الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
وهو لغه الوطء. قاله الأزهري.
وقيل: للتزويج نكاح؛ لأنه سبب الوطء.
قال أبو عمرو غلام ثعلب: الهذي حصّلناه عن ثعلب عن الكوفيين، والمبرد
عن البصريين: أن النكاح في أصل اللغة هو: اسم للجمع بين الشيئين.
قال الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلاً
…
عمرك الله كيف يجتمعان
هي شامية إذا ما استقلت
…
وسهيل إذا استقل يمان
(1)
وقال الجوهري: [النكاح الوطء وقد يكون العقد، ونكحتها ونكحت هي،
أي: تزوجت.
وعن الزجاج]
(2)
: النكاح في كلام العرب. بمعنى الوطء والعقد معاً،
وموضع نكح
(3)
في كلامهم: لزوم الشيء الشيء راكباً عليه.
قال ابن جني: ممالت أبا علي الفارسي عن قولهم. نكحها، قال: فرق
(4)
العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانه أو بنت فلان ارأدوا تزويجها والعقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته لم يريدوا إلا المجامعة؛ [لأن بذكر امرأته وزوجته يستغنى عن العقد]
(5)
.
(1)
الييت الثانى ساقط من أ.
(2)
ساقط من أ.
(3)
فى ب: نكاح.
(4)
فى أ: فروت وفي ب: فرقت.
(5)
ساقط من أ.
(وهو) أي: النكاح في الشرع: [عقد يعتبر فيه لفظ إنكاح أو تزويج.
وهو]
(1)
(حقيقة في عقد التزويج) في الأصح؛ لصحة نفيه عن الوطء، فيقال: هذا سفاح وليس بنكاح. وصحة النفي دليل المجاز.
ولأنه عند الإطلاق يصرف إليه ولا يتبادر إلى الذهن غيره فهو مما نقله العرف. وذلك؟ لأنه أشهر في الكتاب والسنة. وليس في الكتاب لفظ: النكاح بمعنى الوطء، إلا في
(2)
قوله سبحانه وتعالى: (حتى تنكح زوجا غيره)[البقرة: " 23] على المشهور.
وحيث تقرر أنه حقيقة في العقد فهو (مجاز في الوطء).
قال القاضي في " التعليق " في كون المحرم لا ينكح: لما قيل له: إن النكاح حقيقة في الوطء، فقال: إن كان في اللغة حقيقة في الوطء فهو في عرف الشرع للعقد.
وقال الحلواني أيضا: وهو
(3)
في الشريعة عبارة عن العقد باً وصافه. وفي اللغة: عبارة عن الجمع وهو الوطء.
وقال ابن عقيل أيضا: الصحيح أنه موضوع للجمع وهو في الشريعة في العقد أظهر. انتهى.
وقيل: إن النكاح حقيقه في الوطء مجاز في العقد عكس ما تقدم. اختاره القاضي في " شرح الخرقي " و" أحكام القرآن " و" عيون المسائل " و" الانتصار " وأبو يعلى الصغير وابن خطيب السلامية؛ لما تقدم عن الأزهري وغلام ثعلب. والأصل عدم النقل.
قال أبوالخطاب: وتحريم من عقد عليها الأب استفدناه من الإجماع والسنة. وقيل: إنه حقيقه في مجموعهما فهو من الألفاظ المتواطئة.
(1)
ساقط من أ.
(2)
زيادة من ج.
(3)
في أ: هو.
قال ابن رزين: والأشبه أنه حقيقة في كل واحد باعتبار مطلق الضم " لأن القول بالتواطئ خير من الاشتراك والمجاز، لأنهما على خلاف الأصل.
) والأشهر) أن لفظ النكاح) مشترك) بين العقد والوطء. يعني: أنه حقيقة
فى كل واحد منهما على انفراده.
قال في " الإنصاف ": وعليه الأكثر.
قال في " الفروع ": والأشهر أنه مشترك. انتهى.
قال القاضي في " المجرد ": الأشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطء يعني: في كل واحد منهما بانفراده. وهو ظاهر كلامه في " التعليقة "؛ لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج، لدخولها في قوله سبحانه وتعالى: (ولا ننكحوا ما نكحءابآؤكم من النساء
…
) الآية [النساء: 22]، وذلك لورودها في الكتاب العزيز. والأصل في الإطلاق الحقيقة.
قال ابن خطيب السلامية: قال أبو الحسين: النكاح عند أحمد حقيقة في الوطء والعقد جميعا. وقاله أبوحكيم وجزم به ناظم " المفردات ". وهو منها. والفرق بين الاشتراك والتواطئ: أن الاشتراك يقال على كل واحد منهما بانفراده حقيقة. بخلاف التواطئ
(1)
فإنه لا يقال حقيقة إلا عليهما مجتمعين لا غير. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(والمعقود عليه) أي: والذي يتناوله عقد النكاح ويقع عليه: (المنفعة).
قال في " الفروع ": كالإجارة، لا في حكم العين خلافا لأبي حنيفة، وفيها قال أبو الوفاء: ما ذكروه من مالية الأعيان ودعواهم أن الأعيان مملوكة لأجلها يحتمل المنع؛ لأن الأعيان لله، وإنما تملك التصرفات، ولو سلم في الأطعمة والأشربة فلملكه إتلافها ولا ضمان. بخلاف ملك النكاح. انتهى.
(1)
في أ: المتواطئ.
قال القاضى أبو الحسين في " فروعه ": والذي يقتضيه مذهبنا أن المعقود
عليه
(1)
منفعة الاستمتاع، وأنه في حكم منفعة الاستخدام.
قال صاحب " الوسيلة ": المعقود عليه في النكاح منفعة الاستمتاع.
وقال القاضي في " أحكام القرآن ": المعقود عليه الحل لا ملك المنفعة.
وقال في القاعدة السادسة والثمانين: ترددت عبارات الأصحاب في مورد
عقد النكاح [هل هو الملك أو الاستباحة؟ فمن قائل هو الملك، ثم ترددوا]
(2)
هل هو ملك منفعة البضع أو ملك الانتفاع بها؟
وقيل: بل هو الحل لا الملك. ولهذا يقع الاستمتاع من جهة الزوجة مع أنه لاملك لها.
وقيل: بل المعقود كليه الازدواج كالمشاركة. ولهذا فرق الله سبحانه وتعالى بين الأزواج
(3)
وملك اليمين.
ومشروعية النكاح ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب، فقوله سبحانه وتعالى:(فآنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)[النساء: 3].
وقوله سبحانه وتعالى: (وأنكحوا آلأيمى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم)
[النور: 32].
وأما السنة؛ فمنها ما روى أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن
التبتل نهيا شديدا "
(4)
.
ويقول: " تزوجوا الودود الولود إنى مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة "
(5)
.
رواه أحمد وابن حبان.
(1)
في ب زيادة: في النكاح.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: الازدواج.
(4)
أخرجه أحمد في " مسنده "(13594) 3: 245 عن حفص عن أنس بن مالك.
(5)
أخرجه أحمد في " مسنده "(13594) 3: 245
وعن قتادة عن الحسن عن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل. وقرأ قتادة: (ولقذ أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزوجا وذرية) [الرعد: 38] "
(1)
. رواه الترمذي وابن ماجه فى آي وأخبار غير ذلك كثيرة.
وأجمع المسلمون على جوازه.
(وسن) النكاح (لذي شهوة لا يخاف زنا) من الرجال والنساء على الأصح.
ثم اعلم أن للأصحاب في عدد أقسام الثكاج طرقا، أشهرها وأصحها: أن الناس في النكاح على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تقدم ذكره في المتن. ووجه كونه مسنونا في الحالة المذكورة:
ما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "
(2)
. رواه الجماعة. فعلل أمره به باً نه أغض للبصر وأحصن للفرج. وخاطب الشباب؛ لأنهم أغلب شهوة.
وذكره بأفعل التفضيل فدل على أن ذلك أولى- للأمن من الوقوع في محظور النظر والزنا- من تركه.
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(82 0 1) 3: 393 كتاب النكاح، باب النهي عن التبتل.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1849) 1: 593 كتاب النكاح، باب النهي عن التبتل.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4778) 5: 6 190 كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج".
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1400) 2: 1018 كتاب التكاج، باب استحباب النكاح.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2046) 2: 219 كتاب النكاح، باب التحريض على النكاح.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(081 1) 3: 392 كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل التزويج والحث عليه.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3211) 6: 58 كتاب النكاح، الحث على النكاح.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه"(1845) 1: 592 كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل النكاح.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(4112) 1: 432.
(واشتغاله به) أي: واشتغال ذي الشهوة بالنكاح (أفضل) له (من التخلي لنوافل العبادة)؛ لظاهر قول الصحابة وفعلهم.
قال ابن مسعود: " لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أنى أموت في آخرها يوما لي فيهن طول النكاح لتزوجت مخافة الفتنة "
(1)
.
وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: " تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء"
(2)
.
وقال أحمد في رواية المروذي: ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء.
ومن دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام. ولو تزوج بشر كان قد تم أمره.
ولأن مصالح النكاح أكثر من مصالح التخلي لنوافل العبادة؛ لاشتماله على تحصين نفسه وزوجته، وحفظها والقيام بها، وإيجاد النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح الراجح أحدها على نفل العبا دة.
القسم الثانى: ما أشير إليه بقوله: (ويباح) النكاح في الأصح (لمن
لا شهوة له) أصلا كالعنين، أو كانت له شهوة وذهبت لعارض؛ كالمرض والكبر، لأن العلة التي يجب لها النكاح أو يستحب وهي خوف الزنا، أو وجود الشهوة غير موجودة فيه.
ولأن المقصود من النكاح الولد وتكثير النسل وذلك فيمن لا شهوة له غير موجود، فلا ينصرف إليه الخطاب به، إلا أنه يكون مباحا في حقه كسائر المباحات؛ لعدم منع الشرع منه.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(493) 1: 122 في النكاح، باب الترغيب في النكاح.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4782) 5: 1 95 1 كتاب النكاح، باب كثرةالنساء.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(48 0 2) 1: 231.
وأخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(494) 1: 122 في النكاح، باب الترغيب في النكاح.
وعلى هذا يكون تخليه لنوافل العبادة في حقه أفضل من النكاح؛ لمنع من يتزوجها من التحصين بغيره ويضرها بحبسها على نفسه.
ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يقوم بها.
ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه.
القسم الثالث: ما أشير إليه بقوله: (ويجب على من يخاف) بترك النكاح
(1)
(زنا ولو) كان خوفه من الزنا (ظنا من رجل وامرأة).
قال في " الإنصاف ": قولا واحدا، إلا أن ابن عقيل ذكر رواية: أنه غير
وا جب انتهى.
وعلة الوجوب: أنه يلزمه إعفاف نفسه وصرفها عن الحرام وطريقه النكاح. وظاهر كلام أحمد: أنه لا فرق بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه.
واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصبح وما عندهم شيء ويمسي وما عندهم شيء"
(2)
.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم" زوج رجلا لم يقدر على خاتم من حديد ولا وجد إلا إزاره
ولم يكن له رداء "
(3)
. أخرجه البخاري.
وقد قال أحمد في رجل قليل الكسب يضعف قلبه عن التزويج: الله يرزقهم، التزويج أحصن له.
قال
(4)
في " شرح المقنع ": وهذا في حق من يمكنه التزويج، فأما من
(1)
في ج: الزنا.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(4147) 2: 1389 كتاب الزهد، باب معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم، عن أنس ابن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده! ما أصبح عند آل محمد صاع حب ولا صاع تمر ".
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4829) 5: 1968 كتاب النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح.
(4)
في أ: قاله.
لا يمكنه فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وليستعفف الذين لايجدون نكاحاحتى يغنيهم الله من فضله)[النور: 33]. انتهى.
ونقل صالح: يقترض ويتزوج.
(ويقدم) النكاح (حينئذ) أي: حين إذ كان بحالة يجب عليه النكاح فيها (على حج واجب) زاحمه؛ لخشية الوقوع في المحذور بتاً خره. بخلاف الحج. (ولا يكتفى) في الامتثال (بمرة) أي: بأن يتزوج مرة، (بل يكون) التزوج (في مجموع العمر) في الأصح.
قال ابن خطيب السلامية فى " النكت ": جمهور الأصحاب أنه لا يكتفى بمرة واحدة، بل يكون النكاح في مجموع العمر. انتهى.
وفي " المذهب " وغيره: بلى لرجل وامرأة.
نقل ابن الحكم: المتبتل الذي لم يتزوج قط.
(ويجوز) النكاح (بدار حرب لضرورة لغير أسير).
قال في " الإنصاف ": يجوز له النكاح بدار الحرب للضروة، على الصحيح من المذهب.
ونقل ابن هانئ: لا يتزوج وإن خاف ولم يكن به ضرورة للنكاح، فليس له ذلك على الصحيح.
وقال ابن خطيب السلامية في " نكته ": ليس له النكاح، سواء كان به ضرورة أو لا.
قال الزركشي: فعلى تعليل أحمد لا يتزوج ولو
(1)
مسلمة. [نص عليه في رواية حنبل. ولا يطاً زوجته إن كانت معه]
(2)
. ونص عليه في رواية الأثرم وغيره. وعلى مقتضى تعليله: له أن يتزوج آيسة أو صغيرة فإنه علل وقال: من أجل الولد؛ لئلا يستعبد.
(1)
في أ: ولا.
(2)
ساقط من أ.
وقال في " المغني " في آخر الجهاد: واما الأسير فظاهر كلام أحمد لا يحل
له التزوج ما دام أسيرا.
وأما الذي يدخل إليهم بأمان، كالتاجر ونحوه فلا ينبغي له التزوج، فإن غلبت عليه الشهوة أبيح له نكاح مسلمة، وليعزل عنها ولا يتزوج منهم. انتهى.
(ويعزل) وجوبا إن حرم نكاحه وإلا استحب.
قال في " الإنصاف ": حيث حرم نكاحه بلا ضرورة وفعل وجب عزله.
ذكره في " الفصول ".
قلت فيعايا بها. انتهى.
(و) حيث وجب النكاح أو استحب فإنه (يجزئى تسر عنه)، لأن الله سبحانه وتعالى خير بين النكاح وملك اليمين بقوله:(فواحدة أوماملكت أيمانكم)[النساء: 3]. والتخيير إنما يكون بين متساويين.
(وسن) لمن أراد النكاح:
(تخير ذات الدين)، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك "
(1)
. متفق عليه.
(الولود)[ويعرف كون البكر ولودا بأن تكون من نساء يعرفن بكثرة الأولاد]
(2)
؛ لما روى أنس قال. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة "
(3)
. رواه سعيد.
(البكر)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تزوجت يا جابر! قال: قلت: نعم.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4802) 5: 1958 كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(466) 2: 086 1 كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين.
(2)
ساقط من أ.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(490) 1: 122 في النكاح، باب الترغيب في النكاح.
قال: بكرا أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا. قال: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك "
(1)
. متفق عليه.
(الحسيبة)؟ ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه أهلها- ونزع إليهم. (الأجنبية)؟ فإن ولدها يكون أنجب، ولهذا يقال: اغتربوا لا تضووا. يعني: انكحوا الغرائب لا يضعف أولادكم.
ولأنه لا يؤمن الطلاق فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم الماً مور بصلتها والعداوة.
ويسن له أيضا: أن يختار الجميلة؟ لأنه أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته. ولذلك شرع النظر قبل النكاح.
وروي عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إنما النساء لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها ".
وعن أبي هريرة قال: " قيل يا رسول الله! أي: النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره "
(2)
. رواه أحمد والنسائي.
وعن يحيى بن جعدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه في غيبته في مالها ونفسها "
(3)
. رواه سعيد.
(ولا يسأل عن دينها حتى يحمد جمالها).
قال الإمام أحمد: إذا خطب رجل امرأة سأل عن جمالها أولا، فإن حمد سأل عن دينها، فإن حمد تزوج، وإن لم يحمد يكون ردها لأجل الدين. ولا
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4791) 5: 1954 كتاب النكاح، باب تزويج الثيبات.
وأخرجه مسلم في (صحيحه " (715) 2: 087 1 كتاب النكاح، باب استحباب ذات الدين.
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده "(9585) 2: 432 ولم نجده في النسائي.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(501) 1: 124 في النكاح، باب الترغيب في النكاح.
يسأل أولا عن الدين، فإن حمد سأل عن الجمال، فإن لم يحمد ردها. [فيكون رده]
(1)
للجمال لا للدين.
ولا تسن الزيادة على واحدة؛ لأن في الزيادة على ذلك تعريضا للمحرم.
قال الله سبحانه وتعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)
[النساء: 129].
وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه
مائل "
(2)
. رواه الخمسة.
وقال سبحانه وتعالى: (فإن خفتم ألا تعدلوا فوحدة)[النساء: 3].
وهذا قول أبي الخطاب والمجد ومن تبعهما وصححه في " الإنصاف " إذا
حصل بها الإعفاف.
وقيل: تسن الزيادة على الواحدة؛ كما لو لم تعفه.
قال في " الفروع ": وهو ظاهر نصه فإنه قال: يقترض ويتزوج، ليت إذا
تزوج ثنتين يفلت. انتهى.
وأراد الإمام أحمد أن يتزوج أو يتسرى فقال: يكون لهما لحم، يريد كونهماسمينتين.
قال ابن عبد البر: كان يقال: لو قيل للشحم أين تذهب؟ لقال: أقوم الأعوج. وكان يقال: من تزوج امرأة فليستحد شعرها فإن الشعر وجه. فتخيروا أحد الوجهين.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2133) 2: 242 كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1141) 3: 447 كتاب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3942) 7: 63 كتاب عشرة النساء، ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(969 1) 1: 633 كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(8549) 2: 347 كلهم عن أبي هريرة.
وكان يقال: النساء لعب.
فينبغي أن يتخير ما يليق بمقصوده. إلا أنه ينبغي في الجملة:
أن يتخير البكر من بيت معروف بالدين والقناعة، وأن تكون ذات عقل
لا حمقاء، وأن يمنع زوجته من المخالطة بالنساء
(1)
فإنهن يفسدنها عليه، وأن لا يدخل بيته مراهق، ولا يأذن لها في الخروج، وأحسن النساء التركيات، وأصلحهن الجلب الذي لم تعرف أحدا، وليعزل عن المملوكة إلى أن يتيقن جودة دينها وقوة ميلها إليه.
وليحذر العاقل إطلاق البصر فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه. وربما وقع من ذلك العشق فيهلك البدن والدين، فمن ابتلي بشيء من ذلك فليتفكر
(2)
في عيوب النساء.
قال ابن مسعود: إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مثانتها وما عيب نساء الدنيا باًعجب من قوله سبحانه وتعالى: (ولهم فيها أزواج مطهرة)[البقرة: 25].
قال ابن الجوزي: ومن ابتلي بالهوى فاً راد التزوج
(3)
فليجتهد في نكاح التي ابتلي بها إن صح ذلك وجاز، وإلا فليتخير ما يظنه مثلها.
(1)
في ب: للنساء.
(2)
في ب: فليفكر.
(3)
في ب: التزويج.
[فصل: في حكم النظر إلى المخطوبة]
(فصل. ولمن أراد خطبة امرأة، وغلب على ظنه إجابته) يعني: أبيح له
في الأصح، وقيل: استحب له، (نظر ما يظهر غالبا؛ كوجه ورقبة ويد وقدم)؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا خطب أحدكم المرأه فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
(1)
. رواه أحمد وأبو داود.
ولما روى محمد بن مسلمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا ألقى
الله عز وجل في قلب امرء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها "
(2)
. رواه أحمد وابن ماجه.
ولما روى المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " انظر إليها.
فإنه أحرى أن يؤدم بينكما "
(3)
. رواه الخمسة إلا أبا داود.
قال ابن الأثير في " النهاية ": معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " يؤدم بينكما " أي: يكون بينكما المحبة والاتفاق، يقال: أدم الله بينكما يأدم أدما بالسكون أي: ألف ووفق. انتهى.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2 8 20) 2: 228 كتاب النكاح، باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(585 4 1) 3: 334.
(2)
أخرجه ابن ماجه فى " سننه "(1864) 1: 599 كاب النكاح، باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتز وجها.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(18005) 4: 225.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1087) 3: 397 كتاب النكاح، باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة. وأخرجه النسائي في " ستنه " (3235) 6: 69 كتاب النكاح، إباحة النظر قبل التزويج.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1865) 1: 599 كتاب النكاح، باب النظر إلى المرأه إذا أراد أن يتز وجها
وأخرجه أحمد قي " مسنده "(18179) 4: 246.
ولأن النكاح عقد يفضي إلى التمليك. فكان له النظر إلى المعقود عليه؛ كالأمة المستامة.
(ويكرره، ويتأمل المحاسن بلا إذن) يعني: أنه يباح له ذلك من غير إذن المرأة، (إن أمن الشهوة، من غير خلوة) بها؛ لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. قال: فخطبت جارية من بني سلمة فكنت أتخباً لها حتى رأيت منها بعض ما دعانى إلى نكاحها "
(1)
. رواه أحمد وأبو داود.
[ونقل حنبل: لا باًس أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها من وجه أو يد أو جسم أو نحو ذلك]
(2)
، وما ذكرناه في المتن هو المذهب.
وعنه: لا ينظر إلا إلى الوجه فقط.
وعنه: لا ينظر إلا إلى الوجه والكفين فقط.
وظاهر كلام أحمد في رواية حرب: أنه لا يباح النظر إلا إذا خاف ريبة؛ لما روى أبو هريرة قال: " خطب رجل امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظر إليها فإن في أعين
الأنصار شيئا "
(3)
. رواه أحمد وأبو دا ود.
والأول المذهب.
(ولرجل وامرأة نظر ذلك) أي: نظر وجه ورقبة ويد وقدم.
(ورأس وساق من أمة مستامة) أي: معرضة للبيع يريد شراءها، كما يجوز ذلك لمن أراد خطبة الأمة، بل المستامة أولى؟ لأنها تراد للاستمتاع وغيره؛ كالتجارة فيها. وحسنها يزيد في ثمنها.
(1)
سبق تخريجه قريبا.
(2)
زيادة من ب.
(3)
ليس في أبي داود، وقد أخرجه النسانى في " سننه " (3247) 6: 77 كتاب النكاح، إذا استشار رجل رجلا في المرأة هل يخبر.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(7972) 2: 299.
وأخرجه الدارقطني في " سننه "(34) 3: 253 كتاب النكاح باب المهر.
ونقل حنبل: لا بأس أن يقلبها إذا أراد الشراء من فوق الثياب، لأنها
لا حرمة لها.
قال القاضي: أجاز تقليب الصدر والظهر، بمعنى: لمسه من فوق الثياب. وروى أبو حفص بإسناده: " أن ابن عمر كان يضع يده بين ثدييها وعلى عجزها من فوق الثياب ويكشف عن ساقها "
(1)
.
(و) من (ذات محرم) " لقول الله
(2)
سبحانه وتعالى: (وولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن أوءابآبهن أوءابآء بعولتهن
…
) الاية [النور: 31].
(وهي) أي: وذات المحرم (من تحرم عليه أبدا بنسب، او سبب مباح)؛ كرضاع ومصاهرة.
وقوله: مباح؛ ليخرج أم المزنى بها وبنتها وأم الموطوءة بشبهة وبنتها.
قاله الموفق وابن أخيه وصاحب " الفائق " وغيرهم.
وقوله: (لحرمتها)، ليخرج الملاعنة، فإنها لم تحرم على الملاعن لحرمتها بل عقوبة عليه.
ولما كان ما ذكر يشمل نساء النبي صلى الله عليه وسلم، احتاج إلى إخراجهن بقوله:(إلا نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلا) يباح النظر إليهن.
وعنه: لا ينظر من ذوات محارمه إلى غير الوجه.
وعنه: إلى غير الوجه والكفين.
(ولعبد) لامرأة (لا مبعض أو مشترك نظر ذلك) أي: الوجه والرقبة واليد والقدم، والرأس والساق
(3)
(من مولاته)، أي: مالكته كله؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ولايبدين زينتهن إلا ماظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 5: 329 كتاب البيوع، باب الرجل يريد شراء جارية فينظر إلى ما ليس منها بعورة.
(2)
في ب: لقوله.
(3)
في أ: ورأس وساق.
يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أوءابآءهن أؤءابآء بعولتهن أوأبناءهن أو أبناء بعولتهن أوإخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نساءهن أوما ملكت أيمانهن)
[النور 31].
ولأنه يشق على ربة العبد التحرز منه. فأبيح أن ينظر منها ما يباح نظره لذي المحرم
(وكذا) أي: وكذي المحرم (غير أولي الإربة) من الرجال أي: غير أولي الحاجة إلى النساء. قاله ابن عباس.
وعنه: هو المخنث الذي لا يقوم عليه زبه.
وعن مجاهد وقتادة: الذي لا إرب له في النساء.
(كعنين وكبير، ونحوهما)؛ كالمريض الذي لا يرجى برؤه، يعني: أن هؤلاء يباح لهم أن ينظروا من النساء الأجانب ما يباح لذي المحرم أن ينظر من ذات محرمه؛ لقوله سبحانه وتعالى: (أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال)[النور: 31].
(وينظر) أي: ويباح لكل رجل أن ينظر (ممن) أي: من امرأة
(لا تشتهى؛ كعجوز وبرزة) لا تشتهى، (وقبيحة، ونحوهن)، كمريضة لا يرجى برؤها، إلى غير عورة صلاة؛ لقول الله
(1)
سبحانه وتعالى: (والقواعد من النساء اللاتى لايرجون نكا حا
…
) الآية [النور: 60].
قال ابن عباس في قوله سبحانه وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم .... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)[النور: 30 - 31] فنسخ، واستثني من ذلك: (والقواعد من النساء اللاتى لايرجون نكا حا
…
) الاية [النور: 60].
(و) ينظر من (أمة غير مستامة، إلى غير عورة صلاة)، هكذا قال في
" التنقيح " وتبعته عليه.
(1)
في ب: لقوله.
والذي يظهر التسوية بين الأمة المستامة وغير المستامة فيما يجوز النظر إليه
من كل واحدة منهما.
ويؤيد ذلك قوله في " الكافي ": ويجوز لمن أراد شراء جارية النظر منها إلى
ما عدا عورثها.
وما ذكره الزركشي في قطعته على " الوجيز " عن القاضي بأنه قطع قي
" الجامع الصغير " بأ ن حكم غير المستامة حكم المستامة، وأنه اختاره أبو محمد
(1)
في " المغني ".
ويؤيده أيضا من جهة النظر في المعنى: أن نبيح النظر ممن لا تراد للاستمتاع
إلى شيء لا نبيحه ممن تراد للاستمتاع.
وكان ينبغي من جهة النظر أن يعكس ذلك. وهذا وجه في المذهب.
ويدل لذلك أن الزركشي في قطعته على " الوجيز " قال عند قول صاحب
" الوجيز ": وله النظر من ذوات محارمه، وأمة يستامها إلى الرأس والوجه واليدين والساقين وتقييده، يعني: تقييد صاحب " الوجيز " بالمستامة يدل على أنه لا يباح النظر إلى غير المستامة، وهو أحد الوجوه. قطع به ابن البنا. وهو ظاهر كلام أبي الخطاب وأبي محمد في " المقنع " وأبي البركات؛ لأنهم قيدوا كالمصنف. وذلك؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ولايبدين زينتهن
…
) الآية [النور: 31].
ولأن العلة في تحريم النظر الخوف من الفتنة. والفتنة تستوي فيها الحرة والأمة؛ لأن الحرية حكم لا يؤثر في الأمر الطبيعي.
والوجه الثانى: حكمها حكم الأمة المستامة. قطع به القاضي في " الجامع الصغير "، واختاره أبو محمد في " المغنى "؛ لأنه يروى عن عمر " أنه رأى أمة متلملمة فضربها بالدرة وقال: اتتشبهين بالحرائر يا لكاع "
(2)
.
(1)
فى ب: وأنه اختار أبا محمد.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة قي " مصنفه "(6235) 2: 41 كتاب الصلوات، في الأمة تصلي بغير خمار.
وقال ابن المنذر: ثبت " أن عمر قال لأمة رآها مقنعة: اكشفي رأسك ولا تتشبهي بالحرائر "
(1)
.
وروى أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أولم على صفية قال الناس: لا ندري أجعلها أم المؤمنين أو أم ولد؟ فقالوا: إن حجبها فهي أم المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما ركب وطى لها خلفه ومد الحجاب بينه وبين الناس "
(2)
. متفق عليه.
وهذا يدل على أن عدم حجب الإماء كان مستفيضا عندهم.
والوجه الثالث: إن لم تكن برزة لم يبح مطلقا، وإن كانت برزة أبيح منها ما يظهرغالبا.
قال ابن حمدان: قلت: وغير عورة. قاله ابن حمدان في " الرعاية الكبرى " ولم يذكر غيره، مع أن الخلاف المتقدم في " المغني ".
ووجه ذلك: أن البرزة يشق التحرز من رؤيتها. بخلاف غير البرزة.
ولأن غير البرزة الغالب أنها تكون جميلة فربما خيف من رؤيتها الفتنة.
وهذا كله مع أمن الفتنة، أما إن خيف الفتنة فإنه يحرم النظر كما يحرم إلى الغلام الذي يخشى الفتنة بنظره.
وقد قال أحمد في الأمة إذا كانت جميلة: تنتقب. ولا تنظر إلى المملوكة، فكم
(3)
نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل. وظاهر هذا النص يشهد للوجه الأول، أو لما قال ابن حمدان. انتهى كلام الزركشي.
وقد تحصل من كلامه ثلاثة أوجه كلها خارجة عما في " التنقيح ":
(1)
ر. تخريج الحديث السابق.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4797) 5: 1956 كتاب النكاح، باب اتخاذ السراري ومن أعتق " جاريته
…
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1365) 2: 45 0 1 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتز وجها.
(3)
في أ: كم.
الأول: أنه لا يباح أن ينظر من غير المستامة ما يباح أن ينظر إليه من المستامة. وهو ما قطع به ابن البنا.
والثانى: أن حكمهما واحد. وهو الذي قطع به القاضي في " الجامع الصغير".
والثالث: أن غير المستامة إن كانت برزة أبيح منها النظر إلى ما يظهر غالبا،
وإن لم تكن برزة لم يبح ذلك.
وبقي قول رابع خارج ايضا عما ذكر في " التنقيح "، وهو: أن ينظر من المستامة ما عدا عورتها. وهو الذي جزم به الموفق في " الكافي ". وما في " التنقيح " مخالف للمعنى الذي أبيح النظر من أجله. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(ويحرم نظر خصي) أي: مقطوع الخصيتين فقط (ومجبوب) أي: مقطوع الذكر فقط، (وممسوح) أي: مقطوع الخصيتين والذكر (إلى أجنبية). قال الأثرم: استعظم الإمام أحمد إدخال الخصيان على النساء.
قال ابن عقيل: لا يباح خلوة النساء بالخصيان ولا بالمجبوبين " لأن العضو
وإن تعطل أو عدم، فشهوة الرجال لا تزول من قلوبهم. ولا يؤمن التمتع بالقبل
(1)
وغيرها، ولذلك لا يباح خلوة الفحل بالرتقاء من النساء لهذه العلة. انتهى.
قال في " الفروع ": وقيل ممسوح وخصي كمحرم. ونصه لا يعني: أن المنصو ص الإمام في الممسوح والخصي أنهما ليسا كالمحرم، وحينئذ فهما كالأجنبي في تحريم النظر إلى الأجنبية.
(ولشاهد ومعامل، نظر وجه مشهود عليها).
قال أحمد: لا يشهد على امرأة، إلا أن يكون قد عرفها بعينها.
وكذا يجوز لمن عامل امرأة نظر وجه (ومن تعامله) في بيع او إجارة أو غيرهما ليعرفها بعينها فيرجع عليها بالدرك.
(1)
في ب: بالقبلة.
(و) كذا له أن ينظر إلى (كفيها) ايضا (مع حاجة)
(1)
.
وروي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة.
نقل حرب ومحمد بن أبي حرب في البائع ينظر كفيها ووجهها؟ إن كانت عجوزا رجوت، وإن كانت شابة تشتهى أكره ذلك.
(ولطبيب ومن يلي خدمة مريض ولو أنثى في وضوء واستنجاء، نظر ومس)
ما
(2)
(دعت إليه حاجة)؛ لأن ذلك موضع الحاجة.
وقد روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعدا في بني قريظة كان يكشف عن مؤتزرهم".
وعن عثمان " أنه أتي بغلام قد سرق فقال: انظروا إلى مؤتزره فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه "
(3)
.
(وكذا لو حلق عانة من لا يحسنه) أي: لا يحسن حلق عانة ثفسه. يعني: أنه يباح له النظر إلى المحل الذي يحلقه. نص عليه، وقاله أبو يعلى الصغير وأبو الوفا. (ولامرأة مع امرأة ولو كافرة مع مسلمة، ولرجل مع رجل ولو أمرد، نظر
غير عورة. وهي) أي: والمراد بالعورة (هنا من امرأة) وغيرها: (ما بين سرة وركبة) على الأصح، إلا أن الأمرد إذا كان جميلا يخاف الفتنة بالنظر إليه لم يجز أن يتعمد بالنظر إليه. فقد روي عن الشعبي قال:" قدم وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره ". رواه أبو حفص.
(ولامرأة نظر من رجل إلى غير عورة) على الأصح.
وعنه ليس لها ذلك. واختارها أبو بكر؛ لما روى زهري عن نبهان عن أم سلمة قالت: " كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم انا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتوم فقال
(1)
في ب: لحاجة.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 6: 97 كتاب الحجر، باب البلوغ بالإنبات.
النبى صلى الله عليه وسلم: احتجبا
(1)
منه فقلت: يا رسول الله! إنه ضرير لا يبصر. قال: أفعمياوان أنتما لا تبصرانه "
(2)
. رواه أبو داود.
ولأن الله سبحانه وتعالى أمر النساء بغض أبصارهن، كما أمر الرجال به.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: " اعتدي فى بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك "
(3)
.
وقالت عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترنى بردائه وانا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد "
(4)
. متفق عليه.
و" لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة العيد مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة "
(5)
.
ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء؛
لئلا ينظرن إليهم.
فأما حديث نبهان، فقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين، هذا الحديث، والآخر " إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه "
(6)
. كأنه أشار
(1)
في أ: احتجبن.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4112) 4: 63 كتاب اللباس، باب في قوله عز وجل:(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(2778) 5: 2 0 1 كتاب الأدب، باب ما جاء فى احتجاب النساء من الرجال
…
(3)
أخرجه أبو داود في الموضع السابق.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(443) 1: 173 كتاب المساجد، باب أصحاب الحراب في المسجد. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (892) 2: 07 6 كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.
(5)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(885) 1: 3 0 6 كتاب صلاة العيدين، باب الصلاة بعد الجمعة.
(6)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3928) 4: 21 كتاب العتق، باب فى المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1261) 3: 562 كتاب البيوع، باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي.
ضعف حديثه، إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول.
وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث. وحديث فاطمة صحيح فالحجة به لازمة.
ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأ زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. بذلك قال أحمد وأبو داود.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كان حديث نبهان لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وحديث فاطمة لسائر الناس؟ قال: نعم.
وإن قدر التعارض فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من أخذ بحديث مفرد
في إسناده مقال.
(ومميز لا شهوة له مع امرأة؛ كامرأة) مع امرأة على الأصح؛ لأن
الله سبحانه وتعالى قال: (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض)[النور: 58].
وقال سبحانه وتعالى: (وإذابلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنواكما استئذن الذين من قبلهم)[النور: 59]. فدل على التفريق بين البالغ وغيره.
وقال أبو عبد الله: حجم أبو طيبة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام.
(و) المميز (ذو الشهوة معها) أفي: مع المرأة، كمحرم؛ لأن الله سبحانه وتعالى فرق بينه وبين البالغ بقوله:(وإذابلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا)[النور: 59].
ولو لم يكن للميز ذي الشهوة النظر لما كان بينه وبين البالغ فرق. وهذا على الأصح.
(وبنت تسع مع رجل؛ كمحرم)؛ لأن عورتها مخالفة لعورة البالغة بدليل (1)
= وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2520) 2: 842 كتاب العتى، باب المكاتب.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(26516) 6: 289.
إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار "
(1)
يدل على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة الرأس. فيكون حكمها مع الرجال حكم ذوات المحارم في الأصح، كقولنا في الغلام المراهق مع النساء. وتخصيص الحائض بهذا التحديد
دليل على إباحة أكثر من ذلك في حق غيرها.
(وخنثى مشكل، في نظر) أي: نظر الرجال (إليه كامرأة)، تغليبا لجانب
الحظر. ذكره ابن عقيل.
قال في " الفروع ": ويخرج وجه من ستر العورة في الصلاة " لأنه كالرجل.
قا ل (المنقح: ونظره) أي: نظر الخنثى (إلى رجل كنظر امرأة إليه) أي:
إلى الرجل، (و) نظر الخنثى المشكل (إلى امرأة كنظر رجل إليها)؛ تغليبا
لجانب الحظر.
(ولرجل نظر لغلام) لعورته حكم وهو من تم له سبع سنين. فأما من لم
يبلغ سبعا فليس لعورته حكم. وقد روي عن ابن أبي ليلى قال: " كنا جلوسا
عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء الحسن فجعل يتمرغ عليه فرفع مقدم قميصه أراه قال فقبل زبيبته "
(2)
. رواه أبوحفص.
وحيث قلنا للرجل النظر إلى الغلام فإنما يجوز له ذلك: إذا كان (لغير
شهوة، ويحرم نظر لها) أي: للشهوة؛ لأنها تدعو إلى الفتنة. ومعنى الشهوة
أنه يتلذذ بالنظر إليه.
(أو) أن يقدم على النظر (مع خوف ثورانها) فإنه يحرم النظر في هاتين
الحالتين (إلى أحد ممن ذكرنا) من ذكر وخنثى وأنثى غير زوجته أو سريته.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(641) 1: 173 كتاب الصلاة، باب المرأة تصلي بغير خمار.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(655) 1: 215 كتاب الطهارة وسننها، باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(25875) 6: 218.
(2)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 1: 137 كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من مس الفرج بظهر الكف.
وحرم ابن عقيل- وهو ظاهر كلام غيره- النظر مع شهوة تخنيث وسحاق ودابة يشتهيها ولا يعف عنها.
(ولمس كنظر، بل أولى).
قال في " تصحيح الفروع " عند قوله: واللمس، قيل: كالنظر، وقيل: أولى، واختاره شيخنا. القول الثانى: هو الصواب بلا شك وقطع به في " الرعايتين " و" الحاوي الصغير ".
قال في " المغني " و" الشرح " في التحريم بالنظر إلى الفرج: لا
(1)
ينشر الحرمة، لأن اللمس الذي هو أبلغ منه لا يؤثر. انتهى.
(وصوت الأجنبية ليس بعورة)، قال فى " الفروع ": على الأصح.
(ويحرم تلذذ بسماعه ولو) كان
(2)
(بقراءة). قاله في " الفروع " وغيره.
قال القاضى: يمنع من سماع صوتها.
وقال أحمد في رواية مهنا: ينبغي للمرأة أن تخفض من صوتها إذا كانت في قراءتها اذا قرأت بالليل.
(و) تحرم (خلوة غير محرم) بذات محرم (على الجميع مطلقا) أي: مع شهوة او بدونها.
و (كرجل) واحد يكون (مع عدد من نساء، وعكسه) بأن يختلي عدد من رجال بامرأة واحدة.
قال في " االفروع ": ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه، كالقرد.
ذكره
(3)
ابن عقيل وابن الجوزي وشيخنا وقال: الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة ولو لمصلحة تعليم وتأديب. والمقر موليه عند من يعاشره كذلك ملعون ديوث، ومن عرف بمحبتهم أو بمعاشرة بينهم منع من تعليمهم.
(1)
في أ: ولا.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: وذكره.
وقال ابن الجوزي: كان السلف يقولون في الأمرد: هو أشد فتنة من
العذارى، فإطلاق
(1)
البصر من أعظم الفتن.
وروى الحاكم في " تاريخه "
(2)
عن ابن عيشة: حدثني عبدالله بن المبارك،
وكان عاقلا، عن أشياخ أهل الشام قال: من أعطى أسباب الفتنة من نفسه اولأ لم
ينج منها آخرا، وإن كان جاهدا.
قال ابن عقيل: الأمرد ينفق على الرجال والنساء، فهو شبكة الشيطان في
حق النوعين.
وكره أحمد مصافحة النساء، وشدد أيضا حتى لمحرم، وجوزه لوالد،
ويتو جه: ومحرم، وجوز أخذ يد عجوز. وفي "الرعاية ": وشوهاء.
وسأله ابن منصور: يقبل ذوات المحارم
(3)
منه؟ قال: إذاقدم من سفر ولم
يخف على نفسه منه، وذكر حديث خالد بن الوليد " أنه قدم من غزو فقبل
فاطمة "، لكنه لا يفعله على الفم ابدا، الجبهة والرأس.
ونقل حرب فيمن تضع يدها على بطن رجل لا تحل له قال: لا ينبغي إلا
لضرورة
(4)
. ونقل المروذى: تضع يدها على صدره؟ قال: ضرورة. انتهى.
(ولكل من الزوجين نظر جميع بدن الآخر ولمسه بلا كراهة، حتى
فرجها). نص عليه وعليه جماهير الأصحاب. وذلك؛ لما روى بهز بن حكيم
عن أبيه عن جده قال: " قلت: يا رسول الله! عوراتنا ما نأنى مثها وما نذر؟
قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "
(5)
. رواه الترمذي
وقال: حديث حسن.
ولأن الفرج محل الاستمتاع. فجاز النظر إليه؟ كبقية البدن.
(1)
فى أ: وإطلاق.
(2)
كتاب " تاريخ نيسابور" للحاكم من أجل الكتب. وهو مما فقد من التراث الاسلامى.
(3)
فى أ: ذات المحرم.
(4)
فى أ: ضرورة.
(5)
أخرجه الترمذى فى "جامعه "(2769) 97: 5 كتاب الأدب، باب ما جاء فى حفظ العورة.
(كبنت دون سبع) بتقديم السين؛ لأنه ليس لعورتها حكم.
(وكره النظر إليه) أي: إلى الفرج (حال الطمث) أي: حال الحيض.
يقال: طمثت تطمث، كنصر وسمع إذا حاضت فهي طامث، ويكون أيضا بمعنى الجماع، يقال: طمثها يطمثها إذا افتضها.
قال في " الإنصاف ": وجزم في " المستوعب " بأنه يكره النظر إلى فرجها
حال الطمث فقط. وجزم به في " الرعايتين "، وزاد في " الكبرى ": وحال الوطء انتهى.
(و) كره أيضا (تقبيله) أي: تقبيل الفرج (بعد الجماع، لا قبله).
قال القاضي في " الجامع ": يجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع ويكره بعده. وذكره عن عطاء.
(وكذا) أي: وكزوج مع امرأة (سيد مع أمته المباحة له)؛ لحديث بهز بن حكيم
(1)
.
وقوله: المباحة؛ ليخرج أمته المزوجة والمجوسية والوثنية وغيرهن ممن لاتحل له.
والسنة: أن لا ينظر كل منهما إلى فرج الآخر، لأن عائشة قالت:
" ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط "
(2)
. رواه ابن ماجه.
وفي لفظ قالت: " ما رأيته من النبي صلى الله عليه وسلم ولا رآه مني ".
ولأنه أغلظ العورة فكان موافقة السنة فيه أولى.
(وينظر) السيد (من) أمة (مزوجة، و) ينظر (مسلم من أمته الوثنية والمجوسية إلى غير عورة) فيحرم النظر
(3)
إلى ما بين السرة والركبة؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا زوج أحدكم
(1)
سبق ذكره وتخريجه ص: 29.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(662) 1: 217 كتاب الطهارة وسنها، باب النهي أن يرى عورة أخيه.
(3)
ساقط من أ.
جاريته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإنه عورة "
(1)
. رواه أبو داود.
ومفهومه: إباحة النظر إلى ما عدا ذلك، والوثنية والمجوسية في معنى المزوجة بجامع الحرمة.
ولأن المزوجة صارت مباحة للزوج، ولا تحل امرأة لرجلين.
(ومن لايملك) من أمة (إلا بعضا) ولو أكثرها فحكمه في تحريم الاستمتاع بها (كمن لا حق له) فيها أصلا.
قال في " الفروع ": وظاهر كلامهم لا ينظر عبد مشترك يعني: امرأة تملك بعضه، ولا ينظر الرجل مشتركة لعموم منع
(2)
النظر إلا من عبدها وأمته. وقد عللوا منع النكاح بأنه لا يثبت الحل
(3)
فيما لا يملكه.
وقالوا أيضا: ما حرم الوطء حرم دواعيه ويؤيده
(4)
المعتق بعضه والمعتق بعضها انتهى.
(وحرم تزين) أي: أن تتزين المرأة (لمحرم غير زوج وسيد).
قال في " الفروع ": ويتوجه: يكره أي: أن تتزين لأخيها وابنه وعمها وخالها ونحوهم.
وليس كل ما أبيح نظره لمقتض شرعي يباح لمسه؛ لأن الأصل المنع في النظر واللمس وأبيح
(5)
النظر بالأدلة المتقدمة. فيبقى ما عداه على الأصل، إلا ما نص على جواز لمسه.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(496) 1: 133 كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في ب: لايثبت منع الحد.
(4)
في أ: يؤيده.
(5)
في أ: أبيح.
[فصل: في حكم نكاح المعتدة]
(فصل. يحرم تصريح. وهو) أي: التصريح: (ما لا يحتمل غير النكاح بخطبة معتدة)؛ كقوله: إنى أريد ان أتزوجك، او إذا انقضت عدتك تزوجتك، أو زوجيني نفسك، لأن قول الله
(1)
سبحانه وتعالى: (ولا جناح عليكم فيماعرضتم به من خطبة النساء)[البقرة: 235] تخصيص للتعريض بنفي الحرج فدل على عدم جواز التصريح.
ولأن التصريح لما كان لا يحتمل غير النكاح لم يؤمن أن يحملها الحر ص على النكاح على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها.
ويستثنى من ذلك صورة أشار إليها بقوله: (إلا لزوج تحل له)، كالمطلقة
دون الثلاث والمبانة. فيصح؛ لأنه يباح له نكاحها في عدتها. اشبهت غير المعتدة بالنسبة إليه.
(و) يحرم ايضا (تعريض بخطبة رجعية)، لأنها في حكم الزوجات. أشبهت التي في صلب النكاح.
(ويجوز) التعريض بخطبة معتدة (في عدة وفاة)، لما روي عن سكينة
بنت حنظلة قالت: " استأذن علي محمد بن علي ولم تنقض عدتي من مهلكة زوجي فقال: قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتي من علي وموضعي من العرب. فقلب
(2)
: غفر الله لك يا ابا جعفر! إنك رجل يؤخذ عنك، تخطبني في عدتي؟ قال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي متأ يمة من أبي سلمة فقال: لقد علمت أنى
(1)
في ب: قوله.
(2)
في ب: قلت.
رسول الله وخيرته من خلقه وموضعي من قومي وكانت تلك خطبته "
(1)
. رواه
الدارقطني. وهذا تعريض بالنكاح في عدة وفاة.
(و) معتدة (بائن) من طلاق (ولو بغير ثلاث، وفسخ لعنة وعيب)؛ لأنها بائن. أشبهت المطلقة ثلاثا والمنفسخ نكاحها برضاع او لعان ونحوهما مما تحرم به أبدا.
(وهي) أي: والمرأة (في جواب) لخاطب (كهو) أي: كالخاطب (فيما يحل ويحرم). فيجوز للبائن الإجابة تعريضا في عدتها، ويحرم عليها الإجابة تصريحا ما دامت في العدة، ويحرم على الرجعية الإجابة تصريحا أو تعريضا ما دامت في العدة.
(والتعريض) من الخاطب مثل قوله: (إني في مثلك) لى (راغب، و) قوله: (لا تفوتيني بنفسك)، وإذا حللت فآذنيني، وما أحوجني إلى مثلك. (وتجيبه: ما يرغب عنك، وإن قضي شيء كان، ونحوهما)؛ كقولها: إن يكن
(2)
من عند الله يمضه.
(وتحرم خطبة) بكسر الخاء المعجمة (على خطبة مسلم أجيب ولو) كانت إجابته (تعريضا إن علم) الثانى بإجابة الأول. وذلك؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك "
(3)
. رواه البخارى والنسائي.
ولأن في خطبة الثانى إفسادا على الخاطب الأول وإيقاعا للعداوة.
وأما تقييد ذلك بما إذا علم الثاني بإجابة الأول؛ فلأن الثانى إذا لم يعلم بإجابة الأول كان معذورا بالجهل.
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(18) 3: 224 كتاب النكاح.
(2)
في ب: يك.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4849) 5: 976 1 كتاب النكاح، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع.
وأخرجه النسائي في "سننه "(3241) 6: 73 كتاب النكاح، النهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.
(وإلا) أي: وإن لم يعلم الثاني بإجابة الأول، (أو ترك) الأول الخطبة،
(أو أذن) للثانى في الخطبة جاز للثانى أن يخطب؛ لما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب "
(1)
رواه أحمد والبخاري والنسائي.
(أو سكت) الخاطب الأول (عنه) أي: عن الخاطب الثانى بأن استأذنه فسكت: (جاز) للثاني أن يخطب، لأن سكوته عند استئذانه في معنى الترك. (والتعويل في رد وإجابة) للخطبة (على ولي يجبر) وهو الأب ووصيه في النكاح إذا كانت الزوجة بكرا حرة، وكذا السيد إن كانت الزوجة أمة بكرا أو ثيبا. (وإلا) أي: وإن لم تكن مجبرة، كما لو كانب ثيبا عاقلة تم لها لسع سنين:(فعليها) أي: فالتعويل في رد وإجابة عليها، لأنه لو أجابت المجبرة لم تؤثر إجابتها " لأن العبرة بوليها " لأنه يملك تزويجها بغير اختيارها. وكذلك لو أجاب ولي غير المجبرة، لأنها أحق بنفسها فكان الأمر أمرها وقد جاء
(2)
عن عراك، عن عروة " ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر
…
"
(3)
مختصر، رواه البخاري هكذا مرسلا.
وعن أم سلمة " أنه لما مات أبو سلمة أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبني
…
"
(4)
مختصر، رواه مسلم.
وقد علم مما تقدم فى المتن من قوله:. "على خطبة مسلم ": أنه لو كان الخاطب الأول ذميا فيما إذا كانت المخطوبة كتابية لم تحرم الخطبة على خطبته. نص عليه أحمد فقال: لا يخطب على خطبة أخيه، ولا يساوم على سوم أخيه. إنما هو للمسلمين. ولو خطب على خطبة يهودي أو نصرانى أو
(1)
أخرجه البخاري فى " صحيحه "(4848) 5: 1975 الموضع السابق.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3243) 6: 73 كتاب النكاح، خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له. وأخرجه أحمد في " مسنده " (6036) 2:122.
(2)
ساقط من أ.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4793) 5: 1954 كتاب النكاح، باب تزويج الصغار من الكبار.
(4)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(918) 2: 631 كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة.
ساوم على سومهم لم يكن داخلا في ذلك، لأنهم ليسوا بإخوة للمسلمين. (وفي تحريم خطبة من أذنت لوليها في تزويجها من) شخص (معين) مسلم (احتمالان).
قال في " الإنصاف ": لو أذنت لوليها أن يزوجها من رجل بعينه احتمل أن يحرم على غيره خطبتها، كما لو خطب فأجابت، ويحتمل أن لا يحرم، لأنه لم يخطبها أحد. قال ذلك القاضي أبو يعلى.
قال الشيخ تقي الدين: وهذا دليل من القاضي أن سكوت المرأة عند الخطبة ليس بإجابة بحال. انتهى.
(ويصح عقد مع خطبة حرمت) على الأصح، لأن أكثر ما في ذلك تقديم حظر على العقد، فهو كما لو قدم عليه تعريضا أو تصريحا محرما.
(ويسن) أن يكون عقد النكاح (مساء يوم الجمعة)، لأن جماعة من السلف استحبوا ذلك.
ولأنه يوم شريف ويوم عيد والبركة في النكاح مطلوبة. فاستحب له أشرف الأيام طلبا للبركة.
والإمساء به يعني: من آخر النهار، لأنه روي عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" أمسوا با لإملاك فإنه أعظم للبركة ". رواه أبو حفص العكبري.
ولأن آخر النهار من يوم الجمعة فيه أفضل ساعة في الأسبوع " لأنه قد روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو إلا استجيب له "
(1)
. وهي من آخر النهار فاستحب العقد فيها، لأنها أعظم للبركة، وأحرى لإجابة الدعاء لهما.
(و) يسن أيضا (أن يخطب) العاقد (قبله) أي: قبل عقد النكاح (بخطبة
ابن مسعود، وهي) ما روى ابن مسعود قال: " علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة، (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره)
(2)
،
(1)
أخرجه البخاري في (صحيحه " (893) 1: 316 كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة.
(2)
في ب زيادة: ونتوب إليه.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ان لا إله إلا الله. وأشهد ان محمدا عبده ورسوله) قال: ويقرأ ثلاث آيات. ففسرها سفيان الثوري: {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {وَاتَّقُواْ
(1)
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا
…
} الآية [الأحزاب: 70] "
(2)
. رواه الترمذي وصححه.
فيستحب أن يخطب بها لذلك.
قال الخلال: حدثنا
(3)
أبو سليمان إمام طرسوس قال: كان أحمد بن حنبل
إذا حضر عقد نكاح ولم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود قام وتركهم.
وهذا كان من أبي عبد الله على طريق المبالغة في استحبابها، لا على الإيجاب لها.
(ويجزئ) عن الخطبة (ان يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما روي عن
ابن عمر " أنه كان إذا دعي ليزوج قال: الحمد لله وصلى الله على سيدنا
(4)
محمد. إن فلانا يخطب إليكم فإن أنكحتموه فالحمد لله، وإن رددتموه فسبحان الله "
(5)
،
وليس شيء من ذلك بواجب عند أحد من أهل العلم.
قال شارح " المقنع ": فيما علمنا إلا داود.
ولنا: " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: زوجنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زوجتكها
بما معك من القرآن "
(6)
. متفق عليه.
(1)
في الأصول: اتقوا.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1155) 3: 413 كتاب الجمعة، باب ما جاء في خطبة النكاح.
(3)
في أ: ئنا.
(4)
ساقط من أ.
(5)
أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 7: 181 كتاب النكاح، باب كيف الخطبة. عن أبي بكر بن حفص قال: كان ابن عمر
…
(6)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4839) 5: 972 1 كتاب النكاح، باب إذا كان الولي هو الخاطب.=
ولم يذكر خطبة.
وروى أبو داود بإسناده عن رجل من بنى سليم قال: " خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد "
(1)
.
ولأنه عقد معاوضة. فلم يجب فيه خطبة؛ كالبيع.
(و) يسن أيضا (أن يقال لمتزوج: بارك الله لكما وعليكما، وجمع بينكما
في خير وعافية)؛ لما روى أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ إنسانا إذا تزوج قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير "
(2)
. رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: " بارك الله لك، أولم ولو بشاة "
(3)
.
(فإذا زفت) الز وجة (إليه) أي: إلى الزوج (قال) استحبا با: (اللهم إنى
أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)؛
لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا تزوج أحدكم امرأة واشترى خادما فليقل: اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا أخذ بذروة سنامه ولحقل مثل ذلك "
(4)
. رواه أبو داود.
(1)
= وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1425) 2: 1040 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد
…
أخرجه أبو داود في " سننه "(2120) 2: 239 كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2130) 2: 241 كتاب النكاح، باب ما يقال للمتزوج.
واخرجه الترمذي فى " جامعه "(1091) 3: 0 40 كتاب النكاح، باب ما جاء فيما يقال للمتزوج.
وأخرجه ابن ماجه فى " سننه "(1905) 1 - 614 كتاب النكاح، باب تهنئة النكاح.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(8944) 2: 381.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3570) 3: 1378 كتاب فضائل الصحابة، باب إخاء النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2160) 2: 248 كتاب النكاح، باب في جامع النكاح.
[باب: أركان النكاح]
هذا (باب ركني النكاح و) باب (شروطه) أي: شروط النكاح.
أركان الشيء أجزاء ماهيته لا تتم بدون جزئها، فكذا الشيء لا يتم بدون ركنه. (ركناه) أي: ركنا النكاح:
أحدهما: (إيجاب) وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه (بلفظ: إنكاح، أو) بلفظ (تزويج، و) قول سيد (لمن يملكها) كلها (أو) يملك (بعضها) وباقيها حر: (أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، ونحوه) أي: ونحو هذا اللفظ. ويأتي ذلك في المتن. فلا يصح إيجاب ممن يعرف اللسان العربي بغير أنكحت وزوجت " لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن. قال الله سبحانه وتعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)
[البقرة: 221]، وقال سبحانه وتعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37].
وأما صحة الإيجاب في قوله: أعتقتها وجعلت عتقها صداقها ونحوه؛ فلورود
(1)
السنة بذلك.
ومنها ما روى أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها "
(2)
. متفق عليه.
وروى الأثرم بإسناده عن صفية قالت: " أعتقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي ".
(1)
في أ: لورود.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3964): 538 1 كتاب المغازي، باب غزوه خيبر.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1365) 2: 45 0 1 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها. وسوف يأنى مزيد من التخريج له ص (73).
ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح.
(وإن فتح ولي تاء زوجتك، فقيل: يصح) النكاح (مطلقا) أي: سواء
كان الولي عالما بالعربية أو جاهلا بها
(1)
، وسواء كان قادرا على النطق بضم التاء أو عاجزا. وأفتى بذلك الموفق.
(وقيل): لا يصح إلا (من جاهل) بالعربية (وعاجز) عن النطق بضم التاء.
[قلت: وهذا هو الظاهر]
(2)
.
قال في " الرعاية ": يصح جهلا أو عجزا وإلا احتمل وجهين. انتهى.
وتوقف في المسألة ناصح الإسلام ابن أبي الفهم من أصحابنا فلأجل ذلك أطلقت الخلاف.
(ويصح) الإيجاب من الولي بلفظ (زوجت بضم الزاي وفتح التاء) يعني: بصيغة البناء للمفعول، لا جوزتك بتقديم الجيم.
وسئل الشيخ تقي الدين عن رجل لا يقدر أن يقول: إلا قبلت تجويزها بتقديم الجيم
فأجاب بالصحة بدليل قوله: جوزتي طالق فإنها تطلق. انتهى.
(و) الركن الثانى (قبول بلفظ: قبلت) هذا النكاح، (أو رضيت هذا النكاح، أو قبلت أو رضيت فقط، أو تزوجتها). وفي "الفروع ": أو رضيت به
(3)
. (ويصحان) أي: الإيجاب والقبول في النكاح (من هازل وتلجئة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث هزلهن جد وجدهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة "
(4)
. رواه الترمذي.
وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نكح لاعبا أو طلق لاعبا أو أعتق
(5)
لاعبا جاز "
(6)
.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من أ.
(3)
ساقط من أ.
(4)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1184) 3: 490 كتاب الطلاق، باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق.
(5)
في ب: عتق.
(6)
أخرجه الهيثمي في " مجمع الزوائد " 4: 288.
وقال عمر: " أربع جائزات إذا تكلم بهن: الطلاق والعتاق والنكاح والتزويج والنذر "
(1)
.
وقال علي: " أربع لا لعب فيهن: الطلاق والعتاق والنكاح والنذر ".
(و) يصحان أيضا (بما) أي: بلفظ (يؤدي معناهما الخاص بكل لسان من عاجز) عن الإتيان بهما بالعربية؛ لأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والتزويج. ومفهومه: أنه لا يصح بلفظ لا يؤدي معنى النكاح والتزويج وهو صحيح؛
لأن من عدل عن لفظ يؤدي معناهما الخاص بذلك اللسان إلى غيره مشبه لمن هو عربي وعدل عن لفظهما الخاص.
(ولا يلزمه) أي: لا يلزم عاجزا عن إتيانه به بالعربية (تعلم)؛ لأن النكاح
غير واجب بأصل الشرع. فلم يجب تعلم أركانه بالعربية؛ كالبيع. بخلاف التكبير.
ولأن المقصود هنا المعنى دون اللفظ المعجز وهو حاصل. وبهذا فارق القراءة في الصلاة.
و (لا) يصح إيجاب ولا قبول (بكتابة) في الأصح، (و) لا (إشارة مفهومة، إلا من أخرس) فيصحان منه بالإشارة. نص عليه؛ لأن النكاح معنى لا يستفاد إلا من جهته. فصح بإشارته؛ كبيعه وطلاقه. وإذا صح ذلك منه بالإشارة فبالكتابة
(2)
أولى؛ لأنها بمنزلة الصريح في الطلاق والإقرار.
(وإن قيل لمزوج) أي: قال إنسان لولي: (أزوجت) بنتك لهذا؟ (فقال: نعم، و) قال
(لمتزوج: أقبلت؟ فقال: نعم. صح) النكاح على الأصح. نص عليه؛ لأن نعم جواب لقوله: أزوجت وأقبلت؟ والسؤال يكون مضمرا في الجواب معادا
(3)
فيه. فيكون معنى نعم من الولي: زوجته ابنتي،
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 341 كتاب الخلع والطلاق، باب صريح ألفاظ الطلاق. عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب.
(2)
في ب: فبالكناية.
(3)
في أوب: معاد.
ومعنى نعم من المتزوج: قبلت هذا التزويج. ولا احتمال فيه فيجب أن تنعقد به. ولذلك لما قال الله سبحانه وتعالى (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم)
[الأعراف: 44]. يعني: وجدنا ما وعدنا ربنا حقا.
ولو قيل لرجل: لفلان عليك ألف درهم؟ فقال: نعم. كان إقرارا صريحا
لا يفتقر إلى نية ولا يرجع في ذلك إلى تفسيره. وبمثله تقطع اليد في السرقة، والحدود تدرأ بالشبهات. فوجب أن ينعقد به التزويج، كما لو تلفظ بذلك.
و (لا) يصح النكاح (إن تقدم قبول)
(1)
على الإيجاب على الأصح. وقال بعضهم: رواية واحدة، وسواء كان بلفظ الماضي، مثل أن يقول: زوجت ابنتك فيقول: زوجتكها، أو بلفظ الطلب؛ كقوله: زوجني ابنتك، فيقول: زوجتكها؛ لأن القبول إنما يكون للإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم معناه. فلم يصح؛ كما لو تقدم بلفظ الاستفهام.
ولأنه لو تأخر عن الإيجاب بلفظ الطلب لم يصح. فإذا تقدم كان أولى، كصيغة الاستفهام.
ولأنه لو أتى بالصيغة المشروعة متقدمة فقال: قبلت هذا النكاح، فقال الولي: زوجتك ابنتي لم يصح. فلئلا يصح إذا أتى بغيرها أولى.
فإن قال المخالف: يصح كالبيع والخلع.
قلنا: البيع لا يشترط فيه صيغة الإيجاب بل يصح بالمعاطاة ولا يتعين فيه
لفظ بل يصح بأي لفظ كان إذا أتى بالمعنى. ولا يلزم الخلع؛ لأنه يصح تعليقه على الشرط إذا كان بنية الطلاق.
(وإن تراخى) القبول عن الإيجاب (حتى تفرقا أو تشاغلا بما يقطعه عرفا:
بطل الإيجاب)؛ لأنهما إن تفرقا قبل القبول ثم قبل بعده لا يكون قبولا؛ لأنه لا يوجد معناه فإن الإعراض قد وجد من جهة التفرق.
(1)
في أ: قبوله.
ولأنه إذا قبل بعد التشاغل بما يقطعه لم يصح القبول أيضا، لأنه يعرض عن العقد بالاشتغال عن قبوله. أشبه ما لو رده.
وعلم مما تقدم أنه إن طال الفصل بين الإيجاب والقبول ولم يتشاغلا بما يقطعه ولم يتفرقا أنه يصح، لأن حكم المجلس حكم حالة العقد بدليل صحة القبض فيما يشترط لصحته قبضه في المجلس، وبدليل ثبوت الخيار في عقود المعاوضات.
(ومن أوجب) أي: صدر منه إيجاب (ولو) كان الإيجاب (في غير نكاح)، كبيع أو إجارة (ثم جن أو أغمي عليه قبل قبول) لما أوجبه:(بطل) إيجابه بذلك، (ك) ما يبطل ب (موته)؛ لأن الإيجاب قبل القبول غير لازم. فبطل بزوال العقل، كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون.
(لا إن نام) من أوجب عقدا قبل القبول ثم حصل القبول في المجلس، ومن أوجبه وهو
(1)
نائم فإن إيجابه لم يبطل ويصح قبوله، لأن النوم لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هنا.
(وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلفظ: الهبة) دون غيره، كما كان له أن يتزوج
بلا مهر. جزم به الأصحاب؛ لقوله
(2)
سبحانه وتعالى: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى
…
) الاية [الأحزاب: 50].
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: بقوله.
[فصل: في شروط النكاح]
(فصل. وشروطه) أي: شروط صحة النكاح (خمسة)[لما سيأتي]
(1)
.
واحدها
(2)
شرط بإسكان الراء وهو: ما يلزم من انتفائه انتفاء المشروط. بمعنى
أنه يلزم من عدمه عدم صحة النكاح.
أحد الخمسة: (تعيين الزوجين)؛ لأن النكاح عقد معاوضة. أشبه تعيين
المبيع في البيع. ولأن المقصود في النكاح التعيين. فلم يصح بدونه.
إذا تقرر هذا (فلا يصح) العقد إن قال الولي: (زوجتك بنتي، وله) بنات
(غيرها حتى يميزها) عن غيرها باسمها، أو بصفة لم يشاركها فيها غيرها من أخواتها، أو يشير إليها إن كانت حاضرة.
(وإلا) أي: وإن لم يكن له إلا بنت واحدة (فيصح) النكاح إذا قال:
زوجتك بنتي، (ولو سماها بغير اسمها)؛ لأن عدم التعيين إنما جاء من التعدد
ولا تعدد هاهنا.
(وإن سماها باسمها) بأن قال زوجتك: فاطمة، أو زوجتك الطويلة (ولم
يقل بنتي) لم يصح النكاح؛ لأن هذا الاسم أو هذه الصفة يشتركان بينها وبين
سائر الفواطم والطوال.
(أو قال من له) بنتان كبرى وصغرى اسم إحداهما (عائشة و) الأخرى
(فاطمة: زوجتك بنتي عائشة، فقبل) الزوج النكاح (ونويا) أي: نوى الولي
والزوج (فاطمة: لم يصح) النكاح في الأصح.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في أ: وواحدها.
وقال القاضي: يصح في التي نوياها.
قال في " شرح المقنع ": وهذا غير صحيح؛ لوجهين:
أحدهما: أنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه. فأشبه ما لو قال: زوجتك عائشة فقط، أو ما لو قال: زوجتك ابنتي ولم يسمها، وإذا لم يصح فيها إذا لم يسمها. ففيما إذا سماها بغير اسمها أولى: أنه لا يصح.
الثانى: أنه لا يصح النكاح حتى تذكر المرأة بما تتميز به ولم يوجد ذلك،
فإن اسم أختها لا يميزها بل يصرف العقد عنها. انتهى.
وإن كان الولي يريد الكبرى والزوج يقصد الصغرى لم يصح أيضا؛ (كمن سمي له في العقد غير مخطوبته، فقبل يظنها إياها) أي: يظنها المخطوبة؛ لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيها.
(وكذا) أي: وكالصور المتقدمة في عدم الصحة لو قال أبو حمل لآخر: (زوجتك حمل هذه المرأة) لوجوه:
أحدها: أن الحمل مجهول.
الثانى: أنه لم يتحقق كونه أنثى. أشبه ما لو قال: زوجتك من في هذه الدار
ولا يعلمان من فيها.
الثالث: أنه لم يثبت له حكم الوجود.
وكذا لو قال: إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها فإنه لا يصح؛ لأنه تعليق للنكاح على شرط، والنكاح لا يتعلق على شرط.
الشرط (الثاني) من شروط صحه النكاح: (رضى زوج مكلف) وهو البالغ العاقل (ولو) كان المكلف (رقيقا). نص عليه، فلا يملك سيده إجباره. وقيل: بلى؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وانكحوا آلأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم)[النور: 32].
ولأنه يملك رقبته. فملك إجباره على النكاح؛ كالأمة، وكما يملك إجارته.
والأول المذهب؛ لأنه مكلف يملك الطلاق. فلا يجبر على النكاح؛ كالحر.
ولأن النكاح خالص حقه ونفعه له. فلا يجبر عليه؛ كالحر.
والأمر بإنكاحه مختص بحال طلبه بدليل عطفه على الأيامى وإنما يزوجن عند الطلب.
ولأن مقتضى الأمر الوجوب وإنما يجب تزويجه عند طلبه.
وأما الأمة فإنه يملك منافع بعضها والاستمتاع بها. بخلاف العبد.
ويفارق النكاح الإجارة؛ لأنها عقد على منافع بدنه وسيده يملك استيفاءها.
(و) رضى (زوجة حرة عاقلة ثيب تم لها تسع سنين) على الأصح، ولها
إذن صحيح معتبر على الأصح. فيشترط مع ثيوبتها، ويسن مع بكارتها.
قال في " الإنصاف ": للصغيرة بعد تسع سنين: إذن صحيح معتبر حيث
قلنا: لا تجبر، أو تجبر لأجل استحباب إذنها، على الصحيح من المذهب. نص عليه، ونقله عبد الله بن منصور وأبو طالب وأبو الحارب وابن هانئ والميمونى والأثرم وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به القاضي في " تعليقه " و" جامعه " و" مجرده "، وابن عقيل في
" فصوله " و" تذكرته "، وأبو الخطاب في " خلافه "، والشريف أبو جعفر وابن البنا، ونصبهما الشيرازي للخلاف.
وهو ظاهر كلام أبي بكر، وجزم به ناظم " المفردات ". انتهى.
والأصل في ذلك ما روى أبو هريره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنكح الأيم
حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت "
(1)
. متفق عليه.
ووجه تقييد ذلك ببنت تسع؛ ما روى أحمد بسنده إلى عائشة أنها قالت:
" إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة "
(2)
.
(1)
أخرجه البخارى فى " صحيحه "(4843) 5: 1974 كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1419) 2: 1036 كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت.
(2)
ذكره البيهقى في السنن الكبرى 1: 319 كتاب الحيض، باب السن التي وجدت المرأة حاضت فيها. =
وروي مرفوعا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعناه في حكم المرأة.
ولأنها تصلح بذلك للنكاح ويحتاج إليه. أشبهت البالغة.
قال أحمد في رواية أبي طالب: تستأذن اليتيمة إذا بلغت تسع سنين. وهؤلاء يقولون: كيف يجوز إذنها ولو زنت لم يقم عليها الحد؟ فأقول: الحد غير هذا، وقد قيل:" ادرؤا الحدود بالشبهات "
(1)
.
وقال في رواية ابن منصور: لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى
تبلغ تسع سنين فإذا بلغت تسعا فرضيت فلا خيار لها، ولا أرى للزوج أن يدخل بها إذا زوجت وهي صغيرة دون تسع سنين.
(ويجبر أب ثيبا دون ذلك) أي: دون من تم لها تسع سنين، لأنه لا إذن لها معتبر.
(و) يجبر الأب أيضا (بكرا ولو) كانت (مكلفة) على الأصح؛ لما روى
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها "
(2)
. رواه أبو دا ود.
فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهي البكر. فيكون وليها أحق منها بها.
ودل الحديث على أن الاستئمار هاهنا والاستئذان في حديثهم مستحب غير واجب؛
لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمروا النساء في بناتهن "
(3)
. رواه أبو داود.
(1)
= ولم أجده عند أحمد
ذكره المتقي الهندي في " كنز العمال "(12957) 5: 305 كتاب الحدود، في وجوب الحدود. عن عمر بن عبدالعزيز.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(98 0 2) 2: 232 كتاب النكاح، باب في الثيب.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3261) 6: 84 كتاب النكاح، استئذان البكر في نفسها.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(2365) 1: 261.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(95 0 2) 2: 232 كتاب النكاح، باب في الاستئمار.
(ويسن استئذانها) أي: البكر التي لها إذن صحيح (مع) استئذان
(أمها)، لحديث ابن عمر المذكور.
(ويؤخذ بتعيين) بكر (بنت تسع فأكثر كفؤا، لا بتعيين أب).
نقل أبو طالب: إن أرادت الجارية رجلا وأراد الولي غيره اتبع هواها.
قال في " الإنصاف ": حيث قلنا: بإجبار المرأة ولها إذن، أخذ بتعيينها كفؤا، على الصحيح من المذهب.
قال الشيخ تقي الدين: هذا ظاهر المذهب.
قلت: وهو الصواب الذي لا يعدل عنه. انتهى.
(و) يجبر الأب أيضا (مجنونة ولو) كانت (بلا شهوة، أو) كانت (ثيبا
أو) كانت (بالغة) في الأصح، لأن ولاية الإجبار إنما انتفت عن العاقلة، لحصول الخبرة بنظرها لنفسها. وهذا بخلاف ذلك.
(و) أما إن كانت للمجنونة شهوة فإنه (يزوجها مع شهوتها كل ولي) في الأصح؛ لأن لها حاجة إلى النكاح، لدفع ضرر الشهوة عنها، وصيانتها عن الفجور، وتحصيل المهر والنفقة والعفاف، وصيانة العرض. ولا سبيل إلى إذنها. فأبيح تزويجها؛ كالبنت مع أبيها. وتعرف شهوتها من كلامها، ومن قرائن أحوالها، كتتبعها الرجال، وميلها إليهم، وأشباه ذلك.
(و) يجبر الأب أيضا (ابنا صغيرا) أي: لم يبلغ؛ لما روي " أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا " رواه الأثرم.
قال في " شرح المقنع ": أما الغلام العاقل فلا يعلم بين أهل العلم خلافا في
أن لأبيه تزويجه كذلك.
(و) ابنا (بالغا مجنونا) في المنصو ص (ولو) كان (بلا شهوة) في الأصح؛ لأنه غير مكلف. فجاز لأبيه تزويجه؛ كالصغير، فإنه إذا جاز تزويج
الصغير مع عدم حاجته في الحال وتوقع نظره فعند حاجته أولى. فأما اعتبار الحاجة فلا بد منها، فإنه لا يجوز لوليه تزويجه، إلا إن رأى المصلحة فيه غير أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة، بل قد تكون حاجته إلى الإيواء والحفظ، وربما كان النكاح دواء له يترجى به شفاؤه. فجاز التزويج له؛ كقضاء الشهوة.
ولا يتقيد تزويج الأب ابنه الصغير والمجنون بمهر المثل في الأصح؛ لأن
للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، وهذا مثله فإنه قد يرى المصلحة فى ذلك فجاز له بذل المال فيه؛ كما يجوز في مداواته، بل الجواز هاهنا أولى،
فإن الغالب أن المرأه لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إلى النكاح بدون ذلك.
(ويزوجهما) أي: ويزوج الصغير والبالغ المجنون لحاجة
(1)
(مع عدم
أب) للصغير او المجنون (وصيه) أي: وصي الأب؛ لقيامه مقام الأب، (فإن عدم) وصي الأب (وثم حاجة ف) إنه يزوجهما (حاكم)، لأنه الذي ينظر في مصالحهما بعد الأب ووصيه.
وما تقدم من الحكم في المجنون فمحله إذا كان جنونه مطبقا، لأنه ليس
له
(2)
حالة
(3)
ينتظر فيها إذنه، اما من يجن
(4)
في الأحيان إذا كان بالغا فإنه
لا يصح تزويجه إلا بإذنه، لأن ذلك ممكن.
ومن أمكن أن يتزوج لنفسه لم تثبت ولاية تزويجه لغيره، كالعاقل.
ومن زال عقله ببرسام أو مرض مرجو الزوال فإن حكمه حكم العاقل.
(ويصح قبول) صبي (مميز لنكاحه) أي: نكاح نفسه، (بإذن وليه)،
كما يصح أن يتولى البيع والشراء لنفسه بإذن وليه.
(ولكل ولي) من أب ووصيه وبقية العصبات وحاكم (تزويج بنت تسع
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: حال.
(4)
فى أوب: يخنق.
فأكثر بإذنها)؟ لقول أحمد في رواية [ابي طالب: تستأذن اليتيمة إذا بلغت تسع سنين.
وقال في رواية]
(1)
أبي الحارث وإسحاق بن إيراهيم في يتيمة ليس لها أحد
إلا ابن عم ولها تسع سنين: يزوجها ابن عمها برضاها. وذلك؟ لما رواه
بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت لم تكره "
(2)
.
ومفهوم ذلك: ان اليتيمة تزوج بإذنها، وأن لها إذنا صحيحا وقد انتفى ذلك
فيمن لم تبلغ تسعا بالاتفاق. فيجب حمله على من بلغت تسعا جمعا بين الأدله. (وهو) أي: وإذنها (معتبر) وقد تقدمت الأدلة
(3)
على ذلك، (لا من)
لها (دونها) أي: دون تسع سنين (بحال) أي: في حالة من الحالات.
(وإذن ثيب) أي: من صارت ثيبا (بوطء في قبل، ولو) كان وطؤها (زنا، او مع عود بكارة) بعد إزالتها: (الكلام)؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: " الثيب تعرب عن نفسها"
(4)
.
ولأن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن
وإذنها أن تسكت "
(5)
: يدل على أنه لابد من نطق الثيب؛ لأنه قسم النساء قسمين، فجعل السكوت إذنا لأحدهما. فوجب أن يكون الآخر بخلافه. والموطوءة بزنا ثيب موطوءة في القبل؛ لأنه لو وصى للثيب دخلت فى الوصية ولو وصى للأبكار لم تدخل.
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2093) 2: 231 كتاب النكاح، باب في الاستئمار.
وأخرجه النسائي فى " سننه "(3270) 6: 87 كتاب النكاح، البكر يزوجها أبوها وهي كارهه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(7519) 2: 259.
(3)
في أ: الدلالة.
(4)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1872) 1: 2 0 6 كتاب النكاح، باب استئمار البكر والثيب.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(17758) 4: 192.
(5)
سبق تخريجه ص 48.
(و) إذن (بكر ولو وطئت في دبر الصمات)؛ لما روي عن عائشة انها قالت:
" يا رسول الله! إن البكر تستحي. قال: رضاها صماتها
(1)
"
(2)
. متفق عليه. (ولو ضحكت او بكت) كان ذلك إذنا؟ لما روى أبو بكر بإسناده عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تستأمر اليتيمة فإن بكت أو سكتت هو رضاها وإن أبت فلا جواز عليها "
(3)
.
ولأنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها لإستئذان. فكان ذلك إذنا منها؟ كالصمات والضحك.
ولأن البكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة، ولو كرهت لامتنعت فإنها لا تستحيي من الامتناع.
والحديث يدل بصريحه: على أن الصمت إذن وبمعناه على ما في معنى الصمات من الضحك والبكاء، ولذلك اقمنا الضحك مقامه.
(ونطقها) أي: نطق البكر بالإذن (أبلغ) من صماتها؛ لأنه الأصل في الإذن، واكتفي عنه بصمات البكر؟ لاستحيائها.
(ويعتبر في استئذان) ممن يشترط استئذانها (تسمية الزوج) لها بحيث تكون تلك التسمية (على وجه تقع المعرفة) أي: معرفتها (به) بأن يذكر لها نسبه ومنصبه ونحو ذلك مما هو متصف به؛ لتكون على بصيرة في إذنها في تزويجه.
(1)
في أ: صمتها.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4844) 5: 1974 كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1420) 2: 1037 كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح با لنطق، والبكر بالسكوت.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2039) 2: 89231 كتاب النكاح، باب في الاستئمار.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3270) 6: 87 كتاب النكاح، البكر يزوجها أبوها وهي كارهة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(7519) 2: 259.
قال في " الإنصاف ": ولا يعتبر تسمية المهر على الصحيح. نقله
الز ركشي. انتهى.
(ومن زالت بكارتها بغير وطء)؛ كبإصبع أو وثبة (فكبكر) في الإذن يعني: أنه يكون إذنها صماتها؛ لأن العلة في الاكتفاء بصمات البكر الحياء ولا يزول بما ذكر.
(ويجبر سيد عبدا صغيرا او مجنونا)؛ لأن الإنسان إذا ملك تزويج ابنه الصغير والمجنون فعبده الذي كذلك مع ملكه إياه وتمام ولايته عليه أولى.
(و) يجبر السيد أيضا (أمة مطلقا) أي: سواء كانت كبيرة او صغيرة، وسواء كانت بكرا أو ثيبا، وسواء كانت قنا او مدبرة أو أم أولاد؛ لأن منافعها مملوكة له والنكاح عقد على منفعتها. فأشبه عقد الإجارة.
وكذلك ملك الاستمتاع بها وبهذا فارقت العبد؛ لأنه ينتفع بذلك لما يحصل
له من مهرها وولدها ويسقط عنه نفقتها وكسوتها. بخلاف العبد.
ولا فرق بين كونها مباحة أو محرمة عليه؛ كما لو كانت أمه أو أخته من
رضاع أو مجوسية فإن له تزويجهما وإن كانتا محرمتين عليه؛ لأن منافعهما مملوكة له، وإنما حرمتا عليه لعارض.
(لا مكاتبا أو مكاتبة) يعني: أنه ليس للسيد أن يجبر مكاتبه أو مكاتبته ولو
كانا صغيرين؛ لما تقدم من أنه يصح كتابة القن المميز؛ لأنهما بمنزلة الخارجين عن ملكه، ولذلك لا يلزمه نفقتهما، ولا يملك إجارتهما، ولا يملك أخذ مهر المكاتبة.
(ويعتبر في) صحة نكاح (معتق بعضها: إذنها وإذن معتقها ومالك البقية)
أي: بعضها الذي لم يعتق؛ (كالمشتركين. ويقول كل) من الشريكين: (زوجتكها)، ولا يقول: زوجتك نصيبي فيها؛ لأن النكاح لا يقبل التبعيض والتجزؤ. بخلاف البيع والإجارة.
[فصل: في الولي]
(فصل. الثالث) من شروط صحة النكاح: (الولي). نص عليه، (إلا على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله سبحانه وتعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]. وعنه: ليس الولي بشرط. وخصها الموفق وجماعة بالعذر كعدم العصبة والسلطان. والأصل في ذلك ما روى أبو موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي "
(1)
. رواه الخمسة إلا النسائى وصححه أحمد وابن معين. قال المروذي: سألت أحمد ويحيى بن معين عن حديث: " لا نكاح إلا بولي "، قالا: صحيح، وما روى سليمان بن موسى عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أيما امرأة نُكِحَتْ بغير إذن وليها فنكاحها باطلٌ. فنكاحها باطلٌ. فنكاحها باطلٌ. فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها. فإن اشتجروا، فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له "
(2)
. رواه الخمسة إلا النسائى.
وحكى بعض الحفاظ عن يحيى: أنه أصح ما في الباب.
(1)
أخرجه أبو داود في لأ سننه " (2085) 2: 229 كتاب النكاح، باب في الولي.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1101) 3: 407 كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي.
وأخرجه ابن ماجه فى " سننه "(1881) 1: 605 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي. وأخرجه أحمد في " مسنده " (1 976 1) 4: 18 4.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2083) 299: 2 الموضع السابق.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1102) الموضع السابق.
وأخرجه ابن ماجه في " سنه (1879) الموضع السابق.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(24417) 66: 6.
ولأن المرأة مُولى عليها فى النكاح. فلا تليه؛ كالصغيرة.
فإن قيل: الحديث الأول يحمل على نفي الكمال، والحديث الثانى يرويه سليمان بن موسى وقد ضعفه البخاري، وقال النسائي: في حديثه شيء، ثم إن ابن خزيمة نقل عن الزهري: أنه أنكر الحديث.
وقال الحسن بن محمد: سئل أحمد عن النكاح بغير ولي ثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ليس يثبت فيه شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال في رواية أبي طالب: حديث عائشة: " لا نكاح إلا بولي "
(1)
، ليس بالقوي.
وفي رواية المروذي: ما أراه صحيحاً؛ لأن عائشة فعلت بخلافه.
قيل له: إذا كان لا يصح لا تذهب إليه؟
قال: أكثر الناس عليه. وعلى تقدير صحته فأنه م لا يقولون بمفهومه؛ لأن مفهومه: أنه اإذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح.
ثم قد دل قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] على صحة نكاحها نفسها؛ لأنه أضاف النكاح إليهن ونهى عن منعهن منه. فالجواب: أن مقتضى قوله الحديث الأول حقيقة النكاح، إلا أنه لما لم يمكن ذلك حمل على نفي الصحة؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لا سيما وقد عضده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:" فنكاحها باطل باطل باطل "
(2)
. وفد يقال أنه على مقتضاه في نفي الحقيقة، إذ كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية لا اللغوية، والحقيقة الشرعية لا توجد بغير ولي.
وأما الحديث الثانى فسليمان بن موسى ثقة عند جمهور أهل الحديث، حتى
قال الترمذي: لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري وحده، وتكلم فيه
(1)
أخرجه اين ماجه فى " سننه "(1885) الموضع السابق.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(26278) 6: 0 26.
(2)
سبق تخريجه ص (52) رقم (1).
لأجل أحاديث انفرد بها، ومثل ذلك لا يرد به الحديث وكذلك قول النسائي، وأما إنكار الزهري للحديث فقد قال أحمد ويحيى: لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية.
قال ابن عبد البر: وقد أنكر أهل العلم ذلك من روايته ولم يعرجوا عليها، وعلى تقدير ثبوت ذلك عنه لا يضر؛ لأن نسيانه لا يقدح في الحديث إذا رواه عنه ثقة فإن النسيان لم يعصم منه إنسان. قال صلى الله عليه وسلم:" نسي آدم فنسيت ذريته ".
وأما قول أحمد: ليس بالقوي، وقوله: ما أراه صحيحاً: فالمشهور عنه خلافه، ويؤكده أنه بنى مذهبه على الأخذ به.
وأما مفهوم الحديث فأنه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له " لأن الغالب أن المرأة إئما تزوج نفسها بغير إذن وليها.
وأما الآية الكريمة فإن عضلها الامتناع من تزويجها، يقال: داء عضال: إذا أعيى الطبيب دواءه وامتنع عليه. ويدل على ذلك: أنها نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فزوجها
(1)
. وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي
ولأنه لو لم يكن لمعقل ولاية في النكاح لما عاتبه الله سبحانه وتعالى على ذلك، وإنما أضافه إلى النساء " لتعلقه بهن، وعقده عليهن.
(1)
لفظ الحديث: عن معقل بن يسار قال: " كانت لي أخت تُخطب إليَّ فأتانى ابن عم لي، فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقاً له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إليّ أتانى يخطبها فقلت: لا والله لا أنكحها أبدا، قال: ففى نزلت هذه الآية {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ
…
} الآية قال: فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه ".
أخرجه أبو داود في " سننه "(87 0 2) 2: 0 23 كتاب النكاح، باب في العضل. و " أن معقل بن يسار رضي الله عنه كانت أخته عند رجل فطلقها ثم تخلى عنها حتى إذا انقضت عدتها ثم قرب يخطبها فحمى معقل من ذلك آنفاً قال: خلى عنها وهو يقدر ثم قرب يخطبها فحال بينه وبينها فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ
…
} الآية فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه فترك الحمية ثم استقاد لأمر الله عز وجل ".
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 103 كتاب النكاح، باب حتم لازم لأولياء الأيامى الحرائر البوالغ إذا أردن. . .
إذا تقرر هذا (فلا يصح) من المرأة (إنكاحها لنفسها أو) إنكاحها (غيرها).
وأما حكم تزويج إماء النساء (فـ) أنه (يزوج أمة محجور عليها) لصغر أو سفه أو جنون (وليها في مالها)؛ لأن التزويج تصرف في المال والأمة مال، لكن لا بد من وجود المصلحة في التزويج.
(و) يزوج أمة (لغيرها) أي: غير المحجور عليه وهي الرشيدة (من يزوج سيدتها) أي: ولي سيدتها في النكاح؛ لأن مقتضى الدليل كون ولاية الرقيق لمالكه. فامتنعت في حقها؛ لكونها أنثى. فثبتت لأوليائها؛ كولاية نفسها. ولأنه م يلونها لو عتقت، وفي حال رقها أولى.
لكن (بشرط إذنها) أي: إذن سيدتها في تزويجها؛ لأن ذلك تصرف في مالها ولا يتصرف في مال الرشيدة بغير إذنها، (نطقاً) يعني: أنه يعتبر النطق في إذن الرشيدة في تزويج أمتها، (ولو) كانت (بكراً)؛ لأن صماتها إنما اكتفي به في تزويجها نفسها لحيائها ولا تستحيي في تزويج أمتها.
(ولا إذن لمولاة معتقة) في تزويجها على الأصح؛ لملكها نفسها بالعتق، وكون المولاة ليست من أهل الولاية.
(ويزوجها) أي: يزوج المعتقة (بإذنها) أي: إذن المعتقة (أقرب عصبتها) أي: عصبة المعتقة إن كان لها عصبة، فإن لم يكن لها عصبة زوجها أقرب عصبة المولاة فيقدم ابن المولاة على أبيها؛ لأن الولاية بمقتضى ولاء العتق. والولاء يقدم فيه الابن على الأب.
(ويجبرها) أي: يجبر معتقة المرأة على النكاح (من يجبر مولاتها) عليه. فلو كانت المعتقة صغيرة لم يتم لها تسع سنين وكان لمولاتها أب كان له جبر معتقة بنته على النكاح.
وعنه: أن لمالكة الأمة تزويجها بنفسها ولمولاة المعتقة تزويجها.
فعلى هذه الرواية لو طلبته المعتقة وعضلت مولاتها زوجها ولي مولاتها. والمذهب ما في المتن.
(والأحق) من الأولياء (بإنكاح حرة: أبوها) وإنما قيدت بالحرة؛ لأنه
لا ولاية لأب الأمة عليها اتفاقاً.
وعنه: ابنها.
والأول المذهب؛ لأن الولد موهوب لأبيه. قال الله سبحانه وتعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: 90].
وقال زكريا عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: 38]. وقال إبراهيم عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ} [إبراهيم: 39].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت ومالك لأبيك "
(1)
.
وإثبات ولاية الموهوب له على الموهوب أولى من العكس.
ولأن الأب أكمل نظرا وأشد شفقة. فوجب تقديمه في الولاية؛ كتقديمه على الجد.
(فأبوه) أي: فأبو أبيها (وإن علا) يعني: أن الجد أب الأب وإن علت درجته أحق بالولاية من الابن والأخ على الأصح؛ لأن الجد له أولاد وتعصيب. فقدم عليهما؛ كالأب.
فعلى هذا يكون الجد أبا الأب وإن علت درجته أحق بالولاية أولى من جميع العصبات غير الأب. فإذا اجتمع أجداد كان أولاهم أقربهم؛ كالجد مع الأب.
(فابنها) يعني: أن ولاية الحرة بعد جدها وإن علا لابنها (فابنه وإن نزل)، يقدم الأقرب فالأقرب؛ كما روت أم سلمة " أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت: يا رسول الله لِلَّهِ ليس أحداً من أوليائي
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2291) 2: 769 كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده، عن جابر بن عبد الله.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(6902) 2: 204 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
شاهد قال: ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك. فقالت: قم يا عمر لِلَّهِ فزوج رسول الله. فزوجه "
(1)
. رواه النسائى.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي
صلى الله عليه وسلم أم سلمة أليس كان صغيراً؛ قال: ومن يقول كان صغيراَ ليس فيه بيان.
ولأنه عدل من عصبتها ثبت له ولاية تزويجها؛ كأخيها.
(فأخ) لها (لأبوين فلأب) على الأصح؛ لأن ولاية النكاح حق يستفاد بالتعصيب. فقدم فيه الأخ من الأبوين؛ كالميراث، وكاستحقاق الميراث بالولاء.
(فابن أخ) لها (لأبوين فلأب وإن سفلا) أي: ولد الأخ من الأبوين وولد
الأخ من الأب، يقدم الأقرب فالأقرب.
(فعم) لها (لأبوين فلأب، ثم بَنُوهما) أي: بنو الأعمام (كذلك) يعني: أنه يقدم ابن العم من الأبوين على ابن العم من الأب.
(ثم أقرب عصبة) هو (نسيب) للزوجة؛ (كالإرث).
وجملة ذلك: أن الولاية بعد الإخوة تترتب على ترتيب الميراث بالتعصب فأحقهم بالميراث أحقهم بالولاية. وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلا مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم. وأولى ولد كل أب أقربهم إليه؛ لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، وذلك معتبر بمظنته وهي القرابة فأقربهم أشفقهم.
وعلم مما تقدم أنه لا ولاية لغير العصبات؛ كالأخ من الأم، والعم من الأم والخال، وأبي الأم ونحوهم. نص على ذلك أحمد في مواضع. وهو الأصح.
وعنه: أن الولاية لكل من يرثها بفرض أو تعصيب.
والأول المذهب؛ لما روي عن علي أنه قال: " إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى "
(2)
يعني: إذا أدركن رواه أبو عبيد في " الغريب ".
(1)
أخرجه النسائي في " سننه "(3254) 6: 81 كتاب النكاح، إنكاح الابن أمه.
(2)
رواه أبو عبيد في " الغريب " 2: 141.
ولأن من ليس من عصباتها شبيه بالأجنبي منها.
(ثم) يلي نكاح الحرة عند عدم عصبة نسب (المولى المنعم) وهو معتقها؛ لأنه يرثها ويعقل عنها عند عدم عصبتها من النسب فكان له تزويجها. وقدم عليه المناسبون كما قدموا عليه في الإرث.
(ثم عصبته) يعني: عصبة المولى المعتق من بعده: (الأقرب فالأقرب)
منهم على ترتيب الميراث، ثم مولى المولى، ثم عصباته كذلك، ثم مولى مولى المولى كذلك أبداً.
(ثم) إذا عدم العصبة من النسبة والولاء يلي نكاح الحرة (السلطان، وهو: الإمام) الأعظم (أو نائبه).
قال أحمد: والقاضي أحب إليَّ من الأمير في هذا.
(ولو من بغاة إذا استولوا على بلد).
قال في " الإنصاف ": وإذا استولى أهل البغي على بلد جرى حكم سلطانهم وقاضيهم في ذلك مجرى الإمام وقاضيه. قاله المصنف والشارح يعني: الموفق وشارح " المقنع " وغيرهما. انتهى.
قال في " الفروع ": قال شيخنا: تزويج الأيامى فرض كفاية إجماعاً، فإن
أباه حاكم إلا بظلم " كطلبه جعلاً لا يستحقه صار وجوده كعدمه. انتهى.
(فإن عدم الكل) أي: عدم عصبة المرأة من النسب والولاء وعدم السلطان والقاضي من المكان الذي به المرأه (زوَّجها ذو سلطان في مكانها،. كعَضْل) أي: كما لو عضل وليها مع عدم الإمام ونائبه في مكانها.
قال في " الفروع ": والصحيح ما نقل عن أحمد وغيره: يزوجها ذو السلطان في ذلك المكان كالعضل. انتهى.
(فإن تعذر) ذو السلطان في مكأنه ا (وكلت) عدلاً في ذلك المكان
= وأخرجه البيهقي قي " السنن الكبرى " 7: 120 كتاب النكاح، باب ما جاء في إنكاح اليتيمة
يزوجها، فإن أحمد قال في دهقان قرية: يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفؤ والمهر، إذا لم يكن في الرستاق قاض.
ووجه ذلك: أن اشتراط الولي في هذه الحالة يمنع النكاح بالكلية. فلم يجز؛ كاشتراط كون الولي عصبة في حق من لا عصبة لها. وهذا على الأصح.
(وولي أمة ولو) كانت الأمة (آبقة: سيدها)؛ لأنه مالكها وله التصرف في رقبتها في البيع، وفي التزويج أولى. ولهذا يصح أن يزوجها.
(ولو) كان (فاسقاً)؛ لأن تزويجه إياه تصرف فى ماله، (أو) كان (مكاتباً) وأذن له سيده في تزويج إمائه.
(وشُرط في ولي) أي: في ثبوت الولاية له سبعة شروط على خلاف في بعضها:
الأول: (ذكوريَّة)؛ لأن المرأة لا تثبت لها ولاية على نفسها فعلى غيرها أولى.
(و) الثانى: (عقل)؛ لأن الولاية إنما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه
عن النظر لنفسه، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر، ولا يلي نكاح
(1)
نفسه فغيره أولى. وسواء في ذلك من لا عقل له لصغره، أو من ذهب عقله لجنون أو كبر فأما الإغماء فلا تزول الولاية به؛ لأنه يزول عن قرب فهو كالنوم. ولذلك لا تثبت الولاية على المغمى عليه. ويجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ومن كان يخنق في الأحيان لم تزل ولايته؛ لأنه لا يدوم زوال عقله فهو كالإغماء.
(و) الثالث: (بلوغ)؛ لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال؛ لأنه اتنفيذ التصرف في حق غيره، والصبي مولى عليه لقصوره. فلا تثبت له ولاية؛ كالمرأة.
قال أحمد: لا يزوج الغلام حتى يحتلم، ليس له أمر.
(و) الرابع: (حرية) يعني: كمالها؛ لأن العبد والمبعض لا يستقلان بالولاية على أنفسهما فعلى غيرهما أولى.
ويستثنى من ذلك صورة أشير إليها بقوله:
(1)
ساقط من أ.
(إلا مكاتباً يزوِّج أمته). وتقدم ذلك.
(و) الخامس: (اتفاق دين) أي: اتفاق دين الولي والمولى عليها. فلا تثبت لكافر ولاية على مسلمة، ولا لنصرانى ولاية على مجوسية ونحو ذلك؛ لأنه لا توارث بينهما بالنسب. ويستثنى من ذلك ثلاث صور أشير إلى الأولى منها بقوله:
(إلا أم ولد لكافر أسلمت)؛ لأنها مملوكته فيلي نكاحها؛ كما لو لم يكن كافراً.
ولأنه عقد عليها. فيليه؛ كإجارتها.
وإلى الصورة الثانية أشار بقوله: (وأمة كافرة لمسلم) فإن له أن يزوجها لكافر؛ لأنها لا تحل للمسلمين.
وإلى الصورة الثالثة بقوله:
(والسلطان)؛ لأن له الولالة على من لا ولي لها من أهل الذمة؛ لأن ولايته عامة على أهل دار الإسلام وهذه من أهل الدار. فتثبت الولاية عليها؛ كالمسلمه التى لا ولي لها.
(و) الشرط السادس: (عدالة) نصاً؛ لما روي عن ابن عباس أنه قال:
" لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد "
(1)
.
قال أحمد: أصح شيء في هذا قول ابن عباس. يعني: وقد روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل "
(2)
.
وروى البرقانى بإسناده عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل "
(3)
.
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 126 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بشاهدين عدلين.
(2)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 124 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولى مرشد.
(3)
أخرجه البيهقي في، السنن الكبرى " 0 1: 148 كتاب الشهادات، باب الشهادة في الطلاق
ولأنها ولاية نظر. فلا يستبد بها الفاسق؛ كولاية المال، لكن لا يشترط
كون الولي عدلاً باطناً وظاهراً، ولهذا قلت:
) ولو ظاهرة)،
قال فى " الإنصاف " بعد أن صحح اشتراط العدالة في الولي: فعلى المذهب: يكفي مستور الحال، على الصحيح من المذهب. وحمل صاحب " التصحيح " كلام المصنف عليه وجزم يه في " الكافى " و " المحرر " و " المستور " وغيرهم.
قلت: وهو الصواب. انتهى.
ويستثنى من ذلك صورتان أشير إلى الأولى منهما يقوله:
(إلا فى سلطان).
قال في " الإنصاف ": محل الخلاف في اشتراط العدالة في غير السلطان،
أما السلطان فلا يشترط فى تزويجه العدالة على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب. انتهى،
وإلى الصورة الثانية بقوله:
(وسيد) يعنى: أنه لا يشترط العدالة في سيد يزوج أمته؛ لأن ذلك تصرف
في أمته؛ كما لو أجبرها.
(و) الشرط السابع فى الولي: (رشد).
قال في " الأنصاف ": اشترط في " المحرر " و " الوجيز " و " النظم "
و" الرعايتين " و " الحاوي الصغير " وغيرهم الرشد في الولي، انتهى.
(وهو) أي: الرشد هنا (معرفة الكفء ومصالح النكاح).
قال الشيخ تقي الدين. الرشد هنا هو المعفة بالكفء ومصالح النكاح،
ليس هو حفظ المال. فإن رشد كل مقام بحسبه.
= والرجعة
…
. .. عن عائشة.
واشترط في "الواضح " كونه عالماً بالمصالح لا شيخا كبيراً جاهلاً بالمصلحة.
وقاله القاضي وابن عقيل وغيرهما. وهو قريب من كلام الشيخ تقي الدين.
وظاهر ما تقدم: أنه لا يشترط كونه بصيراً وهو كذلك، لأن شعيباً عليه الصلاة والسلام زوج ابنته وهو أعمى.
ولأن المقصود في النكاح يعرف بالسماع وبالاستفاضة فلا يفتقر إلى النظر.
ولا كونه متكلماً إذا فهمت إشارته، لأنه اتقوم مقام نطقه في جميع العقود. (فإن) كان لامرأة وليان أحدهما أقرب، كأخ والآخر أبعد كعم، و (كان الأقرب طفلاً، أو كافراً، أو فاسقاً، أو عبداً، أو) كان الأقرب متصفاً بصفة الولاية، لكنه (عضل: بأن منعها كفؤاً رضيته، ورغب) فيها (بما صح مهراً، ويفسق) العاضل (به) أي: با لعضل: (إن تكرر) منه، (أو غاب) الأقرب (غيبة منقطعة، وهي) أي: والغيبة المنقطعة (ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة) على الأصح، (أو جهل مكأنه) أي: مكان الأقرب، (أو تعذرت مراجعته) أي: مراجعة الأقرب (بأسر أو حبس) أو نحوهما: (زوَّج) المرأة إن كانت (حرة أبعد) الوليين.
أما كون الأبعد يزوج الحرة إذا كان الأقرب طفلاً أو كافراً وهي مسلمة أو فاسقاً
أو عبداً " فلأن الولاية لا تثبت للقرب مع إتصافه بما ذكر. فيكون وجوده كعدمه. وأما كون الأبعد يزوجها مع عضل الأقرب على الأصح، فلتعذر التزويج من
جهة الأقرب. فأشبه ما لو جن.
ولأنه يفسق بالعضل. فتنتقل الولاية عنه، كما لو شرب الخمر.
فإن عضل الأبعد أيضاً زوجها الحاكم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "
(1)
، لتعذر تزويجها من جهتهم، لأن قوله:" فإن اشتجروا " ضمير جمع يتناول جميع الأولياء.
(1)
سبق تخريجه ص (52) رقم (2).
وأما كون الأبعد يزوجها إذا غاب الأقرب غيبة منقطعة دون السلطان، لقوله صلى الله عليه وسلم:" السلطان ولي من ولا ولي له "
(1)
. وهذه لها ولي.
واختلف الأصحاب في الغيبة المنقطعة والأصح: أنها ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة كما في المتن، لنص أحمد عليه في رواية عبد الله. واختاره الموفق والمجد. وعنه: يكفي مسافة قصر.
وعنه: ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة. واختاره القاضي.
[واختار الخرقي]
(2)
ما لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يصل جوابه.
وقيل: ما تستضر به الزوجة.
وقيل: فوت كفء راغب.
وأما كون الأبعد يزوجها عند تعذر مراجعة الأقرب بأسر أو حبس أو نحوهما
أو جهل مكانه " لأنه إذا لم تمكن مراجعته صار كالبعيد.
(و) إن كانت المرأة (أمة) والغائب ونحوه سيدها زوجها (حاكم)، لأن
له النظر في أموال الغياب ونحوهم.
(وإن زوج) المرأه (حاكم) مع وجود ولي لها، (أو) زوجها ولي (أبعد بلا عذر للأقرب) إليها منه:(لم يصح) النكاح على الأصح، لأن الحاكم والأبعد لا ولاية لهما مع من هو أحق منهما. أشبه ما لو زوجها أجنبي ليس بحاكم.
(فلو كان الأقرب) حالة تزويج الحاكم أو تزويج الأبعد (لا يُعلم أنه عصبة) ثم علم لم يعد العقد.
(أو) زوجها حاكم أو وليها الأبعد مع كون المعهود عدم أهلية الأقرب لصغره، ثم تبين (أنه صار) أهلاً ببلوغه قبل تزويج الحاكم أو تزويج الأبعد.
(أو) جن وليها الأقرب فزوجها الحاكم أو وليها الأبعد اعتماداً على بقاء
(1)
سبق تخريجه ص (52) رقم (2).
(2)
ساقط من ب.
جنون الأقرب، ولم يعلم أنه (عاد أهلاً) حالة تزويج الحاكم أو الأبعد (بعد مناف) وهو الجنون، (ثم عُلم) أنه عقل بعد تزويجها لم يعد العقد.
(أو استلحق بنت ملاعنة أب بعد عقد) عليها ممن له عليها ولاية: (لم يعد) العقد استصحاباً للأصل في جميع الصور المتقدمة.
(ويلي كتابي نكاح موليته الكتابية) كبنته وأخته، لقوله سبحانه وتعالى:{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [لأنفال: 73].
(حتى) لو زوَّجها (من مسلم) في الأصح، لأنه وليها. فيصح تزويجه لها؛ كما لو زوجها من كافر.
(ويباشره)، لأنها امرأة لها ولي مناسب. فجاز أن يباشر نكاحها، كما لو زوجها من ذمي.
(ويشترط فيه) أي: في ولي الذمية (شروط) الولي (المسلم) من البلوغ والعقل وغيرهما، ما عدا الإسلام.
[فصل: في وكيل الولي]
(فصل. ووكيل كل
(1)
ولي). ممن تقدم (يقوم مقامه)، حالة كون الموكل (غائباً، و) حالة كونه (حاضراً)، وسواء كان الولي مجبراً أو غير مجبر " لأنه عقد معاوضة. فجاز التوكيل فيه، كالبيع، وقياساً على توكيل المزوج " لأنه روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل أبا رافع في تزويجه ميمونة "
(2)
، " ووكّل عمرو
(3)
بن أمية الضمري في تزويجه أم حبيبة "
(4)
.
(وله) أي: وللولي إن لم يكن مجبراً (أن يوِّكل قبل إذنها) أي: إذن
موليته (وبدونه) أي: دون إذن موليته " لأنه إذن من الولي في التزويج فلا يفتقر إلى إذن المرأة، ولا الإشهاد عليه، كإذن الحاكم.
ولأن الولي ليس بوكيل المرأة، بدليل أنها لا تملك عزله من الولاية.
(ويثبت لوكيل) أي: وكيل الولي (ما له) أي: ما للولي (من إجبار وغيره)، لأنه نائبه فيثبت له ما يثبت للمنوب عنه.
وكذلك الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج.
(لكن لا بد من إذن) مولية (غير مجبرة) أي: وكيل وليها. (فلا يكفي إذنها لوليها بتزويج أو توكيل فيه) أي: في تزويجها، (بلا مراجعة وكيل لها) أي: لغير المجبرة.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(841) 3: 0 20 كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم. وأخرجه أحمد في " مسنده " (0 4 272) 6:393.
(3)
في الأصول: عمر. والصواب ما أثبتناه.
(4)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 139 كتاب النكاح، باب الوكالة في النكاح.
قال في " الإنصاف ": وإن كانت ولايته ولاية مراجعة احتاج الوكيل إلى إذنها ومراجعتها في زواجها؛ لأنه نائب عنه فيثبت له ما يثبت لمن ينوب عنه. وكذا الحكم في السلطان والحاكم يأذن لغيره في التزويج فيكون المأذون له قائماً مقامه. وقال المصنف والشارح في باب الوكالة: والذي يعتبر إذنها فيه للوكيل هو
غير ما يوكل فيه الموكل، بدليل أن الوكيل لا يستغني عن إذنها في التزويج، فهو كالموكل في ذلك. انتهى.
(وإذنها) أي: إذن المولية غير المجبرة (له) أي: لوكيل وليها إنما يكون (بعد توكيله) أي: توكيل وليها؛ لأنه قبل أن يوكله الولي أجنبي وبعد توكيله ولي. (فلو وكل ولي) في تزويج موليته التي ليست بمجبرة، (ثم أذنت لوكيله) أي: وكيل وليها في تزويجها فزوجها: (صح) تزويجه، (ولو لم تأذن للولي)؛ لأن وكيله قائم مقامه.
(ويُشترط في وكيل ولي ما يُشترط فيه) أي: في الولي من ذكورية وبلوغ وغيرهما؛ لأنها ولاية. فلا يصح أن يباشرها غير أهلها.
ولأنه لما لم
(1)
يملك تزويج مناسبته بولاية النسب. فلأن لا
(2)
يملك تزويج مولية غيره بالتوكيل أولى.
(ويصح توكيل فاسق ونحوه في قبول) لنكاح؛ لأن الفاسق يصح قبوله النكاح لنفسه فصح لغيره.
ومن نحو ذلك المسلم يوكل النصراني في قبول نكاح زوجته الكتابية؛ لصحة قبوله ذلك لنفسه.
(ويصح توكيله) أي: توكيل الولي في إيجاب النكاح توكيلاً (مطلقاً؛ كـ) قوله لوكيله: (زوِّج من شئت).
(1)
ساقط من أوب.
(2)
في ج: فلا.
قال أحمد في رواية عبد الله في الرجل يولي على أخته أو بنته يقول: إذا وجدت من ترضاه فزوجه فتزويجه جائز.
وروي أن رجلاً من العرب ترك ابنته عند عمر، وقال: إذا وجدت كفؤاً فزوجه ولو بشراك نعله. فزوجها عثمان بن عفان فهي أم عمرو بن عثمان. واشتهر ذلك فلم ينكر.
ولأنه إذن في النكاح. فجاز مطلقاً، كإذن المرأة.
(ولا يملك) الوكيل (به) أي: بهذا التوكيل المطلق (أن يزوجها من نفسه) يعني: من غير إذن الموكل كالوكيل في البيع، لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره.
(ومقيداً) يصح توكيله توكيلاً، (كزوِّج زيداً)، أو زوِّج هذا.
(وإن قال) الولي لوكيله في إيجاب النكاح: (زوِّج) من وكيلي
(1)
خاطب
بنتي زيد، (أو) قال الزوج لوكيله في قبول النكاح:(اقبل) النكاح (من وكيله) أي: وكيل ولي زوجتي (زيد، أو) قال الولي أو الزوج: زوج أو اقبل من (أحد وكيليه) وأبهم، وللولي أو الزوج وكيلاً ن أحدهما زيد والآخر عمرو، (فزوج) وكيل الولي من وكيله أي: وكيل الزوج عمرو، (أو قبِل) وكيل الزوج النكاح (من وكيله عمرو: لم يصح) النكاح، للمخالفة فيما إذا قال: من وكيله زيد وللإبهام فيما إذا قال: من أحد وكيليه.
(ويشترط) لصحة النكاح مع وجود التوكيل في الإيجاب والقبول أو في أحدهما (قول ولي) لوكيل زوج، (أو) قول (وكيله) أي: وكيل الولي (لوكيل زوج: زوَّجت فلانة فلاناً، أو) زوجت فلانة (لفلان، أو) يقو ل ولي أو وكيله: (زوَّجت موكلك فلاناً فلانة) ولا يقول في واحدة من الصور الثلاث منك.
(و) يشترط (قول وكيل زوج: قبلته) أي: قبلت النكاح (لموكلي
(1)
في أوب: وكيل
فلان، أو) قبلته (لفلان) ولا يصح إن لم يقل لفلان في الأصح.
(و) يستفاد ولاية النكاح بالوصية على الأصح وفاقاً لمالك وهو قول الحسن وحماد بن سليمان.
وعنه: لا يستفاد بالوصية، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي وابن المنذر قالوا: لأنها ولاية تنتقل إلى غير الموصى شرعا. فلم يجز أن يوصي بها " كالحضانة.
ولأنه ولاية نكاح. فلم تجز الوصية بها؛ كولاية الحاكم.
ولنا: أنها ولاية ثابتة للموصي. فجازت وصية بها " كولاية المال.
وما ذكروه يبطل بولاية المال.
ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته ويكون نائبه قائماً مقامه. فجاز أن يستنيب فيها بعد موته.
إذا تقرر هذا فإنه يكون (وصي ولي أب أو غيره) أي: وصي غير الأب؛ كالأخ والعم (في) إيجاب (نكاح، بمنزلته) أي: منزلة الموصي: (إذا نصَّ) الموصي (له) أي: للوصي
(1)
(عليه) أي: على النكاح. فمن أوصى إنساناً على أولاده الصغار بالنظر في أمرهم لم يملك بذلك تزويج أحد منهم.
وإن قال: أوصي إليك أن تزوج من شئت منهم ملك التزويج.
(فيُجبر) الوصي (من يجبره) الموصي لو كان حيّا: (من ذكر وأنثى).
وقال مالك: إن عين الأب الزوج ملك إجبارها، صغيره كانت أو كبيره،
وإن لم يعين الزوج وكانت ثيباً كبيرة صحت الوصية واعتبر إذنها، وإن كانت صغيرة انتظرنا بلوغها. فإذا أذنت جاز أن يزوجها بإذنها.
ولنا: أن من ملك التزويج إذا عين له الزوج ملكه مع الإطلاق.
(ولا خيار) لمن زوجها الوصى صغيرة (ببلوغ)؛ لأن الوصي قائم مقام الموصي. فلم يثبت في تزويجه خيار؛ كالوكيل.
(1)
في ب: للموصي.
[فصل: إذا تساوى الوليان في الدرجة]
(فصل. وإن استوى وليان فأكثر) لامرأة، (فى درجة)؛ كإخوة لها كلهم لأبوين أو كلهم لأب، أو أعمام كذلك، أو بني إخوة كذلك، أو بني أعمام كذلك:(صح التزويج من كل واحد) من المستويين، لأن سبب الولاية موجود في كل واحد منهم.
(والأولى: تقديم أفضل) أي: أفضل المستويين في الدرجة، فأن استووا
في الفضل (فأسن)؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تقدَّم إليه محيصة وحويصة وعبدالرحم بن سهل وكان أصغرهم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كبِّر كبِّر. أي: قدم الأكبر. فتكلم حويصة "
(1)
.
ولأنه أحوط للعقد في اجتماع شروطه والنظر في الحظ.
(وإن تشاحوا) أي: الأولياء المستوون في الدرجة فيمن يزوج منهم (أُقرع) بينهم " لأنهم تساووا في الحق وتعذر الجمع بينهم
(2)
. (فإن سبق غير من قرع) أى: غير من خرجت له القرعة (فزَّوج وقد أذنت لهم) أي: لكل واحد منهم: (صح) في الأصح؛ لأنه تزويج صدر من ولي كامل الولاية بإذن. موليته. فصح منه، كما لو انفرد بالولاية.
ولأن القرعة إنما شرعت لإزالة المشاحة.
(وإلا) أي: وإن لم تأذن إلا لبعضهم: (تعيَّن) للتزويج (من أذنت له). فلا يصح أن يزوجها من لم تأذن له.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3002) 3: 1158 كتاب الجزية، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره .... .
(2)
زبادة من ج.
(وإن زوَّج وليان) امرأة مستويان في الدرجة من لهما الولاية عليها (لاثنين)
بأن زوجها أحدهما لزيد والآخر لعمرو، (وجهل السبق مطلقاً) بأن جهل هل وقعا معاً أو أيهما زوج أولاً، (أو عُلم سابق ثم نُسي، أو عُلم السبق) بأن علم أن أحد العقدين سبق الآخر (وجُهل السابق: فسخَهما حاكم) على الأصح. نص على ذلك أحمد في رواية الجماعة.
(وإن علم وقوعهما معاً) أي: وقوع العقدين في وقت واحد: (بطلا)
أي: كان الحكم فيهما أنهما باطلان من أصلهما لا يحتاجان إلى فسخ، ولا توارث فيهما، ولا مهر لها على واحد منهما.
(ولها في غير هذه) الصورة، وهي: ما إذا عُلم وقوعهما معاً (نصف المهر) على أحدهما (بقرعة) في الأصح بأن يقرع بين الزوجين. فمن خرجت عليه القرعة أخذ منه نصف المسمى؛ لأن عقد أحدهما صحيح وقد انفسخ نكاحه قبل الدخول. فوجب عليه نصف المهر.
(وإن ماتت) قبل فسخ الحاكم نكاحهما (فلأحدهما نصف ميراثها بقرعة) يعني: يقترعان عليه فيأخذه من خرجت له القرعة، (بلا يمين) في الأصح.
(وإن مات الزوجان) أي: الرجلان (فإن كانت أقرَّت بسبق لأحدهما: فلا إرث لها من الآخر، وهي تدَّعي ميراثها ممن أقرَّت له) بالسبق، (فإن كان ادَّعى ذلك) أي: ادعى السبق (أيضاً) قبل موته: (دُفع إليها) إرثها منه.
(وإلا) أي: وإن لم يكن ادعى ذلك قبل موته (فلا) تأخذ شيئاً (إن أنكر ورثته). ولها تحليفهم، فإن نكلوا قضي عليهم.
(وإن لم تكن) امرأة (أقرَّت بسبق) لواحد منهما: (ورثت من احدهما بقرعة)
في الأصح، بأن يقرع بين الرجلين، فمن خرجت عليه القرعة فلها إرثها منه.
وقد روى حنبل عن أحمد في رجل له ثلاث بنات زوج إحداهن من رجل ثم
مات الأب ولم يعلم أيتهن زوج: يقرع فأيتهن أصابتها القرعة فهي زوجته، وإن مات الزوج فهي التي ترثه.
(ومن زوَّج عبده الصغير بأمته) جاز أن يتولى طرفي العقد بلا نزاع؛ لأنه
عقد بحكم الملك لا بحكم الإذن.
(أو) زوج (ابنه ببنت اخيه، أو) زوج (وصي في نكاح صغيراً بصغيرة
تحت حِجره، ونحوه: صح أن يتولى طرفي العقد.
وكذا ولي) امرأة (عاقلة تحل له؛ كابن عم، ومولى، وحاكم: إذا أذنت له) في تزويجها. فإنه يصح أن يتولى طرفي العقد أيضاً على الأصح؛ لما روى البخاري قال: " قال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم ابنة قارظ
(1)
أتجعلين أمرك إليّ؛ قالت: نعم. قا ل: قد تزوجتك "
(2)
.
ولأنه يملك الإيجاب والقبول. فجاز أن يتولاهما؛ كما لو زوج أمته عبده الصغير. ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب من ولي ثابت الولاية والقبول من زوج هو أهل للقبول. فصح؛ كما لو وجدا من رجلين.
(أو وكّل زوج وليّا) أي: ولي المخطوبة في قبول نكاح الزوج من نفس
الولي يعني: فإنه يجوز للولي تولي طرفي العقد.
(أو عكسه) وهو: أن يوكل الولي الزوج في إيجاب النكاح لنفسه. فإذا
فعل ذلك جاز للزوج أن يتولى طرفي العقد.
(أو وكَّلا) أي: الولي والزوج رجلاً (واحداً)، بأن يوكله الولي في الإيجاب ويوكله الزوج في القبول. فإذا فعلا ذلك جاز للوكيل عنهما تولي طرفي العقد.
(ونحوه) أي: ونحو ما تقدم من الصور. ويمكن أن يقال: ونحو النكاح
من العقود؛ كما لو وكل البائع والمشتري واحداً، أو المؤجر والمستأجر واحداً فإنه يجوز له أن يتولى طرفي العقد.
(1)
في الأصول: قارض. وما أثبتناه من " الصحيح ".
(2)
ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا 5: 1972 كتاب النكاح، باب إذا كان الولي هو الخاطب.
ولا يشترط فيمن يتولى طرفي العقد أن يأتي بالإيجاب والقبول في الأصح. (ويكفي) قوله: (زوّجت فلاناً فلانة) من غير أن يقول: وقبلت له نكاحها، (أو) يقول:(تزوجتها) أي: تزوجت فلانة (إن كان هو الزوج)، من غير أن يقول: وقبلت نكاحها لنفسي، (أو وكيله). فيصح أن يقول وكيل الزوج: تزوجت فلانة لوكيل فلان من غير أن يقول: وقبلت له نكاحها. ويستثنى من ذلك صورتان أشار إليهما بقوله: (إلا بنت عمه وعتيقته المجنونتين) فإنه لا يكفي تولي طرفي العقد إذا أراد أن يتزوجهما، (فيشترط) لصحة النكاح إذا أراد أن يتزوجهما (ولي غيره أو حاكم)؛ لأن الولي إثما جعل للنظر للمولى عليه وللاحتياط له. فلا يجوز له التصرف لنفسه فيما هو مولى عليه لمكان التهمة؛ كالوكيل في البيع لا يبيعه من نفسه لذلك. فيزوجه ولي غيره، إما قريب أبعد منه إن وجد أو الحاكم؛ لتنتفي التهمة بذلك.
[فصل: في جعل العتق صداق الأمة]
(فصل. ومن قال لأمته التي يحل له نكاحها إذا) أي: في ذلك الوقت (لو كانت حرة)" لتدخل الكتابية، ولتخرج المجوسية والوثنيه والمعتدة " لعدم حل كل منهن حين ذاك. ويشمل قوله: لأمته جميع الإماء: (من قِنِّ، أو مدبرة، أو مكاتبة، أو معلَّق عتقها بصفة، أو أم ولده: أعتقتُك وجعلت عتقك صداقك، أو جعلت عتق أمتي صداقها، أو) جعلت (صداق أمتي عثقها، أو) قال: (قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها، أو) قال: (أعتقتها على أن عتقها صداقها، أو) قال: (أعتقتُك على أن أتزوجُك، وعتقي) صداقك، (أو وعتقُك صداقُك: صح) النكاح والعتق في جميع هذه الصور على الأصح. (وإن لم يقل: وتزوجتك، أو) لم يقل: (وتزوجتها) في الأصح، لأن قوله: وجعلت عتقها صداقها تضمن ذلك.
والأصل في ذلك ما روى أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها "
(1)
رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3964) 4: 538 1 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1365) 2: 1045 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2054) 2: 221 كتاب النكاح، باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها.
وأخرجه الترمذي في " جامعه (1115) 3: 423 كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3342) 6: 4 1 1 كتاب النكاح، باب التزويج على العتق.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(11975) 3: 99.
وما روى الأثرم بإسناده عن صفية قالت: " أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل
عتقي صداقي ".
وبإسناده عن علي أنه كان يقول: " إذا أعتق الرجل أم ولده فجعل عتقها صداقها فلا بأس بذلك ".
ولأن العتق يجب تقديمه على النكاح ليصح وقد شرطه صداقاً. فيتوقف صحة العتق على صحة النكاح؛ ليكون العتق صداقاً فيه، وقد ثبت العتق فيصح النكاح.
ومحل صحة ذلك: (إن كان) الكلام (متصلاً). فلو قال: أعتقتك وسكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه، أو تكلم بكلام أجنبي ئم قال: وجعل عتقك صداقك لم يصح النكاح؛ لأنها صارت بالعتق حرة فيحتاج أن يتزوجها برضاها بصداق جديد.
ومحل صحة ذلك أيضاً: إن كان ذلك (بحضرة شاهدين) على الأصح.
نص على ذلك في رواية الجماعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدين "
(1)
. ذكره أحمد في راوية ابنه عبد الله.
(ويصح جعل صداق مَن بعضها حر عتق البعض الآخر) بشرطه.
قال في " الإنصاف ": وأما المعتق بعضها فصرح القاضي في " المجرد "
بأنها كالقن في ذلك. وتبعه ابن عقيل والحلوانى. انتهى.
ومعنى ذلك: أن عتق البعض يصح أن يكون صداقاً.
(ومن طُلِّقت) ممن جعل عتقها صداقها (قبل الدخول: رجع عليها)
سيدها (بنصف قيمة ما أعتق) منها. نقله الجماعة. فتجبر على الإعطاء إن كانت مليئة بذلك، (وتجبر على الاستِسْعاء غير مليئة) بذلك، أو بما فضل عليها إن كانت غير مليئة بكله على الأصح؛ لأن الطلاق قبل الدخول يوجب الرجوع في نصف ما فرض لها وقد فرض لها نفسها، ولا سبيل إلى الرجوع في
(1)
سبق تخريجه ص 55.
رق بعد زواله. فرجع بنصف قيمة ما أعتق منها، لأنه صداقها.
(ومن أعتقها) سيدها (بسؤالها) أن يعتقها (على أن تنكحه، أو قال)
لها: (أعتقتُك على أن تنكحيني فقط) يعني: ولم يزد على ذلك، (ورضيت: صح) العتق، ولم يلزمها أن تنكحه، لأن العتق وقع سلفاً في نكاح. فلم يلزمها " كما لو أسلف حرة ألفاً على أن يتزوجها.
(ثم إن نكحته) لم يكن عليها له شيء، لأنه أزال ملكه عنها بشرط عوض وقد سلم له. فلم يكن عليها غيره.
(وإلا) أي: وإن لم تنكحه (فعليها قيمة ما أعتق) من كلها أو بعضها "
لأنه أزال ملكه عنها بشرط عوض لم يسلم له. فاستحق الرجوع بقيمته " كالبيع الفاسد إذا تلفت السلعة بيد المشتري، والنكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول. وتعتبر القيمة حال الإعتاق " لأنه حاله الإتلاف.
(وإن قال) لأمته: (زوّجتُكِ لزيد وجعلتُ عتقك صداقك ونحوه) وقيل: صح.
قال الشيخ تقي الدين: لو أعتقها وزوجها لغيره وجعل عتقها صداقها فقياس المذهب صحته، ويحتمل: أن يكون مخصوصا بالسيد. انتهى.
(أو) قال لها: (أعتقتك وزوجتُك له) أي: لزيد (على ألف، وقبل فيهما) أي: في الصورتين: (صح، كأعتقتُك وأكريتُك منه) أي: من زيد (سنة بألف).
قال الشيخ تقي الدين: لو قال: أعتقت أمتي وزوجتكها على ألف فقياس المذهب جوازه، فإنه مثل قوله: أعتقتها وأكريتها
(1)
منك سنة بألف. وهذا بمنزلة استثناء الخدمة.
(1)
في ب: واكتريتها.
[فصل: في الشهادة]
(فصل. الرابع) من شروط صحة النكاح: (الشهادة) عليه على الأصح،
احتياطاً للنسب خوف الإنكار، (إلا على النبي صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أو زوّج للأمن من الإنكار.
والأصل في ذلك ما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا بد في النكاح من
حضور أربعة: الو لي والزوج والشاهدان "
(1)
رواه الدارقطني.
وعن أبن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " البغايا اللواتي ينكحن أنفسهن بغير بينة "
(2)
رواه الترمذي.
ولأنه عقد يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد. فاشترطت الشهادة فيه؛
لئلا يجحده أيوه فيضيع نسبه. بخلاف غيره من العقود.
إذا تقرر هذا (فلا ينعقد) النكاح (إلا بشهادة ذكرين بالغين) على الأصح
(عاقلين، متكلمين سميعين، مسلمين ولو أن الزوجة ذمية، عدلين ولو ظاهراً)
في الأصح؛ لأن الغرض من الشهادة إعلان النكاح، وأن لا يكون مستوراً ولهذا
يثبت بالتسامع.
فإذا حضر من يشتهر بحضوره صح (فلا يُنقض لو بانا فاسقين)؛ لأن النكاح
يكون في القرى والبوادي وبين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة، فاعتبار
ذلك يشق فاكتفي بظاهر الحال فيه.
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(19) 3: 224 كتاب النكاح.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1103) 3: 411 كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة.
ولو أقر رجل وامرأة أنهما متناكحان بولي وشاهدي عدل مبهمين ثبت النكاح
باقراهما.
(غير متهمين لرحم) يعني: أنه يشترط في الشاهدين كونهما غير متهمين لرحم، كأبا الزوج أو الزوجة أو أبنائهما في الأصح، لأنهم لا تقبل شهادتهم للزوجين، سواء كانوا آبائه م أو أبنائهم.
ولا يشترط كون الشاهدين بصيرين فيصح (ولو أنهما ضريران)، لأنها شهادة على قول. فقبلت من الضريرين، كالشهادة بالاستفاضة، لكن يعتبر أن يتيقن الصوت على وجه لا يشك فيهما، كما يعلم ذلك من رآهما.
(أو) أن الشاهدين (عدّوا الزوجين، أو) عدوا (أحدهما) أي: أحد الزوجين، (أو) عدوا (الولي). يعني: أن النكاح ينعقد مع كون الشاهدين عدوين للزوجين والولي في الأصح، لأنه ينعقد بهما نكاح غير هذين الزوجين. فانعقد بهما هذا النكاح " كسائر العدول.
(ولا يبطله) أي: يبطل العقد (تواص بكتمانه) على الأصح. قدمه في" الفروع "، لأنه لا يكون مع الشهادة عليه مكتوماً.
(ولا تشرط الشهادة بخلوِّها) أي: خلو الزوجة (من الموانع) لصحة النكاح، لأن الأصل عدمها.
(أو) الشهادة على (إذنها) فينعقد النكاح بدون الشهادة على إذنها ومتى أنكرته ففيه تفصيل يأتي في المتن.
(والاحتياط: الإشهاد) بخلوها من الموانع وبإذنها.
(وإن ادَّعى زوج إذنها، وأنكرت: صُدقت قبل دخول) أي: دخول الزوج عليها مطاوعة؛ [لأن الأصل عدمه]
(1)
.
(لا بعده) أي: بعد الدخول؛ لأن في دخول الزوج بها مطاوعة دليلأ على كذبها.
(1)
ساقط من ب.
الشرط (الخامس) من شروط صحة النكاح: (كفاءة زوج على رواية) وهي المذهب عند أكثر المتقدمين.
(فتكون) الكفاءة على هذه الرواية (حقاً لله تعالى) سبحانه، (ولها) أي: وللزوجة (ولأوليائها كلهم.
فـ) على هذه الرواية (لو رضيت) امرأة (مع أوليائها) أن تتزوج (بغير كفء: لم يصح) النكاح " لفوات شرطه.
(و) على هذه الرواية فالمعتبر وجودها حالة العقد، و (لو) وجدت حالته
ثم (زالت بعد عقد) لم ينفسخ، قيل لأحمد فيمن يشرب المسكر: يفرق بينهما؛ قال: أستغفر الله.
وحيث لم تنفسخ (فلها فقط) أي: دون أوليائها (الفسخ)، كعتقها تحت عبد. واحتج من اختار هذه الرواية بأن منعها تزويج نفسها، لئلا تضعها في غير كفء. فبطل العقد، لتوهم العار فهاهنا أولى.
ولأن لله
(1)
فيها نظرّا.
ولأن الولي إذا زوجها بغير كفء يكون فاسقاً.
(وعلى) رواية (أخر ى: أنها) أي: الكفاءة (شرط للزوم) أي: لزوم النكاح، (لا للصحة) أي: صحة النكاح. وهي المذهب عند أكثر المتأخرين.
قال في " المقنع ": وهي أصح.
قال في " الإنصاف ": قال في " الرعايتين ": وهي أولى للآثار. وقدمه
في " المحرر " و " الفروع ".
قلت: وهو الصواب الذي لا يعدل عنه. انتهى.
وهذا قول أكثر أهل العلم. ويدل له ما روت عائشة " أن أبا حذيفة بن عتبة
(1)
في ب: الله.
ابن ربيعة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار "
(1)
. رواه البخاري والنسائى وأبو داود.
وعن أبي حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت: " رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال "
(2)
رواه الدارقطني.
فتزويج سالم وبلال امرأتين من قريش تدل على جوازه.
وقد " أمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد فنكحها بأمره "
(3)
. متفق عليه.
ولأن الكفاءة حق لا يخرج عن المرأة وأوليائها. فإذا رضوا به صح " لأنه إسقاط لحقهم، ولا حجر عليهم فيه.
(فـ) على هذه الرواية (يصح) النكاح مع فقد الكفاءة.
(ومن لم يرض) بغير الكفؤ بعد أن يعقد: (من امرأة وعصبةٍ، حتى من يَحدث منهم
(4)
الفسخ) أي: فسخ النكاح؛ لاشتراط رضى المرأة وجميع الأولياء؛ للزوم العقد على الأصح.
(فيفسخ) أي: فيملك الفسخ (أخ مع رضا أب)، لأن العار في تزويج من
ليس بكفؤ عليهم أجمعين.
(وهو) أي: خيار الفسخ لعدم الكفاءة (على التراخي)، لأنه خيار نقص
في المعقود عليه. أشبه خيار العيب.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3778) 4: 469 1 كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدراَ.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2061) 2: 223 كتاب النكاح، باب فيمن حرم به.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3223) 6: 63 كتاب النكاح، تزوج المولي العربية.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(25692) 6: 1 20.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(207) 3: 301 باب المهر.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1480) 2: 1114 كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها. ولم أره في البخاري.
(4)
ساقط من أ.
(فلا يسقط إلا بإسقاط عصبة، أو بما يدل على رضاها) أي: رضى الزوجة: (من قول و) من (فعل)؛ كما لو مكنته عالمة بأنه غير كفؤ. (والكفاءة) لغة المماثلة والمساواة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:" المسلمون تتكافأ دماؤهم "
(1)
أي: تتساوى. فيكون دم الرفيع منهم؛ كدم الوضيع.
وهي هنا (دين، فـ) على الرواية الأولى (لا تزوج عفيفة) عن الزنا (بفاجر) وهو الفاسق؛ لأنه مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته فلا يكون كفؤاً لعدل. ويشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى:{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وهدا صريح في نفي المساواة.
(ومَنْصِب، وهو: النسب فلا تُزوَّج عربية) من ولد إسماعيل؛ لأنه أبو العرب (بعجمي)؛ لأن عمر قال: " لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء "
(2)
رواه الدارقطني.
ولأن العرب يعتدون الكفاءة في النسب ويأنفون من نكاح الموالي ويرون ذلك نقصاً وعاراً. فوجب اعتبار النسب لذلك.
(وحرية، فلا تُزوَّج حرة بعبد)؛ لأنه منقوص بالرق ممنوع من التصرف في كسبه، غير مالك له.
ولأن ملك السيد لرقبته لشبه
(3)
ملك البهيمة. فلا يساوي الحرة لذلك.
(ويصح) النكاح (إن عتق) العبد (مع قبوله) النكاح؛ كما لو قال له
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2751) 3: 80 أول كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وأخرجه النسائي في " سننه "(4746) 8: 24 كتاب القسامة، سقوط القود من المسلم للكافر. عن علي.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2683) 2: 895 كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماوهم. عن ابن عباس.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(959) 1: 119 عن أبي حسان أن عليَّا.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(195) 3: 298 كتاب النكاح، باب المهر.
(3)
في ج: يشبه.
سيده: أنت حر مع قبولك النكاح، أو يكون السيد وكيلاً عن عبده في قبول النكاح فيقول بعد إيجاب النكاح للعبد: قبلت له هذا النكاح وأعتقته.
قال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب صحته، لأنه لم يمض زمن بعد العقد يمكن الفسخ فيه.
قال في " الإنصاف " أما إن كان قد مسَّه رق أو أباه فالصحيح من المذهب جواز تزويجه بحرة الأصل. اختاره ابن أبي موسى والمصنف والشارح وغيرهم، وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في " الأنتصار " وقدمه في " الفروع ". قال في " الرعاية ": فلا تزوج به في رواية. انتهى.
(وصناعة غير زَريَّة) أي: دنيئة. (فلا تُزوج بنت بَزَّاز) أي: الذي يتجر
في البز وهو القماش (بِحجَّام) أي: بمن صناعته الحجامة، (ولا) تزوج (بنت تانىَ صاحب عقار بحائك)، ونحوه، كالكساح والدباغ؛ لأن ذلك نقص في عرف الناس. فأشبه نقص النسب. وقد جاء في حديث:" العرب بعضهم لبعض أكفاء إلا حائكاً أوحجاماً "
(1)
.
فيل لأحمد: وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟
قال: العمل عليه يعني: لأنه ورد موافقاً لأهل العرف.
(ويسارٌ بحسب ما يجب لها، فلا تُزَوَّج موسرة بمعسر)، لأن على الموسرة ضرراً في إعسار زوجها؛ لإخلاله بنفقتها، ومؤنة أولاده. ولهذا ملكت الفسخ بإعساره بالنفقة فكذلك إذا كان مقارناً.
ولأن ذلك نقصاً في عرف الناس يتفاضلون فيه؛ كتفاضلهم في النسب.
وإنما اعتبرت الكفاءة في الرجل دون المرأة؛ لأن الولد يشرف بشرف أبيه
لا بشرف أمه. فلا يعتبر ذلك في الأم.
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفيه بنت حيي وتسرى بالإماء وقال: " من كانت
(1)
أخرجه الحاكم فى " مستدركه " عن ابن عمر. ر. " نيل الأوطار " 6: 128.
عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران "
(1)
. متفق عليه.
قال في " الفروع ": وموالي بنى هاشم لا يشاركونهم في الكفاءة في النكاح. نقل الميمونى: مولى القوم من أنفسهم في الصدقة، ولم يكن عنده هذا كهذا في التزويج. ونقل مهنا: إنه كفؤ لهم. ذكرهما في " الخلاف ". وزاد الشافعية على ما سبق أن غير المنتسب إلى العلماء والصلحاء المشهورين ليس كفؤاً للمنتسب إليهما، وأن من به عيب مثبت للفسخ ليس كفؤاً للسليمة منه، وإن لم يثبت الفسخ، فلهم فيه وفي تأثير رق الأمهات وجهان، وأن الحائك ونحوه ليس كفؤاً لبنت الخياط ونحوه، ولا المحترف لبنت العالم، ولا المبتدع للسنية. انتهى.
***
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4795) 5: 1955 كتاب النكاح، باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها. عن بردة عن أبيه.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه "(1956) 1: 629 كتاب النكاح، باب الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها عنه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(19727) 4: 4 1 4.
[باب: المحرمات في النكاح]
هذا (باب) يذكر فيه من يحرم نكاحهن وما يحرمه.
ثم (المحرمات في النكاح ضربان) أي: صنفان:
(ضرب) منهما يحرمن (على الأبد، وهن) أي: واللائي يحرمن على
الأبد (أقسام) خمسة:
(قسم) منها وهو الأول: اللائي يحرمن (بالنسب. وهن سبع: الأم) وهي الوالدة، (والجدة لأب) وهي أم الآباء وإن علت، (أو أم) أي: والجدة لأم وهي أم الأم وأم آبائها (وإن علت)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، وأمهاتك: كل من انتسبت إليها بولادة، سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة وهي التي ولدتك، أو مجازاً وهي التي ولدت من ولدك وإن علت. ومن ذلك جدتاك أم أمك وأم أبيك، وجدتا أمك، وجدتا أبيك، وجدتا جدتيك، وجدتا أجدادك وإن علون، وارثات [كن أو غير وارثات]
(1)
كلهن أمهات محرمات. ذكر أبو هريرة
(2)
هاجر أم إسماعيل فقال رسول الله: " تلك أمكم يا بني ماء السماء ".
وفي الدعاء المأثور: " اللهم لِلَّهِ صلي على أبينا آدم وأمنا حوى ".
(والبنات) لصلب، (وبنات الولد وإن سفل)، وارثات كن أو غير وارثات كلهن بنات محرمات؛ لقوله سبحانه وتعالى:{وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23]، حتى (ولو) كن (منفيات بلعان، أو) كن (من زنا)؛ لدخولهما في عموم اللفظ؛ لأن نفي المنفية باللعان لا يمنع احتمال كونها خلقت من مائه.
(1)
ساقط من أوب.
(2)
في ب: أبا هريرة.
وأما ابنته من الزنا؛ فلكونها خلقت من مائه. فحرمت عليه؛ كتحريم الزانية على ولدها من الزنا.
(والأخت من الجهات الثلاث) وهي الشقيقة والأخت لأب والأخت لأم؛
لقو له سبحانه وتعالى: (وَأَخَوَاتُكُمْ)[النساء: 23].
(وبنت لها) أي: للأخت، (أو) بنت (لابنها) أي: لابن الأخت،
(أو) بنت (لبنتها) أي. بنت الأخت؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَبَنَاتُ الْأُخْتِ)[النساء: 23].
(وبنت كل أخ شقيق)[أي: سواء كان شقيقاً أو لأب أو لأم، (وبنتها) أي: بنت بنت الأخ، (وبنت ابنها) أي: بنت ابن بيت الأخ؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَبَنَاتُ الأَخِ}]
(1)
[النساء: 23].
(وإن نزلن كلهن)؛ لدخولهن في عموم اللفظ.
(والعمة) من كل جهة (والخالة من كل جهة)؛ لقوله سبحانه وتعالى: وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ) [النساء: 23]. حتى (وإن علتا) أي: العمة والخالة؛ (كعمة أبيه، و) عمة (أمه، وعمة العم لأب)؛ لأنها عمة أبيه، (لا) عمة العم الذي هو عم (لأم)، لأنها أجنبية منه، (وعمه الخالة لأب)؛ لأنها عمة الأم، (لا عمة الخالة لأم)؛ لأنها أجنبية منه، (وخالة العمة لأم)؛ لأنها عمة الأم، (لا خالة العمة لأب)؛ لأنها أجنبية؛ لدخول من قلنا: يحرمن ممن ذكرنا في عموم لفظ العمات والخالات.
إذا تقرر هذا (فتحرم كل نسيبة، سوى بنت عم و) بنت (عمة، وبنت خال و) بنت (خالة).
القسم (الثانى) من المحرمات على الأبد: المحرمات (بالرضاع، ولو)
كان الإرضاع
(2)
(محرماً؛ كمن غصب
(3)
امرأة على إرضاع طفل)، لأن سبب
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب: الرضاع.
(3)
في ب: أكره.
التحريم لا يشترط كونه مباحاً، بدليل أن الزنا يثبت به تحريم المصاهرة، وكذا لو غصب لبن امرأة وسقاه طفلاً سقيا محرماً، فإن التي منها اللبن يحرم على هذا الطفل، وإن كانت طفلة فإنها تحرم على الرجل الذي ثاب هذا اللبن من الحمل الناشئ عن وطئه.
(وتحريمه) أي: تحريم الرضاع؛ (كـ) تحريم (نسب) يعني: أن كل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع؛ لما روى ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد على ابنة حمزة. فقال: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الرحم. وفي لفظ. من النسب ")
(1)
. متفق عليه.
وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب "
(2)
. رواه أحمد والترمذي وصححه.
ولأن الأمهات والأخوات منصوص عليهن في قوله سبحانه وتعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات. فيدخل في هذا البنات، وبنات الإخوة، وبنات الأخوات، وأخوات المرضعة وأمهاتها، وأمهات صاحب اللبن وأخواته، وكل امرأة من أنسابه، أو أنساب المرضعة؛ كعمته وعمتها وخالته وخالتها.
قال
(3)
أبن البنا وابن حمدان وصاحب " الوجيز ". إلا أم أخته وأخت ابنه يعني: فلا يحرمن بالرضاع.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2 0 5 2) 2: 5 93 كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم.
وأخرجه مسلم في، صحيحه " (1447) 2: 1071 كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة.
وأخرجه النسائي فى " سننه "(6 0 33) 6: 100 كتاب النكاح، تحريم بنت الأخ من الرضاعة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(3144) 1: 339.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1146) 3: 452 كتاب الرضاع، باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. ولم أجده في أحمد.
(3)
قي أ: قاله.
وفيها أربع صور، ولهذا قيل: إلا المرضعة وبنتها على أبي المرتضع وأخيه
من النسب، وإلا أم المرتضع وأخته من النسب لا يحرمان على أبي المرتضع [ولا ابنه الذي هو أخو المرتضع في الرضاع. والحكم الذي هو الإباحة صحيح في المسائل الأربع وهي أن أم المرتضع]
(1)
وأخته من الرضاع لا تحرمان على أبيه ولا أخيه من النسب، وأن أمه وأخته من النسب لا تحرمان على أبيه ولا أخيه من الرضاع. فالمسألتان اللتان استثناهما ابن البنا ومن تبعه هما من جملة الأربع. قال في " التنقيح ": لكن الصواب عدم الاستثناء " لأن إباحتهن لكونهن في مقابلة من يحرم بالمصاهرة، لا في مقابلة من يحرم من النسب، والشارع إنما حرم من الرضاع ما يحرم من النسب لا ما يحرم بالمصاهرة. انتهى.
وحيث تقرر أن تحريم الرضاع كتحريم النسب كان حلائل آبائه وأبنائه من الرضاع كحلائل آبائه وأبنائه من النسب، وإلى ذلك أشير بقوله:
(حتى في مصاهرة. فتحرم زوجة أبيه وولده من رضاع، كـ) ما تحرم عليه زوجة أبيه وولده (من نسب)، إلا أنه (لا) تحرم على الرجل (أم أخيه) من رضاع، (و) لا (أخت ابنه من رضاع). وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
القسم (الثالث) من المحرمات على الأبد: المحرمات (بالمصاهرة، وهن أربع) أي: المحرمات بالمصاهرة:
الأولى منهن: (أمهات زوجته وإن علون) من نسب ومثلهن من رضاع فيحرمن بمجرد العقد. نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم " لقوله سبحانه وتعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} [النساء: 23] والمعقود عليها من نسائه. فتدخل أمها في عموم الآية.
قال ابن عباس: " أبهموا ما أبهم القرآن " بمعنى: عموا حكمها في كل حال، ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تزوج امرأة
(1)
ساقط من أوب.
فطلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج ربيبته، ولا يحل له أن يتزوج أمها " رواه أبو
(1)
حفص بإسناده.
(و) الثانية والثالثة: (حلائل عمودي نسبه). وعمودا نسبه: آباؤه وأبناؤه وحلائلهم زوجاتهم. سميت امرأة الرجل حليلة؛ لأنها محل إزار زوجها، وهي محللة له.
(ومثلهن) أي: ومثل زوجات الآباء والأبناء من النسب زوجات الآباء والأبناء (من رضاع. فيحرمن) أي: زوجات الآباء وإن علو. فتحرم على الرجل امرأة أبيه، قريباً كان أو بعيداً، وارثاً كان أو غير وارث، من نسب أو رضاع؛ لقوله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [النساء: 22].
وسواء في هذا امرأة أبيه وامرأة جده لأبيه وجده لأمه، قرب أم بعد. ويحرم عليه أيضاً من وطئها أحد آبائه بشبهة أو ملك يمين.
قال ابن المنذر: الملك في هذا والرضاع بمنزلة النكاح والنسب.
قال في " شرح المقنع ": وممن حفظنا ذلك عنه عطاء وطاووس والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي ولا نحفظ عن أحد خلافهم.
ويحرم على الرجل أيضاً زوجة ابنه، وزوجة ابن بنته، وزوجة ابن بنت بنته، وزوجة ابن بنت ابنه ونحوهم، قربوا أو بعدوا، من نسب أو رضاع (بمجردعقد) في حلائل الآباء والأبناء.
قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم في هذا خلافاً.
(لا بناتهن وأمهاتهن) يعني: أنه لا يحرم على الرجل بنات حلائل آبائه وأبنائه ولا أمهات حلائل آبائه وأبنائه. فتحل له ربيبة والده وولده وأم زوجة
(1)
ساقط من أ.
والده وولده
(1)
؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء: 24].
(و) الرابعة: (الربائب، وهن: بنات زوجة دخل بها وإن سفلن) من نسب أو رضاع؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} [النساء: 23].
(أو كُنَّ) بنات (لربيب، أو) كن بنات (ابن ربيبة) وسواء في ذلك القريبات والبعيدات، والوارثات وغير الوارثات، وسواء كن في حجره أو لا في قول عامة الفقهاء؛ لأن الربيبة لا تأثير لها في التحريم.
وأما قوله سبحانه وتعالى: {فِي حُجُورِكُم} [النساء: 23] فإنه لم يخرج مخرج الشرط، وإنما وصفها بذلك؛ تعريفاً لها بغالب أحوالها، وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه.
(فإن ماتت) الزوجة (قبل دخول) لم يحرمن بناتها على الأصح.
وعنه: يحرمن؛ لأن الموت أقيم مقام الدخول في تكميل الصداق وفي العدة. فتقوم مقامه في تحريم الربيبة.
والأول قول علي وعامة الفقهاء؛ لقوله سبحانه وتعالى: {فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23]، وهذا نص لا يُترك بقياس ضعيف.
(أو أبانَها) أي: أبان الزوجة (بعد خلوة وقبل وطء: لم يحرمن) أي: لم تحرم عليه بناتها على الأصح؛ لأن الخلوة لا تسمى دخولاً.
(وتحل زوجة ربيب) أبانها لزوج أمه.
(و) تحل (بنت زوج أم) لابن امرأته.
(و) تحل (زوجة زوج أم)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء: 24].
(و) تحل (لأنثى ابن زوجة ابن) أي: ابن زوجة ابنها، (وزوج زوجة
(1)
ساقط من ب.
أب) أي: وأن تتزوج زوج زوجة أبيها، (أو زوجة ابن) يعني: وأن تتزوج زوج زوجة ابنها؛ لأن الأصل في الفروج الحل، إلا ما ورد الشرع بتحريمه.
(ولا يحرَم) بتشديد الراء (في مصاهرة، إلا تغييب حشفه أصلية في فرج أصلي ولو دبراً)؛ لأنه فرج يتعلق به التحريم إذا وجد في الزوجة والأمة وكذلك في الزنا.
(أو) كان الوطء (بشبهة أو) كان (زناً بشرط حياتهما) أي: حياة الواطئ والموطوءة في الأصح. فلو أولج الرجل ذكره في فرج ميتة، أو أدخلت امرأة حشفة ميت في فرجها لم يؤثر في تحريم المصاهرة.
(و) بشرط)
(1)
(كون مثلهما بَطَأ ويُوطَأ) في الأصح. فلو أدخل ابن ست سنين حشفته في فرج امرأة، أو أدخل كبير حشفته في فرج بنت سبع سنين لم يؤثر في تحريم المصاهرة.
أما ثبوت تحريم المصاهرة بالوطء الحلال؛ فإجماع.
وأما بوطء الشبهة وبالزنا؛ فعلى الصحيح من المذهب.
قال في " الإنصاف ": ظاهر كلام الخرقي أن وطء الشبهة ليس بحلال ولا بحرام. فقال: ووطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال والشبهة. وصرح القاضي في " تعليقه ": أنه حرام. انتهى.
ووجه كون وطء الحرام محرم: أنه لما كان الوطء يسمى نكاحاً بدليل قول الشاعر: إذا زنيت فأجد نكاحاً.
دخل في عموم قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [النساء: 22]. وفي الآية أيضاً قرينة تصرفه إلى الوطء وهي قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً} [النساء: 22]، وهذا التغليظ إنما يكون في الوطء.
ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور؛ كوطء الحائض.
(1)
في ب: يشترط.
(ويحرم بوطء ذكر ما يحرم بـ) وطء (امرأة) على الأصح.
قال في " الإنصاف ": وهذا المذهب. نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب. انتهى. وهذا من مفردات المذهب، وهو قول الأوزاعي.
(فلا يحل) على هذا القول (لكل: من لائطٍ ومَلُوط به أمّ الآخر ولا ابنته) أي: ولا ابنه الآخر.
ووجهه: أنه وطء في فرج. فنشر الحرمة، كوطء المرأة.
وقال أبو الخطاب: يكون ذلك كالمباشرة فيما دون الفرج فيكون فيه الروايتان.
قال في " شرح المقنع ": والصحيح إن هذا لا ينشر الحرمة فإن هؤلاء غير منصوص عليهن، ولا هن في معنى المنصوص عليه. فوجب أن لا يثبت حكم التحريم فيهن فإن المنصوص عليهن في هذا حلائل الأبناء ومن نكحهن الآباء وأمهات النساء وبناتهن، وليس هؤلاء منهن ولا في معناهن. انتهى.
القسم (الرابع) من المحرمات على الأبد: المحرمة (باللعان) نصاً. (فمن لاعن زوجته ولو في نكاح فاسد، أو بعد إبانة لنفي ولد) في الأصح: (حرمت أبداً، ولو أكذب نفسه).
قال في " شرح المقنع ": أما إذا لم يكذب نفسه فلا نعلم أحداً قال بخلاف ذلك إلا قولاً شاذاً. انتهى.
قال في " الفروع ": وتحرم الملاعنة أبداً على الملاعن. نقله الجماعة.
وعنه: حلها بتكذيبه نفسه ذكره ابن رزين.
القسم (الخامس) من المحرمات أبداً: (زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم على غيره)، لقوله سبحانه وتعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6].
(ولو مَن فارقها) في الحياة، لأنها من زوجاته.
(وهُنَّ أزواجُه دنيا وأخرى).
[فصل: في المحرمات إلى أمد]
(فصل. الضرب الثاني) من المحرمات في النكاح المحرمات: (إلى أمد. وهن) أي: المحرمات إلى أمد (نوعان:
نوع) منها حرم (لأجل الجمع. فيحرُم) الجمع (بين أختين)، سواء كانتا
من نسب أو رضاع، حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة
(1)
، وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده، لعموم قوله سبحانه وتعالى:{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23].
(و) يحرم الجمع أيضاً (بين امرأة وعمتها أو خالتها وإن علتا من كل جهة
من نسب أو رضاع).
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول به، وليس فيه بحمد الله اختلاف إلا أن بعض أهل البدع ممن لا تعد مخالفته خلافاً وهم الرافضة والخوارج لم يحرموا ذلك، ولم يقولوا بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها "
(2)
. متفق عليه.
وفي رواية أبي داود: " لا تُنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى "
(3)
.
(1)
في ب: أو أمة.
(2)
أخرجه اليخاري في " صحيحه "(4820) 5: 1965 كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1408) 2: 028 1 كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3291) 6: 97 كتاب النكاح، الجمع بين المرأة وعمتها.
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه "(2065) 2: 224 كتاب النكاح، باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء.
ولأن العلة في تحريم الجمع بين الأختين إيقاع العداوة بين الأقارب وإفضاء
ذلك إلى قطيعة الرحم المحرم
(1)
. فإن احتجوا بعموم قوله سبحانه وتعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، خصصناه بما روي من الحديث الصحيح.
(و) يحرم الجمع أيضاً (بين خالتين أو) بين (عمتين أو) بين (عمة وخالة). وصورة الجمع بين خالتين: أن يتزوج كل من رجلين بنت الآخر وتلد له بنتاً فالمولودتان كل واحدة منهما خالة الأخرى.
وصورة الجمع بين العمتين: أن يتزوج كل من رجلين أم الآخر وتلد له بنتاً فالمولودتان كل واحدة منهما عمة الأخرى لأم.
وصورة الجمع بين العمة والخالة: أن يتزوج الرجل امرأة ويتزوج ابنه أمها
وتلد كل واحدة بنتاًً من الابن خاله بنت الأب وبنت الأب عمة بن الإبن.
(أو) بين (امرأتين: لو كانت إحداهما ذكراً والأخرى أنثى حرُم نكاحه)
أي: نكاح الذكر (لها) أى: للأنثى، (لقرابة أو رضاع) أي: لأجل ما بينهما من القرابة، لأن المعنى الذي حرم الجمع من أجله إفضاؤه إلى قطيعة الرحم القريبة، لما في الطباع من التنافس والغيرة من الضرائر. وألحق بالقرابة الرضاع، لقوله صلى الله عليه وسلم:" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "
(2)
.
(لا) الجمع (بين أخت شخص من أبيه وأخته من أمه) ولو في عقدٍ واحد.
ذكره في " الرعاية " وغيره " لأنه لو كانت إحداهما ذكراً حلت له الأخرى. (ولا) الجمع (بين مُبانة شخص وبنته من غيرها ولو في عقد) واحد، لأنه
وإن حرمت إحداهما على الأخرى لو قدرناها ذكراً لم يكن تحريمها إلا من أجل المصاهرة، لأنه لا قرابة بينهما.
(1)
في أوب: المحرمات.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1146) 3: 452 كتاب الرضاع، باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
قال في " الإنصاف ": لو كان لكل رجل
(1)
بنت، ووطئا أمة، فألحق ولدها بهما، فتزوج رجل بالأمة وبالبنتين: فقد تزوج أم رجل وأختيه. ذكره ابن عقيل واقتصر عليه في " الفروع ".
قلت: فيعايا بها، وقد نظمها بعضهم لغزاً. انتهى.
إذا تقرر هذا (فمن تزوج أختين أو نحوهما)؛ كامرأة وبنت أخيها أو بنت أختها (فى عقد) واحد، (أو) في (عقدين معاً) أي: في وقت واحد: (بطلا) أي: بطل العقدان في حق المرأتين؛ لأنه لا يمكن تصحيحه فيهما، ولا مزية لإحداهما على الأخرى فيبطل فيهما. وكذا لو تزوج خمس زوجات في عقد واحد فإنه يبطل في الجميع؛ لما تقدم.
(و) إن تزوجهما في عقدين (في زمنين: يبطل) عقد (متأخر)؛ لأن الجمع حصل به (فقط) أي: دون " العقد الأول؛ لأن الأول لا جمع فيه؛ (كواقع) أي: كما لو وقع عقد الأخت الثانية (في عدة) الأخت (الأخرى، ولو بائناً) أي: ولو كانت معتدة من خلع أو طلاق بائن، وكما لو تزوج خامسة في عدة رابعة أبانها.
(فإن جُهل) أسبق العقدين (فُسخا).
قال أحمد في رجل تزوج أختين لا يدري أيتهما تزوج أولاً: يفرق بينه وبينهما؛ لأن إحداهما محرمه عليه ونكاحها باطل ولا يعرف المحللة له فقد اشتبهتا عليه، ونكاح إحداهما صحيح، ولا يتيقن بينونتها منه إلا بفسخ نكاحهما. فوجب ذلك؛ كما لو زوَّج الوليان ولم يعرف الأول منهما.
قال في " شرح المقنع ": وإن أحب أن يفارق إحداهما ثم يجدد عقد الأخرى ويمسكها فلا بأس، وسواء فعل ذلك بقرعة أو غيرها.
(ولإحداهما) أي: إحدى من لا يجوز الجمع بينهما إذا عقد عليهما في زمنين وجهل أسبقهما ولم يدخل بواحدة منهما (نصف مهرها بقرعة) بين
(1)
فى ج: من رجلين
الزوجتين لمن خرجت له. وإن أصاب واحدة منهما أقرع بينهما أيضاً فإن وقعت لغير المصابة فلها نصف المهر، وللمصابة مهر المثل بما استحل من فرجها، وإن وقعت للمصابة فلا شيء للأخرى، وللمصابة المسمى جميعه، وإن كان أصابهما فلإحداهما المسمى وللأخرى مهر المثل يقترعان عليهما.
(ومن ملك أخت زوجته، أو) ملك (عمتها، أو) ملك (خالتها: صح) ملكه لها؛ لأن الملك يراد للاستمتاع ولغيره، ولذلك صح شراء من لا تحل له؛ كأخته من الرضاع، (وحرُم أن يطأها) أي: أن يطأ التي ملكها (حتى يفارق زوجته وتنقضي عدتها)؛ لأن لا يكون جامعاً بينهما في الفراش، أو جامعاً ماءه في رحم أختين [أو نحوهما. وذلك لا يحل؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين "
(1)
]
(2)
.
(ومن ملك أختين، أو نحوهما)؛ كامرأة وعمتها أو خالتها (معاً) أي:
في عقد واحد: (صح) العقد.
قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم خلافاً في ذلك. انتهى.
وكذا لو اشترى جارية ووطئها حل له شراء أختها وعمتها وخالتها، كما يحل شراء المعتدة من غيره والمزوجة مع كونهما لا يحلان له.
(وله وطء أيهما شاء) منهما؛ لأن الأخرى لم تصر فراشاً؛ كما لو كان في ملكه إحداهما وحدها.
(وتحرم به) أي: بوطء إحداهما (الأخرى). نص على ذلك أحمد في
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1449) 2: 1702 كتاب الرضاع، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة.
(1)
لا أصل له. كذا أفاده الحافظ ابن حجر 3: 343.
وروي في " الصحيحين " عن أم حبيبة قالت: " يا رسول الله انكح أختي قال: لا تحل لي ".
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4813) 5: 1961 كتاب النكاح، باب:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
(2)
ساقط من أ.
رواية الجماعة؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فإنه يريد بها العقد والوطء جميعاً، بدليل أن سائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد عليهن.
ولأنها امرأة صارت فراشاً. فحرمت أختها؛ كالزوجة.
ويستمر التحريم (حتى يحرَّم الموطوءة) منهما (بإخراج عن ملكه، ولو ببيع للحاجة) إلى التفريق. قاله الشيخ تقى الدين وابن رجب.
(أو هبة أو تزويج بعد استبراء).
قال الخرقي: وإذا اشترى أختين فأصاب إحداهما لم يصب الأخرى، حتى
تحرم عليه الأولى ببيع أو نكاح أو هبة وما أشبههما، ويعلم أنها ليست بحامل منه. انتهى.
(ولا يكفي) في ذلك (مجرَّد تحريم)؛ لأن هذا يمين مكفرة ولو كان يحرمها، إلا أنه لعارض متى شاء أزاله بالكفارة فهو كالحيض والنفاس والإحرام والصيام.
(أو كتابةٍ) يعني: أنه لا يكفيه أن يكاتبها؛ لأنه سبيل من استباحتها بما
لا يقف على غيرهما.
(أو رهنٍ) يعني: أنه لا يكفيها أن يرهنها، لأن منعه
(1)
من وطئها لحق المرتهن لا لتحريمها. ولهذا يحل له وطؤها بإذن المرتهن في وطئها.
ولأنه يقدر على فكها متى شاء واسترجاعها إليه.
(أو بيع بشرط خيار له) يعني: أنه لا يكفيه بيعها بشرط الخيار له؛ لأنه يقدر على استرجاعها متى شاء بفسخ البيع.
قال في " الوجيز ": فإن وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى تحرم " الموطوءة بما لا يمكن أن يرفعه وحده. وجزم به ابن عبدوس في " تذكرته "، فشمل كلامهما هذه الصورة، وشمل قوله في المتن: حتى تحرم الموطوءة
(1)
في الأصول: منعها، ولعل الصواب ما أثبتناه. وهو موافق لما في شرح منتهى الإرادات " 2:657.
بإخراج عن ملكه، ما لو خرج عن ملكه بعضها فإن ذلك محرم لها.
(فلو خالف) بأن لم يخرج الموطوءة ولا بعضها عن ملكه (ووطئ) الأخرى:) لزمه أن يُمسك عنهما) أي: عن الموطوءة أولاً والموطوءة ثانياً (حتى يحرم إحداهما، كما تقدم) في الأصح؛ لأن الثانية قد صارت فراشاً له يلحقه نسب ولدها. فحرمت عليه أختها؛ كما لو وطئها ابتداء.
واستدلال من قال: أن الأولى باقية على الحل بحديث: " إن الحرام لا يحرم الحلال " لا يصح؛ لأن الخبر ليس بصحيح، ويرد عليه إذا وطئ الأولى وطئاً محرماً كفي حيض أو إحرام أو صوم فرض فإن أختها تحرم عليه بذلك.
(فإن عادت) الأولى (لملكه ولو) كان عودها (قبل وطء الباقية: لم يُصِبْ واحدة) منهما (حتى يحرَّم) على نفسه (الأخرى).
قال (ابن نصر الله: إن لم يجب استبراء، فإن وجب: لم يلزم ترك الباقية فيه) أي: في زمن الإستبراء.
قال (المنقح: وهو) أي: ما قاله ابن نصر الله (حسن)؛ لأنها محرمة
عليه زمن الاستبراء.
ومثل ذلك: لو عادت إليه معتدة فإنه لا يلزمه ترك الباقية حتى تنقضي عدة
العائدة.
(ومن تزوج أخت سُرُيته ولو بعد إعتاقها زمن استبرائها: لم يصح) النكاح
على الأصح؛ لأن عقد النكاح تصير به المرأة فراشاً. فلم يجز أن يرد على فراش الأخت؛ كالوطء.
ولأن لوطئ مملوكته معنى يحرم أختها لعلة الجمع. فمنع صحة النكاح؛ كالزوجية. ويفارق ذلك صحة شراء أختها، فإن الشراء يكون للوطء وغيره. بخلاف النكاح، ولهذا صح شراء الأختين في عقد وشراء من لا تحل لمشتر برضاع أو غيره. بخلاف النكاح.
(وله) أي: وللمتسري (نكاح أربع سواها) أي: سو ى أخت سُريته.
(وإن تزوَّجها) أي: تزوج أخت سُريته (بعد تحريم السُرِّية واستبرائها، ثم
رجعت إليه السُرِِّية) ببيع أو غيره، (فالنكاح) باقٍ (بحاله)؛ لأن النكاح صحيح وهو أقوى، ولا يحل له وطؤها حتى تبين الزوجة وتنقضي عدتها. (ومن وطئ امرأة بشبهة أو زناً: حرم في) زمن (عدتها نكاح أختها) وكذا عمتها وخالتها.
(و) كذا يحرم عليه (وطؤها: إن كانت زوجة أو أمة) له.
(و) حرم عليه أيضاً (أن يزيد على ثلاث غيرها) أي: غير الموطوءة بشبهة
أو زنا (بعقد) فإن
(1)
كان معه ثلاث زوجات لم يحل له أن يتزوج رابعة حتى تنقضي عدة موطوءته بشبهة أوزنا.
(أو وطء) يعني: أنه لو كان معه أربع زوجات ووطئ امرأة بشبهة أو زنا لم يحل أن يطأ أكثر من ثلاث منهن حتى تنقضي عدة موطوءته بالشبهة أو الزنا؛ لأن لا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع نسوة.
(ولا يحل نكاح موطوءة بشبهة في عدتها)؛ كمعتدة من فراق زوج، (إلا من واطئ) على الأصح يعني: إلا أن يتزوجها واطئها بالشبهة؛ لأن المنع من نكاح المعتدة كونه يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وهو مأمون في هذه الصورة، فإن النسب كما يلحق في النكاح يلحق في وطء الشبهة. أشبه ما لو نكح معتدته من طلاق.
(لا إن لزمتها) أي: لزمت المعتدة من وطء الشبهة (عدة من غيره) أي:
من غير واطئها فلا.
(وليس لحر جمع) أي: أن يجمع (أكثر من أربع) أي: من أربع زوجات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: " أمسك أربعاً وفارق سائرهن "
(2)
.
وقال نوفل بن معاوية: " أسلمت وتحتي خمس نسوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(1)
في أ. يعنى: أنه لو كان معه أربع زوجات وهو وهم. ومحلها بعد سطر.
(2)
أخرجه الشافعي في " مسنده "(43) 2: 6 1 كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح.
فارق واحدة منهن "
(1)
رواهما
(2)
الشافعي في " مسنده ".
وإذا مُنع من استدامة زيادة على أربع فالابتداء أولى.
وقوله سبحانه وتعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ ورُبَاع)[النساء: 3] أريد به التخيير بين اثنين وثلاث وأربع، كما قال تعالى:{أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]، ولم يرد أن لكل تسعة أجنحة، ولو أراد ذلك لقال تسعة، ولم يكن للتطويل معنى، ومن قال غير ذلك فقد جهل اللغة العربية.
(إلا النبي صلى الله عليه وسلم فكان له أن يتزوَّج بأيِّ عدد شاء)؛ لأنها من خصائصه.
(ونسخ تحريم المنع) وهو قوله سبحانه وتعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] بقوله سبحانه وتعالى: {تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء} ] الأحزاب: 51].
(ولا لعبد) يعني. وليس لعبد (جمع أكثر من ثنتين) أي: من زوجتين،
وفاقاً للشافعي وأصحاب الرأي، وهو قول عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف. وقد روى ليث بن أبي سليم عن الحكم بن قتيبة أنه قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح أكثر من ثنتين.
ويقوي هذا ما روى الإمام أحمد بإسناده عن محمد بن سيرين " أن عمر سأل
الناس كم يتزوج العبد؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: " اثنتين وطلاقه اثنتين ". فدل هذا على أن ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم فلم ينكر.
وهدا يخص عموم الآية مع أن فيها ما يدل على إرادة الأحرار، وهو قوله سبحانه وتعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3].
ولأن النكاح مبني على التفضيل ولهذا فارق النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمته.
ولأن فيه ملكاً.
(1)
أخرجه الشافعي في " مسنده "(44) الموضع السابق.
(2)
في ب: رواه.
(ولمن نصفه حر فأكثر، جمع ثلاث) أي: ثلاث زوجات على الأصح.
نص عليه. .
وفي " الفنون " قال فقيه: شهوة المرأة فوق شهوة الرجل بتسعة أجزاء فقال حنبلي: لو كان هذا ما كان له أن يتزوج بأربع وينكح من الإماء ما شاء، ولا تزيد المرأة على رجل، ولها من القَسْم الربع، وحاشا حكمته أن تضيق على الأحوج.
وذكر ابن عبد البر عن أبي هريرة. وبعضهم يرفعه: " فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءاً من اللذة أو قال من الشهوة، ولكن الله ألقى عليهن الحياء ".
(ومن طلَّق واحدة من نهاية جمعه)؛ كالحر يطلق واحدة من أربع، والعبد
يطلق واحدة من ثنتين: (حرُم) عليه (تزوجه بدلها حتى تنقضي عدتها). نص عليه؛ لأن المعتدة في حكم الزوجة؛ لأن العدة أثر للنكاح وهو باق. فلو جاز له أن يتزوج غيرها لكان جامعاً بين أكثر ممن يباح له.
(بخلاف موتها) يعني: بخلاف ما لو ماتت. نص عليه؛ لأنه لم يبق
لنكاحها أثر.
(فإن) طلق واحدة من نهاية جمعه مدعياً انقضاء عدة المطلقة بأن (قال: أخبرتني بانقضائها، فكذبته) لم يقبل قولها عليه في عدم جواز نكاحه؛ لأنه لا حق لها في هذه الدعوى. وإنما الحق في
(1)
ذلك لله سبحانه وتعالى فنديُنُه في ذلك ونصدقه.
ولأنها متهمة في ذلك بإرادة منعه نكاح غيرها. فلذلك لا يقبل قولها عليه.
إذا تقرر هذا (فله نكاح أختها و) نكاح (بدلها) في الأصح.
(وتسقط الرجعة) يعني: أنه لو كان الطلاق رجعياً ولو لم يتزوج بدلها
(1)
ساقط من أ.
وأراد رجعتها لم يملك ذلك مؤاخذة له بإقراره بانقضاء عدتها، (لا السكنى والنفقة) يعني: أنه لا يسقط عنه بما يدعيه من إخبارها بانقضاء عدتها مع تكذيبها إياه سكناها إن كانت رجعية ولا نفقتها، لأن ذلك حق لها يدعيه عليها وهي منكرة له والأصل معها، لأنه لا مانع من صدقها. فكان القول قولها فيه دونه.
(و) لا يسقط أيضاً (نسب الولد) إذا أتت به المطلقة لمدة تلحقه فيها ما لم يثبت إقراره بانقضاء عدتها بالقروء ثم يأتي به لأكثر من ستة أشهر بعدها، لأن إقرار المطلق لا يقبل عليها.
[فصل: في المحرمات لعارض]
(فصل. النوع الثاني) من المحرمات في النكاح إلى أمد: المحرمات
(لعارض يزول. فتحرم) عليه (زوجة غيره)؛ لقوله سبحانه وتعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24].
(ومعتدَّته) أي. معتدة غيره؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235].
(ومستبرأة منه) أي: من غيره؛ لأن تزويجها زمن استبرئها يفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وسواء في ذلك المعتدة من وطء مباحٍ أو محرم أو من غير وطء؛ لأنه لا يؤمن أن تكون حاملاً.
(و) تحرم (زانية على زان وغيره حتى تتوب: بأن تُراود) على الزنا (فتمتنع) على الأصح؛ لما روي عن عمر
(1)
" أنه قيل له: كيف تعرف توبتها؟ قال: يريدها على ذلك فإن طاوعته فلم تتب، وإن أبت فقد تابت ". فصار أحمد إلى قول عمر اتباعاً له.
قال في " الفروع ": والتوبة كغيرها، ونصه: الامتناع من الزنا بعد الادعاء
به، وروي عن عمر وابن عباس. انتهى.
وصحح الموفق: أن توبتها كتوبة غيرها.
وعلم مما تقدم أنها إذا تابت حلت للزانى وغيره مع انقضاء عدتها، كما
سيأتى في قول أكثر أهل العلم، منهم أبو بكر وعمر وابنه وابن عباس وجابر. وروي عن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة: أنها لا تحل للزانى
(1)
في أوب: ابن عمر.
بحال. فيحتمل أنهم أرادوا بذلك ما كان قبل التوبة، أو قبل استبرائها. فيكون كقولنا
(1)
.
(و) يحرم أيضاً على الرجل (مطلَّقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره، وتنقضي عدتهما) أي: عده الزانية وعدة مطلقته ثلاثاً من الزوج الذي نكحته.
والأصل في تحريم الزانية قوله سبحانه وتعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] لفظه لفظ الخبر والمراد النهي،
" وقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} [المائدة: 5] وهن العفائف. ومفهومه: أن غير المحصنة لا تباح.
وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي
كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها: عَنَاق وكانت صديقته قال: فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله لِلَّهِ أنكح عَنَاقاً قال: فسكت عني، فنزلت:{وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] فدعاني فقرأها عليّ وقال: لا تنكحها "
(2)
رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
والأصل في تحريم المطلقة ثلاثاً قوله سبحانه وتعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، والمراد بالنكاح هنا الوطء، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة رفاعة لما أن أرادت أن ترجح إليه بعد أن طلقها ثلاثاً وتزوجت بعبد الرحمن بن الزَّبير:" لا. حتى تذوقي عسيلته "
(3)
.
(و) تحرم (محرِمة حتى تُحِل)، لما روى عثمان بن عفان أن
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه. أبو داود في " سننه "(2051) 2: 220 كتاب النكاح، باب في قوله تعالى:{الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً} . وأخرجه الترمذي في " جامعه "(77 1 3) د/ 32 كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النور.
- وأخرجه النسائي في " سننه "(3228) 6: 66 كتاب النكاح، تزويج الزانية.
(3)
أخرجه البخاري قي " صحيحه "(2496) 2: 933 كتاب الشهادات، باب شهادة المختبي.
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب "
(1)
رواه الجماعة إلا البخاري. ولم يذكر الترمذي الخطبة.
ولأنه عارض منع الطيب. فمنع النكاح؛ كالعدة. (و) تحرم (مسلمة على كافر. حتى يُسلم)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} [البقرة: 221]، وقوله سبحانه وتعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]. (و) يحرم (على مسلم، ولو) كان (عبداً كافرة)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وقوله تعالى:(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)[الممتحنة: 10].
(غير حرة كتابية، أبواها كتابيان)؛ لقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)[المائدة: 5]. (ولو) كان أبواها (من بني تغلب ومن في معناهم) من نصارى العرب ويهودهم على الأصح (حتى تسلم). فإن قيل: قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] عام فيقتضي التحريم مطلقاً. قلنا: يتخصص بما ذكرناه، على أنه قد قيل عن ابن عباس أن قوله:{وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] نسخ بآية المائدة.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1409) 2: 1031 كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(1841) 2: 169 كتاب المناسك، باب المحرم يتزوج.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(840) 3: 199 كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم.
وأخرجه النسائي في" سننه "(2844) 5: 192 كتاب مناسك الحج، النهي عن ذلك.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(966 1) 1: 632 كتاب النكاح، باب المحرم يتزوج.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(401) 1: 57.
وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية صالح فقال: قال الله تعالى: {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]. وقال في سورة المائدة وهي آخر ما نزل من القرآن: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].
وقيل: إن المشركين لا يتناول بإطلاقه أهل الكتاب، بدليل قوله سبحانه
وتعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1]، وقال سبحانه وتعالى:{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 105].
وظاهر كلامه في المتن: "أنه لا فرق بين الحربية
(1)
وغير الحربية وهو كذلك
في الأصح.
(ومُنع النبي صلى الله عليه وسلم من نكاح كتابية، كأمة) أي: كما منع من نكاح أمة (مطلقاً) أى: في كل زمان وعلى كل حال على الأصح.
وقال في " عيون المسائل " يباح له ملك اليمين، مسلمة كانت أو مشركة. والأول المذهب.
(ولكتابي نكاح مجوسية، ووطؤها بملك) في الأصح، (لا مجوسي لكتابية)، لأنها أعلا منه في المنصوص.
(ولا يحل لحر مسلم نكاح امة مسلمة إلا أن يخاف عنت العزوبة لحاجة متعة، أو) لحاجة (خدمة) إلى المرأة، لكونه كبيراً أو مريضاً أو عيرهما. . نص عليه.
وأدخل القاضي وأبو الخطاب في " خلافيهما " الخصي والمجبوب: إذا
كان له شهوة يخاف معها من التلذذ بالمباشرة حراماً، وهو عادم الطول، وهو ظاهر كلام الموفق والخرقي وغيرهما.
(ولو) كان خوف عنت العزوبة (مع صغر زوجته الحرة، أو غيبتها، أو
(1)
في أوب: الحربيات.
مرضها) أي: مرض زوجته الحرة. نص عليهما.
قال في " شرح المقنع ": أو وجد مالاً ولم يزوج، لقصور نسبه فله نكاح الأمة. نص عليه أحمد في الغائبة، وهو ظاهر مذهب الشافعي.
وقال بعضهم: لا يجوز، لوجدان الطول.
ولنا: أنه غير مستطيع الطول إلى حرة تعفه فأشبه من لم يجد شيئاً، ألا ترى
أن الله سبحانه وتعالى نزل ابن السبيل الذي له اليسار في بلده فقيراً لعدم قدرته عليه في الحال. انتهى.
ولهذا قالوا: (ولا يجد طَوْلاً) أي: (مالاً حاضراً يكفي لنكاح حرة ولو) كانت الحرة (كتابية فتخل) له الأمة حينئذ (ولو قدر على ثمن أمة). قدمه في "التنقيح "، ثم قال: وقيل لا ولو كتابية، واختاره جمع كثير وهو أظهر. انتهى.
وممن اختار القول الثانى القاضي في " المجرد " وأبو الخطاب في " الهداية " والمجد في " المحرر " وابن عقيل وصاحب " المذهب " و " مسبوك الذهب " و " المستوعب " و " الخلاصة " و " النظم " والموفق في " المقنع " و " الشرح " و " الحاوي الصغير " و " الوجيز " وابن عبدوس وغيرهم.
واشترط في المتزوج عدم الطول وفي الأمة الإسلام، لقوله سبحانه وتعالى:{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25].
واشترط خوف العنت، لقوله سبحانه وتعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25].
والصبر عن نكاح الأمة مع وجود الشرطين أفضل، لقول الله سبحانه
وتعالى: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النساء: 25].
وعلم مما تقدم أنه متى عدم أحد الشرطين لم يحل له نكاح الأمة لما في ذلك
من إرقاق الولد مع الغنى عنه، وفاقاً لمالك والشافعي.
(ولا يبطل نكاحها) أي: نكاح الأمة التي تزوجها وفيه الشرطان: (إن
أيسر) بملك ما يكفي لنكاح حرة، (و) لو (نكح حرة عليها، أو زال خوف العنت، ونحوه)؛ كما لو نكح الأمة لحاجة خدمة " لكونه مريضاً فعوفي.
أما كون النكاح لا يبطل إن أيسر على الأصح، لأن فقْد الطَّول أحد شرطي إباحة نكاح الأمة. فلم يعتبر استدامته لخوف العنت والاستدامة للنكاح يخالف ابتداءه، بدليل أن العدة والردة وأمن العنت يمنعن ابتداءه دون استدامته.
وأما كون نكاح الأمة لا يبطل إذا نكح حرة عليها على الأصح " فلما روي
عن علي أنه قال: " إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة ". ولأنه لو بطل بنكاح الحرة لبطل بالقدرة عليه، فإن القدرة على المبدل كاستعماله، بدليل الماء مع التراب.
(وله) أي: ولمن تزوج الأمة وفيه الشرطان: (إن لم تُعفَّه) الأمة التي نكحها (نكاح أمة أخرى) عليها (إلى أن يصرن أربعاً.
وكذا) له أن يتزوج الأمة (على حرة لم تُعفَّه، بشرطه)، وهو: أن لا يجد طولاً لنكاح حرة على الأصح في المسألتين، لعموم قوله سبحانه وتعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً
…
} الآية [النساء: 25].
قال أحمد: إذا لم يصبر كيف يصنع؛
فأما إن كان تحته حرة أو أمة تعفه فلا خلاف في تحريم نكاح أمه أخرى،
وأما إن نكح أمتين في عقد واحد وهو يستعف بواحدة فنكاحهما باطل؛ لأنه يبطل في إحداهما وليست بأولى من الأخرى. فبطل فيهما، كما لو جمع بين أختين.
(وكتابي حر في ذلك) أي: في إباحة نكاح الأمة بوجود الشرطين فيه (كمسلم).
قال في " الترغيب " وغيره: فإن اعتبر فيها الإسلام اعتبر في الكتابي كونها كتابية. (ويصح نكاح أمة من بيت المال)، مع أن فيه شبهة تسقط الحد، لكن
لا يجعل الأمة أم ولد. ذكره في " الفنون " واقتصر عليه في " الفروع " ويأتي؛ لأن للإمام التصرف في بيت المال بما يرى أنه مصلحة.
ولأن حق الزوج في بيت المال لم يتعين في المنكوحة.
(ولا تصير) الأمة التي ينكحها من بيت المال (إن ولدت) منه (أم ولد)، لأن
الأمة لا تصير بحملها من زوجها أم ولد، لأنها لو كان يملكها لما صح نكاحه إياها. (ولا يكون ولد الأمة) الذي ليس بذي رحم محرم من مالكها (حراً، إلا باشتراط) من الزوج على مالكها حرية ولدها، لقوله صلى الله عليه وسلم:" المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً "
(1)
.
ولقول عمر: " مقاطع الحقوق عند الشروط "
(2)
.
ولأن هذا لا يمنع المقصود من النكاح. فكان لازماً؛ كشرط سيدها زيادة في مهرها.
(و) يجوز
(3)
(لقن ومدبر ومكاتب ومبعض نكاح أمة ولو) كانت ملكاً
(لابنه) الحر، لأن الرق قطع ولاية والده عنه وعن ماله. ولهذا لا يلي ماله ولا نكاحه، ولا يرث أحدهما صاحبه فهي كالأجنبي منه، (حتى) لو تزوجها (على حرة) وهذا مضى على أن الكفاءة ليست شرطاً لصحة النكاح، فإن الحرية لا تعتبرفي الكفاءة.
قال في " الإنصاف ": وهل له يعني: العبد أن ينكحها على حرة؛ على روايتين، وأطلقهما في " الهداية " و " المستوعب " و " الخلاصة " و " المغني " و " الشرح " و " شرح ابن منجا "، إحداهما: يجوز وهو المذهب، صححه في " التصحيح " و " النظم "، وجزم به في " الوجيز "، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " و " الحاوي الصغير "، واختاره ابن عبدوس في " تذكرته ".
والرواية الثانية: لا يجوز.
(وجمع بينهما) أي: وللعبد أن يجمع بين الأمة والحرة (في عقد) واحد
على الأصح.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.
(2)
أخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 7: 249 كتاب الصداق، باب الشروط في النكاح.
(3)
ساقط من أ.
قال في " الإنصاف ": فإن جمع بينهما في العقد جاز يعني
(1)
: على الرواية
الأولى. قاله في " المحرر " و " الفروع " وغيرهما. انتهى.
ولأنه إذا جاز إفراد كمل واحدة بالعقد جاز الجمع بينهما؛ كالأمتين.
(لا نكاح سيدته) يعني: أنه لا يجوز للعبد ولا يصح منه نكاح من تملكه أو تملك بعضه.
قال ابن المنذر: أجمع أهل
(2)
العلم على أن نكاح المرأة عبدها باطل؛ لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض، إذ ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها وأن يكون بحكمها، ونكاحه إياها يقتضي عكس ذلك.
ولما روى الأثرم بإسناده عن أبي الزبير عن جابر " أنه سأله عن العبد ينكح سيدته فقال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية وقد نكحت عبدها فأشهرها عمر وهم أن يرجمها وقال: لا يحل لك ".
(ولأمة نكاح عبد ولو) كان العبد (لابنها)؛ لأن رقها قطع التوارث بينها وبين ابنها، فهو كالأجنبي منها.
إلا أن تتزوج) الأمة
(3)
(سيدها)؛ لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقاً من القسم والمبيت وغيرهما، وذلك يمنعه ملك اليمين. فلا يصح مع وجود ما ينافيه. ولأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع. فلا يجتمع معه عقد أضعف منه.
(ولا) يجوز (لحر أو حرة نكاح امة أو عبد ولدهما) يعني: أنه لا يجوز للحر أن يتزوج أمة ولده، ولا للحرة أن تتزوج عبد ولدها.
قال في " الفروع ": ولحر نكاح أمة والده دون أمة ولده في الأصح فيهما. ومثله حرة نكحت عبد ولدها. وقيل: يجوز. انتهى.
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أوب: أمة.
ووجه ذلك: أن الابن لو ملك جزءاً من امة لم يجز لأبيه أن يتزوجها ما دام للابن فيها ملك، ولو ملك جزءاً من عبد لم يجز لوالدته أن تتزوجه ما دام لابنها فيه ملك فمع كونها أو كونه كلها أو كله للولد أولى بالتحريم.
(وإن ملك أحد الزوجين) الزوج الآخر] بشراء أو إرث أو هبة ونحو ذلك]
(1)
، (أو) ملك (ولده) أي: ولد أحد الزوجين (الحر) الزوج الآخر، (أو) ملك (مكاتبه) أي: مكاتب أحد الزوجين، (أو مكاتب ولده) أي: ولد أحد الزوجين (الزوج الآخر، أو بعضه) أي: بعض الزوج الآخر: (انفسخ النكاح).
قال في " الفروع ": وإن ملك أحد الزوجين وعلى الأصح أو ولده الحر،
وفي الأصح: أو مكاتبه الزوج الآخر أو بعضه: انفسخ النكاح. فلو بعثت إليه زوجته: حرمت عليك ونكحت غيرك وعليك نفقتي ونفقة زوجي، فقد ملكت زوجها وتزوجت ابن عمها. انتهى.
ولا ينقص بهذا الفسخ عدد الطلاق، فمتى أعتقته ثم تزوجها لم يحتسب
عليه بتطليقه، لأنه لم يلفظ بصريح الطلاق ولا كنايته. أشبه انفساخ النكاح بإسلام أحد الزوجين أو ردته.
أما إذا ملك أحد الزوجين الآخر فلا خلاف في فسخ النكاح بذلك. وأما انفساخه بملك ولد احد الزوجين الزوج الآخر على الأصح فإن ملك
(2)
أحد الزوجين كملك أصله في إسقاط الحد فكان كملكه في إبطال النكاح.
(ومن جمع في عقد) واحد (بين مباحة ومحرمة؛ كأيِّم) بتشديد المثناة من تحت، وهي: من لا زوج لها، (ومزوجة: صح في الأيِّم) على الأصح؛ لأنها محل قابل
(3)
للنكاح أضيف إليها عقد صادر من أهله لم يجتمع معها في
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: ملك ولد.
(3)
في أ: قليل.
مثلها. فصح؛ كما لو انفردت به. وفارق العقد على الأختين؛ لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى وهاهنا قد تعينت التي بطل النكاح فيها، فعلى الصحة يكون لها من المسمى لهما بقسط مهر مثلها منه في الأصح.
وقيل: يكون لها نصف المسمى.
(و) من جمع في عقد (بين أم وبنت: صح) العقد (في البنت) على الأصح؛ لأنه عقد تضمن عقدين يمكن تصحيح أحدهما دون الآخر، فصح فيما يصح، وبطل فيما يبطل.
بيانه: أنا لو فرضنا أن العقد على الأم بطل ثم عقد على البنت صح نكاح البنت، ولو فرضنا أن العقد على البنت سبق وبطل تم عقد على الأم لم يصح فإذا وقعا معاً فنكاح البنت أبطل نكاح الأم؛ لأنها تصير أم زوجته، ونكاح الأم لا يبطل نكاح البنت؛ لأنها تصير ربيبته من زوجة لم يدخل بها. فصح لذلك نكاح البنت، وبطل نكاح الأم.
(ومن حرُم نكاحها: حرُم وطؤها بملك)؛ لأن النكاح إذا حرم لكونه طريقاً
إلى الوطء. فلأن يحرم الوطء نفسه بطريق الأولى.
(إلا الأمة الكتابية)؛ لدخولها في عموم قوله سبحانه وتعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]
ولأن نكاح الإماء من أهل الكتاب إنما حرم من أجل إرقاق الولد وإبقائه مع كافره، وهذا معدوم في وطئهن بملك اليمين.
(ولا يصح نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره). نص عليه في رواية الميمونى. وذلك؛ لأنه لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح. فلم يبح له؛ كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات.
ولأنه قد اشتبه المباح والمحظور في حقه فحرم.
(ولا يحرم في الجِنة زيادة العدد.
و) لا يحرم فيها أيضاً (الجمع بين المحارم وكيره). قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في " الفروع ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب: الاشتراط في النكاح]
هذا (باب الشروط في النكاح). والمراد بالشرط في النكاح: ما يشرطه الزوجين على الآخر مما له فيه غرض صحيح، وليس بمناف لمقتضى النكاح. (ومحل المعتبر منها) أي: من الشروط في النكاح: (صلب العقد) أي: عقد النكاح.
قال في " التنقيح ": قلت: (وكذا لو اتفقا عليه قبله) وقاله جماعة. انتهى.
قال في " الإنصاف ": الشروط المعتبرة في هذا الباب محل ذكرها: صلب العقد. قاله في " المحرر " وغيره، وجزم به في " الرعايتين " و " الحاوي الصغير " و " تذكرة ابن عبدوس "، وقاله القاضي في موضع من كلامه.
وقال الشيخ تقي الدين: وكذا لو اتفقا عليه قبل العقد، في ظاهر المذهب. وقال: على هذا جواب أحمد في مسائل الحيل، لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود يتناول ذلك تناولاً واحداً.
قال الزركشي: وهذا ظاهر إطلاق الخرقي وأبي الخطاب وأبي محمد وغيرهم.
قال: وقال الشيخ تقي الدين في " فتاويه ": إنه ظاهر المذهب ومنصوص أحمد، وقول قدماء أصحابه، ومحققي المتأخرين.
قلت: وهو الصواب الذي لا شك فيه. انتهى.
أما إذا لم يقع الشرط إلا بعد لزوم العقد، فالمنصوص عن أحمد: أنه
لا يلزمه. قاله في " الإنصاف ".
(وهي) أي: الشروط في النكاح (قسمان):
أحدهما: (صحيح لازم للزوج فليس له فكُه) أي: فك ما اشترطت عليه زوجته من الشروط الصحيحة (بدون إبانتها)، لأنه بزوال العقد يزول ما هو مرتبط به.
(ويسن وفاؤه) أي: وفاء الزوج (به) أي: بالشرط
(1)
.
قال في " الإنصاف ": وهو ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله، ومال الشيخ تقي الدين إلى وجوب الوفاء.
ومن أمثلة الشرط الصحيح
(2)
قوله:
(كزيادة مهر) يعني: كاشتراطها على الزوج زيادة قدر معين على مهرها،
(أو) لو اشترط كون مهرها من (نقد معين) فيتعين كالثمن في البيع، (أو) يشترط عليه أنه (لا يُخرجها من دارها، أو لا يتزوَّج) عليها، (أو) لا (يتسرى عليها، أو لا يفرِّق بينها وبين أبويها، أو) لا يفرق بينها وبين (أولادها).
وفي " المستوعب ": (أو أن تُرضع ولدها الصغير)، وعلى الأصح:(أو) أن
(يطلق ضرَّتها، أو يبيع أمته)، لأن لها في ذلك قصداً صحيحاً، كما لو اشترطت أن لا يتزوج عليها.
وفي القاعدة الموفية للسبعين من " قواعد ابن رجب ": لو شرطت عليه نفقة ولدها وكسوته صح وكانت من المهر. انتهى.
قال ابن نصر الله: وظاهره: أنه لا يشترط مع ذلك تعيين مدة " كنفقة الزوجة وكسوتها فإنه ذكرها بعدها. انتهى كلام ابن نصر الله.
ويروى صحة الشرط في عقد النكاح وكون الزوج لا يملك فكه، عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص
(3)
رضي الله تعالى عنهم. وبذلك قال شريح وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاووس والأوزاعي وإسحاق.
(1)
فى ج: بالشروط.
(2)
في ب: الشروط الصحيحة.
(3)
في أوب: العاصي.
وأبطل الشرط في النكاح الزهري وقتادة وهشام
(1)
بن عروة ومالك وأصحاب
الرأي.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يفسد المهر ولها مهر المثل.
واحتج المبطل للشرط بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو
باطل وإن كان مائة شرط "
(2)
وهذا ليس في كتاب الله.
وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو
حرم حلالاً "
(3)
وهذا يحرم الحلال وهو التزويج والتسري والسفر.
ولأن هذه الشروط ليست من مصلحة العقد ولا من مقتضاه ولا مبنية على التغليب والسراية. فكانت فاسدة؛ كما لو شرطت أن لا تسلم نفسها.
ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج "
(4)
متفق عليه.
وقوله: " المسلمون على شروطهم "
(5)
.
ولأن ذلك قول من سَمََّينا من الصحابة، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم.
وروى الأثرم بإسناده " أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر. فقال عمر: لها شرطها. فقال الرجل: إذا يطلقننا. فمال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط "
(6)
.
(1)
في الأصول: وهاشم.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(47 5 2) 2: 756 كتاب البيوع، باب البيع والشراء مع النساء.
(3)
سبق تخريجه ص (157) رقم (1).
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4856) 5: 1978 كتاب النكاح، باب الشروط في النكاح. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1418) 2: 1535 كتاب النكاح باب الوفاء بالشروط في النكاح،
(5)
سبق تخريجه ص (107) رقم (1).
(6)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(658) 1 180 باب ما جاء في الشرط في النكاح.
وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 249 كتاب الصداق، باب الشروط في النكاح.
ولأنه شرط لها منفعة مقصودة لا يمنع المقصود من النكاح. فكان لازماً؛
كما لو اشترطت كون المهر من غير نقد البلد.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل "
(1)
أي: ليس في حكم الله وشرعه وهذا مشروع، وقد ذكرنا ما دل على مشروعيته وعلى من نفى ذلك الدليل.
وقولهم: أن هذا يحرم الحلال ليس كذلك وإنما يثبت للمرأة إذا لم يفِ لها
به خيار الفسخ.
وقولهم: ليس من مصلحة العقد ممنوع فأنه من مصلحة المرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة العقد كاشتراط الرهن والضمين في البيع.
وإذا ثبت هذا (فإن لم يف) للزوجة بما شرطت عليه: (فلها الفسخ)؛ لقول عمر للذي قضى عليه بلزوم الشرط حين قال: " إذاً يطلقننا، مقاطع الحقوق عند الشروط "
(2)
. ولم يلتفت إلى قوله.
ولأنه شرط لازم في عقد. فيثبت حق الفسخ بترك الوفاء به؛ كالرهن والضمين في البيع.
(على التراخي)؛ لأنه خيار ثبت لدفع الضرر. فكان على التراخي؛ تحصيلاً لمقصوده؛ كخيار القصاص.
(بفعله) أي: بفعل ما اشترطت عليه أن لا يفعله، (لا عزمه) على فعله خلافاً للقاضي في كونها تملك الفسخ بالعزم على الفعل.
(ولا يسقط) ملكها الفسخ بعدم وفائه بما اشترطته، (إلا بما يدل على رضا) منها:(من قول أو تمكين) أي: بأن تمكنه من نفسها، (مع العلم) أي: مع علمها بعدم وفائه لها بما اشترطت عليه، لا إن لم تعلم؛ لأن الاختيار والاستمتاع والتمكين منه قبل العلم بعدم وفائه لا أثر له؛ لأن موجبه لم يثبت. فلا يكون له أثر؛ كالمسقط لشفعته قبل البيع.
(1)
سبق تخريجه ص (113) رقم (2).
(2)
سبق تخريجه ص (113) رقم (6).
(لكن: لو شرط) لها (أن لا يسافر بها، فخدعها وسافر بها، ثم كرهته،
ولم تُسقط حقها من الشرط: لم يُكرهها بعد).
قال في " الإنصاف ": قال الشيخ تقي الدين: لو خدعها فسافر بها ثم كرهته: لم يكن له أن يكرهها بعد ذلك.
قال ابن نصر الله في " حواشيه على الفروع ": هذا إذا لم تسقط حقها واضح، أما إذا لو أسقطت حقها من الشرط: احتمل أن يكون لها الرجوع فيه، كهبة حقها من بعض مهرها المسمى. والفرق واضح وذكره. انتهى.
قلت: الصواب أنها إذا سقط حقها يسقط مطلقاً. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
فقولي في المتن: " ولم يسقط حقها من الشرط " موافق لقول ابن نصر الله:
هذا إذا لم تسقط حقها واضح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(ومن شرط) لزوجته: (أن لا يخرجها من منزل أبويها، فمات أحدهما) أي: أحد أبويها: (بطل الشرط)؛ لأن المنزل بعد أن كان للأبوين صار لأحدهما فاستحال إخراجها من منزل أبويها فبطل الشرط.
قال ابن نصر الله: لو شرط أن لا يخرجها من منزل أبويها فمات الأب فالظاهر أن الشرط يبطل، ويحتمل أن لا يخرجها من منزل أمها إلا أن تتزوج الأم. ولو تعذر سكنى المنزل لخراب أو غيره فهل يسقط حقها من الفسخ بنقلها عنه؟ أفتيت بأنه إن نقلها إلى منزل لا ترتضيه فلها الفسخ، لم أقف فيه على نقل. انتهى.
قال في " الإنصاف " بعد حكايته لكلام ابن نصر الله: قلت: الصواب أن له
أن يسكن بها حيث أراد، سواء رضيت أو لا؛ لأنه الأصل، والشرط عارض وقد زال فرجعنا إلى الأصل، وهو محض حقه.
(ومن شرطت) على زوجها (سُكناها مع أبيه، ثم أرادتها) أي: أرادت سكناها (منفردة: فلها ذلك) أي: لها طلبه بأن يسكنها منفردة.
قال في " الفروع ": قال شيخنا فيمن شرط لها أن يُسكنها بمنزل)
(1)
أبيه فسكنت ثم طلبت سكنى منفردة وهو عاجز: لا يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادراً فليس له
(2)
عند مالك وأحد القولين في مذهب أحمد وغيرهما غير ما شرطت لها، كذا قال. والظاهر أن مرادهم صحة الشرط في الجملة، بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه، لا أنه يلزمها؛ لأنه شرط لحقها لمصلحتها لا لحقه لمصلحته حتى يلزم في حقها، ولهذا لو سلمت نفسها من شرطت دارها فيها أو في داره لزم. انتهى.
يعني: لزمه تسلمها. وما قاله صاحب " الفروع " ظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في أ: بمنزلة.
(2)
كذا في الأصول. وفي " الفروع " 5: 213: لها.
[فصل: في الشروط الفاسدة في النكاح]
(فصل. القسم الثاني) من الشروط في النكاح: شرط (فاسد، وهو) أي: القسم الفاسد (نوعان:
نوع) منهما (يبطل النكاح من أصله. وهو) أي: والنوع الذي يبطل النكاح من أصله (ثلاثة أشياء)؛
أحد الثلاثة: (نكاح الشغار. وهو: أن يزوجه) أي: يزوج رجل رجلاً (وليَّتَه على أن يزوِّجه الآخر وليَّتَه ولا مهر بينهما).
قيل: إن ما سمي هذا النكاح شغاراً، تشبيهاً في القبح برفع الكلب رجله ليبول، يقال: شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول.
وحكي عن الأصمعي أنه قال: الشغار الرفع فكأن كل واحد منهما رفع رجله للآخر عما يريد.
ولا تختلف الرواية عن أحمد: أن نكاح الشغار فاسدً. رواه عنه جماعة.
قال أحمد: وروي عن عمر وزيد
(1)
بن ثابت: أنهما فرقا فيه يعني: بين المتناكحين. وهو قول مالك والشافعي وإسحاق.
وحكي عن عطاء وعمرو بن دينار ومكحول والزهري والثوري: أنه يصح، وتفسد التسمية، ويجب مهر المثل؛ لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد؛ كما لو تزوج على خمر أو خنزير.
ولنا: ما روى ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار "
(2)
متفق عليه.
(1)
في أ: وابن زيد.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4822) 5: 1966 كتاب النكاح، باب الشغار.
وروى أبو هريرة مثله
(1)
. أخرجه مسلم.
وروى
(2)
الأثرم بإسناده عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا جَلَبَ ولا جَنَبَ ولا شِغَارَ في الإسلام "
(3)
.
ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفاً في الآخر. فلم يصح؛ كما لو قال: بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي، وليس فساده من قبل التسمية بل من جهة: أنه وقفه على شرط فاسد. ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج. فإنه جعل تزويجه إياها مهراً للأخرى. فكأنه ملكه إياها بشرط انتزاعها منه.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول: على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى، أو لم يقل ذلك. وقال الشافعي: هو أن يقول ذلك، ولا يسمي لكل واحدة صداقاً؛ لما روى ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار "
(4)
.
والشغار: أن يقول الرجل للرجل زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، ويكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى.
ولنا ما روى ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق "
(5)
.
(1)
= وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1415) 2: 1034 كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه. وأخرجه أبو داود في " سننه " (2074) 2: 227 كتاب النكاح، باب في الشغار.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3338) 6: 12 1 كتاب النكاح، تفسير الشغار.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1884) 1: 6 0 6 كتاب النكاح، باب النهي عن الشغار.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(5289) 2: 62.
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1416) 2: 1035 الموضع السابق.
(2)
في أ: وروي عن.
(3)
أخرجه النسائي في " سننه "(3336) 6: 111 كتاب النكاح، باب الشغار.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(19960) 4: 439 كلاهما عن أنس بن مالك.
(4)
سبق تخريجه ص: 160.
(5)
سبق تخريجه ص: 124.
هذا لفظ الحديث الصحيح المتفق عليه وهذا يجب تقديمه لصحته.
وعلى أنه قد أمكن الجمع بينهما بأن يعمل بالجميع ويفسد النكاح بأي ذلك كان.
(أو يُجعل) في الأصح (بضع كل واحدة مع دراهم معلومة مهراً للأخرى).
قال في " الإنصاف ": لو جعلا بضع كل واحدة ودارهم معلومة مهراً للأخرى: لم يصح على الصحيح.
وقيل: يبطل الشرط وحده. انتهى.
(فإن سمَّوا مهراً مستقلاً غير قليل، ولا حيلة: صح) النكاح. نص عليه، سواء كان المسمى مهر المثل أو أقل.
وقيل: يصح إن كان مهر المثل، وإلا فلا.
(وإن سُمي) المهر (لإحداهما) دون الأخرى: (صح نكاحها) أي: نكاح من سمى لها (فقط).
قال في " الإنصاف ": فعلى المذهب: لو سمى لإحداهما مهر
(1)
ولم يسم للأخرى شيء: فسد نكاح من لم يسم لها صداق لا غير.
قال المصنف والشارح: هذا أولى.
وقال أبو بكر: يفسد النكاح فيهما. وجزم به في " الرعاية الصغرى " وقدمه
في " الكبرى ". انتهى.
ووجه ما في المتن: أن في نكاح من سمي لها مهر تسمية وشرطاً. فأشبه ما
لو سمى لكل واحدة منهما مهراً. ذكره القاضي هكذا.
ومن قال: زوجتك جاريتي هذه على أن تزوجني ابنتك وتكون رقبتها صداقاً لابنتك لم يصح تزويج الجارية في قياس المذهب؛ لأنه لم يجعل لها صداقاً سوى تزويج ابنته.
(1)
في ب: مهراً.
وإذا زوجه ابنته على أن يجعل رقبة الجارية صداقاً لها صح؛ لأن الجارية تصلح أن تكون صداقاً.
وإن زوج عبده امرأة وجعل رقبته صداقاً لها لم يصح الصداق؛ لأن ملك المرأة زوجها يمنع صحة النكاح، فيفسد الصداق، ويصح النكاح، ويجب مهر المثل. قال ذلك في " شرح المقنع ".
(الثانى) من الثلاثة أشياء: (نكاح المحلل. وهو: أن يتزوجها) أي: المطلقة ثلاثاً (على أنه إذا أحلها: طلقها، أو) على أنه إذا أحلها (فلا نكاح بينهما) وهذا باطل حرام في قول عامة أهل العلم، منهم الحسن والنخعي وقتادة ومالك والليث والثوري وابن المبارك والشافعي، وسواء قال: زوجتكها إلى أن تطأها، أو شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما.
وحكي عن الشافعي فيما إذا شرط عليه على أنه إذا أحلها للأول طلقها: قولان.
وحكي عن أبي حنيفة صحة النكاح في الجميع وبطلان الشرط.
ولنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله المحلل والمحلل له "
(1)
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وابنه وعثمان بن عفان. وهو قول الفقهاء من التابعين. وروي ذلك عن علي وابن عباس.
وقال ابن مسعود: " المحلل والمحلل له ملعونان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ". وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا اخبركم بالتيس
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(076 2) 2: 227 كتاب النكاح، باب في التحليل.
وأخرجه النسائى في " سننه "(3416) 6: 149 كتاب الطلاق، باب إحلال المطلقة ثلاثاً وما فيه من التغليظ. عن عبد الله.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1935) 1: 622 كتاب النكاح، باب المحلل والمحلل له. عن علي.
المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله لِلَّهِ قال: هو المحلِّل
(1)
، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له "
(2)
.
وروى الأثرم بإسناده عن قبيصة بن جابر فال: سمعت عمر وهو يخطب الناس وهو يقول: " والله لِلَّهِ لا أوتى بمحلِّل ولا محلَّل له إلا رجمتهما ".
ولأنه نكاح إلى مدة، أو فيه شرط يمنع بقائه. فأشبه نكاح المتعة.
(أو ينويه) أي: ينوي الزوج التحليل (ولم يذكر) في العقد. يعني: أنه
متى نوى الزوج التحليل من غير شرط في العقد فالنكاح باطل أيضاً على الأصح. قال إسماعيل بن سعد: سألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحللها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك، فال: هو محلل، إذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون.
وهذا ظاهر قول الصحابة فروى نافع عن ابن عمر " أن رجلاً قال له: تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم. قال: لا. إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها
(3)
. قال: وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً وقال: لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها ". وهذا قول عثمان بن عفان.
و" جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل؟ قال: من يخادع الله يخدعه ".
وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وقتادة وبكر المزنى والليث ومالك والثوري وإسحاق.
وقال أبو حنيفة والشافعي: العقد صحيح، وذكر القاضي في صحته وجهاً
مثل قولهما.
(1)
في أ: المحل.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(1936) 1: 623 كتاب النكاح، باب المحلل والمحلل له.
(3)
ساقط من أ.
(أو يتفقا عليه) أي: على أنه نكاح محلل (قبله) أي: قبل العقد ولم يذكر حال العقد يعني: أنه لا يصح على الأصح.
ومحل ذلك: إذا لم يرجع عن هذا الاتفاق على أنه محلل حين العقد، فإن رجع عن ذلك ونوى عند العقد أنه نكاح رغبة صح العقد؛ لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه. فصح؛ كما لو لم يتفقا عليه قبله.
وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين. وهو ما روى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين قال: " قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار وعليه إزار من بين يديه رقعة ومن خلفه رقعة، فسأل عمر فلم يعطه شيئاً. فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته فطلقها ثلاثاً، فقال: هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئاً ويحلك لي؟ قالت
(1)
: نعم إن شئت. فأخبروه بذلك. قال: نعم. فتزوجها فدخل بها فلما أصبحت أدخلتُ إخوتَه الدار. فجاء القرشي يحوم حول الدار ويقول: يا ويله غُلب على امرأته. فأتى عمر. فقال: يا أمير المؤمنين لِلَّهِ غُلبت على امرأتى. قال: من غلبك؛ قال ذو الرقعتين. قال: أرسلوا إليه. فلما جاءه الرسول. قالت له المرأة: كيف موضعك من قومك؟ قال: ليس بموضعي بأس. قالت: إن أمير المؤمنين يقول لك: طلق امرأتك، فقل: لا والله لِلَّهِ لا أطلقها. فإنه لا يكرهك، فألبسته حلة. فلما رآه عمر من بعيد قال: الحمد الله الذي رزق ذا الرقعتين. فدخل عليه. فقال: أتطلق امرأتك؛ قال: لا والله لِلَّهِ لا أطلقها. قال عمر: لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط "
(2)
. ورواه سعيد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين بنحو من هذا، وقال: من أهل المدينة.
(أو يزوِّج عبده بمطلقته ثلاثاً، بنية هبته) منها، (أو) هبة (بعضه) منها،
(أو بيعه) منها، (أو) بيع (بعضه منها: ليفسخ نكاحها) يعني: فإنه لا يصح النكاح نصاً.
(1)
في أ: قال.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(1999) 2: 52 في الطلاق، باب ما جاء في المحلل والمحلل له.
قال أحمد في رواية حنبل: إذا طلقها ثلاثاً وأراد أن يراجعها فاشترى عبداً وزوجها إياه فهذا نهى عنه عمر. يؤدبان جميعاً. وعلل أحمد فساده بشيئين: أحدهما: أنه شبه
(1)
المحلل " لأنه إنما زوجها إياه ليحلها له.
والثانى: كونه ليس بكفء لها.
(ومن لا فُرقة بيده لا أئر لنيته.
فلو وهبت مالاً لمن تثق به ليشتري مملوكاً، فاشتراه وزوَّجه بها، ثم وهبه أو بعضه لها: انفسخ نكاحُها، ولم يكن هناك تحليل مشروط ولا منويّ ممن تؤثر نيتُه، أو شرطه وهو: الزوج).
قال في " التنقيح ": ولو دفعت مالاً هبة لمن تثق به ليشتري مملوكا فاشتراه وزوجه بها ثم وهبه لها: انفسخ النكاح ولم يكن هناك تحليل مشروط ولا منوي ممن تؤثر نيته وشرطه وهو الزوج، ولا أثر لنية الزوج والولي. قاله في " إعلام الموقعين "، وقال: صرح أصحابنا بأن ذلك يحلها. وذكر كلامه في " المغني " فيها.
قال في "المحرر " و"الفروع " وغيرهما: ومن لا فرقة بيده لا أثر لنيته. انتهى.
(والأصح قول المنقح) بعد ذلك: (قلت: الأظهر عدم الإحلال).
قال في " الواضح ": نيتها كنيته.
وقال في " الروضة ": نكاح المحلل باطل إذا اتفقا فإن اعتقدت ذلك باطناً
ولم تظهره صح في الحكم وبطل فيما بينها وبين الله تعالى. انتهى.
(الثالث) من الثلاثة أشياء المبطلة للنكاح: (نكاح المتعة، وهو: أن يتزوجها) أي: يتزوج الرجل المرأة (إلى مدة، أو) يتزوجها (يشرط طلاقها فيه) أي: في النكاح (بوقت)؛ كزوجتك ابنتي شهراً، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو إلى قدوم الحاج، أو إلى قدوم زيد. فإن النكاح في هذه الصور كلها باطل. نص على ذلك أحمد وعليه جماهير الأصحاب.
(1)
في ب: شبيه.
وعنه: يكره ويصح. ذكرها أبو بكر في " الخلاف " وأبو الخطاب وابن عقيل، وقال: رجع عنها أحمد، وغير أبي بكر يمنع هذا، ويقول: المسألة رواية واحدة.
(أو ينويه) أي: ينوي الزوج طلاقها في وقت (بقلبه، أو يتزوج الغريب
بنية طلاقها إذا خرج).
قال في " الإنصاف ": لو نوى بقلبه فهو كما لو شرطه على الصحيح من المذهب. نص عليه وعليه الأصحاب.
قال في " الفروع ": وقطع الشيخ فيها بصحته مع النية. ونصه: والأصحاب خلافه.
ونقل أبوداود فيها: هو شبيه بالمتعة. لا، حتى يتزوجّها على أنها امرأته
(1)
ما حييت. انتهى.
وعلى تحريم المتعة مالك في أهل المدينة وأبو حنيفة في أهل الكوفة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر والشافعي، وسائر أصحاب الآثار.
وقال زفر: يصح النكاح ويبطل الشرط.
وحكي جوازها عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وإليه ذهب الشيعة؛ لأنه قد ثبت " أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها "
(2)
.
وروي أن عمر قال: " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة النساء ومتعة الحج "
(3)
.
ولأنه عقد على منفعة. فجاز مؤقتاً؛ كالإجارة.
(1)
في أ: امرأة.
(2)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1405) 2: 1022 كتاب النكاح، باب نكاح المتعة.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور فى " سننه "(852) 1: 218 كتاب النكاح، باب ما جاء في المتعة.
ولنا: ما روى الربيع بن سبرة أنه قال: " أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله نهى عنه في حجة الوداع "
(1)
.
وفي لفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء "
(2)
رواه أبوداود.
وفي لفظ رواه ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا أيها الناس لِلَّهِ إنى كنت أذنت في الاستمتاع. ألا لِلَّهِ وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة "
(3)
.
وروى سبرة قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة
ئم لم يخرج حتى نهانا عنها "
(4)
رواه مسلم.
وقد حكي عن ابن عباس الرجوع عن قوله بجواز المتعة. فروى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير قال: " قلت لابن عباس لقد أكثرت في المتعة حتى قال فيها الشاعر:
أقول وقد طال الثوا بنا معاً يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقام ابن عباس خطيباً فقال: إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير "
(5)
.
وأما إذن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقد ثبت نسخه.
قال الشافعى: لا أعلم شيئاً أحله الله
(6)
ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة.
(أو يعلّق) النكاح (على شرط غير " زوجت أو قبلت إن شاء الله).
وإنما يبطل إذا كان التعليق على شرط (مستقبل؛ كـ) قوله: (زوجثك إذا
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2572) 2: 226 كتاب النكاح، باب في نكاح المتعة ".
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(073 2) 2: 227 الموضع السابق.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1961) 1: 630 كتاب النكاح، باب النهي عن نكاح المتعة.
(3)
أخرجه ابن ماجه فى " سننه "(962 1) 1: 631 الموضع السابق.
(4)
أخرجه مسلم فى " صحيحه "(1456) 2: 1023 كتاب النكاح، باب نكاح المتعة.
(5)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى 71: 205 كتاب النكاح، باب نكاح المتعة،
(6)
ساقط من أ.
جاء رأس الشهر، أو إن رضيت أمها، أو إن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها) فهذا كله باطل من أصله؛ لأنه عقد معاوضة. فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل؛ كالبيع.
ولأن ذلك وقف للنكاح على شرط ولا يجوز وقفه على شرط.
(ويصح) تعليق النكاح على شرط (ماض أو) على شرط (حاضر).
فالماضي (كـ) قوله: زوجتكها (إن كانت بنتي، أو كنت وليها، أو إن انقضت عدتها، وهما) أي: والزوجان (يعلمان ذلك) أي: أنها بنته، وأنه وليها، وأن عدتها انقضت.
والشرط الحاضر ما أشير إليه بقوله:
(أو) زوجتكها إن (شئتَ، فقال: شئتُ وقبلتُ، ونحوه)، أو زوجتكها حيث لا مانع من صحة نكاحها.
(النوع الثانى) من الشرط الفاسد. وهو ما يصح معه النكاح.
ومن أمثلة ذلك: (أن يشرط أن لا مهر) لها، (أو لا نفقة) لها، (أو يقسم لها أكثر من ضرتها، أو) أن يقسم لها (أقل) من ضرتها، (أو أن يشرطا) عدم وطء،
(أو) أن يشرط (أحدهما عدم وطء، أو نحوه) أي: نحو ذلك؛ كما لو شرط لها أن يعزل عنها، أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو شرط على المرأة أن تنفق عليه، أو أن تعطيه شيئاً.
(أو إن فارق رجع بما أنفق، أو) شرطا (خياراً في عقد، أو) شرطا خياراً
في (مهرٍ، أو) شرطت أنه (إن جاءها به) أي: بالمهر (في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما، أو) شرطت عليه (أن يسافر بها) ولو إلى بلد معين، (أو) أن (تستدعيَه لوطءٍ عند إرادتها، أو أن لا تسلِّم نفسها إلى مدة كذا، ونحوه)؛ كأن ينفق عليها في كل يوم عشرة دراهم. (فيصح النكاح دون الشرط) يعني: أن هذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد وتتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده. فلم تصح؛ كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل
البيع. فأما العقد نفسه فهو صحيح؛ لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره. ولا يضر الجهل به. فلم يبطله؛ كما لو شرط في العقد صداقاً محرماً.
ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض. فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد؛ كالعتاق.
وقد نص أحمد فيمن تزوج امرأة وشرط عليها: أن يبيت عندها في كل جمعة
ليلة ثم رجعت، وقالت: لا أرضى إلا ليلة وليلة، فقال: لها أن تترك بطيب نفس منها فإن ذلك جائز، وإن قالت: لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقاً لها تطالبه إن شاءت.
ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشرط ليها أن يأتيها في الأيام: يجوز الشرط، فإن شاءت رجعت.
وفيما إذا شرطا الخيار في النكاح أو إن جاءها بالمهر في وقت كذا، وإلا فلا نكاح بينهما رواية، بعدم صحة النكاح.
(ومن طلَّق بشرطِ خيارٍ: وقع) طلاقه
(1)
.
***
(1)
في ب: طلاقها. وهو تصحيف.
] فصل: إن شرط صفة ولم تتحقق]
(فصل. وإن شرطها) أي: شرط الزوج الزوجة (مسلمة، أو قيل) أي:
قال الولي للزوج: (زوجتك هذه المسلمة، أو ظنَّها) أي: ظن الزوج الزوجة (مسلمة ولم تُعرف بتقدم كفر فبانت كتابية، أو) شرطها الزوج، (بكراً أو جميلة أو نسيبة، أو شرط) الزوج في العقد (نفي عيب) في الزوجة (لا يفسخ
به النكاح) أي: لا يملك به الزوج فسخ النكاح؛ كما لو شرطها سميعة أو بصيرة (فبانت بخلافه: فله) أي: فللزوج (الخيار) في الأصح؛ لأنه شرط صفة مقصودة فبانت بخلافها فثبت له الخيار. أشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة ولو مع قيام الشرطين فيه. وكذا لو شرطها حسناء فبانت شوهاء، أو ذات نسب فبانت دونه، أو بيضاء فبانت سوداء، أو طويلة فبانت قصيرة.
(لا إن شرطها) أي: شرط الزوج الزوجة (كتابية أو أمة فبانت مسلمة)
فيما إذا شرطها كتابية، (أو) فبانت (حرة) فيما إذا شرطها أمة، (أو شرط) فيها (صفة فبانت أعلى منها) فإنه لا خيار له؛ لأن ذلك زيادة خير فيها.
(ومن تزوج أمة وظن) أنها حرة، (أو شرط أنها حرة فولدت) منه مع جهله رقها:(فولده حر)؛ لأنه اعتقد حريتها. فكان ولده حراً
(1)
؛ لاعتقاده ما يقتضي حريته. (ويفدي) يعني: أن الزوج يجب عليه أن يفدي (ما ولد) أي: ما ولدته زوجته الأمة (حيا) على الأصح؛ لقضاء عمر وعلي وابن عباس، وهو قول مالك والشافعي
(2)
وأصحاب الرأي.
(1)
في الأصول: حر.
(2)
في أ: زيادة: لأنه محكوم بحريته عند الوضع فوجب أن يضمنه حينئذ؛ لأنه فات رقه من حينئذ.
ولأن القيمة التي تزيد بعد الوضيع لم تكن مملوكه. وسوف تانى بعد عدة أسطر.
ولأن الولد نماء الأمة المملوكة فسبيله أن يكون مملوكاً لمالكها وقد فوت رقه باعتقاده الحرية. فلزمه ضمانه؛ كما لو فوت رقه بفعله.
ويكون فداء الولد (بقيمته) على الأصح؛ لأنه حيوان والحيوانات كلها متقومة (يوم ولادته) على الأصح. قضى بذلك عمر وعلى وابن عباس وهو قول الشافعي؛ لأنه محكوم بحريته عند الوضع. فوجب أن يضمنه حينئذ؛ لأنه فات رقه من حينئذ،
ولأن القيمة التي تزيد بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة. فلم يضمنها؛ كما بعد الخصومة.
(ثم إن كان) الزوج (ممن لا يحل له نكاح الإماء)؛ كما لو كان واجد
الطول أو غير واجده ولا يخاف العنت: (فُرِّق بينهما)؛ لأنا تبيتا أن النكاح فاسد من أصله لعدم شرطه. وهكذا إن كان تزويجها بغير إذن سيدها، أو اختل شرط من شروط صحه النكاح.
(وإلا) بأن كان ممن يباح له نكاح الإماء (فله الخيار) بين فسخ النكاح
والمقام عليه؛ لأنه عقد غر فيه أحد الزوجين بحرية الآخر. فثبت فيه الخيار؛ كالآخر.
(فإن رضي بالمقام) معها بعد ثبوب رقها بالبينه على الأصح، فلو أقرت لإنسان بالرق لم يقبل قولها على زوجها.
قال أحمد في رواية أبي الحارب: لا يستحقها بإقرارها؛ لأن إقرارها يزيل
النكاح عنها ويثبت حقا على غيرها. فلم يقبل؛ كإقرارها بمال على غيرها.
وولدت عنده (فما ولدت بعد) أي: بعد ثبوت رقها: (فرقيق) لمالك
الأمة؛ لأن ولد الأمة من نمائها، ونماؤها لمالكها.
(وإن كان المغرور) وهو الذي ظن أن الزوجة حرة، أو شرط كونها حرة
(عبدا: فولده) منها (حر)؛ لأنه وطئها معتقدا حريتها. فأشبه الحر، فإن هذا هو العلة المقتضية للحرية في محل الوفاق، ولولا ذلك لكان رقيقاً فإن علة
رق الولد رق الأم خاصة، ولا عبرة بالأب بدليل ولد الحر من الأمة، وولد الحرة من العبد. و (يفديه) أي: يفدي العبد ولده بقيمته يوم ولادته (إذا عتق؛ لتعلقه) أي: تعلق الفداء (بذمته) في الأصح؛ لأنه فوت رقه باعتقاده الحرية وفعله، ولا مال له في الحال. فتعلق الفداء بذمته.
(ويرجع زوج)، سواء كان حراً أو عبداً (بفداء) غرمه على من غرّه إن كان الغارّ له أجنبيا على الأصح. قضى بذلك عمر وعلي وابن عباس. وبه قال الشافعي في القديم.
(و) يرجع الزوج أيضا (بـ) المهر (المسمى)؛ لأنه الواجب عليه،
لا مهر المثل على الأصح (على من غرّه: إن كان) الغارّ له (أجنبياً) على الأصح؛ لأن العاقد ضمن له سلامة الوطء، كما ضمن له سلامة الولد، فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع عليه بالمهر.
(وإن كان) الغارّ للزوج (سيدها ولم تعتق بذلك) أي: ولم يكن التغرير بلفظ تثبت به الحرية، (أو) كان الغارّ للزوج (إياها) أي: الزوجة نفسها (وهي مكاتبة: فلا مهر له) أي: للسيد إن كان هو الغارّ، (ولا) مهر (لها) أي: للمكاتبة إن كانت هي الغارّة؛ لأنه لا فائدة في أن يجب لأحدهما ما يرجع به عليه.
(وولدها) أي: ولد الزوجة المكاتبة من الزوج المغرور (مكاتب، فيغرم
أبوه قيمته لها) إن لم تكن هي الغارّة، ويرجع بذلك على من غرّه.
(وإن كانت قناً) الزوجة الغارة لم يسقط مهرها، ويغرمه ويغرم فداء ولدها ولسيدها في الأصح، وملك الرجوع عليها بنظير ما غرمه لسيدها، و (تعلق) ما يرجع به (برقبتها) في الأصح. فيخير السيد بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به عليها، أو يسلمها. فإن اختار فدائها بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج، فإنه لا فائدة في أن نوجبه عليه ثم ترده إليه، وإن اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب له.
(والمعتق بعضها) إذا غرَّت زوجها بأن قالت: إنها حرة وتبين أنها مبعضة
(يجب لها البعض) أي: ما يقابل حريتها من المهر، (فيسقط)؛ لأنه لا فائدة في أن نوجبه عليه ثم ترده، ويجب باقيه لمالك البقية، ويتعلق برقبتها كما قلنا في كاملة الرق.
(وولدها) أي: ولد المعتق بعضها (يغرم أبوه قدر رقه) أي: قيمة قدر ما
فيه من الرق؛ لأن باقيه حر بحرية أمه، لا باعتقاد الواطى.
(ولمستحق غرم) من سيد وزوجة مكاتبة ومبعضة (مطالبة غارٍّ) للزوج (ابتداء) أي: من غير أن يطالب الزوج.
قال في " الإنصاف ": لمستحق الفداء مطالبة الغار ابتداء. نص عليه، وجزم به في "المحرر " و" الرعايتين " و" الفروع " و" الحا وي " وغيرهم.
قال في " الرعاية ": قلت: كما لو بان عبداً أو عتيقاً أو مفلساً.
وجعل الشيخ تقي الدين: في المسألة روايتين.
قال ابن رجب: وكذلك أشار إليه جده في " تعليقته على الهداية ".
قال ابن رجب:
(1)
وهو الأظهر.
ويرجع هذا إلى أن المغرور: هل يطالب ابتداء ما يستقر ضمانه على الغار،
أم لا يطالب به سوى الغار؟ كما نص عليه في رواية جماعة هنا.
ومتى قلنا: يخير بين مطالبة الزوج والغار ابتداء، وكان الغار معسراً والآخر موسراً فهل يطالب هنا؟ فيه تردد.
وقد تشتبه المسألة بما إذا كان عاقلة القاتل خطأ ممن لا تحمل العقل فهل يحمل القاتل الدية أم لا؟ انتهى.
(والغارُّ: من علم رقها) أي: رق الزوجة أو رق بعضها (ولم يبينه) للزوج. (ومن تزوجت رجلاً على أنه حر أو تظنه حراً فبان عبداً فلها الخيار: إن صح النكاح).
(1)
في أزيادة: ولذلك أشار إليه جده. وهو وهم.
قال في " الإنصاف ": بلا نزاع. نص عليه. انتهى.
قال في " شرح المقنع ": أما النكاح فهو صحيح. وهو قول أبي حنيفه وأحد قولي الشافعي، لأن اختلاف الصفة لا يمنع صحه العقد؛ كما لو تزوج أمة على أنها حرة، وهذا إذا كملت شروط النكاح وكان بإذن سيده، وإن كانت المرأة حرة وقلنا: الحريه ليست من شروط الكفاءة، أو أن فقد الكفاءه لا يبطل النكاح فهو صحيح وللمرأة الخيار بين الفسخ والإمضاء، فإن اختارت إمضائه فلأوليائها الاعتراض عليها، لعدم الكفاءة، وإن كانت أمة فينبغي أن يكون لها الخيار أيضاً، لأنه لما ثبت الخيار للعبد إذا غر من أمة ثبت للأمة إذا غرت بعبد. (وإن شرطت) الزوجة في الزوج (صفة)، ككونه نسيباً، أو عفيفاً، أو جميلاً، أو نحوه، (فبان أقل) مما شرطته (فلا فسخ) لها، لأن ذلك ليس بمعتبر في صحة النكاح. أشبه ما لو شرطته طويلاً أو قصيراً، (إلا بشرط حرية) يعني: إلا أن تشترط
(1)
كونه حرا فيبين عبدا، لأنها لو كانت أمه وعتقت تحته كان لها فسخ النكاح. فهاهنا أولى.
(1)
فى أوب تشترط.
] فصل: في تخيير الأمة المعتقة]
(فصل. ولمن) أى: ولأمة ومبعضه (عتقت كلها تحت رقيق كله، الفسخ) بلا نزاع في المذهب. وحكاه ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما إجماعاً. لا إن كان حراً على الأصح. وهذا قول ابن عمر وابن عباس، وبه قال مالك والشافعي.
وقال أصحاب الرأي: لها الخيار؛ لما روى الأسود عن عائشة " أن النبي
(1)
صلى الله عليه وسلم خير بريرة وكان زوجها حرا "
(2)
رواه النسائي.
ولأنها كملت بالحرية. فكان لها الخيار؛ كما لو كان زوجها عبداً.
ولنا: أنها كافأت زوجها في الكمال. فلم يثبت لها خيار، كما لو أسملت الكتابية تحت مسلم.
فأما خبر الأسود عن عائشة فقد روى عنها القاسم بن محمد وعروة " أن زوج بريرة كان عبداً أسود لبني المغيرة يقال له: مغيث "
(3)
رواه البخاري وغيره. وهما أخص بها من الأسود، لأنهما ابن أخيها وابن أختها.
وقال ابن عباس: " كان زوج بريرة عبداً أسود لبني المغيرة يقال له:
(1)
في ب: رسول الله.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2235) 2: 270 تفريع أبواب الطلاق، باب من قال: كان حرّا.
وأخرجه النسائي في " سننه"(3459) 6: 163 كتاب الطلاق، باب خيار الأمة تعتق وزوجها حر.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2078) 671: 1 كتاب الطلاق، باب خيار الأمة إذا أعتقت.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(25405) 6: 170.
(3)
لم أجده في البخاري، وقد أخرجه أبو داود في "سننه " (2233 - 2234) 270: 2 كتاب الطلاق، باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد.
وأخر جه أحمد في "مسنده "(25796) 209: 6
مغيث "
(1)
. رواه البخاري وغيره.
قال أحمد: هذا ابن عباس وعائشة قالا في زوج بريرة إنه عبد رواية علماء المدينة وعملهم
(2)
، وإذا روى أهل المدينة حديثاً وعملوا به فهو أصح شيء. وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده. قال: والعقد صحيح فلا يفسخ بالمختلف فيه، والحر فيه اختلاف والعبد لا اختلاف فيه، ويخالف الحر العبد، لأن العبد نافص. فإذا كملت تحته تضررت ببقائها عنده. بخلاف الحر.
(وإلا) أي: وإن لم تعتق كلها تحت رقيق كله؛ كما لو أعتق مشتركة تحت
عبد شريك معسر فلا تصح.
(أو عتقا) أي: عتق الزوجان (معاً) بأن كانا لمالك واحد فأعتقهما بكلمة واحدة، أو كانا لاثنين ووكلا واحداً فأعتقهما الوكيل بكلمة واحدة:(فلا) فسخ؛ لأنها لم تعتق كلها تحت رقيق كله.
وإذا اختارت الفسخ (فتقول: فسخت نكاحي، أو اخترت نفسي)، أو اخترت فراقه.
(و) قولها: (طلقتها) أي: طلقت نفسي (كناية عن الفسخ). فيفسخ النكاح إن نوت بذلك المفارقة؛ لأن قولها ذلك يؤدي معنى الفسخ. فصلح كونه كناية عنه؛ كالكناية بالفسخ عن الطلاق، ولا يكون فسخها لنكاحها طلاقاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الطلاق لمن أخذ بالساق "
(3)
.
ولأنها فرقة من قبل الزوجة. فكانت فسخاً؛ كما لو اختلف دينهما، أو أرضعت من ينفسخ نكاحه برضاعها.
ويصح فسخها (ولو متراخياً)، كخيار العيب فيستمر بيدها، (ما لم يوجد
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4978) 2023: 5 كتاب الطلاق، باب خيار الأمة تحت العبد.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2231) 2: 270 كتاب الطلاق، باب في المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد.
(2)
في أ: وعلمهم.
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2081) 1: 672 كتاب الطلاق، باب طلاق العبد.
منها ما يدل على رضا) بالمقام معه. روي ذلك عن عبد الله بن عمر وأخته حفصة؛ لما روى أبو داود " أن بريرة عتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي محمد. فخيرها النبى صلى الله عليه وسلم، وقال لها: إن قربك فلا خيار لك "
(1)
.
ولأنه قول من سمّينا من الصحابة.
قال ابن عبدالبر: لا أعلم لابن عمر وحفصة مخالفا من الصحابة.
(ولا يحتاج فسخها) أي: نفوذه (لحكم حاكم)؛ لأنه فسخ مجمع عليه
غير مجتهد فيه. فلم يفتقر إلى حكم حاكم؛ كالرد بالعيب في البيع. بخلاف خيار العيب في النكاح فإنه مجتهد فيه. فافتقر إلى حكم الحاكم؛ كالفسخ للإعسار.
وروى الحسن بن عمرو بن أمية قال: سمعت رجالاً يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: " إذا عتقت الأمة فهي بالخيار مالم يطأها، إن شاءت فارقت، فإن وطئها فلا خيار لها "
(2)
. رواه الإمام أحمد.
وروي ذلك عن أحمد.
(فإن عتق) الزوج (قبل فسخ) بطل خيارها؛ لأن الخيار لدفع الضرر بالرق
وقد زال بعتقه. فيسقط؛ كالمبيع إذا زال عيبه.
(أو أمكنته) أي: أمكنت المعتقة زوجها العبد (من وطئها)، (أو) من (مباشرتها، ونحوه)؛ كما لو أمكنته من قبلتها (ولو جاهلة عتقها، أو) جاهلة (ملك الفسخ: بطل خيارها) على الأصح؛ لما تقدم من حديث عمرو بن أمية. وروى مالك عن ابن شهاب عن عروة: " أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد] وهي أمة يومئذ [فعتقت. قالت: فأرسلت إليّ حفصة] زوج النبي [فدعتني. فقالت:] إنى مخبرتك خبرًا. ولا أحب أن تصنعي شيئا [إن أمرك بيدك، ما لم يمسك زوجك. فإن مسك فليس لك من
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2236) 2: 271 تفريع أبواب الطلاق، باب حتى متى يكون لها الخيار.
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده "(16670) 4: 65.
الأمر شيء. فقالت: هو الطلاق. ثم الطلاق] ثم الطلاق [، ففارقته ثلاثا"
(1)
. وروى مالك عن نافع عن ابن عمر " أن لها الخيار ما لم يمسها "
(2)
.
ويجوز للزوج وطؤها بعد عتقها مع عدم علمها بالعتق.
قال في " شرح المقنع ": ولا يمنع الزوج من وطئها.
وقال في "الإنصاف ": يجوز للزوج الإقدام على الوطء إذا كانت غير عالمة.
قال المجد في " شرحه ": قياس مذهبنا جوازه.
قال في القاعدة الرابعة والخمسين: وفيما قاله نظر، والأظهر تخريجه على الخلاف يعني: الذي ذكره في أصل القاعدة فإنه لا يجوز الإقدام عليه. انتهى.
وليس لمن لها دون تسع ولا لمجنونة خيار؛ لأنهما لا قول لهما معتبر.
(ولبنت تسع أو دونها: إذا بلغتها) أي: بلغت تسع سنين كاملة، (ولمجنونة
إذا عقلت الخيار) حينئذ؛ لكونهما صارا على صفة لكلامهما حكم.
وهكذا لو كان بزوجيهما عيب يوجبا الفسخ. فإن كان زوجاهما قد وطآهما فعلى قياس ما تقدم: أنه لا خيار لهما؛ لأن مدة الخيار انقضت.
(دون ولي) يعني: أنه لا يملك ولي المجنونة ولا من لها دون تسع الاختيار عنهما؛ لأن هذا
(3)
طريقه الشهوة. فلا يدخل تحت الولاية؛ كالاقتصاص. (فإن طُلقت) من عتقت تحت عبد (قبله) أي: قبل اختيارها الفسخ: (وقع) الطلاق؛ لأنه طلاق من زوج عاقل يملك العصمة. فنفذ؛ كما لو لم تعتق الزوجة، (وبطل خيارها: إن كان) الطلاق (بائنا) في الأصح.
وقال القاضي: طلاقه موقوف فإن اختارت الفسخ لم يقع وإن لم تختر وقع. (وإن عتقت) الأمة (الرجعية) في عدتها، (أو عتقت ثم طلقها) زوجها
(1)
أخرجه الإمام مالك في " موطئه "(27) 2: 441 كتاب الطلاق، باب ما جاء في الخيار.
وما بين الحاصرتين تتمة من " الموطأ ".
(2)
أخرجه مالك في " موطئه "(26) 2: 441 كتاب الطلاق، باب ما جاء في الخيار.
(3)
في أوب: هذه.
طلاقا (رجعيا: فلها الخيار) يعني: ما دامت في العدة؛ لأن نكاحها باق يمكن فسخه ولها في الفسخ فائدة، فإنها لا تأمن رجعته إذا لم تفسخ. وإذا فسخت
بنت على ما مضى من عدتها؛ لأن الفسخ لا ينافي عدة الطلاق ولا يقطعها، فهو
كما لو طلقها طلقة أخرى وتبني على عدة حره؛ لأنها عتقت في عدتها وهي رجعية.
(فإن رضيت) الرجعية (بالمقام) مع زوجها العبد بعد عتقها: (بطل)
خيار خيارها في الأ صح؛ لأنها حالة يصح فيها اختيار الفسخ. فصح اختيار المقام؛ كصلب النكاح. وإن لم تختر شيئا لم يسقط خيارها؛ لأنه على التراخي.
ولأن سكوتها لا يدل على رضاها.
(ومتى فسخت) المعتقة نكاحها (بعد دخول: فمهرها لسيد)؛ لأنه وجب
بالعقد وهي ملكه حالته؛ كما لو لم تفسخ، والواجب المسمى في الحالين؛ لأنه
عقد صحيح اتصل به الدخول قبل الفسخ. فأوجب المسمى؛ كما لو لم تفسخ.
(و) متى فسخت نكاحها (قبله) أي: قبل الدخول: فـ (لا مهر). نص
عليه؛ لأن الفرقة جاءت من قبل الزوجة. فسقط بذلك مهرها؛ كما لو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها رضاعه.
(ومن شرط معتقها) عند إرادة إعتاقها: (أن لا تفسخ نكاحها ورضيت)
صح ولزمها.
قال في " الإنصاف ": قال الشيخ تقي الدين: لو شرط المعتق عليها دوام
النكاح تحت حر أو عبد إذا اعتقها، فرضيت: لزمها ذلك.
قال: ويقتضيه مذهب أحمد فإنه يجوز العتق بشرط.
قال في القاعدة الرابعة والثلاثين: إذا عتقت الأمة المزوجة: لم تملك منفعة
البضع، وإنما يثبت
(1)
لها الخيار تحت العبد.
قال: ومن قال بسراية العتق، قال: قد ملكت بضعها. فلم يبق لأحد
(1)
في ب: ثبت.
عليها ملك. فصار الخيار لها في المقام وعدمه، حرًا كان أو عبدًا.
قال: وعلى هذا لو استثنى منفعة بضعها للزوج: صح، ولم تملك الخيار، حراً كان أو عبدا. ذكره الشيخ. قال: وهو مقتضى المذهب. انتهى.
(أو بذل لها) أي: لمن عتقت تحت عبد (عوض لتسقط حقها من فسخ ملكته) بسبب العتق: (صح) ذلك (ولزمها).
قال في " الإنصاف ": لو بذل الزوج لها عوضا على أنها تختاره: جاز.
نص عليه في رواية مهنا. ذكره أبو بكر في " الشافي ".
قال ابن رجب: وهو راجع إلى صحة إسقاط الخيار بعوض. وصرح الأصحاب بجوازه في خيار البيع. انتهى.
(ومن زوج مدبرة لا يملك غيرها وقيمتها مائة بعبد، على مائتين مهرا، ثم مات: عتقت. ولا فسخ) أي: ولا خيار لها حيث كان موت سيدها (قبل الدخول) في الأصح؛ (لئلا يسقط المهر) على الأصح؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها أو يتنصف على رواية
(1)
، (فلا تخرج من الثلب) على الروايتين، وإذا لم تخرج من الثلث كلها (فيرق بعضها) فيفضي إثبات الخيار لها إلى إسقاطه، (فيمتنع الفسخ).
قال في " الإنصاف ": ذكره في " المحرر " و" الرعايتين " و" الحاوي
الصغير " و" الفروع " وغيرهم.
قلت: فيعايا بها. انتهى.
(فهذه) الصورة (مستثناة من كلام من أطلق) وإذا عتقت الأمة فقالت لزوجها: زدنى في مهري ففعل فالزيادة لها دون سيدها، سواء كان زوجها حرا أو عبدا، وسواء عتق معها أو لم يعتق. نص عليه فيما إذا زوج عبده أمته ثم عتقا جميعا، فقالت الأمة: زدنى في مهري، فالزيادة للأمة لا للسيد.
(1)
في ج زيادة: وإذا سقط.
فقيل: أرأيت إن كان الزوج لغير السيد لمن تكون الزيادة؟ قال: للأمة.
قال في " شرح المقنع ": وعلى قياس هذا لو زوجها سيدها ثم باعها فزادها زوجها في مهرها فالزيادة للثانى. انتهى.
(ولمالك زوجين، بيعهما و) بيع (أحدهما. ولا فرقة بذلك) أي: ببيع السيد؛ لأن ذلك لا أثر له في عقد النكاح.
ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقهما البداءة بالرجل؛ لئلا يثبت للمرأة خيار عليه فتفسخ نكاحه.
وقد روى أبو داود والأثرم بإسنادهما عن عائشة " أنه كان لها غلام وجارية فتزوجا فقالت
(1)
للنبي صلى الله عليه وسلم: إنى أريد أن أعتقهما. فقال لها: ابدئي بالرجل قبل المرأة "
(2)
.
وعن صفية بنت أبي عبيد أنها فعلت ذلك وقالت للرجل: " إنى بدأت بعتقك؛ لئلا يكون لها عليك خيار ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ب: فقلت.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2237) 2: 271 تفريع أبواب الطلاق، باب في المملوكين يعتقان معاً هل تخير امرأته.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2532) 2: 846 كتاب العتق، باب من أراد عتق رجل وامرأته فليبدأ بالرجل.
] باب: العيوب في النكاح]
هذا (باب حكم العيوب في النكاح.
وأقسامها) أي: أقسام العيوب (المثبتة للخيار ثلاثة):
منها: (قسم يختص بالرجل).
ومنها: قسم يختص بالمرأة.
ومنها: قسم مشترك بين الرجل والمرأة.
ويروى ثبوت الخيار لكل من الزوجين إذا وجد بالآخر عيبا في الجملة عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعبد الله بن عباس، وبه قال جابر بن زيد والشافعي وإسحاق.
وروي عن علي: " لا ترد الحرة بعيب "، وبه قال اصحاب الرأي.
وعن ابن مسعود: لا يفسخ النكاح بعيب، وبه قال أبو حنيفة، إلا أن يكون الرجل مجبوباً أو عنيناً، فإن للمرأة الخيار فإن اختارت الفراق فرق الحاكم بينهما بطلقة. ولا يكون فسخا؛ لأن وجود العيب لا يقتضي فسخ النكاح؛ كالعمى والزمانة وسائر العيوب.
ولنا: أن المختلف فيه يمنع الوطء. فأثبت الخيار؛ كالجب والعنة.
ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح. فجاز ردها بعيب؛ كالصداق وأحد العوضين في عقد النكاح. فجاز رده بالعيب.
ولأن الرجل أحد الزوجين. فيثبت له الخيار بالعيب في الآخر؛ كالمرأة.
فاما العمى والزمانة ونحوهما فلا يمنع المقصود بعقد النكاح وهو الوطء. بخلاف العيوب المختلف فيها.
فإن قيل: فالجذام والجنون والبر ص لا يمنع الوطء.
قلنا: بل يمنعه فإن ذلك لوجب نفرة تفنع من فربانه بالكلية، ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله، والمجنون يخاف منه الجناية. فصار كالمانع الهحسِّى. (وهو) أي: القسم المختص بالرجل ثلاثة أشياء:
أحدها: (كونه) أي: كون الرجل (قد قطع ذكره) كله، (أو) قطع (بعضه، ولم يبق) منه (ما يمكن جماع به و). متى ادعى الزوج إمكان الجماع بما بقي من ذكره وأنكرت امرأة فإنه (يقبل قولها في عدم إمكانه) في الأصح؛ لأنه يضعف بالقطع، والأصل عدم الوطء.
الشيء الثانى: ما أشير إليه بقوله: (أو قُطع خُصيتاه، أو رُضَّ بيضتاه، أوسلا) أي: سل بيضتاه في الأصح؛ لأن في ذلك نقصا يمنع الوطء أو يضعفه. وقد روى أبو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار " أن ابن سند تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر: أعلمتها؟ قال: لا. قال أعلمها ثم خيرها ".
الشيء الثالث: ما أشير إليه بقوله: (أو عنينا لا يمكنه وطء، ولو لكبر أو مرض). والعنين: هو العاجز عن إيلاج ذكره في الفرج مأخوذ من عن يعن إذا اعترض؛ لأن ذكره يعن إذا أراد أن يولجه أي: يعترض.
وثبوت خيار المرأة بعنه الرشل بعد تأجيله سنة، يروى عن عمر وعثمان
وابن مسعود والمغيرة بن شعبة. وعليه فتوى فقهاء الأمصار، منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعى والشافعي.
وشذ الحكم بن عيينة وداود فقالا: لا يؤجل وهي امرأته. وروي ذلك عن
علي؛ " لأن امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن رفاعة طلقنى فبت طلاقي فتزوجت بعبدالرحمن بن الزبير وإن ما له مثل هدبه الثوب، فقال: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "
(1)
. ولم يضرب له مدة.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2496) 2: 933 كتاب الشهادات، باب شهادة المخبي. عن عائشة.
ولنا: ما روي " أن عمر أجل العنين سنة "
(1)
.
وروى ذلك الدارقطني عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة
(2)
ولا مخالف
لهم. ورواه أبو حفص عن علي.
ولأنه عيب يمنع الوطء. فأثبت الخيار؛ كالجب في الرجل، والرتق في المرأة.
وأما الخبر فلا حجة للمخالف فيه فإن المدة إنما تضرب له مع اعترافه أو
ثبوت العنة بالبينة وطلب المرأة ذلك ولم يوجد واحد منها.
وقال ابن عبدالبر: وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة.
إذا تقرر هذا فمتى ادعت المرأة عجز زوجها عن الوطء لعنة (فإن اقر بالعُنّة، أو ثبتت) عنته (ببينةٍ، أو عدما) أي: الإقرار والبينة (فطلبت يمينه فنكل) عن اليمين (ولم يدّع وطئا) سابقا على دعواها: (أجِّل سنة هلالية منذ ترافُعه)؛ لأنه قول من سمّينا من الصحابة.
ولأن هذا العجز قد يكون لعنةٍ وقد يكون لمرض فضرب له سنة لتمر به الفصول الأربعة، فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة، وإن كان من رطوبة زال في فصل اليبس، وإن كان من برودة زال في فصل الحرارة، وإن كان من احتراق مزاج زال في فصل الاعتدال، فإذا مضت الفصول الأربعة ولم يزل علم أنه خلقة.
(ولا يحتسب عليه منها) أي: من السنه (ما) أي: مدة (اعتزلته) الزوجة
فيها (فقط). قاله في " الترغيب " واقتصر عليه في " الفروع ".
قال في " الإنصاف ": لو اعتزلت المرأة الرجل لم تحتسب عليه من المدة،
ولو عزل نفسه أو سافر: احتسب عليه ذلك. ذكره في " البلغة ".
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(221) 3: 305 باب المهر.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(224) 3: 305 باب المهر عن عبد الله بن مسعود، و (225 - 226 - 227) 3: 306 باب المهر عن المغيرة بن شعبة.
وذكر في "عمد الأدلة" احتمالين. هل يحتسب عليه في مدة نشوزها، أم لا؟
(فإن مضت) السنة (ولم يطأها فلها الفسخ) أي: فسخ نكاحها منه.
(وإن قال: وطئتها وأنكرت وهي ثيب: فقولها إن ثبتت عنّته) يعني: إن
كان دعواه وطئها بعد ثبوت عنته وتأجيله على الأصح.
قال في " الفروع ": وإن ادعاه بعد ثبوت عنته وتأجيله قبل قولها.
وعنه: قو له.
وعنه: يُخلا معها ويُخرج ماؤه على شيء، فإن قالت: ليس منيًا فإن ذاب
بنار فمني وبطل قولها، وإلا قوله. اختاره الخرقي والقاضي وأصحابه. انتهى.
ووجه كون القولط قولها في هذه الحالة: أنه انضم إلى عدم الوطء وجود ما يقتضي الفسخ وهو ثبوت العنة.
(وإلا) أي: وإن لم تثبت عنته (فـ) القول (قوله.
وإن كانت) المدعية لعنته (بكراً وثبتت عنته وبكارتها: أجِّل) سنة، كما
لو كانت ثيبا، لأن الوطء يزيل العذرة. فوجودها يدل على عدم الوطء.
(وعليها اليمين إن قال: أزلتها وعادت)، لاحتمال صدقه.
(وإن شُهد) بالبناء للمفعول أي: قامت البينة (بزوالها) أي: زوال بكارتها (لم يؤجل) أي: لم يثبت له حكم العنين في تأجيله سنة؛ لبيان كذبها بثبوت زوال بكارتها، (وحلف) أي: وعليه اليمين (إن قالت): إن بكارتها (زالت بغيره) أي: بغير وطئه؛ لاحتمال صدقها.
(وكذا) الحكم في كونه لم يضرب له أجل العنين (إن لم تثبت عنته، وادعاه) أي: ادعى الوطء ولو مع دعواها البكارة ولم تقم ببكارتها بينة؛ لأن الأصل السلامة في الرجال، ويحلف على ذلك، لقطع دعواها.
(ومن اعترفت بوطئه) أي: وطء زوجها (في قُبُل) أي: قبلها (بنكاح ترافعا فيه، ولو) قا لت: وطئني (مرة) واحدة، (أو في حيض، أو نفاس، أو إحرام، أو ردة، ونحوه)؛ كفِي صوم واجب، ولو كان إقرارها بذلك (بعد
ثبوت عنة)؟ لأنها إذا أقرت بذلك (فقد) أقرت أن عنته قد (زالت.
وإلا) أي: وإن كان إقرارها بذلك قبل ثبوت عنته (فليس بعنين)، لاعترافها بما ينافي دعواها.
ولأن حقوق الزوجية من استقرار المهر وثبوت العدة يثبت بالوطء مرة وقد وجد.
(ولا تزول عنة بوطء غير مدّعية) ولو في قُبُل، (أو) وطء مدعية (في دبر) في الأصح فيهما.
أما كون العنة لا يزول بوطء غير المدعية؛ لأن حكم كل امرأة معتبر بنفسها.
ولأن الفسخ لدفع الضرر الحاصل بعجزه عن وطئها، وهو لا يزول بوطء غيرها. وأما كون العنة لا تزول بالوطء في الدبر، لأنه ليس محلا للوطء. فأشبه الوطء فيما دون الفرج، ولذلك لا يتعلق به إحصان ولا إحلال لمطلقها ثلاثاً. (ومجنون ثبتت عنته كعاقل في ضرب المدة) عند ابن عقيل.
قال في " الإنصاف ". وهو الصواب. وعند القاضي: لا تضرب، وأطلقهما في "الفروع ". انتهى.
ووجه قول ابن عقيل: أن مشروعيته ملك الفسخ، لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن الوطء وذلك يستوي فيه المجنون والعاقل.
(ومَن) أي: والمرأة إن (حدث بها جنون فيها) أي: في المدة التي ضربت للعنين (حتى انتهت، ولم يطأ) فيها: (فلوليها) أي: " ولي المجنونة (الفسخ)، لتعذره من جهتها وتحقق احتياجها للوطء، بدليل دعواها عنته قبل جنونها.
(ويسقط حق زوجة عنين ومقطوع بعض ذكره بتغييب الحشفة) من سليمها
(أو قدرها) أي: قدر الحشفة من مقطوعها في الأصح، ليكون ما يجزئ من المقطوع مثل ما يجزئ من الصحيح.
وقيل: لا يخرج من العنة إلا بتغييب جميع الباقي بعد المقطوع.
القسم الثانى من العيوب المثبتة للخيار ما أشير إليه بقوله: (وقسم يختص
بالمرأة وهو) شيئان:
أحدهما: (كون فرجها مسدوداً لا يسلكه ذكر، فإن كان) ذلك (بأصل
الخلقة: فرتقاء) بالمد.
والرتقاء: المسدودة الفرج لرتق، وهو: تلاحم الشفرين.
(وإلا) أي: وإن لم تكن كذلك بأصل الخلقة (فقرناء)، وهي: من نبت
في رحمها لحم زائد فيسده.
(وعفلاء) والعفل: ورم يكون في اللحمة التي بين مسلكى المرأه فيضيق عنها فرجها فلا ينفذ فيه الذكر. حكاه الأزهري.
فعلى هذا العفل غير القرن.
وعدّ
(1)
القاضي القرناء والعفلاء في العيوب شيئاً واحداً. وهو ظاهر كلام الخرقي.
وقيل: القرن عظم، والعفل: رغوة فيه تمنع لذة الوطء.
الشيء الثاني من القسم المختص بالمرأه ما أشير إليه بقوله.
(أو به بَخَرٌ) أي: بالفرج، وهو: نتن في الفرج يثور عند الوطء، (أو) بالفرج (قروح سيَّالة، أو كونها فتقاء: بانخراق ما بين سبيليها، أو ما بين مخرج بول ومني، أو مستحاضة) في الأصح.
لقسم الثالث من؟ العيوب المثبتة للخيار في النكاح ما أشير إليه بقوله:
وقسم مشترك) يعني: بين الرجال والنساء، (وهو: الجنون ولو أحياناً)
يعني ولو كان يخنق في الأحيان، (والجذام والبرص وبَخَرُ فم) وهو: نتن الفم. قال في " الفروع ": قال بعض أصحابنا: يستعمل للبخر السواك ويأخذ في
(1)
فى ب: وعند.
كل يوم ورقة آس مع زبيب منزوع العجم بقدر الجوزة، واستعمال الكرفس ومضغ النعناع جيد فيه.
قال بعضهم: والدواء القوي لعلاجه أن يتغرغر بالصبر كل ثلاثة أيام على الريق، ووسط النهار، وعند النوم، ويتمضمض بالخردل بعد الثلاثة أيام ثلاثة أيام أخر، يفعل ذلك في كل ما يتغير فمه إلى أن يبرأ، وإمساك الذهب في الفم يزيل البخر.
(واسْتِطْلاق بول، و) استطلاق (نَجْوٍ وباسُور وناصُور)، وهما داآن في المقعدة، فالباسور منه ما هو يأتي كالعدس أو كالحمص أو كالعنب أو كالتوت، ومنه ما هو غائر داخل المقعدة وينقسم كل من ذلك إلى ما يسيل وإلى ما لا يسيل. والناصور: قروح غائرة يحدث في المقعدة يسيل منها صديد، وينقسم إلى نافذة وغير نافذة. وعلامة النافذة: أن يخرج الريح والنجو بلا إرادة، وإذا أدخل في الناصور ميل وأدخل الإصبع في المقعدة فإن التقيا فالناصور نافذ.
(وقَرَعُ رأس، و) محله: إن كان (له) أي: لقرع الرأس (ريح منكرة.
وكون أحدهما خنثى) أي: غير مشكل، فإن المشكل لا يصح نكاحه على المذهب.
قال في " الرعايتين ": ويكون أحدهما خنثى غير مشكل أو مشكلا وصح نكاحه في وجه. انتهى.
(فيفسخ بكل من ذلك). أما في الجذام والبرص والجنون فرواية واحدة،
وأما ما عدا ذلك ففي الأصح؛ لأن من ذلك ما يخشى تعدي أذاه، ومنه ما فيه نفرة ونقص، ومنه ما يتعدى نجاسته.
فيملك الفسخ بكل من ذلك (ولو حدث) ذلك (بعد دخول) في الأصح؛
لأن كلا من ذلك عيب في النكاح ثبت به الخيار مقارنا. فأثبته طارئاً؛ كالإعسار. ولأنه عقد على منفعة. فحدوث العيب بها يثبت الخيار؛ كالإجارة.
(أو كان) أي: ولو كان (بالفاسخ عيب مثله) أي: مثل العيب الذي فسخ
به في الأصح؛ لوجود سببه؛ كما لو غر عبد بأمة.
ولأن الإنسان قد يأنف من عيب غيره ولا يأنف من عيب نفسه.
(أو) كان بالفاسخ عيب (مغاير له) أي: بالعيب
(1)
الذي فسخ به؛ كالأبرص يجد المرأة مجذومة أو نحو ذلك. فإنه يثبت لكل منهما الخيار على الآخر في الأصح؛ لوجود سببه.
قال في " شرح المقنع ": إلا أن يجد المجبوب المراة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لهما خيار؛ لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع، وإنما امتنع لعيب نفسه. انتهى.
(لا بغير ما ذكر) يعني: أنه لا يثبت الخيار لأحد الزوجين على الآخر بغير
ما ذكر من العيوب؛ (كعور، وعرج، وقطع يد ورجل، وعمى، وخرس، وطرش) وقرع لا ريح له، (وكون أحدهما عقيماً أو نضواً) أي: نحيف جدا، (ونحوه)؛ كالسمين جدا والكسيح؛ لأن ذلك كله لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه.
قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم، إلا أن الحسن قال: إذا وجد الآخر عقيما يخير.
وأحب أحمد أن يبين أمره، قال: عسى امرأته تريد الولد.
وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به، ولو ثبت لذلك لثبت في الآيسة؛ لأن ذلك لا يعلم، فإن رجالاً لا يولد لأحدهم وهو شاب ثم يولد له وهو شيخ، ولا يتحقق ذلك منهما.
وأما سائر العيوب فلا يثبت بها فسخ عندهم. والله اعلم.
(1)
في ب: للعيب.
] فصل: في العيوب غير المثبتة للخيار [
(فصل. ولا يثيت خيار في عيب زال بعد عقد، ولا لعالم به) أي: بالعيب (وقته) أي: وقت العقد.
قال في " الفروع ": ومتى زال العيب فلا فسخ، وكذا إن علم حالة العقد. ومنعه في "المغنى " في عنين. ذكره في المصراة. ويتوجه في غيره مثله. انتهى. (وهو) أي: وخيار العيب (على التراخي) في الأ صح؛ لأنه خيار ثبت لدفع ضرر متحقق. فكان على التراخي، كخيار القصاص.
(لا يسقط في عنّة إلا بقول) أي: بقول امرأة العنين: أسقط حقي من الخيار بعنته.
(ويسقط) خيارها (به) أي: بالقول (ولو أبانها ثم أعادها)؛ لأن العلم بعدم قدرة العنين على الوطء لا تعلم بدون التمكين] فلا يكون التمكين [
(1)
دليلا على الرضى. فلم يبق في العنة سوى القول. بخلاف غيرها من العيوب.
وأما كونها يسقط حقها من خسار العنه إذا أبانها ثم أعادها؛ فإن عودها
لا يصح بغير رضاها، وإذا عادت عالمة بالعنة فقد رضيت بها، وسقط حقها من الخيار.
(ويسقط) الخيار (في غير عنه بما يدل على رضا: من وطء أو تمكين مع
علم به) أى: بالعيب (كَبِقَول) أي: كما يسقط بصريح القول. أشبه مشتري المعيب، فيسقط خياره بالقول، وبالدلالة على الرضى بالعيب.
(ولو جهل الحكم) أي: حكم ملك الفسخ، (أو زاد) العيب، كما لو
(1)
ساقط من أ.
كان برصه صغيرا فانبسط في جلده؛ لأن رضاه به رضى بما يحدث منه
(1)
.
(أو ظنه) أي: ظن العيب (يسيراً) فبان كثيراً؛ كمن ظن البرص في قليل
من جسده فبان في كثير منه فإنه يسقط خياره أيضا؛ لأنه من جنس ما رضى به. (ولا يصح فسخ) أي: فسخ من له الخيار (بلا) حكم (حاكم فيفسخه) الحاكم بطلب من ثبت له الخيار (أو يرده إلى من له الخيار)؛ لأنه فسخ مجتهد فيه، فهو كفسخ العنه والفسخ للإعسار بالنفقه. ويخالف خيار المعتقه] تحت العبد [
(2)
؛ لأنهه متفق عليه.
(ويصح) الفسخ للعيب (مع غيبة زوج).
قال فى " الفروع ": وإن فسخ مع غيبته أو فرق بين متلاعنين بعد غيبتهما
ففي " الانتصار ": الصحة وعدمها. انمهى.
قا ل فى " تصحيح الفروع ": أحدهما: يصح.
قلب: وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب. ولم ينسب القول بعدم الصحة لأحد.
(فإن فسخ) النكاح (قبل دخول: فلا مهر) عليه، سواء كان الفسخ من الرجل أو من المرأة؛ لأن الفسخ إن كان منها فالفرقه من جهتها. فسقط مهرها؛ كما لو فسخت نكاحها برضاع زوجة له أخرى، وإن كان منه فإنما فسخ بعيب بها
(3)
دلسته بالإخفاء. فصار الفسخ كأنه منها.
فإن قيل: فهلا جعلتم فسخها لِعِنّة
(4)
كأنه منه؛ لحصوله بتدليسه.
قلنا: العوض من الزوج في مقابلة منافعها. فإذا اختارت فسخ العمد مع سلامة ما عقد عليه رجع العوض إلى العاقد معها وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج. وإنما ثبت لها الخيار لأجل ضرر للحقها، لا لمعذر ما استحقت عليه في مقابلته عوضاً فافترقا.
(1)
في أوب: به.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أوب: لها.
(4)
فى ب: لعنته.
(ولها) أي: للزوجة التي
(1)
فسخت لعيب الزوج أو فسخ الزوج لعيبها (بعد دخول أو خلوة) المهر (المسمى) في العقد على الأصح، (كما لو طرأ العيب) " لأنه يجب بالعقد ويستقر بالدخول. فلم يسقط بحادث بعده. ولذلك لا يسقط بردتها ولا بفسخ نكاحها من جهتها.
ولنا: أنها فرقة بعد الدخول في نكاح صحيح فيه مسمى صحيح. فوجب المسمى؛ كغير المعيبة، وكالمعتقة تحت عبد.
والدليل على أن النكاح صحيح: أنه وجد بشروطه وأركانه. فكان صحيحا؛ كما لو لم يفسخه.
(ويرجع) الزوج (به) أي: بنظير المسمى الذي وجب عليه (على مغر من زوجة عاقلة، وولي ووكيل) على الأصح.
قال أحمد: كنت أذهب إلى قول علي فهبته فملت إلى قول عمر: إذا تزوجها فرأى جذاماً أو برصاً فإن لها صداقها بمسيسه إياها، ووليها ضامن للصداق.
وبهذا قالى مالك والشافعي في القديم. وذلك؛ لأنه غره في النكاح بما يثبت
به الخيار. فكان المهر عليه؛ كما لو غره بحرية أمة.
إذا ثبب هذا فإن كان الولي علم غرم، وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة فيرجع عليها بجميع الصداق.
(ويقبل قول ولي ولو محرما)، كأبيها وعمها وأخيها (في عدم علم به) أي: بالعيب. يعني: إن اختلفوا في علم الولي فشهدت عليه بينة بالإقرار بالعلم، وإلا فالقول قوله بيمينه أنه لم يعلم بعيبها.
ولنا على أن الولي إذا لم يعلم لم يغرم: أن التغرير من غيره. فلم يغرم؛
كما لو كان أجنبيا منها كالحاكم.
(1)
في أوب: الذي.
(فلو وُجد) التغرير من كل (من زوجة وولي: فالضمان على الولي) وحده. قاله القاضي وابن عقيل والموفق وغيرهم؛ لأنه المباشر.
وقال الموفق: فيما إذا كان الغرر من المرأة والوكيل: أن الضمان بينهما نصفان.
قال في " الإنصاف ": فيكون في كل من الولي والوكيل قولان. انتهى.
(ومثلها) أي: ومثل هذه المسألة، وهي: ما إذا غر الزوج في تزويج معيبة (في رجوع على غار: لو زوج) رجل (امرأة) معيبة (فأدخلوا عليه غيرها) أي: غير زوجته فوطئها فإن عليه مهر المثل؛ لوطء الشبهة، ويرجع به على من غره بإدخالها عليه.
(ويلحقه الولد) إن حملت. نص على ذلك.
(وإن طلقت) المعيبة (قبل دخول) بها، وقبل علم بالعيب، ثم علم به
بعد طلاقها قعليه نصف الصداق، ولا يرجع به على أحد؛ لأنه قد رضي بالتزامه بطلاقه. فلم يكن له أن يرجع به على أحد.
(أو مات أحدهما) أي: أحد الزوجين مع عيبهما أو عيب أحدهما (قبل العلم به) أي: بالعيب: استقر الصداق بالموت، وأما الرجوع (فلا رجوع) به على غارٍّ ولا غيره؛ لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد.
] فصل ليس لولي صغير تزويجه بمعيب]
(فصل. وليس لولي صغير أو صغيرة، أو) ولي (مجنون أو مجنونة،
أو) سيد (أمة تزويجهم بـ) امرأة أو رجل (معيب) عيبا (يرد به) في النكاح؛ لأنه ناظر لهم بما فيه الحظ والمصلحة، ولا حظ لهم في هذا العقد.
فإن فعل لم يصح؛ لأنه عقد لهم عقدا لا يجوز عقده. فلم يصح؛ كما لو
باع عقارا لمن
(1)
في حجره لغير غبطة.
(ولا لولي حرة مكلفة تزويجها بلا رضاها).
قال في " شرح المقنع ": بغير خلاف نعلمه.
(فلو فعل) أي: زوجها بمعيب بغير رضاها (لم يصح) النكاح: (إن علم) أنه معيب؛ لأنها تملك الفسخ إذا علمت بعد العقد. فامتناع صحته أولى.
(وإلا) أي: وإن لم يعلم الولي أنه معيب: (صح) العقد.
(وله الفسخ إذا علم) بالعيب من غير أن ينتظرها في الأصح.
(وإن اختارت مكلفة) أن تتزوج (مجبوباً) أي: مقطوع الذكر، (أو) أن تتزوج (عنينا: لم تمنع) أي: لم يكن للولي أن يمنعها في الأصح؛ لأن الحق في الوطء لها دون غيرها.
(و) إن اختارت المكلفة أن تتزوج (مجنوناً أو مجذوماً أو أبرص: فلوليها العاقد منعُها) في الأصح؛ لأن ذلك عارًا عليها وعلى أهلها، وضرراً يخشى تعديه إلى الولد؛ كمنعها من تزويجها بغير كفءٍ.
(1)
في ج: لمن هو.
(وإن) تزوجت بمعيب لم تعلم عيبه ثم (علمت العيب بعد عقد، أو) كان الزوج غير معيب حالة العقد ثم (حدث به) العيب:) لم تجبر) أي. لم يملك وليها إجبارها (على الفسخ) إذا رضيت؛ لأن حق الولي في ابتداء العقد لا في دوامه. ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد لم تلزمه إجابتها، ولو عتقت تحت عبد لم يملك إجبارها على الفسخ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
] باب: أنكحة الكفار]
(باب نكاح الكفار. وهو) صحيح، وحكمه (كنكاح المسلمين فيما يجب به) من وقوع الطلاق والظهار والإيلاء، ووجوب المهر والقسم، والإباحة للزوج الأول والإحصان.
وممن أجاز طلاق الكفار عطاء والشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي.
ولم يجوزه الحسن وقتادة وربيعه ومالك.
ولنا: انه طلاق من، بالغ عاقل في نكاح صحيح. فوقع؛ كطلاق المسلم.
فإن قيل: لا نسلم صحة أنكحتهم.
قلنا: دليل ذلك: أن الله سبحانه وتعالى أضاف النساء إليهم فقال: (وامرأته حمالة الحطب)] المسد: 4 [، وقال: (امرأت فرعون)] التحريم: 11 [وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولدت من نكاح لا من سفاح "
(1)
.
(و) إذا ثبتت صحتها ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين في (تحريم
المحرمات).
فعلى هذا إذا طلق الكافر زوجته ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج وإصابة ثم أسلما
لم يقرا عليه. وإن طلق امرأته أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عنده على ما بقي من طلاقها. وإن نكح الكتابية كتابي وأصابها بشرطه حلت لمطلقها ثلاثا، سواء كان المطلق مسلماً أو كافراً.
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 189 كتاب النكاح، باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم. بلفظ قوله صلى الله عليه وسلم:" خرجت من نكاح غير سفاح ".
وإن ظاهر الذمي من امرأته ثم أسلما فعليه كفارة الظهار؛ لقول الله سبحانه وتعا لى: (والذين يظاهرون من نسائهم 000) الاية] المجادلة: 3].
ويحرم عليهم في النكاح ما يحرم على المسلمين على ما ذكرنا في باب المحرمات في النكاح.
(ويقر ون) أي: الكفار (على) أنكحة (محرمة) بشرطين:
أحدهما: ما أشير إليه بقوله: (ما اعتقدوا حلها) أي: إباحتها؛ لأن ما
لا يعتقدون حله ليس من دينهم. فلا يقرون عليه؟ كالربا والسرقة.
الشرط الثانى: ما أشير إليه بقوله: (ولم يرتفعوا إلينا)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (فإن جاءوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً)] المائدة: 42].
فيدل هذا على أنهم يُخَلّون وأحكامهم إذا لم يجيئوا إلينا.
و"لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر"
(1)
.
ولم يعترض عليهم في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم.
ولأنه أسلم خلق كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على أنكحتهم ولم يكشف
عن كيفيتها.
فإذا لم يرتفعوا لم يعترض عليهم؛ لأنا صالحناهم على الإقرار على دينهم.
وعن أحمد في مجوسي تزوج كتابية أو اشترى نصرانية: يحول بينهما
الإمام.
فيخرج من هذا: أنهم لا يقرون على نكاح محرم.
(فإن أتونا قبل عقده: عقدناه على حُكمنا) يعني: لم نمضه إلا على الوجه الصحيح، مثل: أنكحة المسلمين بالإيجاب والقبول والولي والشهود؛ لأنه
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2987) 3: 1151 أبواب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب.
لا حاجة إلى عقد يخالف ذلك. قال الله سبحانه وتعالى: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط)] المائدة: 42].
(وإن أتوْنا بعده) أي: بعد أن عقد النكاح فيما بينهم، (أو أسلم الزوجان) على نكاح لم نتعرض لكيفية العقد من وجود صيغة أو ولي أو شهود.
نقل مهنا: من أسلم على شيء فهو عليه.
قال ابن عبدالبر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معاً في حال واحده: أن لهما المقام على نكاحهما، ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع. وقد أسلم خلق كثيرون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم فأقروا على أنكحتهم، ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح ولا كيفيته.
إذا تقرر هذا (فإن كانت المرأة تباح) للزوج (إذاً) أي: حالة
(1)
الترافع؛ (كعقد في عدة فرغت) نصا
(2)
، (أو على أخت زوجة ماتت، أو) وقع (بلا شهود، أو) بلا (ولي، أو) بلا (صيغة: أقرا) على نكاحهما؛ لأن ابتداء النكاح حينئذ لا مانع منه. فلا مانع من استدامته؛ لأنه إذا لم يمنع الابتداء فا لاستدامة أولى.
(وإن) كانت الزوجة ممن (حرم ابتداء نكاحها الآن) أي: حالة
(3)
الترافع؛ (كذات محرم) من نسب أو رضاع، (أو في عدة) من غيره (لم تفرغ) حين الترافع، (أو) كانت (حبلى) حين الترافع (ولو) كان ذلك (من زنا) على الأصح، (أو) كان النكاح (شرط الخيار فيه مطلقا) بأن لم يقيد بمدة، (أو) شرط الخيار فيه (مدة لم تمض) حالة الترافع، (أو استدام نكاح مطلقته ثلاثاً ولو معتقداً حلها) مع وقوع الطلاق الثلاث:(فرق بينهما) على الأصح، فيما إذا كان المفسد مختلفا فيه؛ كالنكاح بشرط الخيار ونحوه إذا كان
(1)
في ج: في حالة.
(2)
في ج: فى حالة.
(3)
ساقط من أ.
ذلك قبل انقضائه؛ لأنه حال يمنع من ابتداء العقد. فمنع من استدامته؛ كنكاح ذوات المحارم.
ولأن من شرط النكاح اللزوم، والمشروط فيه الخيار لا يعتقدان لزومه؛ لجواز فسخه. فلا يقران عليه، لعدم جواز ابتدائه.
(وإن وطئ حربي حربية. واعتقداه نكاحاً: أقرا) عليه؛ لأنا لا نتعرض لكيفية النكاح بينهم.
(وإلا) أي: وإن لم يعتقداه نكاحاً (فلا) يفران عليه؛ لأنه ليس بنكاح عندهما.
وإنما لم نتعرض لما اعتقداه نكاحاً؛ تأسياً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا سفاح.
فيجب إنكاره والتفريق بينهما.
(ومتى صح) المهر (المسمى) في نكاح أقرا عليه: (أخدته) دون غيره؛ لكونه الواجب؛ لأنه مسمى صحيح في نكاح صحيح. فكان الواجب دون غيره؛ كتسمية السلم.
(وإن) فسد المسمى؛ كما لو كان خمرًا أو خنزيراً و (قبضت الفاسد كله: استقر)؛ لأنهما تقابضا بحكم الشرك. فيصح التقابض وبرئت ذمة من هو عليه؛ كما لو ئبايعا بيعاً فاسدًا وتقابضاه والتعويض للمقبوض بإبطاله يشق، لتطاول الزمان، وكثرة تصرفاتهم فى الحرام، ودي ذلك تنفير عن الاسلام. فعفى عنه؛ كما عفى عما تركوه من الفرائض والواجبات.
(وإن بقي) من الفاسد (شئ) لم تقبضه: (وجب قسطه) أى: قسط الباقى معتبرًا (من مهر المثل)؛ كأنه أصدقها شيئا صحيحاً قبضت بعضه.
(ويعتبر) القسط (فيما يدخله كيل) بالكيل، (أو) ما يدخله (وزن) بالوزن، (أو) ما يدخله (عَدّ به) أى: بالعد فى الأصح؛ لأن العرف فيه كذلك.
فلو أصدقها عشرة خنازيرفقبضت خمسة وجب لها قسط ما بقى وهو نصف
مهر المثل؛ لأنه لا قيمة لها، فاستوى كبيرها وصغيرها. وهذا المذهب.
وقيل: يعتبر في المعدود قيمته عند أهله؛ لأن أجزاء المعدود تختلف
بالكبر والصغر.
(ولو أسلما) أي: أسلم الزوجان وقد أصدقها خمرًا (فانقلبت خمر)
أصدقها إياها (خلاً، ثم طلق ولم يدخل) أي: قبل دخوله بالزوجة: (رجع بنصفه) أي: نصف الخل في الأصح.
والقول الثانى: لا يرجع بشيء.
(ولو تلف الخل قبل طلاقه: رجع) إذا طلقها (بنصف مثله)، لأنه مثلي.
(وإن) كان المسمى فاسدًا؛ كالخمر والخنزير و (لم تقبض) منه (شيئاً،
أو) تزوجها ولم (يُسمِّ) لها (مهر) في العقد: (فلها مهر مثلها) في الصورتين، لأن المسمى في الصورة الأولى لا يجوز إيجابه في الحكم، ولا يكون صداقا لمسلمة، ولا في نكاح مسلم: فبطل، وإذا بطل رجع إلى مهر المثل.
وأما في الصورة الثانية وهي: ما إذا لم يسم لها مهر؛ فلأنه نكاح خلا عن تسمية يجب فيه مهر المثل؛ كالمسلمة. وإنما وجب المهر في حق المسلمة؛ لئلا تصير كالموهوبة. وهذا يوجد في حق الذمية.
] فصل: فيما إذا أسلم الزوجان]
(فصل. وإن أسلم الزوجان) الكافران (معاً) أي: بأن تلفظا با لإسلام دفعة واحدة؛ لئلا يسبق أحدهما صاحبه فيفسد النكاح. فهما على نكاحهما؛ لأنه لم يوجد منهما اختلاف دين.
وقد روى أبو داود عن ابن عباس: " أن رجلا جاء مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
ثم جاءت امرأته مسلمة بعده. فقال: يا رسول الله لِلَّهِ إنها كانت أسلمت معي فردها عليه "
(1)
.
(أو) أسلم (زوج كتابية)، سواء كان كتابيا أو غير كتابي:(فـ) هما (على نكاحهما)؛ لأن للمسلم ابتداء نكاح الكتابية فاستدامته أولى.
ولا خلاف في هذا بين القائلين بجواز نكاح الكتابية للمسلم. ولا فرق في ذلك بين كون إسلامه قبل الدخول أو بعده.
(وإن أسلمت كتابية تحت كافر) قبل دخول انفسخ نكاحها، سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي، إذ لا يجوز لكافر نكاح المسلمة.
(أو) أسلم (أحد) زوجين (غير كتابيين قبل دخول: انفسخ) نكاحهما.
أما إذا كانت الزوجة هى المسلمة؛ فلقوله سبحانه وتعالى: (فلاترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)] الممتحنه: 10].
وأما إذا كان الزوج هو المسلم وليست الزوجة كتابية؛ فلقوله سبحانه
وتعا لى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)] الممتحنة: 10].
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2238) 2: 271 تفريع أبواب الطلاق، باب إذا أسلم أحد الزوجين.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(2059) 1: 232
ولأن اختلاف الدين سبب للعداوة والبغضاء بدليل قوله سبحانه ولعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)] المجادلة: 22].
والمقصود من النكاح: الاتفاق والائتلاف. فيكون منافيا؛ لاختلاف الدين. فكان من الزوج سببا للفرقة؛ كالطلاق من الزوجة سببا لتخليصها من ربقة النكاح الذي يملكه الكافر بالعقد.
(ولها) أي: وللزوجة (نصف المهر: إن أسلم) الزوج (فقط) أي: وحده دونها على الأصح؛ لأن الفرقة جاءت من قبله بإسلامه. فيكون لها نصف المهر؛ كما لو طلقها.
(أو أسلما) يعني: أنه يكون لها نصف المهر أيضا إذا أسلما (وادعت سبقه) أي: أنه أسلم قبلها، وقال الزوج: بل هي سبقت فقولها. فتحلف أنه سبق بالإسلام وتأخذ نصف مهرها.
ووجه ذلك: أن المهر ثابت في ذمته إلى حين الفرقة وهو يدعي ما يسقطه.
فلا يقبل، ويكون القول قول من يثبته.
(أو قالا) أي: قال كل من الزوجين الكافرين اللذين أسلما: (سبق أحدنا) بالإسلام، (ولا نعلم عينه) يعني: فإنه يكون له نصف المهر في الأصح؛ لأن الأصل بقاؤه في ذمته، والمسقط مشكوك فيه. فيرجع إلى الأصل.
(وإن قال) الزوج: (أسلمنا معا فنحن على النكاح، فأنكرته) بأن قالت:
سبق أحدنا فانفسخ النكاح: (فقولها) في الأصح؛ لأن الظاهر معها إذ يبعد اتفاق الإسلام منهما دفعة واحدة، والقول قول من الظاهر معه. ولذلك كان القول قول صاحب اليد.
(وإن أسلم أحدهما) أي: أحد الزوجين غير الكتابيين (بعد الدخول: وقف الأمر إلى انقضاء العدة) على الأصح؛ لما روى مالك في " موطئه " عن ابن شهاب قال: "كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو
من شهر
(1)
. أسلمت يوم الفتح وبقى صفوان حتى شهد حنيناً والطائف وهو كافر ثم أسلم فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما. واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح "
(2)
.
قال ابن عبدالبر: وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده.
وقال ابن شهاب: " أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى
أتى اليمن فارتحلت حى قدمت عليه اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم، وقدم فبايع النبي صلى الله عليه وسلم. فثبتا على نكاحهما "
(3)
.
وقال ابن شبرمه: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته. فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما.
ويفارق ذلك ما قبل الدخول: فإنه لا عدة لها فتتعجل البينونة؛ كالمطلقة، وهاهنا لها عدة. فإذا انقضت تبينا وقوع الفرقة من حين أسلم الأول فلا تحتاج إلى عدة ثانيه؛ لأن اختلاف سبب الفرقة. فتحتسب الفرقه منه؛ كالطلاق.
إذا تقرر هذا (فإن أسلم الثاني) أي: المتأخر عن المتأخر عن الإسلام (قبله) أي: قبل انقضاء العدة: (فـ) ـهما (على نكاحهما.
وإلا) أي: وإن لم يسلم الثانى قبل انقضاء العدة (تبينا فسخه) أي: فسخ النكاح (منذ أسلم الاول) من الزوج أو الزوجة.
(فلو وطئ) الزوج الزوجه قبل انقضاء عدتها (ولم يسلم الثاني فيها) أي:
في العدة: (فلها مهر مثلها)؛ لأنا تبينا أنه وطئها بعد البينونة وانفساخ النكاح. فيكون واطئاً في غير ملك.
(وإن أسلم) الثاني قبل انقضاء العدة وبعد الوطء (فلا) مهر عليه؛ لأنا
تبينا أنه وطئها في نكاحه. فلم يكن عليه شيء.
(1)
أخرجه مالك في "موطئه "(45) 2: 429 كتاب النكاح، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله.
(2)
أخرجه مالك في "موطئه "(44) 2: 428 الموضع السابق.
(3)
أخرجه مالك في " موطئه "(46) 2: 429 الموضع السابق.
(وإن أسلمت قبله: فلها نفقة العدة ولو لم يسلم)؛ لأنه متمكن من الاستمتاع بها وإبقاء نكاحها بإسلامه في عدتها. فكان لها النفقة؛ كالرجعية. فإن قيل: إذا لم يسلم في عدتها تبينا أنها بانت من حين إسلامها فكيف تجب النفقة للبائن؟
قلنا: لأنه كان يمكن الزوج تلاقي نكاحها بإسلامه فكانت في معنى الرجعية.
(وإن أسلم قبلها: فلا) نفقة لها زمن العدة؛ لأنه لا سبيل له إلى تلاقي نكاحها. فأشبهت البائن، وسواء أسلمت بعد ذلك أو لم تسلم.
(وإن اختلفا) أي: الزوجان (في السابق) منهما إلى الإسلام، بأن قال الزوج: أسلمت قبلكِ فلا نفقة لك، وقالت المرأة: بل أنا المسلمة أولاً فلي النفقة، (أو جهل الأمر). قاله في " التنقيح ":(فقولها، ولها النفقة) في الأصح، لأن الأصل وجوبها. فلا يعدل عنه إلا بالبينة.
أما إن
(1)
اتفقا على أن إسلامها بعد إسلامه وقالت: أسلمت في العدة، وقال هو: بل بعدها فقوله، لأن الأصل عدم إسلامها في العدة.
(ويجب الصداق بكل حال)، لأنه استقر بالدخول. فلم يسقط بشيء،
فإن كان مسمى صحيحًا فهو لها؛ لأن أنكحة الكفار صحيحة يثبت لها حكم الصحة. ثم إن كان محرما وقد قبضته فليس لها غيره، لأنا لا نتعرض لما مضى مما تقابضاه. وإن لم تكن قبضته فلها مهر المثل، لأن المحرم لا يكون صداق المسلمة ولا في نكاح مسلم وقد صارت أحكامهم أحكام المسلمين.
ولا فرق في ذلك بين كونهما في دار الإسلام، أو دار الحرب أو كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام،؛ لأن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته بمكة لم تسلم وهي حينئذ دار حرب.
(1)
في ب: إذا.
ولأن أم حكيم أسلمت بمكة وزوجها عكرمة قد هرب إلى اليمن ثم أسلم المتخلف، وأقروا على أنكحتهم مع اختلاف الدين والدار.
فعلى هذا لو تزوج مسلم مقيم بدار الإسلام كتابية بدار الحرب صح نكاحه؛ لأنها امرأة يباح نكاحها إذا كانت بدار الإسلام. فأبيح نكاحها في دار الحرب؛ كالمسلمة. وعند المخالف: لا يصح.
(ومن هاجر إلينا بذمة مؤبدة، أو مسلماً، أو مسلمة والآخر بدار الحرب:
لم ينفسخ) أي: نكاحه. قاله في " الفروع "، يشير بهذا إلى خلاف أبي حنيفة فإنه يقول: ينفسخ النكاح في هذه الصور.
] فصل: إذا أسلم وتحته أكثر من أربع]
(فصل. وإن أسلم) كافر (وتحته أكثر من أربع) من النساء، (فأسلمن)
في عدتهن، (أو كنَّ) نساؤه (كتابيات) لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف، وأمر أن يختار منهن أربعا، فإن (اختار ولو) مع كونه (محرماً أربعا منهن ولو من ميتات) صح اختياره، لأن الاختيار استدامة للنكاح، وتعيين للمنكوحة. فصح من المحرم في الأصح. بخلاف ابتداء النكاح.
وإنما صح الاختيار من الميتات، لأن الاعتبار في الاختيار بحال ثبوته، وحال ثبوته كن أحياء.
(إن كان مكلفاً، وإلا) أي. وإن لم يكن مكلفا (وقف الأمر حتى يكفف)، سواء تزوجهن في عقد واحد أو في عقود، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر. نص على ذلك أحمد. وبه قال الحسن ومالك والليث والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفه وأبو يوسف: إن كان تزوجهن في عقد واحد انفسخ النكاح
في جميعهن، وإن كان في عقود فنكاح الأوائل صحيح ونكاح ما زاد على أربع باطل؛ لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع فتحريمه من طريق الجمع. فلا يكون مخيرًا فيه بعد الاسلام؛ كما لو تزوجت المرأة بزوجين في حال الكفر ثم أسلموا. ولنا: ما روى قيس بن الحارث قال: " أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت للنبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: اختر منهن أربعًا "
(1)
. رواه الإمام أحمد وأبو داود.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2241) 272: 2 تفريع أبواب الطلاق، باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1952) 628: 1 كتاب النكاح، بالب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة.
وروى محمد بن سويد الثقفي: " أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة
فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً "
(1)
. رواه الترمذي.
ورواه مالك في " موطئه " عن الزهري مرسلاً. ورواه الشافعي في "مسنده "
عن ابن علية عن معمر عن الزهرى عن سالم عن أبيه، إلا أنه غير محفوظ، غلط فيه معمر، وخالف فيه أصحاب الزهري. كذلك قال الإمام أحمد والترمذي وغيرهما.
ولأن كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه جاز له إمساكه بنكاح مطلق فى حال الشرك؛ كما لو تزوجهن بغير شهود.
وأما إذا تزوجت زوجين فنكاح الثانى باطل، وإن جمعت بينهما لم يصح؛
لأنها لم تملكه جميع بضعها.
ولأن ذلك ليس بسائغ عند أحد من أهل الأديان.
ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه. بخلاف الرجل.
وأما كون الأمر يوقف مع عدم تكليف الزوج إلى أن يكلف؛ لأن غير المكلف لا حكم لقوله، وليس لوليه الاختيار؛ لأن ذلك حق يتعلق بالشهوة فلا يقوم غيره مقامه. فإذا كلف كان له أن يختار حينئذ.
(ويعتزل) وجوبًا (المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات)؛ لئلا يكون
واطئاً لأكثر من أربع فإن كن خمسا ففارق إحداهن فله وطء، ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة، وإن كن ستا ففارق اثنتين فله وطء اثنتين من المختارات، وإن كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطء واحدة من المختارات، ولا يطأ الباقيات حتى تنقضي عدة المفارقات. فكلما
(1)
أخرجه الترمذى في " جامعه "(1128) 3: 435 كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده عشر نسوة.
وأخرجه الشافعي في " مسنده"(43) 2: 16 كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح. ولم أره في " الموطا ".
انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطء واحدة من المختارات.
قال في " شرح المقنع ": هذا قياس المذهب.
وإذا تزوج أختين فدخل بهما ثم أسلم وأسلما معه فاختار إحداهما لم يطأها
حتى تنقضي عدة أختها؛ لئلا يكون واطئًا لإحدى الأختين في عدة الأخرى.
وإن كان إسلامهم قبل الدخول بالأختين فاختار إحداهما فلا مهر للأخرى؛
لأننا تبينا أن الفرقة وقعت بإسلامهم جميعاً. فلا يستحق مهرًا؛ كما لو فسخ
النكاح لعيب في إحداهما.
ولأنه نكاح لا يقر عليه في الإسلام. فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها؛ كما
لو تزوج المجوسي أخته ثم أسلما قبل الدخول.
وهكذا الحكم فيما زاد على الأربع إذا اسلموا جميعًا قبل الدخول فاختار
أربعًا منهن فإنه لا مهر للبواقي. وسيأتي التنبيه على ذلك في المتن.
(وأولها) أي: أول العدة: (من حين اختياره) للمختارات (أو يَمُتنَ) المفارقات يعني: أنه يجب عليه أن يعتزل المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات أو حتى يمتن.
(وإن أسلم بعضهن) أي: بعض الزوجات الزائدات على أربع (وليس
الباقي) أي: المتخلفات عن الإسلام (كتابيات ملك إمساكاً وفسخاً في مسلمة
وله تعجيل إمساك مطلقا، وتأخيره حتى تنقضي عدة البقية أو يسلمن) من الزوجات (خاصة) يعني: فليس له أن يختار واحدة ممن لم يسلمن. فمن أسلم وتحته ثمان نسوة فأسلم أربع منهن فله اختيارهن، وله الوقوف إلى أن يسلم البواقي. فإن مات اللائي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله اختيار الميتات، وله اختيار الباقيات، وله اختيار بعض هؤلاء وبعض هؤلاء؛ لأن الاختيار ليس بعقد، وإنما هو تصحيح العقد الأول فيهن.
(فإن لم يسلمن) الباقيات (أو أسلمن وقد اختار أربعا فعدتهن منذ أسلم)
في الأصح؛ لأن الإسلام هو السبب الذي منع استدامة نكاحها. وإنما كانت
مبهمة قبل الاختيار، إذ ليست إحداهن أولى بالفسخ من غيرها فبالاختيار تعينت، وكان العدة من حين السبب لا من حين التعيين.
(فإن لم يختر) من نسائه ما للفسخ وما للإمساك: (أجبر) على الاختيار (بحبس ثم تعزير) إن حبس ليختار فلم يختر، لأن الاختيار حق عليه. فألزم بالخروج منه إذا امتنع، كسائر الحقوق.
(وعليه نفقتهن) أي: نفقة جميعهن (إلى أن يختار)، لأن نفقة زوجاته واجبة عليه، وقبل الاختيار لم تتعين زوجاته من غيرهن بتفريطه. فيلزمه نفقتهن جميعًا؛ لأنه ليست إحداهن أولى بالنفقة من الأخرى.
(ويكفي) في الاختيار أن يقول: (أمسكت هؤلاء، أو تركت هؤلاء، أو اخترت هذه لفسخ، أو) اخترت هذه (لإمساك، ونحوه) أي: ونحو هذه الكلمات، كأبقيت هذه، وباعدت هذه.
(ويحصل اختيار بوطء أو طلاق)، لأنهما لا يكونان إلا في زوجة، (لا بظهار أو إيلاء) في الأصح، لأن الظهار والإيلاء كما يدلان على التصرف في المنكوحة يدلان على اختيار تركها. فيتعارض الاختيار وعدمه. فلا يثبت واحد منهما.
(وإن وطئ الكل) قبل التعيين بالقول: (تعين الأول) أي: الموطوءات
أولاً للإمساك، وتعينت الموطوءة بعد أربع وما بعدها للترك.
(وإن طلق الكل ثلاث ا: أُخرج) منهن (أربع بقرعة) للاختيار في الأصح
فكن المختارات، لأنه لا يملك الطلاق على أكثر من أربع. فإذا أوقع
(1)
الطلاق على الجميع أخرج الأربع المطلقات بالقرعة، كما لو طلق أربعًا منهن لابعينهن.
واكتفى بقوله: فكن المختارات عن قوله: أنه يقع الطلاق بهن دون غيرهن؛ لأنه إذا اختاره كن زوجات فوقع الطلاق بهن دون غيرهن.
(وله نكاح البواقي) يعني: بعد عدة الأربع المخرجات بالقرعة، لأن الطلاق لم يقع بهن.
(1)
في ب: وقع.
(و) يجب (المهر لمن انفسخ نكاحها بالاختيار: إن كان دخل بها)؛ لأنه
مهر استقر بالدخول. فلم يسقطه شيء، كالدين.
(وإلا) أي: وإن لم يكن دخل بها (فلا) يجب.
قال فى " الفروع ": والمهر لمن انفسخ نكاحها بالاختيار. قاله
الأصحاب. انتهى.
وعبارته في " التنقيح " كما في المتن.
(ولا يصح تعليق اختيار بشرط). فلا يصح أن يقول: كلما أسلمت واحدة
فقد اخترتها.
(ولا) يصح (فسخ نكاح مسلمة لم يتقدمها إسلام أربع) سواها، وليس
(1)
فيهن أربع كتابيات
(2)
؛ لأن الفسخ إنما يكون فيما زاد على الأربع، والاختيار للأربع، وهذه من جملة الأربع، إلا أن يزيد بالفسخ الطلاق فيقع، لأنه كناية. ويكون طلاقه إياها اختيارًا لها.
وإن قال: اخترت فلانة قبل أن تسلم لم يصح اختياره، لأنه ليس بوقت الاختيار. وإن فسخ نكاحها لم ينفسخ، لأنه لما لم يجز الاختيار لم يجز الفسخ. (وإن مات) من أسلم على أكثر من أربع نسوة (قبل اختيار) لأربع منهن، (فعلى الجميع) أي: جميع النسوة اللاتي أسلم عليهن (أطول الأمرين: من عدة وفاة، أو ثلاثة قروء) إن كن ممن يحضن، وحامل بوضعه، وصغيرة وآيسة بعدة وفاة، لتقضي العدة بيقين، لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة، وعدة المختارة عدة الوفاة، وعدة المفارقة ثلاثة قروء فأوجبنا أطولهما. ولأن فيهن زوجات وفيهن موطوءات بشبهة فالزوجة عليها عدة الوفاة والموطوءة بشبهة عليها عدة؛ كعدة الطلاق لتقضي العدة بيقين، كما قلنا فيمن نسي صلاة لا يعلم عينها: عليه خمس صلوات.
(1)
ساقط من أوب.
(2)
ساقط من أوب.
(ويرث منه) أي: من الميت (أربع) ممن أسلم عليهن (بقرعة).
قال في " شرح المقنع " قي قياس المذهب: وعند الشافعي يوقف حتى يصطلحن. انتهى.
(وإن أسلم) كافر (وتحته أختان) فأسلمتا معه أو كن كتابيات. (اختار منهما واحدة)؛ لما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه قال: " أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرنى النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق إحداهما "
(1)
. رواه الخمسة.
وفي لفظ الترمذي: " اختر أيهما شئت "
(2)
.
ولأن المبقاة امرأة يجوز له ابتداء نكاحها. فجاز له استدامته؛ كغيرها.
ولأن أنكحة الكفار صحيحة وإنما حرم الجمع وقد أزاله. فصح؟ كما لو طلق إحداههما قبل الإسلام. ولا مهر لغير المختارة إن لم يكن دخل بها؛ لأنه نكاح لا يقر عليه في الإسلام. فلا يجب به مهر إذا لم يدخل بها؛ كما لو تزوج المجوسي أخته ثم أسلما قبل الدخول.
وهكذا الحكم فيما زاد على الأربع إذا أسلموا جميعًا قبل الدخول فاختار أربعا وانفسخ نكاح البواقي فإنه لا مهر لمن انفسخ نكاحهن؛ لأن النكاح ارتفع من أصله؛ لأنه ممنوع من ابتدائه واستدامته. فوجوده كعدمه.
(وإن كانتا) أي: من أسلم عليهما كافر
(3)
(أمًّا وبنتاً، فسد نكاحهما: إن
كان دخل بالأم).
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2243) 2: 272 تفريع أبواب الطلاق، باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1951) 1: 627 كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أختان.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(18070) 4: 232.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1135) 3: 436 كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان.
(3)
في أوب: كافرًا.
أما فساد نكاح الأم؛ فلقوله سبحانه وتعالى: (وأمهات نسائكم)
] النساء: 23 [وهذه أم زوجته. فتدخل في عموم الآية.
ولأنها أم زوجته. فتحرم عليه؛ كما لو طلق بنتها في حالة شركه.
ولأنه لو تزوج البنت وحدها ثم طلقها حرمت عليه أمها إذا أسلم. فإذا لم يطلقها وتمسك بنكاحها فمن باب أولى.
وأما فساد نكاح البنت؛ فلأنها ربيبة مدخول بأمها.
قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
(وإلا) أي: وإن لم يكن دخل بالأم (فنكاحها) أي: فيفسد نكاح الأم (وحدها)؛ لأن الأم تحرم بمجرد العقد على ابنتها على التأبيد فلم يمكن اختيارها، والبنت لا تحرم قبل الدخول بأمها فتعين النكاح فيها. بخلاف الأختين.
] فصل: إذا أسلم حر وتحته إماء]
(فصل. وإن أسلم) حر (وتحته) زوجات (إماء) أكثر من أربع، (فأسلمن معه، أو) كن مدخولا بهن، أو خلا بهن فأسلمن (في العدة)؛ لأن إسلامهن في العدة كإسلامهن معه (مطلقا) أي: سواء كان إسلامهن قبله أو بعده؛ لأن العدة حيث وجبت لا تشترط المعية في الإسلام، (اختار) منهن (إن جاز له نكاحهن) أي: نكاح الإماء (وقت اجتماع إسلامه بإسلامهن) بأن كان عادمًا للطول خائفاً العنت. فيجوز أن يختار منهن واحدة، فإن كانت لا تعفه فله أن يختار منهن من تعفه على الأصح.
(وإلا) أي: وإن لم يجز له نكاح واحدة منهن وقت اجتماع إسلامه بإسلامهن: (فسد) نكاحهن؛ لأنهم لو كانوا جميعا مسلمين لم يجز ابتداء نكاح واحدة منهن. فكذلك استدامته.
(فإن كان) زوج الإماء (موسرًا) قبل إسلامهن، (فلم يسلمن حتى أعسر)
فله الاختيار منهن؛ لأن شرائط النكاح إنما تعتبر في وقت الاختيار فلو أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر فليس له الاختيار؛ لما تقدم.
(او أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي: فله الاختيار) منهن؛
لأن العبرة بحالة الاختيار وهي حالة اجتماعهم على الإسلام، وحالة اجتماعهما على الإسلام كانت أمة.
(وإن عتقت) إحداهن (ثم أسلمت ثم أسلمن) أي: البواقي لم يكن له أن
يختار من الإماء، وتعينت التي أسلمت أولاً إن كانت تعفه؛ لأنه مالك لعصمة حرة حين اجتماعهما على الإسلام.
(أو عتقت) واحدة من الإماء (ثم أسلمن) أي: البواقي غير من عتقت
(ثم أسلمت) المعتقة تعينت إن كانت تعفه، ولم يكن له أن يختار من البواقي في
الأصح.
قال في " الإنصاف ". تنبيه: مفهوم قوله: وإن عتقت ثم أسلمت لم يكن
له الاختيار من البواقي: انها لو عتقت ثم أسلمت بعد إسلامهن كان له الاختيار، وهو أحد الوجهين.
والوجه الثانى. ليس له الاختيار بل تتعين الأولى إن كانت تعفه، وهو المذهب قدمه في " الفروع ". انتهى.
(أو عتقت) إحداهن (بين إسلامه وإسلامها تعينت الأولى إن كانت تعفه) وانفسخ نكاح البواقي في الصور الثلاث؛ لأن البواقى لا يصح نكاحهن إلا مع الحاجة وهي عدم الطول وخوف العنت، وذلك غير موجود هاهنا؛ لأن العفة حصلت له بالحرة وهي في نكاحه، ومتى قدر على نكاح حرة تعفه لم يجز له نكاح أمة فلذلك تعينت.
وعلم مما تقدم أنه لو عتقت إحداهن بعد إسملامه وإسلامها لم يؤثر؛ لأن الاعتبار في ثبوت الاختيار بحالة اختلاف الدين لا بحالة الاتفاق فيه، وثبوت النكاح والحرية إنما طرأت هنا بعد ثبوت النكاح، ولهذا كان له حينئذ ابتداء نكاحها فكذلك استدامته فلذلك لم يؤثر، ويختار منهن؛ لأنهن في باب النكاح سواءفيختار من جميعهن.
(وإن أسلم) حر (وتحته حرة وإماء، فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن: انفسخ نكاحهن، وتعينت الحرة: إن كان تعفه)؛ لأنه قادر على الحرة التي تعفه فلا يختار أمة عليها.
ومحل (هذا: إن لم يعتقن) الإماء (ثم يسلمن فى العدة. فإن وجد ذلك فكالحرائر) فله أن يختار منهن أربعًا.
وإن أسلمت الحرة معه دون الإماء ثبت نكاحها وانقطعت عصمة الإماء، وابتداء عدتهن من حين أسلم.
وإن أسلم الإماء دون الحرة ولم تسلم الحرة حتى انقضت عدتها بانت باختلاف الدين، وله أن يختار من الإماء مع وجود الشرطين فيه؛ لأنه لم يقدر على الحرة.
وليس له أن يختار من الإماء قبل انقضاء عدة الحرة؛ لأننا لا نعلم أنها
لا تسلم في عدتها.
وإن طلق الحرة ثلاثا قبل إسلامها ثم لم تسلم في عدتها لم يقع الطلاق؛ لأنا
تبينا أن النكاح انفسخ باختلاف الدين. وإن أسلمت في عدتها بان أن نكاحها كان ثابتا ووقع فيه الطلاق.
(وإن أسلم عبد وتحته إماء فأسلمن معه، أو) أسلمن متفرقات (في العدة، ثم عتق أو لا) يعني: أو لم يعتق: (اختار) منهن (ثنتين) فقط؛ لأن العبد لا يحل له أكثر من ثنتين.
ولأن السبب الموجب لفسخ نكاح الزائد على الثنتين قائم، وهو كونهم مسلمين في حال رقه، وهذا موجود ولا يزول بعتقه بعد ذلك.
(وإن أسلم وعتق ثم أسلمن، أو أسلمن تم عتق ثم أسلم: اختار أربعًا بشرطه) وهو عدم الطول وخوف العنت؛ لأن السبب الموجب لبقاء النكاح بينهم هو اجتماعهم في الإسلام وقد حصل وهو حر؛ لأنه يجوز له ابتداء نكاحهن حينئذ، فيجوز له إبقاؤه.
(ولو كان تحته) أي: تحت العبد (حرائر فأسلمن معه: لم يكن لهن خيار الفسخ).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. اختاره المصنف يعنى: الموفق وغيره.
قال القاضي وابن عقيل: هذا قياس المذهب.
وقال القاضي في " الجامع ": هو كالعيب الحادث. انتهى.
(ولو أسلمت من تزوجت باثنين في عقد: لم يكن لها أن تختار أحدهما،
ولو اسلموا معًا).
قال في " الإنصاف ": ذكره القاضي محل وفاق. انتهى.
] فصل: إذا ارتد الزوجان قبل الدخول]
(فصل. وإن ارتد أحد الزوجين، أو هما) أي: أو الزوجان (معاً، قبل الدخول: انفسخ النكاح) في قول عامة أهل العلم، إلا أنه حكي عن داود: أنه لا ينفسخ بالردة؛ لأن الأصل بقاء النكاح.
ولنا: قول الله سبحانه وتعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)
] الممتحنة: 10 [، وقوله سبحانه وتعالى: (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن)] الممتحنه: 10].
ولأن الارتداد اختلاف دين وقع قبل الإصابة. فوجب فسخ النكاح؛ كما لو أسلمت تحت كافر.
(ولها) أي: وللزوجة (نصف المهر: إن سبقها) زوجها با لارتداد، (أو ارتد) الزوج (وحده) دون الزوجة، لأن الفرقة جاءت من قبل الزوج. فتنصف المهر بها، كالطلاق.
وعلم مما تقدم أنها إن كانت هي السابقة بالارتداد أو كانت هي المرتده وحدها: أنه لا مهر لها؛ لأن الفرقه جاءت من قبلها. فسقط بذلك مهرها؛ كما لو أرضعت قبل الدخول من يفسخ به نكاحها.
(وتقف فُرقة) بردة (بعد دخول، على انقضاء عدة) على الأصح، لأن الردة لفظ تقع به الفرقة. فإذا وجد بعد الدخول جاز أن يقف على انقضاء العدة؛ كالطلاق الرجعي، أو نقول اختلاف
(1)
دين بعد الإصابة. فلا يوجب فسخه في الحال؛ كإسلام الحربية تحت الحربي.
(1)
في أ: اخلاف.
(وتسقط نفقة العدة، بردتها وحدها)؟ لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها وتلافي نكاحها. فلم تكن لها نفقة، كما بعد العده.
وعلم مما تقدم أنه لو كان هو المرتد كان عليه نفقه العدة؟ لأنه لا سبيل إلى رجعتها وتلافي نكاحها بعوده إلى الإسلام. أشبه زوج المطلقة طلاقا رجعيا. (وإن لم يعد) المرتد منهما إلى الإسلام في العدة (فوطأها فيها، أو طلق: وجب المهر) بوطئها في العدة، (ولم يقع الطلاق)، لأنا تبينا أن الفرقة وقعت حين اختلف الدينان، وان الوطء وقع في غير زوجة. ولا حد عليه بهذا الوطء، لشبهة النكاح.
(وإن انتقلا) أي: الزوجان (او احدهما إلى دين لا يمر عليه) المنتقل؟ كاليهودي يتنصر، والنصرانى يتهود، (او تمجس كتابي تحته كتابية،. او تمجست) الكتابية (دونه) أي: دون زوجها الكتابي: (فكردة) يعني: أن الفرقة تقف إلى انقضاء العدة إذا كان ذلك بعد الدخول، وتتنجز إذا كان ذلك قبل الدخول، لأن ذلك انتقال إلى دين قد أقر ببطلانه. فلم يقر عليه؟ كالمرتد. والله سبحانه وتعالى اعلم.
[كتاب الصداق]
هذا (كتاب الصداق. وهو: العوض المسمى في عقد نكاح، وبعده) أي. بعد عقد النكاح.
وللصداق تسعه أسماء: الصداق، والصدقة، والمهر، والنِحلة،
والفر يضة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباء.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أدوا العلائق. قيل: وما العلائق؟ قال: ما تراضى
عليه الأهلون "
(1)
.
وروي عن عمر أنه قال: " في الأمة يطأها المشتري: يردها ويرد معها عقرها ".
وقاله مهلهل:
انكحها فقدها الأراقم
(2)
في جنب وكان الحباء من أدم
ويقال: أصدقت المرأة ومهرتها، ولا يقال. أمهرتها.
(وهو) أي: الصداق (مشروع في نكاح).
والأ صل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب؛ فقوله سبحانه وتعالى: (وءاتوا النساء صدقاتهن نِحلة)] النساء: 4].
قال أبو عبيد: يعني: عن طيب نفس به كما تطيب النفس بالهبة.
وقيل: النحلة الهبة. والصداق في معناها؛ لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه. وجُعل الصداق للمرأة، فكأنه عطية بغير عوض.
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(10) 3: 244 باب المهر.
(2)
في ب: الأرقم.
وقيل: نحلة من الله تعالى للنساء.
وأما السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وزوج بناته على صدقات. ولم يتركه في النكاح.
وأجمع المسلمون على مشروعيته.
(وتستحب تسميته) أي: تسمية الصداق (فيه) أي: في النكاح، لقوله سبحانه وتعالى:(وأحِل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين)] النساء: 24].
و" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي زوجه الموهوبة: هل من شيء تصدقها؛ قال:
لا أجد شيئاً. قال: التمس ولو خاتما من حديد. فلم يجد شيئا فزوجه إياها بما معه من القرآن "
(1)
. متفق عليه.
ولأن تسميته أقطع للنزاع فيه.
وليس ذكره شرطاً، بدليل قوله سبحانه وتعالى:(لاجناح عليكم إن طلقتم النساء ما ل تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة)] البقرة: 236].
وروي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً امرأة ولم يسمِّ لها مهرًا ".
(و) يستحب (تخفيفه) أي: تخفيف الصداق، لما روت عائشة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة "
(2)
. رواه أبو حفص بإسناده. وروي أبو هريرة " أن رجلا تزوج امرأة من الأنصار. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
على كم تزوجتها؟ فقال: على أربع أواق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق، تنحتون الفضة من عروق هذا الجبل "
(3)
. رواه مسلم.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4842) 1973: 5 كتاب النكاح، باب السلطان ولي.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1425) 2: 1040 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن
…
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده "(25162) 6: 145 عن القاسم بن محمد عن عائشة.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1424) 2: 1040 كتاب النكاح، باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها.
(و) يستحب (أن يكون) الصداق (من أربعمائة) من دراهم الفضة، (وهو) أي: الصداق الذي هو أربعمائة درهم من الفضة: (صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم إلى خمسمائة) درهم من الفضة، (وهي) أي: الخمسمائة درهم: (صداق أزواجه) صلى الله عليه وسلم؛ لما روى أبو العجفاء قال: سمعت عمر يقول: " لا تغلوا في صُدُق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم. ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه أكثر من ثنتي عشر أوقية"
(1)
. رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وروى أبو سلمة قال: " سألت عائشة كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي
(2)
عشر أوقية وَنشًّا
(3)
. قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا. قالت: نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم "
(4)
. رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
(وإن زاد) الصداق على ما ذكر (فلا بأس) أي: فلا يكره؛ لأن أم حبيبة
روت " أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة، زوّجها النجاشى وأمهرها أربعة آلاف، وجهزها من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، فلم
(1)
أخرجه أبو داود فى " سننه "(2106) 2: 235 كتاب النكاح، باب الصداق.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1114) 3: 422 كتاب النكاح، باب منه.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3349) 118: 6 كتاب النكاح، القسط في الأصدقة.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1887) 607: 1 كتاب النكاح، باب صداق النساء.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(340) 1: 48.
(2)
في ب: اثني.
(3)
في الأصول: ونش.
(4)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1426) 2: 1042 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخا تم حديد
…
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2105) 2: 234 كتاب النكاح، باب الصداق.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3347) 116: 6 كتاب النكاح، القسط في الأصدقة.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1886) 607: 1 كتاب النكاح، باب صداق النساء.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(24670) 6: 94.
يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ "
(1)
. رواه أحمد والنسائي.
ولو كره ذلك لأنكره.
(وكان له صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلا مهر.
ولا يتقدَّر) الصداق (فكل ما صح) أن يكون (ثمناً، أو) صح أن يكون (أجرة صح) أن يكون (مهراً وإن قلّ).
قال في " الإنصاف ": هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
واشترط الخرقي: أن يكون له نصف يحصل، فلا يجوز على فلس ونحوه. وتبعه على ذلك ابن عقيل في " الفصول " والمصنف يعني: الموفق والشارح، وفسره بنصف متمول عادة.
قال الزركشي: وليس في كلام أحمد هذا الشرط وكذا كثير من أصحابه حتى
بالغ ابن عقيل في ضمن كلام له. فجوز الصداق بالحبة والثمرة التي ينتبذ مثلها. قال الزركشي: ولا يعرف ذلك. انتهى.
والأصل في ذلك: ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن رجلا أعطى امرأة صداقاً ملء يديه طعاماً كانت له حلالاً "
(2)
. رواه أحمد وأبو داود بمعناه. وروى عامر بن ربيعة " أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضيت من مالك ونفسك بنعلين؟ فقالت: نعم. قال: فأجازه "
(3)
. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
إذا تقرر هذا فإن التزويج يصح على عين ودين ومعجل ومؤجل، (ولو على
(1)
أخرجه النسائي في " سننه "(3350) 119: 6 كتاب النكاح، القسط في الأصدقه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(27446) 6: 427.
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده "(14866) 3: 355.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1113) 420: 3 كتاب النكاح، باب ما جاء في مهور النساء.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1888) 608: 1 كتاب النكاح، باب صداق النساء. بلفظ:" أن رجلا من بني فزارة تزوج على نعلين. فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه ".
وأخرجه أحمد في مسنده " (15711) 3: 445 ولفظه مثل لفظ ابن ماجه.
منفعة زوج، أو) منفعة (حر غيره) أي: غير الزوج (معلومةٍ) بالجر صفة لمنفعة، (مدة معلومة) على الأصح؛ (كرعاية غنمها مدة معلومة، أو عمل معلوم منه) أي: من الز وج (أو) من (غيره؛ كخياطة ثوبها، ورد قِنّها) أي: قن الزوجة (من محل معين).
ومنافع الحر والعبد سواء، فقد روى الدارقطني بإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق. قيل: وما العلائق؟ يا رسول الله! قال: ما تراضى عليه الأهلون، ولو قضيب
(1)
من أراك "
(2)
. ورواه الجوزجانى.
وقال أبو حنيفة: منافع الحر لا يجوز أن تكون صداقاً، لأنها ليست مالا، وإنما قال الله سبحانه وتعالى:(أن تبتغوا بأموالكم)] النساء: 24].
ولنا: قول الله سبحانه وتعالى: (قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين
على أن تأجرنى ثمانى حجج)] القصص: 27 [.
ولأن منفعه الحر يجوز العوض عنها في الإجارة. فجازت صداقاً، كمنفعة العبد.
وقول من يقول: إنها ليست مالاً ممنوع فإنه يجوز المعاوضة عنها وبها. ثم
إن لم تكن مالاً فقد أجريت مجرى المال.
وعلم مما تقدم أنه لو كانت المنفعة مجهولة؛ كرد عبدها أين كان، وخدمتها فيما شاءت لم يصح كون ذلك صداقا، لأنه عقد معاوضة. فلم يصح كون المسمى مجهولا، كالثمن فى المبيع، والأجرة فى الإجارة.
(و) من أمثلة إصداقها عملاً معلومًا مثل: (تعليمها) أي: تعليم المنكوحة (معينا: من فقه، أو حديث، أو شعر مباح، أو أدب، أو صنعة، أو كتابة، ولو لم يعرفه) أي: يعرف العمل الذي أصدقها تعليمه في الأصح. (ويتعلمه ثم يعلمها)، لأن التعليم يكون في ذمته. فأشبه ما لو أصدقها مالاً في ذمته لا يقدر عليه حال الإصداق.
(1)
في ب: قضيباً.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(10) 3: 244 باب المهر.
ويجوز أن يقيم لها من يعلمها.
(وإن تعلمته) أي: تعلمت ما أصدقها تعليمه (من غيره) أي: غير الزوج: (لزمته أجرة تعليمها). وكذلك إن تعذر عليه تعليمها؛ كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر عليه خياطته. فلو جاءته
(1)
بإنسان غيرها فقالت: علم ما أصدقتني تعليمه هذا
(2)
الإنسان لم يلزمه، لأن المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها" كما لو استأجرته لخياطة ثوب معين فأتته بغيره، فقالت: خِط هذا.
ولأن المتعلمين يختلفون في التعليم اختلافا كثيرا وقد يكون له غرض في تعليمها فلا يجبر على تعليم غيرها.
فإن أتاها بإنسان غيره يعلمها لم يلزمها قبوله، لأن المعلمين يختلفون في التعليم، وقد يكون لها غرض في التعليم منه، لكونه زوجها.
ولأنه لما لم يلزمه تعليم غيرها لم يلزمها التعليم من غيره، قياسا لأحدهما على الآخر.
(وعليه) أي: على من أصدق امرأه تعليم شيء (بطلاقها قبل تعليم ودخول) بها: (نصف الأجرة) أي: نصف أجرة تعليم ما أصدقها تعليمه في الأصح، لأنها قد صارت أجنبية منه. فلا يؤمن في تعليمها الفتنة.
وعليه بطلاقها قبل تعليم (وبعد دخول: كلها) أي: كل الأجرة؛ لاستقرار ما أصدقها بالدخول.
(وإن علَّمها) ما أصدقها تعليمه (ثم سقط) الصداق بموجب: (رجع) الزوج على الزوجة (بالأجرة) أي: بنظير أجرة تعليمها.
(و) يرجع (مع تنصُّفه) أي: تنصف الصداق وقد علمها جميع ما أصدقها تعليمه (بنصفها) أي: نظير نصف أجرة تعليمها.
(1)
في ج: جاءت.
(2)
في ج: لهذا.
(ولو طلقها فوُجدت حافظة لما أصدقها) تعليمه، (وادعى تعليمها، وأنكرت) ذلك: (حلفت) في الأصح؛ لأن الأصل عدم تعليمه إياها.
وإن علمها ما أصدقها تعليمه ثم نسيته فليس عليه غير ذلك؛ لأنه قد وفى لها
بما شرط. وإنما تلف الصداق بعد القبض.
وإن كان كلما لقنها شيئاً نسيته لم يعتد بذلك تعليماً في العرف.
(وإن أصدقها) أي: أصدق رجل امرأة (تعليم شيء من القرآن ولو) كان
ما أصدقها تعليمه من القرآن (معينا: لم يصح) على الأصح، وفاقا لمالك وأبي حنيفة.
واحتج من أجازه، بما روى سهل بن سعد الساعدي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة. فقالت: إنى وهبت نفسي لك. فقامت طويلا. فقال رجل: يا رسول الله! زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال: هل عندك من شيء تصدقها؟ فقال: ما عندي إلا إزاري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إزارك إن أعطيتها جلسب ولا إزار لك. فالتمس شيئا. قال: لا أجد. قال: التمس ولو خاتما من حديد. فالتمس فلم يجد شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن "
(1)
متفق عليه.
ولأنها منفعة معينة مباحة. فجاز جعلها صداقا؛ كتعليم قصيدة من الشعر المباح.
ولنا: أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال؛ لقوله سبحانه وتعالى:
(أن تبتغوا بأموالكم)] النساء: 24 [، وقوله سبحانه وتعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات)] النساء: 25 [. والطَّوْل: المال.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(4842) 5: 1973 كتاب النكاح، باب السلطان ولي.
وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1425) 2: 1040 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن
…
وقد روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة من القرآن. ثم قال:
لا تكون لأحد بعدك مهرًا "
(1)
. رواه النجاد بإسناده.
ولأن تعليم القرآن لا يجوز أن يقع إلا قربة لفاعله. فلم يصح أن يكون صداقاً؛ كالصوم والصلاة وتعليم الإيمان.
فأما حديث الموهوبة فقد قيل معناه: أنكحتكها بما معك من القرآن أي: زوجتكها؛ لأنك من أهل القرآن، كما زوج أبا طلحة على إسلامه؛ فروى ابن عبدالبر بإسناده "أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم. فقالت: أتزوجك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان؟ إن أسلمت تزوجت بك. قال: فأسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه "
(2)
.
وليس في الحديث الصحيح ذكر التعليم. ويحتمل أن يكون خاصًا بذلك الرجل كما روى النجاد.
(ومن تزوج) نساءً (أو خالع نساءً) وكان تزوجه لهن (بمهر) واحد،
(أو) كان خلعه إياهن على (عوضٍ واحد) ولم يقل بينهن بالسوية: (صح) في أصح الوجهين فيهما؛ لأن كلا من التزويج والخلع عقد معاوضة علم العوضان فيه. فصح؛ كما لو اشترى ثلاثة أعبد بثمن واحد فإنه يصح ولو اختلفت قيمتهم. كذلك هنا.
(وقُسم) المهر في التزويج والعوض في الخلع (بينهن) أي: بين الزوجات أو المختلعات (على قدو مهور مثلهن)، فينظر كم مهر المثل لكل
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(642) 1: 176 كتاب النكاح، باب تزويج الجارية الصغيرة.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2117) 2: 238 كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات، عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:"أترضى أن أزوجك فلانة؟ قال: نعم، وقال للمرأة: أترضين أن أزوجكِ فلاناً؟ قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل، ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية، له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقا، ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أنى أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهما فباعته بمائة ألف ".
واحدة ويجمع ذلك
(1)
ويقسم المهر أو العوض في الخلع عليه، لأن الصفقه اشتملت على أشياء مختلفى القيمة، فوجب تقسيط العوض عليها بالقيمه.
ومن صور ذلك: أن يأذن للحاكم أن يزوجهن لزيد على كذا، أو يكن بنات أعمام فيأذنّ لابن عمهن أن يزوجهن لزيد على كذلك، أو يوكلن الزوجات إنساناً أن يخلعهن من زوجهن على كذا.
(ولو) كان المتزوج (قال): أصدقتهن ألفاً (بينهن) بالسوية، أو قال المخالع: خلعتهن على ألف بينهن بالسوية (فـ) إن المهر أو العوض في الخلع يكون مقسوما بين الزوجات والمختلعات (على عددهن) بلا خلاف.
(1)
في أوب: لذلك.
] فصل: في تحديد عين الصداق]
(فصل. ويشترط علمه) أي: علم الصداق. (فلو أصدقها دارًا) مطلقة، (أو دابة) مطلقة، (أو ثوبا) مطلقا، (أو عبدا مطلقا.
أو) أصدقها (ردَّ عبدها اين كان.
أو) أصدقها (خدمتها) أي: أن يخدمها (مدة فيما شاءت.
او) أصدقها (ما يُثمر شجره) في هذا العام أو مطلقا، (ونحوه)؛ كما لو أصدقها حمل أمته أو ما تحمل.
(أو) أصدقها (متاع بيته) أي: ما في بيته من متاع ولا تعلمه، (ونحوه)، كتفويض المهر. ويأتي في المتن.
أو نكحها على أن يحج بها: (لم يصح) ما تقدم من التسمية " لأن هذه
الأشياء مجهولة قدرًا وصفة، والغرر والجهالة في ذلك كثير، ومثل ذلك
لا يحتمل والنزاع قائم، لأن ذلك لا أصل له يرجع إليه. فإن الدار والدابة والثوب كل واحد منهما على أنواع مختلفة بالكبر والصغر والجودة والرداءة. واسم الدابة يقع على
(1)
كل ما يدب. وهو مختلف الأجناس، وحمل البطن قد لا يولد حياً، والشجرة قد لا تثمر، والعبد قد لا يحصل؛ لأنه لا يعلم أين هو. والخدمة لم تعين جنسها فقد تكلفه ما لا يحسنه، ومتاع البيت لم يعلم ما هو. وكذا حملها في الحج مجهول لا يوقف له على حد فلذلك لا يصح شيء من ذلك؛ لكثرة الغرر والجهالة فيه، إذ لو وقع الطلاق لم يدر ما يرجع إليه. وكذا كل ما هو مجهول القدر أو الحصول: لم يصح أن يكون صداقا بلا خلاف.
(1)
في أوب: على اسم.
(وكل موضع لا تصح التسمية) فيه من عقد النكاح، (أو خلا العقد عن ذكره) أي: ذكر الصداق وهو تفويض البضع (يجب) للمرأة (مهر المثل بالعقد)؛ لأن المرأة لا تسلم إلا ببدل، ولم يسلم البدل وتعذر رد العوض. فوجب رده له؛ كما لو باعه سلعة بخمر فتلف عند المشتري.
(ولا يضر جهل يسير) بمعرفة الصداق على الأصح. (فلو أصدقها عبدا من عبيده، أو دابة من دوابه، أو قميصا من قمصانه، ونحوه)؛ كخاتم من خواتيمه: (صح، ولها أحدهم بقرعة) في المنصوص. فإنه قد روي عن أحمد في رواية مهنا فيمن تزوج على عبد من عبيده جائز. فإن كانوا عشرة عبيد يعطى من وسطهم، فإن تشاحا أقرع بينهما. قلت: وتستقيم القرعة في هذا؟ قال: نعم. ووجه ذلك: أن الجهالة في هذه يسيرة ويمكن التعيين بالقرعه. بخلاف ما
إذا أصدقها عبدًا مطلقا فإن الجهالة تكثر فلا يصح.
ويشترط للحصة فيما إذا أصدقها دابة من دوابه تعين النوع؛ كفرس من خيله، أو جمل من جماله، أو بغل من بغاله، أو حمار من حمره
(1)
، أو بقرة من بقره ونحو ذلك.
(و) لو أصدقها (قنطارا من زيت، أو قفيزا من حنطة، ونحوهما)؛ كقنطار من سمن، أو قفيز من شعير:(صح. ولها الوسط) على الأصح؛ لأن الجهالة في
(2)
مثل هذا يسيرة.
(ولا) يضر أيضًا في الصداق (غرر يرجى زواله) في الأصح. (فيصح)
أن يتزوجها (على) رقيق (معين آبق) يحصله لها، (أو) شيء يصح كونه صداقا (مغتصب يحصله) لها، (و) على (دين سلم، و) على (مبيع اشتراه) بكيل أو وزن أو عد أو ذرع (ولم يقبضه.
و) على (عبد موصوف)؛ لأنه قد يزول الغرر بتحصيل الآبق والمغتصب
(1)
في ب: حميره.
(2)
في أ: من.
واستيفاء المسلَم فيه وقبض المبيع وتحصيل العبد الموصوف؛ لأن احتمال الغرر فيما ذكر أولى من احتمال ترك التسمية والرجوع إلى مهر المثل. ويفارق عقد النكاح البيع والإجارة فإن العوض فيهما أحد ركنى العقد. بخلاف النكاح.
(فلو جاءها بقيمته) أي: جاء الزوج الزوجة بقيمة العبد الموصوف، (أو خالعته) أي: خالعت الزوجة الزوج (على ذلك) أي: على عبد موصوف (فجاءته بها) أي: بقيمة العبد الموصوف الذي خالعته عليه: (لم يلزم) من جعل له العبد الموصوف (قبولها) أي: قبول قيمته.
(و) يصح أن يتزوجها (على شرائه لها عبد زيد) في الأصح، (فإن تعذر شراؤه بقيمته: فلها قيمته)، لأنه عوض تعذر تسليمه فرجع إلى
(1)
قيمته؛ كما لو كان بيده فاستحق.
(و) إن تزوجها (على ألف: إن لم تكن له زوجة، أو) تزوجها على ألف: (إن لم يخرجها من دارها، أو) على ألف: إن لم يخرجها من (بلدها، وألفين: إن كانت له زوجة أو أخرجها) من دارها أو من بلدها، (ونحوه) أي: هذه الصور؛ كما لو تزوجها على ألفين إن كانت له سرية، وألف إن لم تكن له سرية:(صح) على الأصح؛ لأن خلو المرأة من ضرة أو سُرية تغايرها وتضيّق عليها من أكبر أغراضها المقصودة، وكذلك إبقاؤها في دارها أو بلدها بين أهلها وفي وطنها. ولذلك خفف صداقها؛ لتحصيل غرضها وتغليته عند فواته.
(لا) أن يتزوجها (على ألف: إن كان أبوها حيًا، وألفين: إن كان) أبو ها (ميتا) فإن ذلك لا يصح على الأصح؛ لأنه ليس له في موت أبيها غرض صحيح. وربما كانت حالة الأب غير معلومة فيكون مجهولا.
(وإن أصدقها عتقَ قن له: صح).
قال في " الإ"نصاف ": لو أصدقها عتق أمته صح بلا نزاع. انتهى.
(1)
ساقط من أ.
(لا) إن أصدقها (طلاق زوجة له، أو) أصدقها (جَعله) أي جعل
طلاق من في عصمته (إليها) أي: إلى التي يريد أن يتزوجها (إلى مدة) فإنه لايصح على الأصح؛ لما روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" لا يحل لرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى "
(1)
.
فعلى هذا يكون حكمه حكم ما لو أصدقها خمرا أو نحوه، (و) يكون (لها
مهر مثلها) فيستقر عليه مهر المثل إن دخل بها، ونصفه إن طلقها قبل الدخول. (ومن قال لسيدته: أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته) على ذلك عتق مجانا
ولم يلزمه أن يتزوجها، (أو قالت) سيدته (ابتداء: أعتقتك على أن تتزوجني عتق مجانا) ولم يلزمه أن يتزوجها؛ لأنها اشترطت عليه شرطا هوحق له. فلم يلزمه؛ كما لو شرطت عليه أن تهبه دنانير فيقبلها.
ولأن النكاح من الرجل لا عوض له. بخلاف نكاح المرأة.
(ومن قال: أعتق عبدك عني على أن أزوجك ابنتي) فأعتقه سيده على
ذلك، (لزمته قيمته) لمعقه (بعتقه) ولا يلزم القائل أن يزوج
(2)
ابنته لمعتق العبد، (كـ). ما لو قال إنسان لآخر:(أعتق عبدك على أن أبيعك عبدي) فأعتقه على ذلك فإنه تلزمه له قيمته، لا أن يبيع له عبده.
وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح. نص عليه. فإن طلب أكثر من قيهمته
أو تعذر عليه فلها قيمته. فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلؤمها قبوله؛ لأنه يفوت عليها الغرض في عتق أبيها.
(وما سُمى) من صداق مؤجلا (أو فرض) من الصداق (مؤجلاً، ولم
يُذكر محله) بأن قال: علي كذا مؤجلا: (صح). نص عليه، (ومحله: الفرقة) بينهما.
قال أحمد: إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(6647) 2: 177.
(2)
فى ج: يتزوج.
فرقة؛ لأن كل لفظ مطلق يحمل على العرف، والعرف في الصداق ترك المطالبة به إلى حين الفرقة بالموت أو البينونة فيحمل عليه فيصير
(1)
حينئذ معلوما بذلك. فأما أن يجعل الأجل مدة مجهولة؛ كقدوم زيد ونحوه لم يصح التأجيل لجهالته. وإنما صح المطلق؛ لأن أجله الفرقة بحكم العادة وقد صرفه هاهنا عن العادة ذكر الأجل ولم يبينه، فبقي مجهولا.
قال في " شرح المقنع ": فيحتمل أن تبطل التسمية، ويحتمل أن يبطل
التأجيل ويحل. انتهى.
(1)
ساقط من أوب.
] فصل: في الصداق المحرم]
(فصل. وإن تزوجها على خمر، أو خنزير، أو مال مغصوب: صح) النكاح ". نص عليه وعليه جماهير الأصحاب. وبه قال عامة الفقهاء منهم الشافعي وأصحاب الرأي؛ لأنه لو كان عوضه صحيحًا كان صحيحًا. فوجب أن يصح وإن كان عوضه فاسدا؛ كما لو كان مجهولا.
ولأنه عقد لا يبطل بجهالة العوض. فلا يفسد بتحريمه؛ كالخلع.
ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه
(1)
ولو عدم كان النكاح صحيحا فكذلك إذا فسد.
(ووجب) لها عليه (مهر المثل) بالغا ما بلغ؛ لأن فساد العوض يقتضي رد عوضه وقد تعذر رده لصحة النكاح. فيجب رد قيمته وهو مهر المثل.
ولأن ما يضمن بالعقد الفاسد اعتبرت قيمته بالغة ما بلغت كالمبيع؛ كمن اشترى شيئا بثمن فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته بالغة مابلغت.
(و) إن تزوجها (على عبد فخرج حرا، أو) خرج (مغصوبا: فلها قيمته
يوم عقد) في الأصح؛ لأن العقد وقع على التسمية. فكانت لها قيمته.
ولأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا له. فكانت لها قيمته؛ كما لو وجدته معيبا فردته. بخلاف ما إذا قال لها: أصدقتك هذا الحر أو هذا المغصوب فإنها رضيت بغير شيء لرضاها بما تعلم أنه ليس بمال، أو بما لا يقدر على تمليكها إياه. فصار وجود التسمية كعدمها. فكان لها مهر المثل.
(1)
في ج: عوضه.
وسواء سلمه إليها أو لم يسلمه؛ لأنه سلم ما لا يجوز تسليمه. فكان وجوده كعدمه.
(ولها في اثنين) أي: فيما إذا أصدقها رقيمين (بان أحدهما حرا): الرقيق (الآخر، وقيمة الحر) أي: الذي خرج حرا على الأصح. نص عليه.
وعنه: لها قيمتهما.
(وتُخيَّر) الزوجة (في عين) جعلت صداقاً؛ كدار وعبد (بَانَ جزء منها) أي: من العين (مستحقاً) بين أخذ الجزء الذي لم يستحق وأخذ قيمة الجزء المستحق، وبين أخذ قيمه العين كلها؛ لأن الشركة عيب. فكان له الفسخ؛ كما لو وجدت العين معيبة.
(أو عين) الزوج (ذرعها فبانت أقلّ) يعني: أن الزوجة تخير أيضا فيما إذا اصدقها ثوبا مثلا على أنه عشرة أذرع فبانت تسعة (بين أخذه و) أخذ (قيمة ما نقص) مما عينه لها من الذرع، (وبين) رد الثوب وأخذ (قيمة الجميع) أي: جميع الثوب. وهذا على الأصح في المسألتين.
(وما وجدت به) المرأة (عيباً) من صداق معين، (أو ناقصا صفة شرطتها: فكمبيع) أي: فحكم ذلك حكم المبيع إذا وجده المشتري معيبا أو ناقصا صفة شرطت في المبيع. أما إذا وجدت به عيبًا كثيرًا أو يسيرًا فإن لها رده؛ كالمبيع المعيب، وإذا ردته فإن كان متقوما فلها قيمته؛ لأن العقد لا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه. فيجب عليه قيمته؛ كما لو غصبها إياه فأتلفه، وإن كان مثليا فلها عليه مثله؛ لأنه أقرب إليه.
(ولمتزوجة على عصير بان خمرًا: مثل العصير)؛ لأنه من ذوات الأمثال، والمثل أقرب إليه من القيمة. ولهذا
(1)
يضمن به في الإتلاف. وهذا الأصح من الوجوه، وكما لو أصدقها خلاً فبان خمرًا فإن لها مثل الخل.
(ويصح) أن تتزوج المرأة (على ألف لها وألف لأبيها) يعني: أنه يجوز
(1)
في أ: ولهن.
لأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه، (أو) على كون (الكل له: إن صح تملكه) يعني: أنه يشترط في الصورتين: أن يكون الأب ممن يصح تملكه مال بنته المزوجة. وتقدم شرط صحة تملك مال الولد في باب
(1)
الهبة، وبصحة اشتراط كون الصداق أو بعضه للأب.
قال إسحاق: وقد يروى عن مسروق: إنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف لجعلها في الحج والمساكين، ثم قال للزوج: جهز امرأتك. وروي ذلك عن الحسين.
وقال عطاء وطاووس وعكرمة وعمر بن عبدالعزيز والثوري وأبو عبيد: يكون ذلك كله للمرأة.
وقال الشافعي: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل وتفسد التسمية؛ لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد؛ لأن المهر لا يجب إلا للزوجة؛ لكونه عوض بضعها. فيبقى مجهولا؛ لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما نقص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد
(2)
.
ولنا: قول الله سبحانه وتعالى في قصة شعيب عليه الصلاة والسلام: (إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج)] القصص: 27] فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه.
ولأن للوالد الأخذ من مال ولده بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " أنت ومالك لأبيك "
(3)
. وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أولادكم "
(4)
.
(1)
في أ: مال.
(2)
في ب: فيفسده.
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2291) 2: 769 كتاب التجارات، باب ماللرجل من مال ولده، عن جابر بن عبد الله.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(6902) 2: 204 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3530) 3: 289 كتاب الإجارة، باب في الرجل يأكل من مال ولده، عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1358) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده، عن عائشة.
أخرجه أبو داود وأخرجنحوه الترمذي وقال: هذا حديث حسن.
فإذا شرط لنفسه الصداق أو شيئا منه كان أخذا من مال ابنته وله ذلك.
وقول من قال: إنه شرط فاسد ممنوع.
(وإلا) أي: وإن لم يكن الأب ممن يصح تملكه مال ابنته؛ كتعلق حاجتها بصداقها (فـ) يكون (الكل) أي: كل الصداق (لها) أي: للز وجة، (كشرط ذلك) أي: شرط كون الصداق أو بعضه (لغير الأب)؛ كجدها وأخيها فإن هذا الشرط يكون باطلا. نص عليه أحمد. ويكون لها جميع المسمى.
قال في " الإنصاف ": ظاهر قوله فإن فعل ذلك غير الأب فالكل لها صحة التسمية، وهو صحيح، وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل: تبطل التسمية ويجب لها مهر المثل. قاله القاضي في " المجرد ". انتهى. ووجه المذهب: أن ما اشترطه عوض في تزويجها. فيكون صداقاً لها؛
كما لو جعله لها، وإذا كان صداقا انتفت الجهالة. فيجب المسمى.
(ويرجع) الزوج (إن فارق) أي: بأن طلق أو نحوه (قبل دخول في) المسألة (الأولى)، وهي: ما إذا تزوجها، على ألف لها وألف لأبيها (بألف) عليها دون أبيها، لأنه أخذ من مال ابنته ألفا فلا يجوز الرجوع عليه به.
(و) يرجع قبل دخول (في) المسألة (الثانية)، وهي: ما إذا تزوجها على أن جميع الصداق لأبيها (بقدر نصفه) عليها، (ولا شيء على الأب: إن قبضه مع النية) أي: نية التملك
(1)
؛ لأننا قدرنا أن الجمييع صار لها ثم أخذه الأب منها، فيصير كأنها قبضته ثم أخذه منها.
وهذا فيما إذا فارق بعد قبض الصداق، (و) أما إذا فارق (قبل قبضه) فإن الأب (يأخذ) مما تقبضه (من الباقي ما شاء، بشرطه) وهو: أن يكون ممن يصح تملكه مال ابنته.
(1)
في ج: في الأصح.
] فصل: في تزويج الأب بدون صداق المثل]
(فصل. ولأب تزويج بكر وثيب بدون صداق مثلها) ولو كبيرة في الأصح، (وإن كرهت). نص عليه، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: ليس له ذلك، فإن فعل فلها مهر مثلها؛ لأنه تفريط في مالها وليس له ذلك.
ولنا: أن عمر خطب الناس. فقال: " ألا لِلَّهِ لا تغالوا في صداق النساء.
فما أصدق رسول الله أحدًا من نسائه ولا أحدًا من بناته أكثر من اثنتي
(1)
عشرة أوقية"
(2)
. وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق المثل.
وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو من أشراف قريش شرفاً وعلماً وديناً. ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها.
ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها ويحسن عشرتها. والظاهر من الأب مع تمام شفقته وبلوغ نظره: أنه لا ينقصها من صداقها إلا لتحصيل المعانى المقصودة بالنكاح.
(ولا يلزم أحدًا تتمَّته) أي: تتمة مهر المثل إن زوجها الأب بدونه،
لا الأب ولا الزوج على الصحيح من المذهب.
وقيل: يتممه الأب كبيعه بعض مالها بدون ثمنه لسلطان يظن به حفظ
الباقي. ذكره في "الانتصار".
(1)
في ب: اثني.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه، (2106) 2: هـ 23 كتاب النكاح، باب الصداق.
وقيل: يتممه لثيب كبيرة.
(وإن فعل ذلك غيره) أي: زوجها بدون صداق مثلها غير الأب من أوليائها (بإذنها: صح) ولم يكن لغيره الاعتراض مع رشدها. " لأن الحق لها. أشبه ما لو أذنت في بيع سلعة لها بدون مثلها.
(و) إن زوجها (بدونه) أي: بدون مهر المثل بغير إذنها وبغير تقديرها: (يلزم زوجًا تتمته) أي: تتمة مهر المثل في الأصح؛ لأن التسمية فاسدة هاهنا؛ لكونها غير مأذون فيها. فوجب على الزوج مهر المثل؛ كما لو زوجها بمحرم. وعلى الولي ضمانه " لأنه المفرط " كما لو باع مالها بدون ثمن مثله.
(ونصه) أي: نص الإمام أحمد في رواية ابن منصور: يلزم (الولي) تتمته؛ لأنه مفرط بعقده بدون مهر المثل. فلزمه
(1)
التمام بتفريطه؛ (كتتمة من) أي: كما يلزم التتمة ولياً (زوّج بدون ما قدّرته) له من صداق " لأنه المضيع له بتزويجها بدون ما قدرته ولو كان أكثر من مهر المثل.
وعلم مما تقدم أنه لو كان ما قدرته دون مهر المثل فزوج به لم يكن لها غيره، لأنها رضيت به.
(ولا يصح كون) المهر (المسمى مَن) أي: رقيقا (يعتق على زوجة)،
كما لو زوجها على عبد هو عمها أو نحوه؛ لأن ذلك يؤدي إلى إتلاف الصداق عليها؛ لأنه لو صحت التسمية لملكت المسمى، ولو ملكته لعتق عليها.
(إلا) أن يكون ذلك (بإذن) زوجة (رشيدة) فيصح؛ لأن الحق لها. فإذا رضيت به صح.
(وإن زوّج) الأب (ابنه الصغيربـ) مهر (أكثر من مهر المثل: صح) ولزم المسمى فيه، لأن المرأة لم ترض بدونه. فلا يجب لها أقل منه.
ولأنه قد يكون غبطة الابن ومصلحته فى بذل الزياد، على مهر المثل، والأب أعلم بتحصيل مصلحته في ذلك.
(1)
في ب: فيلزمه.
(ولا) يلزم إلا ذمة الابن، فلا (يضمن) الأب (مع عُسرة ابن) على الأصح؛ لأن الأب نائب عنه في التزويج. فلا يلزم النائب ما لم يلتزمه؛ كالوكيل في شراء سلعة.
(ولو قيل له) أي: لأب: (ابنك فقير، من أين يؤخذ الصداق؟ فقال: عندي، ولم يزد على) قوله (ذلك: لزمه) في الأصح.
(ولو قضاه) أي: قضى الأب الصداق كله (عن ابنه، ثم طلق) الابن الزوجة (ولم يدخل) أي: قبل أن يدخل بها (ولو) كان طلاقه (قبل البلوغ) أي: بلوغ الزوج: (فنصفه) أي: فنصف الصداق الذي استحق الرجوع فيه بالطلاق (للابن) دون الأب. قاله في " الرعاية ".
ووجهه: ان الابن هو المباشر للطلاق الذي هو
(1)
سبب استحقاق الرجوع بنصف الصداق فكان ذلك لمتعاطي السبب دون غيره.
(ولأب قبض صداق) ثيب
(2)
(محجور عليها) لصغرها أو جنونها أو سفهها بغير إذنها؛ لأنه يلي مالها. فكان له قبضه؛ كثمن مبيعها.
(لا) قبض صداق مكلفة (رشيدة ولو) كانت (بكرًا إلا بإذنها)؛ لأنها المتصرفة في مالها. فاعتبر إذنها في قبضه؛ كثمن مبيعها.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في أ: بنت.
] فصل: في نكاح العبد]
(فصل. وإن تزوج عبد بإذن سيده) على صداق مسمى: (صح).
قال في " شرح المقنع ": بغير خلاف نعلمه.
قال في " الفروع ": (وله نكاح أمة ولو أمكنه حرة) وجاز. ذكره
أبو الخطاب وابن عقيل. وهو معنى كلام أحمد.
(ومتى أذن له) سيده في النكاح (وأطلق: نكاح واحدة فقط). نص
عليه.
(ويتعلق صداق ونفقة وكسوة ومسكن بذمة سيده)، سواء ضمن السيد ذلك
أو لم يضمنه، وسواء كان العبد مأذونا له في التجارة أو محجورًا عليه على
(1)
الأصح. نص على ذلك؛ لأن ذلك حق تعلق بعقد بإذن سيده. فتعلق بذمه السيد وجاز بيعه فيه، كما لو رهنه بدين.
فعلى هذا لو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط عن السيد. نص عليه؛ لأنه حق
تعلق بذمته أي: فلم يسقط بيعه وعتقه، كأرش جنايته.
(و) يتعلق (زائد على مهر مثل لم يؤذن فيه) من قبل سيده، (أو) زائد
(على ما سمى له برقبته) أي: رقبة العبد، لأن ذلك كجنايته.
(و) إن تزوج العبد (بلا إذنه) أي: إذن سيده: (لا يصح) النكاح وهو
باطل. نقله الجماعة.
وقال الأصحاب، كفضولي.
ووجه كونه غير صحيح: ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما
(1)
في ب: في.
عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر "
(1)
. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
ومفهومه: أن نكاحه مع الإذن صحيح. والعهر دليل على بطلان النكاح؛
لأنه لا يكون عاهرًا إلا إذا بطل النكاح.
(ويجب في رقبته) أي: رقبة العبد (بوطئه) في النكاح الذي لم يأذن فيه
سيده (مهر المثل) على الأصح؛ لأنه بضع أتلفه بغير حق. فوجب فيه قيمته وهي مهر المثل.
(ومن زوج عبده أمته: لزمه) أي: لزم العبد لسيده (مهر المثل يُتبع به)
أي: يتبعه به السيد (بعد عتق) أي: بعد أن يعتقه على الأصح، وهو المنصوص عن أحمد؛ لأن النكاح إتلاف بضع يختص به العبد فلزمه في ذمته. وقيل: لا يجب مهر وإن سمى.
وقيل: يجب ويسقط.
(وإن زوَّجه) أي: زوج عبده (حرة وصح) النكاح على رواية: أن الكفاءة
ليست شرطا لصحة النكاح، (ثم باعه لها) أي: باع العبد الذي زوجه حرة لزوجة العبد (بثمن في الذمة) أي: ذمة زوجة العبد (من جنس المهر) الذي أصدقها إياه: انفسخ نكاحها و (تقاصَّا بشرطه)، وهو: أن يتفق الدينان جنسًا وصفة وحلولاً وتأجيلاً أجلاً واحداً. وهذا على الأصح من كون مهر العبد يتعلق بذمه السيد؛ لأنه قد ثبت للسيد عليها الثمن وثبت لها على السيد المهر، فإن كان قدر المهر والثمن سواء: سقطا، وإن كان المهر أكثر سقط من الثمن بقدره وكان
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2078) 2: 228 كتاب النكاح، باب في نكاح العبد بغير إذن سيده.
وأخرجه الترمذي في " جامعه"(1111) 3: 419 كتاب النكاح، باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1959) 1: 630 كتاب النكاح، باب تزويج العبد بغير إذن سيده. عن جابر.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(15073) 3: 377.
لها مطالبته بما بقى، وإن كان الثمن أكثر سقط من المهر بقدره وردت عليه ما بقي؛ كما لو كان لها على السيد دين غير الصداق فباعها العبد بثمن في الذمه من جنس الدين.
(وإن باعه لها) أي: باع العبد للحرة التي زوجه إياها (بمهرها: صح) البيع وهو (قبل دخول وبعده) سواء على الأصح؛ لأن الصداق مال يصح جعله ثمناً لغير هذا العبد. فصح أن يكون ثمناً له؛ كغيره من الأموال. وينفسخ النكاح؛ لأن زوجها صار ملكا لها.
(ويرجع سيد) زوّج عبده (في فُرقة قبل دخول) وبعد قبض مهر (بنصفه) على الأصح.
ومن صور ذلك: شراء المرأة زوجها قبل الدخول.
] فصل: في ملكية الزوجة للمهر]
(فصل. وتملك زوجة بعقد) أي: عقد نكاحها (جميع) مهرها (المسمى). وعنه: لا تملك بعقد إلا نصفه، وفاقا لمالك.
قال ابن عبدالبر: هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار، وأما الفقهاء اليوم فعلى أنها تملكه. وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك "
(1)
: دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شيء.
ولأن النكاح عقد يملك به المعوض بالعقد. فملك فيه العوض كاملا؛ كالبيع. وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد. ألا ترى أنها لو ارتدت سقط جميعه وإن كانت قد ملكت نصفه.
(ولها) أي: وللزوجة (نماء) مهر (معين؛ كعبد) معين (ودار) معينة
من حين عقد. فيكون كسب العبد ومنفعة الدار لها؛ لأنهما نماء ملكها.
(و) لها أيضاً (التصرف فيه) أي: في الصداق المعين بكل ما يجوز فيه من التصرف؛ لأنه ملكها.
(و) أما (ضمانه) إن تلف (ونقصه) فهو (عليه) أي: على الز وج: (إن متعها قبضه)؛ لأن الزوج إذا منعها من قبض ما ملكته كان
(2)
بمنزلة الغاصب. (وإلا) أي: وإن لم يمنعها الزوج قبض الصداق المعين (فـ) ضمانه إن تلف ونقصه إن نقص (عليها)؛ كالمبيع المعين إذا تلف أو نقص في يد البائع ولم يمنع المشتري من قبضه على الأصح.
(1)
سبق تخريجه ص (183).
(2)
ساقط من أوب.
و (كزكاته) إذا كان الصداق مما تجب فيه الزكاة، فإن حول زكاته] من حين [
(1)
العقد.
(و) أما (غير المعين) من الصداق؛ (كقفيز من صبرة)، ورطل من زبرة
فإن ذلك (لم يدخل في ضمانها، ولا تملك تصرفا فيه إلا بقبضه؛ كمبيع) أي: كما لو كان ذلك مبيعا. وهذا على الأصح.
وروى مهنا عن أحمد: فيمن تزوجت على عبد ففقأت عينه إن كانت
(2)
قد قبضته فهو لها، وإن لم تكن قد قبضته فهو على الزوج.
فعلى هذا لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه، سواء كان معينا أو غير معين.
وهو مذهب الشافعي.
(ومن) تزوج على صداق و (أقبضه ثم طلق) الزوجة (قبل دخول) بها، (ملك نصفه) أي: نصف الصداق (قهرًا)؛ كالميراث في الأصح.
فعلى هذا ما يحدث بعد الطلاق من نماء يكون بينهما.
والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
وقذ فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) البقرة: 237 [أي: لكم أو لهن، فاقتضى ذلك أن النصف لها، والنصف له بمجرد الطلاق.
ولأن الطلاق سبب يملك به بغير عوض. فلم يقف
(3)
الملك على إرادته واختياره كالإرث.
ومحل دخول نصف الصداق في ملكه كما ذكر: (إن بقي بصفته) التي هو عليها حين العقد لم يزدد ولم ينقص، حتى (ولو) كان الباقي بصفته (النصف) من الصداق (فقط) أي: لا أكثر.
ولو كان النصف الباقي (مشاعًا)؛ كما لو كان الصداق عبدًا أو نحوه فباعت نصفه وتأخر النصف الباقي بيدها. فيملك بطلاقها النصف الثانى مشاعًا.
(1)
ساقط من أوب.
(2)
في أ: كان.
(3)
في ب: فله نصف.
(أو) كان النصف الباقي (معينا من متنصَّف)؛ كما لو أصدقها زبرة من حديد فقطعت نصفها وباعته وتأخر نصفها في ملكها. فيملكه الزوج بطلاقها ويأخذه؛ كما لو قاسمته عليه. وهذا المذهب.
وقيل: في المعين غير المثلي يأخذ نصف الباقي ونصفه قيمة الفائت.
(ويمنع ذلك) أي: ويمنع الرجوع في نصف عين الصداق إن تنصف أو في جميع عينه إن سقط: (بيع) أي: بيع المرأة الصداق (ولو مع خيارها) في البيع. (وهبة اقبضت) يعني: وكذا لو وهبته وأقبضته.
(وعتق) يعني: وكذا لو كان الصداق رقيفا فأعتقته؛ لزوال ملكها عنه في الصور الثلاث.
(ورهن) يعني: وكذا لو رهنت الصداق وأقبضته للمرتهن فإن الرهن وإن
لم يزل الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن ما لا يجوز بيعه، ففي الرجوع في العين إبطال حق المرتهن من الوثيقة. فلم يجز.
(وكتابةٌ) يعني: وكذا لو كان الصداق رقيقا فكاتبته فإن الكتابة تراد للعتق المزيل للملك، وهي عقد لازم. فجرت مجرى الرهن في الأ صح.
(لا إجارة وتدبير وتزويج) يعني: أنه لو كان الصداق عبدًا أو نحوه فأجرته
أو دبرته أو زوجته لم يمنع ذلك رجوع الزوج في عينه، لكن يتخير الزوج فيه كما يأتى؛ لأنه نقص حصل في الصداق بغير جناية عليه. فإن اختار الرجوع في المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة.
وأما إن تصرفت فيه تصرفا غير لازم؛ كما لو أوصت به أو أعارته أو أودعته
أو دفعته لمن يضارب فيه فإن وجود هذا التصرف كعدمه؛ لأنه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف. فلا يمنع من له
(1)
الرجوع على من الصداق بيده، وهو العامل والمودَع والمستعير.
(1)
في ج زيادة: الرجوع على المالك.
(فإن كان) الصداق (قد زاد) عندها (زيادة منفصلة)؛ كما لو كان الصداق غنمًا أو نحوها فحملت عندها وولدت: (رجع في نصف الأصل) وهو الأمات
(1)
، (والزيادة) التي هي أولادها (لها) أي: للزوجه؛ لأنها نماء ملكها، حتى (ولو كانت) الزيادة (ولد أمة) في الأصح
(2)
.
قال
(3)
في " الإنصاف ": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب فإن الولد نماء منفصل، على الصحيح على ما تقدم. وصرح به القاضي في " التعليق ".
وقال في " المجرد ":] للزوج نصف قيمة الأم.
وقال في " الخلاف ": يرجع بنصف الأمة. قاله في " القواعد ". انتهى.
وقال بعض الأصحاب: لا يجوز [
(4)
للزوج الرجوع في نصف الأمة حذرًا
(5)
من التفريق في بعض الزمان.
قال في " الإنصاف ": قلت: وفي هذا نظر ظاهر، فإن ذلك كالأمة المشتركة إذا ولدت. انتهى.
(وإن كانت) الزيادة في الصداق زيادة (متصلة)؛ كالسمن أو تعليم صنعة (وهي) أي: والزوجة (غير محجور عليها: خترت بين دفع تصفه زائدًا) ويلزمه قبوله؛ لأنها دفعت إليه حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز، (وبين دفع نصف قيمته يوم العقد: إن كان) الصداق (متميزاً) كعبد وبقرة معينين؛ لأن المهر المتميز يدخل في ضمانها بمجرد العقد. فتعتبر صفته وقت العقد.
وإنما صرنا إلى نصف القيمه؛ لأن الزيادة لها ولا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الأصل بدون الزيادة فصرنا إلى نصف القيمة يوم تعتبر صفته.
(1)
في ب: الأمهات.
(2)
في ج: الأصل.
(3)
ساقط من ب.
(4)
ساقط من أوب.
(5)
في أ: حذاراً.
(وغيره) أي: غير المتميز؛ كما لو أصدقها عبدًا من عبيده، أو بقرة من بقره
إذا زاد زيادة متصلة وتنصف الصداق يكون (له) أي: للزوج (قيمة نصفه) أي: نصف الصداق (يوم فرقة، على أدنى صفة من) وقت (عقد إلى) وقت (قبض). وفي " الكافي ": أو إلى وقت التمكين منه.
(والمحجور عليها لا تعطيه) إذا تنصف المهر المتميز وقد زاد زيادة متصلة (إلا نصف القيمة) حالة العقد.
(وإن نقص) الصداق (بغير جناية عليه)؛ كما لو كان
(1)
عبدًا ذا صنعة فنسيها، أو كان أمرد فنبتت لحيته، أو كان الصداق طيبا فانقطعت رائحته، او عصيرًا فصار خلاً:(خُيِّر زوج غير محجور عليه، بين أخذه) نصفه (ناقصا) وتجبر هي على ذلك، (ولا شيء له غيره) أي: غير نصفه؛ لأنه قد رضي بأخذه ناقصا من غير جنايه عليه. فلا يلزمها له أرش. نص على ذلك؛ لأن ذلك نصف عين ماله المفروض. فلو أوجبنا له أرشا مع النصف لكنا قد أوجبنا للزوجة أقل من نصف المفروض فيكون مخالفا للنص، (وبين أخذ نصف قيمته يوم عقد، إن كان متميزًا)؛ لأن ضمان نقصه عليها فلا يلزمه أخذ نصفه ناقصا؛ لأنه دون حقه.
(وغيره) أي: غير المتميز من الصداق إذا تنصف وقد نقص، ليس للزوج
إلا نصف قيمته (يوم الفرقة على أدنى صفة من) وقت (عقد إلى) وقت (قبض)؛ لأن المهر غير المتميز في ضمان الزوج إلى وقت أن تقبضه الزوجة. (وإن اختاره) أي: اختار الزوج أن يأخذ نصف الصداق (ناقصا) وكان النقص (بجناية)؛ كما لو كان الصداق حيوانا ففقأ شخص عينه: (فـ) إن (له) أي: للزوج (معه) أي: مع أخذه نصف الصداق (نصف أرشها) أي: أرش الجناية.
قال في " الإنصاف ": أما إن كان بجناية جان فالصحيح أن له مع ذلك نصف
(1)
في أ: كانت.
الأرش. قاله في " البلغة " وغيره، وهو واضح. انتهى.
(وإن زاد) الصداق (من وجه، ونقص من) وجه (آخر)؛ كما لو كان الصداق عبدا هزيلا ذا صنعة فسمن ونسي الصنعة. (فلكل) من الزوج والزوجه (الخيار) يعني: فيخير الزوج بين أخذه ناقصا بنسيان الصنعة وبين أخذه نصف قيمته، وتخير الزوجة بين دفع نصفه زائدا بالسمن، وبين دفع نصف قيمته. وعبارة " الفروع ": وإن زاد من وجه ونقص من وجه؛ كعبد صغير كبر، ومصوغ كسرته وأعادته صياغة أخرى: فلكل منهما الخيار. انتهى.
(ويثبت) الخيار بين دفع النصف ونصف القيمة (بما) أي: بشيء (فيه غرض صحيح)؛ ككون العبد شفوقاً على أطفال مالكه أو نحو ذلك، (وإن لم تزد قيمته) بذلك.
قال في " الإنصاف ": ولا يشترط للخيار زيادة القيمة بل ما فيه غرض مقصود. قاله في " البلغة " و" الترغيب " وغيرهما، وظاهر كلام بعضهم خلافه.
(وحملٌ) حادث (في أمة: نقص، و) حمل (في بهيمة: زيادة، ما لم يفسد اللحم) به.
(وزرعٌ) نقص لأرض، (وغرس نقص لأرض). وحرث الأرض زيادة محضة، إن بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها؛ كالزيادات المتصلة كلها، وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها.
(ولا أثر لكسر مَصُوغ وإعادته كما كان، ولا لسمن زال ثم عاد).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. قدمه في " الفروع "،
وفي " المغني " والشرح: وجهان. انتهى.
(ولا) أثر أيضاً (لارتفاع سوق) ولا لنقلها الملك فيه ثم طلق وهو بيدها.
قاله في " الإنصاف " ولم يذكر فيه خلافا.
(وإن تلف) الصداق بعد أن قبضته، (أو استُحق بدين)؛ كما إذا أفلست
المرأة وحجر الحاكم عليها ثم تنصف الصداق (رجع) زوجٌ (في) صداق (مثلي: بنصف مثله)، ويشارك بذلك الغرماء.
(و) رجع (في غيره) أي: غير الصداق المثلي (بنصف قيمة متميز)، وتعتبر قيمته (يوم عقد)، ويشارك بذلك الغرماء.
(و) رجع في (غيره) أي: غير المتميز مما هو متقوم بنصف قيمته (يوم
فرقة على أدنى صفة من عقد إلى قبض)، ويشارك بذلك الغرماء.
(ولو كان) الصداق (ثوبا فصبغته) الزوجة ثم تنصف الصداق، (أو) كان الصداق (أرضا فبنتها) ثم تنصف الصداق (فبذل الزوج) للمرأة (قيمة زائد) أي: قيمة زيادة
(1)
نصف الثوب بالصبغ، أو قيمة زيادة
(2)
نصف الأرض بالبناء (ليملكه) أي: ليملك نصف الثوب مصبوغا ونصف الأرض مبنيا: (فله ذلك) على الأصح؛ لأنه استحق الثوب أو الأرض وفيها بناء أو صبغ لغيره. فإذا بذل قيمته لزم الآخر قبوله؛ كالشفيع إذا أخذ الأرض بعد بناء المشتري فيها، والمعير إذا رجع في أرضه وفيها بناء للمستعمر فإنه يلزم صاحب البناء قبول القيمة إذا بذلها الشفيع أو المعير. كذا هاهنا.
وإن بذلت له النصف بزيادته
(3)
لزمه قبوله؛ لأنها زادته خيرًا.
(وإن نقص) الصداق (في يدها بعد تنضفه: ضمنت نقصه مطلقا) أي: سواء كان متميزًا أو لا، وسواء طلبه ومنعته حتى نقص أو لا في الأصح؛ لأنه وجب له نصف الصداق بالطلاق. فلم يدخل في ضمانه إلا بالقبض. وإذا لم يدخل في ضمانه فنقص قبل قبضه فهو من ضمانها.
وعلى القول بأنها لا تضمن نقصه بعد تنصفه لو قال الزوج: نقص قبل تنصفه، وقالت: بل بعده، حلفت؛ لأن الأصل بقاؤه غير ناقص إلى حين التنصف
(4)
.
(1)
في ب: زائدة.
(2)
في ب: زائدة.
(3)
في ج: بزيادة.
(4)
في ب: التنقيص.
(وما قُبض من) صداق (مسمى بذمة)؛ كما إذا تزوجها على عبد موصوف
في الذمة أو نحو ذلك فإن حكمه (كـ) صداق (معين) بالعقد في جميع ما ذكر، لأنه استحق بالقبض عينا. فصار كما لو عينه بالعقد.
(ويعتبر في تقويمه) أي: تقويم ما قبض عما في الذمة (صفته يوم قبضه)؛ لأنه الوقت الذي ملكته فيه.
ومتى بقي ما قبضته إلى حين تنصفه وجب رد نصفه بعينه في الأصح. جزم به
ابن عبدوس في " تذكرته " وقدمه في " الرعايتين ".
(والذي بيده عقدة النكاح) في قوله سبحانه وتعالى: (إلا أن يعفون أو يعفوا الذى بيده عقدة النكاح)] البقرة: 237 [: (الزوج)، لا ولي الصغيرة على الأصح. يروى ذلك عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم، وبه قال سعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ونافع مولى ابن عمر ومجاهد وإياس بن معاوية وجابر بن زيد وابن سيرين والشعبي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد.
وعن أحمد: أنه الولي إذا كان أبًا للصغيرة، وهو قول الشافعي في
(1)
القديم
إذا كان أبًا أو جَدًا.
وحكي عن ابن عباس وعلقمه والحسن وطاووس والزهري وربيعة ومالك؛
لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح، لكونها قد خرجت عن يد الزوج. ولأن الله سبحانه وتعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن. فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه، ليكون العفو عنه في الموضعين واحد.
ولأن الله سبحانه وتعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة بقوله سبحانه وتعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) - ثم قال-) أويعفوا الذى بيده عقدة النكاح)] البقرة: 237 [، وهذا خطاب غير الحاضر.
(1)
ساقط من أوب.
ولنا: ما روى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ولي العقده الزوج "
(1)
.
ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه، وليس إلى الولي منه شيء.
ولأن الله سبحانه وتعالى قال: (وأن تعفوا أقرب للتقوى)] البقرة: 237 [، والعفو الذي أقرب للتقوى عفو الزوج عن حقه، وأما عفو الولي عن مال المرأة فيس هو أقرب إلى التقوى.
ولأن المهر مال للزوجة. فلا يملك الولي هبته وإسقاطه؛ كغيره من أموالها وحقوقها، وكسائر الأولياء. ولا يمنع ذلك العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب؛ كقوله سبحانه وتعالى
(2)
: (حتى إذا كنتم فى الفك وجرين بهم بريح طيبة)] يونس: 22].
(فـ) على هذا (إذا طلق) الزوج (قبل دخول، فأيهما) أي: أيّ الزوجين (عفا لصاحبه) أي: للزوج الآخر (عما وجب له) أي: عما استقر ملكه عليه بسبب الطلاق (من) نصف (مهر، وهو) أي: والعافي (جائز التصرف) في ماله بأن كان مكلفا رشيدًا غير محجور عليه: (برئ منه صاحبه)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسًا فكلوه هنيئا مريئا)] النساء: 4].
قال أحمد في رواية المروذي: ليس شيء. قال الله تعالى: (فكلوه
(3)
هنيئا مريئا)] النساء: 4 [سماه غير المهر بهبة المرأة للزوج.
وقال علقمة لامرأته: هبي لي من الهنيء المريء، يعني: من صداقها.
(ومتى أسقطته عنه) أي: أسقطت المرأة المهر عن الزوج، (ثم طُلقت)
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(128) 3: 279 باب المهر.
(2)
في ب: كقوله تعالى.
(3)
في الأصول: كلوه.
قبل دخول (أو ارتدت قبل دخول) وقد أسقطته عنه (رجع) الزوج عليها (في) المسألة (الأولى)، وهي: ما إذا أسقطته ثم طلقت: (ببدل نصفه) أي: نصف الصداق على الأصح.
(و) رجع عليها (في) المسألة (الثانية)، وهي: ما إذا أبرأته من صداقها
ثم ارتدت قبل الدخول: (ببدل جميعه) على الأصح؛ لأن عود نصف الصداق أو كله إلى الزوج بالطلاق أو الردة وكل منهما غير الجهة المستحق بها الصداق أوّلاً. فهو كما لو أبرأ إنسان إنساناً من دين عليه ثم استحق عليه مثل المبرأ منه بوجه آخر فلا يتساقطان بذلك.
(كعوده إليه) أي: وكعود الصداق إلى الزوج (ببيع) ثم يطلقها أو ترتد قبل الدخول فإنه يرجع عليها يبدل النصف في صورة تنصفه، أو بكله في صورة إسقاطه.
(أو هبتها
(1)
العين) أي: وكما لو أصدقها عينا فوهبتها (لأجنبي ثم وهبها) الأجنبى (له) أي: للزوج فإنه يملك الرجوع في جميع هذه الصور على التفصيل المتقدم.
(ولو وهبته) أي: وهبت المرأة الزوج (نصقه) أي: نصف الصداق،
(ثم تنصِّف) بطلاق أو نحوه: (رجع) الزوج (في النصف الباقي) كله في الأصح؛ لأنه وجد نصف ما أصدقها بعينه. فأشبه ما لو لم تهبه.
(ولو تبرَّع اجنبي بأداء مهر) عن الزوج ثم سقط المهر بفسخ أو ردة أو تنصف بطلاق أو نحوه قبل الدخول (فالراجع) من صداق أو نصفه (للزوج) في الأصح؛ لأن الأجنبى وهب ذلك للزوج بقضائه عنه. فإذا عاد إليه الاستحقاق بغير الجهة المستحقة أولاً كان للزوج؛ كما لو كان أداه
(2)
من ماله.
(ومثله) أي: ومثل ذلك في الحكم (أداء ثمن) عمن اشترى سلعة متبرعًا
به عن المشتري (ثم يفسخ) البيع (لعيب) فإن المشتري يرجع بنظير الثمن على بائعه.
(1)
في ب: أو وهبتها.
(2)
في ب: أداؤه.
[فصل: في سقوط الصداق]
(فصل. ويسقط) الصداق (كله- إلى غير متعة- بفُرقة لعان) على الأصح
قبل تقرره؛ لكون الفرقة
(1)
من قبلها؛ لأن الفسخ إنما يقع إذا تم لعانها.
(وفسخه) أي: فسخ الزوج النكاح (لعيبها) أي: عيب المرأة؛ لكونها رتقاء، أو فتقاء، أو جذماء، أو برصاء، أو نحو ذلك قبل تقرره لتلف المعوّض قبل تسلمه. فسقط العوض كله؛ كالبائع يتلف المبيع بيده قبل تسليمه.
(أو) فرقة جاءت (من قبلها؛ كإسلامها تحت كافر) قبل تقرره، (و) كـ (ردَّتها ورضاعها مَن ينفسخ به نكاحها) قبل تقرره؛ لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه. أشبه ما لو أتلف البائع المبيع قبل قبضه.
(وفسخها لعيبه أو إعساره أو عدم وفائه بشرطٍ) شرطته عليه في النكاح، (واختيارها لنفسها بجَعْله) أي: جعل الزوج (لها) ذلك (بسؤالها) إياه أن يجعله لها (قبل دخولٍ) أي: قبل وجود ما يقرره من الدخول أو الخلوة في جميع الصور المتقدمة؛ لأن كلاً من ذلك فسخ تم بفعل المستحق للصداق. فسقط به؛ كما لو باشر المستحق إسقاطه.
وكذا ما لو جاءت الفرقة من قبل الشرع؛ كمن
(2)
أسلم على أكثر من أربع من الكتابيات قبل وجود ما يقرر المهر واختار منهن أربعاً فإن ما عدا هذه الأربع يسقط مهرهن؛ لأن الشارع اضطره إلى الفرقة بالحبس والتعزير.
(ويتنصَّف) صداقها (بشرائها زوجَها)؛ لأن البيع إنما تم بالسيد القائم مقام الزوج فلم يتمحض السبب منها فلذلك وجب نصف المهر هاهنا؛ كالخلع.
(1)
في ج: الفسخ.
(2)
في ج: كما لو.
(و) يتنصف الصداق أيضاً بكل (فرقة) جاءت (من قبله) أي: قبل الزوج؛ (كطلاقه) الزوجة ولو بسؤالها، (وخلعه) إياها (ولو بسؤالها)؛لأن الفرقة إنما تمت في صورة سؤالها بجواب الزوج، (و) كـ (إسلامه ما عدا مختارات من أسلم) أي: وكالفرقة الحاصلة بإسلام الزوج قبل وجود ما يقرره من الدخول، أو الخلوة إذا كانت الزوجة غير كتابية.
(و) يتنصف المهر أيضاً بـ (ردّته) قبل وجود ما يقرره لمجيء الفرقة من قبله.
(و) بـ (شرائه إياها) أي: بشراء الزوج زوجته (ولو) كان شراوه إياها (من مستحق مهرها) وهو سيدها الذي زوَّجه إياها؛ لأن ذلك لا فعل فيه للز وجة.
ولأن الفرقة إنما حصلت بقبول زوجها في عقد البيع.
(أو قِبَل أجنبي) يعني: أن المهر يتنصف إذا جاءت الفرقة من قبل أجنبي؛ (كرضاع) أي: كما لو أرضعت أخته أو نحوها زوجته الصغيرة رضاعاً محرماً، (ونحوه) أي: نحو الرضاع؛ كما لو وطئ ابن الزوج الزوجة (قبل دخول) فإن مهرها يتنصف؛ لأن الفرقة جاءت من قبل أجنبي.
(ويقرِّرُه) أي: يقرر المهر (كاملاً موت) أي: موت أحد الزوجين (ولو بقتل أحدهما) أي: أحد الزوجين (الاخر، أو) قتل أحدهما (نفسه)؛ لأن النكاح بلغ نهايته. فقام ذلك مقام الاستيفاء في تقرير المهر.
ولأنه أوجب العده على المرأة. فأوجب كمال المهر؛ كالدخول.
(أو) كان (موته) أي: موت الزوج (بعد طلاق) منه، (في مرض موت، قبل دخول)؛ لوجوب عدة الوفاة عليها في هذه الحالة. فوجب؛ كمال المهر.
ومحل ذلك: (ما لم تتزوَّج) قبل موته عملاً بالطلاق، (أو ترتدّ) عن الإسلام. فإنها لو ارتدت من غير طلاق لسقط مهرها.
(و) يقرر المهر كاملاً أيضاً (وطؤها) أي: وطء الزوج الزوجة (حية في
فرج ولو دُبراً) أو في غير خلوة؛ لأنه قد وجد استيفاء المقصود. فاستقر العوض.
(و) يقرر المهر كاملاً أيضاً (خلوة بها) أي: خلوة الزوج
(1)
بالزوجة وإن لم يطأ. روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر. وبهذا قال علي بن الحسين وعروة وعطاء والزهري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وهو قول الشافعي في القديم.
وقال شريح والشعبي وطاووس وابن سيرين والشافعي في الجديد:
لا يستقر إلا بالوطء، وحكي عن ابن مسعود وابن عباس، وروي نحوه أيضاً عن أحمد. فروى عنه يعقوب بن بختان أنه قال: إذا صدقته المرأة أنه لم يطأ لم يكمل لها الصداق وعليها العدة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وهذه قد طلقها قبل أن يمسها.
وقال سبحانه وتعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]
والإفضاء: الجماع.
ولأنها مطلقة لم تُمس. أشبهت من لم يُخل بها.
ولنا: إجماع الصحابة. فروى الإمام أحمد والأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى
قال: "قضى الخلفاء الراشدون المهديون: أن من أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد
وجب
(2)
المهر ووجبت العدة "
(3)
. ورواه أيضاً عن الأحنف عن ابن عمر وعلي.
وعن سعيد بن المسيب وسعيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كاملاً.
وهذه قضايا اشتهرت ولم يخالفهم أحد في عصرهم. فكان كالإجماع.
(1)
في أ: زوج.
(2)
في ج: أوجب.
(3)
أخرجه مالك في " الموطأ "(12) 2: 418 كتاب النكاح، باب إرخاء الستور. عن سعيد بن المسيب:"أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل، أنه إذا أرخيت الستور، فقد وجب الصداق". ولم أره في "مسند أحمد".
وما رووه عن ابن عباس لا يصح.
قال أحمد في رواية ليث: وليس بالقوي. وقد رواه حنظلة على خلاف ما رواه قيس، وحنظلة أقوى من ليث.
وحديث ابن مسعود منقطع. قاله ابن المنذر.
ولأن التسليم المستحق وُجد من جهتها. فيستقر به البدل؛ كما لو وطئها،
أو كما لو أجرت دارها وسلمتها أو باعتها.
وأما قوله سبحانه وتعالى: [مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ][البقرة: 237] فيحتمل: أنه كنى بالسبب عن المسبب الذي هو الخلوة، بدليل ما ذكرناه.
وأما قوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] فقد حكي عن الفراء أنه
قال: الإفضاء الخلوة، دخل بها أو لم يدخل؛ لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي، فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض.
ويشترط للخلوة المقررة للمهر كاملاً: أن تكون (عن مميز وبالغ مطلقاً)،سواء كان أحدهما مسلماً أو كافراً، وسواء كان ذكراً أو أنثى، وسواء كان عاقلاً أو مجنوناً.
(ولو) كان الزوج (أعمى مع علمه) بالزوجة (ولم تمنعه) الزوجة من نفسها.
ومحل ذلك: (إن كان) الزوج (يطأ مثله، و) كانت الزوجة (يُوطأ مثلها)؛كابن عشريخلو ببنت تسع.
(ولا تُقبل دعواه) أي: دعوى الزوج (عدم علمه بها) أي: بالزوجة لنومه عنها (ولو كان به) أي: بالزوج (عمى). نص عليه؛ لأن العادة أنه لا يخفى عليه ذلك.
وقيل: تقبل دعواه عدم علمه إذا كان أعمى.
قال في " الإنصاف ": وقال في المذهب: إن صدقته لم تثبت الخلوة وإن كذبته فهي خلوة. فعلى المنصوص قدم الأصحاب هنا العادة على الأصل. انتهى.
(أو بهما) يعني: أن الخلوة تثبت ويترتب عليها حكمها، ولو كان بهما (أو أحدهما) يعني: أو كان بأحدهما (مانع حسي؛ كجَبٍّ) أي: كما لو كان الزوج مقطوع الذكر، (ورتق) أي: وكما لو كانت الزوجة رتقاء، وهي مسدودة الفرج.
(أو) كان بهما أو بأحدهما مانع (شرعي؛ كحيض، وإحرام، وصومٍ واجب) يعني: كما لو خلا بها وهي حائض، أو وهو أو وهي محرمة، أو وهو أو وهي "صائمة صوماً واجباً، ولو كانت الخلوة في نهار رمضان فإنها تقرر المهر كاملاً إذا وجدت بقية الشروط على الأصح؛ لأن الخلوة نفسها مقررة للمهر؛ لعموم الحديث فإنه لم يفرق فيه بين إمكان الوطء وعدمه.
ولأن التسليم وُجد من المرأة وهو التمكين التام والمنع من جهة أخرى ليست من فعلها وذلك لا يؤثر في التمكين، كما لا يؤثر في إسقاط النفقة المستحقة بالعقد فكذلك في المهر.
(و) يقرر المهر كاملاً أيضاً (لمس) للزوجة بشهوة
(1)
، (ونظر إلى فرجها بشهوة) ولو لم يخل بها فيهما.
قال في " الفروع ": ويقرره لمس ونحوه لشهوة. نص عليه. انتهى.
ووجه ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237].وحقيقة اللمس: التقاء البشرتين.
(و) يمرره أيضاً كاملاً) (تقبيلُها بحضرة الناس)؛ لأن القبلة أجريت مجرى الوطء في قطع خيار المشتري. فيجب أن يكون في تقرير الصداق كذلك.
قال أحمد: إذا أخذها فمسها وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق كاملاً إذا نال منها شيئاً لا يحل لغيره.
وقال في رواية مهنا: إذا تزوج امرأة فنظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر.
(1)
في أ: لشهوة.
وروى عنه إبراهيم: إذا اطلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر؛ لأنه نوع استمتاع، فهو كالقبلة.
(لا إن تحمَّلت بمائه) أي: تحملت المرأة بمني زوجها من غير خلوة بها فإن ذلك لا يقرر المهر كاملاً في الأصح.
(ويثبت به) أي: بتحمل المرأة ماء الرجل (نسب وعدَّة ومصاهرة ولو) كان الماء (من أجنبي) أي: غير زوجها.
(لارجعة)
(1)
أي: لا إن تحملت بماء من طلقها رجعياً في عدته فإنه لا يثبت بذلك رجعة.
قال في" الرعاية ": ولو استدخلت مني زوج أو أجنبي بشهوة ثبت النسب والعدة والمصاهرة، ولا تثبت رجعة ولا مهر المثل ولا يقرر المسمى. انتهى.
(ولو اتفقا) أي: الزوج والزوجة التي خلا بها (على أنه لم يطأ في الخلوة: لم يسقط المهر، ولا العدة). نص عليه؛ لأن كلاً منهما يفرّ مما يلزمه.
إذا علم ذلك فإن من الأصحاب من قال: إن الخلوة مقررة للمهر لمظنة الوطء. ومن الأصحاب من قال: إنما قررت؛ لحصول التمكين بها، وهي طريقة القاضي.
وقال ابن عقيل: إنما قررت المهر كاملاً لأحد أمرين:
إما: لإجماع الصحابة، وهو حجة.
وإما: لأن طلاقها بعد الخلوة بها وردها زهداً فيها، فيه ابتذال وكسر. فوجب جبره
بالمهر.
وقيل: بل المقرر هو استباحة ما لا يباح إلا بالنكاح من المرأة فدخل في
(1)
في ب: رجعية.
ذلك الخلوة واللمس بمجردهما
(1)
. وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حرب.
ذكره في " القواعد ".
(ولا تثبت) بخلوة (أحكام الوطء: من إحصان، وحلِّها لمطلِّقها ثلاثاً، ونحوهما)؛ كتحريم المصاهرة، وحصول الرجعة.
قال في " الإنصاف ": ولا يتعلق بالخلوة بقية حكم الوطء. على الصحيح من المذهب.
وقيل: كمدخول بها، إلا في حلها لمطلقها وإحصان. قاله في " الفروع ".
ونقل أبو الحارث وغيره: هي كمدخول بها، ويجلدان إذا زنيا. انتهى.
***
(1)
وهو تعليل حسن.
[فصل: في الاختلاف في الصداق]
(فصل. وإذا اختلفا) أي: اختلف الزوجان، (أو ورثتهما، أو) اختلف (زوج وولي صغيرة في قدر صداق، أو) في (عينه، أو) في (صفته، أو) في (جنسه، أو) في
(ما يستقر به) الصداق: (فقول زوجٍ) بيمينه، (أو وارثه بيمينه) على الأصح.
أما كون القول قول الزوج أو وارثه في قدر الصداق؛ فلأنه منكر للزيادة ومدعى عليه، فقد دخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:" ولكن اليمين على المدعى عليه "
(1)
.
وأما كون القول قوله في عين الصداق؛ كما لو ادعت أنه أصدقها هذه الأمة، وقال هو: بل هذا العبد. وفي صفته؛ كما لو قالت: أصدقتني عبداً رومياً، فقال: بل زنجياً. وفي جنسه؛ كما لو قالت: أصدقتني كذا من البر، قال: من الشعير. وفيما يستقر به المهر؛ كما لو قالت: خلوت بي، قال: لم أخل بك؛ فلأنه منكر والقول قول المنكر بيمينه؛ لأن الأصل براءة ذمته مما لم يجب
(2)
بإقراره ولا ببينة
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1711) 3: 1336 كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1342) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
وأخرجه النسائي في " سننه "(5425) 8: 248 كتاب آداب القضاة، عظة الحاكم على اليمين.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2321) 2: 778 كتاب الأحكام، باب البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(3188) 1: 343.
(2)
في ج: مما يجب.
(3)
في ب: بينة.
(و) إذا اختلف الزوجان أو ورثتهما
(1)
(في قبضٍ) لصداق
(2)
، (أو) في (تسمية مهر مثلٍ: فقولهُا) إن وجدت، (أو) قول (ورثتها بيمين) من قبل المنكر؛ لأن الأصل عدم القبض وعدم التسمية.
(وإن تزوَّجها) أي: تزوج رجل امرأة (على صداقين: سر، وعلانية: أخذ) الزوج (بـ) الصداق (الزائد مطلقاً) أي: سواء كان الزائد صداق السر أو كان الزائد صداق العلانية. وهذا هو الأصح؛ للحوق الزيادة بالصداق بعد العقد على ما يأتي.
قال في " الإنصاف ": أما على تقدير وقوع أن مهر السر أكثر: فلا نعلم أحداً صرح بأنها لا تستحق الزائد. انتهى.
وقال الخرقي: وإن تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية، وإن كان قد انعقد بالسر.
قال الموفق في " المغني " ومن تابعه من الشارح
(3)
وغيره: وجه قول الخرقي: أنه إذا عقد في الظاهرعقداً بعد عقد السر فقد وجد منه بذلُ الزائد على مهر المثل. فيجب ذلك عليه؛ كما لو زادها في صداقها. قالوا: ومقتضى ما ذكرناه من التعليل لكلام الخرقي: أنه إن كان مهر السر اكثر من العلانية وجب مهر السر؛ لأنه وجب عليه بعقد ولم يسقطه العلانية فبقي وجوبه. انتهى
(4)
.
قال الزركشي: قد حملنا كلام الخرقي على ما إذا كان العلانية أزيد وهو متأخر بناء على الغالب. انتهى.
قال في " الإنصاف ": قلت: هذا الواقع ولا يتأتّى في العادة غيره. انتهى.
(وتُلحق به) أي: بالمهر (زيادة بعد عقد) أي: عقد النكاح ما دامت في
(1)
في أ: أورثتهما.
(2)
في ب: الصداق.
(3)
في ب: الشراح.
(4)
في أ: انتهوا.
حباله: (فيما يُقرِّرُه) أي: يقرر المهر كاملاً، (و) فيما (ينصِّفُه) على الأصح.
قال أحمد في الرجل يتزوج المرأة على مهر فلما رآها زادها في مهرها: فهو جائز. فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف الصداق الأول ونصف الزيادة. وبهذا قال
أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا تلحق الزيادة بالعقد؛ لأن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد بعد لزومه. فلم يحصل بالزيادة شيء من المعقود عليه. فلا تكون عوضاً في النكاح؛ كما لو وهبها شيئاً.
ولأنها زيادة في عوض العقد بعد لزومه. فلم تلحق به؛ كالبيع.
ولنا: قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] ولأن ما بعد العقد زمن لفرض المهر. فكان حالة للزيادة؛ كحالة العقد. وبهذا فارق البيع والإجارة.
وقوله: إنه لم يحصل بالزيادة شيء من المعقود عليه يبطل بجيمع الصداق فإن الملك ما حصل به، ولهذا صح خلوه عنه.
إذا ثبت هذا فإن معنى لحوق الزيادة: أنه يثبت لها حكم المسمى في العقد، في أنها تتنصف بالطلاق قبل الدخول، ولا تفتقر إلى شروط الهبة. وليس معناه: أن الملك يثبت فيها من حين العقد.
ولأنها ثبتت لمن كان الصداق له؛ لأن الملك لا يجوز تقدمه على سببه ولا وجوده في حال عدمه، وإنما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ.
(وتُملك) الزيادة (به) أي: بجعلها (من حينها. فما) زاده زوج (بعد عتق زوجة) زوّجها سيدها وهي أمة (لها) دون سيدها.
قال في " الإنصاف ": فعلى المذهب: تملك الزيادة من حينها. نقله مهنا في أمة عتقت فزيد مهرها. وجعلها القاضي لمن أصل الزيادة له. انتهى.
(ولو قال) الزوج: هو (عقد) واحد (أُسِرَّ ثم أُظهر) بالبناء للمفعول،
(وقالت) الزوجة: بل هما (عقدان بينهما فرقة، فـ) القول في ذلك (قولها) بيمينها؛ لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكماً كالأول. ولها المهر في العقد الثاني إن كان دخل بها ونصف المهر في العقد الأول إن ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول. وإن أصر على الإنكار سئلت المرأة فإن أدعت أنه دخل بها في النكاح ثم طلقها طلاقاً بائناً ثم نكحها نكاحاً ثانياً حلفت على ذلك واستحقت، وإن أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما أقرت به. قاله في " شرح المقنع ".
(وإن اتَّفقا قبل عقد على مهر، وعقداه بأكثر تجمُّلاً) مثل: أن يتفقا على أن المهر ألف ويعقدانه على ألفين (فالمهر: ما عقد عليه) وهما الألفان على الأصح؛ لأنها تسمية صحيحة في عقد صحيح. فوجبت
(1)
؛ كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون السر من جنس العلانية بأن يتفقا على ألف درهم ويعقداه على ألفي درهم، أو من غير جنسه باًن يتفقا على ألف درهم ويعقداه على مائة دينار.
(ونص: أنها تفي) لزوجها (بما وعَدتْ به وشرَطتْه) يعني: أنه حيث تقرر أن الواجب مهر العلانية فيستحب للمرأة أن تفي للزوج بما وعدته به وشرطته:
من أنها لا تأخذ منه إلا مهر السر.
قال أحمد في رواية ابن منصور: إذا زوَّجوا امرأة في السر وأعلنوا مهراً ينبغى أن يفوا
(2)
، ويؤخذ بالعلانية. فاستحب الوفاء بالشرط؛ لكيلا يحصل منهم غرور.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمنون على شروطهم "
(3)
.
(وهدية زوج ليست من المهر). نص عليه. (فما) أهداه الزوج (قبل
(1)
في ب: فوجب.
(2)
في ج: يوفوا.
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3594) 3: 304 كتاب الأقضية، باب في الصلح.
عقدٍ: إن وعَدُوه) بأن يزوجوه (ولم يَفُوا) بأن زوجوا غيره (رجع بها) أي: بالهدية.
قال في " الإنصاف ": قاله الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في " الفروع ".
قلت: وهذا مما لا شك فيه. انتهى.
(وما قُبض) أي: قبضه أخو الزوجة أو نحوه (بسبب نكاح)؛ كالذي يسمونه الميكلة (فكمهر) أي: فحكمه حكم المهر فيما يقرره وينصفه.
(وما كُتب فيه المهر: لها، ولو طُلقت) أي: لا يخرج منها بطلاقها. قال ذلك والمسألة التي قبلها الشيخ تقي الدين.
(وتُردُّ هدية) على زوج (في كل فرقة اختياريَّة مسقطة للمهر؛ كفسخ لفَقْد كفاءة، ونحوه قبل الدخول.
وتثبت) الهدية (مع) أمر (مقررٍ له) أي: للمهر (أو لنصفه).
قال في القاعدة الخمسين بعد المائة: حكى الأثرم عن الإمام أحمد في المولى يتزوج العربية: يفرق بينهما. فإن كان دفع إليها بعض المهر ولم يدخل بها: يردوه، وإن كان أهدى هدية: يردونها عليه.
قال الماضي في " الجامع ": لأن في هذه الحال
(1)
يدل على أنه وهب شرط بقاء العقد. فإذا زال ملك الرجوع؛ كالهبة بشرط الثواب. انتهى.
قال فى " الإنصاف ": وهذا في الفرقة القهرية لفقد الكفاءة ونحوها ظاهر.
وكذلك الفرقة الاختيارية المسقطة للمهر.
فأما الفسخ المقرر للمهر أو لنصفه
(2)
فتثبت معه الهدية. انتهى.
(ومن أخذ) شيئًا (بسبب عقد؛ كدلاّل) في بيع، (ونحوه)؛ كإجارة (فإن فُسخ بيعُ بإقالة، ونحوها: مما يقف على تراض: لم يرده.
(1)
في ب: الحالة.
(2)
في أ: نصفه.
وإلا) أي: وإن لم يقف الفسخ على تراض؛ كالفسخ لعيب أو نحوه:
(رده) أي: رد ما أخذ بسبب عقد.
(وقياسه) أي: وقياس ذلك في الأنكحة: (نكاح فُسخ لفقد كفاءة، أو عيب فيردُّه)
أي: فيرد الآخذُ ما أخذ بسبب عقد النكاح؛ لأن الفسخ بذلك لم يقف على تراضي الزوجين، وإنما يقع قهراً على الزوج وعلى المعيب منهما.
(لا) إن فسخ (لردَّة ورضاع ومخالَعة) فإن الآخذ لا يرد في هذه الصور شيئاً.
قال في " الإنصاف ": وإن كانت العطية لغير المتعاقدين بسبب العقد؛ كأجرة الدلال ونحوها ففي النظريات لابن عقيل: إن فسخ البيع بإقالة ونحوهما مما يقف على التراضي فلا ترد الأجرة. وإن فُسخ بخيار أوعيب: ردت؛ لأن البيع وقع متردداً بين اللزوم وعدمه.
وقياسه في النكاح: أنه إن فُسخ لفقد الكفاءة أو لعيب: رُدت. وإن فسخ لردة أو رضاع أو مخالعة: لم ترد. انتهى. نقله صاحب "القواعد".
***
[فصل: في عدم تسمية الصداق]
(فصل في المفوّضة) بكسر الواو وفتحها. فمن كسر أضاف الفعل إلى المرأة على أنها فاعلة، ومن فتح أضافه إلى وليها.
ومعنى التفويض: الإهمال، كأن المهر أهمل حيث لم يسم. قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
يعني: مهملين.
(و) التفويض ضربان:
الأول: (تفويض بُضع: بأن يزوج اب بنته المجبرة، أو غيرها بإذنها) بلا مهر، (أو) يزوج (غير الأب بإذنها)؛ كأخ يزوج أخته (بلا مهر) فيصح العقد مع عدم تسمية صداق. ويجب لها مهر المثل في قول عامة أهل العلم؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236].
وروي عن ابن مسعود "أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات. فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وَكْس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بِرْوع بنت واشق امرأةٍ منا مثل ما قضيت "
(1)
. رواه أبو داود والترمذي.
وقال: حديث حسن صحيح.
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه "(2116) 2: 237 كتاب النكاح، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1145) 3: 450 كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها.
ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره.
ولا فرق في ذلك بين أن يقول: زوجتك بغير مهر أو يزيد لا في الحال ولا
في الثانى
(1)
؛ لأن معناهما واحد.
(و) الضرب الثانى: (تفويض مهر) وهو: أن يجعلا الصداق إلى رأي أحد الزوجين أو رأي أجنبي؛ (كـ) أن يقول: زوجتك بنتي أو أختي أو نحوهما (على ما شاءت) الزوجة، (أو شاء) الزوج، (أو شاء أجنبي)، أي: فلان وهو أجنبي من الزوجين، (ونحوه) أي: نحو هذا اللفظ؛ كزوجتك على حكمك، أو حكمها، أو حكمي، (فالعقد صحيح) في جميع هذه الصور.
(ويجب به) أي: بالعقد في المسألتين (مهر المثل)؛ لأنها لم تأذن في تزويجها إلا على صداق، لكنه مجهول. فسقط لجهالته، ووجب مهر المثل.
(ولها مع ذلك) أي: مع التفويض (ومع فساد تسمية)؛ كما لو تزوجها على خمر أو خنزير أو كلب (طلب فرضه) قبل الدخول وبعده فإن امتنع أجبرعليه؛ لأن النكاح لا يخلو من المهر. فوجب لها المطالبة ببيان قدره. وبهذا قال الشافعي.
قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم فيه مخالفاً.
(ويصح إبراؤها منه) أي: إبراء الزوجة من مهر المثل (قبل فرضه) أي:
قبل أن يفرضه الحاكم على الأصح.
وعنه: لا؛ لجهالته.
ووجه الصحة: انعقاد سبب وجوبه وهو عقد النكاح؛ كالعفو عن القصاص
بعد الجرح وقبل الزهوق.
(فإن تراضيا ولو على) شيء (قليل: صح) يعني: أنه إن اتفق الزوجان على فرضه جاز ما رضياه، قليلاً كان أو كثيراً، وسواء كانا عالمين بمهر المثل أو جاهلين به؛ لأنه إذا فرض لها كثيراً فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه، وإن
(1)
في ب: المال.
فرض لها يسير فقد رضيت بدون ما يجب لها.
(وإلا) أي: وإن لم يتراضيا على شيء (فرَضه) أي: فرض مهرَ المثل (حاكمُ بقدره) أي: بقدر مهر المثل؛ لأن الزيادة عليه ميل على الزوج، والنقص عنه ميل على الزوجة ولا يحل الميل.
ولأنه إنما يفرض بدل البضع فيقدر بقدره كالسلعة إذا تلفت يرجع في تقويمها بما يقوله أهل الخبرة، ويعتبر معرفة مهر المثل؛ ليتوصل إلى إمكان فرضه.
ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق، ولا تجب المتعة معه.
(ويلزمهما فرضه كحكمه) يعني: يلزم الزوجين ما فرضه الحاكم، رضيا به أو لم يرضيا؛ كما يلزمهما ما حكم به.
قال في"الفروع": (فدل أن ثبوت سبب المطالبة؛ كتقديره أجرة مثلٍ أو نفقةٍ، ونحوه حكم)، خلافاً لمالك. انتهى.
قال ابن نصر الله في " حاشية الفروع ": قوله: فدل أن ثبوت سبب المطالبة وهو هنا فرض الحاكم فإن مجرد فرضه له سبب لمطالبتها، وليس بحكم صريح ولكنه متضمن للحكم. انتهى.
يعني: (فلا يغيِّره) أي: يغير حكم الحاكم الأول (حاكم آخر: ما لم يتغيَّر السبب)؛ كيسرة في النفقة أو عسرة.
(وإن مات أحدهما) أي: أحد الزوجين اللذين لم يسم في عقد نكاحهما صداق (قبل دخولٍ) بالزوجة (و) قبل (فرضٍ) للصداق، سواء كان الميت الزوج أو الزوجة:(وَرِثه صاحبه)؛لأن ترك تسمية الصداق لم يقدح في صحة النكاح.
(ولها) مع وجود ما يقرر المهر من موت أو دخول أو غيرهما (مهر نسائها)
أي: مهر مثلها المعتبر بمن يساويها من جميع أقاربها كما يأتي؛ لحديث ابن مسعود السابق
(1)
.
(1)
ر. حديث ابن مسعود في ص (224) رقم (1).
(وإن طُلقِّت) المفوضة (قبلهما) أي: قبل الدخول وفرض المهر (لم يكن عليه) أي: على المطلق (إلا المتعة) على الأصح. نص عليه أحمد في رواية الجماعة. وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي.
وعن أحمد رواية أخرى: أن لها نصف مهر مثلها، لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول. فوجب نصفه بالطلاق قبل الدخول؛ كما لو سمى لها محرّماً.
وقال مالك والليث وابن أبي ليلى: المتعة مستحبة، لأن الله سبحانه وتعالى قال:{حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236].
ولأنها لو كانت واجبة لم تختص
(1)
المحسنين دون غيرهم.
ولنا: قوله سبحانه وتعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236].والأمر يقتضي الوجوب.
ولقوله سبحانه وتعالى أيضاً: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241].
ولأن أداء الواجب من الإحسان فلا تعارض.
ولأنه طلاق في نكاحٍ يقتضي عوضاً. فلا يعدل عنه؛ كغير المفوضة.
وإن طلقت قبل الدخول وبعد فرضه كان لها نصف ما فرض لها، ولا متعة على الأصح؛ لقوله سبحانه وتعالى:{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237].
ولأنه مفروض يستقر بالدخول. فيتنصف
(2)
بالطلاق قبله، كالمسمى في العقد.
(1)
في ب: يخص.
(2)
في أوب: فتنصف.
وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة، وكل فرقة سقط بها المسمى؛ كاختلاف الدين، والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا تجب به متعة. وذلك لأن المتعة أقيمت مقام نصف المسمى. فسقطت في كل موضع يسقط؛ كما يسقط الأبدال إذا سقط مبدَلها.
(وهي) أي: المتعة: (ما تجب لحرة أو سيد أمة على زوج، بطلاقٍ قبل دخول، لمن لم يُسمَّ لها مهر مطلقاً) أي: سواء كانت مفوضة البضع، أو مفوضة المهر، أو سمي لها مهر فاسد؛ كالخمر والخنزير، وسواء في ذلك الحر والعبد والحرة والأمة والمسلم والذمي والمسلمة والذمية؛ لعموم النص.
ولأن ما يجب من الفرض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد، كالمهر.
وإن وهب الزوج للمفوضة شيئاً ثم طلقها قبل فرض الصداق فقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهراً ثم وهب لها غلاماً ثم طلقها قبل الدخول؟ قال: لها المتعة. وذلك؛ لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة، كما لا ينقضي بها نصف المهرالمسمى.
ولأن المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله.
ولأنها واجب. فلا تنقضي بالهبة، كالمسمى، ولا تتقدر المتعة، بل يكون (على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره). وذلك، لأن
(1)
المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره. نص عليه أحمد وهو الأصح.
وقيل: بحال الزوجة.
وقيل: بحالهما.
ووجه المذهب: قوله سبحانه وتعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ} [البقرة: 236]، وهذا نص في أنها تعتبر بحال الزوج. ولو كان الاعتبار بحال الزوجة لم يكن على الموسِع قدره وعلى المقتر قدره.
(1)
في أ: أن.
إذا ثبت هذا (فأعلاها خادم) إذا كان الزوج موسراً، (وأدناها) إذا كان الزوج فقيراً (كسموة تجزئها) أي: تجزئ المرأة (في صلاتها)،وهي درع وخمار وثوب تصلي فيه.
ونحو ما ذكرنا في أدناها قال الثوري والأوزاعي وعطاء ومالك وأبوعبيد. وأصحاب الرأي قالوا: درع وخمار وملحفة.
وعنه: يرجع في تقدير المتعة إلى الحاكم.
وعنه: يجب للمفوضة إذا طلقت نصف مهر المثل.
والأول المذهب.
(ولا تسقط) المتعة (إن وهبته) أي: وهبت المرأة للزوج (مهر المثل قبل الفرقة) في الأصح، لأن الله سبحانه وتعالى قال:[وَمَتِّعُوهُنَّ][البقرة: 236] فأوجب لها المتعة فيه. وهي إنما وهبته مهر المثل فلا تدخل المتعه فيه.
ولا يصح إسقاطها قبل الفرقة؛ لأنه إسقاط ما لم يجب. فلا يصح؛ كما لو أسقطت الشفعة قبل البيع.
(وإن دخل) الزوج (بها) أي: بالمفوّضة: (استقر مهر المثل)؛ لأنه يقرر مهر المثل ما يقرر المسمى.
(ولا متعة) للمفوضة التي تقرر لها مهر المثل بالدخول عليها: (إن طُلقت بعد) أي: بعد تقرر مهر المثل لها على الأصح، لقوله سبحانه وتعالى:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236]، ثم قال تعالى:{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] فخص الأولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض، مع تقسيمه النساء قسمين، وإثباته لكل قسم حكماً. فدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه
(1)
.
(1)
في أوب: بحكم.
(ومهر المثل معتبر بمن يساويها من جميع أقاربها) على الأصح. وذلك؛ (كأم وخالة وعمة وغيرهن)؛ كأخت وبنت أخ وبنت عم، (القربى فالقربى)؛ لقوله في حديث ابن مسعود:"ولها صداق نسائها"
(1)
. فإن المرأة تطلب لحسبها كما جاء في الأثر وحسبها يختص به أقاربها، ويزداد المهر لذلك ويقل لعدمه.
وتعتبر المساواة (في مال) متعلق بيساويها وكذا ما بعده، (وجمالٍ، وعقلٍ وأدبٍ، وسِنٍ، وبَكارةٍ أو ثُيُوبةٍ، و) في (بلدٍ) وفي صراحةِ نسبها وكل ما يختلف لأجله الصداق. وإنما اعتبرت هذه الصفات؛ لأن مهر المثل إنما هو بدل متلف. فاعتبرت الصفات المقصودة فيه.
(فإن لم يكن) في نسائها (إلا دونها: زيدَت بقدر فضيلتها)؛ لأن زيادة فضيلتها يقتضي زيادة في مهرها، فتقدر الزيادة بقدر الفضيلة.
(أو) لم يوجد في نسائها (إلا فوقها: نُقِصت بقدر نقصها)؛ كأرش العيب بقدر نقص المبيع.
(وتُعتبر عادة: في تأجيل) أي: عادة نسائها في تأجيل المهر (وغيره)؛ كفي جنسه. وإن كانت عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك.
وعلى هذا: لو كانت عادتهم التخفيف لمعنى مثل: شرف الزوج ويساره ونحو ذلك اعتبر ذلك جرياً على عادتهم.
(فإن اختلفت) عادتهم (أو) اختلفت (المهور: أُخذ بـ) مهر (وسطٍ حال) من نقد البلد. فإن جمعت نقوداً فمن غالبه؛ لأنه بدل متلف. فأشبه قيم المتلفات.
(وإن لم يكن لها أقارب: اعتُبر شَبَهُها بنساء بلدها. فإن عُدمن) أي: عدمت نساء بلدها: (فـ) يكون الاعتبار (بأقرب النساء شَبهاً بها، من أقرب بلد إليها)؛ لأنه لما تعذر أقاربها اعتبر أقرب الناس شبهاً بها من غيرهم، كما اعتبرنا الأقارب البعيدة مع عدم الأقارب القريبة.
(1)
ر. حديث ابن مسعود في ص (224).
[فصل: في صداق العقد الفاسد]
(فصل. ولا مهر بفرقة قبل دخول)[أو خلوة]
(1)
، (في نكاح فاسد، ولو بطلاق أو موت)؛ لأن المهر يجب بالعقد والعقد فاسد؛ لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه. فإذا افترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره فلا مهر فيه؛ لأنه عقد فاسدُ. فيخلو من العوض؛ كالبيع الفاسد.
(وإن دخل) أي: وطئ فيه الزوجة (أو خلا بها) فيه: (استقر) عليه المهر (المسمى) على الأصح المنصوص؛ لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة " ولها الذي أعطاها بما أصاب منها "
(2)
.
قال القاضي: حدثناه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال بإسنادهما.
ولأنهما اتفقا على أنه المهر. فيلزمهما ذلك باعترافهما.
واستقراره بالخلوة بقياسه على العقد الصحيح.
(ويجب مهر المثل بوطءٍ ولو) كان الوطء (من مجنون في) نكاح (باطل إجماعاً)؛ كنكاح زائدة على أربع، (أو) وطء (بشبهة، أو) وطء (مكرَهة على زناً)، إذا كان وطؤها (في قُبُل دون أرش بكارة) للمكرهة على الأصح.
يعني: أنه متى وطئت امرأة باسم نكاح باطل إجماعاً، أو وطئت بشبهة؛ كمن وطئ امرأة أجنبية يظنها امرأته
(3)
، أو وطئت امرأة مكرهة بزنا فإنه يجب لها مهر المثل بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:" فلها المهر بما استحل من فرجها "
(4)
أي: نال منه،
(1)
زيادة من ج.
(2)
أخرجه أحمد في"مسنده"(25365) 6: 166 ولفظه: "ولها مهرها بما أصاب منها".
(3)
في أوب: امرأة.
(4)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2083) 2: 229 كتاب النكاح، باب في الولي.
وأخرجه الترمذي في"جامعه"(1102) 3: 407 كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي.
وهو الوطء. فإن ذِكْره الاستحلال في غير موضع الحل دليل على إرادة المباشرة المقصودة بالاستحلال وهي الوطء وقد وجدناها هنا. فيجب المهر بذلك.
ولأنه إتلاف للبضع بغير رضى مالكه. فأوجب القيمة وهو المهر، كسائر المتلفات.
وأما كونه لا يجب مع المهر أرش البكارة، لأنه وطء ضُمِن بالمهر. فلا يجب معه الأرش؛ كسائر الوطء.
ولأن الأرش يدخل في مهر المثل، لأنه يعتبر ببكرٍ مثلها، فلا يجب مرة أخرى.
ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه على الأصح؛ لأن ما ضُمن للأجنبي ضمن للمناسب؛ كالمال ومهر الأمة.
ولأنه أتلف منفعة بضعها بالوطء. فلزمه مهرها؛ كالأجنبية.
ولأ ـحل مضمون على غيره. فوجب عليه ضمانه؛ كالمال.
وبهذا فارق اللواط فإنه غير مضمون على أحد؛ لأن الشرع لم يرد ببدله ولا
هو إتلاف لشيء. فأشبه القبلة والوطءَ دون الفرج.
(ويتعدد) المهر (بتعدُّدِ شبهة)؛ كما لو وطئها ظاناً أنها زوجته فاطمة، ثم وطئها ظاناً أنها زوجته عائشة، ثم وطئها ظانا انها أمته فإنه يجب عليه ثلاثة مهور.
(و) يتعدد عليه المهر أيضاً بتعدد (إكراه) على الزنا، لا بتكرار الوطء في الشبهة الواحدة. قاله بمعناه في " الترغيب " وغيره.
وذكر أبو يعلى الصغير: يتعدد بتعدد الوطء في الشبهة، لا في نكاح فاسد.
وفي " المغني " و" النهاية " وغيرهما في الكتابة
(1)
: يتعدد في نكاح فاسد ووطؤه مكاتبته: إن استوفت مهراً عن الوطء الأول، وإلا فلا.
وفي " الانتصار " و" عيون المسائل " و" المغني ": لا يتعدد في نكاح
(1)
وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(1879) 1: 605 كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولى.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(24417) 6: 66 كلهم عن عائشة.
في ب: الكناية.
فاسد. وقاله في " التعليق "؛ لدخولها على أن تستحق مهراً أي: واحداً.
(ويجب) المهر (بوطءِ ميتة).
قال في "الفروع ": ولو وطئ ميتة لزمه المهر في ظاهر كلامهم. وهو متجه.
وقيل للقاضى: لو لم يبطل الإحرام بالموت لزمته الفدية إذا طيب؟ فقال: إنما لم تلزمه؛ لأن وجوبها يتعلق بحصول الانتفاع بذلك، وبالموت يزول، والمنع لحق الله، ولا يزول بالموت.
ولأنه باطل بالمحُرم الميت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأنه لا يمتنع بقاء التحريم. ويزول الضمان بالمال، كما أن كسر عظم الميت محرم ولا ضمان، ووطء الميتة محرم ولا مهر ولا حد. فسوَّى القاضي بين المهر والحد في النفي، فقد يتوجه منه استواؤهما، فيثبت في هذا ما يثبت في هذا. انتهى.
(لا مطاوعةٍ) يعني: أنه لا يجب للحرة المطاوعة على الزنا مهر؛ لأنه إتلاف للبضع برضى مالكه. فلم يجب له شئ؛ كسائر المتلفات، وسواء كان الوطء في قبل أو دبر.
(غير أمة)، لأنها لا تملك بضعها ولا يسقط حق سيدها بطواعيتها.
(أو مبعَّضة بقدر رق) يعني: أن المبعضة لو طاوعت على الزنا لا يسقط حق مالك بعضها
(1)
من مهرها ما يقابل قدر ماله فيها من الرق؛ لأن رضاها لا يسقط حق مالك بعضها من مهرها.
(وعلى من أذهبَ عُذرة أجنبية) أي: غير زوجة (بلا وطء، أرشُ بكارتها) لا مهر مثلها على الأصح؛ لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير عوضه. فرجع فيه إلى أرشه؛ كسائر المتلفات.
(وإن فعله) أي: أذهب عذرتها (زوج) بلا وطء، (ثم طلَّق) من أذهب عذرتها بغير الوطء (قبل دخول) بها:(لم يكن عليه إلا نصف المسمى)؛
(1)
في ج: بضعها.
لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] وهذه مطلقة قبل المسيس والخلوة فلا يكون لها سوى نصف الصداق المسمى.
ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد. فلا يضمنه بغيره؛ كما لو أتلف عذرة أمته.
(ولا يصح تزويج مَن نكاحها فاسد، قبل طلاقٍ أو فسخٍ. فإن أباهما)
أي: أبى الطلاق والفسخ (زَوْج: فَسَخَه حاكم). نص عليه.
وظاهره لو زوجها
(1)
قبل فسخه لم يصح مطلقاً، خلافا لمالك. قاله في" الفروع ".
وقال الشافعي: لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق، لأنه نكاح غير منعقد. أشبه النكاح في العدة.
ولنا: أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق إلى إيقاع فرقة؛ كالصحيح المختلف فيه.
ولأن تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسليط زوجين عليها، كل واحد منهما يعتقد صحة نكاحه وفساد نكاح الآخر. ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين.
قال في " شرح المقنع ": فعلى هذا متى تزوجت بآخر قبل التفريق: لم يصح النكاح الثاني، ولم يجز تزويجها لثالث حتى يطلّق الأولان أو يفسخ نكاحهما. انتهى.
(ولزوجة قبل دخول، منعُ نفسها) من الزوج (حتى تقبض مهراً حالاًّ) عليه. ولا فرق في ذلك بين المسمى لها والمفوضة.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم: أن للمراة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها.
(1)
في ج: تزوجها، وقد سقطت من ب.
ولأن المنفعة المعقود عليها تتلف بالاستيفاء. فإذا تعذر استيفاء المهر عليها لم يمكنها استرجاع عوضها. بخلاف البيع.
(لا) إذا كان المهر (مؤجلاً) ثم (حلَّ)؛ لأنها رضيت بتأخيره.
(ولها زمنه) أي: وللزوجة زمن امتناعها من أجل قبض مهرها الحالّ: (النفقة).
قال في " الفروع ": وعلّل أحمد وجوب النفقة بأن الحبس من قبله.
وظاهر كلام جماعة: لا نفقة. وهو متجه. انتهى.
(و) للزوجة أيضاً زمن امتناعها من أجل قبض مهرها الحال (السفر بلا إذنه) أي: إذن الزوج؛ لأنه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس. فصارت كمن لا زوج لها. ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه؛ كسائر الديون.
قال في " الإنصاف ": حيث قلنا لها منع نفسها: فلها أن تسافر بغير إذنه.
قطع به الجمهور.
وقال في " الروضة ": لها ذلك في أصح الروايتين. انتهى.
(ولو قبضته) أي: قبضت مهرها الحال (وسلَّمت نفسها، ثم بان) الذي قبضته (مَعيباً: فلها منع نفسها) حتى تقبض بدله؛ لأنها إنما أسلمت نفسها ظناً منها أنها قبضت صداقها فتبين عدمه.
(ولو أبى كلُ) من الزوج والزوجة (تسليم ما وجب عليه) للآخر؛ بأن قال الزوج: لا أسلم إليها الصداق حتى أتسلمها، وقالت: لا أسلم نفسي حتى أقبض صداقي الحالّ: (أُجبر زوج) على تسليم الصداق أوّلاً، (ثم) أجبرت (زوجة) على تسليم نفسها؛ لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولاً خطر إتلاف البضع، والامتناع من بدل الصداق. فلا يمكن الرجوع في البضع.
(وإن بادر أحدهما) أي: أحد الزوجين (به) أي: ببذل ما وجب عليه للآخر: (أُجبر الآخر)؛ لأنه لم يبق له حجة في التأخير.
(ولو أبت) الزوجة (التسليم) أي: تسليم نفسها (بلا عذر) لها: (فله)
أي: فللزوج (استرجاع مهرٍ قُبض) أي: قبضته منه.
قال في " الإنصاف ": فإن بادر هو فسلم الصداق فله طلب التمكين. فإن أبت بلا عذر فله أسترجاعه. انتهى.
(وإن دخل) الزوج بها مطاوعة (أو خلا بها مطاوعة: لم تملك منع نفسها) منه (بعد) أي: بعد ما ذكر في الأصح؛ لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم. فلم يكن لها أن تمنع
(1)
نفسها بعد ذلك.
وعلم مما تقدم أنه لو وطئها مكرهه لم يسقط حقها من الامتناع بعد ذلك؛ لأنه حصل بغير رضاها فهو كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرهاً.
(وإن أعسر) الزوج (بمهر حالٍّ ولو بعد دخول) في الأصح (فلحرة مكلفة) أي: فللزوجة إن كانت حرة مكلفة (الفسخ)؛لأنه تعذر الوصول إلى العوض بعد قبض المعوض. فكان لها الفسخ؛ كما لو أفلس المشتري.
ومحل ذلك الفسخ: (ما لم تكن) الزوجة (عالمة بُعسرته) أي: عسرة الزوج حين العقد لرضاها به معسراً.
(والخِيَرَة) في الفسخ (لـ) ـزوجة (حرة) مكلفة (وسيد أمة. لا ولي صغيرة ومجنونة)؛ لأن الحق إذا كانت حرة مكلفة لها، وإذا كانت أمة فلسيدها؛ لأنه مالك نفعها. والصداق عوض منفعتها فهو ملكه.
(ولا يصح الفسخ إلا بحكم حاكم)؛ لأنه فسخ مختلف فيه. فأشبه الفسخ للعنة، والفسخ للإعسار بالنفقة.
ولأنه لو قيل بصحته بغير حكم حاكم لاعتقدت الزوجة إباحتها للأزواج بذلك، والزوج يعتقد بقاء زوجته. فإذا تزوجت معتمدة على فسخها من غير حاكم صار لها زوجان كل واحد يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر. وهذا لا يكون في الإسلام.
ومن اعترف لامرأة بأن هذا ابنه منها لزمه لها مهر مثلها؛ لأنه الظاهر. قاله في
" الترغيب " واقتصر عليه في " الفروع ".
(1)
في أ: تعلم.
[باب: الوليمة]
(باب الوليمة. وهي اجتماعُ لطعام عُرْس خاصة). هذا قول أهل اللغة.
قاله في " المطلع ".
قال ابن عبدالبر: قاله ثعلب وغيره. واختاره الموفق والشارح وغيرهما.
وقدمه في " النظم ".
وقال بعض أصحابنا: الوليمة تقع على كل طعام لسرورٍ
(1)
حادث إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر.
وقيل: تطلق على كل طعام لسرور حادث إطلاقاً متساوياً. قاله القاضي في" الجامع ". نقله عنه الشيخ تقي الدين.
وقال في " المستوعب ": وليمة الشيء: كماله وجمعه؛ لأنها مشتقة من الالتيام
والاجتماع.
قال ابن الأعرابي. يقال: أوْلم الرجل إذا اجتمع عقله وخلقه.
وأصل الوليمة تمام الشئ واجتماعه.
ويقال للقيد: ولم؛ لأنه يجمع إحدى الرجلين إلى الأخرى.
وقال الأزهري: مسمي طعام العرس وليمة؛ لاجتماع الرجل والمرأة.
(وحِذَاق): اسم (لطعام عند حِذَاقِ صبي.
وعَذِيرة وإعْذار). اسم (لطعام ختان.
وخُرْسة وخُرْس): اسم (لطعام ولادة.
(1)
في ب: بسرور.
ووكِيرةُ): اسم (لدعوة بِناء.
ونَقيعة): اسم لطعام (لقدوم غائب.
وعَقِيقة): اسم (لذبح لمولود.
ومَأدُبة): اسم (لكل دعوة لسبب وغيره.
ووضيِمةُ): اسم (لطعام مأتم.
وتُحفة): اسم (لطعام قادم.
وشُنْدخِيَّة): اسم (لطعام إملاكٍ على زوجة.
ومُشدَاخ): اسم (لـ) طعام (مأكول في ختمة القارى).
وقد نظمها بعضهم ولم يستوعبها، فقال:
وليمة عرس، ثم خُرس ولادة
…
وليمة عرس، ثم خُرس ولادة
ومأدبة أطلق نَقيعة غائب
…
وَضِيمة موت والوَكيرة للدار
وزيدت لأملاك المزوج شندخ
…
ومشداخ المأكول في ختمة القاري
فأخلَّ بالحذاق وبالتحفة.
(ولم يخُصُّوها) أي: الدعوة (لإخاءٍ وتَسَرٍ باسم.
وتسمى الدعوة العامة: الجَفَلَى) بفتح الفاء.
(و) تسمى الدعوة (الخاصة: النّقَرى).
قال الشاعر:
نحن في المشتاة
(1)
ندعو الجفلى
…
نحن في المشتاة
(2)
ندعو الجفلى
أي: يخص قوماً دون قوم. والآدب بالمد: صاحب المأدبة.
(وتُسن الوليمة بعقد) أي: عقد النكاح؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها
(1)
في أوب: المشتاء.
(2)
في أوب: المشتاء.
وفعلها " فقال لعبد الرحمن بن عوف حين قال له: تزوجت: أولم ولو بشاة "
(1)
.
وقال الحسن: " ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني فأدعو له الناس فأطعمهم لحماً وخبزاً حتى شبعوا "
(2)
.
وقال أنس: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية لنفسه فخرج بها حتى بلغ ثنية الصهباء. فبنى بها. ثم صنع حيساً في نِطع صغير. ثم قال: ائذن لمن حولك. فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية "
(3)
متفق عليهن.
قال في " الإنصاف ": تستحب الوليمة بالعقد. قاله ابن الجوزي، واقتصر عليه في " الفروع "، وقدمه في " تجريد العناية ".
وقال الشيخ تقي الدين: تستحب بالدخول.
قلت: الأولى أن يقال: وقت الاستحباب موسع من عقد النكاح إلى انتهاء أيام العرس؛ لصحة الأخبار في هذا وهذا. وكمال السرور بعد الدخول، لكن قد جرت العادة فعل ذلك قبل الدخول بيسير. انتهى.
وقال في " الإنصاف " أيضاً: ولو بشاة فأقل. قاله في "الرعايتين "و
" الحاوي الصغير " و" الفروع " وغيرهم.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(3722) 3: 1432 كتاب فضائل الصحابة، باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه.
وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1427) 2: 1042 كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد. . .
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4877) 5: 1983 كتاب النكاح، باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض. عن أنس بن مالك قال:" ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أولى على أحد عن نسائه ما أولم عليها- أي زينب- أولم بشاة ".
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1428) 2: 1048 كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العرس. عن أنس قال:" ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه أكثر أو أفضل مما أولم على زينب. قال ثابت البناني: بما أولم؟ قال: أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه ".
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2120) 2: 778 كتاب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها. ولم أره في مسلم.
وقال في"الهداية"و"المذهب"و"المستوعب"و"الخلاصة"و"المحرر"وغيرهم: يستحب أن لا تنقص عن شاة. انتهى.
والإجابة إلى دعوة الوليمة واجبة بشروط أشير إليها بقوله:
(وتجب إجابة من عيَّنه) بالدعوة (داعٍ مسلم: يحرُم هجره، ومكسبُه طيب إليها) أي: إلى الوليمة، (أول مرة: بأن يدعوه في اليوم الأول). وسيأتى الكلام على محترزات ما ذكر.
ووجه وجوب الإجابة؛ ما روى أبو هريرة مرفوعاً قال: "شرالطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لا يجب فقد عصى الله ورسوله "
(1)
رواه مسلم.
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها "
(2)
متفق عليه.
وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله "
(3)
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
فجعل ترك الإجابة عصياناً لله ورسوله. وهذا معنى الوجوب.
ولأن الدعوة إنما تصنع للفرح والسرور باجتماع الإخوان، وفي ترك الإجابة كسر
(4)
لقلب الداعي. فوجبت الإجابة لذلك.
وقيل: إجابة الدعوة فرض كفاية.
(1)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(1432) 2: 1054 كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4884) 5: 1985 كتاب النكاح، باب إجابة الداعي في العرس ونحوه.
وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1429) 2: 1052 الموضع السابق.
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3741) 3: 341 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(1913) 1: 616 كتاب النكاح، باب إجابة الداعي، عن أبي هريرة. ولم أره في الترمذي.
(4)
في أوب: كسراً.
وقيل: مستحبة.
(وتُكره إجابة من في ماله) جزء (حرام؛ كأكله) يعني: كما يكره أكله (منه، ومعاملته، وقبول هديته، و) قبول (هبته، ونحوه)؛ كقبول صدقته.
وفي جواز الأكل من مال من في ماله حرام أربعة أقوال:
أحدها: التحريم مطلقاً. قطع به ولد الشيرازي في " المنتخب ".
قال الأزجي في " نهايته ": هذا قياس المذهب. وقدمه أبو الخطاب في" الانتصار ". وسأل المروذي أحمد عن الذي يعامل بالربا يأكل عنده؟ قال: لا.
قال في "الرعاية الكبرى " في آدابها: ولا يأكل مختلطاً بحرام بلا ضرورة.
القول الثاني: إن زاد الحرام على الثلث حرم الأكل وإلا فلا. قدمه في" الرعاية ".
القول الثالث: إن كان الحرام أكثر حرم الأكل، وإلا فلا إقامة للأكثر مقام الكل. قطع به ابن الجوزي في " المنهاج ".
نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد فيمن ورِث مالاً فيه حرام: إن عرف شيئاً بعينه رده، وإن كان الغالب على ماله الفساد تنزه عنه أو نحو هذا.
ونقل حرب في الرجل يخلف مالاً: إن كان غالبه نهباً أو ربا ينبغي لوارثه أن يتنزه عنه، إلا أن يكون يسيراً لا يعرف.
القول الرابع: عدم التحريم مطلقاً قلّ الحرام أو كثر، لكن يكره. وتَقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته. جزم به في"المغني " و"الشرح "،وقاله
ابن عقيل في " فصوله " وغيره، وقدمه الأزجي وغيره. وهذا القول هو الذي في المتن.
قال في " الإنصاف ": قلت: وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة. وأطلقهن في " الفروع " في باب صدقة التطوع و" القواعد الأصولية ".
قال في " الفروع ": وينبني على هذا الخلاف حكم معاملته وقبول صدقته وهبته وإجابة دعوته ونحو ذلك. انتهى.
وحيث تقرر أنه إنما تجب إجابة من عينه الداعي المسلم في اليوم الأول (فإن دعا) رب الوليمة (الجفَلَى) بفتح الفاء، ويقال: الأجفلى وذلك، (كـ) قوله:(أيها الناس تعالوا إلى الطعام)، أو قال رسول رب المال: أمرت أن أدعو كل من لقيته، أو أمرت ان أدعو كل من شئته: كرهت في أصح الوجوه.
قال في " الإنصاف ": جزم به في " الكافي " و" الرعايتين " و" الوجيز " وغيرهم. انتهى.
وقيل: لم تجب ولم تستحب. قاله الموفق وشارح " المقنع " وغيرهما.
وقيل: تباح
(1)
.
(أو) دعاه رب الوليمة (في) المرة (الثالثة)، كما لو دعاه في اليوم الثالث كرهت إجابته.
نقل حنبل: إن أحب أجاب في الثاني ولا يجيب في الثالث. وذلك " لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الوليمة أول يوم حق، والثانى معروف، والثالث رياء وسمعة "
(2)
رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما.
وروي عن سعيد بن المسيب " أنه دُعي إلى وليمة مرتين فأجابه، فدعي الثالثة فحصب الرسول "
(3)
رواه الخلال.
(أو دعاه ذمي: كُرهت إجابته).
قال في " الإنصاف ": وأما إذا دعاه الذمي فالصحيح من المذهب:
لا تجب إجابته. ثم قال: فعلى المذهب: تكره إجابته، على الصحيح من المذهب. انتهى.
(1)
في ج: تستحب.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3745) 3: 341 كتاب الأطعمة، باب في كم تستحب الوليمة. عن زهير بن عثمان.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1915) 1: 617 كتاب النكاح، باب إجابة الداعي. عن أبي هريرة.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3745) 3: 341 كتاب الأطعمة، باب في كم تستحب الوليمة.
وذلك؛ لأن المطلوب إذلال أهل الذمة وذلك ينافي إجابتهم؛ لما في الإجابة من الإكرام.
ولأنه لا يؤمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة.
(وتُسن) الإجابة إلى دعوة الوليمة إذا دعي (في ثاني مرة)، كما لو دعي إليها في اليوم الثانى؛ لما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال:" الوليمة أول يوم حق والثانى معروف "
(1)
.
(وسائر الدعوات) أي: باقيها (مباحة) يعني: لا تكره ولا تستحب نص عليه.
أما كونها" لا تكره؛ فلما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب. فإن شاء طعم وإن شاء ترك "
(2)
رواه أحمد ومسلم
وأبو داود وابن ماجه.
و"كان ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس، ويأتيها وهو صائم "
(3)
متفق عليه.
ولو لم تكن مباحة لبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذه الألفاظ تدل على الأمر بالإجابة
إليها، وأقل درجات الأمر الاستحباب، لكن لا تستحب، بمعنى: أنها غير مسنونة؛ لأنها لم تكن تفعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فروى الحسن قال: " دعي عثمان بن أبي العاص إلى ختانٍ. فأبى أن يجيب وقال: كنا لا نأتى
(1)
سبق تخريجه في الحديث قبل السابق.
(2)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1430) 2: 1054 كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(3740) 3: 341 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1751) 1: 557 كتاب الصيام، باب من دعى إلى طعام وهو صائم.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(15256) 3: 392.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4884) 5: 1985 كتاب النكاح، باب إجابة الداعي في العرس وغيره.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1429) 2: 1052 كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة.
الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه "
(1)
رواه أحمد.
(غير عقيقة فُتسن، و) غير دعوة (مأتم فتُكره). هذا استثناء من باقي الدعوات غير الوليمة. وتقدم الحكم في كل من ذلك في محله.
(والإجابة إليها) أي: إلى باقي الدعوات غير الوليمة (مستحبة)؛ لما روى البراء
" أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإجابة الداعي "
(2)
متفق عليه.
وأدنى أحوال الأمر الاستحباب.
ولحديث جابر السابق.
ولأن في الإجابة جبر قلب الداعي، وتطييب خاطره.
وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل.
(غير) إجابة دعوة (مأتم فتُكره). وتقدم ذلك في كتاب الجنائز.
(ويستحب) لمن دعي إذا حضر الطعام (أكله) منه (ولو) كان (صائماً) متطوعاً.
ولأن له الخروج من الصوم.
ولأن في أكله إدخال السرور على قلب أخيه المسلم.
وقد روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية، فقال: إنى صائم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وتكلف لكم. كُلْ ثم صم يوماً مكانه إن شئت "
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(17938) 4: 217.
(2)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(2313) 2: 863 كتاب المظالم، باب نصر المظلوم.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(2066) 3: 1635 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم. ولفظ الحديث: عن معاوية بن سويد بت مقرن. قال: " دخلت على البراء بن ع (9) فسمعته يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع. ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم، أو عن تختم بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والاستبرق والديباج ".
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 462 كتاب الصيام، باب التخيير في القضاء إن كان صومه =
وروى أبو حفص بإسناده عن عثمان بن عفان " أنه أجاب عبد
(1)
المغيرة وهو صائم فقال: إنى صائم ولكني
(2)
أحببت
(3)
أن أجيب الداعي فأدعو بالبركة ".
(لا) إن كان صائماً (صوماً واجباً) فلا يفطر؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].
ولأن الفطر محرم والأكل غير واجب.
وقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليدَع، وإن كان مفطراً فليطعم ". رواه أبو داود.
وفي رواية: " فليصل "
(4)
. يعني: يدعو.
و" دعي ابن عمر إلى وليمة فحضر ومد يده، وقال: بسم الله، ثم قبض يده وقال: كلوا فإني صائم "
(5)
.
وسُن الإخبار بصيامه كما فعل ابن عمر؛ ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الأكل.
وعن عبد الله قال: إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم فليقل: إنى صائم، وإن كان مفطراً فالأولى له الأكل؛ لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه.
(وإن أحب دعا وانصرف)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك "
(6)
.
(1)
= تطوعاً: عند.
في أ: عند.
(2)
في ج: ولكن.
(3)
في ب: أحب.
(4)
أخرجه أبو داود في "سننه"(2460) 2: 331 كتاب الصوم، باب الصائم يُدعَى إلى وليمة. وأخرجه أحمد في "مسنده" (7735) 2:279.
وأخرجه البيهقي في" السنن الكبرى"7: 263 كتاب الصداق، باب يجيب المدعو صائماً كان أومفطراً وما يفعل كل واحد منهما.
(5)
أخرجه البيهقي في"السنن الكبري"7: 430 كتاب الصداق، باب من استحب الفطر إن كان صومه غير واجب.
(6)
أخرجه أبو داود في"سننه"(3740) 3: 341 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة. =
في " شرح المقنع ": حديث صحيح.
(فإن دعاه أكثر من واحد) في وقت واحد: (أجاب الأسبق قولاً)؛ لأن الإجابة وجبت بدعاء الأول. فلم يزل الوجوب بدعاء من بعده، ولم تجب إجابته؛ لأنها غير ممكنة مع إجابة الأول.
فإن استويا (فالأدْيَن) أي: أجاب الأدين من الداعين؛ لأنه الأكرم عند الله.
فإن استويا في الدين (فالأقرب رحماً)؛ لما في تقديمه من صلة الرحم.
فإن استويا في القرابة (فـ) الأقرب (جِواراً)؛ لما روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا اجتمع داعيان أجب أقربهما باباً. فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً "
(1)
.
وروى البخاري عن عائشة قالت: " قلت: يا رسول الله! إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؛ قال: أقربهما منك باباً "
(2)
.
ولأن هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني.
(ثم قُرع) يعني: أنه إذا دعاه أكثر من واحد واستووا في هذه المعاني أقرع بينهما أو بينهم؛ لأن القرعة تعني المستحق عند استواء الحقوق.
(وإن عَلم) من دعي (أن في الدعوة منكراً؛ كزمر وخمر وأمكنه الإنكار:
حضر وأنكر)؛ لأنه يؤدي بذلك فرضين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر. (وإلا) أي: وإن لم يمكنه الإنكار (لم يحضر)؛ لأن الإجابة حينئذ لا تجب بل تحرم؛ لما روى عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر "
(3)
رواه أحمد،
(1)
= وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(1751) 1: 557 كتاب الصيام، باب من دعى إلى طعام وهو صائم.
أخرجه أبو داود في "سننه "(3756) 3: 344 كتاب الأطعمة، باب إذا اجتمع داعيان أيهما أحق.
عن حميد بن عبدالرحمن الحميري، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2455) 2: 916 كتاب الهبة وفضلها، باب بمن يُبدأ بالهدية.
(3)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(2801) 5: 113 كتاب الأدب، باب ما جاء في دخول الحمام، عن جابر بن عبدالله.
=
ورواه الترمذي من حديث جابر؛ لأنه يكون قاصداً لرؤية المنكر وسماعه بلا حاجة. (ولو حضر) من غير علم بالمنكر (فشاهده) أي: شاهد المنكر: (أزاله)؛ لوجوبه عليه، (وجلس) بعد ذلك إجابة لمن دعاه. (فإن لم يقدر: انصرف)؛ لئلا يكون قاصداً لرؤيته أو سماعه.
ولما روى نافع قال: " كنت أسير مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة راع
(1)
.
فوضع أصبعيه في أذنيه. ثم عدل عن الطريق. فلم يزل يقول: يا نافع! أتسمع؟ حتى قلت: لا. فأخرج أصبعيه من أذنيه. ثم رجع إلى الطريق. ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع "
(2)
رواه أبو داود والخلال.
وخرج أحمد من وليمة فيها آنية فضة، فقال الداعي: نحولها فأبى أن يرجع. نقله حنبل.
(وإن عَلم به) أي: بالمنكر (ولم يره ولم يسمعه: أُبيح الجلوس) والأكل أيضاً. نص عليه. وأبيح له الانصراف فيخير. وذلك؛ لأنه لا يجب عليه إنكار مع عدم رؤية المنكر وعدم سماعه.
(وإن شاهد سُتوراً معلَّقة فيها صُور حيوان: كُره) له الجلوس ما دامت معلقة في الأصح.
قال في " الإنصاف ": والمذهب لا يحرم. انتهى.
قال أحمد في رواية الفضل: إذا رأى صوراً على الستر لم يكن رآها حين دخل، قال: هو أسهل من أن تكون على الجدار. قيل له: فإن لم يرها إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال: لا يضيق على الناس، ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني: ولا يخرج.
واحتج من حرم الجلوس معها بأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة
(3)
.
(1)
= وأخرجه أحمد في "مسنده"(125) 1: 20 عن عمر.
ساقط من أ.
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(4924) 4: 281 كتاب الأدب، باب كراهية الغناء والزمر.
(3)
عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة.
ولأنه لو لم يكن محرماً لما جاز ترك الدعوه الواجبة لأجله.
ولنا: ما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام. فقال: قاتلهم الله، لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط "
(1)
. رواه أبو داود.
ولأن دخول "الكنائس والبِيَع غير محرم وهي لا تخلو منها. وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله، كما لو كان فيه كلب.
ولا تحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس، مع أن الملائكة لا تصحبهم.
وأما إباحة ترك الدعوة من أجلها؛ فعقوبه لفاعله وزجر له عن فعله.
(لا إن كانت) الصور (مبسوطة، أو) كانت (على وِسادة) فإنه لا يكره الجلوس معها؛ لما روت عائشة قالت: " قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت له سهوة
(2)
بنمط فيه تصاوير. فلما رآه قال: أتسترين الجدار بستر فيه تصاوير؟ فهتكه. قالت: فجعلت منه منبذتين كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على إحداهما "
(3)
رواه ابن عبد البر.
قال في " القاموس ": والسهوة: الصُّفَّة أو المُخْدَع بين بيتين، أو شبه الرَّفِ
والطاقِ: يوضع فيه الشيء، أو بيت صغير شبه الخزانة الصغيرة، أو أربعة أعواد أو ثلاثة، يعارَض بعضها على بعض، ثم يوضع عليه شيء من الأمتعة. انتهى. والمنبذتان: تثنية مِنْبَذَة كمكنسة وهي: الوسادة.
(1)
=أخرجه البخاري في " صحيحه "(3144) 3: 1206 كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه. . .
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(2106) 3: 1665 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة.
أخرجه أبو داود في "سننه"(2027) 2: 214 أول كتاب المناسك، باب في دخول الكعبة.
(2)
في ب: سترة.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2347) 2: 876 كتاب المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق. بلفظ:" أنها كانت اتخذت على سهوةٍ لها ستراً فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم، فاتخذت مت نُمرقتين فكانتا في البيت يجلس عليهما ".
ولأنها إذا كانت مبسوطة تداس أو تتبذل
(1)
لم تكن معزوزة ولا معظمة فلا تشبه الأصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكره.
ومتى قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة.
قال ابن عباس: الصورة الرأس فإذا قطع فليس بصورة.
وروي ذلك عن عكرمة.
وإن قطع من الصورة ما لا يبقى بعد ذهابه حياة؛ كقطع صدرها فهو كقطع الرأس. وإن بقيت معه الحياة؛ كقطع اليد والرجل فهي باقية على دخولها تحت النهي كبقية الصورة التي لم يقطع منها شيء. فإن كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي.
وأما صنعة التصاوير فمحرمة
(2)
على فاعلها؛ لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم"
(3)
. وعن مسروق قال: "دخلت مع عبد الله بيتا فيه تماثيل. فقال لتمثال منها: تمثال من هذا؟ قالوا: تمثال مريم. قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون "
(4)
متفق عليهما.
(وكُره ستر حيطان بستور لا صُوَرَ فيها، أو فيها صور غير حيوان، بلا ضرورة: من حر أو برد) على الأصح.
ووجود ذلك عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة؛ بدليل ما روى سالم بن عبد الله بن عمر قال: " أعرست في عهد أبي. فآذن إلى الناس. فكان فيمن آذن
(1)
في ب: وتبتذل، وفي ج: تبتذل.
(2)
في ب: محرمة.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5607) 5: 2220 كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(2108) 3: 1669 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيو ان. . .
(4)
وأخرجه البخاري في "صحيحه"(5606) الموضع السابق.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(2109) 3: 1670 الموضع السابق.
أبو أيوب وقد ستروا بيتي بجادي أخضر. فأقبل أبو أيوب مسرعاً. فاطلع فرأى البيت مستتراً
(1)
بجادي أخضر. فقال: يا عبد الله! أتستر الجدر؟ فقال أبي واستحيى: غلبتنا النساء يا أبا أيوب! فقال: من خشيت أن يغلبنه لم أخش أن يغلبنك
(2)
. ثم قال: لا أطعم لك طعاماً ولا أدخل لك بيتاً، ثم خرج "
(3)
. رواه الأثرم.
وإنما لم يحرم؛ لأنه لم يثبت في تحريمه حديث.
وقد فعله ابن عمر وفُعل في زمن الصحابة.
ولأن ذلك تغطية للحيطان فهو بمنزلة التجصيص. وإن ثبت الحديث السابق فهو محمول على الكراهة.
ومحل الكراهة: (إن لم تكن) الستور (حريراً) فإن كانت حريراً حرمت، وإلى ذلك أشير بقوله:
(ويحرُم به) أي: وتحرم الستور من حرير. وتقدم ذلك في باب ستر العورة.
(و) يحرم أيضاً (جلوس معه) أي: مع ستر الحيطان بالحرير؛ لأن ذلك من المنكر.
(و) يحرم أيضاً (أكل) من طعام غيره (بلا إذن صريح، أو قرينة) تدل على الإذن؛ كتقديم الطعام إليه والدعاء ونحوه، حتى (ولو) كان أكله (من بيت قريبه أو صديقه)، حتى (و) لو (لم يُحرزه عنه). نقله عن أحمد ابن قاسم وابن النضر. وجزم به في
"الجامع ".
قال في " الفروع ": وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: يجوز، واختاره شيخنا، وهو أظهر. انتهى.
(1)
في ب: مستتر.
(2)
في ب: أن يغلبه لم أخش أن يغلبك.
(3)
ذكره البخاري في "صحيحه" تعليقاً مختصراً 5: 1986 كتاب النكاح، باب هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة. وقال ابن حجر: وصله أحمد في"كتاب الورع "، ومسدد في " مسنده ". " فتح الباري " 9:158.
وذلك، لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً "
(1)
رواه [أبو داود]
(2)
.
ولأنه مال غيره. فلا يباح أكله بغير إذنه؛ كغيره من طعامه.
(والدعاء إلى الوليمة، أو تقديم الطعام إذنُ فيه)؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فذلك إذن "
(3)
رواه أحمد وأبو داود.
وقال عبد الله بن مسعود: " إذا دعيت فقد أُذن لك ". رواه الإمام أحمد بإسناده
(لا في الدخول).
قال في " الفروع ": وليس الدعاء إذناً للدخول في ظاهر كلامهم خلافاً للـ " مغني ". وفي " الغنية ": لا يحتاج بعد تقديم الطعام إذناً إذا جرت العادة في ذلك البلد بالأكل بذلك، فيكون العرف إذناً. انتهى.
(ولا يملكه) أي: يملك الطعام (من قُِّدم إليه) بتقديمه
(4)
، (بل يَهلك) الطعام بالأكل وهو (على ملك صاحبه).
قال المجد: مذهبنا لا يملك الطعام الذي قدم إليه، بل يهلك على ملك صاحبه.
قال في القاعدة السادسة والسبعين: أكل الضيف إباحة محضة لا يحصل الملك بحال على المشهور عندنا
(5)
0 انتهى.
قال في " المغني ": إن حلف لا يهبه فأضافه لم يحنث؛ لأنه لم يملكه
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه "(3741) 3: 341 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.
(2)
ساقط من أ.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(5190) 4: 348 كتاب الأدب، باب في الرجل يُدعى أيكون ذلك إذنه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(10907) 2: 533.
(4)
في ب: بتقديمه له.
(5)
ساقط من ب.
شيئاً، وإنما أباحه الأكل. ولهذا لم يملك التصرف فيه بغير إذنه. انتهى.
قال الشيخ عبد القادر: يأكل الضيفُ على ملك صاحب الطعام على وجه الإباحة وليس ذلك بتمليك. انتهى.
قال في " الآداب ": مقتضى تعليله في " المغني"التحريم.
قال في " الإنصاف ": قلت: والأمر كذلك. انتهى.
قال في " الفروع ": ويحرم أخذ طعام. فإن علم بقرينة رضى مالكه ففي" الترغيب ": يكره. ويموجه: يباح، وأنه يكره مع ظنه رضاه. انتهى.
ولما انتهى الكلام على أحكام الوليمة وتوابعها وما يتعلق بذلك مما ذكر شرع في الكلام على مسائل من آداب الأكل فقال:
(وتُسن التسمية جهراً)؛لينبه غيره عليها (على أكل وشرب)؛ لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله. فإن نسي أن يذكر اسم ألله في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره "
(1)
.
و" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل. فلم يسم حى لم يبق من طعامه إلا لقمة. فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما زال الشيطان يأكل معه. فلما ذكر اسم الله قاء ما في بطنه "
(2)
رواه أبو داود.
والشرب مقيس على الأكل.
(و) يُسن (الحمد) أي: أن يحمد الله سبحانه: (إذا فرغ) الآكل أو الشارب من أكله أو شربه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها "
(3)
رواه مسلم.
وعن معاذ بن أنس الجهنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أكل طعاماً فقال:
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه "(3767) 3: 347 كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام.
(2)
أخرجه أبو داود فى " سننه "(3768) الموضع السابق. عن أمية بن مخشى.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(2734) 4: 2095 كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب.
الحمد الله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. غفرله ما تقدم من ذنبه "
(1)
رواه ابن ماجه.
(و) يُسن (أكله) أي: أكل الآكل (مما يليه بيمينه)؛ لما روى عمر بن أبي سلمة قال: " كنت يتيماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت يدي تطيش في الصحفة. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك "
(2)
متفق عليه.
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله "
(3)
رواه مسلم.
(و) يُسن كون أكله (بثلاثِ أصابع)، ولا يمسح يده حتى يلعقها.
قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الأكل بالأصابع كلها فذهب إلى ثلاث أصابع. فذكرت له الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم"أنه كان يأكل بكفه كلها "
فلم يصححه، ولم ير إلا ثلاث أصابع.
وقد روى كعب بن مالك قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها "
(4)
رواه الخلال بإسناده.
(و) يُسن (تخليل ما عَلِقَ بأسنانه) من الطعام.
قال في " المستوعب ": روى عن عمر: " ترك الخلال يوهن الأسنان".وذكره بعضهم مرفوعا ً.
وروي: " تخللوا من الطعام، فإنه ليس شيء أشد على الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح الطعام ".
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(3285) 2: 1093 كتاب الأطعمة، باب ما يقال إذا فرغ من الطعام.
(2)
أخرجه البخاري في" صحيحه"(5061) 5: 2056 كتاب الأطعمة؛ باب التسمية على الطعام والأكل باليمين.
وأخرجه مسلم فى "صحيحه "(2022) 3: 1599 كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(2020) 3: 1598 الموضع السابق.
(4)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3848) 3: 366 كتاب الأطعمة، باب في المنديل.
قال الأطباء: وهو نافع أيضاً اللثة ومن تغيرّ النكهة.
قال الناظم: ويلقي ما أخرجه الخلال ولا يبتلعه، للخبر.
(و) يُسن (مَسْحُ الصَّحْفة) التي يأكل فيها، (وأكلُ ما تناثَر)، والأكل عند حضور رب الطعام وإذنه. قاله
(1)
في "الإنصاف" ولم يعزه إلى أحد.
(و) يُسن للآكل إذا أكل مع غيره (غَضُ طرفه عن جليسه).
قال الشيخ عبد القادر: من الأدب: أن لا يكثر النظر إلى وجوه الآكلين.
(و) يُسن (إيثار
(2)
على نفسه).
قال في "الرعاية الكبرى"و"الآداب": ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة، ومع الفقراء بالإيثار، ومع الإخوان بالانبساط، وميع العلماء بالتعلم.
وقال الإمام أحمد: يأكل بالسرور مع الإخوان، وبالإيثار مع الفقراء، وبالمروءة مع أبناء الدنيا. انتهى.
(و) يُسن (شربُه ثلاثاً).
قاله
(3)
في " الإنصاف ". ولم يعزه إلى أحد.
(و) يُسن (غَسلُ يديه) عند إرادة الأكل (قبل طعام: متقدماً به) أي: بالغسل (ربُّه)
أي: رب الطعام على الضيف إن كان.
(و) غسل يديه أيضاً (بعده) أي: بعد الطعام: (متأخراً به) أي: بالغسل (ربُّه)
أي: رب الطعام عن الضيف إن كان. على الأصح.
قالى المروذي: رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء.
(1)
في أوب: قال.
(2)
في ب: إيثاره.
(3)
في الأصول قال. ولعل الصواب ما أثبتناه. وانظر "الأنصاف" 8: 332.
[وعنه: لا يستحب]
(1)
قبله؛ لأن ذلك من فعل اليهود.
والأول المذهب.
ووجهه: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع "
(2)
رواه ابن ماجه.
وروى أبو بكر بإسناده عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي اللمم "
(3)
. يعني به: غسل اليدين.
قال في " الفروع ": ويكره بطعام ولا بأس بنخالة، وغسله في الإناء الذي أكل فيه. نص عليهما. ثم قال بعد قليل: ويعرض الماء لغسلهما أو يقدمه بقرب طعامه ولا يعرضه. ذكره في " التبصرة ".
(وكُره تنفسُه في الإناء).
قال في"الإنصاف ": ويسن الشرب ثلاثاً ويتنفس دون الإناء ثلاثاً، فإن تنفس فيه كره.
(و) كُره (ردُّ شيء) من طعام أو شراب (من فيه) أي: من فمه (إليه) أي: إلى الإناء.
قال في " الإنصاف ": ويكره إخراج شيء من فيه ورده إلى القصعة.
ولا يمسح يده بالخبز، ولا يستبذله. ولا يخلط طعاماً بطعام. قاله الشيخ عبد القادر.
(و) كُره (نفخُ الطعام) ليبرد.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. زاد في " الرعاية "و" الآداب " وغيرهما: والشراب.
وقال في " المستوعب ": النفخ في الطعام والشراب والكتاب منهي عنه.
(1)
ساقط من أوب.
(2)
أخرجه ابن ماجه في"سننه "(3260) 2: 1085 كتاب الأطعمة، باب الوضوء عند الطعام.
(3)
أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب".ر. إحياء علوم الدين 3: 2.
وقال الآمدي: لا يكره النفخ والطعام حار.
قلت: وهو الصواب إن كان ثَم حاجة إلى الأكل حينئذ. انتهى.
(و) كره أيضاً (أكله) أي: أكل الطعام (حاراً).
قال في " الإنصاف ": قلت: عند عدم الحاجة.
(أو أكله) يعني: أنه يكره الأكل (من أعلا الصَّحْفة أو وسطها)، لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل أعلا الصحفة، ولكن ليأكل من أسفلها. فإن البركة تنزل من أعلاها "
(1)
.
وفي حديث آخر: " كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يُبارك فيها "
(2)
رواهما ابن ماجه.
(و) كُره لمن حضر مائدة (فعلُ ما يَستقذِرُه من غيره) بأن يتمخط ونحوه.
[قال في" الإنصاف": وكذا يكره الكلام بما يستقذر أو بما يضحكهم [أو يحزنهم. قاله عبدالقادر.
(و) كُره لرب الطعام (مَدحُ طعامه وتقويمُه)]
(3)
.
قال في " الإنصاف "]
(4)
: وحرمهما في " الغنية ".
(و) كُره (عيبُ الطعام).
قال في"الإنصاف": وحرمه في " الغنية ".
(و) كُره (قِرانُه في تمر مطلقاً) في الأصح.
وقيل: مع شريك لم يأذن.
(1)
أخرجه أبو داود في" سننه "(3772) 3: 348 كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحيفة. ولم أره في ابن ماجه.
(2)
أخرجه ابن ماجه في "سننه "(3275) 2: 1090 كتاب الأطعمة، باب النهي عن الأكل من ذروة الثريد. عن عبد الله بن بسر.
(3)
ساقط من أ.
(4)
ساقط من ب.
قال في "الفروع ": قال في"الترغيب" وشيخنا: ومثله قران ما العادة بتناوله إفراداً.
(و) كُره (أن يَفْجَأ قوماً عند وضع طعامهم تعمُّداً).
قال في " الإنصاف ": كره الإمام أحمد أن يتعمد القوم عند وضع الطعام فيفجأهم. وإن فجأهم بلا تعمد: أكل. نص عليه.
وأطلق في " المستوعب " وغيره: الكراهة، إلا من عادته السماحة. انتهى.
(و) كُره (أكلُ بشماله بلا ضرورة).
قال في " الإنصاف ": ويكره ترك التسمية والأكل بشماله، إلا من ضرورة على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب. وذكره النووي في الشرب إجماعاً.
وقيل: يجبان. اختاره ابن أبي موسى.
(و) كُره (أكله كثيراً: بحيث يؤذيه).
ويجوز [أكله كثيراً]
(1)
بحيث لا يؤذيه.
قال في " الفروع ". قاله قي " الترغيب "، وهو مراد من أطلق.
وفي " الغنية ": يكره مع خوف تخمة.
وكَره شيخنا أكله حتى يتخم، وحرمه أيضاً. وحرم أيضا الإسراف، وهو: مجاوزه الحد. انتهى.
(أو قليلاً: بحيب يَضرُّه).
قال أحمد في أكله قليلاً: ما يعجبني.
قال في " الإنصاف ": ولا يقلل من الأكل بحيب يضره ذلك.
(و) كُره (شربُه من فمِ سِقَاء).
(1)
ساقط من أوب.
قال في " الإنصاف ": وكره الإمام أحمد الشرب من فم السقاء واختناث الأسقية، وهو قلبها.
قال الجوهري: خنثت الإناء وأخنثته، إذا ثَنَيْتَه إلى خارجٍ فشربت منه، فإن كسرته إلى داخل فقد قَبَعْتَه. انتهى. بالقاف والباء الموحدة والعين المهملة.
ويكره أيضاً الشرب من ثلمة
(1)
الإناء.
وقال في " المستوعب ": ولا يشرب محاذياً للعروة ويشرب مما يليها.
وظاهر كلام الأصحاب: أنهما سواء. وحمله في الآداب على أن العروة متصلة برأس الإناء.
وإذا شرب ناوله الأيمن.
قال في " الترغيب ": وكذا في غسل يده.
وقال ابن أبي المجد: وكذا في رش الماء، ورد. انتهى.
(و) كُره الشرب (في أثناء طعام بلا عادة)، لأنه مضر.
ولا يكره شربه قائماً.
قال في " الفروع ": نقله الجماعة.
وعنه: بلى. وجزم به في " الإرشاد ". واختاره شيخنا. وسأله صالح عن
شربه قائماً في نفس ونائماً؟ قال: أرجو. ويتوجه: كأكل.
وظاهر كلامهم: لا يكره أكله قائماً. ويتوجه كشرب. قاله شيخنا. انتهى.
(و) كُره (تعليةُ قَصعةٍ، ونحوها)، كالطبق (بخُبز)، نص على ذلك في
رواية مهنا؛ لاستعماله له.
وقال الآمدي: يحرم عليه ذلك، وأنه نص أحمد.
وكره الإمام أحمد أيضاً الخبز الكبار وقال: ليس فيه بركة.
(1)
في أ: ثلة.
وذكر معمر: أن أبا أسامة قدم لهم طعاماً فكسر الخبز. [قال أحمد]
(1)
: لئلا يعرفون كم يأكلون.
ويجوز قطع اللحم بالسكين، والنهي عنه لا يصح. قاله أحمد.
(و) كُره (نِثَار والتقاطُه) على الأصح؛ تنزيهاً لما يحصل فيه من النهبة والتزاحم، وذلك يورث الخصام والحقائد بين الناس. فيكون مكروهاً؛ لتعرض الملتقطين لذلك؛ لما روى زيد بن خالد " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبة والخلسة "
(2)
رواه أحمد.
وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة والنهبى "
(3)
رواه أحمد والبخاري.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من انتهب فليس منا "
(4)
رواه أحمد والترمذي وصححه.
وهذا يدخل في عمومه.
ولأن أخذه على هذا الوجه فيه دناءة وسخف فيكره لذلك.
(ومن حصل في حجْره) شيء (منه) فهو له، (أو أخذه) أي: أخذ شيئاً من النثار: (فله مطلقاً) أي: سواء قصد تملكه بذلك أو لم يقصده في الأصح؛ لأن مالكه قصد تمليكه لمن حصل في حيزه وقد حازه مَن حصل في حجره أو أخذه. فيملكه؛ كالصيد إذا دخل في داره أو خيمته فإنه يملكه بذلك وإن لم يقصده.
وفائدة قولنا: يملكه: أنه إذا ملكه لم يجز لغيره أخذه منه.
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده "(21731) 5: 193.
(3)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2342) 2: 875 كتاب المظالم، باب النهي بغير إذن صاحبه.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(18732) 4: 306 ولفظ الحديث عندهما بتقديم النهى على المثلة.
(4)
أخرجه الترمذي في "جامعه"(1601) 4: 154 كتاب السير، باب ما جاء في كراهية النهبة.
أخرجه أحمد في "مسنده"(14363) 3: 312.
(وتُباح المناهدة، وهي: أن يُخرج كل واحد: من رفقةٍ شيئاً من النفقة).
وظاهر ما نقل عن الجوهري التساوي فيما يخرجونه. فإنه قال: المناهدة إخراج كل واحد من الرفقة نفقته على قدر نفقة صاحبه.
(ويدفعونه إلى من يُنفق عليهم منه، ويأكلون جميعاً.
فلو أكل بعضهم أكثر، أو تصدَّق منه: فلا بأس).
قال في " الفروع ": نقل أبو داود: لا بأس أن يتناهد في الطعام ويتصدق منه. لم يزل الناس يفعلون هذا. ويتوجه رواية: لا يتصدق إلا بإذن. انتهى.
قال في "الإنصاف": قال في "الفروع": وما جرت العادة به؛ كإطعام سائل وسنور وتلقيمٍ وتقديمٍ يحتمل كلامهم وجهين.
قال: وجوازه أظهر.
وقال في " آدابه ": الأولى جوازه.
وقال في " الرعايه الكبرى ": ولا يلقم جليسه ولا يفسح له إلا بإذن رب الطعام.
وقال الشيخ عبد القادر: يكره أن يلقم من حضر معه؛ لأنه يأكل على ملك صاحبه على وجه الإباحة.
وقال بعض الأصحاب: من الأداب: أن لا يلقم أحداً يأكل معه إلا بإذن مالك الطعام.
فال في " الآداب ": وهذا يدل على جواز ذلك عملاً بالعادة والعرف في ذلك، لكن الأدب والأولى الكف عن ذلك؛ لما فيه من إساءة الأدب على صاحبه، والإقدام على طعامه ببعض التصرف من غير إذن صريح، وفي معنى ذلك: تقديم بعض الضيفان ما لديه ونقله إلى البعض. لكن لا ينبغي لفاعل ذلك: أن يسقط حق جليسه من ذلك. والقرينة تقوم مقام الإذن في ذلك. انتهى.
(ويسُن إعلان نكاح، وضربُ بُدفٍ مباح). وقد تقدم ما لم يبح منه في باب الغصب (فيه) أي: في النكاح.
(وفي ختان، وقدوم غائب، ونحوهما)، كالولادة والإملاك.
قال في " الإنصاف ": إعلان النكاح مستحب بلا نزاعٍ.
وكذا يستحب الضرب عليه بالدف. نص عليه وعليه الأصحاب.
واستحب الإمام أيضاً: الصوت في العرس.
ونقل حنبل: لا بأس بالصوت والدف فيه. انتهى.
وظاهره: سواء كان الضارب رجلاً أو امرأة.
قال في "الفروع ": وظاهر نصوصه وكلام الأصحاب التسوية. قيل له في رواية المروذي: ما ترى الناس اليوم تحرك الدف في إملاك أو بناء بلا غناء، فلم يكره ذلك.
وقيل له في رواية جعفر: دكون فيه جرس؛ قال: لا.
وقال الموفق: ضرب الدف مخصوص بالنساء.
وقا ل في"الرعاية ": ويكره للرجال مطلقاً.
قال فى " الفروع ": ويكره لرجل التشبه.
وقال أحمد: لا بأس بالغزل في العرس؛ لـ " قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار:
أتيناكم أتيناكم
…
فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحمر
…
لولا الذهب الأحمر
ولولا الحبة السوداء ما سرت عذاريكم "
(1)
.
لا على ما يصنع الناس اليوم، ومن غير هذا الوجه:
ولولا الحنطة الحمراء
…
ما سرت عذاريكم
وقال أحمد أيضاً: يستحب ضرب الدف والصوت في الإملاك. فقيل له:
ما الصوت؟ قال: يتكلم ويتحدث ويظهر.
(1)
"مجمع الزوائد" 4: 289.
والأصل في هذا ما روى [محمد بن]
(1)
حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصلُ ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف في النكاح "
(2)
رواه النسائي.
وقال صلى الله عليه وسلم: " أعلنوا النكاح "
(3)
.
وفي لفظ: " أظهروا النكاح "
(4)
.
وكان يحب أن يُضرب عليه بالدف.
وفي لفظ: " واضربوا عليه بالغربال "
(5)
.
وعن عائشة " أنها زوجت يتيمة رجلاً من الأنصار. وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها. قالت: فلما رجعنا. قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قلتم يا؟ عائشة؛ قالت: سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا. فقال: إن الأنصار قوم فيهم غزل.
ألا قلتم يا عائشة؟
أتيناكم أتيناكم
…
فحيانا وحياكم "
(6)
روى هذا كله أبو عبد الله ابن ماجه في " سننه ".
وتحرم كل ملهاة سوى الدف، كمزمار وطنبور ورباب وجنك.
قال في " المستوعب " و" الترغيب ": سواء استعمل لحزن أو سرور.
قال في " الفروع ": وسأله ابن الحكم عن النفخ في القصبة كالزمارة؟
قال: أكرهه. وفي القضيب: وجهان.
وفي " المغنى ": لا يكره إلا مع تصفيق أو غناء أو رقص ونحوه.
وكره أحمد الطبل لغير حرب. واستحبه ابن عقيل فيه، لتنهيض طباع
(1)
ساقط من أوب.
(2)
أخرجه النسائي في"سننه "(3369) 6: 127 كتاب النكاح، باب إعلان النكاح بالصوت وضرب الدف.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1896) 1: 611 كتاب النكاح، باب إعلان النكاح.
(3)
أخرجه ابن ماجه في "سننه "(1895) الموضع السابق. عن عائشة.
(4)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 290 كتاب الصداق، باب ما يستحب من إظهار النكاح وإباحة الضرب بالدف عليه. عن عائشة.
(5)
أخرجه ابن ماجه في الموضع السابق. وأخرجه البيهقي في الموضع السابق. كلاهما عن عائشة.
(6)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(1900) 1: 612 كتاب النكاح، باب الغناء والدف.
الأولياء، وكشف صدور الأعداء، وليس عبثاً. وقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرياح والرعود قبل الغيث
(1)
، والنفخ في الصور للبعث، وضرب الدف في النكاح، وفي الحج العج والثج. انتهى.
وفي " عيون المسائل "وغيرها فيمن أتلف آلة لهو: الدف مندوب إليه في النكاح؛ لأمر الشارع. بخلاف العود والطبل فإنه لا يباح استعماله والتلهي به بحال.
وسئل أحمد عن القصائد قال: أكرهه. وقال: بدعة لا يجالسون.
وكره أحمد التّغْبير بالغين المعجمة والباء الموحدة، ونهى عن استماعه.
وقا ل
(2)
: بدعة ومحدث.
ونقل أبو داود: لا يعجبني.
ونقل يوسف: لا يستمعه، قيل: هو بدعة؟ قال: حسبك.
وفي " المستوعب ": منع من إطلاق اسم البدعة عليه ومن تحريمه؛ لأنه شعر ملحن كالحداء، والحدو للإبل ونحوه.
قال في " القاموس ": والمُغَبِّرَة: قوم يُغَبِّرون بذكر الله تعالى أي: يهللون ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها. سموا بها
(3)
؛ لأنهم يُرَغِّبُون الناس في الغَابِرة أي: الباقية. انتهى.
ونقل إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن أحمد قال عن الصوفية: لا أعلم أقواماً أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون. قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة. قيل: فمنهم من يموت ومنهم من يغشى عليه. فقال {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]
ولعل مرادَه سماعُ القرآن. وعذرهم لقوة الوارد. كما عذر يحيى القطان في الغشي.
(1)
في أ: الغيوث.
(2)
في أوب: وقيل.
(3)
في ج: بذلك.
وقد قال أحمد لإسماعيل بن إسحاق الثقفي وقد سمع عنده كلام الحارث المحاسبي ورأيَ أصحابه: ما أعلم أنى رأيت مثلهم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، ولا أرى لك صحبتهم.
وقد نهى عن كتابة كلام منصور بن عمار والاستماع القاصِّ به.
قال أبو الحسين: لئلا يلهو به عن الكتاب والسنة لا غير.
وأنكر الآجري وابن بطة وغيرهما هذا السماع.
وفي " الغنية ": يكره تخريق الثياب في حق المتواجد عند السماع، ويجوز سماع القول بالقضيب، ويكره الرقص. والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
[باب: عِشْرَة النساء]
هذا (باب عشرة النساء)، والعشرة بكسر العين أصلها الاجتماع، يقال: لكل جماعة عشرة ومعشر.
(وهي) هاهنا: (ما يكون بين الزوجين من الأُلفة والانضمام).
إذا عرفت ذلك فإنه (يلزم كلاً) من الزوجين (معاشرة الآخر بالمعروف، وأن لا يمطله) أي: يمطل الآخر (بحقه، ولا يتكرَّه لبذله) أي: لبذل ما عليه للآخر من الحق.
والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
قال أبو زيد: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيكم.
وقال ابن عباس: إنى لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]
وقال الضحاك في تفسيرها: إذا أطَعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته.
وقال بعض أهل العلم: التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف، ولا يمطله به ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة؛ لأن هذا من المعروف الذي أمر الله سبحانه وتعالى به.
ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} - إلى قوله -
{وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ} [النساء: 36] قيل: هو كل واحد من الزوجين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن
بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله "
(1)
رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج لن تستقيم على طريقة. فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن استمتعت بها وفيها عوج "
(2)
متفق عليه.
وقال: " خياركم خياركم لنسائه "
(3)
رواه ابن ماجه.
وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه. قال الله. سبحانه وتعالى {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق
(4)
"
(5)
رواه أبو داود.
وقال: "إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع"
(6)
متفق عليه.
وقال: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهدُ إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة بغير إذنه فإنه يرد إليه شطره "
(7)
رواه البخاري.
وينبغي إمساكها مع كراهته لها، لقوله سبحانه وتعالى:{فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
(1)
أخرجه مسلم في"صحيحه "(1218) 2: 886 كتاب الحج، باب حجه النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(3153) 3: 1212 كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:[وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة].
وأخرجه مسلم في"صحيحه "(1469) 2: 1090 كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء.
(3)
أخرجه ابن ماجه في"سننه"(1987) 1: 636 كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء.
(4)
في ب: الحقوق.
(5)
أخرجه أبو داود في"سننه"(2140) 2: 244 كتاب النكاح، باب في حق الزوج على المرأة.
(6)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4898) 5: 1994 كتاب النكاح، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها.
وأخرجه مسلم في" صحيحه "(1026) كتاب الزكاة، باب ما أنفق العبد من مال مولاه.
(7)
أخرجه البخاي في "صحيحه"(4899) الموضع السابق.
قال ابن الجوزي وغيره: قال ابن عباس: ربما رزق منها ولداً فجعل الله فيه خيراً كثيراً.
قال: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ونبهت على معنيين:
أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محموداً، ومحمود
(1)
عاد مذموماً.
والثانى: أنه لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يحب. وقال في كتابه " السر المصون ": معاشرة المرأة بالتلطف مع إقامة هيبته.
(ويجب بعقدٍ تسليمُها ببيت زوج: إن طلبها)؛ كما يجب للمرأة تسليم الصداق إن طلبته.
وقوله: (وهي حرة)؛ لأن الأمة لا يجب تسليمها إلا ليلاً.
وقوله: (ولم تشترط دارها)؛ لأنها إذا اشترطت دارها لم يكن للزوج طلبها إلى بيته.
وقوله: (وأمكن استمتاع بها)؛ لأنها إذا لم يمكن الاستمتاع بها لم يجب على أهلها تسليمها إليه إن ذكر أنه يحضنها ويربيها؛ لأنه لا يملك الاستمتاع بها، وليست له بمحل، ولا يأمن شر نفسه إلى مواقعتها فيفضيها.
(ونصه) أي: نص الإمام أحمد: أن التي يمكن الاستمتاع بها أنها (بنت تسع) فأكثر. فإنه في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها فإن أتى عليها تسع سنين دفعت إليه: ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع، وذهب في ذلك إلى " أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين "
(2)
.
لكن قال القاضي: هذا عندي ليس على طريق التحديد. وإنما ذكره؛ لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها. فيلزم تسليم بنت تسع.
(1)
في ب: ومحموداً. وهو تصحيف.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(4841) 5: 1973 كتاب النكاح، باب تزويج الأب ابنته من الإمام.
(ولو) كانت (نِضْوَة الخلقة) أي: مهزولة الجسم.
(ويستمتع بمن يخشى عليها؛ كحائض). وقد تقدم أنه ليس له أن يستمتع من الحائض إلا بما دون الفرج.
(ويُقبل قول) امرأة (ثقة في ضيق فرجها، وعَبَالَةِ ذكَره، ونحوهما)؛ كقروج في الفرج.
(وتنظرُهما) أي: ويجوز أن تنظرهما المرأة الثقة (لحاجة وقت اجتماعهما)؛ لتشهد بما تشاهد.
(ويلزمه) أي: يلزم الزوج (تسلُّمها) أي: تسلم زوجة: (إن بذَلتْه) فتلزمه النفقة بتسلمها أو لا.
(ولا يلزم) أحداً من زوجة أو وليها (ابتداء تسليم مُحْرِمَة)[بحج أو عمرة]
(1)
، (ومريضةٍ) لا يمكن الاستمتاع بها، (وصغيرةٍ وحائض، ولو قال: لا أطأ ومتى امتنعت قبل مرض ثم حدث فلا نفقة)؛ لأن كلا من ذلك مانع يرجى زواله، ويمتنع الاستمتاع بها معه. أشبه ما لو طلب أن يتسلمها في نهار رمضان.
(ولو أنكر) من ادعت زوجته (أن وطأه يؤذيها: فعليها البينة)؛ لأنها تدعي شيئاً الأصل عدمه. فكان عليها البينة؛ كسائر الدعاوي.
(ومن استَمْهَل منهما) أي: من الزوجين الاخر: (لزم إمهالهُ ما) أي: زمناً (جرت عادة بإصلاج أمره) أي: أمر من استمهل صاحبه (فيه)؛ لأن ذلك من حاجة المستمهل. فإذا منع منه كان تعسيراً لحاله. فوجب إمهاله طلباً لليسر والسهولة. والمرجع في ذلك إلى العرف. بين الناس؛ لأثه لا تقدير فيه. فوجب الرجوع فيه إلى العادة.
وقيل: إنما تمهل اليومين والثلاثة.
(1)
زيادة من ج.
(لا لعمل جهاز) بفتح الجيم وكسرها.
وفي " الغنية ": إن استَمهلت هي أو أهلها استحبّ له إجابتهم ما يعلم به التهيؤ من شراء جهاز وتزين. انتهى.
(ولا يجب تسليم أمة مع إطلاق إلا ليلاً). نص عليه.
وللسيد استخدامها نهاراً، وعليه إرسالها بالليل للاستمتاع بها؛ لأنه زمانه. وذلك؛ لأن السيد يملك من أمته منفعتين: الاستخدام والاستمتاع.
فإذا عقد على أحدهما لم يلزم تسليمها إلا في زمن استيفائها؛ كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار.
(فلو شرط) تسليمها (نهاراً، أو بذله) أي: بذل تسليمها نهاراً (سيد وقد شرط كونها) أي: كون الأمة (فيه) أي: في النهار (عنده) أي. عند السيد (أوْ لا) أي: أو لم يشرط ذلك: (وجب) على الزوج (تسلُّمُها) نهاراً أيضاً في الأصح؛ لأن الزوجية تقتضي وجوب التسليم مع البذل ليلاً ونهاراً، وإنما منع في الأمة في زمان النهار لحق السيد. فإذا بذله فقد ترك حقه فعاد إلى الأصل في الزوجية.
ولأن عقد الزوجية اقتضى لزوم نفقتها ليلاً ونهاراً ما لم يمنع منه مانعُ، فإذا امتنع المانع ببذل السيد تسليمها وجب على الزوج قبوله.
(وله) أي: وللزوج (الاستمتاع) بالزوجة من أي محل شاء في قُبُل، (ولو) كان (من جهة العجيزة في قُبُل)؛ لأن التحريم ختمى بالدبر دون ما سواه.
قال ابن الجوزي في كتابه " السر المصون ": كره العلماء الوطء بين الإليتين؛ لأنه يدعو إلى الوطء في الدبر. وجزم به في " الفصول ". نقله عنهما في " الفروع "، ثم قال: كذا قالا.
ومحل إباحة الاستمتاع بها: (ما لم يَضُرَّ) بها (أو يَشغل) استمتاعه بها (عن فرض) ولو كانت على تنور أو على ظهر قتب. كما رواه أحمد وغيره.
قال في " الإنصاف ": قال أبو حفص والقاضي: إذا زاد الرجل على المرأة في الجماع صولح على شيء منه.
وروى ذلك بإسناده عن ابن الزبير" أنه جعل للرجل أربعاً بالليل، وأربعاً بالنهار ".
وعن أنس " أنه صالح رجلاً استعدى على امرأة على ستة ".
قال القاضي: لأنه غير مقدر، فقدِّر. كما أن النفقة حق لها غير مقدرة. فيرجعان في التقدير إلى اجتهاد الحاكم.
قال الشيخ تقي الدين: فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم؛ كالنفقة، وكوطئه إذا زاد.
قلت: ظاهر كلام أكثر الأصحاب: خلاف ذلك، وأنه يطأ ما لم يشغلها عن الفرائض ولم يضرها بذلك. انتهى كلامه في " الإنصاف ".
(و) للزوج (السفر) إلى حيث شاء (بلا إذنها) أي: إذن الزوجة ولو كان عبداً مع سيده وبدونه. بخلاف سفرها بلا إذنه؛ لأنها لا ولاية لها عليه في ترك السفر.
(و) له السفر (بها، إلا أن تشترط بلدها)، " لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون بنسائهم "
(1)
.
أما إن اشترطت بلدها فلها شرطها؛ لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج "
(2)
.
(أو) إلا أن (تكون امة: فليس له) أي: للزوج سفر بها بلا إذن سيدها؛ لما في ذلك من تفويت منفعتها نهاراً على سيدها.
(1)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ".
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2453) 2: 916 كتاب الهبة وفضلها، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز. . .
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(4856) 5: 1978 كتاب النكاح، باب الشروط في النكاح.
وأخرجه مسلم في "صحيحه "(1418) 2: 1035 كتاب النكاح، باب الوفاء بالشروط في النكاح.
(ولا لسيد
(1)
سفر بها بلا إذن الآخر) أي: إذن زوجها، صحبته أم لا في الأصح؛ لما في ذلك من تفويت استمتاع زوجها بها ليلاً.
(ولا يلزم) الزوج (ولو بوَّأها) أي: هيأ لها (سيدها مسكناً أن يأتيها الزوج فيه). وهذا مبني على مسألة جواز سفر سيدها بلا إذن زوجها. قاله في " الترغيب ".
يعني: أنا إن قلنا أن للسيد السفر بها بلا إذن زوجها لزم الزوج إتيانها في المسكن الذي بوأها سيدها لها؛ لأن ذلك بمثابة سفره بها، وإن قلنا ليس للسيد السفر بها بلا إذن زوجها لا يلزم الزوج ذلك.
(وله) أي: ولسيد العبد المزوج (السفر بعبده المزوَّج، واستخدامه نهاراً)، ومنعه من التكسب؛ لتعلق المهر والنفقة بذمة سيده. وإن قلنا النفقة والمهر في كسبه لم يمنعه منه.
(ولو قال سيد) لمن ادعى أنه زوَّجه أمته: (بعتُكَها، فقال: بل زوَّجتَنِيها وجب تسليمها) لمدعي التزويج، (وتحلُّ له)؛ لاتفاقهما على استحقاقه لتسلمها.
(ويلزمه الأقل من ثمنها أو) من (مهرها، ويحلف) المدعي عليه البيع وأنه شراها الثمن زائد) فإن نكل لزمه.
قال في " الفروع ": وعند القاضي لا مهر ولا ثمن ولا يمين عنده على البائع؛ لأنه لا يراها في نكاح. وذكر الأزجي مثله إلا في اليمين قال: وإن نكل أحدهما عنها قضي عليه، وثبت ما يدعيه الآخر من بيع أو زوجية.
(وما أوْلَدَها) من سُلمت إليه بدعوى الزوجية ودعوى سيدها الشراء (فحر، لا ولاء عليه)؛ لأنه انعقد حراً لإقرار السيد بأنها ملك الواطى.
(ونفقته) أي: نفقة الولد (على أبيه)؛ لأن الأصل أن نفقة من لا مال له على أبيه. (ونفقتها) أي: نفقة أمة
(2)
(على زوجها) أي: على أبي الولد. (ولا
(1)
في ب: للسيد.
(2)
في ب: الأمة.
يردها) أي: ولا يملك أبو الولد ردها على سيدها (بعيب، ولا غيره) ولو اعترف سيدها بعد ولادتها أنها زوجه لأبي الولد؛ لاعترافه بأنها صارت أم ولد.
(ولو ماتت) بعد أن ولدت (قبل) موت (واطئ وقد كسبت) شيئاً:
(فلسيد منه) أي: من كسبها (قدر) جميع (ثمنها، وبقيته) أي: بقية كسبها (موقوف حتى يصطلحا) أي: الزوج والسيد عليه.
(و) إن ماتت (بعده) أي: بعد الواطئ (وقد أولدها فحرة) أي: فقد ماتت حرة، (ويرثها ولدها: إن كان) موجوداً.
(وإلا) أي: وإن لم يكن ولدها موجوداً (وُقف) بالبناء للمفعول ما تركته. ولعل وقفه إلى أن يظهر لها وارث. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وليس لسيدها أخذ قدر ثمنها منه؛ لأنه لا يدعيه على الواطئ، لزوال ملكه عنه بموته. بخلاف ما إذا ماتت في حياة الواطئ فإن سيدها يدعي أن كسبها انتقل إلى الواطئ، والواطئ يقر أنه لسيدها فلهذا يأخذ منه قدر ما يدعيه وهو ثمنها أو بقيته.
(ولو وجع سيد) عن دعوى بيعها، (فصدَّقه الزوج لم يُقبل) تصديقه (في إسقاط حرية ولد) أتت به منه، (و) لا في (استرجاعها) إلى الملك المطلق (إن صارت أم ولد. ويُقبل) تصديقه (في غيرهما) أي: غير حرية الولد وغير رجوعها إلى الملك المطلق وغيرهما، مثل: ملكه لتزويجها عند حلها للأزواج وأخذ قيمتها إن قتلت ونحوهما.
(ولو وجع الزوج) عن دعوى التزويج: (ثبتت الحرية) للولد، (ولزمه الثمن) لسيدها.
قال الشيخ تقي الدين قي " فتاويه ": ذكرها الشيخ في أواخر باب ما إذا وصل بإقراره ما يغيره. ولعله يريد بقوله: ذكرها الشيخ، جده الشيخ مجد الدين. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وما ذكرته في المتن هو الذي قدمه صاحب " الفروع ". ثم قال: وقال
الأزجي: إن كان التنازع قبل الاستيلاد تحالفا، فإذا تحالفا فلا مهر ولا ثمن، وترد إلى سيدها. قيل: ترجع إليه رجوع البائع في السلعة إذا أفلس المشتري وتعذر الثمن، فيحتاج السيد أن يقول: فسخت البيع، وتعود ملكاً ظاهراً وباطناً.
وقيل: ترجع رجوع من لزمه دين فلم يقضه فيبيعها ويستوفي حقه، وما فضل تحيّل في رده إلى مستحقه.
وإن أمسكها البائع على بقية الثمن وفسخ البيع لتعذر الثمن واسترجعها وكان صادقاً حلت له، وإلا حلت ظاهراً. انتهى.
***
[فصل: في حكم الوطء في الحيض]
(فصل. ويحرم وطء) أي: وطء الزوج امرأته أو السيد أمته (في حيض) إجماعاً؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222].
(أو) وطءُ في (دُبُر) فيحرم في قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك.
وروي عن مالك أنه قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك أنه حلال.
وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك.
وأحتج من أحله بقوله سبحانه وتعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، وقوله سبحانه وتعالى:[وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ][المؤمنون: 5_6].
ولنا: ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن "
(1)
.
وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [" لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها "
(2)
. رواهما ابن ماجه.
(1)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(1924) 1: 619 كتاب النكاح، باب النهي عن إتيان النساء في أدبارهن.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1165) 3: 469 كتاب الرضاع، باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن. عن ابن عباس.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(1923) الموضع السابق. عن أبي هريرة.
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:]
(1)
" محاش النساء حرام عليكم "
(2)
.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد "
(3)
. رواهن كلهن الأثرم.
فأما الآية فروى جابر قال: " كان اليهود يقولون: إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل الله سبحانه وتعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، من بين يديها ومن خلفها، غير أن لا يأتيها إلا في المأتي "
(4)
متفق عليه.
وفي رواية: " أيتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج "
(5)
.
والآية الأخرى المراد بها ذلك.
فإن تطاوعا على الوطء في الدبر فرق بينهما. ويعزر عالم تحريمه.
(وكذا عزل) يعني: أنه يحرم العزل عن الزوجة (بلا إذن) زوجة (حرة أو) عن زوجته الأمة بلا إذن (سيد أمة) على الأصح. نص عليه.
ومفهومه: أنه لا يعتبر إذن الزوجة إذا كانت أمة. وهو كذلك في الأصح.
ومعنى العزل: أنه ينزع إذا قرب الإنزال، فينزل خارجاً عن الفرج.
ووجه المذهب: ما روي عن عمر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها "
(6)
. رواه أحمد وابن ماجه.
(1)
ساقط من أ.
(2)
أخرجه الدارمي في "سننه "(1137) 1: 184 كتاب الوضوء، باب من أتى امرأته في دبرها.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3904) 4: 15 كتاب الطب، باب في الكاهن.
وأخرجه الترمذي في "جامعه "(135) 1: 242 أبواب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه "(639) 1: 209 كتاب الطهارة وسننها، باب النهي عن إتيان الحائض.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(4254) 4: 1645 كتاب التفسير، باب نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ. . .).
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1435) 2: 1058 كتاب النكاح، باب جواز جماعه امرأته في قبلها، من قدامها. . .
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7: 196 كتاب النكاح، باب إتيان النساء في أدبارهن. عن ابن عباس.
(6)
أخرجه ابن ماجه في "سننه "(1928) 1: 620 كتاب النكاح، باب العزل.
ولأن لها في الولد حقاً وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها.
وقاسوا على ذلك سيد الأمة.
ويستثنى من ذلك صورة أشير إليها بقوله:
(إلا بدار حرب: فيُسن) عزله (مطلقاُ) أي: سواء كانت زوجته حرة أو أمة، أو كانب له سُرّية خشية استيلاء العدو على الحامل.
(ولها) أي: وللزوجة (تقبيلُه) أي: تقبيل زوجها (ولمسه لشهوة ولو) كان (نائماً، لا استدخال ذكره) في فرجها وهو نائم (بلا إذنه).
قال في" الفروع ": وليس لها استدخال ذكره وهو نائم بلا إذنه، بل القبلة واللمس لشهوة. ذكره في "الرعاية ".
قال ابن عقيل في استدخاله: لا يجوز؛ لأن الزوج يملك العقد وحبسها. انتهى.
(وله) أي: وللز وج (إلزامُها) أي: إلزام زوجته (بغسل نجاسة، وغُسل من حيض ونفاس وجنابة مكلفة) واجتناب المحرمات.
قال في"الإنصاف": فله إجبارها على ذلك إذا كانت مسلمة رواية واحدة. وعليه الأصحاب.
وعنه: لا تجبر على غسل الجنابة. ذكرها في " الرعايتين " و" الحاوي " وغيرهم. قلت: وهو بعيد جداً. انتهى.
قال في " شرح المقنع ": وفي إزالة الوسخ والدرن وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة. ويستوي في هذه المسلمة والذمية؛ لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها.
(و) له إلزامها أيضاً بـ (ـأخذ ما يُعاف: من شعر وظُفر).
قال في " شرح المقنع ": وله إجبارها على إزالة شعر العانة إذا خرج عن
= وأخرجه أحمد في "مسنده"(212): 31.
العادة رواية واحدة. ذكره القاضي. وكذلك الأظفار. فإن طالا قليلاً بحيث تعافه النفس ففيه وجهان. وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم والكراث؟ على وجهين:
أحدهما: له منعها من ذلك؛ لأنه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع بها.
والثانى: ليس له ذلك؛ لأنه لا يمنع الوطء. انتهى.
قال في " الإنصاف ". أحدهما: يمنع. جزم في " المنور " وصححه في" النظم " و" تصحيح المحرر " وقدمه ابن رزين في " شرحه ".
والوجه الثانى: لا يمنع من ذلك. انتهى.
(لا بعجن أو خبز أو طبخ، أو نحوها)؛ ككنس الدار، وملء الماء من البئر، وطحن.
قال في " الفروع ": نص عليه. خلافاً للجوزجاني. وأوجب شيخنا: المعروف من مثلها لمثله. وخرّج أيضاً الوجوب من نصه على نكاح الأمة لحاجة الخدمة وفيه نظر؛ لأنه ليس فيه وجوب الخدمة عليها. انتهى.
(وله) أي: وللزوج المسلم (منع) زوجة (ذمية دخول بَيْعَة وكنيسة، و) على الأصح (شُرب ما يُسكرها) من خمر أو نبيذ، (لا) من شرب ما (دونه. ولا تُكره على إفساد صومها أو صلاتها) بوطء أو غيره (أو) إفساد (سَبْتِها) بشيء مما يفسده؛ لبقاء تحريم السبت عليهم.
(ويلزمه) أي: يلزم الزوج لزوجته المسلمة والذمية والحرة والرقيقة بطلبها (وطء) أي: أن يطأها (في كل ثُلث سنة) أي: في كل أربعة أشهر (مرة: إن قدر) أي: مع قدرته على الوطء. نص على ذلك أحمد.
ووجهه: أن الله سبحانه وتعالى قدر ذلك بأربعة أشهر في حق المولي فكذلك في حق غيره؛ لأن اليمين لا توجب ما حلف عليه. فدل أن الوطء واجب بدونها.
(و) يلزمه لها أيضاُ (مبيت) أي: أن يبيت عندها (بطلبٍ عند حرة ليلة من أربع) أي: من أربع ليال
(1)
، ما لم يكن له عذر.
والأصل في ذلك " قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: يا عبد الله!
ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؛ قلت: بلى يا رسول الله! قال: فلا تفعل. صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا"
(2)
متفق عليه.
فأخبر أن للمرأة على زوجها حقاً.
وقد روى الشعبي " أن كعب بن سوار كان جالساً عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين! ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي. والله إنه ليبيت ليله قائماً ويظل نهاره صائماً. فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيب المرأة وقامت راجعة. فقال كعب: يا أمير المؤمنين! هلا أعديت المرأة على زوجها. فقال لكعب: اقض بينهما فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم. قال: فإنى أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن. فأقضي بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة. فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر. اذهب فأنت قاض على البصرة". روى ذلك عمر بن شبة في كتاب " قضاة البصرة " من وجوه هذا أحدها.
وفي لفظ: قال عمر: " نعم القاضي أنت
(3)
".
وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً.
ولأنه لو لم يكن حقاً للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته به كالزياة في النفقة على قدر الواجب.
(1)
في ب: ليالي.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4903) 5: 1995 كتاب النكاح، باب لزوجك عليك حق.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1159) 1: 817 كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوّت به حقاً أو لم يفطر العيدين.
(3)
في أ: نعم.
(و) يلزمه بطلب زوجة (أمةٍ) أن يبيت عندها ليلة (من) كل (سبع) في الأصح، لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها السابعة.
(وله أن ينفرد) بنفسه (في البقية) يعني: إذا لم يستقر في زوجاته جميع الليالي. فمن ليس معه إلا حرة فله الانفراد بنفسه في ثلاث ليال، وإن كان تحته حرتان فله الانفراد بنفسه في ليلتين، ومن تحته ثلاث ليال حرائر فله الانفراد بنفسه في ليلة من كل أربع، ومن ليس تحته إلا أمة فله الانفراد بنفسه في ست ليال، وإن كان تحته أمتان فله انفراد بنفسه في خمس ليال، ومن تحته ثلاث إماء فله الانفراد بنفسه في أربع ليال، ومن تحته أربع إماء فله الانفراد بنفسه ثلاث ليال من سبع؛ لأنه قد وفاهن حقهن من المبيت. فلم تجب عليه زيادة؛ كما لو وفاهن حقهن من النفقة.
وروى أحمد: لا يبيت وحده ما أحب ذلك، إلا ان يضطر. وقاله أحمد في سفره وحده.
وعنه: لا يعجبني.
(وإن سافر) زوج امرأة (فوق نصف سنة في غير حج أو غزو واجبين، أو)
في غير (طلب رزق يحتاج إليه فطلبت) زوجته (قدومه: لزمه) القدوم.
(فإن أبى شيئاً من ذلك) أي: مما ذكر مما هو واجب عليه من المبيت والوطء والقدوم من السفر (بلا عذر) في الجميع: (فُرِّق بينهما بطلبها، ولو قبل الدخول).نص عليه.
قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول:
غداً أدخل بها، غداً أدخل بها إلى شهر هل يجبر على الدخول؟ قال: أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما. فجعله أحمد كالمُولي.
وقال أبو بكر بن جعفر: لم يرو مسألة ابن منصور غيره وفيها نظر.
قال في " شرح المقنع ": وظاهر قول أصحابنا: أنه لا يفرق بينهما لذلك.
وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر. ولا خلاف في اعتباره.
وقال بعض أصحابنا: إن غاب أكثر من ذلك لغير عذر يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه.
وروي ذلك عن أحمد.
ومن قال: لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطء وهو حاضر فهاهنا أولى.
وفي جميع ذلك: لا يجوز الفسخ عند من يراه إلا بحكم الحاكم، لأنه مختلف فيه.
وعن أحمد ما يدل على أن الوطء غير واجب فيكون هذا كله غير واجب، لأنه حق له. فلم يجبر عليه، كسائر حقوقه. وهذا مذهب الشافعي.
والأول أولى، لما ذكرنا. انتهى.
وسئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتى أهله ولمس له شهوة؟ قال: إي والله يحتسب الولد، فإن لم يرد الولد. قال: هذه امرأة شابه لم لا يؤجر.
وهذا صحيح فإن أبا ذر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مباضعتك أهلك صدقة. قلت: يا رسول الله! أنصيب شهوتنا ونؤجر؛ قال: أرأيت لو وضعه في غير حقه ما كان عليه وزر؟ قال: قلت: بلى. قال: أفتحسبون بالسيئة ولا تحسبون بالخير "
(1)
.
ولأنه وسيلة إلى الولد، وإعفاف نفسه وامرأته، وغض بصره.
(وسُن عند وطء قول: بسم الله، اللهم! جنِّبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ} [البقرة: 223].
قال عطاء: هي التسمية عند الجماع.
وروى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم! جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بمنهما ولد لم يضره الشيطان أبداً "
(2)
. متفق عليه.
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(21507) 5: 167.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6025) 5: 2347 كتاب الدعو ات، باب ما يقول إذا أتى أهله. =
قالى المنذري في"حواشيه": قيل لم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والإغواء. واختلف في تأويله فقيل: يحتمل أن يكون دفع ضرره وحفظه من إغوائه وإضلاله بالكفر، ويحتمل حفظه من الكبائر والفواحش.
وقيل: لا يصرفه عن توفيقه للتوبة إذا زلّ.
وقيل. هو أن لا يصرع.
وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته. انتهى.
(وكُره) كونهما حال الوطء (متجرِّدَيْن)، لما روى عتبة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرَّد تجرد العَيْرَيْن "
(1)
. وواه ابن ماجه.
والعيرين: تثنية عَير بعين مهملة مفتوحة وسكون المثناة من تحت، يريد به حمار الوحش. شبههما به تنفيراً عن تلك الحالة.
(و) كُره (إكثار كلام حالتَه) أي: حالة الوطء؛ لما ووى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأفاء "
(2)
.
ولأنه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه.
(و) كُره (نزعه) أي: نزع ذكره منها (قبل فراغِها)، لما روى أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جامع الرجل أهله فليقصدها. ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضى حاجتها "
(3)
.
(1)
= وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1434) 2: 1058 كتاب النكاح، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع.
أخرجه ابن ماجه في"سننه"(1921) 1: 618 كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع.
(2)
ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (44901) 16: 354 كتاب النكاح، محظورات المباشرة.
(3)
ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (44837) 16: 344 كتاب النكاح، المباشرة وآدابها ومحظوراتها.
ولأن في ذلك ضرراً عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها.
ويستحب: أن يلاعب امرأته عند الجماع؛ لتنهض شهوتها، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله.
وقد روى عمر بن عبدالعزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يواقعها إلا وقد أتاها
من الشهوة مثل ما نال، لا يسبقها بالفراغ. قلت: وذلك؟ إلى قال: نعم إنك تقبلها وتغمزها وتلمسها، فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها ".
(و) كُره (وطؤه بحيث يراه أو يسمعه) من الناس (غير طفل لا يعقل، ولو رضيا) أي: الزوجان.
قال أحمد في الذي يجامع المرأة والأخرى تسمع قال: كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي، وهو بالجيم والسين المهملة، يقال: توجس إذا تسمع إلى الصوت الخفي.
(و) يُكره لكل من الزوجين (أن يُحدِّثا بما جرى بينهما) لما روي عن الحسن قال: " جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال، فقال: لعل أحدكم يحدث بما يصنع بأهله إذا خلا. ثم أقبل على النساء فقال: لعل إحداكن تحدث النساء بما يصنع بها زوجها. قال: فقالت امرأة: إنهم يفعلون وإنا لنفعل. فقال: لا تفعلوا، فإنما مثل ذلكم كمثل شيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون "
(1)
.
وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعنا
(2)
.
(وله الجمع بين وطء نسائه) بغسل واحد، (أو) أن يجمع بين وطء نسائه (مع) وطء (إمائه بُغسل) واحد؛ لما روى أنس قال:" سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نسائه غسلاً واحداً في ليلة واحدة "
(3)
.
(1)
أحمد في " مسنده "(10990) 2: 541 عن أبي هريرة.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2174) 2: 253 كتاب النكاح، باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله.
(3)
أخرجه ابن ماجه في "سننه "(589) 1: 194 كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء فيمن يغتسل من =
ولأن حدث الجنابة لا يمنع الوطء بدليل إتمام الجماع.
(لا) أن يجمع بين زوجاته (في مسكن) واحد (إلا برضا الزوجات) كلهن؛ لأن على كل واحدة ضرراً فيه
(1)
؛ لما بينهن من الغيرة. واجتماعهن يثير الخصومة. وتسمع كل واحدة حسه إذا أتى غيرها أو كلمها. وإنما جاز ذلك مع الرضى، لأن الحق لا يعدوهن فلهن المسامحة بتركه، وكذا إن رضيتا بنومه بينهما في لحاف واحد.
ويجوز نوم الرجل مع امرأته [بلا جماع]
(2)
بحضرة محرم لها؛" كنوم النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة في طول الوسادة وابن عباس لما بات عندها في عرضها "
(3)
.
(و) للزوج (منع كلُّ منهن) أي: من زوجاته (من خروج) من منزله إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما.
قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها.
(ويحرُم) على من لها زوج خروجها (بلا إذنه، أو) بلا (ضرورة) كإتيانها بمأكل ونحوه، لما روى ابن بطة في " أحكام النساء " عن أنس:" أن رجلا سافر ومنع زوجته الخروج. فمرض أبوها. فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته. فقال لها: اتقي الله ولا تخالفي زوجك. فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنى قد غفرت لها بطاعة زوجها ".
ولأن طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة. فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب.
(1)
= جميع نسائه غسلاً واحداً.
زيادة من ب.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه"(1367) 2: 47 كتاب التطوع، باب في صلاة الليل.
وروى عن علي أنه قال: " بلغنى أن نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق.
أما تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار "
(1)
.
وحيث خرجت بلا إذنه بلا ضرورة (فلا نفقة) لها ما دامت خارجة من منزله. (وسُن) للزوج (إذنه) لزوجته: (إذا مرض محرَم لها، أو مات) محرم لها في الخروج إليه؛ لما في ذلك من صلة الرحم. وفي منعها من الخروج إليه قطيعة الرحم، ويكون عدم إذنه حاملاً للزوجة على مخالفته. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالمعاشرة بالمعروف وليس ذلك منها.
(وله) أي: وللزوج (إن خافه) أي: خاف خروج زوجته: (لحبس) أي: بأن كان محبوساً ظلماً أو بحق، (أو نحوه)؛ كما لو أراد سفراً (إسكانها حيب لا يمكنها) خروج من ذلك المكان. (فإن لم تُحفَظ) أي: يمكن حفظها باًن لم يكن له
(2)
من يحفظها غير نفسه: (حُبست معه) حيب لا محذور، (فإن خيف محذور) بحبسها معه، كما الحبس عليه الآن:(ففي رباط ونحوه).
قال في " الفروع ": قال شيخنا فيمن حبسه بحقها: إن خاف خروجها بلا إذنه أسكنها حيث لا يمكنها. فإن لم يكن لها
(3)
من يحفظها غيرنفسه حبست معه. فإن عجز عن حفظها أو خيف حدوث شر أسكنت فيا رباط ونحوه. ومتى كان خروجها مظنة الفاحشة صار حقاً لله تعالى يجب على ولي الأمر رعايته. انتهى.
(وليس له) أي: للزوج (منعُها) أي: منع زوجته (من كلام أبويها، ولا منعهما) أي: منع أبويها (من زيارتها) في الأصح.
(ولا يلزمها) أى: يلزم الزوجة (طاعتهما) أي: طاعة أبويها (في فراقٍ) أي: في فراق زوجها، (وزيارة) أي: زيارتها إياهما، (ونحوهما)؛ كأمرهما بعصيان زوجها، بل طاعة زوجها أحق.
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(1118) 1: 133.
(2)
في ب: لها.
(3)
في "الفروع " 5: 328: له.
(ولا تصح إجارتها) أى: أن تؤجر نفسها أو يؤجرها وليها (لرضاعٍ وخدمة) وصنعة (بعد) عقد (نكاح بلا إذنه) أي: إذن زوجها؛ لأنه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق. فلم يصح؛ كإجارة المستأجر. فأما مع إذن الزوج فإن الإجارة تصح ويلزم العقد؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما.
(وتصح) الإجارة (قبلَه) أي: قبل عقد النكاح، (وتلزم)؛ لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه. فأشبه ما لو أشترى أمة مستأجرة أو داراً مشغولة بما يطول. نقله مهنا.
(وله) أي: وللزوج (الوطء) أي: وطء المستأجرة لخدمة أو رضاع (مطلقاً) أي: سواء أضر وطؤه بالمرتضع أو لا في الأصح؛ لأن وطء الزوج مستحق بعقد التزويج فلا يسقط بأمر مشكوك فيه؛ كما لو أذن فيه الولي ولا يملك الزوج فسخ النكاح مع جهله بكونها مؤجره في الأصح.
***
[فصل: في القسم بين الزوجات]
(فصل. و) يجب
(1)
(على) زوج (غيرِ طفل، أن يسوي بين زوجاته: في قَسْم)؛ لأنه إذا قسم لواحدة أكثر من غيرها كان في ذلك مَيل. وقد قال سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وليس مع الميل معروف.
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء} ؛لأن العدل أن لا يقع ميل البتة، وهو متعذر {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} على تحري ذلك وبالغتم فيه َ {فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] التي ليست ذات بعلٍ ولا مطلقة.
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل "
(2)
.
وعن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل. ثم يقول: اللهم! هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك "
(3)
رواهما أبو فى داود.
(وعماده) أي: عماد القسم: (الليل)؛ لأنه يأوي فيه الإنسان إلى منزله، ويسكن إلى أهله، وينام على فراشه مع زوجته عادة.
ولأن النهار للمعاش والاشتغال. قال الله سبحانه وتعالى: {وَمِن رَّحْمَتِهِ
(1)
زيادة من ج.
(2)
أخرجه أبو داود في"سننه"(2133) 2: 242 كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء.
وأخرجه الترمذي في "جامعه "(1141) 3: 447 كتاب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر.
وأخرجه النسائي في"سننه"(3942) 7: 63 كتاب عشرة النساء، ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض.
وأخرجه ابن ماجه في"سننه"(1969) 1: 633 كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء.
وأخرجه أحمد في"مسنده "(8549) 2: 347 كلهم عن أبي هريرة.
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه"(2134) الموضع السابق.
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} [القصص: 73].
وقال سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 10_11].
(والنهار يَتْبَعُه) أي: يتبع الليل أي: يدخل في القسم تبعاً لليل؛ لما روي" أن سودة وهبت يومها لعائشة "
(1)
متفق عليه.
وقالت عائشة: " قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي "
(2)
.
وإنما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاراً.
ويتبع اليوم الليلة الماضية؛ لأن النهار تابع لليل
(3)
. ولهذا يكون أول الشهر الليل.
ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب الشمس من آخر يوم من الشهر الذي قبله، ويخرج منه بعد غروب شمس آخر يوم منه.
(وعكسه) أي: عكس ما تقدم من كون عماد القسم في حقه الليل والنهار تابع يكون في حق (مَن معيشتُه بليل، كحارس) فإنه يقسم بين نسائه بالنهار، ويكون النهار في حقه كالليل في حق غيره.
(ويكون) القسم (ليلة وليلة) في الأصح، لأنه إن قسم ليلتين وليلتين أو أكثر من ذلك كان في ذلك تأخير لحق من لها الليلة التالية التي قبلها، (إلا أن يرضين بأكثر) من ليلة وليلة؛ لأن الحق لا يعدوهن.
(ولزوجة أمة مع) زوجة (حرة، ولو) كانت الحرة (كتابية ليلة من ثلاث)، لما روي عن علي أنه قال: " إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحره ليلتين
(4)
. رواه الدارقطني.
واحتج به أحمد.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4914) 5: 1999 كتاب النكاح، باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك.
وأخرجه مسلم في"صحيحه "(1463) 2: 1085 كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها.
(2)
أخرجه البخاري في"صحيحه"(4184) 4: 1616 كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(3)
في ب: الليل.
(4)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(148) 3: 285 باب المهر.
ولأن الحرة يجب تسليمها ليلاً ونهاراً فكان حظها أكثر في الإيواء. ويخالف ذلك النفقه والسكنى فإنه مقدر بالحاجة، وحاجة الأمة في ذلك كحاجة الحرة.
ويخالف ذلك أيضاً قسم الابتداء فإنه شرع لزوال الاحتشام من كل واحدٍ من الزوجين من صاحبه، ولا يختلف ذلك بالحرية والرق.
وأما كونه يسوي بين المسلمة والذمية في القسم؛ فلقول ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء.
(و) يقسم (لمبعضة) أي: من بعضها فقط حر (بالحساب).
قال في " الإنصاف ": قاله الأصحاب.
(وإن عَتَقت أمة في نَوبتها، أو) في (نوبة حره سابقة) على نوبة الأمة: (فلها) أي: فللأمة التي عتقت في نوبتها أو نوبة الحره السابقة (قِسْم حرة)؛ لأن النوبة أدركت التي كانت أمة وهي حرة فتستحق قسم حرة.
(و) إن عتقت (في نوبة حرة مسبوقة: يستأنف القسم متساوياً) في الأصح. يعني: أنه إن كان قسم للأمة وعتقت وقد استوفت الحرة يوماً مثله قطع الدور وابتدأ دوراً غيره.
قال في " شرح المقنع ": فإن عتقت الأمة في ابتداء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة، وإن كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساوياً ولم يقض لها ما مضى؛ لأن الحرية حصلت بعد استيفاء حقها. وان عتقت وقد قسم للحرة ليلة لم يردها على ذلك؛ لأنهما تساويا فيسوي بينهما. انتهى.
وعبارته في " الرعاية " وتبعه صاحب " الفؤوع ": وإن عتقت أمة في نوبتها أو نوبة حرة مسبوقة: فلها قسم حرة، وفي نوبة حرة سابقة، قيل: يُتم للحرة على حكم الرق.
وقيل: يستويان بقطع واستدراك. انتهى.
قال ابن نصر الله في " حاشيته على الفروع ": وقد نسبه شارح" المحرر "
إلى الوهم في ذلك. وسبب وهمه: أن في عبارة صاحب " المحرر " ضميراً
للحرة
(1)
فظنه للأمة فانعكس الحكم عليه في المسألتين. فإن عبارة " المحرر": إذا عتقت الأمة في نوبتها أو نوبة الحرة وهي المتقدمة فلها قسم حرة. وإن عتقت في نوبة الحرة وهي المتأخرة فوجهان. فجعل صاحب"الرعاية"قوله: وهي في الموضعين يعود إلى الأمة. وتابعه المصنف- يعني: صاحب" الفروع "- وجعل الشارح هذا وهماً وأن الصواب أن قوله: وهي في الموضعين يعود إلى الحرة، ويؤيد ما قاله شارح
"المحرر"قول ابن عبدوس في" تذكرته": ولأمة عتقت في نوبة حرة سابقة كقسمها، وفي نوبة حرة سابقة كقسمها، وفي نوبة حرة مسبوقة تتمها على الرق. انتهى.
فعلى هذا إذا عتقت في نوبة الحرة ونوبة الحرة متقدمة على نوبة الأمة فلأمة قسم حرة، وإن كانت نوبة الحرة متأخرة عن نوبة الأمة ففيها الوجهان.
وقوله: أي: قول شارح "المحرر" أقرب إلى الصواب. ويظهر ذلك بنظر كلامه فإنه علل ذلك بأنها إذا عتقت في نوبة حرة والحرة متقدمة فإن النوبة تدرك الأمة وهي حرة فتستحق قسم حرة. وإن كانت الحرة متأخرة فأحد الوجهين يقسم للحرة على حكم الرق فلا تزاد الأمة شيئاً، ويكون للحرة ضعف مدة الأمة؛ لأن باستيفاء الأمة مدتها في حال الرق وجب للحرة ضعفها. بخلاف ما إذا عتقت قبل مجيء نوبتها أو قبل تمامها. والجرية الطارئة لا تنقص الحرة مما وجب لها.
والوجه الثانى: يسوى بينهما بقطع واستدراك يعني
(2)
: أنه إن كان قسم للأمة وعتقت وقد استوفت الحرة يوماً مثله قطع الدور
(3)
وابتدأ دوراً غيره.
وإن فضلت الحرة عنها
(4)
بشئ استدركه بالقضاء للأمة وذلك؛ لأن نوبتي الأمة والحرة مدة واحدة وقد عتقت الأمة في أثنائها فصارتا حرتين، فوجب أن
(1)
في ب: لحرة.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ب: الدورة.
(4)
في ب: عينها.
يتساويا
(1)
فيها؛ كما لو عتقت في آخر نوبتها. انتهى.
قال في " الفروع " بعد ذلك: وفي " المغني " و" الترغيب ": وإن عتقت بعد نوبتها اقتصرت على يومها. زاد في " الترغيب " بدأ بها أو بالحرة.
قال ابن نصر الله: ويدخل في هذه العبارة ما لو كانت
(2)
نوبة الحرة قبل نوبة الأمة أو بعدها، وسواء كانت النوبتان متواليتين أو متفرقتين وبينهما زمن من غيرهما برضاهما.
ويفهم منها: أنها متى كان عتقها قبل نوبتها لم يقتصر على يومها.
ومقتضى ذلك: أن يكون لها قسم حرة، سواء كان ذلك في نوبة الحرة السابقة، أو في الزمن المتخلل بين النوبتين برضاهما، أو قبل مجيء نوبتهما من الدور، مثل: أن يكون التراضي وقع بينهم على أن يبيت عند الحرة من كل سبعة أيام يومين هما الخامس والسادس، وعند الأمة السابع، وينفرد لنفسه في أربعة أيام متقدمة على الثلاثة المقسوم فيها. انتهى.
(ويطوف بمجنون مأمون) معه أكثر من زوجة في قسم (وليُّه)، وإن لم يكن مأموناً فلا قسم عليه، لأنه لا يحصل منه أنس ولا فائدة.
(ويحرم تخصيص) لبعض زوجاته (بإفاقة. فلو أفاق في نوبة واحدة: قضى يوم جنونه للأخرى)، وإن لم يعدل الولي في القسم ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة؛ لأنه حق ثبت في ذمته. فلزمه إيفاوه حال الإفاقة؛ كالمال.
(وله أن يأتيهن) أي: وللزوج أن يأتي زوجاته كل واحدة في مسكنها؛ " لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم هكذا "
(3)
.
(1)
في ب: يستويا.
(2)
في ب: كان.
(3)
لفظ الحديث عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها ".
أخرجه أبو داود في "سننه"(2135) 2: 242 كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء.
ولأنه أهون لهن وأستر حتى لا يخرجن من بيوتهن.
(و) له (أن يدعوهن إلى محلِّه) باًن يتخذ لنفسه منزلاً يدعو إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها؛ لأن له نقل زوجته حيث شاء بمسكن يليق بها.
(و) له (أن يأتى بعضاً) من الزوجات إلى مسكنها، (و) أن (يدعو بعضاً) منهن إلى منزله؛ لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء.
وإن حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه بأن يستدعي كل واحدة في نوبتها فعليهن طاعته.
(ولا يلزم من دُعيت إتيان: ما لم يكن سكن مثلها)، لما في ذلك من
الضرر عليها، ويجب عليه العدل بينهن.
(ويَقسم) وجوباً زوج مريض ومجبوب وخصي وعنين، لأن القسم للأنس وذلك حاصل ممن لا يطأ.
وقد روت عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه، ويقول: أين أنا غداً، أين أنا غداً "
(1)
. رواه البخاري.
فإن شق عليه ذلك استأذنهن في السكون عند إحداهن، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى نسائه فاجتمعن. قال: إنى لا أستطيع أن أدور بينكن. فإن رأيتنَّ أن تأذنَّ لي فأكون عند عائشة فعلتن. فأذنّ له
(2)
. رواه أبو داود.
فإن لم يأذنّ له أقام عند إحداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعاً إن أحب. قاله في
" شرح المقنع ".
ويجب القسم (لحائضٍ ونُفساء، ومريضة ومَعيبة ورَتقْاء، وكتابيَّة ومُحرِمة وزَمِنة، ومميِّزة ومجنونة مأمونة، ومن آلى) منها (أو ظاهر منها، أو وُطئت
(1)
أخرجه البخاري في"صحيحه "(3563) 3: 1375 كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2137) 2: 243 كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء.
بشبهة، أو سافر بها بقُرعة: إذا قَدِم)؛ لأن القصد الإيواء والسكن والأنس، وهو حاصل بالمبيت عندها.
(وليس له) أي: للزوج (بُداءة) في قسم (ولا سفر بإحداهن، بلا قرعة)؛ لأن في البداءة بإحداهن تفضيلاً لها، والتسوية واجبة، ولا يمكن الجمع بينهن في البداءة. فوجب المصير إلى القرعة.
و" لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فمن خرجت لها القرعة خرج بها معه "
(1)
. متفق عليه.
(إلا برضاهن ورضاه) يعني: إلا أن يرضى الزوج والزوجات بالبداءة بواحدة معينة، أو بالسفر بها فيجوز؛ لأن الحق لا يعدوهم.
(ويقضي) الزوج لبقية الزوجات (مع) خروج (قرعةٍ) في السفر بإحداهن، (أو) مع (رضاهن) بالسفر بمعينة منهن (ما تعقَّبه سفر أو تخلله) أي: تخلل السفر (من إقامة) في الأصح لساكنهما فيما تعقب السفر أو تخلله، لا زمن مسيره وحله وترحاله؛ لأن ذلك لا يسمى سكناً. فلا يجب قضاؤه؛ كما لو كانا منفردين.
(و) يقضي من سافر بواحدة من زوجتيه أو زوجاته (بدونهما) أي: بدون قرعة وبدون رضى بقية زوجاته (جميع غيبته)؛ لأنه خصَّ بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمه فيه. فلزمه القضاء؛ كما لو كان حاضراً.
ولا فرق في ذلك بين السفر الطويل والقصير؛ لعموم الخبر والمعنى، ولا
بين من أراد السفر إلى بلد معين ثم عنّ له السفر إلى بلد أبعد منه.
(ومتى بدأ) القسم (بواحدة من نسائه بقرعة أوْ لا) أي: وبدون قرعة:
(لزمه مَبيت) ليلة (آتية عند) زوجة (ثانية)؛ ليحصل التعديل في الصورة
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه "(4913) 5: 1999 كتاب النكاح، باب القرعة بين النساء إذا أراد سفراً.
وأخرجه مسلم قي " صحيحه "(2445) 4: 1894 كتاب فضائل الصحابة، باب فضل رضي الله عنها.
الأولى، ويتدارك الظلم في الصورة الثانية.
(ويحرم) على زوج (أن يدخل إلى كير ذات ليلة فيها) أي: في الليلة التي ليست لها (إلا لضرورة) مثل: أن يكون منزولاً بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه ونحو ذلك.
(و) يحرم أن يدخل إليها (في نهارها) أي: نهار ليلة غيرها (إلا لحاجة؛ كعيادة)، أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته.
(فإن لم يلبث) مع الضرورة أو الحاجه أو مع عد مهما: (لم يقض)؛ لأنه
لا فائدة في قضاء الزمن اليسير.
(وإن لبث أو جامع: لزمه لقضاء لُبثٍ وجماع) في الأصح. وهو: أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما؛ لأن اليسير مع الجماع يحصل به السكن. فأشبه الزمن الكثير.
(لا) قضاء (قبلة ونحوها من حقِّ الأخرى)، لما روت عائشة قالت:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليَّ في يوم غيري فينال مني كل شيء ألا الجماع "
(1)
.
(وله قضاء أول ليل عن آخره) في الأصح، لأنه قد قضى بقدر ما فاتها من الليل.
وقيل: ليس له ذلك، لعدم المماثلة.
(و) قضاء (ليل صيف عن) ليل (شتاء، وعكسهما) يعني: أن له قضاء آخر ليل عن أوله، وليل شتاء عن ليل صيف؛ لأنه قد قضى ليلة عن ليلة.
(ومن انتقل) من بلد (إلى بلد) وله زوجات: (لم يجز أن يصحب
(1)
أخرج أبو داود نحوه في"سننه"عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعض على بعض في القسم، من مكثه عندنا، وكان قلّ يوم إلا وهو يطوف عليناً جميعاً فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها". (2135) 2: 242 كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء.
إحداهن، و) يصحب (البواقي غيره إلا بقرعة) فإذا سافر بمن خرجت لها القرعة ووصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة؛ لأنه صار مقيماً وانقطع حكم السفر عنه. فإن خص إحداهن بصحبته بدون قرعة قضى للباقيات كالحاضر.
(ومن امتنعت) من زوجاته (من سفر) معه (أو مبيت معه، أو سافرت لحاجتها ولو بإذنه سقط حقها: من قَسم ونفقة).
اما الممتنعة من السفر أو المبيت معه؛ فلأنها عاصيه له بمنيع نفسها منه.
فسقط حقها؛ كالناشز.
وأما من سافرت لحاجتها بإذنه أو بدون إذنه فكذلك في الأصح؛ لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسببٍ من جهتها. فسقط؛ كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها. وفارق ما إذا سافرت معه؛ لأنه لم يتعذر ذلك.
(لا) إن سافرت (لحاجته) أي: حاجة زوجها (ببعثِه) إياها فإنه لا يسقط حقها من القسم ولا من النفقة؛ لأن تعذر استمتاعه بسبب من جهته.
(ولها) أي: للزوجة (هبةُ نوبتها) من القسم (بلا مال لزوج يجعله لمن شاء) من ضرائرها، (ولضرَّة) معينة (بإذنه ولو أبَتْ) ذلك (موهوب لها)؛ لأن الحق في ذلك للواهبة وللزوج. فإذا رضيت هي والزوج جاز؛ لأن الحق لايخرج عنهما.
وأما كون ذلك جائزاً ولو أبت الموهوب لها ذلك؛ لأن حق الزوج في الاستمتاع
بها ثابت قي كل وقت عليها، وإنما منعته المزاحمة في حق صاحبتها. فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبب حقه في الاستمتاع بها وإن كرهت؛ كما لو كانت منفردة. وقد ثبت "أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة "
(1)
. متفق عليه.
(1)
أخرجه البخاري في"صحيحه "(4914): 1999 كتاب النكاح، باب المرأة تهب يومها من زوجها =
وأما كون ذلك لا يصح على مال؛ لأن حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك يقابل بمال.
فإذا أخذت الواهبة على ذلك مالاً لزمها رده، وعلى الزوج أن يقضي لها زمن هبتها؛ لأنها إنما تركته بشرط العوض ولم يسلم لها. وإن كان عوضها في ذلك غير المال، مثل: إرضاء زوجها عنها أوغير ذلك جاز؛" لأن عائشة أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية وأخذت يومها، وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره "
(1)
.
(وليس له) أي: للزوج (نقلُه) أي: نقل الزمن الموهوب (لِيَلِيَ ليلتَها) أي: ليلة الموهوب لها، إلا برضى الباقيات؛ لأن الحق لا يخرج عنهن، بل يخرج للموهوب لها في الوقت الذي كان للواهبة؛ لأن الموهوب لها قامت مقام الواهبة في ليلتها. فلم تغير عن موضعها؛ كما لو كانت باقية للواهبة.
(ومتى رجعت) في هبتها (ولو في بعض ليلة) عاد حقها في المستقبل؛ لأنها هبة لم تقبض، و (قسم) أي: وكان على الزوج أن يرجع إليها.
(ولا يقضي بعضاً) من ليلة (لم يَعلم به) أي: برجوعها فيها (إلى فراغها)؛ لحصول التفريط منها.
(ولها) أي: وللزوجة (بذلُ قِسْم ونفقة وغيرهما) لزوج؛ (ليُمْسكها. ويعود) حقها فيما وهبته من ذلك فيما يستقبل من الزمان (برجوعها)، وأما ما مضى فبمنزلة الهبة المقبوضة.
(1)
= لضرتها وكيف يقسم ذلك.
وأخرجه مسلم في"صحيحه "(1463) 2: 1085 كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها.
أخرجه ابن ماجه في"سننه"(1973) 1: 634 كتاب النكاح، باب المرأة تهب يومها لصاحبتها، ونصه: "عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شيء. فقالت صفية: يا عائشة! هل لك أن تُرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ولك يومي؛ قالت: نعم. فأخذت خماراً لها مصبوغاً بزعفران.
فرشته بالماء ليفوح ريحه. ثم قعدت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة! إليك عني.
إنه ليس يومك فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فأخبرته بالأمر، فرضي عنها ".
(ويسن) لزوج (تسوية) أي: أن يسوي (في وطء بين زوجاته)؛لأنه أبلغ في العدل بينهن.
وروي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوي بين زوجاته حتى في القبلة. ويقول: اللهم! هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك
(1)
.
قال في " شرح المقنع ": ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا يجب التسوية بين النساء في الجماع. وذلك؛ لأن الجماع طريقه الشهوة والميل، ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك.
(و) يسن لسيد تسوية (في
(2)
قسم بين إمائه) اللاتي يستمتع بهن؛ ليكون ذلك أطيب لقلوبهن. ولا قسم عليه فيهن بدليل قول الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وريحانة فلم يكن يقسم لهما.
ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع، ولذلك لا يثبت لها خيار بجبّ السيد ولا عنّته، ولا يضرب لها مدة الإيلاء بحلفه على ترك وطئهن.
(وعليه ان لا يَعضُلَهن) إذا احتجن إلى النكاح: (إن لم يُرِدْ استمتاعاً بهن) فيزوجهن أو يبيعهن.
***
(1)
أخرجه أبو داود في "سننه "(2134) 2: 242 كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء. عن عائشة.
(2)
ساقط من ب.
[فصل: في إقامة من تزوج ومعه غيرها]
(فصل. ومن تزوج بكرًا) ومعه غيرها: (أقام عندها سبعاً ولو) كانت (أمة، ثم دَارَ. و) إن كانت التي تزوجها على غيرها (ثيبًا) أقام عندها (ثلاثاً) ثم دار؛ لأن الدور ينقطع بمكثه عند الجديدة ما يجب لها. وتصير الجديدة آخرهن نوبة.
والأصل في ذلك ما روى أبو قلابة عن أنس قال: " من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم "
(1)
. قال أبو قلابة: لو شئت لقلت أن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " للبكر سبعة أيام، وللثيب ثلاثة. ثم يعود إلى نسائه "
(2)
. رواه الدارقطني.
(وإن شاءت) الثيب (لا هو) أي: لا الزوج أن يقيم عندها (سبعاً. فعل) أي: أقام عندها سبعاً، (وقضى الكل) أي: السبع كلها للبواقي. وذلك؛ لما روت أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال: إنه ليس بكِ هوان على أهلك. فإن شئت سبّعت لك وسبّعت لنسائي "
(3)
. روأه احمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4916) 2000: 5 كتاب النكاح، باب إذا تزوج الثيب على البكر. وأخرجه مسلم في " صحيحه " (1461) 2: 1084 كتاب الرضاع، باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(140) 3: 283 باب المهر.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1460) 2: 1083 الموضع السابق.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2122) 2: 240 كتاب النكاح، باب في المقام عند البكر.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1917) 617: 1 كتاب النكاح، باب الإقامة على البكر والثيب.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(26547) 6: 292.
ورواه الدارقطني ولفظه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين دخل بها: ليس بكِ هوان على أهلك. إن شئتِ أقمت عندك ثلاثاً خالصة لك، وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي. قالت: تقيم معي ثلاثاً خالصة "
(1)
.
(وإن زُفّت إليه) أي: إلى الزوج (امرأتان: كُره) له ذلك. قطع به في
" الفروع ".
(وبدأ بالداخلة) عليه (أولاً)؛ لأن حقها متقدم.
(ويُقرع) بين المرأتين (للتساوي) أي: إن تساويا في الدخول عليه بأن لم تسبق إحداها الأخرى أقرع بينهما؛ لتساوي حقهما. فمن خرجت له القرعة وفاها حق عقدها، ثم دار إلى الثانية فوفاها حق عقدها، ثم قسم بعد ذلك. (وإن سافر) أي: أراد السفر (من قرع) بين زوجتيه لتساويهما في الدخول عليه وهو يريد السفر سافر بمن خرجت لها القرعة، و (دخل حق عقد في قسم سفر)؛ لأن الغرض من حق العقد حصل بسفرها في صحبته، (فيقضيه للأخرى بعد قدومه) من سفره في الأصح؛ لأنه حق وجب لها قبل سفره ولم يؤده إليها. فلزمه قضاوه؛ كما لو لم يسافر بالأخرى معه.
ومتى قدم من سفره قبل مدة ينقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجها واحداً. وفيما زاد الوجهان. وقد تقدم أن الأصح: أنه يقضيه.
ومن كانت له امرأة
(2)
فتزوج أخرى عليها وأراد السفر بهما جميعا قسم للجديدة سبعاً إن كانت بكراً أو ثلاثاً إن كانت ثيباً، ثم يقسم بعد ذلك في قسم السفر؛ لأنه نوع قسم. وإن أراد السفر بواحدة فوقعت القرعة للقديمة سافر بها، فإذا حضر قضى للجديدة حق العقد؛ لأنه سافر بعد وجوبه عليه.
(وإن طلق واحدة) من معه أكثر (وقت قسْمها)، مثل: أن تكون هي
(1)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(143) 3: 284 باب المهر.
(2)
في ب: امرأتان. وهو وهم.
الثانية في القسم فيطلقها في آخر نوبة الأولى فقد (أثم)؛ لأنه تسبب بالطلاق إلى إبطال حقها من القسم؛ لأن الأولى لما استوفت النوبة وجب للثانية مثل ذلك،
فإذا طلقها فقد أبطل بذلك حقها من القسم. فلا يجوز؛ كإبطال سائر حقوقها. (ويقضيه) لها (متى نكحها) وجوبا؛ لأنه قدر على إيفاء حقها. فلزمه، كالمعسر إذا أيسر بالدين.
(ومن قَسَم لثنتين من ثلاث) أي: ثلاث زوجات، (ثم) لما جاز من
الثالثة (تجدد) عليه (حق رابعة برجوعها في هبة) من حقها من القسم، (أو) برجوعها (عن نشوز، أو بنكاح) متجدد: (وفاها) هذا جواب من. يعني:. فيوفيها (حق عقده) وهو سبع إن كانت بكرا، أو ثلاث إن كانت ثيبا، (ثم) يعود إلى القسم فيكون (رُبعَ الزمن المستقبل للرابعة)؛ لأنها واحدة من أربع، والأولى والثانية قد استوفتيا مدتهما، (و) يكون (بقيته) أي: بقية الزمن المستقبل وهي ثلاثة أرباعه (للثالثة) مثل ما استوفته كل واحدة من الأوليين. مثاله فيما يخرج الحساب فيه بلا كسر: أنه كان يقسم للأوليات ثلاثاً ثلاثاً فإنه يقسم للثالثة ثلثا مثلهما
(1)
ويقسم للرابعة ليلة فتكون الرابعة قد أخذت ربع مدة الزمن الآنى عليها، لأنه زمن الثالثة وزمن الرابعة.
(فإن أكمل الحق: ابتدأ التسوية) للأربع.
(ولو بات ليلة عند إحدى امرأتيه، ثم نكح) ثالثة: (وفاها حق عقده،
ثم) وفى (ليلة للمظلومة، ثم) وفى (نصف ليلة للثالثة، ثم يبتدى) القسم.
قال في " الإنصاف ": هذا المذهب. انتهى.
قال الموفق وشارح " المقنع ": وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في
نصف ليلة وفيه حرج.
(وله) أي: وللزوج الذي له زوجتان فأكثر (نهار) ليل (قِسم أن يخرج)
(1)
في ب: منهما.
فيه) لمعاشِه وقضاء حقوق الناس)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وجعلنا النهار معاشا)] النبأ: 11].
وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها
(1)
عند المزفوفة حكم سائر القسم في ما
ذكرنا.
ومتى تعذر عليه المقام عند زوجته ليلا بشغل أو حبس أو تركه من غير عذر: قضاه لها.
وله الخروج إلى صلاة الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك الجماعة لذلك.
(1)
في ب: يقمها.
(فصل: في النشوز)
(وهو: معصيتُها إياه فيما يجب عليها) له. يقال: نشزت المرأة بالشين المعجمة والزاي، ونشصت بها وبالصاد المهملة. وهو مأخوذ من النشز، وهو: ما ارتفع من الأرض؛ فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض الله سبحانه وتعالى عليها من المعاشرة بالمعروف.
(وإذا طهر منها أمارته) أي: أمارة النشوز: (بأن منعته) أي: منعت زوجها (الاستمتاع) بها، (أو أجابته) حال كو نها (متبرِّمة) مثل: أن تتثا قل إذا دعاها، ولا تجيبه إلا بتكره ودمدمة:(وَعَظَها) بأن يخوفها الله سبحانه وتعالى، ويذكر لها ما أوجب عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية، وما يسقط بذلك من النفقه والكسوة، وما يباح له من هجرها وضربها، لقول الله سبحانه وتعالى:(واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن)] النساء: 34].
(فإن أصرَّت) على النشوز بعد وعظها: (هجرها في مضجع) أي: ترك مضاجعتها (ما شاء) من الزمان ما دامت كذلك، (و) هجرها (في كلام ثلاثة ايام، لا فوقها)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (واهجروهن فى المضاجع)
] النساء: 34].
قال ابن عباس: " لا تضاجعها في فراشك ".
وأما كونه لا يهجرها في الكلام أكثر من ثلاثة أيام؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام "
(1)
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4911) 4: 278 كتاب الأدب، باب فيمن يهجر أخاه المسلم.
(فإن أصرَّت) مع هجرها في المضجع وهجرها في الكلام على ما هي عليه
من "النشوز: (ضربها) ضرباً (غير شديد)، لما روى عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لايجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها في آخر اليوم "
(1)
.
(عشرة أسواط، لا فوقَها)، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله "
(2)
. متفق عليه.
وعلى الزوج أن يجتنب الوجه
(3)
والمواضع المخيفة، لأن المقصود
التأديب، وزجرها عن المعصية في المستقبل، وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل؛ كمن أراد من هجم منزله.
وأما قوله سبحانه وتعالى: (واللاتى تخافون نشوزهن 000) الآية] النساء: 34] ففيها إضمار تقديره: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن
(4)
، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع، فإن أصررن فاضربوهن؛ كما قال سبحانه وتعالى:(إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أويصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أوينفوا من الأرض)] المائده: 33]. والذي يدل على هذا: أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز، ولا خلاف: أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره. فإذا لم ترتدع بالوعظ والهجر
(1)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(3343) 5: 440 كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة:(والشمس وضحاها).
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(1983) 1: 638 كتاب النكاح، باب ضرب النساء. كلاهما عن عبد الله بن زمعة.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(6458) 6: 2512 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب كم التعزير والأدب.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1708) 3: 1332 كتاب الحدود، باب قدر أشواط التعزير. كلاهما عن أبي بردة الأنصاري.
(3)
في ب: الزوجة. وهو تصحيف.
(4)
ساقط من ب.
فله ضربها؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (واضربوهن)] النساء: 34].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحد تكرهونه. فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح "
(1)
. رواه مسلم.
ومعنى غير مبرح أي: ليس بالشديد.
وفي " الترغيب " وغيره: الأولى ترك ضربها إبقاءاً للمودة.
قال أحمد في الرجل يضرب امرأته: لا ينبغي لأحد أن يسأله ولا أبوها لم ضربها؟
والأصل في هذا بما روى الأشعث
(2)
عن عمر أنه قال: " يا أشعث
(3)
لِلَّهِ احفظ عني شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألن رجلا فيم ضرب امرأته "
(4)
. رواه أبو داود.
لأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحيى، وإن أخبر بغيره كذب.
(ويُمنع منها) أي: من هذه الأشياء (من) أي: زوج (علم بمنعه حقها) أي: حق زوجته (حتى يوفيه) لها؛ لأنه يكون ظالماً بطلبه حقه مع منعه حقها. وينبغي للمرأة أن لا تغضب زوجها؛ لما روى أحمد قال: حدثنا يزيد،
أنبأنا يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار عن الحصين بن محصن " أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذات زوج أنت؟ قالت: نعم. فقال: انظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك "
(5)
.
قال في " الفروع ": إسناد جيد.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1218) 1: 891 كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، عن جابر بن عبدالله.
(2)
في ب: الأشعب.
(3)
في ب: أشعب.
(4)
أخرجه أبو داود في "سننه"(2147) 2: 246 كتاب النكاح، باب في ضرب النساء.
(5)
أخرجه أحمد في " مسنده "(18970) 4: 1 34.
وينبغي للزوج مداراتها، نقل عبد الله عن أبيه: سمعت أبا يوسف القاضي يقول: خمسة تجب على الناس مداراتهم: الملك المسلط، والقاضعي المتأول، والمريض، والمرأة، والعالم ليقتبس من علمه، فاستحسنت ذلك. ونقل صالح: لا تغلو في كل شيء، حتى الحب والبغض.
ونقل المروذي: من لم يقر بقليل ما يأتي به السفيه أقر بالكثير.
وقال ابن الجوزي: متى أمسك عن الجاهل عاد ما عنده من العقل موبخاً له
على قبح ما أتى به، وأقبل عليه الخلق لائمين له على سوء أدبه في حق من لايجيبه.
ونقل ابن منصرر: حسن الخلق: أن لا تغضب، ولا تحتد.
وحدّث رجل لأحمد ما قيل: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل.
" فقال أحمد: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.
(وله) أي: للزوج (تأديبها) أي: تأديب زوجته (على ترك الفرائض)، كالصلاة والصوم الواجبين، (لا تعزيرها في حادث متعلق بحق الله تعالى) سبحانه، كإتيان المرأة المرأة.
سأل إسماعيل بن سعيد أحمد عما يجوز ضرب المرأة عليه؟ قال: على فرائض الله تعالى.
وقال في الرجل له امرأة لا تصلي: يضربها ضرباً رفيقا غير مبرح.
وقال عليّ رضي الله تعالى عنه في تفسير قوله سبحانه وتعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً)] التحريم: 6 [قال: " علموهم أدبوهم ".
وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" رحم الله عبداً علق في بيته سوطاً يؤدب
(1)
أهله "
(2)
.
(1)
ساقط من ب.
(2)
ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (44999) 16: 380 كتاب النكاح، تربية أهل البيت.
فإن لم تصلّ فقال أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة
لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن.
(فإن ادعى كل) من الزوجين (ظلم صاحبه) له: (أسكنهما حاكم قُرب)
رجل (ثقة يُشرف عليهما، ويكشف حالهما؛ كعدالة وإفلاس من خبرة باطنة). قاله في " الترغيب ".
(ويُلزمهما) الثقة (الحق)؛ لأن ذلك طريق إلى " الإنصاف ". فتعين
فعله؛ كالحكم بالحق.
(فإن تعذر) إسكانهما قرب ثقة يشرف عليهما (وتشاقَّا) أي. خرجا إلى
الشقاق والعداوة (بعث) الحاكم إليهما (حََكمين ذكرَين حرَّين مكلفين مسلمين عدلَين، يعرفان، الجمع والتفريق) أي: حكمهما في الأصح؛ لأنهما يتصرفان في ذلك فيعتبرعلمهما به.
وأما كونهما يشترط فيهما ما ذكر في المتن مع كونهما وكيلين على الأصح؛
لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلا؛ كما لو نصب
وكيلا على يتيم أو مفلسى.
(والأوْلى): أن يكون الحكمان (من أهلهما) أي: أهل الزوجين؛ لأن الشخص يفضى إلى أقربائه وأهله من غير احتشام فيكون ذلك أقرب إلى الإصلاح. فيخلو كل حكم بصاحبه ويستعلم رأيه في الوصلة أو الفرقة وما يكره من صاحبه. (يوكِّلانهما، لا جبراً) أي: يوكلهما الزوجان برضاهما، (في فعل الأصلح: من جمع أو تفريق، بعوض أو دونه) على الأصح.
والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إ ن يريدا إ صلاحا يوفق الله بينهما)] النساء: 35].
(ولا يصحُّ إبراء غير وكيلها) أي: وكيل الزوجة (في خُلع فقط) يعني:
أنه لا يصح من أحد الوكيلين إبراء إلا إذا أبرأ الزوج وكيل الزوجة. فإنه يصح أن يبرئ وكيل الزوجة الزوج في الخلع فقط أي: لا في غير الخلع.
قال في " الإنصاف ": لا يصح الإبراء من الحكمين إلا في الخلع خاصة من وكيل المرأة فقط. قاله المصنف والشارح وصاحب " الفروع " وغيرهم. انتهى. (وإن شرطا) أي: الحكمين عن الزوجين (ما) أي: شرطاً (لا ينافى نكاحا)؛ كأن يسكنها في محلة كذا، أو لا يتزوج عليها، أو لا يسكنها في محلة كذا ونحو ذلك:(لزم) الزوجين ما شرطاه الحكمان.
(وإلا) بأن شرطا ما ينافي النكاح (فلا) يلزم. وذلك؛ (كترك قسم،
أو) ترك (نفقة)، أو أن لا يطأها، أو لا يسافر إلا بإذنها ونحو ذلك.
(ولمن رضي) من الزوجين بما ينافي النكاح من الشرط (العود) أي: الرجوع من الرضى به؛ لكونه ليس بلازم.
(ولا ينقطع نظرهما) أي: نظر الحكمين (بغيبة الزوجين أو أحدهما) عن
بلد الحكمين على الأصح؛ لأنهما وكيلان، والوكالة لا تنقطع بغيبة الموكل. (وينقطع) نظرهما (بجنونهما) أي: جنون الزوجين (أو أحدهما، ونحوه) أي: نحو الجنون (مما يبطل الوكالة)؛ كالحجر للسفه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[كتاب الخُلع]
هذا (كتاب الخلع). سمي الخلع خلعاً، لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما يُخلع اللباس من البدن.
قال الله سبحانه وتعالى: (هن لباسٌ لكم وأنتم لباس لهن)[البقرة: 187].
(وهو) أي: والخلع شرعاً: (فراق زوجته) أي: فراق الزوج زوجته (بعوض، بألفاظ مخصوصة) تأتي في المتن.
(ويباح) الخلع (لسوء عشرة) بين الزوجين، بأن يصير كل منهما كارهاً
[للآخر]
(1)
ولا يحسن صحبته.
(ولمبغضة) لزوجها: (تخشى أن لا تقيم حدود الله تعالى في حقه)، لما روى ابن عباس قال:" جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ما أعتب عليه من خلق ولا دين. ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة "
(2)
. رواه البخاري والنسائي. ولو لم يكن مباحاً لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وبهذا قال عمر وعثمان وعلي. ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة.
(1)
زيادة لتتمة المعنى.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4971) 5: 2021 كتاب الطلاق، باب الخلع وكيف الطلاق فيه.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3463) 6: 169 كتاب الطلاق، باب ما جاء في الخلع. كلاهما عن عكرمة عن ابن عباس.
(وتُسن إجابتها) أي: إجابة زوجته إذا سألته الخلع على عوض: (حيث أبيح) الخلع، (إلا مع محبته لها) أي: محبة الزوج لزوجته: (فيسن صبرُها) عليه، (وعدم افتدائها).
قال أحمد: ينبغي لها أن لا تختلع منه وأن تصبر.
قال القاضي: قول أحمد: ينبغي لها أن تصبر على سبيل الاستحباب والاختيار ولم يرد بهذه الكراهة؛ لأنه قد نص على جوازه في غير موضع. انتهى. ولا يفتقر صحة الخلع إلى حاكم. نص عليه أحمد، فقال: يجوز الخلع دون السلطان.
وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان
(1)
، وبه قال مالك والشافعي.
ولأنه إن قيل: إنه عقد معاوضة كان كالبيع، أو قيل: إنه قطع عقد بالتراضي كان كالإقالة، وكل منهما لا يفتقر إلى حاكم.
(ويكره) الخلع، (ويصح مع استقامة) أي: مع استقامة حال الزوجين على الأصح؛ كمن يفعل ذلك بطراً وطلبا للتخلي عنها.
أما كونه يكره؛ فلأن ثوبان روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة "
(2)
. رواه الخمسة إلا النسائي.
ولأنه عبث فيكون مكروهاً.
وأما كونه يصح على الأصح؛ فلقوله سبحانه وتعالى: (فإن طبن لكم عن
شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)] النساء: 4].
(1)
ذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا 5: 2521 كتاب الطلاق، باب الخلع وكيف الطلاق فيه.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2236) 2: 268 تفريع أبواب الطلاق، باب في الخلع.
وأخرجه الترمذي في (جامعه " (1187) 3: 493 كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في المختلعات.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2055) 1: 662 كتاب الطلاق، باب كراهية الخلع للمرأة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(22493) 5: 383.
(ويحرم) الخلع (ولا يصح: إن عضَلها) الزوج (لتختلع) منه، بأن ضربها، أو ضيّق عليها، أو منعها حقها من نفقة أو كسوة أو قسم ونحو ذلك " لقول الله
(1)
سبحانه وتعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله)] البقرة: 229].
ولقوله سبحانه وتعالى: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)] النساء: 19].
ولأن ما تفتدى به نفسها مع ذلك عوض أكرهت على بذله بغير حق. فلم يستحق أخذه منها، للنهي عنه. والنهي يقتضى الفساد.
(ويقع) عليه الطلاق (رجعياً) إن أجابها (بلفظ: طلاق، أو) بلفظ الخلع مع (نيته) أي: نية الطلاق. وإنما لم تبن منه؛ لفساد العوض.
(ويباح ذلك) يعني: أنه يباح للزوج أن يعضلها لتفتدي نفسها منه (مع زناها). نص عليه؛ لقول الله سبحانه وتدالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)] النساء: 19 [والاستثناء من النهي إباحة. ولأنه لا يأمن أن تلحق به ولداً من غيره.
(وإن أدبها لنشوزها، أو تركها فرضا) من صلاة أو صيام أو غيرهما
(فخالعته لذلك: صح) الخلع ولم يحرم، لأنه ضربها بحق.
قال في " الإنصاف ": الحال التاسع: أن يضربها ويؤذيها لتركها فرضاً أو لنشوز فتخالعه لذلك، فقال فى " الكافي ": يجوز.
قال الشيخ تقي الدين: تعليل القاضي وأبي محمد- يعني: به المصنف- يقتضي أنها لو نشزت عليه: جاز له أن يضربها لتفتدي نفسها منه. وهذا صحيح. انتهى.
(ويصح) الخلع (ويلزم ممن يقع طلاقه)، مسلماً كان أو ذمياً، حراً كان
(1)
في ب: لقوله.
أو عبداً، كبيراً كان أو صغيراً يعقله؛ لأنه إذا ملك الطلاق وهو مجرد إسقاط من غير تحصيل شيء. فلأن يملكه محصلاً للعوض أولى.
(و) يصح (بذل عوضه) أي: عوض الخلع (ممن) أي: من كل من (يصح تبرعه)، لأنه بذل مال في مقابلة ما ليس بمال ولا منفعة. فصار كالتبرع من هذا الوجه وإذا أشبه التبرع اعتبر فيمن يبذله ما يعتبر في المتبرع من البلوغ والعقل وعدم الحجر.
ولا فرق في ذلك بين كون البذل من زوجة أو من أجنبي (ولو ممن شهدا بطلاقها) أي: طلاق الزوجة (ورُدَّا) أي: ردت شهادتهما بطلاقها لمانع من قبولها في الأصح إن سمي العوض وهو منه، أو سمي منها وضمنه الأجنبي؟ (كـ) بذل أجنبي عوضاً (في افتداء أسير)، لا كالفسخ والإقالة.
(فيصح) أن يقول الأجنبي لزوج المرأة: (اخلعها على كذا عليَّ) لك، (أو) أن يقول الأجنبي: اخلعها على كذا (عليها وانا ضامن). ويلزم الأجنبي المال المسؤول عليه الخلع في الصورتين، (ولا يلزمها) أي: ولا يلزم المرأة: (إن لم تأذن) للأجنبي شيء مما اختلعها الأجنبي عليه من المال. (ويصح سؤالها) أي: سؤال المرأة زوجها الخلع (على مال أجنبي بإذنه)، فتصير كأنها وكيلة عن الأجنبي في مخالعة زوجها بمال الأجنبي، (وبدونه) أي: وبدون إذنه: (إن ضمنته) مثل أن تقول هي: خالعتك على عبد فلان وأنا ضامنة. فإن لم تضمنه لم يصح الخلع، لأنها بذلت مال غيرها. فلم يصح البذل؛ كما لو بذل الأجنبي مالها بدون إذنها. فأما مع الضمان فتكون باذلة للبدل ويقع مال الغير لاغياً.
(ويقبضه) أي: يقبض عوض الخلع (زوج ولو) كان (صغيراً) حيث صح الخلع منه، (أو) كان (سفيهاً، أو) كان (قِنا). قاله القاضي ونص عليه أحمد في العبد فقال: ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وإن استهلكه لم يرجع على الواهب. والمختلعة بشيء والمحجور عليه في معنى العبد.
قال في " الفروع ": ومن صح خلعه قبض عوضه عند القاضي. وقاله أحمد
في العبد. انتهى.
وصححه الناظم وجزم به في " المنور " وقدمه في " المجرد " و" تجريد العناية " و"التنقيح ".
(كمحجور عليه لفلس ومكاتَب).
ثم قال (المنقح: وقال الأكثر: ولي وسيد وهو أصح. انتهى).
قال في " الإنصاف " عن هذا القول: هذا المذهب. اختاره المصنف. يعني: الموفق والشارح.
قال أبو المعالي في "النهايه ": هذا أصح. واختاره ابن عبدوس في "تذكرته ".
وجزم به في " البلغة ". وقدمه في " الهداية " و" المذهب " و" المستوعب " و"الخلاصة " و" الرعايتين " و" شرح ابن منجا " وغيرهم. انتهى.
(و) لو قال أبو زوجة لزوجها: (طلق بنتي وانت بريء من مهرها، ففعل)
أي: فطلقها على ذلك: (فـ) هو (رجعي)؛ لخلوه عن العوض، (ولم يبرأ) من المهر، (ولم يرجع على الأب)، لأنه أبرأه مما ليس له الإبراء منه. فأشبه الأجنبي.
وقال الإمام أحمد: تبين زوجته بذلك ولم يبرأ من مهرها، ويرجع بنظيره
على الأب. وحمله القاضي وغيره على جهل الزوج، وإلا فخلع بلا عوض. (ولا تطلق) الزوجة (إن قال) الزوج لأبيها:(طلقتها إن برئت) يعني:
نفسه (منه) أي: من صداق ابنتك؛ لأنه لا يبرأ بذلك منه.
(ولو قال) الزوج لأبي زوجته: (إن أبرأتني أنت منه) أي: من مهر زوجتي (فهى طالق، فأبرأه) أبو الزوجة من مهر ابنته: (لم تطلق) زوجته في الأصح، لأن الطلاق معلق على براءته من مهرها ولم يبرأ منه بإبراء أبيها.
وقيل: تطلق إن أراد لفظ الإبراء.
ومن الحوادث من المسائل مما يقرب من ذلك، قال ابن نصر الله: فتوى.
حادثة: رجل قال لزوجته: إن أبرأتيني من حقوق الزوجية ومن العدة فأنت طالق فقالت: أبرأتك. فأفتيت في ذلك بعدم صحة البراءة وعدم وقوع الطلاق.
أما عدم صحة البراءة؛ فلأنها
(1)
قصدت بها المعاوضة في الطلاق ولم يقع.
فلم تصح البراءة.
وأما عدم وقوع الطلاق؛ فلأنه علقه على الإبراء من العدة والمراد من
نفقتها. ولا تصح البراءة منها إلا بعد وجوبها، ولا تجب العدة إلا بالطلاق. فلا يتصور وقوع الطلاق ليوقفه على ما هو متوقف عليه فيدور. انتهى.
(وليس لأب صغيرة أن يخالع) زوجها (من مالها)، لأنه إنما يملك التصرف بما لها فيه الحظ لها. وليس في هذا حظ، بل فيه إسقاط حقها مما هو واجب لها. والأب وغيره من الأولياء في ذلك سواء.
(ولا لأب) زوج (صغير أو مجنون، أو سيدهما) أي: سيد الصغير والمجنون (أن يخلعا أو يطلقا عنهما) أي: عن الصغير والمجنون على الأصح. (وإن خالعت) زوجها (على شيء أمة بلا إذن سيد) لم يصح على الأصح؛
لأنه تصرف صدر من غير أهله، إذ الرقيق بدون إذن سيده ليس بأهل للتصرف.
فلا يصح منه؛ كالمجنون.
(أو) لو خالعت زوجها (محجورة لسفه أو صغر أو جنون: لم يصح) في
الأصح (ولو أذن فيه ولي).
قال في " الإنصاف ": هذا المذهب، سواء أذن لها الولى أو لا؛ لأنه
لا إذن له في التبرع. انتهى.
(ويقع) الخلع (بلفظ: طلاق، أو نيته رجعيا)؛ لأنه لم يستحق به عوضا.
(ولا يبطل إبراء من ادعت سفها حالته) أي: حالة الخلع، (بلا بينة)
تشهد بسفهها حالته.
(1)
في ب: فإنها.
قال في " الفروع ": ولا يبطل الإبراء بدعواها السفه.
وقال شيخنا: ولو مع بينة أنها سفيهة وليست تحت الحجر. ويتوجه: بلى
مع بينة.
وقال: ولو أبرأته وولدت عنده ومالها بيده يتصرف فيه لم يصدق أبوها أنها
(1)
كانت سفيهة تحت حجره بلا بينة. انتهى.
(ويصح) الخلع (من) زوجة (محجورٍ عليها لفلس) على مال (في ذمتها)؛ لأن لها ذمة يصح تصرفها فيها. ويوجع عليها بالعوض إذا أيسرت وانفك الحجر عنها. وليس له مطالبتها في حال حجرها، كما لو استدانت من إنسان في ذمتها أوباعها شيئاً بثمن في ذمتها.
ومن قالت له امرأته: طلقني بألف على أن تطلق ضرَّتى، أو على أن
لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم؛ لأنها بذلت عوضاً في طلاقها أو طلاق ضرتها فصح؛ كما لو قالت: طلقني وضرتي بألف. فإن لم يف لها شرطها فعليه الأقل من المسمى، أو الألف الذي شرطته.
قال في " شرح المقنع ": ويحتمل أن لا يستحق شيئاً من العوض؛ لأنها
إنما بذلته بشرط لم يوجد. فلم يستحقه؛ كما لو طلقها بغير عوض. انتهى.
(1)
في الأصول: إن. وما أثبتناه من " الفروع " 5: 344
] فصل: الخلع طلاق او فسخ]
(فصل. وهو) أي: الخلع: (طلاق بائن، ما لم يقع بلفظ صريح في خلع، كفسخت، وخلعت، وفاديت، ولم ينو به طلاقا: فيكون فسخا لا ينقص به عدد طلاق) في الأصح، (ولو لم ينو) بذلك (خلعا).
وروي كونه فسخا لا ينقص به عدد الطلاق عن ابن عباس وطاووس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور. وهو أحد قولي الشافعي.
وعنه: أنه طلقة بائنة بكل حال.
وروي ذلك عن عثمان وعلي وابن مسعود. لكن ضعف أحمد الحديث عنهم. وقال: ليس لنا في الباب شيء أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ. واحتج ابن عباس بقوله سبحانه وتعالى: (الطلاق مرتان)، ثم قال:(فلاجناح عليهما فيما افتدت به)، ثم قال:(فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)] البقرة: 230 [فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدهما. فلو كان الخلع طلاقاً لكان رابعا.
ولأن الخلع فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته. فكان فسخاً؛ كسائر الفسوخ.
واما كون فسخت صريحاً في الخلع " فلأنه حقيقة فيه.
وأما خلعت، فلأنه ثبت له العرف.
وأما فاديت؛ فلأنه الوارد في قوله سبحانه وتعالى: (فلا جناح عليهما فيما
افتدت به)] البقر ة: 229].
(وكناياته) أي: كنايات الخلع: (بارأتُك، وأبرأتك، وأبنتُك)، لأن الخلع أحد نوعي الفرقة. فكان له صريح وكناية، كالطلاق.
(فمع سُؤال وبذل) أي: سؤال الخلع وبذل عوضه، (يصح) إن أجاب بصريح الخلع أو كنايته (بلا نية)، لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى عن النية فيه.
(وإلا) أي: وإن لم تكن دلالة حال (فلا بد منها) أي: من النية (ممن
أتى بكناية) من كنايات الخلع.
(وتعتبر الصيغة منهما) أي: من المتخالعين على الأصح. فلا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوج.
وعنه: بلى؟ لأن إسحاق بن منصور روى قال: قلت لأحمد: كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال فهي فرقة. وأفتى بذلك ابن شهاب بعكبرا. وروي عن علي: من قبل مالا على فراقٍ فهي تطليقة بائنة لا رجعة له فيها. واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. ففرق رسول الله بينهما "
(1)
. وقال: " خذ ما اعطيتها ولا تزدد "
(2)
. ولم يستدع منه لفظاً.
ولنا: أن الخلع أحد نوعي الفرقة. فلم يصح بدون لفظ، كما لو سألته أن يطلقها بعوض.
ولأنه تصرف في البضع بعوض. فلم يصح بدون اللفظ؛ كالنكاح.
ولأن أخذ المال قبض لعوض. فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب؛ كقبض
(3)
أحد العوضين في البيع.
ولأن الخلع أحد طرفي عقد النكاح. فاعتبر فيه اللفظ؛ كابتداء العقد.
واما حديث جميلة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تردين عليه حديقته ".
فقد رواه البخاري " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة "
(4)
. وهذا صريح في اعتبار اللفظ.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2057) 1: 663 كتاب الطلاق، باب المختلعة تأخذ ما أعطاها.
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 7: 313 كتاب الخلع والطلاق، باب الوجه الذي تحل به الفدية.
(3)
في ب: كقرض.
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4971) 5: 2021 كتاب الطلاق، باب الخلع وكيف الطلاق فيه.
وفي رواية " فأمره ففارقها "
(1)
. ومن لم يذكر الفرقة فإنما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فإن القصة واحدة والزيادة مقبولة. ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذلك اللفظ، لأنه معلوم منه. وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة. ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة حال ولا بد منه اتفاقا.
إذا تقرر هذا (فـ) تكون الصيغة (منه) أي: من الزوج: (خلعتك أو نحوه على كذا، و) تكون الصيغة (منها: رضيت أو نحوه)، وسواء قلنا الخلع فسخ أو قلنا إنه طلاق.
(ويصح) الخلع (بكل لغة من أهلها) أي: أهل تلك اللغة.
قال في " الرعاية ": يصح ترجمة الخلع بكل لغة من أهلها. انتهى.
وذلك كالقول في الطلاق.
(لا معلقاً) يعني: أنه لايصح تعليق الخلع على شرط؛ (كـ) قوله لزوجته: (إن بذلت لي كذا فقد خلعتك) إلحاقاً بعقود المعاوضات؛ لاشتراط العوض لصحته.
(ويلغو شرط رجعة) في خلع، كقوله: خالعتك على كذا على أن لي أن أراجعك ما دمت في العدة، أو متى شئت. (أو) شرط (خيار في خلع)؛ كقوله: خالعتك على كذا على أن لي الخيار، أو على أن لك الخيار إلى كذا، أو يطلقان، (دونه) أي: دون الخلع. يعني: فلا يفسد الخلع بذلك في الأصح. (ويستحق) الزوج العوض (المسمى فيه) في الأصح. وذلك، لأن الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسداً. فلا يفسد بالشرط الفاسد فيه؛ كالنكاح. وإنما استحق المسمى فيه دون غيره؛ لأنهما تراضيا به عوضا. فلم يجب غيره؛ كما لو خلا عن الشرط الفاسد.
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4973) 5: 2022 الموضع السابق.
(ولا يقع بمعتدَّة من خلع طلاق، ولو وُوجِهتْ به) أي: بالطلاق
وحكي عن أبي حنيفة: أنه يلحقها الطلاق الصريح المعين دون الكناية. والطلاق المرسل. وهو: أن يقول كل امرأة لي طالق. وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وجماعة؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة ".
ولنا: على أنه لا يقع بها طلاق أنه قول ابن عباس وابن الزبير، ولا يعرف لهما مخالف في عصرهما. وبذلك قال عكرمة وجابر بن زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي.
ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد. فلم يلحقها طلاقه؛ كالمطلقه قبل الدخول، أو التي انقضت عدتها.
ولأنه لا يملك بضعها. فلم يلحقها طلاقه؛ كالأجنبية.
وحديثهم لا يعرف له أصل، ولا ذكره أصحاب السنن.
(ومن خُولع جزءٌ منها) مشاعاً؛ (كنصفها، أو) معيناً؛ كـ (يدها: لم يصح الخلع).
قال الأزجي في " نهايته ": يتفرع على قولنا: الخلع فسخ أو طلاق مسألة ما
إذا قال: خالعت يدك أو رجلك على كذا فقبلت. فإن قلنا الخلع] فسخ [
(1)
لا يصح ذلك. وإن قلنا هو طلاق صح؛ كما لو أضاف الطلاق إلى يدها أو رجلها.
(1)
زيادة لتتمة المعنى.
] فصل: في شروط الخلع]
(فصل. ولا يصح) الخلع (إلا بعوض) على الأصح.
روى مهنا عن أحمد: إذا قال لها: اخلعي نفسك، وقالت: خلعت نفسي
لم يكن خلعا إلا على شيء، إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى.
فعلى هذا يكون الطلاق رجعياً إن لم يكن مكملاً لما يملكه من الطلاق؛ لأنه
يصلح كناية عن الطلاق، وإن لم ينو به طلاقا لم يكن شيئا؛ لأن الخلع إن كان
فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لمقتض يملك به الفسخ. ولذلك لو
قال: فسخت النكاح من غير مقتض ولم ينو به طلاقا لم يقع شيء. بخلاف ما إذا
دخله العوض فإنه يصير معاوضة فلا يجتمع له العوض والمعوض.
فلو قالت: بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح، وكان بيعاً وخلعاً
بعوض واحد، لأنهما عقدان يصح إفراد كل واحد منهما بعوض. فصح جمعهما؛ كبيع ثوبين.
(وكُره) للزوج مخالعة زوجته (بأكثر مما أعطاها) على الأصح. فلو
تراضيا على الخلع بأكثر من صداقها صح مع الكراهة. روي ذلك عن عثمان
(1)
. ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: " لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزاً "
(2)
.
وروي عن علي بإسناد منقطع " أنه ليس للزوج أن يأخذ منها أكثر مما
(1)
أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه "(11850) 6: 504 كتاب الطلاق، باب المفتدية بزيادة على صداقها.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 7: 315 كتاب الخلع والطلاق، باب الوجه الذي تحل به الفدية.
(2)
أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه "(11853) 6: 505 الموضع السابق. وأخرجه البيهقي في الموضع السابق.
أعطاها ". واختار ذلك أبو بكر من أصحابنا وغيره. واحتجوا بما روي " أن جميلة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: والله! ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق .. ولكن أكره الكفر في الإسلام. لا أطيقه بُغضاً. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد "
(1)
. رواه ابن ماجه.
ولأنه بذلٌ في مقابلة فسخ. فلم يزد على قدره في ابتداء العقد، كالعوض
في الإقالة.
ولنا: قول الله سبحا نه وتعالى: (فلاجناح عليهما فيما افتدت به)] البقرة: 229].
ولأنه قول من سمينا من الصحابة.
قالت الربيع بنت معوذ: " اختلعت من زوجي بما دون عقاصى رأسي.
فأجاز ذلك علي ".
وأما كونه يكره له ذلك؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جميلة: " ولا يزداد ".
وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما
أعطاها "
(2)
.. رواه أبو حفص بإسناده.
وهو صريح في الحكم، فيجمع بين الآية والخبر. فنقول الآية دالة على
الجواز والنهي عن الزيادة للكراهة.
(وهو) أي: والخلع (على محرَّم يعلمانه؛ كخمر وخنزير كبلا عوض)
فلا يستحق شيئا. وبهذا قال مالك وأبو حنيفة.
وقال الشافعي: له عليها مهر المثل؟ لأنه معاوضة بالبضع. فإذا كان
العوض محرما وجب مهر المثل، كالنكاح.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2056) 1: 663 كتاب الطلاق، باب المختلعة تأخذ ما أعطاها. عن عكرمه عن ابن عباس.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه " 3: 255 باب المهر.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 7: 314 كتاب الخلع والطلاق، باب الوجه الذي تحل به الفدية.
ولنا: أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم. فإذا رضي بغير عوض لم. يكن له شيء؛ كما لو نجز طلاقها أو علقه على فعله شيئا ففعلته. وفارق النكاح فإن دخول البضع في ملك الزوج متقوم ولا يلزم ذلك إذا خلعها على عبد فبان حرا؛ لأنه لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور.
إذا تقرر هذا فإن خلعه يكون لغواً ما لم ينو به طلاقا، (فيقع رجعيا بنية
طلاق).
أما كونه يقع به الطلاق؛ فلأن الخلع من كنايات الطلاق، فإذا نواه به وقع.
وأما كونه يقع رجعيا؛ فلخلوه عن العوض.
(وإن لم يعلماه) أي: وإن لم يعلما تحريمه؛ (كـ) ما لو خالعها (على
عبد فبان حراً، أو) بان (مستحقاً: صح) الخلع، (وله) أي: وللزوج (بدله) أي: بدل العبد وبدل
(1)
قيمته لو كان عبداً. وهذا قول أكثر أهل العلم؛
لأن الخلع معاوضة بالبضع. فلا يفسد بفساد العوض؛ كالنكاح.
ولو خالعها على هذا الدن الخل فبان خمراً رجع عليها بمثله خلا؛ لأن الخل
من ذوات الأمثال وقد دخل على أن هذا المعين خل. فكان له مثله؛ كما لو كان
خلا فتلف قبل قبضه؛ لأثه إنما وجب عليها مثله لوكان خلا، كما يجب له قيمة الحر بتقدير كونه عبداً فإن الحر لا قيمة له.
(وإن بان) ما خالعها عليه (معيباً: فله أرشه، أو قيمته ويرده). يعني:
فيخير الزوج بين أخذ أرشه وبين رده وأخذ قيمته؛ لأنه عوض في معاوضة. فيستحق فيه ذلك؛ كالبيع.
(وإن تخالع كافران بمحرَّم)؟ كخمر وخنزير، (ثم أسلما أو أحدهما قبل
قبضه) أي: قبض المحرم: (فلا شيء له) أي: للزوج المخالع؛ لأنه عوض
ثبت في ذمتها بالخلع فلم يكن له غيره بعد الإسلام، وقد سقط بإسلامهما. فلم
يجب له شيءفي الأصح.
(1)
في أ: بدله العبد وبدله.
(ويصح) الخلع (على رَضاع ولده مطلقا) أي: من غير تقدير مدة،
(وينصرف) الرضاع (الى حولين) إن كان ذلك عند ولادته، (أو) إلى (تتمتهما) إن كان قد مضى منهما شيء. نص على ذلك أحمد.
قيل له: ويستقيم هذا الشرط رضاع ولدها ولا نقول: ترضعه سنتين؟ قال: نعم.
ووجه ذلك: أن الله سبحانه وتعالى قيد الرضاع بالحولين فقال سبحانه
وتعا لى: (والوالدات يرضغن أولادهن حولين)] البقرة: 233].
وقال سبحانه وتعالى: (وفصاله فى عامين)] لقمان: 14].
وقال سبحانه وتعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)] الأحقاف: 5 [. ولم
يبين مدة الحمل والفصال هاهنا فحمل على ما فصلته الآية الأخرى، وجعل الفصال عامين والحمل ستة أشهر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا رضاع بعد فصال "
(1)
. يعنى: بعد العامين، فحمل المطلق من كلام الآدمي على المطلق من كلام الله سبحانه وتعالى.
(و) لو خالعته (عليه) أي: على رضاع ولده مدة معينة، (أو) خالعته (على كفالته) مدة معينة، (أو) خالعته على (نفقته) أي: على الإنفاق على ولده مدة معينة، (أو) خالعته على (سكنى دارها مدة معينة) صح. (فلو لم تنته) المدة (حتى انهدمت) الدار، (أو جفَّ لبنُها) أي: لبن من خالعته على إرضاع ولده، (أو ماتت) من خالعته على إرضاع ولده أو كفالته أو الانفاق عليه، (أو) مات (الولد: رجع) الزوج (ببقية. حقه)، لأن ذلك عوض معين تلف قبل قبضه. فوجبت قيمته أومثله، كما لو خالعها على قفيز فهلك قبل قبضه، (يوماً فيوماً) في الأصح، لأنه ثبت مُنجَّماً فلا يستحقه معجلاً، كما لو أسلم في خبز يأخذ منه كل يوم أرطالا معلومة فمات المستحق له.
(1)
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " 7: 319 كتاب الخلع والطلاق، باب الطلاق قبل النكاح. عن جابر مرفوعاً، وعن علي موقوفا 7:461.
ولأن الحق لا يستحق بموت المستوفي؛ كما لو مات وكيل صاحب الحق. (ولا يلزمها) إن مات الولد (كفالة بدله أو إرضاعه) أي: إرضاع بدله؛
لأن ذلك عقد على فعل في عين. فينفسخ بتلفها؛ كما لو ماتت الدابة المستأجر ة.
ولأن ما يستوفيه من اللبن إنما يتقدر بحاجة الصبي، وحاجات الصبيان تختلف
ولا تنضبط. فلم يجز أن يقوم غيره مقامه؛ كما لو أرادا
(1)
ذلك في حياة الولد. (ولا يعتبر) لصحة الخلع على الإنفاق لمدة معينة (تقدير نفقة ووصفها).
فلا يشترط ذكر قدر الطعام وجنسه، ولا قدر الأدم وجنسه؛ لقصة موسى عليه الصلاة والسلام
(2)
.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أخي موسى آجر نفسه بطعام بطنه وعفة فرجه "
(3)
. ولأن نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة وهي غير مقدرة. كذا هاهنا. وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه الولد من مؤنة وما يحتاج إليه؛ لأنه بدل ثبت له في ذمتها، فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره.
(و) إذا ثبت هذا فإنه (يرجع) فيه (لعرف وعادة)، وإن أذن لها والد الولد في إنفاقه على الولد جاز.
(ويصح) الخلع (على نفقة ماضية).
قال في " الفروع ": ويصح بنفقتها في المنصوص.
وقيل: إن وجبت بالعقد، وفيه روايتان. وجزم به في "الفصول "، وإلا فخليع معدوم
(4)
. انتهى.
(1)
في ب: أراد.
(2)
وهو قوله سبحانه وتعالى: (قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج).
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2444) 2: 817 كتاب الرهون، باب إجازة الأجير على طعام بطنه. عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح.
(4)
في " الفروع ": 5: 350 بمعدوم.
قال ابن نصر الله في " حواشيه ": لعل المراد بنفقة لها ماضية.
وإنما قال ابن نصر الله ذلك لقوله في " الفروع ": وقيل: إن وجبت بالعقد. والله أعلم.
(و) يصح الخلع (من حامل على نفقة حملها). نص عليه. حكي جواز
ذلك عن أحمد وأبي حنيفة. وذلك، لأنها مستحقه عليه بسبب موجود فصح الخلع بها وإن لم يعلم قدرها، كمسألة المتاع.
(ويسقطان) أي: النفقة الماضية ونفقة الحمل بالخلع عليهما " لأن ذلك
فائدة القول بصحة الخلع بينهما.
(ولو خالعها) أي: خالع الزوج زوجته الحامل (فأبرأته من نفقة حملها:
برئ) الزوج من نفقة حملها (إلى فطامه).
نقل المروذي: إذا أبرأته من مهرها ونفقتها ولها ولد فلها النفقة عليه إذا
فطمته " لأنها قد أبرأته مما يجب لها من النفقة فإذا فطمته فلها طلبه بنفقته، وكذا السكنى.
قال في " الإنصاف ": وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به
كثير منهم
(1)
، منهم الخرقي.
وقال القاضي: إنما صحت المخالعة على نفقة الولد، وهي للولد دونها؛
لأنها في حكم المالكة لها. وبعد الوضع تأخذ أجرة رضاعها.
فأما النفقة الزائدة على هذا من كسوة الطفل ودهنه ونحوه فلا يصح أن تعاوض
(2)
به، لأنه ليس لها ولا في حكم ما هو لها.
قال الزركشي: وكأنه يخصص كلام الخرقي. انتهى.
(ويصح) الخلع (على ما لا يصح مهرًا، لجهالة أو غرر) في الأصح.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في الأصول: يعارض. وما أثبتناه من " الإنصاف " 8: 402.
وقال أبو بكر: لايصح الخلع ولا شيء له؛ لأنه معاوضة. فلا يصح
بالمجهول؛ كا لبيع.
ولنا: أن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط. فجاز أن يستحق به العوض
المجهول؛ كالوصية.
ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع وليس تمليك شيء، والإسقاط يدخله المسامحة ولذلك جاز من غير عوض. بخلاف النكاح.
ولأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم، بدليل ما لو أخرجته من ملكه بردتها أو رضاعها لمن ينفسخ به نكاحها فإنه لم يجب عليها شيء. ولو قتلت نفسها أو قتلها أجنبي لم يجب] للزوج عوض عن بضعها. ولو وطئت بشبهة أو مكرهة لوجب لها المهر دون الزوج. ولو طاوعت لم يكن [
(1)
للزوج شيء. وإنما يتقوم البضع على الزوج في النكاح خاصة. وأباح لها افتداء نفسها لحاجتها إلى ذلك فيكون الواجب ما رضيت ببدله. فأما إيجاب شيء لم ترض به فلا وجه له. إذا تقرر هذا (فلـ) ــزوج (مخالع على ما بيدها أو بيتها: من دراهم) في يدها، (أو) متاع في بيتها (ما) أي: الذي (بهما) أي: بيدها أو بيتها. (فإن لم يكن) في يدها (شيء) من الدراهم: (فله ثلاثة دراهم، أو) لم يكن في بيتها شيء من المتاع فله (ما يسمى متاعا)؛ كالوصية.
وعلم مما تقدم أنه لو كان بيدها دراهم دون الثلاث لم يكن له غيرها. وهو الأصح.
(و) لو خالعها (على ما تحمل شجرة، أو) ما تحمل (أمة، أو) على
(ما في بطنها) أي: بطن الأمة، أو على ما في بطن شاتها أو بقرتها أو ناقتها، ونحو
(2)
ذلك صح كالوصية بذلك، ويكون له (ما يحصل) من ذلك. (فإن لم يحصل) من ذلك (شيء: وجب فيه) أي: في هذا (وفيما) إذا خالعها على
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: أو نحو.
شيء (يُجهل مطلقاً؛ كثوب، ونحوه)؛ كعبد وجمل وبقرة وشاة (مطلق ما تناوله الاسم)؛ لأنها خالعته على مسمى مجهول. فكان له أقل ما يقع عليه الاسم من ثمرة وولد وثوب ونحو ذلك.
(و) لو خالعها (على هذا الثوب الهَرَويّ فبان مَرْويًا) أو بان معيباً، أو خالعها على هذا العبد السندي فبان زنجياً أو بان معيباً:(ليمس له غيره) في الأصح؛ لوقوع الخلع على عينه.
وقيل: له الرد وأخذ القيمة بالصفة سليماً.
وفي " الترغيب " في رجوعه بأرشه وجهان. وأنه لو بان مستحق الدم فقتل فأرش عيبه.
وقيل: قيمته.
(ويصح) الخلع (على) ثوب (هروي في الذمة) موصوف بصفات السلم، وعليها أن تعطيه إياه سليما لأن إطلاق ذلك يقتضي السلامة. (ويخير: إن أتته بـ) ثوب (مروي بين رده وإمساكه). وكذلك يخير إن أتته بهروى معيب أو ناقص عن الصفات المذكوره؛ لأنه إنما وجب في الذمة سليماً تام الصفات.
] فصل: في الطلاق المعلق بعوض]
(فصل. وطلاق معلّق بعوض؛ كـ) دفعه له (خلع في إبانة.
فلو قال) زوج لامرأته: (إن أعطيتني عبداً فأنت طالق، طلقت) منه (بائناً
بأي عبد أعطته) له، (وملكه) أي: ملك الزوج العبد بإعطائها إياه. نص عليه؛ لأنه قد علق طلاقها بإعطاء عبد، فلما أعطته عبداً وجد شرط الطلاق. فيجب أن يقع؛ كما لو قال: إن رأيت عبدا فأنت طالق. ولا يلزمها أكثر منه؛ لأنها لم تلتزم
(1)
له شيئا فلا يلزمها شيء.
(و) إن قال لها: (إن أعطيتني هذا العبد) فأنت طالق، (أو) قال لها:
إن أعطيتني (هذا الثوب الهروي فأنت طالق فأعطته إياه) أي: أعطته العبد فيما إذا قال لها: إن أعطيتني هذا العبد، أو أعطته الثوب فيما إذا قال لها: إن أعطيتني هذا الثوب: (طلقت) بائناً، (ولا شيء له) غيره (إن بان) العبد أو الثوب (معيباً، أو) بان الثوب (مروياً)؛ لأنه شرط لوقوع الطلاق. أشبه ما لو قال: إن ملكته فأنت طالق ثم ملكه.
(وإن بان) العبد (مستحق الدم، فقتل: فـ) إنه يكون له (أرش عيبه) ولا يرتفع الطلاق. قدمه في " الفروع ".
وقيل: يكون له قيمته.
(وإن خرج، الثوب أو بعضه مغصوباً، أو خرج العبد (أو بعضه مغصوباً،
أو) خرج العبد (حراً) فيما إذا قال: إن أعطيتني عبداً فأنت طالق، وفيما إذا قال: إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق: (لم تطلق)؛ لأن الإعطاء إنما يتناول
(1)
في ب: لأنه لم يلتزم.
ما يصح تمليكه منها، والحر أو المغصوب كله أو بعضه متعذر تمليكه منها فلا يكون إعطاوه إياها صحيحاً. فلا يقع الطلاق المعلق به.
(وإن علقه) أي: علق الزوج طلاقها (على خمر أو نحوه) تعطيه له، (فأعطته) إياه:(فرجعي) أي: فتطلق طلاقا رجعياً؟ لأنه ليس على عوض شرعي.
(و) إن قال لها: (إن أعطيتني ثوباً هروياً فأنت طالق، فأعطته) ثوباً (مروياً، أو) أعطته ثوباً (هروياً مغصوباً: لم تطلق)؛ لأن الصفة التي علق الطلاق عليها لم توجد.
(وإن أعطته) ثوباً (هروياً معيباً: فله مطالبتها بسليم) وتطلق؛ لوجود الصفة المعلق عليها الطلاق؛ لأن الاسم شامل للسليم والمعيب، والأعلى والأدنى.
وأما كونه له مطالبتها بهروي سليم والبينونة بحالها؛ لأن مقتضى العقد السلامة في العوض. فكان له مطالبتها بهروي سليم.
(و) إن قال زوج لزوجته: (إن) أعطيتني، أو إن أقبضتني ألفاً فأنت طالق، (أو) قال لها:(إذا) أعطيتني، أو إذا أقبضتني ألفاً فأنت طالق، (أو) قال لها:(متى أعطيتني أو) متى (أقبضتني ألفا، فأنت طالق، لزم) ذلك (من جهته) يعني: فلا يمكنه إبطاله؛ لأن المغلب في ذلك حكم التعليق بدليل صحة تعليقه على الشرط. ويقع الطلاق بوجود الشرط، سواء كان ذلك على الفور أو على التراخي؛ لأنه علق الطلاق بلفظ مقتضاه التراخي. فكان على التراخي؛ كما لو خلا عن العوض.
والدليل على أنه يقتضي التراخي، أنه يقتضيه إذا خلا عن العوض، ومقتضيات الألفاظ لا تختلف بالعوض وعدمه.
إذا تقرر هذا (فأي وقت أعطته) أي: أعطت الزوجة الزوج (على صفة يمكنه) أي: يمكن الزوج (القبض ألفاً فأكثر وازنة)، بأن كان الإعطاء (بإحضاره) أي: إحضار الألف للزوج (وإذنها) للزوج (في قبضه) أي:
قبض الألف " لأن الألف مذكر، (ولو) كان ذلك (مع نقص في العدد) اكتفاء بتمام وزنه:(بانت) بذلك، (وملكه) أي: ملك الزوج الألف (وإن لم يقبضه) أي: ولو لم يقبض الزوج الألف بيده، لأن ذلك إعطاء شرعي، يحنث به من حلف لا يعطي فلاناً شيئا بفعله ذلك معه.
(و) إن قالت امرأة لزوجها: (طلقني) بألف، أو على ألف، أو ولك ألف، (أو) قالت له:(اخلعني بألف، أو على ألف، أو ولك ألف، أو) قالت له: (إن طلقتني) فلك ألف، أو أنت بريء من الألف، (أو) قالت له: إن (خلعتني فلك ألف، أو أنت بريء منه) أي: من الألف، (فقال) لها:(طلقتك) جواباً لقولها: طلقني أو إن طلقتني، (أو) قال لها:(خلعتك) جواباً لقولها: اخلعنى أو إن خلعتني، (ولو لم يذكر الألف) مع قوله: طلقتك أو خلعتك (بانت) منه، (واستحقه) أي: استحق الألف (من غالب نقد البلد: إن أجابها على الفور)؛ لأن قوله: طلقتك أو خلعتك جواب لما استدعته منه والسؤال كالمعاد في الجواب. فأشبه ما لو قالت: بعني عبدك بألف، فقال: بعتكه ولم يذكر الألف.
(ولها) أي: وللزوجة (الرجوع) عما قالته لزوجها (قبل إجابته) إياها بقوله: طلقتك أو خلعتك؛ لأن قولها: طلقتني، أو اخلعني بألف، أو على ألف إنشاء على سبيل المعاوضة. فلها الرجوع قبل تمامه بالجواب " كالبيع. وكذا قولها: إن طلقتني فلك ألف؛ لأنه وإن كان بلفظ التعليق فهو تعليق لوجوب العوض لا للطلاق. بخلاف تعليق الزوج الطلاق على العوض فإنه لا يملك الرجوع فيه؛ كما لو علق الطلاق على دخول الدار.
] فصل: فيمن سئل الخلع فطلق]
(فصل. من سُئل الخلع) أي: أن يخلع زوجته (على شيء) أي: عوض، (فطلق) أي: فأجاب من سأله الخلع بالطلاق: (لم يستحقه) أي: لم يستحق العوض المسؤول عليه في الأصح، لأنها استدعت منه فسخاً فلم يجبها إليه، وأوقع طلاقا لم تطلبه ولم تبذل فيه عوضاً، (ووقع) عليه الطلاق بذلك في الأصح، حال كون وقوعه (رجعياً)، لأنه أوقعه مبتدءًا غير مبذول فيه عوض. فأشبه ما لو طلقها ابتداء.
(ومن سئل الطلاق) على عوض (فخلع: لم يصح) خلعه الذي هو فسخ؛ لأنه لم يجب له بذلك العوض الذي بذل له. وإذا لم يجب له العوض لم يصح الخلع؛ لأنه إنما خالعها معتقداً لحصول العوض.
(و) من قالت لزوجها: (طلقني) بألف إلى شهر أو بعد شهر لم يستحق الألف إلا بطلاقها بعد الشهر.
قال في " الإنصاف ": لو قالت: طلقني بألف إلى شهر فطلقها قبله فلا شيءله. نص عليه. انتهى.
(أو طلقها) من غير أن تسأله (بألف إلى شهر، أو بعد شهر) وقبلت منه ذلك بالمجلس، (لم يستحقه) أي: يستحق الألف (إلا بطلاقها بعده) أي: بعد الشهر. وذلك؛ لأنه إذا طلقها قبل رأس الشهر فقد اختار إيقاع الطلاق من غير عوض فيقع رجعياً. ولو أجاب من سألته الطلاق بألف إلى شهر أو بعد شهر بقوله: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق استحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائناً، لأنه بعوض.
(و) من قالت لزوجها: طلقني (من الآن إلى شهر) بألف، (لم يستحقه
إلا بطلاقها قبله) أي: قبل الشهر. ولا تضر الجهالة في وقت الطلاق؛ لأنه مما يصح تعليقه على الشرط. فصح بذل العوض فيه مع جهل الوقت؛ كالجعالة. (و) من قالت له زوجته: (طلقني به) أي: بالألف (على أن تطلق ضرتي، أو) قالت: طلقني بالألف (على أن لا تطلقها) أي: على أن لا تطلق ضرتي (صح الشرط والعوض. وإن لم يف) بما شرط عليه من طلاق الضرة أو من عدمه: (فله الأقل منه) أي: من الألف (ومن المسمى) للسائلة. وإنما استحق ذلك؛ لكونه لم يطلق إلا بعوض، فإذا لم يسلم له رجع إلى ما رضي بكونه عوضاً وهو المسمى إن كان أقل من الألف. وإن كان أكثر فله الألف فقط؛ لأنه رضي بكونه عوضاً عنها وعن شيء آخر. فإذا جعل كله عنها كان أحظ له. (و) من قالت له زوجته:(طلقني) طلقة (واحدة بألف، أو) طلقني واحدة (على ألف، أو) طلقني واحدة (ولك ألف، ونحوه)؛ كطلقني واحدة على أن أعطيك ألفاً، (فطلق أكثر) بأن قال لها: أنت طالق ثنتين، أو أنت طالق ثلاثا:(استحقه) أي: استحق الألف؟ لأنه أوقع ما استدعته وزيادة؛ لأن الثلاث واحدة وثنتان. ولذلك لو قال: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقع فيستحق العوض بالواحدة، وما حصل من الزيادة التي لم تبذل العوض فيها لم يستحق بها شيئاً.
(ولو أجاب) قولها (بـ) قوله: (أنت طالق وطالق وطالق، بانت) منه (بالأولى) ولم يقع ما بعدها.
(وإن ذكر الألف عقب الثانية) بأن قال لها: أنت طالق وطالق بألف: (بانت بها) أي: بالثانية، (و) الطلقة (الأولى) تقع (رجعيه، ولغت الثالثة. وإن ذكره) أي: ذكر الألف (عقبها) أي: عقب الثالثة بأن قال: أنت طالق وطالق وطالق بألف: (طلقت ثلاثاً). وإن لم يذكر الألف وقال: نويت أن الألف في مقابله الكل بانت بالأولى وحدها ولم يقع بها ما بعدها؛ لأن الأولى حصل في مقابلها عوض وهو قسطها من الألف فبانت بها. وله ثلث الألف؛ لأنه رضي بأن يوقعها بذلك، مثل أن تقول: طلقني بألف، فيقول: أنت طالق
بخمسمائة. هكذا ذكره القاضي. وإن لم ينو شيئاً استحق الألف بالأولى ولم يقع ما بعدها.
(و) من قالت له زوجته: (طلقني ثلاثا بألف، فطلق أقل) بأن قال: أنت طالق واحدة، أو طالق ثنتين:(لم يستحق شيئاً) من الألف في الأصح؛ لأنها بذلت العوض في مقابلة شيء لم يجبها إليها. فلم يستحق شيئاً؛ كما لو قال في المسابقة: من
(1)
سبق إلى خمس إصابات
(2)
فله ألف فسبق إلى بعضها فإنه لايستحق شيئا.
(وإن لم يكن بقى من الثلاث إلا ما أوقعه ولو لم تعلم) هي بذلك في الأصح: (استحق الألف)؛ لأن هذه الواحدة كملت وحصلت ما يحصل بالثلاث من البينونة وتحريم العقد. فوجب بها العوض؛ كما لو قال لها: أنت طالق ثلاثاً.
(ولو قال) لزوج (امرأتاه: طلقنا بألف، فطلق واحدة) منهما: (بانت بقسطها) من الألف. فيقسط الألف على مهور مثلهما.
(ولو قالته إحداهما) أي: قالت إحداهما: طلقنا بالف فطلق واحدة: (فرجعي) في الأصح، سواء كانت من طلقها السائلة أو ضرتها، (ولا شيء له)؛ لأنها جعلت الألف في مقابلة طلاقهما، وبطلاق واحدة منهما لم يحصل المطلوب. فلا يستحق شيئا؛ كما لو قيل لإنسان: بعني عبديك بألف فقال: بعتك أحدهما بخمسمائة.
(و) إن قال الزوج لهما ابتداء: (أنتما طالقتان بألف، فقبلت واحدة: طلقت بقسطها) من الألف.
(و) إن قال لهما: (أنتما طالقتان بألف إن شئتما، فقالتا: شئنا وإحداهما) أي: إحدى الزوجتين (غير رشيدة: وقع بها) أي: بغير الرشيدة الطلاق (رجعياً، ولا شيء عليها) من الألف.
(1)
فى ب: إن.
(2)
في ب: نصابات.
أما وقوع الطلاق بها؛ لأن لها مشيئة، ولذلك يرجع إلى مشيئة المحجور عليها في النكاح.
وأما كون طلاقها يقع رجعياً؛ لأنه لا يجب عليها شيء؛ لعدم نفوذ تصرفها
في مالها، وإذا لم يصح العوض وقع الطلاق رجعياً.
(و) وقع الطلاق (بالرشيدة بائناً بقسطها من الألف)؛ لأن مشيئة الرشيدة صحيحة وتصرفها في مالها صحيح. فيجب عليها بقسطها من الألف.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق وعليك ألف، أو) أنت طالق (على ألف، أو) أنت طالق (بألف، فقبلت) منه ذلك (بالمجلس: بانت) منه (واستحقه) أى: واستحق الزوج الألف؛ لأنه طلاق على عوض وقد التزم فيه العوض. فصح؛ كما لو كان ذلك بسؤالها.
(وإلا) أي: وإن لم تقبل ذلك بالمجلس: (وقع) الطلاق (رجعياً) على المنصوص؛ لأنه طلاق شرط فيه العوض على من لم يلتزمه، فلغا الشرط ووقع الطلاق رجعياً.
(ولا ينقلب) الطلاق (بائناً إن بذلته) أي: بذلت الألف (به) أي: بالمجلس (بعد ردها) في الأصح؛ كما لو بذلته بعد المجلس.
(ويصح رجوعه) أي: رجوع الزوج الذي قال لزوجته: أنت طالق وعليك ألف، أو على ألف، أو بألف (قبل قبولها) أي: قبول زوجته ذلك منه فلا تبين.
] فصل: إذا خالعته في مرض موتها]
(فصل. إذا خالعته) أي: خالعت الزوجة زوجها على عوض مسمى (في مرض موتها) فالخلع صحيح، لأنه عقد معاوضة. فيصح في المرض؛ كما يصح البيع. ومتى كان المسمى زائداً على إرثه (فله الأقل من المسمى) أي: العوض المسمى في الخلع، (أو إرثه منها) على الأصح، لأنها متهمة في أنها قصدت الخلع لتوصل إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادره عليه وهو وارث لها. فبطل الزائد، كما لو أوصت له أو أقرت له. وأما قدر الميراث فلا تهمه فيه فإنها لو لم تخالعه لورث ميراثه. وإن صحت من مرضها صح الخلع على جميع ما خالعها عليه، لأنا تبينا أن مرضها ليس بمرض الموت، والخلع في المرض غير مرض الموت كالخلع في الصحة.
(وإن طلقها) أي: طلق إنسان زوجته رجعيا أو بائناً (في مرض موته، ثم وصى) لها بزائد عن إرثها، (أو أقر بزائد عن إرثها: لم تستحق الزائد) عن إرثها؛ لأنه متهم في أنه قصد إيصال زائد عن إرثها إليها
(1)
؛ لأنه لم يكن له سبيل إلى إيصال ذلك إليها وهي في حباله، فطلقها ليوصل ذلك إليها. فمُنع منه؛ كما لو أوصى لوارث.
(وإن خالعها) فى مرض موته (وحاباها: فمن رأس المال)، لأنه لو طلقها بغير عوض لصح. فلأن يصح مع العوض أولى.
(ومن وكّل) وكيلاً (في خلع امرأته مطلقاً) يعني: ولم يسم له قدر عوض الخلع، (فخالع) الوكيل زوجة الموكِّل (بـ) ــعوض (أنقص من مهرها: ضمن) الوكيل (النقص) عن مهرها، وصح الخلع في الأصح " لأن الزوج إنما
(1)
في ب: إليه.
أذن لوكيله في إزالة ملكه عن البضع بالعوض المقدر شرعاً وهو مهرها، فإذا أزاله
(1)
بأقل منه ضمن النقص؛ كالوكيل المطلق في البيع إذا باع بدون ثمن المثل.
(وإن عيَّن) الزوج (له) أي: للوكيل (العوض) بأن قال له: اخلعها على عشرة، (فنقص منه) أي: عما عينه له بأن خلعها على تسعة: (لم يصح الخلع) في الأصح؛ لأنه إنما أذن له فيه بشرط ما قدره له من العوض، وإذا لم يوجد العوض المقدر لم يوجد الشرط. فيكون الخلع الواقع غير مأذون فيه فلا يصح. ويبقى النكاح بحاله لذلك.
(وإن زاد من وكَّلته) الزوجة في خلعها من زوجها (وأطلَقت) بأن لم تذكر
له قدر العوض، فخالع زوجها بزيادة (على مهرها، أو) خالع (من عينت له العوض) بزيادة (عليه: صح الخلع) في الصورتين في الأصح، (ولزمته الزيادة)؛ لأن الزوجة رضيت بدفع العوض الذي يملك الخلع به عند الإطلاق، وبالقدر المأذون له مع التقدير. والزياده لازمة للوكيل؛ لأنها عوض بذله في الخلع. فصح منه ولزمه؛ كما لو لم يكن وكيلاً.
(وإن خالف) الوكيل ما أمر بالخلع عليه (جنساً، أو حلولاً، أو نقداً لبلد)
بأن توكل في الخلع على نقد فخالع على عوض أو عكس، أو توكل في الخلع على مائة حالة فخالع على مائة مؤجلة، أو توكل في الخلع على مائة من غير تعيين فخالع على مائة من غير نقد البلد:(لم يصح) الخلع؛ لأن ما خالع به لم
(2)
يملكه الموكل؛ لأنه لم يأذن فيه. ولا الوكيل؛ لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه.
(لا وكيلها حُلولاً) يعني: أن المرأة لو وكلت في مخالعة زوجها على ألف حالة فخالف وكيلها في الحلول وخالع على ألف مؤجلة صح الخلع؟ لأن وكيلها
(1)
في ب: زاله.
(2)
ساقط من ب.
زادها خيرًا " لأن الأجل أحظ لمن عليه الدين، لأنه مهلة وتوسعة.
(ولا يسقط) بالخلع (ما بين متخالعين: من حقوق نكاحٍ أو غيره بسكوت عنها) على الأصح في حقوق النكاح. فيتراجعان بما بينهما من الحقوق فإن كان الخلع قبل الدخول فلها نصف المهر، فإن كانت قد قبضته ردت نصفه، وإن كانت مفوضة فلها المتعه، لأن المهر حق لا يسقط بلفظ الطلاق. فلا يسقط بلفظ الخلع، كسائر الديون.
(ولا) يسقط أيضاً ما بين متخالعين: من (نفقة عدة حامل، ولا) من (بقية ما خولع على بعضه)، كسائر الفسوخ غير الخلع، وكالفرقة بلفظ الطلاق.
قال في " الفروع ": وعنه تسقط. يعني: حقوق النكاح بالسكوت عنها،
إلا نفقة العدة وما خولع ببعضه. انتهى.
(ويحرُم الخلع حيلة لإسقاط يمين طلاق، ولا يصح) يعني: ولا يقع.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. جزم به ابن بطة في مصنف له في هذه المسألة. وذكره عن الاجري. وجزم به في " عيون المسائل "، والقاضي في "الخلاف "، وأبو الخطاب في " الانتصار ". وقال: هو محرم عند أصحابنا.
وكذا قال المصنف يعني: الموفق في " المغني ": هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق، والحيل خداع لا تحل ما حرم الله تعالى.
قال الشيخ تقي الدين: خلع الحيلة لا يصح على الأصح كما لا يصح نكاح المحلل، لأنه ليس المقصود منه الفرقة، وإنما يقصد به بقاء المرأة مع زوجها كما في نكاح المحلل، والعقد لايقصد به نقيض مقصوده. وقدمه في " الفروع. ".
وقيل: يحرم، ويقع
(1)
.
(1)
في ب: ويصح.
قال في " الرعايتين " و" الحاوي الصغير ": ويحرم الخلع حيلة، ويصح
في أصح الوجهين.
قال في " الفروع ": وشذَّ في " الرعاية "، فذكره. انتهى.
قال (المنقح) في " التنقيح ": (وغالبُ الناس واقع في ذلك). انتهى.
أي: في الخلع لإسقاط يمين الطلاق.
قال في " الفروع " بعد أن ذكر المسألة: ويتوجه أن هذه المسألة وقصد المحلل التحليل وقصد أحد المتعاقدين قصداً محرماً كبيع عصير ممن يتخذه خمراً على حد واحد، فيقال في كل منهما ما قيل في الأخرى. وفي " واضح ابن عقيل ": يستحب إعلام المستفتي بمذهب غيره إن كان أهلاً للرخصة كطالب التخلص من الربا فيرده إلى من يرى التحلل للخلاص منه والخلع بعد وقوع الطلاق. انتهى.
] فصل: في حكم إنكاو الخلع]
(فصل. إذا قال) زوج لزوجته: (خالعتُك بألف، فأنكرته) أي: أنكرت الخلع: بانت بقوله؛ لأنه مقر بما يوجب بينونتها.
(أو) لم تنكو الخلع، لكن (قالت: إنما خالعت غيري: بانت) أيضاً؛
لأنه يلزمه حكم إقراره بالبينونة.
(وتحلف) الزوجة (لنفي العوضى) في الصورتين؛ لأنها منكرة. فيكون عليها اليمين؛ كسائر الدعاوي.
(وإن أقرت) بمخالعتها إياها (و) لكن (قالت: ضمنه) أي: ضمن الألف الذي خالعتك عليه (غيري، أو) قالت: (في ذمته) أي: ذمة غيري، (قال): بل (في ذمتك: لزمها) الألف؛ لأنها مقرة بالخلع مدعية على غيرها ضمان العوض. فلزمها العوض؛ لإقرارها به، ولا يسمع دعواها على الغير. (وإن اختلفا) أي: اختلف الزوجان المتخالعان (في قدر عوضه) أي: عوض الخلع، بأن قال الزوج: خالعتك بألف، فقالت: بل بخمسمائة.
(أو) في (عينه) أي: عين عوض الخلع، بأن قال الزوج: خالعتك على
هذا العبد، فقالت: بل
(1)
على هذه الأمة.
(أو) اختلفا في (صفته) أي: صفة عوض الخلع، بأن قال: خالعتك
على ثوب هروي، فقالت: بل على ثوب مروي.
(أو) اختلفا في (تأجيله) أي: تأجيل عوض الخلع، بأن قال الزوج: خالعتك على ألف حالة، فقالت: بل على ألف مؤجلة (فقولها) أي: فالقول
(1)
ساقط من ب.
قول المرأة في ذلك. نص عليه، لأن العوض أحد نوعي الخلع. فكان القول قول المرأة فيه " كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره.
ولأن المرأة منكرة للزائد في القدر والصف. فكان القول قولها؛ كسائر المنكرين.
قال في " شرح المقنع ": فإن قال: سألتني طلقة بألف، فقالت: بل سألتك ثلاثا بألف فطلقتني واحدة. بانت بإقراره، والقول قولها في سقوط العوض. وعند أكثر الفقهاء: يلزمها ثلث الألف بناء على أصلهم فيما إذا قالت: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة
(1)
أنه يلزمها ثلث الألف. وإن خالعها على ألف فادعى أنها دنانير، وقالت: بل هي دراهم، فالقول قولها؛ لما ذكرنا في أول الفصل. وإن قال أحدهما: كانت دراهم راضية، وقال الآخر
(2)
: مطلقة. فالقول قولها إلا على الرواية التي حكاها القاضي، فإن القول قول الزوج في هاتين المسألتين. وإن اتفقا على الإطلاق لزم من غالب نقد البلد. وإن اتفقا على أنهما أرادا دراهم راضيه لزمها ما اتفقت إرداتهما عليه. وإن اختلفا في الإرادة فإن حكمها المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد. انتهى.
(وإن علق) زوج (طلاقها) أي: طلاق زوجته (بصفة)، كما لو قال لها: إن كلمت أباك فأنت طالق، (ثم أبانها) بخلع أو طلقة أو ثلاث، (ثم تزوَّجها) بعد ذلك، (فوجدت) الصف بأن كلمت أباها وهي فى عصمته، أو معتدة ن طلاق رجعي:(طلقت). نص عليه أحمد، حتى (ولو كانت) الصف (وجدت حال بينونتها) على الأصح.
قال في " المقنع ": ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق. واختاره أبو الحسن التميمي.
قال في " شرح المقنع ": وأكثر أهل العلم يرون أن الصف لا تعود إن أبانها بطلاق ثلاث. انتهى.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: وقالت الأخرى.
والمذهب ما في المتن.
ووجهه: أن عقد الصفة وعودها وجد في النكاح. فيقع، كما لو لم تتخلله بينونة، أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك وأبي حنيفة وإن لم يفعل
(1)
الصفة.
قال في " الإنصاف " بعد أن ذكر هذه المسألة: وكذا الحكم لو قال: إن بِنْتِ مني ثم تزوجتك فأنت طالق فبانت ثم تزوجها. قاله في " الفروع ".
وقال: وفي " التعليق " احتمال: لا يقع، كتعليقه بالملك. انتهى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ب: وقالت الأخرى.
[كتاب الطلاق]
هذا (كتاب الطلاق). وأصله في اللغة التخلية.
قال ابن الأنباري: من قول العرب: أطلقت الناقة فطلقت إذا كانت مشدودة
فأزلت الشد عنها وخليتها. فشبه ما يقع بالمرأة بذلك؛ لأنها كانت متصلة الأسباب بالزوج.
وقال غيره: الطلاق من أطلقت الشيء بيدي، إلا أنهم لكثرة استعمالهم اللفظتين فرقوا بينهما. فيكون التطليق مقصوراً في الزوجات.
وقال الأزهري: طلقت المرأة فطلقت، وأطلقت الناقة من العقال فانطلقت. هذا الكلام الجيد.
(وهو) أي: والطلاق شرعاً: (حل قيد النكاح، أو بعضه) أي: بعض
قيد النكاح؛ كما لو طلقها طلقة رجعية.
وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله سبحانه وتعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة.)] البقرة: 236 [، وقوله سبحانه وتعالى: (الطلاق مرتان)] البقرة: 229 [، وقوله سبحانه وتعالى: (ياأيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)] الطلاق: 1].
وأما السنه؛ فمنها ما روى عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها "
(1)
.
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2283) 2: 285 تفريع أبواب الطلاق، باب في المراجعة.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3560) 6: 213 كتاب الطلاق، باب الرجعة.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2016) 1: 650 كتاب الطلاق.
وأجمع المسلمون على جواز الطلاق.
والعقل يشهد بذلك. ولهذا اتفق سائر العقلاء من أهل الملل على جوازه في الجملة.
وإن اختلفوا في كيفيته، فإن النصارى وإن لم يجوزوه جعلوا لهم طريقاً إليه
وهو الدخول في الرهبانية. فإن الزوجين قد يقع. بينهما من التنافر والتباغض ما يوجب المخاصمة الدائمة وترك المقاربة، فيصير لزوم النكاح ضررا في حقهما ومفسدة محضة:
أما الزوج فلما
(1)
يلزمه من النفقة.
وأما الزوجة فلما
(2)
يلزمها من الحبس مع سوء العشرة من غير فائدة. وإذا لزمت المفسدة وجب إزالتها بالترك؛ ليخلص كل واحد من الضرر الحاصل له بذلك. (ويكره) إيقاع الطلاق (بلا حاجة)؛لأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها. فيكون مكروهاً.
(ويباح عندها) أي: يباح الطلاق عند الحاجة إليه؛ لسوء خلق المرأة والتضرر منها من غير حصول الغرض بها.
(ويسن) الطلاق (لتضررها) أي: تضرر الزوجة (بنكاح) أي: باستدامة النكاح في حال الشقاق، وفي الحال التي تُحْوج المرأة إلى المخالعة ليزيل عنها الضرر.
(و) يسن الطلاق أيضا (لتركها) أي: ترك الزوجة (صلاة وعفة ونحوهما) أي: لتفريطها في حقوق الله سبحانه وتعالى الواجبة عليها ولا يمكن إجبارها عليها، ولكونها غير عفيفة.
قال أحمد: لا ينبغي له إمساكها. وذلك؛ لأن فيه نقصا لدينه، ولا يأمن إفسادها فراشه وإلحاقها به ولداً من غيره.
(1)
في الأصول: فلما لم.
(2)
في ب زيادة: لم.
وله عضلها في هذه الحال والتضييق عليها؛ لتفتدي نفسها منه.
قال الله سبحانه وتعالى: (ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ماءاتيتموهن إلا أن
يأتين بفاحشة مبينة)] النساء: 19].
(وهي) أي: والزوجة فيما إذا ترك زوجها حقاً لله تعالى (كهو) أي: كالزوج. (فيسن) لها (أن تختلع) منه: (إن ترك حقاً لله تعالى) ولا يمكنها إجباره عليه.
ويحرم الطلاق حال الحيض أو في طهر أصابها فيه. ويسمى هذا طلاق البدعة وذلك؛ لأن المطلق خالف أمر الله سبحانه وتعالى في قوله: (فطلقوهن لعدتهن)] الطلاق: 1].
قال في "شرح المقنع ": وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار على تحريمه. ويجب الطلاق على المولي بعد التربص إذا أبى الفيئة.
وقد تبين بما ذكر انقسام الطلاق إلى أحكام التكليف الخمسة.
(ولا تجب) على ولد (طاعة أبويه ولو) كانا (عدلين: في طلاق) أي:
في أن يطلق زوجته على الأصح.
وعنه: يجب إذا أمره أبوه به. وقاله أبو بكر في " التنبيه ".
وعنه
(1)
: يجب بشرط أن يكون عدلاً.
ونص أحمد فيما إذا أمرته أمه ببيع سريته: إن خفت على نفسك فليس لها ذلك.
(أو منع من تزويج) يعني: أن الولد لا يجب عليه طاعة أبويه في منعه من التزويج. نص عليه أحمد.
(ولا يصح) الطلاق (إلا من زوج) عاقل مختار (ولو كان) الزوج (مميزاً يعقله) أي: يعقل الطلاق على الأصح من الروايات.
قال في " القواعد الأصولية " والأصحاب على وقوع طلاقه. وهو
(1)
فى ب: وغيره.
المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة، منهم عبد الله وصالح بن منصور والحسن بن ثواب والأثرم وإسحاق بن هانئ والفضل بن زياد وحرب والميمونى. قال في "الفروع ": نقله واختاره الأكثر، وجزم به في " الوجيز " وغيره،
وهو من مفردات المذهب.
وعنه: ابن عشر.
وعنه: اثنتي عشرة.
وعنه: لا يقع من غير بالغ.
وعنه: إن أب الصغير والمجنون وسيدهما يطلق عليهما.
ووجه المذهب: قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق "
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل الطلاق جائز، إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله "
(2)
. وروي عن علي أنه قال: " اكتموا الصبيان النكاح "
(3)
.
ففهم أن فائدته: أن لا يطلقوا.
ولأنه طلاق من عاقل صادف محل الطلاق. فوقع؛ كطلاق البالغ.
(و) إلا من (حاكم على مُولٍ) بعد التربص إذا أتى الفيئة والطلاق. ويأتي ذلك في الإيلاء بأبين منه هنا.
وعلم مما تقدم أن من أجاز طلاق الصبي العاقل اقتضى مذهبه أنه يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره. وقد أومأ إليه أحمد فقال في رجل قال لصبي: طلق امرأتي، فقال: قد طلقتها ثلاثاً لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق.
قيل له: فإن كانت له زوجة صبية فقالت: له صير أمري إلي، فقال لها: أمرك بيدك، فقالت: قد اخترت نفسي. ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل الطلاق.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2081) 1: 672 كتاب الطلاق، باب طلاق العبد.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1191) 3: 496 كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في طلاق المعتوه.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (17934) 4: 76 كتاب الطلاق، ما قالوا في الصبي.
ووجه ذلك: أن من صح تصرفه في شيء مما تجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ. وما روي عن أحمد من منع ذلك فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه.
(ويعتبر) لوقوع الطلاق (إرادة لفظه لمعناه) أي: لفظ الطلاق لمعنى الطلاق (فلا طلاق) واقع (لفقيه) أي: على فقيه (يكرره، و) لا على (حاك) طلاقاً (ولو عن نفسه).
قال في " الفروع ": خلافاً لبعض الشافعية. حكاه ابن عقيل كغيره.
(ولا) طلاق على (نائم، وزائل عقله بجنون أو إغماءٍ أو بِرسْامٍ أو نشافٍ،
ولو بضربه نفسه) بدليل أن من كسر ساق نفسه جاز له أن يصلي قاعداً ولا يعيد. ولو ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة.
وقد أجمع المسلمون على أن من زال عقله بغير سكر محرم؛ كالنوم والإغماء والجنون وشرب الدواء المزيل للعقل والمرض لا يقع طلاقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاث
(1)
: عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق "
(2)
.
ولأن الطلاق قول يزيل الملك. فاعتبر له العقل؛ كالبيع.
(وكذا) في الحكم (آكلُ بَنْجٍ ونحوه) لتداوٍ أو لغير شيء.
قال في " الإنصاف ": واعلم أن الصحيح من المذهب: أن تناول البنج ونحوه لغير حاجة، إذا زال العقل به، كالمجنون، لا يقع طلاق من تناوله. نص عليه، لأنه لا لذة فيه.
وفرق الإمام أحمد بينه وبين السكران، فألحقه بالمجنون.
(1)
في أ: ثلاثة.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(1423) 4: 32 كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(4403) 4: 141 كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(1183) 1: 140.
وقدمه في " النظم " و" الفروع ". وهو ظاهر ما قدمه في " المحرر ". ثم
قال بعد ذلك بيسير: قال الزركشي: ومما يلحق بالبنج الحشيشة الخبيثة.
وأبو العباس يرى أن حكمها حكم الشراب المسكر حتى في إيجاب الحد.
ويفرق بينها وبين البنج بأنها تشتهى وتطلب، فهي كالخمر. بخلاف البنج. فالحكم عنده منوط باشتهاء النفس وطلبها. انتهى.
(و) كذا في الحكم (من غَضب حتى أغمي) عليه (أو) حتى (غُشي
(1)
عليه).
قال في " الفروع ": ويدخل في كلامهم من غضب حتى أغمي عليه أو أغشى
عليه يعني: أنه لا يقع عليه طلاق في تلك الحالة؛ لزوال عقله. أشبه المجنون.
(ويقع) الطلاق (ممن أفاق من جنون أو إغماء، فذكر أنه طلق).
قال في " الإنصاف " بعد أن ذكر أن المجنون والمغمى عليه لا يقع طلاقه:
لكن لو ذكر المغمى عليه والمجنون لما أفاقا أنهما طلقا: وقع الطلاق. نص عليه. انتهى.
قال أحمد في المغمى عليه: إذا طلق فلما أفاق وعلم أنه كان مغمى عليه
وهو ذاكر لذلك، فقال: إذا
(2)
كان ذاكراً لذلك فليس هو مغمى عليه: يجوز طلاقه.
وقال في رواية أبي طالب في المجنون يطلق فقيل له لما أفاق: إنك طلقت امرأتك فقال: أنا أذكر أنى طلقت ولم يكن عقلي معي. فقال: إذا كان يذكر أنه
طلق فقد طلقت امرأته. فلم يجعله مجنوناً إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به.
قال الموفق: وهذا والله أعلم فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، وأما من كان جنونه لنشاف أو كان مبرسمًا فإن ذلك يسقط حكم تصرفه،
(1)
في ب: أغشي.
(2)
في ب: ذاكراً لذلك، فقال: إنه.
مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق إن شاء الله تعالى. انتهى. (و) يقع الطلاق على الأصح (ممن شرب طوعاً مسكراً، أو نحوه) أي:
نحو المسكر (مما يحرم) استعماله (بلا حاجة) إليه؛ كالحشيشة المسكرة، (ولو خلط في كلامه، أو سقط تمييزه بين الأعيان) بأن صار لا يعرف ثوبه من ثوب غيره.
قال في " الإنصاف ": حد السكران الذي تترتب عليه هذه الأحكام هو الذي يخلط في كلامه وقراءته، ويسقط تمييزه بين الأعيان. ولا يشترط فيه أن يكون بحيث لا يميز السماء من الأرض، ولا بين الذكر والأنثى. قاله القاضي وغيره. وقد أومأ إليه أحمد في رواية حنبل فقال: السكران: الذي إذا وضع ثيابه في ثياب غيره فلم يعرفها، أو وضع نعله في نعالهم فلم يعرفه، وإذا هذى في كلامه وكان معروفا بغير ذلك. انتهى.
(ويؤاخذ) هذا السكران الذي يقع طلاقه (بسائر أقواله، وكل فعل) يصدر
منه مما (يعتبر له العقل؛ كإقرار وقذف وظهار وإيلاء، وقتل وسرقة وزنا، ونحو ذلك)؛ كوقف وعارية وغصب ومسلم مبيع وقبض أمانة وغير ذلك؛ لأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف.
ولأنه فرط بإزالة عقله فيما يدخل فيه ضررا على غيره. فألزم حكم تفريطه عقوبة له.
وعنه: أنه كالمجنون في أقواله، وكالصاحي في أفعاله.
وعنه: أنه في الحدود كالصاحي، وفي غيرها كالمجنون.
وعنه: أنه فيما يستقل به مثل: عتقه وقتله وغيرهما كالصاحي، وفيما
لا يستقل به مثل: بيعه ونكاحه ومعاوضاته كالمجنون.
قال في " المحرر ": حكاها ابن حامد. انتهى.
(لا من مكره) يعني: أنه لا يقع الطلاق على سكران أكره على شرب المسكر حيث (لم يأثم) الذي أكره بسكره بأن شرب أكثر مما أكره عليه. فلو أكره على شرب قليل لم يسكر فشرب ما أسكره وقع طلاقه في الأصح.
(ولا) يقع الطلاق (ممن أكره) عليه (ظلماً).
وعنه: من سلطان بإيلامه، (بعقوبة) من ضرب أو خنق أو عصر ساق، ونحو ذلك. ولا يرفع ذلك عنه حتى يطلق، لأن من ضرب أو نحوه لا يكون الإكراه له بما فات من ذلك؛ لأنه قد انقضى.
(أو تهديد له أو لولده من قادر) على ما هدده به (بسلطنة، أو تغلب؛ كلص، ونحوه)، كقاطع طريق (بقتل) متعلق بتهديد يعني: أو تهديد بقتل، (أو قطع طرف، أو ضرب أو حبس، أو أخذ مال: يضره) أخذه منه ضررا (كثيرا، وظن إيقاعه) أي: وغلب على ظنه المطلق إيقاع ما هدده به مما ذكر، (فطلق تبعاً لقوله) أي: قول المكرِه بكسر الراء.
والأصل في عدم وقوع طلاق المكره عليه ما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا طلاق ولا عتق في إغلاق "
(1)
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
والإغلاق: الإكراه؛ لأن المكره مغلق عليه في أمره مضيق عليه في تصرفه، كما يغلق الباب على الإنسان.
ولأن الطلاق مع الإكراه عليه
(2)
قولٌ حمل عليه بغير حق. فلم يثبب له حكم؛ ككلمة الكفر إذا أكره عليها.
وأما مع التهديد بالقتل أو قطع الطرف من قادر يغلب على الظن إيقاعه به إن
لم يطلق فيجب عليه إجابته إلى الطلاق، لأنه إذا لم يفعل كان ملقيا بيده إلى التهلكة، المنهى عنه في قوله سبحانه وتعالى:(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)] البقرة: 195 [ولا يضره إجابته، لأنه لا يقع عليه بذلك طلاق.
وقد روي " أن رجلاً على عهد عمر تدلى في حبل يشتار عسلاً فأقبلت امرأته
(1)
أخرجه أبو داود فى " سنه "(2193) 2: 258 كتاب الطلاق، باب في الطلاق على غلط.
وأخرجه ابن ماجه في " سنه "(2046) 1: 660 كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(26403) 6: 276.
(2)
ساقط من ب.
فجلست على الحبل، فقالت: ليطلقها ثلاثاً وإلا قطعت الحبل، فذكرها الله سبحانه وتعالى والإسلام فأبت فطلقها ثلاثاً ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له، فقال: ارجع إلى أهلك فليس هذا طلاق "
(1)
. رواه سعيد وأبو عبيد.
وعنه: لا يكون التهديد بالضرب والحبس وأخذ المال ونحوه إكراهًا.
والأصح: أنه إكراه.
(وكمُكره) ظلما في عدم وقوع الطلاق عليه: (من سُحِر ليُطلِّق).
قال في " الفروع ": وإن سحره ليطلق فإكراه. قاله شيخنا ولم يذكر في
" الفروع " خلافاً فيه.
قال في " الإنصاف ": قلت: بل من أعظم الإكراهات.
(لا من شتم) يعني: أن من شتم ليطلق، (أو أُخرِقَ به) أي: أهين ليطلق فطلق وقع. ولا يكون حكمه حكم المكره في الأصح.
قال في " الفروع ": وقيل: إحراق من يؤلمه إكراه. وهو ظاهر الواضح.
قال القاضي: الإكراه يختلف.
قال ابن عقيل: وهو قول حسن. انتهى.
(ومن قصد إيقاعه) أي: إيقاع الطلاق ممن أكره عليه (دون دفع الإكراه)
عنه بإيقاعه وقع.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.
(أو إكره على طلاق معينه) من نسائه (فطلق غيرها) وقع، (أو) أكره
على إيقاع (طلقة) واحدة (فطلق أكثر) من طلقة: (وقع)؛ لأنه لم يكره على ذلك.
(لا إن أكره على مبهمة فطلق معيَّنة) بأن أكره على أن يطلق واحدة أي
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(1128) 1: 274 كتاب الطلاق، باب ما جاء في طلاق المكره. واشتار العسل: جناه.
واحدة كانت من نسائه، فقال: طلقت فلانة من نسائي لم يقع.
(أو ترك التأويل بلا عذر) في تركه لم يقع.
قال في " الإنصاف ": ينبغي للمكره- بفتح الراء- إذا أكره على الطلاق وطلق: أن يتأول. فإن ترك التأويل بلا عذر: لم يقع الطلاق على الصحيح من المذهب. جزم به في " المغني " و" الشرح " ونصراه.
قلت: وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
وقيل: تطلق. وأطلقهما في " الفروع " و" القواعد الأصولية ".
قال في " الرعاية الكبرى ": وقيل: إن نوى المكرَه ظلماً غير الظاهر: نفعه تأويله، وإن ترك ذلك جهلاً أو دهشة: لم يضره، وإن تركه بلا عذر: احتمل وجهين. انتهى.
(وإكراه على عتق و) إكراه على (يمين ونحوهما، كـ) إكراه (على طلاق). فلا يؤاخذ بشيء من ذلك في حالة لا يقع الطلاق فيها على المكره على الطلاق. على الصحيح من المذهب.
قال في " الفروع ": وعنه: تنعقد يمينه، ويتوجه مثلها غيرها. ولا يقال:
لو كان الوعيد إكراهاً لكنا مكرهين على العبادات فلا ثواب
(1)
، لأن أصحابنا قالوا: يجوز أن يقال: إننا مكرهون عليها، والثواب بفضله لا مستحقا عليه عندنا، ثم العبادات تفعل للرغبة. ذكره في " الانتصار ". انتهى.
(ويقع) الطلاق (بائناً، ولا يُستحق عوض سئل عليه) الطلاق، إذا كان ذلك (في نكاح: قيل بصحته) أي: قال بها بعض الأئمة، (ولا يراها) أي: يرى الصحة (مطلق). نص على وقوعه أحمد؛ كما لو حكم حاكم يراه بصحته. والحكم إنما يكشف خافيا أو ينفذ واقعاً، لأن الطلاق إزالة ملك بني على التغليب والسراية. فجاز أن ينعقد في العقد الفاسد إذا لم يكن في نفوذه إسقاط الغير؛ كالعتق ينفذ في الكتابة الفاسدة بالأداء كما ينفذ في الصحيحة.
(1)
في ب: تؤثر.
ونقل ابن القاسم: قد قام مقام النكاح الصحيح في أحكامه كلها.
وعنه: يقع إن اعتقد صحته. اختاره صاحب " الهداية " و" المذهب " و"التلخيص ".
(ولا يكون) الطلاق في النكاح المختلف فيه (بدعياً) إذا وقع (في حيض).
قال في " الإنصاف ": يجوز الطلاق في النكاح المختلف فيه في الحيض ولا يسمى طلاق بدعة قلت: فيعايا بها. انتهى.
(لا خلع) يعني: أنه لا يصح الخلع في النكاح الفاسد (لخُلُوِّه) أي: خلوّ الخلع (عن العوض).
قال في " الرعاية ": ومن نكاحه فاسد إذا بذلت لزوجها عوضاً على أن يطلقها أو يخلعها به ففعل: لم يملكه، ويلغو خلعه، ويقع طلاقه بائناً. انتهى. وقال ابن نصر الله في " حواشي الفروع ": وقوع الطلاق في النكاح الفاسد يقتضي صحة الخلع فيه؛ لأنه نوع فرقة، لا سيما إذا كان بلفظ الطلاق فإنه يكون طلاقاً بعوض. انتهى.
ولعله لم يطلع على كلام صاحب " الرعايه ". وأيضا فإنه إذا كان الطلاق
بائناً بلا عوض فلا يستحق عوضا ببذله؛ لأنه لا مقابل للعوض. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(ولا) يقع الطلاق أيضاً (في) نكاح (باطل إجماعاً) أي: مجمع على بطلانه في الأصح.
وعنه: يقع.- اختاره ابو بكر.
(ولا) يقع الطلاق أيضاً (في نكاح فضولي قبل إجازته، ولو نفذ بها) أي:
ولو قلنا ينفذ بها. وهذا الذي عليه الأصحاب، وفيه احتمال بالوقوع. ذكره صاحب "الرعاية " من عنده.
ونقل حنبل: إن تزوج عبد بلا إذن فطلق سيده جاز طلاقه، وفرق بينهما.
ونقل مهنا: إن طلق العبد بأمر سيده أو لا لم يجز.
(وكذا) أي: وكالطلاق في نكاح فاسد (عتق في شراء فاسد) في ظاهر كلام أحمد وتعليله.
قال في " الفروع ": وهو المذهب. وإن علم يعني: عدم وقوع العتق في الشراء الفاسد فلإسقاطه حق البائع، ولا يلزم نكاح المرتدة والمعتدة فإنه كمسألتنا على إحدى الروايتين. قاله في " عيون المسائل ". انتهى.
] فصل: في الوكالة في الطلاق]
(فصل. ومن صح طلاقه: صح توكيله فيه، وتَوَكُّله)؛ لأن من صح تصرفه في شيء مما يجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله وتوكله فيه.
ولأن الطلاق إزالة ملك. فصح التوكيل والتوكل فيه؛ كالعتق.
(ولوكيل لم يَحُدَّ له) موكله (حدًا أن يطلق متى شاء)؛ لأنه توكيل مطلق. فأشبه التوكيل في البيع.
وأما إن حد له حداً فيكون على ما أذن له؛ لأن الأمر إلى الموكل في ذلك؛
لأنه إنما تثبت له الوكالة على حسب ما يقتضيه لفظ الموكل.
(لا) أن يطلق الوكيل عن موكله (وقت بدعة).
قال في " الإنصاف ": ليس للوكيل المطلق الطلاق وقت بدعة فإن فعل حرم
ولم يقع. صححه الناظم.
وقيل: يحرم ويقع. قدمه في "الرعايتين " و" الحاوى الصغير ".
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف يعني: الموفق حيث قال: وله أن يطلق متى شاء. وهو ظاهر كلامه في " الهداية " و" المستوعب ". انتهى.
(ولا) للوكيل أيضاً أن يطلق (أكثر من) طلقة (واحدة، إلا أن يجعله) أي: يجعل الموكل ذلك (له) أي: للوكيل. فإذا جعل للوكيل الطلاق في وقت البدعة، أو أن يطلق متى شاء من عدد الطلاق: ملك ذلك، وصح منه. (ولا يملك) الوكيل (بإطلاق) الموكل التوكيل في الطلاق (تعليقاً) أي:
أن يعلق الطلاق على شرط؛ لأنه لم يأذن له فيه.
(وإن وكَّل) زوج في طلاق امرأته (اثنين) أي: وكيلين: (لم ينفرد
أحدهما) بالطلاق، (إلا بإذن من الموكل) في الانفراد، لأن الموكل إنما رضي بتصرفهما جميعا.
وأما كونه يصح انفراد أحدهما مع الإذن؛ فلأن الحق للموكل في ذلك.
(وإن وُكِّلا) بالبناء للمفعول أي: وكل الزوج وكيلين (في) طلاق (ثلاث، فطلق أحدهما) أي: أحد الوكيلين (أكثر من) الوكيل (الآخر)، كما لو طلق أحدهما طلقة والآخر طلقتين:(وقع ما اجتمعا عليه) فهو طلقة؛ لأنهما طلقا جميعا واحدة مأذوناً فيها. فصح " كما لو جعل إليهما واحدة. وإن طلق أحدهما ثنتين والآخر
(1)
ثلاثاً وقع ثنتان، لأنهما اجتعما عليهما.
(وإن قال) زوج لامرأته: (طلقي نفسك، كان لها ذلك متراخيا، كوكيل) أجنبي. (ويبطل) ما جعله لها من تطليق (برجوع) عنه، كما يبطل ما يملكه الوكيل بعزل الموكل.
(ولا تملك) المرأة (به) أي: بما جعله لها أن تطلق نفسها (أكثر من) طلقة (واحدة)؛ لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم.
(إلا إن جعله لها) فتملك ما جعله لها؛ لأن الحق له في ذلك.
ولو قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقعت؛ لأنها أوقعت طلاقاً مأذوناً به وفي غيره. فوقع المأذون فيه. كما لو قال لها: طلقي نفسك وضرائرك فطلقت نفسها فقط، وطلقى نفسك فقالت: أنا طالق إن قدم زيد لم تطلق بقدومه؛ لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم يتناول المعلق.
(وتَملك) الزوجة (الثلاث) أي: أن تطلق نفسها ثلاثاً (فيـ) ــما إذا قال
لها زوجها: (طلاقك بيدك، أو وكلتك فيه) أي: في طلاق نفسك.
قال في " الفروع ": وتملك بطلاقك بيدك، ووكلتك في الطلاق ما تملك
بالأمر أي: بقوله لها: أمرك بيدك.
(1)
في ب: إحداهما ثنتين والأخرى.
(وإن خيَّر وكيله، أو) خير (زوجته من ثلاث) بأن قال لوكيله أو لزوجته: اختر أو اختاري من ثلاث ما شئت أو ما شئتي: (ملكا ثنتين) أي: ملكا أن يطلقا طلقتين (فأقل)؛ لأن لفظه يقتضي ذلك؛ لأن " من " للتبعيض. فلم يكن لواحد منهما استيعاب الثلاث.
(ووجب على النبى صلى الله عليه وسلم تخيير نسائه)؛ لقول الله
(1)
سبحانه وتعالى: (ياأيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها 000) الاية] الأحزاب: 28]. قالت عائشة: " لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي. فقال: إني لمخبرك خبراً فلا عليك أن لاتعجلي حتى تستأمري أبويك. ثم قال: إن الله تعالى قال لي: (ياأيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن
…
) - حتى بلغ- (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً)] الأحزاب: 28 - 29 [. فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت "
(2)
. متفق عليه.
(1)
في ب: لقوله.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4508) 4: 1796 كتاب التفسير، باب (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيما).
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1477) 2: 1103 كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية.
] باب: سنة الطلاق وبدعته]
هذا (باب سنة الطلاق) أي: يعرف منه سنة حكم الطلاق، (و) حكم (بدعته).
ومعنى سنة الطلاق: ما أتى به المطلق من الطلاق على الوجه المشروع.
ومعنى بدعته: ما أتى به على الوجه المحرم المنهى عنه.
ثم (السنة لمريده) أى: مريد الطلاق: (إيقاع) طلقة (واحدة)؛ لأن جمع الطلاق بدعة (في طهر لم يصبها) أي: يطأها (فيه) أي: فى ذلك الطهر، (ثم يدعُها حتى تنقضى عدتُها) يعنى: لا يطلقها ثانية قبل انقضاء عدتها من الطلقة الأولى؛ لأن المقصود من الطلاق فراقها وفراقها
(1)
حاصل بالطلاق، الأول. وذلك قول الله سبحانه وتعالى:(ياأيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)] الطلاق: 1 [،
قال ابن مسعود: " طاهراً من غير جماع "
(2)
.
ويستثنى من ذلك صورة أشير إليها بقوله:
(إلا فى طهر متعقب لرجعة، من طلاق فى حيض: فبدعة)؛ لما روي:
" أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهرثم تحييض فتطهر، فإن
(1)
فى أ: أو فراقها.
(2)
أخرجه النسائي فى " سننه "(3395) 140: 6 كتاب الطلاق، باب طلاق السنة.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(، 202) 1: 651 كئاب الطلاق، باب طلاق السنة.
وأخرجه البيهقى في " السنن الكبرى " 7: 325 كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء في طلاق السنة وطلاق البدعة.
بدا له أن يطلقها فليطلقها
(1)
قبل أن يمسها فتلك التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء "
(2)
. رواه الجماعة إلا الترمذي.
وفي رواية: " أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:
مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً "
(3)
. رواه الجماعة إلا البخاري. (وإن طلق) زوج زوجة (مدخولاً بها في حيض، أو طهر وطئ فيه ولم يَسْتبن حملُها، أو علّقه) أي: علق الطلاق (على أكلها، ونحوه)؛ كصلاتها (مما يعلم وقوعه حالتهما) أي: حالة الحيض وحالة الطهر الذي أصابها فيه (فبدعة) أي: فذلك طلاق بدعه (محرم، ويقع) طلاقه في قول عامة أهل العلم. ونص عليه أحمد.
قال ابن المنذر وابن عبدالبر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال،
(1)
في ب: فيطلقها.
(2)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(4953) 5: 2011 كتاب الطلاق.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(1471) 2: 1093 كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض: بغير رضاها
…
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2182) 2: 255 تفريع أبواب الطلاق، باب في طلاق السنة.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3391) 6: 138 كتاب الطلاق، باب وقت الطلاق للعدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء.
وأخرجه ابن ماجه فى " سننه "(2019) 1: 651 كتاب الطلاق، باب طلاق السنة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(6141) 2: 130.
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1471) 2: 1095 كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها
…
وأخرجه أبو داود في " سننه "(2182) 2: 255 تفريع أبواب الطلاق، باب في طلاق السنة.
وأخرجه الترمذي في " جامعه"(1176) 3: 479 كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في طلاق السنة.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3391) 6 " 138 كتاب الطلاق، باب وقت الطلاق للعدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء.
وأخرجه ابن ماجة في " سننه "(2023) 1: 652 كتاب الطلاق، باب الحامل كيف تطلق.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(4789) 2: 26.
وحكاه أبو نصر
(1)
عن ابن علية وهشام بن الحكم والسبعة قالوا: لا يقع طلاقه؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالطلاق قبل
(2)
العدة. فإذا طلق في غير زمنه لم يقع؛ كالوكيل إذا طلق في غير زمن أمره موكله بإيقاعه فيه.
ولنا: حديث ابن عمر: " أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها "
(3)
.
وفي رواية الدارقطنى قال: " قلت: يا رسول الله! أفرأيت لو أنى طلقتها
ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها
(4)
؟ قال: لا. كانت تبين منك، وتكون معصية"
(5)
.
وقال نافع: وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه، وراجعها كما
أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأنه طلاق من مكلف في محل الطلاق. فوقع؛ كطلاق الحامل.
ولأن الطلاق ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة، بل هو إزالة عصمة
وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة عليه أولى عقوبة له على فعله المحرم. ويخالف الوكيل إذا طلق في زمن أمر بالطلاق في غيره؛ لأنه لا يملك محل الطلاق سوى الزوج.
(وتسن رجعتها)؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها. وأقل أحوال الأمر
الاستحباب.
ولأنه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق من أجله.
ولا يجب على الأصح؛ لأنه طلاق لا يرتفع بالرجعة. فلم تجب عليه؛
(1)
في ب: أبو النصر.
(2)
في أ: في قبل.
(3)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(4)
في ب: أرجعها.
(5)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(84) 4: 31 كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره.
كالطلاق في طهر لم يصبها فيه، فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب، وإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر.
(وإيقاع) طلقات (ثلاث ولو بكلمات، في طهر لم يصبها) زوجها (فيه)
من طهر (فأكثر، لا بعد رجعة أو) بعد (عقد محرَّم) على الأصح. ويروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر.
وعن مالك بن الحارث قال: " جاء رجل إلى ابن عباس. فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا. فقال: إن عمك عصى الله وأطاع الشيطان. فلم يجعل الله له مخرجاً "
(1)
.
ووجه ذلك: قول الله سبحانه وتعالى: (ياأيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
…
) - إلى قوله- (لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا)] الطلاق: 1 [، ثم قال بعد ذلك: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)] الطلاق: 2 [،) ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً)] الطلاق: 4].
ومن جمع الثلاث لم يبق له أمر يحدث، ولم يجعل الله له مخرجاً ولا من أمره يسراً.
روى النسائي بإسناده عن محمود بن لبيد قال: " أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً. فغضب. ثم قال: أيُلعب بكتاب الله عز وجل وأنا بين أطهركم؟ حتى قام رجل. فقال: يا رسول الله! ألا أقتله "
(2)
. وفي حديث ابن عمر قال: " قلت: يا رسول الله! ارأيت لو طلقتها ثلاثا؟ قال: إذاً عصيت. وبانت منك امرأتك "
(3)
.
ولأن ذلك تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة. فحرم؛ كالظهار، بل
(1)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 7: 337 كتاب الخلع والطلاق، باب من جعل الثلاث واحدة وما ورد في خلاف ذلك.
(2)
أخرجه النسائي في " سننه "(3401) 6: 142 كتاب الطلاق، الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ.
(3)
أخرجه أحمد في " مسنده "(4500) 2: 6.
هذا أولى؛ لأن الظهار يرتفع بالتكفير، وهذا لا سبيل للزوج إلى رفعه بحال. ولأنه إضرار بنفسه وامرأته من غير حاجة، فيدخل في عموم النهي.
وعلم مما تقدم أنه لو طلقها ما بعد الأولى بعد رجعة أو عقد: أنه لا يكون محرماً ولا بدعة بحال.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. جزم به في " الرعاية " وقدمه في " الفروع ". انتهى.
ومن طلق زوجته ثلاثاً بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره. ولا فرق في ذلك بين ما قبل الدخول وبعده. روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وأنس. وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والأئمة بعدهم.
وكان اء وطاووس وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون:
من طلق البكر ثلاثاً فهي واحدة.
وروى طاووس عن ابن عباس قال: " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة "
(1)
. رواه أبو داود. وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية طاووس. أخرجه أيضاً أبو داود.
وأفتى ابن عباس بخلاف ما روى عنه طاووس.
وروى الدارقطني بإسناده عن عبادة بن الصامت قال: " طلق بعض أبائي امرأته ألفاً. فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: يا رسول الله! إن
(2)
أبانا
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(220) 2: 291 تفريع أبواب الطلاق، باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3406) 6: 145 كتاب الطلاق، باب طلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(2877) 1: 314 واللفظ له.
(2)
ساقط من ب.
طلق أمَّنا ألفاً، فهل مخرج؟ فقال: إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجاً، بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وتسعة وتسعون إثم في عنقه "
(1)
. ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقاً
(2)
. فصح مجتمعا؛ كسائر الأملاك.
فأما حديث ابن عباس فقد صحت الرواية عنه بخلافه وأفتى بخلافه.
قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي شيء تدفعه؟ قال: أدفعه برواية الناس عن ابن عباس أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. وإلا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر. ولا يكون لابن عباس أن يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتي بخلافه.
(ولا سنة ولا بدعة مطلقاً) أي: لا في زمن ولا في عدد، (لغير مدخول بها) أي: لامرأة لم يدخل بها، (و) لا لامرأة (بين حملها، و) لا لزوجة (صغيرة وآيسة.
فلو قال) الزوج (لإحداهن) أي: إحدى المذكورات: (أنت طالق للسنة، أو قال) لإحداهن: أنت طالق (للبِدْعة طلقت في الحال).
أما غير المدخول بها فليس عليها عدة حتى أنها تتضرر بتطويلها.
وأما الحامل فإن انقضاء عدتها بوضع حملها فلا يكون لها حالة سنة وحالة بدعة في الأصح. وكذا من عدتها بالأشهر وهي الصغيرة التي لم تحض والآيسة؛ لأن العدة لا تطول بطلاقها في حال ولا تحمل فترتاب.
وعنه: أنه يثبت فيهن طلاق السنة والبدعة من حيث العدد.
(و) على المذهب: لو قال لإحداهن: أنت طالق (للسُّنة طلقة، وللبدعة طلقة، وقعتا) في الحال؛ لأن طلاقها لا يتصف بذلك فتلغو الصفة ويبقى الطلاق بدون الصفة، فيقع في الحال.
(1)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(53) 4: 20 كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره.
(2)
في ب: منفرداً.
(ويُديَّن) قائل ذلك (في غير آيسة إذا قال: أردت إذا صارت من أهل ذلك)؛ لأنه ادعى محتملاً فيه فيدين، (ويُقبلُ حُكمًا) يعني: ويقبل منه ذلك في الحكم أيضاً في الأصح؛ لأنه فسر كلامه بما يحتمله. فيقبل؛ كما لو قال: أنت طالق أنت طالق، وقال: أردت بالثانية إفهامها.
(ولمن) أي: وللمرأة التي (لها سنة وبدعة، إن قاله) أي: إن قال لها زوجها: أنت طالق للسنة طلقة وللبدعة طلقة: (فواحدة) أي: فيقع عليه طلقة واحدة (في الحال)، لأن حالها لا يخلو، إما أن تكون في زمان السنة فتقع الطلقة المعلقة على السنة، أو في زمان البدعة فتقع الطلقة المعلقة على البدعة. (و) تقع الطلقة (الأخرى في ضد حالها إذاً) أي: ضد حال المقول لها حين
قوله لها، لأن الطلقة الثانية معلقة على ضد الحالة التي هي عليها حال القول، فإن كانت حين القول في طهر لم يصبها فيه طلقت الثانية إذا أصابها أو حاضت، وإن كانت حين القول حائضاً أو في طهر أصابها فيه طلقت الثانية إذا طهرت من حيضة مستقبلة، لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة.
(و) إن قال لمن لها سنة وبدعة: أنت طالق (للسنة فقط)، وهي (في
طهر لم يطأ فيه: يقع في الحال)، لأنه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال. (وفي حيض) يعني: وإن قال لها: أنت طالق للسنة
(1)
وهي حائض طلقت
(إذا طهرت) من حيضها، لأن الصفة وجدت حينئذ.
(و) إن كان قال لها وذلك (في طُهر وَطِئ فيه) طلقت (إذا طهرت من الحيضة المستقبلة)؛ لأن الطهر الذي وطئ فيه والحيضة بعده زمان بدعة، فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ، لأن الصفة وجدت. فلو أولج في آخر الحيضة واتصل بأول الطهر، أو أولج مع الطهر: لم يقع الطلاق في ذلك الطهر، لكن متى جاء طهرلم يجامعها فيه طلقت في أوله.
(و) إن قال لمن لها سنة وبدعة: أنت طالق (للبدعة) فقط، وهي (في
(1)
في أ: السنة.
حيض، أو) في (طهر وَطِئ فيه: يقع) عليه الطلاق (في الحال)؛ لأنه وصف الطلقة بصفتها.
(وإن) كانت في طهر (لم يَطأ فيه: فـ) إن الطلاق يقع (إذا حاضت، أو وطِئها) أي ذلك حصل أولا طلقت به؛ لأن شرط وقوع الطلاق لم يوجد بدون ذلك. (و) حيث سبق وطؤه حيضها فإنه (ينزع في الحال) بعد إيلاج الحشفة:
(إن كان) قال: أنت طالق (ثلاثاً) للبدعة، أو كانت طلقة مكملة لما يملكه من الطلاق؛ لوقوع الطلاق الثلاث عقيب
(1)
ذلك.
(فإن بقي) أي: فإن استدام ذلك بأن لم ينزع في الحال: (حُدَّ عالم) بالحكم، (وعُزِّر غيره)، وهو الجاهل بالحكم والناسي لما قاله من ذلك. (و) إن قال لمن لها سنة وبدعة:(أنت طالق ثلاثاً للسنة) ولم يكن طلقها
قبل ذلك، (تطلق) الطلقة (الأولى في طهر لم يطأ) ها (فيه، و) تطلق (الثانية طاهرة بعد رجعة أو عقد. وكذا) تطلق (الثالثة) يعني: بعد رجعة أو عقد. وهذا على الأصح.
وعنه: أنه تطلق ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه.
(و) إن قال لها: أنت (طالق ثلاثاً للسنة والبدعة نصفين، أو لم يقل: نصفين، أو قال: بعضهن للسنة، وبعضهن للبدعة وقع إذا) أي: عقب قوله ذلك (ثنتان)؛ لأنه سوى بين الحالين. فاقتضى الظاهر أن يكونا سواء، فيقع في الحال طلقة ونصف، ثم يكمل النصف؛ لكون الطلاق لا يتبعض، (و) تقع الطلقة (الثالثة في ضد حالها إذا) أي: ضد حالها الحاضرة حين قوله. وهذا المذهب.
وقيل: تطلق الثلاث في الحال؛ كتبعيض كل طلقة.
(فلو قال: أردت تأخر ثنتين، قبل منه) ذلك (حكماً) أي: في الحكم
في الأصح؛ لأن لفظه يحتمله.
(1)
في ب: عقب.
ولأن البعض حقيقة في القليل والكثير، فما فسر كلامه به لايخالف الحقيقة. فيجب أن يقبل.
(ولو) كان (قال): أنت طالق (طلقتين للسنة، وواحدة للبدعة، أو عكس) بأن قال: طلقتين للبدعة وطلقة للسنة: (فـ) يكون الحكم (على ما قال. و) إن قال لها: (أنت طالق في كل قرء طلقة وهي حامل، أو من اللائي لم يحضن: لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة، إلا) إن كانت المرأة (غير مدخول بها: فتبين بواحدة) ثم إن تزوجها وقع بها في القرء الثانى طلقة ثانية. وكذا الحكم في الثالثة. وإن كانت حائضاً حين قوله: وقع بها واحدة، سواء كانت مدخولاً بها أوغير مدخول بها.
] فصل: في وصف الطلاق]
(فصل. و) من قال لزوجته: (أنت طالق أحسن طلاق أو أجملَه، أو أقربَه أو أعدلَه، أو أكملَه أو أفضلَه، أو أتمَّه أو أسنَّه، أو) قال لها: أنت طالق (طلقة سُنِّية أو جليلة، ونحوه)، كأنت طالق طلقة حسنة، أو مليحة، أو جميلة، أو كاملة، أو فاضلة:(كللسنة) أي: فحكم ذلك حكم ما لو قال لها: أنت طالق للسنة؛ لأن ذلك عبارة عن طلاق السنة. فإن كانت الزوجة في طهر لم يصبها فيه وقع في الحال، وإلا وقف على مجيء زمان السنة.
ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن والكمال والفصل؛ لكونه في ذلك الوقت موافقاً للسنة، مطابقاً للشرع.
(و) أنت طالق أبشع الطلاق، أو (أقبحَه أو أسمجَه، أو أفحشَه أو أردأَه،
أو أنتنه، ونحوه)؛ كأوحشه، أو أنجسه:(كللبدعة) يعني: كقوله. أنت طالق للبدعة. فإن كانت المرأة حائضاً أو في طهر وطئ فيه وقع في الحال، وإلا وقف على مجيء زمان البدعة. وذلك؛ لأن الحسن والقبح في الأفعال إنما هو من جهة الشارع فما حسنه الشرع فهو حسن، وما قبحه فهو قبيح. وقد حسن الشرع الطلاق في زمن فسمي زمان السنة، وقبحه ونهى عنه في زمان فسمي زمان البدعة. وإلا فالطلاق في نفسه في الزمانين واحد وإنما حسن أو قبح بالإضافة إلى زمانه.
(إلا أن ينوي) الزوج بقو له ذلك لزوجته: أن (أحسن أحوالك أو أقبحها:
أن تكوني مطلقة فيقع في الحال)؛ لأن هذا يوجد في الحال فيقع في الحال. ولأنه لم يقصد الصفة بذلك فتلغو ويقع في الحال، كما لو أطلق لفظه وترك الصفة.
(ولو قال) الزوج: (نويتُ بأحسنه) أي: بأحسن الطلاق] (زمن بدعة شَبَهَه بخُلُقِها) الحسن.
(أو) قال: نويت (بأقبحه) أي: بأقبح الطلاق [
(1)
(زمن سنة قُبحَ عشرتها.
أو) قا ل (عن أحسنه ونحوه: اردت طلاق البدعة.
أو) قال (عن أقبحه ونحوه: أردت طلاق السنة دين) فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى، (وقبل حكماً في الأغلظ) عليه (فقط) أي: دون الأخف في الأصح. فلو قال: نويت بقولي: أعدل الطلاق وقوعه في زمن الحيض ولم أرد الوقت وكانت في الحيض: وقيع الطلاق في الحال؛ لأنه إقرار على نفسه بما فيه تغليظ. ولو قال: أردت بقولي: أقبح الطلاق وقوعه في طهر لم أصبها فيه وكانت كذلك: وقيع في الحال، لأنه إقرار على نفسه بما فيه تغليظ فقبل.
(و) لو قال لزوجته: أنت (طالق طلقة حسنة قبيحة، أو) قال لها: أنت (طالق في الحال للسنة وهي حائض، أو) قال لها: أنت طالق (في الحال للبدعة في طهر لم يطأها فيه: تطلق في الحال).
أما كونها تطلق في الحال إذا قال: طلقة حسنة قبيحة
(2)
" لأنه وصفها بصفتين متضادتين فلغتا، وبقي مجرد الطلاق فوقع. وكذا يلغو قوله: للسنة، وقوله: للبدعة مع قوله: في الحال.
ومن قال لزوجته: أنت طالق طلاق الحرج، فقال القاضي: معناه طلاق البدعة، لأن الحرج الضيق والإثم، فكأنه قال: طلاق الإثم. وطلاق البدعة طلاق إثم. نقله في "الشرح الكبير ".
(ويباح خلع و) يباح (طلاق بسؤالها) أي: سؤال الزوجة (زمن بدعة)،
لأن المنع من الطلاق زمن البدعة إنما شرع لحق المرأة. فإذا رضيت بإسقاط حقها زال المنع وأبيح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في ب: طلقة حسنة أوحسنة قبيحة.
] باب: صريح الطلاق وكنايته]
هذا (باب صريح الطلاق، و) باب (كنايته).
يعني: أن المعتبر في الطلاق اللفظ دون النية التي لا يقارنها لفظ؛ لأن اللفظ هو الفعل المعبر عما في النفس من الإرادة والعزم، والقطع بذلك إنما يكون بعد مقارنة القول للإرادة فلا تكون الإرادة وحدها من غير قول فعلاً. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم أو تعمل به "
(1)
.
فلذلك لا تكون النية وحدها أثرًا في الوقوع.
ثم القول يكون صريحا، لأنه وضع له لغة فيقع بلا حاجة إلى النية؛ لأن إيجاد هذا اللفظ من العاقل دليل إرادته. ويكون كناية فيه، لأنه موضوع لما يشابهه ويجانسه فيتعين لذلك بإرادته له
(2)
.
ثم (الصريح: ما لا يحتمل غيره: من كل شيء.
والكناية: ما يحتمل غيره، ويدل على معنى الصريح.
وصريحه) أي: صريح الطلاق: (لفظ: طلاق) أي: لفظ المصدر (وما تصرف منه) فقط، كطالق ومطلقة وطلقتك، (غير أمر)؛ كطلقي، (و) غير (مضارع)، كتطلقين، (و) غير (مطلَّقة اسم فاعل).
وقيل: إن لفظة الإطلاق نحو قوله: أطلقتك صريح.
(1)
أخرجه النسائي في "سننه "(3434) 6: 156 كتاب الطلاق، باب من طلق في نفسه. عن أبي هريرة.
(2)
في ب: فيتعين بذلك لإرادته له.
(فيقع) الطلاق (من مصرِّح) ممن أتى بصريحه (ولو) كان (هازلاً أو لاعبًا).
قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن هزل الطلاق وجده سواء. وذلك؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة "
(1)
. رواه الخمسة إلا النسائي، وقال الترمذي: حديث حسن
(2)
غريب.
ويقع باطناً وظاهراً؛ لأنه لفظ قصد التلفظ به مع العلم بمعناه. فوقع ظاهراً وباطنا؛ كلفظ البيع.
(أو) كان (فتح تاء أنتِ) في الأصح. خلافاً لأبي بكر وأبي الوفاء.
(أو) كان (لم ينوه) أي: ينوي الطلاق؛ لأن النية ليست بشرط في الصريح؛ لأنه لفظ أتى به مع العلم بمعناه مع عدم احتمال غيره. فلم تكن النية شرطا فيه؛ كالبيع.
(وإن أراد) أن يقول: (طاهراً، أو نحوه)؛ كما لو أراد أن يقول: طاحناً، أو طاعناً، أو طامعاً، (فسبق لسانه) بطالق، أو أراد أن يقول: طلبتك فسبق لسانه فقال: طلقتك، (أو) قال:(طالقاً) وأراد (من وثاق، أو) أراد طالقاً (من زوج كان قبله)، أو من نكاح سابق على هذا النكاح مني:(لم تطلق) باطناً؛ لأنه أتى بلفظ الطلاق غير مختار لمعناه. فلم يقع ما لم ينوه؛ كالمكره.
(وادعى ذلك) الزوج، (أو قال: أردت: إن قمت فتركت الشرط، أو
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2194) 2: 259 تفريع أبواب الطلاق، باب في الطلاق على الهزل.
وأخرجه الترمذي في "جامعه "(1184) 3: 490 كتاب الطلاق، باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2039) 1: 658 كتاب الطلاق، باب من طلق أو نكح أو راجع لاعباً. ولم أره عند أحمد.
(2)
ساقط من ب.
قال: إن قمت، ثم قال: أردت: وقعدت، أو نحوه)، كما لو قال: أنت طالق إن قدم زيد، ثم قال: أردت وقدم عمرو أيضاً (فتركته، ولم أرد طلاقا دين) فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى على الأصح، لأنه أعلم بنيته، (ولم يقبل) ذلك منه (حكماً) على الأصح، لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر عرفاً، لأنه يبعد إرادة ذلك. فلم يقبل؛ كما لو أقر بعشرة، ثم قال: زُيوفاً أو إلى شهر.
وعنه: يقبل إلا أن تكذبه قرينة من غضب أو سؤالها الطلاق.
(ومن قيل له: أطلَّقت امرأتك؟ قال: نعم)، أو قيل له: امرأتك طالق؟ قال: نعم (وأراد الكذب: طلقت) وإن لم ينو، لأن نعم صريح في الجواب. والجواب الصريح للفظ الصريح صريح. ألا ترى أنه لو قيل: ألفلان عليك ألف؟ قال: نعم. وجب عليه.
(و) لو قيل له: (أخْليتَها؟ ونحوه)، كما لو قيل له: الحقتها بأهلها؟ (قال: نعم. فكناية) لا تطلق بذلك حيث لم ينو بذلك الطلاق.
(وكذا: ليس لي امرأة، أو لا امرأة لي) إذا تحقق ذلك.
(فلو قيل) لمن له امرأة: (ألك امرأة؟ قال: لا. وأراد الكذب: لم تطلق)، لأن قوله: ما لي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق. وإذا أراد الكذب فما نوى الطلاق. وكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني، او ليس لي امرأة ترضيني، أو أنى كمن لا امرأة له، أو لم ينو شيئاً.
وعلم مما تقدم أنه لو نوى الطلاق بشيء من ذلك طلقت.
(وإن قيل لعالم بالنحو: ألم تطلِّق امرأتك؟ فقال: نعم. لم تطلق. وإن قال: بلى، طَلَقت). ذكره الناظم وغيره.
(ومن أُشهد عليه) أي: قامت عليه بينة (بطلاق ثلاث) أي: بأنه أقر أنه
وقع عليه الطلاق الثلاث، وكان ذلك لتقدم يمين منه يتوهم وقوع الطلاق عليه فيها أو نحو ذلك، (ثم أُفتي) بالبناء للمفعول أي: أفتاه أهل العلم: (بأنه
لا شيء عليه) أي: باً نه لم يقع عليه طلاق على حسب صورة الحال (لم يؤاخذ بإقراره) بوقوع الطلاق الثلاث عليه؛ (لمعرفة مستنده) في وقوع الطلاق. (ويقبل قوله)، وقال الشيخ تقي الدين: بيمينه (أن مستنده في إقراره بذلك) أي: في كونه لم يقع الطلاق الثلاث عليه بإقراره المذكور، (ممن يجهله مثله). ذكره في " الفروع " عن الشيخ تقي الدين واقتصر عليه. ويقوي هذا ما ذكره في " المغني " في باب الكتابة قال: فصل وإذا دفع إليه مال كتابته ظاهراً فقال له السيد: أنت حر، أو قال: هذا حر ثم بان العوض مستحقاً: لم يعتق بذلك؛ لأن ظاهره الإخبار عما حصل له بالأداء. ولو ادعى المكاتب أن سيده قصد بذلك عتقه وأنكر السيد، فالقول قول السيد مع يمينه " لأن الظاهر معه، وهو أخبر بما نوى. انتهى.
(وإن أخرج) زوج (زوجته من دارها، أو لطمها، أو أطعمها، أو سقاها، أو ألبسها، أو قبلها، ونحوه)، كما لو دفع إليها شيئاً (وقال: هذا طلاقك طلقت) وكان صريحاً. نص عليه " لأن ظاهر هذا اللفظ جعل هذا الفعل طلاقاً منه، فكأنه قال: أوقعت عليك بهذا الفعل طلاقاً؛ لأن الفعل بنفسه لا يكون طلاقاً. فلا بد من تقديره فيه ليصح لفظه به. فيكون صريحاً فيه يقع به من غير نية على الأصح " كصريح الطلاق.
إذا علمت ذلك (فلو فسَّره بمحتمل) أي: بما يحتمل عدم الوقوع (كأن نوى: أن هذا سبب طلاقُك) يعني: في زمان بعد هذا الزمان: (قُبل حُكماً) في الأصح؛ لأنه محتمل الإرادة. فقبل، لعدم ما يمنع منه.
وعنه: أن ذلك كناية فيكون
(1)
فعله بها قائما مقام النية.
(وإن قال) زوج لزوجته: (كلما قلت شيئاً) من كلام، (ولم أقل لك مثله فأنت طالق، فقالت له: أنت) طالق بفتح التاء، (أو) قالت له:(أنت طالق) بكسر التاء (فقال) لها (مثله) أي: مثل ما قالت له: (طلقت، ولو علَّقه)
(1)
في أ: ويكون.
] أي: الطلاق بشرط [
(1)
صح. قدمه في " الفروع "، كما لو قال في جوابها: أنت طالق إذا قدم زيد أو نحو ذلك.
وذكر ابن عقيل: انه لو كسر التاء تخلص وبقي معلقاً. ثم قال: وله جواب آخربقوله بفتح التاء فلايحنب.
قال ابن الجوزي: وله التمادي إلى قبيل الموت.
وقيل: لا يقع شيء، لأن استثناء ذلك معلوم بالقرينه فزوجتك بفتح التاء ونحوه يتوجه مثله، وصححه الموفق.
وقيل: من عامي.
وفي " الرعاية ": يصح جهلاً أو عجزاً.
(ولو نوى) بقوله: أنت طالق (في وقت كذا ونحوه، تخصَّص به).
قال في " الإنصاف ": فهذه وقعت زمن
(2)
ابن جرير الطبري فأفتى بأنه
لا يقع إذا علقه بأن قال لها: أنت طالق ثلاثاً إن أنا طلقتك.
وقال في " الفروع ": طلقت، ولو علقه.
وجزم في " المستوعب ": بأنها تطلق إذا قالت بكسر التاء، وقاله.
وقال في موضع: إذا قاله، وعلقه بشرط: تطلق.
وإن فتح التاء مذكراً فحكى ابن عقيل عن القاضي: أنها تطلق، لأنه واجهها بالإشارة والتعيين. فسقط حكم اللفظ. نقله في " المستوعب ". وقال: حكي عن أبي بكر أنه قال في " التنبيه ": إنها لاتطلق. قال: ولم أجدها في "التنبيه ".
وذكر كلام ابن جرير لابن عقيل فاستحسنه، وقال: لو فتح التاء تخلص.
وقال في "الفروع ": ولو كسر التاء تخلص، وبقي معلقا. ذكره ابن عقيل.
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
قال ابن الجوزي: وله التمادي إلى
(1)
قبيل الموت.
وقيل: لا يقع عليه شيء؛ لأن استثناء ذلك معلوم بالقرينة.
قال في " بدائع الفوائد ": وفيه وجه آخر أحسن من وجهي ابن جرير وابن عقيل، وهو جار على أصول المذهب، وهو: تخصيص اللفظ العام بالنية؛ كما لو حلف لا يتغدى ونيته غداء يومه: قصر عليه، ولو حلف لا يكلمه ونيته: تخصيمالكلام بما يكرهه: لم يحنب إذا كلمه بما يحبه. ونظائره كثيرة وعلله بتعاليل جيدة.
قلت: وهو الصواب. انتهى.
(ومن طلَّق) زوجة له (أو ظاهر من زوجة) له، (ثم قال عقبه لضرَّتها: شركتك)، أو أشركتك معها، (أو أنت شريكتها) يعني: في الطلاق أو في الظهار، (أو) قال لضرتها: أنت (مثلها، أو) قال لضرتها: أنت (كهي فصريح فيهما) أي: في الطلاق والظهار.
قال في "الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. نص عليه وعليه جماهير الأصحاب. انتهى.
وصراحته فيهما بمعنى: أنه لا يحتاج إلى نية؛ لأنه جعل الحكم فيهما واحداً، إما بالشركة في اللفظة
(2)
أو بالمماثلة، وهذا لا يحتمل غير ما فهم منه. فكان صريحا؛ كما لو أعاده عليها بلفظه.
(ويقع) على الزوج (ب) قوله لزوجته: (أنت طالق لا شئ) طلقة،
(أو) أنت طالق طلاقاً (ليس بشيء، أو) طلاقاً (لا يلزمك، أو) طالق (طلقة لا تقع عليك، أو لا ينقص بها عدد الطلاق) طلقة؛ لأن ذلك رفع لجميع ما أوقعه. فلم يصح، كاستثناء الجميع. وإن كان ذلك خبراً فهو كذب؛ لأن الواحدة إذا أوقعها وقعت.
(1)
زيادة من الإنصاف لتتمة المعنى 8: 464
(2)
في ب: اللفظ.
(لا بأنت طالق أو لا) يعني: أنها لا تطلق إذا قال لها: أنت طالق أوْ لا، (أو) قال لها: أنت (طالق واحدة أوْ لا)؛ لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج عن أن يكون لفظاً لإيقاع. ويخالف المسألة قبلها؛ لأنه إيقاع.
(ومن كتب صريح طلاق امرأته بما يَبين: وقع، وإن لم ينوه) على الأصح؛ (لأنها صريحة فيه) أي: لأن الكتابة صريحة في الطلاق.
ووجه كونها صريحة فيه: أن الكتابه حروف يفهم منها الطلاق. فإذا أتى
فيها بالطلاق وفهم منها وقع؛ كاللفظ.
ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بتبليغ الرسالة، فحصل ذلك في حق البعض بالقول، وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف
(1)
.
(فلو قال) الكاتب: (لم أُرد إلا تجويد خطي، أو) لم أرد إلا (غَمَّ أهلي) قُبل ذلك منه في الحكم في الأصح؛ لأنه إذا أراد التجويد أو تجربة قلمه فقد نوى غير الطلاق، ولو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع فهنا أولى، وإذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته لا يكون ناوياً للطلاق. وما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم وتعمل به "
(2)
: إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عنه العمل به، وهذا لم ينو طلاقاً يؤاخذ به.
(أو قرأ ما كتبه، وقال: لم أقصد إلا القراءة قُبل) ذلك منه حكماً.
قال في " الإنصاف ": لو قرأ ما كتبه وقصد القراءة ففي قبوله حكماً الخلاف المتقدم. فيما إذا قصد تجويد خطه أو غم أهله. ذكره في " الترغيب ". انتهى. وعلم مما تقدم أنه لو كتبه بشيء لا يبين، مثل: إن كتبه بإصبعه على وسادة
أو في الهواء: أنه لا يقع، وهو الأصح؛ لأن الكتابة التي لا تبين؛ كالهمس وكالإشارة، وكل منهما لا يقع به طلاق.
(1)
ر. " الأموال " لأبي عبيد ص: 25.
(2)
سبق تخريجه ص: (367) رقم (1).
وقال أبو حفص: يقع الطلاق بالكتابة مما لا يبين
(1)
.
(ويقع) الطلاق (بإشارة من أخرس فقط) حيث كانت مفهومة. ويكون حكمها كالصريح من غير الأخرس. (فلو لم يفهمها) أي: يفهم إشارته (إلا بعض: فكناية) يعني: أن إشارة الأخرس التي لا يفهمها إلا بعض الناس كناية بالنسبة إليه.
(وتأويله) أي: تأويل الأخرس (مع صريح) أي: مع إشارة مفهومة؛ (كـ) تأويل غير الأخرس (مع نطق) بصريح الطلاق.
وعلم مما تقدم أنه لا يقع الطلاق بغير لفظ إلا بالكتابة وإشارة الأخرس.
(ويقع) الطلاق (ممن) أي: من زوج (لم تبلغه الدعوة) إلى الإسلام؛
لأنه لا مانع من عدم وقوع طلاقه.
(وصريحه) أي: صريح الطلاق (بلسان العجم: بِهِشْتَم) بكسر الباء الموحدة والهاء وسكون الشين المعجمة وفتح المثناة من فوق. (فمن قاله) أي: قال بهشتم حال كونه (عارفاً معناه: وقع ما نواه) من عدد الطلاق، (فإن زاد بِسْيَار فثلاث) في الأصح.
وفي " المذهب ": يقع ما نواه.
نقل ابن منصور: وأن كل شيء بالفارسية على ما نواه؛ لأنه ليس له حد مثل الكلام العربي.
وقال أبو حنيفة: هو كناية لا تطلق به إلا بنية؛ لأن معناه: خليتك. وهذا اللفظ كناية.
ولنا: أن هذه اللفظة في لسانهم موضوعة للطلاق يستعملونها فيه. فأشبه
لفظ الطلاق بالعربية، ولو لم تكن هذه اللفظة صريحة في لسان العرب لم يكن في العجمة صريح للطلاق، ولا يضر كونها بمعنى: خليتك، فإن معنى طلقتك خليتك أيضاً، إلا أنه لما كان موضوعاً له ومستعملاً فيه كان صريحاً.
(1)
في ب: التي لا تبين.
(وإن أتى به) من لا يعرف معناه، (أو) أتى (بصريح طلاق، من لايعرف معناه: لم يقع) عليه شيء، لأنه لم يختر الطلاق؛ لعدم علمه بمعناه، (ولو نوى موجبه) أي: موجب هذا القول الذي لم يعرف معناه في الأصح؛ لأنه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه. فأشبه ما لو نطق بكلمة الكفر من لم يعرف معناها.
] فصل: في كنايات الطلاق]
(فصل. وكناياته) أي: كنايات الطلاق (نوعان):
ظاهرة وهي: الألفاظ الموضوعة للبينونة.
وخفية وهي: الألفاظ الموضوعة للطلقة الواحدة، ما لم ينو أكثر. وتكون الواحدة رجعية في مدخول بها.
(فالظاهرة) خمس عشرة: (أنت خَليَّة، و) أنت (بَرِيَّة، و) أنت (بائن، و) أنت (بتة، و) أنت (بتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج، ولا سبيل) لي عليك، (أوْ لا سلطان لي عليك، واعتقتك، وغط شعرك، وتقنعي.
و) أما الكناية (الخفية) فهي عشرون وهي: (أخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة
(1)
، وأنت واحدة، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي وشبهه، والحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله، وإن الله قد طلقك، والله قد أراحك مني، وجرى القلم، ولفظ فراق، و) لفظ (سراح، وما تصرف منهما) أي: لفظ الفراق والسراح، غير أمر ومضارع، ومفرقة ومسرحة اسم فاعل. وإلى ذلك أشير بقوله:
(غير ما استُثنِي من لفظ الصريح).
ويشترط لوقوع الطلاق بالكناية شروط أشار إليها بقوله:
(ولا يقع) يعني: الطلاق (بكناية ولو) كانت الكناية (ظاهرة، إلا
(1)
في الأصول: مخلا. وما أثبتناه من " منتهى الإرادات " 2: 259.
بنية)؛ لأن الكنايات لما قصرت رتبتها عن الصريح ودف عملها على نية الطلاق؛ تقوية لها، وإلحاقا لها بعمل الصريح
ولأن الكنايات لفظ يحتمل غير معنى الطلاق فلا يتعين له بدون النية.
(مقارنة للفظ) يعني: أنه يشترط أن تكون نية الطلاق مقارنة لأول لفظ الكناية. فلو وجدت النية في ابتدائه وغربت عنه في سائره وقع الطلاق؛ لأن ما تعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله، كالصلاة وسائر العبادات. فأما إن تلفظ بالكناية غير ناوٍ للطلاق ثم نوى بها الطلاق بعد ذلك لم يقع، كما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه. وكذا لو قارنت النية الجزء الثانى من الكناية دون الأول فإن ما بقي لا يصلح للنية بعد إتيانه بالجزء الأول من غير نية.
(ولا تشترط) نية الطلاق للكناية (حال خصومة، أو) حال (غضب، أو) حال (سؤال) الزوجة (طلاقها) فيقع الطلاق في هذه الأحوال بالكناية بدون نية. (فلو لم يرده) أي: لم يرد الطلاق، (أو أراد) بالكناية (غيره) أي: غير الطلاق (إذا) أي: في حال الخصومة أو الغضب أو سؤال الطلاق: (دُيِّن) فيما بينه وبين الله تعالى، (ولم يُقبل حكمًا) على الأصح، لأن دلالة الحال لها تأثير في حكم الألفاظ. فإن اللفظ الواحد يحمل على الذم تارة وعلى المدح أخرى، كما في قول الشاعر:
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
فإن ظاهر هذا المدح لولا البيت الأول وهو قوله:
إذا الله عادى أهل لوم وذلة فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل
فعلم بذلك أنه أراد به ذِلتهم وقِلتهم.
وفي الشرع مثل ذلك فإنه لو قال له في حال الخصومة: ليست أمي بزانية فإنه يكون قذفاً، ولو قاله في غير ذلك لم يكن إلا تنزيهاً لأمه عن الزنا. وإذا ثبت ذلك في عرف اللغة والشرع قامت دلالة الحال مقام القول فيه. فلا يقبل منه؛ لأنه خلاف الظاهر.
(ويقع بـ) كناية (ظاهرة ثلاث) أي: ثلاث طلقات، حتى (وإن نوى واحدة) على الأصح؛ لأن ذلك قول علماء الصحابة منهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة.
(و) يقع (بـ) كناية (خفية) طلقه (رجعية في مدخول بها)؛ لأنها إنما تقتضي الترك كما يقتضيه صريح الطلاق من غير اقتضاء للبينونه. فوقع واحدة رجعية؛ كما لو أتى بصريح الطلاق.
(فإن نوى أكثر) من واحدة: (وقع) ما نواه؛ لأنه لفظ لا ينافي العدد.
فإذا نوى به عدداً وجب أن يقع ما نواه؛ لأنه لا ينافيه.
(وقوله: أنا طالق) أو زاد: منك، (أو بائن) أو زاد: منك، (أو حرام) أو زاد: منك، (أو بريء أو زاد: منك) لغو في الأصح. نص عليه في رواية الأثرم في رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت: أنت طالق لم تطلق.
ولأنه محل لا يقع الطلاق بإضافته إليه من غير نية. فلم يقع وإن نوى؛ كالأجنبي.
ولأنه لو قال: أنا طالق ولم يقل: منك لم يقع. فلم يقع إذا زاد: منك.
ولأن الرجل مالك في النكاح، والمرأة مملوكة. فلم يقع إزالة الملك بالإضافة إلى المالك؛ كالعتق. ويدل لهذا أن الرجل لا يوصف بأنه مطلَّق بفتح اللام. بخلاف المرأة.
وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: " ملَّكت امرأتي أمرها. فطلقتني ثلاثاً.
فقال ابن عباس: إن الطلاق لك وليس لها عليك ". رواه أبو عبيد
(1)
والأثرم واحتج به أحمد.
(و) قوله: (كُلي، واشرَبي، وا قعُدِي، واقرُبي، وبارك الله عليك، وانت مليحة، أو) أنت (قبيحة، ونحوه)؛ كأطعميني واسقيني، وغفر الله
(1)
في ب: أبو عبد الله.
لك، وما أحسنك وأشباه ذلك (لغو، لا يقع به طلاق، وإن نواه)؛ لأن هذا اللفظ لا يحتمل الطلاق. فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية
(1)
.
ولأن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه، نحو قوله سبحانه
وتعا لى: (فكلى واشربى وقرى عيناً)] مريم: 26].
وفارق: ذوقي وتجرعي فإنه يستعمل في المكاره، نحو قوله سبحانه وتعالى:(ذوقوا عذاب الحريق)] آل عمران: 181 [، (ذوقوا مس سقر)] القمر: 48 [، (يتجرعه ولا يكاد يسيغه)] إبراهيم: 17 [فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما.
(و) قول الزوج لزوجته: (أنت) عليَّ حرام، (أو الحِلُّ) عليَّ حرام،
(أو ما أحلَّ الله عليَّ حرام، ظهار ولو نوى) بذلك (طلاقاً) على أصح الروايات؛ لأنه صريح في تحريمها فكان ظهاراً.
ولو نوى غيره؛ (كنيته) أي: نية الطلاق (بـ) قوله: (أنت عليَّ كظهر أمي.
وإن قال) أي: قال ما تقدم (لـ) زوجته (محرمة بحيض، ونحوه)؛ كنفاس وإحرام، (ونوى
(2)
أنها محرمة به) أي: بالحيض أو نحوه (فلغو) أي: فما قاله لغو لا يترتب عليه حكم.
(و) قوله: (ما أحل الله عليَّ حرام أعني به: الطلاق، يقع ثلاث). قاله أحمد. (وأعني به طلاقاً، يقع واحدة). نص على ذلك أحمد أيضاً.
أما كونها تطلق ثلاثاً على الأصح فيما إذا قال: أعني به الطلاق؛ لأن الألف واللام للاستغراق أو للعهد ولا معهود. فيحمل على الاستغراق، فيدخل فيه الطلاق كله.
وأما كونها تطلق واحدة فيما إذا قال: أعني به طلاقا؛ لأنه ذكره منكراً فيكون طلاقاً واحداً. وكذا لو قال: أنت عليَّ حرام أعني به الطلاق، أو أعني به طلاقاً فإنهما يكونان كالصورتين المتقدمتين.
(1)
في ب: فلو وقع بمجرد الطلاق النية. وهو تصحيف.
(2)
في ب: ولو نوى.
(و) من قال لزوجته: (أنت عليَّ حرام، ونوى: في حُرمتك على غيرى فكطلاق). قاله في " الترغيب " وغيره واقتصر عليه في " الفروع ".
ومعنى ذلك والله أعلم: أنت حرام عليَّ
(1)
كما أنت حرام على غيري. وحرمتها على غيره بكونها فى حباله.
(ولو قال: فراشي عليَّ حرام، فإن نوى امرأته: فظهار، وإن نوى فراشه: فيمين). نقله ابن هانئ عن أحمد واقتصر عليه فى " الفروع ".
وقوله: فيمين، يعني: أنه متى جلس أو نام على فراشه كان عليه كفارة يمين بحنثه.
(و) من قال لزوجته: (أنت علىَّ كالميتة والدم، يقع ما نواه: من طلاق)؛ لأنه يصلح أن يكون كناية فيه. فإذا اقترنت به النية وقع ما نواه من عدد، وإن لم ينو عدداً فطلقة.
(و) من (ظهار) كما قلنا في قوله: أنت علىَّ حرام، (ويمين) وهو: أن يريد ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها. فيكون يميناً فيها الكفارة بالحنث. (فإن لم ينو شيئاً) من هذه الثلاثه (فظهار) أي: فيكون ظهاراً في الأصح؛ لأن معناه: أنت عليَّ حرام؛ كالميتة والدم.
(ومن قال: حلفت بالطلاق، وكذب) فهي قوله: حلفت؛ لكونه لم يكن حلف بالطلاق: (دُيِّن)؛ لأنه لم يلزمه طلاق فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى، (ولزمه) ما أقر به (حكماً) أي: في الحكم؛] لأنه خلاف ما أقر به. ولأنه يتعلق بحق إنسان معين. فلم يقبل في الحكم [
(2)
؟ كإقراره له بمال ثم يقول: كذبت.
ولو قالت زوجته: حلفتَ بالطلاق الثلاث، فقال. لم أحلف إلا بطلقة،
أو قالت علقت طلاقي على قدوم زيد، فقال: لم أعلقه إلا على قدوم عمرو، كان القول قوله؛ لأنه أعلم بحال نفسه.
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
] فصل: فيمن قال لزوجته: أمرك بيدك]
(فصل، و) قول الزوج لامرأته " (أمرك بيدك، كناية ظاهرة: تملك
بها) أن تطلق نفسها (ثلاثاً)، وإن نوى أقل من الثلاث على الأصح. نص عليه أحمد، وأفتى به غير مرة. روي ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر وابن عباس. وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري قالوا: إذا طلقت ثلاثاً فقال: لم أجعل إليها إلا واحدة لم يلتفت إلى قوله، والقضاء ما قضت. وذلك؛ لأنه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها؟ لانه اسم جنس مضاف، فيتناول الطلقات الثلاث؛ كما لو قال لها: طلقي نفسك ما شئت. ولا يقبل قوله: أردت واحدة؛ لأنه خلاف مقتضى اللفظ، ولا يُديّن في هذا؛ لأنه من الكنايات الظاهرة، وهي تقتضى الطلاق الثلاث.
(و) قول الزوج لزوجته: (اختارى نفسك) كناية (خفية: ليس لها أن
تطلق بها) أى: باختاري نفسك، (ولابـ) عقوله لها: (طلقي نفسك أكثر
من) طلقة (واحدة) رجعية.
قال أحمد: هذا قول ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمر وعائشة
قالوا: " إن اختارت نفسها فهى واحدة وهي أحق بها "، رواه النجاد عنهم بإسناده،
ولا يكون أحق بها إلا إذا كانت رجعية، يؤيد ذلك قوله سبحانه وتعالى:(وبعولتهن أحق بردهن فى ذلك)] البقرة: 288 [،
ولأنها طلقة بغير عوض لم يكمل بها العدد بعد الدخول، فأشبه ما لو طلقها
ابتداء واحدة.
ومحل ذلك: ما لم يجعل لها أن تطلق نفسها أكثر من واحدة فتملك ماجعله لها.
(ولها أن تطلق نفسها متى شاءت: ما لم يَحُدَّ لها حدًا) فليس له أن
يتجاوزه
(1)
، (أو يفسخ) ما جعله لها، (أو يطأ) ها، (أو تَرُدُّ هي) أي: الزوجة ما جعله لها كبقية الوكالات.
(إلا في) قوله: (اختاري نفسك، فيختصُّ بالمجلس: ما لم يشتغلا بقاطع).
قال أحمد: إذا قال لامرأته: اختاري نفسك، فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام، فإن طال المجلس وأخذوا في كلام غير ذلك ولم يختر فلا خيار لها. وهذا مذهب أبي حنيفة.
فإن قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها. وإن كان أحدهما قائماً فركب أو مشى بطل الخيار. بخلاف ما لو قعد. وإن كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها. وإن أضافت إليها ركعتين أخريين: بطل خيارها.
وإن أكلت يسيرًا، أو سبحت يسيرًا، أو قالت: بسم الله، أو قالت: ادعوا
لي شهوداً
(2)
أشهدهم على ذلك: لم يبطل خيارها.
(ويصح جعله) أي: أن يجعل (لها) أي: لزوجته الخيار (بعده) أي:
بعد المجلس، وأن يجعله لها متى شاءت كالوكيل. وله الرجوع قبل اختيارها. وإن وطئها كان رجوعا لدلالته عليه، كما لو وكل غيرها في طلاقها ثم وطئها. (و) يصح أن يجعل أمرها بيدها (بجُعْل) منها أو من غيرها؛ كما يصح الطلاق على عوض.
(ويقع) الطلاق من زوجةٍ ملكته بجعله لها (بكنايتها مع نية) أي: نية الطلاق (ولو جعله لها) زوجها (بصريح) أي: صريح الطلاق لا بدون نية. فلو قالت: اخترت نفسي ولم تنو بذلك طلاقاً لم يقع شيء. فلفظة الأمر والخيار كناية في حق الزوج والزوجة تفتقر إلى نية كل منهما. فإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع؛ لأن الزوج إذا لم ينو فما فوض إليها الطلاق فلا يصح أن توقعه هي، وإن نوى الزوج ولم تنو الزوجة فقد فوض إليها الطلاق ولم توقعه هي.
(1)
في ب: يجا وزه.
(2)
في ب: شهود.
(وكذا وكيل) في ذلك.
(ولا يقع) طلاق من خيرها زوجها (بقولها: اخترت بنية) أي: نية
الطلاق، (حتى تقول): اخترت (نفسي، أو) اخترت (أبويَّ، أو) اخترت (الأزواج). فلو قالت: اخترت زوجي لم يقع شيء. نص عليه أحمد في رواية الجماعة؛ لقول عائشة: " قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقاً "
(1)
.
وقالت: " لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه بدأ بي. فقال: إنى لمخبرك خبراً
فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. ثم قال: إن الله تعالى قال لي: (ياأيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) - حتى بلغ- (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً)] الأحزاب: 28 - 29]. فقلت: أفي
(2)
هذا أستأمر أبويّ؟ فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت "
(3)
. متفق عليه.
قال مسروق: ما أبالي أخيرت امرأتى واحدة أو مائة أو ألفاً بعد أن تختارنى.
ولأنها مخيرة اختارت النكاح. فلم يقع بها طلاق؛ كالمعتقة تحت عبد.
ونقل ابن منصور: إن اختارت زوجها فواحدة، ونفسها ثلاث.
وعنه: إن خيرها فقالت: طلقت نفسي ثلاثاً وقعت، وإن أنكر قولها قُبل قوله. (ومتى اختلفا) أي: الز وج والز وجة (في) وجود (نية: فقول موقع)؛
لأن ذلك لا يعلم إلا من جهة الموقِع.
(و) إن اختلفا (في رجوع: فقول زوج)؛ لأنهما اختلفا في ما يختص
به. فكان القول قوله فيه؛ كما لو اختلفا في نيته. (ولو) كانت دعواه الرجوع (بعد إيقاعٍ) للطلاق ممن جعله له.
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(26314) 6: 264.
(2)
في أ: في أي.
(3)
سبق تخريجه ص (355) رقم (2).
(ونصَّ) أحمد: (أنه لا يقبل بعده) أي: بعد إيقاع من جعله له (إلا ببيِّنة).
قال (المنقح: وهو أظهر).
قال في "الفروع ": ويقبل دعوى الزوج أنه رجع قبل إيقاع وكيله عند أصحابنا. قاله في " المحرر " ونص. وذكره في " المجرد " و" الفصول " في تعليق الوكالة في رواية أبي الحارث لا تقبل إلا ببينة، وجزم به في " الترغيب " والأزجي في عزل الموكل له، وجزم به شيخنا قال يعني: الشيخ تقي الدين: (وكذا دعوى عتقه) أي: عتق رقيق وكل في بيعه بعد أن باعه الوكيل، (ورهنِه) يعني: وكذا دعوى رهن ما باعه وكيله،] (ونحوه) أي: نحو ما تقدم مما لا يصح البيع معه، كدعوى وقف ما باعه وكيله [
(1)
بعد
(2)
بيع الوكيل. (و) قوله لزوجته: (وهبتك) لأهلك أو لنفسك، (ونحوه)، كملّكتك (لأهلك، أو لنفسك، فمع قبولٍ) من أهلها أو من نفسها: (تقع) طلقة (رجعية) على الأصح.
(وإلا) أي: وإن لم يقع قبول: (فـ) ذلك القول (لغو، كـ) قوله: (بعتها) فإن ذلك لغو مطلقاً. نص عليه. أي: سواء تقيد بنية الطلاق أو لا كما صرح به في " الرعاية ". وبكون عدم القبول في الهبة يكون لغوا قال ابن مسعود وعطاء ومسروق والزهري ومكحول ومالك.
ولنا على أنها لا تطلق: إذا لم يقع قبولٌ؛ لأن ذلك تمليك للبضع. فافتقر
فيه إلى القبول؛ كقوله: اختاري وأمرك بيدك وكابتداء النكاح. وعلى أنها طلقة واحدة؛ لأنه لفظ محتمل فلا يحمل على أكثر من واحدة عند الإطلاق؛ كقوله: اختاري. وعلى أنها رجعية، لأنها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء العدد. فكانت رجعية؛ كقوله: أنت طالق.
(1)
ساقط من ب.
(2)
فى أزيادة: أن باعه الوكيل بعد.
(وتُعتبر نية واهب) وهو الزوج (و) نية (موهوب) عند قبول؛ لأن ذلك كناية. فاشترط له النية؟ كسائر الكنايات.
(و) متى نوى بقوله: وهبتك أكثر من طلقة، أو نوى القائل بقوله: قبلت
أكثر من طلقة، فإنه (يقع أقلُّهما) أى: أقل العددين. فلو نوى أحدهما ثنتين والآخر ثلاثاً وقع ثنتين.
وأما كون بيعها لا يتضمن معنى الطلاق؛ لأنه نقل ملك يشترط له العو ض. والطلاق مجرد إسقاط لا يقتضي العوض. فلم يقع به طلاق؛ كقوله: وقفتك على زيد أو أوصيت له بك.
(وإن نوى) الزوج (بهبة) أي: بقوله: وهبتك لأهلك أو لنفسك، (أو)
نوى بـ (أمر) أي: بقوله: أمرك بيدك، (أو) نوى بـ (خيار) أي: بقوله: اختاري نفسك (الطلاق في الحال: وقع) في الحال.
قال في " الإنصاف ": قاله الأصحاب. انتهى.
ووجهه: أن ذلك إقرار على نفسه بوقوع الطلاق في الحال فيؤاخذ به.
(ومن طلَّق في قلبه: لم يقع) طلاقه.
(وإن تلفظ به أو حرك لسانه: وقع).
نقل ابن هانئ عن أحمد: إذا طلق في نفسه لا يلزمه ما لم يلفظ به أو يحرك لسانه.
قال في " الفروع ": وظاهره
(1)
- أي: ظاهر النص- (ولو لم يسمعه)
أي: من حرك به لسانه.
(بخلاف قراءة) سرية (في صلاة) فإنها لا تجزئه حيث لم يسمع نفسه.
قال في " الفروع ": ويتوجه كقراءه في صلاة يعني: أنه لا يقع طلاقه إذا حرك لسانه به، إلا إن كان بحيث يسمع نفسه لولا المانع.
(و) زوج (مميِّز و) زوجة (مميِّزة؛ كـ) زوج وزوجة (بالغين: فيما
(1)
في أ: فظاهره.
تقدم) من الأحكام؛ لأن من عقل
(1)
الطلاق صح طلاقه وجعله لغيره. كذا من يجعله الصبي له.
قيل لأحمد: إن كانت للصبي زوجة صبية، فقالت له: صيِّر أمري إليَّ. فقال لها: أمرك بيدك، فقالت: قد اخترت نفسي ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل الطلاق. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ب: ماعلق.
[باب: ما يختلف به عدد الطلاق]
هذا (باب ما يختلف به عدد الطلاق.
ويعتبر) ملك عدده (بالرجال) على الأصح. روي ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس. وبه قال مالك والشافعي.
وعنه: أن الطلاق بالنساء.
ويروى ذلك عن علي وابن مسعود. وبه قال أبو حنيفة، لما روت عائشة عن النبي أنه قال:"] طلاق [الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان "
(1)
. رواه أبو داود وابن ماجه.
ولأن المرأة محل الطلاق. فيعتبر بها؛ كالعدد.
ولنا: أن الله سبحانه وتعالى خاطب الرجال بالطلاق فكان حكمه معتبرًا بهم.
ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه
به كعدد المنكوحات.
وحديث عائشة قال أبو داود: من رواية مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث.
وقد أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عائشة قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" طلاق العبد اثنتان فلا يحل له حتى تنكح زوجًا غيره، وقرء الأمة حيضتان. ويتزوج الحرة على الأمة، ولا يتزوج الأمة على الحرة "
(2)
.
وهذا نص.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(2189) 2: 257 تفريع أبواب الطلاق، باب في سنة طلاق العبد.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2080) 1: 672 كتاب الطلاق، باب في طلاق الأمة وعدتها. وما بين الحاصرتين زائد من الحديث.
(2)
أخرجه الدارقطني في " سننه "(112) 4: 39 كتاب الطلاق.
ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعًا فملك طلقات ثلاثاً، كما لو كان تحته حرة.
ولا خلاف في أن الحر التي زوجته حرة طلاقه ثلاث، وأن العبد الذي تحته
أمة طلاقه ثنتان. وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حرًا والآخر رقيقاً.
إذا تقرر هذا (فيملك حر) ثلاث تطليقات، (و) يملك (مبعضٌ) أيضاً (ثلاثاً).
قال أحمد في رواية محمد بن الحكم: العبد إذا كان نصفه حرًا ونصفه عبدًا
يتزوج ويطلق ثلاث تطليقات.
وكذلك كل ما يجري بالحساب إنما يجعل له نكاح ثلاث؛ لأن عدد المنكوحات تتبعض. فوجب أن تتبعض في حقه؛ كالجد. فلذلك كان له أن ينكح نصف ما ينكح الحر ونصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث. وأما الطلاق فلا يمكن قسمته في حقه، لاقتضاء الحال أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق، وليس له ثلاثة أرباع، فكمل في حقه.
ولأن الأصل إثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلِّق. وإنما خولف في حق
من كمل الرق فيه ففيما عداه بقى على الأصل.
حتى (ولو) كان الحر والمبعض (زوجَي أمة) على الأصح.
(و) يملك (عبد ولو) مدبرًا أو مكاتبًا أو (طرأ رقه) بأن تزوج ذمي ذمية
وهما حران ثم لحق الذمي بدار الحرب فاسترق قبل أن يطلقها، (أو) كان (معه حرة ثنتين) فقط. بخلاف ما إذا طلقها قبل أن يُسترق طلقتين ثم استرق ثم أراد عودها جاز له ذلك؛ لأن الطلقتين الصادرتين في حال حريته وقعتا غير محرمتين عليه عودها فلا يتغير حكمهما بالرق الطارئ بعدهما، كما أن الطلقتين من العبد لما وقعتا محرمتين لم يتغيرحكمهما بعتقه بعدهما
إذا تقرر ذلك (فلو علَّق عبد) الطلقات (الثلاث بشرطٍ، فوُجد بعد عتقه: وقعت) الثلاث في الأصح، لملكه الثلاث حين الوقوع.
(وإن علّقها) أي: علق الثلاث (بعتقه) بأن قال: إن عتقت فأنت طالق
ثلاثاً، (فعتق: لغت) الطلقة (الثالثة) في الأصح. قدمه في " الرعاية ".
قال في " الفروع ": لغت في الأصح.
(ولو عَتَقَ بعد طلقةٍ: ملك تمام الثلاث)، لأن الطلقة لم تكن محرمة.
(و) لو عتق (بعد طلقتين) لم يملك ثالثة، لأنهما محرمتين.
(أو عتقا) أي: عتق الزوج والزوجة (معاً) بعد طلقتين: (لم يملك ثالثة).
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب.
(وقوله) أي: قول الزوج لزوجته: (أنتِ الطلاق)، أو أنت طلاق،
(أو يلزمني): الطلاق، (أو) الطلاق (لازم لي، أو عليَّ) الطلاق، (ونحوه)؛ كعليَّ يمين بالطلاق (صريح) في منصوص. فلا يحتاج إلى نية، سواء كان (مُنَجَّزًا، أو معلقاً) بشرط، (أو محلوفاً به) أي: بالصريح.
قال القاضي: لا تختلف الرواية عن أحمد فيمن قال لامرأته: أنت الطلاق: أنه يقع، نواه أو لم ينوه.
وقيل: إنه كناية؛ لأن الأعيان لا توصف بالمصادر إلا مجازاً.
وجوابه: أن لفظ الطلاق وما تصرف منه صريح وهو مستعمل في عرفهم
قال الشاعر:
أنوهت باسمي في العالمين وأفنيت عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق وأنت الطلاق ثلاثًا تماما
وأما كونه مجازًا فنعم، إلا أنه يتعذر حمله على الحقيقة، ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل فيتعين فيه.
(ويقع به واحدة) على الأصح، لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثاً، ولا يعلمون أن الألف واللام للاستغراق. ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثاً ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى لفظهم، فيصير كأنهم نووا واحدة.
(ما لم ينو أكثر) منها فيقع ما نواه؛ كما لو نوى بأنت طالق أكثر من واحدة
فإنه يقع ما نواه.
إذا تقرر هذا (فمن معه عدد) من نساء، وقال: الطلاق يلزمني ونحوه:
لا أفعل كذا وفعله (وثَمَّ) أي: وهناك (نية) تقتضي تعميمًا أو تخصيصًا، (أو سبب يقتضي تعميمًا أو تخصيصًا: عُمل به) أي: بما يقتضي التعميم أو بما
(1)
يقتضي التخصيص.
قال في " الإنصاف ": خرجها بعض الأصحاب على الروايتين في وقوع الثلاث بذلك على الزوجة الواحدة؛ لأن الاستغراق في الطلاق يكون تارة في نفسه وتارة في محله.
وفرق. بعضهم بينهما بأن عمومه للطلاق من باب عموم المصدر لأفراده، وعموم الزوجات يشبه عموم المصدر لمفعولاته، وعمومه لأفراده أقوى من عمومه لمفعولاته، لأنه يدل على أفراده بذاته عقلاً ولفظاً، وإنما يدل على مفعولاته بواسطة.
(وإلا) أي: وإن لم تكن هناك نية ولا سبب يقتضي تعميمًا أو تخصيصًا: (وقع بكل واحدة) من الزوجات (طلقة) واحدة.
(و) قول الزوج لزوجته: (أنت طالق ونوى ثلاثاً: فـ) ــيقع (ثلاث، كنيَّتها) أي: نية الثلاث (بأنت طالق طلاقاً) على الأصح، لأنه صرح بالمصدر، والمصدر يقع على القليل والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله.
وإن نوى واحدة فهي واحدة. وإن أطلق فهي واحدة، لأنه اليقين.
(و) قوله لها: (أنت طالق واحدة، أو) طالق (واحدة بائنة، أو) طالق (واحدة بتَّة فـ) إنه يقع بذلك طلقة واحدة (رجعية في مدخول بها، ولو نوى أكثر) على الأصح؛ لأن الأصل في الطلقة الواحدة أن تكون رجعية فلا يخرج بقوله: بائنة، أو بقوله: بتة عن أصلها. وإنما وقعت بائنة بالعوض؛ لضرورة الاقتداء. (و) قوله لزوجته: (أنت طالق، واحدة ثلاثاً، أو) طا لق (ثلاثاً واحدة، أو
(1)
في ب: ما.
طالق) طلاقاً (بائناً، أو طالق البتة، أو) طالق طلاقاً (بلا رجعة فثلاث) أي: فتطلق ثلاثاً على الأصح.
(و) قوله لزوجته: (أنت طالق هكذا وأشار بثلاث أصابع: قثلاث) أي: فتطلق ثلاثاً.
] (وإن أراد) الإصبعين (المقبوضتين- ويُصدَّق في إرادتهما -: فثنتان)،
لأن العدد تارة يكون بقبض الأصابع وتارة ببسطها، والقبض يكون في أول العدد دون البسط فإذا ادعى إرادتهما قُبل منه، لأنه الظاهر]
(1)
.
] (وإن لم يقل: هكذا، فواحدة]
(2)
.
ومن
(3)
أوقع طلقة، ثم قال: جعلتها ثلاثاً ولم ينو استئناف طلاق بعدها فواحدة). ذكره في " الموجز " و" التبصرة " واقتصر عليه في " الفروع ". (وإن قال) لإحدى امرأتيه: أنت طالق (واحدة، بل هذه) وأشار إلى
الزوجة الثانية (ثلاثاً طلقت) المقول لها أولاً (واحدة، والأخرى ثلاثاً)، لأنه أوقعه بهما كذلك. أشبه ما لو قال: له عليَّ هذا الدرهم، بل هذان الدرهمان. فإنه يجب عليه الدرهمان ولا يصح إضرابه عن الأول.
(وإن قال) لإحداهما: (هذه) طالق وأشار إليها، (لا بل هذه) وأشار
إلى الأخرى: طلقتا.
(أو) قال لإحداهما: (أنت طالق)، ثم قال للأخرى:(لا بل أنت طالق: طلقتا)، لأنه لا يصح إضرابه عمن طلقها أولا.
(وإن قال) من له ثلاث زوجات وأشار إليهن: (هذه أو هذه) طالق، (وهذه طالق، وقع بالثالثة وإحدى الأوليين، كـ) ما لو قال: (هذه أو هذه) طالق، (بل هذه) فإنه يقع بالثالثة وإحدى الأوليين.
(1)
ساقط من ب.
(2)
زيادة من " منتهى الإرادات " 2: 264.
(3)
في ب: وإن.
(وإن قال) وأشار إليهن: (هذه) طالق (وهذه أو هذه، وقع) الطلاق (بالأولى وإحدى الأخريين؛ كـ) ما لو قال. (هذه) طالق، (بل هذه أو هذه) فإن الأولى تطلق مع إحدى الأخريين.
(و) من قال لزوجته: أنت (طالق كل الطلاق، أو أكثره) أي. أكثر الطلاق، (أو جميعه، أو منتهاه، أو غايته، أو أقصاه، أو) أنت طالق (عدد الحصى، أو) عدد (القطر، أو) عدد (الرمل، أو الريح، أو التراب، ونحوه) أي: ونحو ذلك مما يتعدد؛ كقوله: أنت طالق عدد النجوم، أو الجبال، أو السفن، أو البلاد: طلقت ثلاثاً وإن نوى واحدة؛ لأن هذا يقتضي عدداً. ولأن للطلاق أقل وأكثر، فأقله واحدة وأكثره ثلاث.
وإن قال: أنت طالق عدد الماء أو عدد الزيت ونحوهما من أسماء الأجناس: طلقت ثلاثاً أيضاً.
وقال أبو حنيفة: تقع واحدة بائن؛ لأن الماء ونحوه من أسماء الأجناس
لا عدد له.
ولنا: أن الماء ونحوه يتعدد أنواعه وقطراته. أشبه الحصا.
(أو) قال لها: (يا مائة طالق فثلاث) أي: فتطلق ثلاثاً؛ كقوله: أنت
مائة طالق، (ولو نى) بذلك (واحدة)؛ لأن ذلك لا يحتمل لفظه.
(وكذا) قوله: أنت طالق؛ (كألف، ونحوه)؛ كقوله: أنت طالق؛ كمائة. (فلو نوى كألف في صعوبتها) دُيِّن، و (قُبل حُكماً) في الأصح. (و) إن قال لزوجته: أنت طالق (أشدّه) أي: أشد الطلاق، (أو أغلظه، أو أطوله، أو أعرضه، أو) أنت طالق (ملء البيت، أو) ملء (الدنيا، أو مثل الجبل، أو عظمه) أي: عظم
(1)
الجبل، (ونحوه) أي: نحو ذلك؛ كقوله: أنت طالق عظم الشمس أو القمر، أو عظم الفيل أو الجمل (فطلقة) واحدة:(إن لم ينو أكثر) فيقع ما نواه.
(1)
في ب: أعظمه أي: أعظم.
قال أحمد فيمن قال لامرأته. أنب طالق ملء البيت فإن أراد الغلظة عليها يعني: يريد أن تَبين منه فهى ثلاث. فاعتَبر نيته، فدل على أنه إذا لم ينو يقع واحدة. وذلك؛ لأن هذا الوصف لا يقتضي عددًا. فإذا وقعت الواحدة فهي رجعية؛ لأنه طلاق صادف مدخولاً بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعياً. (و) من قال لزوجته: أنت طالق (من طلقة إلى ثلاث) أي: إلى ثلاث طلقات، (فثنتان) أي: طلقت طلقين. وبهذا قال أبو حنيفة؛ لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها؛ لقوله سبحانه وتعالى: (أتموا الصيام إلى اليل)] البقرة: 871]. وإنما يدخل إذا كانت " إلى " بمعنى " مع ".
ومن قال لزوجته: أنت طالق ما بين واحدة وثلاث وقعت واحدة؛ لأنها
التي بينهما.
(و) أنت طالق (طلقة في ثنتين ونوى طلقة معهما) أي: مع ثنتين: (فثلاث) أي: طلقت ثلاثاً.
(وإن نوى موجبه) أي: موجب هذا اللفظ عند (الحُسَّاب و) هو (يعرفه، أو لا) يعرفه: (فثنتان) أي: طلقت طلقتين في الأصح فيما إذا لم يعرفه.
(وإن لم ينو) من قال لزوجته: أنت طالق طلقة في ثنتين (شيئاً) يعني:
لا ثلاثاً ولا موجبه عند الحساب: (وقع من حاسب طلقتان) في الأصح؛ لأن الظاهر من حال الحاسب إرادة الضرب، (و) وقع (من غيره) أي: غير الحاسب (طلقة) واحدة في الأصح؛ لأن لفظ الإيقاع
(1)
اقترن بالواحدة والاثنتان اللتان جعلهما طرفاً لم يقترن بهما لفظ الإيقاع، فلا يقع بدون القصد له. وهذا لم يحصل القصد لإيقاعه فلا يقع.
(1)
في ب: اللفظ إيقاع.
] فصل: في حكم جزء الطَّلقة]
(فصل. وجزء طلقة كهي. فـ) إذا قال لزوجته: (أنت طالق) جزءًا من طلقة، أو أنت طالق (نصف) طلقة، (أو) أنت طالق (ثلث) طلقة، (أو) أنت طالق (سدس) طلقة:] طلقت طلقه [
(1)
؛ لأن ذكر ما لا يتبعض في الطلاق ذكر لجميعه؛ كما لو قال: نصفك طالق.
(أو) قال: أنت طالق نصف (وثلث وسدس طلقة) يعني: أنها تطلق طلقه؛ لأنه لما لم يقل: نصف طلقة، وثلث طلقة، وسدس طلقة دل على أن هذه الأجزاء من طلقة] غير متغايرة.
(أو نصفيها) يعني: أن من قال لزوجته: أنت طالق نصفي طلقة: طلقت طلقة؛ لأن نصفي الشيءكله.
(أو) قال لها: أنت طالق (نصف طلقة، ثلث طلقة، سدس طلقة): طلقت طلقة؛ لأنه لم يأت بأداة العطف. فدل على أن هذه الأجزاء من طلقة]
(2)
واحدة، وأن الثانى يكون بدلاً من الأول، وأن الثالث يكون بدلاً من الثانى. والبدل هو المبدل أو بعضه.
وكذا لو قال: أنت طالق نصف طلقة وثلثها وسدسها؛ لأن جميع الأجزاء
من طلقة وهي لا تزيد عليها.
(أو) قال لها: أنت طالق (نصف) طلقتين، (أو) قال:(ثلث) طلقتين، (أو) قال:(سدس) طلقتين، (أو) قال:(ربع) طلقتين، (أو) قال:(ثمن طلقتين، ونحوه)؛ كأنت طالق خمس طلقتين، أو سبع
(1)
ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
طلقتين، أو تسع طلقتين، أو عشر طلقتين:(فواحدة) أي: فتطلق طلقة؛ لأن نصف الطلقتين طلقة، وثلثهما ثلثا طلقة، وسدسهما ثلث طلقة، وربعهما نصف طلقة، وثمنهما ربع طلقة، وخمسهما خمسا طلقة. وقس على ذلك. (و) إن قال: أنت طالق (نصفي طلقتين) فثنتان، لأن نصفي الشيء جميعه، فهو كما لو
(1)
قال: أنت طالق طلقتين.
(أو) قال: (ثلاثة أنصاف) طلقة فثنتان، لأن ثلاثة أنصاف الطلقة طلقة ونصف. فكمل النصف فصار طلقتين.
(أو) قال: (أربعة أثلاث) طلقة فثنتان، لأن أربعة أثلاث الطلقة طلقة وثلث. فكمل الثلث فصار طلقتين.
(أو) قال: (خمسة أرباع طلقة) فثنتان؛ لأن خمسة أرباع الطلقة طلقة وربع. فكمل الربع فصار طلقتين.
(و) كذا (نحوه). فلو قال: أنت طالق سبعة أسداس طلقة: (فثنتان)؛
لأن سبعة أسداس الطلقة طلقة وسدس. فكمل السدس فصار طلقتين. وقس على ذلك.
(و) لو قال: أنت طالق (ثلاثة أنصاف طلقتين) فيقع ثلاث طلقات.
نص
(2)
على ذلك في رواية مهنا. وذلك، لأن نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعه ثلاثا فيقع ثلاث طلقات؛ كما لو قال: أنت طالق ثلاث طلقات.
(أو) قال: (أربعة أثلاث) طلقتين فثلاث، لأن ثلث الطلقتين ثلثا طلقة
وقد أوقعه أربعا فصار طلقتين وثلثي طلقة. فكمل الثلثان فصار ثلاث طلقات. (أو) قال: (خمسة أرباع طلقتين) فثلاث، لأن ربع الطلقتين نصف طلقة
وقد أوقعه خمسا فصار طلقتين ونصفاً فكمل النصف فصار ثلاث طلقات. (ونحوه) أي: ونحو ذلك كذلك. فلو قال.: أنت طالق سبعة أسداس
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ب زيادة: عليه.
طلقتين فثلاث؛ لأن سدس الطلقتين ثلث طلقة وقد أوقعه سبعاً فصار طلقتين وثلث طلقة. فكمل الثلث فصارثلاث طلقات. وقس على ذلك.
(أو) قال: أنت طالق (نصف طلقة، وثلث طلقة، وسدس طلقة،
ونحوه) يعني: أو قال نحو ذلك؛ كأنت طالق ربع طلقة، وخمس طلقة، وثمن طلقة:(فثلاث)؛ لأن هذا اللفظ يفهم منه أن كل جزء من طلقة غير التي
منها الجزء الآخر. إذ لو أراد إضافتها إلى طلقة واحدة لم يحتج إلى تكرار لفظ: طلقة، فلما كرره علمنا أنه لفائدة، ولا فائدة سوى هذا فحملناه عليه. وإذا كان
كل جزء من طلقة تكملته
(1)
الثلاث، لأنه قد وقع من كل واحدة جزء فكمل.
ولأنه لو كانت الثانية والثالثه هما الأولى لجاء بهما بلام التعريف فقال:
وثلث الطلقة، وسدس الطلقة فإن أهل العربية قالوا: إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرًا فالثانى غير الأول. وإن أعيد معرفا بالألف واللام فالثانى هو الأول؛ كقوله سبحانه وتعالى: (فإن مع العسريسرًا إن مع العسر يسرًا)] الشرح: 5 - 6 [فالعسر الثانى
هو الأول، لإعادته معرفاً، واليسر الثانى غير الأول " لإعادته منكرًا، ولهذا قيل: لن يغلب عسر يسرين.
وقيل: لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير؛ لأنه أولى.
ومن قال لزوجته: أنت طلقة، أو أنت نصف طلقة، أو أنت ثلث طلقة،
ونحوه، أو أنت نصف طالق، أو أنت ثلث طالق، أو أنت ربع طالق ونحوه:
وقع بها طلقة، بناء على قولنا في قوله: أنت الطلاق: أنه صريح.
(ولأربع) أي: ومن له أربع زوجات. فقال لهن: (أوقعت بينكن) طلقة
أو ثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، (أو) قال لهن: أوقعت (عليكن طلقة، أو ثنتين،
أو ثلاثا، أو أربعا، أو لم يقل: أوقعت)، بل قال: بينكن، أو عليكن طلقة،
أو ثلاث أو أربع: (وقع بكل) أي: بكل واحدة منهن (طلقة)؛ لأن اللفظ
اقتضى قسم الطلقة بينهن لكل واحدة ربعها ثم تكمل، والطلقتين لكل واحدة
(1)
في ب: تكملة.
k صفها وتكمل، والثلاث لكل واحدة ثلاثة أرباعها وتكمل، والأربع لكل واحدة طلقة. وهذا على الأصح.
وعن أحمد في رجل قال: أوقع بينكن ثلاث تطليقات: ما أرى إلا قد بِنَّ منه. واختاره أبو بكر والقاضي.
(و) إن قال للأربع: أوقعت بينكن أو عليكن (خمساً) أي: خمس طلقات، (أو ستاً، أو سبعا، أو ثمانيًا. وقع بكل) أي: كل واحدة من الأربع (ثنتان).
وكذا لو حذف لفظ: أوقعت، لأن نصيب كل واحدة من خصم طلقة وربع، ومن ست طلقة ونصف، ومن سبع طلقه وثلاثة أرباع، ويكمل الكسر في الجميع، ومن الثمان كل واحدة طلقتان.
(و) إن قال للأربع: أوقعت بينكن أو عليكن (تسعاً) أي: تسع طلقات (فأكثر)؛ كأوقعت بينكن أو عليكن عشر تطليقات، (أو) قال أوقعت بينكن أو عليكن (طلقة وطلقة وطلقة: وقع) بكل واحدة من الأربع (ثلاث) أي: ثلاث طلقات؛ لأنه لما عطف وجب قسم كل
(1)
طلقه على حدتها؛ (كـ) قوله: (طلقتكن ثلاثاً).
قال في " شرح المقنع ": ويستوي فى ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب؛ لأن الواو لا يقتضي نصف طلقة، وثلث طلقة، وسدس طلقه، فكذلك؛ لأن هذا يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا. انتهى.
وإن قال: أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة، أو أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة، أو أوقعت بينكن طلقة ثم طلقة ثم طلقة: طلقن ثلاثاً، إلا التي لم يدخل بها فإنها لا تطلق إلا واحدة؛ لأنها بانت بالأولى فلم يلحقها ما بعدها.
(و) من قال لزوجته: (نصفُك، ونحوه)؛ كثلثك وربعك وخمسك طالق، (أو بعضك) طالق، (أو جزء منك) ولو زاد من مائة ألف جزء طالق:
(1)
ساقط من ب.
طلقت؛ لأنه أضاف الطلاق إلى جملة لا تتبعض في الحل والحرمة، وجد فيها ما يقتضي التحريم والإباحة. فغلب فيها حكم التحريم؛ كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد.
(أو) قال: (دمُك) طالق، (أو) قال:(حياتُك) طالق، (أو) قال:(يدُك) طالق، (أو) قال:(إصبعك طالق ولها يد أو) لها (إصبع: طلقت)؛ لأنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح. فأشبه الجزء الشائع. بخلاف زوَّجتك نصف بنتي أو يدها ونحوهما فإنه لا يصح النكاح. (و) إن قال: (شعرك) طالق، (أو) قال:(ظفرك) طالق، (أو) قال:(سنك) طالق، (أو) قال:(ريقك) طالق، (أو) قال:(دمعك) طالق، (أو) قال:(لبنك) طالق، (أو) قال:(منيك) طالق، (أو) قال:(روحك) طالق، (أو) قال:(حملك) طالق، (أو) قال:(سمعك) طالق، (أو) قال:(بصرك) طالق، (أو) قال (سوادُك) طالق، (أو) قال:(بياضك) طالق، (أو) قال:(نحوها) أي: نحو هذه الأشياء؛؟ كقوله: طولك طالق، أو قصرك طالق: لم تطلق. وهذا على المنصوص في الروح والشعر والظفر والسن.
قال أبو بكر: لا يختلف قول أحمد أنه لا يقع طلاق وظهار وعتق وحرام بذكر الشعر والظفر والسن والروح. وبذلك أقول. انتهى.
ولأن الروج ليست عضواً ولا شيئاً يستمتع به. أشبهت السمع والبصر والسواد والبياض ونحو ذلك.
ولأن الشعر والظفر ونحوهما جزء ينفصل عنها
(1)
حال السلامة. فلا تطلق بإضافة الطلاق إليه؛ كالحمل.
(أو) قال لها: (يدُك- ولا يد لها- طالق، أو) قال لها: (إن قمتِ فهى) أي: فيدك (طالق، فقامت وقد قُطعت) يدها قبل قيامها: (لم تطلق) في
(1)
في ب: فيها.
الأصح في الصورتين، لأن الطلاق في الصورة الأولى أضيف إلى ما ليس منها. فلم يقع، كما لو أضافه إلى غيرها، وفي الثانية وجد الشرط ولا يد لها. فلم يقع، كما لو نجزه حينئذ.
) وعِتقٌ في ذلك) أي: فيما تقدم من الصور؛ (كطلاق). فتعتق الأمة إذا أضاف العتق إلى ما تطلق به الزوجة، ولا تعتق إذا أضاف العتق إلى ما لا تطلق به الزوجة.
[فصل: فيما تخالف المدخول بها غيرها]
(فصل. فيما تخالف به) الزوجة (المدخول بها غيرها) وهي الزوجة التي
لم يدخل بها في الطلاق.
(تَطلُق) زوجة (مدخول بها بـ) قولى زوجها: (أنت طالق، أنت طالق) مرتين (ثنتين، إلا أن ينوي بتكراره تأكيداً متصلاً، أو إفهاماً) لها أن الأولى قد وقعت بها. وإنما يقع عليه طلقتان إذا لم ينو تأكيداً ولا إفهاماً؛ لأن هذا اللفظ للإيقاع ويقتضي الوقوع بدليل ما لو لم يتقدمه مثله. وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد أو الإفهام فإذا لم يوجد شيء من ذلك وقع مقتضاه، كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص، وبالإطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد.
وأما
(1)
غير المدخول بها فلا تطلق إلا واحدة، سواء نوى الإيقاع بالثانية أو
لم ينو، وسواء قال ذلك متصلاً أو منفصلاً. وروي ذلك عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود.
وعلم من قول المتن ": متصلاً أنه لو قال: أنت طالق ثم مضى زمن يمكنه الكلام فيه، ثم أعاد ذلك للمدخول بها: طلقت طلقة ثانية ولم يقبل قوله: نويت التأكيد؛ لأن التأكيد تابع للكلام. فشرطه: أن يكون متصلاً به؛ كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل.
(وإن أكَّد أولى بثالثة)؛ كما لو قال لمدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وقال: أردت بالثالثة تأكيد الأولى: (لم يُقبل) منه ذلك؛ للفصل بينهما بالثانية، (وبهما) يعني: ولو قال: أردت تأكيد الأولى بالثانية والثالثة، (أو) قال: أردت (ثانية بثالثة: قُبل) منه ذلك؛ لعدم الفصل.
(1)
في الأصول: وإنما. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(وإن أطلق التأكيد) بأن قال: أردت التأكيد ولم يعين تأكيد أولى ولا ثانية: (فواحدة) أي: فيقع عليه طلقة واحدة؛ لانصراف ما زاد عليها بنية التأكيد. وهذا في الأصح.
قال في " الإنصاف ": جزم به فى " المغني " و " الشرح " وقدمه في " الرعاية ".
وقيل: ثلاث.
(و) إن قال: (أنت طالق وطالق وطالق، فثلاث) أي: وقع عليه ثلاث طلقات
(معاً)؛ لأن الواو تقتضى الجمع ولا ترتيب فيها. فيكون موقعاً للثلاث جميعاً، (ويُقبل) منه (حكماً) أي: في الحكم في الأصح (تأكيد ثانية بثالثة) لمطابقتها فى لفظها في دعوى تأكيد ثانية بثالثة، (لا أولى بثانية.
وكذا " الفاء ") أي: وكذا لو قال: أنت طالق فطالق فطالق وقال: أردت تأكيد الثانية بالثالثة لمطابقتها في لفظها.
(و) كذا (" ثم ") أى: وكذا لو قال: أنت طالق ثم طالق ثم طالق. وقال: أردت تأكيد الثانية بالثالثة فإنه يُقبل منه؛ لمطابقتها في لفظها.
(وإن غايَر الحروف) بأن قال: أما طالق وطالق فطالق، أو أنت طالق فطالق
ثم طالق، أو أنت طالق وطالق ثم طالق، أو أنت طالق فطالق وطالق، أو أنت طالق ثم طالق وطالق:(لم يقبل) قوله فى إرادة التأكيد؛ لعدم المطابقة في اللفظ. قال في " الإنصاف ": قولاً واحداً.
(ويُقبل حكماً تأكيد) ادعاء زوج (في) قوله: (أنت مطلقة، أنت مسرحة، أنت مفارقة) إذا قال: أردت تأكيد الأولى بالثانية والثالثة؛ لأنه لم يغاير بينها بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظ بمعناه. ومثل هذا يعاد توكيداً.
(لا
(1)
مع " واو " أو " فاء " أو " ثم ") يعني: لا إن قال: أنت مطلقة ومسرحة ومفارقة، أو أنت مطلقة فمسرحة فمفارقة، أو أنت مطلقة ثم مسرحة ثم
(1)
في ب: إلا.
مفارقة فإنه لا يُقبل منه دعوى التأكيد؛ لأن حروف
(1)
العطف تقتضي المغايرة. فأشبه ما لو كان بلفظ واحد.
(وإن أتى بشرط) عقب جملة اختص بها. فلو قال: أنت طالق أنت طالق
إن دخلت الدار: طلقت الأولى في الحال، والثانية إذا دخلت الدار.
(أو) أتى بـ (استثناء) عقب جملة اختص بها. فلو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إلا واحدة، اختص الاستثناء بالجملة الأخيرة. فيقع الثلاث؛ كما لو قال: أنت طالق طلقة إلا طلقة.
(أو) أتى بـ (صفة عقب جملة اختص بها). فلو قال: أنت طالق أنت طالق صائمة: طلقت الأولى في الحال، والتانية إذا كانت صائمة. (بخلاف معطوف ومعطوف عليه)، فإن الشرط والاستثناء والصفة لا يختص عقب ذلك بالجملة الأخيرة. فلو قال: أنت طالق ثم أنت طالق
(2)
إن قدم زيد: لم تطلق حتى يقدم زيد فيقع طلقتان، ولو قال: أنت طالق وطالق صائمة: طلقت بصيامها طلقتين.
(و) من قال لامرأته الواحدة: (أنت طالق، لا بل أنت طالق: فواحدة) أي: طلقت طلقة واحدة.
قال ابن رجب في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة: وهاهنا مسألة حسنة نص عليها أحمد في رواية ابن منصور: إذا قال لامرأته: أنت طالق، بل أنت طالق، قال: هي تطليقتان هذا كلام مستقيم. وإن قال: أنت طالق، لا بل أنت طالق هي واحدة. ثم ذكر صاحب " القواعد " توجيه حكم الأولى على ما يأتى. ثم قال: وأما إذا قال: أنت طالق، لا بل أنت طالق فقد صرح بنفي الأول ثم أثبته بعد نفيه. فيكون المثبت هو المنفى بعينه وهو الطلقة الأولى فلا يقع به طلقة ثانية. وهو قريب من معنى الاستدراك كأنه نسي أن الطلاق الموقع لا ينفى. فاستدرك وأثبته؛ لئلا يتوهم السامع أن الطلاق قد ارتفع بنفيه، فهذا
(1)
في أ: حرف.
(2)
في ب زيادة: ثم أنت طالق، وقد أثبتت في أثم حذفت.
إعادة الأول لا استئناف طلاق
(1)
0 انتهى.
(و) إن قال لها: (أنت طالق فطالق، أو) قال: أنت طالق (ثم طالق،
أو) قال: أنت طالق (بل طالق، أو) قال: أنت طالق (بل أنت طالق، أو) قال: أنت طالق (طلقة بل طلقتين، أو) طالق طلقة (بل طلقة) فإنها تطلق طلقتين في جميع ذلك؛ لأن حروف العطف تقتضي المغايرة، و " بل " من حروف العطف إذا كان بعدها مفرد وهي هنا كذلك؛ لأن اسم الفاعل من " المفردات " وإن كان متحملاً لضمير بدليل أنه يعرب والجُمل لا تعرب.
ولأنه لا يقع صلة ولو كان جملة لوقع صلة، وحينئذ فيكون ما بعده معطوفاً على ما قبله، كما لو أتى بالواو أو بثم.
(أو) طالق (طلقة قبل طلقة، أو) طالق طلقة (قبلها طلقة ولم يُرد: في نكاح) قبل هذا، (أو من زوج قَبل ذلك. ويُقبل) ذلك منه (حكماً) أي: في الحكم: (إن كان وُجد) نكاح قبل هذا، أو زوج كان لها قبله.
(أو) قال لها: أنت طالق طلقة (بعد طلقة، أو) طلقة (بعدها طلقة ولم يُرد) بقوله: بعدها طلقة (سيُوقِعُها) عليها بعد، (ويُقبل) منه (حكماً) دعواه ذلك:(فثنتان) أي: فإنه يقع عليه طلقتان وهذا كله في المدخول بها. وإلى ذلك أشير بقوله:
(إلا غير مدخول بها فتبين بالأولى، ولا يلزمـ) ها
(2)
(ما بعدها)؛ لأنها
إذا بانت بالأولى صارت كالأجنبية فلا يلحقها طلاق بعدها.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق طلقة معها طلقة، أو) طالق طلقة (مع طلقة، أو) طالق طلقة (فوقها طلقة، أو) طلقة (فوق طلقة، أو) طلقة (تحتها طلقة، أو) طلقة (تحت طلقة، أو) أنت (طالق وطالق: فثنتان) أي: طلقت طلقتين، سواء كانت مدخولأ بها أو غير مدخول بها؛ لأنه أوقع الطلاق بلفظ يقتضي وقوع طلقتين معاً. فوقعا؛ كما لو قال: أنت طالق طلقتين.
(1)
في ب: وطلاق.
(2)
ها زيادة من أ.
(و) إن قال لها: أنت (طالق طالق طالق، فواحدة) أي: طلقت طلقة واحدة؛
لأنه لم يبنها بلفظ يقتضي المغايرة: (مما لم ينو أكثر) من واحدة فيقع ما نواه. (ومحلَّق في هذا) الذي تقدم ذكره (كمنجَّز.
فـ) لو قال لها: (إن قمت فأنت طالق وطالق وطالق) فقامت طلقت ئلاثاً،
(أو أخَّر الشرط)؛ كما لو قال: أنت طالق وطالق وطالق إن قمت فقامت: طلقت ثلاثاً معاً. ويقبل حكماً تأكيد ثانية بثالثة، لا تأكيد أولى بثانية. وتقدم ذلك.
(أو كرَّره ثلاثاً بالجزاء)؛ كما لو قال لها: إن قمت فأنت طالق، إن قمت
[فأنت طالق، إن قمت فأنت طالق]
(1)
، (أو) قال لها: إن قمت (فأنت طالق طلقة معها طلقتان، أو) طالق طلقة (مع طلقتين فقامت) في صورة مما تقدم: (فثلاث) أي: طلقت ثلاثاً.
أما كونها تطلق ثلاثاً في قوله: طالق وطالق وطالق؛ فلأن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها. فيكون موقعاً للثلاث جميعاً.
وأما كونها طلق ثلاتاً في قوله: طلقة معها طلقتان أو مع طلقتين؛ لأنه أتى بلفظ يقتضى وقوعهن معاً. فوقعن كلهن؛ كما لو قال: ثلاثاً.
(و) من قال لزوجته: (إن قمت فأنت طالق فطالق، أو) قال: إن قمت فأنت طالق (ثم طالق فقامت فطلقة) يعني: فإنه يقع بها طلقة واحدة: (إن لم يدخل بها)؛ لأنها تبين بقوله: فأنت طالق.
(وإلا) بأن كانت مدخولاً بها: (فثنتان) يعني: فإنه يقع بها طلقتان؛ كما
لو قال لها: أنت طالق ثم طالق
(2)
، ولم يذكر شرطاً.
(وإن قصَد الزوج إفهاماً، أو) قصد (تأكيداً في مكررٍ مع جزاء)؛ كما لو
قال لها: إن قمت فأنت طالق، إن قمت فأنت طالق وأراد إفهامها أو أراد التأكيد:(فواحدة) أي: فإنه يقع عليه طلقة واحدة.
(1)
ساقط من ب.
(2)
في أ: إن قمت فأنت طالق، إن قمت فأنت طالق. وهو تصحيف.
[باب: الاستثناء في الطلاق]
هذا (باب الاستثناء في الطلاق).
الاستثناء: استفعال من الثني وهو الرجوع، يقال: ثنى رأس البعير إذا عطفه إلى ورائه فكأن المستثني رجع في قوله إلى ما قبله.
(وهو) فى الاصطلاح: (إخراج بعض الجملة) أي: بعد مدخول اللفظ (بإلا) أي: بلفظ إلا، (أو ما قام مقامها) أي: مقام إلا وهو: غير وسوى ونحوهما (من متكلم واحد)؛ لما يأتي من أنه يشترط لصحة الاستثناء نيته قبل تمام المستثنى منه، وذلك لا يصح أن يكون من متكلمين.
(وشُرط) بالبناء للمفعول (فيه) أي: في الاستثناء: (اتصال معتاد)؛
لأن غير المتصل لفظ يقتضي وقوع ما وقع بالأول والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه. بخلاف المتصل فإن الاتصال يجعل اللفظة جملة واحدة فلا يقع الطلاق قبل تمامها ولولا ذاك لما صح التعليق.
ثم إن الاتصال قد يكون (لفظاً)؛ كما لو أتى به متوالياً، (أو) يكلون متصلاً (حكماً؛ كانقطاعه) أي: انقطاع جملة ذلك (بتنفس، ونحوه)؛ كسعال أو عطاس. بخلاف ما لو كان انقطاعه بكلام معترض أو زمن طويل فإنه يمنع صحة الاستثناء.
(و) شرط لصحة الاستثناء أيضاً (نيته) أي: نية الاستثناء (قبل تمام مستثنى منه). فإذا أراد أن يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة فيشترط لصحة الاستثناء الواحدة أن ينويه قبل تمام قوله: أنت طالق ثلاثاً.
(وكذا شرط ملحَق) يعني: يشترط
(1)
لصحة التعليق على الشرط
(1)
زيادة من ب.
الملحق " كما لو قال: أنت طالق إن دخلت الدار نية التعليق قبل تمام قوله: أنت طالق.
(و) كذا (عطف مغيَّر) يعني: أنه إذا قال لزوجته: أنت طالق أوْ لا اشترط لعدم وقوع الطلاق أن ينوي قبل تمام قوله: أنت طالق أن يقول: بعده أوْ لا. وكذا الاستثناء بالمشيئة ونية العدد في المواضع التي يقول أن لها تأثيراً فيها؛ لأن هذه صوارف للفظ عن مقتضاه وإطلاقه. فوجب مقارنتها لفظاً ونية.
(ويصح) الاستثناء (في نصف) في الأصح (فأقلَّ) منه على المنصوص؛
لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول. فصح؛ كما لو أتى بما عدا المستثنى بدون الاستثناء. ولولا ذاك لما صح قول سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26 - 27] يريد به البراءة من غير الله عز وجل.
ولما صح قوله سبحانه وتعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] وهو يريد تسعمائة وخمسين.
(من مطلَّقات)؛ كقوله: زوجتاي طالقتان إلا إحداهما، أو قال زوج
أربع: نسائي طوالق إلا ثنتين، أو زوج ثلاث: نسائي طوالق إلا واحدة، فإن الاستثناء يصح بشروطه المتقدمة.
(و) يصح استثناء النصف فأقل من عدد (طلَقات) في الأصح أيضاً.
وقيل: والأكثر.
وقيل: لا يصح الاستثناء في عدد الطلاق ولا عدد مطلقات.
(فـ) يتفرع على المذهب: أن من قال لزوجته: (أنت طالق ثنتين) أي:
طلقتين (إلا طلقة، يقع) عليه (طلقة) واحدة.
(و) إن قال لها: أنت طالق (ثلاثاً إلا طلقة، أو) قال لها: أنت طالق
ثلاثاً (إلا ثنتين إلا طلقة، أو) قال لها: أنت طالق ثلاثاً) إلا واحدة إلا واحدة، أو) قال لها: أنت طالق ثلاثاً (إلا واحدة وإلا واحدة، أو) قال: أنت طالق
(طلقة وثنتين إلا طلقة، أو) قال لها: أنت طالق (أربعاً إلا ثنتين)، فإنه (يقع) عليه في هذه الصوركلها (ثنتان) في الأصح، بناء على صحة استثناء النصف. فإن قيل: كيف أجزتم استثناء الثنتين من الثلاث وهي أكثرها في قوله: أنت طالق ثلاثاً إلا ثنتين إلا واحدة؟
قلنا: لأنه لم يسكت عليها بل وصلها بأن استثنى منها طلقة، فصار عبارة
عن واحدة.
(و) من قال لزوجته: أنت طالق (ثلاثاً إلا ثلاثاً، أو) أنت طالق ثلاثاً (إلا ثنتين، أو) أنت طالق ثلاثاً، (إلا جزء طلقة؛ كنصف وثلث، ونحوهما)؛ كقوله: أنت طالق ثلاثاً إلا ربع طلقة، أو إلا خمس طلقة، أو إلا سدس طلقة، (أو) أنت طالق ثلاثاً (إلا ثلاثاً إلا واحدة، أو) أنت طالق (خمسَا) إلا ثلاثاً، (أو) أنت طالق (أربعاً إلا ثلاثاً، أو) أنت طالق أربعاً (إلا واحدة، أو) أنت (طالق وطالق وطالق إلا واحدة، أو) أنت طالق وطالق وطالق (إلا طالقاً، أو) أنت طالق (ثنتين وطلقة إلا طلقة، أو) أنت طالق (ثنتين ونصفاً إلا طلقة، أو) أنت طالق (ثنتين وثنتين إلا ثنتين، أو) أنت طالق ثنتين وثنتين (إلا واحدة) فإنه (يقع) عليه (ثلاث) أي: ثلاث تطليقات في هذه الثلاث عشرة
(1)
مسألة في الأصح؛ (كعطفه بالفاء، أو) عطفه بـ (ثم). يعني كما لو قال: أنت طالق ثنتين فثنتين إلا ثنتين أو إلا واحدة فإنه يقع عليه بذلك ثلاث في الأصح أيضاً؛ لأن الكلام صار جملتين للترتيب الحاصل بالعطف بالفاء أو ثم؛ لأن الاستثناء إن عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث، وإن عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين كان استثناء للجميع وهو ممنوع.
ولأن القاعدة في الاستثناء: أن الاستثناء إنما يرجع إلى ما يملكه المستثني.
ويأتي ذلك في المتن.
وإن فرق من أراد الاستثناء بين المستثنى والمستثنى منه، فقال: أنت طالق
(1)
فى ب: عشر.
واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة، فقال
(1)
في " الترغيب ": وقعت الثلاث على الوجهين.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق ثلاثاً واستثنى بقلبه: إلا واحدة تقع) الطلقات (الثلاث)؛ لأن العدد نص فيما يتناوله لا يحتمل غيره. فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ فإن اللفظ أقوى من النية. ولو نوى بالثلاث اثنتين كان مستعملاً للفظ فى غيرما يصلح له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته.
(و) من له أربع نسوة فقال: (نسائي الأربع طوالق واستثنى واحدة بقلبه: طَلَقن) جميعهن، لما تقدم من أن العدد نص فيما يتناوله. فلا يرتفع منه شيء بمجرد النية، لأنها أضعف من اللفظ.
(وإن لم يقل الأربع) يعني: وإن لم يذكر العدد، (لم تََطلِّق المستثناة) بقلبه.
والفرق بينهما أن قوله: نسائي من غير ذكر عدد اسم عام يجوز التعيين به عن بعض ما وقع له. وقد استعمل العموم بالخصوص كثيراً. فإذا أراد به البعض صح؛ لأن استعمال اللفظ العام في الخصوص سائغ في الكلام. فيكون اللفظ بنيته منصرفاً إلى ما أراده دون ما لم يرده.
(وإن) سألته إحداهن أن يطلقها، فقال: نسائي طوالق و (استثنى من سألته طلاقها: دُيِّن) فيما بينه وبين الله تعالى، لأن كل لفظ عام يحتمل التخصيص، (ولم يُقبل) ذلك منه (حكماً) أي: في الحكم، لأن طلاقه جواب سؤالها الطلاق لنفسها. فلا يصدق في الحكم في صرفه عنها، لأنه يخالف الظاهر.
ولأنها سبب الطلاق، وسبب الحكم لا يجوز إخراجه من العموم بالتخصيص.
(وإن) كانت قد (قالت له: طلِّق نساءك، فقال: نسائي طوالق: طَلَقت)
(1)
في أ: قال.
القائلة أيضاً، لأن اللفظ عام فيها ولم يرد به غير مقتضاه. فوجب العمل بعمومه.
ومحل ذلك: (ما لم يستثنها) ولو بقلبه. ويقبل حكماً، لأن خصوص السبب يقدم على عموم اللفظ.
(وفي) كتاب (" القواعد ") للعلامة زين الدين عبد الرحمن بن رجب تغمده الله تعالى برحمته: (قاعدة المذهب: أن الاستثناء يرجع إلى ما يملكه، والعطف بالواو يُصَيِّر الجملتين واحدة) أي: جمله واحدة. (وقاله) أي: قال ما قاله ابن رجب (جمع).
قال (المنقح: وليس) أي: وليس ما قاله ابن رجب وجمع (على إطلاقه). والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
[باب: حكم الطلاق في الماضي والمستقبل]
هذا (باب) حكم (الطلاق في الماضي والمستقبل) يعني: إذا قيده بالزمن الماضي أو الزمن المستقبل.
ومن صورة تقييده بالزمن الماضي: (إذا قال) لزوجته: (أنت طالق أمس، أو) قال لها: أنت طالق (قبل أن أتزوَّجَك ونوى) بذلك (وقوعه) أي: وقوع الطلاق (إذاً) أي: إيقاعه الآن: (وقع) في الحال؛ لأنه مقر على نفسه بما هو أغلظ في حقه.
(وإلا) أي: وإن لم ينو وقوعه في الحال: (لم يقع) على الأصح، لما روي
عن أحمد فيمن قال لزوجته: أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم: ليس بشيء. ولأن الطلاق رفع للاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي. فلم يقع؛
كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم.
حتى (ولو مات أو جَّن أو خَرِس قبل العلم بمراده) في الأصح. وحكي عن
أبي بكر: أنه يقع إذا قال: قبل أن أتزوجك، ولا يقع إذا قال: أنت طالق أمس. وعلى القول بوقوعه إذا قال: أردت أن زوجاً قبلي طلقها، أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا: قبل منه إن احتمل الصدق، ما لم تكذبه قرينة من غضب، أو سؤالها الطلاق ونحوه.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق ثلاثاً قبل قدوم زيد بشهر، فلها النفقة) يعني: لم تسقط نفقتها بالتعليق بل يستمر عليه النفقة بعد التعليق كما قبله إلى أن يتبين وقوع الطلاق.
قال في " الإنصاف ": قلت: فيعايا بها.
ثم تنظر (فإن قدم) زيد (قبل مضيِّه) أي: مضي الشهر لم يقع عليه طلاق
بغير خلاف بين أصحابنا، (أو) قدم (معه) أي: مع مضي الشهر: (لم يقع) أيضاً في الأصح؛ لأنه لابد من جزء يقع الطلاق فيه بعد مضي الشهر.
(وإن قدم) زيد (بعد شهر وجزءٍ تطلق فيه) أي: يتسع لوقوع الطلاق فيه:
(تَبَيَّن وقوعه)؛ لأنه أوقع الطلاق في زمن على صفة. فإذا خلصت الصفة وقع؛ كما لو قال: أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر، أو قبل موتك بشهر.
(و) تبين (أن وطأه) بعد التعليق (محرَّم، و) أن (لها المهر).
قال في " القواعد الأصولية " في هذه المسألة: جزم بعض أصحابنا بتحريم
وطئها من حين عقد الصفة.
وقال في " المستوعب ": قال بعض أصحابنا: يحرم عليه وطؤها من حين
عقد هذه الصفة إلى حين موته؛ لأن كل شهر يأتي يحتمل أن يكون شهر وقوع الطلاق فيه. ولم يذكر خلافه.
(فإن خالعها بعد اليمين بيوم) مثلاً، (وقدم) زيد (بعد شهر ويومين:
صح الخلع، وبطل الطلاق) المعلق؛ لأن محل وقوع الطلاق صادفها بائناً بالخلع. (وعكسُهما) بأن خالعها بعد اليمين بيومين، وقدم زيد (بعد شهر وساعة)
من حين اليمين فإنه يقع الطلاق ويبطل الخلع.
(وإن لم يقع الخلع) يعني: وحيث لم يصح الخلع: (رجعت) الزوجة (بعوضه) أي: عوض الخلع التي سألت زوجهاً عليه.
(إلا الرجعيَّة) يعني: إلا إذا كان قوله: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر
رجعياً بأن كان لم يذكر فيه الثلاث ولم يكن مكملاً لعدد ما يملكه: (فـ) إنه (يصح خلعها) ولو كان بعد اليمين بيومين في الصورة المتقدمة.
(وكذا حكم) من قال لزوجته: أنت طالق (قبل موتي بشهر). فلو مات أحدهما قبل مضي شهر لم يقع طلاق؛ لأن الطلاق يقع في الماضي. وإن مات بعد عقد اليمين بشهر وساعة تبينا وقوع الطلاق في تلك الساعة.
(ولا إرث لبائن) يعني: إن كان الطلاق الذي وقع بائناً، (لعدم تُهمة. يحرمانها الميراث.
وكذا إذا قال لها: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر وقدم بعد شهر وساعة وقد مات أحدهما بعد شهر ويومين أو نحو ذلك، فإنهما لا يتوارثان إن كان الطلاق بائناً، لأنا تبينا أن الطلاق قد كان وقع قبل موت الميت منهما. فلم يرثه صاحبه، إلا أن يكون رجعياً، ويكون الموت في العدة.
(و) من قال لزوجته: (إن متُّ فأنت طالق قبله بشهر، ونحوه)، كيوم أو ساعة:(لم يصح) التعليق، لأنه أوقع الطلاق بعد الموت. فلم يقع قبله؛ لمضيه.
(ولا تطلُق) أيضاً (إن قال): أنت طالق (بعد موتي، أو معه) أي: مع موتى بلا نزاع بين الأصحاب. ونص عليه، لأن البينونة حصلت بالموت فلم يبق نكاح يزيله الطلاق، لكن قال في " القواعد ": يلزم على قول ابن حامد الوقوع هنا في قوله: مع موتي، لأنه أوقع الطلاق مع الحكم بالبينونة فإيقاعه مع سبب الحكم أولى. انتهى.
(وإن قال): أنت طالق (يوم موتي، طَلَقت أوِّله) أي: أول اليوم الذي يموت فيه في الأصح، لأن كل جزء من ذلك اليوم يصلح لوقوع الطلاق فيه، ولا مقتضي لتأخيره عن أوله فوقع في أوله.
(و) من قال لزوجته: أنت طالق (قبل موتي، يقع في الحال)، لأن ما
قبل موته من حين عقد الصفة محل للطلاق في أوله.
وإن قال: قبل موتك أو قبل موت زيد فكذلك.
وإن قال: أنت طالق قبيل موتي مصغراً لم يقع في الحال وإنما يقع ذلك في الجزء الذي يليه الموت، لأن التصغير يقتضي كون الذي بقي جزء يسير.
وإن قال: أنت طالق قبل قدوم زيد. فقال القاضي: يطلق في الحال، سواء قدم زيد أو لم يقدم، بدليل قول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء: 47] ولم يوجد الطمس في المأمورين.
ولو قال لغلامه: اسقني قبل أن أضربك فسقاه في الحال عد ممتثلاً وإن لم يضربه،
وإن قال لها: أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر، فقال القاضي: تتعلق الصفة بأولهما موتاً؛ لأن اعتباره بالثانى يفضي إلى وقوعه بعد موت الأول واعتباره بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى.
(وإن قال) لزوجتيه
(1)
: (أطولكما حياً ة طالق، فبموت إحداهما يقع
بالأخرى) في الأصح.
وقيل: وقت يمينه.
(وإن تزوَّج أمة أبيه، ثم قال) لها: (إذا مات أبى أو اشتريتُك فأنت طالق فمات أبوه، أو اشتراها: طلقت) فى الأصح؛ لأن الموت أو الشراء سبب ملكها وطلاقها
(2)
، وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه.
(ولو قال) لها: (إن ملكتُك فأنت طالق، فمات أبوه أو اشتراها: لم تطلُق) وجهاً واحداً؛ لأن الطلاق يقع عقيب
(3)
، الملك وقد صادفها مملوكة فلا يقع.
(ولو كانت مدبَّرة) للأب، (فمات أبوه وقع الطلاق والعتق معاً: إن خرجت من الثلث)؛ لأن النكاح لم ينفسخ بموت الأب فتطلق؛ لأنها زوجة. وإن لم تخرج من الثلث فالحكم فيها كما لو كانت باقية على الرق؛ لأنه مالك لبعضها. وتقدم حكم ذلك.
(1)
في ب: لزوجته.
(2)
في ب: فطلاقها.
(3)
فى ب: عقب.
[فصل: في تعليق الطلاق بالقسم]
(فصل. ويُستعمل طلاق، ونحوه)، كعتق وظهار (استعمال القسم) بالله. (ويجعل جوابُ القسم جوابَه) أي: جواب الطلاق ونحوه (في غير المستحيل). فإذا قال: أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق امرأته. فإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث. وهذا الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم.
وقال شريح: يقع طلاقه وإن قام، لأنه طلق طلاقاً غير معلق بشرط. فوقع؛ كما لو لم يقم.
ولنا: أنه حلف قدير فيه. فلم يحنث؛ كما لو حلف بالله تعالى.
وإن قال: أنت طالق إن أخاك لعاقل وكان أخوها عاقلاً لم يحنث، وإن لم يكن عاقلاً حنث؛ كما لو قال: والله إن أخاك لعاقل. وإن شُك في عقله لم يقع الطلاق، لأن الأصل بقاء النكاح. فلا يزول بالشك.
وإن قال: أنت طالق لا أكلت هذا الرغيف فأكله حنث وإلا فلا.
وإن قال: أنت طالق ما أكلته لم يحنث إن كان صادقاً ويحنث إن كان كاذباً؛ كما لو قال: والله ما أكلته.
وإن قال: أنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقاً لم تطلق، وإن كان كاذباً طلقت.
ولو قال: إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق، ثم قال: عبدي حر لأقومن: طلقت المرأة.
(وإن علَّقه) أي: علق طلاق امرأته أو عتق عبده (بفعل مستحيل عادة) أي: في العادة، (كـ) ما لو قال لزوجته:(أنت طالق إن) صعدت السماء، (أو) أنت طالق (لا صعدت السماء، أو) أنت طالق إن (شاء الميت) أو أنت
طالق لا شاء الميت، (أو) أنت طالق إن شاءت (البهيمة)، أو أنت طالق لا شاءت البهيمة، (أو) أنت طالق إن (طرت) أو أنت طالق لا طرت، (أو) أنت طالق إن (قلبت الحجر ذهباً)، أو أنت طالق لا قلبت الحجر ذهباً ونحو ذلك لم تطلق وجهاً واحداً.
وإن علقه على فعل مستحيل لذاته وهو ما أشير إليه بقوله:
(أو مستحيل لذاته، كـ) قوله: أنت طالق (إن رددت أمس، أو) أنت طالق إن (جمعت بين الضدَّين، أو) أنت طالق إن (شربت ماء الكوز ولا ماء فيه) أي: في الكوز: (لم تطلَّق) في الأصح؛ (كحلفه بالله عليه) أي: على المستحيل عادة أو لذاته؛ لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد فلم يقع بذلك طلاق. ولأن ما يقصد تبعيده تعلق على المحال
(1)
.
قال الله سبحانه وتعالى في حق الكفار: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40].
وقال الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب
أي: لا أتيتهم أبداً.
وقيل: إن علقه على المستحيل لذاته وقع في الحال، لأنه لا وجود له فلم تتعلق به الصفة، وبقي مجرد الطلاق فوقع.
(وإن علَّقه) أي: علق الطلاق ونحوه (على نفيه) أي: نفي الفعل المستحيل لذاته أو في العادة، (كـ) قوله:(أنت طالق لأشربنَّ ماء الكوز) ولا ماء فيه، (أو إن لم أشربه ولا ماء فيه) أي: في الكوز، (أو) أنت طالق (لأصعدن السماء، أو) أنت طالق (إن لم أصعدها، [أو) أنت طالق (لا طلعت الشمس]
(2)
، أو) أنت طالق (لأقتُلنَّ فلاناً فإذا هو ميت، علمه) أي: علم موته (أو لا، أو) أنت طالق (لأطيرنَّ، أو) أنت طالق (إن لم أطِرْ،
(1)
في ب: تعلق بالمحال.
(2)
ساقط من ب.
ونحوه) أي: نحو ذلك من التعليق على نفي الفعل المستحيل: (وقع) الطلاق
أو العتاق أو نحوهما (في الحال) في الأصح؛ كما لو قال: أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد.
ولأنه علق الطلاق على عدم فعل المستحيل، وعدمه معلوم في الحال وما بعده.
ولأن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث، لأن فعل المحلوف عليه
متحقق العدم. فيجب أن يتحقق الحنث، وإذا تحقق الحنث تعين طلاقها عنده؛ كما لو حلف أن يطلق اليوم فمضى اليوم ولم يطلق.
ولأن المحلوف عليه إذا
(1)
كان متعذر الفعل كان قول الحالف: لأفعلن كذا
لغواً، فيبقى قوله: أنت طالق وذلك يقتضي طلاقها في الحال.
وقيل: لا يقع.
وقيل: يقع في المستحيل لذاته في الحال، ويقع في المستحيل عادة في آخر حياً ته.
وقيل: إن وقَّته الحالف وقع في آخر وقته.
(وعِتق، وظِهار، وحرام، ونذر، ويمين بالله) سبحانه وتعالى فيما تقدم
، (كطلاق.
و) قول الزوج لزوجته. (أنت طالق اليوم: إذا جاء غدٌ، لغوٌ) لا يقع به
شيء؛ لعدم تحقق شرطه؛ لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء غد ولا يأتي غد
(2)
إلا بعد ذهاب اليوم وذهاب محل الطلاق.
وقيل: يقع في الحال.
وقيل: إذا جاء الغد.
(و) من قال لزوجته. (أنت طالق ثلاثاً على مذهب السنَّة والشيعة واليهود والنصارى، أو على سائر المذاهب: يقع ثلاث)؛ لقصده التأكيد.
***
(1)
في ب: إن.
(2)
في ب: غداً.
(فصل: في الطلاق في زمن مستقل)
(إذا قال) زوج لزوجته: (أنت طالق غداً، أو) أنت طلاق (يوم كذا: وقع) الطلاق (بأولهما) أي: طلوع الفجر؛ لأنه جعل الغد أو يوم كذا ظرفاً للطلاق. فإذا وجد ما يكون ظرفاً له طلقت؛ كما لو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، فإذا دخلت أول جزء من الدار طلقت.
(ولا يُدَيَّن ولا يقبل) منه (حكماً) أي: فى الحكم (إن قال: أردت آخرَهما) على الأصح؛ لأن لفظه لا يحتمله.
(و) إن قال: أنت طالق (في غدٍ، أو في رجب يقع بأولهما) وذلك فى رجب ونحوه من حين تغرب الشمس من آخر الشهر الذي قبله؛ لأنه جعل الشهر ظرفاً للطلاق. فإذا وجد ما يكون ظرفاً له طلقت فيه.
(ولى) أي: وللزوج (وطءٌ) للمعلق منها (قبل وقوع ٍ) أي: وقوع الطلاق؛ كنظائرها.
(و) إن قال: أنت طالق (اليوم، أو في هذا الشهر يقع في الحال)؛ لما تقدم من التعليل.
(فإن
(1)
قال: أردت) أن الطلاق إنما يقع (في آخر هذه الأوقات)، أو في وقت كذا من اليوم، أو في يوم كذا من الشهر (دُيِّن) فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى، (وقُبل) منه (حُكماً) على الأصح؛ لأن آخر هذه الأوقات وأوسطها منها، فإرادته لذلك لا يخالف ظاهر لفظه. فأما إن قال: أنت طالق في أول شهر كذا، أو في غرته، أو في رأسه، أو استقباله، أو مجيئه، فإنه لا يقبل قوله: أردت أوسطه ولا آخره؛ لأن لفظه لا يحتمله.
(1)
في ب: فإذا.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق اليوم أو غداً، أو قال) لها: أنت طالق (في هذا الشهر، أو) في الشهر (الآتي: وقع) الطلاق (في الحال).
قال في " الإنصاف ": لو قال: أنت طالق اليوم أو غداً، أو أنت طالق غداً
أو بعد غد: طلقت في أسبق الوقتين. قاله الأصحاب. انتهى.
فائدة:
قال في " بدائع الفوائد ":
ما يقول الفقيه أيده الله وما زال عنده إحسان
في فتى علق الطلاق بشهر قبل ماقبل قبله رمضان
في هذا البيت ثمانية أوجه:
أحدها: هذا.
والثانى: ما بعد ما بعد بعده.
والثالث: قبل ما بعد بعده.
والرابع: بعد ما قبل قبله. فهذه أربعة متقابلة.
الخامس: قبل ما بعد قبله.
والسادس: بعد ما قبل بعده.
والسابع: بعد ما بعد قبله
(1)
.
والثامن: قبل ما قبل بعده.
وتلخيصها: أنك إن قدمت لفظة " بعد " جاء أربعة:
أحدها: أن كلها بعد.
الثانى: بعدان وقبل.
الثالث: قبلان وبعد.
(1)
في ب: بعد ما قبل بعده. وهو وهم.
الرابع: بعدان بينهما قبل.
وإن قدمت لفظة: " قبل " فكذلك.
وضابط الجواب عن الأقسام: أنه إذا اتفقت الألفاظ فإن كانت " قبل " وقع الطلاق في الشهر الذي تقدمه رمضان بثلاثة شهور. فهو ذو الحجة فكأنه قال: أنت طالق في ذي الحجة، لأن المعنى أنت طالق في شهرِ رمضان قبل قبل قبله. فلو كان رمضان قبله طلقت في شوال.
ولو قال: " قبل قبله " طلقت في ذي القعدة.
وإن كانت الألفاظ كلها " بعد " طلقت في جمادى الآخرة " لأن المعنى:
أنت طالق في شهر يكون رمضان بعد بعده.
ولو قال: " رمضان بعده " طلقت في شعبان.
ولو قال: " بعد بعده " طلقت في رجب.
وإن اختلفت الألفاظ وهي ست مسائل فضابطها: أن كل ما اجتمع فيه
" قبل " و " بعد " فألغهما، نحو:" قبل بعده " و " بعد قبله " واعتبر الثالث. فإذا قال: " قبل ما بعد بعده "، أو " بعد ما قبل قبله " فألغ اللفظين الأولين، يصير كأنه قال أولاً بعده رمضان فيكون شعبان.
وفي الثانى كأنه قال: " قبله رمضان " فيكون شوالاً.
وإن توسطت لفظة بين مضادين لها نحو: " قبل بعد قبله "، أو " بعد قبل بعده "
(1)
فألغ اللفظين الأولين. ويكون شوالاً في الصورة الأولى، كأنه قال: في شهر قبله رمضان وشعبان في الثانية، كأنه قال: بعده رمضان.
وإن قال: " بعد بعد قبله "، أو " قبل قبل بعده " وهما تمام الثانية طلقت
في الأولى في شعبان، كأنه قال: بعده رمضان. وفي الثانية في شوال؛ كأنه قال: قبله رمضان.
(1)
في ب: قبل بعد قبله. وهو وهم.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق اليوم، وغداً، وبعد غدٍ، أو) أنت طالق (في اليوم، وفي غد، وفي بعده، فواحدة) يعني: فإنها تطلق طلقة واحدة (في) الصورة (الأولى) وهي قوله: أنت طالق اليوم وغداً وبعد غد في الأصح، لأنها إذا طلقت اليوم كانت طالقاً غداً وبعد غدٍ، (كقوله): أنت طالق (في كل يوم. و) يقع عليه (ثلاث في) الصورة (الثانية) وهي قوله: أنت طالق في اليوم وفي غد وفي بعده في الأصح، لأن
(1)
إتيانه. بـ " في " وتكرارها يدل على تكرار الطلاق؛ (كقوله): أنت طالق (في كل يوم.
و) إن قال لها: (أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم، أو أسقط اليوم الأخير)، كقوله: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك، (أو) أسقط اليوم (الأول)، كقوله: أنت طالق إن لم أطلقك اليوم ولم يطلِّقها في يومه: وقع بآخره) في الأصح، لأن خروج اليوم يفوت به طلاقها. فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان؛ كموت أحدهما في اليوم. وذلك؛ لأن معنى يمينه إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه، فإذا بقي من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته طلاقها فيه وقع حينئذ.
(و) إن قال لها: (أنت طالق يوم يقدُم زيد)، فإنه (يقع) بها الطلاق (يوم قدومه: من أوله) أي: أول يوم قدومه. وفي الأصح: (ولو ماتا) أي: الزوجان (غدوة وقدم) زيد (بعد موتهما من ذلك اليوم)، لأنه قد تبين أن طلاقها وقع من أول اليوم، لأنه لو قال: أنت طالق يوم الجمعة مثلاًً طلقت من أوله فكذا إذا قال: أنت طالق يوم يقدم زيد.
(ولا يقع) الطلاق: (إذا قُدِم به) أي: بزيد (ميتاً أو مكرهاً)، [لأنه لم يقدم وإنما قدم به]
(2)
، (إلا بنية) وهي كون الحالف أراد بقدومه انتهاء سفره.
(ولا) يقع طلاق أيضاً (إذا قدم) زيد (ليلاً مع نيته) أي: نية المعلق إذا
قدم (نهاراً)؛ لأن الليل خرج بنية تخصيصه بالنهار.
(1)
في الأصول: لأنه. وانظر " شرح البهوتى " 3: 108.
(2)
زيادة من أ.
(و) إن قال لها: (أنت طالق في غدٍ إذا قَدِمَ زيد)، أو أنت طالق في شهر
كذا إذا قدم زيد، (فماتت) في الغد أو في الشهر (قبل قدومه: لم تطلُق) في الأصح؛ لأن قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط. بدليل ما لو قال: أنت طالق إن قدم زيد فإنها- لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق، وكما لو قال: إذا قدم زيد.
(و) إن قال لها: (أنت طالق اليوم غداً فواحدة) أي: طلقت واحدة (في الحال)، لأن من طلقت اليوم فهي طالق غداً. (فإن نوى: في كل يوم) طلقة، (أو) نوى أنها لطلق (بعض طلقة اليوم وبعضها غداً، فثنتان)؛ كما لو قال: أنت طالق بعض طلقة وبعض طلقة. (وإن نوى بعضها) أي: أنها تطلق بعض طلقة (اليوم وبقيتها غداً، فواحدة) أي: فتطلق واحدة فقط في الأصح؛ كما لو قال: أنت طالق بعض طلقة وبقية الطلقة.
ولأنه لم يبق من الطلقة بقية تقع غداً؛ لأن من طلق بعض طلقة وقعت كاملة.
(و) إن قال: (أنت طالق إلى شهر، أو) أنت طالق إلى (حول، أو)
أنت طالق (الشهر، أو) أنت طالق (الحول، ونحوه)؛ كانت طالق الأسبوع أو إلى الأسبوع: (يقع) الطلاق (بمضيِّه)؛ لأنه قد روي نحو ذلك عن ابن عباس وأبي ذر.
ولأن هذا يحتمل أن يكون توقيتاً لإيقاعه؛ كقول الرجل: أنا خارج إلى سنة
أي: بعد سنة. وإذا احتمل الأمرين لم يقع الطلاق بالشك. وقد ترجح ما ذكرناه بكونه جعل الطلاق
(1)
غاية ولا غاية لآخره وإنما الغاية لأوله.
(إلا أن ينوي وقوعه إذاً) يعني: في الحالة الراهنة: (فيقع) في الحال؛
(كـ) قوله: أنت طالق (بُعْدِ مكة أو إليها) أي: إلى مكة، (ولم ينو بلوغها) فإنه يقع في الحال.
(و) إن قال لها: (أنت طالق في أول الشهر، فـ) أنها تطلق (بدخوله).
ويدخل بغروب شمس آخر يوم من الذي قبله.
(1)
فى أ: للطلاق.
(و) إن قال: أنت طالق (في آخره) أي: آخر الشهر، (فـ) إنها تطلق
(في آخر جزء منه) أي: عند غروب شمس آخر يوم من الشهر في الأصح. وقيل: يقع بطلوع فجر آخر يوم منه. فيحرم أن يطأها في تاسع عشرين؛ لاحتمال أن يكون هو آخر الشهر فيتبين أنها طلقت من أوله. ذكره في " المذهب ". قال في " الفروع ": ويتوجه تخريج. انتهى.
(و) أنت طالق (في أول آخره) أي: آخر الشهر، (فـ) ـإنه يقع (بفجر
آخر يوم منه) أي: من الشهر؛ لأنه آخره.
(و) إن قال: أنت طالق (في آخر أوله، فـ) ـإنه يقع (بفجر أول يوم منه)
أي: من الشهر في الأصح.
وقيل: بغروب شمس أول يوم منه.
وقيل: بغروب شمس
(1)
اليوم الخامس عشر منه.
(و) من قال لزوجته: (إذا مضى يوم فأنت طالق، فإن كان) تلفظه بذلك (نهاراً وقع: إن عاد النهار إلى مثل وقته) الذي تلفظ فيه من أمس ذلك النهار، (وإن كان) تلفظه بذلك (ليلا: فـ) إنها تطلق (بغروب شمس الغد) أي: غد تلك الليلة.
(و) إن قال لها: (إذا مضت سنة) فأنت طالق، (فـ) إنها تطلق (بمضي
اثني عشر شهراً)؛ لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] يعني: شهور السنة، وتكون (بالأهلة) على الأصح.
(و) متى كاد حلفه في أثناء شهر فإنه (يكمل ما حلف في أثنائه، بالعدد) ثلاثين يوما؛ لأن الشهر اسم لما بين هلالين فإن
(2)
تفرَّق كان ثلاثين يوماً.
وعنه: تعتبر الشهور كلها بالعدد.
(1)
في الأصول زيادة: منه. وهي زيادة غير مناسبة.
(2)
في ب: فإذا.
والأول أصح.
ووجهه: أنه أمكن استيفاء أحد عشر شهراً بالأهلة. فوجب الاعتبار بها؛ كما لو كانت يمينه في أول شهر. وذلك؛ لقوله سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189].
فلو قال: أردت بقولي: سنة، إذا انسلخ ذو الحجة قُبل؛ لأنه مقر على نفسه بما هو أغلظ.
(و) إن كان قال: (إذا مضت السنة، فـ) إنها تطلق (بانسلاخ ذي الحجة) من تلك السنة التي علق فيها؛ لأنه لما عرفها بلام التعريف رجع في ذلك إلى السنة المعروفة التي آخرها ذو الحجة
(1)
.
(و) إن قال لها: (إذا مضى شهر) فأنت طالق، فـ) إنها تطلق (بمضي ثلاثين يوماً.
و) إن قال: أنت طالق (إذا مضى الشهر، فـ) إنها تطلق (بانسلاخه.
و) إن قال: (أنت طالق كلَّ يوم طلقة، وكان تلفظه) بذلك (نهاراً. وقع إذا) أي: في الحال (طلقة، و) وقعت الطلقة (الثانية بفجر اليوم الثانى، وكذا) تقع الطلقة (الثالثة) بفجر اليوم الثالث.
(وإن قال) لها: أنت طالق (في مجيء ثلاثة أيام، فـ) إنها تطلق (في أول) اليوم (الثالث)؛ لأنه مجيئها.
(و) إن قال: (أنت طالق في كل سنة طلقة)، فإنه (تقع) الطلقة (الأولى في الحال)؛ لأن كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه.
ولأنه جعل السنة ظرفاً للطلاق فتقع في أول جزء فيها.
(و) تقع الطلقة (الثانية في أول المحرم) أي: أول محرم يجيء، (وكذا) تقع الطلقة (الثالثة) يعني: في المحرم الذي يأتي بعد ذلك.
(1)
في ب: ذي الحجة.
ومحل وقوع الطلقة الثانية والثالثة: (إن كانت في عِصْمته)؛ ليصادف
الطلاق محلاً للوقوع.
(ولو بانت) بالطلقة الأولى (حتى مضت) السنة (الثالثة) ولم ينكحها في
السنة الثانية والثالثة (ثم تزوجها) بعدهما: (لم يقعا) أي: الطلقة الثانية والثالثة.
(ولو نكحها) أي: نكح من قال لها ما ذكر (في) السنة (الثانية، أو) في
السنة (الثالثة: طلقت عقبه) أي: عقب نكاحها؛ لأنه جزء من السنة التى. جعلها ظرفاً للطلاق ومحلاً له، وكان سبيله أن يقع في أولها. فمنع منه؛ كونها غير محل للطلاق؛ لعدم نكاحه حينئذ فإذا عادت الزوجية
(1)
وقع في أولها.
(وإن قال فيها) أي: في هذه الصورة (وفي) ما إذا قال: (إذا مضت
السنة) فأنت طالق (أردت بالسنة اثني عشر شهراً، دين)؛ لأنها سنة حقيقية
(2)
، (وقُبل) منه (حُكماً) أي: في الحكم؛ لأن لفظه يحتمل ذلك.
(وإن قال: أردت كون ابتداء السنين المحرَّم، دُيِّنَ)؛ لأنه أدرى بقصده
فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى، (ولم يُقبل حُكماً)؛ لأنه خلاف الظاهر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ب: فإن عادت الزوجة.
(2)
في ب: حقيقة.
[باب: تعليق الطلاق بالشروط]
هذا (باب تعليق الطلاق بالشروط) جمع شرط.
(وهو) أي: وتعليق الطلاق ونحوه مما يجوز تعليقه على (ترتيب شيء
غير حاصل)؛ كالطلاق والعتق والنذر (على شيء حاصل)؛ كإن كنت دخلت الدار فأنت طالق، (أو) على شيء (غير حاصل)؛ كإن دخلت الدار فأنت طالق، (بـ) حرف (إن، أو إحدى أخواتها) من أدوات الشرط. وسيأتى تعدادها في المتن.
(ويصح) التعليق (مع تقدم شرط) بصريح طلاق؛ كإن دخلت الدار فأنت طالق، وبكناية الطلاق مع قصده؛ كإن دخلت الدار فأنت خلية. وينوي بلفظة: خلية الطلاق.
(و) يصح التعليق أيضاً مع (تأخُره) أي: تأخر الشرط (بصريح)؛ كقوله: أنت طالق إن دخلت الدار، (وبكناية مع قصد)؛ كقوله: أنت خلية إن دخلت الدار.
(ولا يضرُ) أي: ولا يقطع التعليق (فصلٌ بين شرط و) بين (حكمه، بكلام منتظم؛ كأنت طالق يا زانية إن قمت)، أو إن قمت يا زانية فأنت طالق. (ويقطعُه) أي: يقطع التعليق (سكوته) بين شرط وحكمه سكوتاً يمكنه فيه الكلام.
(و) يقطعه أيضاً (تسبيحه) أي: تسبيح المعلق بين شرط وحكمه، (ونحوه) أي: ونحو التسبيح مما لا يكون الكلام معه منتظماً. ومتى انقطع صار الطلاق منجزاً.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق مريضة رفعاً ونصباً) أي: برفع مريضة
وبنصبها
(1)
: (يقع) الطلاق عليه (بمرضها)، لوصفها بالمرض حين الوقوع. أشبه الشرط، فكأنه قال: أنت طالق إذا مرضت.
(و " مَن " و " أيٌ ") بالتنوين (المضافة إلى الشخص، يقتضيان عموم ضميرهما)، سواء كان (فاعلاً) " كقوله: من دخل داري، أو أي رجل دخل داري فأكرمه، فإنه يعم كل داخل، (أو) كان (مفعولاً)؛ كقوله: من لقيت من الناس فأعطه درهماً، أو أي رجل لقيته فأعطه درهماً، فإنه يعم كل من يلقاه. كما تقتضي " أي " المضافة إلى الوقت عموم ضميرها. فمن قال لامرأته: أي وقت دخلت الدار فأنت طالق، عم كل الأوقات.
(ولا يصحُ) التعليق (إلا من زوج) يصح تنجيز الطلاق منه حين التعليق.
(فـ) من قال: (إن تزوجت) امرأة فهي طالق، (أو عَيَّن ولو عتيقَته) فقال: إن تزوجت فلانة، أو تزوجت عتيقتي فلانة (فهى طالق: لم يقع) الطلاق (بِتزَوُجِها) على الأصح. وهو قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن المسيب. وبه قال عطاء والحسن وعروة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر.
ورواه الترمذي عن علي رضي الله تعالى عنه وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين وشريح
(2)
.
ويدل لذلك قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49]. فدل على أن الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح.
وما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لانذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك "
(3)
. رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال:
(1)
في أ: أو بنصبها.
(2)
ر. " جامع الترمذي " 3: 486.
(3)
أخرجه أبو داود في " سننه "(0 219) 2: 258 أبواب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح. وأخرجه الترمذي في " جامعه ") 181 1) 3: 486 كتاب الطلاق، باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح. وأخرجه أحمد في " مسنده " (6781) 2: 0 9 1.
حديث حسن. وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.
ولابن ماجه منه: " لا طلاق فيما لا يملك "
(1)
.
وعن المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق
قبل ملك "
(2)
. رواه ابن ماجه.
ولأنه لو نجز الطلاق في هذا الحال لم يقع فكذلك تعليقه " لأن كل من لا يقع
طلاقه بالمباشرة لم تنعقد له صفة الطلاق، كالصبي والمجنون، وعكسه الزوج.
ولأنه تعليق للطلاق قبل ملك النكاح فلم يقع.
(و) لهذا (إن قال) لامرأة: (إن قمت فأنت طالق، وهي) أي: المقول
لها ذلك (أجنبية فتزوّجها، ثم قامت) وهي زوجة: (لم يقع) عليه طلاق.
قال في " شرح المقنع ": بغير خلاف نعلمه. انتهى.
وذلك (كحلفه) بالطلاق: (لا فعلت كذا، فلم تبق له زوجة) يعني: بأن
بانت منه تلك الزوجة أو ماتت، (ثم تزوَّجَ أخرى وفعل) ما حلف لا يفعله فإنه لايقع.
(ويقع ما علق زوج) من طلاق (بوجود شرط) علق عليه، (لا قبله)،
لأن الطلاق إزالة ملك بني على التغليب والسراية
(3)
. أشبه العتق.
(ولو قال) الزوج: (عجَّلتُه) أي: عجلت ما علقته لم يتعجل، لأن
الطلاق تعلق بالشرط فلم يكن له تغييره. فإن أراد تعجيل طلاق سوى الطلاق المعلق وقع، فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي زوجته وقع أيضاً.
(وإن قال) الزوج المعلق: (سبق لسانى بالشرط ولم أُرِدْه، وقع) الطلاق
(إذاً) أي: في الحال؛ لأنه أقر على نفسه بما هو أغلظ من غير تهمة، وهو يملك إيقاعه في الحال فلزمه.
(1)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(47 20) 1: 660 كتاب الطلاق، باب لا طلاق قبل النكاح.
(2)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2048) الموضع السابق.
(3)
في ب: أو السراية.
[فصل: في أدوات الشرط]
(فصل. وأدوات الشرط) يعني: والألفاظ التي يؤدى بها معنى الشرط، (المستعملة غالباً في طلاق وعتاق: ست) وهي:
(إن) بكسر الهمزة وسكون النون، (وإذا، ومتى، ومَن) بفتح الميم وسكون النون، (وأَيّ) بفتح الهمزة وتشديد الياء، (وكلَّما.
وهي) أي: وكلما (وحدها) أي: دون " متى " في الأصح: (للتكرار).
وإنما قيل غالباً لأن هناك حروفاً تستعمل في الشرط أيضاً، لكن لا غالباً
مثل: مهما وحيثما وأمثالهما. وإنما كانت كلما للتكرار؛ لأنها تعم الأوقات فهي بمعنى كل وقت. فإذا قلت: كلما قمتِ قمتُ فهي)
(1)
بمعنى كل وقت تقوم فيه أقوم فيه، فلذلك وجب فيها التكرار. وإنما لم يجب في " متى " في الأصح، لأنها اسم زمان بمعنى: أي وقت، وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه. وكونها تستعمل للتكرار في بعض الأحيان لا يمنع استعمالها في غيره مثل: إذا، وأي وقت، فإنهما يستعملان في الأمرين.
قال الله سبحانه وتعالى
(2)
: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 54].
{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 68].
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} [الأعراف: 203].
وقال الشاعر:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا
(1)
في أ: فهو.
(2)
في ب: قال سبحانه وتعالى.
وكذلك أى وقت وأي زمان، فإنهما يستعملان للتكرار. وسائر الحروف يجازى بها، إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره لا تحمل على التكرار إلا بدليل كذلك متى.
(وكلها) أي: كل أدوات الشرط الست، (ومهما) وحيثما (بلا " لم ") أي: بدون لم (أو نية فوْر، أو قرينته) أي: قرينة الفور (للترإخي. و) هي (مع " لم " للفور إلا " إن ") فإنها ولو كانت معها لم لا تكون للفور (مع عدم نية فور أو قرينته).
(فـ) من قال لزوجته: (إن) قمت، (أو إذا) قمت، (أو متى) قمت،
(أو مهما) قمت، (أو من) قامت منكن، (أو أيتكن قامت فطالق، وقع) الطلاق المعلق (بقيامٍ) أي: عقب القيام المعلق عليه الطلاق، وإن بعد القيام عن زمان الحلف.
(ولا يقع) الطلاق (بتكرُّره) أي: تكرر القيام (إلا مع " كلَّما ") " لأن معناها التعليق على كل قيام.
(ولو قُمن) نسائه الأربع، (أو أقام الأربع في) قوله:(أيتكن) قامت
فهي طالق، (أو) في قوله:(من قامت) منكن فهي طالق، (أو) في قوله: من (أقمتها) منكن فهي طالق، (طلّقن) كلهن، لأنه علق الطلاق على إيقاع فعل القيام في قوله: من قامت منكن، وعلى إيقاع فعل الإقامة قي قوله: من أقمتها منكن على كل واحدة منهن. فإذا وجد الفعل المعلق عليه الطلاق في كلٍّ منهن طلقن كلهن.
وعلى قياس هذا في الطلاق العتق. فلو قال: أي عبيدي
(1)
ضربك، أو من ضربك من عبيدي فهو حر، فضربوه كلهم عتقوا، لوجود ما علق عتق كل واحد منهم علية فيوجد المعلق لذلك.
(ولو قال) لنسائه الأربع: (أيتكن لم أطأ اليوم فضرّاتها طوالق،
(1)
ساقط من ب.
ولم يطأ) في يومه واحدة منهن: (طلقن) كلهن (ثلاثاً ثلاثاً).
بيان ذلك: أنه إذا لم يطأ واحدة فقد وجد التعليق فيها فتطلق كل واحدة من ضراتها طلقة ولا تطلق هي، وكذلك إذا لم يطأ ثانية فإنما تطلق كل واحدة من ضرائرها
(1)
طلقة، ولا تطلق هي، فبترك الوطء في أولى تطلق الثانية والثالثة والرابعة طلقة طلقة، لأنهن ضرائراها، وبتركه في ثانية تطلق الأولى والثالثة والرابعة طلقتين طلقتين، وفي الأولى والثانية طلقة طلقة. وإذا لم يطأ ثالثة طلقت الأولى والثانية والرابعة طلقة طلقة فيتكمل الطلاق في الأولى والثانية طلقتين طلقتين، وفي الرابعة ثلاثاً وبترك الوطء في رابعة طلقت كل واحدة من ضراتها طلقة، فيكمل الطلاق في كل واحدة من الأولى والثانية والثالثة ثلاثاً، لأنه كان قد وقع بكل واحدة قبل هذا طلقتان.
(فإن وطئ واحدة) منهن ثم لم يطأ في يومه غيرها: (فـ) ـإنه يقع عليها (ثلاث بعدم وطء ضراتها، و) يطلقن (هن) أي: ضراتها (ثنتين ثنتين.
وإن وطئ ثنتين) منهن ثم لم يطأ في يومه غيرها: (فـ) ـإنه يقع بالموطوءتين (ثنتان ثنتان) بعدم وطء ضرتيهما، (وهما) أي: ويقع باللتين لم يطأهما (واحدة واحدة.
وإن وطئ ثلاثاً) منهن ثم لم يطاً في يومه غيرهن: (وقع بالموطوءات فقط واحدة واحدة) بعدم وطء ضرتهن، ولم يقع بالتي لم توطأ شيء؛ لوطء ضراتها كلهن. وإن وطئ الأربع لم تطلق واحدة منهن، لعدم المقتضي وهو وجود الصفة
(2)
.
(وإن أطلق) بأن قال: أيتكن لم أطأ اليوم ولا بعده، أو أيتكن لم أطأها ابداً فضراتها طوالق:(تقيد بالعمر) فيطلقن كلهن ثلاثاً إذا مات ولم يطأ واحدة منهن. قال في " الرعاية ": وإن أطلق وقت الوطء ولا نية له فطول عمره. انتهى.
(1)
في ب: ضراتها.
(2)
في ب: للصفة.
(ولو قال) زوج لزوجته أو غيرها: (كلَّما أكلت رمانة) أو قال: تفاحة،
أو قال: ما يشبههما (فأنت طالق، وكلما أكلت نصف رمانة)، أو قال: نصف تفاحة، أو قال: نصف ما علق الطلاق على أكل كله بكلما (فأنت طالق، فأكلت رمانة)، أو تفاحة كاملة أو ما علق الطلاق على أكل كله ونصفه بـ " كلما ":(فثلاث) أي: فإنه يقع بها الطلاق الثلاث، لوجود صفة النصف مرتين والجميع مرة فيطلق بكل نصف طلقة وبالكامل طلقة.
(ولو كان بدل " كلَّما " أداة غيرها) أي: غير " كلما "، كما لو قال: إن
أكلت رمانة فأنت طالق، وإن أكلت نصف رمانة فأنت طالق، أو قال: متى أكلت رمانة فأنت طالق، ومتى أكلت نصف رمانة فأنت طالق، أو نحو ذلك فأكلت رمانة:(فثنتان) يعني: فإنها تطلق طلقتين فقط بصفة النصف مرة وبصفة الكامل مرة، ولا تطلق بالنصف الآخر، لأنها لا تقتضي التكرار.
(وإن علقه) أي: علق الزوج الطلاق (على صفات، فاجتمعن) أي: الصفات (في عين) واحدة، (كـ) قوله:(إن رأيتِ رجلاً فأنت طالق، وإن رأيتِ أسود فأنت طالق، وإن رأيت فقيها فأنت طالق، فرأت رجلاً أسود فقيها: طلقت ثلاثاً)، لأن الطلاق معلق على كل واحدة من هذه الصفات. فإذا وجد. وقع به الطلاق، كما لو وجدت في ثلاثة أعيان، لأنها تطلق طلقة، لكونها رأت رجلاً، وطلقة لكونها رأت أسود، وطلقة لكونها رأت فقيها، كما لو رأت ثلاثة رجال أحدهم
(1)
فقيه، والآخر أسود، والثالث فقيه.
(و) من قال لزوجته: (إن لم أطلقك) فأنت طالق، (أو) قال لها: إن
لم أطلقك (فضرتك طالق، فمات أحدهما) في صورة ما إذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، (أو) مات (أحدهم) في صورة ما إذا قال: إن لم أطلقك فضرتك طالق: (وقع) الطلاق: (إذا بقي من حياً ة الميت ما لا يتسع لإيقاعه)، لأنه علق الطلاق على ترك الطلاق فإذا مات الزوج فقد وجد الترك منه، وإن ماتت هي
(1)
في أ: أحدهما.
فكذلك؛ لأن طلاقها فات بموتها. وكذا تطلق الضرة فيما إذا قال: فضرتك طالق بموت أحدهم؛ لأنه إن كان هو الميت فقد فات الطلاق الذي تنحل به يمينه وهو طلاق المحلوف عليها، وإنما كان وقوعه إذا بقي من حياً ة الميت ما لا يتسع لإيقاعه؛ لأن ما علق بحرف " إن " على التراخي فكان له تأخيره ما دام وقت الإمكان باقياً. فإذا ضاف على الفعل تعين فإذا نقص الزمان عنه فات؛ لعدم إمكان الفعل فيما بقي.
(ولا يرث) الزوج زوجة (بائناً) أي: بانت منه بالطلاق المعلق؛ كما لو أبانها عند موتها، (وترثه) أي: ترث الزوجة الزوج إن كان هو الميت؛ كما لو أبانها عند موته.
قال أحمد في رواية أبي طالب. إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق ثلاثاً إن
لم أتزوج عليك ومات ولم يتزوج عليها ورثته وإن
(1)
ماتت لم يرثها. وذلك؛ لأنها تطلق في آخر حياته. فأشبه طلاقه لها في تلك الحال.
(وإن نوى) بقوله: إن لم أطلقك فأنت طالق ونحوه (وقتاً) معيناً تعلق
به، (أو قامت قرينة بفور: تعلق به). فلو لم يطلقها حتى مضى الوقت المعين في الصورة الأولى أو مضى زمن يمكن إيقاع الطلاق فيه في الصورة الثانية وقع الطلاق المعلق.
أما من حلف ليفعلن شيئاً ولم يعين له وقتاً بلفظه ولا نيته كان على التراخي؛ لأن
(2)
لفظه مطلق بالنسبة إلى الزمان كله فلا يتقيد بوقت دون وقت.
وقال الله سبحانه وتعالى في الساعة: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سباً 30].
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} [التغابن: 7].
وكذلك روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه في نوبة الحديبية قال: " قلت
(1)
في ب: فإن.
(2)
في أ: لأنه.
للنبي صلى الله عليه وسلم: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؛ قال: بلى. فأخبرتك أنك آتيه العام؛ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به
(1)
.
قال في " شرح المقنع ": وهذا لا خلاف فيه نعلمه.
(و) من قال لزوجته: (متى لم) أطلقك، (أو إذا لم) أطلقك، (أو أيَّ وقت لم أطلِّقك فأنت طالق، أو) قال لزوجاته: (أيتكن لم) أطلِّقها، (أو من لم أطلِّقها فهى طالق، فمضى زمن يمكن إيقاعه) أي: إيقاع " الطلاق (فيه، ولم يفعل) يعني: ولم يطلقها: (طلقت) في الأصح.
(و) من قال لزوجته: (كلَّما لم أطلقك فأنت طالق، فمضى ما) أي:
زمن (يمكن إيقاع ثلاث) أي: ثلاث طلقات (مرتَّبة) أي: واحدة بعد واحدة (فيه) أي: في الزمن الذي مضى، (ولم يطلقها) فيه (طلقت ثلاثاً)، لأن " كلما " تقتضي التكرار.
قال الله سبحانه وتعالى: {كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44] فيقتضي تكرار الطلاق تكرار
(2)
الصفة
والصفة عدم طلاقه، فإذا مضى زمن يمكن فيه أن يطلقها ولم يفعل فقد وجدت الصفة، فيقع واحدة وثانية وثالثة.
ومحل ذلك: (إن) كان (دخل بها.
وإلا) أي: وإن لم يكن دخل بها: (بانت بـ) ـالطلقة (الأولى) ولم يلزمها ما بعدها، لأن إلبائن لا يقع عليها طلاق
(3)
.
***
(1)
أخرجه البخاري في " صحيحه "(581 2) 2: 979 كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.
(2)
في أ: تكرر.
(3)
في ب: الطلاق.
[فصل: في تعليق الطلاق بلفظ: " إن "]
(فصل. وإن قال عامي) أي: غير نحوي لزوجته: (أن قمتِ بفتح الهمزة) أي: همزة أن (فأنت طالق، فشرطٌ) في الأصح (كنيته) أي: كما لو قاله نحوي ونوى الشرط؛ لأن العامي لا يريد بذلك إلا. الشرط ولا يعرف أن مقتضاها التعليل فلا يريده ولا يثبت له حكم ما لا يعرفه ولا يريده؛ كما لو نطق بكلمة الطلاق أعجمي لا يعرف معناها، وإن كان نحوياً وقع طلاقه في الحال؛ لأن أن المفتوحة في اللغة إنما هي للتعليل فمعناه: أنت طالق لأنك قمت أو لقيامك.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17].
وقال سبحانه وتعالى: {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم].
وقال سبحانه وتعالى {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} [الممتحنة: 1].
وقيل: إن حكم النحوي حكم العامي في أنه: لا يقع طلاقه بذلك إلا أن ينويه. وقيل: تطلق في الحال في حقهما جميعاً.
(وإن قاله) أي: قال: أن قمت فأنت طالق بفتح الهمزة (عارف بمقتضاه)
من أن معنى " أن " للتعليل، (أو قال) إنسان لزوجته:(أنت طالق إذ قمت، أو) أنت طالق (وإن قمت، أو) أنت طالق (ولو قمت: طلقت في الحال)؛ لأن الواو ليست جواباً للشرط.
(وكذا) تطلق في الحال إذا قال: (إن) قمت وأنت طالق، (أو) قال:
(لو قمت وأنت طالق. فإن قال) فيما تقدم: (أردت) بقولي: وأنت طالق (الجزاء، أو) أردت (أن قيامها وطلاقها شرطان لشيء، ثم أمسكت دين) فيما
بينه وبين الله سبحانه وتعالى وعلى الأصح، (وقبل) منه (حكماً)، لأن ما قاله يحتمله لفظه وهو أعلم بمراده. وإن جعل لهذا جزاء فقال: إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر: صح ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي طالق " لأن الواو هنا للحال. لقول
(1)
الله سبحانه وتعالى: {لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95].
ولو قال: إن دخلت الدار طالقاً فأنت طالق فدخلت وهي طالق طلقت أخرى
وإن دخلتها غير طالق لم تطلق؛ لأن هذا حال فجرى مجرى قوله: إن دخلت الدار راكبة.
(و) قوله: (أنت طالق لو قمت؛ كـ) قوله: أنت طالق (إن قمت) في الأصح فلا تطلق حتى تقوم.
وفي " الكافي ": وإن قال: أنت طالق لو دخلت طلقت؛ لأن لو تستعمل
بعد الإثبات لغير المنع؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 76].
وإن قال: أردت الشرط قبل، لأنه يحتمل. انتهى.
(وإن قال) لزوجته: (إن دخلت الدار فأنت طالق، وإن دخلت ضرتك،
فمتى دخلت الأولى: طلقت)، سواء دخلت الأخرى أو لا، (لا الأخرى) يعني: ولا تطلق الأخرى (بدخولها.
فإن قال: أردت جعل الثانى) أي: الدخول الثانى وهو دخول الضرة (شرطاً لطلاقها أيضاً) يعني: وإن دخلت ضرتك فأنت طالق أيضاً ودخلت الأخرى: (طلقت) الأولى (ثنتين)، طلقة بدخولها وطلقة بدخول ضرتها. (وإن قال: أردت أن دخول الثانية شرط لطلاقها) أي: طلاق الثانية، (فـ) الأمر (على ما أراد). فمن دخلت منهما طلقت طلقة.
(و) إن قال: (إن دخلت الدار وإن دخلت هذه فأنت طالق، لم تطلق إلا
(1)
في ج: كقول.
بدخولهما) في الأصح؛ لأنه جعل دخولهما شرطاً للطلاق.
(و) إذا ألحق شرطاً بشرط، كما لو قال لزوجته:(إن قمتِ فقعدتِ)
فأنتِ طالق، (أو) إن قمت (ثم قعدت) فأنت طالق، (أو إن قمت متى قعدت) فأنت طالق، (أو إن قعدت إذا قمت، أو) إن قعدت (متى قمت) فأنت طالق، (أو إن قعدت إن قمت فأنت طالق: لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد)، لأن لفظ ذلك يقتضي تعليق الطلاق على القيام معقباً بالقعود.
(وإن عكس ذلك) بأن قال: إن قعدت فقمت، أو إن قعدت ثم قمت،
[أو إن قعدت متى قمت]
(1)
، أو إن قمت إذا قعدت، أو إن قمت إن قعدت فأنت طالق:(لم تطلق حتى تقعد ثم تقوم)، لأنه جعل القعود شرطاً لتعليق الطلاق على القيام، والشرط لا بد أن يتقدم المشروط. فلهذا لا بد من تقدم القعود " ليوجد مشروطه وهو: تعليق القيام. فإذا وُجِد القيام بعد ذلك وقع الطلاق؛ لوجود شرطه وهو: القيام.
(و) لو قال: (أنت طالق إن قمتِ وقعدتِ، أو) أنتِ طالق (لا قمت وقعدت،
تطلق بوجودهما) أي: وجود القيام والقعود، (كيفما كان) أي: سواء تقدم القيام على القعود، أو تقدم القعود على القيام، لأن الواو لا تقتضي ترتيباً. ولا تطلق بوجود أحدهما على الأصح؛ لأن الواو للجمع فلا تطلق قبل وجودهما.
(و) إن قال: (إن قمتِ أو قعدتِ فأنت طالق، أو) قال: (إن قمتِ وإن قعدتِ) فأنت طالق، (أو) قال: أنت طالق (لا قمت ولا قعدت، تطلُق بوجود أحدهما)، لأن " أو " لأحد الشرطين.
ولأن باقي الأمثلة تقتضي تعليق الجزاء على واحد من المذكورين.
(و) إن قال: (إن أعطيتُك إن وعدتُك إن سألتني فأنت طالق لم تطلُق حتى تسأله، ثم يَعِدَها، ثم يُعطيها).
وهذا المثال ونحوه من الأمثلة المتقدمة؛ كقوله: إن قمت إن قعدت ونحو
ذلك، كإن أكلت إن لبست، أو إن أكلت إذا لبست يسميه النحويون: اعتراض
(1)
في أوب: أو إن قمت متى قعدت. وهو تصحيف.
الشرط على الشرط. فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم؛ لأنه جعل الثانى في اللفظ شرطاً للذي قبله، والشرط يتقدم المشروط.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34].
فكأنه قال: إن سألتني فوعدتك فأعطيتك
(1)
فأنت طالق.
ولا فرق في ذلك بين كون الشرط بـ " إذا " أو بـ " إن " في الأصح. وهو
قول أبي حنيفة والشافعي.
(و) إن قال: (كلَّما أجنبتُ فإن اغتسلتُ من حمَّام فأنت طالق، فأجنب ثلاثاً) أي: ثلاث مرات، (واغتسل مرة فيه) أي: في الحمام: (فطلقة) أي: فإنه يقع عليه طلقة واحدة في الأصح.
(ويقع) الطلاق (ثلاثاً مع فعل لم يتردَّد مع كل جنابة؛ كموت زيد وقدومه). فلو قال: كلما أجنبت ومات زيد فأنت طالق فأجنب
(2)
ثلاث مرات ومات زيد طلقت ثلاثاً، وكذا إذا قال: كلَّما أجنبت وقدم زيد فأنت طالق.
(وإن أسقط) المعلق (الفاء من جزاء متأخر)؛ كقوله: إن دخلت الدار
أنت طالق (فكبقائها) أي: فكبقاء الفاء. فلا تطلق حتى تدخل؛ لأنه أتى بحرف الشرط فدل ذلك أنه أراد التعليق. وإنما حذف الفاء وهي مرادة كما يحذف المبتدأ تارة والخبر أخرى؛ لدلالة الكلام على المحذوف. ويجوز أن يكون حذف الفاء على التقديم والتأخير فكأنه قال: أنتِ طالق إن دخلت الدار فقدم الشرط، ومراده التأخير. ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة وتصحيحه عن الفساد وجب. فأما إن قال: أردت الإيقاع في الحال وقع؛ لأنه يقر على نفسه بما هو
(3)
أغلظ فيؤخذ
(4)
به.
(1)
في ب: فأعطيتني.
(2)
في ب: فأجنبت.
(3)
ساقط من أ.
(4)
في ب: فيؤاخذ.
(فصل: في تعليقه بالحيض)
(إذا قال) لزوجته: (إذا حضتِ فأنت طالق)، فإن الطلاق (يقع بأوله) أي: أول الحيض: (إن تبين) كون الدم (حيضاً)، لأن الصفة وجدت ولذلك حكمنا بأنه حيض في المنع من الصلاة والصيام.
(وإلا) أي: وإن لم يتبين أنه حيض كما لو لم يتم لها تسع سنين، أو نقص
عن أقل الحيض: (لم يقع) عليه طلاق، لأن الصفة لم توجد.
(ويقع) الطلاق (في) ما إذا قال: (إذا حضت حيضة) فأنت طالق، (بانقطاعه من أول حيضة تستقبلها. ويدل لذلك قوله:(ولا يُعتدُّ بحيضة علَّق فيها).
ووجه ذلك: أنه علق الطلاق بالمرة الواحدة من الحيض بحرف " إذا " وهو اسم للزمان المستقبل، فيعتبر ابتداء الحيضة وانتهاؤها بعد التعليق. فإن كانت حائضاً حين التعليق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض حيضة مستقبلة وينقطع دمها. ولأنه إذا انقطع دمها فقد انتهت الحيضة فيقع بها الطلاق حينئذ. وهذا هو الأصح. وقيل: لا تطلق حتى تغتسل من الحيض المستقبلة.
(و) إن قال لها: (كلما حضت) فأنت طالق، (أو زاد حيضة) بأن قال لها: كلما حضت حيضة فأنت طالق فإنها تطلق طلقة بشروعها في حيضة مستقبلة، وكذا تطلق الثانية والثالثة، فـ (تفرغ عدتها بآخر حيضة رابعة).
وفي " الفر وع ": بأول حيضة رابعة.
قال ابن نصر الله: وقوله: بأول حيضة رابعة غير ظاهر الآية، إلا على القول
بأن القروء الأطهار
(1)
.
(1)
في أوج: والأطهار. ولعل الصواب ما أثبتناه.
وقال في " الرعاية ": فحاضت ثلاث حيضات طلقت ثلاثاً فإذا حاضت أخرى فرغت عدتها، وإنما كان كذلك لأن الرجعية إذا طلقت بنت على عدة الطلاق الأول رواية واحدة. انتهى.
(وطلاقُه) أي: طلاق من قال لزوجته: كلما حضت فأنت طالق (في) حيضة (ثانية غير بِِدْعِي).
قال في " الفروع ": وطلاقه في الثانية مباح. انتهى.
وذلك؛ لأنه لا أثر له في تطويل العدة.
(و) من قال لزوجته: (إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق، فـ) -إنه (إذا مضت حيضة مستقرَّة تبيَّنا وقوعه لنصفها) على الأصح، لأنه علقه بنصف الحيضة والنصف لا يعرف إلا بوجود الجميع، لأن أيام الحيض قد تطول وقد تقصر فإذا حاضت ثم طهرت تبينا مدة الحيضة فحكمنا بوقوع الطلاق في نصفها. فأما قبل انقضاء الحيضة وقبل تبين نصف مدتها فإنا نحكم بوقوع الطلاق ظاهراً بمضي نصف عادتها في الأصح، لأن الظاهر أن حيضها على السواء.
ولأن الأحكام تتعلق بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق.
(ومتى ادعت حيضاً) من علق طلاقها على حيضها (وأنكر) زوجها حيضها: (فقولها) يعني: فإنه يقبل قولها في ذلك على الزوج، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي من غير يمين على الأصح؛ لأنها أمينة على نفسها، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] قيل: هو الحيض والحمل. ولولا أن قولها فيه مقبول لما حرم عليها كتمانه، إذ لا فائدة فيه مع عدم القبول.
ومثل ذلك: قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283]
لما حرم كتمانها دل على قبولها. كذا هاهنا.
ولأنه معنى فيها لا يعرف إلا من جهتها. فوجب الرجوع إلى قولها فيه.
(كـ) قول زوجها لها: (إن أضمرتِ بُغضي فأنت طالق، وادَّعته) أي:
وادعت إضمارها بغضه وأنكرها فإنها تطلق، لأنه لا يعرف علم ذلك إلا من جهتها. فوجب الرجوع إلى قولها فيه.
و (لا) يقبل قولها عليه (في ولادةٍ) علق طلاقها عليها، لأن ذلك قد يعرف
من غير جهتها.
ومحل ذلك: (إن لم يُقرَّ بالحمل)، لأن إقراره بالحمل يرجح قولها.
و (لا) يقبل قولها عليه (في قيام، ونحوه)، كدخول الدار، وكلام زيد، وأكل شيء علق طلاقها على وجوده في وقت معين أو مطلقاً؛ لإمكان حصول علم ذلك من غير جهتها.
(ولو أقرَّ) الزوج (به) أي: بوجود ما علق عليه الطلاق: (طلقت، ولو أنكرته) الزوجة؛ لأنه أقر بما يوجب طلاقها فطلقت. أشبه ما لو قال: قد طلقتها.
(و) من قال لزوجته: (إذا طُهرتِ فأنت طالق وهي حائض) حين قوله لها ذلك: (فـ) -إنها تطلق (إذا تقطع الدم) أي: دم حيضها على الأصح. نص عليه أحمد في رواية إبراهيم الحربي؛ لقول الله سبحانه وتعالى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أي ينقطع مدهن {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} ] البقرة: 222 [أي: اغتسلن.
ولأنه قد ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الطهارة وصحة الصيام.
ولأنها ليست حائضاً. فوجب أن تكون طاهراً؛ لأنهما ضدان على التغيير. فيلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر.
(وإلا) أي: وإن لم تكن حائضاً حين قوله: إذا طهرت فأنت طالق: (فـ) -إنها تطلق (إذا طهرت) أي: انقطع دمها (من) حيضة (مستقبَلة)؛ لأن إذا اسم لزمن مستقبل يقتضي فعلاً مستقبلاً، وهذا الطهر والحيض مستدام غير متجدد، ولا يفهم من إطلاق حاضت المرأة وطهرت إلا ابتداء ذلك فتعلقت الصفة به.
(و) من قال لزوجته: (إن حضتِ فأنت وضرَتُكِ طالقتان، فقالت: حضت وكذَّبها: طلَقت وحدها) أي: دون ضرتها؛ لأن قولها مقبول على نفسها. وأما الضرة فلا تُطلَّق إلا أن تقيم بينة على حيض المقول لها ذلك. وإن أقر بحيض المقول لها ذلك طلقتا بإقراره وكذا لو كذبتاه
(1)
.
(و) من قال لزوجته: (إن حضتما فأنتما طالقتان، وأدَّعتاه) أي: ادعت
كل واحدة منهما أنها حاضت، (فصدَّقهما: طلقتا)؛ لأنه بتصديقه مقر بوقوع الطلاق عليه.
(وإن أكذبهما: لم تطلقا) أي: لم تطلق واحدة منهما؛ لأن طلاق كل واحدة منهما متعلق بشرطها وهما حيضها وحيض ضرتها، وإقرار كل واحدة منهما على ضرتها غير مقبول فلا تطلق بقولها.
(وإن أكذب إحداهما: طلقت وحدها)، لأن قولها مقبول في حقها [وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطان في حقهما. ولم تطلق المصدقة؛ لأن قول ضرتها غير مقبول في حقها]
(2)
ولم يصدقها الزوج. فلم يوجد شرط
(3)
طلاقها. (وإن قاله لأربع) أي: قال الزوج لنسائه الأربع: إن حضتن فأنتن طوالق، (فادَّعينه) أي: ادعى الأربع أنهن حضن، (وصدَّقهن: طلِّقن) جميعهن؛ لأنه قد علق طلاق كل واحدة على حيض الأربع. فإذا صدقهن طلقن كلهن؛ لأنه قد وجد حيضهن بتصديقه
(4)
.
(وإن صدَّق ثلاثاً) منهن: (طلقت المكذَّبة) وحدها؛ لأن قولها مقبول في حيضها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت. وإنما لم تطلق المصدقات، لأن قول المكذَّبة غير مقبول في حقهن.
(وإن صدَّق دون ثلاث: لم يقع شيء) من الطلاق. يعني: أنه متى صدق
(1)
في أ: ولو أكذبتاه.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: فلو يوجد شرطاً.
(4)
في ج: بتصديقهن.
واحدة أو اثنتين فقط لم تطلق واحدة منهن، لأنه لم يوجد شرط الطلاق " لكون قول كل واحدة منهن لم يعمل به إلا في حق نفسها.
(وإن قال) لنسائه الأربع: (كلما حاضت إحداكن) فضراتها طوالق، (أو) قال لنسائه الأربع:(أيتُكن حاضت فضرَّاتها طوالق، فادَّعينه) أي: ادعت كل واحدة منهن أنها حاضت، (وصدقهن: طلقن كاملاً) أي: ثلاثاً ثلاثاً " لأنه مقر بحيض كل واحدة. فيقع بكل واحدة تحيض كل واحدة من ضرائرها الثلاث طلقة، فيطلقن ثلاثاً ثلاثاً.
(وإن صدق واحدة)[من الأربع وكذب تلاثاً]
(1)
: (لم تطلق)، لأنه
لا يقبل قول ضرائرها عليها، (وطلق ضراتها طلقة طلقة)، لأن لهن صاحبة ثبت حيضها بإقراره. بخلاف المصدقة، لأنها ليس لها من صواحبها من ثبت حيضها.
(وإن صدَّق ثنتين: طلّقتا طلقة طلقة)، لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة، (و) طلقت (المكذبتان ثنتين ثنتين)، لأن لكل واحدة منهن ضرتين مصدقتين.
(وإن صدق) من الأربع (ثلاثاً: طلقن ثنتين ثنتين)، لأن لكل واحدة منهن ضرتين مصدقتين، (و) طلقت (المكذبة ثلاثاً)، لأن لها ثلاث ضرائر مصدقات.
(و) من قال لزوجتيه: (إن حضتما حيضة) فأنتما طالقتان، (طلقتا بشروعهما في حيضتين) في الأصح، الأشهر من الأربعة أوجه
(2)
.
قال في " الإنصاف ": قاله القاضي أبو يعلى وغيره.
قال في " الفروع ": والأشهر تطلق بشروعهما. وأطلقهن في " القواعد
الأصولية ". انتهى.
(1)
ساقط من أ.
(2)
في أ: الأوجه.
ووجه ذلك: أن وجود الحيضة الواحدة منهما محال فيلغو قوله: حيضة، ويصير كقوله: إن حضتما فأنتما طالقتان.
ومن قال لزوجتيه: إن حضتما فأنتما طالقتان طلقتا بشروعهما في حيضتين. والوجه الثاني: لا يطلقان إلا بحيضة من كل واحدة؛ لأن الحيضة الواحدة منهما لا تمكن فيكون كأنه قال: إن حضتما كل واحدة حيضة فأنتما طالقتان.
والوجه الثالث: تطلقان بحيضة من إحداهما؛ لأن الشيء يضاف إلى جماعة وقد فعله واحد منهم، فيقال: قتل الجيش فلاناً وقد قتله أحدهم.
وقال سبحانه وتعالى: (يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)[الرحمن: 22] وإنما
يخرج من أحدهما. فلما كان هذا الفعل لا يمكن اشتراكهما فيه؛ لأنه واحد كان وجوده من إحداهما وجوداً منهما؛ لأن الاشتراك في الحيضة الواحدة غير مراد؛ لاستحالته، فتوجد الصفة بوجودها من إحداهما فيطلقان.
والوجه الرابع: لا تنعقد الصفة فلا تطلق واحدة منهما بوجود حيض منهما؛
لأنه تعليق بالمستحيل. فلا يقع؛ كقوله: أنتما طالقتان إن صعدتما السماء. قال في " الإنصاف ": هذه المسألة مبنية على قاعدة أصولية وهي: ما إذا لم ينتظم الكلام إلا بارتكاب مجاز: إما بارتكاب مجاز الزيادة، أو بارتكاب مجاز النقصان. فارتكاب مجاز النقصان أولى؛ لأن الحذف في كلام العرب أكثر من الزيادة. ذكره جماعة من الأصوليين. انتهى.
***
(فصل في تعليقه بالحمل والولادة)
(إذا قال) لزوجته: (إن كنتِ حاملاً فأنت طالق، فبانت حاملاً زمن حلف: وقع) الطلاق (منه) أي: زمن الحلف، ويتبين كونها حاملاً زمن حلف بأن تلد لدون ستة أشهر من
(1)
حين حلف ويعيش، أو لدون أربع سنين ولم يطأها بعد حلفه؛ لأن بوضعها في هاتين الصورتين تبينا أنها كانت حاملاً حين اليمين فتطلق بذلك.
(وإلا) أي: وإن لم يتبين كونها حاملاً حين اليمين بأن تلده لأكثر من أربع سنين من حين حلفه، (أو وطئ بعده) أي: بعد حلفه (وولدت لستة أشهر فأكثر من أول وطئه: لم تطلُق) في الأصح؛ لأنها إذا ولدت لستة أشهر فأكثر أمكن أن يكون الولد من هذا الوطء، وأمكن أن يكون من غيره فيكون الطلاق مشكوكاً فيه. والأصل عدم الوقوع مع الشك.
(و) إن قال لها: (إن لم تكوني حاملاً) فأنت طالق، (فبالعكس) يعني: فيكون الحكم على عكس قوله: إن كنت حاملاً فأنت طالق. فكل صورة قلنا في تلك المسألة: لا تطلق، نقول هاهنا: تطلق، وفي كل موضع قلنا هناك: تطلق، نقول هنا: لا تطلق. فإذا ولدت بعد ما مضى ليمينه أكثر مدة الحمل طلقت؛ لأنا نتبين بذلك أن الحمل لم يكن موجوداً عند اليمين؛ لأن أكثر مدة الحمل انقضت ولم تلد. فعلمنا أن الولادة من حملٍ بعده، وإلا فلا تطلق في الأصح.
(ويحرُم وطؤها) أي: وطء الزوج لمن قال لها: إن كنت حاملاً فأنت طالق، أو قال لها: إن لم تكونى حاملاً فأنت طالق (قبل استبراءٍ: فيهما)
(1)
ساقط من أ.
أي: في صورة الإثبات وصورة النفي، (وقبل زوال ريبة، أو ظهور حمل في) الصورة (الثانية) وهي ما إذا قال لها: إن لم تكونى حاملاً فأنت طالق؛ لجواز أن تحمل من الوطء الصادر بعد الحلف. فيطُهر أن الطلاق لم يقع وقد كان وقع، فيكون ذلك ذريعة إلى إباحة المحرم.
ومحل تحريم الوطء: (إن كان) الطلاق (بائناً). نص عليه أحمد وهو الأصح.
وقال القاضي: يحرم وإن كان رجعياً، سواء قلنا أن الرجعية مباحة أو محرمة. وقيل: لا يحرم الوطء مطلقاً؛ لأن الأصل بقاء النكاح.
(ويحصل) الاستبراء (بحيضة موجودةٍ، أو مستقبَلةٍ أو ماضيةٍ لم يطأ بعدها) أي: بعد الحيضة الماضية. وهذا على الأصح.
قال أحمد في رواية أبي طالب: متى قال لامرأته: إذا حملت فأنت طالق
لا يقربها حتى تحيض، فإذا طهرت وطئها، فإن تأخر حيضها أريت النساء من أهل المعرفة. وذلك؛ لأن المقصود معرفة براءة رحمها وهو يحصل بحيضة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:" لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة "
(1)
. يعني: يعلم براءة رحمها من الحمل
(2)
بحيضة.
وقيل: تستبرأ بثلاثة قروء.
(و) من قال لامرأته: (إن) حملتِ فأنت طالق
(3)
، (أو إذا حملت) فأنت طالق، أو متى حملت فأنت طالق:(لم يقع) عليه طلاق (إلا بـ) حمل (متجدد) في الأصح.
وعنه: تطلق إن بانت حاملاً.
والأول، المذهب؛ لأنه علق طلاقها على وجود أمرٍ في زمن مستقبل يقتضي سبباً وهو الوطء. فلا تطلق بوجوده قبله.
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(11614) 3: 62.
(2)
في ج: الحيضة.
(3)
فى أ: الطلاق.
(ولا يطؤ) ها (إن كان وطئ في طُهر حلفه قبل حيض)؛ لجواز أن يكون الوطء سبباً وقدحصل، فيحصل مسببه وهو الطلاق.
(ولا) يطؤها (أكثر من مرة كل طُهر)؛ لجواز أن تحمل من المرة الأولى فيكون وطؤه في المرة الثانية في أجنبية؛ لأن محل تحريم الوطء أكثر من مرة في كل طُهر إذا كان الطلاق بائناً.
(و) لو قال لها: (إن كنت حاملاً بذكر فـ) أنت طالق (طلقة، و) إن كنت حاملاً (بأنثى فـ) أنت طالق (ثنتين، فولدت ذكرين: فـ) ـإنها تطلق (طلقة) واحدة في الأصح؛ لأنه جعل الطلقة الواحدة مع وصف حملها بالذكورية، والطلقتين مع وصفه بالأنوثية، ولم توجد الأنوثية فلا تطلق أكثر من طلقة.
(و) إن ولدت (أنثى) فأكثر (مع ذكر فأكثر: فثلاث) يعني: فإنه يقع عليه ثلاث طلقات بأنثى فأكثر وبالذكر فأكثر واحدة؛ لأنه علق على وجود الحمل بالذكر واحدة وعلى وجوده بالأنثى طلقتين، وقد وجد المعلق عليه فيهما. فيقع المعلق وهو الثلاث.
(وإن قال) لها: (إن كان حملُك) ذكراً فأنت طالق واحدة، وإن كان حملك أنثى فأنت طالق ثنتين، (أو) قال لها: إن كان (ما في بطنك) ذكراً فأنت طالق واحدة، وإن كان ما في بطنك أنثى فأنت طالق ثنتين، (فولدتهما) أي: ولدت ذكراً وأنثى: (لم تطلق)، لأن قوله: إن كان حملك ذكراً، وقوله: إن كان ما في بطنك ذكراً يقتضي حصر الحمل في الذكورة، لأنه جعل قوله: ذكراً خبراً عن الحمل أو عن ما في بطنها. فيقتضي عدم الأنوثية فيه " ليكون الخبر حقاً. فإذا وجدت الأنوثة لم تطلق، لأن حملها لم تتمحض ذكوريته فلا يكون المعلق عليه موجوداً.
وإذا قال: إن كان حملك أنثى، أو قال: إن كان ما في بطنك أنثى يقتضي حصر الحمل في الأنوثة، لأنه جعل قوله: أنثى في الصورتين خبراً عن الحمل أو عما في بطنها. فيقتضي عدم الذكورة فيه، ليكون الخبر حقاً. فإذا وجدت
الذكورية لم تطلق؛ لأن حملها لم تتمحض أنوثيته. فلا تطلق؛ لعدم وجود المعلق عليه.
(ولو أسقط " ما ") من قوله: إن كان ما في بطنك، بأن قال: إن كان في بطنك ذكر فأنت طالق واحدة وإن كان في بطنك أنثى فأنت طالق ثنتين فولدت ذكراً وأنثى: (طلقت ثلاثاً) لوجود الصفة؛ لأنه قد تبين أنه كان في بطنها ذكراً وأنثى. (وما علق) من طلاق (على ولادة: يقع بإلقاء ما تصير به أمة أمَّ ولد) وهو
ما تبين فيه بعض خلق إنسان، لأنها قد ولدت ما يسمى ولداً كما ذكر في باب أمهات الأولاد. فيقع الطلاق؛ لوجود الصفة.
ولا تطلق بإلقاء علقة ونحوها، لأنها لا تسمى ولداً، ويجوز أن لا يكون ابتداء خلق إنسان. فلا يقع الطلاق بالشك.
(و) من قال لزوجته: (إن ولدت ذكراً فـ) أنت طالق (طلقة، و) إن ولدت (أنثى فـ) أنت طالق (ثنتين، فثلاث بمعيَّة) يعني: فإنها تطلق ثلاث تطليقات إذا ولدت ذكراً وأنثى معاً بحيث لا يسبق أحدهما الآخر؛ لأنها طلقت بولادتها للذكر طلقة وللأنثى طلقتين.
(وإن سبق أحدهما) أي: أحد الولدين الآخر (بدون ستة اشهر: وقع ماعلق به) أي: بالسابق منهما؛ لأنه صفة علق عليها الطلاق فوقع بوجودها. ثم إن كان السابق الذكر طلقت به طلقة، (وبانت بـ) ـالولد (الثاني) الذي هو الأنثى، وإن كان السابق الأنثى طلقت بها طلقتين وبانت بالولد الثانى الذي هو الذكر، (ولم تطلق به) أي: بالثانى في الأصح؛ لأن العدة انقضت بوضعه فصادفها الطلاق بائناً. فلم يقع، وكما لو قال: إن مت فأنت طالق. وقد نص أحمد فيمن قال: أنت طالق مع موتى: أنها لا تطلق فهذا أولى، و (كـ) ما لو قال:(أنت طالق مع انقضاء عدِّتك)؛ لوجوب
(1)
تعقب الوقوع الصفة.
(و) إن سبق أحدهما الآخر (بستة أشهر فأكثر وقد وطئ بينهما: فثلاث)
(1)
في ج: لوجود.
يعني: فإنها تطلق ثلاث طلقات؛ لوجوب
(1)
العدة بالوطء بينهما. فيكون الثانى من حمل مستأنف بلا خلاف بين الأمة. فلا يمكن ادعاء أن تحمل بولد بعد ولد. قاله في " الخلاف " وغيره في الحامل لا تحيض.
(ومتى أشكل سابق) فيما إذا ولدتهما متعاقبين وجهل: هل سبق الذكر الأنثى فتطلق به وتبين بها، أو الأنثى الذكر فتطلق بها وتبين به:(فطلقة) يعني: فإنها تقع عليها طلقة واحدة (بيقين، ويلغو ما زاد) فلا تلزمه الطلقة الثانية للشك فيها في الأصح. والورع: أن يلتزم الطلقة الثانية؛ لاحتمال سبق الأنثى.
وقال القاضي: قياس المذهب: أن يقرع بينهما.
(ولا فرق بين) كون (من تلده حيَّاً أو ميتاً)؛ لأن الشرط ولادة ذكر أو أنثى
وقد وجدت.
ولأن العدة تنقضى به وتصير به الأمة أمَّ ولد فيكون معتبراً. كذلك هنا.
(و) من قال لزوجته: (إن ولدتِ ذكرين، أو) ولدت (انثيين، أو) ولدت (حييّن، أو) ولدت (ميتيّن فأنت طالق، فلا حنث بذكر وأنثى) يعني: فلا تطلق إن ولدت ذكراً وأنثى: (أحدهما فقط حي) يعني: والآخر ميت؛ لأن الصفة لم توجد.
(و) من قال لزوجته: (كلَّما ولدت) فأنت طالق، (أو زاد: ولداً) بأن قال: كلما ولدت ولداً (فأنت طالق، فولدت ثلاثة) أي: ثلاثة أولاد (معاً) أي: غير متعاقبين: (قثلاث) أي: فإنها تطلق ثلاثاً؛ لأن الولادة متعددة بالنسبة إلى كل واحد من الأولاد، وكما تنسب الولادة إلى الواحد منهم تنسب إلى كل واحد من الآخرين، وقد علق الطلاق بكل ولادة فيقيع بكل ولادة طلقة.
(و) إن ولدت الثلاثة (مُتعاقبَين) بأن ولدت ولداً
(2)
ثم آخر ثم آخر:
(1)
في ج: لوجود.
(2)
في ج: واحداً.
(طلّقت بأول) طلقة (وبثان) طلقة، (وبانت بثالث) ولم تطلق به؛ لأن العدة انقضت بوضعه.
(و) إن قال: كلما ولدت فأنت طالق فـ (ولدت اثنين) متعاقبين، (و) كان قد (زاد: للسنة)، بأن قال: كلما ولدت فأنت طالق للسنة، (فـ) ـإنه يقع بها (طلقة بطهر) من نفاسها، (ثم) طلقة (أخرى بعد طُهرٍ من حيضة). ذكره القاضي.
***
[فصل: تعليق الطلاق بالطلاق]
(فصل في تعليقه) أي: تعليق الطلاق (بالطلاق.
إذا قال) زوجٌ لزوجته: (إن طلقتك فأنت طالق، ثم أوقعه) أي: أوقع عليها الطلاق (بائناً) يعني: على عوض، أو كانت غير مدخول بها:(لم يقع ما عُلِّق) يعني: لم يقع الطلاق المعلق؛ لأنه لم يصادف عصمة؛ (كمعلق) يعني: كما لو علق الطلاق (على خلع) فإنه لا يقع إذا وجد الخلع؛ لوجوب تعقب الوقوع الصفة.
(وإن أوقعه) أي: أوقع الزوج الطلاق (رجعيّاً) وقع ثنتان، طلقة بالمباشرة وأخرى بوجود الصفة؛ لأنه جعل تطليقها شرطاً لوقوع طلاقها. فإذا وجد الشرط وقع الطلاق.
(أو علقه بقيامها ثم بوقوع طلاقها) بأن قال لها: إن قمت فأنت طالق، ثم
قال لها: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق (فقامت: وقع ثنتان)، طلقة بقيامها وأخرى بوقوع الطلاق عليها؛ بوجود الصفة وهي قيامها. وإن كانت غير مدخول بها طلقت واحدة فقط؛ بوجود قيامها وقد بانت.
(وإن علقه) أي: علق طلاقها (بقيامها ثم بطلاقه لها) بأن قال: إن قمت فأنت طالق، ثم قال لها: إن طلقتك فأنت طالق فقامت: طلقت طلقة واحدة بقيامها، ولم تطلق بتعليق الطلاق؛ لأنه لم يطلقها.
(أو إيقاعه) بأن قال لها: إن قمت فأنت طالق، ثم قال لها: إن أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق (فقامت: فواحدة) أي: فتطلق واحدة بقيامها. ولم تطلق بتعليق الإيقاع؛ لأنه لم يوقع عليها طلاقاً بعد التعليق.
(وإن علقه) أي: علق طلاقها (بطلاقها ثم بقيامها) بأن قال: إذا طلقتك
فأنت طالق، ثم قال: إن قمت فأنت طالق (فقامت: فثنتان)، واحدة بقيامها وأخرى بتطليقها الحاصل بالقيام؛ لأن طلاقها بوجود الصفة تطليق لها.
(و) إن قال لها: (إن طلقتك فأنت طالق، ثم قال: إن وقع عليك طلاقي
فأنت طالق، ثم نجَّزه) أي: نجز طلاقها، حال كونه (رجعيّاً)، بأن كان الطلاق مما يملكه الزوج، وكانت الزوجة مدخولاً بها:(فثلاث)، واحدة بالمباشرة واثنان بالوقوع والإيقاع في الأصح.
وقال القاضي: التعليق مع وجود الصفة ليس تطليقاً.
(فلو قال: أردت إذا طلقتُك طلقت ولم أُردْ عقد صفة، دُيَّن) فيما بينه وبين
الله سبحانه وتعالى
(1)
؛ لأن كلامه يحتمله، (ولم يقبل) منه
(2)
(حكماً)؛ لأنه خلاف الظاهر.
(و) من قال لزوجته المدخول بها: [(كلَّما طلقتك فأنت طالق، ثم قال)
لها: (أنت طالق: فثنتان)، طلقة بالخطاب وطلقة بالتعليق؛ لأن الطلاق معلق على تطليقها، ولم تطلق أكثر من ذلك؛ لأن التطليق لم يوجد إلا مرة واحدة.
(و) لو قال لها]
(3)
: (كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم وقع) عليها
طلاقه (بمباشرة)؛ كما لو قال لها: أنت طالق، (أو سببٍ)؛ كما لو علق طلاقها على فعل شيء ففعلته. ولا فرق بين كون التعليق بعد ما قال لها ذلك أو قبله:(فثلاث) يعني: فإنها تطلق ثلاثاً؛ لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة. ومحل ذلك: (إن وقعت) الطلقة (الأولى و) الطلقة (الثانية رجعيَّتين)؛
لأنها إذا طلقت بائناً لم يلحقها ما علق عليه.
(ومن علق) الطلاق (الثلاث بتطليق يملك فيه الرجعة)؛ كما لو قال:
كلما طلقتك طلاقاً أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثلاثاً، (ثم طلَّق واحدة) وهي
(1)
ساقط من أ.
(2)
زيادة من ج.
(3)
ساقط من أ.
مدخول بها: (وقع الثلاث) في الأصح، لأن امتناع الرجعة هاهنا لعجزه عنها،
لا لعدم ملكها.
(و) من قال لزوجته: (كلَّما) وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً،
(أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً، ثم قال لها: أنت طالق: فثلاث)، منها (طلقة بالمنجَّز، وتتمتُها من المعلَّق. ويلغو قوله: قبله). وهذا قول أبي بكر والقاضي وهو الأصح؛ كما لو قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق ثلاثاً، ثم قال لها: أنت طالق.
وقال ابن عقيل: تطلق بالطلاق المنجز ويلغو المعلق، لأنه طلاق في زمن ماض.
وقال أبو العباس بن سريج الشافعي ومن تبعه: لا تطلق أبداً، لأن وقوع الواحدة يقتضي وقوع ثلاث قبلها، وذلك يمنع وقوعها. فإثباتها يؤدي إلى نفيها فلا تثبت.
ولأن إيقاعها يفضي إلى الدور، لأنها إذا وقعت وقع قبلها ثلاث فيمتنع وقوعها، وما أفضى إلى الدور وجب قطعه من أصله.
(وتسمى) هذه المسألة (السُّرَيجيَّة)؛ لأن ابن سريج أول من قال بها.
ولنا: أنه طلاق من مكلف مختار في محل نكاح صحيح. فيجب أن يقع،
كما لو لم يعقد هذه الصفة.
ولأن عمومات النصوص تقتضي وقوع الطلاق مع بقاء العصمة في كل صورة، من ذلك قوله سبحانه وتعالى:{فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ} [البقرة: 230].
وقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228]
وقوله سبحانه وتعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ)[البقرة: 237].
وكذا سائر النصوص.
ولأن. الله سبحانه وتعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به. وما قاله من
لا يرى وقوعه يمنعه بالكلية ويبطل مشروعيته ويفوت مصلحته، فلا يجوز ذلك بمجرد الرأي والتحكم.
وما ذكره ابن سريج ومن تبعه من التعليل والإفضاء إلى الدور فغير مسلَّم فإنا إذا
قلنا: لا يعلق الطلاق المعلق فله وجه؛ لأنه أوقعه في زمن ماض ولا يمكن وقوعه في الماضي فلم يقع؛ كما لو قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بيوم فقدم في اليوم. ولأنه جعل الطلقة الواقعة شرطاً لوقوع الثلاث، ولا يوجد المشروط قبل شرطه
(1)
.
فعلى هذا لا يمنع وقوع الطلقة المباشرة ولا يفضي إلى دور ولا غيره.
وكون الطلاق المعلق قبله بعده محال لا يصح الوصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق؛ كما لو قال: إن طلقتك فأنت طالق ثلاثاً لا تلزمك، فإن قوله: لا تلزمك لغو.
وما تقدم من وقوع الثلاث بطلقة بالمنجز وتتمتها من المعلق فهو في المدخول بها.
(ويقع بمن لم يدخل بها، المنجَّزة فقط)؛ لبينونتها بالمنجز.
(و) من قال لزوجته: (إن وطئتُك وطئاً مباحاً) فأنت طالق قبله ثلاثاً
(2)
،
(أو إن أبنتك) فأنت طالق قبله ثلاثاً، (أو) إن (فسختُ نكاحك) فأنت طالق قبله ثلاثاً، (أو إن ظاهرت منك) فأنت طالق قبله ثلاثاً، (أو) قال لرجعية:
(إن راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثاً، ثم وُجد شيء مما عُلِّق عليه) الطلاق: (وقع الثلاث، ولغا قوله: قبله).
قال في " الفروع ": ففي
(3)
" الترغيب " تلغو صفة القبلية، وفي إلغاء الطلاق من أصله الوجهان، ويتوجه الأوجه.
(1)
في ج: شروعه.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: وفي.
وفي " الرعاية ": احتمال في الثانية والثالثة: يقعان معاً. انتهى.
فقوله: ففي " الترغيب " كذا مقتصراً عليه يدل على رضاه به، وأنه ليس عنده ما يخالفه.
وقال في " الرعاية " بعد قوله: طلقت ثلاثاً، وقيل: لا تطلق في: أبنتك وفسخت نكاحك، بل تبين بالإبانة والفسخ. انتهى.
وقد ظهر من كلام صاحب " الرعاية " على القول الثانى: بل تبين بالإبانة والفسخ أنها لا تبين بقوله: أبنتك وفسخت نكاحك على القول المقدم، وإذا لم تبن بذلك فلا إشكال في وقوع الطلاق المعلق على ذلك مع إلغاء قوله: قبله. وهذا بخلاف قوله
(1)
: إذا ثبت أو إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثاً ثم بانت منه بخلع [أو غيره]
(2)
، أو فسخت نكاحها
(3)
لمقتضٍ فإنها لا تطلق؛ لأنها إذا بانت لم يبق للطلاق محل يقع فيه.
(و) من قال لزوجته: (كلما طلقتُ ضرتك فأنت طالق، ثم قال مثله للضرّة، ثم طلَّق الأولى) بأن قال لها: أنت طالق: (طَلقت الضرَّة طلقة) واحدة بالصفة الموجودة بطلاق الضرة، (و) طلقت (الأولى ثنتين)، واحدة بالمباشرة وواحدة بالصفة؛ لأن وقوعه بالضرة تطليق؛ لأنه أحدث فيها طلاقاً بتعليقه طلاقها ثانياً.
(وإن طلَّق الضرَّة) التي قال لها ثانياً مثل ما قال للأولى (فقط) يعني: ولم يطلق الأولى بعد أن قال لهما ما قال: (طلقتا) أي: الأولى والأخرى (طلقة طلقة)، الضرة بالمباشرة والأولى بالصفة، ولم يقع بالثانية طلقة أخرى؛ لأن طلاق الأولى إنما وقع بالتعليق السابق على تعليق طلاق الثانية. فلم يحدث بعد تعليق طلاق الثانية طلاقها.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من أ.
(3)
في أ: لنكاحها.
(ومثل ذلك): إذا قال زوج حفصة وعمرة مثلاً: (إن) طلقت حفصة فعمرة طالق، (أو) قال:(كلما طلَّقت حفصة فعمرة طالق، ثم قال: إن) طلقت عمرة فحفصة طالق، (أو) قال:(كلما طلقت عمرة فحفصة طالق فحفصة) هنا
(1)
(كالضرة فيما قبل.
وعكس ذلك قوله لعمرة: إن طلقتُك فحفصة طالق، ثم) قوله (لحفصة: إن طلقتك فعمرة طالق، فحفصة هنا كعمرة هناك).
قال ابن عقيل في المسألة الأولى: أرى متى طلقت عمرة طلقة بالمباشرة وطلقة بالصفة: أن يقع على حفصة أخرى بالصفة في حق عمرة فيقع الثلاث عليهما، وأن قول أصحابنا: في كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ووجد رجعياً يقع ثلاث يعطي استيفاء الثلاث في حق عمرة؛ لأنها طلقت طلقة بالمباشرة وطلقة بالصفة، والثالثة بوقوع الثانية. وهذا بعينه موجود في طلاق عمرة المعلق بطلاق حفصة. انتهى.
وعبارته في " شرح المقنع ": إذا قال: إن طلقت حفصة فعمرة طالق، ثم قال: إن طلقت عمرة فحفصة طالق ثم طلق حفصة: طلقتا معاً، حفصة بالمباشرة وعمرة بالصفة، ولم ترد كل واحدة منهما على طلقة. وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت طلقتين وطلقت حفصة طلقة واحدة؛ لأنه إذا طلق حفصة طلقت عمرة بالصفة؛ لكونه علق طلاقها على طلاق حفصة ولم يعد على حفصة طلاق آخر؛ لأنه ما أحدث في عمرة طلاقاً، وإنما طلقت بالصفة السابقة على تعليقه طلاقها. وإن بدأ بطلاق عمرة طلقت حفصة؛ لكون طلاقها معلقاً على طلاق عمرة، ووقوعه بها تطليق لها؛ لأنه أحدث فيها طلاقاً بتعليقه طلاقها على تطليق عمرة بعد قوله. إن طلقت حفصة فعمرة طالق. ومتى وجد التعليق والوقوع معاً فهو تطليق. وإن وجدا معاً بعد تعليق الطلاق بطلاقها وقع الطلاق المعلق بطلاقها، وطلاق عمرة هاهنا معلق بطلاقها، فوجب القول بوقوعه. ولو قال
(1)
زيادة من ج.
لعمرة: كلما طلقت حفصة فأنت طالق، ثم قال لحفصة: كلما طلقت عمرة فأنت طالق، ثم قال لعمرة: أنت طالق: طلقت طلقتين، وطلقت حفصة طلقة واحدة. وإن طلق حفصة ابتداء لم يقع بكل واحدة منهما إلا طلقة، لأن هذه المسألة كالتي قبلها سواء، فإنه بدأ بطلاق عمرة على تطليق حفصة ثم ثنى بتعليق طلاق حفصة على تطليق عمرة. ولو قال لعمرة: إن طلقتك فحفصة طالق، ثم قال لحفصة: إن طلقتك فعمرة طالق، ثم طلق حفصة: طلقت طلقتين، وطلقت عمرة طلقة. وإن طلق عمرة طلقت كل واحدة منهما طلقة، لأنها عكس التي قبلها. ذكر هاتين المسألتين القاضي في " المجرد ". انتهى.
(و) إن قال زوج (لأربع: أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبُها طوالق، ثم أوقعه) أي: أوقع طلاقه (على إحداهن) أي: إحدى الأربع: (طلقن كاملاً) أي: ثلاثاً ثلاثاً؛ لأنه لما أوقعه على إحداهن طلقت بإيقاعه طلقة، وطلقت كل واحدة من صواحبها بوقوعه عليها طلقة، وصار إذا وقع بواحدة طلقة يقع بكل واحدة من صواحبها طلقة وقد وقع الطلاق على جميعهن فطلقت كل واحدة طلاقاً كاملاً.
(و) لو قال لهن: (كلَّما طلَّقت واحدة فعبد) من عبيدي (حر، و) كلما طلقت (ثنتين فاثنان) من عبيدي حران، (و) كلما طلقت (ثلاثاً) منكن (فثلاثة) من عبيدي أحرار، (و) كلما طلقت (أربعاً) منكن (فأربعة) من عبيدى أحرار، (ثم طلَّقهن ولو) كان طلاقه لهن (معاً) " كما لو قال لهن: أنتن طوالق: (عتَََق خمسة عشر عبداً) في الأصح، لأن فيهن أربع صفات، هن أربع فيعتق أربعة وهن أربعة آحاد، فيعتق أربعة وهن اثنتان واثنتان، فيعتق بذلك أربعة وفيهن ثلاث فيعتق بهن ثلاثة. وإن شئت قلت: يعتق بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة؛ لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة " لأنها واحدة وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة سبعة، [لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة، وهي مع الأولى والثانية ثلاث. ويعتق بالرابعة سبعة، لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة، وهي مع الأولى ثنتان. ويعتق بالثالثة أربعة، لأنها واحدة، وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة
سبعة]
(1)
؛ لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة، وهي مع الثالثة اثنتان، وهي مع الثلاث التي قبلها أربع.
وقيل: يعتق سبعة عشر؛ لأن صفة الثانية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد بضم الأولى إلى الثانية، وبضم الثانية إلى الثالثة وبضم الثالثة إلى الرابعة.
وقيل: يعتق عشرون. وهو قول أبي حنيفة، لأن صفة الثالثة وجدت مرة ثانية بضم الثانية والثالثة إلى الرابعة.
وقيل: لا يعتق إلا عشرة، بالواحدة واحد، وبالثانية اثنان، وبالثلاث ثلاثة، وبالأربع أربعة.
وقيل: لا يعتق إلا أربعة؛ كما لو قال: كلما طلقت أربعاً فأربعة أحرار.
(وإن أتى) الزوج (بدل) قوله: (كلَّما، بـ) قوله: (إن أو نحوها) أي: نحو إن مثل: إذا؛ كقوله: إذا طلقت واحدة فعبد من عبيدي حر، [وإذا طلقت ثنتين فعبدان حران]
(2)
، وإذا طلقت ثلاثاً فثلاثة أحرار، وإذا طلقت أربعة فأربعة أحرار، ثم طلق الأربع:(عتَق عشرة) أعبد فقط؛ لعدم تكرارها.
(و) من قال لزوجته: (إن أتاكِ طلاقي فأنت طالق، ثم كتب إليها: إذا أتاك كتابي فأنت طالق، فأتاها) الكتاب (كاملاً، ولم يَنْمَحِ ذكرُ الطلاق) منه: (فثنتان) يعني: فإنها تطلق طلقتين، طلقة بتعليقها على الكتاب، وطلقة بتعليقها على إتيان الطلاق؛ لأن الطلاق أتاها بكتابه إليها المعلق عليه الطلاق.
(فإن قال: أردت أنك طالق بـ) -الطلاق (الأول، دُيِّن) فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى؛ لأن كلامه يحتمله وهو أعلم بنيته، (وقُبل حُكماً)؛ لظهوره.
(ومن كتب) إلى امرأته: (إذا قرأتِ كتابي فأنت طالق، فقُرىّ عليها وقع) الطلاق: (إن كانت أمِّيِّة) وهي التي لا تقرأ المكتوب، لأن ذلك هو المراد بقرائتها.
(1)
ساقط من أ.
(2)
ساقط من أ.
(وإلا) أي: وإن لم تكن أميَّة: (فلا) تطلق بقراءة الكتاب عليها في الأصح؛ لأنها لم تقرأه. والأصل في اللفظ كونه للحقيقة إلا مع التعذر؛ كما لو كانت أمية.
ومن حلف: لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث؛
لأن هذه قراءة الكتب في عرف الناس، فتنصرف يمينه إليه، إلا أن ينوي حقيقة القراءة فلا يحنث إلا بها.
(فصل في تعليقه بالحلف)
(إذا قال) لزوجته: (إن حلفتُ بطلاقكِ فأنت طالق، ثم علَّقه) أي: علق طلاقها (بما) أي: بشئ (فيه حثُّ) على فعل، كقوله: إن لم أدخل الدار فأنت طالق.
(أو منعُ) من فعل؛ كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق.
(أو تصديق خبر)؛ كقوله: أنت طالق لقد قمت، وإن لم يكن هذا القول
حقا فأنت طالق.
(أو تكذيبه)؛ كقوله: أنت طالق إن لم يكن هذا القول كذبا: (طلقت في الحال).
وهذا كله في الحقيقة ليس بيمين. وإنما سمي حلفاً تجوزاً؛ لما فيه من المعنى المقصود بالحلف وهو الحنث أو الكف أو التأكيد.
(لا إن علَّقه بمشيئتها) أو مشيئة سواها.
(أو) علقه بـ (حيض، أو) بـ (طُهر، أو طلوع الشمس، أو قدوم الحاج، ونحوه)؛ كخسوف القمر، ومجيء المطر، ونبات الشجر.
(و) من قال لزوجته: (إن حلفت بطلاقكِ) فأنت طالق، (أو) قال لها:
(إن كلمتك فأنت طالق وأعاده) لها (مرة) أخرى: (فطلقة) يعني: فإنها تطلق طلقة؛ لأن إعادته حلف. (و) إن أعاده (مرتين: فثنتان) يعني: فتطلق طلقتين. (و) إن أعاده (ثلاثاً) أي: ثلاث مرات: (فثلاث) يعني: فإنها تطلق ثلاثاً؛ لأن كل مرة
(1)
يوجد بها شرط الطلاق وينعقد شرط طلقة أخرى.
(1)
في ج: من.
وذلك " لأنه تعليق للطلاق على شرط يمكن فعله وتركه. فكان حلفاً " كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق.
ومحل ذلك: (ما لم يقصد إفهامَها في) قوله: (إن حلفت) بطلاقك فأنت طالق، لا في قوله. إن كلمتك، لأنه تكليم قُصد به الإفهام أو لا.
قال في " الفر ع ": وإن قصد بإعادته إفهامها لم يقع. ذكره أصحابنا. بخلاف ما لو أعاده من علقه بالكلام. وأخطأ بعض أصحابنا وقال فيها كالأولى. ذكره في " الفنون ".
ومحل ذلك أيضاً: إذا كانت الزوجة مدخولاً بها.
(وتَبين غير مدخول بها) إذا أعاده مرة أخرى
(1)
(بطلقة.
ولم تنعقد يمينه الثانية والثالثة في مسألة الكلام) في غير المدخول بها في الأصح؛ لبينونتها بشروعه في الكلام فلم يحصل جواب الشرط إلا وهي بائن. بخلاف مسألة الحلف فإنها لا تبين إلا بعد انعقاد اليمين. فتنعقد بحيث أنه لو تزوجها بعد ثم حلف بطلاقها طلقت " لوجود الحنث باليمين المنعقدة في النكاح السابق. ولذلك مأخذان:
أحدهما: وهو مأخذ القاضي ومن تبعه: أن الكلام يحصل بالشروع في الإعادة قبل إتمامها فيقع الطلاق قبل إنهاء الإعادة فلا ينعقد؛ لأن إتمام اليمين حصل بعد البينونة.
والمأخذ الثانى: أن الطلاق وإن وقف وقوعه إلى ما بعد إنهاء الإعادة إلا أن الإعادة تترتب عليها البينونة فيقع انعقاد اليمين مع البينونة. فيخرج على الخلاف في ثبوت الحكم مع المانع أو مع سببه. والأصح عند الموفق عدمه.
(و) من قال لزوجتيه: (إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان، وأعاده:
وقع بكل) من الزوجتين (طلقة)؛ لما تقدم.
(وإن لم يدخُل بإحداهما) أي: إحدى الزوجتين، (فأعاده بعدُ) أي:
(1)
ساقط من أ.
بعد أن وقع بكل واحدة طلقة: (فلا طلاق)، لأن الحلف بطلاق البائن لايمكن.
(ولو نكح البائن، ثم حلف بطلاقها: طلقتا أيضاً طلقة طلقة) فتصير كل واحدة منهما مطلقة طلقتين في الأصح، لأن الصفة الثانية منعقدة في حقهما جميعاً. ذكره الأصحاب.
وأُورد عليه: أن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرط الحلف بطلاقها مع طلاق الأخرى، فكل واحد من الحلفين جزء علة لطلاق كل واحدة منهما، فكما أنه لابد من الحلف بطلاقها في زمن يكون فيه أهلاً لوقوع الطلاق كذلك الحلف بطلاق ضرتها؛ لأنه جزء علة لطلاق نفسها ومن تمام شرطه فكيف يقع
(1)
بهذه التي جدد نكاحها الطلاق وإنما حلف بطلاق ضرتها وهي بائن؟
وأجيب عنه: بأن وجود الصفة كلها في النكاح لا حاجة إليه، ويكفي وجود آخرها فيه ليقع الطلاق عقبه
(2)
.
(و) إن أتى (بـ " كلما " بدل) قوله: (" إن ") بأن قال لزوجتيه: كلما حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده وكانت إحداهما غير مدخول بها، ثم أعاده حال بينونتها، ثم نكح البائن وأعاده: طلقتا (ثلاثاً ثلاثاً: طلقة عقب حلفه ثانياً، وطلقتين لما نكح البائن وحلف بطلاقها)، لأن اليمين الأولى لم تنحل باليمين الثانية؛ لأن كلما للتكرار واليمين الثانية باقية، فتكون اليمين الثالثة التي تكملت بحلفه على التي جدد
(3)
نكاحها شرطاً لليمين الأولى والثانية فيقع بها طلقتان لذلك. وهذا بخلاف ما لو كان التعليق بـ " أن "، فإن اليمين الأولى تنحل بالثانية، لعدم اقتضائها التكرار فتبقى اليمين الثانية فقط، فإذا أعادها بعد الثانية مرة أخرى وجد شرط الثانية فانحلت أيضاً وتنعقد الثالثة.
(ومن قال لزوجتيه حفصة وعمرة: إن حلفتُ بطلاقكما فعمرة طالق، ثم
(1)
ساقط من أ.
(2)
في ج: عقيبه.
(3)
في ج: تجدد.
أعاده: لم تطلق واحدة منهما)؛ لأن هذا حلف بطلاق عمرة وحدها. فلم يوجد الحلف بطلاقهما.
) ولو قال بعده. إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق: طلقت عمرة)؛ لأنه حلف بطلاقهما بعد تعليقه طلاقها عليه.
(ثم إن قال) بعد ذلك: (إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق: لم تطلق واحدة منهما)؛ لأنه لم يحلف بطلاقهما، وإنما حلف بطلاق عمرة وحدها. (ثم إن قال) بعد ذلك:(إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق. طلقت حفصة) وحدها.
(و) إن قال (لمدخول بهما " كلما حلفت بطلاق إحداكما، أو) قال: كلما حلفت بطلاق (واحدة منكما فأنتما طالقتان، وأعاده: طلقتا ثتنين ثنتين)؛ لأن قوله ذلك حلف بطلاق كل واحدة منهما، وحلفه بطلاق كل واحدة يقتضي طلاق الثنتين، فطلقتا بحلفه بطلاق واحدة طلقة طلقة، وبحلفه بطلاق الأخرى طلقة طلقة.
(وإن قال) لهما: كلما حلفت بطلاق إحداكما، أو قال: كلما حلفت بطلاق واحدة منكما (فهى) طالق، (أو) قال:(فضرَّتها طالق، وأعاده: فطلقة طلقة) يعني: فإن كل واحدة منهما تطلق طلقة؛ لأن حلفه بطلاق واحدة إنما اقتضى طلاقها وحدها، وما حلف بطلاقها إلا مرة فلا تطلق إلا طلقة.
(وإن قال) لهما: كلما حلفت بطلاق واحدة منكما، أو قال: كلما حلفت بطلاق إحداكما (فإحداكما طالق) وأعاده، (فـ) يقع (طلقة بإحداهما تُعين بقرعة)؛ كما لو قال: إحداكما طالق.
(و) إن قال (لإحداهما: إن حلفت بطلاق ضرَّتكِ فأنت طالق، ثم قاله للأخرى) أي. قال للأخرى مثل ما قال للأولى: (طلَقت الأولى)؛ لأنه قد حلف بطلاق ضرتها. (فإن أعاده للأولى: طلقت الأخرى)؛ لأنه قد حلف بطلاق ضرتها.
***
(فصل في تعليقه بالكلام والإذْن والقربان)
(إذا قال) لزوجته: (إن كلمتك فأنت طالق، فتحقَّقي) ذلك، (أو زجَرها فقال: تنحِّي، أو اسكُتي، أو مُرِّي ونحوه) اتصل ذلك بيمينه أوّلاً في الأصح.
(أو قال لها) بعد التعليق بالكلام: (إن قمت فأنت طالق: طلقت) بذلك
وإن لم تقم؛ لأنه طلاق خارج عن اليمين وقد وجد بعدها فيحنث به.
ومحل ذلك: (ما لم ينو غيره) يعني: إلا أن ينوي أن لا أكلمك بعد انقضاء كلامي هذا، أو ينوي بذلك ترك محادثتها، أو ترك الاجتماع بها ونحو ذلك لم تطلق حتى يوجد ما نواه.
ولو سمعها تذكره بسوء، فقال: الكاذب عليه لعنة الله: حنث. نص عليه؛ لأنه كلمها.
(و) لو قال لها: (إن بدأتُكِ بكلام فأنت طالق، فقالت: إن بدأتُكَ به فعبدي حر: انحلت يمينه)؛ لأنها كلمته. فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء. ومحل ذلك: (إن لم تكن له نية) يعني: إلا أن ينوي أنه لا يبدأها في مرة أخرى وبقيت يمينها معلقة. وإلى ذلك أشير بقوله:
(ثم إن بدأته) بكلام (حنِثَت، وإن بدأها) بكلام بعد قولها: إن بدأتك
به
(1)
فعبدي حر: (انحلت يمينها) أيضاً.
(وإن علَّقه) أي: علق طلاقها (بكلامها زيداً) بأن قال لها: إن كلمت زيداً فأنت طالق، (فكلمته) أي: كلمت زيداً (فلم يسمع) زيد كلامها،
(1)
في ج: بدأتك بكلام.
(لغفلة) من زيد، (أو شغل) عنها، (ونحوه)؛ كخفض صوتها وكانت منه بحيث لو رفعت صوتها سمعها، (أو) كلمته (وهو مجنون، أو) وهو (سكران، أو) وهو (أصم يسمع لولا المانع): حنث؛ لأنها كلمته، (أو كاتبْتُه أو راسلَتْه ولم ينو مشافَهتها): حنث؛ وذلك لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [الشورى: 51].
ولأن القصد بالترك لكلامها إياه هجرانها ولا يحصل ذلك مع مواصلتها بالكتب والرسل.
(أو كلمت غيره) أي: غير زيد، (وزيد يسمع، تقصدُه به: حنث)؛ لأنها قد قصدته وأسمعته كلامها. أشبه ما لو خاطبته.
أما لو أرسلت إنساناً يسأل أهل العلم عن مسألة أو حديث فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث بذلك؛ لأنها لم تقصده بإرسال الرسول.
وكذا (لا) يحنث (إن كلمته)، حال كونه (ميتاً أو غائباً أو مُغمىً عليه أو نائماً) في الأصح؛ لأن التكليم فعل يتعدى إلى المتكلم، ولا يكون ذلك إلا في حالة يمكنه الاستماع فيها.
وكذا لا يحنث إذا كلمته في حالة أشير إليها بقوله:
(أو وهي مجنونة)؛ لأنها لا قصد لها، (أو أشارت إليه) أي: إلى زيد؛
لأن الإشارة ليست بكلام عند أهل الشرع.
(و) من قال لزوجتيه: (إن كلَّمتُما زيداً وعمراً فأنتما طالقتان، فكلمت
كل واحدة واحداً) بأن كلمت إحداهما زيداً وكلمت الأخرى عمراً: (طلقتا) في الأصح؛ لأن المعلق عليه الطلاق وجود الكلام منهما لهما، وقد وجد بالتعليق فيقع الطلاق.
(لا إن قال) لزوجتيه: (إن كلَّمتُما زيداً وكلَّمتُما عمراً) فأنتما طالقتان فإنه
لا يحنث (حتى يكلِّما كلاً منهما) أي: كلاً من زيد وعمرو؛ لأنه علق طلاقهما بكلامهما لكل واحد منهما.
(و) من قال لزوجته: (إن خالفت أمري فأنت طالق، فنهاها، فخالفته
ولا نية) له تخالف لفظه: (لم يحنث، ولو لم يعرف حقيقتهما) أي: حقيقتي الأمر والنهي في الأصح، لأنها خالفت نهيه لا أمره، فأما إن نوى مطلق المخالفة فيحنث، لوجود الصفة وهي المخالفة.
(و) من قال لزوجته: (إن خرجت) بغير إذني، (أو زاد: مرة) بأن قال: إن خرجت مرة (بغير إذنى، أو إلا بإذني، أو حتى آذَنَ لك فأنت طالق، فخرجت ولم يأذن) لها في الخروج: طلقت، لوجود الصفة.
(أو أذن) لها (ثم نهاها) ثم خرجت ولم يأذن لها بعد أن نهاها: طلقت، لخروجها بعد نهيه بغير إذنه في الأصح، لأن هذا الخروج يجري مجرى خروج ثان. (أو أذن) لها (ولم تعلم) فخرجت طلقت، لأن الإذن هو الإعلام ولم يعلمها، (أو) أذن لها و (علمت) فخرجت (ثم خرجت بلا إذنه: طلقت) على الأصح؛ لأنها خرجت بغير إذنه.
وعنه: لا تطلق حتى ينوي الإذن في كل مرة.
(إلا إن أذن) لها (فيه) أي: في الخروج (كلما شاءت). نص عليه،
فلا يحنث بخروجها بعد ذلك بغير حلف متجدد.
(أو قال): إن خرجت (إلا بإذن زيد) فأنت طالق، (فمات زيد ثم خرجت) فإنه لا يحنث.
قال في " الإنصاف ": على الصحيح من المذهب. وحنثه القاضي وجعل المستثنى محلوفاً عليه. انتهى.
فعلى هذا يكون المعنى على قول القاضي: إن حصل منك خروج بدون إذن
زيد فأنت طالق فيفوت المحلوف عليه بموته.
(و) إن قال لها: (إن خرجت إلى غير حمام بلا إذني فأنت طالق، فخرجت له) أي: للحمام (ولغيره) طلقت في الأصح، لأنها إذا خرجت للحمام ولغيره فقد صدق عليها أنها خرجت إلى غير الحمام.
(أو) خرجت (له) أي: للحمام (ثم بدا لها غيره: طلقت) أيضاً في الأصح؛ لأن ظاهر هذه اليمين المنع من غير الحمام. فكيف ما صارت إليه حنث؛ كما لو خالفت لفظه.
نقل الفضل بن زياد عن أحمد أنه سئل: إذا حلف بالطلاق أنه لا يخرج من
بغداد إلا لنزهة فخرج إلى النزهة ثم مر إلى مكة. فقال: النزهة لا تكون إلى مكة. وظاهر هذا أنه حنثه.
(ومتى قال) الزوج بعد خروجها وحلفه: (كنت أذنت) في خروجها
وأنكرت الزوجة، (قُبل) منه إن أتى (ببينة)، لا بدونها؛ لوقوع الطلاق في الظاهر.
(و) من قال لزوجته: (إن قرُبت) بضم الراء (دار كذا فأنت طالق، وقع)
الطلاق على زوجته (بوقوفها تحت فنائها) أي: فناء الدار التي حلف عليها، (ولصوقِها) أي: لصوق الزوجة (بجدارها) أي: جدار الدار التى حلف عليها.
(و) إن قال لها: إن قرِبت دار فلان (بكسر راء قرِبت: لم يقع) عليه
طلاق (حتى تدخُلَها) زوجته.
قال في " الفروع ": لأن مقتضاهما ذلك. ذكرهما في " الروضة "،
واقتصر في " الفروع " على ذلك.
***
(فصل في تعليقه بالمشيئة)
(إذا قال) الزوج لزوجته: (أنت طالق إن) شئت، (أو إذا) شئت، (أو
متى) شئت، (أو أنى) شئت، (أو أين) شئت، (أو كيف) شئت، (أو
حيث) شئت، (أو أيّ وقت شئت، فشاءت) أي: فقالت زوجته: شئت
(ولو) كانت (كارهة).
وعبارته في " التنقيح ": مكرهة. والصواب: كارهة غير مكرهة.
(أو) كانت مشيئتها (بعد تراخ، أو) كانت مشيئتها (بعد رجوعه) عن
تعليق طلاقها على مشيئتها: (وقع) الطلاق المعلق على المشيئة، لأنها صفة
معلق عليها الطلاق. فوقع بوجودها وكان على التراخي، كسائر التعاليق.
ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة. فكان على التراخي؛ كالعتق.
فإن قَيد المشيئة بوقت، فقال: أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به فإن خرج
اليوم قبل مشيئتها لم تطلق.
و (لا) يقع (إن
(1)
قالت: شئتُ إن شئتَ) ولو شاء، (أو) قالت: شئت
(إن شاء أبي ولو شاء) أبوها؛ لأن المشيئة أمر حقيقي لا يصح تعليقه على
شرط. وكذلك إن قالت: قد شئت إن طلعت الشمس. نص على هذا أحمد.
قال أبن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا
قال لامرأته: أنت طالق إن شئت، فقالت: قد شئت إن شاء فلان: أنها قد
ردت الأمر، ولا يلزمها الطلاق وإن شاء فلان. وذلك، لأنه لم يوجد منها
مشيئة إنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط، وليس تعليق المشيئة بشرط مشيئة.
(1)
فى ب: إذا.
(و) إن قال لها: (أنت طالق إن شئتِ وشاء أبوك، أو) أنت طالق (إن
شاء زيد وعمرو، لم يقع حتى يشاءا) أي: تشاء هي وأبوها، أو يشاء
(1)
زيد وعمرو في الأصح ولو شاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي؛ لأن المشيئة [قد وجدت منهما جميعاً.
(و) إن قال لها: (أنت طالق إن شاء زيد، فشاء) زيد (ولو) في حالة كونه (مميزاً يعقلها) أي: يعقل المشيئة]
(2)
، (أو) في حال كونه (سكران، أو) كانت المشيئة (بإشارة مفهومة ممن خَرَسَ، أو كان) زيد (أخرس) وشاء بإشارة مفهومة: (وقع) الطلاق.
أما الصبي العاقل والسكران؛ فلصحة الطلاق منهما؛ لأنهما إذا صح طلاقهما صح أن يشاآه لغيرهما.
وأما من خرس أو كان أخرس؛ لأن طلاقهما في أنفسهما يقع بالإشارة. فصح طلاق من علقه بمشيئة واحد منهما أو بمشيئتهما.
(لا إن مات) زيد، (أو غاب أو جن قبلها) أي: قبل المشيئة فلا تطلق؛
لأن
(3)
شرط الطلاق لم يوجد.
(ولو قال) لزوجته: أنت طالق (إلا أن يشاء) زيد، (فمات) زيد (أو جُنَّ، أو أباها) أي: أبى المشيئة زيد، (وقع) الطلاق (إذاً)؛ لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بشرط ولم يوجد.
(وإن خرس) زيد (وفهمت إشارته: فكنطقه). فلو قال: شئت أن لا تطلق لم يقع.
(وإن نَجَّزَ) طلقة بأن قال: أنت طالق طلقة إلا أن تشائي، أو يشاء زيد ثلاثاً، (أو علق طلقة) بأن قال: هي طالق طلقة إن دخلت الدار (إلا أن تشاء
(1)
في ب: ويشاء.
(2)
ساقط من أوب.
(3)
في أوب: ولأن.
هي، أو) يشاء (زيد ثلاثاً، أو) قال: هي طالق (ثلاثاً) إلا أن تشاء أو يشاء زيد واحدة، أو قال: هي طالق ثلاثاً إن دخلت الدار (إلا أن تشاء أو يشاء) زيد (واحدة، فشاءت أو شاء) زيد (ثلاثاً في) المسألة (الأولى: وقعت) الثلاث في الأصح؛ (كواحدة) أي: كما يقع طلقة واحدة إن شاءت واحدة أو شاء زيد واحدة (في) المسألة (الثانية.
وإن شاءت) هي (أو شاء) زيد (ثنتين) أي: طلقين في المسألتين؛ (فكما لو لم يشاءا) أي: لا هي ولا زيد؛ لأنه لم يقل: إلا أن تشاء هي أو يشاء زيد ثنتين.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق وعبدى حر إن شاء زيد، ولا نية) لقائل ذلك، تخالف ظاهر لفظه. (فشاءهما) أي: شاء زيد الطلاق والعتق: (وقعا) على الأصح.
(وإلا) أي: وإن لم ينو زيد شيئاً: (لم يقع شيء) يعني: وإن لم يشاءهما
لم يقع واحد منهما؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد، وقد وليهما التعليق فيتوقفان عليه، ولا تحصل المشيئة بواحد من العتق أو الطلاق؛ لأن الطلاق والعتق جملة واحدة، فلا تحصل المشيئة بأحد جزئيها دون الأخر. (و) من قال لزوجته (ياطالق) إن شاء الله طلقت. قاله في " الترغيب ". وقال: إنها أولى بالوقوع من قوله: أنت طالق إن شاء الله.
(أو) قال لها: (أنت طالق) إن شاء الله: طلقت.
(أو) قال: (عبدي حر إن شاء الله): عتق.
(أو قدم الاستثناء)؛ كما لو قال: إن شاء الله أنت طالق، أو قال: إن شاء الله عبدي حر: عتق
(1)
(أو قال): أنت طالق إلا أن يشاء الله، أو قال: عبدي حر (إلا أن يشاء الله.
أو) قال: أنت طالق إن لم يشأ الله، أو قال: عبدي حر [(إن لم) يشأ الله.
(1)
ساقط من ب.
(أو) قال: أنت طالق ما لم يشأ الله، أو قال عبدي حر]
(1)
(ما لم يشأ الله: وقعا) أي: الطلاق والعتق على-الأصح، لقصده بقول: إن شاء الله تأكيد الوقوع. وقد نص أحمد على وقوعهما فى رواية الجماعة، وذكر قول قتادة: قد شاء
الله الطلاق حين أذن فيه.
ولأنه تعليق إلى ما لا سبيل إلى علمه. فبطل " كما لو علقه على شيء من المستحيلات.
ولأنه إن شاء حكم في محل. فلم يرتفع بالمشيئة " كالبيع والنكاح، ولتضاد الشرط والجزاء في قوله: أنت طالق، أو عبدي حر إن لم يشأ الله.
(و) من قال لزوجته: (إن قمت) فأنت طالق إن شاء الله، (أو) قال لها:(إن لم تقومي فأنت طالق) إن شاء الله.
(أو) قال سيد لأمته: إن قمت، أو قال: إن لم تقومي فأنت (حرة إن شاء الله.
أو) قال لزوجته: (أنت طالق) إن قمت إن شاء الله، أو أنت طالق إن لم تقومي إن شاء الله، أو أنت طالق لتقومين إن شاء الله، أو أنت طالق لا قصت إن شاء الله.
(أو) قال لأمته: أنت (حرة إن قمت) إن شاء الله، (أو) أنت حرة (إن
لم تقومي) إن شاء الله، (أو) أنت حرة (لتقومين) إن شاء لله، (أو) أنت حرة (لا قمت إن شاء الله).
ففي هذه الصور كلها للأصحاب سبع طرق حررها العلامة ابن رجب ونقلها
عنه في " الإنصاف "، أصحها ما أشير إليه بقوله:
(فإن نوى ردَّ المشيئة إلى الفعل: لم يقع) الطلاق (به) أي: بفعل ما حلف على تركه، أو بترك ما حلف على فعله، لأن الطلاق هاهنا يمين، إذ هو تعليق على ما يمكن فعله وتركه فإذا أضافه إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى لم
(2)
يقع
(1)
ساقط من ب.
(2)
في أ: ما لم، وفي ب: فلم.
عليه طلاق؛ لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه "
(1)
. رواه الخمسة إلا أبا داود.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف فقال: إن شاء الله لم يحنث "
(2)
. رواه الترمذى وابن ماجه.
وقال: " فله ثُنْيَاه "
(3)
.
فإذا نوى رد المشيئة إلى الفعل لم تطلق؛ لأن الفعل بمشئية الله سبحانه وتعالى فإذا رد المشيئة إليه لم يحنث.
فمن قال لزوجته: أنت طالق لتدخلن الدار إن شاء الله لم تطلق، دخلت أو
لم تدخل؛ لأنها إن دخلت فقد فعلت المحلوف عليه، وإن لم تدخل علمنا أن الله سبحانه وتعالى لم يشاءه؛ لأنه لو شاءه لوجد فإن ما شاء الله سبحانه وتعالى كان وما لم يشأه لم يكن.
وكذلك إن قال: أنت طالق لا تدخلى الدار إن شاء الله.
(وإلا) أي: وإن لم ينو رد المشيئة إلى الفعل: (وقع) الطلاق على الأصح.
وقال في " شرح المقنع ": وإن لم تعلم نيته فالظاهر رجوعه إلى الدخول، ويحتمل أن يرجع إلى الطلاق. انتهى.
(وإن حلف: لا يفعل) كذا (إن شاء زيد، لم تنعقد يمينه حتى يشاء) زيد
(أن لا يفعله) الحالف.
(1)
أخرجه أبو داود في " سننه "(3262) 3: 225 كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين. بلفظ:" من حلف فاستثنى فإن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حنث ".
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1531) 4: 108 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في الاستثناء في اليمين.
وأخرجه النسائي في " سننه "(3793) 7: 4 كتاب الأيمان والنذور، من حلف فاستثنى.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2105) 1: 680 كتاب الكفارات، باب الاستثناء في اليمين. بلفظ:" من حلف واستثنى، إن شاء رجع، وإن شاء ترك، غير حانث ". وأخرجه أحمد في " مسنده "(4510) 2: 6.
(2)
أخرجه الترمذي في " جامعه "(532 1) 4: 9 0 1 كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في الاستثناء في اليمين.
(3)
أخرجه ابن ماجه في " سننه "(2104) 1: 680 كتاب الكفارات، باب الاستثناء في اليمين.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق لرضا زيد، أو) أنت طال لـ (مشيئته) أي: مشيئة زيد، (أو) قال لها: أنت طالق (لقيامك، ونحوه)، كقوله: أنت طالق لسوادك، أو لسمنك، أو لقصرك:(يقع) الطلاق (في الحال)، لأن معناه أنت طالق لكون زيد رضي بطلاقك، أو لكونه شاء طلاقك، أو لكونك قمت، أو لكونك سوداء، أو لكونك سمينة، أو لكونك قصيرة. (بخلاف قوله): أنت طالق (لقدوم زيد) فإنها لا تطلق حتى يقدم زيد، (أو) أنت طالق (لغد) فإنها لا تطلق حتى يأتي الغد.
(ونحوه)؛ كقوله: أنت طالق لحيضك وهي طاهر فإنها لا تطلق حتى تحيض.
(فإن قال فيما ظاهره التعليل)، كقوله: أنت طالق لتكليمك زيداً: (أردت الشرط) أي: أردت إذا كلمته دين، و (قُبل منه حكماً) في الأصح؛ لأن لفظه يحتمله.
ولأن ذلك يستعمل للشرط؛ كقوله: أنت للسُّنة، أو قال: للبدعة.
(و) من قال لزوجته: (إن رضي أبوك فأنت طالق، فأبى) أبوها الطلاق
(ثم رضي) بعد إبائه: (وقع) الطلاق؛ لأن الشرط مطلق فكان متراخياً.
قال في " الفر وع ": ذكره في الفنون، وأن قوماً قالوا: ينقطع بالأول. انتهى.
(و) من قال لزوجته: (أنت طالق إن كنت تُحبين أن يعذبك الله بالنار،
أو) إن كنت (تبغضين الجنة، أو) إن كنت تبغضين (الحياة، ونحوهما)؛ كقوله: أنت طالق إن كنت تبغضين الخبز أو الأطعمة اللذيذة، أو تبغضين العافية (فقالت: أحبُّ) يعني: لشيء علق طلاقها على محبته مما تقدم، (أو) قالت (أُبغضُ) لشيء علق طلاقها على بغضها له مما تقدم:(لم تطلق إن قالت: كذبت، ولو قال): إن كنت تحبينه بقلبك، أو إن كنب تبغضينه (بقلبك)؛ لاستحالته في العادة كقوله: إن كنت تعتقدين أن الجمل يدخل في
(1)
خرم الإبرة
(1)
في ب: من.
فأنت طالق، فقالت: أنا أعتقده فإن عاقلاً لا يجوزه فضلأ عن اعتقاده.
(ولو قال) زوج لزوجته: (إن كان أبوك يرضى بما فعلته فأنت طالق، فقال: ما رضيت، ثم قال: رضيت طلقت)؛ لأنه علقه على رضى مستقبل وقد وجد،
(لا إن قال: إن كان أبوك راضياً به) أي: بما فعلته فأنت طالق؛ لأنه ماضٍٍ
(وتعليق عتق) فيما تقدم (كطلاق.
ويصح) تعليق العتق (بالموت) وهو التدبير. بخلاف تعليق الطلاق.
(فصل: في مسائل متفرقة)
يعلق فيها الطلاق
(إذا قال) لزوجته: (أنت طالق إذا رأيت الهلال، أو) قال: أنت طالق
(عند رأسه) أي: رأس الهلال: (وقع) الطلاق (إذا رؤي) الهلال (وقد غربت الشمس) في الأصح.
وقيل: تطلق برويتها له قبل الغروب.
(أو تمت العدَّة) بتمام ثلاثين يوماً؛ لأن الروية للهلال في عرف الشرع:
العلم به في أول الشهر، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا "
(1)
. والمراد به: روية البعض وحصول العلم. فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع، كما إذا قال: إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الصلاة الشرعية لا إلى الدعاء. وفارق ما إذا علق طلاقها على روية زيد فإن ذلك لم يثبت له عرف شرعي يخالف الحقيقة. ولذلك لو لم يره أحد لكن ثبت الشهر بتمام العدد طلقت؛ لأنه قد علم طلوعه.
(وإن نوى العِيان) بأن قال المعلق: نويت إذا عوين الهلال بأن لم يحصل
دون معاينته غيم أو قتر، (أو) نويت (حقيقة رؤيتها)، دُيَّنَ فيما بينه وبين الله، و (قبل) منه ذلك (حكماً)؛ لأن لفظه يحتمله.
(. وهو هلال) يعني: أنه يسمى هلالاً (إلى) ليلة (ثالثة) من الشهر، (ثم يُقّمِرُ) أي: ثم بعد الثالثة يسمى قمراً في الأصح.
وقيل: يسمى قمراً إذا استدار.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(081 1) 1: 762 كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال. . .
وقيل: إذا بهر
(1)
ضوءه. فلو لم ير الهلال حتى أقمر ولا نية له تخالف لفظه: لم تطلق.
(و) من قال لزوجته: (إن رأيت زيدا فأنت طالق، فرأته) مطاوعة (لا مكرهة ولو) كان زيد عند رويتها إياه (ميتا، أو) كان (في ماء، أو) كان في (زجاج شفاف: طلقت)؛ لأنها رأته حقيقة في حال طواعيتها. فوجدت الصفة المعلق عليها طلاقها.
(إلا مع نية أو قرينة) تخص الروية بحالة فلا تطلق برويتها إياه في غير تلك الحالة. (ولا تطلق: إن رأت خياله في ماء، أو) رأت خياله في (مرآة)؛ لأنها لم تره، (أو جالسته) أي: جالست زيداً حال كونها (عمياء) يعني: فإنها لا تطلق في الأصح؛ لأنها لم تره ما لم تكن نيته أن لا تجمع به.
(و) من له زوجتان فأكثر وقال: (من بَّشْرتني، أو) قال من: (أخبرتني بقدوم أخي فهى طالق فأخبره) بذلك (عدد) أي: اثنتان فأكثر من زوجاته (معاً) أي: لم تسبق واحدة غيرها: (طلقن) أي: طلق ذلك العدد الذي أخبره معاً؛ لأن لفظة " من " تقع على الواحد فما زاد.
قال الله سبحانه وتعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]
وقال سبحانه وتعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31].
لأنه قد حصل التبشير أو الخبر بالعدد معا. فطلق؛ لوجود الصفة به.
(وإلا) أي: وإن لم يبشره أو " يخبره إلا واحدة بعد واحدة: (فسابقة) يعني: فإنه تطلق السابقة وحدها.
ومحل ذلك: إن (صُدِّقت)؛ لأن التبشير حصل بإخبار السابقة.
(وإلا) أي: وإن لم تصدق الأولى: (فـ) تطلق (أول صادقة)؛ لأن السرور أو الغم إنما حصل بخبرها.
(1)
في ب: أبهر.
(ومن حلف عن شيء) لايفعله (ثم فعله)، حال كونه (مكرهاً) لم يحنث. نص عليه. واختاره الأكثر؛ لعدم إضافة الفعل إليه. بخلاف ما لو فعله ناسياً على ما يأتي.
(أو) فعله حال كونه (مجنوناً، أو) حال كونه (مغمى عليه، أو) حال "
كونه (نائماً: لم يحنث)؛ لكونه مغطى على عقله في هذه الأحوال.
(و) من فعل ما حلف لا يفعله، حال كونه (ناسياً) لحلفه، (أو) كونه
، (جاهلاً) وجود الحنث بفعله، أو جاهلاً أنه الفعل المحلوف عليه؛ كمن حلف لا يدخل دار زيد ثم دخل دار زيد جاهلاً أنها دار زيد، (أو عقدها) أي: عقد اليمين (يظُن صدْقَ نفسه) فيما حلف عليه، (فبان بخلاف): فإنه (يحنث في)
ما إذا كان حلفه بـ (طلاق وعتق فقط)؛ لأن كلا من الطلاق والعتاق معلق بشرط فيقع بوجود شرطه من غير قصد، وكذا إذا بان. بخلاف ظنه؛ لتبين كذبه.
ولأن هذا تعلق به حق آدمي. فتعلق به؛ كالإتلاف.
وقوله: فقط أخرج به اليمين المكفرة؛ لأن حلفه على ما يظنه وفعل ما حلف
على تركه لم يقصد به المخالفة. فلم يحنث به؛ كما لو فعله نائماً أو مجنوناً.
ولأنه أحد طرفي اليمين. فاعتبر فيه القصد؛ كحالة الابتداء باليمين.
وهذا التفصيل هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة.
وعنه: يحنث في الجميع.
وعنه: لا يحنث في الجميع.
(و) من حلف على شيء (ليفعلنه، فتركه مكرهاً) على تركه: لم يحنث
في الأصح؛ لعدم إضافة الترك إليه، (أو) تركه (ناسياً: لم يحنث) على ما قطع به في " التنقيح ".
وعبارة " الفروع " في هذه المسألة: وإن حلف ليفعلنه فتركه مكرهاً لم
يحنث كالتي قبلها على كلام القاضى وابن عقيل وجماعة. وكذا ناسياً على كلام جماعة. وكلام جماعة: يقتضي حنثهما. انتهى.
قال في " تصحيح الفروع " بعد ذكر عبارته، أحدهما: لا يحنث فيهما،
وهو الصواب خصوصاً المكره.
والقول الآخر: يحنث وهو قوي في الناسي. انتهى.
فلم ينسب لأحد تصحيحاً في شيء من ذلك، إلا أنه لما قطع بذلك في
" التنقيح " تبعته عليه، لقوله في خطبته: أن ما وضعه في " التنقيح " عن تحرير. (ومن يمتنع بيمينه) أي: يمين الحالف، كزوجته وولده وغلامه ونحوهم، (وقصد) بيمينه (منعه كهو) أي: كالحالف. فمن حلف على زوجته أو نحوها لا تدخل داراً فدخلتها ناسية أو جاهلة يمينه كان فيها التفصيل السابق في الحالف إذا فعل ما حلف على تركه ناسياً أو جاهلاً بين كون اليمين بطلاق وعتاق
(1)
أو غيرهما.
(و) من حلف: (لا يدخل على فلان بيتاً، أو) حلف (لا يكلمه، أو) حلف لا (يسلُم عليه) أي: على فلان، (أو) حلف لا (يُفارقه حتى يقضيه) حقه، (فدخل بيتاً هو) أي: فلان (فيه) ولم يعلم، (أو سلَّم عليه أو على قوم) هو أي: فلان (فيهم ولم يعلم به، أو قضاه) فلان (حقَّه ففارقه فخرج رديئاً، أو أحاله) فلان (به) أي: بحقه (ففارقه ظناً منه أنه بَرّ: حنث) الحالف بما ذكر، لأنه فعل ما حلف عليه قاصداً لفعله. فحنث، كما لو تعمد ذلك على الأصح.
(إلا في السلام) أي: إلا إذا سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم.
(و) إلا في مسألة (الكلام) يعني: إذا حلف لا يكلم فلاناً فسلم على قوم هو فيهم
ولم يعلم فإنه لا يحنث على الأصح؛ لأنه لم يقصد سلامه أو كلامه عين المحلوف عليه وإنما دخل فيهم من حيث لم يعلم الحالف به فهو بمنزلة المستثنى منهم.
(وإن علم به) أي: علم الحالف بالمحلوف عليه (في سلام) أو كلام أنه فيهم، (ولم ينوه) بالسلام أو الكلام، (ولم يستثنه بقلبه: حنث) على
(1)
ساقط من ب.
الأصح؛ لأنه سلم عليه وهو منهم ولم يستثنه. فصار؛ كما لو سلم عليه منفرداً أو كلمه منفرداً.
(و) من حلف: (ليفعلن شيئاً، لم يبرَّ حتى يفعل جميعه). فمن حلف
لياً كلن هذا الرغيف لم يبر حتى يأكله كله. ومن حلف ليدخلن هذه الدار لم يبر حتى يدخلها بجملته؛ لأن اليمين تناولت فعل الجميع. فلم يبر إلا بفعله؛ كما لو أمره الله سبحانه وتعالى بشيء لم يخرج من عهدة الأمر إلا بفعل جميعه؛ لأن اليمين على فعل شيء إخبار بفعله في المستقبل مؤكد بالقسم، والخبر بفعل شيء يقتضي فعله كله.
(و) من حلف على شيء (لا يفعله، أو) حلف على (من يمتنع بيمينه؛ كزوجة وقرابة) لا يفعل شيئاً، (وقصد منعه) من فعله، (ولا نية) تخالف ظاهر ذلك، (ولا سبب، ولا قرينة) يقتضى فعل جميعه (ففعل) المحلوف عليه (بعضه) أي: بعض ما حلف عليه أن لا يفعله: (لم يحنث) على الأصح. نص عليه فيمن حلف على امرأته لا تدخل بيت أختها لم تطلق حتى تدخل كلها. ألا ترى أن عوف بن مالك قال: " كلى أو بعضي "
(1)
؛ لأن الكل لا يكون بعضاً والبعض لا يكون كلاً.
و" لأن النبي كان يخرج رأسه وهو معتكف إلى عائشة فترجله وهي حائض "
(2)
. والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد [والحائض ممنوعة من اللبث فيه]
(3)
.
(فـ) يتفرع على ذلك: (من حلف على) إنسان (ممِسك مأكولاً:
لا أكَلَه، ولا ألقاه، ولا أمسكَه، فأكل بعضاً ورمى الباقي) لم يحنث؛ لأنه لم يأكله كله، ولم يلقه كله، ولم يمسكه كله.
(أو) حلف: (لا يدخل داراً، فأدخلها بعض جسده، أو دخل طاقَ بابها)
لم يحنث؛ لأنه لم يدخلها بجملته.
(1)
أخرجه أحمد في " مسنده "(17 240) 6: 23.
(2)
أخرجه أحمد في " مسنده "(24727) 6: 100.
(3)
زيادة من ج.
(أو) حلف على امرأة: (لا يلبس ثوباً من غزلها، فلبس ثوباً فيه منه) أي: في الثوب شيء من غزلها لم يحنث؛ لأنه لم يلبس ثوباً كله من غزلها.
(أو) حلف: (لا يشرب ماء هذا الإناء، فشرب بعضه) لم يحنث. فإن
من شرب بعض ماء الإناء لا يقال: شرب مائه، وإنما يقال: شرب بعض مائه. (أو) حلف: (لا يبيع عبدَه ولا يهبُه، فباع أو وهب بعضه) أو باع بعضه ووهب بعضه لم يحنث، لأنه لم يبعه كله ولم يهبه كله.
ويلحق
(1)
بذلك في عدم الحنث ما أشير إليه بقوله:
(أو لا يستحق علىَّ فلان شيئاً) يعني: أن من ادعى عليه بشيء فأجاب بعدم الاستحقاق وحلف: أنه لا يستحق عليه المدعي شيئاً مما ادعاه، (فقامت بينة بسبب الحق: من قرض أو نحوه) على المدعى عليه (دون أن يقولا) أي: الشاهدين: (وهو) أي: والدين باقٍ (عليه: لم يحنث) المدعى عليه؛ لإمكان صدقه بدفع ذلك، أو براءته منه، لكنه يحكم عليه بما شهدا به؛ لأن الأصل بقاؤه.
(و) من حلف: (لا يشرب ماء هذا النهر، فشرب منه) حنث وجهاً واحداً، لأن شرب جميعه ممتنع فلا ينصرف يمينه إليه. وكذلك إذا حلف لا يأكل الخبز، أو لا يشرب الماء، وما أشبهه مما علق على اسم جنس، أو علق على اسم جمع؛ كالمسلمين والمساكين والمقاتلين فإنه يحنث بالبعض.
وكذا من حلف: لا يشرب من الفرات فشرب من نهر يأخذ من ماء الفرات
فإنه يحنث في الأصح.
(أو) حلف على امرأة: (لا يلبس من غَزْلها، فلبس ثوباً فيه منه) أي:
من غزلها: (حنث)؛ لأنه لبس من غزلها. بخلاف ما لو قال: ثوباً من غزلها. وتقدم: أنه لا يحنث.
(1)
في أ: ويلتحق.
(و) من قال لزوجته: (إن لبستُ ثوباً أو لم يقل: ثوباً) بأن قال: إن لبست (فأنت طالق، ونوى) بيمينه ثوباً (معيّناً: قُبِل) منه ذلك (حُكماً) أي: في الحكم؛ لأن لفظه يحتمله، ولإمكان صدقه، (سواء) كان يمينه (بطلاق أم غيره.
و) من حلف: (لا يلبس ثوباً أو لا يأكل طعاماً، اشتراه) أي: اشترى الثوب زيد، (أو نسجه أو طبخه) أي: طبخ الطعام (زيد، فلبس) الحالف (ثوباً نسجه هو) أي: زيد (وغيره، أو) لبس ثوباً أو أكل طعاماً (اشترياه) أي: اشتراه زيد هو وغيره، (أو) اشتراه (زيد لغيره، أو أكل من طعام طبَخاه: حنث) على الأصح، كما لو حلف: أن لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوباً من غزلها وغزل غيرها.
(وإن
(1)
اشترى غيره) أي: غير زيد (شيئاً) انفرد بشرائه، (فخلطه) زيد (بما اشتراه فأكل) الحالف منه (أكثر مما اشترى شريكه) أي: شريك زيد في الشراء: (حنث) وجهاً واحداً، لأنه أكل مما اشتراه زيد يقيناً.
(وإلا: فلا) أي: وإن لم يأكل أكثر مما اشتراه شريك زيد لم يحنث.
وعلم مما تقدم أنه إذا أكل قدر ما اشترى شريك زيد: أنه لا يحنث في الأصح، لأن الأصل عدم الحنث ولم يتيقن.
(و) من حلف: (لا بِِتُّ عند زيد، حنث بـ) مبيته عنده (أكثر الليل)،
لأن ذلك يسمى مبيتاً.
(لا إن حلف: لا أقمت عنده) أي: عند زيد (كلَّ الليل، أو نواه) أى:
نوى بقوله: لا بِِتُّ عنده إرادة جميع الليل، (فأقام) عنده (بعضه) أي: بعض الليل ولو كان البعض أكثره.
(ولا إن حلف: لا بات) ببلد، (أو) لا (أكل ببلد، فبات أو أكل خارج بنيانه) أي: بنيان البلد فإنه لا يحنث. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ب: فإن.
[باب: التأويل في الحلف]
هذا (باب) يذكر فيه (التأويل في الحلف.
وهو) أي: والتأويل في الحلف: (أن يريد) الحلف (بلفظٍ) أي: باللفظ الصادر منه (ما) أي: معنى (يخالف ظاهره) أي: ظاهر لفظه.
(ولا ينفع) التأويل في الحلف (ظالماً) بحلفه؛ (لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يمينكَ على ما يُصدِّقُكَ به صاحبُك) "
(1)
. رواه مسلم وأبو داود.
فالظالم كالذى يستحلفه الحاكم على حقَّ عنده، فهذا تنصرف يمينه إلى ظاهر الذي عناه المستحلف.
ولا ينفع الحالف تأويله؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اليمينُ على نية المستحْلِف "
(2)
. رواه مسلم.
ولأنه لو ساغ التأويل للظالم لبطل المعنى المبتغى باليمين، إذ المقصود منها تخويف الحالف؛ ليرتدع عن الجحود خوفاً من عاقبة اليمين الكاذبة، فمتى ساغ التأويل له انتفى ذلك، وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق.
(1)
أخرجه مسلم في " صحيحه "(1653) 3: 1274 كتاب الأيمان، باب يمين الحالف على نية المستحلف.
وأخرجه أبو داود في " سننه "(3255) 3: 224 كتاب الأيمان والنذور، باب المعاريض في اليمين.
وأخرجه الترمذي في " جامعه "(1354) 3: 492 كتاب الأحكام، باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2121) 1: 686 كتاب الكفارات، باب من ورى في يمينه.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(0 836) 2: 331.
(2)
أخرجه مسلم في الموضع السابق.
وأخرجه ابن ماجه في " سننه "(2120) 1: 685 كتاب الكفارات، باب من ورى في يمينه.
(ويباح) التأويل (لغيره) أي: لغير الظالم يحلفه، سواء كان مظلوماً أو
كان لا ظالماً ولا مظلوماً في ظاهر كلام أحمد. فإنه روي أن مهنا والمروذي كانا عند الإمام أحمد هما وجماعة معهما، فجاء رجل يطلب المروذي ولم يرد المروذي أن يكلمه فوضع مهنا إصبعه في كفه، [وقال: ليس المروذي هاهنا وما يصنع المروذي هاهنا. يريد ليس المروذي في كفه]
(1)
. فلم ينكر أحمد ذلك.
وروي أن مهنا قال لأحمد: إني أريد الخروج يعني: السفر إلى بلده وأحب
أن تسمعني الجزء الفلاني. فأسمعه إياه. ثم رآه بعد ذلك. فقال: ألم تقل أنك تريد الخروج؟ فقال له مهنا. قلت: إني أريد الخروج الآن. فلم ينكر ذلك عليه أحمد.
وروى أنس: " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! احملني. فقال: إنا حاملوك على ولد الناقة. فقال: وما أصنع بولد الناقة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق؟
(2)
. رواه أبو داود.
و" قال لامرأة وقد ذكرت له زوجها: أهو الذي في عينيه بياض؟ فقالت:
يا رسول الله لِلَّهِ إنه لصحيح العين "
(3)
. وأراد النبى صلى الله عليه وسلم البياض حول الحدقة. وقد " كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً "
(4)
.
ويروى عن سفيان: أن رجلاً خطب امرأة وتحته أخرى، فقالوا:
لا نزوجك حتى تطلق امرأتك. فقال: اشهدوا أنى قد طلقت ثلاثاً. فزوجوه فأقام على امرأته. فقالوا: قد طلقت ثلاثاً. قال: ألم تعلموا أنه كان لي ثلاث
(1)
ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في " سننه "(4998) 4: 0 30 كتاب الأدب، باب ما جاء في المزاح.
وأخرجه أحمد في " مسنده "(13840) 3: 267.
(3)
قال العراقي: رواه الزبير بن بكار في " كتاب الفكاهة والمزاح "[عن زيد بن أسلم]، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن سهم الفهري مع اختلاف. " تخريج الإحياء " 3:129.
(4)
أخرجه الطبرانى في " المعجم الصغير " 2: 7 عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً ".
نسوة فطلقتهن؟ قالوا
(1)
: بلى. قال: قد طلقت ثلاثاً. قالوا: ما هذا أردنا فذكر ذلك شقيق لعثمان فجعلها نيته.
ويروى عن الشعبي: أنه كان في مجلس فنظر إليه رجل ظن أنه يطلب منه التعريف به والثناء عليه، فقال الشعبي: إن له بيتاً وشرفاً. فقيل للشعبي بعد ما ذهب الرجل: أتعرفه؛ قال: لا. ولكنه نظر إليَّ. قيل: فكيف أثنيت عليه؟ قال: شرفه إناؤه وبيته الذي يسكنه.
إذا تقرر هذا (فلو حلف آكل مع غيره تمراً أو نحوه) مما له نوى، كمشمش وخوخ على غيره:(لتميَّزن نوى ما أكلت، أو) حلف (لتخبرنَّ بعدده) أي: عدد نوى كل ما أكلت (فأفرد) المحلوف عليه (كلَّ نواة) وحدها فيما إذا حلف: ليميزن نوى ما أكلت، (أو عدَّ) المحلوف عليه: لتخبرن بعدد نوى ما أكلت (من واحد إلى عددٍ يتحقق دخول) نوى (ما أكل فيه) أي: فيما عده بَرَّ.
(أو) حلف إنسان (ليطبخنَّ قدراً برطل ملح، ويأكل منه) أي: مما طبخه برطل ملح (فلا يجد طعم الملح، فصَلَق به بيضاً وأكله) برَّ.
(أو) حلف إنسان: أنه (لا يأكل بيضاً ولا تفاحاً، وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضاً وتفاحاً، فعمل من البيض ناطفاً ومن التفاح شراباً، وأكله) بر؛ لأن ذلك ليس بيضاً ولا تفاحاً.
(أو) حلف (مَن على سُلَّم: لا نزلتُ إليك، ولا صعدتُ إلى هذه، ولا أقمتُ مكاني ساعة فنزلت العليا، وصعدت السفلى وطلع، أو نزل): لم يحنث.
(أو) حلف مَن على سُلَّم: (لا أقمتُ عليه، ولا نزلتُ منه، ولا صعدتُ فيه، فأنتقل إلى سُلَّمٍ آخر: لم يحنث في الكل)؛ لأن الصفة المعلق عليها اليمين لم توجد.
(إلا مع حيلة أو قصد). فمن حلف: لتخبرنى بعدد نوى ما أكلت وقصده
(1)
في ب: فقالوا.
الإخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبر
(1)
إلا بذلك، فلا يبر بالحيلة بأن يعد المحلوف عليه من واحد إلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه؛ لأن ذلك حيلة على عدم الحنث فلا يبر به؛ لأن ظاهر حال الحالف إرادته.
(أو) مع (سبب) يقتضي إرداة معرفة الكمية من غير نقص ولا زيادة فتنصرف اليمين إليه؛ لأنه العرف.
(و) من حلف: (ليقعُدنَّ على بارِيَّةِ بيته، ولا يُدخِلُه باريةً، فأدخله) أي: أدخل بيته (قصباً ونسج) القصب (فيه، أو نسج قصباً كان فيه) أي: في البيت فجعله بارية وقعد عليها أولاً: (حنث)؛ لحصول البارية في بيته.
(و) من حلف وهو في ماء: (لا أقمتُ في هذا الماء، ولا خرجتُ منه وهو) أي: والماء (جار: لم يحنث)، سواء أقام أو خرج؛ لأنه إنما يقف في غيره أو يخرج منه.
(إلا بقصد) أي. إلا أن يقصد أن لا يخرج من الماء مطلقاً، (أو) إلا
بـ (سبب) يقتضي عدم إرادة عين ذلك الماء.
(وإن كان) الماء (راكداً: حنث ولو حُمل منه مكرهاً)؛ لأنه يمكنه الامتناع. فلم يكن مكرهاً حقيقة.
ويجوز التعريض في المخاطبة لغير ظالم ولو بلا حاجة في الأصح.
ومنه لحاجة ما أشير إليه بقوله:
(وإن استحلفه ظالم: ما لفلان عندك وديعة، وهي) أي: ووديعة فلان (عنده، فعنَى بـ " ما ": الذي) فيصير الكلام معناه الذي لفلان عندي وديعة، (أو نوى غيرها) أي: نوى غير الوديعة المطلوبة منه، (أو) نوى مكاناً (غير مكانها، أو استثناها بقلبه) بأن نوى: أنه ليس لفلان عنده وديعة إلا التي عنده: (فلا حنث) في جميع هذه الصور؛ لأنه صادق.
(وكذا لو استحلفه) ظالم (بطلاق أو عتاق: أن يفعل ما) أي: شيئاً
(1)
فى ب: يبرأ.
(يجوز) له (فعله، أو) استحلفه ظالم إن (يفعل ما) أي: شيئاً (لا يجوز) له فعله، (أو أنه لم يفعل كذا) في الماضي (لشيء لا يلزمه الإقرار به، فحلف، ونوى بقوله): أن زوجته (طالق: من عمل) تعمله أي عمل كان؛ كالخياطة والغزل والتطريز، لا أنه طالق من عصمته، (و) نوى (بقوله: ثلاثاً) أي: طالق من عملها: (ثلاثة أيام، ونحوه)؛ كما لو نوى بقوله: طالق من رباط فإنه لا حنث عليه فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى رواية واحدة.
(وكذا إن قال) له ظالم: (قل زوجتي) طالق إن فعلت كذا، (أو) قال له الظالم قل:(كلُّ زوجة لي طالق إن فعلت كذا، ونوى زوجته العمياء أو اليهودية أو الحبشية، ونحوه)؛ كالرومية ولم تكن له زوجة متصفة بهذه الأوصاف، (أو نوى) بقوله:(كل زوجة) يعني: (تزَّوجها بالصين، ونحوه) من الأقاليم البعيدة، (و) الحال: أن الحالف (لا زوجة) له بذلك المكان الذي نواه، (ولم يتزوج بما نواه) من الأمكنة لم يحنث.
(وكذا لو نوى) من استحلفه ظالم أنه لم يفعل كذا بقوله: (إن كنت فعلتُ
كذا بالصين، أو نحوه: من الأماكن التي لم يفعله فيها) فزوجته طالق: لم يحنث. (وكذا) لو قال له ظالم (قُل: نسائي طوالق إن كنتُ فعلت كذا، ونوى) بنسائه: (بناته، أو نحوهن)؛ كأخواته لم يحنث.
(ولو قال) له ظالم: (كلُّ ما أحلُفك به فقل: نعم، أو) قال له الظالم: (اليمين التي أحلفك بها لازمة لك، قل: نعم، فقال: نعم، ونوى بهيمة الأنعام): لم يحنث.
(وكذا) لو قال له الظالم (قُل: اليمين التي تحلِّفني بها) لازمة لي، (أو)
قال له الظالم قُل: (أيمان البيعة لازمة لي) يعني: إن كنت فعلت كذا وقد فعله، (فقال ونوى يده، أو) نوى (الأيدي التي تبسط عند البيعة) لم يحنث. (وكذا) لو قال له الظالم (قُل: اليمين يميني، والنية نيتك، ونوى بيمينه: يده، وبالنية) في قوله: والنية نيتك: (البضعة من اللحم): لم يحنث.
(وكذا) لو قال له الظالم (قُل: إن) كنت (فعلتُ كذا فزوجتي عليَّ كظهر
أمي، ونوى بالظهر: ما يركب من خيل ونحوها)؛ كالجمال والحمير: لم يحنث. (وكذا لو) قال له الظالم قل: إن كنت فعلت كذا فأنا مظاهر من زوجتى،
و (نوى بمُظاهر: انظر أيُّنا أشدُ ظهراً): لم يحنث.
(وكذا) لو قال له الظالم (قل): إن لم أكن فعلت كذا، (وإلا فكل مملوك لي حر) وكان فعل ذلك الشيء، (ونوى بالمملوك: الدقيق الملتوت بالزيت أو السمن): لم يحنث.
(وكذا لو نوى بالحر: الفعلَ الجميل، أو الرمل الذي ما وُطى) فإنه لا يحنث.
(و) كذا لو قال له الظالم قل: إن كنت فعلت كذا فجاريتي حرة، أو فجواري حرائر، أو فمماليكي أحرار، فقال ذلك، ونوى (بالجارية: السفينة أو الريح، و) نوى (بالحرة: السحابة الكثيرة المطر، أو
(1)
الكريمة من النوق، و) نوى (بالأحرار: البَقْل، و) نو ى (بالحرائر: الأيام) فإنه لا يحنث.
(ومن حلف) بالله سبحانه وتعالى أو بطلاق أو غيرهما: (ما فلان هنا، وعين موضعاً ليس فيه) فلان: (لم يحنث)؛ لأنه صادق.
(و) من حلف (على زوجته: لا سرقت مني شيئاً، فخانته في وديعة: لم يحنث)؛ لأن الخيانة ليست بسرقة.
(إلا بنية) بأن ينوي بسرقتها خيانتها، (أو) بـ (سبب) وهو: أن تكون خيانتها هي المهيجة ليمينه.
***
(1)
في ج زيادة: نوى.
[باب: الشك في الطلاق]
هذا (باب) يذكر فيه (الشك في الطلاق).
الشك هو: التردد بين شيئين لا يترجح أحدهما على الآخر.
(وهو هنا: مطلق التردد) يعني: والمقصود به هاهنا التردد بين وجود المشكوك فيه من لفظ الطلاق أو عدده أو شرطه، وعدمه. والبقاء على الأصل واجب إلى أن يثبت المزيل.
والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة. فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً "
(1)
. متفق عليه.
فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك فلهذا قلت:
(ولا يلزم) الطلاق (بشكٍ فيه، أو) بشك (فيما عُلِّق عليه) الطلاق، (ولو) كان المعلق عليه الطلاق (عَدَمِيّاً)؛ بأن قال: إن لم أدخل الدار يوم كذا فزوجتي طالق، ومضى اليوم وشك هل دخل الدار فيه أوْ لا، لأنه شك طرأ على يقين. فوجب اطراحه؛ كما لو شك المطهر في الحدث.
قال الموفق: والورع: التزام الطلاق.
وقال الخرقي: إذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثاً اعتزلها. وعليه نفقتها
ما دامت في العدة. فإن راجعها في العدة استمر عليه وجوب نفقتها، ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق.
(1)
أخرجه البخاري قي " صحيحه "(175) 1: 77 كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين: من القبل والدبر.
وأخرجه مسلم في " صحيحه "(361) 1: 276 كتاب الحيض، باب الدليل على أن من يتقن الطهارة
ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته.
والأول المذهب.
قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدري واحدة أم ثلاثاً: أما الواحدة فقد وجبت عليه وهي عنده حتى يستيقن.
ووجه ذلك: أن ما زاد على القدر الذي تيقنه طلاق مشكوك فيه. فلم يلزمه؛ كما لو شك في أصل الطلاق. فتبقى أحكامه أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة.
قال في " شرح المقنع ": وظاهر قول سائر أصحابنا: إنه إذا راجعها حلت له. وهو قول أبي حنيفة والشافعي. وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور؛ لأن التحريم المتعلق بما يتقنه يزول بالرجعة يقينا فإن التحريم أنواع: تحريم تزيله الرجعة، وتحريم يزيله نكاح جديد، وتحريم يزيله نكاح بعد زوج وإصابة.
ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى؛ كمن تيقن الحدث الأصغر
لا يثبت فيه حكم
(1)
الأكبر ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى. انتهى.
(وسن ترك وطء قبل رجعة) على الأصح.
(وتمام التورع: قطع شكٌ بها) أي: " بالرجعة، (أو بعقدٍ) جديد (أمكن) يعني: إن لم تكن قد بقيت في طلاقها على واحدة؛ لأنه على تقدير الوقوع لا تحل له بدونهما. فكان الأولى فعلهما؛ ليتيقن الحِل بذلك.
(وإلا) أي: وإن لم يكن ذلك: (فـ) يرفع الشك (بفرقة متيقنة)، وذلك (بأن يقول: إن لم تكن طلقت فهى طالق)؛ لأنه إذا استحب له ترك وطئها ولم يمكنه استباحته بالرجعة أو تجديد العقد كان الأولي الفرقة؛ لئلا تبقى معلقة ممنوعاً من وطئها بالتحرج منه.
ومتى فارقها على ذلك لم تحل لغيره فالأولى إيقاع الطلاق عليها بيقين وهو إيقاعه على تقدير: أن لا يكون وقع قبل ذلك.
(1)
في ج: حدث.
(ويمنع حالف: لا يأكل تمرة، ونحوها)؛ كزبيبة ولوزة وفستقة (اشتبهت بغيرها من أكل واحدة) مما اشتبهت به؛ لاحتمال أن تكون المحلوف عليها، هذا (وإن لم نمنعه) أي: نمنع الحالف (بذلك) أي: بأكله واحدة مما اشتبهت المحلوف عليها به (من الوطء) أي: وطء زوجته التي حلف بالطلاق منها؛ لأن الباقي بعد المأكولة يحتمل أن المحلوف عليها فيه ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك.
وقال الخرقي: يمنع من وطئها؛ لأنه شاكٌ في حلها. فحرمت عليه؛ كما
لو اشتبهت امرأة بأجنبيةٍ. ووافق على بقاء أحكام النكاح من لزوم النفقة والكسوة والمسكن، وإن كانت يمينه ليأكلن هذه التمرة مثلاً فلا يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها، أو يأكل الثمر
(1)
التي اختلطت به كله
(2)
.
(ومن شك في عدده: بنى على اليقين).
وقال الخرقي: إذا طلق فلم يدر أواحده طلق أم ثلاثاً: لم يحل له وطئها حتى يتيقن.
(فـ) يتفرع على ذلك أن من قال لزوجته: (أنت طالق بعدد ما طلق زيد زوجته، وجُهل) بأن لم يعلم عدد ما طلق فلان زوجته: (فطلقة) أي: فإنه يقع عليه طلقة واحدة؛ لأنها المتيقنة.
(و) من قال (لامرأتيه: إحداكما طالق وثَمَّ مئويَّة) أي: وهناك من نواها منهما بالطلاق: (طلقت) المنوية وحدها؛ لأنه عيّنها بنيته. فأشبه ما لو عينها بلفظه. فلو ادعته إحداهما وقال: إنما عينت ضرتك قبل منه؛ لأن ما قاله محتمل، ولا يعرف إلا من جهته.
(وإلا) أي: وإن لم ينو واحدة بعينها: (أُخرجت) المطلقة (بقرعة).
(1)
في ب: الثمرة.
(2)
زيادة من ج.
نص عليه في رواية الجماعة، (كمُعيَّنَةٍ مَنْسِيَّة) يعني: كما لو عينها ثم أنسيها فإنها تخرج بقرعة.
(وكقوله) أي: وكما لو قال زوج حفصة وعمرة (عن طائر: إن كان غُرابّا فحفصة طالق، وإلا) أي: وإن لم يكن غرابّا (فعمرة) طالق، ثم ذهب الطائر (وجُهل) هل كان غرابّا أوْ لا؟ فإنه يقرع بينهما على الأصح. فتطلق من أخرجتها القرعة، لأنه لا سبيل إلى معرفة المطلقة منهما عينا فهما سواء. والقرعة طريق شرعي لإخراج المجهول. فشرعت القرعة، كما في المبهمة.
(وإن مات) قبل أن يقرع (أقرَعَ ورثته)، لقيامها مقامه، (ولا يطأ) أي: ويحرم وطؤه (قبلها) قبل القرعة إن كان الطلاق بائناً، (وتجب النفقة) أي: نفقة الزوجتين إلى حين القرعة، لأن كل واحدة منهما محبوسة لحقه في حكم الزوجية. فوجبت نفقتهما، كسائر الزوجات.
(ومتى ظهر) أن المطلقه غير المخرجة بأن ذكر من طلق واحدة وأنسيها (أن المطلقة غير المخرّجة) بالقرعة، (رُدّت) إلى الزوج، لأنها زوجته.
ولأنه لم يقع عليه الطلإق بصريح ولا كناية.
ولأن القرعة لا حكم لها مع الذكر فإذا علم المطلقة عيناً رجع إلى قوله في ذلك، لأنه لا يعرف إلا منه.
ولأنه إنما منع منها بالاشتباه. فإذا زال عنها ردت إليه، كما لو عُلمت المذكاة المشتبهة بالميتة فإنه يحل له أكلها. كذلك هذا.
ومحل ذلك: (ما لم تتزّوج) المخرجة بالقرعة؛ لتعلق حق غيره بها. فلا
يقبل قوله في إبطاله، كما في سائر الحقوق، (أو يحكم بالقرعة). نص عليه في رواية الميمونى، فقال: إن كان الحاكم أقرع بينهن قلا أحب أن ترجع إليه " لأن الحاكم في ذلك أكبر منه. وذلك، لأن الفرقة من جهة الحاكم بالقرعة لا يمكن الزوج دفعها فتقع الفرقة بينهما بالقرعة.
(و) من قال (لزوجتيه أو أمتيه: إحداكما طالق) غداً، (أو) قال:
(حرة غداً، فماتت إحداهما) أي: إحدى الزوجتين، (أو زال ملكه عنها) أي: عن أحد الأمتين (قبله) أي: قبل الغد: (وقع) الطلاق أو العتق (بالباقية)؛ لأن الميتة من الزوجتين أو من الأمتين وقت الوقوع ليست محلاً للطلاق ولا للعتق. وكذا إذا زال ملكه عن إحدى الأمتين؛. أشبه ما لو قال لزوجته وأجنبية: [إحداكما طالق، أو قال لأمته وأجنبية]
(1)
: إحداكما حرة. وهذا الأصح.
وقيل: يقرع بين الميتة والباقية.
(ومن زوَّج بنتاً من بناته، ثم مات وجُهلت) المزوجة: (حرُم الكل)؛
لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون هي المزوجة.
(ومن) له زوجتان حفصة وعمرة و (قال عن طائر: إن كان غُرابّا فحفصة طالق، وإن كان حماما فعمرة) طالق، ومضى (وجُهل) حاله:(لم تطلُق واحدة منهما) أي: من حفصة وعمرة؛ لاحتمال كون الطائر ليس غُرابّا ولا حماماً.
ولأنه متيقن الحال وشاك في الحنث. فلا يزول عن يقين النكاح بالشك.
(وإن قال) من له زوجة أو أمة عن طائر: (إن كان غُرابّا فزوجتي طالق ثلاثاً، أو) قال: فـ (أمتي حرة. وقال آخر: إن لم يكن غُرابّا مثله) يعني: إن لم يكن غُرابّا فزوجته طالق أو فأمته حرة، (ولم يعلما) كون الطائر غرابّا أو ليس بغراب:(لم يطلُقا) زوجاتهما، (ولم يعتقا) أمتاهما؛ لأن الحانث منهما ليس معلوماً ولا يحكم به في حق واحد منهما بعينه، بل تبقى في حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكنى؛ لأن كل واحد منهما يقين نكاحه باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه.
(وحرُم عليهما الوطء)؛ لأن أحدهما حانث بيقين وامرأته محرمة عليه وقد أشكل. فحرم الوطء عليهما جميعاً؛ كما لو حنث في إحدى امرأتيه لا بعينها. ويستثنى من ذلك ما أشير إليه بقوله:
(1)
ساقط من أوب.
(إلا مع اعتقاد أحدهما خطأ الآخر) فإن المعتقد خطأ رفيقه لا يحرم عليه وطء زوجته أو أمته، ولا يحنث فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى؛ لأنه ممكن صدقه. وإن أقر كل واحد منهما: أنه الحانث طلقت زوجتاهما أو عتقت أمتاهما بإقرارهما على أنفسهما.
وإن أقر أحدهما حنث وحده فإن ادعت امرأة أحدهما عليه الحنث فأنكر، فالقول قوله.
(أو يشتري أحدهما أمة الآخر: فيُقرع بينهما) أي: بين الأمتين (حينئذ)، فمن خرجت لها القرعة: عتقت.
(وإن كانت) الأمة (مشتركة بين موسرين، وقال كل منهما) أي: من الشريكين بأن قال أحدهما: إن كان غرابّا (فنصيبي حر)، وقال الآخر: إن لم يكن غرابّا فنصيبي حر (عَتَقَتْ) كلها (على أحدهما، ويميز) من عتقت عليه (بقرعة) والولاء له.
(و) من قال (لامرأته وأجنبية: إحداكما طالق) طلقت امرأته، أو قال لجماعة- ولو كانت لها بنت غير زوجته-: ابنتك طالق، (أو قال: سَلْمَى طالق واسمها) أى: اسم امرأته سلمى واسم الأجنبية سلمى: (طلقت امرأته) " لأنه لا يملك طلاق غيرها.
ولأنه إزالة ملك. أشبه ما لو باع ماله ومال غيره بغير إذنه فإنه يصح في ماله دون مال غيره.
(فإن قال: أودت الأجنبية دُيَّنَ) فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى؛ لاحتمال صدقه.
ولأن لفظه يحتمله.
(ولم يُقبل) منه ذلك (حكماً) أي: في الحكم.
قال أحمد في رجل تزوج امرأة فقال لحماته: ابنتك طالق، وقال: أردت ابنتك الأخرى التي ليست بزوجتي فلا يقبل منه، وذلك لكون الزوجة محلاًً للطلاق. بخلاف غيرها.
ويستثنى من ذلك صور أشير إليها
(1)
بقوله:
(إلا بقرينة) دالة على إرادته الأجنبية، مثل: أن يدفع بذلك ظالماً أو يتخلص بذلك من مكروه. فإنه يقبل منه ذلك في الحكم؛ لوجود الدليل الصارف إلى الأجنبية. وإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية: طلقت زوجته؛ لأنها محل الطلاق. بخلاف الأجنبية.
(وإن نادى) من له زوجتان هند وعمرة (من امرأتيه هنداً) فقط (فأجابته) زوجته (عمرة، أو لم تجبه) عمرة (وهي الحاضرة) عنده دون هند (فقال: أنت طالق، يظنها المناداة) التي هي هند: (طلقت) هند فقط (دون عمرة) على الأصح؛ لأن المناداة هي المقصودة بالطلاق. فوقع بها؛ كما لو أجابته، وإنما لم تطلق عمرة على الأصح؛ لأنه لم يقصدها.
(وإن عَلِمَها) أي: علم كون المجيبة (غير المناداة: طلقتا) أي: طلقت المناداة؛ لأنها المقصودة بالطلاق، وطلقت المجيبة أيضاً؛ لأنه واجهها بالطلاق مع علمه أنها غير المناداة.
ومحل ذلك: (إن أراد طلاق المناداة) التي هي هند.
(إلا) أي: وإن لم يرد طلاق المناداة: (طلقت عمرة فقط) أي: دون هند التي هي المناداة؛ لأنها غير مواجهة ولا منوية بالطلاق فلا يقع بها شيء. (وإن قال) من له زوجة (لمن) أي: لامرأة (ظنَّها زوجته: فلانة) وسمى زوجته: (أنت طالق، أو لم يسمَّها) أي: يسم زوجته، بأن قال للأجنبية التي ظنها زوجته: أنت طالق من غير أن يقول: فلانة: (طلّقت زوجته)؛ لأن الاعتبار في الطلاق إنما هو بالقصد دون الخطاب.
(وكذا عكسها) على الأصح، وهي: ما إذا رأى زوجته فظنها أجنبية فقال لها: أنت طالق فإذا هي زوجته؛ لأنه واجهها بصريح الطلاق. فوقع؛ كما لو علم أنها زوجته. ولا اثر لظنه إياها أجنبية؛ لأنه لا يزيد على عدم إرادة الطلاق، ولو لم يرده في الزوجة المتحققة وقع فكذلك هاهنا.
(1)
في أوب: إليه.
(ومثله) أي: ومثل الطلاق فيما تقدم: (العتق) إذا كان الرقيق بدل الزوجة فإن الحكم فيه كالحكم في الطلاق؛ لأن كلاً من الطلاق والعتق إزالة ملك مبني على التغليب والسراية فكانا بمعنى واحد.
قال أحمد فيمن قال: يا غلام أنت حر يعتق عبده الذي نوى.
وفي " المنتخب ": أو نسي أن له عبداً أو زوجة فبان له.
(ومن أوقع بزوجته كلمة، وشَّك: هل هي) الكلمة (طلاق أو ظهار؟ لم يلزمه شيء) في الأصح. قدمه في " الفنون ".
قال في " تصحيح الفروع ": وقدمه في القاعدة الستين بعد المائة فقال: والمنصوص لا يلزمه شيء.
قال في رواية ابن منصور في رجل حلف بيمين لا يدري ما هي طلاق أو غيره، قال: لا يجب عليه طلاق حتى يعلم أو
(1)
يستيقن. وتوقف في رواية أخرى.
وقال: في المسألة قولان آخران:
أحدهما: يقرع، فما خرج بالقرعة لزمه. قال: وهو بعيد.
والثاني: تلزمه كفارة، كل يمين شك فيها وجهلها. ذكرهما ابن عقيل في " الفنون ". وذكر القاضي في بعض تعاليقه: أنه استفتي في هذه المسألة فتوقف فيها ثم نظر فإذا قياس المذهب: أنه يقرع بين الأيمان كلها الطلاق، والعتاق، والظهار، واليمين بالله
(2)
. فأيُ يمين وقعت عليها القرعة فهي المحلوف عليها. قال: ثم وجدت عن أحمد ما يقتضي أنه لا يلزمه حكم هذه اليمين. وذكر رواية ابن منصور. انتهى.
(وإن شكَّ) من له زوجة: (هل ظاهر) منها، (أو حَلَفَ بالله تعالى؛ لزمه بحنثٍ، أدنى كفارتَيِهْما) أي: كفارة الظهار واليمين؛ لأنه اليقين، وما عداه مشكوك فيه. والأحوط أعلاها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1)
في ب: أن.
(2)
في ب: بالله تعالى.