر لذي مذهب معين دائماً.

وقال أيضاً: ومن وقف على مدرس وفقهاء فللناظر ثم الحاكم تقديرأعطيتهم فلو زاد النماء فهو لهم. والحكم بتقديم مدرس أنه غيره باطل لم نعلم أحداً يعتد به قال به ولا بما يشبهه ولو نفذه حاكم

(2)

" لأنه إنما يجوز أن ينفذ حكم من هوأهل. لحكمه مساغ. والضرورة وإن ألجأت إلى تنفيذ حكم المقلد فإنما هو إذاً وقف على حد التقليد ولم يتجاسر على قضية لو نزلت على عمر لجمع لها أهل الشورى. وبطلانه لمخالفته مقتضى الشرط والعرف أفيد " لأنه لا يقصد.

(1)

في أو ب: حاكمين.

(2)

في أوب: حكام.

ص: 214

ولأنه حكم في غير محل ولاية الحكم؛ لأن النماء لم يخلق. وليس هذا كحكمه أن مقتضى شرط الواقف كذا حيث ينفذ في حاضر ومستقبل؛ لأن ذاك نظر في موجب عقد الوقف. وليس تقدير الناظر أمراً حتماً كتقدير الحاكم بحيث لا يجوز له ولا لغيره زيادته ونقصه للمصلحة.

وإن قيل: أن المدرس لا يزاد ولا ينقص بزياده النماء ونقصه كان باطلاً "

لأنه لهم. والقياس أنه يسوى بينهم ولو تفاتوا في المنفعة كالإمام والجيش في المغنم. لا سيما عند من يسوي في قََسََم الفيء. لكن دل العرف على التفضيل. وإنما قدم القيم ونحوه؛ لأن ما ياً خذه أجره. ولهذا يحرم أخذه فوق أجرة

مثله بلا شرط. وجعل الإمام والمؤذن كالقيم. بخلاف المدرس والمعيد والفقهاء فإنهم من جنس واحد.

قال في " الفروع ": وذكر بعضهم في مدرس وفقهاء ومتفقهة وإمام وقيم ونحو ذلك يقسم بينهم بالسوية. ويتوجه روايتا عامل زكاة: الثمن أنه الأجرة. وقال: قال شيخنا: ولو عطل مغل وقف مسجد سنَة تقسطت المستقبلة عليها وعلى السنة الأخرى لتقوم الوظيفة فيهما. فإنه خيرٌ من التعطيل. ولا ينقص الإمام بسبب تعطل الزرع بعض العام. فقد أدخل مغل سنة في سنة. وافتى غير وأحد منا في زمننا فيما نقص عما قدره الواقف كل شهر أنه يتمم مما بعد. وحكم به بعضهم بعد سنين. ورأىت غير وأحد لا يراه.

قال شيخنا: ومن لم يقم بوظيفته غيره من له الولاية لمن يقوم بها إذا لم ينب الأول. ويلتزم بالواجب. ويجب أن يولي في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعاً. وإن يعمل ما يقدر عليه من عمل واجب.

وفي " الأحكام السلطانية ": ولاية الإمامة طريقها الأولى لا الوجوب. بخلاف توليه القضاء والنقابة؛ لأنه لو تراضى الناس بإمامهم ليصلي بهم صح. ولأن الجماعة في الصلاه سنة عند كثير، ولا يجوز أن يؤم في المساجد السلطانية وهي الجوامع إلا من ولاه السلطان؛ لئلا يفتات عليه فيما وكل إليه.

ص: 215

وفي " الرعاية ": إن رضوا بغيره بلا عذر كره، وصح في المذهب.

قال القاضي: وإن غاب من ولاه فنائبه أحق. ثم من رضيه أهل مسجد لتعذر إذنه. وتقليد المؤذن إلى هذا الإمام ما لم يصرف عنه؛ لأنه من

(1)

سنة ما ولي القيام به

(2)

. ويعمل برأيه واجتهاده في الصلاة لا تجوز معارضته فيه. وله أن يأخذ المؤذن بهما في الوقت والأذان.

وأقل ما يعتبر في هذا الإمام العدالة والقراءة الواجبة والعلم باًحكام الصلاة.

وفي جواز كون الإمام في الجمعة عبداً روايتان. فدل أنه إن جاز صحت ولايته فكذا العدالة وغيرها.

وقال شيخنا: قد تجوز الصلاة خلف من لا تجوز توليته. وليس للناس أن يُولّوا عليهم الفساق وإن نفذ حكمه أنه صحت الصلاة خلفه.

وقال أيضاً: اتفقت الأئمة على كراهة الصلاة خلفه. واختلفوا في صحتها،

ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته.

وما بناه هل الشوارع والقبائل من المساجد فالإمامة لمن رضوه. لا اعتراض للسلطان عليهم. وليس لهم صرفه ما لم يتغير حاله. وليس له أن يستنيب أن غاب. انتهى كلامه في " الفروع ".

(1)

في أ: في.

(2)

في أ: للقيام

ص: 216

(فصل) في مسائل من أحكام الناظر

(وشرُط) بالبناء للمفعول (في ناظر) مطلقاً (إسلامٌ). قطع في

الإنصاف " و" التنقيح " باشتراط الإسلام في الناظر من غير تفصيل فيه وقال في " المغني ": ومتى كان النظر للموقوف عليه إما بجعل الواقف ذلك

له أو لكونه أحق بذلك، رجلاً كان أنه امراة، عدلاً كان أو فاسقاً؛ لأنه ينظر لنفسه فكان له ذلك في هذه الأحوال كالطلق. انتهى.

فقوله: لأنه ينظر لنفسه، وقوله: كالطلق يدل على عدم اشتراط الإسلام.

فإن الذمي المكلف الرشيد ينظر لنفسه في ملكه.

وقوله: لكونه أحق بذلد يعني: لأنه ملكه

(1)

ونفعه له. فكان نظره كملكه الطلق؛ كما صرح فيه قبل ما تقدم من عبارته بيسير. وعدم اشتراط الإسلام في صورة " المغني " أظهر. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(وتكليفٌ)؛ لأن غير المكلف لا ينظر في ملكه الطلق. ففي الوقف أولى. فإن لم يشرط الواقف ناظرا وكان الموقوف عليه صغيرا أنه مجنونا قام وليه في المال مقامه في النظر إلى أن يصيرأهلاً.

(وكفاية لتصرف، وخبرة به) أى: بالتصرف، (وقوةٌ عليه)؛ لأن مراعاة حفظ الوقف مطلوبة شرعا. وإن لم يكن الناظر متصفا بهذه الصفة لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف.

(ويضم لضعيف) تعين كونه ناظرا: إما لشرط الواقف، أنه لكون الوقف عليه (قوي امين)، ليحصل المقصود.

(1)

في أ: لكونه أحق بذلك لملكه

ص: 217

(و) شرط (في) ناظر (أجنبي) أى: غير موقوف عليه. سواء كانت (ولايته من حاكم)؛ كما لو وقف إنسان شيئاً على جماعه غير محصورين ولم يعين ناظراً ففوضه الحاكم إلى إنسان، (أنه) كان تفويضه من (ناظرٍ) بجعل الواقف له ذلك، أنه بدونه أن جاز للوكيل التوكيل زيادة على الشروط المتقدمة:(عدالةٌ) في المفوض إليه النظر.

قال الحارثي: بغير خلاف علمته، لأنها ولاية على مال. فاشترط لها العدالة، كالولاية على مال اليتيم.

(فإن) فُوِّض إليه مع عدالته ثم (فََسَق) بعد ذلك: (عُزل) بالبناء للمفعول، لأنها ولاية على حق غيره فنافاها الفسق.

(و) أن تلقى النظر أجنبي (من واقف. وهو) أى: الأجنبي (فاسق،

أنه) كان حالة جعل النظر له عدلا ثم (فسق): فإنه (يضم إليه امين) يتحفظ به الوقف. ولم تزُل يده، لأنه أمكن الجميع بين الحقين.

وقيل: لا تصح ولايته أن كان فاسقا. وينعزل أن كان عدلاً ففسق

(1)

.

وقيل: يعزل. فإن عاد عاد حقه كمصرج به وكالموصوف.

قال في " المغني ": وإن ولاه الواقف وهو فاسق أنه ولاه وهو عدل فصار فاسقاً ضم إليه امين يتحفظ به الوقف. ولم تزل يده، لأنه أمكن الجمع بين الحقين. ويحتمل أن لا تصح توليته، وأنه ينعزل إذا فسق في أثناء ولايته" لأنها ولاية على حق غيره فنافاها الفسق، كما لو ولاه الحاكم، وكما لو لم يمكن حفظ الوقف منه مع بقاء ولايته. فإنه متى لم يمكن حفظه منه أُزيلت ولايته. فإن مراعاة حفظ الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه. انتهى.

(وإن كان) النظر (لموقوف عليه: بجعله) أى: جعل الواقف النظر (له) أى: للموقوف عليه، (أنه لكونه) أى: الموقوف عليه الوقف (أحق)

(1)

ساقط من أ. ج

ص: 218

بالنظر؛ (لعدم) تعيين (غيره: فهو) أى: الموقوف عليه (أحق) بالنظر (مطلقاً) أى: سواء كان عدلاً أنه فاسقاً. ويشمل الإطلاق المسلم والكافر. مع أن قوله: مطلقا عبارة " التنقيح ". وتقدم الكلام على ذلك.

(ولو شَرَطه) أى: شرط النظر (واقف لغيره: لم يصح عزله) إياه (بلا شرط)؛ كإخراج بعض الموقوف عليهم بدون الشرط.

(وإن شَرَطه) أى: شرط الواقف النظر على وقفه (لنفسه) فقط، (ثم جعله لغيره، أنه أسنده أنه فوَّضه) بأن قال: جعلته لفلان أنه اسندته إليه أنه فوضته (إليه: فله) أى: للواقف (عزلُه) أى: المجعول إليه أنه المسند إليه أنه المفوض إليه؛ لأنه نائبه. أشبه الوكيل.

وقيل: لا.

وأطلقهما في " الفروع ".

(ولناظر بأصالةٍ؛ كموقوفٍ عليه وحاكم) لم يعين الواقف ناظراً غيره (نصبُ وعزلٌ) أى: نصب ناظر وعزله لأصالة الولاية. أشبه المطلق التصرف في مال نفسه، وتصرف الحاكم في مال اليتيم.

(لا ناظرٍ بشرط)؛ لأن نظره مستفاد بالشرط ولم يشرط له شيء من ذلك.

ولو مات الناظر بالشرط في حياة الواقف لم يملك الواقف نصب غيره بدون شرط وإنتقل الأمر إلى الحاكم.

(ولا يوصي) ناظر بشرط (به) أى: با لنظر.

قال في " الإنصاف ": نص عليه في رواية الأثرم؛ لأنه إنما ينظر بالشرط

ولم يشرط الإيصاء له. خلافاً للحنفية. انتهى.

(بلا. شرط) أى: شرط واقف. قلت: ومفهوم ذلك: أنه لو جعل له الواقف أن يوصي به صح إيصاؤه. والله أعلم.

(ولو أُسند) النظر (لاثنين: لم يصح تصرُّفُ أحدهما) دون الاخر (بلا شرط) من الواقف.

ص: 219

(وإن شَرَط) الواقف النظر (لكلِّ منهما) أى: من الاثنين بأن قال: جعلت النظر لكل وأحد منكما.-

[(أنه) جعل (التصرف لواحد و) جعل (اليد لآخر]

(1)

.

أنه) جعل (عمارته لوأحد و) جعل (تحصيل ريعه لاخر: صح)، وملك

كل وأحد منهما فعلَ ما شرط له. ذكر معثاه الحارثي.

(ولا نظر لحاكم مع ناظر خاص).

قال في " الفروع ": ولا نظر لغيره معه. أطلقه الأصحاب، وقاله شيخنا. ويتوجه مع حضوره. فيقرر حاكم في وظيفة خلت في غيبته " لما فيه من القيام بلفظ الواقف في المباشرة ودوام نفعه. فالظاهر: أنه يريده. ولا حجة في تولية الأئمة مع البعد لمنعهم غيرهم التولية. فنظيره

(2)

منع الواقف التولية لغيبة الناظر. انتهى.

وعلى هذا لو ولى الناظر الغائبُ إنساناً وولى الحاكم آخر قدم الأسبق تولية منهما (لكن: له) أى: للحاكم (النظر العام. فيعترض عليه) أى: على الناظر الخاص (أن فعل ما لا يسوغ) فعله.

(وله) أى: وللحاكم أيضا ً (ضم أمين) إلى الناظر الخاص (مع تفريطه أنه تهمته، ليحصل المقصود) من الوقف، واستصحاب يد من أراده الواقف. (ولا اعتراض لأهل الوقف على) ناظر (أمين) ولاَّه الواقف.

قال في " الإنصاف ": قال الأصحاب: لا اعتراض لأهل الوقف على من ولَّاه الواقف إذا كان أميناً. ولهم مساًلته عما يحتاجون إلى علمه من أمر وقفهم حتى يستوي

(3)

علمهم وعلمه فيه. انتهى.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: فنظره.

(3)

فى أوب: يستوفي.

ص: 220

(ولهم المطالبة بأنتساخ كتاب الوقف)؛ ليكون في أيديهم وثيقة لهم. (وللناظر الاستدانةُ عليه) أى: على الوقف (بلا إذن حاكم لمصلحة؛ كشراءه للوقف نسيئة، أنه بنقد لم يعينه).

قال في " الفروع ": ويتوجه في قرضه مالاً كولِّي.

(وعليه) أى: على الناظر. سواء كان الحاكم أنه غيره (نصبُ مستوفٍ للعمال المتفرقين: أن احتيج إليه، أنه لم تتم مصلحة إلا به). وقد يستغني عن ذلك لقل العمال ومباشرة الإمام المحاسبة بنفسه كنصب الإمام للحاكم. ولهذا كان النبي

(1)

في المدينة يباشر الحكم واستيفاء الحساب بنفسه ويولي مع البعد. ذكره الشيخ تقي الدين.

(1)

ساقط من أ.

ص: 221

[فصل: في وظيفة الناظر]

(فصل. ووظيفتُه) أى: النا ظر (حفظُ وقفٍ، وعمارتًه، وأيجارُه، وزرعًه، ومخاصمةً فيه، وتحصيلُ ريعهِ: من أجرة أو زرع أو ثمر. والاجتهاد في تنميته وصرفه في جهاته) بما يحصل به تنميته: (من عمارة وإصلاج.

(و) وظيفتُه أيضاً (إعطاءُ مستحقِ، ونحوه)؛ كشراء طعام

(1)

وشراب شرط الواقف فعله من

(2)

ريع الوقف؛ لأن الناظر هو الذي يلي الوقف وحفظه وحفظ ريعه. وتنفيذ شرط واقفه وطلب الحظ فيه مطلوب شرعاً. فكان ذلك إلى الناظر.

(وله وضع يده عليه) أى: على الوقف وريعه.

(و) له (التقرير في وظائفه.

ومَن قُرِّر) بالبناء للمفعول في وظيفة تقريراً (على وقف الشرع: حَرُم) على الناظر وغيره (صرفُه) عنها (بلا موجب شرعي) يقتضى ذلك.

وإن حكم حاكم بمحضر بوقف

(3)

فيه شروط ثم ظهر كتاب وقف فيه ما ينافي المحضر المذكور وجب تبوت كتاب الوقف أن أمكن والعمل به.

فائدة:

لو تصادق المستحقون لوقف على شيء من مصارفه ومقادير استحقاقهم فيه

(1)

في أ: الطعام.

(2)

في أ: مع.

(3)

في أ: بموقف.

ص: 222

ونحو ذلك ثم ظهر كتاب وقف منافٍ لما وقع التصادق عليه عُمل بما

(1)

في كتاب الوقف، ولغا ما في التصادق. أفتى بذلك ابن رجب.

(ولو أجرَّه) أى: أجر الناظر الوقف (باً نقص) من أجرة المثل: (صح) العقد (وضمن النقص) أن كان المستحق غيره؛ لأنه متصرف في مال غيره على وجه الحظ. فضمن ما نقصه بعقده؛ كالوكيل إذا أجر ما نقص من اجرة المثل، أنه باع بدون ثمن المثل.

ولا بد في النقص المضمون أن يكون أكثر مما لا يتغابن به في العادة، كما

قيل في الوكيل.

قال (المنقح) عقب هذه المساًله: قلت: (أنه غرَس أو بنى فيما هو وقفٌ عليه وحده: فهو له محترم. وإن كان شريكاً، أو له النظر فقط: فغير محترم) بمعنى أنه إذا أراد إبقاءه في أرض الوقف بغير رضى أهله لم يجب إلى ذلك.

(ويتوجه: أن اشهد، وإلا فللوقف.

ولو غرسه للوقف، أنه من مال الوقف: فوقف. ويتوجه في غرس أجنبي:

أنه للوقف بنيته). انتهى كلام المنقح.

قال في " الفروع "، وذكرها في " الإنصاف " فائده اخر كتاب الوقف: وإن

بنى أنه غرس ناظر في وقف: توجه أنه له أن أشهد، وإلا للوقف

(2)

. ويتوجه في أجنبي: للوقف بنيته.

وقال شيخنا: يد الواقف ثابتة على المتصل به ما لم تأت حجة تدفع موجبها؛ كمعرفة كون الغارس غرسها له بحكم إجارة أنه إعارة أنه غصب. ويد المستاًجر على المنفعة. فليس له دعوى البناء بلا حجة، ويد أهل عرصة مشتركة ثابتة على ما فيها بحكم الاشتراك، إلا مع بينة باختصاصه ببناء ونحوه. انتهى.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: فللو قف.

ص: 223

والذي يظهر: أن كلام المنقح مأخوذ من كلام صاحب " الفروع ".

والله أعلم.

(ويُنفق على) موقوف (ذي روج)، كالرقيق والخيل (مما عين واقف) الأنفاق منه. رجوعاً إلى شرط الواقف.

(فإن لم يُعيَّن) الواقف محلاً للنفقة: (فـ) نفقته (من غلته)، لأن الوقف اقتضى تحبيس أصله وتسبيل منفعته، ولا يحصل ذلك إلا بالأنفاق عليه. فكان ذلك من ضرورته.

(فإن لم يكن) له غلة لضعف به أنه غير ذلك: (ف) نفقته (على موقوف

عليه معين)، لأنه ملكه.

قال في " المغني ": ويحتمل وجوبها في بيت المال.

(فإن تعذر) الأنفاق من الموقوف عليه لعجزه أنه غيبته أنه غيرهما: (بيع) الموقوف، (وصرف ثمنه في عين يكون وقفاً لمحل الضرورة).

قال في " الفروع ": ونقل أبو داود في الحبيس: أنه ينفق ثمنه على الدواب الحبيس

(1)

.

وهذا إذا لم يمكن

(2)

إيجاره، (فإن امكن إيجاره، كعبد أو فرس: أُوّجِر)

مدة (بقدر نفقته)؛ لأندفاع الضرورة المقتضية للبيع بذلك.

(ونفقة ما) أى: حيوان موقوف (على غير معين، كلالفقراء، ونحوهم)؛ كالمساجد تؤخذ (من بيب المال)، لأن الأنفاق هنا من المصالح.

(فإن تعذر) الأخذ من بيت المال: (بيع) الموقوف وصرف ثمنه في مثله، (كما تقدم) فيما إذا كان على معين وتعذر الأنفاق عليه بكل حال.

(وإن كان) الموقوف (عقاراً) واحتاج إلى عمارة: (لم تجب عمارته

بلا شرط).

(1)

في أوب: الحبس.

(2)

في ج: يمكنه.

ص: 224

قال في " الإنصاف ": وإن كان الوقف لا روح فيه، كالعقار ونحوه ة لم تجب عمارته على أحد مطلقاً. على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به الحارثي وغيره.

قال في " التلخيص ": إلا من يريد الأنتفاع به فيعمره باختياره.

وقال الشيخ تقي الدين: تجب عمارة الوقف بحسب البطون.

(فإن شرطها) الواقف: (عُمل به) أى: بالشرط- (مطلقاً) على خسب

ما شرط. (ومع إطلاقها) أية العمارة نحو أن يقول

(1)

الواف: ويُعمر من ريعه ما أنهدم. ففي هذه الصورة ونحوها (تُقدم) العما رة (على أرباب الوظائف).

ثم فال (المنقح) في " التنقيح " قلت: (ما لم يُفض إلى تعطيل مصالحه. فيجمع بينهما حسب الإمكان).

وقال في " الفروع ": وتجب عمارته بحسب البطون. ذكره شيخنا. وذكر غيره: لا تجب كالطلق. وتقدم عمارته على أرباب الوظائف.

وقال شيخنا: الجمع بينهما حسب الإمكان أولى بل قد تجب. انتهى.

ونقل في " الإنصاف " عن الحارثي أنه قال: عمارة الوقف لا تخلو من

أحوال:

أحدها: أن شرط

(2)

البداءة بها كما هو المعتاد فلا إشكال في تقديمها.

الثانى: اشتراط تقديم الجهة عليها فيجب العمل بموجبه ما لم يؤد إلى التعطيل. وإن أدى إليه قدمت العمارة. فيكون عقد الوقف مخصصا للشرط. وهذا على القول ببطلان تاقيت الوقف. أما على صحته فتقدم الجهة كيف كان.

(1)

في أ: يقوم.

(2)

في ب: أن يشرط.

ص: 225

الثالث: شرط الصرف إلى الجهة في كل شهر كذا فهو في معنى اشتراط تقديمه على العمارة. فيترتب ما قلنا في الثانى.

الرابع: إيقاع الوقف على فلان أنه جهة كذا. وبّيض له. انتهى.

(ولو احتاج خانٌ مسبّل، أنه) احتاجت (درٌ موقوفة) وقفت

(لسكنى حاج، أو) سكنى

(1)

(غزاة، ونحوهم)؛ كسكنى أبناء السبيل أو المتصوفة (إلى مَرمَّة) أى: إصلاح: (أُوجّر) بالبناء للمفعول (منه) أى: من ذلك الموقوف جزء (بقدر ذلك) أى: بقدر ما يحتاج إلى مرمته لمحل

الضر ورة.

قال في (الفروع ": (وتسجيل كتاب الوقف من الوقف) كالعادة. ذكره شيخنا واقتصر عليه.

(1)

في أ: سكن.

ص: 226

(فصل) في أحكام صور من الوقف

(وإن وقَف) إنسانٌ شيئاً (على عدد معيّن)، كاثنين أو ثلاثة أو أكثر من

ذلك، (ثم) من بعد مَن عيّن على (المساكين. فمات بعضهم) أى: بعض من عين: (رُد نصيبه) أى: نصيب الذي مات (على من بقي) ممن عيّن؛ لأنه

ممن وقف عليه ابتداء.

ولأن استحقاق المساكين مشروط بأنقراض من عينه الواقف؛ لأنه مرتب بثم.-

(فلو مات الكل: فللمساكين) عملاً- بشرط الواقف.

(وإن لم يُذكر له) أى: للوقف على عدد معين (مال)؛ كما لو قال

إنسان: وقفت هذا على زيد وعمرو وبكر وسكت، (فمن مات منهم: صُرف

نصيبه إلى الباقي. ثم إن ماتوا جميعا: صرف مصرف المنقطع.

و) أن وقف إنسان شيئاً (على ولده) ثم المساكين، (أنه) وقفه على (ولد

غيره)؛ كعلى ولد زيد، (ثم المساكين: دخل) الأولاد (الموجودون) حا لة

الو قف (فقط) نصاً، (الذكور) منهم (والأناث) والخناثى؛ لأن اللفظ يشملهم (بالسويّة)؛ لأنه شرك بينهم. وإطلاق التشريك يقتضي التسوية؛ كما

لو أقر لهم بشيء، وكولد الأم في الميراث.

ولا يدخل فيهم الولد المنفي بلعان؛ لأنه ليس بولد شرعي.

وعنه: يدخل ولا حدث بأن حملت به امه بعد الوقف. اختاره ابن أبي

موسى وأفتى به ابن الزاغونى.

(و) دخل (ولد البنين) مطلقاً. سواء (وجدوا حالة الوقف أو لا)

على الأصح من الروايات؛ (كوصية)] لولد فلان ولم يوجد لفلان ولا ولد إلا.

ص: 227

بعد الوصية وقبل موت الموصي. أما إذا لم يوجد له ولد إلا بعد موت الموصي: فالوصية باطلة بغير خلاف، لعدم الموصى له عند موت الموصي]

(1)

.

قال في " الإنصاف ": في مسألة الوقف عن دخولهم مطلقاً: وهو المذهب. نص عليه في روايه المروذي ويوسف بن موسى ومحمد بن عبدالله المناوي، وجزم به في " الوجيز " وغيره.

قال الحارثي: المذهب دخولهم.

قال الناظم: وهو أولى. وقدمه الحارثي وصاحب " القواعد الفقهية " في القاعدة الثالثة والخمسين بعد المائة و" شرح ابن رزين ". واختاره الخلال وأبو بكر ابن عبد العزيز وابن أبي موسى وأبو الفرج الشيرازي والقاضي فيما علقه بخطه على ظهر " خلافه " وغيرهم. انتهى.

ووجه ذلك: أن "الله تعالى قال: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ النساء: 11] فدخل فيه ولد البنين وإن سفلوا.

ولما قال: (وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)[النساء: 11]. فتناول ولد البنين.

وكذلك كل موضع ذكر الله تعالى الولد دخل فيه ولد البنين فالمطلق من كلام الادمي إذا خلا عن قرينة ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى، ويفسر بما يفسربه.

ولأن ولد ولده ولد له. بدليل قول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ)[الأعراف: 31]

و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)[البقرة: 40].

وقال صلى الله عليه وسلم: " ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً "

(2)

.

(1)

زيادة من ج.

(2)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2815) 2: 941 كتاب الجهاد. باب الرمي في سبيل الله

ص: 228

وقال: " نحن بنو النضر بن كنانة "

(1)

.

والقبائل كلها تنسب إلى جدودها.

ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين. فكذلك إذا لم يكونوا قبيلة.

والراواية الثانية: لا يدخلون مطلقاً.

قال الموفق وابن أخيه: اختاره القاضي وأصحابه؛ لأن الولد حقيقة وعرفاً

إنما هو الولد للصلب. وإنما يسمى ولد الولد ولداً مجازاً. ولهذا يصح نفيه فيقال: ما هذا ولدي إنما هو ولد ولدي.

فعلى هذا أن عدم أولاده لصلبه أنتقل إلى المساكين.

وإن قال: على ولدي وولد ولدي ثم المساكين دخل البطن الأول والثانى دون الثالث.

وإن قال: على ولدي وولد ولدي وولد ولد ولدي دخل ثلاثة بطون دون من بعدهم.

والراواية الثالثة: يدخلون أن كانوا موجودين حالة الوقف وإلا فلا. قدمه في

" الرعايتين " و" الفائق " وقال: نص عليه. و" الحاوي الصغير ".

ومحل الخلاف: ما لم يقل على ولدي لصلبي، أنه على أولاد ي الذين يلونني. فإن قال ذلك لم يدخل ولد الولد بلا خلاف.

(و) حيبث ثبت دخول ولد البنين مع ابائهم في وقف فالأصح من الوجهين:

أنهم (يستحقونه مرتباً) بعد ابائهم؛ (كبطن بعد بطن)، أنه الأقر ب فالأقر ب، أنه الأول فالأول، ونحوه. " قدمه في " الفائق " وقال: هو ظاهر كلامه وصححه في " النظم " و" الفر وع ".

وقيل: يستحقون مع. ابائهم. وأطلقهما في "القواعدالفقهية".

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده- "(21591) 5: 211.

ص: 229

ومحل الخلاف: ما لم يكونوا قبيلة؛ كوقفت هذا على ولد النضر بن كنانة.

أنه يأتي بما يقتضي التشريك؛ كعلى أولاد ي وأولاد هم. فإنه لا ترتيب

(1)

.

(ولا يدخل ولد البنات) في الوقف على الولد.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به في

" المحرر " و" النظم " و" الوجيز " وغير هم. انتهى.

قال في " القواعد ": فاً ما ولد البنات ففيه وجهان للأصحاب: اختار الخرقي والقاضي: أنهم لا يدخلون. واختار أبو بكر وابن حامد دخولهم. ونص أحمد في رواية المروذي على أنهم لا يدخلون في الوقف على الولد. فمن الأصحاب من قال: لا يدخلون في مطلق الولد إذا وقع الاقتصار عليه ويدخلون في مسمى ولد الولد؛ لأنهم من ولد الولد حقيقة وليس بولد حقيقة. وهذه طريقة ابن أبي موسى والشيرازي ومال إليها صاحب " المغني ". انتهى.

(و) من وقف شيئاً (على عقبه. أنه) وقفه على (نسله. أنه) وقفه على (ولد ولده. أنه) وقفه على (ذريته: لم يدخل ولد البنات) في الوقف في هذه الصور؛ كما لو قال: وقفته على من ينسب إلي. (إلا بقرينة؛) ما لو قال: و (من مات فنصيبه لولده، ونحوه)؛ كعلى أن لولد

(2)

الأناث سهماً ولولد الذكور سهمان.

وعدم دخول ولد البنات في الصور المتقدمة مع عدم القرينة. اختيار الأكثر. نقله في " الفروع ".

قال في " الإنصاف ": إذا وقف على ولد ولده، أنه قال: على أولاد أولاد ي وإن سفلوا: فنص أحمد في رواية المروذي أن أولاد البنات لا يدخلون. وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.

(1)

في أ: يترتب.

(2)

في أ: الولد

ص: 230

ثم ذكر قوله في " المقنع ": ونقل عنه في الوصية يدخلون. وذهب إليه بعض أصحابنا. وهذا مثله. ثم قال عقب ذلك: قلت: بل هي هنا رواية منصوصة من رواية حرب.

ثم ذكر قوله في " المقنع ": وقال أبو بكر وابن حامد: يدخلون في الوقف

إلا أن يقول: على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون. ثم قال عقبه: وهو رواية ثالثة عن أحمد. ثم قال: وفي المسألة قول رابع بدخول ولد بناته لصلبه دون ولد ولدهن. ثم قال: وكذا الحكم والخلاف. والمذهب: إذا وقف على عقبه أنه ذريته كما قال المصنف- يعني: الموفق- عند جماهير الأصحاب. وممن قال بعدم الدخول هنا أبو الخطاب والقاضي أبو الحسين وابن بكروس. قاله الحارثي. وقال: قال مالك بالدخول في الذرية دون العقب وبه أقول. انتهى. وأصل الذرية من ذرا إذا زرع.

قال الشاعر:

شققت القلب ثم ذرأت فيه

أى: زرعت. أو من ذر: إذا طلع. ومنه قولهم: ذر قرن الشمس.

وأصل النسل: مأخوذ من النُسالة. وهي: شعر الدابة إذا سقط عن جسدها. (و) أن وقف إنسان شيئاً (على أولاد هـ، ثم أولاد هم) أنه قال: على أولاد ي وأولاد أولاد ي ما تناسلوا أنه ما تعاقبوا. الأعلى فالأعلى، أنه الأقر ب فالأقر ب، أنه الأول فالأول، أنه بطناً بعد بطن، أو طبقةً بعد طبقة، أونسلاً بعد نسل:(فترتيب جملة على مثلها: لا يستحق البطن الثانى شيئاً قبل أنقراض الأول) " لأن الوقف ثبت بقوله. فيتبع فيه مقتضى كلامه.

وقيل فيمن قال: على أولاد ي ثم أولاد هم، أنه على أولاد فلان ثم أولاد هم: أنه ترتيب إفراد. فيستحق الولد نصيب أبيه بعده. وإن لم يقل الواقف ومن مات عن ولد: فنصيبه لولده.

(فلو قال): و (من مات) منهم (عن ولد فنصيبه لولده) كان ذلك أيضاً

ص: 231

دليلاً على الترتيب، لأنه لو اقتضى التشريك لاقتضى التسوية. ولو جعلنا لولد الولد سهماً مثل سهم أبيه ثم دفعنا إليه سهما صار له سهمان ولغيره سهم وهذا ينافي التسويه.

ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الابن [على الابن]

(1)

. والظاهر من مراد الواقف خلاف ذلك. فإذا ثبت الترتيب فإنه ترتيب بين كل والد

(2)

وولده.

فإذا مات من أهل الوقف وأحد أنه أكثر ممن له ولد (استحق كل ولد بعد ابيه نصيبه الأصلي والعائد). سواء بقي من البطن الأول أحد أنه لم ييق أحد.

قال في " الفروع ": وقول الواقف من مات فنصيبه لولده يعم ما استحقه وما يستحقه مع صفة الاستحقاق استحقه أنه لا تكثير للفائدة. ولصدق الإضافة باًدنى ملابسة.

ولأنه بعد موته لا يستحقه.

ولأنه المفهوم عند العامة الشارطين، ويقصدونه، لأنه يتيم لم يرث هو وأبوه من الجد.

ولأن في صورة الأجتماع ينتقل مع وجود المانع إلى ولده.

لكن هنا هل يعتبر موت الوالد؟ يتوجه الخلاف. وقد لم يتناول إلا

ما استحقه فمفهوم خرج مخرج الغالب. وقد تنأنهله الوقف على أولاد هـ ثم أولادهم.

قال فعلى قول شيخنا أن قال: بطناً بعد بطن ونحوه فترتيب جملة. مع أنه يحتمل. فإن زاد على أنه، أن توفي أحد من أولاد الموقوف عليه ابتداء في حياة والده وله ولد ثم مات الأب عن أولاد هـ لصلبه وعن ولد لولده لصلبه الذي مات.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: ولد

ص: 232

أبوه قبل استحقاقه فله معهم ما لأبيه لو كان حياً: فهو صريح في ترتيب الأفراد. انتهى.

(و) أن أتى الواقف (بألوانه)، كما لو قال: على أولاد ي وأولادهم وأولاد أولاهم أولاد هم ونسلهم: كانت الوأنه (للاشتراك). فيشتركون فيه من غير تفضيل، كما لو أقر إنسان لهم بشيء، وكولد الأم في الميراث.

(و) متى قال واقف: (على أن نصيب من مات عن غير ولد، لمن في درجته والوقف مرتب) كما في الأمثلة المتقدمة وقد مات إنسان منهم عن نصيبه: (فهو لأهل البطن الذي هو) أى: الميت (منهم: من أهل الوقف) دون بقية البطون، من غير خلاف علمته بين الأصحاب.

(وكذا) الحكم (أن كان) الوقف (مشتركاً بين البطون) في اصح الوجهين. قدمه في " النظم ". وهما مطلقان في " المغني " و" الشرح" و" الفائق " و" الفروع " و" الحاوى الصغير ".

ووجه ذلك: أنا لو لم نخص بنصيبه أهل البطن الذي هو منهم: لم يكن في اشتراط الواقف لهذا الشرط فائدة. والظاهر: أنه قصد شيئا يفيد.

(فـ) على هذا (أن لم يوجد في درجته أحد. فكما لو لم يذكر الشرط)،

لأنه لم يوجد ما تظهر فائدته فيه (فيشترك الجميع) أى: جميعاً أهل الوقف (في مسألة الاشتراك)، لأن التشريك يقتضي التسوية. وتخصيص بعض البطون به يفضي إلى عدم التسوية.

(ويختص) البطن (الأعلى به) أى: بنصيب المتوفى الذي شرط لمن يوجد في درجته ولم يوجد في درجته أحد (في مسألة الترتيب).

قال في " متن التنقيح ": على المذهب. وافتى جمع من الحنفية والشافعية بأنقطاعه

(1)

فيها. يعني: مسألة الترتيب.

وقال في " حاشيته على التنقيح ": قال ابن مغلي: في واقف وقف وقفاً

(1)

في أ: بأنقطاع

ص: 233

وشرط فيه: أن مات أنتقل نصيبه إلى من في درجته، وفيهم من هو أعلى منه، أنه أنزل: أنه ينتقل إلى أعلا درجة موجودة حالة وفاته. وليس في درجته أحد فالحكم في ذلك أنه: كما لو لم يذكر الشرط. قاله الأصحاب.

قلت: صرج به في " المغني " و" الشرح ". وقد رتب الواقف فيعمل بمقتضاها حيث لم يوجد الشرط المذكور. فيستحق الأعلا فالأعلا. قال: وقد أفتينا بذلك غير مرة وبينا بطلأن قول من زعم أن الوقف والحالة هذه منقطع. وقال القاضي علاء الدين بن اللحام البعلي: بعض الفقهاء يقول: هو وقف منقطع الوسط. وبعضهم يقول: يكون لأقر ب الموجودين من أهل الوقف عملاً بعموم الكلام الأول حيث جعله مرتباً ترتيب بطون. فاقتضى أنه لا ياًخذ أحد من بطن مع وجود أحد من بطن أعلا منه. لكن استثني من ذلك شيئين:

أحدهما: من مات عن ولد.

والاخر: من مات عن غير ولد.

بقي الباقي على عمومه فيرجع هذا النصيب إلى أعلا البطون الموجودة من

أهل الوقف عملا بعموم الكلام الأول.

وفي كلام " المغني " إشارة إلى ذلك. فالشيخ تقي الدين لا يوافق على ذلك؛ لأن عنده أن الوقف المرتب ب " ثم " إنما يدلط على ترتيب الأفراد. لا على ترتيب البطون. فيقول: ينتقل إلى ذرية من لو كان موجوداً عند موته. انتهى كلام المنقح في " الحاشية ".

(وإن كان) الوقف (على البطن الأول)؛ كما لو قال: وقفت على أولاد ي (على أن نصيب من مات منهم عن غير ولد، لمن في درجته: فكذلك) هذه عبارة " التنقيح " وتبعته عليها. ولعل الإشارة بذلك إلى ما تقدم وهو: أن نصيبه يكون لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف. فلو كان البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثم مات الثانى عن ابنين ثم مات أحد الابنين وترك أخاه وابن عمه وعمه وابنا لعمه الحي: كان نصيبه لأخيه وابن عمه الذي مات أبوه. وفيها وجهان اخرآن

ص: 234

أحدهما: أن نصيبه يعود إلى أهل الوقف كلهم وإن كانوا بطوناً.

قال في " الإنصاف ": وحكم به التقي سليمان. وهو الصواب.

والوجه الآخر: أن نصيبه يعود لأهل بطنه. سواء كانوا من أهل الوقف أنه لم يكونوا.

فعلى هذا يكون نصيب المتوفى في المثال المتقدم بين أخيه وابني عمه.

وعلى جميع الأوجه: لو كان لرجل أربعة بنين فوقف على ثلاثة منهم وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد كان نصيبه بين الأخوين اللذين هما من أهل الوقف دون الأخ الثالث؛ لأنه ليس من أهل الاستحقاق. اشبه ابن عمهم. وحيث حُكم بنصيب ميت لأهل البطن الذي هو منهم (فيستوي في ذلك) الذي في الأمثلة المتقدمة (كله إخوته) أى: إخوة الميت، (وبنو عمه، وبنو عم ابيه، ونحوهم)؛ كبني بني بني عم أبي

(1)

ابيه؛ لأنهم في فى درجته في القرب

(2)

إلى الجد الذي يجمعهم. والإطلاق يقتضى التسوية.

(إلا أن يقول) الواقف: (يقدم الأقرب فالأقرب إلى المتوفى، ونحوه)؛

كما لو قال لمن في درجته: من ولد الظهر، (فيختص) فيما إذا قال: يقدم الأقرب (بالأقرب)، وفيما إذا قال: من ولد الظهر بولد الظهر.

(وليس من الدرجة من هو أعلا) من الميت؛ كعمه، (أنه أنزل)؛ كابن أخيه.

(والحادث من أهل الدرجة بعد موت الآيل نصيبه إليهم؛ كالموجودين حينه فيشاركهم).

قال في " الإنصاف ": وإذا شرطه لمن في درجة المتوفى عند عدم ولده استحقه أهل الدرجة حالة وفاته. وكذا من سيوجد منهم في أصح الاحتمالين.

(1)

ساقط من ب.

(2)

في أ: الأقرب.

ص: 235

قال في " الفائق ": هذا أقوى الاحتمالين. قال: ورأيت المشاركة بخط الشيخ شمس الدين- يعني: الشارح- والنووي.

قال ابن رجب في " قواعده ": يُخَرّج فيها وجهان. قال: والدخول هنا أولى، وبه أفتى الشيخ شمس الدين

(1)

انتهى.

(وعلى هذا) القول وهو مشاركه الحادث للموجودين (لو حدث من هو أعلى من الموجودين، وشرط) الواقف (استحقاق الأعلى فا لأعلى: أخذه) أى: اخذ ما آل إليهم عند عدمه (منهم) عملاً بالشرط؛ لكونه أعلا. ذكر ابن رجب هذه المسألة في القاعدة السابعة بعد المائة.

(و) من قال: وقفت (على ولدي) بلفظ المفرد (فلان وفلان، وعلى ولد ولدي، و) كان (له ثلاث بنين: كان) الوقف (على) الولدين (المسميين وأولاد هما وأولاد الثالث، دونه) أى: الثالث.

قال في " الإنصاف ": ذكره المصنف- يعني: الموفق- مختاراً له وقدمه

في " الفروع " و" المغني " و" الشرح" ونصراه. وهو ظاهر ما قدمه في " الفائق " وقواه شيخنا في " حواشيه " وصححه الحارثي.

وقال القاضي وابن عقيل: يدخل الابن الثالث. ونقله حرب. وقدمه الحارثي فقال: والمنصوص دخول الجميع.

وقال في القاعدة الثانية والعشرين بعد المائة: ويتخرج وجه بالاختصا ص بولد من وقف عليهم اعتباراً بابائهم. انتهى.

(و) من قال: وقفب (على زيد، وإذا أنقرض أولاد هـ فعلى المساكين: كان) الوقف (بعد موت زيد لأولاد هـ، ثم بعدهم للمساكين).

قال في " الإنصاف ": اختاره القاضي وابن عقيل. وقدمه في " الكافي ". انتهى

(1)

في أ: شهاب الدين

ص: 236

ولعل وجهه: أن قول الواقف فإذا أنقرض أولاد هـ فعلى المساكين: دآلٌ على

دخول أولاد زيد في الوقف؛ لأنه لو لم يكن ذلك لم يكن لتوقف استحقاق المساكين على أنقراضهم فائدة. والله أعلم.

وقيل: يصرف بعد موت زيد مصرف الوقف المنقطع حتى ينقرض أولاد هـ.

ثم يصرف على المساكين عملاً بظاهر العبارة.

(و) من قال: وقفت (على أولاد ي، ثم أولاد هم الذكور والأناث، ثم أولاد هم الذكور: من ولد الظهر فقط. ثم نسلهم وعقبهم، ثم الفقراء على أن من مات منهم وترك ولداً وإن سفل فنصيبه له) هذا اآخر كلام الواقف. (فمات أحد الطبقة الأولى، وترك بنتاً، ثم ماتت) البنت (عن ولد: فله ما استحقته). أمه (قبل موتها).

نقل هذه المسألة في " الفروع " عن الشيخ تقي الدين، ثم قال عقبها: ويتوجه: لا. ثم قال: (ولو قال: ومن مات عن غير ولد وإن سفل فنصيبه لإخوته. ثم نسلهم وعقبهم: عم من لم يعقب، ومن اعقب ثم أنقطع عقبه)؛ لأنه لا يقصد غيره واللفظ يحتمله. فوجب الحمل عليه قطعا. قاله شيخنا. ويتوجه نفوذ حكم بخلافه. انتهى.

(ويصح) أن يقف الإنسان (على ولده ومن يولد له) بأن يقول: وقفت هذا

على ولدي ومن يولد لي.

قال ابن رجب في القاعدة السابعة بعد المائة: ومنها الوقف على ولده وولد

ولده ابدا أنه من يولد له: فيصح بغير إشكال. نص عليه. انتهى.

(و) من وقف شيئاً (على بنيه، و) على (بني فلان: فللذكور) خاصة؛

لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة؛ لقوله تعالى: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ)

[الصافات: 153]، (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ [ال عمرأن: 14] ولقو له تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[الكهف: 46].

ولا يدخل فيه الخنثى؛ لأنه لا يعلم كونه ذكراً.

ص: 237

وعلى هذا لو وقف على بناته اختص بهن ولم يدخل فيه الذكور ولا الخناثى؛ لأنه لا يعلم كونهن إناثاً.

(وإن كانوا) أى: من عناهم بقوله: بنى فلان (قبيلة)؛ كبني هاشم وتميم: (دخل نساؤهم)؛ لقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[الأ سراء: 70].

ولأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وإنثاها. ويقال: امراة من بنى كذا.

وروي أن جواري من بني النجار قلن:

نحن جوارٍ من بني النجار

ياحبذا محمداً من جار

(دون أولاد هن) أى: أولاد نساء تلك القبيلة (من) رجال (غيرهم)؛

لأنهم إنما ينسبون إلى آبائهم.

ولا يدخل مواليهم " لأنهم ليسوا منهم حقيقة كما لا يدخلون في الوصية.

قال في " الفروع " في باب الوقف: فلو وصى لبني هاشم لم يدخل مواليهم. نص عليه في رواية ابن منصور وحنبل.

قال في " الخلاف ": لأن الوصية يعتبر فيها لفظ الموصي، ولفظ صاحب الشريعة يعتبر فيه المعنى. ولهذا لو حلف: لا أكلت السكر " لأنه حلو: لم يعم غيره من الحلاوات. وكذلك لو قال: عبدي حر؛ لأنه أسود: لم يعتق غيره من العبيد. ولو قال الله: حرم السكر؛ لأنه حلو: عم جميع الحلاوات. وكذلك إذا قال: أعتق عبدك؛ لأنه أسود: عم. انتهى.

قلت: فكما يعتبر في الوصية لفظ الموصي يعتبر في الوقف لفظ الواقف.

ولهذا كان الحكم فيهما عدم دخول الموالي. والله أعلم.

(و) إذا وقف إنسان شيئاً (على عترته) بأن قال: وقفته على عترتي، (أنه) على (عشيرته) بأن قال: وقفته على عشيرتي: (كعلى قبيلته) أى: فالحكم فيه كما لو قال: وقفته على قبيلتي.

أما العترة فقد توقف أحمد رحمه الله تعالى فيها.

ص: 238

وقال في " المقنع ": والعترة: هم العشيرة.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب قدمه في " الرعايتين " و" الحاوي الصغير " و" الفروع " و" الفائق " وغيرهم. وصححه الناظم، وقاله القاضي وغيره. انتهى.

ويدل لهذا قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه في محفل من الصحابة: " نحن

عترة رسول الله وبيضته التي تفقات عنه "

(1)

. ولم ينكره أحد، وهم أهل اللسان.

وقيل: العشيرة الأدنون مع ولده وإن سفلوا.

وقيل: ولده فقط.

وقيل: ذ ريته.

وقيل: ذو قرابته.

والعشيرة قال الجوهري: القبيلة.

وقال القاضي عياض: هي أهله الأدنون وهم بنو أبيه.

(و) من وقف (على قرابته، أنه قرابة زيد: فهو للذكر والأنثى من أولاد هـ، وأولاد أبيه، و) أولاد (جده، و) أولاد (جد أبيه) فقط؛ لأن النبي ص لم يجاز بني هاشم بسهم ذوي

(2)

القربى المشار

(3)

اليه في قوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)[الحشر: 7].

فلم يعط من هو أبعد؛ كبني عبد شمس وبني نوفل شيئاً.

ولا يقال: هما كبني المطلب " فإنه صلى الله عليه وسلم علّّل الفرق بينهم وبين من سواهم

ممن ساواهم في القرب بأنهم لم يفارقوا في جاهليه ولا إسلام "

(4)

.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 166 كتاب الوقف. باب الصدقة في العترة.

(2)

في أ: ذو. وفي ج: ذي.

(3)

في أ: والمشار.

(4)

عن جبير بن مطعم قال: " لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني=

ص: 239

ولم يُعط قرابته من جهة أمه. وهم بنو زهرة شيئاً.

وعنه: يدخل في القرابة ولد جد جده.

وعنه: تختص القرابة بولده وقرابة أبيه وإن علا مطلقاً.

وعنه: تختص بثلاثة آباء فقط. فعليها لا يعطى الولد شيئاً.

وعنه: يختص منهم من يصله. نقله ابن هانئ وغيره.

ونقل صالح: أن وصل أغنياءهم أعطوا وإلا الفقراء أولى.

ويسوى بين من قلنا يعطى منهم فلا يفضل أعلا ولا فقير ولا ذكر على من سواه. لكن لو كانوا مسلمين وكفار لم يتناول الوقف الكفار منهم.

قال ابن رجب في القاعدة السادسة والعشرين بعد المائة: ومنها لو وقف المسلم على قرابته أو أهل قريته أنه وصى لهم وفيهم مسلمون وكفار: لم يتناول الكفار حتى يصرج بدخولهم. نص عليه في ر وأىة حرب وأبي طالب. ولو كان فيهم مسلم وأحد والباقي كفار: ففي الاقتصار عليه وجهان، لأن حمل اللفظ العام على وأحد بعيد جدا. انتهى.

(و) الوقف من إنسان (على أهل بيته، أنه) على (قومه، أنه) على (نسائه، أنه) على (الد ار، أنه) على (أهله: كعلى قر ابته).

أما كون أهل بيته بمنزلة قرابته، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تحل الصدقة لي ولا لأهل. بيتي "

(1)

. فجعل سهم ذي القربى لهم عوضا عن الصدقة التي حرَّمت

(1)

=المطلب. ولرك يني نوفل وبني عبد شمس. فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا:

يا رسول الله! هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم فما بال إخوإننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية

ولا إسلام. وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه ".

أخرجه أبو داود في " سننه "(2980) 3: 146 كتاب اخراج والإماره والفيء. باب في بيأن مواضع

قسم الخمس وسهم ذي القربى.

أخرجه أحمد في " مسنده "(17699) 4: 186.

ص: 240

عليهم. فكان ذو القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته. احتج بذلك الإمام. وروي عن ثعلب: أن أهل البيت عند العرب آباء الرجل وأولاد هم؛

كا لأجداد وا لأعمام وأولاد هم.

قال في " المقنع ": واهل بيته بمنزلة قرابته.

قال في " الإنصاف ": هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.

وقال الخرقي: يعطى من قبل أبيه وأمه. واختار أبو محمد الجوزي: أن

أهل بيته كقرابة أبويه.

وقيل: أهل بيته ذو

(1)

رحمه.

وعنه: أن أزواجه من أهله ومن أهل بيته.

واما القوم والنسباء. فقال في " الإنصاف ": عند قول " المقنع " وقومه ونسبأنهه كقرابته: هذا المذهب. نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. انتهى. وقيل: قول الواقف: على قومي أنه على نسبائي كقوله على ذوي رحمي. وقيل: أن قال: أهل بيتي أنه قومي: فهو من قبل الأب. وإن قال: لنسبائي: فهو من قبل الأب والأم.

وقال ابن الجوزي: القوم للرجال دون النساء. وأنهم سُموا قوماً؛ لقيامهم

با لأمور.

واما الـ" آل " فقال في " الإنصاف ": فائدة: آله

(2)

كأهل بيته خلافاً ومذهباً. ثم قال: وذكر عن القاضي في دخول الزوجات هنا وجهين. واختار الحارثي الدخول وهو الصواب. والسنة طافحة بذلك. انتهى.

(1)

في أ: وذو.

(2)

في أ: آل.

ص: 241

وأما كون الأهل من غير إضافة إلى البيت كإضافته إليه؛ فقد صرح به المجد. نقله عنه في " الإنصاف ".

(و) من وقف (على ذوي رحمه: فـ) أنه يكون (لكل قرابة له) أى: للواقف (من جهة الآباء). سواء كانوا عصبه؛ كالاباء والأعمام وبنوهم، أنه لا؛ كالعمات وبنات العم.

(و) لكل قرابة له من جهة (الأمهات)؛ كأمه وأبيها وأخواله وأخوالها وخالاته وخالاتها؛ لأن القرابة من جهة الأم أكثر استعمالا. فإذا لم يجعل ذلك مرجحاً فلا أقل أن لا يكون مأنعا.

ولكل قرابة له من جهة (الأولاد)؛ كابن بنته وابن بنت ابنه ونحوهما؛ لأن الرحم يشمله.

وذكر القاضي: في ذي الرحم مجاوزته للأب

(1)

الخامس: قلت: وليس

ذلك مخالفاً لمن لم يذكره بل عموم كلام الأصحاب يشمله. والله أعلم.

(و) من قال: وقفت هذا (على الأيامى. أنه) قال: وقفته على (العزاب: فـ) أنه يكون (لمن لا زوج له من رجل وامرأة).

قال في " الإنصاف ": قال الشارح: ذكره أصحابنا. انتهى.

ووجهه

(2)

: أن الأيامى تقع في اللغة على الذكور كما تقع على الأناث. قال

الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ)[والنور: 32].

ومنه قول سعيد بن المسيب: " تأيمت حفصة بنت عُمر من زوجها ". وأيم عثمان من رقية. فهو كاليتامى للذكور والأناث من غير التفات إلى تأنيث اللفظ. قال الشاعر:

فإن تنكحي أنكح، وإن تتأيمي

وإن كنت أيمى منكموا أتأيم

(1)

في ج: متجاوزته الأب.

(2)

في أ: ووجه.

ص: 242

وكذا العزاب يقال: رجل عزب وامرأة عزب.

قال ثعلب: وإنما سمي عزباً؛ لأنفراده. وكل شيء أنفرد فهو عزب. وذكر أنه لا يقال: أعزب. ورد عليه. بأنها لغة. حكاها الأزهري عن أبي حاتم. وفي " صحيح البخاري " عن ابن عمر " وكنت شاباً أعزب "

(1)

.

ولا فرق في ذلك بين البكر وغيره.

قال في " الفروع ": والعزب والآيم غير المتزوج.

وقيل: العزب لرجل الآيم لامرأة.

وفي " التبصرة ": الأيامى من النساء البُلَّغ. انتهى.

وقيل: لا يكون الآيم إلا بكراً. ذكره في " المبدع ".

(والأرامل) جمع أرملة: (النساء اللاتي فارقهن أزواجهن). نص عليه؛

لأنه المعروف بين الناس. ولذلك قال جرير:

هذي

(2)

الأرامل قدقضّيت حاجتها

فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

فأطلق الأول حيث أراد به الأناث، لأنه موضوع له. ووصفه في الثانى بالذكر، لأنه لو أطلقه لم يفهم.

وقيل: هو للرجال والنساء.

وفي " تعليق القاضي ": الصغيرة لا تسمى أيّمًا ولا أرملة عرفاً وإنما ذلك صفة للبالغ.

(وبِكْرُ وثيّبٌ وعا نِس وأخُوَّة وعمومة: لذكر وإنثى).

قال في " الفروع ": وإخوته وعمومته لذكر وإنثى؛ كعانس وبكر. ويتوجه وجه: وتناوله لبعيد كولد ولد.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(429) -1: 169 أبواب المساجد. باب نوم الرجال في المسجد

(2)

في ب: هذه.

ص: 243

وقال ابن الجوزي: يقال: رجل أيم وامرأة أيم. ورجل أرمل وامرأة أرملة. ورجل بكر وامرأة بكر: إذا لم يتزوجا. ورجل ثيب وامرأة ثيب: إذا كانا قد تزوجا. انتهى.

قال في " الإنصاف ": وأما الثيوبة فزوال البكارة. قاله المصنف ومن تبعه وأطلق.

وقال ابن عقيل: زوال البكارة بزوجية من رجل وامرأة. انتهى.

ومن وقف شيئاً على رهط من قبيلته

(1)

أنه على نفر منهم: فقال في

" الفروع ": والرهط لغة ما دون العشره من الرجال خاصة ولا وأحد له من لفظه. والجمع:. أرهط وأرهاط وأرا هط وأراهيط

(2)

.

وقال في " كشف المشكل ": الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة. وكذا قال: النفر من ثلاثة إلى عشرة. انتهى.

(وإن وقف) إنسان شيئاً على أهل قريته (أنه وصى) به الأهل قريته، أنه)

لى (قرابته، أنه إخوته، ونحوهم) من سائر ألفاظ العموم؛ كجيرانه وأعمامه: الم يدخل) فيهم (من يخالف دينه) أى: دين الواقف أو الموصي؛ لأن الله تعالى لما أطلق أية الميراث لم تشمل المخالف. فكذا هنا.

ولأن الظاهر من حال الواقف أنه الموصي أنه لم يرد من يخالف دينه ". سواء

كان كافراً أنه مسلماً.

(إلا) بتصريحه بدخولهم أنه (بقرينة) دالة على إرادتهم. فلو كانوا كلهم مخالفين لدين الواقف أنه الموصي دخلوا كلهم؛ لأن عدم دخولهم يؤدي إلى دفع اللفظ بالكلية.

وقيل: يدخل المخالف المسلم دون غيره.-

(1)

في ب: قبيلة.

(2)

في ج: وأ ر هيط.

ص: 244

وقيل: والكافر المخالف لدين الواقف الكافر أنه الموصي الكافر، بناء على توريث الكفار بعضهم من بعض.

(و) من وقف (على مواليه وله مَوال من فوق) وهم: من أعتقوه، (ومن أسفل) وهم: من اعتقهم: (تناول) اللفظ (جميعهم)، واستووا في الاستحقاق أن لم يفضل بعضهم على بعض؛ لأن الاسم يشملهم على السواء. وقال ابن حامد: يختص الموالي من فوق، لأنهم اقوى عصبه بدليل ثبوت الميراث لهم. واختار الحارثي اختصاصه بالموالي من أسفل قال: لأن العادة جارية بإحسان المعتقين إلى العتقاء.

(ومتى عدم) أى: أنقرض (مواليه: فلعصبتهم) أى: عصبة مواليه. قدمه في " الرعايتين ".

وقيل: لوارثه بولاء.

وفيل: كمنقطع الآخر. قطع به في " الرعاية " بعد عصبه الموالي، وأطلقهن في " الفروع ".

(ومن لم يكن له مولى) حين قال: وقفت على موالي: (. فـ) ذلك

(لموالي عصبته). قدمه في " الفائق " و" الحاوى الصغير "؛ لأن الاسم يشملهم مجازاً مع تعذر الحقيقة.

وقال الشريف أبو

(1)

جعفر: يكون لموالي أبيه. واقتصر عليه الشارح.

وعلم مما تقدم أن الواقف لو كان له موال ثم أنقرضوا لم يرجع من الوقف شيء لموالي عصبته، لأن الاسم تنأنهل غيرهم. فلا يعود إليهم إلا بعقد. ولم يوجد.

قال في " الفروع ": ولا شيء لموالي عصبته إلا مع عدم مواليه ابتداء. انتهى.

(1)

في أ: ابن.

ص: 245

وكلامه في " الإنصاف " في هذا الموضع فيه نظر. والله أعلم.

وإن وقف إنسان شيئاً (على جماعة يمكن حصرهم) كبنيه وإخوته أو بني

فلان وليسوا بقبيلة، أو مواليه أو موالي غيره:(وجب تعميمهم) بالوقف (والتسوية بينهم) فيه؛ لأن اللفظ يقتضي ذلك وقد أمكن الوفاء به. فوجب العمل بمقتضاه؛ (كما لو أقر لهم) إنسان بشيء فإنهم يستوون فيه. وقوله تعالى: (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)[النساء: 12] يوضح ذلك.

(ولو أمكن) التعميم (ابتداءً، ثم تعذر) بكثرة أهله؛ (كوقف علي رضي

الله تعالى عنه: عُمّم من أمكن) منهم، (وسُوي بينهم) وجوباً؛ لأن التعميم والتسوية كانا واجبين في الجميع. فإذا تعذر في بعض وجبا فيما لم يتعذر فيه " كالواجب الذي يعجز عن بعضه.

(وإلا) أى: وإن لم يكن الوقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم؛ كقريش أو بني تميم أو المساكين: لم يجب تعميمهم إجماعاً؛ لأنه متعذر.

و (جاز التفضيل) بينهم؛ لأنه إذا جاز حرمان بعضهم جاز تفضيل غيره عليه.

(و) جاز (الاقتصار على واحد) منهم؛ لأن مقصود الواقف عدم مجازة الجنس، وذلك يحصل بالدفع إلى وأحد منهم.

ومحل ذلك: (إن كان ابتداؤه) أى: الوقف (كذلك) أى: كما مثلنا؛ كالوقف على قريش وبني تميم.

أما إذا لم يكن ابتدؤه كذلك؛ كمن وقف على أولاده فصاروا قبيلة. فإنه يسوى بين من أمكن منهم. وتقدم التنبيه على ذلك.

(و) أن وقف إنسان شيئاً (على الفقراء، أنه) قال: على (المساكين: يتناول الآخر) أى: أن من وقف على الفقراء يتناول لفظه المساكين، ومن وقف

ص: 246

على المساكين يتناول لفظه الفقراء؛ لأنه لا يفرق بينهما في المعنى إلا إذا اجتمعا في الذكر.

وقيل: لا يتناول أحدهما الآخر.

(ولا يُدفع إلى) إنسان (واحد) من الموقوف عليهم (أكثر مما يدفع إليه من زكاة، أن كان) الوقف (على صنف من أصنافها) أى: الزكاة كالرقاب والغارمين؛ لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع فيعطى فقير ومسكين تمام كفايتهما مع عائلتهما سنة. ومكاتب وغارم ما يقضيان به دينهما فقط. وهكذا بقية الأصناف.

وقيل: إن كان الوقف على أصناف الزكاة الثمانية أعطي لكل صنف ثمنه. (ومَن) أى: وأى إنسان (وُجِّد فيه صفات)؛ كما لو كان ابن سبيل وغارماً وفقيراً: (استحق بها) أى: بصفاته الثلاث. فيعطى ما يقضي به دينه، وما يصل به إلى بلده، وتمام كفايته مع عائلته سنة؛ كالزكاة.

(وما يأخذ الفقهاء

(1)

منه) أى: من الوقف؛ (كرزق من بيت المال.

لا كجعل، ولا كأجرة).

قال في " التنقيح ": في أصخها.

قال في " الفروع ": وما يأخذه الفقهاء

(2)

من الوقف هل هو كإجارة أنه جعالة؛ واستحق ببعض العمل؛ لأنه يوجب العقد عرفا. أنه هو كرزق

(3)

من بيت المال؛ فيه أقوال. قاله

(4)

شيخنا. واختار هو الأخير. انتهى.

قال الشيخ تقي الدين: وما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً واجرة بل رزق للإعانة على الطاعة. وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به أنه المنذور له ليس كالأجرة والجُعْل. انتهى.

(1)

في أ: الفقراء.

(2)

في أ: الفقراء.

(3)

في أ: أنه لرزق

(4)

في أ: قال.

ص: 247

وقال القاضي في " خلافه " ولا يُقال: أن منه ما يؤخذ أجرة عن عمل؛ كالتدريس ونحوه؛ لأنا نقول أولاً: لا نسلم أن ذلك أجرة محضة، بل هو رزق وإعانه على العلم بهذه الأموال. انتهى

(1)

.

وهو موافق لما اختاره الشيخ تقي الدين.

قلت: وعلى الأقوال الثلاثة حيثما كان الاستحقاق بشرط. فلابد من وجوده. والله أعلم.

(و) أن وقف إنسان شيئاً (على القُرََّاء: فللحفاظ. وعلى أهل الحديث: فلمن عرفه).

قال في " الفروع ": والقُرُّاء الأن حفاظه. وقال قبل ذلك: وأهل الحديث

من عرفه.

(وعلى العلماء: فلحملة الشرع). قال في " الفروع ": والعلماء حملة الشرع.

وقيل: من تفسير وحديث وفقه ولو أغنياء. انتهى.

وذى ابن رزين: فقهاء ومتفقهه؛ كعلماء. ولو حفظ أربعين حديثاً

لا بمجرد السماع. انتهى.

وقيل: يختص به منهم من كان لصله الواقف.

(و) أن وقف إنسان شيئاً (على سُبُل الخير: فلمن أخذ من زكاةٍ لحاجة)؛

كالفقير والمسكين وابن السبيل.

قال في " الإنصاف ": ذكره في " المجرد " وقدمه في " الفروع ".

وقال ابو الوفاء: يعم. فيدخل فيه الغارم للإصلاح. "

قال القاضي وابن عقيل: ويجوز لغني قريب. انتهى.

ومن وقف على أعقل الناس فقال في " الفروع ": يتوجه أن أعقل الناس:

الزهاد.

(1)

ساقط من أ.

ص: 248

وقال ابن الجوزي: ليس من الزهد ترك ما يقيم النفس ويصلح أمرها ويعينها

على طريق الآخره. فإنه زهد الجهال. وإنما هو ترك فضول العيش وما ليس بضرورة في بقاء النفس. وعلى هذا كان النبي صلى الله عليه وسلمه وأصحابه.

قال شيخنا: الإسراف في المباح هو: مجاوزة الحد وهو من العدوان المحرم. وترك فضولها من الزهد المباح. والامتناع منه مطلقاً كمن يمتنع من اللحم والخبز أنه الماء أنه لبس الكتان والقطن أنه النساء

(1)

: فهذا جهل وضلال. والله أمر بأكل الطيب والشكر له، والطيب ما ينفع ويعين على الخير. وحرم الخبيب وهو ما يضر في دينه. انتهى كلامه في " الفروع ".

ومن جعل وقفه في أبواب البر شمل القرب كلها.

قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.

قال في " الفروع ": وأفضلها الغزو، ويبدأ به. نص عليه.

ويتوجه ما تقدم في أفضل الأعمال. والرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل مصارف الزكاة. فيعطى في فداء الأسرى لمن يفديهم.

قال شيخنا: أنه يوفى ما استدين فيهم؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان تارة يستدين لأهل الزكاة ثم يصرفها لأهل الدين ".

فعلم أن الصرف وفاء كالصرف أداء.

قال: ويعطى من صارمستحقاً قبل القسمة.

وذكر القاضي و" الترغيب ": أن: ضَع ثلثي حيث أراك الله أو في سبيل الله: البر والقربة لفقير ومسكين وجوباً. والأصح لا لفقراء

(2)

قرابته. مع أن قريبا لا يرثه أحق فيبدأ بهم. نص عليه.

قال شيخنا: ولهذا في وجوب وصيته لهم الخلاف. فدل أن مسألتنا كهي.

(1)

في أ: والنساء.

(2)

في أ: والأصح الفقراء.

ص: 249

وقال أحمد في الماء الذي يسقى في السبيل: يجوز للأغنياء الشرب منه.

قيل لأحمد: أوصى بمال في السبيل فدفع إلى قرابة له في الثغر يغزو به " ولعل في الثغر أشجع منه، ولو لم يكن قريباً لم يعط المال كله أياً خذه؛ فلم يرى باًخذه بأساً.

قيل له: بعث بمال لقرابة له بالثغر يغزو به ترى له يرده أو يقبله؟ فال: القرابة غير البعيدة

(1)

، وإذا بعث إليه بمال وقد كان أشرفت نفسه فلا باًس برده. وكاًنه اختار رده.

قيل له: أوصى لفلان بكذا يشتري به فرساً يغزو به ويدفع بقيته إليه فغزا ثم مات. قال: هو له يورث عنه. انتهى كلامه في " الفروع ".

(ويشمل جمعُ مذكر سالم)، كالمسلمين (وضميره: الأنثى. لا عكسه) أى: لا جمع المؤنث السالم وضميره فإنه لا يشمل الذكر.

وقيل: لا يشمل جمع المذكر السالم الأنثى كعكسه.

قدم المجزوم به في المتن في " الفروع ".

وقال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.

(و) أن قال (لجماعة أنه لجمع: من الأقر ب إليه: فثلاثة. ويتممُ) الجميع (مما بعد الدرجة الأولى). فلو وقف على جمع من الأقر ب إليه وله ولدأن وأولاد ابن: فيُتمم الجمع الذي هو ثلاثة بوأحد من أولاد الابن يخرج بالقرعة ويعطى ريع الوقف للثلاثة.

(ويشمل أهلَ الدرجة وإن كثُروا). قاله في " الفروع ". ثم قال: ويتوجه

في جماعة اثنان، لأنه لفظ مفرد. وقد قال صاحب " المحرر ": أقل الجمع فيما له تثنية خاصة ثلاثة.

(1)

فى أوب: البعيد.

ص: 250

وفي " البلغة ": يجب حضور واحد الرجم عند أصحابنا وعندي اثنان، لأن الطائفة الجماعة وأقلها اثنان.

ويتوجه وجه في لفظ الجمع: اثنان. وذكره جماعة.

وقال فى " كشف المشكل " في الخبر التاسع من مسند عمر في قوله: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)[التحريم: 4]. أى: زاغت عن الحق

وعدلت. وإنما قال قلوبكمآ)، لأن كل اثنين فما فوقهما جماعة.

قال سيبويه: والعرب تقول: وضعا رحالهما. يريدون رحلي راحلتيهما.

ولفظ النساء ثلاثة على ظاهر ما سبق. وسبق كلام صاحب " المحرر ".

وفي " عيون المسائل " وغيرها

(1)

: فيما إذا ظاهر من أربع نسوة وقد احتج بالآية، قال: والنساء إنما يكنّ فوق الثلاث كذا قال. انتهى كلامه في " الفروع ".

(ووصيةٌ كو قف).

قال في " الفروع ": في جميع ذلك. نقل جماعة: فيمن أوصى بصدقة طعام هل يجوز للوصي دفع قيمته؟ قال: لا. إلا ما أوصى.

وجعله في " الأنتصار " وفاقاً.

قال أحمد: والوصايا ينتهى فيها إلى ما أوصى به الموصي.

ونقل صالح وابن هانئ: فيمن وصى في مرضه فقال: صيرت داري هذه لولد اخي وولد أختي على أن يسكنوها ينفذ في ثلثه على ما سمى.

ونص فيمن أوصى بصدقة في أبواب بغداد يفعل.

ونص فيمن قال: اعتقوا رقبة ولو كافرة لا يعتق إلا مسلماً.

ونص فيمن أوصى بكفارات غداء أنه عشاء أعجب إليّ كما أوصى.

(1)

فى أوب: وغيرهما.

ص: 251

ولو أوصى في المساكين لم يجز في غزو وغيره بل يعطى المساكين كمن أوصى. نص عليه.

وفي " الوسيلة ": من أوصى لرجل بخدمة عبده أنه سكنى داره فله أىجارهما. أنهمأ إليه.

ونقل حرب فيمن أوصى لأجنبي وله قرابة لا يرثه محتاج: يرد إلى قرابته.

وذكر شيخنا رواية: له ثلثها، وللموصى له ثلثاها.

ونقل صالح وأبو طالب والجماعة- الأول كما وصى. واحتج بـ " أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز

(1)

وصية الذي أعتق "

(2)

.

والأصح دخول وارثه في وصيته، لقرابته. خلافاً للمستوعب ". ومن لم يجز من الورثة بطل في نصيبه.

ولو وصى بعتق أمة فاً نثى، والعبد ذكر، وقيل: أنه أنثى. وفي خنثى غير مشكل: وجهان.

ولو وصى باً ضحية أنثى أنه ذكر فضحوا بغيره خيرا منه: جاز. وعلله ابن عقيل بزيادة خير في المخرج. انتهى كلامه في " الفروع ".

(لكنها) أى: الوصية (أعمُّ) من الوقف.

قال في " الإنصاف " عند قوله في " المقنع ": والوصية كالوقف في هذا الفصل: هذا صحيح. لكن الوصية أعم من الوقف على ما ياً تي. والله أعلم.

(1)

في أ: جاز.

(2)

عن عمران بن حصين. " أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته. ولم يكن له مال غيرهم. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له قولأ شديداً. ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء. فأُقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعه ".

أخرجه أبو داود في " سننه "(3958) 4 ت 28 باب العتق. باب فيمن أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث.

ص: 252

[فصل: في مسائل من الوقف]

(فصل) يذكر فيه مسائل من أحكام الوقف. وما يفعل به إذا تعطل نفعه وغير ذلك.

(والوقف عقدٌ لازم) بمجرد القول؛ لأنه تبرع يمنع البيع والهبة. فلزم بمجرده؛ كالعتق.

قال في " التلخيص " وغيره: وحكمه اللزوم في الحال. أخرجه مخرج الوصية أنه لم يخرجه. حكم به حاكم أنه لا؛ لقوله صح: " لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث "

(1)

.

قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عندأهل العلم وإجماع الصحابة

على ذلك.

ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية. فإذا نجزه في الحياة لزم من غير حكم؛ كالعتق.

(لا يفسخ بإقالة ولا غيرها)؛ لأنه عقد يقتضي التاًبيد. فكان من شأنه ذلك.

(ولا يُباع) أى: يحرم بيعه. ولا يصح. وكذا المناقلة به. (الا أن تمت عطل منافعه المقصودة) منه (بخراب، ولم يوجد ما يعمر به أنه غيره). حتى (ولو) كان الموقوف (مسجداً) وتعطل النفع المقصود منه (بضيقٍ على أهله).

قال في " الفروع ": ولو بضيق مسجد. نص عليه. انتهى.

قال في " المغني ": ولم يمكن توسعته في موضعه

(1)

سبق فخريجه مق حديث عمر ص (158) رقم (ا).

ص: 253

(أنه) كان تعطيل نفع المسجد من أجل (خراب مَحَلتَّه).

قال في " الأنصاف ": نقله عبد الله، وهذا هو المذهب، وعليه أكثر

الأصحاب.

(أنه) كان الموقوف (حبيساً لا يصلح لغزو: فيباع).

نقل أبو داود: أنه سئل عن مسجد فيه خشبتان لهما ثمن تَشَعَّب وخافوا سقوطه. أتُباعان وينفق على المسجد ويبدل مكانهما جذعين؛ قال: ما أرى

(1)

به باً سا. واحتج بدواب الحبس التي لا ينتفع بها تباع ويجعل ثمنها في الحبس.

قال في رواية صالح: يُحِّول المسجد خوفاً من اللصوص. وإذا كان موضعه

قذراً. قال القاضي: يعنى: إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه.

ووجه ذلك كما قال ابن عقيل: أن الوقف مؤبد. فإذا لم يمكن تاًبيده على

وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى. واتصال الإبدال جرى مجرى الأعيان. وجمودنا مع العين مع تعطلها تضييع للغرض. ويقرب هذا من الهدي إذا عطب فإنه يذبح في الحال وإن كان يختص بموضع. فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفي منه ما أمكن. وترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره؛ لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات الانتفاع به بالكلية. وهكذا الوقف المعطل المنافع.

قال في " الفروع ": وقولهم: بيع أى يجوز نقله. وذكره جماعة. ويتوجه: إنما قالوه للاستثناء مما لا يجوز. وإنما يجب؛ لأن الولي يلزمه فعل المصلحة. وهو ظاهر رواية الميمونى وغيرها.

قال القاضي وأصحابه والشيخ: ولأنه استبقاء

(2)

للوقف بمعناه. فوجب؛

كإيلاد أمة موقوفة أنه قتلها. وكذا قال شيخنا مع الحاجة: تجب بالمثل ..

(1)

في أ: روى.

(2)

في ب: استيفاء

ص: 254

وبلا حاجة يجوز بخير منه؛ لظهور المصلحة. ولا يجوز بمثله؛ لفوات التغيير بلا حاجة. انتهى.

وعلم مما تقدم أن الوقف إذا لم تتعطل منافعه المقصودة منه: لم يجز بيعه

ولا المناقلة به مطلقاً. نص عليه.

قال في " المغني ": وإن لم تتعطل منفعة الوقف بالكلية لكن قلِّت وكان

غيره أنفع منه وأكثر رداً على أهل الوقف: لم يجز بيعه؛ لأن الأصل تحريم- البيع. وإنما أُبيح للضرورة صيأنة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله. ومع الانتفاع وإن قل ما يضيع المقصود. انتهى.

لكن قال ابن رجب في القاعدة الثالثة والأربعين بعد المائة: وفي إبدال الوقف مع عمارته بخير منه روايتان. انتهى.

ويشهد لمنع البيع

(1)

والمناقلة مع الانتفاع به ما نقل علي بن سعيد:

لا يستبدل به ولا يبيعه. إلا أن يكون بحال لا ينتفع به.

ونقل أبو طالب: لا يغير عن حاله ولا يباع. إلا أن لا يُنتفع منه بشيء.

قال في " الفروع ": وجوزهما شيخنا لمصلحة. وأنه قياس الهدي.

وذكره وجها في المناقلة. وأنهماً إليه أحمد.

ونقل صالح: نقل المسجد لمصلحة الناس، ونصه: تجديد بنائه لمصلحته. وعنه: برضى جيرانه.

وعنه: يجوز شراء دور مكة لمصلحة عامة. فيتوجه هنا مثله.

قال شيخنا: جوَّز جمهور العلماء تغيير صورته لمصلحته؛ كجعل الدور حوانيت والحكورة المشهورة. ولا فرق بين بناء ببناء وعرصة بعرصة. وقال فيمن وقف كروما على الفقراء يحصل على جيرأنها به ضرر: يعوض عنه بما لا

(2)

ضرر فيه على الجيران، ويعود الأول ملكاً والثانى وقفا. انتهى.

(1)

في أ: المبيع.

(2)

في أوب: بلا.

ص: 255

وعنه: لا تباع المساجد. لكن تنقل آلتها إلى مسجد اخر.

وعنه: لا يباع وقف مطلقاً. لكن تنقل الته.

وعلى المذهب حيث صار بصفة مسوغة للبيع فإنه يباع.

(ولو شرط) واقفه (عدم بيعه، وشرطه) إذاً (فاسد).

قال في " الفروع ": في المنصو ص. نقله حرب وعلل بأنه ضرورة ومنفعة لهم. ويتوجه على تعليله: لو شرط عدمه عند تعطيله.

(و) حيث بيع وقف بشرطه فإنه (يصرف ثمنه في مثله أنه بعض مثله).

قال في " الفروع ": قاله أحمد، وقاله في " التلخيص " وغيره كجهته. واقتصر في " المغني " على ظاهر الخرقي أنه نفع غيره.

ونقل أبو داود: في الحبيس: أنه ينفق ثمنه على الدواب الحبس. انتهى. وعنه: يصرفه على الدواب الحبس أنه يصرف ثمنه في مثله. وظاهره التخيير.

(ويصح بيع بعضه) أى: بعض الموقوف (لإصلاح بافيه). وتقدم نصه

في رواية ابي داود في بيع خشبتي المسجد

(1)

.

ولأنه إذا جاز بيع الكل عند الحاجة. فبيع البعض مع بقاء البعض أولى.

ومحل ذلك: (أن اتحد الواقف والجهة، أن كان) الوقف (عينين)، كدارين خربتا بيعت إحداهما ليعمر بثمنها الأخرى. (أنه) كان (عينا) واحدة (ولم شقص القيمة) بالتشقيص. (وإلا) أى: وإن لم يوجد ذلك بأن نقصت القيمة بالتشقيص (بيع الكل).

قال في " الفروع ": وفي " المغني ": ولو امكن بيع بعضه ليعمر به بقيته

بيع وإلا بيع جميعه. ولم أجده لأحد قبله. والمراد: مع اتحاد الواقف كالجهة. ثم أن اراد عينين، كدارين فظاهر. وكذا عيناً واحدة ولم تنقص القيمة

(1)

ص (254).

ص: 256

بالتشقيص. فإن نقصت توجه البيع في قياس المذهب؛ كبيع وصي لدين، أنه حاجة صغير. بل هذا أسهل؛ لجواز تغيير

(1)

صفاته لمصلحة وبيعه على قول. انتهى.

(ولا يُعِّمر وقف من آخر).

قال في " الأنصاف " بعد نقله لكلام صاحب " الفروع ": وقول صاحب

" الفروع ": والمراد: مع اتحاد الواقف: ظاهر في أنه لا يجوز عمارة وقف من وقف آخر على جهته.

(وأفتى) الشيخ (عُبادة) من أئمة أصحابنا: (بجواز عمارة وقف من رَيْع) وقف (اخر، على جهته). ذكره ابن رجب في " طبقاته " في ترجمته.

قا ل (المنقح) في " التنقيح ": (وعليه العمل). وعبارته في " الأنصاف " قلت: وهو قوي، بل عمل الناس عليه. لكن قال شيخنا- يعني: ابن قندس- في " حواشي الفروع ": أن كلامه في " الفروع " اظهر.

وقال الحارثي: وما عدا المسجد من الأوقاف: يباع بعضه لإصلاح مابقي. انتهى.

(ويجوز نقضُ منارة مسجد وجعلها في حائطه؛ لتحصينه). نص عليه في رواية محمد بن الحكم؛ لتحصينه من الكلاب.

(و) يجوز أيضاً (اختصارُ آنية) موقوفة، كقدور وقوب ونحوهما إذا تعطلت، (وإنفاق الفضل) من ثمنها (على الإصلاح). قاله الحارثي. وعبارته التي حكاها عنه في " الأنصاف " أنه قال: يجوز اختصار الأنية إلى اصغر منها إذأ تعطلت وإنفاق الفضل على الإصلاح، وإن تعذر الاختصار احتمل جعلها نوعاً آخر مما هو أقرب إلى الأول، واحتمل أن يباع ويصرف في آنية مثلها وهو الأقر ب. انتهى.

قال في " الأنصاف " عقب ذلك: قلت: وهو الصواب.

(1)

في أ: تعيين.

ص: 257

إذا تقرر هذا فللأصحاب اثنا عشر طريقاً فيمن يلي بيعه. اثنان منها: فيما إذا

كان الوقف على سبل الخيرات " كالمساكن والمساجد والقناطر ونحو ذلك أُشير إلى المعتمد منها بقوله:

(ويبيعه حاكم: أن كان على سبل الخيرات).

قال الأكثر: قولا واحدا. وقطع به صاحب " الرعاية " في كتاب الوقف والحارثي والزركشي في كتاب الجهاد. وقال: نص عليه.

قال في " المغنى " بعد أن ذكر النص على جواز بيع عرصه المسجد: وتكون الشهادة في ذلك على الإمام. انتهى.

ووجه ذلك: أنه فسخ لعقد لازم مختلف فيه اختلافاً قوياً فتوقف على الحاكم كما قيل في الفسوخ للمختلف فيها.

والطريق الثانى: أن الناظر الخاص يليه أن كان ثم الحاكم. جزم به في

" الرعاية الكبرى " في كتاب البيع.

قال في " الأنصاف ": بعد حكأىته قلت: وهو الصواب.

(وإلا) أى: وإن لو يكن الوقف على سببل الخيرات بأن كان على شخص معين أنه جماعة معينين أنه من يؤم أنه يؤذن أنه يبيت في هذا المسجد ونحو ذلك: (فـ) يبيعه على الطريق المعتمد من العشرة (ناظر خاص) أن كان. قال بعضهم: قولاً واحداً.

قال الزركشي: إذا تعطل الوقف فإن الناظر فيه يبيعه ويشتري بثمنه ما فيه منفعة يرد على أهل الوقف. نص عليه وعليه الأصحاب.

قال في " الفائق ": ويتولى البيع ناظره الخاص. حكاه غير وأحد وجزم به

في " التلخيص " و" المحرر ". فقال: يبيعه الناظر فيه. انتهى.

الطريق الثانى من العشرة: يليه الموقوف عليه.

قال في " الهداية ": فإن تعطلت منفعته فالموقوف عليه بالخيار بين النفقة عليه وبين بيعه وصرف ثمنه في ملكه .. وكذا قال ابن عقيل في " فصوله " وابن

ص: 258

البنا في " عقوده " وابن الجوزي في " المذهب " و" مسبوك الذ هب " والسامري في " المستوعب " وابو المعالي بن منجى في " الخلاصة " وابن أبي المجد في " مصنفه ". وقدمه في " الرعاية الصغرى " فقال: وما بطل نفعه فلمن وقف على بيعه قلت: إن ملكه.

وقيل: بل لناظره بيعه بشرطه. انتهى.

وقدمه أيضاً في " الحاوى الصغير ".

الطريق الثالث: يليه الحاكم قولاً واحداً. وهو قول الحلوانى في

" التبصرة ".

الطريق الرابع: يليه الناظر الخاص فإن لم يكن له ناظر خاص فالحاكم قولاً واحداً. قاله صاحب " التلخيص ".

الطريق الخامس: هل يليه الناظر الخاص- وهو المقدم- أنه الموقوف عليه؟ فيه وجهان، وهذا عند الناظم.

الطريق السادس: هل يليه الموقوف عليه- وهو المقدم- أو أن قلنا: يملكه

- واختاره- أنه الناظر؟ على ثلاثة اقوال، وهذا في " الرعاية الصغرى ".

الطريق السابع: هل يليه الموقوف عليه- وهو المقدم- أنه الناظر؟ فيه وجهان، وهذا في " الحاوى الصغير ".

الطريق الثامن: هل يليه الناظر الخاص، أن كان- وهو المقدم-، أنه الحاكم؛. حكاه في " الرعاية الكبرى " في كتاب الوقف. فيه قولان. وإن لم يكن ناظر خاص فهل يليه الحاكم.- وهو المقدم في كتاب البيع؟ وذكره نص أحمد، أنه الموقوف عليه؛- وهو المقدم في كتاب الوقف- أو أن قلنا يملكه، واختاره؟ على ثلاثة أقوال.

الطريق التاسع لصاحب " الفروع " وهو: هل يليه الحاكم مطلقاً - وهو المقدم- أنه الموقوف عليهظ على وجهين.

الطريق العاشر لصاحب " الفائق " وهو: هل يليه الناظر الخاصر إن كان. فإن لم

ص: 259

يكن هل يليه الحاكم، أو الموقوف عليه أن لنا: يملكه؟ على وجهين مطلقين. هكذا عدها في " الأنصاف ". وترجع إلى تسعة، فإن الأول هو الرابع بدون قوله: قولاً واحداً على ما جزم به الحارثي. وقدمه في " الرعاية الكبرى " في كتاب البيع، وذكره أحمد.

وقيل: على الأول إن لم يكن له ناظر خا ص يليه الموقوف عليه مطلقاً.

وقيل: إن قلنا: يملكه.

قال في " الإئصاف ": ولعله مراد من اطلق. والله أعلم

(و) على الأول: وهو أن الئاظر الخا ص يلي بميعه (الأحوط أذْنُ حاكم له). قاله في " التنقيح ".

ووجهه: أنه يتضمن البيع على من ممن ينتقل إليهم بعد الموجودين الأن. أشبه البيع على الغالب.

(وبمجرد شراء البدلا يصير وقفاً، بدل أضحية ورهنٍ اتلف).

قال الحارثي عند قول المصنف في وطء الأمة الموقوفة: إذا أولدها فعليه القيمه يشتري بها مثلها يكون وقفاً: ظاهره أن البدل يصير وقفاً بمجرد الثسراء. انتهى،

قال في " الإنصاف " عقب نقله لكلام الحارثي: قلت: وهو ظاهر كلام كثيرمن الأصحاب هنا؛ لإقتصارهم على بيعه وشراء بدله.

وصرح به في " التلخيص " فقال في كتاب البيع: ويصرف ثمنه في مئله ويكون وقفاً كالأول.

[وصرح به أيضاً فى " الرعاية " في موضعين. فقال: فلناظره الخاص بييعه وصرف ثمنه في مثله، أنه بعض مئله

(1)

ويكون ما اشتراه وقفاً كالأول]

(2)

.

(1)

فى أثمنه.

(2)

ساقط من ب.

ص: 260

وقال في أثناء الوقف: فإن وطئ فلأحد ولا مهر.

ثم قال: وهي ام ولده تعتق بموته وتؤخذ قيمتها من تركته، تصرف في مثله، تكون بالشراء وقفاً مكانها. وهذا صريح بلا شك.

وقال الحلوانى في كتابه " المبتدئ ": وإذا خرب الوقف وإنعدمت منفعته:

بيع واشتري بثمنه ما يرد على أهل الوقف، وكان وقفاً كالأول.

وقال في " المبهج ": ويشترى بثمنه ما يكون وقفاً.

قال شيخنا الشيخ تقي الدين بن قندس البعلي في حواشيه على " المحرر ":

الذي يظهر أنه متى وقع الشراء لجهه الوقف على الوجه الشرعي ولزم العقد. فإنه يصير وقفاً؛ لأنه كالوكيل في الشراء، والوكيل يقع شرأؤه للموكًِل. فكذا هذا يقع شراؤه للجهة المشترى لها، ولا يكون ذلك إلا وقفاً. انتهى.

وهو الصواب. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

وقيل: لا بد من تجديد الوقفية بسد الشراء. وهو ظاهر كلام الخرقي.

قال الحارثي: وبه اقول؛ لأن الشراء لا يصلح سببا لإفاده الوقف هـ- بد للوقف من سبب يقيده. انتهى.

(والاحتياط وقفه). قاله في " التنقيح "؛ لئلا ينقضه بسد ذلك من لا يرى وقفيته بمجرد الشراء.

فائدة:

قال في " الفروع " عن " الفنون ": لا بأس بتغيير حجارة الكعبة أن عرض

لها مرمة؛ لأن كل عصر احتاجت فيه إليه قد فعل ولم يظهر نكير، ولو تعينت الآلة لم يجز؛ كالحجر الأسود، ولا ي وز نقله، ولا يقوم غميره مقامه، ولا ينتقل النسك معه؛ كأى القرأن لا يجوز نقلها عن سورة هي منها؛ لأنها لم توضع

إلا بنص من النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: " ضعوهما في سورة كذا "

(1)

.

(1)

عن عثمان بن أبي العاص قال: " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه حتى كاد أن يلزقه=

ص: 261

قال: وقال العلماء: مواضيع الآية من كتاب الله كنفس الآية، ولهذا حسم صلى الله عليه وسلم مادة التغيير في إدخال الحجر إلى البيت.

ويكره نقل حجارتها عند عمارتها إلى غيرها. كما لا يجوز صرف تراب المساجد لبناء في غيرها بطريق الأولى.

قال: ولا يجوز أن تعلى أبنيتها زيادة على ما وجد من علوها.

وأنه يكره الصلّ

(1)

فيها وفي أبنيتها إلا بقدر الحاجة.

ويتوجه جواز البناء على قواعد إبراهيم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لولا المعارض في زمنه لفعله، كما في خبر عائشة

(2)

.

قال ابن هبيرة فيه: يدل على جواز تاً خير الصواب لأجل قالة ورأى. خلافاً لمالك وفاقاً للشافعي. وتركه أولى، لئلا يصير ملعبة للملوك. انتهى. (وفضل غلة) شيء (موقوف على معين)، كزيد وولده (استحقاقه مقدر) " كما لو قال الواقف: يعطى من أجرة هذه الدار في كل شهر عشرة دراهم، وأجرة الدار أكثر من ذلك:(يتعين إرصادُه) أى: الفضل عن المقدر.

قال في " الأنصاف ": قال الحارثي: فضل غلة الموقوف على معين تعين إرصادها. ذكره القاضي أبو الحسين.

(1)

=بالأرض قال: ثم شخص ببصره فقال: أتأني جبريل عليه السلام فأمرني أن أضع هذه الاية بهذا الموضع من هذه السورة: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) " [النحل 90]

أخرجه أحمد في " مسند هـ "(17947) 4: 218. ولم أره بالنص الذي ساقه المصنف.

في ج: النقل، وفي " القاموس ": وصل المسمار صليلا: ضرب فاًكره أن يدخل في الشيء.

(2)

قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عائشه! لولا قومك حديث عهدهم- قال ابن الزبير- بكفر لنقضت الكعبه. فجعلت لها بابين. باب يدخل الناس وباب يخرجون.

أخرجه البخاري في " صحيحه "(126) 1: 59 كتاب العلم. باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه

ص: 262

قال الحارثي: وإنما يتأتى إذا كان المصرف مقدراً وهو واضح. انتهى.

(ومن وقف) شيئاً (على ثًغْر فاختّلَ) الثغر الموقوف عليه: (صُرف)

ما كان يصرفه له (في ثغر مثله).

قال في " الفروع ": ذكره الشيخ. انتهى.

قال في " التنقيح ": (وعلى قياسه) أى: قياس الثغر (مسجد ورباط، ونحوهما)، كسقاية.

(ونص) الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ورحمه في رواية حرب: (فيمن وقف على قنطرة فإنحرف الماء: يُرصد. لعله يرجع) أى: الماء إلى القنطرة فيصرف عليها المرصد.

(وما فضل عن حاجته) أى: حاجة الموقوف عليه. سواء كان مسجداً أنه رباطاً أنه غيرهما: (من حُصْرٍ وزيّتٍ ومُغَلٍّ وإنقاض وآلة) جديدة (وثمنها) أى: ثمن هذه الأشياء إن أبيعت: (يجوز صرفه في مثله) أن كان الفاضل عن مسجد ففي مسجد، وإن كان عن رباط ففي رباط.

(و) يجوز صرفه أيضاً (إلى فقير). نص عليه في رواية المروذي. واحتج

بأن شيبة بن عثمان الحجبي كان يتصدق بخلعأن الكعبة.

وروى الخلال بإسناده: أن عائشة امرته بذلك.

وهذه قضية أنتشرت ولم تنكر فكانت كالإجماع.

ولأنه مال الله تعالى لم يبق له مصرف. فجاز صرفه للفقراء. وخص

أبو الخطاب والمجد الفقراء بفقراء جيرأنه.

وعنه: لا يصرف لغيره لا لمثله ولا للفقراء.

وعنه: يصرف لمثله دون الفقراء.

واختار الشيخ تقي الدين جواز صرفه في مثله وفي سائر المصالح وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته. قال: وإن علم أن ريعه يفضل عنه وجب صرفه؛ لأن بقاءه فساد. ولا مأنع من إعطائه فوق ما قدره له الواقف،

ص: 263

لأن تقديره لا يمنع استحقاقه، كغير مسجده. ومثله وقف غيره.

قال في " الفروع ": وكلام غيره معناه. ونقل عن الشيخ تقي الدين أيضاً:

أنه لا يجوز لغير الناظر صرف الفاضل. واقتصر عليه.

(ويحرم حفر بئر) بمسجد.

قال الحارثي في الغصب: وإن حفر بئراً في المسجد للمصلحة العامة فعليه ضمان ما تلف بها، لأنه ممنوع منه. إذ المنفعة مستحقة للصلاة فتح لها عد وإن.

ونص على المنع في

(1)

رواية المروذي.

وقال في " الرعاية الكبرى ": لم يكره أحمد حفرها فيه. ثم قال: قلت:

بلى أن كره الوضوء فيه. انتهى.

(و) يحرم أيضاً (غرس شجرة بمسجد).

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.

وقيل: يكره الغرس.

وفيل: أن ضيقت حرم، وإلا كره.

(فإن فعل) بأن حفر البئر: (طُمَّت). نص عليه في رواية المروذي. وقدمه في " الفروع ".

(و) أن غرس الشجرة (قُلِعَت) نصا.

قال أحمد.: غرست بغير حق ظالم غرس فيما لا يملك.

ولأن الغرس في المسجد تصرف فيه بما ليس من حاجته. فلم يجز، كما لو جعله مسكناً.

وظاهر النص و" المحرر ": أنه لا يختص قلعها بواحد.

وفي " المستوعب " و" الشرح": أنه للإمام.

(1)

في ي وب: من ..

ص: 264

(فإن لم تُقلع) وقد أثمرت (فثمرها لمساكينه) أى: المسجد.

قال في " الإرشاد ": قال الحارثي: وهو المذهب، قال: والأقر ب حله لغيرهم من المساكين.

وقيل: إنما يباح للمساكين مع غناء المسجد عن ثمنه.

(وإن غُرست) الشجرة (قبل بنائه) أى: المسجد بأن وقف وهي فيه، (ووقفت) الشجرة أيضاً (معه) أى: مع المسجد: (فإن عيّن) الواقف (مصرفها) بأن قال: تباع ثمرتها ويشترى بثمنها حصراً وزيتاً ونحو ذلك: (عُمل به) أى: بما عينه الواقف.

(وإلا) أى: وإن لم يعيّن الواقف مصرفها: (فكـ) وقف (منقطع). قدمه في " الفروع ". ثم قال: ونقل جماعه في مصالحه. وإن فضل عن مصالحه شئ من الثمرة فلجارالمسجد أكلها. نص عليه.

قال جماعة: ولغيره.

وقيل: للفقير منهم.

وقيل: مطلقاً. ذكر معنى ذلك كله في " الفروع ".

(ويجوز رفعُ مسجد) حيب (أراد أكثرأهله) أى: المسجد (ذلك) أى: رفعه، (وجعل سِفْله سقاية وحوانيت).

قال في " الأنصاف ": في ظاهر كلام أحمد وأخذ به القاضي. قاله الزركشي في كتاب الجهاد.

وفيل: لا يجوز. واطلق وجهين في " الفروع ".

وقال في " الرعاية الكبرى ": فإن أراد أهل مسجد رفعه عن الأرض وجعل سفله سقاية وحوانيت: روعي أكثرهم. نص عليه.

وقيل: هذا في مسجد ارادأهله أنشأنهه كذلك. وهو أولى. انتهى.

واختار هذا ابن حامد وأول كلام أحمد عليه. وصححه المصنف والشارح.

ص: 265

وَرَد هذا التاًويل بعض محققي الأصحاب من وجوه كثيرة. وهو كما قال. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

(لا نقلُه) أى: المسجد إلى مكان غير مكانه الأول ولو خرب (مع إمكان عمارته) مرة أخرى (دون) العماره (الأولى) بحسب النماء فإنه لا يجوز. قاله في " الفنون ". وإن جماعة أفتوا بخلافه وغلطهم. نقله في " الفروع " واقتصر عليه. وكذا فعل في " الأنصاف ".

ولا يجوز أيضاً تحليته أى: المسجد بذهب أو فضة، وفاقاً للشافعي.

وقيل: يكره وفاقاً لمالك.

وللحنفية الكراهة والإباحة والندب. قالوا: ويضمن متولي الوقف. واحتجوا بتذهيب الوليد الكعبة لما بعث إلى واليها خالد القسري.

ومن جعل سِفْل بيته مسجداً يُنْتفعُ بسطحه.

ص: 266

[باب: الهبة]

هذا (باب) يذكر فيه مسائل من أحكام الهبة.

وأصلها من هبوب الريح أى: مروره، يقال: وهبت له شيئاً وهباً بإسكان الهاء وفتحها وهبة.

قال في " القاموس ": ولا تقل وهَبَكَهُ. حكاه أبو عمرو عن أعرابي.

وهو واهب ووهاب ووهوب ووهابة. والاسم الموهب والموهبة بكسر الهاء فيهما. والاتهاب: قبول الهبة. والاستهاب: سؤال الهبة. وتواهبوا وهب بعضهم لبعض. وواهبه فوهبه يهبه، كيدعه ويرثُه

(1)

غلبه في الهبه.

ثم (الهبةُ) شرعاً: (تمليكُ) إنسان (جائز التصرف) أى: مكلف رشيد

مما يجوز له التصرف فيه إنساناً غيره (مالاً معلوماً) أى: جائز بيعه خاصة. وسيأتي التنبيه في المتن على ذلك (أنه) مالاً (مجهولاً تعذرعلمه).

قال في " الفروع ": كصلح. ومن أمثلة ذلك: لو اشتبه شيء من أعيان الواهب بشيء من أعيان الموهوب له وتعذر تمييز ملك أحدهما من ملك الآخر فوهب أحدهما عين الذي له للآخر فإنه يصح ميع جهل عين الذي له من ذلك. وقال في " الكافي ": أنه تصح هبة ذلك، وكلب ونجاسة يباج نفعها.

نقل حنبل فيمن أهدى إلى رجل كلب صيد: ترى له أن يثبت عليه؟ قال:

هذا خلاف الثمن هذا عوض من شيء. فاًما الثمن فلا.

وفي " الفروع ": وقيل: وجلد ميتة.

(1)

في ب: يرثه.

ص: 267

وقيل: ومجهول عند متهب.

وعلى المذهب: يشترط في المال الموهوب: أن يكون (موجوداً مقدوراً على تسليمه).

وقيل: وغير مقدور كوصية.

قال في " الفروع ": ويتوجه منه هبة معدوم وغيره. انتهى.

ولعله أراد بقوله: وغيره ما قاله صاحب " الرعاية ": ولا ما لا يتم ملكه

له؛ كقفيز مبهم اشتراه من صُبْرة ولم يقبضه. انتهى كلامه في " الرعاية ".

ونقل ابن أبي عبدة عن أحمد: أنه سئل عن الصدقة بثلث دار غائبة عن رجل مشاعه وحد الدار وهي معروفة قال: جائز، ليس كما يقول هؤلاء: لا يجوز حتى يعرف الدار.

ونقل حرب إذا قال: ضع ثلث ضيعتي لفلان بلا قسمة جاز إذا كانت تعرف. ويشترط أيضاً في المال المملك أن يكون: (غير واجب) على من ملكه.

ولا بد أن يكون التمليك منجزاً (في الحياة بلا عوض، بما) أى: بقول أنه

فعل (يعد هبة عرفا) على المذهب. حتى أن ابن عقيل ومن تبعه لم يذ وا في الهبة بالمعاطاة. الخلاف الذي في بيع المعاطاة.

وفي " المستوعب " و" المغني " في الصداق: لا تصح إلا بلفظ الهبة. والعفو التمليك .. .

وفي " الرعاية ": في عفو وجهان.

وفي " المذهب " الفاظها: وهبت واعطيت وملكت.

وفي " الأنتصار ": أطعمتكه كوهبتكه.

فخرج بقيد التمليك العارية فإنها إباحة. وبقيد المال كلب الصيد ونحوه. وبقيد كونه غير واجب نفقة الزوجة ونحوها. "وبقيد الحياة الوصية. وبقيد كون التمليك بلا عوض عقود المعاوضات، كالبيع والإجارة ونحوهما.

قال في " المغني " عقب حكأىته للفظ الخرقي: وجملة ذلك أن الهبة

ص: 268

والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض واسم العطية شامل لجميعها. انتهى.

(فمن قصد بإعطاء) لغيره (ثوابَ الأخرة فقط [فـ (عطيته على هذا الوجه) صدقة.

و) من قصد بإعطائه (إكراماً أنه تودد]، ونحوه) " كمنْ أجل المحبة]

(1)

(فـ) عطيته (هدية.

وإلا) أى: وإن لم يقصد المعطي بإعطائه شيئاً (فـ) ما اعطى (هبة وعطية ونحلة) اعتباراً بالمعنى الأعم فتكون الألفاظ الثلاثة متفقة معنى وحكما.

قال في " المغنى " بعد أن ذكر غالب المعانى المتقدمة: وجميع ذلك مندوب إليه ومحثوث عليه. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تهادوا تحابوا "

(2)

.

وأما الصدقة: فما ورد في فضلها أكثر من أن يمكننا حصره. وقد قال الله تعالى. (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ)[البقره: 271]. انتهى.

قال في " الفروع ": وظاهر كلامهم تقبل هدية المسلم والكافر. وذكروه

في الغنيمة. ونقل ابن منصور في المشرك: أليس يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم

رد وقَبِل؟

(3)

(1)

ساقط من أ.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 169 كتاب الهبات. باب التحريض على الهبة والهدية صلة بين الناس. عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

عن عبد الله بن الزبير قال: " قدمت قتيلة ابنة عبد العزيز بن عبد أسعد من بنى مالك بن حسل على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدحلها بيتها.

فساً لت عائشة النيي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ

) إلى اخر الاية، فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها ".

أخرجه أحمد في " مسنده "(16155) 4: 4.

وعن عياض بن حمار المجاشعى وكانت يينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث " فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم

أهدى له هدية قال: أحسبها إبلا. فأبى أن يقبلها. وقال: إنا لا نقبل زبد المشركين.؟ قال قلت: وما زبد المشركين؟ فال: رقدهم وهديتهم ".

أخرجه أحمد في " مسنده "(17517) 4: 162.

ص: 269

وقد رواهما أحمد.

وقال ابن الجوزي فيها ثلاثة أنهجه:

احدها: أن أخبار القبول أثبت.

والثانى: أنها ناسخة.

والثالثة: قَبِل من أهل الكتاب. وقبوله من أهل الشرك ضعيف أنه منسوخ. وقيل: الهبة تقتضي عوضاً.

وقيل: مع عرف. فلو أعطاه ليعاوضه أنه ليقضي له حاجة فلم يف فكالشرط. واختاره شيخنا. انتهى.

(ويعُمُّ جميعها لفظ العطية)؛ لشموله لها.

(وقد يراد بعطية: الهبة في مرض الموت).

قال

(1)

في " المطلع " عن لفظه

(2)

في " المقنع " باب الهبة والعطيه: والعطية هنا: الهبة في مرض الموت. فذكر الهبة في الصحة والمرض وأحكامهما

(3)

.

(ومن أهدى ليهدى له أكثر: فلا بأس به)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " المستفزز يثاب

من هبته ".

(لغير النبي)؛ لقوله تعالى: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (?)[المدثر: 6].

ولما فيه من الحر ص والمنة

(4)

. على أن الآية فسرت بهذا أنه بغيره.

قال في " الفروع ": ومن أهدى ليهدى له أكثر فنقل صالح: أن أباه ذكر

قول الضحاك لا بأس به لغير النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

(1)

في أ: فإن. د

(2)

فى أ: لفظ.

(3)

في أ: في الصحة وأحكامه.

(4)

فى أوب: والمنه.

ص: 270

(ووعاء هدية كهي) فلا ترد، (مع عرف) بذلك. فإن لم يكن عرف رده. قاله في " الفروع ".

قال الحارثي: لا يدخل الوعاء إلا ما جرت العادة به؛ كقوصرة التمر ونحوها. انتهى.

(وكُره رد هبة وإن قلًَت) أى: كانت قليلة.

(ويكافئ) المهدى له (أنه يدعو) له. نقله في " الفروع " عن " الغنية ".

ثم قال: ويتوجه أن لم يجد دعا له كما رواه أحمد وغيره. ولأحمد من حديث ابن مسعود: " لا تردوا الهدية

(1)

"

(2)

.

وحكى أحمد في رواية مثنى عن وهب قال: ترك المكافأة من التطفيف.

وقاله مقاتل. وكذا اختار شيخنا في رده عن الرافضي: أن من العدل الواجب مكافاً ة من له يدا ونعمة ليجزيه

(3)

بها. انتهى.

(إلا إذا علم) من أتته الهدية (أنه) أى: المهدي إنما (أهدى حياء: فيجب الرد) أى: رد هديته إليه. نقل هذه المسا لة ابن مفلح في " الآداب " عن ابن الجوزي ثم قال: ولم اجد من صرح بذلك غيره. وهو قول حسن؛ لأن المقاصد في العقود عندنا معتبرة. انتهى.

(وإن شُرط) بالبناء للمفعول (فيها) أى: في الهبة (عوض معلوم): صح. نص عليه؛ كشرطه في عاريه، و (صارت) الهبة (بيعاً)؛ لأنه تمليك بعوض معلوم. أشبه البيع وشاركه في الحكم فيثبت فيها الخيار والشفعة.

قا ل في " الفروع ": وقيل: بقيمتها بيعا.

وعنه: هبة.

وقيل: لا تصح كنفي ثمن. انتهى.

(1)

في ب: الهبة.

(2)

أخرجه أحمد في " مسنده "(3838): 1 404.

(3)

في ب: ليجتزيه.

ص: 271

ومراده في بيع.

(وإن شُرط) في الهبة (ثوابٌ مجهول: لم تصح)، لأنه عوض مجهول

في معاوضة. فلم يصح العقد معه؛ كالبيع. وحكمها حينئذ حكم البيع الفاسد فيردها الموهوب له بزيادتها مطلقاً؛ لأنها نماء ملك الواهب. وإن كانت تالفة رد قيمتها.

وعنه: يصح مع شرط الثواب المجهول.

قال فى " الفروع ": ذكره شيخنا ظاهر المذهب، ويرضيه. فإن لم يرض ردها بزيادة ونقص. نص عليه. فإن تلفت قيمتها

(1)

يومه. ولا يجوز أن يكافئه بالشكر والثناء. نص عليه. انتهى.

وظاهر ما تقدم: أن الهبة المطلقة لا تقتضي عوضاً. سواء كانت لمثله أو دونه أو أعلا منه.

وقال ابن حمدان: هي من الأدنى تقتضي عوضاً هو القيمة؛ لقول عمر:

" من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها "

(2)

وجوابه: باً نها عطية على وجه التبرع. فلم تقتض ثوابا، كهبة المثل

والو صية.

وقول عمر خالفه ابنه وابن عباس.

(وإن اختلفا) أى: الواهب والموهوب له (في شرط عوض) في الهبة: (فقول) موهوب له (منكر) بيمينه. وجزم به في " الكافي " وصح الحا رثي.

وقيل: يقبل قول الواهب.

واطلقهما في " الفروع " و" الرعاية الكبرى ".

(1)

فى أ: فقيمها.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 182 كتاب الهبات. باب المكافأة في الهبة.

ص: 272

ووجه المذهب: كونه الأصل.

(و) أن اختلفا (في) صوره ما إذا قال إنسان بيده شيء لمن تقدم ملكه عليه: (وهبتني ما بيدي. فقال) له: (بل بعتكه، ولا بينة) لوأحد منهما بما قاله: فإنه (يحلف كل) منهما (محلى ما أنكر) من دعوى الاخر؛ لأن الأصل عدمه.

(ولا هبة) يقضى بها (ولا بيع)؛ لأنه لم يثبت وأحد منهما.

(وتصح) الهبة (ويملك) المتهب العين الموهوبة (بـ) مجرد (عقد)

وهو الآيجاب والقبول.

قال ابن رجب في القاعدة التاسعة والأربعين: القبض في العقود على قسمين:

أحدهما: أن يكون من موجب العقد ومقتضاه؛ كالبيع اللازم والرهن اللازم والهبة اللازمة والصداق وعوض الخلع. فهذه العقود تلزم من غير قبض. وإنما القبض فيها من موجبات عقودها. ثم قال بعد ذلك بأسطر: وأعلم أن كثيراً من الأصحاب يجعل القبض في هذه العقود معتبرا للزومها واستمرارها، لا

(1)

لأنعقادها وإنشائها. وممن صرج بذلك صاحب " المغني " وأبو الخطاب في "انتصاره " وصا حب " التلخيص " وغيرهم.

ومن الأصحاب من جعل القبض فيه شرطاً للصحة. وممن صرح بذلك صاحب " المحرر " فيه في الصرف والسلم والهبة.

وقال في " الشرح": مذهبنا أن الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض. وفرع عليه إذا دخل وقت الغروب في ليلة الفطر والعبد موهوب لم يقبض ثم قبض وقلنا يعتبر في هبته القبض ففطرته على الواهب. وكذلك صرح ابن عقيل بأن القبض ركن من أركان الهبة كالآيجاب في غيرها. وكلام الخرقي يدل عليه أيضاً.

(1)

ساقط من ب.

ص: 273

ثم قال بعد ذلك باًسطر: وفي الهبة وجه ثالث حكي عن ابن حامد: أن الملك فيها يقع مراعى. فإن وجد القبض تبينا أنه كان للموهوب بقبوله، وإلا فهو للواهب. وفرع على ذلك حكم الفطرة. انتهى.

وعبارته في " الفروع ": وتصح بالعقد. وهل يملكها به؟ فيه وجهان.

وفي " الأنتصار ": روايتان. وعليهما يخرج النماء. وذكر جماعة: أن اتصل القبض. انتهى.

(فيصح تصرف قبل قبض).

قال في " الأنصاف " بعد أن قدم أنها تملك بالعقد: فعلى المذهمب يجوز التصرف فيه قبل القبض. نص عليه. والنماء للمتهب.

(و) تصح الهبة وتملك العين الموهوبة أيضاً (بمعاطاة بفعل)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي ويهدى إليه، ويعطي ويعطى، ويفرق الصدقات، ويأمر سعاته بتفريقها وأخذها.

وكان أصحابه يفعلون ذلك. ولم ينقل عنهم في ذلك لفظ إيجاب ولا قبول

ولا أمر به ولا بتعليمه لأحد.

ولو كان ذلك شرطاً لنقل عنهم نقلا مشهوراً.

و" كان ابن عمر على بعير لعمر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بعنيه. فقال: هو لك يارسول الله! فقال رسول الله: هو لك يا عبد الله بن عمر. فاصنع به ماشئت "

(1)

.

ولم ينقل قبول النبي صلى الله عليه وسلم من عمر ولا قبول ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان شرطا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وعلِّمه ابن عمر. ولم يكن لياًمره أن يصنع به شيئاً قبل أن يقبله.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2468) 2: 921 كتاب الهبة وفضلها. باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق.

ص: 274

ولأنه وجد ما يدل على التراضي بنقل الملك. فاكتفي به " كما لو وجد الإيجاب والقبول.

قال ابن عقيل: إنما يشترط الإيجاب والقبول مع الإطلاق وعدم العرف

القائم بين المعطي والمعطى، لأنه إذا لم يكن عرف

(1)

يدل على الرضى فلا بد من قول دال عليه.

أما مع قرائن الأحوال والدلالة " فلا وجه لتوقيفه على اللفظ. الا ترى أنا

اكتفينا بالمعاطاة "في البيع، واكتفينا بدلالة الحال في دخول الحمام وهو إجارة وبيع أعيان. فإذا اكتفينا في المعاوضات مع تأكدها بدلالة الحال، وأنها تنقل الملك من الجانبي. فلان نكتفي به في الهبة أولى. انتهى.

وقيل: لا بد من الإيجاب والقبول. وضعفه في " الفائق ".

(فـ) على المذهب (تجهيز) الإنسان (بنته بجهاز إلى بيت زوج لمليك)،

لوجود المعاطاة بالفعل.

(وهي) أى: الهبة فيما إذا وقعت

(2)

بإيجاب وقبول (في تراخي قول) عن-

الأيجاب ..

(وتقدمه) عليه (وغيرهما)، كاستثناء الواهب نفع الموهوب مدة معلومة. صرح بصحته

(3)

الموفق إجابة لسؤال. واقتصر عليه ابن رجب في القاعدة الثانية والثلاثين.

(كبيع). جزم به الحارثي واقتصر عليه في " الأنصاف ".

(وقبول هنا وفي وصية، بقول أنه فعل دال على الرضى.

وقبضها) أى: الهبة في الحكم (كمبيع). فيكون في موهو ب مكيل أنه

(1)

في أ: عرفا.

(2)

في ج: وقفت. وقد سقطت من ب.

(3)

في أ: بصحه ذلك

ص: 275

موزون أنه معدود أنه مذروع بكيله أنه وزنه أنه عده أنه ذرعه. وفيما ينقل بنقله، وفيما يُتناول بتناوله، وفيما عدى ذلك بالتخلية.

(ولا يصح) القبض (إلا بإذن واهب) فيه؛ لأنه قبض غير مستحق على الواهب. فلم يصح بغير إذنه؛ كأصل العقد وكالرهن. وهذا على المذهب. وهو: أن الهبه لا تلزم إلا بالقبض. على ما سيأنى في المتن.

أما على رواية أن الهبة تلوم في المتميز غير المكيل والموزون والمعدود والمذروع بمجرد العقد فلا يحتاج إلى إذن الواهب في قبضه " للزومها بدونه. (وله) أى: للواهب على المذهب (الرجوع) في الهبة وفي الإذن في قبضها (قبله) أى: القبض ولو بعد تصرف المتهب.

وقيل: ليس له الرجوع في وأحد منهما.

(ويبطل) إذن الواهب للموهوب له في قبض الهبة (بموت أحدهما)؛

كا لوكا لة.

(وإن مات واهب) قبل قبض الهبة. سواء كان أذن فيها أنه لا: (فوارثه مقامه في إذن) في القبض. (و) في (رجوع) في الهبة " لأن عقد الهبة مآله إلى اللزوم. فيقوم وارثه فيه مقامه؛ كالرهن قبل القبض.

قال ابن رجب في مسألة الرهن: ذكره الأصحاب وقالوا: هو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب. انتهى.

وقال القاضي: أن ما الواهب أنه الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة. سواء كان قبل الأذن فى القبض أو بعده؛ لأنه عقد جائز. فبطل بموت أحد المتعا قدين؛ كالوكالة والشركه.

ورد. بالفرق بين الوكالة والشركة وبين العقد الذى ماله إلى اللزوم. فإنه بها البيع المشروط فيه الخيار أشبه.

قال في " الفروع ": ووارثٌ واهبٍ يقوم مقامه.

ص: 276

وقيل: يبطل العقد؛ كمتهب

(1)

في الأصح. انتهى.

وقال بعض الأصحاب: إن وهب في الصحة ثم مات قبل القبض بطلُ العقد، وإن وهب في المرض ثم مات قبل القبض فالورثة بالخيار، لشبهها بالوصية.

(وتلزم) الهبة (بقبض؛ كـ) ما تلزم (بعقد فيما بيد متهب). يعني: أفي

الهبة لا تلزم بدون قبض بإذن واهب، لما روي عن عائشة " أن ابا بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما لما حضرته الوفاة قال لها: يا بنية! أنى كنت نحلتك جذاذ ضمرين وسقاً ولو كنت جذذتيه وحوزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال الوارث فاقتسموه على كتاب الله "

(2)

. رواه مالك في " الموطأ ".

وروي عن عمر أنه قال: " ما بال أقوام ينحلون أولاد هم فإذا مات احدهم

قال مالي وفي يدي وإذا مات هو قال: قد نحلته ولدي. لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد "

(3)

.

ولأنها هبة غير مقبوضة. فلم تلزم، كالطعام المأذون في أكله.

واما إذا كانت العين الموهوبة بيد المتهب أمانه، كالوديعة، أنه مضمونة، كالعوديعة والغصب: فتلزم بمجرد العقد.

(ولا يحتاج لمُضيّ زمن يتأتى قبضه فيه). فإن أحمد قال في رواية ابن منصور: إذا وهب لامراته شيئاً ولم تقبضه فليس بينه وبينها خيار وهي معه في البيت

قال في " المغني ": فظاهر هذا أنه لم يعتبر قبضاً ولا مضي مدة يتاتى فيها، لكونها معه في البيت فيدها على ما فيه. انتهى.

ولأن القبض مستدام فاًغنى عن الابتداء.

(1)

في أ: كموت.

(2)

أخرجه مالك فى "موطئه "(0 4) 2: 576 كتاب الأقضية. باب ما لا يجوز من النحل.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 170 كتاب الهبات. باب يقبض للطفل أبوه

ص: 277

قال في " الأنصاف " عن هذا: وهو المذهب.

قال الشارح: هذا الصحيح إن شاء الله تعالى. وقدمه في " المحرر "

و" الفائق " و" النظم " وابن رزين في " شرحه ".

قال في " الرعايتين ": وهو أولى. وكذا قال الحارثي. انتهى.

وعنه: لا بد من مضي مدة يتاًتى فيها القبض.

وعنه: لا بد من ذلك ومن الإذن في القبض أيضاً.

(وتبطل) الهبة (بموت متهب) بعد عقد و (قبل قبضٍ).

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب.

وقيل: لا تبطل. انتهى.

وعلله في " شرح المحرر " بأن القبض. من المتهب قائم مقام القبول. فإذا

مات قبله بطل العقد " كما إذا مات من أوجب له بيع قبل قبوله.

وأما إذا مات أحد المتعاقدين قبل القبول فإن العقد يبطل وجها واحداً، لأن

العقد لم يتم.

(فلو أنفذها) أى: الهبة (واهب مع رسوله) أى: رسول الو اهب (ثم

مات) مرسله (أنه) مات (موهوب له) وهو المرسل إليه (قبل وصولها " بطلت) الهبة " لم! روى أحمد بإسناده عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت: " لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها: أنى قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة عليّ. فإن ردت فهو لك قالت: فكان ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته. فأعطى كل امرأة من نسائه أنهقية من مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة "

(1)

. انتهى الحديث.

وحيث بلغ الرسول موت مرسله في أثناء الطريق فليس له حملها إلى المهدى

إليه، إلا أن يأذن له الوارث.

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(27316) 6: 4 0 4.

ص: 278

(إلا أن كانت) الهبة (مع رسول موهوب له) وقد مات الواهب فإنها لاتبطل، لأن قبض رسول الموهوب له كقبضه. فيكون موت الواهب بعد لزومها بالقبض فلا يؤثر.

(ولا تصح) الهبة (لحمل)، لأن تمليكه تعليق على خروجه حياً والهبة

لا تقبل التعليق.

(ويَقبل ويَقبض لصغير ومجنون) وُهب لهما شيء (وليٌ)، لأنه قبول لمال للمحجور عليه فيه حظ. فكان إلى الولي، كالبيع والشراء.

ولا يصح القبول ولا القبض من غير الولي وهو الأب أنه وصيه أنه الحا كم أنه أمينه.

قال أحمد في رواية صالح: في صبي وهبت له هبة أنه تصدق عليه بصدقة فقبضت الأم ذلك وأبوه حاضر. فقال: لا أعرف للأم قبضا، ولا يكون إلا

(1)

للأب.

وقال عثمان رضي الله تعالى عنه: " أحق من يحوز على الصبي أبوه "

(2)

.

قال في " المغني ": ويحتمل أن يصح القبض والقبولط من غيرهم عند عدمهم " لأن الحاجة داعية إلى ذلك. فإن الصبي قد يكون في مكان لا حاكم فيه وليس له أب ولا وصي ويكون فقيرا لا غنى به عن الصدقات. فإن لم يصح قبض غيرهم له، أنسد باب وصولها إليه. فيضيع ويهلك. ومراعاة حفظه عن الهلاك أولى من مراعاة الولاية.

(فإن وَهب هو) أى: الولي لموليه شيئاً: (وَكُّل من يقبل) له الهبة منه، (ويقبض هو) والمراد إذا كان الولي غير الأب إذا وهب ولده الصغير، وذلك معلوم مما سيأتي في المتن وهو قوله:

(1)

ساقط من أوب.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج البيهقي نحوه في " السنن الكبرى " 6: 170 كتاب الهبات. باب يقبض للطفل أبوه. ولفظه: " فرأى أن الوالد يحوز لولده إذا كانوا صغاراً ".

ص: 279

(ولا يحتاج أب وهب موليه لصغر إلى توكيل).

ال في " المغني ": فإن وهب الأب لابنه شيئاً قام مقامه في القبض والقبول

أن احتيج إليه.

قال ابن المنذر: اجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارا بعينها أنه عبدا بعينه وقبضه له من نفسه وأشهد عليه: أن الهبة تامة. هذا قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأى.

وروينا معنى ذلك عن شريح وعمر بن عبد العزيز.

ثم أن كان الموهوب مما يفتقر إلى قبض اكتفى بموله: قد وهبت هذا لابني وقبضته له؛ لأنه يغني عن القبول كما ذكرنا. ولا يغني قوله: قد قبلته؛ لأن القبول لا يغني عن القبض وإن كان مما لا يفتقر إلى قبض.

قلت: ولعله أراد ما المبض فيه بالتخلية والله أعلم اكتفي بقوله: قد وهبت

هذا لابني ولا يحتاج إلى ذكر قبض ولا قبول.

قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره

لا تحتاج إلى قبض، وإن الإشهاد فيها يغني عن القبض. وإن وليها أبوه؛- لما رواه مالك عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان قال:" من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز فاًعلن ذلك وأشهد على نفسه فهي جائزة وإن وليها أبوه "

(1)

. وقال القاضي: لا بد في

(2)

هبه الولد من أن يقول: قبلته لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج البيهقي نحوه وهذا مذهب الشافعي؛ لأن الهبة عندهم لا تصح إلا بإيجاب وقبول.

وقد ذكرنا من قبل: أن قرائن الأحوال ودلالتها تغني عن لفظ القبول،

ولا أدل على القبول من كون القائل هو الواهب. فاعتبار لفظ لا يفيد معنى من غير ورود الشرع به حكم لا معنى له. مع مخالفته لظاهر حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.

(1)

أخرجه مالك في " موطئه "(1503) كتاب الأقضية، باب: ما يجوز من النحل. ط إحياء العلوم

(2)

في أوب: من.

ص: 280

وليس هذا مذهباً لأحمد. فقد قال في رواية حرب: في رجل أشهد بسهم من ضيعته وهي معروفة لابنه وليس له ولد غيره. فقال: (4) إلي أن يقول عند الإشهاد: قد قبضته له. قيل له: فإن سهى؛ فقال: إذا كان مفرزا رجوت.

فقد ذكر أحمد أنه يكتفى بقوله: قد قبضت له. وأنه يرجو أن يكتفى مع

التمييز بالإشهاد فحسب، وهذا موافق للإجماع المذكور عن سائر العلماء.

وقال بعض أصحابنا: يكتفى بأحد لفظين إما أن يقول: قد قبلته، أنه قد

قبضته؛ لأن القبول يغني عن القبض.

قال الموفق: وظاهر كلام أحمد ما ذكرناه.

ولا فرق بين الأثمان وغيرها فيما ذكرنا، وبه يقول أبو حنيفة ؤالشافعي.

وفال مالك: أن وهب له ما لا يعرف بعينه كالأثمأن: لم يجز إلا أن يضعها

على يد غيره؛ لأن الأب قد يتلف ذلك ويتلف بغير سببه ولا يمكن أن يشهد على شيءبعينه. فلا ينفع القبض شيئاً.

ولنا: أن ذلك مما تصح هبته. فإذا وهبه لابنه الصغير وقبضه له وجب أن

يصح؛ كا لعروض.

ثم

(1)

قال في " المغني " بعد ذلك: وإن كان الواهب الصبي غير الأب من

أولىائه فقال أصحابنا: لا بد من أن يوكل من يقبل للصبي ويقبض له؛ ليكون الإيجاب منه، والقبول والقبض من غيره؛ كما في البيع. بخلاف الأب فإنها

يجوز أن يوجب ويقبل ويقبض؛ لكونه يجوز أن يبيع لنفسه.

قال: والصحيح عندي أن الأب وغيره في هذا سواء؛ لأنه عقد يجوز أن

يصدر منه ومن وكيله. فجاز له أن يتولى طرفيه؛ كالأب. وفارق البيع فإنه

لا يجوز أن يوكل من يشتري له.

ولأن البيع إنما منع منه لما يأخذه من العوض لنفسه من مال الصبي. وهو

هاهنا يعطي ولا يأخذ. فلا وجه لمنعه من ذلك وتوقيفه على توكيل غيره.

(1)

ساقط من أ.

ص: 281

ولأننا قد ذكرنا أنه يستغني بالإيجاب والإشهاد عن القبض والقبول فلا حاجة

إلى التوكيل فيهما مع غناه عنهما. انتهى.

وعلم من كلام صاحب " المغني ": أن ما نقله عن الأصحاب أن توكيل الولي غير الأب يكون في القبول والقبض معا. وكذا كلامه في " الأنصاف ". وعبارته: وإن وهب ولي غير الأب فقال أكثر الأصحاب: لا بد أن يوكل الواهب من يقبل للصبي ويقبض له؛ ليكون الإيجاب من الولي، والقبول والقبض من غيره؛ كما في البيع. بخلاف الأب. انتهى.

وكلامه في " التنقيح " وتبعته عليه: يقتضي أن التوكيل يكون في القبول فقط، ويكون الإيجاب والقبض من الواهب فإنه قال: وكل من يقبل ويقبض هو. ولعله اطلع بعد وضعه " الأنصاف " على كلام لبعض الأصحا ب يقتني ذلك، وأنه الأصح عنده فإنه قال في خطبة " التنقيح ": فإن وجدت في هذا الكتاب لفظا أنه حكما مخالفاً لأصله أنه غيره فاعتمده فإنه وضع عن تحرير. انتهى. وكذا فعلت. والله أعلم.

(ومن ابرأ) مديناً (من دينه) الذي له عليه، (أنه وهبه) أى: وهب الدين الذي له

(لمدينه، أنه احلَّه منه) بأن قال له: أنت في حلِّ منه، (أنه اسقطه عنه، أنه تركه) له، (أنه ملًكه له، أنه تصدق به) ي: بالدين (عليه) أى: على

(1)

المدين، (أنه عفا عنه) أى: عن الدين: (صح) ذلك جميعه، وكان كل لفظ منها مسقطاً للدين. وكذا لو قال: أعطيتكه. أما ما عدا لفظ الهبة والصدقة والعطية فظاهر في ذلك، وأما لفظ الهبة والصدقة والعطية؛ فلان هـ ليس هناك عين موجودة يتناولها اللفظ فإنصرف إلى معنى الإبراء.

قال في " الأنصاف ": قال الحارثي: يصح بلفظ الهبة والعطية مع اقتضائهما وجود معين وهو منتف؛ لإفادتهما لمعنى الإسقاط هنا.

(1)

زياده من ج.

ص: 282

قال: ولهذا لو وهبه دينه هبة

(1)

حقيقة

(2)

: لم يصح؛ لأنتفاء معنى الإسقاط، وإنتفاء شرط الهبة.

ومن هنا: امتنع هبته لغير من هو عليه، وامتنع إجزأنهه عن الزكاة؛ لأنتفاء

حقيقة الملك. انتهى.

(ولو) وجد ذلك (قبل حلوله) أى: الدين خلافاً لبعض الأصحاب. (أنه اعتقد) رب الدين المسقط له (عدمه) وفيه وجه. أصلهما الوجهان

(3)

فيما إذا باع مال أبيه أنه نحوه يظن حياته فتبين أنه قد مات.

وقيل: أصلهما الوجهان فيمن باشر امرأة بالطلاق يظنها أجنبية فبأنت امرأته. أنه واجه بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته.

(لا أن علقه) أى: علق رب الدين الإسقاط على شرط. نص عليه فيمن

قال: أن متَّ- بفتح التاء- فاً نت في حلِّ.

وجعل رجلاً في حل من غيبته بشرط أن لا يعود وقال: ما أحسن الشرط.

قال في " الفروع ": فيت جه فيهما روايتان. واخذ صإحب " النوادر " من شرطه: أن لا يعود رواية في صحة الإبراء بشرط. وذكر الحلوإنى والحارثي:

أن صحة الإبراء بشرط أصح.

(و) أما إذا قال له: (أن متُّ) - بضم التاء- (فإنت في حل) فإنه (وصية) للمدين بالدين.

(و) متى لم يعلق الإسقاط على شيء وكان المسقط جائز التصرف: فإن

الغريم (يبرأ) بأحد الألفاظ المتقدمة. (ولو ردَّ) ذلك الذي عليه الدين بأن قال: لا أقبل البراءة أنه نحو ذلك.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أوب: حقيقية.

(3)

في أ: لوجهان.

ص: 283

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب. نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.

وقيل: يشترط القبول. انتهى.

ووجه المذهب: أن إسقاط الحق لا يفتقر إلى القبول؛ كالعتق والطلاق والشفعة، وبهذا فاردتى هبة المعين

(1)

؛ لأنه تمليك.

قال في " الفروع ": وفي " المغني ": في إبرائها له من المهر: هل هو إسقاط أو تمليك؟ فيتوجه منه احتمال: لا يصح به، وإن صح اعتبر قبوله. انتهى.

(أنه جهل) يعني: أنه تصح البراءة من الدين ولو جهل قدره ووصفه بالنسبة

إلى رب الدين والمدين.

أما كون الإبراء يصح مع جهل رب الدين؛ فلأنه إسقاط حق. فينفذ مع العلم والجهل؛ كالعتق والطلاق.

واما كونه يصح مع جهل من عليه الدين؛ فلأنه لا يلتفت إليه في الإبراء. فعلمه بالمبرئ منه وجهله به سواء؛ كالأجنبي.

وعنه: لا يصح مع جهلهما، إلا إذا تعذر علمه.

وعنه ة لا تصح البراءة من المجهول كالبراءة من العيب.

وعنه: لا يصح مع جهل رب الدين وعلم المدين مطلقاً.

وعلى المذهب في هذا تفصيل وهو المشار إليه بقوله:

(لا أنه علمه م دين فقط وكتمه) أى: من رب الدين (خوفاً من أنه أن علمه

لم يبرئه) منه. يعني: فإنه لا تصح البراءة. صرج بذلك الموفق والشارح وتابعهما الحارثي.

ووجه ذلك: أن فيه تغريراً للمبرئ. وقد أمكن التحرز منه.

(1)

في أ: العين.

ص: 284

قال الحارثي: وظاهر كلام أبى الخطاب الصحة مطلقاً. قال: وهذا أقر ب. انتهى.

قال في " المحرر " بعد أن ذكر الروايات في أصل المسألة: ويتخرج أن يصح بكل حال. إلا إذا علمه المبرأ- بفتح الراء- وظن المبرئ- بكسرها جهله

(1)

به فلا يصح. انتهى.

ووجّه ذلك شارح " المحرر " بأنه قد يسقطه المبرئ ظنأ أن المبرأ لعدم علمه به قد يحتاج إلى المطالبه والخصومه فيبرئه قهطعا لنزاع، فمتى علمه المبرأ دونه يكون هضماً للحق فلا يصح لذلك.

(ولا يصح) الإبواء (مع إبهام المحل) الذي يرد عليه الإبراء؛ (كأبرأت أحد غريمي، أو) أبرأت هذا الغريم (من أحد ديني) اللذين عليه؛ كما لو قال: وهبتك أحد هذين العبدين، أنه كفلت أحد الدينين. وإختار الحلواني والحارثي الصحه قول مسألتي المتن. قالا: ويؤخذ بالبيان كطلاقه وعتقه إحداهما.

قال في " الفروع ": يعي: ثم يقرع،

(وما صح بيعه) من الأعيان (صحت هبته)؛ لأنها تمليك فى الحماة. صح فيما صح فيه البيع.

وعلم من هذا أن كل ما لا يصح بيعه لا تصح هبته. وهو المذهب. واختاره القاضى وقدمه في " الفروع ".

وقيل: تصح هبة ما يباح الانتفاع به من النجاسات. جرم به الحارثي؛ كالكلب، جزم به في " المغنى " و" الكافي ".

قال فى القاعده السابعة والثمانين: وليس بين القاضي وصاحب " المغنى " خلاف؛ لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز؛ كالوصيه. وقد صرح به القاضي "فى خلافه " انتهى

(1)

في أ: جهل.

ص: 285

وعلم مما تقدم دخول أم الولد فيما لا تصح هبته، لأنه لا يصح بيعها. وهو المذهب.

وقيل: تصح هبتها ميع القول بعدم صحة بيعها.

قال في " الأنصاف ": قلت ينبغي أن يقيد القول بالصحة بأن يكون حكمها حكم الإماء في الخدمة ونحوها إلى أن يموت الواهب فتعتق وتخرج من الهبه. انتهى.

وقال الشيخ تقي الدين: ويظهر لي صحة هبة الصوف على الظهر قولاً واحداً انتهى.

(و) صح (استثناء نفعه) أى: الشيء الموهوب (فيها) أى: في الهبة

عند أنشائها (زمناً معيناً)، كشهر وسنة. قياساً على البيع فيما إذا اشترط فيه البائع نفعا معلوما " كسكنى الدار المبيعة شهرا ونحو ذلك.

وتصح هبة الشقص المشاع. جزم به الأكثر، لما في " الصحيح " أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنم منهم. فقال رسول الله:" ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم "

(1)

.

ولأنه يصح بيعه.

وسواء أمكن قسمته أو لا.

قال في " الأنصاف ": وفي طريقة بعض الأصحاب: ويتخرج لنا

(2)

من

عدم إجارة المشاع: أنه لا يصح رهنه ولا هبته. انتهى.

وأُشير إلى صحة هبة المشاع في المتن بقوله:

(ويعتبر لقبض مُشاعٍ إذن شريك) فيه. فيكون نصفه مقبوضاً تملكاً، ونصف الشريك أمانة. قاله في " المجرد ". وإلى هذا أُشير بقوله:

(1)

أخرجه أحمد في " مسنده "(6729) 2: 184. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(2)

ساقط من ب

ص: 286

(وتكون حصته وديعة).

وفي " الفنون ": بل عارية يضمنه.

قال في " المغني ": فإن أبى الشريك أن يسلم نصيبه، قيل للمتهب: وكل

الشريك في قبضه لك ونقله. فإن أبى نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله. فيحصل القبض؛ لأنه لا ضرر على الشريك في ذلك، ويتم به عقد شريكه فيه. فيكون نصفه مقبوضاً تملكاً، ونصف الشريك أمانة. انتهى.

(و) محل ذلك: أن لم يأذن له الشريك في التصرف، وأما (أن اذن له)

أى: القابض (في التصرف) فيما منه الشقص الموهوب (مجاناً) أى: من غير عوض فتلف تحت يده: (ف) أن حصة الشريك تكون مضمونة (كعارية و) أن أذن له في التصرف (بأجرة. فـ) أن شقصه يكون في يد القابض أمانة؛ (كالمؤجر).

و (لا) تصح هبة (مجهول لم يتعذر علمه). نص عليه في رواية أبي داود وحرب؛ لأنه تمليك. فلم يصح في المجهول؛ كالبيع.

أما إذا تعذر علمه فإنه تصح هبته؛ كالصلح عنه للحاجة.

وقيل: تصح هبة

(1)

المجهول؛ كقوله: ما أخذتَ من مالي فهو لك، أنه

من وجد شيئاً من مالي فهو له. اختاره الحارثي والشيخ تقي الدين. وإنفرد باختيار الصحة في المعدوم؛ كهبة التمر واللبن بالسنة. قال: واشتراط القدرة على التسليم هنا فيه نظر. بخلاف البيع.

(ولا) تصح (هبة ما في ذمة مدين لغيره)؛ لأنه غير مقدور على تسليمه.

(ولا) تصح هبة (ما لا يقدر على تسليمه)؛ لأن الهبة عقد يفتقر إلى القبض. أشبه البيع.

وظاهره: أنه لو- وهب شيئاً لغاصبه أنه لمن يتمكن من أخذه: صح؛ لإمكان قبضه-.

(1)

في أ: لهبة.

ص: 287

وليس لغير الغاصب القبض إلا بإذن الواهب. فإن وكل المالك الغاصب في تقبيضه صح. وإن وكل المتهب الغاصب في القبض له فقبل ومضى زمن يمكن قبضه فيه صار مقبوضاً، وملكه المتهب، وبرئ الغاصب من ضمانه. ذكره

(1)

في "الشرح ".

وقيل: تصح هبة غير مقدور عليه. وقاله أبو ثور؛ لأنه تمليك بلا عوض.

أشبه الوصية.

(ولا) يصح (تعليقها) أى: الهبة على شرط. والمراد غير موت الواهب. فإنها تصح وتكون وصية وتقدمت الإشارة في المتن على ذلك

(2)

. اما لو قال: إذا جاء رأس الشهر، أنه قدم زيد أنه نحو ذلك فقد وهبتك كذا: لم يصح. جزم به أكثر الأصحاب؛ لأنها تمليك لمعيّن في الحياة. فلم يجز تعليقها على شرط؛ كالبيع.

وما روى أن النبي فال لأم سلمة: " أن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي

لك "

(3)

. فعلى سبيل الوعد لا الهبة.

(ولا) يصح (اشتراط ما ينافيها كان لا يبيعها) المتهب، (أنه)

لا (يهبها، ونحوهما)؛ كان لا يأكل الطعام الموهوب، أنه لا يلبس الثوب الموهوب رواية واحدة.

(وتصح هي) أى: الهبة مع وجود هذا الشرط الباطل. بناء على صحة

البيع مع وجود الشرط الفاسد فيه.

وقيل: لا تصح الهبة أيضاً.

(ولا) تصح الهبة (مؤقتة)؛ كقوله: وهبتك هذا شهراً أو سنة أنه نحو ذلك؛ لأنه تعليق لأنتهاء الهبة. فلاتصح معه؛ كالبيع.

(1)

في أ: وذكره.

(2)

ص (184).

(3)

سبق تخريجه ص (278) رقم (1).

ص: 288

وقيل: تصح ويلغو التوقيت.

وعلى المذهب: (إلا في العمرى). وسميت بذلك؛ لتقييدها بالعمر.

وإنما صحت مع التوقيت بالعمر؛ لأن شرط رجوعها هنا على غير الموهوب وهو وارثه. بخلاف التوقيت بزمن معلوم. ومعناها: أن يشترط الواجب على المتهب عود الموهوب في كل

(1)

حال إليه أنه إلى ورثته.

وصيغتها: (كأعمرتك، أنه أرقبتك هذه الدار، أنه) هذه (الفرس، أنه)

هذه (الأمة.

ونصه) فيمن يعمر الجارية: (لا يطأ).

نقل يعقوب وابن هانئ: من يُعمَر الجارية أيطأ؟ قال: لا أراه.

(وحمل) أى: حمل القاضي نص أحمد الإمام على أن مع مر الجارية

لأىطاً ها (على الورع)؛ لأن الوطء استباحة فرج. وقد اختلف في صحة العمرى، وجعلها بعضهم تمليك المنافع، فلم ير له وطئها لهذا، وبعد ابن رجب ما ذكره القاضي. ثم قال: والصواب حمله على أن الملك بالعمرى قاصر، ولهذا يقول على رواية: إذا شرط عودها إليه بعده: صح. فيكون تمليكاً مؤقتا. انتهى.

(أنه) قوله: (جعلتها لك عمَرك وحياتك، أنه) جعلتها لك (عُمرَى أنه رَقبى، أنه ما بقيت. أنه أعطيتكها) عمرك أنه حياتك أنه عمرى أنه ر بى أنه ما بقيت: (فتصح)؛ لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العمرى جائزة لأهلها] والرقبى جائزة لأهلها [

(2)

"

(3)

لِلَّهِ. رواه ابو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3558) 3: 295 كتاب الإجارة. باب فى الرقبى. وأخرجه الترمذى في " جامعه "(1 13) 3: 633 كتاب الأحكام. باب ما جاء في الرقبى.

ص: 289

وحكي عن بعضهم: أن العمرى والرقبى لا يصحان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" لا تعمروا ولا ترقبوا "

(1)

.

وأجيب عن ذلك: بأن النهي إنما ورد على سبيل الإعلام لهم: أنكم إن اعمرتم أنه أرقبتم نفذ للمعمر والمرقب ولم يعد إليكم منه شيء. وسياق الحديث يدل عليه، فإنه قال:" فمن أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً وعقبه "

(2)

. ولو أريد به

(3)

حقيقة النهي لم يمنع ذلك صحتها. فإن النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة.

أما إذا كانت صحة المنهى عنه ضرراً على مرتكبه لم يمنع صحته؛ كالطلاق في زمن الحيض. وصحة العمرى ضرر

(4)

على المعمر فإن ملكه يزول بغير عوض. (و) حيث تقرر هذا فإن الأشياء المعمرة (تكون لمعمر. ولورثته بعده: أن كانوا؛ كتصريحه. وإلا) أى: وإن لم يكن له وارث: (فلبيت المال). نص عليه؛ كسائر المال المخلف.

(وإن شرط) الواهب على من وهب له هبة (رجوعها، بلفظ: إرقاب أنه غيره، لمعمر) أى: لواهب (عند موته) مطلقاً. (أنه) شرط رجوعها (إليه) أى: إلى الواهب بشرط وهو: (أن مات) الموهوب له (قبله. أنه) شرط رجوعها (إلى غيره)؛ كإلى ورثة الواهب أن مات قبل الموهوب له.

(و) هذه (هي الرقبى) وسميت بذلك؛ لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه.

وقد روي عن أحمد: أن الرقبى أن يقول: هي لك حياتك فإذا مت فهي لفلان أنه راجعة إلي. والحكم في الصورتين واحد.

(أنه شرط) الواهب (رجوعها مطلقاً) أى: من غير تقييد بموت أنه غيره (إليه، أنه إلى ورثته، أنه آخرهما موت: لغى الشرط، وصحت) الهبة

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 175 كتاب الهبات. باب الرقبى. عن جابر رضى الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1625) 3: 1246 كتاب الهبات. باب العمرى.

(3)

ساقط من ب.

(4)

في ب: ضرراً

ص: 290

(لمعمر) اسم مفعول (وورثته كالأول) أى: كالمتقدم ذكره أولا. وبهذا قال جابر بن عبدالله وابن عمر وابن عباس وشريح ومجاهد وطاووس والثوري والشافعي واصحاب الرأى؛ لما روي عن جابر قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له "

(1)

. متفق عليه.

وعن زيد. بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الرقبى للذي أُرْقِبهَا "

(2)

. رواه أحمد وا لنسائي.

وفي لفظ: " جعل الرقبى للوارث "

(3)

رواه أحمد.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ي: " العمرى جائزة لمن اعمرها

[والرقبى جائزة لمن أُرْقًبَها]

(4)

"

(5)

رواه أحمد والنسائي.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً أنه أرقبه فهو له محياه ومماته "

(6)

. رواه أحمد والنسائي.

وكل هذه نصوص تدل على مُلك المعمر والمرقب. مع بطلان شرط العود، لأنه إذا ملك لم ينتقل عنه بالشرط.

ولأنه شرط شرطا ينافي مقتضى العقد. فصح العقد وبطل الشرط، كما لو

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2482) 2: 925 كتاب الهبة وفضلها. باب ما قل في العمرى والرقبى.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1625) 3: 1246 كتاب الهبات. باب العمرى.

(2)

أخرجه النسائي في " سننه "(3707) 6: 269 كتاب الرقبى. ذكر الاختلاف على ابن أبي نجيح في خبر زيد بن ثابت فيه.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(2.1688) 5: 189.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده "(21668) 5: 186.

(4)

ساقط من ب.

(5)

أخرجه النسائي في " سننه "(3710) 6: 269 كتاب الردبى. ذكر الاختلاف على أبي الزبير. وأخرجه أحمد في " مسنده "(2251) 1: 250.

(6)

أخرجه النسائي في " سننه "(3732) 6: 273 كتاب العمرى. ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر في العمرى. وأخرجه أحمد في " مسنده "(5422) 2: 73.

ص: 291

شرط في البيع أنه لا يبيعه. نص أحمد على بطلان الشرط في رواية أبي طالب؛ للأحاديت المطلقة المتقدم ذكرها.

وعنه: صحة الشرط والعقد. وبه قال مالك والزهري وأبو ثور وداود وغيرهم؛ لما روى جابر قال: " إنما العمرى التي أجاز رسول الله أن يقول: هي لك ولعقبك. فاًما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها "

(1)

متفق عليه.

واجيب عنه: بأنه من قول جابر نفسه فلا يعارضه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم

وإذا قال أحد شريكين في قن للقن المشترك: أنت حبيس على آخرنا موتا:

لم يعتق بموت الأول منهما، ويكون في يد الاخر عاريه فإذا مات عتق. ذكوه القا ضي في " المجرد ". نقله في القاعدة الثالثة والأربعين.

ولا يصح إعمار المنافع ولا إرقابها.

(و) على هذا لوقال مالك شيء منتفع به لآخر: (مَنَحْتُكَه) عمرك.

(و) كذا لو قال- له عن بيته: (سُكناه) لك عمرك.

(و) كذا لو قال عن بستأنه أنه نحوه: (غلّته) لك عمرك.

(و) كذا لو قال عن قنه: (خدمتُه لك) .. فإنه يكون في هذه الصور كلها (عارية). له الرجوع متى شاء في حياته وبعد موته. نقله جماعة عن أحمد. وروى معناه عن حفصة. وبهذا قال أكثر العلماء؛ لأن المنا فع إنما تستوفى

شيئاً فشيئاً بمضي الزمان. فلا تلزم إلا في قدر ما قبضه منه.

وعلم مما" تقدم أن العمرى تصح في غير العقار من الحيوان والثياب ونحوهما؛ لأنها نوع هبة. فصحت في ذلك؛ كسائر الهبات.

(1)

أخرجه مسلم قي " صحيحه "(1625) 3: 6 12 كتاب الهبات. باب العمرى. ولم أره في البخاري

ص: 292

(فصل) في حكم عطية الأولاد

وحكم الرجوع فيها وغير ذلك.

(وجب) على واهب ذكر أنه أنثى (تعديلٌ بين من يرث) من الواهب (بقرابة: من ولد وغيره)؛ كآباء وإخوة وأعمام وبنيهم. (في هبة) شيء (غيرتافه). نص عليه. وهو المذهب.

وعنه: وفيه صع تساو فقراً وغنى

(1)

.

وذلك التعديل الواجب (بكونها) أى: الهبة تقسط عليهم (بقدر إرثهم).

نص عليه في رواية الجماعة واختاره الأكثر.

والأصل في ذلك ما روى جابر قال: " قالت امرأة بشير لبشير: أعط ابني غلاماً. وأَشْهد لي رسو ل الله صلى الله عليه وسلم. فاًتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالة: أن ابنة: فلان ساً لتني أن أنحل ابنها غلامي. قال: له إخوة؛ قال: نعم. قال: كلهم أعطيت مثل ما اعطيته؛ قال: لا. قال: فليس يصلح هذا. وإنى لا أشهد إلا على حق "

(2)

. رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه: " لا تُشْهدنى على جَوْر ..

أن لبنبك عليك من الحق أن تعدل بينهم "

(3)

.

(1)

في أوب: تساوي.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1624) 3: 44 12 كتاب الهبات. باب كراهة تفضيل بعض الأولا د في الهبة.

وأخرجه أبو داود في " سننه "(45 35) 3: 293 كتاب الإجارة- باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(14493) 3: 26.

(3)

أخرجه أحمد في " مسنده " (18389 4 268.

ص: 293

وفي لفظ لمسلم: " فانطلق أبي إليه يشهده على صدقتي. فقال رسول الله: أفعلت هذا بولدك كلّهم؟ قال: لا. قال: اتقوا الله واعدلوا في أولاد كم. فرجع أبي في تلك الصدقة "

(1)

.

وللبخاري مثله

(2)

. لكن ذكره بلفظ العطية لا بلفظ الصدقة.

وروى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين ابنائكم "

(3)

رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

فاًمر بالعدل بينهم. وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جوراً. والجور حرام فدل على أن أمره بالعدل؛ للوجوب والحتم.

ولأن في التقسيط بقدر الإرث اقتداء بقسمة الله تعالى، وقياسا لحال الحياة على حال الموت.

قال عطاء: " ما كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله تعالى ".

فعلى هذا تكون بين الأولاد والإخوة ونحوهما للذكر مثل حظ الأنثيين.

وعنه: أن المستحب أن يكون ذكر كانثى.

وعلى المذهب: (إلا في نفقة فتجب الكفاية) دون التعديل. نص عليه.

ونقل أبو طالب: لا ينبغي أن يفضل أحداً من ولده في طعام وغيره ..

قال إبراهيم: كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبل.

قال في " الفروع ": فدخل فيه نظر وقف. واحتج به الحارثي على وجوبه

مع وجوب النفقة لبعضهم. والأصح هنا: لا. انتهى.

(1)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1623) 3: 1242 الموضع السابق.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2447) 2: 914 كتاب الهبه وفضلها. باب الإشهاد في الهبة.

(3)

أخرجه أبو داود في اسننه " (3544) 3: 293 كتاب البيوع. باب في الرجل يفضل بعد ولده في النحل.

وأخرجه النسائي في " سننه "(3687) 1 62 2 كتاب النحل. ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النعمان بن بشير في النحل.

وأخرجه أحمد في " مسنده "(18465) 4: 278.

ص: 294

وقيل: أن التعديل مختص بالأولاد للصلب.

وقيل: بالأولاد مطلقاً. ونصره في " المغني " وقال فيه: وإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل: اختصاصه بحاجة، أنه زمانه، أنه عمىّ، أنه كثرة عائلة، أنه اشتغاله بالعلم ونحوه من الفضائل، أنه صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أنه بدعته، أنه لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله تعالى أنه ينفقه فيها. فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان للحاجة، وأكرهُه إذا كان على سبيل الأثرة. والعطية في معناه. ويحتمل ظاهر لفظه المنع من

(1)

التفضيل والتخصيص على كل حال؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل بشيراً في عطيته.

والأول أولى إن شاء الله تعالى وعلله.

قالى في " الأنصاف ": وأما الزوج والزوجة فلا يدخلان في لفظ الأولاد والأقارب، بلا نزاع بين الأصحاب. فهم خارجون من هذه

(2)

الأحكام. صرح به في " الرعاية " وغيرها. وهو ظاهر كلام الباقين. انتهى.

(وله) أى: للمعطي (التخصيص) لبعض أقاربه الذين يرثونه (بإذن الباقي) منهم. ذكره الحارثي؛ لأن العلة في تحريم التخصيص كونه يورث العداوه وقطيعة الرحم. وهي منتفية مع الإذن.

وعلم مما تقدم أنه يجوز تفضيل البعض بإذن الباقي من باب أولى.

وحيب تقرر وجوب التعديل وتحريم التخصيص والتفضيل للبعض إلا بإذن الباقي. (فإن خًصَّ أنه فضل) بعضا (بلا إذن) من الباقي: (رجع) فيما خص به بعضهم، أنه فيما فضله به على الباقي، (أنه أعطى) الباقين (حتى يستووا) بمن خصه أنه فضله. نص على ذلك في رواية يوسف بن موسى.

قالى الزركشي: وهو ظاهر كلام الأكثرين. انتهى.

(1)

في أ: في.

(2)

في أ: هذا.

ص: 295

وظاهر كلام المتن يشمل ما إذا فعل ذلك في مرض الموت وإن له أن يعطي

في مرض الموت الباقين حتى يستووا.

قال في " الأنصاف ": وهو المذهب، وذكر من صححه واختاره وقدمه.

ثم قال: وعنه: لا يعطي في مرضه. وهو قول قدمه في " الرعايتين ".

(فإن مات) الواهب (قبله) أى: التعديل، (وليست) الهبة (بمرض موته) أى: المعطي: (ثبتت لأخذ) أى: للذي أعطيها. فلا يملك بقية الورثة الرجوع. نص عليه في رواية محمد بن الحكم والميمونى، وبه قال أكثرأهل العلم.

وعنه: لا يثبب وللباقين الرجوع. اختاره أبو عبد الله بن بطة وابو حفص

العكبريان،

وحكي بطلانها. اختاره الحارثي.

وجه الأول: ما روى مالك عن عائشة " أن أبا بكر رضي الله تعالى عنهما نحلها جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية. فلما مرض قال: يا بنية! كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً. ووددت لو كنت حزتيه. ولو كنت حزتيه أنه قبضتيه كان لك. فإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى "

(1)

.

فدل على

(2)

أنها لو كانت حازته لم يكن لهم الرجوع.

ولأنها عطية لذي رحم، فلزمت بالموت، كما لو أنفرد.

فإن قيل: أن في فعل أبي بكر دليلاً على جواز التفضيل بالإعطاء لبعض

الورثة.

فالجواب: أن ذلك يحتمل لخصوصية فيها، لكونها أم المؤمنين أنه غير ذلك من فضائلها. أنه أنه نحل معها غيرها. أنه أنه نحلها وهو يريد أن ينحل

(1)

أخرجه مالك في " موطئه "(0 4) 2: 576 كتاب الأقضية. باب ما لا يجوز من النحل.

(2)

زيادة من ج.

ص: 296

غيرها فأدركه الموت أنه غير ذلك؛ لأن أقل أحوال التفضيل الكراهة. والظاهر من حال أبي بكر رضي الله تعالى عنه اجتناب المكروهات.

ولا خلاف بين أهل العلم في كراهة تفضيل بعض الولد على بعض.

فإن أعطى أحد بنيه في صحته ثم أعطى الآخر في مرضه فقد توقف أحمد فيه. فإنه سئل ممن زوج ابنه فأعطى عنه الصداق ثم مرض الأب وله ابن اخر هل يعطيه في مرضه كما أعطى الاخر في صحته؛ فقال: لو كان أعطاه في صحته. قال في " المغني ": فيحتمل وجهين:

أحدهما: لا يصح؛ لأن عطيته في مرضه كوصيته. ولو وصى له لم يصح فكذلك إذا أعطاه.

والثانى: يصح؛ لأن التسوية بينهما واجبة ولا طريق لهما في هذا الموضع

إلا بعطية الاخر فتكون واجبة. فتصح؛ كقضاء دينه.

(وتحرم الشهادة على تخصيص أنه تفضيل، تحمُّلاً واداء) أن علم [الشاهد بالتخصيص أنه التفضيل]

(1)

.

قال في " الأنصاف ": قاله في " الفائق " وغيره.

قال الحارثي: قاله الأصحاب ونص عليه. انتهى.

والأصل في ذلك: أن في لفظ حديث النعمان المتقدم الذي رواه الامام أحمد: " لا تشهدنى على جور "

(2)

.

فإن قيل: فقد ورد بلفظ: " فأشهد على هذا غيري "

(3)

. وهذا امر واقل أحواله الاستحباب، فكيف تحوم الشهادة على ذلك مع استحباب الإشهاد؟

(1)

زيادة من ج.

(2)

سبق تخريجه ص (293) رقم (3).

(3)

أخرجه مسلم قي " صحيحه "(1623) 3: 1243 كتاب الهبات. باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة ..

ص: 297

فالجواب: أن قوله: فأشهد تهديد؛ كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)[فصلت: 40] ولو لم يفهم هذا المعنى بشير من قول النبي صلى الله عليه وسلم لبادر إلى الامتثال ولم يرد العطية.

وأيضاً فإنه لو لم يحمل على ذلك للزم أن يكون تناقض في حديث من

لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

(وكذا) في حكم تحريم الشهادة عليه (كل عقد فاسد عنده) أى: عند الشاهد؛ لاعتقاده عدم جوازه، قياسا على التخصيص.

قال في " التنقيح " عن عدم الجواز: قاله المصنف- يعني: الموفق- وغيره

في الرهن.

وقال القاضي: يشهد وهو أظهر. انتهى.

(ويباج) لمن له وارث (قسمة ماله بين وارثه). نقله الأكثر. والمراد:

على قسمة الله تعالى.

ووجه الإباحة: أنها قسمة ليس فيها جور، فجازت في جميع ماله؛ كبعضه.

وعنه: يكره. وقيدها بعض الأصحاب بما إذا أمكن أن يولد له.

ونقل ابن الحكم: لا يعجبني أن يأكل منه شيئاً.

(و) متى وجدت القسمة ثم حدث له وارث: فإنه (يعطى) وارث (حادث حصته) مما قسم (وجوباً)؛ لأن بذلك يحصل التعديل وهو واجب.

وقيل: استحبا با.

وأصلهما من قول الإمام: أعجب إلي أن يسوي بينهم. واقتصر على النص

في " المغني " و" الشرح ".

(وسن) لمن أراد أن يقف شيئاً على أولاد هـ أنه نحوهم أن يسوي بينهم على عدد رووسهم. وهو: (أن لا يزاد ذكر على أنثى في وقف)؛ لأن القصد القربة

ص: 298

على وجه الدوام. ذكره القاضي وغيره وقدمه في " الفروع ". قال: وتستحب التسوية، ذكر كأنثى في وقف.

نقل ابن الحكم: لا بأس. قيل: فإن فضل؛ قال: لا يعجبني على وجه

الأثرة، إلا لعيال بقدرهم.

وقيل: بل كهبة. يعني: أنه يستحب أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين.

وقيل: يجب.

(ويصح) من مريض مرض الموت (وقف ثلثه في مرضه ووصية) منه (بوقفه) أى: الثلث (على بعضهم) أى: بعض ورثته.

قال أحمد في رواية جماعة منهم الميموني: يجوز للرجل أن يقف في مرضه على ورثته. فقيل له: أليس تذهب أنه لا وصية لوارث؟ فقال: نعم. والوقف غير الوصية؛ لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة. ومراد الإمام بكونه: لا يصير ملكا يعني: طَلْقًاً

(1)

. وذلك لما تقدم من أن الوقف ملك للموقوف عليه المعين. والله أعلم.

وصرح أحمد بن الحسن في مساً لة الإمام بوقف ثلثه على بعض ورثته دون بعض. فقال: جائز. واحتج الإمام بحديث عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: " هذا ما أوصى به عبد الله عمر، أمير المؤمنين أن حدث به حدث أن ثمغاً صدقة، والعبد الذي فيه والسهم الذي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، والمائة وسق الذي اطعمني محمد صلى الله عليه وسلم، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذوي الرأى من أهله. لا يباع ولا يشترى. تنفقه حيب ترى من السائل والمحروم وذوي القربى. ولا حرج على من وليه أن أكل أنه اشترى رفيقاً "

(2)

. رواه ابو داود بنحو من هذا.

ووجه الحجة منه: أنه جعل لحفصة أن تلي وقفه وتأكل منه وتشتري رقيقاً.

(1)

في أوج: مطلقاً.

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2879) 3: 17 1 كتاب الوصايا. باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف.

ص: 299

قال الميمونى: قلت لأحمد: إنما أمر النبى عمر بالآيقاف وليس في الحديث الوارث؛ قال: فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمره فهو ذا قد وقفها على ورثته وحبس الأ صل عليهم جميعا. انتهى.

وهذا اختار الأكثر.

قال في " الأنصاف ": جاز على الصحيح من المذهب. نص عليه.

- انتهى.

وعنه: كهبة فيصح بالإجازة.

وعنه: لا يصح ذلك أن قيل: أنه هبة.

فعلى الأول لو سوى بين ابنه وبنته في دار لا يملك غيرها فرداً: فثلثها وقف بينهما بالسوية وثلثاها ميراث. وإن رد الابن وحده فله ثلتا الثلثين إرثا وللبنت ثلثهما وقفاً. وإن ردت البنت وحدها فلها ثلث الثلثين إرثاص وللابن نصفها وقفاً وسدسهما إرثا لرد الموقوف عليه. وكذا لو رد التسوية فقط دون أصل الوقف وللبنت ثلثهما وقفاً.

و (لا) يصح (وقف مريض ولو) كان وقفه (على أجنبى بزائد) أى: يجزء زائد (على الثلث) أى: ثلث ماله.

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب. انتهى.

قال في " الفروع ": جزم به الشيخ وغيره وأطلق بعضهم وجهين.

قال (المنقح: ولو) وقع ذلك (حيلة) وذلك (كـ) وقف مريض ونحوه

(على نفسه ثم عليه). انتهى.

وهو كما قال؛ لأن قواعد المذهب تقتضى بطلان الحيل. والله أعلم.

ووجه المنع من الزائد على الثلث: أن ذلك كالهبة في مرض الموت، أنه الوصية بزائد على الثلث.

(ولا) يصح (رجوع واهب) في هبة (بعد قبض) أى: بعد لزومها. (ويحرم) الرجوع أيضاً؛ لما روى ابن عباس أن النبى قال: " العائد في

ص: 300

هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيئه "

(1)

. متفق عليه.

وفي رواية لأحمد قال قتادة: " ولا أعلم القيء إلا حراماً "

(2)

.

وشمل هذا الإطلاق: أنه سواء عوض عنها أنه لم يعوض. وهو المذهب؛

لأن العطية

(3)

المطلقة لا تقتضي الثواب.

(إلا من وهبت زوجها) شيئاً (بمسألته) إياهًا (ثم ضرها بطلاق أنه غيره)، كما لو تزوج عليها.

نقل ابو طالب: إذا وهبت له مهرها. فإن كان ساً لها ذلك رده إليها رضيت

أنه كرهت؛ لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أنه إضراراً

(4)

بأن يتزوج عليها. وإن لم يكن سألها وتبرعت به فهو جائز

(5)

انتهى.

لأن شاهد الحال يد ل على أنها لم تَطِبْ به نفساً. وإنما أباحه الله تعالى عند

طيب نفسها بقوله تعالى: (وَنِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)[النساء: 4]. وغير الصداق كالصداق.

وعنه: أن المرأة تملك الرجوع فيما وهبت زوجها مطلقاً. سواء سألها أو لم يساًلها.

قا ل الأثرم: سمعت أحمد يُسأل عن المرأة تهب ثم ترجع. فرأيته يجعل النساء غير الرجال ثم ذكر الحديث: " إنما يرجع في المواهب النساء وشرار

الأ قوام ".

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2449) 2: 915 كتاب الهبه وفضلها. باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لز وجها.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1622) 3: 1241 كتاب الهبات. باب تحريم الرجوع فى الصدقة والهبة بعد القبض

(2)

أخرجه أبو داود في " سننه "(3538) 3: 291 كتاب الإجارة. باب الرجوع في الهبه.

(3)

في ج: الهبة.

(4)

في ب: إضرار.

(5)

في أ: جائزا.

ص: 301

وذكر حديث عمران: " النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة. وأيما امرأة أعطت زوجها شيئاً ثم أرادت أن تقتصره فهي أحق به ". رواه الأثرم بإسناده. وعنه: لا رجوع لها مطلقاً؛ لعموم حديث ابن عباس المتقدم

(1)

.

وعنه: يرد عليها الصداق دون غيره مطلقاً.

وقيل: أن وهبته لدفع ضرر فلم يندفع، أو لوجود شرط فلم يوجد: رجعت، وإلا فلا.

(و) إلا (الأب) نص عليه؛ لما روى طاووس عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس لأحد أن يعطي عطي ويرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده "

(2)

رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

ولما في بعض الألفاظ حديث بشير المتقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لبشير:

" فاردده "

(3)

.

وروي " فأرجعه "

(4)

. رواه كذلك مالك عن الزهري عن حميد بن

عبد الرحمن عن النعمأن بن بشير.

وظاهر عبارة المتن: أنه لا فرق بين أب يقصد برجوعه التسوية بين أولاد هـ وبين غيره. وهو كذلك.

وظاهره أيضاً: أن الأب لو كان كافرا ووهب ولده الكافر شيئاً ثم أسلم الولد

أن له الرجوع في هبته بعد ذلك. وهو المذهب. ومنيع ذلك الشيخ تقي الدين.

وعنه: ليس للأب الرجوع؛ كالجد والأم. وفيهما وجه.

(1)

ص (301) رقم (1).

(2)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1298) 3: 592 كتاب البيوع. باب ما جاء في الرجوع في أ.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(1623) 3: 1242 كتاب الهبات. باب كراهه تفضيل بعض الأولاد في الهبة.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2446) 2: 913 كتاب الهبة وفضلها. باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئاً

وأخرجه مالك في " موطئه "(39) 2: 576 كتاب الأقضية. باب ما لا يجوز من النحل.

ص: 302

وفرق الإمام بين الأب والأم. قال في رواية الأثرم: ليست هي عندي كالرجل " لأن له أن ياً خذ من مال ولده. بخلاف الأم. ولولايته وحيازته جميع المال.

وعنه: له الرجوع إلا أن يتعلق بما وهبه لابنه حق أنه رغبة.

والمذهب: أن له الرجوع.

(ولو تعلق بما وهب حق، كفلس) أى: كان يفلس الولد والمال الموهوب

في يده، (أنه) يتعلق بالمال الموهوب (رغبة، كتزويج) أى: بأن يزوجوا الموهوب أن كان ذكرا رغبة فيما بيده من المال الموهوب، أنه يتزوجوها أن كانت أنثى رغبة فيما بيدها من المال الموهوب، لعموم الخبر.

ولأن حق الغريم تعلق بالمال، كتعلق الغريم الذي لم يجد عين ما باعه عند المفلس. وحق رجوع الوالد كتعلق من وجد عين ماله الذي لم يقبض من ثمنها شيئاً، والمتزوج لم يتعلق حقه بعين هذا المال. فلم يمنع الرجوع فيه.

(إلا إذا وهبه) أى: وهب الوالد ولده (سرية للإعفاف): فإنه لا يملك الرجوع فيها (ولو استغنى) عنها الولد بتزوجه أنه شرائه غيرها أنه بغير ذلك.

قال في " الأنصاف ": وإن لم تكن أم ولد فإنها ملحقة بالزوجة. ونصعليه

أحمد في أكثر الروايات. انتهى.

قال في " الرعاية الكبرى " في كتاب

(1)

النكاح: يجب إعفاف الأب وإن علا والابن وإن سفل. ثم قال بعد ذلك: فإن استغنى عنها بعد ذلك لم يرجع الواهب فيها.

وقيل: بلى. انتهى.

فسماه واهبا.

(أنه إذا اسقط حقه) أى: الأب (منه) أى: من الرجوع فإنه يسقط، لأن الرجوع مجرد حقه وقد أسقطه فسقط.

(1)

في أ: وكتاب.

ص: 303

وقيل: لا يسقط؛ لأنه حق ثبت له بالشرع. فلم يسقط بإسقاطه؛ كما لو أسقط الولي حقه من ولاية النكاح.

وفرق بينهما: بأن ولايه النكاح حق عليه لله تعالى وللمرأه بدليل إثمه بالعضل. بخلاف الرجوع.

(ولا يمنعه) أى: الرجوع (نقص) يحصل في العين الموهوبة بيد الولد.

سواء كان النقص في القيمة؛ كما لو كان الموهوب عبدا قيمته مائة فصارت ثمانين. أنه في الذات؛ كما لو تآكلت يده وسقطت، أو قطعها الموهوب له أنه غيره، أو جنى جناية تعلق أرلثمها برقبته. وعلى الأب في هذه أن رجع ضمان ارش الجناية. ولا ضمان على الابن للأب في شيء مما تقدم.

ومتى رجع في رقيق أنه بهيمة وقد جنى عليه أنه عليها: فأرش الجناية للابن؛ لأنه بمنزلة الزيادة المنفصلة.

(أنه زيادة منفصلة) يعني: أن حصول الزيادة المنفصلة؛ كالولد والثمرة وكسب الرقيق الموهوب لا يمنع الرجوع؛ لأنه في الأصل دون النماء.

(وهي) أى: الزيادة اللولد)؛ لأنها حادثة في ملكه ولا تتبع في الفسوخ. فكذا هنا.

(إلا) إذا كان الموهوب أمة حائلاً فإنه (إذا حملت الأمة وولدت) عند الابن. (ف) أن ذلك (يمنع) الرجوع (في الأم) التي هي الموهوبة؛ لأن الوجوع هنا يدعو إلى التفريق بين الوالدة وولدها. وهو محرم.

وقيل: أن الزيادة المنفصلة للأب.

فعلى هذا فله

(1)

الرجوع في الأمة وولدها.

(وتمنعه) أى: الرجوع الزيادة (المتصلة) بالعين الموهوبة؛ كالسمن والكبر والحمل وتعلم الصنعة.

(1)

ساقط من أوب.

ص: 304

قال قي " الأنصاف " بعد أن ذكر من اطلق الروايتين قي ذلك: إحداهما: تمنع. صححه في " التصحيح " ونصره المصنف والشارح.

قال في القاعدة الحادية والثمانين بعد إطلاق الروايتين: والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور امتناع الرجوع. وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة

والراواية الثانية: لا تمنع. نص عليه في رواية حنبل. وهو اختيار القاضي وأصحا به. قا له الحارثي. وا. ختاره ابن عبدوس في " تذكرته ". وقا ل: ويشارك بالمتصله.

قال في " القواعد ": وعلى القول بجواز الرجوع: لا شيء على الأب، للزيادة. انتهى كلامه في " الأنصا ف ".

قال في " المغني " معللاً لمنع الرجوع: يأن الزيادة للموهوب له، لكونها

نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة ابيه. فلم يملك الرجوع فيها" كالمنفصلة. وإذا امتنع الرجوع امتنع في الأصل، لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص. ولأنه استرجاع للما ل بفسخ عقد لغير عيب في عوضه. فمنعه الزيادة المتصله، كاسترجاع الصداق بفسخ الثكاح أنه بصفة الطلاق، أنه رجوع البائع في المبيع لفلس المشتري.

ويفارق الرد بالعيب من جهة: أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزياده. ثم قال بعد ذلك بأسطر: وإن زاد ببرئه من مرض أنه صمم منع الرجوع، كسائر

الزيا دات.

(ويصدق أب في عدمها). يعني: لو قال الابن لأبيه: قد زادت العين الموهوبة فا متثع رجوعك فيها وإنكر الأب وجود الزيادة: كان القول قوله في عدمها، لأن الأصل عدمه

(1)

.

(1)

ي ب: معه

ص: 305

(و) يمنع الرجوع أيضاً في الشيء الموهوب (رهنه) اللازم؛ لأن في الرجوع إبطالاً لحق المرتهن وعليه ضرر في ذلك وهو ممنوع شرعاً.

(إلا أن ينفك) الرهن بوفاء أو غيره. فيملك الرجوع إذا؛ لأن ملك الابن

لم يزل، وإنما طرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع الرجوع، فإذا زال زال المنع.

(و) يمنع الرجوع أيضاً (هبة الولد) ذلك الشئ الموهوب له من قبل أبيه

(لولده)؛ لأن في رجوع الواهب الأول إذاً إبطالاً لملك غير ابنه.

وهو لا يملك ذلك (إلا أن يرجع هو) أى: الواهب الثانى في هبته لابنه.

فإن الواهب الأول يملك الرجوع حينئذ؛ لأنه فسخ هبته برجوعه. فعاد إليه الملك بالسبب الأول.

وفيه وجه: لا يملك الرجوع؛ كما لو عاد

(1)

بسبب غير رجوعه.

(و) مما يمنع الرجوع أيضاً (بيعه) أى: بيع الابن للشيء الموهوب. فال بعضهم: قولاً واحداً.

وكذا كل ما ينقل الملك في الرقبة؛ كالهبة والوقف. أنه يمنع التصرف فيها؛ كالاستيلاد. ولو لم يهبها له لذلك.

(إلا أن يرجع) المبيع (إليه) أى: إلى الولد البائيع لذلك (بفسخ أنه فلس مشتر) فإن الأب الواهب يملك الرجوع فيه إذا؛ لأنه عاد إلى الابن بالسبب المانع من الرجوع. أشبه الفسخ بالخيار.

وقيل: لا يملك الرجوع؛ كما لو رجع إليه بسبب اخر؛ مثل: أن اشتراه أو اتهبه من مششريه. وإنما لم يملك الرجوع في مثل ذلك؛ لأن الموهوب عاد إلى الولد بملك جديد لم يستفده

(2)

من قبل أبيه. فلم يملك إزالته؛ كما لو لم يكن موهوباً.

و (لا) يمنع الأب الرجوع في رقيق وهبه لابنه (أن دبره) الابن (أنه

(1)

في أ: عاده.

(2)

في أ: يستفيده.

ص: 306

كاتبه)؛ لأن كلاً من التدبير والكتابة لا يمنع التصرف في الرقبة بالبيع ونحوه فلم يمنع الرجوع. أشبه ما لو زوج الرقيق الموهوب أنه أجره.

وقيل: أن الكتابة والتدبير يمنعان الرجوع أن قلنا بعدم صحة بيع المدبر

والمكا تب.

(و) على المذهب (يملكه) أى: يملك الأب الرقيق الذي وهبه لولده ثم

رجع فيه بعد أن كاتبه الولد (مكاتباً)، لأن الابن لا يملك إبطال الكتابة فكذلك من أنتقل إليه. وكذا كل عقد لازم؛ كالإجارة والتزويج. فإن الأب إذا رجع في الموهوب وهو مؤجر أنه مزوج لم يملك إبطال عقد الإجارة والتزويج ونحوهما. وما أخذه الابن من دين الكتابة أنه مهر الأمة لم يأخذه منه أبوه، وما يحل بعد رجوع الأب فللأب.

وعلم مما تقدم أن وطء الابن الأمة إذا لم تحبل منه، وتعليق

(1)

العتق بصفة، والمزارعة على الأرض الموهوبة، والمساقاة على الأشجار الموهوبة ونحو ذلك: لا يمنع الرجوع؛ لأنه لا يمنع التصرف في الرقبة. أشبه الوصية بالشيء الموهوب.

(ولا يصح رجوع إلا بقول) بأن يقول: قد رجعت في هبتي أنه ارتجعتها أو رددتها أو عدت فيها ونحو ذلك، لأن الملك ثا بت للموهوب له يقينا. فلا يزول إلا باليقين. وهو صريح الرجوع.

وقيل: أن أخذ الأب ما وهبه لابنه مع قرينة تدل على الرجوع [كان رجوعاً.

وكذا بيعه وعتقه. ولا ينفذ على المذهب.

ولا يحصل الرجوع]

(2)

بنيته من غير قول ولا فعل وجها واحداً؛ لأن الرجوع

إثبات ملك على مملوك لغيره. فلم يحصل بمجرد النية؛ كسائر تجدد الأملاك. ومنع في " المغني " صحة تعليق الرجوع على شرط.

(1)

في أ: وتعلق.

(2)

اقط من ب.

ص: 307

فصل [في حكم تملك الأب مال ولده]

وحكم ما ليس له التصرف فيه من ماله وغير ذلك.

(ولأب حر تملك ما شاء من مال ولده). سواء كان الأب محتاجا لما تملَّكه

أنه لا. وسواء كان الولد صغيرا أو كبيرا، وسواء كان الولد ذكرا أنه أنثى.

قال في " الفروع ": ولو أراد أخذه مع غناه فليس له أن ياً بى عليه.

نقل الأثرم: ولو كنت أنا لجبرته على دفعه إليه، على حديث النبي صلى الله عليه وسلم

" أنت ومالك لأبيك "

(1)

.

(ما لم يضرّه) أى: يضر الأب ولده بما يتملكه من ماله بأن تتعلق حاجة الابن به. نص عليه؛ كما لو كان الذي تملكه الأب الة حرفه يتكسب بها الولد أنه نحو ذلك؛ لأن حاجة الإنسان مقدمة على دينه. فلان تقدم على أبيه بطريق الأولى،

(إلا سُرِّيته) أى: الأمة التي وطئها الولد (ولو لم تكن أم ولد) فإنها ملحقة بالزوجة. ونص عليه أحمد في أكثر الروايات. نقله في " الأنصاف ".

(أنه ليعطيه) الأب (لولد اخر) بأن يتملك من مال ولده هذا ويعطيه لولده هذا. فيمنع من ذلك. نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد؛ وذلك لأنه - ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه. فلان يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الاخر أنه لى.

(أنه) يكون التملك (بمرض موت احدهما).

قال في " الأنصاف ": قال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب: أنه ليس

(1)

سيأتي تخريجه ص (310) رقم (6)، وص (311) رقم (2).

ص: 308

للأب أن يتملك من مال ابنه فى مرض موت الأب ما يخلفه تركة؛ لأنه بمرضه قد أنعقد السبب القاطع لتملكه. فهو كما لو تملك في مرض موت الابن. انتهى. فعلم مما تقدم ص حة تملك الأ ب دون الأم والجد من مال ابنه ما شاء ما عدا

ما استثني.

قال في " الأنصاف " عند قول الموفق: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء: هذا المذهب بشرطه، وعلمه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، ومنع من ذلك ابن عقيل. ذكره في مساً لة الإعفاف.

وقال الشيخ تقي الدين: لي س للأب الكافر أن يتملك مال ولده المسلم.

لا سيما إذا كان الولد كافراً ثم اسلم.

قلت: وهذا عين الصواب.

وقال أيضاً: والأشبه أن الأب المسلم لي س له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئاً. انتهى.

وعنه: أن له أن ش ملك ما شاء من مال ولده ما لم يجحف به

(1)

. جزم به في

" الكافي ".

وعنه: له تملكه كله-.

وقيل: له تملك ما احتاجه منه، وفاقاً للأئمة الثلاثة.

وسأله ابن منصور [وغيره: يأكل]

(2)

من مال ابنه؟ قال: نعم. إلا أن يفسده فله الموت. نقله في " الفروع ".

استدل القائل بمنع التملك مطلقاً أنه إلا ما احتاجه منه بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امر ئ مسلم إلا عن طيب نفس مثه "

(3)

. رواه الدارقطني.

وبما روى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل أحد أحق بكسبه من والده وولده

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: وعرض المال.

(3)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(92) 3: 26 كتاب البيوع.

ص: 309

والناس أجمعين "

(1)

. رواه سعيد في " سننه ".

وهذا نص.

ويقوله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم

(2)

عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا [في بلدكم هذا]

(3)

"

(4)

متفق عليه.

وبأن ملك الابن تام على مال نفسه. فلم يجز أنتزاعه منه؛ كما لو تعلقت حاجة الابن بجميعه.

قال في " المغني ": ولنا: ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولاد كم من كسبكم "

(5)

. أخرجه سعيد والترمذي وقال: حديث حسن.

وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " جاء رجل إلى النبي فقال: أن أبي احتاج مالي. فقال: أنت ومالك لأبيك "

(6)

. رواه الطبرانى في "معجمه "مطولاً.

ورواه غيره وزاد: " أن أولاد كم من أطيب كسبكم. فكلوا من

أموالهم "

(7)

.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 10: 319 كتاب المكاتب. باب من قال يجب على الرجل مكاتبة عبده

عن أبي جبله.

(2)

زيادة من ج.

(3)

ساقط من أ.

(4)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(67) 1: 37 كتاب العلم. باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " رب مُبلغ أوعى من سامع ".

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1679) 3: 1306 كتاب القسامة والمحاربين والقصاصى والديات. باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال.

(5)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(1358) 3: 639 كتاب الأحكام. باب ما جاء أن الوالد ياخذ من مال ولده.

(6)

أخرجه الطبرأني في " الكبير "(6961) 7: 230 عن سمرة. و (19 0 0 1) 0 1: 99 عن ابن مسعود. وأخرجه في " الصغير " 1: 8 عن ابن مسعود أيضاً.

(7)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2292) 2: 769 كتاب التجارات. باب ما للرجل من مال ولده

ص: 310

وروى محمد بن المنكدر والمطلب بن حنطب قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أن لي مالاً وعيالاً ولأبي مال وعيال وأبي يريد أن يأخذ مالي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك "

(1)

. اخرجه سعيد في " سننه ". ولأن الله تعالى جعل الولد موهوباً لأبيه فقال: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ)[الأنبياء: 72].

وقا ل: (وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى)[الأنبباء: 90].

وقا ل زكريا: (عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)[مريم: 5]

وقال إبراهيم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)[إبراهيم: 39].

وما كان موهوباً له كان له أخذ ماله؛ كعبده.

وقال سفيان بن عيينة في قوله: (وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ)[النور: 61] ثم ذكر سائر القرابات إلا الأولاد لم يذكرهم؛ لأنهم دخلوا في قوله: (من بيوتكم). فلما كانت بيوت أولاد هم كبيوتهم لم يذكر بيوت أولاد هم.

ولأن الرجل يلي مال ولده من غير تولية. فكان له حق التصرف فيه؛ كمال نفسه.

وأما أحاديثهم فأحاديثنا تخصها وتفسرها. فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مال الابن

مالا لأبيه بقوله: " أنت ومالك لأبيك "

(2)

. فلا تنافي بينهما.

وقوله: " أحق به من والده وولده "

(3)

مرسل.

(1)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2291) 2: 769 الموضع السابق. عن محمد بن المنكدر، عن جابر ابن عبد الله.

(2)

سبق تخريجه ص (310) رقم (6) وص (311) رقم (1).

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 10: 319 كتاب المكاتب. باب من قال: يجب على الرجل مكاتبتة عبده

ص: 311

ثم هو يدل على ترجيح حقه على حقه. لا على نفي الحق بالكلية. والولد

أحق من الوالد بما تعلقت به حاجته. انتهى.

وفي الجد: رواية مخرجة أنه كالأب.

وفي الأم: وجه.

(ويحصل) تملك الأب (بقبض) لما يتملكه. نص عليه، (مع قول أ، نية).

قال في " الفروع ": ويتوجه أنه قرينة.

ووجه ذلك: أن القبض أعم من أن يكون للتمليك أو غيره. فاعتبر القول أو النيه؛ ليتعين وجه القبض. وأنه للتمليك

(1)

لا لغيره.

(فلا يصح تصرفه قبله) أى: القبض.) ولو) كان التصرف (عتقاً).

نص عليه أحمد، فقال: لا يجوز عتق الأب لعبد ابنه ما لم يقبضه.

وفي " المبهج ": في تصرفه في غير مكيل وموزون روايتان. بناء على حصول ملكه قبل قبضه.

وقال أبو بكر في " التنبيه ": بيع الأب على ابنه وعتقه وصدقته ووطء إمائه

ما لم يكن الابن قد وطئ: جائز.

ووجه المذهب: أن ملك الابن تام على مال نفسه يصح تصرفه فيه. ويحل

له وطء جواريه.

ولو كان الملك مشتركاً لم يحل له الوطء؛ كما لا يجوز وطء الجارية المشتركة .. وإنما للأب أنتزاعه منه؛ كالعين التي وهبها إياهًا.

(ولا يملك) الأب (إبراء نفسه) من دين عليه لولده. وهذا مبني على

أن

(2)

الولد يثبت له في ذمة أبيه الدين. وفي المسألة خلاف.

(1)

في ب: للتملك.

(2)

ساقط من أوب.

ص: 312

قال في " الفروع ": وإن ثبت ففي ملكه إبراء نفسه نظر. قاله القاضي. وذكر غيره: لا يملكه؛ كإبرائه لغريمه وقبضه منه؛ لأن الولد لم يملكه. انتهى.

وإلى هاتين المسألتين المقيس عليهما أُشير في المتن بقوله:

(ولا) يملك الأب إبراء (غريم ولده، ولا قبضه) أى: قبض دين ولده (منه، لأن الولد لا يملكه إلا بقبضه) من غريمه. (ولو أقر الأب بقبضه) أى: قبض دين ولده من غريمه، (وإنكر الولد) ذلك:(رجع) الولد) على غريمه، ورجع (الغريم على الأب).

قال في " الفروع ": ولو أقر بقبض دين ابنه فإنكر رجع على غريمه. وهو على

(1)

الأب. نقله مهنا. فظاهره: لا يرجع إن أقر الأبن. انتهى.

ولم يزد على ذلك في " الأنصاف ". وهذا الظاهر مشكل على المذهب. ولعل ما نقله مهنا وقع جواباً عن سؤال سائل فلا يعول على مفهومه ولا ظاهره. والله أعلم.

وإن أولد) الأب (جارية ولده) قبل تملكها صارت له) أى: للأب (أم ولد)، لأن إحبال الأب لها يوجب نقل الملك إليه، وحينئذ يكون الوطء مصادفاً للملك.

ومقتضاه أنها إذا لم تحبل منه أنها باقية على ملك الولد.

(وولده) منها حر، لأنه من وطء أنتفى فيه الحد للشبهة. فـ (لا تلزمه قيمته) لولده المنتقل عنه ملك الجارية لصيرورتها أم ولد للأب " لأن الولد إنما أتت به في ملك الأب لكون إحبالها أنهجب نقل الملك فيها.

(ولا مهر) عليه لولده؛ لأن الوطء سبب نقل الملك فيها وإيجاب القيمة للولد كما سيأتي. والوطء الموجب للقيمة كالإتلاف

(2)

فلا يجتمع معه المهر.

(1)

ساقط من ب.

(2)

في أ: كإتلاف.

ص: 313

(ولا حد) على الأب بهذا الوطء؛ لشبهة الملك. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف مال الولد إلى ابيه فقال: " أنت ومالك لأبيك "

(1)

.

وعنه: أن كان الابن وطئها فعلى الأب الحد.

وقا ل في " الأنصاف ": أنه الأولى.

(ويُعزَّر)[أى: الأب]

(2)

من أجل ذلك؛ لأنه وطئ وطئاً محرماً. أشبه

ما لو وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره.

وقيل: لا يعزر مطلقاً.

وقيل: لا يعزر أن لم تحبل.

(وعليه) أى: على الأب بسبب إحباله الجارية (قيمتها) للابن. لكن

(3)

ليس له مطالبته بها كما سياً تي.

قال في " الأنصاف " على قوله في " المقنع ": وليس للابن

(4)

مطالبة ابيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك:

تنبيه: ظاهر كلام المصنف: أن ذلك يثبت في ذمته، ولكن يمنع من المطالبة. وهو أحد الوجهين، والمذهب منهما قدمه في " المغني ". وهو ظاهر كلامه في " المحرر " و" الرعاية " و" الحا وي ".

قال الحارثي: من الأصحاب من يقول بثبوت الدين وإنتفاء المطالبة، منهم القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والمصنف. انتهى.

واختاره المجد في " شرحه ".

وقدم في " الفروع ": إذا أولد أمة ابنه: أنه يثبمت قيمتها في ذمته. ذكره في

باب أمهات الأولاد.

(1)

سبق تخريجه ص (310) وص (311).

(2)

قلادة من ج.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: للأب. وهو تصحيف

ص: 314

والوجه الثانى: لا يثبت في ذمة الأب شيء لولده.

قال الحارثي: وهو الأصح، وبه جزم أبو بكر وابن البنا. وهو من المفردات. وهو المنصوص عن أحمد. وتأ، ول بعض الأصحاب النص.

قال المصنف: ويحتمل أن يحمل المنصوص عن أحمد وهو قوله: إذا مات الأب بطل دين الابن، وقوله: من أخذ من مهر ابنته شيئاً فإنفقه ليس عليه شيء. ولا يؤخذ من بعده: على أن أخذه وإنفاقه إياه: دليل على قصد التملك. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

وإنما يوجب إحبال الأب لأمة ابنه نقل الملك فيها وصيرورتها أم ولد له: إذا

لم يكن الابن وطئها. (ولا ينتقل الملك فيها أن كان الابن قد وطئها، ولو لم يستولدها) الابن؛ لأنها بمجرد وطء الابن تصير من حلائل الأبناء. (فلا تصير أم ولد للأب). نص عليه.

قال في " الفروع ": وإن كان ابنه يطؤها لم تصر أم ولد اللأب في المنصوص.

قال ابن رجب في القاعدة الخامسة والخمسين: والمرجح عند صاحب

" المغني " أنها تصير مستولدة؛ لأن التحريم لا ينافي الاستيلاد؛ كالأمة المشتركة. ولكن بينهما فرق وهو: أن هذه محرمة على التأبيد. بخلاف المشتركة. وقد نص أحمد على أن

(1)

النسب لا يلحق بوطء الأمه المزوجة وإن كان زوجها صغيراً لا يولد لمثله في رواية حرب وابن بختان. وذكره أبو بكر وابن أبي موسى فالمؤبدة التحريم أولى. هذا كله ما لم يكن الابن قد استولدها. فإن كان استولدها لم ينتقل الملك فيها باستيلاد غيره كما لا ينتقل بالعقود.

وذكر ابن عقيل في "فنونه ": أنها تصير مستولدة لهما جميعا؛ كما لو وطئاها

في ظهر وأحد وأتت بولد وألحقته القافة بهما. ولكن في مساً لة القافة حكم باستيلادها لهما دفعة واحدة. وفي مساً لتنا قد ثبت استيلاد الابن أولا لها فلا

(1)

ساقط من أوب

ص: 315

ينتقل إلى غيره. إلا أن يقا ل: أم الولد تملك بالقهر على رواية. وا"لاستيلاد سبب قهري. انتهى.

وعلم مما تقدم إن وطأها قبل تملكها واستبرائها محرم " لأنه ابتداء ملك. فوجب الاستبراء فيه، كما لو اشتراها.

(ومن استولد أمة أحد ابويه: لم تصر أم ولد له. وولده قن. وإن علم التحريم: حد)، لأن الابن ليس له التملك على أحد من ابويه. فلا شبهة له في الوطء.

(وليس لولد ولا ورثته) أى: ورثة الولد (مطالبة أب بدين)، كقرض وثمن مبيع، (أو قيمة متلف)، كما لو حرق لولده ثوباً أو نحوه، (أو ارش جناية) على ولده، كما لو قلع سنه أو قطع طرفه، (ولا) بشيء (غير ذلك مما للابن عليه) " كما لو زرع أرضاً لابنه، أو سكن دارا له: فإنه ليس له مطالبته بشيءمن ذلك.

قال في " الأنصاف ": هذا هو المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به أكثرهم. وهو من المفردات

(1)

.

وقال في " الرعاية "

(2)

: قلت: - ويحتمل أن يطالبه بما له في ذمته مع حاجته إليه، وغنى والده عنه.

قال في " الرعاية الصغرى "

(3)

ولا يطالب أباه بما ثبت له في ذمته في

الأصح، بقرض وإرث وبيع وجنا ية. وإتلاف. انتهى.

وقيل: لورثة الابن المطا لبة بدين مورثهما على ابيه وإن منعنا الابن منها. وأطلقهما في " الفائق ".

(1)

في ج: مفردات المذهب.

(2)

في أ: " الرعاية الصغرى ".

(3)

ساقط من أ

ص: 316

وفي " الا نتصار ": فيمن قتل أبنه: أن قلنا الدية للوارث طالبه، وإلا فلا.

وإن المباح يحرم إتلافه عبثاً ولا يضمنه. انتهى.

وأما ولد الولد فهل حكمه حكم الولد في عدم مطالبته لأبي ابيه بما له في ذمته

أنه لا؛ قا ل في " الرعاية ": قلب: يحتمل وجهين. وإن قلنا لا يتبت في ذمته شيء فهدر. انتهى.

قال في " الأنصاف " بعد حكايته لكلام صاحب " الرعاية ": قلت: ظاهر كلام أكثر الأصحاب أن له مطالبته. انتهى.

وعلى المذهب: يستثنى من منع مطالبة الابن لأبهيه صورتأن. أشير إلى ذلك بقوله: (إلا بنفقته) أى: نفقة الولد (الواجبة) على الأب؛ لفقر الولد وعجزه عن التكسب.

(و) إلا (بعين مال لى) أى: ل لولد (بيده) أى. يد الأب.

قال في " الفروع ": ويطلبه

(1)

بنفقته.

وفي " الرعا ية ": وعين في يده،

ونقل ابن الحكيم: ما حازه لا ياًخذه حيأ ولا ميتاً. وإن كان بعينه إذا حازه لنفسه. انتهى.

قال في " الأنصاف ": للابن مطا لبه ابيه بنفقته الواجبة عليه. قا: له الأصحاب-.

قا ال في " الوجيز ": له مطالبته بها، وحبسه عليها-.

وهو مستثنى من عمومه كلام من أطنق. ويعايى بها.

قا ل في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " و" تذكرة إبن عبدوس " وغيرهم: للأبن مطالبة أبيه بعين له في يده.

قلت. وهو ظاهر كلام المصنف. انتهى كلامه في "الأنصاف ".

(1)

فى أ: ويطلب

ص: 317

(ويثبت له) أى: للابن (في ذمته) أى: ذمة والده (الدَّيْن)؛ كالثمن

والأجرة والقرض، (ونحوه)؛ كقيم المتلفات وأروش

(1)

الجنايات. وتقدم

التنبيه على ذلك.

(وإن وجد) الابن (عين ماله الذي أقر ضه أنه باعه) لأبيه، (ونحوه)؛

كما لو غصب أبوه شيئاً فوجده عنده (بعد موته: فله) أى: للابن الذي اقترض، أنه باع أباه شيئاً، أنه غصبه منه الأب (أخذه) أى: أخذ ذلك المقرض، أنه المبيع، أنه المغصوب دون بقية ورثة الأب:(أن لم يكن)

الابن (أنتقد) من أبيه (ثمنه) أى: ثمن المبيع، أنه بدل القرض، أنه الغصب.

قال في " التلخيص ": ولو مات الأب وقد كان اقترض من ولده شيئاً، أنه

اشترى منه سلعة ولم ينقد ثمنها فوجدها الابن بعينها فهل له أخذها لتعذر العوض. أنه يكون ميراثاً للورثة؛ فيه روايتان.

وقال في " الفروع ": فإن مات ففي أخذه عين ماله. وقال في " المبهج ":

أنه بعضه ولم ينقد ثمنه: روايتان. انتهى.

قال في " الأنصاف ": وقدم في " المغني ": أن الأب إذا مات يرجع الابن

في تركته بدينه، لأنه لم يسقط عن الأب. وإنما تأخرت المطالبة. ثم قال عقب حكأىته لكلام " المغني ": قلت: هذا في الدين. ففي العين بطريق أولى. انتهى.

(ولا يسقط دينه) أى: الابن (الذي عليه) أى: على الأب (بموته) أى:

الأب.

قال في " الأنصاف ": على أحد الوجهين، اختاره بعضهم. وقدمه في

" الفروع " و" المغني ".

(1)

في أ: وأرش.

ص: 318

والمنصوص عن أحمد: أنه يسقط كحبسه به في الأجرة. أنتهي.

قال في " المغني " بعد أن قدم عدم السقوط: وقد روي عن أحمد أنه قال:

إذا مات الأب بطل دين الابن. وقال: فيمن اخذ من مهر ابنته شيئاً فإنفقه: فليس عليه شيء، ولا يؤخذ من بعده. وما أصابت من المهر من شيء بعينه أخذ به. وتاًول بعض أصحابنا كلامه على أنه أخذه على سبيل التملك. ويحتمل أن يكون أخذه له وإنفاقه إياه دليلاً على قصد التملك. فيثبت الملك له بذلك الأخذ. انتهى.

(بل جنايته) أى: جناية الأب على ابنه يعني: أن أرشها يسقط بموت الأب.

قال في " التنقيح ": والمنصوص يسقط وهو اظهر كجناية. انتهى.

وظاهر كلامهم: أن الجناية أعم من كونها على مال أنه بدن نفس الولد. ولعل الفرق بينها وبين دين القرض وثمن المبيع ونحوهما: كون الأب اخذ عن هذا عوضاً. بخلاف ارش الجناية.

وعلى هذا ينبغي أن يسقط عنه بموته أيضاً دين الضمان إذا ضمن غريم ولده

له. والله سبحأنه وتعالى أعلم.

(وما قضاه) الأب (في مرضه) من دين لولده عليه، (أنه وصى بقضائه)

من تركته: (فمن رأس ماله)؛ لأنه حق ثابت عليه. لا تهمة فيه. فكان من رأس المال؛ كدين الأجنبي.

وحكم الصدقة فيما تقدم حكم الهبة.

قال ابن قندس في " حواشي المحرر ": والرجوع في الصدقة كالهبة. صرح به أبو محمد والقاضي في " المجرد " وهو ظاهر إطلاق جماعة. واختار ابن ابي موسى: أنه يرجع فيما وهبه لابنه، ولا يرجع فيما كان على وجه الصدقة. وذكره أبو حفص " تحصيل المذهب ".

ص: 319

نقل حنبل: أرى من تصدق [على ابنه]

(1)

بصدقة فقبضها الابن وكان

(2)

في حجر ابيه واشهد على صدقته: فليس له أن ينقص شيئاً من ذلك؛ لأنه لا يرجع في شئ من الصدقة. ونحو ذلك نقل المروذي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: " لا تعد في صدقتك "

(3)

.

وقد فهم عمر العموم. فروى في " الموطأ " عنه: " من وهب هبة يرى أنه

أراد بها صلة رحم، أنه على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها "

(4)

.

ومن وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها أن لم يرض. انتهى.

(1)

ساقط من ب.

(2)

في ب: أنه كان.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه ") 1419) 2: 542 كتاب الزكاة. باب هل يشتري صدقته. وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1621) 3: 1240 كتاب الهبات. باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه

(4)

أخرجه مالك في " موطئه "(42) 2: 577 كتاب الأقضية. باب القضاء في الهبة.

ص: 320

(فصل) في عطية المريض

وما يلحق بها من المحاباة في عقود المعاوضات ونحو ذلك

(وعطيةُ مريض) مرضاً (غيرً مرض الموت. ولو كان) ذلك المرض (مخوفاً. أنه) كان ذلك المرض (غير مخوف؛ كصُدًاع) وهو وجع الرأس، (و)(وجع ضرس، ونحوهما)؛ كحمًّى يوم. قاله في " الرعاية ". وقيل: ساعة. قاله في " الشرح "

(1)

.

وكإسهال يسير من غير دم

(ولو صار) هذا (مخوفاً ومات به: كصحيح) يعني: أن عطيته تصح في جميع ماله؛ لأن مثل هذه الأمور لا يخاف منه في العادة.

وكما لو كان مريضاً وبرئ.

ولأن الإسهال اليسير قد يكون من فضلة الطعام.

ومحل ذلك: إذا لم يكن متحرقاً بأن لا يمكنه منعه ولا إمساكه. فإن كان متحرقاً كان مخوفا وإن كان ساعة؛ لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه. قاله في "المغني ".

وأما كونه كالصحيح ولو صار مرضه مخوفا. فقد ذكره السامري مما واقتصر عليه الحارثي اعتباراً بحال العطية؛ كما لو كان صحيحا ثم طرأعليه مرض الموت عقب العطية.

(و) عطية مريضى (في مرض موته المخوف)؛ وذلك (كالِبرْسَام) بكسر الموحدة وهو: بخار يرتقي إلى الراس ويؤثر في الدماغ فيختل العقل به.

(1)

في أ: الشارح.

ص: 321

وقال عياض: هو ورم في الدماغ يتغير منه عقل الإنسان ويهذي.

(وذات الجَنْب) وهو: قرج بباطن الجنب.

(والرًُعاف الدائم)، لأنه يصفي الدم فتذهب القوة.

(والقيام المتدارك) وهو الإسهال الذي لا يستمسك.

ومن المخوف أيضاً: الإسهال الذي يكون معه دم، لأن ذلك يضعف القوة.

(والفالج) وهو: داء معروف يرخي بعض البدن.

قال في " القاموس ": والفالِج: استرخاء لأحد شقي البدن " لأنصباب خِلْط بَلْغميًّ تنسد منه مسالك الروح. فُلِج كعُني. فهو مفلوج. انتهى.

وقال ابن القطاع: فلج فالجاً: بطل نصفه أنه عضواً منه.

(في) حا ل (أبتداء) للمرض.

(والسَِِّلّ) بكسر المهملة: داء معروف (في) حال (أنتهاء.

و) كذا من

(1)

الأمراض (ما قال عدلان من أهل الطب: أنه مخوف)، كوجع الرئه فإنها لا تسكن حركتها فلا يندمل جرحها، وكالقولنج. وهو: أن ينعقد الطعام في بعض الأمعاء ولا ينزل عنه. وهذه الأمراض مع الحمى أشد خوفا.

ومن هاجت به الصفراء فمرضه مخوف، لأنها تورث يبوسة.

وكذا من هاج به البلغم، لأنه من شدة البرودة. وقد يغلب على الحرارة

الغريزية

(2)

فيطفيها.

والطاعون مخوف؛ لأنه من شدة الحرارة. إلا أنه يكون في جميع البدن.

(1)

في أ: أن. وفي ب: كذات.

(2)

في ب: الغريزة.

ص: 322

فهذه الأمراض وشبهها إذا أعطى صاحبها عطية: فإنها تكون (كوصية) في

أنها لا تجوز لوارث، ولا تجوز لأجنبي بزيادة على ثلث ماله إلا بإجازة ورثته فيهما. حتى (ولو) كان ما أعطاه (عتقاً) لبعض أرقائه، أنه عفواً عن جناية موجبة للمال.

(أو محاباة) في غير كتابة؛ كبيع وإجارة.

والمحاباة هي: مسامحة أحد المتعاوضين الاخر في عقد المعاوضة ببعض

ما يقابل العوض؛ كان يشتري ما قيمته ثمانية بعشرة، أنه يبيع ما قيمته عشرة بثمانية، ونحو ذلك.

(لا) أن كان الصادر من المريض (كتابة) لرقيقه أنه بعضه بمحاباة (أو وصية بها) أى: بكتابته (بمحاباة) فإن المحاباة في الصورتين تكون من راس المال.

قال في " الأنصاف ": المحاباة لغير وارث من الثلث؛ كما قال المصنف.

لكن لو حاباه في الكتابة: جاز، وكان من رأس المال، على الصحيح من المذهب، قدمه في " الفروع ".

وذكره القاضي في موضع من كلامه، وأبو الخطاب في " رؤوس المسائل ".

قال الحارثي: وهذا المذهب عند جماعة، منهم القاضي أبو الحسين وابو يعلى الصغير والمجد. وهو اصح.

وقيل: من الثلث. اختاره المصنف هنا، والقاضي في " المجرد "، وأبو الخطاب في " الهداية "، والسامري في " المستوعب ".

قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.

واختلف فيها كلام ابي الخطاب.

وكذا حكم وصيته بكتابته. انتهى.

ص: 323

وما ذكره في " الأنصاف " من كون المحاباة في

(1)

مال الكتابة: تكون من رأس المال على الصحيح هو معنى كلامه في " التنقيح " وتبعته عليه. لكن كلام المجد في " المحرر " وكلام صاحب " الفروع " لا يقتضي ذلك. وإنما يقتضي أن الكتابة نفسها في مرض الموت المخوف هل هي كالوصية فتعتبر من الثلث؛ لأنها تعليق للعتق على الأداء فكان من الثلث؛ كتعليقه على غيره. أنه من رأس المال؛ لأنها معا وضة. فكانت من رأس المال؛ كالبييع.

وعبارته في " المحرر ": ويعتبر فى المرض من رأس المال. وقال

أبو الخطاب: من الثلث.

وعبارته في " الفروع ": ومحاباة، وقيل: وكتابة كوصية. واختلف فيها كلام أبي الخطاب وكذا وصميته بكتابته. انتهى.

فعلم من كلام صاحب " الفروع ": أن المساً لة التي اختلف فيها كلام

أبي الخطاب هي الكتابة نفسها لا المحاباة فيها كما ذكر ص (4)" الأنصاف ". ولم أعلم ما يقتضعه كلام الحارثي في قطعته؛ لعدم الوقوف عليه. فتحرر المساًلة أن شاء الله تعالى.

(وإطلاقها بميمته)[يعني: أنه]

(2)

يكاتب رقيق أوصى سعيده بكتابته أن أطلق السيد بأن لم يقل يكاتب علي كذا بقيمته.

قال في " الفروع ": وإطلاقها بقيمته.

قال في " الأنصاف ": وإطلاقها يقتضي أن تكون بقيمته، ولم يذكر خلافاً

فى ذلك. ووجه ذلك: أنه العدل.

(و) أما الأمراض (الممتدة؛ كالسِّلّ) في حال غير أنتهائه، (والجذام، والفالج في دوامه. أن صار صاحبها صاحب فراش: فمخوفة، وإلا فلا) تكون مخوفة.

(1)

في أوب: من.

(2)

ساقط من أ

ص: 324

قال القاضي: هذا تحقيق المذهب فيه.

وقد روى حرب عن أحمد في وصية المجذوم والمفلوج من الثلث. وهو محمول على أنهما صارا صاحبي فراش. قاله في " المغني ".

وذكر ابو بكر وجها في صاحب الأمراض الممتدة: أن عطيته من صلب المال يعني: ولو كان صاحبها صاحب فراش.

ووجه المذهب: أنه مريض صاحب فراش يخشى تلفه. أشبه صاحب المرض المخوف للموت.

وأُلحق بالمريض مرض الموب المخوف فيما تقدم ثمانية أُشير إلى الأول

منها

(1)

بقوله:

(وكمريض مرض الموت المخوف: من بين الصفين وقت حرب) أى:

وقت اختلاط الطائفتين للقتال، (وكلُّ من) عدد (الطائفتين مكافئ) للآخر، (أو) كان المعطي (من) الطائفه (المقهورة).

قال في " المغني ": قال أحمد: إذا حضر القتال كان عتقه من الثلث.

وعنه: إذا التحم الحرب فوصيته من المال كله.

فيحتمل أن يجعل هذا رواية ثانية.

وسمى العطية وصية تجوزاً؛ لكونها في حكم الوصية، ولكونها عند الموت. ويحتمل أن يحمل على حقيقته في صحة الوصية من المال كله. لكن يقف الزائد على الثلث على إجازة الورثة. فإن حكم وصية الصحيح وخائف التلف واحد. انتهى.

ووجه ذلك: أن توقع التلف هنا كتوقع المريض أنه أكثر، فوجب أن يلحق به.

(1)

في أوب: منهم

ص: 325

ولا فرق بين كون الطائفتين متباينتين فى الدين أنه لا " لوجود خوف التلف

في الصورتين.

وأُشير إلى الثانى بقوله: (ومن باللُّجة) بضم اللام أى: لجة البحر (عند الهيجان) أى: ثوران البحر بسبب هبوب الريح العاصف " لأن الله تعالى وصف من في هذه الحالة بشدة الخوف. قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[يونس: 22].

وأُشير إلى الثالث بقوله: (أنه وقع الطاعون).

قال أبو السعادات: هو المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به

الأمزجة والأبدان.

وقال عياض: هو قروح تخرج من المغابن وغيرها لا يلبث صاحبها. وتعم

إذا ظهرت.

وفي " شرح مسلم ": وأما الطاعون فوباء معروف. وهو بثر وورم مؤلم جدا، يخرج مع لهب، ويسود ما حوله

(1)

ويخضر ويحمر حمرة بنفسجية، ويحصل معه خفقان

(2)

القلب.

(ببلده) أى: بلد المعطى.

قال في " المغنى ": فعن أحمد أنه مخوف. ويحتمل أنه ليس بمخوف فإنه

ليس بمريض، وإنما يخاف المرض. والله تعالى أعلم. انتهى.

قال في " الأنصاف " عن هذا الاحتمال: وما هو ببعيد. انتهى.

وأُشير إلى الرابع بقوله: (أنه قُدَّم لقتل). سواء اريد قتله للقصاص أنه لغيره " لأن التهديد بالقتل جعل إكراها يمنع وقوع الطلاق وصحة البيع ويبيح

(1)

في أ: حاله.

(2)

في أ: خفاق.

ص: 326

كثيراً

(1)

من المحرمات. ولولا الخوف لم تثبت هذه الأحكام. وإذا حكم للمريض وحاضر الحرب بالخوف مع ظهرر السلامة ومع بعد التلف. فمع ظهرر التلف وقربه أولى.

ولا عبرة بصحة البدن فإن المرض لم يكن مثبتا لهذا الحكم بعينه بل لخوف إفضائه إلى التلف. فيثبت الحكم هاهنا بطريق التنبيه " لظهور التلف.

وأُشير إلى الخامس بقوله: (أنه حُبِس له) أى: للقتل.

قال في " الأنصاف ": حكم من حبس للقتل حكم من قدم ليقتص منه. انتهى.

وهذا قول الحسن. فإنه لما حبس الحجاج أىاس بن معأنهية قال: ليس له

من ماله إلا الثلث.

قال في " الفروع ": أنه قدم ليقتل أنه حَبَس له كمريض. وعنه: لا. انتهى.

وأُشيرإلى السادس بقوله: (وأسيرٌ عند من عادته القتل).

قال في " المغني ": الأسير المحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف. عطيته من الثلث، وإلا فلا. وهذا قول أبي حنيفة ومالك وابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي. انتهى.

قال في " الأنصاف ": فإن كان عادتهم القتل فحكمه حكم من قدم ليقتص منه، على الصحيح من المذهب.

وعنه: عطإياه من كل المال.

وإن لم تكن عادتهم القتل فعطإياه من كل المال، على المحيم من المذهب.

(1)

في ب: كثير. ج

ص: 327

وعنه: من الثلث. نص عليه. واختاره أبو بكر، وتأوّلها القاضي على من عادتهم القتل. انتهى.

وأُشير إلى السابع بقوله: (وجريحٌ) جرحاً (مُوحِياً مع ثبات عقله)، لأنه

مع عدم ثبات عقله لا حكم لعطيته بل ولا لكلامه. وحيث كان عقله ثابتا كان حكمه حكم المريض. فإن عمر رضي الله تعالى عنه لما جرج سقاه الطبيب لبناً فخرج من جرحه. فقال له الطبيب: أعهد إلى الناس فعهد عليهم ووصى. فاتفق الصحابة على قبول عهده ووصيته. وأبو بكر لما اشتد مرضه عهد إلى عمر فنفذ عهده. وعلي رضي الله تعالى عنه بعد ضرب ابن ملجم أوصى وأمر ونهى. فلم يحكم ببطلان

(1)

قوله.

وأُشير إلى الثامن بقوله: (وحاملٌ عند مخاض) أى: عند الطلق. نص عليه.

قال في " الفروع ": والأشهر (مع الم حتى تنجو) يعني: من نفاسها.

وعنه: إذا صار لها ستة أشهر.

وعنه: إذا ثقلت حتى تنجو.

ووجه المذهب: أنها قبل ضرب المخاض لا تخاف الموت. فاً شبهت

صاحب الأمراض الممتدة قبل أن يصير صاحب فراش.

وعلم من قوله: حتى تنجو: أنه لو خرج الولد والمشيرو وحصل هناك ورم أو ضربان فحكمها حكم ما قبل ذلك " لأنها لم تنج بعد.

وعن أحمد في النفساء: إذا كانت ترى الدم فعطيتها من الثلث.

قال في " المغني ": يحتمل أنه اراد بذلك إذا كان معه ألم للزومه لذلك في الغالب. ويحتمل أن يحمل على ظاهره فإنها إذا كانت ترى الدم كانت كالمريض

(2)

. انتهى.

(1)

فى أوب: ببطلانه.

(2)

في ب: فإنها أن كانت كالمريض-. بإسقاط: كانت ترى الدم

ص: 328

وإن وضعت مضغة فعطاياهًا كعطايا الصحيح.

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب. قدمه في " الفروع ".

قال في " المغني " و" الشرح": فعطإياه اكعطأىا الصحيح. إلا مع ألم.

قال في " الرعاية الكبرى " بعد أن قدم أن عطإياهًا كعطايا الصحيح: وقيل:

أنه وضعت مضغة أنه علقة مع ألم أنه مرض.

وقيل: لا حكم لها بلا ألم ولا مرض. انتهى كلامه في " الأنصاف ". (وكمِّيت) في الحكم: (من ذُبح، أنه) من (أُبِيَنت حُشوَتَه) وهي أمعاؤه. لا خرقها وقطعها فقط. ذكره الموفق وغيره من أنه لا يعتد بكلامه.

[قال في " الفروع "]

(1)

: وذكر الشيخ أيضاً في " فتاويه ": أن خرجت حشوته ولم تبن ثم مات ولده ورثه. وإن ابينت فالظاهر يرثه، لأن الموت زهوق النفس وخروح الدم ولم يوجد.

ولأن الطفل يرث ويورث بمجرد استهلاله وإن كان لا يدل على حياة أثبت من حياة هذا.

وظاهر هذا من الشيخ: أن من ذبح ليس كميت مع بقاء روحه. انتهى كلامه

في " الفروع ".

قال في " الرعاية ": ومن ذبح أنه أبينت حشوته فقوله لغو

(2)

. وإن خرجت حشوته أنه اشتد مرضه وعقله ثابت، كعمر وعلي رضي الله تعالى عنهما: صح تصرفه وتبرعه وو صيته. انتهى.

(ولو علَّق) إنسان (صحيح عتق قنه) على شرط، (فوجد) الشرط (في مرضه) أى: المعلق: (فـ) العتق محسوب (من ثلثه).

قال في " الأنصاف ": فالصحيح من المذهب: أنه يكون من الثلث. قدمه

(1)

ساقط من ب.

(2)

في ألغواً.

ص: 329

في " الفر وع " وغيره. واختاره أبو بكر وابن أبي موسى وغيرهما.

وقيل: يكون من كل المال.

وحكاهما القاضي في " خلافه " روايتين. ذكره في القاعدة السابعة عشر بعد

المائة.

ومحل الخلاف: إذا لم تكن الصفة واقعة باختيار المعلق. فإن كانت من

فعله فهو من الثلث بغير خلاف. انتهى.

(وتقدَّم عطية اجتمعت مع وصية، وضاق الئلب عنهما مع عدم الإجازة) للوصية.

قال في. " الأنصاف ": فالصحيح من المذهب: أن العطية تقدم. وعليه الأصحاب، وجزم به في " المغني " و" الشرح" و" النظم " وغيرهم. وقدمه

في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " و" الفروع " وغيرهم. وصححه في

" المحر ر " وغيره.

وعنه: التساوى. قدمه في " المحرر ". لكن صمحح الأول كما تقدم.

وعنه: يقدم العتق. انتهى.

ووجه المذهب: أن العطية لازمة في حق المريض. فقدمت على الوصية؛

كعطيه الصحة.

ولأنها عطية منجزة. فقدمت على العتق، كعطية الصحة، وكما لو تساوى الحقان.

(وإن عجز) الثلث (عن التبرعات المنجَّزة: بُدئ بالأول) منها (فالأول). سواء كان الأول عتقاً أو غيره.

وعنه: يقدم العتق.

وعنه: يقسم بين الكل بالحصص، كالوصايا. وهو وجه في " المحرر ".

قال الحارثي: وليس بشيء.

ووجه المذهب: أنهما عطيتان منجزتان. فكانت أولاهما أولى.

ص: 330

ولأن العطية المنجّزة لازمة في حق المعطي. فإذا كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة. فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطى " لأنه يملك الرجوع عن بعضها بعطية أخرى.

(فإن وقعت) العطايا كلها (دفعة) واحدة بأن وكل المريض جماعة فأوقعوها دفعة: (قسم) الثلث (بين الجميع بالحصص).

وعنه: أن كان بعضها عتقا قدم.

(و) المذهب: (لا يقدم عتق) على غيره

(1)

.

ووجهه: أن هذه العطايا حقوق تسأنهت أصلها في استحقاقها. فتسأنهت في تنفيذها، كما لو كانت من جنس واحد، وذلك لأن استحقاقها حصل في حال واحد

(2)

.

وقال الحارثي في العتق: يقرع بينهم فيكمل العتق في بعضهم كما في حال الوصية. نقله عنه في " الأنصاف " بعد أن ذكر أن عدم تقديم العتق على غيره عليه جماهير الأصحاب. لكن ما نقله عن الحارثي يوهم أنه أنفرد به. وليس كذلك.

قال في " المغني ": فإن كانت كلها عتقاً أقرعنا بينهم فكملنا العتق كله في بعضهم. وإن كانت كلها من غير العتق قسمنا الثلث بينهم على قدر عطاياهًم " لأنهم تساوا في الاستحقاق. فقسم بينهم على قدر حقوقهم، كغرماء المفلس.

وإنما خولف هذا الأصل في العتق، لحديث عمرأن بن حصين

(3)

.

(1)

في أ: غير.

(2)

في ب: واحدة.

(3)

عن عمران بن حصين " أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته. ولم يكن له مال غيرهم. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له قولاً شديدأ. ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء. فأُقرع بينهم فاعتق اثنين وأرق أربعة ".

أخرجه أبو داود في "سننه "(3958) 4: 28 كتاب العتق. باب فيمن أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث.

ص: 331

ولأن القصد بالعتق تكميل الأحكام، ولا تكمل الأحكام إلا بتكميل العتق. بخلاف غيره.

ولأن في قسمة العتق عليهم إضراراً بالورثة والميت والعبيد على ما يذكر في موضعه. انتهى.

(وأما معاوضته) أى: المريض مرض الموت المخوف (بثمن المثل: فتصح من رأس المال). حتى (ولو) كانت (مع وارث)، على الصيم من المذهب.

قال في " الأنصاف ": وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.

قال في " الفروع ": وتصح معا وضة مريض بثمن مثله.

وعنه: مع وارث بإجازة. اختاره في " الأنتصار "؛ لفوات حقه في المعين. انتهى.

ووجه المذهب: أنها معاوضة من غير محاباة. فلم يكن للورثة الاعتراض فيها؛ كما لو وقعت مع غير وارث.

(وإن حابى) مريض (وارثه) في عقد معا وضة: (بطلت) المعا وضه (في قدرها) أى: قدر المحاباة؛ لأن المحاباة كالهبة وهي لا تصح لوارث بغير إجازة الورثه. (وصحت) المعاوضة (في غيره) أى: غير قدر المحاباة (بقسطه)؛ لأن المأنع من الصحة المحاباة وهي في غير قدرها مفقودة. فلو باع المريض لبعض ورثته شيئاً لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعش هـ. فلم تُجز بقية الورثة: صح بيع ثلثه بالعشرة، وكان الثلثان كالهبة يردهما الصض ستري.

(وله الفسخ لتبعُّض الصفقة في حقه. لا إن كان) المبيع جزءا من عقار وكان (له شبفيع وأخذه) أى: أخذ ما صح فيه البيع. فإن المشتري يسقط حقه من الفسخ؛ لأنه لا ضرر عليه إذاً.

وعنه: أن عقد المعاوضة من المريض بمحاباة مع الوارث فاسد.

ولو كان المحابى في الصورة المتقدمة أجنبيا: صح البيع أيضاً في ثلثه

ص: 332

بالعشرة ورد نصف الثلثين

(1)

أن لم تجز الورثة فقط؛ لأن حكم الثلثين حكم الهبة. فيكون للأجنبي مما زاد على الثلث بقدر الثلث، وذلك نصف ثلثي العبد؛ لأن الفرض أن المريض لا يملك غيره. وهذا مقتضى عبارة " المحرر ".

وقال في " المغني " بعد أن حكى ما في المتن عن القاضي: وطريق هذا:

أن تنسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته. فيصح البيع في مقدار تلك النسبة

(2)

. انتهى.

وبيانه: أن الثمن عشرة وثلث المبيع عشرة فنسبة العشرين إلى قيمة العبد وهي ثلاثون الثلثان. فيصح البيع فيهما بالعشرة.

وهذا بخلاف ظاهر عبارة " المحرر " من أن العشرة في مقابلة ثلثه، والثلث الآخر يأخذه بكونه هبة.

وينبني على ذلك: أنه لو لم يكن قبض العبد لم يلزم الهبة في الثلث الاخر، ويكون للورثة فسخها. وعلى قول القاضي: ليس لهم ذلك؛ لأنه أنتقل بالبيع لابالهبة.

وعنه: يصح البيع مع الأجنبي في نصفه بنصف الثمن.

قال في " المحرر ": وهو الأصح عندي. وطريقه: أن تنسب الثلث من المحاباة. فبقدر نسبته يصح من المبيع البيع.

وعنه: رواية ثالثة يصح البيع في العبد كله، ويرد المشتري الوارث تمام قيمته عشرين، وللأجنبي نصفها عشرة أو يفسخان.

(ولو حابى) المريض (أجنبياًَ) بما

(3)

تصح به المحاباة أنه أجاز الورثة،

(1)

في أ: الثلاثين.

(2)

في أوب: السنة.

(3)

في أ: ما.

ص: 333

(وشفيعه وارث: اخذ بها) أى

(1)

: بالشفعة: (أن لم يكن) ذلك (حيلة) على محاباة الوارث.

وقيل: لا يملك الوارث الشفعة هنا، لإفضائه إلى إثبات حق وارثه.

ووجه المذهب: وهو ملك الوارث الأخذ بالشفعة، (لأن المحاباة لغيره). أشبه ما لو أنتقل الشقص إلى الأجنبي من غير الموروث. وكما لو وصى لغريم وارثه.

(وإن آجر) المريض (نفسه وحابى المستأجر). سواء كان وارثاً أو غير وارث: (صح) العقد (مجانا) أى: من غير رد من المستأجر لشيء من المدة أو من العمل.

قال في " الفروع ": وهل لمريضة تزوجت بدون مهرها نقضه؟ فيه وجهان. وجزم في " الترغيب ": ليس لها؛ كإجارتها نفسها بمحاباة. ويتوجه فيها كمهر. انتهى.

فجعل مساًلة الإجارة مقيساً عليها. وذكر من عنده: أنه يتوجه فيها الخلاف

(2)

الذي في المهر.

(ويعتبر ثلثه) أى: ثلث مال المعطي في المرض (عند موت) لا عند عطية

أنه محاباة أنه وقف أنه عتق. (فلو عتق) المريض (ما) أى: امة أنه عبدا (لا يملك غيره، ثم ملك ما) أى: مالا (بخرج) العبد (من ثلثه تبيناً عتقه كله) " لخروجه من الثلث عند الموت.

(وإن لزمه) بعد عتقه (دين يستغرقه) أى: يستغرق قيمة المعتوق: (لم يعتق منه شيء).

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب. نص عليه وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.

(1)

في أ: إلى.

(2)

في ب: إطلاق.

ص: 334

وقال الحارثي: في اعتبار الثلث في الوصية بحال الوصية: خلاف. فيجري مثله في العطية على القول به، وأولى.

قال: وهذا الوجه أظهر.

قال: ومن الأصحاب من أورد رواية أو وجها: بعتق ثلث العبد فيما إذا كان عليه دين يستغرق العبد. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

ووجه المذهب: أن العتق في المرض كالوصية، والدين مقدم عليها. بدليل قول علي رضي الله تعالى عنه:" قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية "

(1)

. وحكم هبته كعتقه. ولا يبطل تبرعه بإقراره بدين في المنصوص. ذكره في

" الفروع ".

وقال أيضاً: قال في " الأنتصار ": له لبس ناعم وأكل طيب لحاجته. وإن فعله لتفويت الورثة منع. وفيه

(2)

: نمنعه إلا بقدر حاجته وعادته، وسلمه أيضاً؛ لأنه لا يستدرك كإتلافه. وجزم به

(3)

الحلوانى وغيره وابن شهاب قال: لأن حق وارثه لم يتعلق بعين ماله. انتهى.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(2122) 4: 435 كتاب الوصايا. باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2715) 2: 906 كتاب الوصايا. باب الدين قبل الوصية.

(2)

في أ: فيه.

(3)

في أ: به في.

ص: 335

فصل فيما تفارق به العطية الوصية

من الأحكام، وما ينبني

(1)

على ذلك وغير ذلك

(تفارق العطية الوصية في أربعة) من الأحكام:

الأول: (أن يبدأ بالأول فالأول منها) أى: من العطية. (والوصية يسوى

بين متقدمها ومتاخرها)؛ لأنها تبرع بعد الموت فوجد دفعةً واحدة.

(الثانى: أنه لا يصح الرجوع في العطية) بعد لزومها بالقبض وإن كثرت؛

لأن المنع من الزيادة على الثلث إنما كان لحق الورثة لا لحقه. فلم يملك إجازتها ولا ردها. (بخلاف الوصية) فإنه يصح الرجوع فيها؛ لأن التبرع بها مشروط بالموت ففيما قبل الموت لم يوجد فهي كالهبة قبل القبول. بخلاف العطية في المرض فإنه قد وجدت العطية منه والقبول والقبض من الموهوب له. فلزمت؛ كالوصية إذا قبلت بعد الموت وقبضت.

(الثالث: أنه يُعتبر قبول عطية عندها)؛ لأنها تصرفٌت في الحال فتعتبر شروطه وقت وجوده. (والوصية بخلافه) أى: بخلاف ذلك؛ لأنها تبرع بعد الموت. فلا حكم لقبولها ولا ردها قبله.

الحكم (الرابع: أن الملك يثبت في عطيةٍ من حينها) أى: من حين وجودها بشروطها. ويكون هذا الثبوت (مراعىً) لأنا لم نعلم أهل هذا المرض مرض الموت أو لا؛ ولا نعلم هل يستفيد مالاً أنه يتلف شيء من ماله؛ (فإذا) أنكشف الحال بأن مات وقد (خرجت) العطية (من ثلثه عند موت: تبيّناً) حين ذاك (أنه) أى: الملك (كان ثابتاً) من حين العطية؛ لأنه إنما يمنع من ثبوته تبين كونه زائداً على الثلث وقد تبين خلافه.

(1)

في أ: يبني

ص: 336

(فلو أعتق) مريض قناً في مرضه، (أنه وهب) مريض لإنسان (قناً في مرضه. فكسب) المعتوق أنه الموهوب، قليلاً أو كثيراً قبل موت سيده، (ثم مات سيده. فخرج من الثلث: فكسْب معتق له)؛ لأنه قد تبين أنه من حين العتق صار حراً. فكان كسبه له؛ كسائر الأحرار. (و) كان كسب قن (موهوب لموهوب له)؛ لأن الكسب تابع لملك الرقبة. فتعين كونه لموهوب له.

(وإن خرج بعضه) أى: بعض المعتوق أنه الموهوب من الثلث دون بقيته: (فلهما) أى: للمعتوق والموهوب له (من كسبه بقدره) أى: قدر البعض الذي خرج من الثلث. فإن كان البعض الخارج من الثلث ربع القن: - كان له أنه للموهوب له ربع كسبه وباقيه للورثة. وإن كان نصف القن كان له أوه للموهوب له نصف كسبه والنصف الثانى للورثة. وإن كان ثلثي القن كان له أو للموهوب له ثلثا كسبه وبافيه للورثة. وربما أفضى إلى الدور.

(فلو أعتق) مريض (قناً لا مال له سواه. فَكَسَب) المعتوق (مثل قيمته

قبل موت سيده) فللمعتوق من كسبه بقدر ما عتق منه من

(1)

حين اعتقه، وباقيه لسيده. فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية لذلك، ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من الكسب، وينقص بذلك قدر المعتق منه

(2)

. فيستخرج ذلك بالجبر (فـ) يقال: (قد عتق منه شيء، وله من كسبه شيء)، لأن كسبه مثله، (وللورثة) منه ومن كسبه (شيئاًن)؛ لأن لهم مثلي ما عتق منه وقد عتق منه شيء. ولا يحسب على المكتسب ما اكتسبه بجزئه الحر؛ لأنه استحقه بجزئه الحر لا

(3)

من جهة سيده. فيكون للمكتسب شيئاًن وللورثة شيئاًن منه ومن كسبه، (فصار) المكتسب (وكسبه نصفين: يعتق منه نصفه، وله نصف كسبه، وللورثة نصفهما) أى: نصف المكتسب ونصف كسبه. فلو كان المكتسب في هذه الصورة قيته مائة وكسبه مائة قسمت ذلك على أربعة أشياء

(1)

زيادة من ج.

(2)

في ب: ثمنه.

(3)

في أ: لأن.

ص: 337

فيكون الشيء خمسين. وهذه الطريقة أولى من ضم الأشياء. ثم يقسم نصفين " لأن بالأول تبين مقدار الشيء فيعلم مقدار العتق. بخلاف القسمة نصفين فإنه يحتاج إلى نظر لتبين مقدار العتق.

(وإن كسب مثلي قيمته: صار له شيئاًن، وعتق منه شيء، وللورثة شيئاًن: فـ) يقسم المكتسب وكسبه أخماساً (يعتق ثلاثة اخماسه، وله ثلاثة أخماس كسبه، والباقي) وهو خمساه وخمسا كسبه (للورثة).

وإن كسب ثلاثة أمثال قيمته: فله ثلاتة أشياء من كسبه ميع ما عتق منه، وللورثة شيئاًن. فيعتق منه ثلثاه، وله ثلثا كسبه وللورثة الثلث من المكتسب ومن كسبه.

(وإن كسب نصف قيمته: فقدعتق منه شيء، وله نصف شيءمن كسبه، وللورثة شيئاًن) فالجميع ثلاثة أشياء ونصف إذا بسطتها أنصافاً صارت سبعة، له ثلاثة أسباعها. (فيعتق ثلاثة أسباعه، وله ثلاثة أسباع كسبه، والباقي للورثة). فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له من كل دينار شيئاً فقد عتق منه مائة شيء. وله من كسبه تسعة أشياء وللورثة مائتا شيء. فيعتق منه مائة جزء وتسعة

(1)

أجزاء من ثلثمائة وتسعة، وله من كسبه مثل ذلك، وللورثة مائتا جزء من نفسه ومائتأن من كسبه.

(و) يكون الحكم (في هبةٍ): أن (لموهوب له بقدر ما عتق) منه في مساًلة العتق، (وبقدره من كسبه).

وإن كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه: صرفاً في الدين، ولم يعتق منه شيء في مسألة العتق، ولا يكون للموهوب له شيء في مسألة الهبة " لأن الدين مقدم على التبرع.

وإن لم يستغرقهما الدين: صرف من

(2)

قيمته وقيمة كسبه ما يقضى به

(1)

في ب: تسعة.

(2)

فى أوب: في.

ص: 338

الدين. وما بقي منهما يقسم على ما يعمل في العبد الكامل وكسبه. فلو كان على السيد دين قيمة العبد وقد كسب مثل قيمته صرف فيه نصف العبد ونصف كسبه، وقسم الباقي بين الورثة وبين العتق، أنه وبين الموهوب له نصفين.

وإن كسب العبد مثل ديمته وللسيد مالٌ مثل قيمته: قسمت العبد ومثلي قيمته

على الأشياء الأربعة. فلكل شيء ثلاثة أرباع فيعتق من العبد ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه.

ولو اعتق عبداً قيمته عشرون ثم أعتق عبدا قيمته عضرة فكسب كل واحد منهما مثل قيمته: تكملت الحرية في العبد الأول. فيعتق منه شيء وله من كسبه شيء وللورثة شيئاًن. ويقسم العبدأن وكسبهما على الأشياء الأربعة فيكون لكل شيء خمسة عشر. فيعتق منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة أرباع كسبه والباقي لهم.

وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله وأخذ كسبه، ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق. وهو نصفه ونصف كسبه. ويبقى نصفه ونصف كسبه بينهما نصفين. فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثه [أرباعه ويتبعه ثلاثة]

(1)

ارباع كسبه وذلك مثلا ما أنعتق منهما.

وإن أعتق العبدين دفعة واحدة قرعنا بينهما. فمن خرجت له قرعة الحرية فحكمه كما لو بدأ بإعتاقه.

(وإن أعتق) المريض مرض موت المخوف (أمة) لا مال له غيرها، (ثم وطئها) المعتق وطءاً موجباً للمهر، (ومهر مثلها نصبف قيمتها فكما لو كسبته) أى: حكمها حكم ما لو كسبت نصف فيمتها: (يعتق) منها (ثلاثة أسباعها) سبع بملكها من

(2)

نفسها بحقها من مهرها. ولا ولاء عليها لأحد. وسبعان بإعتاق الميت. وما في المتن معنى ما في " المقنع ".

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: في.-

ص: 339

قال في " المبدع ": لكن في التشبيه نظر من حيث: أن الكسب يزيد به ملك السيد، وذلك يقتضي الزيادة في العتق، والمهر ينقصه وذلك يقتضي نقصان العتق. انتهى.

(ولو وهبها) المريض (لمريض آخر لا مال له) أيضاً، (فوهبها الثانى للأول) وماتا جميعا:(صحت هبة الأول في شيء، وعاد إليه بـ) الهبة (الثانية ثلثه. بقي لورثة الاخر ثلثا شيء، وللأول) أى: لورثة الأول (شيئاًن). فاضربها أى: الشيئين والثلثين في ثلاثة؛ ليزول

(1)

الكسر تكن ثمأنية أشياء تعدل الأمة المو هو بة. (فلهم) أى: لورثة الأول (ثلاثة أرباعها) ستة. (ولورثة الثانى ربعها) شيئاًن.

وإن شئت قلت: المساً لة من ثلاثة، لأن الهبة صحت في ثلث المال، وهبة الثانى صحت في الثلث فتكون من ثلاثة. اضربها في أصل المساًلة تكن تسعة. أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية بقيت المساًلة من ثمأنية.

(وإن باع) المريض مرض الموت المخوف (قفيراً) من بر أو نحوه

(لا يملك غيره يساوي) القفيز (ثلاثين) درهما، (بقفيز) من جنسه (يساوي عشرة ولم تُجز الورثة: فأسقط قيمة الرديء) وهي عشرة (من قيمة الجيد) وهي ثلاثون، (ثم أنسب الثلث إلى الباقي) بعد إسقاط قيمة الرديء (وهو) أى: الثلث (عشرة من عشرين) التي هي الباقي بعد الإسقاط: (تجده) أى: الثلث (نصفها) أى:

(2)

نصف العشرين. (فيصح) البيع (في نصف) القفيز (الجيد بنصف) القفيز (الرديء، ويبطل) البيع (فيما بقي) بعد نصفها، (لئلا يفضي) صحة البيع في أكثر من أحدهما بأقل من الآخر (إلى ربا الفضل). وطريق حساب ذلك بالجبر في هذه الصورة أن يقال: يجوز البيع في شيء

من الجيد بشيء من الرديء وقيمته ثلث شيء. فتكون المحاباة بثلثي شيء.

(1)

في أ: لزول.

(2)

في أ: إلى. (

ص: 340

ألقها من الجيد يبقى قفيز إلا ثلثي شيء يعدل مثل المحاباة. وذلك شيء وثلب شيء فإذاجبرته عدل شيئاً. فالشيء نصف القفيز.

ولك طريق اخر وهو: أن تضرب ما حاباه به في ثلاثة تبلغ ستين. ثم أنسب

(1)

قيمة الجيد إليها تجده نصفها. فيصح بيع نصف الجيد بنصف الرديء.

وإن شئت فقل: قدر المحاباة الثلثان ومخرجهما ثلاثة. فخذ للمشتري

سهمين منه وللورثة أربعة ثم أنسب المخرج إلى الكل بالنصف. فيصح بيع نصف احدهما بنصف الآخر.

(فلو لم يفض

(2)

كعبد) لمريض (يساوي ثلاثين)، باعه (بعبد يساوي

عشرة) ولم تجز الورثة فيقال: (صح بيع ثلثه) أى: ثلث الذي يساوي ثلاثين (بالعشرة) أى: بالذي يساوي عشرة، (والثلثان) اللذأن لم يصح البيع فيهما (كل الهبة، للمبتاع نصفهما) أن كان غير وارث من المريض،

(لا أن كلأن وراثا) فإنه لا شيء له من الثلثين. وتقدم في المسألة ثلاث. روايات: إحداها: ما في المتن.

قال في " الأنصاف ": فالصحيح من المذهب صحة بيع ثلثه بالعشرة والثلثان كالهبة. فيرد الأجنبي نصفهما وهو عشرة ويأخذ عشرة بالمحاباة، لنسبتهما من قيمته. قدمه في " المحرر " و" الرعايتين " و" الحاوى الصغير "

و" الفروع ".

قال في " الحاوى ": اختاره القاضي ومن وافقه. انتهى.

والثانية: يصح البيع في نصفه بنصف ثمنه، كمسألة القفيز الجيد بالقفيز

الر ديء.

وللمشتري الخيار على الروايتين، لتفرق الصفقة عليه. فإن فسخ وطلب قدر المحاباة أنه طلب الإمضاء في الكل وتكميل حق الورثة من الثمن: لم يكن له ذلك.

(1)

في أ: النسب.

(2)

أي لم يفض إلى ربا.

ص: 341

والراواية الثالثة: يصح البييع في العبد كله ويرد المشتري للوارث تمام قيمته عشرين وللأجنبي نصفها عشرة. أنه يفسخان.

وإن باع العبد الذي يساوي ثلاثين بعبد يساوي خمسة عشر أنه بخمسة عشر. فعلى الأولى للمشتري خمسة أسداسه بكل الثمن. وعلى الثانية يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي. فيصح البييع في قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن.

فإن خلف البائع عشرة أخرى فعلى الأولى يأخذ المشتري نصفه وأربعة أتساعه بجميع الثمن. ويرد نصف تسعه. وعلى الثانية يصح البييع في ثمأنية أتساعه بثمانية أتساع الثمن، وجعل في " المغني " الرواية الثالثة قولاً لأهل العراق، ووهم في " المبدع " فقال عن الرواية الأولى التي اختارها القاضي: أنها قولاً هل العراق.

(وإن أقال) المريض في عقد سَلَمَ

(1)

: (من سلَّفه عشرة) من دراهم أنه دنانير، (في كر حنطة وقيمته عند الإقالة ثلاثون) من جنس تلك العشرة، والحال: أنه لا يملك غير ما

(2)

في ذمة المسلم إليه: (صحت) الإقالة (في نصفه) أى: نصف الكر الحنطة (بخمسة) من رأس المال، وبطلت فيما بقي قولاً واحداً، لئلا يفضي صحتها في أكثر من ذلك إلى الإقالة في السلم بزيا] هـ. (إلا أن كان وارثاً.

وإن اصدق) المريض (امرأة عشرة. لا مال له غيرها، وصداق مثلها) أى: مثل المرأة التي أصدقها العشرة (خمسة فماتت) معه فورثها، (ثم مات) ولم يخلف

(3)

سوى ما أصدقها دخلها الدور. (فـ) يقال: (لها بالصداق خمسة، و) لها (شيء بالمحاباة) ويبقى لورثة الزوج خمسة إلا شيئاً، ثم (رجع إليه) أى: إلى الزوج (نصفه) أى: نصف الذي لها وهو الخمسة،

(1)

في أ: مسلم.

(2)

في ب: غيرها.

(3)

في أ: يخلفا.

ص: 342

وشيء (بموتها) وهو اثنان ونصف ونصف شيء. (صار له سبعة) دنانير (ونصف إلا نصف شيء)؛ لأنه كان له خمسة إلا شيئاً وورث اثنين ونصفا ونصف شيء، (يعدل) ذلك (شيئين. اجبرها) أى: أجبر السبعة ونصفا إلا نصف شيء (بنصف شيء) بأن تقدر إضافة نصف شيء إلى ذلك فتصير سبعة ونصفاً تامة، (وقابل) الجبر بتقدير إضافه نصف شيء على الشيئين فتصير شيئين ونصفاً:(يخرج الشيء ثلاثة)؛ لأن الستة تقابل شيئين والوأحد ميع النصف تكملة السبعة، ونصف تقابل نصف شيء. (فلورثته) أى: الزوج (ستة)؛ لأن لهم شيئين، (ولورثتها اربعة)؛ لأنه كان لها خمسة وشيء، وذلك ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهو أربعة.

وإن ترك الزوج خمسة أخرى قلت: يبقى مع ورثة الزوج اثنا عشر ونصف

إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء خمسة فجازت لها المحاباة جميعها ورجع جميع ما حاباها به إلى ورثة الزوج. وبقي لورثتها صداق مثلها.

وإن كان للمرأة خمسة ولم يكن للزوج شيء فلت: يبقى ميع ورثة الزوج عشرة إلا نصف شيء يعدل شيئين فالشيء أربعة، فيكون لها بالصداق تسعة ميع خمستها اربعة عشر: رجع إلى ورثة الزوج نصفها ميع الدينار الذي بقي لهم

(1)

صار لهم ثمانية ولورثتها سبعة.

وإن كان عليها دين ثلاثة قلت: يبقى ميع ورثة الزوج ستة إلا نصف شيء تعدل شيئين فالشيء دينارأن وخمسان

(2)

.

والباب في هذا: أن تنظر ما يبقى في يد ورثه الزوج فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه. وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفاً، والشيء هو خمسا شيئين ونصف، وإن شئت اسقطت خمسه وأخذت نصف مابقي.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: وخمسون

ص: 343

(وإن مات) زوجها (قبلها ورثتْه) أى: ورثت فرضها منه بالزوجية، (وسقطت المحاباة) أى: بطلت. نص عليه.

قال في " الأنصاف ": وهذا الصحيح من المذهب. انتهى.

والمراد: إلا أن يجيزها باقي الورثة؛ لأنها كالوصية لوارث.

وعنه: تعتبر من الثلث. نص عليه أيضاً.

قال في " الفروع ": وزيادة مريض على مهر المثل من ثلثه. نص عليه.

وعنه: لا تستحقها. صححها ابن عقيل وغيره.

قال أحمد: كوصية لوارث. انتهى.

قال أبو بكر عن رواية اعتبار المحاباة من الثلث: هذا قول قديم رجع عنه.

قال الحارثي: قول أبي بكر: أنه مرجوع عنه لا دليل عليه من تاريخ ولا غيره. انتهى.

وعلم من قول الإمام: أنها كوصية لوارث: أنه لو مات قبلها ولم ترثه لكونها مخالفة له في الدين أنه غير ذلك: أن لها مهر مثلها وثلث ما حاباها به أن لم يكن له مال غير ذلك .. وصرح بذلك في " المغني ".

(ومن وهب زوجته كل ماله في مرضه. فماتت قبله) ثم مات: (فلورثته أربعة أخماسه، ولورثتها خمسه). ذكره في " الأنصاف " ولم يذكر فيه خلافاً ولم يعزه إلى أحد. وعبارته في " المحرر " في هذه المساًلة: ومن أعطى أنه وصى لغير وارث في الظاهر فصار عند الموت وارثا أنه بالعكس: فالاعتبار بحالة الموت.

فعلى هذا لو وهب المريض زوجته ماله فماتت قبله ولا مال له

(1)

سواه أفضى

إلى الدور فيعمل بطريق الجبر. فنقول: صحت الهبة في شيء وعاد إليه نصفه بالإرث، يبقى لورثته المال كله إلا نصف شيء يعدل ذلك شيئين. فإذا جبرت

(1)

في ج: لها.

ص: 344

وقابلت خرج الشيء خمسي المال وهو ما صحت فيه الهبة. فيحصل لورثته أربعة اخماس ولعصبتها خمسه. انتهى.

ووجه إفضاء ذلك إلى الدور: إن تبينا بموت الزوجة قبله: أن الهبة لغير وارث. فتصح في ثلثه عند الموت فقد صحت في قدر من ماله عند الهبة وعاد إليه نصفه بالميراث فيزيد ثلثه بذلك، وإذا زاد ثلثه زاد القدر الذي صحت الهبة فيه فيدور؛ لأنه لا يعلم ما صحت فيه الهبة حتى يعلم الميراث، ولا يعلم الميراث حتى يعلم ما صحت فيه الهبة. فيعمل بطريق الجبر؛ لأنها تخرج المجهولات. إذ هي موضوعة لذلك فيقال: صحت الهبة في شيء؛ لأن الشي يصدق على كل مجهول القدر. وعاد إليه نصفه بالإرث. فيبقى لورثتها نصف شيء، ولورثته المال كله إلا نصف شيء. وذلك يعدل شيئين؛ لأنا صححنا الهبة في شيء. فيكون لورثته مثلا ذلك؛ لأن الهبة صحت في ثلب المال وبقي للورثة ثلثاه. فإذا كان الثلث شيئاً يكون الثلثان شيئين. فاجبر المال بنصف شيء وقابل بأن تزيد على ما يعادله نصف شيء مثل ما جبرت به يصير المال كله يعدل شيئين ونصف شيء. فيكون الشيء خمسين، وإذا كان كذلك فلورثة الزوج بالشيئين أربعة أخماس المال

(1)

، ولعصبتها نصف شيء وهو خمس المال. والله أعلم.

(1)

ساقط من ب.

ص: 345

(فصل) في أقرار المريض بعتق رقيقه

الذي يرثه، وشرائه من يعتق عليه أنه على وارثه، وتزوج من أعتقها

(1)

في مرضه وغير ذلك.

(ولو أقّرَّ) مريض ملك ابن عمه، أنه ابن ابن عمه، أو ابن عم أبيه، أو نحو ذلك في صحته، حال كون أقراه (في مرضه: أنه اعتق ابن عمه أنه نحوه في) حال (صحته.

أو ملك) المريض في مرضه (من يعتق عليه)؛ كاً خيه وأبيه، وكان ملكه لذلك في المرض (بهبة أنه وصية: عَتَق) المقَُّّرُ بعتقه في الصحة، والحادث ملكه بالهبة أو الوصية في المرض (من رأس ماله، وورث).

قال في " المحرر " و" الفروع ": إنه المنصوص في المسألتين.

أما كون عتقهما من رأس المال؛ فلأنه لا تبرع فيه. إذ التبرع بالمال إنما هو بالعطية أو الإتلاف أو التسبب إليه. وهذا ليس بواحد منها. والعتق ليس من فعله ولا متوقف على اختياره. فهو كالحقوق التي تلزم بالشرع. فيكون من رأس المال.

وأما قبول الهبة؛ فليس بعطية ولا إتلاف لماله، وإنما هو تحصيل لشيء يتلف بتحصيله. فأشبه قبوله لشيء لا يمكنه حفظه أنه لما يتلف ببقائه في وقت لا يمكنه التصرف فيه. وفارق الشراء فإنه تضييع

(2)

لماله في ثمنه.

وأما كونهما يرثان أيضاً؛ فلأله لا مأنع فيهما من موانع الإرث. فورثا؛ كغيرهما.

(1)

في أ: أعتقا

(2)

في أ: تضييع

ص: 346

وقيل: لا يرثان، لأنه لو ورثا لصارت وصية لوارث. فيبطل عتقه، وإذا

بطل عتقه بطل ميراثه. فكان تحصيل العتق أولى من الميراث.

واجيب عن ذلك: باً نه لو كان وصية لاعتبر من الثلث كما لو اشتراه.

(فلو اشترى) مريض (ابنه، ونحوه)، كأخيه وعمه (بمائة) ولا يملك غيرها سوى مائتين، (و) الحال: أنه (يساوي ألفاً: فقدر المحاباة) الحاصلة للمريض من البائع وهو تسعمائة (من رأس ماله) أى: فلا يحتسب بها في التركة ولا عليها ويعتق بالشراء.

(و) يحسب (الثمن) الذي هو المائة في هذه المساً لة (وثمن كلل من يعتق عليه) أى: على المريض إذا اشتراه فى مرضه (من ثلثه)؛ لأنه عتق في المرض. فيحسب من الثلث " كما لو كان العتيق أجنبياً.

- وعنه: يعتق ذو الرحم من رأس المال. فلو كان المشتري ابنا ومعه ابن اخر. أنه كان اخا ومعه اخ اخر. أنه كان عما ومعه عم اخر، ولم يفضل احدهما الآخر بكونه لأبوين والآخر لأب: اقتسما المائتين نصفين؛ لأن الثمن قد حمله الثلث. ذكر الأصحاب هذه المسألة إشارة إلى الخلاف فيها.

قال في " المغني " بعد أن فرض المسألة في مريض له ابن حر وإبن رقيق فاشترى الرقيق في مرضه، وعبارته: وإن اشتراه بألف لا يملك غيره وقيمته ثلاثة الاف فمن أعتقه من رأس المال جعله حراً. ومن جعل ذلك وصية له أعتق ثلثه بالشراء ويعتق باقيه على أخيه إلا في قول الشافعي ومن وافقه. فإن الحر يملك بقية أخيه. فيملك من رقبته قدر ثلثي الثمن وذلك تسعا رقبته، لأنه يجعل ثمنه من الثلث دون قيمته.

وقيل: يفسخ البيع في ثلثيه.

وقيل: في جميعه.

وقال أبو حنيفة: يسعى لأخيه في قيمة ثلثيه.

وقال أبو يوسف ومحمد: يسعى له في نصف قيمته.

ص: 347

فإن ترك ألفين سواه عتق كله؛ لأن التركة هي الثمن مع الألفين، والثمن يخرج من الثلث. فيعتق ويرث نصف الألفين. وهو قول الشافعي.

وقيل: يعتق ولا يرث.

وعند أبي حنيفة وأصحابه: التركة قيمته مع الألفين وذلك خمسة آلاف. فعلى قول أبي حنيفة: يعتق منه قدر ثلث ذلك وهو ألف وثلثا ألف، ويسعى لأخيه في ألف وثلب ألف. وفي قول صاحبيه يعتق منه نصف ذلك وهو خمسة أسداسه، ويسعى لأخيه في خمسممائة والألفان لأخيه في قولهم جميعا. انتهى كلامه في " المغني ".

(ويرث) من المريض ذو رحمه الذي اشتراه في مرضه وعتق من ثلثه. نص عليه. قال في " الفروع ": ويرثه. اختاره جماعة.

قال في " الأنصاف ": منهم القاضي وابنه أبو الحسين وابن بكروس والمجد والحارثي وغيرهم. انتهى.

وذكر في " المحرر ": أن الإمام نص على أنه يرث. ثم ذكر قولاًً بعدم إرثه.

ووجه المذهب: أنه لم يقم به مانع من الإرث. فورث؛ كغيره.

وقيل: لا يصح شراء المريض المديون لذي رحمه.

وقيل: يصح ويباع.

(فـ) على المذهب مما تمدم من كون شرائه صحيحاً، ومن كون ثمنه من ثلثه، ومن كونه يرث:(لو اشترى) المريض (أباه بكل ماله) ومات، (وترك ابناً: عَتَق ثلب الأب) بمجرد شرائه (على الميب، وله ولاؤه)؛ لأنه المباشر لسبمب عتقه، (وورث) الأب (بثلثه الحر من نفسه، ئلث سدس باقيها المرقوق)؛ لأن فرضه السدس لو كان تام الحرية فله بثلثها ثلب السدس.

(ولا ولاء) لأحد (على هذا الجزء) الذي ورثه من نفسه. (وبقية الثلثين تعتق على الابن) بإرثه لها، (وله ولاؤها) بعتقها عليه. وتصح المساً لة من

ص: 348

سبعة وعشرين: تسعة منها وهي الثلث يعتق على الميت وله ولاؤها، وسهم منها يعتق على نفسه لا ولاء عليه لأحد وهو ثلث سدس الثلثين، ويبقى سبعة عشر سهما يرثها الابن تعتق عليه.

(ولو كان الثمن) الذى اشترى به المريض أباه ولا يملك غيره (تسعة دنانير، وقيمته) أى: الأب (سته: تحاصَّا) أى: البائع والأب في ثلث التسعة. (فكان ثلث الثلث) وهو دينار (للبائع)، حال كونه (محاباة، وثلثاه للأب عتقاً: يَعْتِق به ثلث رقبته، ويرد البائع) من المحاباة (دينارين)؛ لبطلان ها فيهما، (ويكون ثلثا الأب) أى: ثلثا رقبته (مع الدينارين) اللذين ردهما البائع (ميراثاً) للابن؛ لأن قيمة الثلثين من جده اربعة فتكون مع الاثنين ستة.

قال ابن رجب في القاعدة السابعة والخمسين: فقد حصل منه عطيتان من عطايا المريض: محاباة البائع بثلب المال، وعتق الأب إذا قلنا أن عتقه من الثلث. وفيه وجهان:

أحدهما: وهو قول القاضي في " المجرد " وابن عقيل في " الفصول ":

يتحا صَّان؛ لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك المشتري لثمنه، وفي كل منهما عطية منجزة فتحا صا لتقارنهما.

والثانى: أنه تنفذ الم حياباة ولا يعتق الأب. وهو اختيار صاحب

" المحور "؛ لأن المحاباة سابقة لعتق الأب. فإن ملك المشتري للثمن الذي وقعت المحاباة فيه وقع مقارنا لملك الأب، وعتقه ترتب على ملكه ولم يقارنه. فقد قارنب المحاباة شرط عتق الأب لا عتقه. فنفذت؛ لسبقها. انتهى.

لكن الأظهر: أن يكون كان لقطة المشتري لقطة البائع. والله أعلم.

(وإن) اشترى المريض قريبه الدي أن مات المريض (عتق على وارثه)؛ كمريض يرثه ابن عم له فوجد أخا ابن عمه يباع فاشتراه: (صح) الشراء، (وعتق عليه) أى: على أخيه بإرثه له من ابن عمه.

قال في " المحرر ": قولاً واحداً.

ص: 349

(وإن دبَّر) المريض (ابن عمه، ونحوه)؛ كإبن عم أبيه: (عتق) بموته، (ولم يرث) منه شيئاً.

قال في " الأنصاف ": والمنصو ص: لا يرث-.

وقيل: يرث. انتهى.

ووجه المذهب: أن الإرث قارن الحرية ولم يسبقها. فلم يكن أهلاً للإرث حينئذ. (و) أن قال مريض لابن عمه ونحوه: (أنت حر آخر حياتي) ثم مات سيده: (عَتَق وورث) منه، لسبق الحرية الإرث.

قا ل في " الفروع ": والأشهر يرث. انتهى.

فدل على خلاف فيه. (بخلاف من عَلَّق عتقه بموت قريبه)؛ كعبد قال له سيده: إن مات أخوك فلان الحر فاً نت حر. فإذا مات أخوه عتق ولم يرثه.

قا ل في " الفروع ": ذكره جماعة.

قال القاضي: لأنه لا حق له فيه. ويتوجه الخلاف. انتهى.

(وليس عتقه) أى: عتق من قال له سيده: أنت حر آخر حياتي (وصية لى).

قال في " الفروع ": وليس عتقه وصية له فهو وصية لوارثه. انتهى.

يعني: أنا لو قلنا أن ذلك وصية مع القول بإرثه لما كانت تصح؛ لأنها تصير وصية لوارث فتتوقف على الإجازة.

(ولو أعتق) المريض (أمة وتزوجها في مرضه) ثم مات: (وَرَثتْه).

نص عليه في رواية المروذي.

قال الحارثي: وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل والشريف أبو جعفر.

وقيل:. لا. اختاره ابن شاقلا في " تعاليقه " وصاحب " التلخيص ".

(وتعتق: أن خرجت من الثلث، ويصح النكاح. وإلا) أى: وإن لم تخرج من الثلث (عتق) منها (قدره) أى: قدر ما يقابل الثلث، (وبطل

ص: 350

النكاح)؛ لأنه قد تبين أنه قد نكح مبعضة يملك بعضها وحينئذ فقد بطل سبب

الإرث.

وقد علم من هذا: أن القول بإرثها مشروط بما إذا تبين حال الموت صحة

النكاح بكمال حريتها بخروجها من الثلث.

(ولو اعتقها وقيمتها مائة، ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما،

وهما مهر مثلها، ثم مات: صح العتق) والنكاح، (ولم تستحق الصداق؛ لئلا يفضي إلى بطلان عتقها. ثم يبطل صداقها).

ووجه ذلك: أنها إذا استحقت الصداق لم يبق له سوى قيمة الأمه المقدر بقاؤها. فلا ينفذ العتق في كلها؛ لكون الإنسان محجوراً عليه في التصرف في مرضه في جميع ماله، وإذا بطل العتق في البعض بطل النكاح. وإذا بطل النكاح بطل الصداق.

وقال القاضي: تستحق المائتين وتعتق؛ لأن العتق وصية لها وهي غير

وارثة، والصداق استحقته بعقد المعاوضة. وهي تنعقد من رأس المال.

قال في " المغني ": والأول أولى من القول بصحة العتق واستحقاق الصداق جميعا؛ لإفضائه إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من جميع المال ولا خلاف في فساد ذلك. انتهى.

ولو أعتقها وأصدق المائتين أجنبية ومات قبل أن يتجدد له مال: صح الإصداق وبطل العتق في ثلثي الأمة؛ لأن الخروح من الثلث معتبر بحال الموت، [وحالة الموت]

(1)

لم يبق له مال. وكذا لو تلفت المائتأن قبل موته.

(ولو تبرع) المريض (بثلثه) أى: ثلث ماله في مرضه، (ثم اشترى أباه، ونحوه)؛ كاًمه (من الثلثين) وللمريض ولد أنه أكثر: (صح الشراء). قاله القاضي ومن تابعه. (ولا عتق) أى: ولا يعتق الذي اشتراه؛ لكونه اشتراه بمال

هو مستحق للورثة بتقدير موته.

(1)

ساقط من أ

ص: 351

ولأن الشراء وصية والتبرع مقدم عليها. فلم يبق من الثلث شيء.

(فإذا مات) المريض: (عتق) الذي اشتراه (على وارث) " لأنه ملك من يعتق عليه فعتق.

ومحل ذلك: (أن كان) الذي اشتراه (ممن يعتق عليه) أى: على الوارث، كما لو كان المشتري أبا للمريض أنه أما له والوارث ابناً له. فإنه يعتق عليه؛ لأنه جده أنه جدته. (ولا إرث) أى: ولا يرث المشتري من اشتراه شيئاً، (لأنه لم يعتق في حياته) والإرث من شرطه حرية الوارث عند الموت ولم يوجد.

وقيل: أن الشراء ليس بوصية.

فعلى هذا يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت، وما بقي فللأب سدسه وبافيه للابن.

واطلق الوجهين في شرح " المقنع ". لكن قال في " الأنصاف " عن الأول: أنه المذهب، وإن ابن منجى جزم به، وأنه المقدم في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير ".

وإذا تبرع المريض بمال أنه أعتق قنَا له ثم أقربدين: لم يبطل تبرعه ولا عتقه. نص عليه أحمد: فيمن اعتق عبده في مرضه ثم أقر بدين: عتق العبد ولم يرد إلى الرق.

قال في " المغني ": وهذا لأن الحق ثبت بالتبرع في الظاهر. فلم يقبل أقراره فيما يبطل به حق غيره. انتهى.

ولو ادعى المتهب الهبة أنه المعتوق العتق في الصحة فإنكر الورثة: قبل قولهم. نقله مهنا في العتق.

ولو قال المتهب: وهبني زمن كذا صحيحا. فاً نكروا صحته في ذلك الزمن: قُبِل قول المتهب. ذكرهما في " الفر وع ".

ص: 352

وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكنه دفعه وإسقاطه؛ كاًرض جنايته أو جناية رقيقه.

وما عاوض عليه بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله: فهو من رأس المال.

قال في " المغني ": لا نعلم فيه خلافاً. وهذا عند الشافعي وأصحاب

الرأى.

وكذلك النكاح بمهر المثل جائز من رأس المال؛ لأنه صرف لماله في حاجة نفسه. فيقدم بذلك على وارثه.

وكذلك لو اشترى جارية ليستمتع بها كثيرة الثمن بثمن مثلها، أنه اشترى من الأطعمة التي لا ياً كل مثله مثلها: جاز، وصح شراؤه؛ لأنه صرف لماله في حاجة نفسه.

ثم قال: فأما أن قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون:

صح قضاؤه، ولم يكن لسائر الغرماء الاعتراض عليه. وإن لم تف بها ففيه وجهان:

أحدهما: أن لسائر الغرماء الرجوع عليه ومشاركته فيما أخذه وهو قول

أبي حنيفة؛ لأن حقوقهم تعلقت بماله في مرضه. فمنعت تصرفه فيه بما ينقص

ديو نهم؛ كتبرعه.

ولأنه لو وصى بقضاء بعض ديونه لم يجز فكذلك إذا قضاها.

والثانى: أنهم لا يملكون الاعتراض عليه ولا مشاركته. وهو قياس قول أحمد ومنصو ص الشافعي؛ لأنه أدى واجبا عليه. فصح؛ كما لو اشترى شيئاً فأدى ثمنه أنه باع بعض ماله وسلمه.

ويفارق الوصية فإنه لو اشترى ثيابا مثمنة صح. ولو وصى بتكفينه في ثياب مثمنة: لم يصح. يحقق هذا: أن أىفاء ثمن المبيع قضاء لبعض غرمائه وقد صح عقيب البيع فكذلك إذا تراخى، إذ لا أثر لتراخيه. انتهى.

ص: 353

قال في " المغني ": ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبداً قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة: اقتضى قول أصحابنا: أن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة ويرث نصف ذلك، ويبقى للورثة خمسة وخمسون. وهذا مذهب أبي حنيفة.

وقال صاحباه: يحسب عليه قيمته أيضاً وتضم إلى التركة، ويبقى للورثة ستون.

وقال الشافعي: لا يرث شيئاً وعليه أداء العشرة التي في ذمته؛ لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث. وهذا مقتضى قول الخرقي أن شاء الله تعالى. [والله أعلم]

(1)

.-

(1)

زيادة من ج.

ص: 354

[كتاب الوصية]

كتاب يذكر فيه مسائل من أحكام الوصايا.

[الوصايا]: جمع وصية على وزن فعيلة، والياء الساكنة بعد الصاد زائدة للمد، والياء المتحركة بعدها لام الكلمة وأدغمت، والتاء للتأنيث. وأصل وصايا وصائي بهمزة مكسورة بعد المد تليها ياء متحركة هي لام الكلمة. فتحت

(1)

هذه الهمزة العارضة في الجمع وقلبت الياء ألفا لتحركها وإنفتاج ما قبلها. فصار وصاءا. فكرهوا أجتماع ألفين بينهما همزة. فقلبوها ياء فصار وصايا.

قال في " المبدع ": ولو قيل

(2)

: أن وزنه فَعَالى، وإن جمع المعتل خلاف جمع الصحيح لكان حسناً. انتهى.

والوصية ماً خوذة فى اللغة: من وصيت الشيء أصيه إذا وصلته. وسميت بذلك لأن الميت وصل ما كان فيه من أمر حياته بما بعده من أمر مماته. ويقال: وصى وأوصى بمعنى واحد. والاسم الوصية والوصاة.

ثم (الوصيةُ) لغة: عبارة عن الأمر؛ لقوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ)[البقرة: 132]، وقوله تعالى (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) [الأنعام: 53 1]. ومنه قول الخطيب: أوصيكم بتقوى الله. أى امركم.

وشرعاً: (الأمر بالتصرف بعد الموت). كان يوصي إلى إنسان بتزويج بناته، أو بأن يغسله، أو يصلي عليه إماماً، أو يتكلم على صغار أولاد هـ، أو يفرق ثلثه.

(1)

في ج: افتحت.

(2)

هما أوب: قال

ص: 355

وقد " أوصى أبو بكر بالخلافة لعمر "

(1)

.

و (أوصى بها عمر إلى أهل الشورى "

(2)

.

وقد روى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال: " أوصى إلى الزبير سبعةٌ

من أصحابه. فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أيتامهم من ماله "

(3)

. وقوله: بعد الموت قيد مخرج للوكالة.

وهذا الحد لأحد نوعي الوصية. فإنها تارة تكون بفعل وتاره تكون بمال.

وأُشير إلى الثانى بقوله: (وبمال. التبرُّعُ به بعد الموت) وهذا الحد أصح

ما قيل فيها

(4)

. والقيد الأخير أخرج الهبة.

وقيل في حد الوصية بنوعيها أنها: إثبات حق معلوم بالموت لفظاً أو تقديراً

من متبرع غير تدبير، ومن تصرف. يتنجز ذلك بوفاة الموصي بعد وجود شرطه، ويلحق بها حكماً ما نجزه من التبرعات.

وقال أبو الخطاب: هي: التبرع بما يقف نفوذه

(5)

على خروجه من الثلث.

قال في " الأنصاف ": فعلى قوله: تكون العطية في مرض الموت وصية. والصحيح خلافه. انتهى.

وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار على جواز الوصيه. وسند الإجماع من الكتاب قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)[البقره: 180]. وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 11].

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 8: 149 كتاب قتال أهل البغي، باب الاستخلاف.

(2)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(567) 1: 396 كتاب المساجد، باب نهي من أكل ثوماً أنه بصلا أو كُراثاً أو نحوهما.

(3)

أخرجه البيهقى في "السنن الكبرى " 6: 282 كتاب الوصايا، باب الأوصياء.

(4)

في ج: له.

(5)

فى ج: تعو ذه

ص: 356

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه

(1)

يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه "

(2)

. متفق عليه من حديث ابن عمر.

وعن أبي الدرداء مرفوعا: " أن الله تعالى

(3)

تصدق عليكم بثلث أموالكم

عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم "

(4)

. رواه

الدارقطني.

(ولا يعتبر فيها) أى في الوصية (القربة)؛ لصحتها لمرتد وحربي بدار الحرب. وسيأتي الكلام على ذلك.

قال في " الأنصاف ": لا يشترط في صحة الوصية القربة على الصحيح من

المذهب. خلافاً للشيخ تقي الدين. فلهذا قال: لو جعل الكفر أنه الجهل شرطاً في الاستحقاق لم يصح. فلو وصى لأجهل الناس لم يصح. وعلل في

" المغني " الوصية لمسجد بأنه قربة.

قال في " الفروع ": فدل على اشتراطها.

وقال في " الترغيب ": تصح الوصية لعمارة قبور المشايخ والعلماء.

وقال في " التبصرة ": أن أوصى لما لا معروف فيه ولا بر ككنيسة أنه كتب التوراة لم يصح.

(وتصح) الوصية (مطلقة)؛ كأوصيت لفلان بكذا. (أو مقيدة)؛ كإن

مت في مرضي هذا أنه بعد سنة فقد وصيت لفلان بكذا؛ لأنه تبرع ملك تنجيزه. فملك تعليقه؛ كما لو علق عتق عبده على غير الموت من الشروط.

(من) إنسان (مكلف لم يُعَاين الموت). قاله في " الكافي ".

(1)

في ج: به.

(2)

أخرجه البخاري قي " صحيحه "(87 5 2) 3: 5 0 0 1 كتاب الوصايا، باب الوصايا

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1627) 3: 1249 كتاب الوصية.

(3)

ساقط من أوب.

(4)

أخرجه الدأرقطني في " سننه "(3) 4: 150 الوصايا.

ص: 357

قال في " الفروع ": وفاقاً للشافعي قال: لأنه لا قول له، والوصية قول.

ولنا خلاف: هل تقبل التوبة ما لم يعاين الملك أو ما دام مكلفاً أو ما لم يغرغر؟ فيه أقوال.

وفي " مسلم " وغيره: " يا رسول الله! أى الصدقة أفضل؛ فقال: أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى. حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفَلان كذا ولفلان كذا. ألا وقد كان لفلان "

(1)

.

معنى بلغت الحلقوم: بلغت الروح.

وقال

(2)

في " شرح مسلم " إما من عنده أنه حكاية عن الخطابي: والمراد قاربت بلوغ الحلقوم. إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء. انتهى كلامه في " الفروع ".

(ولو) كان الموصي (كافراً أو فاسقاً أو أخرس) بإشارة؛ لأن هبة هؤلاء صحيحة. فو صيتهم أولى.

(لا) أن كان (معتقلاً لسانُه بإشارة) ولو مفهومة، نص عليه؛ لأنه غير مأيوس من نطقه. فلم تصح وصيته بالإشارة؛ كالقادر على الكلام.

قال في " الفروع ": ويتوجه فيه وجه.

وقيل: بلى كأخرس. انتهى.

(أو) كان الموصي (سفيهاً) والوصية (بمال) فأنها تصح؛ لأنها تمحضت نفعاً له من غير ضرر. فصحت منه؛ كعباداته.

ولأنه إنما حجر عليه لحفظ ماله، وليس في الوصية إضاعة له لأنه أن عاش كان ماله له، وأن مات كان له ثوابه، وهو أحوج إليه من غيره.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(97 5 2) 3: 8 0 0 1 كتاب الوصايا، باب الصدقة عند الموت. وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1032) 716 كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقه صدقة الصحيح الشحيح.

(2)

فى أوب: قال.

ص: 358

وقيل: لا تصح منه الوصية بالمال كما (لا) يصح منه أن يوصي (على ولده)؛ لأنه لا يملك أن يتصرف على ولده بنفسه فوصيه أولى.

(ولا) تصح الوصية إن كان الموصي (سكران)؛ لأنه غير عاقل حينئذ.

اشبه المجنون. وطلاقه إنما وقع تغليظاً عليه لارتكابه المعصية.

وقيل: بلى بناء على طلاقه.

(أو مُبَرْسَمًا). يعني أنه لا تصح وصية المبرسم فأنه لا حكم لكلامه. أشبه المجنون.

ولأنه إذا لم تصح عباداته التي هي محض نفع فلئلا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه أو لى.

لكن أن كان يفيق احياأنا فأوصى حال إفاقته فأنها تصح؛ لأنها حينئذ في حكم العقلاء في شهادته ووجوب العبادة عليه.

والمغمى عليه كذلك.

(و) تصح الوصية (من) إنسان (مميز) والمراد يعقل الوصية؛ لأنها تصرفٌ تمحض

(1)

نفعاً للصغير. فصح منه؛ كالإسلام

(2)

والصلاة. وذلك لأن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه وماله. فلا يلحقه ضرر في عاجل دنياه ولا أخراه. بخلاف الهبة والعتق المنجز فأنه يفوت من ماله ما يحتاج إليه. وإذا ردت

(3)

رجعت إليه.

وعنه: لا تصح وصيته حتى يبلع عشراً.

قال في " الفروع ": وتصح من بالغ عشراً في المنصوص. وفي مميز روايتان. انتهى.

(1)

في ج: بمحض.

(2)

في ج: كالإسلام.

(3)

في ج: أردت.

ص: 359

قال في " المقنع ": وتصح من الصبي العاقل إذا جاوز العشر. ولا تصح ممن له دون سبع. وفيما بينهما روايتان.

قال في " الأنصاف " عند ذكر هذه المسألة: إحداهما: لا تصح. وهو ظاهر كلام الخرقي وصاحب " الوجيز " وصححه في " التصحيح ".

قال ابن أبي موسى: لا تصح وصية الغلام لدو ن عشر، ولا إجازته قولاً واحداً. واختاره أبو بكر وقدمه في " المحرر " و" الرعايتين " و" النظم " و" شرح ابن رزين " وجزم به في " المنور " و" منتخب الادمي " واختاره ابن عبدوس في " تذكرته "

(1)

.

قال في " القواعد الأصولية ": هذا المشهور عن أحمد.

قال الحارثي: هذا الأشهر عنه.

والرواة" الثانية: تصح وهو المذهب.

قال القاضي وأبو الخطاب: تصح وصية الصبي إذا عقل.

قال المصنف في " العمدة ": وتصح الوصية من الصبي إذا عقل وجزم به في

" التسهيل " وصححه في " الخلاصة " وقدمه في " الكافى " و" المذهب " و" إدراك الغاية ". انتهى.

وعنه: تصح إذا بلغ اثنتي عشرة

(2)

سنة نقلها ابن المنذر.

ونقل الأثرم

(3)

: لا تصح من ابن اثنتي عشرة

(4)

سنة.

وقيل: لا تصح حتى يبلغ. وهو احتمال في " الكافي ".

وعلم مما تقدم أنها لا تصح ممن له دون سبع بلا خلاف، لأنه طفل لا يصح إسلامه ولا عبادته. وإلى ذلك أُشير بقوله (لا طفل).

(1)

في أ: تذكره.

(2)

في ج: اثتي عشر.

(3)

في أ: ابن الأثرم.

(4)

في ج: اثني عشر

ص: 360

وتصح الوصية (بلفظ) مسموع من الموصي بلا خلاف، (وبخط ثابت) أو

خط الموصي (بأقرار ورثة) بذلك (أو إقامة بينة) أو خط الموصي.

قال في " الإنصاف " عند قوله في " المقنع ": وإن وجدت وصيته بخطه صحت: هذا المذهب مطلقاً.

قال الزركشي: نص عليه أحمد واعتمده الأصحاب وقاله الخرقي وقدمه في

" المغني " و" الشرح " و" المحر ر " و" الرعا يتين " و" الفروع " وغيرهم.

وقال القاضي في " شرح المختصر ": ثبوت الخط يتوقف على معاينة البينة

أو الحاكم لفعل الكتابة؛ لأن الكتابة عمل والشهادة على العمل طريقها الرويه. نقله الحارثي. ويحتمل أن لا تصح حتى يُشهد عليها. انتهى.

والأصل في ذلك حديث ابن عمر المرفوع المتفق عليه: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه "

(1)

. ولم يذكر الشهادة.

ولأن الوصيةَ. يُمسامح فيها. ولهذا صح تعليقها على الخطر والغرر. فجاز

أن يتسامح فيها بقبول الخط؛ كرواية الحديث وكتابة الطلاق.

(لا أن ختمها) الموصي (وأشهد عليها) وهي مختومه، ولم يعلم الشاهد

ما فيها، (ولم يتحقق أنها) أى الوصية (بخطه) أى خط الموصي

(2)

.

قال في " الفروع ": ونصه: تصح بخطه الثابت بأقرار ورثة أو بينة. وعكسه ختمها والإشهاد عليها. فيخرج

(3)

فيهما روايتان. انتهى.

قال ابن قندس في " حواشي الفروع " عند ذكر هذه العبارة: وإنما قلنا في العكس أنه لا يصح على المنصوص؛ لأن الشاهد لا يجوز له أن يشهد بما فيها

(1)

سبق تخريجه ص (357) رقم (2).

(2)

في ج: الو صي.

(3)

في ج: ويخرج.

ص: 361

بمجرد هذا القول. والذي لا يصح هو الإشهاد. لكن الشاهد لا يصح أن يشهد فيها بقول الموصي هذه المقالة.

قال في " المغني ": وإن كتب وصيته وقال: أشهدوا عليًَ بما في هذه الورقة، أو قال: هذه وصيتي فاشهدوا علي بها: فقد حكي أن الرجل إذا كتب وصيته وختم عليها وقال للشهود: اشهدوا عليًَ بما في هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه

(1)

ما فيه أو يُقرأ عليه فيقر بما فيه. ويحتمل كلام الخرقي جوازه لأنه إذا قبل خطه المجرد فهذا أو لى.

ووجه الأول: أو كتاب لا يعلم الشاهد لما فيه. فلم يجز أن يشهد عليه " ككتاب القاضي إلى القاضي. انتهى.

فاً ما إذا ثبت أنه

(2)

خطه فأنه يقبل على النص المشار إليه بقوله ونصه: يصح

(3)

بخطه الثابب.

وجماعة يفرقون بين المساً لتين، ويمنعون التخريج كشارج " المحرر " وغيره " لأن مساًله الخط المجرد يجوز العمل به وهو مقبول للحاجة.

وفي الثانية: العمل بالشهادة على هذا الوجه والشهادة على هذا الوجه غير صحيحة.

وقال ابن عبدوس في " تذكرته ": وتصح بخطه ولا يصح الإشهاد على المختومة. ولم يذكر سوى ذلك.

وهذا ظاهر فإن عدم الصحة راجع إلى الإشهاد لا إلى عدم صحة الو صية مع الإشهاد المذكور ولو عرف الخط.

وكلام " المغني " وغيره " شرح المقنع " واضح في ذلك ليس معه إشكال. نعم ظاهر كلام المصنف وجماعة أن الوصية بهذا الوجه وهو ختمها

(1

(1)

ساقط من أوب.

(2)

في ج: فإذا ثبت أنها.

(3)

في ج: وتصح

ص: 362

والإشهاد عليها لا يصح. وهذا واضح ليس فيه مناقضة لما تقدم لأن الشهادة المذكورة غير جائزة فلا يصح بها المشهود به لعدم صحتها. وكونها لا تصح بهذه الشهادة لا يمنع صمحتها بوجه غيره، ومن ذلك خطه الثابت بأقرار أو بينة. فمعنى قولهم: لا تصح أى بمجرد هذه الشهادة. لا أنه

(1)

لا تصح مع ذلك بوجه من الوجوه. فإن هذا لا يمكن القول به، لأنه يلزم منه أنه لو شهدت بينة غير تلك البينة بأن قراها عليهم واشهدهم على ما فيها أنها لا تصح بذلك. وذلك لا يقوله عاقل. فعلم أن المراد عدم صحتها بمجرد تلك الشهادة. واما إذا ثبت خطه

(2)

بالوجه الشرعي على مقتضى النص في المسألة التي قبلها فإنه يعمل بها. والله أعلم.

ووجه التخريج من المسألة الأولى إلى الثانية: أنه إذا قيل يعمل بالخط من

غير قراءته فكذلك يشهد عليه من غير قراءته لوجود المعرفة فيهما.

ووجه التخريج من الثانية إلى الأولى: أو لما منع من الشهادة على الخط لعدم السماع منه فكذلك

(3)

لا يعمل بالخط لعدم السماع منه. انتهى كلام ابن قندس. وحاصله

(4)

ما في المتن.

ويجب العمل بوصية ثبتت بشهادة أوأقرار الورثه ما لم يعلم رجوعه عنها وإن طالت مدتها؛ لأن حكمها لا يزول بتطأو ل الزمأن عليه. ومجرد الاحتمال والشك كسائر الأحكام.

والأولى أن يكتب الموصي وصيته ويشهد على ما فيها لأنه احفظ لها واحوط لمافيها.

وروي عن أنس أو قال: " كانوا يكتبون في صدور وصايا هم بسم الله

(1)

في ج: لأنه.

(2)

في ج: وخطه.

(3)

فى أوب: كذلك.

(4)

في أ: وحاصل.

ص: 363

الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به

(1)

فلان: أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمدا عبده ورسوله (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[الحج: 7] وأوصى من ترك من أهله بتقوى الله ويصلحوا

ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله أن كانوا مؤمنين. وأو صاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب

(2)

: ويبنى أن ألله اضحطق لكم الدين فلا تموتن إلا وإنتو مسلمون)] البقرة: 132 ["

(3)

أخرجه سعيد عن فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن ابن سيرين

(4)

عن أنس.

(وتسن) الوصة (لمن ترك خيرا)؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة 180] نسخ الوجوب وهو المنع من الترك. بقي الرجحان وهو

الاستحباب. يؤيده ما روى ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا: " يقول الله تعالى: يا ابن ادم! جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأظهرك وأزكيك "

(5)

.

لكنها تجب على من عليه دين أو و (3) غيره.

وعنه: تجب لكل قريب غير وارث. اختاره أبو بكر.

وفي " التبصرة " عنه: وللمساكين ووجوه البر.

وظاهره: أنها لا تستحب لمن لم يترك خيرا؛ لأن الله سبحانه وتعالى علق الحكم بذلك. والمعلق بشرط

(6)

ينتفي عند أنتفائه.

ولقوله: " أنك أن تذر ورثتك أغنياء

" الخبر

(7)

.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: يعقوب.

(3)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 287 كتاب الوصايا، باب ما جاء في كتاب الوصية.

(4)

في ج: أبي.

(5)

أخرجه أبن ماجه في " سننه "(0 271) 2: 4 90 كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث.

(6)

فى أوب: شرط.

(7)

سيأتى تخريجه ص (368) رقم (3).

ص: 364

(وهو) أى والخير: (المال الكثير عرفاً).

قال في " الأنصاف ": يعني في عرف الناس على الصحيح من المذهب. انتهى

فعلى هذا لا يتقدر بشيء.

قال في " الفروع ": وتستحب مع غناه عرفاً.

وقال الشيخ: مع فضله عن غنى ورثته.

(بخمسه) أى خمس ماله. روي ذلك عن ابي بكر وعلي رضي الله تعالى

(1)

عنهما.

قال أبو بكر: " وصيت بما وصى

(2)

الله تعالى به لنفسه. يعني في قوله تعالى:

(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)[الأنفال: 41] "

(3)

وقال العلاء بن زياد: " أُوُ صيّ إليَّ أن أسأل العلماء أى الوصية أعدل؟

فما

(4)

تتابعوا عليه فهو وصيه. فتتابعوا على الخمس ".

وقيل: ثلته.

وفي " الإفصاح ": تستحب بدونه.

وذكر جماعة: بخمسه لمتوسط.

وذكر جماعة: أو من ملك فوق ألف إلى ثلاثة.

ونقل أبو طالب: أن لم يكن له مال كثير ألفان أو ثلاثة أوصى بالخُمُس ولم يضيق على ورتته. وإن كان له مال كثير فالربع أو الثلث.

ونقل ابن منصور: دون ألف

(5)

فقير لا يوصي بشيء.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: أوصى.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه "(6363 1) 9: 66 كتاب الوصايا، كم يوصي الرجل في ماله.

(4)

في ج: فيما.

(5)

في أ: ألفاً

ص: 365

وتستحب أن تكون الوصية (لقريب فقير) يعني لا يرث " لأن الله تعالى كتب الوصية للوالدين والأقربين، فخرج منه الوارثون بقول النبي: " لا وصية لوارث "

(1)

. وبقي سائر الأقارب

(2)

على الوصية لهم. وأقل ذلك الاستحباب. وقد قال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[الإسراء: 26]، وقال تعالى:(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى)[البقره: 177]. فبدأ بهم.

ولأن الصدقة عليهم في الحياة أفضل. فكذلك بعد الموت.

(وإلا) أى وإن لم يكن له أقارب فقراء وقد ترك خيراً: فيستحب أن يوصي (فلمسكين، وعالم) فقير، (ودين) فقير، (ونحوهم) كالغزاة الفقراء.

(وتكره) الوصية (لفقير) أى منه إذا كان (له ورثة).

قال (المنقح) في " التنقيح ": قلت: (إلا مع غنى الورثة).

قال في " الفروع ": وتكره لفقير. قال جماعة: وارثه محتاج.

قال في- " التبصرة ": رواه ابن منصور. [انتهى.

وما رواه ابن منصور]

(3)

هو معنى ما نسبه المنقح إلى نفسه. وإذاً فيكون منصوصا على المساًلة ويكون حق النقل فيها أن يكون التقييد مقدما على الإطلاق. لكن صنيع صاحب " الفروع " يقتضي أن الأكثر ين أطلقوا الكراهة وإن جماعة قيدوا هذا الإطلاق فقدم عبارة الأكثر ين. والله أعلم.

(وتصح) الوصية (ممن لا وارث له) مطلقاً لا ممن له وارث ولو كان الوارث ذا رحم.

(1)

أخرجه الترمذي في " جامعه "(121 2) 4: 434 كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث. وأخرجه النسائي في " سننه " (3642) 6: 247 كتاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث.

وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2712) 2: 905 كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث. وأخرجه أحمد في مسنده (5 0 77 1) 4: 87 1.

(2)

في أ: القرائب.

(3)

ساقط من أ.

ص: 366

وقيل: ومع

(1)

ذي الرحم.

(بجميع ماله). ويروى ذلك عن ابن مسعود؛ لأن المنع من الزيادة على الثلث إنما شرع لحق الوارث. فإذا عدم وجب أن يزول المنع لزوال علته. أشبه حال الصحة.

قال في " الأنصاف " عن هذا: أن المذهب وعليه جماهير الأصحاب.

وعنه: لا يجوز لأحد أن يوصي ولو لم يكن له وارث باً كثر من الثلث. نص عليه في رواية ابن منصور؛ لأن له من يعقل عنه. فلم تنفعه وصيته

(2)

باً كثر من الثلث؛ كما لو كان له وارث.

(فـ) على المذهب (لو ورثه) أى ورث الموصي (زوج أو زوجة وردها)

أى رد الزوج أو الزوجة الوصية (بالكل) أى بكل المال: (بطلت) الوصية (في قدر فرضه) أى فرض الراد (من ثلثيه) أى ثلثي المال. فمع كون الراد زوجاً تبطل في الثلث لأن له نصف التلثين، ومع كون الراد زوجة تبطل في السدس لأن لها ربع الثلثين. وذلك لأن الزوج والزوجة لا يرد عليهما. فلا ياًخذأن من المال أكثر من فرضيهما.

(فيأخذ وصيُّ الثلث ثم) ياً خذ (ذو الفرض) الذي هو الزوج أو الزوجة (فرضه من ثلثيه) أى ثلثي المال (ثم يتمم) الوصية للموصى له (منهما) أى من الثلثين؛ لأن الزائد على فرض الزوج أو الزوجة من الثلثين. لا أو لى

(3)

من الموصى

(4)

به. فجازت الوصية؛ كما لو لم يكن للموصي وارث مطلقاً.

(ولو وصى أحدهما) أى أحد الزوجين بكل ماله (للاخر) ولا وارث غيره: (فله) أى فللموصى له (كله) أى كل المال. فيأخذه جميعه حال كونه (إرثاً ووصية).

(1)

في أ: مع.

(2)

فى أ: وصية.

(3)

في ج: لولي.

(4)

في أوب: الوصي

ص: 367

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب.

وعلى رواية أن الإنسان ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث سواء كان له وارث أو لم يكن: للموصى له ثلث المال بالوصية ثم فرضه من الباقي، والبقية لبيت المال. وقيل: لا تصح الوصية لأحد الزوجين ولو لم يكن له وارث غيره.

(ويجب على من عليه حق بلا بينة ذكره.

وتحرم) الوصية (ممن يرثه غير زوج أو) غير (زوجة بزائد على الثلث

* لأجنبي ولوارث بشيء) مطلقاً.

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب. نص عليه. انتهى.

وقيل: تكره ولا تحرم.

ولا فرق في ذلك بين وجود الوصية في حال صحة الموصي أو مرضه.

وعنه: أنها في حال صحته من كل مال. ونقله

(1)

حنبل.

أما كون الوصية تحرم لغير وارث بزائد على الثلث؛ فـ " لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أو صي بمالي كله؟ قال: لا. قال: فالشطر. قال: لا. قال: الثلث. قال: الثلث والثلث كثير. أنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم

(2)

عالة يتكففون الناس "

(3)

. متفق علمه.

واما كونها تحرم للوارث بشيء؛ فلما روى عمرو بن نجارجة " أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته وإنا تحت جرأنها وهي تقصع بجرتها وإن لعابها لسيل بين كتفي. فسمعته يمول: أن الله قد اعطى كل ذي حق حقه. فلا وصية لوارث "

(4)

. رواه الخمسة إلا النسائي.

(1)

في ج: ونقل

(2)

في ج: خيرا من أن تدعهم.

(3)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(039 5) 5: 47 0 2 كتاب النفقات، باب النفقة على الأهل. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1628) 3: 1253 كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث.

(4)

أخرجه أبو داود في " سننه "(2870) 3: 14 1 كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث

ص: 368

وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أن الله قد أعطى كل

ذي حق حقه فلا وصية لوارث "

(1)

رواه ابو داود وابن ماجه والترمذي.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من عطية بعض ولده وتفضيل بعضهم على بعض في حال الصحة وقوة الملك وإمكان تلافي العدل بينهم بإعطاء الذي لم يعطه فيما بعد ذلك؛ لما فيه من إيقاع العداوة والحسد بينهم. ففي حال موته أو مرضه وضعف ملكه وتعلق الحقوق به وتعذر تلافي العدل بينهم: أو لى وأحرى.

(وتصح) هذه الوصييه المحرمة (وتقف على أجازة الورثة)" لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الو رثة "

(2)

.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة "

(3)

رواهما الدارقطني.

قال في " المغني ": والاستثناء من النفي إثبات، فيكون ذلك دليلأً على صحة الوصية عند الإجازة. ولو خلا من الاستثناء كان معناه: لا وصية نافذة أو لازمة أو ما أشبه هذا. انتهى.

وهذأن الحديثان مخصصأن لما تقدم من العموم.

ولأن المنع من ذلك إنما هو لحق الورثة. فإذا رضوا بإسقاطه جاز.

وما في المتن من كون الوصية صحيحة في نفسها هو المذهب.

(1)

=أخرجه الترمذي في " جامعه"(2121) 4: 434 كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث.

وأخرجه النسائي في " سننه "(3642) 6: 247 كضاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث.

وأخرجه ابن ماجه في " ستنه "(2712) 2: 5 90 كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث.

وأخرجه أحمد في " مسند هـ "(17705) 4: 187.

أخرجه أبو داود في " سنن هـ ") 2870) 3: 4 1 1 كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث. وأخرجه الترمذي قي " جامعه " (2120) 4: 433 كتاب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث.

(2)

أخرجه أبن ماجة في " سننه "(2713) 2: 905 كتاب الوصايا، ياب لا وصية- لوارث

(3)

أخرجه الدارقطني في " سننه "(94) 4: 98 كتاب الفرائض

ص: 369

قال في " المغني ": وظاهر مذهب أحمد والشافعي أن الوصيه صحيحة في نفسها، وهو قول جمهور العلماء؛ لأنه تصرفٌ صدر من أهله فى محله. فصح؛ كما لو وصى لأجنبي. يعني بالثلث فاًقل.

وقال في " الأنصاف ": أن الصحيح من المذهب.

وعنه: أن الوصية باطلة.

قال في " الإضاف ": واختاره بعض الأصحاب وهو وجه في " الفائق " في الأجنبي ورواية في الوارث. انتهى.

قال في " المغني ": وفائدة الخلاف: أن الوصية إذا

(1)

كانت صمحيحة فأجازة الورثة تنفيذ وأجازة محضة يكفي فيها قول الوارث: أجزت أو أمضيت أو نفذت. فإذا قال ذلك لزمت الوصية، وإن كانت باطلة كانب الإجازة هبة مبتدأة تفتقر إلى شروط الهبة من اللفظ والقبول والقبض كالهبة المبتدأة. ولو رجع المجيز قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض صح رجوعه. انتهى.

وإسقاط مريض دينه عن أجنبي أنه وارث كوصيته له به.

(ولو وصى) من له ورثة الكل وارث) منهم (بمعين) من المال (بقدر إرثه، أو) وصى (بوقف ثلثه على بعضهم) أى بعض الورثة: (صح) ذلك (مطلقاً) أى سواء أجاز ذلك بقية الورثة أو لا، وسواء كان في الصحة أنه في حال المرض.

ومثال الأولى: لو كان لإنسان ابن وبنت لا يرثه غيرهما، وله عبد قيمته مائة وجارية قيمتها خمسون فوصى لابنه بالعبد ولبنته بالجارية: فإن ذلك يصح من غير أجازة كل وأحد منهما للآخر؛ لأن حق الوارث في القدر لا في العين

(2)

. بدليل ما لو عاو ض المريض بعفورثته أنه أجنبياً جميع ماله بثمن مثله: فإن ذلك يصح ولو تضمن فوات عين جميع المال.

(1)

في ج: أن.

(2)

في ج: المعنى.

ص: 370

وتقدم الخلاف فيما إذا عاوض المريض بعض ورثته بثمن المثل

(1)

وقيل: لا يصح أن يوصي لكل وارث بمعين بقدر إرثه إلا بأجازة بعضهم لبعض. وأما الثانية: وهي ما إذا أوصى بأن يكون ثلثه وقفاً على بعض ورثته. قال

(2)

في " الأنصاف ": فإنه يصح على الصحيح من المذهب على ما تقدم

في الهبة. وفيه قول اختاره المصنف بعدم الصحة. انتهى.

(وكذا وقف زائد) على الثلث (إذا أُجيز): فإنه يُنفذ. لا أن لم يجز (ولوكان الوارث واحداًً)؛ لأنه يملك رده إذا كان على غيره. فأحرى إذا كان على نفسه.

(ومن لم يف ثلته بوصايا هـ: أُدخل النقص على كلٍّ) من الموصى له (بقدر وصيته). حتى (وإن) كانت وصية بعضهم (عتقاً)؛ لأنهم تساوا في الأصل وتفإنه اتوا في المقدار. فوجب أن يكون كذلك؛ كمسائل العول.

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب وعليه الأصحاب.

وعنه: يقدم العتق ولو استوعب الثلث. انتهى.

فعلى الأنهلى: لو وصى لرجل بثلث ماله، وللاخر بمائة، ولثالث بمعين قيمته خمسون، ولفداء اسير بثلاثين، ولعمارة مسجد بعشرين. وكان ثلث ماله مائة. وبلغ جميع الوصايا ثلاثمائة: نسبت منها الثلث. فكان ثلثها. فيعطى كل واحد ثلث وصيته.

(وإن أجازها) أى أجاز الوصية المتوقفة على الإجازة (ورثةٌ بلفظ أجازة) كأجزتها (أو إمضاء) كأمضيتها (أو تنفيذ) كنفذتها. والمراد بعد موت الموصي. وعنه: وقبله. وسيأتي في المتن التنبيه على ذلك.

(لزمت) الو صية المجازة بعد أن كانت موقوفة- قال بعض الأصحاب:

(1)

ص (332).

(2)

في ج: قاله.

ص: 371

بغير خلاف- " لأن الحق لهم. فلزمت بأجازتهم، كما تبطل بردَّهم.

(وهي) أى الإجازة (تنفيذ) لما وصى به الموروث. لا ابتداء عطية " لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: اا].

وعنه. أنها ابتداء عطية.

قال ابن رجب في فوائده الملتحقة بـ " قواعده ": أجازة الورثة هل هي تنفيذ للوصية أو ابداء عطية؟

في المسألة روايتان معروفتان. أشهرهما: أنها تنفيذ. وهذا الخلاف قيل: أو مبني على أن الوصية بالزائد على الثلث هل هو باطل أو موقوف على الإجازة؟

وقيل: بل هذا الخلاف مبني على القول بالوقف أم على البطلان. فلا معنى للتنفيذ

(1)

. وهو أشبه.

ولهذا الخلاف فوائد كثيرة منها:

أو لا يشترط لها شروط الهبة. وإلى ذلك أُشير في المتن بقوله:

(لا تثبت لها) أى للأجازة

(2)

(أحكام هبة. فلا يرجع اب) وارث من الموصي (أجاز) وصية لابنه، لأن الأب إنما يملك الرجوع فيما وهبه هو لابنه.

والإجازة تنفيذ لما وهبه غيره لابنه.

(ولا يحنث بها) أى بالإجازة (من حلف لا يهب) شيئاً فأجاز الوصية

به

(3)

" لأن الأجازه ليست بهبه.

(وولاء عتق) صادر من الموروث مفتقر إلى الإجازة سواء كان تنجيزاً " كما لو أعتق

(4)

عبدا لا يملك غيره ثم مات. أو موصى به، كما لو وصى بعتق

(1)

في ج: للتقييد.

(2)

في ج: الإجا زة.

(3)

ساقط من أ.

(4)

فى ج: عتق.

ص: 372

عبد لا يملك غيره فإن عتق ثلثيه في المسألتين موقوف على أجازة الورثة. فإذا أجاز

(1)

الورثة عتق باقي هذا العبد في المساًلتين أو نحوهما من كل عتق (مجاز): كان ولاؤه (لموصر تختص به عصبته)؛ لأن الإجازة تنفيذ لفعل الميت

(2)

.

(وتلزم) الإجازة (بغير قبول) من المجاز له.

قال في " الفوائد ": وإن قلنا هي هبة افتقرت إلى أيجاب وقبول. ذكره

أبن عقيل وغيره. انتهى.

(و) تلزم أيضاً بغير (قبض) كبغير قبول.

وتلزم الإجازة (ولو) كانت (من سفيه ومفلس). قاله في " الفروع " وقدمه في " الأنصاف ".

وكلامه في المغني، يقتضي التفرقة بين المفلس والسفيه.

وعبارته: ولا تصح الأجازه إلا من جائز التصرف. فأما الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه فلا تصح الإجازة منهم؛ لأنها تبرع بالمال. فلم يصح منهم؛ كالهبة.

وأما المحجور عليه لفلس فإن قلنا: الإجازة هبة لم تصح مئه؛ لأنه ليس له

هبة

(3)

ماله وإن قلنا: هي تنفيذ صحت. انتهى.

لكن تعليله بأن الإجازة تبرصم بالمال فيه نظر على المذهب. والله اعلم.

(و) تلزم الإجازة (مع كونه) أى المجاز (وقفاً على مجيزه). يعني وإن قلنا: لا يصح وقف الإنسان على نفسه؛ لأن الوقف ليس منسوباً للمجيز ولا صادراًعنه وإنما هومنفذ له.

(1)

في ج: إجا زة-.

(2)

في أ: لفعل له لميت.

(3)

في أ: الهبة

ص: 373

(و) تلزم الإجازة أيضاً (مع جهالة المجاز). قاله في " المحرر "

و" الفروع ".

قال شارح " المحرر ": ولا يشترط أن تكون معلومة له لأنها عطية غيره. انتهى.

قال ابن رجب في " فوائده ": وطريقة صاحب " المغني " أن الإجازة

لا تصح بالمجهول. ولكن هل يصدق في دعوى الجهالة؟

على وجهين. ومن الأصحاب من قال: أن قلنا الإجازة تنفيذ: صحت بالمجهول ولا رجوع، وإن قلنا هبة فوجهان. انتهى.

(ويُزاحَم) بالبناء للمفعول فيما إذا أوصى لوأحد بثلث ولآخر بزائد على الثلث (بـ) قدر (مجاوز لثلثه الذي لم يجاوز هـ لقصده) أى الموصي (تفضليه؛ كجعله الزائد لثالث).

قال ابن رجب: ومنها: أن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوز هـ؟ هو مبنى على هذا الاختلاف. ذكره صاحب " المحرر ". وأشكل توجهيه على الأصحاب. وهو واضح. فإنه إذا كانت معنا وصيتان إحداهما مجاوز ة للثلث والأخرى لا تجاوز هـ كنصف وثلث، وأجاز الورثة الوصية المجاوز ة للثلث خاصة: فإن قلنا الإجازة تنفيذ زاحم صاحب النصف صاحب الثلث بنصف كامل. فيقسم الثلث بينهما على خمسة: لصاحب

(1)

النصف ثلاثة أخماسه، وللآخر خمساه. ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة. وإن قلنا الإجازة عطية فإنما يزاحمه بثلث خاصة. إذ الزيادة على عطية محضة من الورثة لم تتلف من الميت فلا يزاحم بها الوصايا فيقسم الثلث بينهما نصفين ثم يكمل لأصحاب النصف ثلث بالإجازة. وهذا مبني على أن القول بأن الإجازة عطية أو تنفيذ مفرع على القول بإبطال الوصية بالزائد على الثلث وصحتها كما سبق. انتهى.

(1)

في ج: صاحب.

ص: 374

قال في " الأنصاف " بعد أن حكى كلام ابن رجب: وقد تكلم القاضي محب

االدين ابن نصر الله البغدادي على هذه المسألة في كراسة بما لا طائل تحته. وما قاله ابن رجب: صحيح واضح.

وقال الزركشي: وقد يقال أن عدم المزاحمة إنما هو في الثلثين؛ لأن الهبة تختص بهما والمجيز يشرك بينهما فيهما

(1)

. أما الثلث فيقسم بينهما على قدر أنصابهما. قلت: الذي يظهر أن هذا هو الصواب. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

وعبارة " المحرر ": ولو جاوز الثلث زاحم ما لم يجاوز هـ. فال شارحه: ومقتضى عبارته: أن لا يزاحم ما جاوز الثلث ما لم

(2)

يجاوزه يعني في الثلث مع الرد ونحوه وهذا لا قائل به ولو قال: زاحم بالزائد ما لم يجاوزه صح. انتهى.

ومن فوائد الخلاف أيضاً: ما نقله ابن رجب عن القاضي في " خلافه " أن الموصى له لو قبل الوصية المفتقره إلى الإجازة قبل الأجازه ثم أجيزت: فإن قلنا الإجازة تنفيذ فالملك

(3)

ثابت له من حين قبوله، وإن قلنا: عطية لم يثبب الملك إلا بعد الإجازة.

فال في " المحرر ": وفوائد هذا الأصل كنيرة ومع ذلك تعتبر أجازة المجيز

في مرضه من ثلثه كالصحيح إذا حابى في بيع له فيه خيار ثم مرض في مدة الخيار تصير محاباته من الثلث.

فظاهر هذه العبارة وعباره " الفروع " أن كون أجازة المريض من رأس ماله أو من الثلث ليس من فوائد الخلاف في كون الإجازة تنفيذ أو ابتداء عطية. فلهذا قلت:

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: لا.

(3)

في ج: فالمالك

ص: 375

(لكن لو أجاز مريض) مرض الموت المخوف وصية بما يتوقف على الإجازة (فمن ثلثه)، لأن بالإجازة قد ترك حقاً مالياً كان يمكنه أن لا يتركه فاعتبر من ثلثه (كمحاباة صحيح في بيع خيار لى

(1)

يعني كما لو باع صحيح شيئاً يساوي مائه وخمسين بمائة بشرط الخيار له إلى شهر مثلاً (ثم مرض) البائع (زمنه) أى في الشهر المشروط لنفسه فيه الخيار ولم يختر فسخ البييع حتى مات، فإن محاباته بالخمسين تعتبر من ثلثه. فإن كان يمكنه عدم ترك القدر المحابة به. فإنه لو فسخ البيع رجع ذلك إلى ورثته. فلما لم يفسخه صار كأنه اختار وصول ذلك إلى المشتري. فيكون من ثلثه " كما لو أعطاه إياه في حال مرضه من غير بيع. (وإذن) من مردض (في قبض هبة) وهبها وهو صحمح " لأنها قبل القبض

كان يمكنه الرجوع فيها. فلما أذن في قبضها صار كأنها ستاًنفها في حال مرضه. فاعتبرت من ثلثه.

(لا خدمته) أى لا أن استاً جر صحيح إنساناً لخدمته مدة بشرط الخيار للأجير بأجرة حاباه الأجير

(2)

فيها بأن كانت ناقصة عن أجر

(3)

مثله ثم مرض زمن الخيار ولم يفسخ الإجاره حتى مات. فإن محاباة الأجير تكون من رأس ماله " لأن تركه

(4)

اختيار الفسخ في الخدمة ليس بترك مال.

وجل ابن رجب الإجازة في مرض الموت من فوائد الخلاف وعبارته: ومنها: لو أجاز المريض في مرض موته وصمية موروثه، فإن قلنا أجازته عطية فهي معتبرة من ثلثه، وإن قلنا تنفيذ فطريقان

(5)

:

أحدهما: القطع بأنها من الثلث أيضاً، كذا قال القاضي في "خلافه " وصاحب " المحرر ". وشبهه بالصحيح إذا حابى في بيع له فيه خيار ثم مرض في

(1)

ساقط من أوب.

(2)

ساقط من ب

(3)

في ج: أجر ة.

(4)

في ج: ترك.

(5)

في ج فطريقتان.

ص: 376

مدة الخيار فإنه تصير محاباته من الثلث؛ لأنه تمكن من استرداد ماله إليه فلم يفعل فقام ذلك مقام ابتداء إخراجه في المرض. ونظيره لو وهب الأب لولده شيئاً ثم مرض وهو بحاله ولم يرجع فيه.

والطريق الثانى: أن المسالة على وجهين. وهي طريقة أبي الخطاب في

" أنتصاره ". وهما منزلأن على أصل الخلاف في حكم الإجازة. وقد يتنزلان على أن الملك هل ينتقل إلى الورثة في الموصى به أم تمنع الوصية الأنتقال؟ وفيه وجهان:

فإن قلنا: تنتقل إليهم فالإجازة من الثلث، لأنه إخراج مال مملوك. وإلا فهي من رأس المال؛ لأنه امتناع من تحصيل مال لم يدخل بعد في ملكه. وإنما تعلق به حق ملكه. بخلاف محاباة الصحيح إذا مرض فإن المال

(1)

كان على ملكه وهو قادر على استرجاعه. أنضهى.

(والاعتبار بكون من وصي له) وصية (أو وُهب له) من قبل مريض هبة (وارثاً أولًا عند الموت) أى موت الموصي. فمن أوصى لأحد إخوته ثم حدث له ولد: صحت الوصية للموصى له، لأنه عند الموت ليس بوارث. ومن أوصى لأخيه بشيء وللموصي ولد فمات قبله: وقفت على أجازة بقية الورثة.

قال ابن رجب في القاعدة السابعة عشر بعد المائة.: وحكى بعضهم خلافاً ضعيفاً أن الاعتبار بحال الوصية. انتهى.

فعلى المذهب: لو وصى رجل لأجنبية وأو صت له ثم تزوجها: وقفب وصية كل منهما على الأجازه من ورثته.

وإن وصى إنسان لزوجته بشيء ثم طلقها: لم يفتقر ذلك إلى أجازة إلا في زائد على الثلث.

قال في " المغني ": إلا أنه إن طلقها في مرض موته فقياس المذهب أنها

لا تعطى أكثر من ميراثها، لأنه متهم في أو طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية.

(1)

في ج: الملك.

ص: 377

فلم ينفذ لها ذلك " كما لو طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث

(1)

انتهى.

(و) الاعتبار (أجازة) للوصية أو العطية من قبل الورثة (أو رد) منهم

لأحدهما (بعده) أى بعد الموت، وما قبل ذلك من رد أو أجازه لا عبرة به.

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب

وقطع به كثير منهم وقدمه في " الفروع " وغيره.

وعنه: تصح أجازتهم قبل الموت في مرضه. خرجها القاضي أبو حازم من

إذن الشفيع في الشراء.

قال في القاعدة الرابعة: بالعفو عن الشفعة. فخرجه المجد في " شرحه "

على روايتين واختارها صاحب " الرعاية " والشيخ تقي الدين. انتهى.

(ومن أجاز) من الورثة هبة في المرض أو وصية، وكان الموهوب أو

الموصى به جزءاً (مشاعاً) كنصف وثلثين

(2)

ونحوهما. (ثم قال) المجيز: (إنما أجزت) ذلك (لأنني ظننته) أى المال المخلف (قليلا) ثم تبين

(3)

لي أو كثير: (قبل) قوله في ذلك (بيمينه) " لأن الغالب أن المجيز إنما يترك- الاعتراض للموصى له في الوصية، لأنه لا يرى المنازعة في ذلك القدر ويستخفه

(4)

. فإذا ادعى أو إنما أجاز لظنه قلة المال كان الظاهر معه فقد ادعى ممكنا (فيرجع بما زاد على ظنه)، لأن ما هو في ظنه قد أجازه فلا اعتراض له فيه فبقي ما ليس في ظنه والأصل عدم علمه به. وإنما لزمه اليمين لتنتفي التهمة فلو

كان المال ألفا وظنه ثلاثمائة وكانت الوصية بالنصف فقد أجاز السدس وهو خمسون فهي جائزة عليه مع ثلث الألف. فيكون للموصى له تلاثمائة وثلاثة

(1)

في ج: ترثه.

(2)

في ج: وثلا ثين

(3)

في أ: يتبين.

(4)

في ب وج: ويستحقه.

ص: 378

وثمانون وثلث؛ لأن ثلث المال لا اعتراض له فيه فيزاد ما هو مقر بأجازته عليه ويرجع ببقية النصف وهو مائة وستة عشر وثلثان.

وقيل: لا يقبل قوله؛ لأنه رجوع عن قول يلزمه به حق. فلم يقبل؛ كالرجوع في الأقرار.

(إلا أن يكون المال) المخلف (ظاهراً لا يخفى) على المجيز، (أو تقوم بينة) على المجيز (بعلمه قدره): فلا يقبل قوله، ولا يملك رجوعاً إلا فيما يملك الرجوع في مثله

(1)

في الهبة إذا قلنا أن الإجازة ابتداء عطية والمذهب خلافه.

(وإن كان) ما أجازه الوارث من عطية في المرض أو وصية (عيناً) كعبد وثوب معينين، (أو) كان (مبلغاً معلوماً) كمائة درهم وعشرة دنانير وعشرة أو سق من بر أو نحوه، (وقال) الوارث المجيز: إنما أجزت ذلك لأنني (ظننت الباقي كثيراً: لم يقبل) قوله في ذلك.

قال في " الأنصاف ": في أظهر الوجهين وهو المذهب. انتهى.

يعني أنه لا يملك في ذلك رجوعاً.

ووجهه: إن أجاز قدرأ من المال معلوماً. فلم يكن له الرجوع فيه؛ كما لو وهبه.

وقال في " الفروع ": فال شيخنا: وإن قال ظننت قيمته ألفا فبان أكثر: قُبل. وليس نقضاً

(2)

للحكم بصحة الإجازة ببينة أو إقرار. قال

(3)

: وإن أجاز وقال أردت اصل الوصيه قبل. انتهى.

(1)

في ج: فيه في مثله.

(2)

في أ: نقضا.

(3)

في ج: وقال

ص: 379

(فصل) في حكم قول الوصية وردها

وما يترتب على ذلك وغير ذلك. (وما وُصِّيَ به لغير محصور) كالفقراء والمساكين والمجاهدين في سبيل الله وبني هاشم، (أو مسجد ونحوه) كثغر وخانقاة

(1)

ورباط وحج: (لم يُشترط قوله) من النوع الموقوف عليه كالفقراء ونحوهم؛ لأن اعتبار القبول من جميعهم متعذر. وكذا من المسجد ونحوه فسقط. وعلى هذا تلزم الوصية بمجرد الموت.

(وإلا) أى وإن لم تكن الوصية على هذه الصفة بل كانت على ادمي معين:

(اشتُرط) قبوله لها؛ لأن الوصية في هذه الحالة تمليك مال لمعين يملك

(2)

. فاعتبر قبوله؛ كالهبة والبيع.

قال أحمد: الهبة والوصية واحد. قاله في " المغني " و" الفروع "

وا لزركشي وغيرهم.

وقال في " القواعد ": نص أحمد في مواضع على أنه لا يعتبر للوصية قبولٌ.

فيملك الموصى له الموصى به قهرا؛ كالميراث. وهو وجه للأصحاب حكاه غير

واحد. أنتهى.

ولا يتعين القبول باللفظ بل يجزئ ما قام مقامه

(3)

من الأخذ والفعل الدال

على الرضى كقولنا في الهبة والبيع.

قال في " الفروع ": وفي " المغني " وطؤه قبولٌ كرجعة وبيع خيار.

انتهى.

(1)

في ج: وخانكاة.

(2)

في ج: لمال لمعين يملكه.

(3)

في ج: مقام

ص: 380

ويجوز القبول على الفور والتراخي.

(ومحلُّه بعد الموت)؛ لأن الموصى له قبل ذلك لم يثبت له حق. وكذلك

لا عبرة برده قبل الموت.

قال

(1)

في " الفروع ": لا قبول ولا رد لموصى له في حياة الموصي، ولا

رد بعد قبوله. وفيه وجه فيما كيل أو وزن.

وقيل: وغيره. أنتهى.

(ويثبت ملك موصى له من حِينه) أى من حين القبول بعد الموت.

قال في " المغني ": قي الصحيح من المذهب. وهو قول مالك وأهل العراق، وروي عن الشافعي. وذكر أبو الخطاب في المسألة وجهاً آخر: أو إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي. وهو ظاهر مذهب الشافعي، لأن ما وجب أنتقاله بالقبول وجب أنتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب، كالهبة والبيع.

ولأنه لا يجوز أن يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 11].

ولأن الإرث بعد الوصية ولا يبقى للميت لأنه صار جماداً لا يملك شيث. وللشافعي قول ثالثٍ غير مشهور: أن الوصحة تملك بالموت، ويحكم بذلك

قبل القبول لما ذكرنا.

قال: ولنا: أو تمليك عين لمعين يفتقر إلى القبول. فلم يسبق الملك القبول؛ كسائر العقود.

ولأن القبول من تمام السبب، والحكم لا يتقدم

(2)

سببه.

(1)

في ج: قاله.

(2)

في ج: يتقيد.

ص: 381

ولأن القبول لا يخلو من أن يكون شرطاً أو جزءاً من السبب، والحكم

لا يتقدم سببه

(1)

ولا شرطه.

ولأن الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل.

فإن قيل: فلو قال لامرأته: أنت طالق قبل موتى بشهر، ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر.

قلنا: ليس هذا شرطاً في وقوع الطلاق، وإنما تبين به الوقت الذي يقع فيه الطلاق.

ولو قال: إذا مت فاً نت طالق قبله بشهر: لم يصح.

وأما أنتقاله من جهة الموجب في سائر العقود فإنه لا ينتقل إلا بعد القبول فهو كمساًلتنا. غير أن ما بين الإيجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر. بخلاف مسألتنا.

وقولهم: أن الملك لا يثبت للوارث ممنوع. فإن الملك ينتقل إلى الوراث بحكم الأصل إلا أن يمنع منه مأنع.

وقول الله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 11].قلنا: المراد به وصية مقبولة. بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكاً للوارث وقبل قبولها فليست مقبولة.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله: فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء: 12].

أى لكم ذلك مستقر. فلا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر. ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة وهو آكد

(2)

من الوصية. وإن سلمنا أن الملك لا يثبت للوارث فإنه يبقى ملكا للميت كما إذا كان عليه دين. وقولهم: لا يبقى له ملك ممنوع فإنه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مَؤُنة

(1)

في ج: يتقيد بسببه.

(2)

في أ: أكثر.

ص: 382

تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه. ويجوز أن يتجدد له ملك في ديته إذا قتل، وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيب تقضى ديونه، وتنفذ وصاياه، ويجهز أن كان قبل تجهيزه. فهذا يبقى على ملكه لتعذر أنتقاله إلى الوارث من أجل الوصية. وامتناع أنتقاله إلى الوصي

(1)

قبل تمام السبب. فإن رد الموصى له أو قبل أنتقل

(2)

حينئذ. فإن قلنا بالأول وأنه ينتقل إلى الوارث: فإنه يثبب له الملك على وجه لا يفيد إباحة التصرف كثبوته في العين المرهونة

(3)

. فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو تصرف بغير ذلك لم ينفذ شيء من تصرفاته. ولو كان الوارث ابناً للموصى به مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لأجنبي. فإذا ماتت

(4)

أنتقل الملك فيه إلى ابنه إلى حين القبول ولا يعتق عليه. انتهى كلامه في " المغني ".

وعبارته في " الفروع ": ويملكه الوصي

(5)

ونماء منفصل منذ قَبِلَ. ذكر الشيخ أو المذهب ونصره القاضي واصحابه فهو قبله للورثة فيزكونه.

وقيل: للميت.

وقيل: منذ مات الموصي فيزكيه.

وعنه: نَتبَّينه إذا قبله.

وعليه والذي قبله لو قبله وارثه كان ملكا لموروثه ويثبت حكمه. انتهى.

ويتفرع على هذا الخلاف مسائل أُشير إليها بقوله:

(فلا يصح تصرفه) أى تصرف الموصى له في العين الموصى بها (قبله) أى

قبل القبول، يعني أو لو باع الموصى له العين الموصى بها أنه أجرها أو وهبها أو

(1)

في ج: المو صي.

(2)

في ج: انتقال.

(3)

في ج: الموهوبة.

(4)

في ج: مات.

(5)

في ج: المو صي.

ص: 383

كانت أمة فاًعتقها أو زوجها أو نحو ذلك قبل قبوله للوصية: لم يصح شيء من ذلك؛ لأنها ليست في ملكه إذاً.

(و) مما يتفرع على هذا الخلاف أيضاً أن (ما حدث) من العين الموصى

بها بعد موت الموصي وقبل قبول الموصى له بها (من نماء منفصل) كالولد والثمرة والكسب: (فللورثة) أى ورثة الموصي؛ لأن العين في ملكهم حينئذ.

(ويتبع) نماء (متصل) الأصل كما يتبع في العقود والفسوخ.

(وإن كانت) الوصية (بأمة فأحبلها وارث قبله) أى قبل القبول وولدت

(1)

منه: (صارت أم ولده) لوجود ملكه فيها (وولده حر)؛ لأنها أتت به من وطء في ملكه.

(و) حينئذ (لا يلزمه) من اجل ذلك (سوى قيمتها للوصي) أى للموصى

له بها إذا قبلها بعد ذلك؛ (كما لو أتلفها). وإنما وجبت له قيمتها بإتلافها قبل دخولها في ملكه بالقبول إذا قبلها بعد ذلك؛ لثبوت حق التملك له فيها بموت الموصي.

ولو وصى لرجل بأرض فبنى الوارث فيها وغرست قبل القبول، ثم قبل من وصى له بها.

قال في " الأنصاف ": ففي " الإرشاد " أن كان الوارث عالما بالوصية قلع بنأوه اوغراسه مجاناً، وإن كان جاهلاً فعلى وجهين.

قال في " القوعد ": وهو متجه على القول بالملك بالموت. أما أن قيل هي

قبل القبول على ملك الوارث فهو كبناء المشتري الشقص المشفوع وغرسه فيكون محترما يتمللى بقيمته. قلت: وهذا

(2)

الصواب. انتهى.

فإن قيل: فكيف قضيتم بكونها أم ولد وهي لا تعتق بإعتاقها؟

(1)

في ج: فولدت.

(2)

في ج: وهو.

ص: 384

قلنا: الاستيلاد أقوى ولذلك يصح من المجنون والراهن والشريك المعسر

وإن لم ينفذ إعتاقهم.

(هوإن وُصي) بالبناء للمفعول (له) أى لإنسان حر (بزوجته) الأمة (فأحبلها وولدت قبله) أى قبل القبول: (لم تصر أم ولد) لزوجها الموصى له بها؛ لأنها لم تكن في ملكه حين إحبالها. (وولده) الذي حملت به قبل قبولها (رقيق)؛ لأنه من مملوكة لغيره دخل على أن ولده منها رقيق. ليخرج بذلك ما لو وطئها بشبهة وما لو اشترط في ابتداء نكاحها حرية أولاد هـ

(1)

منها.

(و) أن وُصى لإنسان حر (بأبيه) الرقيق (فمات) الموصى له بعد موت الموصي (وقبل قبوله) للوصية (فَقَبِلَ ابنه) أى ابن الموصى له بأبيه الوصية بجده: (عتق موصى به) أى جد القابل (حيئذ) أى حين إذ

(2)

قبل الوصية به ابن ابنه؛ لوجود ملكه إذن. (ولم يرث) الجد الموصى به من ابنه الميت أبي

(3)

القابل شيئاً؛ لأن حريته إنما حدثت حين القبول بعد أن صار الميراب لغيره.

ومما يتفرع على الخلاف أيضاً: لو كان الموصى به ابن اخ للموصى له

وقد مات بعد موت الموصي فقبل ابنه: لم يعتق عليه ابن عمه؛ لأن القابل إنما تلقى الوصحة من جهه الموصي لا من جهة أبيه، ولم يثبت لأبه ملك في الموصى به.

وكذا لا تقضى ديون موصى له مات بعد موت موصي وقبل قبول من وصية قَبِلهَا وَاِرثُه.

وعلى القول

(4)

بأن ملك الموصى به ينتقل إلى الموصى له بموت الموصي،

(1)

في خ: أولا د.

(2)

فى ج: إذا.

(3)

في أو ب: أب.

(4)

في خ: القبول.

ص: 385

وعلى الرواية بأن الموصى له إذا قبل الموصى به: نتبين

(1)

أو كان ملكه من حين موت

(2)

الموصي: تنعكس هذه الأحكام.

(وعلى وارث ضمانُ عين حاضرةٍ) حيث كان الوارث: (يتمكن من قبضها بمجرد موت مورثه) أن تلفت. ومعنى ذلك أن ما يتلف من التركة التي هي عين حاضرة يتمكن الورثة من قبضها فهو عليهم ولا ينقص به ثلث أوصى به.

قال ابن رجب في القاعده الحادية والخمسين: فأما ما ملك

(3)

بغير عقد: فنوعان:

أحدهما: الملك القهري " كالميراث. وفي ضمانه وجهان:

احدهما: أنه يستقر على الورثة بالموت إذا كان المال عيناً حاضرةً يتمكن من قبضها.

قال أحمد في رواية ابن منصور: في رجل ترك مائتي دينار وعبداً قيمته مائة، وأوصى لرجل بالعبد. فسرقت الدنانير بعد موت الرجل: وجب العبد للموصى له وذهبت دنانير الورثة.

وهكذا ذكر الخرقي وأكثر الأصحاب، لأن ملكهم استقر بثبوت سببه. إذ

هو لا يخشى أنفساخه. ولا رجوع لهم بالبدل على أحد. فأشبه ما في يد المودع ونحوه. بخلاف المملوك بالعقود، لأنه إما أن يخشى أنفساخ سبب الملك فيه، أو يرجع ببدله. فلذلك

(4)

اعتبر له القبض. وأيضاً فالمملوك بالبيع ونحوه ينتقل الضمان فيه بالتمكن من القبض فالميراث أو لى.

وقال القاضي وابن عقيل في كتاب العتق: لا يدخل في ضمانه بدون القبض " لأنه لم يحصل في أيديهم ولم ينتفعوا به، فأشبه الدين والغائب ونحوهما مما لم يتمكنوا من قبضه. فعلى هذا أن زادت التركة قبل القبض فالزيادة للورثة،

(1)

في ج: تبين.

(2)

في ج: مات.

(3)

في ج: فأما ملك.

(4)

في ج: فكذلك.

ص: 386

وإن نقصت لم يحسب النقص عليهم وكانت التركة ما بقي بعد النقص. حتى لو تلف المال كله سوى القدر الموصى به صار هو التركة. ولم يكن للموصى له سوى ثلثه. إلا أن يقال

(1)

: أن الموصى له يملك الوصية بالموت بمجرده أو مراعاً بالقبول: فلا تزاحمه الورثة؛ لأن ملكه سبب استحقاقهم لمزاحمته بالنقص. فيختص به؛ كما لو لم يتلف المال إلا بعد قبوله. وعلى ذلك خرج صاحب " الترغيب " وغيره كلام أحمد في رواية ابن منصور.

والأول

(2)

أصح لأن الموصى له تمكن من أخذ العين الموصى بها مع حضور التركة، والتمكن من قبضها بغير خلاف.

ولو لم يدخل في ضمانهم

(3)

إلا بالقبض لم يمكن أن يأخذ من العين أكثر من ثلثها. ويوقف قبض الباقي على قبض الورثة. فكلما قبضوا شيئاً أخذ من العين بقدر ثلثه كما لو كانت التركة دينا أوغائبا لا يتمكن من قبضه. انتهى كلام ابن رجب.

قال في " الأنصاف " بعد أن حكى رواية ابن منصور: وهكذا ذكره الخرقي وأكثر الأصحاب. انتهى.

و (لا) يكون على وراث (سقي ثمرة موصى بها)؛ لأنه لم يضمن تسليم

هذه الثمرة إلى الموصى له. بخلاف البيع. قاله في " عيون المسائل " واقتصر عليه في " الفروع ".

(وإن مات موصى له) بشيء (قبل موصي: بطلت) الوصية؛ لأنها عطية صادفت المعطى ميتا. فلم تصح؛ كما لو وهب ميتاً.

(لا أن كانت) الوصية (بقضاء دينه) أى دين الذي مات قبل موت الموصي. فإنها لا تبطل؛ لأن تفريغ ذمة المدين بعد موته

(4)

. كتفريغها قبله

(1)

في ج: يقول.

(2)

في ج: والأولى.

(3)

في ج: ضمانه.

(4)

في أ: موتها.

ص: 387

لوجود الشغل في الحالين كما لو كان حياً. ذكره الحارثي واقتصر عليه في

" الأنصاف ".

(وإن ردها) أى رد الموصى له الوصية (بعد موته) أى موت الموصي. (فإن كان) رده (بعد قبوله) للوصية: (لم يصح الرد مطلقاً) أى سواء قبضها أو لم يقبضها، وسواء كانب مكيلاً أو موزوناً أو غيرهما.

قال في " الفروع ": ولا رد بعد قبوله وفيه وجه فيما كيل أو وزن.

وقيل: وغيره. أنتهى.

قال في " الأنصاف ": لو ردها بعد قبوله وقبل القبض: لم يصح الرد مطلقاً عاى الصحيح من المذهب. انتهى.

ووجه ذلك: أن الموصى به دخل في ملك الموصى له بمجرد قبوله للوصية. فلم يملك رده؛ كرده لسائر ملاكه.

(وإلا) أى وإن لم يكن الراد للوصيه قد قبلها: (بطلت).

قال في " المغني ": لا نعلم فيه اختلافاً؛ لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه. فأشبه عفو الشفيع عن المشفعة بعد البيع.

ويحصل الرد بقوله: رددت الوصية، وقوله: لا اقبلها، وما ادى هذا المعنى.

قال أحمد: إذا أوصى لرجل بألف فقال: لا أقبلها: فهي لورثته

(1)

.

قال في " المغني ": يعني لورثة الموصي.

وقال أيضاً: وكل موضع صح الرد فيه فإن الوصية تبطل بالرد وترجع إلى التركة فيكون للورِّاث

(2)

جميعهم، لأن الأصل ثبوت الحق لهم. وإنما خرج بالوصية. فإذا بطلت الوصية رجع إلى ما كا ن عليه. كان الوصيه لم توجد.

(1)

في ج: للورثة

(2)

في أوب: للوارث.

ص: 388

ولو عين بالرد واحداًً وقصد تخصيصه بالمردود: لم يكن له ذلك وكان لجميعهم؛ لأن رده امتناع من تملكه. فيبقى على ما كان عليه.

ولأثه لا يملك دفعه إلى أجنبي فلم يملك دفعه إلى وارث يخصه به.

وكل موضع امتنع الرد لاستقرار ملكه عليه فله أن يخص به واحداًً من الورثة؛ لأنه ابتداء هبة. ويملك أن يدفعه إلى أجنبي فملك دفعه إلى وارث. فلو قال: رددت هذه الوصية لفلان. قيل له: ما اردت بقولك لفلان؟ فإن قا ل: أردت تمليكه إياها وتخصيصه بها فقبلها: اختص بها. وإن قال: أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان: عادت إلى جميعهم إذا قبلوها. فإن قبلها بعفضهم دون بعض فلمن قبل حصته منها. انتهى.

(وإن امتنع) موصى له بعد موت الموصي (من قبول ورد) للوصية: (حكم عليه بالرد وسقط حقه) من الوصيه. قاله في " الكافي " وجزم به الحارثي وابن رجب في القاعدة العاشرة بعد المائة.

وقال في " الفروع ": وإن لم يقبل فكمتحجر مواتا. ثم قال. وإن طلبه وارث بأحدهما وأبى حكم عليه برد

(1)

.

وقيل: تنتقل بلا قبول كخيار. انتهى.

(وإن مات) الموصى لى (بعده) أى بعد موت الموصي (وقبل رد) للوصية

(2)

، (و) قبل (قبول) لها:(قام وارثه) أى وارت الموصى له (مقامه) في رد وقبول.

قال في " المقنع ": ذكره الخرقي.

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب نصى عليه في رواية صالح. قاله

(3)

(1)

فى ج برده.

(2)

في ج: الوصية.

(3)

في ج: قال

ص: 389

المجد واختاره المصنف والشارح وغيرهما وجزم به في " الوجيز " وغيره. انتهى.

وعنه: تبطل الوصية.

قال في " المحرر ": ونقل عبد الله وابن منصور: تبطل الوصية.

قال في " الفروع " بعد أن قدم المذهب: وعنه تبطل. نصره القاضي وأصحابه.

ووجه المذهب: أن القبول حقٌ ثبت للموروث فينتقل إلى الوارث بعد موته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من ترك حقا فلورثته "

(1)

. وكخيار العيب. ثم أن كان الوارث جماعة اعتبر الرد والقبول من جميعهم، وإن رد بعض وقبل بعض ترتب على كل منهما حكمه. وإن كان فيهم من هو محجور عليه تقيد وليه بفعل الأحظ.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(2268) 2: 845 كتاب الاستقراض، باب الصلاة على من ترك دينا، بلفظ " من ترك مالأ فلورثته ". عن أبي هريرة.

ص: 390

(فصل) في أحكام الرجوع في الوصية

وما يحصل به الرجوع وغير ذلك.

(وإن قال موصر) لغيره بشيء: (رجعت في وصيتي، أو) قال: (أبطلتها ونحوه) كردَّيتها وغيرتَّها وفسختها: (بطلت).

قال في " المغني ": أجمع أهل العلم على أن للوصي أن يرجع في جميع

ما أوصى به، وفي بعضه. إلا الوصية بالعتق. والأكثر ون على جواز الرجوع في الوصية به أيضاً. روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال:" يُغيِّر الرجل ماشاء من وصيته "

(1)

. وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهري وقتادة ومالك والشا فعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.

وقال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي: يغيّر منها ما شاء إلا العتق؛ لأنه إعتاق بعد الموت. فلم يملك تغييره؛ كالتدبير.

ولنا: أنها وصية. فملك الرجوع عنها؛ كغير العتق.

ولأنها

(2)

عطية تتنجز بالموت. فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها؛ كهبة

ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه.

وفارق التدبير فإنه تعليقٌ على شرط. فلم يملك تغييره؛ كتعليقه على صفة

في الحياة. انتهى.

(وإن قال) موصر (في موصى به: هذا لورثتي) أو في ميراثى، (أو) قال:(ما وصيت به لزيد فلعمرو: فرجوع)؛ لأن قوله لورثتي أو في ميراثي ينافي كونه وصية.

(1)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 6: 281 كتاب الوصايا، باب الرجوع في الوصية وتغييرها.

(2)

في ج: لأنها.

ص: 391

ولأن قوله: ما وصيت به لزيد فلعمرو تصريح بالرجوع عن الأول، أشبه ما

لو قال: رجعب عن وصيتي لزيد وأو صيت لعمرو.

(وإن) وصى لإنسان بشيء ثم (وصى به لاخر ولم يقل ذلك) أى ولم يقل

ما وصيت به لفلان فهو لفلان: (فـ) الموصى به (بينهما) أى بين الموصى له به أوَّلاً وبين الموصى له به ثانيا، كما لو جمع بينهما في الوصية.

قال في " الفروع ": ولو أوصى به لعمرو ولم يرجع فبينهما.

وقيل: للثانى.

ونقل

(1)

الأثرم: يؤخذ بأخرا لوصية، وفي " التبصرة " للأول. انتهى.

(و) على المذهب (من مات منهما) أى من الموصى له بشيء أو لا والموصى له به ثانيا (قبل) موت (موصر) وتأخر الاخر عن

(2)

موت الموصي وَقَبِلَ الوصيد، (أو) تأخر موتهما عن موت الموصي و (رد) أحدهما الوصية (بعد موته) أى الموصي وقبل الآخر:(كان الكل) أى كل الموصى به

(3)

(للآخر) الذي قبل الوصية. دون صاحبه بعد

(4)

موت الموصي.

قال في " الأنصاف ": قاله الأصحاب.

(لأنه اشتراك تزاحم)، كما لو أوصى لكل وأحد من اثنين بجميع ماله ومات أحدهما قبل موت الموصي، أو رد وقبل الاخر وأجيزت له الوصية: فإنه يأخذ جميع المال.

وإن وصى بثلثه ثم بثلثه لاخر.

قال في " الفروع ": فمتغايران. وفي الرد يقسم الثلث بينهما. انتهى.

(وإن باعه) أى باع الموصي الشيء الموصى به، (أو وهبه، أو رهنه، أو

(1)

في ج: ونقله.

(2)

في ج: من.

(3)

ساقط من أ

(4)

في ج: قبل.

ص: 392

أوجبه في بيع، أو هبة) بأن قال لإنسان: بعتكه أو وهبتكه. (ولم يقبل) من قيل له ذلك (فيهما) أى في صورة إيجاب البيع أو إيجاب الهبة. (أو عرضه لهما) أى للبيع والهبة. (أو وصى ببيعه أو عتقه) أى عتق ما وصى به لإنسان من رقيقه بأن قال: أعطوه لزيد ثم قال: اعتقوه، أو ثم قال: هبوه لمن شئتم. وإلى ذلك أُشير بقوله:

(أو هِبَتِه، أو حرّمه عليه) أى على الموصى له به بأن يوصي الإنسان بشيء

ثم يقول: هو حرام عليه.

(أو كاتبه) أى كاتب الذي أوصى به، (أو دبره، أو) كان الموصى به زيتاً

أو قمحاً أو نحوهما فـ (خلطه بما لا يتميز) منه.

(ولو) كان الموصى به (صُبْرة) فخلطها (بغيرها أو أزال أسمه)؛ كما لو قال: أو صيت

(1)

لزيد بهذه الغرارة الحنطة (فطحن الحنطة) فصار اسمها دقيقا.

(أو) قال أو صيت

(2)

لزيد بهذه الغرارة الدقيق فـ (خبز الدقيق) فصار يسمى خبزاً.

(أو) بهذا الخبزف (جعل الخبز فتيتاً.

(أو) وصى لإنسان بشيء من غزل فـ (نسج الغزل) فصار يسمى ثوباً.

وقمس على ذلك قوله: (أو عمل الثوب قميصاً أو ضرب النقرة دراهم أو ذبح الشاه أو بنى) الحجر أو الاجر الموصى به فصار حائطاً أو دارا أو نحو ذلك،

(أو غرس) نوى موصى به فصار شجراً، (أو نجر الخشبة) الموصى بها فصارت (باباً)، أو كرسيا أو دولاباً أو نحو ذلك، (أو أعاد داراً أو دمت، أو جعلها حماماً أو نحوه)، أو كان سفينة فتكسرت وصار اسمها خشبا:(فرجوع) في الجميع.

(1)

في ج: وصيت.

(2)

مثل السابق.

ص: 393

أما إذا باع الموصى به أو وهبه أو تصدق به أو نحو ذلك، فلأنه إزالة ملك وذلك ينافي الوصية.

وأما الرهن: فلأنه

(1)

يراد للبيع.

وأما تعريضه بشيء

(2)

من ذلك وأيجابه وإن لم يقع القبول " فلان ذلك دليل على اختيار الرجوع.

وأما وصيته ببيعه أو إعتاقه ونحوهما

(3)

؛ فلكونه وصى بما ينافي الوصية

الأولى.

وأما تحريمه

(4)

على الموصى له؛ فلان الوصية له لو بقى حكمها لم يحرم عليه. ذكر مسألة التحريم في " الكافي " واقتصر عليه الحارثي ونصره، نقله في

"الأنصاف ".

وأما كون كلٍّ من الكتابة والتدبير يحصل به الرجوع، فلأن الكتابة بيع، والتدبير أقوى من الوصية لأنه يتنجز بالموت فيسبق أخذ الموصى له.

واما كون خلطه بما لا يتميز رجوعاً، فلان هـ يتعذر بذلك تسليمه.

وأما كون إزالة اسم الموصى به تكون رجوعا؛ فلأنه لم يبق الاسم متناولاً

له.

وإن كان أنهدام الدار لم يُزل اسمها سُلِّمت إليه.

وياً تي في المتن حكم المنهدم منها.

(لأ أن جحدها) أى جحد الموصي الوصية. فإن ذلك لا يكون رجوعاً؛

لأن الوصية عقد. فلا تبطل بالجحود؛ كسائر العقود.

(1)

في ج: فإنها.

(2)

في ج: لشيء.

(3)

في ج: ونحوه.

(4)

في أ: تحرمه.

ص: 394

وقيل: بلى؛ لأن جحدها يدل على عدم إرادة وصول الموصى به إلى الموصى له

(1)

.

(أو آجر) الموصي العين الموصى بها، (أو زوج) الرقيق الموصى به،

(أو زرع) الأرض الموصى بها، (أو وطئ) الأمة الموصى بها (ولم تحمل) من وطئه، (أو لبس) الثوب الموصى به، (أو سكن موصى به) من دار أو بستان أو بيت شعر أو نحو ذلك: فإن ذلك كله لا يكون رجوعاً؛ لأن ذلك لا يزيل الملك ولا الاسم. ولم يمنع التسليم؛ كما لو غسل الثوب الموصى به، أو كنس الدار الموصى بها، أو علّم الرقيق الموصى به صنعة.

وقيل: أن وطء الأمة الموصى بها رجوع؛ لأنه يعرضها للخروح عن

(2)

جواز النقل.

ورد: بأن الوطء أنتفاع لا يزيل الملك في الحال ولا يفضي إليه يقيناً. فأشبه لبس الثوب فإنه ربما أتلفه وليس برجوع.

(أو وصى) إنسان (بثلث ماله فتلف) ماله الذي كان يملكه

(3)

حين الوصية بإتلافه أو غيره.

(أو باعه ثم ملك مالاً) غيره: لم يكن إتلافه ولا بيعه رجوعا في وصيته؛ لأنها بجزء مشاع من المال الذي يملكه حين الموت فلم يؤثر ذلك فيها.

(أو) كانت الوصية (بقفيز من صُبْره فخلطها) أى الصبرة (ولو بخير منها)

مما لا يتميز منه: فإن ذلك لا يكون رجوعا في الوصية؛ لأن القفيز كان مشاعاً وبقي على إشاعته.

وقيل: أن خلط الصبره بخير منها كان رجوعا؛ لأنه لا يمكنه تسليم الموصى إلا بتسليم خير منه. ولا يجب على الوارث تسليم خير منه.

(1)

في ج: إليه.

(2)

في ج: من.

(3)

في ج: يمكنه

ص: 395

وأجيب: بأنه لا مانع من ذلك لأن خلطها بخير منها من فعل الموصي.

أشبه ما لو صفى الصبرة من غش كان بها.

(وزيادة مو صفي دار) بعد وصيته بها (للورثة)؛ لأن الزيادة لم توجد حين العقد. فلم تدخل في الوصية.

(لا المنهدم) من الدار قبل قبول الوصية فإنه يكون للموصى له

(1)

عند قبوله

(2)

الوصيه؛ لأن المنهدم قد دخل في الوصية عند وجودها. فتبقى الوصية فيه ببقائه؛ كما لو أوصى له بكتاب فإنتقضت منه كراريس. فإنها تكون للموصى له بالكتاب.

وفي المساًلة قولٌ أن الزيادة والمنهدم للورثة. وقولٌ أن ما للموصى له.

(وإن وصى) إنسان (لزيد) بشيء (ثم قال) الموصي (أن قدم عمرو فله)

ما أو صيت به لزيد (فقدم بعد موت مو ص: فلزيد) أى فالموصى به لزيد دون عمرو؛ لأن الموصي لما مات قبل قدوم عمرو أنقطع

(3)

حقه من الموصى به وإنتقل إلى زيد؛ لأنه لم يوجد إذ ذاك ما يمنعه. فلم

(4)

يؤثر وجود الشرط بعد ذلك؛ كما لو علق إنسان طلاقاً أو عتقاً على شيء فلم يوجد إلا بعد موته. وقيل: بل يكون لعمرو.

وعلم مما تقدم أن عمراً لو قدم في حياة الموصي كان له.

قال في " الأنصاف ": بلا نزاع. انتهى.

ووجه ذلك: أنه جعله له بشرط قدومه. وقد وجد في حالة يعمل عمله فيها فعمل بمقتضاه.

ومتى كانت التبرعات في المرض أو الوصايا بزائد على الثلث ولم تجز الورثة

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: قبول.

(3)

في أ: وإنقطع

(4)

في أ: ولم.

ص: 396

الزائد تزاحمت في ثلث باقي المال بعد إخراج الواجب أن كان؛. كالدين ونحوه. وقد حكى القرطبي الإجماع على تقديم الدين على الوصية. الا ما حكي عن

ابي ثور أو قدمها عليه. حكاه العبدري. والحكمة في تقديمها بالذكر في؛ الأية أن الو صية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض فكان في إخراجها مشقة؛ على الوارث فقدمت حثاً على إخراجها.

قال الزمخشري: ولذلك جيء بكلمة أو التي للتسوية، أى فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع. وإن كان مقدماً عليها.

وقال السهيلي: لما كانت الوصيه طاعة وخيرا والدين غالبا ل منفعة وهو مذموم في غالب أحواله وقد تعوذ منه عليه السلام

(1)

فبدأ بالأفضل.

وقال ابن عطية: الوصية غالبا تكون لضعاف فقوى جانبها بالتقديم في الذكر؛ لئلا يطمع ويتساهل فيها. بخلاف الدين.

ولما كان الواجب لا بد له من مُخرج أُشير إلى تبيينه

(2)

بقوله:

(ويُخرج وصي) أو صي له أن يخرج الواجب. فإن لم يكن (فوار ث) جائز التصرف. فإن لم يكن أو ابى الوارث إخراجه (فحاكمٌ: الواجبَ) مفعول يخرج.

(ومنه) أى من الواجب (وصية بعتق في كفارة تخيير) ككفارة اليمين (من رأس المال) متعلق بيخرج يعني أو يجب إخراجه (ولو لم يوص به)؛ لقوله

(1)

عن أبي سعيد الخدري، قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: يا أبا أمامه! ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؛. قال: همو م لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى

عنك دينك؛ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، "وأعوذ بك من غلبه الهدين وقهر الرجال. قال: ففعلت ذلك، فاذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني "-

أخرجه أبو داود في " سننه "(1555) 2: 92 كتاب الوتر، باب في الاستعاذة.

(2)

في أ: تبينه.

ص: 397

تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 11].

وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)[النساء: 12].

ودين الله كدين الآدمي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " فدين الله أحق بالوفاء "

(1)

رواه البخاري والنسائي.

وحكم إخراج الأجنبى زكاة أو نحوها عن الميت بإذن وصيه أو وارثه كإخراج

الإذن.

(فإن وصى) الميت (معه) أى مع الوصية بإخراج

(2)

الواجب أو مع ثبوت واجب عليه (بتبرع) من معين أو مشاعٍ

(3)

(اعتبر الثلث) الذي يخرج منه التبرعات (من) المال (الباقي بعد) إخراج الواجب. فلو كان المخلف أربعين وقد أوصى بثلث ماله وعليه دين عشرة فإنها تدفع أولاّ ثم يدفع إلى الموصى له بثلث المال عشرة لأنها ثلث الباقي بعد الدين.

(وإن قال) من أوصى بتبرع وعليه واجب: (أخرجوا الواجب من ثلثي: بُدِئَ) بالبناء للمفعول (به) أى بإخراج الواجب من الثلث؛ لأنه أنفرد عن الجرع بمزية الوجوب. وفائدة ذلك مزاحمة الواجب لصاحب التبرع في الثلث.

وحيث أخرج الواجب من الثلث وفضل منه شيء (فما فضل منه فلصاحب التبرع).

ومحل ذلك أن لم يفضل شيء عما أوصى له به؛ كما لو وصى لإنسان بثلث

ماله ثم قال: أخرجوا الواجب من ثلثي.

(1)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(1754) 2: 656 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة.

وأخرجه النسائي في " سننه "(2632) 5: 16 1 كتاب مناسك الحج، الحج عن الميت الذي نذر أن يحج.

(2)

في ج: أخر اج.

(3)

في ج: من مشاع

ص: 398

(وإلا) أى وإن لم يفضل شيء من الثلث بعد إخراج الواجب منه: (بطلت) الوصية بالتبرع؛ كما لو رجع عنها.

وعبارة " الفروع " في هذه المسألة: ويخرج وصيه ثم وارثه لا حاكم في المنصو ص ثم حاكم الواجب، كحج وغيره. ومثله

(1)

وصيته بعتق في كفارة تخيير من رأس ماله، وتبرعه من ثلث بافيه.

ونقل إبراهيم: في حج لم يو صبه وزكاة

(2)

وكفارة: من الثلث.

ونقل عنه: من كله مع علم ورثته.

ونقل عنه: في زكاة من كله مع صدقة.

وعنه: تقدم الزكاة على الحج.

ونقل ابن صدقة فيمن أو صت في مرضها لزوجها بمهرها: هذه وصية لوارث

لا تجوز إلا بأجازة الورثة. قيل: فأوصت وهي صحيحة. [فقال: أن كانت صحيحة]

(3)

جاز. قال الله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ

) الآية] النساء: 4].

فإن أخرجه من لا ولاية له من ماله بإذن اجزأ وإلا فوجهان.

وفي " الخلاف ": وقد قيل له: لا يجوز إخراج الزكاة حيا بلا أمره فكذا

(4)

بعد موته كالأجنبي. فقال: لا نسلم أن الأجنبي لا يجوز إخراج الزكاة عنه بعد موته؛ لقوله في رواية حنبل: لا يعجبني يأخذ دراهم ليحج بها إلا أن يكون متبرعا بحج عن أبيه وأمه

(5)

وأخيه. وإن سلمنا ذلك فالمعنى في الأجنبي أنه لا يخلف الميت بخلاف الوارث

(6)

.

(1)

في أ: لحج أوغيره ومنه.

(2)

في أ: زكاة.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: قلنا.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أوب: للوارث

ص: 399

فإن قال: أدوا الواجب من ثلثي.

وقيل: أو قال حجوا وتصدقوا

(1)

بُدئ به، فإن نَفَذَ

(2)

ثلثه سقط تبرعه.

وقيل: يتزاحمان فيه وباقي

(3)

الواجب من ثلثيه

(4)

.

وقيل: من رأس ماله فيدخله الدور.

فلو كان المال ثلاثين

(5)

والتبرع عشرة والواجب عشرة: جعلت تتمة الواجب شيئاً يكن

(6)

الثلث عشرة إلا ثلث شيء بين الواجب والتبرع للواجب خمسة إلا سدس شيء فاضمم

(7)

الشيء إليه يكون خمسة وخمسة أسداس شيء يعدل الواجب عشرة فيكون الشيء ستة للتبرع أربعة. وإن شئت خذ حصة الواجب من الثلث ثم أنسب كلا من حصة التبرع والورثة من الباقي فخذ منهم تتمة الواجب بقدر النسبة، أو أنسب تتمته من الباقي وخذ بقدرها. أنتهت. وإنما سقتها لما فيها من الفوائد.

(1)

في أوب: تصدقوا.

(2)

في ج: تعذر.

(3)

في ج: ويأتي.

(4)

في أ: ثلثه.

(5)

في أ: ثلثين

(6)

في أ: يحبسن

(7)

في أ: فأضم.

ص: 400

[باب: حكم الموصى له]

هذا (باب) حكم (الموصى له) ونحو ذلك.

(تصح الوصية) من كل من تصح وصيته (لكل من يصح لمليكه: من مسلم وكافر).

قال في " التنقيح ": مطلقاً أن كان معيناً وإلا فلا. قطع به الحارثي وغيره. انتهى.

فلأجل ذلك قلت: (معين).

وقوله مطلقاً: يشمل الكافر الحربي والمرتد فلأجل ذلك قلت: (ولو مرتداً

أو حر بياً).

وعبارته في " الفروع ": تصح لمن يصح تمليكه

(1)

ولأهل الذمة. ذكره القاضي وغيره. والمذهب ولحربي كالهبة إجماعاً.

وفي " المنتخب ": تصح لأهل الذمة ودار الحرب. نقله ابن منصور. انتهى.

فالوصية لعامة النصارى أو نحوهم لا تصح على مقتضى ما ذكره الحارثي ومن تابعه. وتصح على ظاهر نقل ابن منصور وكلام القاضي. ولم يحك في " الأنصاف " ما نقله في " الفروع " عن القاضي. فيحتمل أنه لم يعده قولاً لحمله إطلاقه على ما قيده الحارثي. والله اعلم.

والأصل فى جواز وصية

(2)

المسلم للذمي قوله تعالى: (إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا)[الأحزاب: 6].

(1)

في أ: تملكه.

(2)

في ج: في وصية.

ص: 401

قال محمد بن الحنفية وعطاء وقتادة: أن ذلك هو وصية المسلم لليهودي.

قال في " المغني ": وروي أجازة وصية المسلم للذمي عن شريح والشعبي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأى ولا نعلم عن غيرهم خلافهم. انتهى.

قال في " الأنصاف " بعد أن ذكر أنه تصح وصية المسلم للذمي: بلا نزاع.

وكذا الحربي

(1)

. نص عليه. والمرتد على الصحيح من المذهب. انتهى.

وفي المرتد وجه: لا تصح الوصية له بناء على زوال ملكه بردته. ذكره ابن

رجب في الفائدة السادسة عشر.

قال في " الأنصاف ": وصحح الحارثي عدم البناء. انتهى.

وقال ابن أبي موسى: لا تصح لمرتد لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث. وفي الحربي أيضاً وجه: أو لا تصح الوصية له. ذكره في " الرعاية ". وفصل الحارثي فقال: والصحيح من القول أو إذا لم يتصف بالقتال والمظاهرة

(2)

صحت، وإلا لم

(3)

تصح. نقله عنه في " الأنصاف ".

وقد استدل أبو حنيفة على عدم صحة الوصية للحربي

بقوله تعالى:

لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ....... ) إلى قوله: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ

) الآية [الممتحنة: 8 - 9].

وأجاب عن ذلك في " المغني " بأن الأية حجة لنا فيمن لم يقاتل. فاً ما المقاتل فإنما نهى عن توليه لا عن بره والوصية له

(4)

. وإن احتج بالمفهوم فهو لآ يراه حجة. ثم قد حصل الإجماع على جواز الهبة للحربي. والوصية في معناه. انتهى جوابه في " المغني ".

(1)

في أ: لحربي.

(2)

في أ: والمظاهر.

(3)

في ج: فلا.

(4)

في أ: لا عن برده والوصية.

ص: 402

قال في " المبدع ": ويستثنى من الوصية لكافر ما إذا أوصى له بمصحف أو

عبد مسلم أو سلاح أو حد قذف فإنها لا تصح

(1)

انتهى.

واما إذا وصى لكافر بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي: بطلت الوصيه.

وإن أسلم بعد الموت وقبل القبول: بطلت أيضاً على الصحيح من المذهب

من كون الملك لا يثبت إلا بالقبول، لأنه لا يجوز أن يبتدئ الكافر ملكاً على مسلم. والله أعلم.

(و) تصح وصية الإنسان (لمكاتبه ومكاتب وارثه) ما تصح لمكاتب (اجنبي) من الموصي، لأن مكاتب الإنسان معه في المعاملات كالأجنبي. فكذا في الوصية. ولا فرق في ذلك بين أن يوصي له بجزء مشاع من ماله

(2)

" كثلثه وربعه. أو بشيء

(3)

معين، كالثوب والفرس، لأن الورثة لا يستحقون المكاتب بموت مورثهم ولا يملكون ماله.

(و) تصح وصية الإنسان أيضاً (لأم ولده)، لأنها حرة عند لزوم الوصية.

و (كو صيته أن ثلث قريته) أو ربعها أو نحو ذلك (وقف عليها ما دامت على ولدها). نقله المروذي واقتصر عليه في " الفروع ". أى ما دامت حاضنة لولدها منه.

(وإن شُرط) في وصيته (عدم تزويجها ففعلت) أى فوافقت على ذلك (وأخذت الو صية ثم تزوجت: ردت ما أخذت)، لبطلان الوصيه بفوات شرطها.

قال في " الأنصاف ": قدمه ابن رزين في " شرحه " بعد قول الخرقي

(4)

وإذا أوصى لعبده بجزء من ماله.

(1)

في أو ب: فإنه لا يصح.

(2)

في أ: مال.

(3)

في ج: نسي.

(4)

في أ: الحربي.

ص: 403

قال في " بدائع الفوائد ": قبل آخره

(1)

بقريب من كُرأسِّين: قال في رواية

أبي الحارث: ولو دفع إليها مالا- يعني إلى زوجته

(2)

على أن لا تتزوج بعد موته فتزوجت ترد الما ل إلى ورثته.

قال في " الفروع " في باب الشروط في النكاح: وإن أعطته مالاً على أن

لا يتزوج عليها: رده إذا تزوج. ولو دفع إليها مالاً على أن لا تتزوج بعد موته فتز وجت: ردته

(3)

إلى ورثته. نقله أبو الحارث. أنتهى.

فقياس

(4)

هذا النص أن أم ولده ترد ما أخذت من الوصسية إذا تزوجت فتبطل الوصية بردها. وهو ظاهر ما اختاره الحارتي.

وقيل: لا تبطل كوصيته

(5)

بعتق أمته

(6)

على أن لا تتزوج فمات فقالت:

لا الزوج: عتقت.

فإذا تزوجت لم يبطل عتقها ولا واحداً عند الأكثر.

وقال الحارثي: ويحتمل الرد إلى الرق وهو الأظهر ونصره واطلقهما في

" الفروع " و" المغني " و" الشرح" و"" الرعاية الكبرى " والحارثى

(7)

انتهى كلامه في " الأنصاف ".

والفرق بين رالوصية والعتق أن العتق لا يمكن رفعه بخلاف الوصية.

(و) تصح وصية الإنسان أيضاً (لمدبره)؛ لأنه يصير حراً عند لزوم الوصية. فصحت الوصية له؛ كأم الولد.

(فإن ضاق ثلثه) أى ثلث المخلف (عنه) أى عن نفس المدبر (وعن

(1)

في أ: أخذه.

(2)

في ج: لز وجته.

(3)

في أ: ترد المال.

(4)

في أ: قياس

(5)

في أ: لوصية.

(6)

في ج: أمة.

(7)

ساقط من أ.

ص: 404

وصيته) أى لوصية له (بُدئ) بالبناء للمفعول من الثلث (بعتقه) أى قدم عتقه

(1)

على الوصية له؛ لأن عتقه أنفع له من الوصية.

وقال القاضي: يعتى بعضه ويملك من الوصية بقدر ما

(2)

عتق منه.

ورد: بأنها وصية صحيحه لعبده. فيقدم عتقه على ما

(3)

يحصل له من المال؛ كما لو وصى لعبده القن بمشاع من ماله.

(و) تصح وصية الإنسان

(4)

(قنه) أى لرقيقه الذي ليس بمدبر ولا مكاتب

ولا أم ولد سواء كان ذكراً أو أنثى (بمشاع) من ماله (كلثلثه) وربعه ونحوهما. (و) تصح وصيته

(5)

لقنه أيضا (بنفسه ورقبته) بأن يقول لقنه: أو صيت لك بنفسك أو برقبتك كما لو وصى له بعتقه.

(ويعتق) كله (بقبوله أن خرج) له (من ثلثه)؛ لأنه وصية لعبده بسدس

(6)

ماله مشاعاً أونحو ذلك لدخل فيه نفس العبد فيملك الجزء الموصى به من نفسه بقبوله. فيعتق منه بقدره لتعذر ملكه لنفسه. ثم يسري العتق إلى

(7)

بقيته أن حمله الثلث كما لو أعتق بعض عبده بل أو لى.

(وإلا) أى وإن لم يكن يخرج من الثلث إلا بعضه (فـ) يعتق منه (بقدره)

أى بقد ر ما يخرج من الثلث؛ لأن الوصي في الزائد على الثلث لا تنفذ إلا بأجازة

(8)

الورثه ولم توجد. فلو ك أنت الوصية لقنه

(9)

بثلث المال وقيمته مائة وله سواه خمسون عتق منه لصفه.

(1)

في أ: عتق.

(2)

في أ: بعد وما.

(3)

في أ: أن.

(4)

في ج: إنسان.

(5)

في أ: وصية.

(6)

في أ: لسدس

(7)

في ج: على.

(8)

في أ: لمجازة.

(9)

في ج: بقنه.

ص: 405

(وإن كانت) الوصية (به) أى بالثلث (وفضل شيء) من الثلث بعد عتقه: (أخذه) المو صى له " كما لو كانت قيمته مائة وله سواه خمسمائة فإنه يعتق ويأخذ مائة " لأن ما يأخذه تمام الثلث المو صى له به.

وإن أوصى له بربع المال وقيمته مائة وله سواه ثمانمائة: عتق وأعطي مائة وخمسة وعشرين تمام الربع.

وفي " المحرر ": ويتخرج أن يعطى مائتين

(1)

تكميلاً لعتقه بالسراية من تتمة الثلث. انتهى.

قال شارحه: لأنه قد أوصى

(2)

له بربع نفسه فعتق بالوصية. ويسري الباقي

على المعتق من بقية ثلثه. فقد عتق منه بالوصية خمسة وعشرون وله تمام الربع مائتأن. ولا اعتراض للورثة فيه لخروجه من الثلث لأن عتقه جميعه ووصيته ثلث المال وهو ثلاثمائة

(3)

، ويبقى لهم ستمائة وهي ثلثاه

(4)

انتهى.

وإن كانت الوصية لقنه بجزء منه كثلثه وربعه وخرج كله من الثلث: عتق ما

وصى له به من نفسه.

وفي بقيته روايتان.

ولا تصح الوصية لقن نفسه (لا بمعين) لا يدخل فيه الموصى له، كالثوب والدار والفرس وقن سواه ومائة من ماله " لأنه إذا لم يدخل منه شيء فيما وصى له به: لم يعتق منه شيء.

وإذا لم يعتق منه شيء فإنه يؤول إلى الورثة، ويكون

(5)

ما وصى له به لهم. فيصير كان الميت وصى لورثته بما يرثونه

(6)

. فتلغو الوصية لعدم فائدة تترتب عليها.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: لأنه أوصى.

(3)

في أ: ثلاث ثلاثمائة.

(4)

في ج: ثلثان.

(5)

في أ: يكون.

(6)

في ج: ما يرثون.

ص: 406

قال في " الأنصاف ": وإن وصى له بمعين أو بمائة لم يصح هذا المذهب.

قا له في " الفروع " وغيره. وصححه المصنف والشارح وغيرهما.

قال الزركشي: هذا المشهور من الروايات.

قال ابن رجب: أشهر الروايتين عدم الصحة. جزم به في " الوجيز " وغيره. أنتهى.

وعنه: تصح كالمشاع.

قال في الفوائد الملتحقة بـ " القواعد ": ومنهم من حمل الصحة على أن الوصية بقدر المعين أو المقدر من التركة لا بعينه فتعود إلى الجزء المشاع. قال

(1)

: وهو بعيد جداً. انتهى.

وعليها ما ذكره في " الكافي " أو يشتري العبد من الوصية فيعتق وما بقي فهو

له.

قال الزركشي: محافظة على تصحيح كلام المكلف ما أمكن. إذ تيم الوصية يستلزم ذلك. وبنى الشيرازي الخلاف على تمليكه. ثم قال: وعلى

(2)

رواية الصحة تدفع المائة إليه. فإن باعه الورثه بعد ذلك فالمائة لهم.

قال في " الرعاية ": أن لم يشترطها المبتاع.

وعنه: تصح ويعطى ثلث المعين أن خرج معه من الثلث.

وعنه: منعها لقِنِّ زمنها. ذكره ابن عقيل.

(ولا) تصح وصية الإنسان (لقن) إنسان (غيره)؛ لأنه لا يملك على المذهب.

قال في " التنقيح ": وتصح لعبد غيره أن قلنا يملك، وإلا فلا. انتهى.

وهذا مخالف لكلامه في " الأنصاف " وعبارته قوله: وتصح لعبد غيره.

(1)

ساقط من ب.

(2)

في أ: قالوا على.

ص: 407

هذا المذهب وعليه الأصحاب. تم قال

(1)

: ظاهر كلام المصنف صحة الوصية له سواء قلنا يملك أو لا يملك. وصرح به

(2)

ابن الزاغونى في " الواضح ". وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. والذي قدمه في " الفروع ": أنها لا تصح إلا إذا قلنا يملك. انتهى.

ووجه عدم الصحة: أو إذا لم يملك لم يصح تمليكه. أشبه ما لو وصى لحجر أو بهيمة.

والمذهب ما في " التنقيح " لقوله في خطبته: فإذا وجدت في هذا الكتاب

لفظاً أو حكماً مخالفاً لأصله أوغيره فاعتمده فإنه وضع عن تحرير.

وعلى القول بصحة الوصية وإن لم يملك فإنها تكون لسيده بقبول القن.

قال في " المغني ": ولا يفتقر في القبول إلى إذن السيد؛ لأنه كسب. فصح من غير إذن سيده؛ كالاحتطاب. انتهى.

وعلى هذا أيضاً يستثنى منه قن الوارث؛ لأن الوصية له وصية للوارث

(3)

. ويستثنى منه أيضاً: أن لا يقتل

(4)

سيده الموصي بعد الوصية فإنها حينئذ تكون وصية

(5)

لقاتله.

(ولا) تصح الوصية (لحمل) مشكوك في وجوده حينها. بدليل قوله:

(إلا إذا عُلم وجوده حينها) وذلك (بأن تضعه) أمه (حيّاً لأقل من أربع سنين) من حين الوصية (أن لم تكن) الأم (فراشاً) لزوج أو سيد. (أو) لأقل (من ستة أشهر) سواء كانت فراشاً أو لم تكن (من حينها) أى الوصية.

(وكذا) الحكم (لو وُصي به) أى بالحمل؛ كما لو قال: أو صيت بما فى

(1)

في أ: قاله.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ج: لوارث.

(4)

في أوج: يقبل.

(5)

في ج: وصيته.

ص: 408

بطن هذه الأمة أو هذه الفرس ونحو ذلك: فإنها لا تصح إلا إذا علم وجوده حين الوصية.

قال ابن رجب في القاعدة الرابعة والثمانين

(1)

: الحمل هل له حكم قبل أنفصاله أم لا؟ حكى القاضي وابن عقيل وغيرهما في المسألة روايين. قالوا: والصحيح من المذهب أن له حكماً. وهذا الكلام على إطلاقه قد

(2)

يستشكل. فإن الحمل قد يتعلق به أحكام كثيرة ثابتة بالالفاق؛ مثل عزل الميراث له، وصحة الوصية له، ووجوب الغرة بقتله، وتأخير إقامة الحد والممتيفاء القصا ص من أمه حتى تضعه، وإباحة الفطر لها إذا خشيت

(3)

عليه، ووجوب النفقة لها

(4)

إذا كانت بائنا، وإباحة طلاقها وإن كانت موطوءة في ذلك الطهو قبل ظهوره

إلى غير ذلك من الأحكام. ولم يريدوا إدخال [مثلٍ] هذه الأحكام في محل الروايتين. وفصل القول في ذلك أن الأحكام المتعلقة بالحمل نوعان: أحدهما: [ما] يتعلق بسبب الحمل بغيره

(5)

فهذا ثابت بالاتفاق؛ لأن الأحكام الشرعية تتعلق على الأسباب الظاهرة. فإذا ظهرت أمارات الحمل كان وجوده هو الظاهر. فيترتب عليه أحكامه في الظاهر. ثم أن خرج حيا تبينا ثبوت تلك الأحكام في الباطن، وإن بأن أو لم يكن حيّاً أو خرج ميتاً تبينا فساد ما يتعلق من الأحكام به، أو بححاته كإرثه ووصيته. [اهـ].

ثم لما فصَّل الأحكام قال: ومنها ئبوت الملك له بالوصية. وفيه الخلاف السابق في التوريث. واختار القاضي: أن الوصية له تعليق على خروجه حياً، والوصية قابلة للتعليق. بخلاف الهبة.

وابن عقيل تارة وافق شيخه، وتارة خالفه وحكَم بثبوت الملك من حين

(1)

ص (178)، وما بين الحاصرتين من " القواعد ".

(2)

في أ: ودد.

(3)

في أ: خشت.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في ج: لغيره.

ص: 409

موت الموصي وقبول الولي

(1)

له. وصرح به أبو المعالي التنوخي وباً نه ينعقد الحول عليه من حين الحكم بالملك إذا كان مالا زكويا. وكذلك في المملوك بالإرث. وحكى وجها اخر أو: لا يجري

(2)

في حول الزكاة حتى توضع، للتردد

(3)

في كونه حياً مالكاً. فهو كالمكاتب. ولا يعرف هذا التفرييع في المذهب. انتهى كلام ابن رجب.

قال في " المغني ": وأما الوصية للحمل فصحيحة أيضاً لا نعلم فيه خلافاً وبذلك قال الثوري والشافعى وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأى. وذلك لأن الوصية جرت مجرى الميراث من حيمث كونها أنتقال المال من الإنسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه.

وقد سمى الله تعالى الميرات وصية بقوله سبحأو وتعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ)[النساء: 11]، وقال تعالى:(فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)[النساء: 12].

والحمل يرث فتصح الوصية له.

ولأن الوصية أوسع من الميراث. فإنها تصح للمخالف في الدين والعبد. بخلاف الميراث. فإذا ورث الحمل فالوصية له أو لى.

ولأن الوصية تتعلق بخطر وغرر. فتصح للحمل " كالعتق.

فإذا أنفصل الحمل ميتاً: بطلت الوصية، لأنه لا يرث.

ولأنه يحتمل أن لا يكون حيا حين الوصية فلا تثبت له الوصية والميراث بالشك. وسواء مات بعارض من ضرب البطن أو شرب دواء أو غيره " لما بينا من أنه لا يرث.

)

(1)

في ج: المو لى.

(2)

في أوب: يجزئ.

(3)

في ج: لتر د د.

ص: 410

وإن وضعته حياً صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال الوصية.

ثم قال بعد ذلك بأسطر: وإن وصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها: صحت الوصية له مع اشتراط إلحاقه به.

وإن كان منفياً باللعان أو دعوى الاستبراء: لم تصح الوصية له؛ لعدم نسبه المشروط في الوصية.

فأما أن كانت المرأة فراشاً لزوج أو سيد

(1)

إلا أن لا يطؤها لكونه غائباً في بلد بعيد أو مريضاً مرضاً يمنع الوطء أو كان أسيراً أومحبوساً أوعلم الورثة أو لم يطاً ها أو أقرار بذلك: فإن أصحابنا لم يفرقوا بين هذه الصور

(2)

وبين ما إذا كان يطؤها؛ لأنه ما لم يفترقا في لحوق النسب للزوج والسيد. فكانت في حكم من يطؤها. انتهى.

وعلم مما تقدم: أو لو وصى لمن تحمل هذه المرأة: لم يصح؛ لأن الوصية تمليك. فلا تصح للمعدوم. وهذا المذهب.

قال في " الأنصاف ": وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في " الوجيز " وغيره وقدمه

(3)

في " الفر وع " وغيره.

وقيل: تصح. انتهى.

(و) أن قال إنسان لامرأة وهو يريد الوصية لحملها: (أن كان في بطنك ذكر فله كذا) أى فله مثلاً

(4)

ثلاثون درهما، (وإن كان) في بطنك (أنثى فكذا) أى فلها مثلاً عشرون درهما. (فكان) أى فتبين أو قد كان في بطنها ذكر وإنثى بولادتها إياه ما

(5)

(فلهما ما شرط) وهو على ما مثلنا خمسون درهماً.

(1)

في أ: لسيد.

(2)

في ج: الصوره.

(3)

في أ: وقدم.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في ج: أيا ها.

ص: 411

(ولو كان قال) لها: (أن كان ما في بطنك) ذكراً فله كذا، وإن كان ما في بطنك أنثى فلها كذا. فكان ما في بطنها ذكراً وإنثى:(فلا) شيء لهما؛ لأن أحدهما بعض حملها لا كله. ذكره في " الفروع ".

قال في " المغني ": وإذا أوصى

(1)

لحمل امرأة فولدت ذكرا وأتتى: فالوصية لهما بالسوية؛ لأن ذلك عطية وهبة. فاً شبه ما لو وهبهما شيئاً بعد ولا د تهما.

وإن فاضل بينهما فهو على ما قال كالوقف

(2)

.

وإن قال: أن كان [في بطنها]

(3)

غلام فله ديناران، وإن كان فيه جارية فلها دينار. فولد غلاماً وجارية: فلكل وأحد منهما ما وصى له به؛ لأن الشرط وجد فيه وإن ولدت احدهما منفرداً فله وصيته.

ولو قال: أن كا ن حملها أو أن كان ما في بطنها غلام فله ديناران، وإن كانت جارية فلها

(4)

دينار. فولد ت أحدهما منفرداً: فله وصيته،

وإن ولدت غلاماً وجاريه: فلا شميء لهما؛ لأن أحدهما ليس هو جميع الحمل ولا كل ما في البطن. وبهذا قال أصحاب الرأى وأصحاب الشافعي وابو ثور. انتهى.

وإن تبين في المسألة الأولى من مساًلتي المتن أو قد

(5)

كان في بطنها خنثى:

كان له ما للأنثى حتى يتبين أمره. ذكره في " الكافي " واقتصر عليه في

"الأنصاف ".

(وطفلٌ: مَن لم يميَّز). يعني أو لو وصى بشيء للأطفال من بني فلان أو نحو ذلك: كان لمن لم يميز منهم.

(1)

في أ: وصى.

(2)

في أ: كما لو وقف.

(3)

ساقط من أ

(4)

في ج: وإن كان فيه جارية فله. من أ.

(5)

ساقط من أ

ص: 412

قال في " البدر المنير ": الطفل الولد الصغير من الانسان والدواب.

قال بعضهم: ويبقى هذا الاسم للولد حتى يميّز. ثم لا يقال له بعد ذلك

طفل

(1)

. بل صبي وحزور ويافع ومراهق وبالغ. انتهى.

(وصبي وغلام ويافع ويتيم: مَن لم يبلغ). يعني أن هذه

(2)

الأ سماء تطلق

على الولد حين ولادته إلى حين بلوغه. بخلاف الطفل فإنه يطلق عليه إلى حين تمييَّزه فقط. فهذه الأسماء أعم من لفظ الطفل.

قال الكرما ني في " شرح البخاري ": الغلام اسم يمع على الصبي من وقت ولادته على اختلاف حالاته إلى أن يبلغ. انتهى.

وقال ابن حجر في " شرح البخاري " في باب وضوء الصبيان لما قال في الحديب: " علموا الصبي الصلاة علن سبع "

(3)

: يؤخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبياً إلا إذا كان رضيعاً ثم يمال له كلام إلى أن يصير ابن تسع سنين، ثم يصير يافعاً إلى عشر. ويوافق الحديث قول الجوهري: الصبي الغلام. انتهى.

(ولا يشمل يتيم

(4)

ولد زنا)؛ لأن اليتيم من فقد أباه بعد أن كان. وهذا لم

يكن له أب.

(ومراهقٌ: من قاربه) أى قارب البلوع.

قال في " القاموس ": ورا هق الغلام قارب الحلم. انتهى.

(وشابٌ وقتى: منه) أى من البلوغ (إلى الثلاثين) سنة.

(وكهلٌ منها) أى من الثلاثين (إلى خمسين) سنة.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: هذا،

(3)

أخرجه إلترمذي في " جامعه (407) 2: 59 2 كتاب الصلاة. ياب ما جاء متى يؤمرالصبى بالصلاه*

وأخرجه أحمد فى " مسنده "(1668)2.: 180

(4)

فى ج اليتيم.

ص: 413

قال في " القاموس ": الكهل من وَخَطَهُ الشيب ورأيت له بَجَالة. أو من

جا وز الثلاثين أوأربعاً وثلاثين إلى إحدى

(1)

وخمسين. انتهى.

والبجالة: مصدر بجل كعظم.

(وشيخ منها) أى من الخمسين (إلى سبعين) سنة.

(ثم) من جاوز ذلك (هرم) إلى اخر عمره.

فمن

(2)

وصى بشيء لهم من بني فلان لم يتناول من سنه دون السبعين.

وهكذا الحكم فيما لو أوصى لشبابهم وكهولهم أوشيوخهم فإن الوصية لا

(3)

تتناول من هو دون ذلك. ولا من هو أعلا.

(وإن) وصى إنسان لاخر بشيء ثم (قَتَلَ وصيٌ موصياً) ولو خطأ: (بطلت) الوصية؛ لأن القتل ولو خطأ يمنع الميراث الذي هو آكد منها فيمنع الوصية بطريق أو لى

(4)

.

قال في القاعدة الثانية بعد المائة: ومنها قتل الموصى له الموصي فإنه يُبطل الوصية رواية واحدة على أصح الطريقين. انتهى.

(لا أن جرحه) أى لا أن جرج إنسان إنساناً (ثم أوصى) المجروح (له) أى لجارحه بشيء (فمات) المجروح بعد ذلك (من الجرج): فإن الوصية لاتبطل؛ لأنها بعد الجرج صدرت من أهلها

(5)

في محلها ولم يطرأ عليها ما يبطلها.

وما في المتن هو أصح الطريقين اللتين

(6)

أشار إليهما ابن رجب. والطريق الأخرى أن في المسألتين روايتين.

(1)

في: أحد.

(2)

في ج: ومن.

(3)

في ج: لم.

(4)

في ج: الأولى.

(5)

في أ: أجلها.

(6)

في أ: للتبين

ص: 414

قال في " الفروع ": بعد أن ذكر المسألتين وقال جماعة فيهما روايتان

(1)

.

قال في " المغني ": واختلف اصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أو جه:

فقال ابن حامد: تجوز الوصية له. واحتج بقول أحمد: فيمن جرج رجلاً خطاً فعفا المجروح فقال أحمد: تعتبر من ثلثه. قال: وهذه وصية لقاتل. وهذا قول مالك وأبي ثور

(2)

وابن المنذر وأظهر قولي الشافعي؛ لأن الهبة له تصح. فصحت الوصية؛ كالذمي.

وقال

(3)

أبو بكر: لا تصح الوصية له. فإن أحمد قد نص على أن المدبر إذا

قتل سيده بطل تدبيره. والتدبير وصية. وهذا قول الثوري وأصحاب الرأى؛ لأن القتل يمنع الميراث الذي هو اكد من الوصية. فالوصية أو لى.

ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه.

وقال أبو الخطاب: أن وصى له بعد جرحه صح، وإن وصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية: أبطلها

(4)

جمعا بين نصي أحمد في الموضعين. وهو قول الحسن بن صالح. وهذا قول حسن؛ لأن الوصية بعد الجرج صدرت من أهلها في محلها، ولم يطرأ عليها ما يبطلها. بخلاف ما إذا تقدمت. فإن القتل طرأ عليها. فأبطلها؛. لأنه يبطل ما هو اكد منها. يحققه

(5)

أن القتل إنما منع الميراث

(6)

لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي أنعقد سببه. فعورض بنقيض قصده. وهو يمنع الميراث دفعا لمفسدة قتل المورثين. ولذلك بطل التدبير بالقتل الطارئ عليه أيضاً. وهذا المعنى متحقق في القتل الطارئ على الوصية فإنه ربما استعجلها بقتله. وفارق القتل قبل الوصية فإنه

(7)

لم يقصد به استعجال

(1)

في ج: روايتين.

(2)

في ج: وأبو ثور.

(3)

في أ: قال.

(4)

في ج: بطلها.

(5)

في أ: بحقيقة.

(6)

في أ: الوارث.

(7)

في ج: فإن.

ص: 415

مال لعدم أنعقاد سببه، والموصي راض بالوصية له بعد صدور ما صدر منه في حقه.

ولا فرق بين الخطأ والعمد في هذا كله. كما لا يفترق الحال بذلك

(1)

في الميراث. وعلى هذا من دبر عبده بعد جرحه إياه صح تدبيره. انتهى.

ولما كان التدبير كحكم الوصية قلت: (وكذا فعل مدبر بسيده). يعني أنه

إذا قتل سيده بعد صدور التدبير [بطل. وإن جرح سيده ثم دبره ومات من الجرج: لم يبطل التدبير.

قال في " الفروع ": ومثلها التدبير]

(2)

. فإن

(3)

جعل عتقاً بصفة فوجهان. انتهى.

(وتصح) الوصية (لصنف) وآحد (من أصناف الزكاة) كالغارمين. (ولجميعها)؛ لأنهم يملكون. بدليل الزكاة والوقف.

(ويعطى كل واحد) من الموصى لهم من الوصية (قدر ما يعطى من زكاة)؛ لأن المطلق من كلام الادميين يحمل على المقيد من كلام الشارع.

قال في " المحرر ": وإذا وصى بثلثه لصنف من أهل الزكاة قسم فيهم

(4)

كقسمتها.

قال شارحه: من أنه لا يجب التعميم ولا التسوية على ما سبق في الزكاة.

قال فى " الأنصاف ": وحكم إعطائهم هنا كالزكاة. وصرح بذلك المصنف

في " المغني " والشارح وصاحب " الحاوى الصغير ". وقالوا: ينبغي أن يعطى لكل صنف ثمن الوصية كما لو أوصى لثمان قبائل. وفرقوا بين هذا وبين الزكاة حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد: أن آية الزكاة أريد فيها بيان من يجوز الدفع إليه، والوصية أريد بها بيأن من يجب الدفع إليه.

(1)

في ج: في ذلك.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: وكان.

(4)

في ب: فيها. وفي ج: بينهم.

ص: 416

قال في " الرعاية الكبرى ": وإن وصى لأصناف الزكاة الثمانية فلكل صنف الثمن. ويكفي من كل صنف ثلاثة.

وقيل: بل

(1)

وا حد.

ويستحب إعطاء من أمكن منهم بقدر الحاجة وتقديم اقارب الموصي.

ولا يعطى إلا مستحق من أهل بلده.

قال الحارثي: وظاهر كلام الأصحاب جواز الاقتصار على البعض

(2)

كالزكاة. والأقوى أن لكل صنف ثمنا. قال: والمذهب جواز الاقتصارعلى الشخص الواحد من الصنف. وعند أبي الخطاب: لا بد من ثلاثة. لكن لا تجب التسوية. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

(وتصح) الوصية (لكَتْب قرآن وعِلْم)، وتصرف في ذلك، لأنه مطلوب شرعاً. فصح صرف المال فيه؛ كالصدقة.

وتصح أيضاً بمصحف ليُقرأ فيه ويوضع بجامع أو موضع حريز. نص عليه.

ذكره في " الفر وع ".

(و) تصح الوصية أيضاً المسجد) كما لو وقف عليه (وتصرف في مصلحته) عملاً بالعرف؛ لأن الوصية له أمر بصرف المال في مصلحته. ويصرفه الناظر

(3)

إلى الأهم والأصلح باجتهاده. فلو قال: أن مت فبيتي

(4)

للمسجد أو فأعطوه مائة من مالي.

قا ل في " الفروع ": توجه صحته.

(و) تصح الوصية أيضاً (لفرس حبيس ينفق عليه)، لأنه من أنواع الخير.

(1)

في ج: بلى.

(2)

في أ: كالبعض.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: فثلثي.

ص: 417

فصح صرف

(1)

المال فيه؛ كبقية الأنواع.

(فإن مات) الفرس الموصى له قبل صرف شيء من الموصى به

(2)

أو بعد صرف بعضه: (رُدَّ) بالبناء للمفعول (موصى به أو باقيه للورثة). لا لفرس حبيس آخر في المنصو ص؛ كما لو وصىّ بشيء لإنسان فرده.

ولأنه لما بطل محل الوصية وجب الرد إلى الورثة.

(كوصيته) أى المورث (بعتق عبد زيد. فتعذر) ذلك بأن مات العبد أو نحوه. (أو) كوصيته (بشراء عبد بألف ليعتق عنه، أو) بشراء (عبد زَيد بها) أى بالدراهم

(3)

المقدرة بدون الألف. (فاشتروه) أى اشترى الورثة عبد زيد، (أو) اشتروا (عبداً يساويها) أى العبد الموصى بشرائه بها (بدونها). فإن الفاضل يكون للورثة؛ فإنه لا مستحق

(4)

له غيرهم.

ولو أراد الموصي تمليك المسجد أو الفرس: لم تصح الوصية. قاله

(5)

في "المبدع ".

(وإن وصى) إنسان بشيء (في أبواب البر: صُرف في القُرب) جمع قربة بضم القاف.

قال في " الأنصاف ": هذا

(6)

المذهب. انتهى.

فيشمل جميع القرب؛ لأن اللفظ للعموم. فيجب الحمل عليه. ويمتنع التخصيص بدون مخصص.

(ويُبدأ) منها (بالغزو). نص عليه في رواية حرب وهو قول أبي الدرداء؛

لأنه أفضل القرب.

(1)

في أ: تصرف.

(2)

فى أ: شئ عن الموصى له.

(3)

في أ: الدراهم.

(4)

في أ: لأنه لا يستحق.

(5)

في ج: قال.

(6)

في ج: وهذ ا.

ص: 418

قال في " المغني ": ونقل المروذي عن أحمد: فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر: يجزأ ثلاثة أجزاء: جزءاً في الجهاد، وجزءاً يتصدق به في قرابته، وجزءاً في الحج.

وقال في رواية أبي داود: الغزو يُبدأ به.

وحكي عنه أنه جعل جزءاً في فداء الأسرى.

وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد. بل يجوز صرفه في جهات البر كلها، لأن اللفظ للعموم. فيجب حمله على عمومه. ولا يجوز

(1)

تخصيص العموم بغير دليل. وربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق. وقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت وإصلاح طريق وفك اسير وإعتاق رقبة وقضاء دين وإغاثة

(2)

ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من

(3)

يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجباً، وتعباً كان الله قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله تعالى. فتقديم هذا على ما

(4)

مصلحته ظا هرة والحاجة إليه داعية [بغير دليل]

(5)

تحكم لا معنى له.

(ولو قال) الموصي لمن جعل له صرف ثلثه: (ضع ثلثي حيث أراك الله)، أو حيث يريك الله تعالى:(فله صرفه في أى جهة من جهات القُرَب) أى وضعه

(6)

فيها عملا بمقتضى وصيته.

وقال القاضي: أو يجب صرفه

(7)

للفقراء والمساكين.

(و) على القولين (الأفضل صرفه إلى فقراء أقاربه)؛ لأن صرفه فيهم صدقة وصلة.

نقل أبو داود عن أحمد أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين، وله أقارب محاويج لم يو صلهم بشيء ولم يرثوا: فإنه يبدأ بهم فإنهم أحق. قال: وسئل عن النصرانى يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين أعطى إخوته وهم فقراء؟ قال: نعم هم أحق يعطون خمسين درهما. لا يزادون على ذلك.

قال في " المغني ": يعني لا يزاد كل وأحد منهم على ذلك " لأنه القدر الذي يحصل به الغنى. انتهى.

فإن لم يكن للموصي أقارب من النسب: (فـ) إلى (محارمه) كاً مه وأبيه وأخيه (من الرضاع). فإن لم يكن له محارم من الرضاع (فـ) إلى (جيرانه). ولا يجب ذلك خلافا لبعض العلماء " لأنه جعل ذلك إلى ما يراه فلا يجوز تقييده بالتحكم.

(وإن وصى) إنسان (أن يُحج عنه بألف: صُرف) الألف (من الثلث أن كان) الحج (تطوعاً في حجة بعد أخرى) لمن يحج

(1)

في ج: يجب.

(2)

في أ: اعانة.

(3)

في ج: ما لم.

(4)

ساقط من أ.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أ: وصفه.

(7)

في أ: أن صرفه.

ص: 419

عن الموصي (راكباً أو راجلاً، يدفع إلى كل) من الراكب والراجل (قدر ما يحج به) فقط. فلا يدفع إليه أكثر من نفقة المثل " لأنه أطلق التصرف في المعاوضة. فاقتضى ذلك عوض المثل " كالتوكيل في البيع والشراء. (حتى ينفد) القدر الموصى به في الحج، لأنه وصى بجميعه في جهة قربة. فوجب صرفه فيها " كما لو وصى به في سبيل الله تعالى. قال في " الأنصاف ": وهذا المذهب. ثم قال:

وعنه: يصرف في حجة لا غير. والباقي إرث

(1)

.

ونقل ابن إبراهيم: بعد الحجة الأولى: يُصرف في الحج، أو في

(2)

سبيل الله.

وقال في " الفصول ": من وصى أن يُحج عنه بكذا لم يستحق ما عين زائداً على النفقة " لأنه بمثابة جعالة. واختاره. ولا يجوز في الحج. واختار

(1)

في ج: وا رث.

(2)

في ج: وفي.

ص: 420

أبو محمد الجوزي: أنه أوصى

(1)

بألف يحج بها: يصرف في كل حجة قدر نفقته حتى ينفد. ولو قال: حجوا عني بألف فما فضل للورثة. انتهى.

وعلى المذهب (فلو لم يكف الألف، أو) لم تكف (البقية) منه إذا صرف

منه حجة أو أكثر وبقي

(2)

شيء أن يحج به من بلد الموصي: (حُجَّ) بالبناء للمفعول (به) أى بالألف أو الباقي

(3)

(من حيثُ يَبْلُغ).

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب. نص عليه. انتهى.

قال في " المغني ": في ظاهر منصوص أحمد

(4)

. فإنه قال في رواية

حنبل: في رجل أوصى "أن يحج عنه ولا تبلغ النفقة. فقال: يحج عنه من حيث لبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته. وهذا قول العنبري.

وقال القاضي: يعان به في الحج. وهو قول سوار القاضي. حكاه عنه العنبري. وعن أحمد أو مخير في ذلك. انتهى.

قال في " الأنصاف ": وعنه: يخير فإدن " تعذر فهو إرث

(5)

. قاله في

" الرعا ية " وغيره.

قال الحارثي: وفيه وجه ببطلان الوصية إذا لم يكف الحج. انتهى.

ووجه المذهب: أن المو صى قد عين صرف ذلد في الحج. فصرف فيه

بقدر الإمكان.

(ولا يصح حج وصي بإخراجها) أى إخراج نفقة الحج.

قال في " الأنصاف ": لا يصح أن يحج وصي بإخراجها. نص عليه الإمام

أحمد في رواية أبي داود وابي الحارث وجعفر الشيبانى وحرب. قال: لأنه منفذ. فهو كقوله: تصدق به عني. لا يأخذه منه. انتهى.

(1)

في ج: أوصى.

(2)

في ج: ويبقى.

(3)

في أ: والباقي.

(4)

في ج: في ظاهر نصوص. واسقاط: أحمد.

(5)

في أ: وارث.

ص: 421

قال ابن رجب في القاعدة السبعين: ومنها الموصى إليه بإخراج مال لمن يحج أو يغزو: ليس له أن يأخذه ويحج به ويغزو به. نص عليه أحمد في رواية أبي داود وقال: هو متعد

(1)

لأنه لم ياً مره. وهذا تصريح بأن مأخذ المنع عدم تناول اللفظ له

(2)

انتهى.

(ولا) حجِّ (وارث). قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب. ثم قال: واختار جماعة من الأصحاب بلى

(3)

يحج عنه [أن عينه ولم يزد على نفقته. منهم الحارثي.

وفي " الفصول ": أن لم يعينه جاز. انتهى.

وأما أن عين أن يحج عنه]

(4)

الوارث بالنفقة فإنه يصح. ذكره في

" الأنصاف " من جملة الفوائد

(5)

في المسألة.

(وإن قال) يُحج عني (حجة بألف: دفع الكل إلى من يحج) عنه

(6)

.

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.

ووجه ذلك: أو أوصى به في حجة واحدة. فوجب أن يعمل بمقتضى وصيته تنفيذا لها.

ثم أن كانت الحجة الموصى بها تطوعاً فجمييع القدر الموصى به من الثلث،

وإن

(7)

كانت واجبة فالزائد عن نفقة المثل يعتبر من الثلث. وإن لم يف القدر الموصى به من الثلث بالحج الواجب تمم من رأس المال. وفي حج التطوع يحج به من حيث يبلغ.

وقيل: يُخرج من الألف نفقة مثل الحجة. والبقية إرت.

(1)

في أ: المعتد

(2)

في ج: تناو ل اللقطه. وإسقاط له.

(3)

في أ: بل.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في ج: القو اعد.

(6)

في ج: منه

(7)

في ج: والحج.

ص: 422

(فإن عيَّنه) أى عين من يحج بأن قال: يحج عني فلان حجة بألف. (فأبى) فلان: (الحج بطلت) الوصية (في حقه) أى بطل تعيينه، لأنها وصية فيها حق للحج، وحق للموصى له. فإذا رده بطل في حقه دون غيره.

[قال في " الفروع "]

(1)

: فإن

(2)

ابى المعين الحج فقيل: تبطل.

وقيل: في حقه. كقوله: بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه. فلم يقبله.

وكذا لو لم يقدرالموصى

(3)

له بفرس في السبيل على الخروج. نقله

أبو طالب. انتهى.

(ويُحج عنه) أى عن الموصي بمباشرة إنسان ثقة سوى المعين (بأقلّ ما أمكن من نفقته) لمثله. بناء على أن الحج لا يجوز الاستئجار عليه. [فما ينفق النائب على نفسه]

(4)

فيما يحتاج إليه فهو من مال الموصي. حتى إذا تلف المال في الطريق من غير تفريط من النائب كان من مال الموصي ولم يكن

(5)

على النائب إتمام المضي إلى الحج عنه. وهذا إحدى الروايتين.

(أو) من (أُجرة) على الرواية الأخرى.

وجمع بينهما في " الفروع " وتبعته على ذلك.

وعبارته: ويحج غيره بأقل ما يمكن نفقة أو أجرة (والبقية) عن النفقة أو الأجرة

(6)

من المقدر (للورثة).

قال في " الأنصاف ": وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب. انتهى.

ووجه ذلك: أو لما بطل محل الوصية بامتناع المعين من الحج: وجب رد الفاضل إلى الورثة؛ كما لو وصى به لإنسان فرد الوصية.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: أن.

(3)

في أ: الوصي.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في ج: ولا يكون.

(6)

في أ: والأجرة.

ص: 423

ويستوي الحال في ذلك (في) حج (فرض ونفل). إلا أو في الفرض بلا خلاف.

(وإن لم يمتنع) فلان من الحج: (أعطي الألف) لأنه أو صى له بالزيادة على نفقة المثل بشرط أن يحج وقد بذل نفسه للحج فوجب أن تنفذ الوصية عنى ما قال الموصي. (وحُسب الفاضلُ) من الألف (عن نفقة مثل) لتلك

(1)

الحجة (في فرض) من الثلث، لأنه هو القدر المتبرع به. وتكون نفقة المثل من رأس المال لأنها من الواجبات.

(و) حسب (الألف) جميعه إذا كانت الوصية (في نفل من الثلث)، لأنها تطوع بألف بشرط

(2)

الحج عنه.

ولا يعطى إلى أيام الحج. قاله أحمد.

نقل أبوالالباب: أشتري به متاعاً يتجر به؟ قال: لا يجوز. قد خالف. لم

يقل اتجر به. ذكرهما في " الفروع ".

وفيه: ومن أو صى أن يحج عنه بالنفقة صح. واختاره ابو محمد الجوزي. انتهى.

قال في " الأنصاف ": ولو وصى بثلاث حجج إلى ثلاثة في عام واحد صح وأحرم النائب بالفرض أو لا أن كان عليه فرض.

ولو أو صى بثلاث حجج: لم يكن له أن يصرفها إلى ثلاثة يحجون عنه في

عام واحد.

قال في " الرعاية ": قال: ويحتمل أن يصح أن كانت نفلاً.

وقال في " الفروع ": في حكم قضاء الصوم حكى أحمد عن طأو س جواز صيام

(3)

جماعة عنه في يوم واحد، ويجزئ عن عدتهم من الأيام. قال: وهو

(1)

في أ: لذلك.

(2)

في أ: يشرط.

(3)

في أ: صوم.

ص: 424

أظهر. واختاره المجد. قال: فدل ذلك أن من أوصى بثلاث حجج جاز صرفها إلى ثلاثة يحجون عنه في سنة واحدة. وجزم ابن عقيل بأنه لا يجوز؛ لأن نائبه مثله. وذكره في "الرعاية" قولاً ولم يذكر قبله ما يخالفه. ذكره في فصل استنابة المعضوب

من الإحرام وهو قياس ما ذكره القاضي في الصوم. انتهى كلامه في " الفروع ".

قال صاحب " الأنصاف " عن صاحب " الفروع ": ولم يستحضر تلك

الحال ما ذكره في باب الموصى به أو رآه بعد ذلك. وقد اطلق وجهين في صحة ذلك. ثم وجدت الحارثي نقل عن القاضي وابن عقيل والسامري صحة صرف ثلاث حجج في عام واحد. وقال: هو أو لى. انتهى.

ولو وصى إنسان أن يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث ولسعد بثلث ماله

وأجاز الورثة

(1)

: امضيب على ما قال مو ص. وإن لم يفضل عن المائة شيء من الثلث فلا شيء لعمرو؛ لأنه إنما أوصى له بالفضل ولا فضل. وإن رد الورثه قسم الثلث بينهم نصفين: لسعد نصفه

(2)

، ولزيد من باقيه مائة، وما فضل من الثلث فهو لعمرو. وإن

(3)

لم يفضل منه شيء بعد المائة فلا شيء لعمرو؛ لأنه إنما أوصى له بالزيادة، ولا زيادة. ولا يمنع المزاحمة به. ولا يعطى شيئاً؛ كولد الأب مع الأخ من الأبوين في مزاحمة الجد.

قال في " المغني ": ويحتمل أو متى كان في الثلث فضل عن المائة أن يرد

كل وأحد منهم إلى نصف وصيته؛ لأن زيداًُ

(4)

إنما استحق المائة بالإجازة. فمع الرد يجب أن يدخل عليه من النقص بقدر وصيته كسائر الوصايا. وقد ذكرنا نظير هذه المسألة فيما تقدم. فإن امتنيع زيد من الحج وكانت الحجة واجبة استنيب ثقة غيره في الحج بأقل

(5)

ما يمكن وتمام المائه للورثة ولعمرو ما فضل. انتهى.

(1)

في أ: الورثاء.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: أن.

(4)

في أ: زيد.-

(5)

في ج: باطل.

ص: 425

(ولو وصى) إنسان (بعتق نسمة بألف فأعتقوا) أى الورثة (نسمة بخمس

مائة) والحالط أن الثلث يحمل

(1)

الألف: الزمهم عتق) نسمة (اخرى بخمس مائة). قال في " الفروع ": في الأصح. ذكره في " الترغيب ".

(وإن قال) الموصي: أعتقوا (أربعة) من الرقيق (بكذا) الشيء عينه: (جاز الفضلُ بينهم). فلو كان قال: بخمسمائة جاز شراء واحد

(2)

بمائة وثلاثة باًربعمائة ونحو ذلك.

(ما لم يسم) لكل واحد (ثمناً معلوماً).

قال في " الفروع ": نص عليه.

(ولو وصى بعتق عبد زيد ووصية) له، كما لو قال: يشترى عبد زيد ويعتق ويعطى مائة درهم (فأعتقه سيده) زيد: (اخذ العبد الوصية) بالدراهم، لأن الميت قد أوصى بوصيتين:

إحداهما: عتق العبد.

والأخرى: إعطأو هـ الدراهم. فإذا فات العتق لسبق زيد به بقيت الوصية بإعطاء الدراهم. فيجب تنفيذها كما لو انفردت لحر.

قال في " الفروع " عقب ذكره المسألة: نقل صالح معناه. انتهى.

(ولو وصى) إنسان (بعتق عبد) يشترى (بألف) نفذ ذلك أن خرج الألف

من الثلث، أو (اشتري) عبد (بثلثه) أى ثلث المال (أن لم يخرج) الألف من الثلث ولم تجز الورثة.

(ولو وصى) إنسان (بشراء فرس للغزو بمعين) كألف (وبمائة نفقة له) أى للفرس. (فاشتري) الفرس (بأقل منه) أى من الألف والحالط أن الثلث يحمل الألف والمائة] (فبافيه) أى باقي الألف (نفقة) للفرس مع المائة. نص عليه "

(1)

في ج: يحتمل.

(2)

في أ: اخر.

ص: 426

لأنه اخرج الألف والمائة [

(1)

في وجه واحد. وهو الفرس. فهما مال واحد بعضه للثمن وبعضه للنفقة عليه. وتقدير الثمن لتحصيل صفة. فإذا حصلت فقد حصل الغرض. فيخرج الثمن من المال وتبقى بقيته للنفقة.

(لا إرث). قال

(2)

في " الفروع ": في المنصو صإشارة إلى قول فيه قياساً على ما لو وصى أن يشترى عبد بألف فاشتري عبد يساوي ألفاً بثمانمائة فإن الباقي يكون للورثة. والفرق بين المسألتين أن الباقي في مساً لة العبد لا مصرف له فكان للورثة بخلا ف مسألتنا فإن الوصية كلها للفرس. فللفاضل مصرف وهو النفقة فلذلك لم يكن للورثة.

(وإن وصى) إنسان بشيء (لأهل سِكَّته) بكسر السين: (فـ) الموصى به

(لأهل زقاقه) بضم الزأى أى زقاق الموصي. وهو دربه. والدرب في الأصل باب السكة الواسع. قاله في " القاموس ".

وأصل السكة الطريقة المصطفه

(3)

من النخل. وسمي الدرب سكة لاصطفاف البيوت به. فإذا وصى لأهل سكنه

(4)

أو لأهل دربه تناول لأهل المحلة الذين طريقهم في دربه.

وإنما يستحق الموصى به من أهل الدرب من كان ساكنا فيه (حال الوصية).

قال في " الأنصاف ": يعتبر في استحقاقهم سكناه في السكة حال الوصية.

نص عليه وجزم به في " المستوعب " وغيره وقدمه في " الفروع " واختاره ابن ابي موسى. انتهى.

قال في القاعدة السابعة بعد المائه: والمنصوص عن أحمد في رواية أحمد بن الحسين بن حسان: فيمن أوصى أن يتصدق في سكة فلان بكذا وكذا. فسكنها قوم بعد موت الموصي. قال: إنما كانت الوصية للذين كانوا. ثم

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: قاله

(3)

في ج: المصعطفة.

(4)

في أ: سكنه.

ص: 427

قال: ما أدري كيف هذا؛ قيل: فيشبه هذا الكورة. قال: لا. الكورة وكثرة أهلها خلاف هذا المعنى. ينزل قوم ويخرج قوم يقسم بينهم. ففرق بين الكورة والسكة لأن الكورة لا يلحظ

(1)

الموصي فيها قوما معينين لعدم أنحصارأهلها. وإنما المراد تفريق الوصية بها. فيستحق المتجدد فيها. بخلاف السكة فإنه قد يلحظ أعيان سكانها الموجودين لحصرهم. انتهى.

وقال في " المغني ": ويستحق أيضاً لو طرأ إلى السكة بعد الوصية.

والأول المذهب.

(و) أن وصى إنسان بشيء (لجيرأو تناول أربعين داراً من كل جانب).

قال في "الأنصاف ": هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب. انتهى.

قال في " المغنى ": وإن وصى لجيرانه فهم أهل أربعين داراً من كل جانب. نص عليه أحمد. وبه قال الأنه زاعي والشافعي. انتهى.

وقدم ذلك في " المحرر ". ثم قال: وعنه: مستدار أربعين داراً. انتهى. وعنه: مستدار ثلاثين داراً. ذكرها في " الفر وع ".

ونقل ابن منصور: لا ينبغى أن يعطى هذا إلا الجار الملاصق. وهذا مذهب

أبي حنيفة.

قال في " المغني ": وقال أبو حنيفة: الجار الملاصق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجار أحق بصقبه "

(2)

. يعني الشفعة. وإنما تثبت للملاصق؛ لأن الجار مشتق من المجاورة.

وقال قتادة: الجار الدار والداران.

وروي عن علي رضي الله تعالى عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. قال: من سمع النداء "

(3)

.

(1)

في أ: يلحق.

(2)

أخرجه البخاري في " صحيحه "(6579) 6: 0 256 كتاب الحيل، باب احتيال العامل ليهدى له.

(3)

أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 3: 174 كتاب الجمعه، باب وجوب الجمعة على من كان خارج

ص: 428

وقال سعيد بن عمرو بن جعدة: من سمع الإقامة.

وقال أبو يوسف: الجيرأنأهل المحلة أن جمعهم مسجد.

وإن تفرق أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران. فإن

كانا عظيمين فكل أهل مسجد جيران. وأما الأمصار التي فيها القبائل فالجوار

على الأفخاذ.

ولنا: ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجار أربعون داراً هكذا وهكذا وهكذا وهكذا ".

وهذا نص لا يجوز العدول عنه

(1)

إن صح. وإن لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب

(2)

. ويرجع في ذلك إلى العرف

(3)

انتهى كلامه في " المغني ".

(و) أن وصى إنسان بشيء (لأقر ب قرابته، أو) وصى (لأقر ب الناس

إليه، أو أقربهم) به (رحماً) ولم يرثه المؤصى له لماح، أو ورثه وأجاز بقية الورثة. (وله) أى للموصي (أب وابن، أو) كان له (جد وأخ: فهما سواء) " لأن كلا من الأب والابن يدلي بنفسه من غير واسطة.

ولأن كلا من الجد والأخ يدلي بالأب.

وقيل: يقدم الابن على الأب والأخ على الجد.

وقيل: يقدم الجد على الأخ.

(واخ من اب، واخ من أم أن دخل) الأخ للأم (في القربة: سو اء).

قال في " الأنصاف ": عند قوله في " المقنع ": والأخ من الأب [والأخ

من الأم]

(4)

سواء: وهذا مبني على أن الأخ من الأم يدخل في القرابة على ما تقدم المصر في موضع يبلغه النداء.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: المتقارب.

(3)

في ج: ذلك الفرق.

(4)

ساقط من أ.

ص: 429

في كتاب الوقف قاله في " الفروع " وغيره. وكذا الحكم في أبنائهما. وكذا يحمل ما قاله في " المغني " و" الكافي " أن الأب والأم سواء. انتهى.

(وولد الأبوين أحق منهما) أى من الأخ للأب فقط ومن الأخ للأم فقط؛

لأن من له قرابتان أقرب فله قرابة واحدة.

وجدة لأبيه وجدة لأمه سواء، [وعمة لأبيه]

(1)

وعمة لأمه سواء.

وقيل: يقدم الجد للأب

(2)

والعم للأب.

وجد يدلي بقرابتين أولى من جد

(3)

يدلي بقرابة واحدة.

(والأناث كالذكور فيها) أى في القرابة. فالابن والبنت سواء، والأخ والأخت سواء، والعم والعمة سواء.

وعلم مما تقدم: أن الأب أو لى من ابن الابن ومن الجد ومن الأخوة على الصحيح من المذهب.

وقدم

(4)

في " الترغيب ": أن ابن الابن أولى من الأب. قال: وكل من قدم

قدم ولده إلا الجد فإنه يقدم على بني إخوته

(5)

. وأخاه لأبيه فإنه يقدم على ابن أخيه لأبويه.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: جد لأبيه.

(3)

في ج: ممن. وإسقاط: جد.

(4)

في أوب: وتقدم.

(5)

في ج: أخواته.

ص: 430

[فصل: في الوصية الفاسدة]

(فصل. ولا تصح) الوصية (لكنيسة، أو بيت نار)، ولا لمكان من

أماكن الكفر. سواء كانت الوصية ببنائهما، أو بشيء ينفق عليهما؛ [لأن ذلك معصية]

(1)

. فلم تصح الوصية بها؛ كما لو أوصى بعبده أو أمته للفجور. أو بشراء خمر أو خنازير يتصدق بها على أهل الذمة. وهذا المذهب.

وذكر القاضي: أو لو وصى لحصر البيع وقناديلها

(2)

وما شاكل ذلك ولم

يقصد إعظامها: أن الوصية تصح؛ لأن الوصية لأهل الذمة صحيحة.

قال في " الأنصاف ": قلت: وهذا ضعيف. ورده الشارح واقتصر عليه في

" الرعاية " قال: وفيه نظر. انتهى.

ولا فرق بين كون الموصي مسلماً أو كافراً على المذهب.

قال

(3)

في " المغني ": ونقل عن أحمد كلام يدل على صحة الوصية من

الذمي بخدمة الكنيسة.

والأول أولى واصح.

وإن وصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة أو أهل

(4)

الحرب:

صح؛ لأن بناءمساكنهم ليس بمعصية. انتهى.

(أو كَتْب التوراة أو الأنجيل). يعني أو لا تصح الوصية بذلك؛ لأنهما

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: وقناديلهما.

(3)

في أ: قاله.

(4)

في ج: وأ هل.

ص: 431

منسوخان وفيهما تبديل. والاشتغال بهما غير جائز. وقد " غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئاً مكتوباً من التوراة "

(1)

.

وكلام بعضهم يدل على أن في ذلك رواية بالصحة.

قال في " الرعاية ": ولا تصح لكتب توراة وإنجيل

(2)

على الأصح.

وقيل: أن كان الموصي بذلك كافراً صح، وإلا فلا.

وأو ضح من ذلك قول صاحب " الهداية " ومن تبعه: وإن وصى لبناء كنيسة

أو بيعة أو كتب التوراة والأنجيل: لم تصح الو صية. ونقل عبد الله ما يدل على صحتها.

قال صاحب " الرعاية ": تحمل الصحة على وصية ذمي بما نجيز له فعله من ذلك. انتهى.

(أو ملَك) بفتح اللام أحد الملائكة (أو ميت) يعني أو لا تصح الو صية للملك ولا للميت؛ لأنه ما لا يملكان. أشبه ما لو أوصى لحجر أو نحوه من الجمادات.

(وإن وصى) إنسان (لمن) أى لإنسان ميت حال الوصية (يعلم) الموصي (موته) حين الو صية (أولا) يعلم (وصَّى)؛ كما لو قال: أو صيت بهذا العبد لزيد وعمرو. والحال أن زيدا ميت حين الو صية وعمراً حي: (فللحي النصف) من العبد؛ لأنه أضاف الوصية إليهما. فإذا لم يكن أحدهما محلا للتمليك بطلت الو صية في نصيبه دون نصيب الحي لخلوه عن المعارض

(3)

. كما لو كانت لحيين فمات أحدهما. وهذا المذهب نص عليه في رواية ابن منصور وقدمه في " المستوعب " و" الخلاصة " و" المحرر " و" المغني " و" الشرح " و" الرعايتين " و" الحا وي الصغير " و" الفر وع " و" الفائق ".

(1)

رص (172).

(2)

في أ: التوراة والأنجيل.

(3)

في: المعا وض.

ص: 432

قال الحارثي: هذا المذهب وعليه عامة الأصحاب حتى

(1)

أبو الخطاب في

" رؤوس المسائل ".

وقيل: الكل للحي. وقدمه في " المقنع "-.

قال في " الأنصاف ": وهو أحد الوجهين. ونقل أحمد ما يدل عليه. انتهى.

وذكر الأول احتمالًا في " المقنع ".

ومحل

(2)

الخلاف أن علم الموصي موت زيد، ولم يزد بينهما. فإن لم يعلم موت زيد أو قال: أو صيت بهذا العبد لزيد وعمرو بينهما: لم يكن لعمرو إلا نصف العبد بلا

(3)

خلاف في المذهب.

(ولا يصح تمليك بهيمة)، لاستحالة ذلك.

(وتصح) الوصية أيضاً (لفرس زيد ولو لم يقبله) أى ولو لم

(4)

يقبل زيد

ما وصى به لفرسه، (ويصرفه) أى الموصى به (في علفه) أى الفرس؛ لأن الوصية له أمر بصرف المال في مصلحته. (فإن مات) الفرس الموصى له قبل صرف الجميع الموصى به في علفه:(فالباقي للورثة)" لأنه تعذر صرف المال الموصى به إلى الموصى له به. فعاد إلى الورثة " كما لو رد الوصية من أو صي له بها.

(وإن وصى) إنسان (بثلثه) أى ثلث ماله (لوارث واجنبي)، أو لكل وأحد منهما بشيء معين. وقيمة المعينين ثلث المال. (فرد الورثة): بطلت الوصية للوراث في المساًلتين " لأن الوصية له لا تصح إلا مع الإجازة. وعلى هذا (فللأجنبي السدس) في المسألة الأولى، والمعين الموصى له به في الثانية إذ لا اعتراض للورثة على الأجنبي فيما لم يزد على الثلث.

(1)

في أ: قال.

(2)

في ج: وعلى.

(3)

في أ: لا.

(4)

في أ: أى ولم.

ص: 433

(و) أن وصى لهما (بثلثيه فرد الورثة نصفها) أى نصف الوصية (وهو ما جاوز الثلث) من غير تعيين نصيب وأحد منهما (فالثلث بينهما) " لأن الوارث يزاحم الأجنبي مع الإجازة. فإذا ردوا تعين أن يكون الباقي بينهما. ذكره القاضي.

قال في " الأنصاف ": وهذا المذهب. جزم به في " الوجيز " وغيره وقدمه

في " الرعايتين " و" الفروع " و" الفائق " و" شرح ابن منجى " واختاره ابن عقيل. انتهى.

وعند أبي الخطاب: للأجنبي الثلث كله " كما لو ردت وصية الوارث وحده.

وقيل: ياً خذ الأجنبي السدس ولا شيء للوارث.

وإن قال الورثة: أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه من وصيتكما، أو قالوا: رددنا من وصية كل وأحد منكما نصفها وبقينا

(1)

له نصفها: كان ذلك اكد في جعل السدس لكل وأحد منهما لتصريحهم به.

(ولو ردوا نصيب وارث) فقط، (أو أجازوا) الوصية اللأجنبي) فقط:(فله) أى للأجنبي (الثلث) كاملاً في الصورتين، (كأجازتهم للوارث). وله الو صيتين. فإنه يكون للأجنبي

(2)

الثلث.

وإن قالوا: أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا نصف وصية الأجنبي، أو عكسوا: فهو على ما قالوا، لأن لهم أن يجيزوا لهما وإن يردوا عليهما. فكان لهم أجازة بعض ذلك ورد بعضه.

وإن أرافى وا أن ينقصوا الأجنبي عن نصف وصيته: لم يملكوا ذلك. سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه.

(1)

في أ: وإن قال الورثة: أخذنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه كما لو قالا: أرددنا من وصيته كل واحد منكما وبقيتها.

(2)

في ج: الأجنبى

ص: 434

وإن وصى بثلثه لوارث وأجنبي، وقال: إن ردوا

(1)

وصية الوارث: فالثلث كله للأجنبي. فردوا وصية الوارث: فكما قال الموصي، وإن أجازوا للوارث: فالثلث بينهما.

(و) من وصي (له ولملَك أو) وصي له مع (حائط بالثلث)، كما لو قال: أو صيت بثلث مالي لزيد وللملك جبرائيل

(2)

أو ميكائيل أو نحو ذلك، أو أوصيت

(3)

بثلث مالي لزيد ولهذا الحائط أو هذا الحجر أو نحو ذلك: (فله) أى فلمن أو صي له مع ملك أو حائط (الجميع) أى جميع الموصى به

(4)

؛ لأن من اشركه معه لا يملك. فلم يصح التشريك.

قال في " الأنصاف ": كان له الجميع على الصحيح من المذهب. نص عليه قدمه في " الفروع " و" الرعاية الصغرى " و" الحاوى الصغير " و" الهداية " و" المذ هب " و" المستوعب " و" الخلا صة " وغيرهم.

وقيل: له النصف. وهو احتمال للقاضي.

(و) من وصي له و (لله، أو) وصي له (وللرسول): فإن الموصى به يكون (فنصفإن) بينهما.

قال في " الأنصاف " في المسألتين: على الصحيح من المذهب. وذكر أن الثانية منصو صعليها. وذكر في كل منهما قولاً أن الكل له أى المذكور مع الله أو مع الرسول. وذكر أو جزم به في " الكافي " في المسألة الأولى.

(و) على المذهب يصرف (ما لله أو للرسول في المصالح العامة). ذكره

في " الفروع " يعني مصرف الفيء. وتبع في " التنقيح الفروع ". وتبعته عليه. وقال في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " و" الفائق ": يصرف في الكُراع

(1)

في ج: رودا لي.

(2)

في ج: جبريل.

(3)

في أ: وصيت.

(4)

في أ: الموصى له به.

ص: 435

والسلاح والمصالح. ولم يتعرضوا هنا للذي لله تعالى. ولعله إنما سكتوا عنه لظهوره وعدم الخلاف في كونه للمصالح العامة. والله أعلم.

ومن لا يرثه إلا ابنان (و) وصى (بماله) كله (لابنيه واجنبي. فرداها) أى

فرد الابنأن جميع الوصية: (فله) أى للأجنبي (التسع) ثلث الثلث؛ لأن الوصية لو أجيزت كان له ثلث المال لأنه ثالث ثلاثة. فكان له مع الرد ثلث الثلث.

قال في " الأنصاف ": فله التسع عند القاضي وهو الصحيح من المذهب. وجزم به في " الوجيز " وغيره. وقدمه في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " و" الفائق ".

وعند

(1)

أبي الخطاب: له الثلث.

قال في " الرعاية الكبرى ": وهو أقيس.

[وقال في " الفائق "]

(2)

: ويحتمل أن يكون له السدس جعلا لهما صنفاً. انتهى.

(و) من وصى (نجتلثه لزيد وللفقراء والمساكين فله) أى لزيد (تسع) وباقي الثلث للفقراء والمساكين.

قال في " الأنصاف ": وهذا المذهب وعليه الأصحاب.

وقال في " الرعاية " قلت: يحتمل أن له السدس لأنه ما هنا صنف. انتهى. قلت: يتخرج فيه أيضاً أن يكون كأحدهم فيعطى اقل شيء كما قاله صاحب

" الرعاية " على ما تقدم قريبا. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

ووجه المذهب: أن الوصية لثلاث جهات. فوجب التسوية بينها

(3)

؛ كما

لو وصى لثلاثة أنفس.

(1)

في أ: عند.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في ج: فوجبت التسولة بينهما

ص: 436

(و) على هذا (لا يستحق معهم) أى مع الفقراء والمساكين في حصتهم شيئاً؛ [كما لو]

(1)

كان متصفا (بالفقر والمسكنة)؛ لأن العطف يقتضي المغا يرة.

(و) على هذا أيضاً (لو وصَّى بشيء) كالسدس (لزيد، وبشيء) كسدس

اخر (للفقراء) وزيد منهم. (أو) وصى لزيد بسدس و (لجيران) بسدس اخر (وزيد منهم: لم يشاركهم) في المسألتين.]

قال في " الأنصاف ": ولو وصى له ولإخوته بثلث ماله فهو كأحدهم.

قدمه في " الرعاية الكبرى "، وقال: ويحتمل أن له النصف ولهم النصف.

قال الحارثي: وأظهر الوجهين: أن له النصف.

وقال في " الفروع ": ولو وصى له وللفقراء بثلثه: فنصفإن.

وقيل: هو كأحدهم؛ كُلَهَ

(2)

ولإخوته في وجه.

فظاهر ما قدمه أو يكون له النصف. وهو احتمال في " الرعاية ". وهو المذهب. أنتهى]

(3)

.

(ولو وصى) إنسان (بثلثه لأحد هذيْن) بأن قال: وصيت بثلثي لأحد هذين، (أو قال لجاري أو قريبي فلان باسم مشترك: لم يصح)؛ لأن تعيين المو صى له شرط. فإذا قال لأحد هذين فقد أبهم المو صى له. وكذلك الجار والقريب؛ لوقوعه على كل من المسميين.

(فلو قال): عبدي (غانم حر بعد موتي، وله) أى لغأنم المذكور (مائتا درهم)، وكان اله) أى للموصي (عبان) مسميان (بهذا الاسم). ثم مات المو صي:(عَتَق أحدهما) أى أحد العبدين المسميين بهذا الاسم (بقرعة)؛ لأنه عتق استحقه وأحد منهما. فأخرج بالقرعة؛ كما لو اعتقهما فلم يخرج من

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من ب.

ص: 437

الثلث إلا أحدهما ولم تجز عتقهما الورثه. (ولا شيء له) أى لمن خرجت عليه القرعة (من الدراهم) الموصى بها ولو خرجت من الثلث؛ لأن الوصية بالدراهم المائتين وقعب لغير معين فلم تصح. نص على ذلك.

قال في " المغني ": نقلها صالح.

وقال في " المحرر ": نقله حنبل.

وعنه: هي له من الثلث

قال في " المحرر ": نص عليه في رواية صالح. واختاره

(1)

أبو بكر، ونسب ذلك في " المغني " للقاضي.

(ويصح) أن قال: (اعطوا ثلثي احدهما)؛ كما لو قال: أعتقوا أحد عبدي، (وللورثة الخيرة) فيمن يعطوه الثلث من الاثنين.

والفرق بين هذه المسألة وما قبلها: أن قوله: أعطوا ئلثِي أحدهما أمرٌ بالتمليك. فصح جعله إلي اختيار الورثة؛ كما لو قال لوكيله: بيع سلعتي من أحد هذين. بخلاف قوله: وصميب. فإنه تمليك معلقٌ بالموت. فلم يصح لمبهنم. قال في " الفروع ": ولو وصى بثلثه لأحد هذين أو قال: لجاري أو قريبي فلان باسم مشترك: لم يصح.

وعنه: يصح؛ كقوله: أعطوا ثلثي أحدهما في الأصح. فقيل يعينه الورثة. وقيل: بقرعة.

وجزم ابن رزين بصحتها لمجهول ومعدوم، وبهما.

وجزم الشيخ في " فتاويه " في الصورة الأولى بأنه لا يصح، واحتج به على أنه لا يصح رجوعه عن إحداهما

(2)

. فعلى الأوَّلة لو قال: عبدي غانم حر بعد موتي

(1)

في أ: واختار.

(2)

في أ: أحدهما.

ص: 438

وله مائة وله عبدان بهذا الاسم عتق أحدهما بقرعة ولا شيء له. نقله يعقوب وحنبل.

وعلى الثانية: هي له من ثلثه. اختاره أبو بكر. انتهى كلامه في

" الفروع ".

قال ابن قندس في " حواشي الفروع " عند هذه المسألة: قال المصنف في أصوله في العموم في مساً لة: يجوز أن يراد بالمشترك معنياه

(1)

. قال: ولم أجد خلافا عندنا لو وصى بثلثه لجاره أو قريبه فلان باسم مشترك: لم يعم. وهل مح الوصية أم لا؟ فيه روايتان عن أحمد. فإن صحت فقيل تعيَّنه الورثة.

وقيل: يقرع.

ويتوجه العموم أن قيل به هنا، ويحتمل مطلقاً لعمومه

(2)

بالإضافة ولا يتحقق مانع.

وقال القاضي علاء الدين البعلي في " قواعده " في قاعدة المفرد المضاف يعم: مقتضى القاعدة أو يصرف إليهما. يعني فيما إذا قال: وصيت لجاري محمد وله جاران بهذا الاسم. فقوله موافق للاحتمال الذي ذكره المصنف في أصوله. واعلم أنه يظهر لي أن ما قالاه ضعيف جداً، لأن العموم ارتفع بقوله محمد أو خالد مثلاًً وحيث ارتفع العموم تخصص لصاحب الاسم وذلك الاسم لا يعم كل من اسمه ذلك لأنه علم مشخّص فلا يتناول إلا شخصاً واحداً. وليس من قبيل المشترك لأن المشترك أن يكون اللفظ الوأحد معناه متعدد كالعين والقرء على ما ذى وه في تقاسيم

(3)

الألفاظ، وأما العلم فإن معناه وأحد فالأشخا ص المسمى كل وأحد منهم بمحمد اسم كل وأحد منهم غير اسم الآخر ولكن الألفاظ متشابهة. فصار كأنه قال: أو صيت لشخص وأحد اسمه محمد وحصل الإبهام

(1)

في ج: معينا.-

(2)

في أ: لعموم.

(3)

في أ: تقاسم.

ص: 439

بمشابهة الألفاظ: فيبطل أو يعطاه واحد

(1)

على الخلاف. انتهى.

قال في " الأنصاف ": لو وصى بثلثه لأحد هذين أو قال لجاري أو قريبي فلان بإسم

(2)

مشترك: لم تصح الوصية على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.

وعنه: تصح كقوله: أعطوا ثلثي أحدهما في أصح الوجهين.

قال في " القواعد الأصولية ": فيما إذا قال: لجاري أو قريبي فلان باسم مشترك: أصح الروايتين عند الأصحاب لا يصح للإبهام

(3)

. واختار الصحة في غير الأولى القاضي وأبو بكر في " الشافي " وابن رجب. انتهى.

وعبارة ابن رجب في القاعدة الخامسة بعد المائة: فاًما أن كان الإبهام في المملك فإن كان على وجه يؤول إلى العلم كقوله: أعطوا أحد هذين كذا: صحت الوصية كما لو قال

(4)

في الجعالة: من رد عبدي فله كذا.

وإن كان على وجه لا يؤول إلى العلم كالوصية لأحد هذين ففيه روايتان. وعلى الصحة يميز بالقرعة. وهذه المسألة الأولى التي لم ينسب له فيها اختيار

(5)

وقال بعد ذلك بنحو ورقة: ومنها الوصية لجاره محمد وله جارأن بهذا الاسم وله حالتان:

إحداهما: أن يعلم بقرينة أو غيرها

(6)

أو أراد واحداً منهما معيناً وأشكل علينا معرفته فهاهنا تصح الوصية بغير تردد ويخرج المستحق منهما بالقرعة على قياس المذهب في اشتباه المستحق للمال بغيره من الزوجة المطلقة والسلعة المبيعة وغيرهما

(7)

.

(1)

في ج: أحد.

(2)

في ج: اسم.

(3)

في ج: الإبهام.

(4)

في أ: كقوله: أعطوا هذين هكذا: صحت الوصية كما قال.

(5)

في ج: الخيار.

(6)

في ج: غيرهما.

(7)

في ج: وغير ها.

ص: 440

والحالة الثانية: أن يطلق وقد يذهل عن

(1)

تعيين احدهما بعينه: فهي

(2)

كالوصية لأحدهما مبهماً. ولذلك حكى الأصحاب في الصحة

(3)

روايتين. ولكن المنصوص عن أحمد الصحة.

قال صالح: سألت أبي عن رجل مات وله ثلاث غلمان ثلاثتهم اسمهم

(4)

فرج. فإنه أوصى عند موته فقال: فرج حر، وفرج له مائة، وفرج ليس له شيء. قال: يقرع بينهم فمن أصابته القرعة فهو حر. وأما صاحب المائة فلا شيء له وذلك أنه عبد والعبد هو وماله لسيده. وهذا يدل على صحة الوصية مع اشتراك الاسم؛ لأنه إنما علل البطلان هاهنا بكونه عبدا. فدل على أو لو كان حراً لا استحى

(5)

.

وزعم صاحب " المغني " أن رواية صالح تدل على بطلان الوصية. وخالفه

صا حب " المحرر ".

ونقل حنبل: قال أبو عبد الله: في رجل له غلامان اسمهما واحد فإنه أوصى

عند موته فقال: فلان حر بعد موتي لأحد الغلامين، وله مائتا درهم، وفلان ليس هو حر، واسمهما واحد. قال: يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو حر. وأما صاحب المائتين فليس له شيء. وذلك أو عبد والعبد وماله لسيده.

وهذه تدل

(6)

على ما دلت عليه رواية صالح. لكن السؤال يقتضي أن الموصى له بالمائتين هو العتيق والجواب يدل على خلافه، ومن ثم زعم صاحب " المحرر " أنها تدل على بطلان الوصية للإبهام. وليس كذلك

(7)

. لأنه إنما علل بكونه عبدا لم يعتق. وتاًولها القاضي وابن عقيل على أن الوصية لم تصح

(1)

في أ: ممن.

(2)

في ج: فهو

(3)

في ج: الو صية.

(4)

في أ: اسم.

(5)

في أ: يستحق.

(6)

في ج: دلت.

(7)

في أ: لذلك.

ص: 441

لكونه عبداً حال الأيصاء، ولا تكفي حريته حال الاستحقاق. وعلى هذا فلا تصح الوصية لأم الولد والمدبر وهو ضعيف جدا. وجواب أحمد يتنزل على أن الموصى له بالدراهم غير المعتق.

ونقل يعقوب بن بختان: أن أبا عبد الله سئل عن رجل له ثلاث غلمان اسم

كل وأحد منهم فرج. فقال: فرج حر ولفرج مائة درهم فقال: يقرع بينهم فمن خرج سهمه فهو حر. والذي أوصى له بالمائة لا شيء له لأن هذا ميراث.

وهذه الرواية من جنس ما قبلها حيث علل فيها ببطلان الوصية بكون العبد الموصى له ميراثاً للورثة. فهذه الروايات التامة التي ساقها الخلال في " الجامع " وكلها دالة على الصحة. وهو قول القاضي وساقها أبو بكر في " الشافي " على أن الموصى له بالدراهم هو المعتق وإن أحمد صحح الوصية له رواية صالح وأبطلها في رواية حنبل.

قال أبو بكر: وبالصحة أقول.

وفي " الخلال " أيضاً عن مهنا: أن أحمد قال في رجلين شهدا على رجل أو أوصى عند موته فقال: لفلان بن فلان من أصحاب فلان ألف درهم، أو أحالى بها، والشهود لا يعرفون فلان بن فلان. كيف

(1)

يصنعون وقد مات الرجل؟ فقال: ينظرون في أصحاب فلان فيهم فلان بن فلان في أصحاب فلان؛. قلت: فإذا جاء رجلان فقال: كل منهما أنا فلان بن فلان من أصحاب فلان. قال: فلا يدفع إليهم شيء حتى يكون رجل واحد.

والظاهر: أن أحمد لم يتوقف في الدفع إلا ليتيقن

(2)

المستحق من غيره.

لا لصحة الوصية. فإنها هاهنا لمعينين في نفس الأمر. وإنما اشتبه علينا لاشتراك الاسمين. فلذلك وقف الدفع على معرفة عين المستحق إذا رجي أنكشاف الحال. وأما مع الأياس من ذلك فيتعين تعيين المستحق بالقرعة. فاله بعض أصحابنا المتقدمين وهو الحق. انتهى.

(1)

في أ: فكيف.

(2)

في ج: لتيقن.

ص: 442

ومن أجل هذه العبارة ذكر في " الأنصاف " أو

(1)

ممن اختار الصحة في غير المسألة الأولى وهي الوصية لأحد هذين.

وذكر ابن رجب أيضاً في " اخر القاعدة المذكورة عن الشيخ تقي الدين: أو أفتى فيمن وقف على أحد أولاد هـ وله عدة أولاد وجهل اسمه أو يميز بالقرعة. (ولو وصى) إنسان (ببيع عبده) المعين لمعين من اثنين؛ كما لو قال لوصيه: بعه (لزيد، أو) قال: بعه (لعمرو، أو) أبهم فقال: بعه (أحدهما: صح). وتكون الخيرة في الأخيره فيمن يبيعه إياه منهما للوصي؛ لأن الموصي جعل لوصيه

(2)

تعيين ما شاء منهما والوصية ببيع شيء لمن يعينه الموصي أو وصيه في ذلك فيها غرض مقصود عرفا فصحت الوصية به. ثم هذا تارة يكون الغرض الإرفاق بالعبد بإيصاله إلى من هو معروف بحسن الملكة وإعتاق الرقاب، وتارة يكون الغرض الإرفاق بالمشتري لمعنى يحصل له من العبد. فلو تعذر بيع العبد لذلك الشخص أوأَبَى أن يشتريه

(3)

بثمن عينه الموصي أو بقيمته أن لم يعين الثمن: بطلت الوصية.

(لا) الوصية ببيعه (مطلقاً) فإنها لا تصح؛ لأنها لا بد لها من مستحق،

ولا مستحق

(4)

هاهنا.

(ولو وصى له) أى إنسان (بخدمة عبده سنة ثم هو) أى العبد بعد خدمته للموصى له سنة (حرِّ، فوهبه) أى وهب الموصى له بالخدمة العبد (الخدمةَ) عند ابتداء المدة (أو رد) الوصية بالخدمة: (عتق) العبد عتقا (منجزاً).

قال في " الفروع ": وذكر الشيخ لا. انتهى.

ولم يذكر في " المغني " القولط بتنجيز العتق مع هبة الخدمة للعبد أو رد الوصية إلا عن ملك.

(1)

في أ: فإنها.

(2)

في ج: الو صية.

(3)

في ج: وأبى أن يشتري.

(4)

في ج: يستحق

ص: 443

وعلم مما تقدم أنه لو خدمه بعض المدة ثم وهبه ما بقي منها أو يعتق بمجر

الهبة. (ومن وَّصى بعتق عبد بعينه، أو وقْفهْ: لم يقعْ) العتق أو الوقف (حتى ينجزّه وارثه)؛ لأن الوصي أمر بالفعل

(1)

في هذه الصورة فلم يقع إلا بفعل

المأمور أشبه التوكيل في العتق أوالوقف فإنه لا يقع حتى يفعله الوكيل. لكن هنا يلزم الماًمور أن يفعل لأنه

(2)

تنفيذ وصي.

(فإن ابى: فحاكم). ويكون حراً أو وقفاً من حين أعتق أو وقف. وولأنه للموصي. (وكسبه) أى الموصى بعتقه أو وقفه (بين موت) أى موت الموصي (و) بين (تنجيز) لما أو صي به من العتق أو الوقف (إرثٌ) أى لا للمعتق

(3)

ولا للموقوف عليه؛ لأن ذلك إنما يكون بالتنجيز فما قبله إرث.

وذكز جماعة في الموصى بعتقه أن كسبه بين موت سيده وبين تنجيز عتقه له.

ذكره في " الفروع " ثم قال: ويتوجه مثله في موصى بوقفه.

وفي الروضة: الموصى بعتقه ليس بمدبر وله حكم المدبر في كل أحكامه. انتهى

(1)

في ج: بالمعر وف.

(2)

في ج: لأن.

(3)

في أ: أى للمعتق. بماسقاط لفظ: لا

ص: 444

[باب: احكام الموصى به]

هذا (باب) أحكام (الموصى به) وهو آخر أركان الوصية الأربعة. وهي: موص وصيغه وموصى له وموصى به.

و (يعتبر إمكانه) قاله في " الفروع ". (فلا تصح) الوصية (بمدِّبر) لعدم إمكأنه بحريته بموت الموصي. ولا بحمل امته الأىسة ولا بخدمة أمته الزِّمِنَة. (و) يعتبر أيضاً (اختصاصه) أى اختصاص الموصي بالموصى به.

قال في " الفروع ": وفي " الترغيب " وغيره: اختصا صه به.

(فلا تصح) وصية إنسان (بمال غيره ولو مَلَكَه بعدُ)؛ كما لو قال: أو صيت

(1)

لك بثلث مال زيد. فإن الوصية لا تصح ولو ملك الموصي مال زيد بعد الوصية؛ لفساد الصيغة حينئذ بإضافة المال إلى غيره.

(وتصح) الوصية (بأناء من ذهب و) بأناء (فضة)؛ لأنه مالٌ يباح الأنتفاع

به على غير هذا الوجه بأن يكسره ويبيعه، أو يغيره عن هيئته بأن يجعله حلياً يصلح للنساء، أو نحو ذلك. فصحت الوصية به؛ كالأمة المغنية.

(و) تصح الوصية أيضاً (بما يعجز) الموصي (عن تسليمه) لو كان واجباً

عليه حال الوصية؛ (كآبق) من رقيق، (وشارد) من دواب، (وطير بهواء، وحمل ببطن، ولبن بضرع)؛ لأن الوصية اجريت مجرى الميراث. وهذا يورث فيوصى به. وللوصي السعي في تحصيله. فإن قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث.

ولا فرق في الحمل بين أن يكون حمل أمة أو حمل بهيمة مملوكة؛ لأن الغرر

(1)

في ج: وصيت.

ص: 445

لا يمنع الصحة. فجرى مجرى إعتاقه. ويعتبر وجوده في الأمة بما يعتبر به وجود الحمل الموصى له. وإن كان حمل بهيمة اعتبر وجوده بما يثبت به وجوده في سائر الأحكام.

(و) تصح الوصية أيضاً

(1)

بشيء (معدوم)؛ لأنه يجوز أن يملك بالسلم والمضاربة والمساقاة. فجاز أن يملك بالوصية؛ وذلك وصيته

(2)

(بما تحمل أمته) ابداً، أو مدة معينة، (أو) بما تحمل (شجرله أبدا، أو مدة معينة) كسنة وسنتين ونحو ذلك.

ولا يضمن الوارث السقي؛ لأنه لم يضمن تسليمها. بخلاف مشتر.

(و) كوصيته (بمائة) من دراهم أو غيرها (لا يملكها) الموصي حال الوصية. وليس هذا من قبيل الوصية بمال غيره لأنه لم يضفها إلى ملك إنسان سواه.

إذا تقرر هذا (فإن حصل شيء) من نماء ما في ملكه

(3)

مما أوصى به، (أو

قدر على المائة) التي لم تكن في ملكه، (أو) على (شيء منها عند موت) أى موت الموصي:(فله) أى فهو للموصى له به بمقتضى الوصية. (إلا حمل الأمة) الموصى له به (فـ) تكون له (قيمته).

- قال في " الفروع ": نص عليه. انتهى.

قال ابن قندس في " حواشي الفروع ": ولم أجد هذا النقل في غير هذا الكتاب. ولعل وجهه مراعاة عدم التفرقة بين ذوي الأرحام في الملك. أنتهى

(4)

. (وإلا) أى وإن لم يحصل من ذلك شيء

(5)

: (بطلت) الوصية؛ لأنها لم تصادف محلاً؛ كالوصية بتلثه ولم يخلف شيئاً. وتكون قيمة الولد مع رقه على

(1)

ساقط من أ.

(2)

في أ: وصية.

(3)

في أ: ماملكه.

(4)

ساقط من أ.

(5)

ساقط من أ.

ص: 446

مالك

(1)

الأمة. ومع حريته ورق الأمة كما لو وطئت بشبهة على واطئ. وإن لم تحمل حتى صا رت حرة لم يكن للموصى له شيء. والله أعلم.

(و) تصح الوصية أيضاً (بغير مال؛ ككلب مباح النفع. وهو كلب صيد وماشية وزرع).

وقيل: وبيوت.

(وجرو لما يباج اقتناؤه له) مما ذكر.

قال في " الفروع ": والأصح وتربية صغير لأحدها.

(غيرُ) كلبٍ (أسود بهيم)؛ لكونه لا يباج صيده ولا اقتناؤه.

ووجه صحة الوصية بذلك: أن فيه نفعاً مباحاً وتقر اليد عليه وتنتقل اليد فيه

إلى الورثة عند الموت. فصح نقلها إلى الموصى له.،

ومحل صحة الوصيةً

(2)

أن كان للموصى كلب. (فإن لم يكن له كلب: لم تصح) الوصية. ولو قال: من كلابي أو من مالي؛ لأنه لا يصح شراء الكلب لأنه لا قيمة له. بخلاف ما لو أوصى بمتقومٍ أومثلي

(3)

ليس في ملكه فإن الموصى له يشترى له ذلك من التركة.

قال في " الأنصاف ": أما أن كان عنده ما يصيد به ولم يصد به، [أو يصيد

به]

(4)

عند الحاجه إلى الصيد، أو لحفظ ماشية أو زرع أن

(5)

حصلا: فخلاف. قاله في " الفروع "،*

وذكره في " المغني " و" الشرح" احتمالين مطلقين. ذكره في البيع.

قلت: الذي يظهر أن ذلك كالجرو الصغير. وقدم في " الكافي " الجواز، وقدمه ابن رزين.

(1)

في أ: ذلك

(2)

في ج: وصحه الوصيه، بإسقاط لفظ محل.

(3)

في أ: مثل.

(4)

زيادة من " الأنصاف " 7: 254.

(5)

في أ: أو.

ص: 447

وجعل في " الرعاية ": الكلب الكبير الذي لا يصيد به بل لهواً كالجرو الصغير.

وأطلق الخلاف فيه. وجزم بالكراهة في " أداب الرعايتين ".

وقال في " الواضح ": الكلب ليس مما يملكه.

وفي طريقة بعض الأصحاب إنما يصح لملك اليد الثابت

(1)

له؛ كخمر تخلل.

ولو مات من في يده خمر ورث عنه. فلهذا يورث الكلب نظراً إلى اليد حساً.

ثم قال: تقسم الكلاب المباحة بين الورثة .. قاله في " الرعاية ". والمو صى

له والمو صى لهما

(2)

: بالعدد. فإن تشاحوا: فبقرعة.

ثم قال: لو أو صى له بكلب، وله- أى للمو صي كلاب.

قال

(3)

في " الرعاية " له أحدها بقرعة. وجزم به ابن عبدوس في

" تذكر ته ".

وعنه: بل

(4)

ما شاء الورثة. انتهى.

قلت: وهذا هو الصواب. وأطلقهما الحارثي. انتهى كلامه في "الأنصاف ". (وزيتٍ متنجس لغير مسجد)، لأن فيه نفعا مباحا. وهو جواز الاستصباج

قال في " التنقيح ": أن جاز الاستصباج به. انتهى.

والمذهب جوازه في غير المسجد.

(وله) أى للموصى له بالكلب والزيت (ثلثيهما) حتى (ولو كثر المال) المخلف عن المو صي.

(1)

في ج: الثا بتة.

(2)

في ج: الموصى له والموصى لهم.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: بلى.

ص: 448

قال في " الأنصاف ": وهو المذهب. قدمه في " الرعايتين " و" الفروع "

و" الفائق " واختاره في " المحرر ". انتهى.

ووجه ذلك: أن للموصي حق اليد عليه. فلا يملك إزالة ذلك عن ورثته بالكلية؛ كسائر حقوقه.

ولأن هذا ليس بمال ولا يقابَل بشيء من ماله. فيعتبر بنفسه؛ كما لو لم يكن

له مال سواه.

وقيل: أن كان له مال سواه وإن قَلَّ فللموصى له كل الزيت؛ لأن المال وإن

قل خير من النجاسة. فيكون ذلك المال

(1)

للورثة في مقابلة الموصى به. جمعاً بين الحقين.

قال الحارثي: ويحتمل وجهاً ثالثاً وهو أن يضم إلى المال بالقيمه. فتقدر المالية فيه كتقديرها في الجزء في بعض الصور. ثم يعتبر من الثلث كأنه مال. قال: وهذا أصح. انتهى.

وإن وصى لشخص بثلث ماله ولاخر بكلابه أو بزيته المتنجس: فله ثلث ذلك

وجها واحداً؛ لأن ما حصل للورثة من ثلثي المال قد

(2)

جازت الوصية فيما يقابله

(3)

من حق الموصى له وهو الثلث. فلا يحتسب عليهم في حق الزيت أو الكلاب.

وعلم مما تقدم أن من أو صي له بثلاتة من الكلاب لم يكن له إلا وأحد منها.

ومحل ذلك (أن لم تجز الورثة) الوصية في جميعه؛ لأن الحق في الزائد

عن الثلث لهم.

و (لا) تصح الوصية (بما لا نفع فيه كخمر وميتة ونحوهما) كخنزير؛ لأن الأنتفاع بذلك محرم، فكانت الوصية به وصية بمعصية. فلم تصح؛ كما لو أوصى بأن يكفن في جلود الميتة.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ب: فقد

(3)

في ج: مقابله.

ص: 449

(وتصح) الوصية (بمبهم، كثوب). فإنه يشمل المنسوج من الصوف والقطن والكتان والحرير والمتروك على هيئته والمصبوغ والكبير والصغير ونسج كل بلد، لأن غاية ذلك أنه مجهول، وإذا صحت بالمعدوم فالمجهول أولى. (ويعطى) أى تعطي الورثة الموصى له بثوب (ما يقع عليه الاسم) أى اسم ثوب

(1)

؛ لأنه اليقين.

(فإن اختلف) اسم الموصى به (بالعرف والحقيقة) اللغوية: (غُلَّبت)

بالتضعيف، والبناء للمفعول. يعني أنه يعمل بمقتضى الحقيقة مع مخالفة العرف لها

(2)

" لأنها الأصل. ولهذا يحمل عليها كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(فـ) على هذا تكون (شاة وبعير وثور) إذا وصي

(3)

بوأحد منها متناولاً

(لذكر وإنثى)، ويتناول لفظ: الشاة الضأن والمعز والصغير بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " في أربعين شاةٍ شاةٌ "

(4)

.

والبعير بفتح الموحدة وكسرها في لسأن العرب للذكر والأنتى لقولهم: حلبت البعير يريدون الناقة. فالجمل في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة كالفتاة. وكذلك القلوص والبعير كالإنسان. ذكره في " المغني ". وكذا الحكم في لفظ الثور.

ولا فرق في ذلك بين أن يقول: أو صيت له بثلاث أو بثلاثة من غنمي أو إبلي

أو بقري أو نحو ذلك. فلذلك قلت (مطلقاً).

وقيل: أن قال بثلاثة

(5)

أو أربعة أو نحو ذلك مما اتصلت به الهاء فهو للذكور، وإن قال: بثلاث أو اربع أو نحوهما بدون هاء فهو للإناث.

(1)

في ج: الثوب.

(2)

في أ: يعني أنه يعمل بالحقيقة مع مخالفة العرف.

(3)

في أ: أوصى.

(4)

أخرجه أحمد في " مسنده "(11325) 3: 36.

(5)

في ج: ثلاثة.

ص: 450

وقيل: يغلب العرف فتكون الشاة للأنثى، والبعير للذكر من الإبل، والثور للذكر من البقر؛ لأنه المتبادر إلى الفهم.

(وحُصان) بكسر الحاء المهملة (وجمل) بفتح الميم

(1)

وسكونها (وحمار وبغل وعبد: لذكر) فقط. لكن في العبد قول أنه للذكر والأنثى.

واستدل بكونه

(2)

للذكر فقط بقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)[النور: 32]. فإن المعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهراً. ولأنه

(3)

في العرف كذلك. فإنه لا يفهم من إطلاق اسم العبد إلا الذكر. ولو وكله في شراء عبد لم يكن له شراء أمة. فلا تنصرف الوصية إلا إلى الذكر.

(وحِجْرْ) بكسر الحاء المهملة ثم بسكون الجيم واخرها

(4)

راء. الأنثى من الخيل.

قال في " القاموس ": وبالهاء لحن. انتهى.

(وأتان): الحمارة. قال في " القاموس ": والأتانة قليلة. انتهى.

(وناقة وبقرة لأتتى). قاله في " الأنصاف ".-

(وفرس ورقيق: لهما). أى للذكر والأنثى ويكونان للخنثى أيضاً.

(والدابة اسم لذكر وإنثى من خيل وبغال وحمير).

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب. وقطع به كثير منهم فتقيد يمين من حلف لا

(5)

يركب دابة بها.

وفي " الترغيب ": وجه في وصيته بدابة يرجع إلى عرف البلد.

(1)

في ج: الجيم. وهو تصحيف.

(2)

في ج: لكونه.

(3)

في أ: ولأن.

(4)

في أ: واخر.

(5)

في أ: ألا.

ص: 451

وذكر أبو الخطاب في " التمهيد " في الحقيقة العرفيه: أن الدابة اسم للفرس عرفاً. وعند الإطلاق تنصرف إليه. وذكره في " الفنون "

(1)

عن أصولي. يعني نفسه. قال: لأن لها نوع قوة من الدبيب. ولأنه ذو كَرِّ وفرِّ. انتهى.

ووجه المذهب: أن الاسم في العرف يقع على جميع ذلك. لكن أن قرن به

ما يصرفه إلى أحدها؛ مثل أن قال: دابة يقاتل عليها أو يسهم لها

(2)

أنصرف إلى " الخيل. وإن قال: دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال؛ لأنه لا نسل لها وخرج منه الذكور لذلك.

(و) تصح الوصية أيضاً (بغير معين كعبد من عبيده) ولا يسميه، (ويعطيه الورثة ما شاؤوا منهم) أى من عبيده ..

قال في " المقنع ": في ظاهر كلامه.

قال في " الأنصاف ": وهو إحدى الروايتين. ونص عليه في روايه ابن منصور وهو المذهب. اختاره القاضي وابو الخطاب والشريف أبو جعفر في " خلافيهما "

(3)

والشيرازي والمصنف وابن عبدوس في " تذكرته " وقدمه في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " وصححه في " النظم ".

وقال الخرقي: يعطى واحداً بالقرعة. وهو رواية عن أحمد. اختاره

ابن أبي موسى وصاحب " المحرر " وأطلقهما في " الفروع ".

وقال في " التبصرة ": هاتان الروايتان في كل لفظ احتمل معنيين. قال: ويحتمل حمله على ظاهرهما. انتهى.

ووجه المذهب: أنه يعطيه الورثة من عبيد الميت من صحيح أومعيب أو

جيد أورديء أوكبير أوصغير يتناوله اسم العبد. فاً جزأ؛ كما لو وصى بعبد ولم يضفه إلى عبيده.

(1)

في أ: " الأنصاف ".

(2)

في أ: سهم له.

(3)

في ج: فيهما.

ص: 452

(فإن ماتوا) أى عبيد الموصي بعد موته (إلا واحد: تعينت) الوصية (فيه)؛ لتعذر تسليم الباقي.

(وإن قتلوا) كلهم بعد موته: (فله) أى فللموصى

(1)

له (قيمة أحدهم) الذي يختار الورثة أن يعطى للموصى له قيمته (على قاتل) له. كما يلزم

(2)

القاتل قيمته وإن لم يكن موصى به.

(وإن لم يكن له) أى للموصي (عبد) حال الوصية (ولم يملكه) أى يملك

عبدا (قبل موته: لم تصح) الوصية؛ كما لو أوصى له بما في كيسه ولا شيء فيه. وتبطل إن ماتوا كلهم قبل موت الموصي؛ لأن الوصية إنما تلزم بالموت، ولارقيق له حينئذ.

(وإن ملك) من ليس له عبيد حين الوصية (عبداً واحداً) بعدها

(3)

، (أو

كان له) حين الوصية عبد واحد: (تعين) كونه للموصى له؛ لأنه لم يكن للوصية محل غيره.

(وإن قال) الموصي: (أعطوه عبداً من مالي، أو) أعطوه (مائة من أحد كيسيّ. و) الحال أنه (لا عبد له) في ماله

(4)

في المسألة الأولى، (أو لم يوجد فيهما) أى في الكيسين (شيء) في المسأله الثانية:(اشتري له ذلك) الموصى به من مال التركة؛ لأنه لم يقيد ذلك

(5)

بكونه في ملكه، وقد قصد أن يصل له من ماله

(6)

ذلك الموصى به

(7)

. وقد امكن ذلك بشرائه من الثلث. فنفذت الوصية.

(1)

في أ: للموصى.

(2)

في أ: لو يلزم.

(3)

في أ: بعدما.-

(4)

في ج: حالة.

(5)

في ج: بذلك.

(6)

في ج: مال.

(7)

ساقط من أ.

ص: 453

وقيل: إن مات قبل أن يملك عبداً أو يجعل في أحد الكيسين مائة: بطلت الوصية.

(و) من وصى لإنسان (بقوس) مبهم صحت الوصية؛ لما في القوس من المنفعة المباحة. ولأن جهالتها لا تنافي صحة الوصية.

(و) حيث تقرر ذلك فلو كان (له) أى للموصي (أقواس) منها: ما هو

(لرمي) بنشاب. وهي

(1)

القوس الفارسية. أو لرمي بنبل وهي القوس العربية. أو قوس بمجرى أو قوس زنبور أو جرج.

(و) منها ما هو لرمي (بندق) ويسمى قوس جلاهق.

قال في " القاموس ": الجلاهق كغلابط البندق الذي يرمى به. وأ صله بالفارسية جلة وهي كبة غزل والكبير جلها وبها سمي الحائك.

ومنها قوس (نَدْفٌ.

فله) أى للموصى له من ذلك (قوس النشاب؛ لأنها أظهرها. إلا مع صرف

قرينة إلى غيرها).

قال في " الأنصاف ": وهذا المذهب. صححه المصنف وغيره. وجزم به

في " الو جيز " وغيره وقدمه في " الفروع " و" الفائق " و" الرعايتين " و" الحا وي الصغير " و" النظم ".

قا ل الحارثي: وهو الأصح. انتهى.

وقيل: له مع عدم القرينة وأحد منها؛ كالوصية بعبد من عبيده.

وقيل: له وأحد منها غير قوس البندق.

وقيل: له قوس النشاب، أو النبل.

ومن أمثلة صرف القرينة عن قوس النشاب: لو كان الموصى له ندافاً

(2)

(1)

في أ: وهو.

(2)

في ج: نداف.

ص: 454

لا عادة له بالرمي. أو كانت عادته رمي الطيور بالبندق: فإنه ينصرف في المسألة الأولى لقوس الندف.

وفي الثانية: لقوس البندق، لأن ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالأنتفاع به.

وعلم مما تقدم: أنه لو لم يكن له إلا قوس واحدة من هذه القسيَّ: تعينت

الوصية فيها. وإن كان عنده أقواس النشاب فللورثة أن يعطوه ما شاؤوا منها " كالوصية بعبد من عبيده.

(ولا يدخل وَتَرُها) أى وتر القوس في الو صية بقوس " لأن الاسم يقع عليها دونه. وفيه وجه: أنه يدخل، لأنه لا ينتفع بها إلا به.

(و) من وصى لإنسان (بكلب أوطبل) وله منها ما هو محرم كالكلب الأسود البهيم وطبل اللهو. (وثَمَّ) بفتح المثلثة (مباحٍُ) من الكلاب كالذي يجوزاقتناؤه، ومن

(1)

الطبول كطبل

(2)

الحرب: (أنصرف) اللفظ (إليه) " لأن وجود المحرم كعدمه شرعا. فلا يشمله اللفظ عند الإطلاق.

وقيل: لا تصح الو صية بمباح ومحرم معا.

(وإلا) أى وإن لم يكن عنده كلب مباح ولا طبل مباح: (لم تصح)

الو صية " لأن الو صية بالمحرم معصية. ولعدم المنفعة المباحة فيه. فلو كان عنده طبل يصلح للحرب وللهو معا صحت الو صية به لقيام المنفعة المباحة فيه. وعلم مما تقدم: عدم صحة الو صية بالمزمار والطنبور ولو لم يكن فيه أوتار، لأنه مهيأً لفعل المعصية. أشبه ما لو كان فيه أو تار.

(ولو وصى) إنسان (بدفن كتب العلم: لم تدفن).

قال في " الفروع ": قاله أحمد. وقال: ما يعجبني.

ونقل الأثرم: لا بأس.

(1)

في أ: من.

(2)

في ج: لطبل.

ص: 455

ونقل غيره: تحسب من ثلثه.

وعنه: الو قف.

قال الخلال: الأحوط دفنها. انتهى كلامه في " الفروع ".

ووجه المذهب: أن العلم مطلوب نشره ودفنه مناف لذلك. والله أعلم.

(ولا يدخل فيه) أى في كتب العلم (أن وصى بها لشخص كتب الكلام).

قال في " الفروع ": قال ابن الجوزي أما من عنده أنه حكاية

(1)

عن الشافعي ولم يخالفه لو أن رجلاً وصى

(2)

بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام: لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم. انتهى.

واقتصر على ذلك.

(ومن وصى بإحراق ثلث ماله: صح. وصرف في تجمير

(3)

الكعبة) أى تبخيرها. (و) في (تنوير المساجد). ذكره ابن عقيل واقتصر عليه في " الفروع ".

(و) من أوصى بثلث ماله (في التراب) فإنه (يصرف فى تكفين الموتى).

قاله ابن عقيل وابن الجوزي واقتصر عليه في " الفروع ".

(و) من وصى بثلث ماله (في الماء): فإنه (يصرف فى عمل سفرللجهاد). قاله ابن عقيل وابن الجوزي واقتصر عليه في " الفروع ".

(وتصح) الوصية (بمصحف ليقرأ فيه)؛ لأن تلاوة القرآن قربة. فصحت الوصية بما يعين عليها؛ كالوصية بفرس يُغْزَا

(4)

عليه. (ويوضع) المصحف الموصى به (بمسجد)؛ لأنه محل الطاعات، (أو موضع حريز) خشية أن يُسرق.

(1)

في أ: حكاه.

(2)

في ج: أوصى.

(3)

في ج: تجهيز.

(4)

في ج: يغزو.

ص: 456

(وتنفذ وصية) أى وصية الموصي بجزء مشاع من ماله كالربع والخمس (فيما علم من ماله وما لم يعلم).

قال في " الأنصاف ": جزم به في " المغني " و" الشرح" وغيرهما ولا أعلم

فيه خلافا. انتهى.

وقال في " المبدع " بعد أن ذكر المسألة في كلام " المقنع ": وعنه أن علم

به. وحكى ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة. إلا في

(1)

المدبر فإنه يدخل في كل شيء. والأنهل اشهر؛ لأن الوصية بجزء من ماله لفظ عام. فيدخل فيه ما لم يعلم به من ماله؛ كما لو نذر الصدقه بثلثه.

(فإن وصى) إنسان (بثلثه فاستحدب مالاً) بعد الوصية (ولو بنصب أُحْبُولة

قبل موته، فيقع فيها صيد بعده: دخل تحت ثلثه) أى ثلث المال المستحدب

(2)

(في الوصية).

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب وعليه الأصحاب. انتهى.

قال في " المحرر ": ومن وصى بثلث ماله تناول المتجدد

(3)

والموجود،

وإن لم يعلم به.

وعنه: لا يتناول المتجدد. إلا أن يعلم به، أو يقول في وصيته بثلثي يوم أموت. أنتهى.

ووجه المذهب: أن المتجدد بعد الوصية ترثه ورثته.

(ويقضى منه دينه). أشبه ما لو ملكه قبل الوصية.

(وإن قتل) عمدا أو خطاً من أوصى بجزء من ماله أو من عليه دين (فأُخذت ديته: فميراث) أى فديته ميراب عنه. فتكون من جملة التركة.

قال في " الأنصاف ": وهو المذهب.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: المستجد.

(3)

في ج: المستجد.

ص: 457

قال

(1)

الإمام أحمد: قد " قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدية ميراث "

(2)

انتهى.

فعلى هذا (تدخل) الدية (في وصية، ويقضى منها دينه) أى دين المقتول.

قال في " المغني ": اختلفت الرواية عن أحمد: فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء منه مشاع، فقتل الموصي، وأخذت ديته. هل للموصي منها شيء أو لا؟ فنقل مهنا عن أحمد: أنه يستحق منها

(3)

. وروي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه في دية الخطأ. وهو قول الحسن ومالك.

ونقل ابن منصور عن أحمد: لا تدخل الدية في وصيته وروي ذلك عن مكحول وشريك وأبي ثور وداود وهو قول إسحاق.

وقال

(4)

مالك: في دية العمد، لأن الدية إنما تجب للورثة بعد موت الموصي. بدليل أن سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله، لأن الحكم لا يتقدم سببه. ولا يجوز أن تجب للميت بعد موته " لأنه بالموت تزول أملاكه الثابتة له. فكيف يتجدد له ملك؟ فلا تدخل في الوصية " لأن الميب إنما وصى

(5)

بجزء من ماله لابمال ورثته.

ووجه الرواية الأولى: أن الدية تجب للميت لأنها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها.

ولأن بدل أطرافه في حال حياته له فكذلك بدلها بعد موته. ولهذا تقضى منها

ديونه ويجهز منها أن كان قبل تجهيزه. وإنما يزول من أملاكه ما استغنى عنه. فاًما ما تعلقت به حاجته فلا.

ولأنه يجوز أن يتجدد له ملكٌ بعد الموت " كمن نصب شبكة فسقط فيها

(1)

في أ: قاله.

(2)

أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى؛ 8: 134 جماع أبواب كفارة القتل، باب ميراث الديه.

(3)

في أ: ما.

(4)

في ج: وقاله.

(5)

في ج: يوصي.

ص: 458

صيد بعد موته. فإنه يملكه بحيث تقضى ديونه منه ويجهز. فكذلك ديته؛ لأن تنفيذ وصيته من حاجته

(1)

فأشبهت قضاء دينه. انتهى.

قال في " الأنصاف ": تنبيه: مبنى الخلاف هذا على أن الدية تحدب على ملك الميت أوعلى ملك الورثة. وفيه روايتان.

والصحيح من المذهب: أنها تحدث على ملك الميت. أنتهى

(2)

.

(وتحسب) الدية (على الورثة) أى

(3)

ورثة المقتول (أن) كان (وصى بمعين بقدر نصفها) على أحد الوجهين المفرعين

(4)

على الروايتين المتقدمتين.

قال في " المغني ": وإن كانت الوصية بمعين: فعلى الرواية الأولى يعتبر خروجه من ثلث ماله وديته، وعلى الأخرى يعتبر خروجه من أصل ماله دون ديته؛ لأنها ليست من ماله.

وفي الدية قول على أنها تركة ولا تدخل في الوصية.

قال في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " و" الفائق ": ودية المقتول عمداًً

أو خطاً تركة تقضى منها ديونه.

وفي وصيته وجهان.

ولو وصى بمعين قدر نصف الدية: فالديه محسوبة على الورثة من ثلثيه

(5)

. وقيل: لا.

وعنه: ديته لهم. فلا حق فيها لوصية ولا دين.

وقيل: يقضى منها الدين فقط. نقله في " الأنصاف ".

(1)

في أ: حاجة.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في أ: الفرعين.

(5)

في أ: ثلثه.

ص: 459

[فصل: في حكم الوصية بمنفعة]

(فصل. وتصح

(1)

الوصية (بمنفعة مفردة) عن الرقبة

(2)

في قول الأكثر؛

لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة. فصحت الوصية بها؛ كالأعيان.

ولأن الوصية بالمنفعة

(3)

هبة بعد الموت. فصحت في الحياة؛ كالمقا رنة.

وذلك (كـ) وصية الإنسان

(4)

(بمنافع امته ابداً أو مدة معينة) كشهر وسنة.

قال ابن رجب في القاعدة السادسة والثمانين: وقد قال أحمد في رواية مهنا: فيمن أوصى بخدمة عبد أو ظهر دابة تركب أو بدار تسكن. فقال: الدار لا بأس بها، وأكره العبد والدابة لأتهما يموتان.

قال ابو بكر: الذي أقول به أن الوصية تصح في جميع ذلك؛ لأن الدار تخرب أيضاً.

وحمل القاضي كلام أحمد على الكراهة دون إبطال الوصية.

وقال الشيخ تقي الدين: لم يُرد أحمد أن الوصية لا تجوز إلا بما يدوم نفعه. فإن

(5)

هذا لا يقوله أدنى من له نظر في الفقه فضلاً عن أن يكون مثل هذا الإمام. وإنما أراد أن العبد والدابة إذا وصى بمنافعهما على- التأبيد فلم يترك

(1)

في ج: تصح.

(2)

في أ:

منفردة) عن الدية.

(3)

في ج: بالأعيان.

(4)

في أ: وصيته لإنسان.

(5)

في أ: فإنه

ص: 460

للورثة ما ينتفعون به. فلا يجوز أن يحتسب

(1)

ذلك عليهم من الميراث. فإنه لا فائدة في الرقبة المجردة عن المنافع. بل هو ضرر محض. وقد شرط الله سبحانه وتعالى لجواز

(2)

الوصية عدم المضارة. لكن أن قصد الموصي أيصال جميع

(3)

المنافع [إلى الموصى له فهذه وصية بالرقبة: فلا يحتسب على الورثة منها شيء، ولا يصح الأيصاء معها بالرقبة. وإن قصد مع ذلك بقاء الرقبة للورثة أو الأيصاء بها لآخر بطلت الوصية لامتناع أن يكون المنافع كلها لشخص والرقبة لآخر. ولا سبيل إلى ترجيح أحد الأمرين فيبطلان. أما أن وصى في وقت بالرقبة لشخص وفي اخر بالمنافع لغيره: فهو كما لو أوصى بعين لاثنين في وقتين. واستدل على أن تمليك جميع المنافع]

(4)

تمليك للعين بالرقبى والعمرى.

فإنها تمليك للرقبة حيب كانت تمليكاً للمنافع في الحياة. وهذا المعنى منتف في الوصية بسكنى الدار؛ لأن هذا تمليك منفعة خاصة تنتهي بموت الموصى له وبخراب الدار فيعود الملك إلى الورثة كما يعود الملك في السكنى في الحياة. انتهى.

وإنما ذكرت هذا لكون ظاهر النص

(5)

مشكل. فأردت ذكر ما أجيب به عنه. فاسترسل الكلام إلى ذكر

(6)

اختيار الشيخ تقي الدين في المسألة. والله أعلم. (ويعتبر خروح جميعها) أى جميع الأمة (من الثلث).

قال في " الأنصاف ": وهو الصحيح. وهو ظاهر كلامه في " الوجيز " وصححه في " التصحيح " وقدمه في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " و" الفائق ". انتهى.

(1)

في أ: يجب.

(2)

في أ: جواز.

(3)

في أ: لكن أن قصده الموصي أيضاً وجميع.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في أ: النصف.

(6)

في ج: ذلك

ص: 461

ووجه

(1)

ذلك: أن المنفعة مجهولة لا يمكن تقويمها على أنفرادها. فوجب اعتبار جميع الموصى بمنفعتها

(2)

.

وقيل: تقوم بمنفعتها ثم تقوم مسلوبة

(3)

المنفعة فيعتبر ما بينهما.

وقيل: أن وصى بالمنفعة على التاًبيد أعتبرت قيمة

(4)

الرقبة بمنافعها من الثلث؛ لأن عبداً لا منفعة له لا قيمة له.

وإن كانت الوصية بالمنفعة مدة معلومة اعتبرت المنفعة فقط من الثلث. (وللورثة) أى ورثة الموصي (ولو أن الوصية) بمنافع الأمة (أبداً عتقها) أى عتق الأمة الموصى بمنافعها؛ لأنها مملوكة لهم، ومنافعها للموصى له، ولا يرجع على معتقها بشيء. وإن أعتقها الموصى له بمنفعتها لم تعتق؛ لأن العتق للرقبة وهو لا يملكها.

وإن وهبها منافعها قبل عتق الورثة لها: فلهم الأنتفاع بها؛ لأن ما يوهب للرقيق يكون لسيده.

(ولا) يجزئ عتق الورثة لها (عن كفارة)؛ كما لا يجزئ عن ذلك عتق الزمنة.

وقيل: تجزئ كالمؤجرة.

(و) للورثة أيضاً (بيعها) من مالك النفع ومن غيره؛ لأنها أمة مملوكة تصح هبتها. فصح بيعها؛ كغير الموصى بنفعها.

وقيل: لا يصح بيعها إلا لمالك نفعها؛ لأنه تجتمع له الرقبة والمنفعة. فينتفع بها بذلك. بخلاف غيره.

وقيل: لا يصح بيعها مطلقاً؛ لعدم نفعها؛ كالحشرات.

(1)

في أ: وجود وجه.

(2)

في أوب: بنفعها.

(3)

في أ: سلوبة.

(4)

في أ: فيه.

ص: 462

ورُدَّ قياسها على الحشرات بتحصيل الثواب بإعتاقها، وتحصيل ولائها

بالإعتاق.

ولأنه ربما يهبها الموصى له بالنفع نفعها فتكمل لمشتريها.

(و) للورثة أيضاً (كتابتها).

قال في " الفروع ": وفي كتابتها الخلاف. يعني الخلاف الذي في البيع. (ويبقى أنتفاع وصي) في مسألة البيع والكتابة (بحاله)، لأنه لا معارض

له.

(و) للورثة أيضاً (ولاية تزويجها بإذن مالك النفع).

أما كون ولآية تزويجها للورثة فلان هم المالكون لرقبتها.

وأما كون ذلك لا يكون

(1)

إلا بإذن مالك المنفعة " لما فيه من الضرر عليه. ويجب تزويجها بطلبها " لأنها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ومنفعتها ولم يطاًها: أجبر عليه وقدم حقها على حقه. فهنا أو لى.

(والمهر له) أى لمالك النفع في كل موضع وجب، لأنه من منافعها. لكن

لما لم يجز أن يطأ الموصى له كان بدله له.

وقيل: لمالك الرقبة؛ لأن

(2)

منافع البضع لا تصح الو صية بها " لأن تحريم الوطء بالوصية أو جب خرونجه من- الوصية. وإذا لم يكن الوطء داخلا في الوصية فكذلك بدله.

قال في " الأنصاف " عن الأول: أن المذهب. جزم به في " المنور " وغيره وقدمه في " المحرر " وغيره وصححه في " النظم " والحارثي وغيرهما.

قال في " الفائق ": هذا قول الجمهور. انتهى.

وأضافه في " المغني " و" المقنع " للأصحاب.

(1)

في أ: يملكون.

(2)

في أ: أن.

ص: 463

(وولدهما) أى الموصى بنفعها (من شبهة: حرُّ) لاعتقاد الواطئ أو وطئ

في ملك. (وللورثة قيمته عند وضع على واطئ)؛ لأنه لما امتنع رقه وجب لمن كان له لو لم يمتنع رقه جبر ما فات من رقه. وإنما اعتبرت القيمة عند الوضع؛ لأنها لا تعلم قبل ذلك. فوجب اعتبارها بأو ل حالة تعلم بها.

(و) للورثة أيضاً (قيمتها أن قُتلت)؛ لأن الإتلاف صادف الرقبة وهم مالكوها.

(وتبطل الو صية) لفواب المنفعة ضمنا كبطلان الإجارة بقتل

(1)

الأمة

المستأجر ة.

وقيل: يشترى بقيمتها ما يقوم مقامها. اختاره جماعة.

[وقال في " الأنصاف ": عن الأول أن المذهب. صححه في " التصحيح " وغيره وجزم به في " الوجيز " وغيره]

(2)

وقدمه في " المحرر " و" النظم " و"الرعايتين " و" الحا وي الصغير " و" الفر وع " وغيرهم.

(وإن جنت) الأمة الموصى بنفعها (سلمها وارث) أى ولي الجناية (أو فداها مسلوبة) أى بالأقل من قيمتها مسلوبة المنفعة أو أرش الجناية؛ لأنه إنما يفوت لو اقتص منها رقبة مسلوبة المنفعة. فلم يكن عليه أكثر من قيمتها كذلك. (وعليه) أى على الوارث (أن قتلها قيمة المنفعة) فقط (للوصيّ) أى للموصى له بمنفعتها. قاله في " الأنتصار " واقتصر عليه في " الفروع ".

وقال

(3)

في " الأنصاف " بعد أن ذكر كلامه في " الأنتصار ": قلت: وعموم كلام المصنف وغيره من الأصحاب أن قتل الوارث كقتل غيره. انتهى. (وللوصي) أى الموصى له بمنفعتها (استخدامها حضراً وسفراً)؛ لأنه مالك لنفعها أشبه مستأجرها للخدمة.

(1)

في ج: تقبل.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: وقاله.

ص: 464

(وإجارتها)؛ لأنه يملك منفعتها ملكاً تاماً. فملك أخذ العوض عنها؛ كالأعيان. وكما لو كان مستأجراً لها.

(وإعارتها)؛ لأن من ملك إجارة عين لملكه لمنفقها ملك إعارتها.

(وكذا ورثته بعده).

قال في " الفروع ": ونفعها بعد الوصي لورثته. قطع به في " الأنتصار ".

وأنه يحتمل مثله في هبته نفيع داره وسكناها شهراً وتسليمها.

وقيل: لورثة الموصي. انتهى.

وعبارته في " الأنصاف "

(1)

: لو مات الموصى له بنفعها كانت المنفعة

لورثته على الصحيح من المذهب. جزم به [في " الأنتصار "]

(2)

في الأجرة بالعقد. وقال: يحتمل مثله في هبة نفع داره وسكناها شهراً وتسليمها. وقدمه

في " الفروع ".

وقيل: بل لورثة الموصي.

قلت: وينبغي أن يكون الحكم كذلك فيما إذا مات الموصى له برقبتها أن

تكون الرقبة لوارثه. انتهى كلامه في " الأنصاف ".

(وليس له) أى للموصى له بنفع الأمة (ولا لوارث) أيضاً (وطؤها).

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب وعليه الأصحاب، وقطع به كثير منهم.- وقال في " الترغيب ": في جواز وطء مالك الرقبة وجهان. انتهى.

ووجه المذهب: أن مالك المنفعة لا لملك رقبتها ولا هو بزوج لها.

ولا يباح الوطء بغيرهما؛ لقول الله تعالى: (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)[المؤمنون: 6].

ومالك الرقبة لا يملك الأمة

(3)

ملكا تاما. بدليل أو

(1)

في ج: الأنتصار.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أوج فلادة: ولا هو بزوج لها ولا يياج الوطء بغيرهما. وهي مكررة. وقد ذكرت قبل عدة=

ص: 465

لا يملك الاستقلال بتزويجها. بخلاف مالك الأمة المؤجرة.

(ولا حد به) أى بوطئها (على واحد منهما)؛ لأنه وطء شبهة لوجود الملك لكل منهما فيها

(1)

.

(وما تلده) من واحد منهما: فهو (حر)؛ لأنه من وطء شبهة.

(وتصير أن كان الواطئ مالك الرقبة) بما

(2)

تلده منه (اأم ولد)؛ لأنها علقت منه بحر في ملكه، وعليه المهر لمالك المنفعة دون قيمة

(3)

الولد.

وإن ولدت من مالك المنفعة لم تصر أم ولد له " لأنه لا يملكها. وعليه قيمة

الولد يوم وضعه لمالك الرقبة.

(وولدها من زوج) لم يشترط حريته (أو) من (زنا: له) أى لمالك الرقبة.

قال في " الأنصاف ": قدمه في " المحرر " و" الفر وع " و" النظم " وجزم به

في " المنور ". وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة. انتهى.

ووجه ذلك: أو ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها

فكان لمالك الرقبة.

وقيل: هو بمنزلتها؛ لأن الولد يتبع الأم في حكمها. أشبه ولد المكاتبة. وجزم بهذا القول في " الهدأىة " و" المذهب " و" مسبوك الذهب " و" المستوعب " و" الخلاصة " و" الكافي " و" شرح ابن منجى " .. وقدمه في " الرعايتين " و" الحاوى الصغير " و" الفائق " و" الشرح ". نقل ذلك في

" الأنصاف ".

(ونفقتها) أى نفقة الموصى بنفعها (على مالك نفعها).

(1)

= أسطر.

في ج: منها.

(2)

في أ: مما.

(3)

في أ: القيمة.

ص: 466

قال في " الأنصاف ": وهو المذهب صمححه في " التصحيح ". واختاره المصنف والشارح وجزم به في " المنور " و" منتخب الأزجي " وقدمه في " الخلاصة " و" المحرر " و" النظم " و" تجريد

(1)

العنا ية ".

وزاد في " المغني ": وهو قول أصحاب الرأى والاصطخري. وهو أصح

أن شاء الله تعالى؛ لأنه يملك النفع على التاً بيد. فكانت النفقة

(2)

عليه؛ كالزوج. ولأن نفعها له فكان عليه ضررها كالمالك لهما جميعا. يحققه

(3)

: أن أيجاب النفقة على من لا نفع له ضررٌ مجرد. فيصير معنى الوصية: أو صيت لك بنفع أمتي وأبقيت على ورثتي ضرها ..

وقيل: على مالك الرقبة.

[قال في " الأنصاف "]

(4)

: وهو الذي ذكره الشريف ابو جعفر مذهبا لأحمد

(5)

. وجزم به في " الوجيز " وأبو الخطاب في " رووس المسائل " وابن بكروس وغيرهم. وعن القاضي مثله. وقدمه في " الرعايتين " و" الفائق " و" الحاوى الصغير ". انتهى.

قال في " المغني ": وهو قول أبي ثور وظاهر

(6)

مذهب الشافعي "؛ لأن النفقة على الرقبة. فكانب على صاحبها؛ كالعبد المستأجر. وكما لو لم يكن لهامنفعة.

قال الشريف: ولأن الفطرة تلزمه. والفطرة تتبع النفقة. ووجوب التابع

على إنسان دليل على وجوب المتبوع عليه. انتهى.

وقيل: تجب نفقتها في كسبها. فإن عدم ففي بيت المال.

(1)

في أ: وتحرير. وهو تصحيف.

(2)

في أ: المنفعة.

(3)

في ج: بحقيقة.

(4)

ساقط من أ.

(5)

في أ: مذهب الأحمد

(6)

في ج: وهذا

ص: 467

(وإن وصى) مالك أمة (لإنسان برقبتها ولآخر بمنفعتها: صح)؛ لأن الموصى له برقبتها ينتفع بثمنها ممن يرغب في ابتياعها

(1)

وبعتقها وما يترتب عليه، والموصى له بالمنفعة بما ينتفع به لو

(2)

لم يوص برقبتها.

(وصاحب الرقبة) أى الموصى له بها (كالوارث) يعني أنه يقوم مقامه (فيما ذكرنا).

قال في " المغني ": وإذا أوصى

(3)

لرجل بحب زرعه ولآخر بنبته

(4)

: صح والنفقة

(5)

بينهما؛ لأن كل وأحد منهما تعلق حقه بالزرع.

فإن امتنع أحدهما من الأنفاق فهما بمنزلة الشريكين في أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من سقيه والأنفاق عليه. فيخرج في ذلك وجهان:

أحدهما: يجبر على الأنفاق عليه. هذا قول أبي بكر؛ لأن في ترك الأنفاق ضرراً عليهما وإضاعة للمال. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرو ولا ضرار "

(6)

.

و" نهى عن إضاعة المال "

(7)

.

والوجه الآخر: لا يجبر؛ لأنه لا يجبر على الأنفاق على مال نفسه ولا مال

غيره إذا كان كل وأحد منهما منفردا. فكذلك إذا اجتمعا.

وأصل الوجهين: إذا استهدم الحائط المشترك فدعى أحد الشريكين الآخر

إلى مباناته فامتنع.

(1)

في أ: ابتاعها.

(2)

في أ: أو

(3)

فى ج: وصى.

(4)

في ج: بتبنه.

(5)

في أ: والمنفعة.

(6)

أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1 234) 2: 784 كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره

(7)

أحرجه البخاري في " صحيحه "(2277) 2: 848 كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب ما ينهى عن إضاعة المال.

وأخرجه مسلم في " صحيحه "(593) 3: 1341 كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة

ص: 468

وينبغي أن تكون النفقة بينهما على قدر قيمة حق كل واحد منهما كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع.

وإن وصى لواحد بخاتم ولآخر بفصه: صح. وليس لواحد منهما الأنتفاع به

إلا بإذن صاحبه. وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه، وأجبر الآخر عليه. وإن اتفقا على بيعه أو اصطلحا على لبسه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما. وإن وصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران: صح. فإن أراد الورثة

بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار: فله منعهم منه " لأنه يجوز أن ينقص اجره عن الدينار. وإن كانت الدار

(1)

لا تخرج من الثلث: فلهم بيع ما زاد عليه وعليهم ترك الثلث. فإن كانت غلته ديناراً أو اقل فهو للموصى له. وإن كانت أكثر فله دينار والباقي للورثة. أنتهى

(2)

.

(ومن وصي له بمكاتب: صح)، لأنه يجوز بيعه. (وكان) الموصى به (كما لو اشتراه)، لأن الوصية تمليك اشبهت الشراء. ويعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمته مكاتباً أوما بقي عليه، لأنه أن كانت قيمته أكثر فهو لا يملك عليه سوى

(3)

ما بقي من نجوم الكتابة. وإن كانت نجوم الكتابه أكثر وموصى

(4)

له بالرقبة، ونجوم الكتابة لم تتعين لجواز أن يعجز المكاتب نفسه فلا يحتسب

(5)

على الموصي ما لم يتحقق وجوده له. ف ن أدى عتق والولاء للموصى له به كمشتريه، وإن عجز عاد قناً له. وإن عجز في حياة الموصي: لم تبطل الوصية، لأن رقه لا ينافيها. وإن أدى إلى الموصي: عتق، وبطلت الوصية وإن كان الموصي قد قال: أن عجز ورق فهو لك بعد موتي ففيه وجهان. (وتصح) الوصية (بمال الكتابة)، لأنها

(6)

تصح بما ليس بمستقر، كما

(1)

في أ: الدينار.

(2)

ساقط من أ.

(3)

ساقط من أ.

(4)

في ج: مو ص.

(5)

في أ: يحسب.

(6)

في أ: لأنه.

ص: 469

تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية. وحينئذ للموصى له استيفاء المال عند حلوله، والإبراء منه

(1)

. ويعتق باً حدهما، والولاء لسيده؛ لأنه المنعم عليه.

وفي " الخلاف ": لا تصح الوصية بمال الكتابة والعقل؛ لأنه غير مستقر.

وعلى الأول إذا عجز فأراد الوارث تعجيزه وأراد الوصي

(2)

أنظاره أو بالعكس: قُدِّم قول الوارث. ومتى عجز فهو عبد للوارث.

(و) تصح الوصية أيضاً (بنَجْم منها) أى الكتابة. والمراد مالها؛ لأن الوصية

إذا صحت بشئ صحت ببعضه. وللورثة مع إبهام النجم أن يعطوه أىَّ نجم شاؤوه. كما لو وصى بعبد من عبيده. وسواء كانت الوصية بذلك لأجنبي أو للمكاتب.

(فلو وصى بأوسطها) أى أو سط النجوم لأجنبى، (أو قال: ضعوه) عن المكاتب، (والنجوم شفع) كالأربعة والستة والثمانية: صحت الوصية، و (صرف) اللفظ (للشفع المتوسط؛ كالثانى. والثالب من أربعة. والثالث والرابع من ستة). والرابع والخامس من ثمانية.

قال في " الأنصاف ": قال في " القواعد الأصولية ": ذكره أبو محمد المقدسي وغيره. انتهى.

وعلم مما تقدم أن النجوم لو كانت وتراً كان النجم الأوسط

(3)

من ثلاثة الثانى. ومن خمسه الثالب. ومن سبعة الرابع بلا إشكال.

(وإن قاك) الموصي

(4)

: (ضعوا) عنه (نجماً: فما شاء وارث) من النجوم وضعه عنه.

(وإن قال): ضعوا (أكثر ما عليه، ومثل نصفه: وضع) عنه (فوق نصفه) أى نصف ما عليه. ووضع عنه أيضاً ("فوق ربعه) بشرط أن يكون مثل نصف الموضوع أوَّلاً.

(1)

في أ: منهما.

(2)

في ج: الموصي.

(3)

في ج من الأو سط.

(4)

في ج: الوصي.

ص: 470

(و) إن قال: ضعوا عنه (ما شاء: فالكل) يجب وضعه إذا شاءه، وخرج

من الثلث.

(و) إن قال: ضعوا عنه (ما شاء من مالها): فيجب عليهم وضع (فما شاء منه. لاكلُّه)؛ لأن "من "للتبعيض.

وقيل: ليس عليهم أيضاً أن يضعوا الكل إذا شاءه في المسألة التي قبل هذه.

وإن قال: ضعوا عنه أكثر نجومه وهي متفاوته: أنصرف لأكثرها مالاً. (وتصح) الوصية (برقبته) أى برقبة المكاتَب (لشخص، و) الوصية

(لآخر بما عليه)، لأن كلاَّ من الرقبة والدين مملوك للوصي. (فإن أدى) ما عليه للموصى له به (عتق) وبطلت الوصية برقبته.

قال في " الأنصاف ": على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب. انتهى. وقيل: لا تبطل ويكون الولاء له، لأنه أقامه مقام نفسه.

وكذا الحكم لو أبرأه من مال الكتابة الموصى له به.

(وإن عجز) عاد قِناً للموصى له برقبته، و (بطلت) الوصية (فيما عليه)

عند العجز. وما أخذه الموصى له بما عليه من مال الكتابة قبل عجزه: فهو له. ومتى اختلفا في فسخ الكتابة قُدم قول الموصى له بالرقبة، لأنه قائم مقام

الوارث.

وتصح مع فساد الكتابة الوصية برقبة المكاتب، وبما يقبضه. لا بما عليه،

لأنه لاشيءعليه.

(وإن وصى) إنسان (بكفارة أيمان فأقله ثلاثة).

قال في " الفروع ": نقله حنبل واقتصر عليه.

ووجه ذلك: أو أتى بلفظ الجمع. وأقله ثلاث.

ص: 471

[فصل: في حكم تلف الموصى به]

(فصل. وتبطل وصيةٌ بمعيَّن، بتلفه) قبل موت الموصي. وكذا بعده قبل قبوله الوصية " لأن حق الموصى له لم يتعلق بغير العين. فإذا ذهبت

(1)

زال حقه بخلاف ما إذا أتلفه الوارث أوغيرَه ثم قبله الموصى له فإن على متلفه

(2)

ضمانه له.

(وإن تلف المالُ كله غيره) أى غير الموصى به المعين، وكان تلف ما عداه (بعد موت موص فـ) الموصى به كله (للموصى له)، لأن حقوق الورثة لم تتعلق به لتعيينه للموصى له. بدليل أنه يملك أخذه بغير رضاهم.

قال أحمد: فيمن خلف مائتي دينار وعبداً

(3)

قيمته مائة، ووصى لرجل بالعبد. فسرقت الدنانير بعد الموت: فالعبد للموصى له.

قال في " الأنصاف ": فهو للموصى له بلا نزاع. ويشكل عليه ذكر غيره للخلاف.

قالى في " الفروع ": وإن تلف غيره فللموصى له كله. ذكره الشيخ. وقال غيره: ثلثه أن ملكه بقبوله. ويشكل عليه كون الشيخ لم ينفرد بالقول المنسوب إليه. وإنما قاله تبعا لمن تقدمه

(4)

. وعبارة الخرقي: وإن تلف المال كله

(5)

إلا الموصى به فهو للموصى له. انتهى.

(1)

في أ: ذهب.

(2)

في ج: متعلقه.

(3)

في أ: وعبد.

(4)

في أ: يتقدمه.

(5)

ساقط من أ.

ص: 472

(وإن لم يأخذه) أى يأخذ ألموصى له الموصى به (حتى غلا أو) حتى (نما) بأن صار إلى صفة زادت بها قيمته: (قُوِّم) بالبناء للمفعول أى

(1)

اعتبرت قيمة ما وصي به لتخرج من الثلث أو لا تخرج (حين موت) أى موت الموصي؛ لأنه حال لزوم الوصية.

قال في " الأنصاف ": وهذا المذهب مطلقاً نص عليه في رواية ابن منصور وقطيع به الخرقي والمصنف والشارح وغيرهم وقدمه في " الفروع " وغيره. انتهى.*

و (لا) يُقوّم حين (أخذ)، ولا يلتفت إلى ما زاد أو نقص من حين الموت

إلى حين الأخذ. والمراد بالأخذ هنا القبول.

وقال في " المحرر " بعد أن ذكر أن في حين أنتقال الملك إلى الموصي، ولمن يكون

(2)

من حين الموت إلى حين القبول ثلاثة أقوال:

الأول: أنه إذا قبل الوصية تبينا أنه ملكه عقيب

(3)

الموت.

والثانى: أنه من الموت إلى القبول ملك للوراث

(4)

.

والثالث: أنه باقٍ على ملك الميت إلى حين قبول الوصية.

وعبارته بعد ذكر ذلك: وإذا تلف المو صى به قبل القبول: بطلت الوصية على الوجوه كلها. وإن تغير في سعر أو صفة: قُوِّم بسعره

(5)

يوم الموت على أدنى صفاته من حين الموت إلى القبول، على الأول. وعلى الآخرين يعتبر وقت القبول سعراً وصفة. انتهى.

وعلى المذهب: إن كان الموصى به وقت الموت ثلث التركة أو دونه:

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج: ولم يكن.

(3)

في أ: عقب.

(4)

في ج: الوارث.

(5)

في أ: بسعر.

ص: 473

نفذت الوصية، واستحقه الموصى له كله. فإن زادت قيمته بعد ذلك حتى صار معادلاً لسائر المال، أوأكثر منه، أو هلك المال كله سواه: فهو للموصى له لا شئ للورثة فيه. وإن كان حين الموت زائداً عن الثلث فللموصى له منه قدر ثلث المال. فإن كان نصف المال فللموصى له ثلثاه، وإن كان ثلثيه فللموصى له به نصفه، وإن كان نصف المال وثلثه فللموصى له خمساه. فلو وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان، فزادت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائتين: فهو للموصى له كله، وإن كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى له به ثلثاه؛ لأنه ما ثلث المال، وإن نقصت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائة لم يزد حق الموصى له عن ثلثيه شيئاً. إلا أن تجيزه

(1)

الورثة، وإن كانت قيمته أربعمائة فللموصى له نصفه لا يزاد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد، أو نقص المال أو زاد.

وعطية المريض أيضاً يعتبر خروجها من الثلث حين الموت.

نقل صالح: فيمن له ألف درهم وعبد قيمته ألف فاً عتق العبد في مرض موته، وأنفق الدراهم: عتق من العبد ثلثه. فاعتبر ما له

(2)

حين الموت من العبد لا فيما قبله. فلما لم يكن له حين الموت إلا العبد لم يعتق منه إلا ثلثه، ولو لم يتلف الألف لعتق منه ثلثاه، ولو زاد ماله قبل موته حتى بلغ ألفين وتركهما مع العبد عتق كله، وإن تلف من التركة لشيء بفعل مضمون على الورثة حسب

(3)

عليهم من التركة. قاله في " المغني ".

(وإن لم يكن لموص) بشيء معين (سواه) من المال (إلا دينٌ) في ذمة وسر أو معسر

(4)

، (أو) إلا مال (غائب) عن البلد:(فلمو صى له)

(1)

في أ: تجيز.

(2)

في أ: حاله.

(3)

في أ: جب.

(4)

في أ: معه

ص: 474

بمعين

(1)

(ثلث موصى به). ويجب تسليمه إليه؛ لأن حقه فيه مستقر. ولا

(2)

فائدة في وقفه؛ كما لو لم يخلف سواه.

وقيل: لا يُدفع إليه منه شيء، لأن الورثة شركاؤه في التركة. فلا يحصل له شيء ينتفع به ما لم يحصل للورثة مثلاًه مما

(3)

يباج لهم الأنتفاع به. ولم يحصل لهم

(4)

شيء

(5)

ينتفعون به لأنه م لا يملكون التصرف في ثلثي المعين الموقوفين؛ لتعلق حق الموصى له.

وأجيب عن ذلك: بأن عدم الأنتفاع لا يمنيع نفوذ الوصية في الثلث المستقر. وإنما لم نمكنه من جميعه، لأنه ربما فات ما سواه فيسقط حقه مما عدا الثلث.

ولأن في إعطائه جميع المعين تعجيلاً لحقه. فيكون ظلماً في حق الورثة.

فياً خذ ثلث المعين الحاضر فقط.

(وكلما اقتضى) شيء من الدين (أو حضر شيء) من المال. الغائب: (ملك) الموصى له بالمعين (من موصى به قدر ثلثه) أى ثلث ما اقتضي أو حضر (حتى يتم) ملكه عليه. بأن يحصل من الدين أوالمال

(6)

الغائب ما يقابل المعين مرتين. فلو خلف تسعة عيناً، وعشرين ديناً

(7)

وابناء. ووصى بالتسعة لإنسان: وجب أن يسلم له من التسعة ثلاثة، وكلما اقتضي من الدين شيء فللوصي ثلثه. فإذا اقتضي ثلاثة

(8)

له من التسعة واحد. وهكذا حتى يقتضى ثمأنية عشر. فيكمل له التسعة.

(1)

في ج: بيقين

(2)

في أ: أو لا.

(3)

في ج: عما.

(4)

ساقط من ب.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في ج: والمال.

(7)

في أ: وعشر دين. وفي ب: وعشرين ديناراً.

(8)

في أ: ثلثه

ص: 475

وإن جحد الغريم الدين أو مات ولم يترك شيئاً: أخذ الابن الستة الباقية من العين.

(وكذا حكم مدين). قال في " الفروع ": ومثله المدبر. ذكره أصحابنا.

وفي " الترغيب ": فيه نظر. فإنه يلزم من

(1)

تنجيز عتق ثلثه تسليم ثلثيه إلى الورثة وتسليطهم عليهما ميع توقف عتقهما بحضور المال. وهذا سهو منه. قال وكذا إذا كان الدين على أحد أخوي الميت ولا مال له

(2)

غيره. فهل يبرأ عن نصيب نفسه قبل تسليم نصيب أخيه؟ على الوجهين. انتهى كلامه في " الفروع ". فائدة:

قال في " المغني ": ولو وصى لرجل بثلث ماله، وله مائتان ديناً

(3)

وعبد يساوي مائة، ووصى لآخر بثلث العبد: اقتسما ثلث العبد نصفين. وكلما اقتضي من الدين شيء فللموصى له بثلث المال ربعه، وله وللآخر من العبد بقدر ربع ما استوفي بينهما نصفين. فإذا استوفي

(4)

الدين كله كمل للوصيين نصف العبد ولصاحب الثلث

(5)

ربع المائتين. وذلك هو ثلث

(6)

المال. وإن استوفي الدين قبل القسمة قسما بينهما كذلك: للموصى له بالثلث ربع المائتين وربع العبد، وللموصى له بثلث العبد ربعه؛ لأن الوصيتين أربعة أتساع المال، والجائز منها ثلث المال وهو ثلاثة أتساع. وذلك ثلاثة أرباع وصيتهما. فرددنا كل واحد منهما إلى ثلاثة أرباع وصيته. وهو ربع المال كله لصاحب ثلثه، وربع العبد لصاحب ثلثه.

وفي المسألة أقوال سوى ما قلناه

(7)

تركناها لطولها. وهذا أسدها أن شاء الله

(7)

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من أ.

(3)

في أ: دينار.

(4)

في أ: استوى.

(5)

في أ: سدس.

(6)

ساقط من أ.

(7)

في أ: قلنا.

ص: 476

تعالى؛ لأننا أدخلنا النقص على كل وأحد منهما بقدر ما له في الوصية وكملنا لهما الثلث. وإن أجيز لهما أخذ كل وأحد منهما ما بقي من وصيته وهو ربعها فيكمل ثلث المال لصاحبه وثلمث العبد للاخر.

وإن خلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه وهو معسرفى

(1)

، ووصى لأجنبي بثلث ماله: فإن الوصي والابن الذي لا دين عليه يقتسمان

(2)

العشرة العين نصفين، ويسقط عن المدين ثلثا دينه، ويبقى لهما عليه ثلثه. فإن كانت الوصية بالربع قسمت العشرة العين بينهما أخماساً: للو صي

(3)

خمساها أربعة، وللابن ستة، وسقط عن المدين ثلاثة أرباع دينه، وبقي عليه ربعه. فإذا استوفي

(4)

قسم بينهما اخماساً كما قسم العين؛ لأن الوصية بالربع وهو ثمنان ويبقى سته أثمان [لكل ابن ثلاثة أثمان]

(5)

. فصار نصيب الوصى والابن الذي لا دين عليه خمسة أثمان: للابن ثلاثة

(6)

، وللوصي سهمأن. فلذلك قسمنا العين وما حصل لهما من الدين بينهما أخماسا، وسقط عن المدين

(7)

ثلاثة أرباع ما عليه؛ لأن له ثلاثة أثمان. وهي [ثلاثة ارباع]

(8)

النصف الذي عليه. أنتهى. (ومن وصي له بثلث عبد) أو بثلث مكان أو نحوهما (فاستحق ثلثاه) أى

ثلثا الموصى بثلثه: (فله) الثلث (الباقي) الذي لم يخرج مستحقاً أن خرج من

(9)

الثلث؛ لأن الباقي كله مو صى به، وقد خرج من الثلث. فاستحقه الموصى له؛ كما لو كان شيئاً معيناً.

(1)

في أ: معه.

(2)

في أ: يقسمان.

(3)

في ج: للموصي

(4)

فى أ: استوى.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أ: ثلثه

(7)

في ج: الدين.

(8)

ساقط من أ.

(9)

في أ: عن.

ص: 477

قال في " الأنصاف ": قاله الأصحاب

(1)

. ثم قال: وقيل له ثلث ثلثه

لا غير. ومثل ذلك: لو أوصى بثلث صبرة من مكيل أو موزون فتلف أو استحق ثلثاها خلافاً ومذهباً.

(و) من وصي

(2)

له (بثلث ثلاثة اعبد فاستُحق اثنان أوماتا: فله ثلث الباقي) " لأن الوصية اقتضت أن يكون له من كل وأحد ثلثه. فإذا استحق اثنان أوماتا بطلت الوصية فيهما ويبقى له ثلث الباقي.

قال في " الأنصاف ": هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.

وقيل: له جميع الباقي إذا لم تجاوز قيمته ثلث قيمتهم.

(و) من وصى لشخص (بعبد) معين (قيمُته مائة، ولآخر بثلث ماله ومِلْكُه غيرَه) أى غير العبد (مائتان. فأجازالورثة) الوصيتين: (فلموصى له بالثلث ثلث المائتين)، لأنه لا مزاحم له بينهما، وذلك ستة وستون وثلثان. (و) له أيضاً (ربعُ العبد) لدخوله في المال الموصى له بثلثه.

ومتى أوصى مالك شيء

(3)

بجميعه لإنسان وبثلثه لاخر دخل النقص على كل وأحد من الوصيين

(4)

بقدر ما له في الوصية " كمسائل العول. فيبسط الكامل من جنس الكسر الذي هو الثلث، ويضم

(5)

إليه الثلث الموصى به للآخر فيصير أربعة أجزاء فيصير الثلث منه ربعاً.

(ولموصّى له به) أى بالعبد (ثلاثةُ أرباعه) لمزاحمة الموصى له بثلث المال

في العبد بالربع.

(وإن رَدّوا) أى رد الورثة الوصية بالزائد عن الثلث في الوصيتين

(6)

: نظرنا

(1)

في أ: قاله في " الأنصاف ". وهو تصحيف.

(2)

في ج: أوصي.

(3)

ساقط من أ

(4)

في أ: الموصيين.

(5)

في ب: وينضم.

(6)

في أ: الموصيين

ص: 478

في مبلغ كل وصية هل هما متساو يان أو متفاوتتان؟ فوجدناهما هنا متساويتين؛ لأن العبد قيمته مائة

(1)

، وثلث جميع المال مائة. فيكون الثلث بينهما نصفين. إلا أن الموصى له بالمعين يأخذ نصيبه كله منه

(2)

والموصى له بالثك يأخذ نصيبه

(3)

من جميع المال. (فلموصى له بالثلث سُدُس المائتين وسدُس العبد)؛ لما تقرر

(4)

. (و) يكون (لموصى له به) أى بالعبد (نصفُه) ..

[قال في " الأنصاف "]

(5)

وهذا الصحيح من المذهب وعليه أكثرالأصحاب.

قال الحارثي: هو قول الخرقي ومعظم الأصحاب.

قال الزركشي: هو قول جمهور الأصحاب. انتهى.

وقال

(6)

في " المقنع ": وعندي أو يقسم الثلث بينهما على حسب ما لهما

في حال الإجازة: لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره، ولصاحب العبد ربعه وخمسه. انتهى.

وهذا قول ابن أبي ليلى.

قال في " المغني ": وقال أبو حنيفة ومالك في الرد: يأخذ

(7)

صاحب المعين

(8)

نصيبه منه، ويضم الآخر سهامه إلى سهام الورثة، ويقتسمون الباقي على خمسة في مثل مساًلة الخرقي- يعني صورة المتن؛ لأن له السدس وللورثة

(1)

ساقط من أ.

(2)

ساقط من ب.

(3)

ساقط من ب.

(4)

في أ: لها تقدر.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أ: قال.

(7)

في أ: بأخد.

(8)

في أ: العين.

ص: 479

أربعة أسداس. وهو مثل قول

(1)

الخرقي إلا أن الخرقي

(2)

يعطيه السدس من جميع المال. وعندهما: أنه يأخذ خمس المائتين وعشر العبد.

واتفقوا

(3)

على أن كل واحد من الوصيين

(4)

يرجع إلى نصف وصيته؛ لأن

كل واحد منهما قد أو صي له بثلث المال، وقد رجعت الوصيتان إلى الثلث وهو نصف الوصيتين. فيرجع كل وأحد إلى نصف وصيته، ويدخل النقص على كل واحد منهما بقدر ما له فى الوصية. وفي قول الخرقي: يأخذ سدس جميع المال لأنه وصي له بثلث الجميع. وأما على قولنا فإن وصية صاحب العبد دون وصية صاحب الثلث لأنه وُصَّي له بشيء شَِرّك معه غيره فيه وصاحب الثلث أفرده بشيء لم يشاركه فيه غيره. فوجب أن يقسم بينهما الثلث حالة الرد على حسب مالهما في حال الإجازة كما في سائر الوصايا. انتهى.

(و) أن كانت الوصية (بالنصف مكان الثلث، وأجازوا) أى الورثة الوصيتين: (فله) أى فللموصى له بالنصف (مائة)؛ لأنها نصف المائتين اللتين لا مزاحم

(5)

له فيهما. (وثلث العبد)؛ لأنه موصى له بنصفه؛ لدخوله في جملة المال، وموصى للاخر بكله. وذلك نصفإن ونصف فيرجع إلى الثلث

(6)

.

(و) يكون (لموصى له به) أى بالعبد (ثلثاه) لرجوع كل نصف إلى ثلث. (وإن ردوا) أى رد الورثة الوصيه للموصى لهما بما زاد على الثلث. (فلصاحب النصف خمس المائتين وخُمْس العبد) ستون من ثلثمائة وذلك خمسا وصيته. (ولصاحبه) أى صاحب العبد (خُمْساه) أربعون من ثلثمائة وذلك خمس وصيته. قاله أبو الخطاب. وهو قياس قول الخرقي.

(1)

في أ: قولي.

(2)

في ج: أن عند الخرقي.

(3)

في أ: واتفقا.

(4)

في أوج: الوصيتين.

(5)

في ج: زا حم.

(6)

في ب: ثلث.

ص: 480

قال في " الأنصاف ": وهو الصحيح.

قال الزركشي: وهو قول الجمهور. انتهى.

وقال الموفق: لصاحب النصف ربع المائتين وسدس العبد، ولصاحب العبد ثلثه. وهو قياس قوله

(1)

في المسألة التي قبلها.

(والطريق) على المذهب (فيهما.) أى في المسألتين (أن تنسِب الثلث،

وهو مائة إلى وصيتيهما) جميعا. (وهما) أى الوصيتان (في) المسألة (الأولى مائتان)؛ لأنه ما بالعبد وقيمته مائة، وثلث المال وهو مائة.

(و) الوصيتأن (في) المسألة (التاثية: مائتان وخمسون) " لأنه ما بالعبد وقيمته مائة، وبنصف المال وهو مائة وخمسون. (ويعطى كل واحد) من الوصيين (من وصيته مثل تلك النسبة). ونسبه الثلث

(2)

إلى الوصيتين في المسألة الأولى بالنصف؛ لأن الوصيتين فيهما بالثلثين. وفي المسألة الثانية بالخمسين- تثنية خمس- لأن الوصيتين فيهما بنصف وثلث، وذلك مائتان وخمسون. فإذا كان الثلث مائة كان خمسي

(3)

ذلك.

والطريق على قول الموفق: أن يجعل لكل واحد من الو صيين مما حصل له

مع الأجاز [بقدر نسبة الثلث إلى الحاصلين فيهما

(4)

. ففي المسألة الأولى اخذ الموصى له بالعبد حال الأجازه]

(5)

ثلاثة أرباعه وهو خمسة وسبعون، واخذ الموصى له بالثلث ربع العبد وهو خمسة وعشرون وثلث المائتين، وهو ستة وستون وثلثان. فمجموع ما اخذا مائة وستة وستون وثلثان. فإذا نسبت الثلث إليهما

(6)

وهو ما حصل لهما حالة الرد كان الثلث الذي هو مائة ثلاثة أخماس

(1)

في أ: قول.

(2)

في أ: للثلث.

(3)

في ج: خمس.

(4)

في ب: فيها.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أوب: إليها.

ص: 481

ذلك. فيكون لكل واحد منهما بنسبة ذلك مما كان له حال الإجازة. فقد كان للموصى له بالثلث ثلث المائتين فيكون له ثلاثة أخماس ذلك وهو خمس المائتين وذلك أربعون. والدليل

(1)

على أن الثلاثة أخماس الثلث يكون خمسا أنك

(2)

إذا أخذت مخرج الثلث والخمس [وذلك خمسة عشر، وأخذت ثلثه وهو خمسة: كانت ثلاثة أخماسها ثلاثة]

(3)

. وذلك خمس الخمسة عشر التي هي المخرج، وكان له من العبد ربعه وهو خمسة وعشرون. فيكون له ثلاثة أخماس ذلك، وهو خمسة عشر وهي عشر العبد ونصف عشره.

ومما يدل على أن ثلاثة

(4)

أخماس الربع يكون عشراً ونصف عشر: أنك

تأخذ مخرج الربع والخمس وهو عشرون. فإذا أخذت ربعها وهو خمسة فيكون ثلاثة أخماسها ثلاثة وهي عشر العشرين، ونصف عشرهما. فإذا أضفت الخمسة عشر التي حصلت له من العبد إلى الأربعين التي حصلب له من المائتين كان الحاصل له خمسة وخمسين، وقد كان للموصى له بالعبد ثلاثة أرباعه فيكون له ثلاثة أخماسها وذلك ربع العبد وخمسه؛ لأنك

(5)

إذا أخذت مخرج الربع والخمس وهو عشرون فثلاثة أرباع المخرج خمسة عشر فإذا أخذت ثلاثة أخماسها كان ذلك تسعة وهي ربع العشرين وخمسها. فيعطى الموصى له بالعبد ربعه وخمسه، وذلك خمسة وأربعون. فإذا جمعتها مع الخمسة والخمسين الحاصلة للموصى له بالثلث كان الجمييع مائة، وهي ثلث المال.

وأو ضح من ذلك أن تقول: حصل لهما في حال الإجازة مائة وستة وستون وثلثان، ونسبة الثلث إلى ذلك ثلاثة أخماس. فيرجع كل واحد منهما مما حصل له في حال الإجازة إلى ثلاثة أخماسه في مساًلة الرد. فيحصل للموصى له بالثلث

(1)

في أ: بالدليل.

(2)

في ج: أو.

(3)

ساقط من أ

(4)

في ج: الثلاثه.

(5)

في أ: لأن.

ص: 482

أربعون من المائتين، وذلك خمسها، ومن العبد خمسة عشر وهو عشرة ونصف عشرة، وللموصى له بالعبد خمسة وأربعون

(1)

، وهى ربعه وخمسه. وعلى هذا فقس مسألة الوصية بالنصف مكان الثلث.

وإن كانت المسألة بحالها وملكه غير العبد ثلاثمائة: ففي الإجازة لصاحب المشاع مائة وخمسون وثلث العبد، ولصاحب العبد ثلثاه لأنه موصى له به

(2)

. ولصاحب المشاع بنصفه فكان له ثلثاه، وللاخر ثلثه. وفي الرد على المذهب للموصى

(3)

له بنصف المالى تسعا الثلثمائة وتسع العبد، وللموصى له بالعبد أربعة أتساعه؛ لأن الوصيتين بنصف وربع، وذلك ثلثمائة، والثلث مائة وثلاثة وثلاثون وثلث. فإذا نسبته

(4)

إلى الثلاثمائة كان اربعة اتساعها فيكون لكلَّ من الوصيتين أاربعة اتساع الموصى له به. فلذلك اخذ الموصى له بالعبدى أربعة اتساعه، وذلك بالنسبة إلى قيمته أربعة وارثعون وأربعة أتساع، وأخذ الموصى له بالنصف تسعي جميع المال، وذلك ثمأنية وثمأنون وثمانية اتساع. فيصير جملة ما أخذا مائه وثلاثة

(5)

وثلاثون وثلث، وذلك ثلث المال.

وبيان ذلك: أن الأثني عشر تسعاً بواحد وثلث .. فإذا أضفت

(6)

الأربعة والأربعين إلى الثمانية والثمانين بلغا مائة واثنين وثلاثين، ويضاف إلى ذلك الواحد والثلث فيصير

(7)

مائه وثلاثة وثلاثيبن وثلثاً.

وعلى قول الموفق: يكون لصاحب المشاع من المال ربعه وسدس عشره، وذلك ثمانون، ومن العبد ثمنه ونصف سدسه، ولصاحب العبد ربعه وسدسه.

(1)

ساقط من أ.

(2)

في ج زيادة: ولها.

(3)

في أ: الموصى.

(4)

في أ: نسبه.

(5)

ساقط من أ.

(6)

في أ: أضيفت.

(7)

في ب: يصير.

ص: 483

وإن كانت الوصية بجميع المال مكان النصف ففي الإجازة يأخذ

(1)

الموصمى

له بالعبد نصفه، وباقي المال كله للآخر. وفي الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة: للموصى له بالعبد خمس الثلث وهو ستة وعشرون وثلثان، يقابل

(2)

ذلك من العبد ربعه وسدس عشره. فيكون له ذلك من العبد ويأخذ الموصى له بالعبد أربعة أخماس السدس. فيكون له من العبد نظير حصة

(3)

الموصى له بالعبد. ومن كل مائة مثل ذلك وهو ثمانون.

ومن خلّف مائتين وعبدا قيمته مائة ووصى لرجل بمائة وبالعبد كله، ووصى بالعبد لآخر

(4)

: ففي حال الإجازة يقسم العبد بينهما نصفين وينفرد الموصى له بزيادة على العبد بما وُصي له به. وفي الرد على المذهب للموصى له بالعبد ثلثه

(5)

وللاخر ثلثه وثلث المائة. وعلى قول الموفق يرجع كل واحد إلى نصف وصيته. فيكون لصاحب العبد ربعه وللاخر ربعه ونصف المائة.

وعلم مما تقدم أنه إذا لم تزد الوصيتان

(6)

على الثلث

(7)

؛ كرجل خلف خمسمائة وعبدا قيمته مائه، ووصى بسدس ماله لرجل، ولاخر بالعبد: فلا أثر للرد هنا. ويأخذ صاحب المشاع سدس المال وسبع العبد والاخر

(8)

ستة أسباعه. وإن وصى لصاحب المشاع بخمس المال

(9)

: فله مائة وسدس العبد، ولصاحب العبد خمسة أسداسه. ولا أثر للرد أيضاً لأن الوصيتين لم يخرج بهما من المال أكثر من ثلثه.

(1)

في أ: بأخذ.

(2)

في ب: ويقابل.

(3)

في أ: حصته.

(4)

في أ: للآخر.

(5)

في أ: ثلاثة.

(6)

في ج: الوصية.

(7)

ساقط من أ.

(8)

في ج: وللا خر

(9)

في ب: المائة.

ص: 484

(ولو وصى) إنسان (لشخص بثلث ماله، ولآخر بمائة، ولثالث بتمام الثلث على المائه. فلم يزد) الثلث (عنها) أى عن المائة: (بطلت وصية صاحب التمّام)، لأنها لم تصادف محلاً. أشبه ما لو أوصى له بداره ولا دار له. (والثلث) أى ثلث المال (مع الرد) أى رد الورثة الزائد على الثلث (بين الاخرين) وهما الموصى له بالثلث والموصى له بمائة (على قدر وصميتهما). فلو كان الثلث مثلاً مائة كان كأنه أوصى بمائة وبمائة. فيقسم الثلث بينهما نصفين. ولو كان الثلث خمسين كان كاًنه أوصى بمائة وبخمسين فيقسم الثلث بينهما أثلاثا. ولو كان الثلث أربعين قسم بينهما أسباعاً: للموصى له بالمائة خمسة أسباعه، ولموصى له بالثلث سبعاه.

(وإن زاد) الثلث (عنها) أى عن المائة، (فأجاز الورثة: نُفذ ِّت) الوصايا (على ما قال) الموصي، لأنه لا مانع من ذلك. فلو كان الثلث مثلاً مائتين أخذها

(1)

الموصى له بالثلث، وأخذ كل واحد من الموصى له بالمائة

(2)

والموصى له بتمام الثلث مائة.

(وإن رَدّوا) أى رد الورثة الوصية بالزائد على الثلث: (فلكلٍّ) من الأوصياء

(3)

الثلاثة (نصف وصيته). سواء جاوز الثلث مائتين أو لا، لأن وصية المائة وتمام الثلث مثل الثلث، وقد أوصى مع ذلك بالثلث فكان كأنه أوصى بالثلثين. فيرد ذلك إلى الثلث لرد الورثة ما

(4)

زاد عليه. فيدخل النقص بالنصف على كل واحد من الأوصياء بقدر وصيته. فترد كل وصية إلى نصفها.

وقيل: إن لم يجاوزالثلث مائتين: بطلت وصية صاحب التمام، ويقسم الثلث الآخر إن كان لا وصية لغيرهما، لأن الموصى له بتتمة الثلث بعد المائة قد علق استحقاقه ولم يوجد.

(1)

في ج: أخذهما.

(2)

في ج: بماله.

(3)

في ج: الأوصية.

(4)

في ج: بما

ص: 485

وقيل: إن لم يجاوز الثلث مائتين عاد الموصى له بالمائة الموصى له بالثلث بالموصى له بالتمام، وأخذ نصف الثلث وأخذ الموصى له بالثلث نصفه الاخر " لأنه لولا العادة

(1)

بصاحب التمام كان للموصى له بالمائة ثلث [الثلث

(2)

فيما إذا كان]

(3)

الثلث مائتين.

وقيل: إن جاوز الثلث مائتين كان للموصى له بالثلث نصفه، وللموصى له

بمائة مائة، وللموصى له بالتمام نصف الزائد على المائتين من الثلث.

(ولو وصَّى لشخص بعبد، ولآخر بتمام الثلث عليه) أى بما بقي من ثلثه

بعد العبد. (فمات العبد قبل الموصي): بطلت الوصية فيه، (وقُوِّمت التركة) عند الموت (بدونه) أى بدون العبد، (ثم أُلْقيتْ قيمته) أى العبد (من ثلثها) أى التركة لأن الموصي لما جعل له تتمة الثلث بعد العبد فقد جعل له الثلث إلا قيمة العبد. فإذا ألقينا قيمة العبد من الثلث (فما بقي) من الثلث (فهو لوصية صاحب التمام) كما لو استثنى من الثلث قدراً معلوماً.

(1)

في أ: المعادة.

(2)

في ج: السدس.

(3)

ساقط من أ.

ص: 486