الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
تأليف
الشيخ منصور علي ناصف
من علماء الأزهر الشريف
وعليه
غاية المأمول - شرح التاج الجامع للأصول
الجزء الثاني
الطبعة الخامسة
1413 هـ - 1993 م
جميع الحقوق محفوظة
دار إحياء التراث العربي
بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الزكاة
(1)
وفيه تسعة أبواب وخاتمة
الباب الأول: في فرضية الزكاة وفضلها
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
(3)
. وَقَالَ تَعَالَى: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} .
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ
(4)
: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ
(5)
، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ
(6)
، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ
(7)
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ
(كتاب الزكاة وفيه تسعة أبواب وخاتمة - الباب الأول في فرضية الزكاة وفضلها)
(1)
وهي لغة: التطهير والنماء. وشرعًا: ما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص.
(2)
في النصوص الدالة على أنها فرض والدالة على فضلها.
(3)
فهذه الآية والتي قبلها تفيدان فرضية الزكاة، كما صرح بها الحديثان الأولان الآتيان، بل هي ركن من أركان الإسلام، وشرعت في السنة الثانية من الهجرة، وحكمة الزكاة حفظ الأموال وماؤها، وتزكية النفوس وتطهيرها، والأجر الكبير، وواسع الرحمة، وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على مخرجها، ودعاء الملائكة له، ورضاء الله ورسوله وجميع الخلق عنه، فيسعد في الدارين. نسأل الله ذلك.
(4)
سنة عشر قبل حجة الوداع، واليًا ومعلما وقاضيا.
(5)
أهل علم بشيء مما في التوراة والإنجيل، وخصهم لفضلهم على غيرهم والرجاء سرعة إجابتهم، وإلا فهو مبعوث لكل أهل اليمن.
(6)
دعاهم بكلمة التوحيد أولا؛ لأنها أصل الدين، ولا يصح أي شيء قبل الاعتراف بها.
(7)
اعترفوا به.
في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً
(1)
تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ
(2)
، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ
(3)
، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً
(5)
أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ
(6)
، قَالَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً
(7)
، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ
(8)
، وَتَصُومُ رَمَضَانَ
(9)
». قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هذَا
(10)
، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَرَّه أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلى هذَا» .
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً
(11)
». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ
(12)
ـ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ
(13)
ـ إِلا أَخَذَهَا الرَّحْمنُ بِيَمِينِهِ
(14)
(1)
زكاة.
(2)
يأخذها الوالى أو نائبه ويعطيها لفقرائهم، ففيه أنه لا يجوز دفعها للكافر ولا يجوز نقلها لبلد آخر إلا إذا فضلت عنهم أو قضت به ضرورة وسيأتي ذلك.
(3)
احذر أن تأخذ نفائس أموالهم.
(4)
اجتنب الظلم لئلا تصيبك دعوة المظلوم، فإنها سريعة الإجابة، وبدأ بالأهم فالأهم تلطفا في الدعوة فإنه لو طالبهم بالكل من أول الأمر ربما نفرت نفوسهم، وسكت عن الصيام والحج لأنهما معلومان، أو اهتماما بشأن الأركان الثلاثة؛ لكثرة ذكر الصلاة والزكاة في القرآن، أو اكتفاء بذكرها في الدعوة إلى الإسلام.
(5)
هو أبو أيوب الأنصاري أو هو ابن المنتفق، أو أعرابي، ويحتمل تعدد السؤال من هؤلاء.
(6)
أي كنت من أهلها.
(7)
تعترف بكلمتي التوحيد.
(8)
هذا هو المقصود هنا.
(9)
سكت عن الحج لأنه معلوم أو لعدم فرضه حينئذ.
(10)
فيه أن من مات عاملا بأركان الإسلام فهو مقطوع له بالجنة، ويدخلها من غير عذاب إذا ابتعد عن الكبائر، كما في الحديث الأخير الآتي.
(11)
ففي صباح كل يوم ينزل من السماء ملكان يدعو أحدهما للمنفق بالعوض، ويدعو الآخر على الممسك بالتلف، يسمعهما كل شيء إلا الإنس والجن، ولا شك أن دعاءهم مقبول.
(12)
أي حلال.
(13)
جملة معترضة بين الشرط وجزائه لبيان: أن الله لا يقبل إلا الحلال.
(14)
كناية عن القبول الحسن.
وإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمنِ
(1)
حَتَّى تَكُون أَعْظَمَ مِنْ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ
(2)
».
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} .
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ
(3)
فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ
(4)
: يَا عَبْدَ اللَّهِ هذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ
(5)
دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ
(6)
فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ
(7)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• وَعَنْهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما قَالَا: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَكَبَّ، فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَبْكِي لَا نَدْرِي عَلَى مَاذَا حَلَفَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، في وَجْهِهِ الْبُشْرَى، فَكَانَتْ
(9)
أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ،
(1)
أي تنمو فيه، والمراد عنده، وإنما عبر بالكف لمزيد القبول.
(2)
الفلو بفتح فضم فتشديد: ولد الفرس، والفصيل: ولد الناقة، فالصدقة من الحلال تنمو عند الله نموا عظيما، بخلاف الحرام فلا يقبله الله تعالى.
(3)
اثنين، بعيرين أو شاتين أو حمارين أو درهمين أو ثوبين مثلا، وقوله في سبيل الله، أي في الجهاد، أو عام في أنواع الخير.
(4)
أي نادته خزنة الجنة عند دخولها: يا عبد الله هذا خير من الخيرات عظيم.
(5)
أي المؤدين للفرائض المكثرين من النوافل، وكذا يقال فيها بعده.
(6)
ضرورة اسم ما مؤخر أي لا ضرر على المدعو من كل الأبواب، بل له الإعزاز، والمعنى أن من أكثر من شيء من أنواع الخيرات دعي من بابه الخاص به تكريما له، ومن أكثر من أنواع الطاعات دعي من كل الأبواب زيادة تكريم وإعزاز، وإلا فالدخول لا يكون إلا من باب واحد.
(7)
من الحق الواجب في مالك.
(8)
بسند حسن.
(9)
أي هذه الحال.
وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَقِيلَ لَهُ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ
(1)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
الباب الثاني: في التشديد على تاركها
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا}
(2)
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ}
(3)
فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا
(4)
مَا كَنَزْتُمْ لانفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَمَالِكٌ. وَلَفْظُهُ: «مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» .
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقهَا
(6)
إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ
(7)
لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَردَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيَلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ
(8)
».
(1)
الكبائر السبع: هي الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والسحر، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. قال الله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} وسيأتي فضل الصدقة في الباب التاسع على سعة، وكذا سيأتي في الزهد إن شاء الله.
(الباب الثاني في التشديد على تارك الزكاة)
(2)
أي الكنوز في سبيل الله بإخراج زكاتها وعمل الخير بها.
(3)
وتعمل صفائح.
(4)
أي ويقال لهم هذا جزاء كنزكم.
(5)
زكاته نائب فاعل تؤدي، أي ما بلغ النصاب وزكي فلا يسمي كنزا، وما لم يزك فهو الكنز الذي يعذب به صاحبه.
(6)
المفروض وهو الزكاة.
(7)
بلفظ المجهول مشددا أي عملت صفائح.
(8)
فمن كان عنده ذهب أو فضة ولا يخرج زكاتها فإنها يوم القيامة تجعل قطعة من نار، يوضع بعضها على جهينه، وبعضها على جنبه، وبعضها على ظهره،=
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ
(1)
قَالَ: «وَلَا صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا
(2)
، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ
(3)
أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلاً وَاحِداً، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفوَاهِهَا، كلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيُرَى سَبِيَلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ
(4)
، قَالَ: «وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئاً، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ
(5)
وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيَلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً
(6)
أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ
(7)
يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(8)
، ثُمَّ يَأخُذُ
= وكلما بردت أحميت بالنار ثانيًا وأعيدت لطول عذابه، وخصت هذه الأعضاء لإعراضه عن الفقير بجنبه ووجهه وتوليته ظهره، وهذا في زمن الموقف فقط.
(1)
أي ما حكمها بعد أن عرفتنا حكم النقدين.
(2)
أي ورودها الماء للشرب، فيندب حلبها وسقى المارة والمساكين، وهذا البيان أن الحق ليس قاصرا على الزكاة الواجبة.
(3)
القاع: الأرض المستوية، والقرقر: الأملس، أي ألقى صاحبها على وجهه أمامها على مكان واسع أملس، وهي أعظم مما كانت في الدنيا ولا يغيب منها شيء، تضر به بأرجلها، وتعضه بأفواهها، وتمر عليه كلها. ولفظ البخاري: كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها، ليستمر عذابه طول يوم القيامة.
(4)
بنوعيه فيهما أي ما حكمهما.
(5)
العقصاء: ملتوية القرن، والجلحاء: التي لا قرن لها. والعضباء: مكسورة القرن. والمراد أن البقر والغنم سليمة القرون، فيعظم تعذيبه بها.
(6)
وهو الحية الذكر، أو الذي يقوم على ذنبه فيواثب الرجل، وربما بلغ الفارس، ووصفه بالأقرع، أي ليس برأسه شعر لطول عمره وكثرة سمه.
(7)
تثنية زبيبة أي نابان يخرجان من فيه، أو نكتتان سوداوان فوق عينيه، وهذا وصف أخبث الحيات.
(8)
بلفظ المجهول، أي يكون الشجاع كالطوق في رقبته.
بِلِهْزِمَيْهِ
(1)
»، ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ
(2)
» ثُمَّ تَلَا
(3)
: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ
(4)
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ
(5)
فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
(6)
، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقاً
(7)
كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
(8)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
(1)
بكسر اللام والزاي، تثنية لهزم، وهو عظم اللحى تحت الأذن وفي لفظ: بلهزمتيه، والمراد التقاء رأسه وذنبه بشدقيه.
(2)
زيادة غضب وتهكم به.
(3)
أي النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى ما تقدم أن من كان له مال ولم يخرج زكاته عذب به يوم القيامة إن كان نعما عذبته بالنطح والعض والبطش ونحوها، وإن كان نقدا عمل له صفائح في النار وكوي به، أو يمثل له بثعبان عظيم يطوقه ويعذبه مدة يوم القيامة.
(4)
بعض بعبادة الأوثان، وبعض باتباع مسيلمة الكذاب، واستمر بعضهم على الإيمان، ولكنه امتنع من الزكاة، وقال إنها خاصة بالزمن النبوي. لقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وغيره صلى الله عليه وسلم لا يطهرهم ولا يصلى عليهم صلاة تكون سكنًا لهم، وحينئذ قال أبو بكر. لا بد من قتالهم.
(5)
ولم يتذكر عمر حينئذ بقية ما رواه ولده وهي: وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. وفي رواية زيادة: ويؤمنوا عما جئت به، وهذه تعم كل شيء.
(6)
فرق بالتشديد، وقد تخفف، أي قال بوجوب أحدها دون الآخر ومنعه متأولا.
(7)
بالفتح الأنثى من المعز، وفي رواية عقالا، مبالغة في قتالهم على ترك شيء ولو قليلا.
(8)
مما أقامه لي من أن الزكاة أخت الصلاة، وفيه تفضيل أبي بكر، وجواز القياس، والعمل به، والحلف من غير طلب، والاجتهاد في النوازل، والمناظرة والرجوع للحق، والزكاة في السخال وحولها هو حول أمهاتها، وفيه قتال مانع الزكاة، ويكفر جاحدها فإنها مشهورة في الدين، قال اللقاني:
ومن لمعلوم ضرورة جحد
…
من ديننا يقتل كفرًا ليس حد
فصل: فيما تجب فيه الزكاة وما لا تجب فيه
(1)
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَوْ
(3)
وَالَّذِي لَا إِلهَ غَيْرُهُ أَوْ كَمَا حَلَفَ مَا مِنْ رَجُلٍ
(4)
تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ تَطَؤُهُ بَأَخْفَافِهَا وَتَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا
(5)
. كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضى بَيْنَ النَّاسِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْهِجْرَةِ
(6)
، فَقَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ
(7)
، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَهَا»؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً
(8)
». رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلا التِّرْمِذِيَّ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
(9)
: إِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ
(10)
،
= ولحديث الطبري والحاكم: بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل من أشجع ليدفع الزكاة، فأبى أن يعطيها، فرده الثانية فأبى، فرده إليه الثالثة، وقال: إن أبي فاضرب عنقه. والله أعلم.
فصل فيما تجب فيه الزكاة وما لا تجب
(1)
الذي تجب فيه هو الإبل والبقر والغنم والزرع والذهب والفضة إذا بلغ كل نصابه، وعروض التجارة. وما لا تجب فيه هو ما لم يبلغ النصاب مما تجب فيه، والخيل والبغال والحمير، وكل حيوان من غير النعم والأرقاء والخضراوات على خلاف في بعضها يأتي.
(2)
وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: هم الأخسرون ورب الكعبة، قلت: يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟ قال: هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وشماله ومن بين يديه ومن خلفه، وقليل ما هم، ثم ذكر الحديث.
(3)
للشك فيه وما بعده.
(4)
ومثله المرأة.
(5)
تنطح بكسر الطاء وفتحها.
(6)
سأله أن يبايعه على الهجرة والإقامة معه بالمدينة.
(7)
ويحك كلمة رحمة، أي أرحمك وأشفق عليك من الهجرة، فإن حقها صعب لا يقوم به إلا القليل.
(8)
أي فاعمل صالحا في أي مكان، وأد زكاة مالك، فإن الله لا ينقصك من عملك شيئًا قال تعالى {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} .
(9)
أحد خلفاء بني أمية، وكان إمامًا جليلا بارعا في العلم، وكان ورعا تقيا، بل زاهدًا كبيرا، وعادلا عظيما، وكفاه أخذ الأئمة برأيه، وهو من أصحاب سفيان الثوري.
(10)
العين: الذهب والفضة. والزرع: هو ما يقتات به كالبر والذرة ونحوهما والنخيل والأعناب، والماشية: هي الإبل والبقر والغنم التي في الحديث قبله، وسميت ماشية لأنها تمشي على وجه الأرض.
وَوَافَقَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنهم. وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ في الأُمِّ: الْمَالُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ بِنَفْسِهِ
(1)
عَيْنُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَبَعْضُ نَبَاتِ الأَرْضِ، وَالْمَاشِيَةُ، وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضٍ مِنْ مَعْدِنٍ وَرِكَازٍ
(2)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ
(3)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ
(4)
». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ. وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ: «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلا صَدَقَةُ الْفِطْرِ» .
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْحَمِيرِ أَفِيهَا زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: «مَا جَاءَنِي فِيهَا شَيْءٌ
(5)
إِلا هَذِهِ الآيَةُ الْفَاذَّةُ» ـ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ. عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ، وَهِيَ الْبُقُولُ، فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ
(6)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(7)
.
(1)
أي من نفسه وذاته، وقوله: عين ذهب وفضة الإضافة فيها للبيان.
(2)
سيأتيان في زكاة الذهب والفضة.
(3)
فلا زكاة في أقل من خمسة أوسق، وسيأتي بيان الوسق إن شاء الله.
(4)
فالعبيد والخيل لا زكاة فيهما. وقال بعضهم. في الخيل زكاة، وهذا إذا لم يكونا للتجارة، وإلا ففيهما زكاة التجارة بإجماع أهل السنة.
(5)
فالحمير لا زكاة فيها بإجماع؛ وكذا البغال إلا إذا كانتا للتجارة، ففهما زكاتها.
(6)
البقول كالقثاء والبطيخ والعجور والشام وما تثمره الحدائق غير النخيل والأعناب لا زكاة فيها، ومنه حديث الدارقطني والحاكم: وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن ماجه والحاكم وغيرها: إنما سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وقيس عليها ما في معناها مما يقتات به ويدخر؛ فالخضراوات لا زكاة فيها لبعدها عن هذا المعنى، وأوجبها بعضهم في الخصراوات لعموم النصوص كقوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة} وقوله {ومما أخرجنا لكم من الأرض} وقوله {وآتوا حقه يوم حصاده} وقوله صلى الله عليه وسلم:» فيما سقت السماء العشر». وهذا أحواط للفقراء والمساكين.
(7)
بأسانيد ضعيفة ولكن يؤيده النص على غيرها، والله أعلم.
الباب الثالث في زكاة الماشية
(1)
وهي الإبل والغنم والبقر
• عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ هذَا الْكِتَابَ
(2)
لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ
(3)
: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ
(4)
الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا
(5)
فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ، فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ
(6)
مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ
(7)
، فإِذَا بَلَغَتْ
(8)
خَمْساً وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاض أُنْثَى
(9)
، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى
(10)
فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ ففِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ
(11)
، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ
(12)
، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ
(الباب الثالث في زكاة الماشية)
(1)
أي في بيان أنواعها وبيان نصاب كل منها، وبيان ما يجب إخراجه منها باختلاف الماشية قلة وكثرة، والنهي عن جمع التفرق وتفريق المجتمع.
(2)
الآتي الذي أوله البسملة.
(3)
إقليم مشهور فيه مدن وبلاد كثيرة في جنوب جزيرة العرب بقرب الخليج الفارسي، ولما أرسل أبو بكر أنسًا إليه عاملا على الزكاة كتب له هذا ليعمل به.
(4)
أي نسخة فيها بيان الزكاة.
(5)
المشروع بدون زيادة.
(6)
خير مقدم ومن الغنم متعلق بمحذوف مبتدأ مؤخر أي في أربع وعشرين من الإبل فأقل إلى خمس منها زكاة من الغنم.
(7)
مبتدأ مؤخر وخبر مقدم، أي تجب إذا كملت الإبل خمسة، وشاتان في عشر، وثلاث في خمس عشرة، وأربع في عشرين إلى أربع وعشرين، وما بين العددين معفو عنه.
(8)
أي إبله.
(9)
لها سنة وطعنت في الثانية، والمخاض الحامل، أي بنت ناقة دخل أوان حملها، وأنثى تأكيد كقولهم: رأيت بعيني وسمعت بأذني، والأنوثة في هذا وما بعده واجبة، فإن فقدت في أي درجة، فالذكر الأعلى منها كابن لبون، يخرج بدلا عنها.
(10)
لها سنتان وطعنت في الثالثة، وسميت بذلك لأن أمها آن لها أن تلد فتصير لبونا.
(11)
الحقة بالكسر لها ثلاث سنين، وطروقة الجمل صفة لها، أي استحقت أن يغشاها الفحل.
(12)
بالتحريك ما بلغت أربع سنين، وهي نهاية أسنان الزكاة، سميت بهذا لأنها أجذعت مقدم أسنانها، أي أسقطته.
إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِين وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ
(1)
فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ
(2)
، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا
(3)
، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ في سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ
(4)
، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائتَيْنِ شَاتَانِ
(5)
، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ
(6)
، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً
(7)
فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
• عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً
(8)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(9)
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَلا آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ شَيْئاً حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا عِجْلٌ تَابِعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ
(1)
تسعًا فأكثر.
(2)
فتجب في ثلاثين ومائة بنتًا لبون وحقة، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وهكذا القاعدة، في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
(3)
فإذا نقصت الإبل عن خمس فلا زكاة فيها، إلا أن يريد أن يتطوع، فهو خير له.
(4)
مبتدأ مؤخر، وفي صدقة الغنم خبر مقدم وفي سائمتها بدل من الغنم، والسائمة التي ترعى في كلأ مباح، وهذا شرط لوجوب الزكاة في كل ماشية، وستأتي الشروط. والأربعون أقل نصاب الغنم ضأنًا كانت أو معزا.
(5)
فإذا زادت الغنم على مائة وعشرين واحدة فأكثر إلى مائتين، فزكاتها شاتان.
(6)
ففي أربعمائة أربع شياه، وفي خمسمائة خمس شياه، وهكذا، والشاة الواجب إخراجها عن الغنم والإبل جذعة ضأن لها سنة ودخلت في الثانية، أو ثنية معز لها سنتان وطعنت في الثالثة.
(7)
صفة لشاة الذي هو تمييز، ففي أربعين من الغنم إلى مائة وعشرين شاة، وفيما زاد إلى مائتين شاتان، وفيما زاد إلى ثلاثة ثلاث شياه، وفي كل مائة كاملة شاة وهكذا، وما بين العددين معفو عنه.
(8)
التبيع ما له سنة من ولد البقر، والأنثى تبيعة، والعامل بالخيار بينهما، فأو للتخيير، والمسنة ما لها سنتان، وظاهره أن الأنوثة شرط لكثرة نفعها بالنتاج.
(9)
بسند حسن، والبقر هنا ما يعم العراب والجواميس.
حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ
(1)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ
(3)
، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
بيان العوض إذا فقد المطلوب
(5)
• عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم
(6)
: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماً
(7)
، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ
(1)
فالثلاثون أقل نصاب البقر وفيها الجذع أو الجذعة وهو التبيع أو التبيعة السالفان، ويستمر هذا إلى الأربعين، فيتغير إلى مسنة، وتستمر إلى ستين، فتتغير بتبيعين إلى سبعين فتبيع ومسنة، وهكذا في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين سنة، والله أعلم.
(2)
أي بيان الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
تنازعه الفعلان قبله، أي لا يجمع المالك بين المتفرق خشية كثرة الزكاة، ولا يفرق العامل بين المجتمع خشية قلتها بل يترك المال كما هو قاله الشافعي، وقال بعضهم معناه: أن يكون لنفر ثلاثة لكل منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة، فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم إلا شاة واحدة، أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه، فيفرقانها حتى لا يكون على كل واحد شاة واحدة، وقال بعضهم: معنى لا يجمع بين متفرق أن يكون الرجلين أربعون شاة لكل منهما عشرون، فإذا جمعاها ففيها شاة وإلا فلا، ومعنى ولا يفرق بين مجتمع أن يكون الرجل مائة وعشرون شاة ففيها شاة فإذا فرقها الساعى أربعين أربعين، ففيها ثلاث شياه.
(4)
الخليطان هما الشريكان فعلى كل شريك من الزكاة بقدر ماله في رأس المال. والله أعلم.
بيان العوض إذا فقد المطلوب
(5)
أي الواجب على المال.
(6)
أي بها.
(7)
من بلغت مبتدأ خبره فإنها تقبل منه، وقوله: إن استيسرتا أي وجدتا، وأو للتخيير فيه وفيما بعده، فإذا وجب على المال جذعة ولم توجد سليمة عند المالك، فإنه يدفع بدلها حقة وشاتين أو عشرين درهمًا، جبرانًا لصغر الحقة التي دفعها.
الْمُصَدِّقُ
(1)
عِشْرينَ دِرْهَماً أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماً
(2)
، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَماً أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِى مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَماً أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَماً أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا
(3)
وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْس مَعَهُ شَيْءٌ
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
شرط زكاة الماشية
• عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ الصَّدَقَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم: وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلا مَا شَاءَ الْمُصَّدِّقُ
(5)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ
(6)
رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ، وَأَعْصَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا
(1)
المصدق بضم ففتح فكسر مع التشديد فيه وفيما بعده، أي عامل الزكاة.
(2)
أي مع بنت اللبون لتساوي الحقة.
(3)
بأن لم تكن موجودة، أو كانت ولكنها غير سليمة.
(4)
فإن كبر سنه يعادل الأنوثة في بنت المخاض؛ ومعنى ما تقدم أن من وجب عليه سن ولم يتيسر له فإنه يصعد درجة ويأخذ العوض أو ينزل درجة ويدفع العوض، ومن دفع ذكرًا أعلى فلا شيء له. والله أعلم.
شرط زكاة الماشية
(5)
الهرمة: الكبيرة التي سقطت أسنانها، والعوار بالفتح ما ترد به في البيع وبالضم العور في العين، والتيس: فحل الغنم أو مخصوص بالمعز، والمصدق بتشديد الصاد والدال أي المتصدق وهو المالك، أو بضم فسكون فكسر أي الساعي، فيكون الاستثناء راجعًا للكل، وعلى الأول يكون راجعًا للتيس فقط؛ لأنه أعز عند المالك.
(6)
نسبة إلى غاضرة أبو قبيلة من قيس، وليس له إلا هذا الحديث.
نَفْسُهُ
(1)
رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلَا يُعْطِي الْهَرِمَةَ، وَلَا الدَّرِنَةَ
(2)
وَلَا الْمَرِيضَةَ، وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ، وَلكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ
(3)
.
• عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي كُلَّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ
(4)
، لَا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا
(5)
، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِراً بِهَا فَلَهُ أَجْرُهَا
(6)
، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ
(7)
عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عز وجل، لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ
(8)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(9)
.
وَلأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيَ رضي الله عنه: «وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ» . وَللِشَّافِعِيِّ: «لَيْسَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ
(10)
».
• عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ:
(1)
فاعل بطيبة التي هي حال، أي أعطى زكاته بسخاء وإخلاص، وقوله رافدة من الرفد وهو الإعانة.
(2)
الدرنة بفتح فكسر من الدرن، وهو الوسخ، والمراد الجرباء، والشرط بالتحريك صغير المال وشراره، واللئيمة: البخيلة باللبن، والوسط الخيار.
(3)
بسند صالح.
(4)
السائمة التي ترعى في كلأ مباح، وقوله في أربعين بنت لبون: ليس قيدًا فإنها تجب من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين.
(5)
أي لا يفرق بين مجتمع كما سبق، أو لا يفرق بين صحيح وهزيل وسمين، بل يعد الكل على السواء وإن كان ما يجب إخراجه من الوسط.
(6)
فمن أعطاها حال كونه طالبًا للأجر من الله تعالى فله أجرها كاملا.
(7)
شطر بالنصب عطف على الضمير في آخذوها، ومنه قال بعضهم: من امتنع من الزكاة أخذت منه وأخذ بعض ماله عقوبة له. وعليه أحمد والشافعي في القديم، أو هو فعل مبني للمجهول مع التشديد، أي جعل ماله شطرين ويتخير العامل في أخذ الزكاة منهما، وعليه الجمهور.
(8)
أصل العزمة الجد في الأمر، ومعناها هنا الفريضة، أي إن هذه الزكاة فريضة من فرائض الله على عباده الأغنياء للفقراء ليس لمحمد مع ولا لقرابته منها شيء.
(9)
بسند صالح.
(10)
العوامل جمع عاملة وهي التي تستعمل في حرث الأرض أو نقل الأتربة أو الماء مثلا، فلا زكاة في العوامل لقلة النماء كالتي تعلف، وعليه الجمهور سلفًا وخلفا. وقال المالكية: تجب زكاة الماشية وإن كانت عاملة وإن كانت تعلف.
«خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ، وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ، وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ
(1)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اسْتَفَادَ مَالاً فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحوْلُ عِنْدَ رَبِّهِ
(2)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
.
الباب الرابع: في زكاة الزروع
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
(5)
{وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} .
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ
(6)
، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ
(7)
، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ
(8)
».
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
(1)
فالقدر الواجب إخراجه لابد أن يكون من عين المال من غيره، ولا تجزئ قيمة الواجب إلا في الأعداد الأول من الإبل، ففيها من الغنم كما تقدم.
(2)
فمن ملك نقدًا أو ماشية فلا زكاة عليه حتى يمضي عليه تمام الحول في ملكه والنصاب كامل، وعليه الجمهور، وقال الحنفية: تجب الزكاة وإن نقص النصاب في وسط الحول، وكذا فيما استفاده في أثنائه تبعًا للأصل الكامل، والمراد بالحول الحول الهجرى لقوله: عند ربه.
(3)
بسند صحيح، وفقه ما تقدم أنه يشترط في زكاة الماشية أن تكون نعما، وكاملة النصاب، وسائمة، وألا تكون عوامل، وأن يمضى عليها الحول في ملكه، وشرط في الواجب إخراجها ألا تكون هرمة، ولا مريضة، ولا معيبة بأي شيء يعيبها في البيع إلا عن مثلها، والأفضل كونها من نفس المال، وأن يقدمها بسماحة نفس لله تعالى، قال تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} والله أعلم.
(الباب الرابع في زكاة الزروع)
(4)
أي في بيان نصابها وبيان ما يجب إخراجه منها.
(5)
أي أدوا زكاة زرعكم يوم حصاده للفقراء.
(6)
أي لا زكاة في زرع لم يبلغ خمسة أوسق، جمع وسق بالفتح والكسر، والوسق: ستون صاعًا والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث، وقدر الصاع أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل، وفيه أنها لا تجب في الفواكه والخضراوات لأنها لا تكال كما تقدم، فلا تجب الزكاة في أقل من خمسة أوسق، وقدرها بالرطل المصرى ألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلا، وبالكيل المصرى أربعة أرادب وويبة كيلتان بعد التصفية اللازمة.
(7)
الذود بإعجام أوله وإهمال آخره: اسم لعدد قليل من الإبل وبينه لفظ المضاف وهو خمس، أي ليس في أقل من خمس من الإبل زكاة.
(8)
أواق كفراق جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد الياء وهي أربعون درهما من الفضة، وسيأتي الكلام على الذهب والفضة.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ
(1)
الْعُشْرِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلاً الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ
(2)
».
خرص العنب والنخل
(3)
• عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيباً كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْراً
(4)
.
(1)
الغيم السحاب وهو المطر، والعشور جمع عشر وإن كان المشهور في جمعه أعشار كقفل وأقفال، والسانية: الحيوان الذي يرفع بواسطته الماء من بئر ونحوها وجمعها سوانٍ.
(2)
الواو في قوله: والأنهار والعيون بمعنى أو والأنهار جمع نهر كنهر النيل بمصر والفرات بالعراق، والعيون جمع عين، وهي ما ينبع ماؤها ويسيل وحده، وهذا كثير في بلاد الترك وما جاورها، والبعل كشرط هو ما يشرب بعروقه من الأرض، والبعل كل نخل وزرع لا يسقى أو تسقيه السماء. ولفظ الترمذي: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر. والنضح نقل الماء على أي شيء. وفقه ذلك أن ما سقي بغير مشقة أو كان بعلاف زكاته العشر، وما سقي بتعب ومشقة فعليه نصف العشر وما سقى مرة بالمطر ومرة بالنضح فعليه ثلاثة أرباع العشر ويعمل بالنسبة، وتجب الزكاة في الزروع والثمار ببدوِّ صلاحها، ولكن إخراجها بعد تصفية الحبوب ومصير العنب والرطب زبيبًا وتمرا
(فائدة)
من استأجر أرضًا لزرعها أو ثمرها واستغرقت الإجارة المحصول هل تجب فيه زكاة أولا؟ الظاهر عدم الوجوب للحديث السابق: صدقة تؤخذ من أغنيائهم، والحديث الآتي:» لا صدقة إلا عن ظهر غنى» وهذا ليس بغنى على رأى الأئمة كما يأتي في تعريف الغنى في الباب السابع، لاسيما إذا كان عليها خراج للحاكم فإن أبا حنيفة لا يري عليها زكاة.
خرص العنب والنخل
(3)
الخرص تقدير ما على النخل من الرطب تمرًا وما على الكرم من العنب زبيبًا ليعرف قدر الزكاة، ثم يخلى بينه وبين المزارعين، والخرص مطلوب في كل زرع كما يأتي في الزروع، وحكمته معرفة القدر الذي وجبت فيه الزكاة، وحفظ حق الفقراء، والتوسعة على الزارعين بالتناول من زرعهم بعد الحرص، ووقته إذا ظهرت الحلاوة في العنب والرطب، فيطوف الخارص في الشجر كله ويقول عليها من الرطب قدر كذا، فإذا يبس كان قدره كذا، ويكفي في الخرص رجل عدل؛ لبعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى خيبر ليخرص زرعها وثمرها الآتي في الحديث الثالث.
(4)
لأن العنب والرطب يضبطان بالكيل بل ما يضبط هو الزبيب والتمر.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ
(1)
». رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
وَكَان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْن رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَبِّرُ الْيَهُودَ يَأخُذُونَهُ بِذلِكَ الْخَرْصِ أَمْ يَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِمْ، لِكَيْ تُحْفَظَ الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
.
زكاة الذهب والفضة
(4)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ
(5)
، فَإِنْ لَم تَكُنْ إِلا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ
(6)
إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَلِلْخَمْسَةِ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ
(7)
.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه وَسَاقَ حَدِيثاً إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ
(8)
(1)
هذا أمر إباحة للزارعين بأن يأخذوا بعد الحرص حاجتهم من التمر والزرع ويتركوا الثلث أو الربع لأخذ الزكاة منه.
(2)
الأول بسند حسن والثاني رواه الحاكم وصححه.
(3)
بسند موثق، والخرص في أصله جائز للإمام، وقد يجب إذا لم يؤمن الزارعون، فالخرص لهذه النصوص مشروع ويعمل به عند الشافعي وجماعة، وقال الحنفية: لا عبرة به لإفضائه إلى الربا وتلك النصوص كانت قبل تحريم الربا. والله أعلم.
زكاة الذهب والفضة
(4)
أي بيان نصابهما وزكاتهما.
(5)
الرقة بكسر الراء: الدراهم المضروبة، وأصلها ورق حذفت واوه وعوض عنها الهاء كعدة وزنة، والمراد الفضة ولو غير مضروبة.
(6)
فإن كانت الرقة ناقصة عن مائتي درهم فلا شيء فيها لعدم كمال نصابها الذي أوله مائتا درهم.
(7)
أواق جمع أوقية، وهي أربعون درها، فخمسة في أربعين بمائتي درهم.
(8)
فالحول معتبر في الذهب والفضة، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والأئمة الأربعة، وقال بعض الصحب والتابعين وداود: من ملك نصابًا وجب عليه زكاته في الحال لحديث: وفي الرقة ربع العشر. وقوله: ففيها خمسة دراهم هي ربع العشر من المائتين.
وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى تَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ
(1)
. فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذلِكَ
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ
(3)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَماً
(4)
، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ.
عَنْأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالِ: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ
(5)
وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ
(6)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
وأَقْطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالَ بْنَ الْحارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ
(7)
. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
(1)
وهو ربع العشر الواجب إخراجه، وقيمة الدينار بالقروش المصرية ستون قرشًا صاغا.
(2)
أي ما زاد على مائتي درهم في الفضة وعلى عشرين دينارًا في الذهب، فزكاته بحسابه أي عليه ربع العشر، ففي أربعمائة درهم عشرة دراهم، وفي أربعين دينارا دينار كامل، وهكذا قلّ الزائد أو كثر، وعليه عامة العلماء إلا أبا حنيفة، فقال: لا زكاة في الزائد حتى يبلغ أربعين درهمًا.
(3)
حينما سأله الترمذي عنه فصححه.
(4)
درهما الثاني مفعول لهاتوا والأول تمييز لأربعين، فمعنى ما تقدم أن أول نصاب الذهب عشرون دينارا، وقدره بالعملة المصرية أحد عشر جنيها مصريا ونصف وربع وثمن جنيه، وبالجنيه الإنجليزي اثنا عشر وثمن جنيه، وأول نصاب الفضة مائتا درهم، وقدرها بالريال المصرى ستة وعشرون وتسعة قروش وثلثا قرش، وبالقروش المصرية خمسمائة وتسعة وعشرون قرشًا وثلثا قرش، فلا زكاة في أقل من هذا، فمن ملك نصاب ذهب أو فضة وحال عليه الحول وجب عليه زكاته، وهو ربع العشر منهما الذي هو خمسة قروش تعريفة عن كل جنيه، ولا فرق فيهما بين مضروب وغيره، ولكن لابد أن يكونا خالصين إلا ما يماثل أجرة الضرب والتخليص، فيتسامح فيه، وحكمة اشتراط الحول في النقدين والتجارة والمواشي أن النماء لا يظهر فيها إلا بمضي الحول، بخلاف الزرع والركاز، فإنها نعم أتت من فضل الله، فوجب زكاتها في الحال رحمة بالفقراء.
(5)
هذه الكلمات سيأتي معناها في الزرع إن شاء الله.
(6)
الركاز هو دفين الجاهلية، وفيه الخمس زكاة في الحال بشرط كونه ذهبًا أو فضة وكامل النصاب.
(7)
القبلية بفتحتين نسبة إلى قبل جهة بساحل البحر على خمسة أيام من المدينة، والفرع بضم فسكون مكان بين نخلة والمدينة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى تلك المعادن=
زكاة عروض التجارة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} .
قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ في التِّجَارَةِ.
• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَر صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ
(4)
»، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
=لبلال بن الحارث يدفع زكاتها إلى اليوم. والمعادن جمع معدن كمجلس، وهي أمكنة توجد فيها عروق ذهب أو فضة خلقها الله فيها، فمن أصاب معدنًا فعليه في الحال ربع العشر زكاة نقدا، وعليه الجمهور، وقال الحنفية: فيها الخمس لأنها زكاة، وحكمة وجوب الزكاة في الذهب والفضة دون غيرها من الجواهر أنهما معدان للماء، وأنهما يدرك بهما كل شيء، كما روى أن آدم عليه السلام حينما هبط من الجنة بكى عليه كل شيء فيها إلا الذهب والفضة، فقال الله لهما: لم لا تبكيان على آدم؟ قالا: يا رب لا نبكي على من عصاك. قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لأرفعنكما ولأجعلنكما قيمة كل شيء. بقي الكلام على الأوراق المالية» البنكنوت» فعليها الزكاة لأنها يتعامل بها كالنقدين وتقوم مقامهما وتصرف بهما ولأنها سندات دين، فتجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول. وعليه المالكية والحنفية، وقال الشافعية: لا تجب فيها لأنها حوالة على البنك غير صحيحة لعدم الإيجاب والقبول لفظًا بين الطرفين، إلا إذا صرفت نقدا ومضى عليها الحول، وقال الحنابلة: لا تجب زكاتها إلا إذا صرفت بنقد، والله أعلم.
زكاة عروض التجارة
(1)
العروض جمع عرض شروط وشرط، والعرض ما ليس بنقد كالثياب والنحاس والأخشاب والحيوان وغيرها مما يباع ويشتري، والتجارة هي التقليب في المال لغرض الربح.
(2)
وقوله في الآية {أنفقوا} وفي الحديث: كان يأمرنا. يفيد الوجوب، فزكاة التجارة واجبة باتفاق السلف والخلف، ومنهم الفقهاء السبعة، ولكن لا يكفر جاحدها لخفائها ولخلاف فيها وإن كان لا يعتد به، وقوله: نعده - من الإعداد - أي نهيئه للبيع والتجارة.
(3)
بسند حسن.
(4)
البز بالفتح الثياب أو ثياب التجارة، وبائعها بزاز، وليست الزكاة قاصرة عليه بل كل ما كان للتجارة لعموم الحديث الأول، فتجب زكاة التجارة في كل ما أعد للتجارة بنيتها، فيقوم في آخر الحول بما=
الباب الخامس: في زكاة الحلى ومال اليتيم والعسل
(1)
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ
(2)
عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
وَمَعَهَا بِنْتٌ لَهَا وَفِي يَدِ بِنْتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ
(4)
مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا:«أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هذَا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ
(5)
» قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
(6)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(7)
. ولَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في أَيْدِيهِمَا سِوُارَيِنْ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:«أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ؟» قَالَتَا: لَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسُوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ» ، قَالَتَا: لَا، قَالَ: «فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ
(8)
».
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحاً مِنْ ذَهَبٍ
(9)
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: «مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ
(10)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّهُ
=اشتري به، أو بما يشاء من النقدين، ويخرج منه ربع العشر، وتقوّم كلها وإن اختلفت أجناسها كثياب وحيوان ونحاس ولو لم يمض على بعضها سنة، كما يضم النقد والربح الحاصلان منها إليها وتخرج الزكاة عن الكل مراعاة لحق الفقراء، والله أعلم.
(الباب الخامس في زكاة الحلي ومال اليتيم والعسل)
(1)
إنما وضعت الثلاثة في باب واحد للخلاف فيها كما يأتى، والحلي ما تتحلى به المرأة في يديها أو في أذنيها مثلا من الذهب والفضة.
(2)
هو محمد وجده عبد الله بن عمرو بن العاص، احتج بحديثه أحمد وإسحاق وغيرهما، وضعفه آخرون لأنه يحدث عن صحيفة جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
(3)
المرأة هي أسماء بنت يزيد بن السكن.
(4)
المسكتان بالتحريك تثنية مسكة، وهي هنا الأسورة.
(5)
لعدم زكاتهما.
(6)
ينفقهما في سبيل الله.
(7)
قال ابن القطان: سنده صحيح وإن ضعّف الترمذي سند حديثه لوجود ابن لهيعة فيه.
(8)
أي أخرجاها.
(9)
الأوضاح جمع وضح بالتحريك، وهو خلخال من الفضة غالبا لوضوحه وبياضه.
(10)
أي إذا بلغ نصابا فزكيته فليس بكنز تعاقبين عليه، ومن هذا حديث عائشة: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: ما هذا يا عائشة، قلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال. أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، قال: هو حسبك من النار. رواه أبو داود والحاكم وصححه، والفتخات جمع فتخة بالتحريك، وهي الخاتم الكبير من فضة كعادة نساء العرب.
كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ بِالذَّهَبِ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ
(1)
. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحُلِيِّ أَفِيهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ؟ قَالَ: وَإِنْ كَثُرَ
(2)
. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
زكاة مال اليتيم
(3)
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيماً لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكلَهُ الصَّدَقَةُ
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(5)
.
• عَنِ الْقَاسِمِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي أَنَا وَأَخَوَيْنِ لِي يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِهَا، فَكَانَتْ تخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ
(6)
. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
(1)
ومعلوم ورع ابن عمر وشدة تمسكه بالدين، وعدم إخراجه الزكاة لابد أن يكون عن علم به.
(2)
وجواب جابر هذا لابد أن يكون عن علم، ومن هذا حديث مالك: أن عائشة كانت تلى بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلى، فلا تخرج عنه الزكاة. وللدارقطني: أن أسماء بنت الصديق رضي الله عنها كانت تحلى بناتها الذهب نحو خمسين ألفًا ولا تزكيه. فالأحاديث الأُوَل تدل على وجوب زكاة الحلى، وعليه جمهور الصحب والتابعين وسفيان الثوري والحنفية. والعبرة في زكاتها بالوزن لا بالقيمة، وقالوا: إن الآثار لا قيمة لها مع الأحاديث الصحيحة، والحيطة في أدائها كما قاله الخطابي، وفعل ابن عمر وما بعده يدل على عدم وجوب زكاة الحلى، وعليه بعض الصحب والتابعين وجمهور الفقهاء، وقالوا تلك الأحاديث كانت قبل حل الذهب للنساء أو من باب التزهيد في الزينة، وهذا في الحلى المباح؛ أما حلى الرجال والأواني فيها الزكاة باتفاق. والله أعلم.
زكاة مال اليتيم
(3)
أي ما ورد فيها.
(4)
فمن تولى أمر يتيم له مال فإنه يجب عليه أن يعمل ما ينميه كتجارة وغيرها ولا يتركه حتى تأكله الزكاة.
(5)
بسند ضعيف، ولكن يؤيده النصوص السالفة القاضية بالزكاة في كل مال.
(6)
فالقاسم بن محمد بن أبي بكر وأخواه كانوا تحت ولاية عمتهم عائشة، فكانت تزكي أموالهم، ففيهما وجوب الزكاة في مال اليتيم، وعليه جمهور الصحب ومالك والشافعي وأحمد وإسحق، والواجب عليه إخراجها هو الولى، وقال جماعة: لا تجب فيه الزكاة لأنه ليس مكلفًا، وعليه سفيان الثوري وابن المبارك والحنفية. ومال الصبي والمجنون كمال اليتيم في هذا. والله أعلم.
زكاة العسل
(1)
عنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: جَاءَ هِلالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ
(2)
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَادِياً يُسَمَّى سَلَبَةَ، فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَتَبَ لَهُ عَامِلُهُ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذلِكَ، فكَتَبَ لَهُ عُمَرُ: إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلا فَهُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «في الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزِقَ زِقٌّ
(5)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
وَأَبُو دَاوُدَ
(7)
. ولَفْظُهُ: «مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ» .
زكاة العسل
(1)
أي عسل النحل واجبة عند بعض العلماء كما يأتي.
(2)
متعان بضم فسكون: قبيلة من العرب جاء هلال منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يحفظ له سلبة وهو واد من أوديتهم فيه نحل كثير، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وكان هلال يؤدي منه العشر زكاة للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تولى عمر فأراد أن يمتنع فقال عمر لعامله: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فساعده في حفظه له، وإلا فهو حق لمن سبق إليه.
(3)
بسند صالح.
(4)
وفي حديثه أنهم كانوا يؤدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم من كل عشر قرب قربة، فلما ولى عمر امتنعوا وقالوا: كنا نؤدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب العامل إلى عمر فرد عليه بذلك، فدفعوا له ما كانوا يؤدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
الزق: قربة صغيرة.
(6)
بسند ضعيف.
(7)
بسند صالح ولأحمد وابن ماجه: جاء أبو سيارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي نحلا قال: فأد العشور. قلت: يا رسول الله احم لي جبلها. قال: فحمى لي جبلها. في هذه النصوص وجوب زكاة العسل وأنها العشر، وعليه بعض الصحب والتابعين والحنفية وأحمد وإسحاق وهو الأحوط عملا وقال مالك والشافعي والجمهور: لا تجب زكاة في العسل لأن تلك النصوص فيها مقال، ولأن العسل ليس من الأجناس التي تجب فيها الزكاة وقد مرت. هذا ما في شروح الحديث، والذي في كتب المذاهب الأربعة أنه لا زكاة في العسل عند الأئمة الأربعة، والله أعلم.
الباب السادس: في زكاة الفطر
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}
(2)
{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} .
• عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقَالَ: «نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ» . رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً للِصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ
(3)
، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ
(4)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
قدر زكاة الفطر صاع بكيل المدينة
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
(5)
،
(الباب السادس في زكاة الفطر)
(1)
أي في فضلها وحكمها وقدرها ووقتها، وتسمى زكاة الأبدان، وصدقة الرءوس، وزكاة الصوم وزكاة رمضان، وصدقة الفطر، لوجوبها بالفطر من رمضان.
(2)
تطهر بإخراج الزكاة وتباعد عن الأدناس.
(3)
اللغو: ما لا ينعقد عليه القلب من القول، والرفث: الكلام الفاحش، فحكمة زكاة الفطر طهارة الصائم وكثرة ثوابه ومواساة الفقراء والمساكين.
(4)
فمن أخرجها قبل صلاة العيد فهي الزكاة المقبولة، وإلا فهي كباقي الصدقات وهذا حث على المبادرة بإخراجها قبل الصلاة، وإلا فقد قال الجمهور: إن إخراجها قبل صلاة العيد مستحب، ويجوز إلى آخر يوم الفطر وتأخيرها بعده حرام لأنها زكاة مؤقتة كالصلاة يحرم إخراجها عن وقتها، ويدخل وقت وجوبها بغروب شمس ليلة العيد، وقيل بطلوع فجره ويمتد إلى غروبه.
قدر زكاة الفطر صاع بكيل المدينة
(5)
فزكاة الفطر واجبة عند الأئمة الأربعة على كل مسلم ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو عبد، وهي على الصبي من ماله إن كان له مال، وإلا فعلى من عليه نفقته وعلى السيد إخراجها عن عبده، وقدرها عن كل فرد: صاع وهو أربعة أمداد، وقدر الصاع بالكيل المصري قدح وثلث عند المالكية، وقد حان =
وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَاعاً مِنْ طَعَامٍ
(2)
أَوْ صَاعاً مِن تَمْرٍ أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِير أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ
(3)
، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ
(4)
وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: أُرَى مُدًّا مِنْ هذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِراً، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَر، وَمِمَّا كَلَّمَهُمْ بِهِ: إِنِّي أُرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذلِكَ
(5)
.
• عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ: أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا، فَقَالَ: مَنْ ههُنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قُومُوا إِلى إِخْوَانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الصَّدَقَةَ
(6)
صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرَ أَوْ مَمْلُوكٍ ذَكِرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ رَأَى رُخْصَ السِّعْرِ قَالَ: قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ
= عند الشافعية وهما أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل، وقد حان وثلث عند الحنفية، فيخرج الصاع حبًّا أو دقيقًا بقدره عند بعضهم، ويجوز إخراج قيمته نقدًا عند الحنفية، وهو أنفع للفقير، ولعل اختلافهم في هذا ناشئ من تفاوتهم في قدر الصاع، ويجب إخراجها مما يقتاتون به في بلدهم زبيبًا أو تمرا أو شعيرا أو غيرها، ويشترط في إخراجها أن تكون فاضلة عن نفقته وعياله، بل واشترط الحنفية في وجوبها أن يكون مالكا للنصاب.
(1)
تقدم وسيأتي جواز تعجيلها، بل يجوز إخراجها من أول رمضان لوجود أحد سببيها. وعليه الشافعي، وقال مالك وأحمد: يجوز تعجيلها بيوم أو يومين فقط.
(2)
الطعام هو الحنطة لأنها المرادة منه عند الإطلاق، أو أن الطعام لفظ مجمل يبينه ما بعده.
(3)
الأقط بفتح فكسر لبن يابس غير منزوع الزبد أو مخيض يطبخ ثم يترك فييبس، ولعله يختلف باختلاف الجهات.
(4)
هو ابن أبي سفيان، والسمراء القمح، وأرى بضم الهمزة من الرأي وهو الظن.
(5)
فلما قدم معاوية أمير المؤمنين إلى الحجاز للحج أو العمرة كان القمح الشامي قد انتشر بأرض الحجاز؛ فقال: إني أظن أن المد من هذا القمح يساوي مدين من سائر الأقوات. فأخذ بقوله بعض الناس إلا أبا سعيد فلا زال يخرج الصاع، وقول معاوية هذا باجتهاد منه، ولكنه وافق الحديث الآتي.
(6)
صدقة الفطر.
عَلَيْكُمْ، فَلَوْ جَعَلْتُمُوهُ صَاعاً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
(1)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ والْمِكْيَالُ مِكيالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
(3)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد
(4)
.
يجوز تعجيل الزكاة كما يجوز نقلها
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في تَعْجِيلِ الصَّدَقَةَ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ في ذلِكَ
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُمَرَ: إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا زَكَاةَ الْعَبَّاسِ عَامَ الأَوَّلِ لِلْعَامِ
(7)
.
وَلِلْبُخَارِيِّ: كَانَ النَّاسُ يُعْطُونَهَا قَبْلَ
(1)
فيه التصريح بإجزاء نصف الصاع من القمح فقط، وبوجوب الصاع من غيره وأقره على أمير المؤمنين للحديث، ولكنه أشار عليهم بالصاع لرخص الأقوات.
(2)
قال صاحب التنقيح: رواته ثقات مشهورون ولكنه مرسل، فإن الحسن لم يسمع من ابن عباس، وقد احتج بالمرسل من تقدم الشافعي كمالك والثوري والأوزاعي وفي رواية: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيومين فقال الحديث. ورواه عبد الرزاق والدارقطني والطبراني، فيه إجزاء نصف صاع من البر. وعليه بعض الصحب والتابعين وبعض آل البيت والحنفية، ولكن الجمهور من هؤلاء والأئمة الثلاثة وإسحاق، على أن الواجب في الفطرة صاع من البر أو غيره مما يقتات في بلدهم لقوة الأحاديث الأول، ولما فيها من الحيطة في حق الفقراء، ويتعين الإطعام عند الجمهور، وقال السادة الحنفية: يجوز إخراج القيمة نقدًا لأنه أنفع للفقراء، ومن لم يكن عنده في ليلة العيد شيء فلا يجب عليه شيء. لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ومن تيسر له بعض الصاع لزمه إخراجه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، وإذا كان بالبلد أقوات أخرج الغالب منها وإلا أخرج الأفضل، قال تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} .
(3)
فالعبرة في تقدير الأشياء التي توزن بوزن أهل مكة لأهم أصحاب تجارة ويرحلون لليمن والشام وترد الجهات عليهم وترضى بوزنهم فوجب اعتباره، والعبرة فيما يكال بكيل أهل المدينة لأنهم أصحاب زرع، وبالرجوع إلى وزن أهل مكة وكيل أهل المدينة يرتفع الخلاف بين الناس.
(4)
في البيوع بسند صحيح.
يجوز تعجيل الزكاة كما يجوز نقلها
(5)
فالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يخرج زكاته قبل حلولها فأجاز له.
(6)
مسندا ومرسلا قال وهو أصح ورواه البيهقي والحاكم.
(7)
أي أخذنا زكاة هذا العام الماضي، ورواه البيهقي بسند موثق ولفظه: إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين، ففيها جواز تعجيل الزكاة في المواشي وغيرها=
الْعِيدِ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ
(1)
.
وَبَعَثَ أَحَدُ الأُمَرَاءِ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ
(2)
عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ الأَمِيرُ: أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ عِمْرَانُ: وَلِلْمَال أَرْسَلْتَنِي، أَخَذْنَاهَا مِنْ حَيْثُ كُنَّا نَأْخُذُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(3)
، وَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
• عَنْ أَبِي هِلَالٍ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كِدْتُ أُقْتَلُ بَعْدَكَ فِي عَنَاقٍ
(4)
أَوْ شَاةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَوْلَا أَنَّهَا تُعْطَى فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ مَا أَخَذْتُهَا
(5)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
آداب المعطى والآخذ
(6)
• عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَيَأْتِيكُمْ رَكْبٌ مُبْعَضُونَ
(7)
فَإِذَا جَاؤُوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ
(8)
وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ، فَإِن عَدَلُوا فَلِأَنْفُسِهِمْ،
=وعليه الأكثر والشافعي وأحمد وإسحاق. قاله الترمذي، وقال مالك وسفيان: لا يجوز، للحديث السابق: من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول.
(1)
هذا في زكاة الفطر، وتقدم الكلام على تعجيلها.
(2)
ذاك الصحابي الجليل.
(3)
فعمران رضي الله عنه جباها من أهل الجهة، وصرفها لفقرائهم فلم ينقلها إلى جهة أخرى، كحديث معاذ السالف في أول الزكاة: صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. ففيهما وجوب صرف الزكاة الفقراء البلد، ولا يجوز للمالك نقلها لجهة أخرى إلا إذا لم يكن بالبلد فقراء أو فضلت عنهم، أما الإمام فله نقلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدعي زكاة الأعراب إلى المدينة ويصرفها لفقراء المهاجرين. ولحديث النسائي الآتي، وعلى هذا الشافعي، وقال مالك: لا يجوز نقلها إلى مسافة القصر إلا إذا كانوا أشد حاجة من أهل الجهة، وقال الحنابلة: يحرم نقلها إلى مسافته ولكنها تجزئ. وقال الحنفية: يجوز نقلها مطلقًا ولكن مع الكراهة إلا لقوم هم أحوج إليها وإلا لقرباه فلا كراهة.
(4)
العناق الصغير من ولد المعز.
(5)
أي فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ينقلها للضرورة وهذا جائز باتفاق. والله أعلم
آداب المعطي والآخذ
(6)
أي آداب دافع الزكاة وآخذها.
(7)
بلفظ المفعول أو بضم ففتح فتشديد، أي سيأتيكم الجماعة المكروهون طبعا، وهم جباة الزكاة لكراهة المالكين لهم.
(8)
قولوا لهم: مرحبًا وأهلا.
وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا، وَأَرْضُوهُمْ، فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ رِضَاهُمْ، وَلْيَدْعُوا لَكُمْ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
.
• عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: شَكَا الأَعْرَابُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ نَاساً مِنَ الْمُصَدِّقِينَ
(2)
يَأْتونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ» . قَالَ جَرِيرٌ: مَا صَدَرَ عَنِّي مُصَدِّقٌ مُنْذ سَمِعْتُ هذَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ. وَلَفظُ التِّرْمِذِيِّ: «إِذَا أَتَاكُمُ الْمُصَدِّقُ فَلَا يُفَارِقَنَّكُمْ إِلا عَنْ رِضاً» عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ، وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلا فِي دُورِهِمْ
(4)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى
(6)
رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ أَبي مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ» ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى
(7)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ. وَلَهُ وَلأَبِي دَاوُدَ: «الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا
(8)
».
• عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ كَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ
(9)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(1)
بسند فيه ثابت بن قيس، وثقه الإمام أحمد.
(2)
بكسر الدال وهم السعاة.
(3)
أي ما فارقني الجابي إلا وهو راض.
(4)
الجلب والجنب بالتحريك: نزول الساعي بمكان بعيد من المواشي، ثم يطلبها لأخذ زكاتها، وهو مكروه لشقته على المالكين، فزكاة المواشي تؤخذ منها وهي في أماكنها.
(5)
بسند صحيح.
(6)
اسمه علقمة بن خالد الأسلمي، شهد هو وابنه بيعة الرضوان تحت الشجرة.
(7)
فيه جواز الصلاة على غير الأنبياء، وكرهه مالك وأكثر العلماء، وما هاهنا مخصوص به صلى الله عليه وسلم لأنه حقه وشعاره، فله أن يعطيه لمن يشاء.
(8)
فالمالك الذي لا يؤديها بتمامها مع الإخلاص يكون إثمه كإثم المانع للزكاة.
(9)
بجامع أن كلا منهما في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فمعنى ما تقدم أنه يجب على المالكين إكرام السعاة وإرضاؤهم بتركهم يأخذون الزكاة كما أمر الله ورسوله، وعلى السعاة أن يتحروا الحق، ولا يأخذوا نفائس الأموال، وأن يأخذوا الزكاة من أماكنها، وأن يتلطفوا بالمالكين ويدعوا لهم، ففي ذلك تأليف للطرفين وعون على طاعة الله تعالى. والله أعلم.
الباب السابع: فيمن تحل له الزكاة والصدقة ومن لا تحل
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}
(1)
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}
(2)
{وَفِي الرِّقَابِ}
(3)
{وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}
(4)
{وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
(5)
.
وَجَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيَ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ
(6)
، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ
(الباب السابع فيمن تحل له الزكاة والصدقة ومن لا تحل)
(1)
أي إنما تصرف الزكاة للأنواع الآتية، والفقراء جمع فقير، وهو الذي لا ملك ولا كسب له أصلا، أو له ولكن لا يكفيه نصف الكفاية، وهي معتبرة بالعمر الغالب، وهو اثنتان وستون سنة، وهذا قول الشافعي وأحمد، والفقير عند الحنفية هو الذي يملك أقل من النصاب، وعند المالكية هو من يملك أقل من كفاية العام ولو زاد على النصاب والمساكين جمع مسكين وهو من له مال أو كسب لا يكفيه تمام الكفاية إنما يكفيه نصف عمره الغالب أو أكثر، وهذا قول الشافعي والجمهور لقوله تعالى {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} فوصفهم بالمسكنة مع ملكهم للسفينة. وقال الحنفية والمالكية: المسكين الذي لا يملك شيئًا أصلا؛ فهو عندهما أسوأ حالا من الفقير لقوله تعالى {أو مسكينا ذا متربة} وأجاب الجمهور بأن الوصف قد يفارقه كأصحاب السفينة، ولا يمنع من الفقر والمسكنة مركوب وخادم ومسكن وملابس ونحوها لائقة به، والعاملين جمع عامل، وهو من يعمل في الزكاة جامعًا أو كاتبًا أو حافظًا مثلا.
(2)
المؤلفة جمع مؤلف، وهو من أسلم حديثًا وإسلامه ضعيف، فيعطى ليقوى إيمانه، ومن أسلم وله شرف في قومه فيعطى من الزكاة إذا رجي منه إسلام غيره، أو رجى منه دفع شر الأشرار من مانعي زكاة أو ثوّار.
(3)
وهم المكاتبون، فيعطون ليستعينوا على تحرير رقابهم، والغارمين جمع غارم، وهو من استدان في مباح على نفسه وأولاده، ومن استدان بسبب ضمان غيره فيعطى لسداد دينه، ومن استدان للإصلاح بين متخاصمين فيعطى لسداد دينه ولو غنيًّا.
(4)
وهم المتطوعون في الجهاد ولو أغنياء، وابن السبيل: المسافر المحتاج وإن كان غنيًّا في بلده.
(5)
فريضة منصوب بمحذوف أي فرض الله ذلك فريضة عليكم والله عليم بخلقه حكيم في فعله بهم، ويشترط في آخذ الزكاة زيادة على ما سبق: أن يكون مسلمًا وألا يكون مكتفيًا بنفقة غيره، وألا تكون نفقته على المزكى، وألا يكون من بني هاشم وبني الطلب على ما يأتي.
(6)
أي باعتبار الآخذين لها.
(7)
بسند صالح.
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا
(1)
فَكَثُر دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» ، فَتَصَدَّق النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ
(2)
: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلا ذَلِكَ
(3)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ رضي الله عنه قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً
(5)
فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ: «أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنأْمُرَ لَكَ بِهَا ثُمَّ قَالَ: يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ
(6)
تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ
(7)
فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ
(8)
، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ
(9)
حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا
(10)
مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَاناً فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً
(1)
أي اشتراها.
(2)
جمع غريم وهو هنا الدائن، أي صاحب الدين.
(3)
فيه حمل لهم على التنازل عن بعض حقهم ويكون صدقة منهم على غارم ووضع جائحة، وسيأتي في الزرع إن شاء الله.
(4)
فمن يسأل الناس ليس مسكينًا، فربما كان غنيًّا كما هو مشاهد في كثير، وربما جمع كفايته وأكثر، ولكن المسكين الذي لا يجد كفايته ولا يعرفه الناس ولا يسألهم تعففًا، بل يحسبه الجاهلون غنيًّا من عفته، فهذا هو الذي يعطي من الصدقات.
(5)
بالفتح ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية قتيل أو غرامة ليصلح بين متخاصمين، وكانت العرب تفعل ذلك عزًّا وشرفا.
(6)
بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أو بالجر بدل.
(7)
أي آفة أهلكت زرعه أو مواشيه مثلا.
(8)
أو فيه وما بعده للشك، وقوام العيش وسداده بكسر أولهما، ما تقوم به المعيشة.
(9)
فقر شديد بعد يسار.
(10)
الحجا بالكسر والقصر: العقل الراجح والثلاثة مبالغة في فاقته، وإلا فبينة الإعسار كبينة غيره.
أَوْ سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتاً يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً
(1)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَمِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيَ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيَ
(2)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَسْأَلةَ لَا تَصْلُحُ إِلا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ
(3)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ
(4)
أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ»: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: «خَمْسُونَ دِرْهَماً أَوْ قِيَمَتهَا مِنَ الذَّهَبِ» . رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافاً فَقُلْتُ: نَاقَتِي الْيَاقُوتَةُ خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ
(6)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(7)
وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
(1)
السحت بالضم: الحرام، وما في الحديث لم يخرج عن الغارم والفقير والمسكين.
(2)
فلا تحل الصدقة لغني يملك، أو كسب يكفيه، أو بإنفاق غيره عليه، كما لا تحل لذي مرة سوي. أي قوى سليم الأعضاء لقدرته على التكسب، لرواية: ولا حظ فيها لغني ولا لقوى مكتسب. أي واجد للكسب، وإلا فيعطى.
(3)
الفقر المدقع ما يفضي بصاحبه إلى الدقعاء أي التراب، والغرم المفظع: الغرامة الفظيعة من دين ركبه حالٍّ ولا يجد سداده، والدم الموجع كدية توجهت عليه ولا يجدها. فكل من اتصف بوصف من الأوصاف السالفة حلت له المسألة وأخذ الزكاة والصدقة، وإلى هنا الشق الأول في الترجمة، وما يأتي في الغني الذي تحل له.
(4)
خموش وما بعده بضم أوائلها جمع خمش وخدش وكدح، وأو للشك أو للتنويع كأحوال السائلين، فإن فيهم المقل والمكثر والمفرط في السؤال، والخمش أبلغ من الخدش، وهو أبلغ من الكدح. والمراد أن من يسأل وله ما يكفيه كان في وجهه يوم القيامة آثار منكرة شائنة.
(5)
بأسانيد حسنة.
(6)
الأوقية أربعون درهما، والإلحاف الإلحاح، وهو لا يجوز، فمن سأل الناس وعنده ما قيمته أوقية فقد أذنب. فقال الراوي: ناقتي المسماة بالياقوتة أفضل وأغلى من أوقية.
(7)
بسند موثق.
وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
(1)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيَ إِلا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ
(2)
، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ
(3)
، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا لِلْغَنِيِّ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
لا تحل الصدقة لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومواليهم
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ رضي الله عنهما تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كَخٍ كَخٍ
(5)
» لِيَطْرَحَهَا، ثمَّ قَالَ: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ
(1)
وما يغدي ويعشى هو شبع يوم وليلة، فظاهر هذه الأحاديث الثلاثة أن من كان عنده خمسون درهمًا أو أربعون أو قيمتهما أو ما يشبهه يوم وليلة حرمت عليه المسألة وأخذ الصدقة، وسمي غنيًا. وللأئمة كلام في حد الغني، فذهب الحنفية إلى أن الغني من يملك النصاب، فيحرم عليه السؤال وأخذ الزكاة، بل يجب عليه إخراجها لحديث معاذ: صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. فوصفه بالغنى. وقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وجماعة: الغني من كان عنده خمسون درهمًا أو قيمتها لحديث ابن مسعود. وقال أبو عبيد. الغني من يملك أربعين درهما لحديث أبي سعيد. وقال الخطابي: الغني: من كان عنده ما يغديه ويعشيه، فتحرم عليه المسألة في يومه وليلته لحديث سهل. وعند المالكية: الغني من يملك كفاية عام فأكثر وقال الشافعي وجماعة: الغني من يملك كفاية بقية العمر الغالب وهو اثنتان وستون سنة، أي عنده ما يستغل منه ذلك، فإن الإنسان قد يكون عنده خمسون درهما أو أكثر، وهو في حاجة إليها لنفسه أو عياله، وحملوا هذه الأحاديث على الترهيب من السؤال مع وجود شيء، وهذا لا يفيد الغني كما هو واضح.
(2)
فالمتطوع بالجهاد يعطى وإن كان غنيًّا ترغيبا له، والعامل يعطى لأنها أجرة على عمل، فيأخذها وإن كان غنيًا، والغارم يعطي لسداد دينه وإن كان غنيًّا.
(3)
أي غنيّ اشتراها من فقير.
(4)
أي فتحل هديتها له، لأنها قد بلغت محلها، وهو تسلم الفقير لها، فدخلت في ملكه، فله التصرف فيها كما يشاء. والله أعلم.
لا تحل الصدقة لآل النبي صلى الله عليه وسلم ومواليهم
(5)
بفتح الكاف وتسكين الخاء وكسرها مع التنوين كلمة لزجر الصبي عن تعاطى المستقذر، وكرر للتأكيد ومعناه ارمها.
الصَّدَقَةَ
(1)
». روَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلِمُسْلِمٍ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ
(2)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَقُلْتُ: هذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ أَكَلَ مِنْهَا، وَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا
(4)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحارِثِ الْهَاشِمِيِّ رضي الله عنه وَسَاقَ حَدِيثاً حَتَّى قَالَ: إِنَّ هذِهِ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لآلِ مُحَمَّدٍ
(5)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي رَافِعٍ
(6)
رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالَ لأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي فَإِنَّكَ
(1)
فرضًا كانت أو نفلا؛ لأنها أوساخ الناس كما يأتي فلا تليق بالأبرار الأطهار.
(2)
فهي حرام عليهم ولو لغير أكل.
(3)
بريرة جارية لعائشة، وسيأتي لها أحاديث في البيع والعتق، وكان اللحم من صدقة أرسلها لها النبي صلى الله عليه وسلم، فقدمته بعد تسويته للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما علم بأنه من عندها قال: هو لها صدقة. أي وبقبضها بلغت الصدقة محلها، فصارت ملكا لها، فلما قدمتها للنبي صلى الله عليه وسلم تغير وصفها إلى هدية وحلت له صلى الله عليه وسلم.
(4)
الفرق بين الصدقة والهدية: أن الصدقة روعي في آخذها الحاجة، والهدية روعي فيها الإكرام وهي أدعى للألفة.
(5)
آل محمد صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب عند الشافعي وجماعة الحديث البخاري قال جبير بن مطعم: مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة، فقال إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. وقال مالك وأحمد وأبو حنيفة: هم بنو هاشم فقط، والمراد بني هاشم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس وآل الحارث؛ فالصدقة حرام على بني هاشم باتفاق وعلى بني المطلب عند الأولين إلا إذا حرموا حقهم، وهو سهم ذوي القربي فلهم أخذ الزكاة كما نقل عن بعض الحنفية والمالكية والشافعية، وهو كلام وجيه لحفظهم من ذل السؤال، وقال جماعة ومنهم بعض آل البيت: إنها تحل من بعضهم لبعض فقط. والمالكية أقوال: الجواز، المنع، جواز التطوع فقط، عكسه.
(6)
وكان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم.
تُصِيبُ مِنْهَا
(1)
قَالَ: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
الباب الثامن: في فضل التعفف وذم السؤال إلا لضرورة
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}
(3)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ
(4)
فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ
(5)
وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ
(6)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَلِلْشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافاً وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ
(7)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ
(1)
أي من الصدقة أجرة العامل.
(2)
فكذا موالينا لا تحل لهم الصدقة، ولا ترد علينا الصدقة على بريرة وكانت جارية لعائشة فأعتقها وبقيت عندها، فإن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وخدمهن لسن من آل البيت كما يأتي في الفضائل إن شاء الله.
(الباب الثامن في فضل التعفف وذم السؤال)
(3)
أول الآية {للفقراء الذين أحضروا في سبيل الله} أي حبسوا أنفسهم على الجهاد وتعلم القرآن والعمل. {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} أي سفرًا لتحصيل معاشهم، وهم فقراء المهاجرين {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} بحالهم {أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} عن السؤال {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} من التواضع والانكسار {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أي فلا سؤال منهم ولا إلحاف. وكانوا نحو أربعمائة وهم أهل الصفة، وسيأتي حدثيهم في الزهد إن شاء الله.
(4)
فلم يبق منه شيء.
(5)
يتصبر واللفظان قبله ألفاظ متقاربة أي من يتصبر ويصف نفسه عن ذل السؤال فإن الله يرزقه القناعة والغني.
(6)
في الصبر راحة للقلب والجسم ورضاء بحكم الله تعالى، والأجر عليه لانظير له، قال تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} .
(7)
الرزق الكفاف هو ما كان بقدر الحاجة، فلا فقر ينسيه ولا غنى يطغيه، فمن كان مسلمًا ورزقه الله القناعة والرزق والكفاف فقد فاز فوزا عظيما، وكفانا قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا.
آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً». وَفِي رِوَايَةٍ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ
(1)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيَرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ
(2)
».
• عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ:«يَا حَكِيمُ إِنَّ هذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» ، قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ رضي الله عنهما حَقَّهُ مِنَ الْفَيْءِ فَأَبَى، ثُمَّ تُوُفِّيَ
(3)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: «الأَيْدِي ثَلَاثَةٌ: فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى فَأَعْطِ الْفَضْلَ وَلَا تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ
(4)
».
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: «خُذْهُ إِذا جَاءَكَ مِنْ هذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ
(5)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
وَلِلشَّيْخَيْنِ: «إِنَّ هذَا
(1)
العرض - بالتحريك - الأموال، فليس الغنى بكثرتها ولكن الغنى هو القناعة فهي الكنز الذي لا يفنى.
(2)
أي فجمع الحطب وبيعه والاستغناء به عن الناس خير من سؤالهم.
(3)
اليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة، وقوله: لا أرزأ، أي لا أسأل، فحكيم هذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه مرات، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا حكيم إن هذا المال كالفاكهة الخضراء الحلوة الشهية، فمن أخذه بسخاوة بورك له فيه، ومن أخذه بحرص عليه لم يبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع. واليد التي تعطي خير من الآخذة، فحلف حكيم لا يسأل أحدًا طول حياته، فأعطاه أبو بكر وعمر سهمه من الغنيمة، فامتنع واستمر على ذلك حتى الممات.
(4)
أي فتصدق بالفاضل عن حاجتك وأولادك، ولا تعجز عن مجاهدة نفسك.
(5)
أي إذا أتاك شيء وأنت غير متطلع إليه فخذه، وإلا فلا.
الْمَالَ خَضرٌ حُلْوٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ، وَالْيَتِيمَ، وَابْنَ السَّبِيلِ
(1)
، وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذْهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيداً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(2)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ
(3)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَلِلنَّسَائِيِّ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ
(4)
مَا مَشى أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ يَسْأَلُهُ شَيْئاً».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ، أَوْ غِنًى عَاجِلٍ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي أَلا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً وأَتَكَفَّلَ لَهُ بِالْجَنَّةِ» ؟ فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا. فَكَانَ لَا يَسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً
(7)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(8)
.
وَقَالَ الْفِرَاسِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُ قَالَ: «لَا، وَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ سَائِلاً فَسَلِ الصَّالِحِينَ»
(9)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(10)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ
(1)
فنعم الصاحب للمسلم المال إذا صرفه في وجوه الخير.
(2)
فالمال الحرام لا يشبع صاحبه، بل يكون شاهدة عليه في الآخرة.
(3)
المزعة - كغرفة - وحكى التثليث - القطعة، فمن يسأل الناس استكثارا فإنه يأتي يوم القيامة ولحم وجهه يتساقط، كما أراق ماءه في الدنيا من غير حاجة.
(4)
من عظيم الذل والهوان وإراقة ماء الوجه.
(5)
الفاقة: الشدة، وتطلق كثيرًا على شدة الفقر وضيق المعيشة، فمن نزلت به فاقة والتجأ إلى الناس ونسي الله تعالى لم ترفع عنه، ومن التجأ إلى الله أوشك الله له، أي أسرع له بالفرج إما بالغنى العاجل، أو بالموت فيستريح من الدنيا ويستغنى عنها.
(6)
بسند صحيح.
(7)
أي من ضمن لي ألا يسأل أحدًا شيئًا وأضمن له الجنة. قال: ثوبان أنا، فعاش طول حياته لا يسأل الناس شيئًا.
(8)
بسند صالح.
(9)
الفراسي: بالفاء من بني فراس بن مالك بن كنانة له هذا الحديث وحديث آخر فقط: قال يا رسول الله أسأل؟ بحذف همزة الاستفهام قال: لا تسأل أحدا شيئًا وتوكل على الله دائما فإنه يكفيك، وإن كان لابد من السؤال فسل الصالحين السؤال والإعطاء، القادرين عليه.
(10)
بسند صالح.
وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ شَاءَ إِلا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا
(1)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
الباب التاسع: في النفقة والصدقة
(3)
وفيه فروع
الصدقة على الأهل والقريب أفضل
(4)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ
(6)
، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْراً الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ
(7)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمَاً أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ
(8)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُدَ. وَلَفْظُهُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» .
(1)
فكثرة السؤال من غير حاجة تقبيح وشين في الوجه يوم القيامة، فمن شاء أبقى لوجهه هيبته وجماله، ومن شاء قبحه إلا إذا التجأ للسؤال أو سأل ذا سلطان أي ذا حكم وولاية على بيت المال من الزكاة والخمس ونحوها؛ فالسؤال للضرورة أو للحاجة جائز كسؤال الوالى من بيت المال، فإنه لا عار في ذلك والله أعلم.
(2)
بسند صحيح.
(الباب التاسع في النفقة والصدقة وفيه فروع)
(3)
والنفقة والصدقة في الشرع شيء واحد، وهو بذل المال إلى الغير، وإن اشتهر في عوام الناس أن النفقة على الأهل والصدقة على الأجنبي.
(4)
لأنها واجبة على الأهل ومؤكدة على القريب، فإنها صدقة وصلة كما يأتي.
(5)
لفظ ظهر زائد للتمكين، فأفضل الصدقة ما كان زائدًا عن الحاجة، وابدأ بمن تعول أمرهم كزوجة وولد وخادم، أي بمن تجب عليك نفقتهم: وفيه أن الإنفاق على الأهل واجب وهذا باتفاق.
(6)
أي في عتق رقبة.
(7)
لأن النفقة عليهم واجبة ونواب الواجب أكثر.
(8)
سببه أن عبد الله بن عمرو كان جالسًا فدخل عليه وكيله، فقال له عبد الله: أعطيت الرقيق قوتهم قال: لا. قال: أعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته، أي كفاه ذنبًا عظيما أن يمنع القوت عن مملوكه، فإنه ظلم عظيم.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْداً لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ» فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيِهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهكَذَا وَهكَذَا، يَقُولُ فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ فَقَالَ: «لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُمَا: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ
(2)
».
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ
(3)
، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ
(4)
وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
(5)
رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ صَدَقَةً
(6)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
(1)
العبد اسمه يعقوب وسيده اسمه أبو مذكور، أعتق العبد عن دبر بضمتين، أي بعد موته كقوله: إذا مت فأنت حر ويسمى مدبرًا، فلا علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم منه أنه ليس له غيره باعه بثمانمائة درهم وأعطاها له، وقال له: أنفق على نفسك، ثم على أهلك ثم على قرابتك، فإن فضل شيء فعلى من تشاء. وفي الحديث جواز بيع المدبر وسيأتي الخلاف فيه في باب العتق إن شاء الله.
(2)
فالمتصدق على قريبه له أجران أجر الصدقة وأجر صلة الرحم.
(3)
الفضل هو الزائد عن حاجتك وأهل بيتك، وإنفاقه خير لك لبقائه لك عند الله تعالى، وإمساكه شر للتعب في حفظه والسؤال عن حقه.
(4)
فصاحب الكفاف لا لوم عليه في عدم الإنفاق.
(5)
واسمه عقبة بن مسعود الأنصاري البدري.
(6)
الاحتساب هو نية الثواب من الله تعالى، وفيه أن نية الاحتساب لا بد منها في حصول الثواب على نفقة الأهل، بخلاف من أنفق ذاهلا فلا ثواب له، فيكون هذا قيدًا لإطلاق النصوص السابقة وغيرها، وهل تشترط أيضًا في الزكاة وصدقة التطوع؟ الظاهر نعم لأنهما أعمال داخلة في» إنما الأعمال بالنيات» ولقوله في شرط زكاة الماشية السابق: من أعطاها=
نوع من الصدقة الفضلى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْراً؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ
(2)
تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى
(3)
وَلَا تُهْمِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• وَعَنْهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جُهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ؟ قَالَ: «رَجُلٌ لَهُ دِرْهِمَانٍ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ
(5)
مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
=مؤتجرًا بها فله أجرها، والمراد بنية الاحتساب ما يعم الإضافة إلى الله تعالى كقوله: نويت الإنفاق لله تعالى أو كأن يخطر بباله وقتها أن الله أمره بهذا أو أن الله يحب هذا، أو أن الله مطلع عليه ونحو ذلك والله أعلم.
نوع من الصدقة الفضلى
(1)
لما فيه من مجاهدة النفس وإكرام الآخذ.
(2)
أي حريص.
(3)
تخاف الفقر، وترجو الغنى، وتتمناه، ولا تمهل الصدقة، حتى إذا بلغت الروح الحلقوم، أي ولا تتأخر حتى إذا وصلت إلى النزع شرعت في الصدقة، فإنها هنا قليلة الثواب لمظنة الخوف من الموت، بخلاف الصدقة في الصحة مع حرص النفس، فثوابها عظيم لما فيها من مجاهدة النفس.
(4)
الجهد في اللغة بالضم والفتح، وهو هنا بالضم معناه الطاقة، والمقل قليل المال؛ فالصدقة مع قلة المال ثوابها عظيم المجاهدة نفسه وإيثاره الغير عليها.
(5)
العرض - بالضم - الجانب، فلما كان مال الأول قليلا وتصدق بنصفه كان من جهد المقل وفاق الدرهم مائة ألف، بخلاف الثاني فإن الإنفاق وإن عظم لا يشق عليه فكان ثوابه قليلا. والله أعلم.
الحث على الصدقة مطلقاً
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}
(1)
.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ
(2)
» فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ
(3)
». قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ
(4)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ
(5)
يَطوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَداً يَأْخُذُهَا مِنْهُ
(6)
، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يا ابن آدم أنفق أنفق عليك)
(7)
وَقَالَ: يَمِين اللَّهِ مَلْأَى سَحَّاءُ لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
(8)
أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُذْ خَلَقَ السَّمَاءِ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِيِنِهِ
(9)
قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ
(10)
وَبِيَدِهِ
الحث على الصدقة مطلقا
(1)
فإذا حل الموت بالإنسان تمني الرجعة للدنيا ليعمل صالحًا ومن أوله الصدقة، ما ذاك إلا أنها عظيمة.
(2)
شكرًا لله على نعمة الإيجاد والعافية والإسلام وغيرها.
(3)
يجيب المضطر ويعاونه.
(4)
أي فإن لم يقدر على الصدقة ولا على معاونة أحد من الناس فليرشد الناس إلى الخير، ولينههم عن الشر ويبغضهم فيه، فإن هذه الأمور تكون له صدقات.
(5)
هو آخر الزمان بعد نزول عيسى عليه السلام.
(6)
لكثرة الأموال حينئذ، فقد ورد أن الله يأمر الأرض فتخرج خيراتها من زروع وثمار وكنوز وغيرها، وسيأتي هذا في علامات الساعة إن شاء الله.
(7)
أي أنفق ما عندك أخلفه عليك.
(8)
ملأي تأنيث ملآن، وسحاء من السح وهو الصب الدائم، لا يغيضها شيء أي لا ينقصها شيء مع طول الأزمان، أي أن خزائن الله واسعة كثيرة مملوءة ومع كثرة الإنفاق وطول الدهر لا تنقص. قال تعالى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} .
(9)
حقًّا، فإن خزائن الله ملأى، ما عندكم ينفد وما عند الله باق.
(10)
قبل الخلائق فلم يكن تحت العرش إلا الماء.
الأُخْرَى الْقَبْضُ
(1)
يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ
(2)
كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئاً». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً، أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا يَعْمَلُ رَجُلٌ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اسْتَعَاذَ باللَّهِ فَأَعِيذُوهُ
(4)
، وَمَنْ سَأَلَ باللَّهِ فَأَعْطُوهُ
(5)
، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ
(6)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً عَلَى عُرْيٍ
(7)
كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خَضْرِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِماً عَلَى جُوعِ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِماً عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ عز وجل
(1)
أي الأمانة أو الميزان يعز من يشاء ويذل من يشاء. وفي رواية الفيض بالفاء أي الإحسان.
(2)
أي غير مسرفة وهذا إذا أذن الزوج صريحًا أو ضمنًا، ومثل هذا يقال في الخازن وهو الحارس ابنا كان أو وكيلا أو خادما، فإذا أذن المالك بالإنفاق وأنفقت الزوجة أو الوكيل فلهما أجر المناولة، وللمالك أجر الكسب.
(3)
أربعون مبتدأ وخصلة تمييز وما يعمل خبر وأعلاهن منيحة العنز جملة معترضة لبيان العطاء الكثير على قليل العمل إذا كان بنية صالحة، ومنيحة العنز إعطاؤها لمن ينتفع بابها وشعرها زمنًا ثم يعيدها، وكانت العرب تفعل ذلك كثيرا رغبة في الكرم فما من شخص يعمل بخصلة من خصال الخير موقنًا بوعد الشارع وراجيًا ثوابه إلا دخل الجنة.
(4)
أي من طلب منكم الإعاذة مستعينا بالله في دفع الضرر عنه كقوله: أسألك بالله أو بالله عليك أن تدفع عني فأجيبوه.
(5)
احترامًا لاسم الله تعالى.
(6)
فمن عمل معك معروفا فكافئه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويكافئ عليها فإن لم يتيسر له شيء دعا له، وأحسن دعاء في هذا حديث الترمذي والنسائي القائل: من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء، فهذه القولة تجزئ وإن عظم المعروف.
(7)
بضم فسكون أي وكان السائل عريانا وذكر المسلم أفضل الصدقة عليه، وإلا فالصدقة على الذي فيها أجر أيضا.
مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ
(1)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
.
• عَنْ بُهَيْسَةَ الْفَزَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَاذَنَ أَبِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ، فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ
(3)
ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: «الْمَاءُ»
(4)
قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: «الْمِلْحُ» قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: «أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَلأَبِي دَاوُدَ
(6)
: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ»
(7)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِيءُ غَضبَ الرَّبِّ
(8)
وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ
(9)
».
• عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الزَّكَاةِ
(10)
فَقَالَ: «إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ثُمَّ تَلَا» {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الآية
(11)
. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(12)
.
(1)
أي شرابها المسمى بالرحيق قال تعالى - {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ} .
(2)
بسند صالح.
(3)
أي دخل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قيصه برأسه وجعل يمرغ وجهه على جلد النبي صلى الله عليه وسلم ويقبله تبركا به صلى الله عليه وسلم وهذا مراده.
(4)
فيحرم منعه عن الغير إذا فضل عن صاحبه واضطر الغير إليه والملح كالماء في هذا. ولما كانت الناس لا تستغني عن الماء والملح حرم منعهما.
(5)
أي وفعل كل معروف خير لك، فهذا تعميم بعد تخصيص كقوله تعالى - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} .
(6)
بسند حسن.
(7)
فللسائل حق عليك بإراقة ماء وجهه بسؤالك وإن جاءك على فرس، أي راكبًا عليها، فلا ينبغي احتقاره ورده لركوبه فإن المركوب والمسكن والخادم لا تمنع فقر الشخص، وربما كانت الفرس إعارة، وتحسين الظن بالمسلمين أولى، أو المراد وإن طلب فرسًا إذا تيسر.
(8)
أي عن المتصدق كما أطفأ بصدقته حرارة جوع الفقير.
(9)
ميتة بالكسر، والسوء بالفتح أي تحفظ صاحبها من الموتة الشنيعة كموت الحرق والغرق وتمزيق الجسم بالسباع، أو بأيدي بعض الأشرار نعوذ بالله من ذلك.
(10)
أي أتكفي عن حق المال فرضًا وكمالا، فقال: لا.
(11)
(12)
الأول بسند حسن والثاني ضعيف ولكنه في الترغيب والله أعلم.
خاتمة ـ في الخدر من المن، وما أحسن السماحة وإخفاء الصدقة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى}
(2)
(3)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ
(4)
وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى
(5)
وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ
(6)
، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالْحَلِفِ الْكَاذِبِ
(7)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
(8)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ. وَشَابٌ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بَصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
(9)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
خاتمة - في الحذر من المن، وما أحسن السماحة وإخفاء الصدقة
(1)
فإنهما يريدان في ثوابها قال تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .
(2)
المن تعداد النعم على من أنعمت عليه، والأذى عطف لازم، فإنه يلزم المن الذي هو حرام؛ لأنه يبطل الثواب بنص الآية، ويوجب غضب الرب بنص الحديث الآتي، إلا إذا دعت إليه حاجة مع الزوجة أو غيرها، ليرجعوا عن غيهم ويعترفوا بالنعمة، فيشكروا الله ومن جرت على يديه النعمة، وفي الحديث من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
(3)
لبعدها عن الرياء وهذا في صدقة التطوع. أما الزكاة فإظهارها أفضل لئلا يهم بتركها، وليكون قدوة حسنة.
(4)
أي نظر رحمة، بل نظر غضب.
(5)
الذي يمن بعطائه.
(6)
الذي يطيل ثوبه كبرا وفخرا. وسيأتي حكم ذلك في اللباس إن شاء الله.
(7)
المنفق بالتشديد، أي المروج الذي يغر المشتري فيما يشتريه بالأيمان الكاذبة، وسيأتي في البيع إن شاء الله.
(8)
ولكن النسائي هنا ومسلم في الأيمان وأبو داود في اللباس.
(9)
تقدم في باب المساجد والله أعلم.
كتاب الصيام
(1)
وفيه ثمانية أبواب وخاتمة
(2)
الباب الأول: في فرضية صوم رمضان
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ}
(4)
{الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . {أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} . وَقَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(5)
.
• عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: نُهِينَا
(6)
أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ
(7)
، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ
(8)
فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ
(9)
قَالَ:
(كتاب الصيام وفيه ثمانية أبواب وخاتمة. الباب الأول في فرضية صوم رمضان)
(1)
الصيام لغة مطلق الإمساك: ومنه قول الله تعالى عن مريم عليها السلام {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . والصيام شرعًا الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى غروب الشمس بنية مخصوصة، وفرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وحكمة الصوم صحة الجسم، وكسر النفس، وقهر الشيطان، وطيب الفم عند الله تعالى، وصفاء القلب، وغفران الذنوب، وعظيم الأجر وعلى المنزلة في الآخرة، والإتصاف بوصف الملائكة، والقرب من الله جل شأنه.
(2)
فيه فأل حسن فإن أبواب الجنة ثمانية، وحملة العرش ثمانية.
(3)
في النصوص الدالة على أنه فرض فضلا عما تقدم في الإسلام من أنه ركن من أركانه وفي أول الصلاة، وسيأتي الباب الثاني في فضائله.
(4)
أي فرض.
(5)
بلام الأمر، فتفيد أن صوم رمضان فرض، كما أفادت التي قبلها فرض الصوم.
(6)
بقوله تعالى {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وسيأتي سببها في التفسير إن شاء الله.
(7)
لا حاجة إليه وإلا وجب السؤال لقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .
(8)
أي من البدو خلاف الحضر ممن لم يبلغهم النهي.
(9)
أي قال لنا على لسانك إن الله أرسلك، فالزعم هنا القول الحق. وربما أطلق على الباطل، ومنه {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} ولذا قيل: الزعم مطية الكذب.
«صَدَقَ» . قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءِ. قَالَ: «اللَّهُ» . قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ. قَالَ: «اللَّهُ» . قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ
(1)
قَالَ: «اللَّهُ» . قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الأَرْضَ وَنَصَبَ هذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟
(2)
قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا. قَالَ: «صَدَقَ» . قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا
(3)
قَالَ: «صَدَقَ» . قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا
(4)
قَالَ: «صَدَقَ» . قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ: «صَدَقَ»
(5)
قَالَ ثُمَّ وَلَّي قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لإِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» . وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ
(6)
: فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جَئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي
(7)
وَانَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تَفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغْلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ
(8)
، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ
(9)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
• عَنِ النَّضْرِ بْنِ شَيْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قلْتُ لأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ:
(1)
من المعادن والعيون والزروع والثمار وغيرها.
(2)
آلله بمد الهمزة للاستفهام أي هل الله أرسلك؟.
(3)
وفي رواية: تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا.
(4)
محل الشاهد وبيت القصيد.
(5)
لم يسأله عن الشهادتين؛ لأنه مقتنع بفرضيتهما.
(6)
أي للبخاري في العلم، وأما لفظ الحديث فهو لمسلم في الإيمان.
(7)
فهم ينتظروني ليسمعوا مني فيقتنعوا كما اقتنعت ويؤمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
(8)
أي تقيد بالأغلال.
(9)
هي ليلة القدر، وستأتي مبسوطة إن شاء الله.
حَدِّثْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِيكَ سَمِعَهُ أَبُوكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنَ أَبِيكَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ: نَعَمْ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ عَلَيْكُمْ
(1)
، وَسَنَنْتُ لَكُمْ قِيَامَهُ
(2)
، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَاناً وَاحْتِساباً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
(3)
».
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.
الباب الثاني: في فضائل الصوم
(4)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ
(5)
، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ
(6)
، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ
(1)
هذا وما قبله يصرحان بفرضية صوم رمضان، كما دلت عليها النصوص السابقة.
(2)
شرعت لكم قيامه على وجه السنية. وهي صلاة التراويح وستأتي إن شاء الله.
(3)
فمن صامه مصدقًا بفرضيته وأفضليته طالبًا للأجر من الله تعالى غفرت ذنوبه كلها. والله أعلم.
(الباب الثاني في فضائل الصوم)
(4)
وهي أنه حفيظ لصاحبه من الضلال في الدنيا، ومن عذاب النار في الآخرة، وأنه عبادة خاصة بالله تعالى لم يعبد غيره به، ومطيب لرائحة الفم عند الله، ومفرح لصاحبه في الدنيا والآخرة، ورافع لذكره على رءوس الأشهاد، ومصحح للجسم من الأسقام، ومعظم للأجر، ومقرب من الله تعالى. وفي الحديث: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسين لم يعطهن نبي قبلي، أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدًا، وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي، أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي. وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعًا، فقال رجل من القوم: أهي ليلة القدر يا رسول الله؟ قال: لا ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم. رواه البيهقي وأحمد والبزار.
(5)
فالله تعالى يقول: كل عمل ابن آدم له، أي لنفسه حظ منه يتعجله في دنياه كالجاه والتعظيم وثناء الناس عليه، لاطلاعهم على أعماله إلا الصيام، فإنه خالص لي من الرياء، وسر بيني وبين عبدي لخفائه، وأنا أجازي عليه جزاء عظيما يليق بمقام الإله العظيم أو المراد إلا الصيام فإنه لي، أي لم يعبد به إلا الله تعالى، أو المراد أنا المنفرد بعلم ثوابه، أو الإضافة للتشريف كقوله تعالى {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} .
(6)
بضم فتشديد، أي وقاية وحفظ من المعاصي=
فَلَا يَرْفثْ وَلَا يَصْخَبْ
(1)
، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ
(2)
، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رَيحِ الْمِسْكِ
(3)
، للِصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «كلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ. الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ
(5)
. قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي
(6)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ
(7)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ
(8)
، وغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ
=لكسره للشهوة، بل وحافظ من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بها.
(1)
يرفث بتثليث الفاء وبالثاء أي لا يفحش في الكلام، وفي رواية: ولا يجهل، أي لا يفعل وهو صائم فعل الجهال؛ لأن الصوم عبادة فلا يدنسها. ولا يصخب كيعلم، أي لا يرفع صوته بخصام ولا صياح.
(2)
فليقل أي بلسانه: اللهم إني صائم؛ ففيه ردع للنفس وطمأنة للقلب وأسوة حسنة.
(3)
الخلوف بالضم: تغير رائحة الفم من عدم الأكل، فهو محبوب عند الله وقربة لصاحبه لديه.
(4)
أي إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بما أعده الله له من واسع النعيم.
(5)
أي بحسب الإتقان والإخلاص، بل ويزيد، قال تعالى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} .
(6)
أي لأن الصائم يترك طعامه وما تشتهيه نفسه من أجلى. ففيه أن الصيام الذي يتولى الله الجزاء عليه ما كان لله فقط، فهو إخبار يراد به الإنشاء.
(7)
فتحت بالتشديد وعدمه، وأما غلقت وصفدت فبالتشديد فقط، والأفعال الثلاثة بلفظ المجهول. وفي رواية فتحت أبواب السماء، وهي ترجع إلى هذه. وتفتح أبواب الجنة حقيقة لمن مات فيه، واستعداد للصائمين كما مر في الحديث: استعدي وتزيني لعبادي أو مجاز عن كون العمل فيه يؤدي إلى الجنة أو كناية عن كثرة نزول الرحمات. ولا مانع من إرادة الكل، وتغليق أبواب النار حقيقة أو مجازًا أو كناية عن تنزه الصائمين عن الأدناس ولا مانع من الكل وصفدت الشياطين أي قيدت بالأصفاد وهي القيود. وفي رواية: وسلسلت الشياطين. والتقييد على حقيقته أو مجاز عن منعهم مما يريدون، والشياطين مسترقو السمع منهم، أو كل الشياطين. فلا تغوي أحدًا ولا تؤذيه، وهو الظاهر إكرامًا لرمضان.
(8)
أي أشرارهم، فلا تقدر على أذية أحد إكرامًا الرمضان، وفيه أن الجن غير الشياطين.
فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ
(1)
وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ
(2)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَأَحْمَدُ وَزَادَ: وَمَا تَأَخَّرَ.
• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ
(4)
يَدْخُلُ منْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرَهُمْ، يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدَخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ
(5)
تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ، قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ ذِهِ
(6)
. إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ، قَالَ: إِنَّ دُونَ ذلِكَ بَاباً مُغْلَقاً
(7)
، قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟
(1)
وينادى مناد من قبل الله تعالى: يا طالب الخير شمر ويا طالب الشر أقصر، بهمزة قطع أي انته عنه فليس هذا وقته.
(2)
أي في رمضان كانوا قد استوجبوا النار. وللبيهقي: إن لله عز وجل في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعدد من مضى.
(3)
فمن صام رمضان حال كونه موقنًا بفرضيته وأفضليته واحتسابًا أي طالبًا للأجر من الله تعالى غفرت ذنوبه أي صغائرها على رأي الجمهور، أو كلها لظاهر الحديث. وفضل الله واسع.
(4)
بتشديد الياء من الري ضد العطش، ولما كان الصوم يلزمه العطش غالبًا خلق الله للصائمين في الجنة بابًا يناسبهم، فيه مزيد تكريم لهم، وهو باب الريان أحد أبواب الجنة الثمانية كما تقدم في حديث عمر في فضائل الطهارة، وما سبق في فضل الزكاة لم يسم من هذه الأبواب إلا أربعة وهي: باب الصلاة، وباب الجهاد، وباب الصدقة، وباب الريان للصائمين، وورد ما يفيد أن للجنة أكثر من ذلك وهي: باب الرحمة ويسمى باب التوبة، وباب الكاظمين الغيظ، وباب الصابرين، وباب الراضين، وباب الضحى، وباب الذكر، ولا غرابة، فكل من أكثر في نوع من الطاعات دعي من بابه وقد يدعى من كل الأبواب تكريمًا له.
(5)
بسبب ظلمهم وعدم قيامه بحقهم، أو اشتغاله بهم عن الواجب عليه.
(6)
بكسر الهاء وسكونها.
(7)
أي بينك وبينها باب مغلق.
قَالَ: يُكْسَرُ قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَلا يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
(1)
فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ
(2)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَصُمْتُ رَمَضَانَ وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئاً أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: واللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذلِكَ شَيْئاً
(3)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَر فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ
(4)
قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْركُ بِهِ شَيْئاً
(5)
وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ
(6)
؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِيءُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ
(1)
أي وحيت إن باب الفتنة يكسر فتبقى في الأمة إلى يوم القيامة.
(2)
قال مسروق الحذيفة: هل كان عمر يعلم الباب الذي بين المسلمين وبين الفتنة؟ فقال: نعم. كما يعلم أن الليلة الآتية قبل غد، وبموته تولى عثمان رضي الله عنهما، ودبت الفتنة بين المسلمين، وآل الأمر إلى قتله، ولا تزال إلى يوم القيامة.
(3)
فهذا الرجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني إذا صليت الفرائض فقط، وصمت رمضان فقط، وتناولت الحلال معتقدًا حله، واجتنبت الحرام معتقدا تحريمه، ولم أزد على ذلك هل أدخل الجنة بغير عذاب؟ قال نعم. فذهب الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على ذلك. ومصداق هذا في كتاب الله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} . ولابن حبان والبزار وابن خزيمة: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال يا رسول الله: أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقته، فمن أنا، قال: من الصديقين والشهداء.
(4)
أي يكون سببًا في هاتين، وإلا فالجنة بمحض فضل الله تعالى، كما يأتي في الزهد.
(5)
أي تعتقد بوحدانيته وتعترف بها، وتعبده بأنواع العبادة المذكورة بعد.
(6)
أي على أنواعه زيادة على أصوله السابقة، فهو إرشاد إلى الخير العظيم من التطوع بالصوم والصدقة والتهجد.
الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ شِعَارُ الصَّالِحِينَ
(1)
» قَالَ: ثُمَّ تَلَا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حَتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ}
(2)
. ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ» . قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ
(3)
». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذلِكَ كُلِّهِ» ، قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ
(4)
فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ
(5)
وَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هذَا» . فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ
(6)
وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسنَتِهِمْ
(7)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الإِيْمَانِ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ. قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ
(8)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
(1)
أي علامتهم ودأبهم.
(2)
(3)
برأس الأمر أي الحال والشأن الذي كلفنا به معشر المسلمين من قديم الزمان، وهو الدين الحنيف. قال تعالى حكاية عن وصية إبراهيم ويعقوب لبنيهما عليهم السلام {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} والذروة بالكسر والفتح. أعلى الشيء، والسنام بالفتح. ما ارتفع بظهر الجمل.
(4)
الملاك بالكسر، هو الرواية ويجوز الفتح لغة، والملاك ما يملك الشيء ويضبطه.
(5)
أي النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بلسان نفسه وقال له: أمسك عليك هذا.
(6)
الثكل: الموت وفقد الولد والعزيز، وليس المراد الدعاء عليه بذلك، وإنما المراد التعجب والتنبيه إلى معرفة ما يلزم في الدين.
(7)
أو للشك، وحصائد الألسن ما تنطق به: أي لا يكب الناس في النار على وجوههم غالبا إلا الكلام، ففيه تحذير من إطلاق اللسان، فإن جرمه عظيم.
(8)
أي عليك بالإكثار من الصيام فإنه لا نظير له في صحة الجسم وكسر النفس، وعظيم الأجر وصفاء القلب، والقرب من الله تعالى، وغيرها، والطبراني والبيهقي: الأعمال عند الله عز وجل سبع عملان موجبان، وعملان بأمثالها، وعمل بعشر أمثاله، وعمل بسبعمائة، وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل. فأما الوجبان: فمن لقي الله يعبده مخلصًا لا يشرك به شيئًا وجبت له الجنة، ومن لقي الله قد أشرك به وجبت له النار، ومن عمل سيئة جزى بها، ومن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها جزى مثلها،=
فصل: في أصل الصوم وبيان وقته
(1)
• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِماً فَحَضَرَ الإِفْطَارُ
(2)
فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ كَانَ صَائِماً فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا وَلكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ
(3)
فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ
(4)
فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ
(5)
فَذُكِرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ}
(6)
فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحاً شَدِيداً وَنَزَلَتْ
= ومن عمل حسنة جزى عشرا، ومن أنفق ماله في سبيل الله ضعفت له نفقته: الدرهم سبعمائة والدينار سبعمائة، والصيام لله عز وجل لا يعلم ثواب عامله إلا الله تعالى. وللإمام أحمد والطبراني: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان. وللطبراني: اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا، ولأبي يعلى والطبراني: لو أن رجلا صام يومًا تطوعا ثم أعطى ملء الأرض ذهبًا لم يستوف ثوابه دون يوم الحساب. ولابن ماجه: لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم، والصيام نصف الصبر. ولأحمد والترمذي: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم برفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين. والله أعلم.
فصل في أصل الصوم وبيان وقته
(1)
أما أصل الصوم فكان الفطر في أول الإسلام من الغروب إلى النوم، فإذا نام الشخص ولو بعد ساعة ثم استيقظ حرم عليه الطعام والشراب والنساء، كصيام أهل الكتاب، وكذا كان ينتهى وقت الإفطار بصلاة العشاء، وبما حصل لقيس بن صرمة وغيره خفف الله، ووسع وقت الإفطار إلى الفجر، فلله مزيد الحمد. وكذا كان الصوم واجبًا على التخيير، ثم صار واجبًا عينيا، كما في حديث سلمة الآتي، وأما بيان وقت الصوم المشروع الآن فإنه من الفجر الصادق إلى غروب الشمس. كما يأتي في حديث عديّ وما بعده.
(2)
أي وقته.
(3)
أي يشتغل في زراعته؛ لأنه أنصاري صاحب زرع، فنام قبل مجيء امرأته.
(4)
خيبة منصوب بفعل محذوف وجوبًا، أي خبت خيبة وحرمانًا لك. حيث نمت قبل أن تأكل، وروى أنها أيقظته ليأكل فأبي خوفًا من الله تعالى.
(5)
وهو يعمل في زراعته.
(6)
أي جماعهن إلى الفجر وكان حرامًا بعد العشاء.
{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّوُا الْعَتَمَةَ
(2)
حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلى الْقَابِلَةِ
(3)
فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ
(4)
فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ
(5)
فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُجْعَلَ ذلِكَ يُسْراً لِمنْ بَقِيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ سُبْحَانَهُ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} الآية
(6)
.
• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيةُ الَّتِي بَعْدَهَا {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فَنَسَخَتْهَا
(7)
.
• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. زَادَ في رِوَايَةٍ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لي، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ
(1)
فأحل لهم كل شيء من الغروب إلى الفجر.
(2)
أي العشاء.
(3)
أي إلى الليلة الآتية.
(4)
يفسره ما بعده.
(5)
هي وما قبلها جملتان حاليتان أي إن ذلك الرجل جامع امرأته بعد صلاة العشاء ولم يكن حينذاك مفطرا لمرض أو غيره. وذلك الرجل هو عمر رضي الله عنه كان يسمر مع النبي صلى الله عليه وسلم فرجع إلى بيته وأراد امرأته؟ فقالت له: إنى نمت. فقال: ما نمت، ووقع عليها. وكذا صنع مثله كعب بن مالك رضي الله عنه فكان عملهما ذلك سببا للتخفيف بإطالة وقت الإفطار إلى الفجر.
(6)
(7)
فكانوا في صدر الإسلام مخيرين بين الصوم، وبين الإفطار ودفع الفدية، حتى نزلت الآية الثانية فنسخت الآية الأولى وصار الصوم فرضا عينيا على كل حاضر قادر عليه وعلى هذا الجمهور. وقال ابن عباس: ليست الآية منسوخة، إنما هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وسيأتي ذلك في الفدية، ومن هذا يتضح أنه لا وجه لما قاله بعض المفسرين في الآية من تقدير محذوف وغيره مما يخالف هذا.
إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ
(1)
».
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ
(2)
». رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الأُصُولُ الْخَمْسَةُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بِلَالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ
(3)
، فَكلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذَّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
(4)
قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلا أَن يَنْزِلَ هذَا وَيَرْقَى هَذَا». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
علامة الفجر الصادق
• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ
(5)
مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا بَيَاضُ الأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هكَذَا
(6)
حَتَّى يَسْتَطِيرَ هكَذَا
(7)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ
(1)
الوسادة: ما يوضع تحت الرأس، والعقال ما يعقل به البعير، فكان عديٌّ يجعل عقالين تحت وسادته، وينظر لها فلا يعرف الفجر، فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن وسادتك لعريض، أي إنك عريض الوسادة أو كثير النوم، إنما المراد سواد الليل وبياض النهار، ولمسلم لما نزل {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} كان الرجل إذا أراد الصوم ربط في رجله خيطا أبيض وخيطًا أسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رِئيهما، فأنزل الله - من الفجر - فعلموا أنه يعني بذلك الليل والنهار.
(2)
أي دخل وقت إفطاره، فحديث عديّ بين أول وقت الصوم، وهو ظهور بياض الفجر. وحديث عمر بين أول وقت الإفطار وهو تمام الغروب. ومنهما يتضح تحديد وقت الصوم وأنه من الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
(3)
قبل الفجر ليستعدوا لصلاته بالطهارة ونحوها، وفيه إجزاء الأذان للصبح قبل دخول وقتها، وعليه الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يجزئ كسائر الصلوات، وإن وقع أعيد بعد الوقت، وهذا أحوط عملا وأقوى دليلا لأذان ابن أم مكتوم بعد الفجر ثانيا، إلا إن ثبت أن هذا كان في الصوم فقط.
(4)
وكان لا يؤذن إلا بعد ظهور الفجر، وقولهم له: أصبحت أصبحت، وابن أم مكتوم اسمه عمرو بن قيس العامري، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنان آخران. أبو محذورة، وسعد القرظي.
علامة الفجر الصادق
(5)
أي لا يمنعنكم.
(6)
أي الممتد من الأرض إلى السماء، فإنه الفجر الكاذب؛ لأنه يذهب وتعقبه ظلمة.
(7)
وحكاه حماد بيديه، يعني معترضا.
الْمُسْتَطِيلُ
(1)
، وَلكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الأُفُقِ»
(2)
.
الباب الثالث: يجب الصوم والإفطار برؤية الهلال
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصُومُوا حتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ
(3)
، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ
(4)
، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَابَةٌ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْماً
(6)
». وَلِلْبُخَارِيِّ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّة شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْماً
(7)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ
(8)
. الشَّهْرُ هكَذَا وهكذَا، يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ
(1)
أي رأسا.
(2)
أي المنتشر فيه عرضا، فالفجر الصادق بياض في الأفق الشرقي، يمتد من الشمال إلى الجنوب، وينتشر بسرعة، وربما تلون بحمرة حتى يظهر النهار. ولأبي داود والترمذي: كلوا واشربوا ولا يمنعكم الساطع المصعد، حتى يعترض لكم الأحمر. أي يظهر بياضه في أول الوقت: والله أعلم.
(الباب الثالث يجب الصوم والإفطار برؤية الهلال)
(3)
هلال رمضان.
(4)
هلال شوال.
(5)
أي إن استتر بغيم فاقدروا له أي كملوه ثلاثين.
(6)
اللام في قوله لرؤيته للتأقيت لا للتعليل، وغيابة كسحابة وزنًا ومعنى، أي إن استتر بسحابة ولم تروه فكملوا الشهر ثلاثين، شعبان كان أو رمضان.
(7)
وفي رواية: فإن غبّي عليكم، وفي أخرى غَبي، وفي أخرى فإن أغمي، ومعناها تواري واستتر، فلا يجب صوم رمضان إلا برؤية هلاله، ولا يجب الإفطار منه إلا برؤية هلال شوال قبل الغروب أو بعده، فإن استتر الهلال وجب إكمال الشهر ثلاثين يوما.
(8)
أي إننا معشر العرب أمة أمية لا نعرف الكتابة، أي كلنا فلا ينافي أن بعضهم كان كاتبًا، كعبد الله بن عمرو ومعاوية وعلى رضي الله عنهم. ولما كاتب اليهود النبي صلى الله عليه وسلم باللغة السريانية أمر زيد بن ثابت فتعلمها في نصف شهر، وكان يكتب لهم، وإذا كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم قرأه له زيد بن ثابت، وسيأتي ذلك في الأدب إن شاء الله. وكذا نحن جماعة لا نعرف حساب النجوم وسيرها ولم يكلفنا الله في مواقيت عبادتنا من صلاة وصيام وحج إلا بأمور واضحة، يستوي فيها الكاتب وغيره والحاسب وغيره رحمة بعباده. وهي رؤية الشمس للصلاة ورؤية الهلال للصوم وغيره. قال تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ولا عبرة بقول المنجمين والحاسبين، ولا يجب الصوم بحسابهم، لا عليهم ولا على=
وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً
(1)
، فَلَمَّا مَضى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْماً غَدَا أَوْ رَاحَ
(2)
، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ حَلَفْتَ أَلا تَدْخُلَ شَهْراً
(3)
، فَقَالَ:«إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْماً» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ. وَزَادَ مُسْلِمٌ: ثُمَّ طَبَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ ثَلَاثاً مَرَّتَيْنِ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ كُلهَا، وَالثَّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا
(4)
. عَنْ أَبِي بَكرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذو الْحِجَّةِ
(5)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
تثبت رؤية الهلال ولو بشهادة عدل
• عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ مَكَّةَ ثمَّ قَالَ: قَالَ: عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَنْسَكَ لِلرُّؤْيَةِ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا
(6)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
= من صدقهم؛ لأنهم وإن كانوا مهرة فقولهم غير منضبط لأنهم كثيرًا ما يختلفون، وعلى هذا الجمهور. وقال الشافعية: إن حسابهم معتبر بالنسبة إليهم وإلى من صدقهم فيعملون بحسابهم؛ لأن هذا الحديث لم ينص على عدم العمل بالحساب، بل يشير إلى أنه علم عزيز، ولأن الأمة كلها على العمل به في أوقات الصلاة وهي أخت الصوم، فلا فرق بينهما، ولعموم قوله تعالى {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} والله أعلم.
(1)
حلف أنه لا يدخل عليهن شهرا.
(2)
ذهب فدخل عليهن أول النهار أو آخره.
(3)
والقائل عائشة، فإنه بدأ بها.
(4)
فأجابها بأن الشهر يكون ناقصًا يوما واحدًا فقط وهذا الشهر ناقص، وأكد قوله بتطبيق كفيه مرتين بنشر تسع منها وبقبض الإبهام فقط، والنقص يأتي في شهرين متواليين وفي ثلاثة وفي أربعة ولا يزيد؛ فالعبرة في كمال الشهر ونقصه برؤية الهلال فقط.
(5)
فشهر رمضان وشهر ذي الحجة لا ينقصان غالبًا في سنة واحدة، بل لو نقص أحدها كمل الآخر، وقيل لا ينقص ثوابهما وإن نقص العدد، وقيل لا ينقص نواب ذي الحجة عن ثواب رمضان؛ لأن فيه فريضة الحج والعيد الأكبر، كما أن في رمضان فريضة الصوم وعيد الفطر. والله أعلم.
تثبت رؤية الهلال ولو بشهادة عدل
(6)
أمير مكة هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعهد أي أمر، ونفسك من النسك وهو العبادة كصوم وحج، أي قال في خطبته: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعبد إذا رأينا الهلال، أو شهد عدلان بأنهما رأيا الهلال.
وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
(2)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ
(3)
فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ، فَقَالَ:«أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ» ؟ قَالَ: نَعَمْ: «أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا»
(4)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(5)
.
(1)
الجهل بالصحابي لا يضر، فإن الأصحاب كلهم عدول.
(2)
أمس اسم لليوم الذي قبل يومك، ويطلق على ما قبله مجازا. ففي آخر يوم من رمضان تقاول الناس برؤية الهلال ولم يشهد واحد بعينه، فجاء أعرابيان وشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله أنهما رأيا الهلال عشية أمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر في الحال لظهور أن اليوم من شوال، وبخروجهم في صباح الغد الصلاة العيد كما تقدم التصريح به في صلاة العيد.
(3)
تقاولوا برؤيته كقول بعضهم: سمعت أن بعض الناس رأوا الهلال ولم يشهد واحد بالرؤية.
(4)
جاء هذا الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم، وشهد برؤية الهلال، فاستفهم عن إسلامه فاعترف له بالإسلام، فأمر بلالا ينادي بالصوم لثبوت رمضان بشهادة الأعرابي، وفيه إجزاء الشهادة من ظاهر الإسلام؛ لأن الأصل في المسلمين العدالة. وفيه وما قبله أن الرؤية تثبت بشهادة المسلم الواحد. ويترتب عليها وجوب الصوم والحج وغيرها، وعليه بعض الصحب والتابعين وابن المبارك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي: إذا كان مكلفًا وعدلا، وقال مالك والليث والثوري والأوزاعي وإسحاق: لا بد من شهادة عدلين للحديثين الأولين، ولكن لو رأي إنسان الهلال وجب عليه الصوم.
(5)
ورواه الدارقطني والبيهقي. والله أعلم.
لكل قطر رؤية
(1)
• عَنْ كرَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ
(2)
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي ابْنِ عَبَّاسٍ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَة السَّبْتِ
(3)
فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ
(4)
فَقُلْتُ: أَوْ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ، فَقَالَ: لَا، هكذَاَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(5)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
لكل قطر رؤية
(1)
فرؤية الهلال في الشام لا تسرى على أهل الحجاز أو اليمن مثلا وبالعكس؛ لأن كل إقليم مخاطبون بما يظهر لهم فقط كأوقات الصلاة، ولو كلفوا بما يظهر في جهة أخرى لشق عليهم ذلك. ومعلوم أن المطالع تختلف، فربط كل جهة بمطلعها أخف وأحكم. فإذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا، والقرب يحصل باتحاد المطلع بأن يكون دون أربعة وعشرين فرسخا، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين وإسحاق والشافعي، وقال الجمهور: إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد وجب على كل المسلمين العمل بها، وعليه الأئمة الثلاثة، قاله الخطابي. وقال ابن الماجشون: لا يلزم أهل بلد رؤية غيرهم إلا أن يثبت ذلك عند الإمام الأعظم، فيلزم الناس كلهم؛ لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد، وحكمه نافذ على الجميع. وفي الشروح هنا كلام طويل. ولابن حجر في الفتح عدة أقوال فارجع إليها إن شئت.
(2)
استهل رمضان أي ظهر هلاله، ولفظ الترمذي: فرأينا، وهو أنسب.
(3)
وأصبحنا صاغين يوم السبت.
(4)
أي الهلال.
(5)
أي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتعبد على رؤية مطلعنا دون رؤية مطلع آخر يخالف مطلعنا، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ..
(فائدة)
أهل الأقطار إذا ذهبوا للحج وعلموا أن الرؤية في الحجاز خالفت الرؤية في بلادهم فهل يعملون برؤية الحجاز أو برؤية بلادهم؟ الظاهر الأول لأن مشاعر الحج ومناسكه في الحجاز، فيلزم أن تكون على مطلعه ورؤيته، ولا يأتي في حديث سليمان بن يسار في الإحصار في كتاب الحج، وهذا على القول الأول، أما على قول الجمهور فالعبرة بالرؤية الأولى. والله أعلم.
الباب الرابع: في النية وما يستحب للصائم
(1)
• عَنْ حَفْصةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ» : قُلْنَا: لَا، قَالَ: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائُمٌ
(3)
» ثُمَّ أتَانَا يَوْماً آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: «أَرِينيِهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِماً فَأَكَلَ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً
(5)
» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا
(في الباب الرابع في النية وما يستحب للصائم)
(1)
أي في نية الصيام وما يندب للصائم فعله، من سحور وفطور ودعاء عند الإفطار، ونحوها مما يأتي.
(2)
يجمع من أجمع أمره إذا صمم عليه أو من الإجماع وهو إحكام النية، أي من لم ينو الصيام قبل الفجر أي ليلا وهو من الغروب إلى الفجر، وفي رواية: من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له، أي صحيح؛ لأن النفي أقرب إلى الصحة، فتجب نية الصوم كل ليلة في رمضان وفي كل صوم مفروض لهذا، ولأن صوم كل يوم عبادة مستقلة، أما النفل فتكفي نيته قبل الزوال بشرط ألا يسبقها مناف للصوم، الحديث الآتي، وعليه الحنفية والشافعية والحنابلة، بل تكفي نية النفل بعد الزوال عند الحنابلة. وقال مالك والليث: يجب التبييت في الفرض والنفل. ولكن قال مالك: تكفي نية صوم رمضان في أول ليلة منه؛ لأن الشهر كله فرض واحد، وكذا كل صوم وجب تتابعه، ولفظ النية كقوله: نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان الله تعالى، أو نوبت صوم غد عن قضاء رمضان، أو عن الكفارة مثلا، فلابد من تعيين الصوم.
(3)
فلما لم يجد شيئًا يأكله ضحوة نوى الصيام نقلا، فتصح نية النفل نهارًا أو عليه الجمهور.
(4)
حيس بفتح فسكون طعام يعمل من التمر والسمن والأقط أو الدقيق وكان أحسن طعامهم. ففيه أن الصائم التطوع أمير نفسه، إن شاء تم صيامه وإن شاء أفطر، وستأتي أقوال الأمة فيه في الصائم المتطوع إن شاء الله تعالى.
(5)
السحور بالضم هو الأكل في السحر بنية الصوم وهو سنة، فالأمر للندب. والسحور بالفتح هو ما يؤكل سحرًا بنية الصوم، وقوله فإن في السحور بركة أي قوة على الصوم وأجرًا عظيمًا؛ لأنه أكل بنية العبادة، وفي رواية: تسحروا ولو بجرعة من ماء.
وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَهُ السَّحَرِ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ
(2)
قلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسُّحُورِ؟ قَالَ: «قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً
(3)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَلِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ: «عَلَيْكُمْ بِغَدَاءِ السَّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ
(4)
».
وَلِأَبِي دَاوُدَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ
(5)
».
• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ
(6)
». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ والْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ
(7)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: «لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ، لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَهُ
(8)
»، وَللتِّرمِذِيِّ وَأَحْمَدَ
(9)
: قَالَ اللَّهُ عز وجل: «أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْراً
(10)
».
• عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كِلَاهُمَا لَا يَأْلُو عَنِ الْخَيْرِ
(11)
(1)
أكلة بالفتح مضاف إلى السحر، أي السحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، فإنهم كانوا لا يتسحرون لحرمة الأكل عليهم إذا ناموا كما كان في بدء الإسلام، وفيه تأكيد للسحور الطلب مخالفتهم.
(2)
أي صلاة الفجر.
(3)
أي كان الزمن بين نهاية السحور وبدء الأذان قدر قراءة خمسين آية بطريقة وسطى، وقدرت بسورة المرسلات عرفا. ففيه طلب السحور وأن يكون قبيل الفجر.
(4)
الإضافة في غداء السحور للبيان، وسمي غداء لأنه يقوم مقامه. والغداء مأكول الصباح خلال العشاء فإنه مأكول المساء.
(5)
فالتمر في السحور ممدوح لأنه حلو وسهل الهضم وكثير التغذية ويقوي البصر الذي يضعف. بالصوم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الإفطار به كما يأتي.
(6)
القيلولة: هي النوم وسط النهار، فبالسحور يقوى على الصيام، وبالنوم نهارا يقوى على قيام الليل.
(7)
فلا يزال الناس بخير في دينهم ودنياهم ما داموا يبادرون بالإفطار عقب تحقق الغروب إذا رأوه أو أخبرهم به عدلان أو عدل واحد، ومنه الساعات المضبوطة المجربة، وكالغروب في هذا ظهور الفجر.
(8)
ظاهرا أي منصورا على بقية الأديان، وقوله يؤخرون أي الفطر حتى تظهر النجوم وقد أمرنا بمخالفهم في عدة أحاديث.
(9)
بسند حسن.
(10)
فما أعظمها مزية.
(11)
لا يتوانى عن فعله.
أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَالصَّلَاةَ
(1)
وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفطَارَ وَالصَّلَاةَ، قَالَتْ: أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَالصَّلَاةَ؟ قُلْنَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَتْ: كَذلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالآخَرُ أَبُو مُوسى
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْطِرْ عَلَى ماءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ
(3)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ في الشِّتَاءِ عَلَى تَمَرَاتٍ وَفِي الصَّيْفِ عَلَى الْمَاءِ
(7)
.
الدعاء عند الإفطار
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوق وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(8)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(9)
وَالنَّسَائِيُّ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ. وَلَفْظُهُ: «بِسْمِ اللَّهِ
(1)
صلاة المغرب.
(2)
الذي كان يؤخرها.
(3)
تفاؤلا بأن يكون صومه مطهرا له باطنا وظاهرا.
(4)
بسند صحيح.
(5)
الحسوة بالضم: الجرعة من الشراب وبالفتح المرة الواحدة.
(6)
بسند حسن.
(7)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات، فإن لم تكن فعلي تمرات، وإلا فالماء. وكان أكثر إفطاره عليه صيفًا لأنه يطفي الحرارة ويروي الجسم، ومعنى ما تقدم أنه يندب السحور، وأن يكون قبيل الفجر وأن يكون على حلو أو فيه حلو، كما يندب تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، وفي الفردوس: ثلاثة لا يحاسب عليها العبد: أكلة السحر وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان. ويندب الإفطار على شيء حلو، وأفضله الرطب، فالتمر، فالشراب الحلو البارد في الصيف، وإلا فالماء، وبعد ذلك يصلى المغرب ثم يعود فيأكل، وبهذا تدرك فضيلة تعجيل الإفطار والصلاة. والله أعلم.
الدعاء عند الإفطار
(8)
إذا أفطر أي فرغ منه كما هو ظاهر الحديثين الأولين، أو إذا أراد الإفطار كما هو ظاهر لفظ الطبراني، وكلاهما حسن.
(9)
هو وما بعده بسندين صالحين.
اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ
(1)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
(2)
فَقَالَ: أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ
(3)
. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
حفظ اللسان
(4)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
(5)
»، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَ أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ
(6)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الجُوْعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ
(7)
». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(8)
.
(1)
فيه طلب ذكر النعم فإن الصوم وما أفطر عليه توفيق ونعمة من الله تعالى، وفيه إيذان بالشكر وهو يستلزم المزيد. وفيه أنه يندب للصائم أن يدعو عند إفطاره بما يشاء من أمر الدنيا والآخرة للحديث السابق في فضل الصوم: ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر. وكان ابن عمر إذا أفطر يقول: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي.
(2)
سيد الأوس، وسيأتي فضله في الفضائل إن شاء الله تعالى.
(3)
أي جعلكم الله أهلا لذلك دائما، فهو وما بعده إخبار يراد به الإنشاء، والأبرار جمع بار وهو الصالح، ففيه طلب إكرام الصالحين لعله يكون منهم، نسأل الله ذلك. والله أعلم.
حفظ اللسان
(4)
واجب في كل وقت ولكنه مؤكد للصائم.
(5)
قول الزور كشهادة الزور، والكذب، والنميمة، والغيبة ونحوها، وعمل الزور كل فعل يغضب الله ورسوله، فمن كان صائما ويقول قولا باطلا أو يفعل الحرام فصيامه غير مقبول. هذا هو المراد وإلا فالله لا يحتاج إلى شيء، فإن الله غني عن العالمين.
(6)
تقدم هذا في فضائل الصوم.
(7)
فكثير من الناس يصومون عن الأكل والشرب ولكنهم لا يتحفظون عن فعل الحرام أو قوله. هؤلاء لا أجر لهم كمن يكثرون من التهجد رياء وسمعة فهم لا ثواب لهم.
(8)
بسند صحيح.
السواك
(1)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ للرَّبِّ
(2)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أَعُدُّ وَلَا أُحْصِي
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
تلاوة القرآن والكرم فى رمضان
(5)
• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ
(6)
وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ
(7)
وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ
(8)
يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ
(9)
. وَفِي رِوَايَةٍ: فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ
(10)
فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
(11)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
السواك
(1)
هو مستحب في كل وقت، ومؤكد عند تغير الفم، وعند القيام من النوم، وعند كل عبادة، من وضوء وصلاة، وقراءة، وتدريس ونحوها، وسبق الكلام على السواك في سنن الصلاة، ولكنا أعدناه هنا للخلاف فيه بعد الزوال للصائم.
(2)
مطهرة ومرضاة بفتح فسكون فيهما أي سبب في طهارة الفم، ورضاء الرب جل شأنه.
(3)
أي رأيته يستاك وهو صائم كثيرا، ففيه ندب السواك للصائم في كل وقت وعليه الجمهور والأئمة الثلاثة، وقيل إنه يكره من الزوال إلى الغروب للصائم استبقاء لخلوفه السابق في الفضائل، وعليه ابن عمر وعطاء ومجاهد والشافعي والأوزاعي.
(4)
بدأت بذكره لأن اللفظ له، وأما البخاري فذكره تعليقا. والله أعلم.
تلاوة القرآن والكرم في رمضان
(5)
أي مندوبان في رمضان أكثر من غيره.
(6)
بفعل الخير لعباد الله تعالى.
(7)
أي وكان أجود أكوانه حاصلا في رمضان حينما يجتمع بجبريل.
(8)
أي ينتهي.
(9)
ليثبت حفظه في قلبه صلى الله عليه وسلم.
(10)
يقرأ جبريل أولا والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع، ثم يسكت جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ثانيا.
(11)
لاجتماعه بجبريل أو لمدارسته القرآن وهو يحث على المكارم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، يرضي لرضاه ويسخط لسخطه ويسارع إلى ما حث عليه، ويحتمل أن زيادة السخاء كانت لهذه ولشهر رمضان المبارك.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً
(1)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ
(2)
.
• عَنْ أُمِّ عِمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَاماً فَقَالَ: «كِلي» فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا، وَرُبَّمَا قَالَ حَتَّى يَشْبَعُوا
(3)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «الصَّائِمُ إِذَا أَكَلَ عِنْدَهُ الْمَفَاطِيرُ
(4)
صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
قيام رمضان وهو التراويح
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ
(6)
فَيَقُولُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيماناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ
(7)
» فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلى ذلِكَ
(8)
فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْراً
(1)
فمن فطر صائما بأي شيء فله أجر كأجره والأفضل إشباعه مما يحبه لنفسه، قال تعالى {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} .
(2)
بسند صحيح.
(3)
لإمساكه عن الطعام بسبب الصوم وبذله الطعام لغيره فهو كمن يؤثر على نفسه.
(4)
المفاطير جمع مفطر، فالملائكة تصلى على الصائم الذي يطعم المفطرين لعدم تكليفهم أو لعذر شرعي ومعنى ما تقدم أن الجود حسن وأحسنهما كان في رمضان فإنه شهر مبارك تتضاعف فيه الأعمال وترجوه الفقراء والمساكين وأن تلاوة القرآن في رمضان من أفضل العبادات للحديث الآتي في فضل القرآن: ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه، أي القرآن، وستأتي فضائل القرآن واسعة في كتاب فضل القرآن إن شاء الله تعالى.
قيام رمضان وهو التراويح
(5)
القيام والتراويح نافلة تصلى ليلا في رمضان بعد العشاء وسيأتي عددها.
(6)
أي بعزم وقطع فيكون فرضا بل يأمرهم أمر ندب وترغيب، فالتراويح سنة مؤكدة للرجال والنساء.
(7)
أي من صغير وكبير لظاهر الحديث؛ وجزم به ابن المنذر. وقيل غفرت الصغار فقط وهو الشهور. والحديث رواه أحمد ولفظه» غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» وفضل الله واسع.
(8)
أي على الترغيب في القيام وصلاته منفردين.
مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
(2)
فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ
(3)
فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ
(4)
فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ
(5)
فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ
(6)
حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ ولكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذلِكَ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئاً مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ
(7)
فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ
(8)
فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ
(9)
لَمْ يَقُمْ بِنَا فلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ
(10)
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هذهِ اللَّيْلَةِ
(11)
فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ اللَّيْلَةِ»
(1)
أي زمنًا من خلافته ثم أمرهم بالجماعة في القيام كما يأتي في حديث عبد الرحمن.
(2)
أي في رمضان وهذه الرواية لم تبين هذه الليلة ولكن رواية أبي ذر الآتية تقول: إنها الثالثة والعشرون.
(3)
مؤتمين به.
(4)
في الليلة الثانية.
(5)
أي صلوا القيام معه في الليلة الثالثة، وهل كان خروجه متواليًا كما هو الظاهر أو متفرقة في العشر الأواخر كما في حديث أبي ذر الآتي.
(6)
من كثرة المجتمعين لصلاة التراويح ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج لهم في الليلة الرابعة حتى خرج لصلاة الصبح، فلما صلاها خطبهم فقال: إنه لم يخف على اجتماعكم الليلة الصلاة القيام ولكني لم أخرج لأصليها معكم خوفا من فرضها عليكم فتعجزوا عنها. فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا واظب على شيء من الطاعات واقتدى به الناس فرض عليهم وقال في الفتح: قوله ولكني خشيت أن تفرض عليكم أي جماعة التهجد في المسجد فتعجزوا عنها.
(7)
أي من ليالي الشهر وكذا السادسة والخامسة والرابعة والثالثة يراد بها الباقيات من الشهر.
(8)
أي قام بنا في هذه الليلة وهي ليلة الثالث والعشرين يصلى ويقرأ القرآن حتى مضى ثلث الليل الأول.
(9)
وهي الرابعة والعشرون.
(10)
الخامسة هي الخامسة والعشرون صلى بهم حتى مضى نصف الليل.
(11)
نفلتنا بتشديد الفاء أي لو أحيينا بقية ليلتنا بصلاة النافلة.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ
(1)
لَمْ يَقُمْ فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: «السُّحُورُ» ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ
(2)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ
(4)
رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ
(5)
مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ
(6)
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ
(7)
لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَة هذِهِ
(8)
وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ
(9)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(1)
الرابعة هي السادسة والعشرون.
(2)
أي فلما كانت السابعة والعشرون جمع أهله ونساءه وخواص الناس وصلى بهم القيام وطوله حتى خافوا أن يفوت السحور ولم يقم بقية الشهر رحمة بالناس. ففي هذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم قيام رمضان في بضع ليال، وفيهما رد على من زعم أنها بدعة، وحديث أبي ذر يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى القيام في أول الليل. وحديث عائشة يفيد أنه صلاه في آخره، ولا منافاة لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين.
(3)
بسند صحيح.
(4)
عبد بالتنوين. والقاري نسبة إلى قارة بن ديش المدني وكان عاملا لعمر على بيت المال.
(5)
أي جماعات.
(6)
الرهط كشرط بالتحريك: ما دون العشرة من الرجال أو من ثلاثة إلى عشرة من الرجال.
(7)
أي إمام واحد.
(8)
أي صلاتهم وراء إمام واحد وسماها بدعة لأنها لم تكن دائمة وراء إمام واحد فيما سبق وإلا فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بضع ليال جماعة كما تقدم.
(9)
فعمر رضي الله عنه خرج ليلة في رمضان إلى المسجد فوجد الناس يصلون القيام فرادي وجماعات، فقال: لو جمعناهم على إمام واحد لكان أفضل، فجمع الأصحاب وشاورهم فوافقوه، فصار إجماعًا، وكان ذلك في السنة الرابعة عشرة هجرية فجمل إمام الرجال أبي بن كعب لأنه كان أقرأ الناس فقد حفظ القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وجعل إمام النساء تميما الداري أو سليمان بن أبي حثمة أوولاها إمامين للنساء ولم يكن عمر رضي الله عنه يصلي معهم القيام أول الليل بل كان يصليه آخر الليل؛ فخرج ليلة أخرى فوجدهم يصلون القيام فسر بذلك وقال: نعم البدعة هذه، ولكن لو كان قيامهم هذا آخر الليل لكان أفضل؛ لأنه يكون قيامًا وتهجدا كما تقدم في صلاة الليل ولم يصل عمر القيام معهم لأن عادته القيام في آخر الليل من زمن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
عدد قيام رمضان
(1)
• عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَان
(2)
؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعاً فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ
(3)
ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثاً فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً
(5)
.
عدد قيام رمضان
(1)
الذي اشتهر بالتراويح لأن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل أربع ركعات فينالون فضل الطواف ويستريحون.
(2)
أي ما عدد صلاة القيام في رمضان؟
(3)
أي كان يصلي أربعًا في نهاية الحسن من الإتقان والتطويل وكمال الخشوع، ثم يتبعها بأربع أخرى.
(4)
ثم ينام نومة خفيفة ثم يقوم فيصلي ثلاثًا بنية الوتر بتسليمة واحدة، وسبق الحديث في قيام الليل، وقول عائشة ذلك لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم صلى القيام أكثر من هذا ولم تره عائشة كما روت في صلاة الضحى ولكنها ما رأته صلى الله عليه وسلم يصليها، ومثل هذا رواية لمالك: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. ولمحمد بن نصر عن السائب قال: كنا نقوم في زمن عمر رضي الله عنه بثلاث عشرة ركعة أي بالوتر فيهما.
(5)
منها الوتر ثلاثًا والقيام عشرون، ومنه حديث البيهقي الصحيح عن السائب بن يزيد: كانوا يقومون على عهد عمر رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، ولا منافاة بين هذه النصوص لاحتمال أنهم كانوا مرة يقومون بإحدى عشرة، وأخرى بثلاث عشرة، وأخرى بثلاث وعشرين بالوتر، أو أهم صلوا القليل أولا كما في حديث عائشة واللذين بعده في الشرح؛ ثم ظهر لهم أنه لا حرج عليهم في الزيادة لأنها صلاة ليل لا حد لها. والحديث أبي ذر: في الليلة الثالثة فزادوا فيها إلى عشرين. وداوموا عليها فصار إجماعا من الصحابة وفعلا حسنا عندهم وعند الله تعالى كما يأتى» ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن». ولما يأتي في الفضائل» اقتدوا باللذين من بعدي». وهل من قام في رمضان بثمان أو عشر ركعات ثم أوتر يعد في القائمين؟ الظاهر نعم لحديث عائشة ولكن الأئمة الأربعة على أن التراويح عشرون ركعة؛ ويجب السلام من كل ركعتين عند الشافعي؛ ويندب عند غيره؛ وفعلها جماعة في المسجد أفضل لصلاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ولتعيين عمر للأئمة فيها. بل وروي ذلك عن عليّ وابن مسعود وأبي بن كعب وتميم الداري وغيرهم، وعليه جمهور =
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحاً فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ
(1)
. رَوَاهُمَا الإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه.
الباب الخامس: في الأمور المنهيِّ عنها في الصوم: ـ منها الجماع
(2)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ
(3)
إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
(4)
قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ
(5)
قَال: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهذَا»
(6)
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا
= الشافعية وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية؛ وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية: إن فعلها فرادي في البيت أفضل لحديث: خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة، وتقدم ذلك في النوافل.
(1)
المراد بالمؤمنين خواصهم؛ وهم أهل العلم والكتاب والسنة والفقه؛ والصحابة من أهل ذلك ومما رأوه حسنا صلاة التراويح عشرين ركعة فصار شرعا عند الله والمسلمين؛ ولما كان أهل مكة يطوفون مرة بين كل أربع ركعات؛ زاد أهل المدينة مكان كل طواف أربع ركعات؛ ليساووا أهل مكة في العبادة فكانت تراويحهم ستًّا وثلاثين ركعة؛ وقد قال داود بن قيس: أدركت أهل المدينة في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز؛ يقومون بست وثلاثين؛ ويوترون بثلاث؛ وقال الإمام مالك: الأمر عندنا بتسع وثلاثين؛ وبمكة بثلاث وعشرين أي بالوتر فيهما، ولا حرج في شيء من ذلك لأنها صلاة ليل لا حد لها؛ ولكن ما يفعله أهل المدينة خاص بهم فقط بخلاف بقية البقاع الإسلامية فمقدارها في التراويح على عشرين ركعة ومن أراد الزيادة فليتهجد آخر الليل كما يشاء. والله أعلم.
{الباب الخامس في الأمور المنهي عنها في الصوم}
(2)
وهو أعظمها ذنبًا ولذا كان فيه كفارة عظمى.
(3)
أعرابي وهو سلمة بن صخر أو سلمان ابن صخر.
(4)
أي فعلت سبب هلاكي.
(5)
أي جامعتها.
(6)
العرق بفتحتين ويسمى قفة ومكتلا وزنبيلا: مضفور من خوص النخل يسع خمسة عشر صاعا والصاع أربعة أمداد، فيكون ما فيه ستين مدًّا وهو المطلوب للستين مسكينًا لكل مسكين مد، وهو رطل وثلث وقدره بالكيل المصرى ثلث قدح، وقدر بملء الكفين المتوسطتين من غالب قوت البلد، وعليه المالكية والحنابلة والشافعية.
أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنَّا
(1)
فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
ومنها الأكل والشرب والقيء عمداً
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ فِي غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَهَا اللَّهُ لَهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا
=وقال الحنفية: لكل مسكين نصف صاع من البر أو قيمته أو صاع من غيره كتمر أو زبيب أو شعير أو قيمته، ويكفي عندهم في إطعام الستين مسكينا أن يشبعهم في غداءين أو عشاءين أو في إفطار وسحور.
(1)
اللابتان تثنية لابة وهي أرض ذات حجارة سود وتسمى حرة. وكانت المدينة بين لابتين، وأهل بالرفع اسم ما وأحوج خبرها. أي قال: والله يا رسول الله ليس في المدينة قوم أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظهرت أنيابه، جمع ناب وهو السن التي يلى الرباعية على خلاف عادة النبي صلى الله عليه وسلم في الضحك وهي التبسم فقط، فالمعنى المراد أن من يواقع امرأته أو غيرها في رمضان عامدًا عالمًا بالتحريم فإنه يجب عليه كفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يقدر عليها فإنه يصوم شهرين متتابعين لا يتخللها فطر يوم، فإن لم يقدر على الصوم فإنه يجب عليه إطعام ستين مسكينا، لكل واحد مد كما تقدم. أما المرأة التي جامعها فلا كفارة عليها؛ لأن الأمر كان للرجل فقط، وعليه الشافعي والأوزاعي. وقال الجمهور: تجب عليها كفارة مثله لاشتراكها في الجماع؛ ويجب عليهما قضاء اليوم بيوم آخر لزيادة أبي داود» وصم يوما واستغفر الله» ولو تعدد الوطء في يوم واحد فعليه كفارة واحدة بخلاف ما لو تعدد في أيام من رمضان فعليه كفارات بعدد الأيام وعليه الجمهور، وقال الحنفية: لا تتعدد بتعدد مقتضيها مطلقًا وهذا أسهل.
(2)
أي الآن لاضطرارك إلى القوت وعند اليسار تجب عليك الكفارة، وعليه الجمهور. أو هذا خاص به أو سقطت عنه لإعساره، وبه جزم عيسى بن دينار المالكي وهو أحد قولي الشافعي والله أعلم.
ومنها الأكل والشرب والقيء عمدا
(3)
فمن أفطر في يوم من رمضان بغير عذر شرعي كمرض وسفر عالمًا بالتحريم عامدًا فإنه يفوته ثواب عظيم لا يدركه ولو صام الدهر كله، وهذا تنويه بعظيم ثواب الصوم، ولكن يسقط القضاء بصوم يوم واحد ولا كفارة وعليه الجمهور، وقال مالك وأبو حنيفة: من أفطر يومًا عامدًا عالما فعليه القضاء، والكفارة كالإفطار بالوقاع. فالفطر في رمضان عمدا حرام باتفاق.
أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِياً فَلَا يُفْطِرْ فَإِنَّمَا هُوَ رُزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ»
(1)
.
• عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَىْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِنِ اسْتَقَاءِ فَليَقْضِ
(3)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْداً فَلْيَقْضِ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
(1)
فمن أكل أو شرب مثلا ناسيًا فإنه لا يفطر بل يواصل صومه فإنه باق ولا قضاء عليه ولا كفارة الحديث ابن حبان والحاكم:» من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة» وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا. وقال مالك: من أفطر ناسيًا بطل صومه ولزمه القضاء.
(2)
فأسماء تقول: كان غيم في يوم من رمضان فظننا غروب الشمس فأفطرنا وبعده طلعت الشمس فقال قائل لهشام بن عروة الراوي عن زوجته وهي عن أسماء: هل أمرهم الشارع بالقضاء؟ فقال: القضاء لابد منه؛ فمن ظن الغروب فأفطر فظهر خلافه فإنه يجب عليه الإمساك بقية اليوم لحرمة الوقت ويجب عليه قضاء اليوم لفساد صومه ولا كفارة عليه، ومثله من أكل يظن بقاء الليل فبان له أن أكله كان نهارا يجب عليه الإمساك بقية اليوم والقضاء لفساد صومه بالأكل وعليه الجمهور والأئمة الأربعة، وروي عن مجاهد وعطاء وعروة عدم القضاء لأنهم أخطؤا كالناسي وقد رفع القلم عنهم.
(3)
ذرعه أي غلبه، والقيئ خروج ما في المعدة من الفم فمن كان صائمًا وغلبه القيئ فصومه صحيح لهذا. والحديث ابن أبي شيبة الذي رواه البخاري موقوفًا» الفطر مما دخل وليس مما خرج» أي يحصل الفطر ما دخل دون ما خرج؛ وأما من استقاء عمدا فإن صومه يبطل ويجب عليه القضاء وعلى هذا جمهور الصحب والتابعين والأئمة الأربعة إلا أن الحنفية اشترطوا في الإفطار بالقيئ عمدا أن يكون ملء الفم، وحكى ابن المنذر الإجماع على هذا؛ ولكن قال ابن مسعود وعكرمة وربيعة: لا يفسد الصوم بالقيئ مطلقا ما لم يرجع منه شيء باختياره، والأمر بالقضاء محمول على ذلك أو للترهيب من القيئ، وهذا الحديث» الفطر مما دخل وليس مما خرج» كالقاعدة الأغلبية وإلا فما دخل من غير منفذ مفتوح كالحقنة تحت الجلد لا تفطر. وقوله وليس مما خرج لا يشمل خروج المني من تعدي بنحو تقبيل واستمناء فإنه يفطر. والله أعلم.
ومنها الوصال
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي»
(2)
فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْماً ثُمَّ يَوْماً ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ فَقَالَ: «لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا»
(3)
. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ مَرَّتَيْنِ» . قِيلَ: «إِنَّكَ تُوَاصِلُ» قَالَ: «إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تَطِيقُونَ
(4)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
ومنها المباشرة والقبلة
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنْ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ. وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ فَإِذَا رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَالَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ
(6)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
ومنها الوصال
(1)
هو مواصلة يومين فأكثر بالصوم بدون تناول شيء بالليل مطلقًا وهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم دون أمته.
(2)
أي يعطيني قوة الآكل والشارب.
(3)
وفي رواية كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا.
(4)
أي تكلفوا من الأعمال ما يسهل عليكم المداومة عليه، فمواصلته بهم لم تكن تقريرا بل تقريعًا وتنكيلا لتظهر لهم حكمة النهي فيمتثلوا ولهذا قال الجمهور والأئمة الأربعة: إنه مكروه وإن كان الأصح عند الشافعية أنها كراهة تحريم. ولو كان حرامًا ما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقر على باطل، ويؤيد هذا حديث البزار والطبراني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال وليس أي النهى بالعزيمة. وقال جماعة: إن الوصال حرام لظاهر النعي. ولا سيما الرواية الثانية ولأنه خاص به صلى الله عليه وسلم وقال جماعة بجوازه مع عدم المشقة، وقال أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وبعض المالكية بجوازه إلى السحر. لحديث: فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر. والحديث أحمد والطبراني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل من سحر إلى سحر أي أحيانا. والله أعلم
ومنها المباشرة والقبلة
(5)
القبلة معروفة، والمباشرة هي اللمس باليد والمعانقة ونحوها مما يثير الشهوة.
(6)
فرخص النبي في المباشرة للشيخ أي كبير السن لأنه يقدر على ضبط نفسه، ومنع الشاب لأنه في عنفوان الشباب فلا يقدر على نفسه، فإذا عانق امرأته أو قبلها وقع في الجماع أو على الأقل أنزل فبطل صومه.
وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
ومنها المبالغة في المضمضة والاستنشاق
• عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضوءِ قَالَ: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ
(2)
وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَبَالغْ في الاسْتِنْشَاقِ
(3)
إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِماً
(4)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
لا بأس بالجنابة للصائم
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ
(6)
فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ
(7)
.
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُباً مِنْ جِمَاعٍ
(1)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر من يشاء من زوجاته الطاهرات، وكان هذا لعائشة أكثر لقولها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة، والإرب بكسر فسكون أشهر من ضبطه بفتحتين معناه الحاجة والعضو والوطر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك وهو صائم ولكن كان يملك نفسه لأنه معصوم، فالمدار في جواز المباشرة وعدمها على ضبط النفس وعدمه، ولكن مع الكراهة إذا أمن الوقوع في المحرم كالإنزال والجماع، فإن علم الوقوع فيه أو ظنه أو شك فيه حرمت المباشرة وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا ومالك والشافعي وأحمد، وقال السادة الحنفية: إن أمن المحرم فلا كراهة في المباشرة وإلا كرهت وهذا. أسهل، وقول الجمهور أحوط، واتفقوا على أن المباشرة لا تبطل الصوم إلا إذا أنزل. والله أعلم.
ومنها المبالغة في المضمضة والاستنشاق
(2)
كمله بفعل واجباته وسننه.
(3)
أي والضمضة بجذب الماء بأنفه في الاستنشاق والغرغرة في المضمضة.
(4)
فلا مبالغة فيهما خوفًا من سبق الماء إلى جوفه فالمبالغة مكروهة للصائم احتياطًا، وإذا بالغ وسبق الماء إلى جوفه أفطر لوقوعه من منهي عنه، وإن لم يبالغ وسبق الماء فإنه لا يفطر لحصوله من مأذون فيه، وعليه الجمهور وقال بعضهم بفساد صومه لعدم تحفظه.
(5)
بسند صحيح والله أعلم.
لا بأس بالجنابة للصائم
(6)
الحلم بضمتين الاحتلام.
(7)
أي يقع غسله بعد الفجر وهو صائم في رمضان، وفيه جواز الاحتلام على الأنبياء ولكن يكون من امتلاء الأوعية لا من الشيطان، والأشهر عدم وقوعه لأنه غالبًا من تلاعب الشيطان.
لَا مِنْ حُلُمٍ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي
(1)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.
لا بأس بالحجامة والكحل والغسل
(2)
• عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً
(4)
. وَقِيلَ لأَنَسٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، إِلا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ
(5)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحَرْمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ
(6)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً. وَفِيِ رِوَايَةٍ: لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلَا مَنِ احْتَلَمَ وَلَا مَنِ احْتَجَمَ
(7)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اشْتَكَتْ عَيْنِي أَفَاكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
(1)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنبٌ فيغتسل وهو صائم ولا يحكم بالفطر ولا القضاء، فالجنابة لا تضر الصوم من جماع أو احتلام وعليه الجهور سلفًا والإجماع خلفا وحكي عن بعض التابعين أنه يصوم ولكن يقضي، وعن الحسن البصري والنخعي أنه يجزئ في النفل دون الفرض، أما إذا أجنب من استمناء أو تعمد نظر وكان الإنزال عادته فإنه يفطر، والله أعلم.
لا بأس بالحجامة والكحل والغسل
(2)
الحجامة هي أخذ الدم من الرأس ومثلها الفصد الذي هو أخذ الدم من أي مكان، والكحل هو وضع الدواء في العين وسيأتيان في الطب إن شاء الله.
(3)
أي بطل صومهما، أما المحجوم فللضعف الذي يناله وأما الحاجم فربما يصل إلى جوفه دم من الآلة التي يمص بها الدم.
(4)
ولكن رواه البخاري معلقًا.
(5)
أفاده أن الكراهة للخوف من الضعف ولم يفده أنها تبطل الصوم.
(6)
فيه التصريح بالحجامة وهو صائم، وقيل كان هذا في حجة الوداع.
(7)
تقدم الكلام على حكم القيئ من الصائم. فهنا في الحجامة أحاديث ثلاثة، الأول يفيد أنها تفطر الحاجم والمحجوم وعليهما القضاء فقط، وهذا قال بعض الصحب والتابعين وأحمد وإسحاق، وقال عطاء من احتجم وهو صائم في رمضان فعليه القضاء والكفارة، وقال الجهور سلفًا وخلفًا: إنها لا تفطر لحديث أنس وابن عباس ولكنها مكروهة عند المالكية وعند الحنفية إذا كانت تضعف، وعند الشافعية إلا لحاجة فلا كراهة، وأجاب الجمهور عن الحديث الأول بأن معناه تعرضا للإفطار أو أنه منسوخ بحديث ابن عباس فإنه متأخر عنه.
(8)
بسند ضعيف وكذا حديث ابن ماجه.
وَاكْتَحَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَكَانَ أَنَسٌ رضي الله عنه يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ للصَّائِمِ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ.
وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ للصَّائِمِ بَأْساً
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ
(2)
يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْحَرِّ أَوْ الْعَطَشِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.
الباب السادس: في أسباب الفطر للمريض
(4)
الذي يرجى برؤه وللمسافر أن يفطر أو عليهما القضاء
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
(6)
.
(1)
أنس بن مالك صحابي جليل مشهور بل وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، والأعمش والحسن البصري وإبراهيم النخعي من أكابر علماء التابعين رضي الله عنهم؛ فالحديثان وإن كانا ضعيفين ولكن يؤيدها أفعال وأقوال هؤلاء الأئمة البررة الخيار، وعلى هذا فالكحل وكل ما يوضع في العين لا شيء فيه للصائم وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والحنفية والشافعية ولكنه خلاف الأولى، وقال المالكية والحنابلة وابن أبي ليلى: إنه يفسد الصوم إذا وجد طعمه في حلقه لحديث البيهقي والدارقطني والبخاري تعليقًا: الفطر مما دخل والوضوء مما خرج. ولحديث أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإثمد المروح أي المطيب بالمسك عند النوم وقال: ليتقه الصائم. وأجاب الجمهور بأنهما ضعيفان.
(2)
بفتح فسكون قرية من أعمال الفرع على أيام من المدينة. فثبت بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو صائم من الحر أو العطش أو منهما، فيجوز للصائم الغسل ولو مباحا كالغسل للتبرد. وعليه الجمهور سلفًا وخلفا والأئمة الأربعة. وفي قول للحنفية: إنه مكروه للصائم الحديث النهي عن دخول الصائم الحمام وهو مع كونه أخص ضعيف والله أعلم.
(3)
بسند صحيح.
(4)
وهي المرض للمريض، والسفر للمسافر، والحمل للحبلى، والهرم للكبير، والرضاع للمرضع ودم الحيض والنفاس.
(5)
فللمريض والمسافر أن يفطرا وعليهما القضاء بعد الشفاء وبعد الإقامة.
(6)
أي فمن كان حاضرًا ببلده في رمضان فإنه يجب عليه الصوم، ومن كان مريضًا أو مسافرًا يشق=
• عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ
(1)
فَصَامَ حتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ ثُمَّ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ
(2)
وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ
(3)
.
وَفِي رِوَايَةٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى فِيهِ لِيرَاهُ النَّاسُ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَذلِكَ فِي رَمَضَانَ
(4)
فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَفطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفاً فَأَفْطَرَ فَحَسَنٌ
(5)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَاماً وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ:
= عليه الصوم فله الفطر وعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها بعد شفائه، وبعد إقامته تخفيفا ورحمة من الله تعالى بالمسلمين، والمرض الذي يباح له الفطر هو ما يشق معه الصوم كما عليه الجمهور، أو مطلق المرض ولو خفيفا كوجع الإصبع، وعليه بعضهم لإطلاق المرض في الآية، والفطر للمسافر رخصة لحديث مسلم عن حمزة الأسلمي أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل على جناح؛ قال: هي رخصة من الله فمن أخذ بها حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه.
(1)
عام فتح مكة.
(2)
الكديد كالحديد: عين ماء في طريق المدينة إلى مكة على مرحلتين منها.
(3)
أي المتأخر من فعله صلى الله عليه وسلم إذا علموه ناسخًا أو راجحًا مع جواز الأمرين، وإلا فلا لأنه صلى الله عليه وسلم فعل غير الأكمل لبيان الجواز كالبول قائمًا.
(4)
عسفان بضم فسكون: قرية جامعة على مرحلتين من مكة، والكديد التي مرت، والقديد، وكراع الغميم في بعض الروايات من أعمال عسفان، فلا اختلاف بينها لأن الكل في قضية واحدة وهي السفر لفتح مكة.
(5)
فمعنى ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان مع أصحابه الكرام إلى فتح مكة. فلما وصل إلى الكديد ورأى ما هم عليه من الضعف وهم قادمون على جهاد أفطر وأفطروا حتى بلغه صلى الله عليه وسلم أن قومًا لم يفطروا، فقال: أولئك العصاة، لعدم قبول الرخصة التي رخصها الله لهم، وكان صائمهم لا يعيب مفطرهم ولا عكسه، بل من وجد في نفسه قوة على الصوم فصام ففعله حسن، ومن أفطر لضعفه ففطره حسن، وهذا هو ميزان الطريقة المثلى.
مَا هَذا؟ قَالُوا: صَائِمٌ فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَصَامَ بَعْضٌ وَأَفْطَرَ بَعْضٌ فَتَحَزَّمَ الْمُفْطِرُونَ وَعَمِلُوا
(2)
وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ
(3)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَخْرُجُ إِلَى الْغَابَةِ فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
.
(1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مسافرًا فرأى قومًا مزدحمين على رجل ينظرونه، فسأل ما هذا؟ فقالوا: هذا قيس العامري، ويلقب بأبي إسرائيل وقد غشي عليه من الحر والعطش لأنه صائم وهو مسافر. فقال ليس من البر - أي الطاعة - الصوم في السفر لمن لا يطيقه، بل يكره صومه والفطر أفضل، وإلا فالصوم البراءة الذمة.
(2)
أي العمل اللازم للركب من نصب الخيام وجلب الماء وسقيه ونحوها.
(3)
فازوا بالأجر العظيم لخدمة المجاهدين في الحر الشديد، فخازوا رضاء الله ورسوله، وما يأتي في تحديد المسافة التي تبيح الفطر للصائم.
(4)
فكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران الصلاة ويفطران في رمضان إذا كانت مسافة السفر أربعة برد، جمع بريد وتقدم معناه وبيان المسافة، في صلاة السفر، وهي مرحلتان بسير الأثقال أي سفر يومين تقريبًا بالإبل المثقلة بالأحمال، فلا ضرر في نقصها ميلين مثلا، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والأئمة الثلاثة، وقال الحنفية والكوفيون: مسافة القصر والفطر قدرها ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة، ويكفي أن يسافر فيها من الصباح إلى الزوال بسير الإبل والمشي على الأقدام. وهي في قطرنا كمن مصر إلى طنطا برًّا كانت أو بحرا أو هواء، ولكن الصوم أفضل إذا لم تنله مشقة لفضيلة الوقت ولبراءة الذمة، وتقدير المسافة بأربعة برد هي للذهاب فقط، وفي المسافة أقوال أخرى منها ثلاثة أميال، لحديث أنس السابق في صلاة السفر، قال النووي في الفتح: وهو أصح حديث ورد في هذا وأصرحه، ومنها أن أقل المسافة بيوم وليلة، ومنها أن أقلها ميل لحديث صحيح لابن أبي شيبة بهذا، ولإطلاق السفر في الآية وعلى هذا ابن حزم اه شوكاني في صلاة السفر.
(5)
الغاية موضع بعوالى المدينة من ناحية الشام فيه أموال لأهل المدينة على بريد منها.
(6)
بسند صالح.
للكبير والحبلى والمرضع والمريض الذي لا يرجى أن يفطروا وعليهم الفدية
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}
(1)
هِيَ رُخْصَةٌ للِشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ
(2)
وَهُمَا يُطِيقَانِ الصَّوْمَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعَمِا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيناً وَالحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتا
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ في التَّفْسِيرِ. وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: هِيَ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيناً.
• وَعَنْهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: لَا يُرَخَّصُ فِي هذَا
(4)
إِلا لِلَّذِي لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ أَوْ مَرِيضٍ لَا يُشْفَى. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ
(5)
قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ فَإِذَا هُوَ يَتَغَدَّى قَالَ: «هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ
(6)
» فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ قَالَ: «هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنِ
للكبير والحبلى والمرضع والمريض الذي لا يرجى أن يفطروا وعليهم الفدية
(1)
فالآيه نسخت بالنسبة للأقوياء كما مر في أصل الصوم، أما بالنسبة للضعفاء فهي باقية معمول بها. وقال ابن عباس: إنها ليست منسوخة بل هي في الضعفاء.
(2)
الطاعنين في السن، وقوله وهما يطيقان الصوم أي بمشقة، وقوله {وعلى الذين يطيقونه} أي بمشقة للروايتين الآتيتين، فللمرأة والرجل اللذين لا يطيقان الصوم لكبرهما أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مدا كما عليه الجمهور، أو نصف صاع من البر أو صاعًا من غيره عند الحنفية كما تقدم في كفارة الوقاع، وهذا الإطعام يسمى فدية لأنه افتدى الصيام به، ويسمي كفارة أيضًا، وإذا أخرجا الطعام فلا قضاء عليهما الحديث الدارقطني والحاكم وصححاه: رخص للكبير أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه.
(3)
فالحبلى والمرضع إذا خافتا ولو على أولادها كما في رواية: أفطرتا وعليهما الفدية كالكبير ولا قضاء عليهما، لقول ابن عباس لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذي لا يطيق فعليك الفداء ولا قضاء، رواه البزار وصححه الدارقطني.
(4)
أي الإفطار والفدية إلا للذي لا يطيق الصوم الشخص الكبير، أو لمريض لا يرجى شفاؤه بقول أهل الخبرة.
(5)
هو أنس بن مالك من بني عبد الله بن كعب، وليس أنسًا خادم النبي صلى الله عليه وسلم.
(6)
تعال كل معي.
الصَّوْمِ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ
(1)
وَرَخَّصَ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ
(2)
» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
على الحائض والنفساء الفطر والقضاء
(4)
• عَنْ مُعَاذَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ ولكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ
(5)
. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(6)
فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ
(7)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَضَاءُ رَمَضَانَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ
(8)
». رَوَاهُ الدَّارِقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
(1)
أي تعال أخبرك عن حكم الصوم للمسافر: إن الله تعالى وضع نصف الصلاة عن المسافر بقصر الرباعية إلى ركعتين، ووضع الصوم عن المسافر بإباحة الفطر له إذا شق عليه الصوم.
(2)
أي في الإفطار إذا خافتا مطلقا وعليهما الفدية ولا قضاء لظاهر هذه النصوص. هذا وقال مالك: إذا خافتا مطلقًا فلهما الفطر وعلى الحامل القضاء دون الفدية بخلاف المرضع فعليها القضاء والفدية، وقال الحنفية: عليهما القضاء دون الفدية كالمريض الذي يرجي، وقال الشافعية والحنابلة: إذا خافتا على الولد فقط فعليهما القضاء والفدية؛ لأنه فطر ارتفق به شخصان، وإلا فعليهما القضاء فقط، والله أعلم.
(3)
بسند حسن للترمذي وسند النسائي صحيح.
على الحائض والنفساء الفطر والقضاء
(4)
أي يجب عليهما الفطر لأن الصوم لا يصح مهما بل ويحرم، فإن شرطه الطهارة من دم الحيض والنفاس.
(5)
أي هل أنت حرورية؟ نسبة إلى حروراء بلد بقرب الكوفة، اجتمعت فيه الخوارج أولا، وإنما نسبتها إليهم لأنهم يقولون بقضاء الصوم والصلاة على الحائض، فقالت معاذة: لست بحرورية ولكني أستفهم عن الحكم. فقالت عائشة: كان يصيبنا معشر نساء آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الحيض والنفاس فيأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الصوم والصلاة وبعد الطهارة منهما يأمرنا بقضاء الصوم دون الصلاة لكثرتها، والمرأة مشغولة بأولادها وزوجها وبيتها، فلو أمرت بقضاء الصلاة لشق عليها، بخلاف الصوم فإنه في العام مرة فلا يشق فضاؤه.
(6)
أي بسبب دم الحيض أو النفاس.
(7)
فتقضى فيه ما أفطرته من رمضان، وفيه أن قضاء رمضان لا يجب على الفور بل على التراخي.
(8)
فمن أراد أن يقضي ما عليه =
يقضي الصيام عن الميت بصوم أو إطعام
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ
(1)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضى
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ
(3)
أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذلِكَ عَنْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ: قَالَ: «فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ
(4)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِيناً
(5)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
وَابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ، أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ نَذَرَ قَضى عَنْهُ وَلِيُّهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مَوْصُولاً
(7)
.
= من رمضان فله أن يتابع وله أن يفرق، لهذا ولقول البخاري: قال ابن عباس: لا بأس أن يفرق لقوله تعالى {فعدة من أيام أخر} وسكت عن التتابع وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا، ولكن التابع أفضل ليحكي القضاء الأداء. والحديث الدارقطني: من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه، وصرفه عن الوجوب تلك النصوص، وحكي عن بعض الصحب والتابعين وجوب التتابع وهو قول للشافعي رضي الله عنه والله أعلم.
يقضى الصيام عن الميت بصوم أو إطعام
(1)
فمن مات وعليه صيام وجب بنذر أو قضاء تمكن منه ولم يقضه صام عنه وليه، أي فليصم عنه ندبا وليه أي قريبه ولو غير ما صب ولو بغير إذنه؛ أو أجنبي بإذن الولي أو الميت ولو بأجرة.
(2)
أي دين الله أولى بالقضاء إجلالا لله تعالى.
(3)
وفي رواية صوم شهر، وفي أخرى صوم شهرين.
(4)
فيه وما قبله مشروعية القياس وضرب الأمثال ليكون أسرع إلى فهم السامع وأوقع في نفسه، وفيه تشبيه ما خفي وأشكل بما اتفق عليه.
(5)
فمن مات وعليه صيام فعلى الولى أن يطعم عنه مكان كل يوم مسكينًا.
(6)
بسند ضعيف.
(7)
وصححه الحافظ، ففي قضاء الصوم عن الميت =
الباب السابع: في ليلة القدر
(1)
قَالَ اللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ: {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ}
(2)
فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
(3)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
(4)
تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم
(5)
مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
(6)
.
=هنا أحاديث خمسة: الثلاثة الأول تقول بالصوم عنه. وعليه بعض الصحب والتابعين والمحدثون وأحمد والليث وإسحاق والشافعي في القديم، وقال جماعة منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد: لا يجوز الصوم عنه؛ لأنه عبادة بدنية لا تقبل الإنابة في الحياة والممات كالصلاة بل الواجب الإطعام عنه الحديثين الأخيرين والعمل أهل المدينة بالإطعام ولحديث النسائي الصحيح:» لا يصل أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد» ولفتوى عائشة وابن عباس بعدم الصوم فقد قالت عائشة: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم. وقال ابن عباس في رجل مات وعليه رمضان: يطعم عنه ثلاثون مسكينا، وأجاب الأولون بأن الأحاديث الأول صحيحة فتقدم على الأخيرين وعلى عمل أهل المدينة وعلى فتيا عائشة وابن عباس، ولا عبرة برأي الصحابي إذا خالف حديثه الصحيح، وحديث» لا يصم أحد عن أحد» يعني في الحياة، والصيام وإن كان بدنيًّا كالصلاة ولكن ورد فيه النص فيعمل به، ولو قيل بجواز الصيام والإطعام على التخيير لكان حسنًا لأن فيه عملا بكل ما ورد، وإنما كان قضاء الصوم عن الميت مندوبا وقضاء دينه واجبا لأن حق الله مبني على المسامحة وحق الآدمي مبني على المشاحّة. والله أعلم.
(1)
أي فيما عمل فيها وفيما يجري فيها كل عام وفي فضل قيامها وفي سببها وفي بيان وقتها وفي بيان المذاهب فيها وفي بيان علامتها على ما يأتي، والصحيح المشهور أنها خاصة بهذه الأمة المحمدية، وأنها باقية إلى يوم القيامة.
(2)
أي القرآن في ليلة القدر أي الشرف العظيم، أمر الله ملائكة فنقلوه من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى بيت العزة في سماء الدنيا، قال تعالى {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة} ثم نزل بعد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقًا حسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة.
(3)
تعظيم لشأنها.
(4)
ليس فيها ليلة القدر - أي بركتها على العباد خير من ألف شهر؛ والعمل الصالح فيها أفضل منه في ألف شهر خالية منها.
(5)
أي تتنزل الملائكة وهم سكان سدرة المنتهى أو غيرهم، والروح قيل هو جبريل لقوله تعالى {نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين} وقوله» {بإذن ربهم} » أي بأمره تعالى» {من كل أمر} » أي بسبب كل شيء قضاه الله فيها إلى السنة القابلة.
(6)
سلام خير مقدم، وهي مبتدأ مؤخر أي هي سلام إلى طلوع الفجر، وأطلق عليها السلام لكثرته من الملائكة، فقد روى: إذا كانت ليلة القدر نزلت ملائكة إلى الأرض يبلغون السلام من الله تعالى إلى=
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
عَن: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَلا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمُرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
(2)
.
رَوَاهُ الإِمَامُ مَالِكٌ.
=عباده، فلا يدعون بيتا فيه مؤمن ولا مؤمنة إلا دخلوه، وقالوا: يا مؤمن أو يا مؤمنة: السلام يقرئك السلام. فالسورة فيها بيان ما عمل في ليلة القدر وبيان ما يجري فيها كل عام، وبيان فضل العمل فيها.
(1)
فمن قام ليلة القدر بنية صالحة غفر له ما تقدم من ذنبه، وزاد أحمد والنسائي - وما تأخر - وقيامها يحصل بصلاة العشاءين والفجر في جماعة، لما سبق في فضل الجماعة» من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» ولكن أكمل القيام يحصل بإحياء الليل كله أو معظمه بالصلاة أو القرآن أو الذكر ونحوها من أنواع الطاعات.
(2)
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمار الأمم السالفة كانت تربو على خمسمائة سنة وما شاء الله من ذلك ككثرة أعمالهم الصالحة استقصر أعمار أمته لعدم إدراكهم من الصالحات كما بلغ غيرهم فأعطاه الله له ولأمته ليلة القدر، ومما ورد في كثرة أعمالهم الصالحة ما روى أن أحد الملوك السابقين أعطاه الله ألف ولد فكان يجهز الولد في جيش ويأمره بالجهاد فيخرج فيجاهد شهرًا ثم يستشهد فيأمر ولده الآخر، فيخرج فيجاهد شهرًا ويستشهد، وهكذا حتى استشهدوا كلهم والملك قائم بطاعة الله تعالى وحمده وشكره خير قيام، فأمر بجيش عرمرم وخرج على رأسه يجاهد في سبيل الله تعالى، حتى استشهد إلى رحمة الله تعالى، فلما سمع الصحابة ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم غبطوا ذلك الملك وتمنوا مثل هذا العمل الجليل الشأن، فأعطاهم الله ليلة القدر وهي خير من ألف شهر اهـ من فضائل ليلة القدر لمولانا المرحوم الشيخ السقا الكبير رضي الله عنه ولابن أبي حاتم بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما أربعة من أنبياء بني إسرائيل وهم: أيوب، وزكريا، وحزقيل، ويوشع بن نون، عليهم الصلاة والسلام عبدوا الله ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فأتاه جبريل فقال: عجبت أمتك من هذا، إن الله تعالى أنزل عليكم خيرا من ذلك فقرأ عليه - إنا أنزلناه في ليلة القدر - وقال: هذا أفضل مما عجبت منه أمتك فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم والناس معه. وللبيهقي وابن أبي حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل حمل السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر تعويضا لهم من قصر أعمارهم فيبلغون السابقين، وقد سبقوهم بفضل الله تعالى. قال تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وقال تعالى {وكذلك جعلناكم أمةً وسطا لتكونوا شهداء على الناس} وسيأتي فضل الأمة المحمدية في كتاب الفضائل إن شاء الله تعالى.
هي في العشر الأواخر من رمضان
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَلَفْظ التِّرْمِذِيِّ: كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا.
وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُجَاورُ
(2)
فِي الْعَشْر الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
(3)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّمْعِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
(5)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
(6)
في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ
هي في العشر الأواخر من رمضان
(1)
المئزر كمنبر: الإزار وهو هنا كناية عن الجد والاجتهاد فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان جد واجتهد في عبادة الله تعالى وأحيا الليل كله وأمر أهله بذلك.
(2)
أي يعتكف في المسجد.
(3)
فاعتكافه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر أملًا في ليلة القدر.
(4)
معلوم أن الرؤيا جزءٌ من النبوة كما يأتي في كتاب الرؤيا. لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد توافقت في السبع الأواخر، فمن أحب أن يصادف ليلة القدر فلينتظرها في السبع الأواخر، وهذا تخصيص من العشر الأواخر وأرجاها الأوتار كما يأتي.
(5)
أي تعرضوا لليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر وهن إحدى وعشرون وثلاث وعشرون وخمس وعشرون وسبع وعشرون وتسع وعشرون.
(6)
بيان للضمير في التمسوها وقوله في تاسعة بدل من في العشر وقوله تبقى صفة لتاسعة أي أطلبوا في الليلة التاسعة من الليالي الأخيرة وهي ليلة إحدى وعشرين لأن المحقق المقطوع ببقائه بعد العشرين تسع ليال، وبهذا تكون في أوتار العشر الأواخر، ومثل هذا يقال في سابعة وخامسة الآتيتين، وهذا=
تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ
(1)
قَالَ: فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ: «إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هذِهِ اللَّيْلَةَ
(2)
ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ
(3)
. فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفُ» فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ، قَالَ:«وَإِنِّي أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ وَأَنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ» ، فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ
(4)
فَأَبْصَرْتُ الطيِّنَ وَالْمَاءَ، فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ وَالْمَاءُ
(5)
، وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطينٍ قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ
(6)
».
=على عادة العرب في التاريخ إذا جاوز نصف الشهر فإنهم يؤرخون بالباقي منه باعتبار أن بدء العدد من آخر الشهر، هكذا فسره مالك والجمهور، وقال الطيب: التاسعة هي الثانية والعشرون والسابعة الرابعة والعشرون والخامسة هي السادسة والعشرون الحديث مسلم عن أبي سعيد» التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» قال أبو نضرة: يا أبا سعيد إنك أعلم بالعدد منا، قال أجل ما التاسعة والسابعة والخامسة؛ وقال أبو سعيد إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتان وعشرون وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة، فهذا التفسير على اعتبار أن الشهر كامل بخلاف ما قاله الجمهور فإنه المحقق من كل شهر والموافق للأوتار التي في الحديث الذي قبله والحديث الذي بعده.
(1)
تركية أي صغيرة من لبود، وسبود، والسدة كالظلة الستارة على الباب، وقيل هي الباب أو هي الساحة بين يديه.
(2)
ليلة القدر.
(3)
وفي رواية أن جبريل أتاه فقال له: إن الذي تطلب أمامك، وبهذا ظهر أن هذا الحديث كالأصل لما تقدمه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم أنها في العشر الأواخر إلا من هذا.
(4)
نزل ماء المطر من سقفه.
(5)
الجبين الجبهة، وروثة الأنف: طرفه، وتسمى أرنبة الأنف.
(6)
أريت ليلة القدر أي أعلت بها ثم أنسيتها وفي رواية نسيتها أي نسيت علم تعيينها، وقوله فمطرنا =
المشهور أنها في السابعة والعشرين
(1)
• عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَالَ: رحمه الله أَرَادَ أَلا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ
= ليلة ثلاث وعشرين، لعل هذا في سنة أخرى فلا منافاة بينه وبين ما قبله، وفي رواية: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان (تشاتما لدين كان بينهما) فرفعت، أي رفع علمها بالتعيين من شؤم التخاصم في المسجد في رمضان، وعسى أن يكون خيرًا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة؛ فمعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان في قبة في المسجد، ثم اعتكف العشر الأوسط منه، ثم قال لأصحابه: إني اعتكفت هذه الأيام ألتمس ليلة القدر ولكن جاءني رسول ربي فأخبرني أنها في العشر الأواخر وسأعتكفها، فمن أحب ذلك فليعتكف، فاعتكف الناس معه ثم قال: وإني رأيها في النوم في ليلة وتر وأنا نصلي صبحها ونسجد في ماء المطر. فظهرت هذه العلامة في ليلة إحدى وعشرين، وقال صلى الله عليه وسلم مرة أخرى: أعلمت بليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبحها أسجد في ماء وطين فنزل المطر ليلة ثلاث وعشرين. وقال تارة أخرى: خرجت لأعلمكم بليلة القدر فتخاصم اثنان منكم، فرفع علمها وهذا خير لكم لتجدوا في العشر الأواخر كلها، ولكن تحروها في الأوتار، فإنها أرجى الليالى، فظهر من هذه النصوص أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وأنها تنتقل فيها تكون سنة في ليلة وسنة أخرى في ليلة أخرى وهكذا، وبهذا اتفقت هذه الأحاديث التي جاء كل منها بليلة، وعليه مالك وأحمد وسفيان الثوري وإسحاق وجمهور المحدثين، ولكن أرجى العشر الأواخر أوتارها، وأرجاها ليلة إحدى وعشرين، ومال إليه الشافعي رضي الله عنه، وليلة ثلاث وعشرين. ولا يرد على هؤلاء حديث أبي بن كعب وحديث معاوية الآتيان القائلان بأنها ليلة سبع وعشرين؛ لأنهم يقولون بهذا ولكنها قد تنتقل إلى غيرها من ليالي العشر لتلك النصوص ولأن هذين الحديثين ليس فيهما أداة حصر فمصدوقهما واقع في بعض السنين، وقيل هي مختصه برمضان وممكنة في كل لياليه. وروى هذا عن بعض الصحابة وأبي حنيفة وعليه بعض الشافعية وابن المنذر ورجحه السبكي، وقيل إنها لا تنتقل، بل هي في ليلة بعينها في كل السنين وعليه ابن مسعود والحنفية، وقيل هي في ليلة بعينها في العشر الأواخر، وقيل في أوتاره، وقيل في أشفاعه، وقيل في ثلاث وعشرين، وقيل في سبع وعشرين، وسيأتي أنه المشهور، وحكمة إخفائها أن يجتهد الناس في رمضان كله فينالوا عظيم الأجر بخلاف ما لو أعلموا ليلتها فإنهم يقتصرون عليها. والله أعلم.
المشهور أنها ليلة السابع والعشرين
(1)
أي المشهور في الأمة الآن أنها السابعة والعشرون، وهو راي لفريق من الصحب وغيرهم على ما يأتي.
قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ: بالْعَلَامَةِ أَوْ بالآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: قلْتُ: مَا الآيَةُ؟ قَالَ: تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ. عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ
(2)
.
(1)
زر بالكسر وحبيش بالتصغير. وحلف لا يستثني أي بقوله: إن شاء الله، بل حلف جازمًا، وأبو المنذر كنية أبي بن كعب، والعلامة والآية معنى، وأو للشك، والطست - كالشرط - إناء الاغتسال المستدير، والشعاع ما يرى من الشمس بعد طلوعها وقبل غروبها كالخيوط متصلا بالرأي، ومعنى الحديث أن ابن حبيش قال لأبي: إن أخاك ابن مسعود يقول ليلة القدر في ليلة في كل السنة ومن يقم السنة كلها فإنه يصيب ليلة القدر. فقال أبي: إن ابن مسعود قال ذلك ليقوم الناس بإحياء العام كله، ولكنه يعلم أنها في رمضان في ليلة سبع وعشرين، ثم حلف على ذلك. فقال ابن حبيش: هل فيه علامة على ذلك؟ قال: نعم أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعلامتها وهي أن تطلع الشمس في يومها خالية من الشعاع، بل بيضاء قليلة الضوء من كثرة الملائكة هبوطًا وصعودًا فسترضوؤها، وقد رأينا هذه العلامة في صبح سبع وعشرين. ومنه حديث معاوية الآتي، فلهذا يقول أبي بن كعب ومعاوية وكثير من الصحب والتابعين إنها ليلة سبع وعشرين من رمضان بل وحكاه صاحب الحلية عن أكثر العلماء، وروى الحاكم وعبد الرزاق: أن عمر بن الخطاب دعا الأصحاب رضي الله عنهم وسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر، فقال ابن عباس: إني لأعلم أو أظن أي ليلة هي، قال عمر: ما هي؟ قال: سابعة تمضي من العشر الأواخر أو سابعة تبقي منها أي هي ليلة سبع وعشرين أو ثلاث وعشرين. فقال عمر: من أين علمت ذلك؟ قال: خلق الله سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام، والدهن يدور في سبع، والإنسان خلق من سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطواف سبعًا، والجمار بسبع. فقال عمر: لقد فطنت لأمر ما فطنا له. والله أعلم.
(2)
بسند صحيح، وينبغي إحياء يوم ليلة القدر فإنه في الفضل كليلته لحديث أبي نعيم: أربع ليال كأيامهن وأيامهن كلياليهن يبر الله فيهن القسم ويعتق النسم ويعطى فيهن الخير الجزيل: ليلة القدر وصباحها، وليلة النصف من شعبان وصباحها، وليلة عرفة وصباحها، وليلة الجمعة وصباحها، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأيام المنهيّ عن صيامها أيام العيد والتشريق
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ
(2)
رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى»
(3)
. رَوَاهُ أحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ
(4)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
الأيام المنهي عن صيامها
(1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى نهي تحريم، فصومهما حرام ولا ينعقد، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والأئمة الثلاثة. وقال السادة الحنفية: إن صومهما مكروه تحريمًا إلا في الحج، فصوم يومي العيد وأيام التشريق ينعقد مع الإثم عندهم، وحكمة النهي أنها أيام أكل وشرب، الأكل عقب صوم رمضان والأكل من الضحية التي هي قربة إلى الله تعالى وأنها أيام فرح وسرور بتمام صوم رمضان وفريضة الحج الأكبر في صومها إعراض عن ضيافة الله تعالى.
(2)
الهذلي والهذيلي مصغرا نسبة إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن عدنان تلك السلسلة الشريفة.
(3)
أيام التشريق هي أيام مني أي أيام الإقامة فيها، وسميت أيام التشريق لأنها تشرق فيها لحوم الضحايا أي تنشر في الشمس لتقدد، وهي ثلاثة أيام عقب يوم النحر لحديث الدارقطني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم خمسة أيام في السنة: يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق، فيحرم صومها ولا يصح عند الشافعية، وقال الحنابلة: إنه يحرم صومها إلا في الحج للمتمتع والقارن إذا لم يجد هديًا. وقال الحنفية: إن صوم أيام التشريق الثلاثة مكروه تحريمًا إلا في الحج. وقال إسحاق ومالك: يحرم صوم يومين بعد العيد إلا في الحج للمتمتع والقارن فلهما صومهما إذا لم يجدا هديًا الحديث البخاري: لم يرخص في صوم أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدى، وأما اليوم الرابع فصومه مكروه.
(4)
أما صوم عرفة فمكروه ممن كان في الحج، وقوله عيدنا خبر عما قبله، وقوله أهل الإسلام منصوب على الاختصاص، فيوم عرفة والعيد وأيام التشريق عيد الإسلام وأهله وسرورهم، وتمام ذلك بإباحة ما تشتهيه نفوسهم، قال الله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} .
(5)
بسند صحيح.
نصف شعبان الأخير
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصمْهُ
(1)
». رَواهُ الْخَمْسَةُ.
ولأَصْحَابِ السُّنَنِ
(2)
: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا
(3)
».
يوم الشك
(4)
• عَنْ صِلَةَ
(5)
رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ
(6)
فَقَالَ: كُلُوا فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ الْيَوْم الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقدْ عَصى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم
(7)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(8)
، وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقاً.
نصف شعبان الأخير
(1)
أي لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو أكثر لئلا يختلط النفل بالفرض، ولئلا يزاد في رمضان ما ليس منه. كما فعل أهل الكتاب، وليستقبل رمضان بجد ونشاط، والنهي للتحريم فيحرم الصوم بنية رمضان احتياطًا كذا قالوا، أما من كان يعتاد صومًا كصوم الاثنين والخميس، أو كان عليه قضاء أو نذر فلا نهى عن ذلك.
(2)
بسند صحيح.
(3)
فإذا مضى نصفه الأول وجاء الثاني الذي يبتدئ من السادس عشر كره الصيام فإذا بقي يومان حرم الصيام، والظاهر من كتب الفقه للأئمة الأربعة أن الصوم في النصف الثاني مكروه مطلقا، والله أعلم.
يوم الشك
(4)
هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس بالرؤية ولم تثبت عند الحاكم.
(5)
صلة هو ابن زفر كعمر الكوفي من كبار علماء التابعين.
(6)
مشوية بالنار.
(7)
فصلة القول: كنا عند عمار رضي الله عنه فحضر الطعام وفيه شاة، فقال عمار: كلوا، فتنحى بعض الناس وقال إني صائم، وكانوا في يوم شك فذكر عمار الحديث. والعصيان لا يكون إلا بفعل حرام، وقول الصحابي ذلك في حكم المرفوع فيكون صوم يوم الشك حرامًا، وعليه الجمهور ومالك والشافعي إلا أن يوافق عادة له، وحكمة النهى ما سبق في نصف شعبان الأخير وقبل النهي عنه إذا نواه من رمضان عن مالك وأبي حنيفة: إنه لا يجوز صومه عن رمضان فقط، وذهب بعض الصحب والتابعين والإمام فإن نواه من شعبان جاز، وقال في الفتح أحمد إلى صومه حتى قال على رضي الله عنه: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إليّ من فطر يوم من رمضان للحديث الآتي. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله».
(8)
بسند صحيح.
إفراد يوم الجمعة أو السبت
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا أَنْ يَصُومَ قَبْلَةُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ رضي الله عنهما
(2)
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ
(3)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
الباب الثامن: في صيام النفل
(4)
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ
(5)
بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً
(6)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
إفراد يوم الجمعة أو السبت
(1)
فإفراد يوم الجمعة بالصوم مكروه للتشبه باليهود في إفرادهم يوم السبت، أو لضعفه عن المطلوب منه يوم الجمعة أو لأنه عيد الأسبوع الحديث:» يوم الجمعة عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده» أي فلا كراهة وعليه بعض الصحب والتابعين والأئمة الثلاثة، وقيل النهي للتحريم، وقال مالك وجماعة: إنه لا كراهة في إفراده، والله أعلم.
(2)
اسمها بهية وتعرف بالصماء.
(3)
لحاء العنبة قشرتها، وهذا مبالغة في النهي عن إفراده بالصوم، وكما يكره إفراده يكره إفراد يوم الأحد بصوم للتشبه بالنصارى. ولحديث الحاكم وصححه:» لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» لأن اليهود تعظم يوم السبت والنصارى يوم الأحد، ولا يكره جمعهما بصوم لعدم الإفراد ولأنه لم يفعله أحد، وكراهة إفراد يوم الجمعة وما بعده بالصوم إذا كان تطوعًا، أما صومه قضاء أو نذرًا فلا شيء فيه. والله أعلم.
(4)
في بيان الأيام التي يندب صيامها.
(5)
أي في الغزو لجمعه بين مشقته ومشقة الصوم، أو المراد لوجه الله تعالى طلبًا لمرضاته.
(6)
وفي رواية بعّد. والخريف أحد فصول السنة، والمراد العام من إطلاق الجزء على الكل فمن صام يومًا ابتغاء مرضاة الله بعده الله عن النار سبعين عامًا، أي وكان من أهل الجنة، قال تعالى {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} .
صوم شهر المحرم
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ
(2)
وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرْيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلا الْبُخَارِيَّ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه جَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: «إِنْ كُنْتَ صَائِماً بَعْدَ رَمَضَانَ فَصُمِ الْمُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللَّهِ، فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ
(3)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
يوم عاشوراء
(4)
• عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ رضي الله عنه قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ
(5)
عِنْدَ زَمْزَمَ فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ
(6)
فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ
(7)
وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِماً قُلْتُ: هكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ
(8)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَإِذَا
صوم شهر المحرم
(1)
شهر المحرم من الأشهر الحرم التي قال الله فيها {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} أي ذات حرمة وتعظيم وهي المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} .
(2)
أي المعظم، ومعلوم أن المشهور كلها لله إيجادا وملكا، فالإضافة إلى الله للتعظيم لأنه شهر حرام ولأنه رأس السنة الهجرية، ولأنه اسم إسلامي، فإنهم كانوا يسمونه صفر الأول ولاشتماله على يوم فضله الله وهو يوم عاشوراء، فصيامه أفضل من كل شهر بعد رمضان.
(3)
فمحرم أفضل الشهور بعد رمضان لأن فيه يوم عاشوراء، وقد تاب الله فيه على قوم من السابقين ويتوب فيه على قوم من العصاة اللاحقين.
يوم عاشوراء
(4)
قال في القاموس: العاشوراء والمشوراء ويقصران، والعاشور عاشر المحرم أو تاسعه اهـ.
(5)
أي متكئ عليه.
(6)
أي يوم هو لأصومه.
(7)
أي الأيام.
(8)
كان يصوم التاسع.
كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ
(1)
» فَلَمْ يَأتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
فضل صيام
(2)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ
(3)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟
(4)
قَالُوا:
(1)
أي مع العاشر، فابن عباس أخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء اليوم التاسع فقط وصامها أيضا اليوم العاشر فقط، فلما سمع أن أهل الكتاب تعظم اليوم العاشر قال: لئن بقيت إلى قابل (أي إلى عام قابل) لأصومن التاسع، أي مع العاشر وخالفنا أهل الكتاب الذين يصومون العاشر فقط. ففي الحديث الأول أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع وعليه ابن عباس ومنه قول العرب: وردت الإبل عشرا، بالكسر إذا وردت اليوم التاسع، واللذان بعده يصرحان بأنه اليوم العاشر وهو الموافق للاشتقاق، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور سلفًا وخلفا والأئمة الأربعة، ولكن قال الشافعي وأحمد وغيرها: يندب صوم التاسع والعاشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وإن صامهما منفردين ولكنه نوي صومهما معًا إن طالت حياته ولقول ابن عباس: صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود وكان بعضهم يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أحوط. والله أعلم.
فضل صيامه والتوسعة فيه
(2)
أي بيان سبب صيامه وفضله والتوسعة فيه.
(3)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة يصوم عاشوراء تبعا لقومه فإنهم كانوا يعظمونه ويصومونه، ولما هاجر صامه وأمر بصيامه حتى فرض رمضان، فخيرهم في صيام عاشوراء ثم حثهم بعد ذلك على صيامه فصار سنة مؤكدة.
(4)
أي ما سبب صومكم لعاشوراء؟ فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك عدوهم. وفي رواية: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أولى باتباع موسى منكم فإننا واحد في أصول الدين ومؤمنون بما جاء به.
هذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسى، قَالَ:«فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسى مِنْكُمْ» ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رَوَاهُ الثَّلَاثَة.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ
(1)
يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ عِيداً وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ
(2)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «فَصُومُوهُ أَنْتُمْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ
(3)
أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ
(4)
أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنِ الرُّبِيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِماً فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِراً فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ
(5)
فَكُنَّا بَعْدَ ذلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ
(6)
فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ إِلَى الإِفْطَارِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ
(7)
، وهذَا الشَّهْرَ شَهْرَ رَمَضَانَ. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ
(8)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
(1)
يهود خيبر.
(2)
ما يتجملن به عادة، والشارة والشورة: الهيئة الحسنة.
(3)
اسم قبيلة.
(4)
ناد فيهم.
(5)
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر المنادي في صباح عاشوراء أن يقول برفع صوته: من نوى فليتمه ومن لم ينو فإن كان أكل فليمسك بقية اليوم احتراما له وله ثوابه.
(6)
العهن هو الصوف.
(7)
بيان لما قبله.
(8)
إني أحتسب على الله أي أرجوه تعالى أن يكفر بصيامه ذنوب السنة الماضية، فهذه الأحاديث تدل على أن صوم عاشوراء سنة مؤكدة، بل فضله عظيم حيث إنه يكفر ذنوب العام الماضي، ولهذا الحديث مسلسل مشهور يدرس في كل يوم عاشوراء بين أهل العلم.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي سَنَتِهِ كُلِّهَا
(1)
». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
صيام رجب
قَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ رضي الله عنه سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ فِي رَجَبٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ
(2)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ رضي الله عنها عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «وَمَنْ أَنْتَ» ؟ قَالَ: أَنَا الْبَاهِلِيُّ الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ الأَوَّلَ قَالَ: «فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ» ، قَالَ: مَا أَكَلْتُ طَعَاماً مُنْذُ فَارَقْتُكَ إِلا بِلَيْلٍ
(3)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟» ثُمَّ قَالَ: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ
(4)
وَيَوْماً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ» قَالَ: «زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً» ، قَالَ:«صُمْ يَوْميْنِ» ، قَالَ: زِدْنِي قَالَ: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» ، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ:«صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرْمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُك» ، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا
(5)
. رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
(1)
التوسعة هي التبسط في الأكل والشرب وهي تفرح الأولاد، فمن أفرح أهل بيته ووسع عليهم في يوم فضله الله ورسوله وسع الله عليه في كل سنته جزاء وفاقًا. والله أعلم.
صيام رجب
(2)
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يصوم ويطيل الصوم وكان أحيانًا يفطر ويطيل الفطر، فرجب وغيره في هذا سواء.
(3)
أي فأنا دائمًا صائم.
(4)
وهو رمضان؛ لأن الصبر هو الحبس، والصائم يحبس نفسه عن الطعام وما تشتهيه.
(5)
الحرم بضمتين الأشهر الحرم وهي المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة؛ فرجب فرد بين جمادى وشعبان والثلاثة متوالية متعاقبة، وسئل أعرابي عن الأشهر الحرم فقال: ثلاثة سرد وواحد فرد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما علم من الباهلي أنه يصوم الدهر وقد أضعفه لامه وأرشده إلى صوم يوم من كل شهر فاستزاده فأرشده إلى يومين ثم إلى ثلاثة، فاستزاده فأرشده إلى الصوم من الأشهر الحرم،=
صيام شعبان
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ
(1)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِي بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: «هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئاً» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
= وقال أي أشار بأصابعه الثلاثة أي صم من كل شهر حرام ثلاثة أيام، فأصل الصوم مندوب إليه لأنه طاعة يحبها الله ورسوله، ولا سيما في الأشهر الحرم ورجب منها فصار صومة مستحبًّا بل ورد فيه بالخصوص نصوص، فلأبي الفتح عن الحسن: رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي. وللطبراني: من صام يومًا من رجب فكأنما صام سنة ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة ومن صام منه عشرة لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله، فهذان الحديثان وإن كانا ضعيفين ولكنهم اتفقوا على جواز العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال. والله أعلم
صيام شعبان
(1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم، كان يكثر من الصيام في شعبان، بل كان أحيانًا يصومه كله.
(2)
الإشارة في هذا الشهر إلى شعبان، والسرر بالتثليث جمع سرة وهي الوسط أي الأيام البيض. وفي رواية: أصمت من سرر شعبان؟ قال لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين بدل ما عليك، فإنه يظهر أنه كان عليه نذر يومين، أو هذا تأكيد لصيام شعبان، فإنه شهر يغفل الناس عنه لحديث النسائي عن أسامة: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ولهذا فضله بعضهم على صيام المحرم ويكون الحديث القائل: أفضل الصيام بعد رمضان صيام المحرم أي بعد شعبان، والله أعلم.
يوم النصف
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصومُوا نَهَارَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ، أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ
(1)
». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(2)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ
(3)
، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ، فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ
(4)
رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ
(5)
اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ» قُلْتُ: ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ
(6)
.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ في لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ
(7)
». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهُ وَأَحْمَدُ.
يوم نصف شعبان
(1)
ليلة النصف من شعبان في ليلة الخامس عشر منه، وبيان القيام تقدم في ليلة القدر، والنزول وهو الهبوط إلى أسفل محال على الله تعالى فيراد لازمه وهو القرب والتجلي على عباده.
(2)
هذا واللذان بعده بأسانيد ضعيفة لابن ماجه والترمذي، ولكنها في الترغيب كما لا يخفى.
(3)
انتبهت ليلا فلم أجده.
(4)
البقيع كالنقيع مقبرة المدينة.
(5)
أي يجوز.
(6)
ولفظه: غنم بني كلب وهي أكثر القبائل غنما.
(7)
المشاحن المخاصم وللإمام أحمد: يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين، مشاحن وقاتل نفس، فحاصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد ليلة النصف في عبادة الله تعالى، وقال: إن الله يتجلى على عباده في هذه الليلة ويقول لهم: هلموا إليّ واطلبوا ما تشاءون، فأبواب العطايا والإحسان مفتحة على مصاريعها، فينبغي الاجتهاد في العبادة في هذه الليلة من أولها إلى آخرها وصوم يومها، فإنه في الفضل ليلته والإكثار من طلب المغفرة فإن الله يغفر لجميع خلقه إلا لعاق والديه والظالم والفاجر ونحوهم من كل متلبس بما يغضب الله تعالى ولم يتب إلى ربه، ولهذه الليلة مؤلف خاص للمرحوم مولانا الشيخ السقا الكبير رحمه الله ورضي عنه وعن كل العلماء آمين.
صيام ستة أيام من شوال
• عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
عشر ذي الحجة
(2)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلى اللَّهِ مِنْ هذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ
(3)
» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلِكَ بِشَيْءٍ
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَ
(5)
الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَوْ حَفْصَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ
(6)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا
صيام ستة أيام من شوال
(1)
فمن صام رمضان وأعقبه بست من شوال فكأنما صام الدهر لأن اليوم بعشرة أيام {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} ، فرمضان بعشرة شهور والست بشهرين، وصرحت بذلك رواية للنسائي ولو فرقها أو صامها في النصف الثاني كفي، ولكن الأفضل أن تكون متوالية، وعقب يوم العيد، وحكمة صومها أن النفوس. عقب رمضان أرغب في الطعام وما تشتهيه، فإذا عادت للصيام بأمر الله تعالى كان شاقا عليها فكان أجره عظيما. لهذا كان صومها مستحبًا وعليه الشافعي وأحمد وغيرها. وقال مالك وأبو حنيفة: يكره صومها لأنها ربما ظن وجوبها. وقال مالك: لم أر أحدا من أهل العلم يصومها، وهذا رأي ضعيف فإن الحديث الصحيح فوق كل رأي والله أعلم.
عشر ذي الحجة
(2)
وهي التي أقسم الله بها في قوله تعالى: {والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر} .
(3)
هي العشر الأول من ذي الحجة.
(4)
فالعمل الصالح في هذه العشر أفضل منه في كل وقت إلا من خرج يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله فاستشهد فإن درجته أعظم.
(5)
واللفظ له.
(6)
إلا إذا كان في الحج فلا يصوم عرفة كما يأتي.
مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَعْدِلُ
(1)
صِيَامُ كلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
صيام عرفة لغير الحاج
(3)
• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ بِعَرَفَةَ وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ
(5)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَ عُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُومُوا يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهى عَنْهُ
(6)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
(1)
يعدل كيضرب أي يساوي.
(2)
بسند ضعيف، ولكن يؤيده ما قبله، ومعناه أن الله تعالى يحب العبادة في عشر ذي الحجة أكثر من كل وقت، بل ثواب صوم اليوم الواحد منهن كثواب صوم سنة، وقيام الليلة فيها كقيام ليلة القدر، وهذا ترغيب عظيم وفضل الله أعظم.
والله أعلم.
صيام عرفة لغير الحاج
(3)
يوم عرفة هو تاسع ذي الحجة، وسمي بهذا لأن الحجاج يقفون فيه بعرفة؛ مكان معلوم في الحج.
(4)
أحتسب على الله أي أرجوه ورجاؤه صلى الله عليه وسلم محقق، فصوم يوم عرفة يكفر ذنوب السنة الماضية والسنة الآتية، إن وقعت فيها ذنوب تقع مغفورة والمراد الصغائر وإن لم تكن فيرجى التخفيف من الكبار وإلا رفع له به درجات.
(5)
سببه أنهم كانوا بعرفة واختلفوا هل النبي صلى الله عليه وسلم صائم أو لا؟ فأرسلت إليه صلى الله عليه وسلم أم الفضل زوجة عمه العباس لبنًا فشربه وفي رواية: أرسلت إليه بقدح لبن وهو على بعيره بعرفة فشربه فعرفوا أنه مفطر لأنه في حج. وفي رواية لأبي داود والنسائي: نهى النبي - صلى الله عليه وسل -، عن صوم يوم عرفه بعرفة أي نهي استحباب لا نهي إيجاب.
(6)
فلما سئل ابن عمر عن صوم عرفة لمن كان بها أجاب بأنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فما رآهم صاموه في الحج فهو لا يصومه ولا يأمر به ولا ينهى عنه أي في الحج، وحاصل ما تقدم أن صوم يوم عرفة مستحب بل فضله عظيم لأنه يكفر ذنوب السنتين إلا لمن كان في الحج، فصومه غير مستحب لأنه يضعفه عن المطلوب في عرفة من كثرة الذكر والتلبية والدعاء والابتهال إلى الله تعالى، فضلا عن هذا فالحاج في سفر وليس من البر الصوم في السفر، والله أعلم.
صيام ثلاثة من كل شهر كصيام الدهر
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ» . رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: «صَوْمُ ثَلاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ صَوْمُ الدَّهْرِ» .
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَذلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَصْدِيقَ ذَلِكَ في كِتَابهِ {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الْيَوْمُ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ
(1)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَتْ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ رضي الله عنها لِعَائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُمْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ
(2)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
صيام أيام البيض
(3)
• عَنْ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ
(4)
رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأَمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ وَخَمْسَ عَشَرَةَ قَالَ: وَقَالَ: «هُنَّ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ وَخَمْسَ عَشَرَةَ
(6)
».
صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر
(1)
فهذه الأحاديث الثلاثة تصرح بأن صوم ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر.
(2)
فلم يكن له صلى الله عليه وسلم ميعاد في صوم الثلاثة، ولكن كان في أوله أكثر. لحديث أصحاب السنن: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام. والله أعلم.
صيام أيام البيض
(3)
أي أيام الليالي البيض بنور القمر وهي ليلة الثالث عشر واللتان بعدها.
(4)
ملحان بكسر فسكون.
(5)
بسند حسن.
(6)
أي إذا أردت صيام ثلاثة أيام من كل شهر فصم الثالث عشر واللذين بعده، فهذا صرف الأول عن الوجوب الظاهر منه إلى الندب، فتندب المحافظة على صيام البيض فإنها ثلاثة من كل شهر وفى الليالي البيض، ففيها المزيتان، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والله أعلم.
صوم الاثنين والخميس
• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإثْنَيْنِ وَالخَمْيسِ قَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ
(1)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.
وَانْطَلَقَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
(2)
رضي الله عنه إِلَى وَادِي الْقُرَى
(3)
فِي طَلَبِ مَالٍ لَهُ فَكَانَ يَصُومُ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخِميسِ فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ
(4)
: لِمَ تَصُومُ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ؟ فَقَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُهُمَا
(5)
وَسُئِلَ عَنْ ذلِكَ فَقَالَ: إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ
(6)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(7)
.
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلُهَا الإثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ
(8)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ السَّبْتَ والأَحَدَ والإثْنَيْنِ وَمِنَ الشَّهْرِ الآخَرِ الثَّلَاثَاءَ وَالأَرْبَعَاءَ وَالْخَمِيسَ
(9)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
صوم الاثنين والخميس
(1)
فسبب صومه يوم الاثنين أنه صلى الله عليه وسلم ولد في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول على المشهور، وكذا نزل عليه القرآن في يوم الاثنين السابع عشر من رمضان. وميلاده صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن حادثان عظيمان، وما وقعا في يوم الاثنين إلا لعظم فضله.
(2)
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبوبه، وسيأتي في الفضائل فضله إن شاء الله.
(3)
واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة، ولأهلها فيه أموال كثيرة.
(4)
أي خادمه.
(5)
لفظ الترمذي: كان يتحرى صومهما.
(6)
هذا صريح في أن الأعمال تعرض على الله يوم الإثنين والخميس فقط، وسيأتي في تفسير البقرة حديث» يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل»، وهذا صريح في العرض يوميًّا، ويجمع بينهما بأن العرض اليومي تفصيلي وعرض الاثنين والخميس إجمالي أو بالعكس، ولكل عرض حكم يعلمها الله، ولعل منها ظهور فضل الآدميين في الملأ الأعلى، ومنها الخوف من ذلك المرض.
(7)
بسند حسن.
(8)
الواو بمعنى أو.
(9)
فكان صلى الله عليه وسلم يختم بالاثنين في شهر ويختم بالخميس في آخر محبة في صومهما. فتندب المحافظة على ذلك لأنهما يومان عظمان لما وقع فيهما ولعرض الأعمال فيهما على الله تعالى.
صوم يوم وفطر يوم
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ عز وجل صِيَامُ دَاوُدَ عليه السلام، كَانَ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً
(1)
، وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ». رَوَاهُ الْخَمْسَة.
صوم الدهر
(2)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ: لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «آنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذلِكَ
(3)
»؟ فَقُلْتُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَنَمْ وَقُمْ
(4)
وَصُمْ مِنَ الشَّهِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ»، قَالَ قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ
(5)
قَالَ: «صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ» ، قَالَ قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً وَذلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عليه السلام وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ» ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ
(6)
، قَالَ:«لَا أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لأَنْ أَكونَ قَبِلْتُ الثَّلَاثَةَ الأَيَّامَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي
(7)
».
صوم يوم وفطر يوم
(1)
إنما كان هذا أحب إلى الله تعالى لأنه مع كثرة الصوم لا يضعف عن وظائف العبودية كصوم الدهر، ولأنه أشق على النفس لأنها لا تستمر على حال، فكان أجره عظيما، وتقدم الكلام على بقية الحديث في صلاة الليل. والله أعلم.
صوم الدهر
(2)
أي ما ورد فيه.
(3)
آنت بمد الهمزة للاستفهام.
(4)
أي صم في بعض الأيام وأفطر في بعضها ونم بعض الليل وصل في بعضه.
(5)
أي أكثر منه.
(6)
أي مطلقًا أو بالنسبة إليك ليمكنك القيام ببعض ما عليك للعباد.
(7)
لأنه مرغوب النبي صلى الله عليه وسلم ولضعفه في آخر عمره رضي الله عنه.
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ لَهُ: «لَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْرِكَ
(1)
عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ بِحَسْبِكَ
(2)
أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ».
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ
(3)
وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ
(4)
، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ
(5)
، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ». رَوَاهُ الثَّلَاثَة وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ: «لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» ، أَوْ قَالَ: «لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ
(6)
» قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْماً؟ قَالَ: «ويُطِيقُ ذلِكَ أَحَدٌ
(7)
»؟ قَالَ: كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً؟ قَالَ: «ذلِكَ صَوْمُ دَاوُدَ عليه السلام» . رَواهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
(1)
أي ضيفك.
(2)
أي يكفيك ثلاثة من كل شهر فإنها كصوم الدهر.
(3)
ضعفت.
(4)
نفهت بفتح فكسر أي سئمت وكلت.
(5)
دعاء عليه أو لا يصح صومه كله لأن فيه المنهي عنه كأيام العيد والتشريق وعلى كل فالمراد منه الزجر عن صوم الدهر، وحاصل ذلك وسببه أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان رجلا لبيبًا حاذقًا، وكان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب لنفسه كل ما يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تقيًّا ورعًا زاهدًا حتى آلى على نفسه أن يصوم الدهر ويقوم الليل وانقطع لذلك فجاء أبوه عمرو لزيارته فسأل امرأته وكانت قرشية جميلة: أين بعلك، وكيف حاله؟ فقالت نعم الرجل من رجل لا ينام الليل ولا يفطر النهار، وفي رواية: نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش لنا كنفًا منذ أتيناه. فغضب أبوه ونهاه عن ذلك وقال له زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها. فلم يسمع لقوله فزجره مرة أخرى زجرًا شديدًا فلم يلتفت إليه، فشكاه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ائتني به، فأخذه وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أنت الذي تصوم الدهر وتقوم الليل، قال نعم فنهاه عن ذلك وأرشده إلى ثلاثة من كل شهر فلم يقبل، فأرشده إلى صوم يوم وفطر يومين فأبي، فأرشده إلى صوم يوم وفطر يوم، وقال له إنه أعدل الصيام وأحسنه فأبى إلا أفضل من هذا فقال له: لا أفضل من ذلك، فلم يقبل نصح النبي صلى الله عليه وسلم وبقي على حاله حتى ضعف في آخر حياته وظهر له أن إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم له كان نصح حكيم، فكان يقول لو قبلت نصح النبي صلى الله عليه وسلم لكان عندي أحسن من المال والأهل.
(6)
أي لا صام صومًا فيه كمال الفضل، ولا أفطر فطرًا يمنع جوعه وعطشه.
(7)
أي لا يطيقه أو هو استفهام تقرير أي إن أطاقه فلا بأس، أو هو أفضل.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ أَرْغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ولَكِنْ سُنَّتَكَ أَطلُبُ قَالَ: «فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ
(1)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
الصائم المتطوع أمير نفسه
• عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَجَلَسَتْ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمُّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَتِ الْوَلِيدَةُ
(2)
بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَنَاوَلَتْهُ فَشَرِبَ مِنْهَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ أُمَّ هَانِئٍ، فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صَائِمَةً فَقَالَ لَهَا: «أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئاً» ؟ قَالَتْ: لَا قَالَ: «فَلَا يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعاً» . وَفِي رِوَايَةٍ: «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ أَوْ أَمِيرُ نَفْسِهِ
(3)
إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَن
(4)
وَالإِمَامُ أَحْمَدُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُهْدِيَ لِي وَلِحَفْصَةَ طَعَامٌ وَكُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَأَفْطَرْنَا ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ فَاشْتَهَيْنَاهَا فَأَفْطَرْنَا
(1)
عثمان بن مظعون هذا هو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع وكان انقطع للعبادة فلامه النبي صلى الله عليه وسلم وأرشده إلى التوسط في العمل والدوام عليه فهو أفضل كما تقدم في الإيمان: أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، فظاهر هذه الأحاديث كراهة صوم الدهر وبه قال بعضهم، بل قال بعضهم بحرمته ولكن الجمهور على استحبابه للأحاديث السابقة القائلة: من صام كذا فكأنما صام الدهر، ولأن كثرة العبادة تستلزم كثرة الأجر وعلى الدرجة، ولابن ماجه: صام نوح الدهر إلا يوم الفطر ويوم الأضحى، والنهي السابق لخوف مشقة أو فوت حق واجب. والله أعلم.
الصائم المتطوع أمير نفسه
(2)
الوليدة هي الأمة.
(3)
أو للشك.
(4)
هذا الحديث وما بعده بسندين صالحين لأبي داود وأما الترمذي فقد قال إن في الأول مقالا وسكت عن الثاني. وأما سند النسائي فصحيح ويؤيدها الصحيح السابق في النية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائما نقلا فأفطر.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا عَلَيْكُمَا، صُومَا مَكَانَهُ يَوْماً آخَرَ
(1)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
يجيب الصائم الدعوة
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ
(2)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفِطراً فَلْيَطْعَمْ
(3)
وَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
الخاتمة في الاعتكاف
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
(5)
.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(6)
.
(1)
أي لا بأس عليكما في الإفطار ولكن صوما بدله يوما آخر على سبيل الندب، فإن البدل حكمه كحكم أصله، فالحديثان يفيدان أن الصائم المتطوع له أن يفطر ولا شيء عليه إلا القضاء على سبيل الندب، وعلى هذا الجمهور سلفًا وخلفًا والشافعي وأحمد، وقال غيرهم من تلبس بنفل حرم عليه إفساده، ووجب قضاؤه لتعينه بالشروع فيه ولقوله تعالى:{ولا تبطلوا أعمالكم} وأجاب الجمهور بأن معناها ولا تبطلوا أعمالكم بالرياء وارتكاب الكبائر. والله أعلم.
يجيب الصائم الدعوة
(2)
أي للداعي إعلاما بحاله واعتذارًا عن الحضور فإن قبل عذره سقط عنه الوجوب أو الندب وإلا حضر.
(3)
كيعلم أي وجوبًا إن شق على الداعي عدم الأكل وإلا فلا، وإن كان صائما فليصل في بيت الداعي فرضًا أو نفلا لتحصل بركة الصلاة، أو المراد بالصلاة الدعاء بالمغفرة والبركة، والأفضل الجمع بينهما وهذا ظاهر في صوم الفرض، فإنه يحرم عليه الفطر، فإن كان الصوم نقلا فالأفضل الأكل إن كان يفرح به وإلا فلا يفطر. وستأتي الوليمة وأحكامها في كتاب النكاح على سعة إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
الخاتمة في الاعتكاف
(4)
هو لغة الحبس والمكث واللزوم، وشرعًا: مكث في مسجد من شخص طاهر بنية الاعتكاف ويسمى جوارًا. والكلام في بيان حكمه وفي محله وفي خروج المعتكف لحاجته وفي اشتراط الصوم وعدمه وفي فضله، فالاعتكاف سنة بإجماع ويتأكد في العشر الأواخر من رمضان، ويجب بالنذر.
(5)
هذا أمر من الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بطهارة البيت الحرام لعابدين طائفين وعاكفين فيه أي معتكفين للعبادة وفيه أن الاعتكاف شرع قديم وندب إليه شرعنا.
(6)
فلا يجوز للمعتكف مباشرة النسوة.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرينَ يَوْماً
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ
(2)
وَأَنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَةُ فَقَالَ:«آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟» فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الاعْتِكَافَ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اعْتَكَفَ طُرِحَ لَهُ فِرَاشٌ أَوْ يُوضَعُ لَهُ سَرِيرٌ وَرَاءَ أُسْطوَانَةِ التَّوْبَةِ
(4)
. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ مُوَثَّقٍ.
(1)
من أواخره لأنه شعر بانقضاء أجله فاستكثر من صالح الأعمال، والتعليم الأمة إذا بلغوا أقصى الكبر.
(2)
مكان اعتكافه وهو الخباء، وظاهره أن أول الاعتكاف بعد الفجر، وهذا في مطلق اعتكاف، أما من أراد اعتكاف شهر أو عشرة أيام فإن أوله قبيل الغروب لأن الليل تابع ليومه.
(3)
الخباء ما يعمل من صوف أو شعر أو وبر وينصب على عمودين أو ثلاثة فإن زاد فهو البيت، فلما نصب الخباء للنبي صلى الله عليه وسلم اقتدى به الزوجات الطاهرات رغبة في المسجد وقربهن من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه خاف تضييق المسجد فأنكر عليهن بقوله: آلبر تردن! بالاستفهام الإنكارى، أي أترغبن في الطاعة بهذا وأمر بحل خبائه وترك الاعتكاف حتى اعتكف العشر الأول من شوال.
(4)
أسطوانة التوبة هي العمود الذي ربط فيه الصحابي نفسه حتى تاب الله عليه، فكان اعتكافه صلى الله عليه وسلم وراء هذه الأسطوانة على فراش أو سرير، وفيه أن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد وعليه الجمهور سلفا وخلفًا ومالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: يصح اعتكاف المرأة في مسجد بينها وهو المكان المعد لصلاتها، وقال بعض المالكية والشافعية: يصح في مسجد البيت ولو لرجل، وعند الجمهور: يصح الاعتكاف في كل مسجد وقف للصلاة، وقال أبو حنيفة: إنه يختص بمسجد تصلى فيه الصلوات كلها، وقال أحمد: إنه يختص بمسجد تقام فيه الجماعة الراتبة. والله أعلم.
يخرج المعتكف من المسجد للحاجة
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَتْ صَفِيَّةُ رضي الله عنها
(2)
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفاً فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ إِلَى بَيْتِي فَقَامَ مَعِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَقْلِبَني
(3)
وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «عَلى رِسْلِكُمَا
(4)
إِنَّهَا صَفِيَّةُ بنْتُ حُيَيِّيٍ» قَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّم فَخَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئاً أَوْ قَالَ شَرًّا
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
يخرج المعتكف من المسجد للحاجة
(1)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معتكف في المسجد يخرج رأسه من باب الحجرة لعائشة، وهي في غرفتها المجاورة للمسجد كباقي غرفات الزوجات الطاهرات فترجل شعره أي تسرحه وتدهنه وتطيبه، وكان صلى الله عليه وسلم لا يخرج من المسجد وهو معتكف إلا للحاجة وهي هنا البول والغائط ومثلهما الفصد والحجامة والغسل والطهارة، وأما الأكل والشرب فلا يخرج لهما لجوازها في المسجد، وقال بعضهم يخرج لهما.
(2)
هي بنت حييّ إحدى أمهات المؤمنين.
(3)
يقلب كيضرب أي يمشي معي إلى بيتي المعد لسكناي ويسكن فيه أسامة بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
رسلكما بكسر فسكون فكسر أي لا تسرعا.
(5)
فالرجلان لما رأيا مع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أسرعا لئلا يراها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه رآها؛ فقال لهما: تمهلا فإنها زوجتى صفية، فقالا: سبحان الله يا رسول الله نحن لا نظن بك شيئا فإنك معصوم فقال: إنى خفت عليكما من وسوسة الشيطان فإنه يجري في الإنسان كالدم، وفي هذين الحديثين جواز خروج المعتكف لما يلزمه، ولكن بنية العودة إلى الاعتكاف وإن نسي جدد النية، ولا يبطل الاعتكاف بكلام دنيوي ولا صنعة لا تقدر المسجد، ككتابة وخياطة، وليس للاعتكاف ذكر مخصوص بل هو اللبث فقط، فلو دخل المسجد لصلاة فريضة أو نافلة ونوى الاعتكاف كقوله نويت الاعتكاف لله وخرج بعد الصلاة صح اعتكافة هذه المدة عند بعضهم كما يأتي إن شاء الله تعالى.
هل يشترط الصوم للاعتكاف
• عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
(1)
، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ. فَاعْتكَفَ لَيْلةً
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَائَشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَلا يَعُودَ مَرِيضاً وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا
(3)
وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَلَا اعْتِكَافَ إِلا بِصَوْمٍ
(4)
. وَلَا اعْتِكَافَ إِلا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
فصل: الاعتكاف
(6)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمُعْتكِفِ: «هُوَ يَعْكِفُ الذُّنُوبَ وَيُجْرِي لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا
(7)
». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(8)
.
هل يشترط الصوم للاعتكاف
(1)
وفي رواية لمسلم: يومًا وجمع بينهما بأنه نذر يومًا بليلته، فمن روى ليلة أراد ويومها، ومن روي يوما أراد وليلته.
(2)
في المسجد الحرام وفاء بنذره، ومعلوم أن الليل ليس محلا للصوم، فلو كان الصوم شرطا في صحة الاعتكاف لما صح نذره، ولما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بوفائه. ومنه حديث البيهقي والحاكم وصححه» ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه»، ومنه ما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوال وفيها العيد، فلهذا قال بعض الصحب والتابعين والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يشترط الصوم للاعتكاف بل يصح ولو ساعة ولو لحظة واحدة تزيد على طمأنينة الركوع. وللطبراني: من اعتكف فواق ناقة (قدر حلبها) فكأنما أعتق نسمة. وقال جمهور السلف والخلف ومالك وأبو حنيفة: يشترط الصوم فلا يصح اعتكاف بدونه لحديث عائشة الآتي.
(3)
فإن خرج لواحد من هذه الأمور أو عرج عليه في طريقه بطل اعتكافه الذي هو ملازمة مسجد بنية العبادة.
(4)
فلا يصح من مفطر، عندها وعند من وافقها.
(5)
تقدم الكلام عليه. والله أعلم.
فضل الاعتكاف
(6)
أخرنا فضل الاعتكاف على خلاف المادة لأنه ليس من أصول الكتاب الخمسة.
(7)
فالاعتكاف يحفظ المعتكف من الشرور ويكتب له كثواب فاعل الطاعات كلها لأنه حبس نفسه في بيت الله تعالى طلبًا لرضاه.
(8)
بسند ضعيف ولكنه في الترغيب.
• وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ يَقُولُ: مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا
(1)
كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنَ اعْتِكَافِ عَشْرِ سِنِينَ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْماً ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلَاثَ خَنَادِقَ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ
(2)
. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنِ الْحَسَيْنِ بْنِ عَلَيَ رضي الله عنهما عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اعْتَكَفَ عَشْراً فِي رَمَضَانَ كَانَ كَحَجَّتَيْنِ وَعُمْرَتَيْنِ
(3)
». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَاللَّهُ أعْلَمُ.
(1)
أي مطلوبه.
(2)
الخنادق جمع خندق وهو حفير حول البلد لمنع الأعداء، والخافقان تثنية خافق وهو حاجب السماء؛ والمراد أن اعتكاف يوم الله تعالى يبعد صاحبه عن النار أكثر مما بين المشرق المغرب.
(3)
هذا ترغيب عظيم في الاعتكاف وفضل الله واسع. والله أعلم.
كتاب الحج والعمرة
(1)
وفيه سبعة أبواب وخاتمة
الباب الأول: في فضائل الحج
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
(2)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا
(3)
وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ
(4)
». رَواهُمَا الْخَمْسَة إِلا أَبَا دَاوُدَ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لَا
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
ك تاب الحج والعمرة
(1)
الحج بالفتح والكسر لغة: القصد. وشرعا: قصد البيت الحرام لأعمال النسك. وفرض الحج في السنة الخامسة من الهجرة وقيل في السادسة، وعليه الجمهور لأنه نزل فيها {وأتموا الحج والعمرة لله} أي أقيموها، والحج أحد أركان الإسلام السابقة. وهو معلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام؛ أو نشأ بعيدا عن العلماء؛ وحكمة الحج غفران الذنوب؛ ونفي الفقر والتعارف بين الأقاليم الإسلامية والعطف على أهل الحرمين؛ إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام؛ {واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} ؛ وتذكر البعث بالتجرد من ملابسه؛ وتذكر الوقوف بين يدي الله تعالى بوقوفهم بعرفة يبتهلون إلى الله بالتلبية ويرجون عفوه ورضاه؛ قال الله تعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} - وقال تعالى - {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} وستأتي العمرة في الباب الخامس إن شاء الله.
(2)
أي طاهرا من الذنوب كلها وعليه بعضهم لظاهر الحديث إلا حقوق الآدميين فلا بد فيها من السماح أو القضاء في الدنيا.
(3)
فالعمرة بعد العمرة كفارة لما يقع بينهما.
(4)
الحج المبرور هو ما سلم من الإثم والرياء أو ما كان فيه جود وحسن أخلاق الحديث أحمد قالوا: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: إطعام الطعام وإفشاء السلام.
لكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ: «وَلكِنَّ أَحْسَنُ الْجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ حَجُّ الْبَيْتِ
(1)
».
وَعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُوا ثمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ» فَيَقُولُ: «مَا أَرَادَ هؤُلَاءِ
(2)
»؟. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
(3)
فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
(4)
وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلا الْجَنَّةُ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُروجِ يَأجوجَ وَمَأْجُوجَ
(5)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضْلِ الْحَرَمِ.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ
(6)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلِلنَّسَائِيِّ: «وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ
(7)
».
(1)
وللنسائي: جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة الحج والعمرة. وللإمام أحمد:» قيل يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال: نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة» فليس على النساء جهاد لأنه فرض كفاية على الرجال القادرين.
(2)
فالله تعالى يعتق في يوم عرفة أكثر من كل الأيام ويتجلى الله على عباده ويفاخر بهم ملائكته كقوله: ما أراد هؤلاء؟ وكقوله: انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرا من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم.
(3)
أي والوا بينهما بفعل العمرة عقب الحج فإنهما يجلبان الغني ببركة الإنفاق فيهما؛ قال تعالى: - {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} .
(4)
الكير آلة النفخ على النار التي يستعين بها الحداد والصائغ على عمله، والخبث بالتحريك الوسخ.
(5)
بلفظ المجهول في الفعلين أي والله لا تزال طائفة على الحق وتحج البيت إلى قرب الساعة حتى بعد ظهور العلامات؛ فإذا دنت الساعة انقطع الحج لحديث: لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت.
(6)
فيه جواز الإحرام قبل الميقات المكاني والترغيب فيه وعليه بعض الصحب والتابعين، وللشافعي والحاكم عن عليّ رضي الله عنه: إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} بأن تحرم لهما من دويرة أهلك. وثبت رفعه.
(7)
الوفد: الجماعة المختارة من القوم، فهؤلاء اختاره الله ورضي عنهم. وفقه ما تقدم أن فضل الحج عظيم ومزاياه كثيرة جسيمة نسأل الله أن يوفقنا له مرة أخرى.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ
(1)
حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ
(2)
وَحَجَّة بَعْدَمَا هَاجَرَ
(3)
وَمَعَها عُمْرَةٌ فَسَاقَ ثَلَاثاً وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَجَاءَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبَقِيَّتِهَا
(4)
فِيهَا جَمَلٌ لأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ
(5)
فَنَحَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(6)
وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَطُبِخَتْ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الباب الثاني: في فرضية الحج
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}
(7)
وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَلَمِينَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا
(8)
» فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ
(9)
وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. فَإِذَا أَمَرْتكُمْ بِشَيْءٍ
(1)
بكسر ففتح جمع حجة كقرب وقربة أي حج ثلاث مرات.
(2)
وفيهما بايع النقباء من أهل المدينة الذين اجتمع بهم في العقبة في سنتين.
(3)
وهي حجة الوداع سنة عشر.
(4)
أي المائة فإن هديه كان مائة كما يأتي في صفة حجه صلى الله عليه وسلم.
(5)
البرة كثبة: الحلقة في أنف البعير.
(6)
أي معظمها وأمر عليا فنحر بقيتها. والله أعلم.
(الباب الثاني في فرضية الحج)
(7)
أي ولله على عباده فرض لازم وهو حج البيت بشرط الاستطاعة وهي الزاد والراحلة لحديثي عليّ وابن عمر الآتيين ولحديث الحاكم:» قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة» والمراد ما وصله ويرجعه إلى وطنه أيًّا كان وعليه الشافعي وأحمد، فمن عجز لمرض أو كبر أو خوف مثلا وقدر على إنابة الغير وجب عليه لحديث الخثعمية الآتي، وقال مالك: الاستطاعة بالبدن فمن قدر على المشي والكسب وجب عليه الحج، وقال أبو حنيفة: الاستطاعة بمجموع الأمرين، فمن قدر على أحدها فقط فلا حج عليه، وهذا أسهل وما قبله أشد وأحوط.
(8)
هذا أمر وظاهره الوجوب فيفيد الفرضية، ومنه حديث أبي داود: لا صرورة في الإسلام. والصرورة كالضرورة الذي لم يحج فالإسلام لا يعرفه.
(9)
أي فريضة الحج.
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ
(1)
وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ
(2)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ جَابِسٍ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّدةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: «بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَأَحْمدُ وَزَادَ: «فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» .
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَلَكَ زَاداً وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ
(6)
فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَذلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ فِي كِتَاب {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ».
• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ
(7)
». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(8)
وَأَحْمَدُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ
(9)
يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ
(10)
وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ
(11)
فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ
(12)
(1)
قال تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} .
(2)
أي كله لأن ترك المحرمات كلها ميسور لكل واحد بخلاف الطاعات كلها.
(3)
فالفريضة مرة واحدة والزائد تطوع، وفيه أن الأمر لا يقتضي التكرار، وإنما يفهم من نصوص أخرى.
(4)
الأمر للوجوب أو للندب، فعلى الأول يكون الحج واجبًا على الفور عند الاستطاعة، وعليه الجمهور والأئمة الثلاثة، وعلى الثاني يكون واجبًا على التراخي وعليه الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وبعض أهل البيت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج سنة عشر مع أنه فرض في الخامسة والسادسة.
(5)
بسند صالح.
(6)
حتى مات ولا عذر له.
(7)
ومنه ما رواه ابن عدي بلفظ: من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير مرض حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أيّ الميتين شاء إما يهوديًا أو نصرانيا؛ فهذا تهديد على ترك الحج كقوله {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ووعيد شديد على ترك الحج فيفيد فرضيته.
(8)
الثاني بسند حسن والأول روي من عدة طرق تصل به إلى درجة الحسن.
(9)
أي بعضهم.
(10)
لا يتخذون زادًا مطلقًا أو يأخذون قليلا.
(11)
فهما منهم أن الزاد ينافي التوكل ويقولون نحج بيت الله ولا يكفينا.
(12)
فاستثقلهم الناس.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ
(2)
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ
(3)
أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، وذلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ. رَوَاهُ الْخَمْسَة.
• وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي
(4)
قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَاهُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا وَمَعَهَا ذو مَحْرَمٍ
(6)
وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حآجَّةً
(7)
وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ
(8)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
يقضى الحج عن الميت كما يصح من الصبي
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ
(9)
جَاءَتْ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
(1)
خذوا زادكم فأحسنه ما يقى صاحبه السؤال. وفيه أن الحج لا يجب على الفقير.
(2)
اسم قبيلة.
(3)
أي لم تيسر حاله ويجب عليه الحج إلا في حال الكبر، فأمرها بالحج عنه، وإذا جازت إنابة المرأة فالرجل أولى.
(4)
أو للشك.
(5)
ففيه وما قبله أن من وجب عليه الحج ليساره ولم يقدر عليه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أو خوف وجب عليه أن ينيب عنه شخصا آخر ولو أجنبيا بشرط أن يكون أدى فرضه وهذا باتفاق في الفرض دون النفل.
(6)
فخلوة الرجل بالأجنبية حرام إلا إذا كان معها زوجها أو أحد محارمها فإنه مانع من الفتنة.
(7)
أي عزمت على الحج وأنا سأخرج للجهاد فأمره بالخروج معها للحج.
(8)
فشرط حج المرأة أن يكون معها زوجها أو أحد محارمها فإنه حفيظ لها وتكفي النسوة الثقات والله أعلم.
يقضي الحج عن الميت كما يصح من الصبي
(9)
بالتصغير اسم قبيلة، والسائلة هي امرأة سنان الجهني أو عمته:=
إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ
(1)
اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ
(2)
أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الصَّوْمِ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَعَلَيْهِ حُجَّةُ الإِسْلَامِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَبَاكَ تَرَكَ دَيْناً عَلَيْهِ أَتَقْضِيهِ عَنْهُ» ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَأَحْجُجْ عَنْ أَبِيكَ
(3)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالشَّافِعِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ
(4)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ
(5)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
لا بأس بالتكسب مع النسك
(6)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ النَّاسَ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ
(7)
كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ
(1)
قالت نعم.
(2)
أي حجة الإسلام.
(3)
فصريح هذه النصوص يدل على أن من مات وعليه واجب للعباد كالدين أو لله كالحج والكفارة والزكاة والنذر وجب على وليه قضاؤه من رأس ماله إن كان، وإلا ندب له قضاؤه ولو قضاه أجنبي بإذن وليه كفي، ويجب الوفاء بنذر الحج ولا يسقط به الفرض لأنه أصلى، وقيل يجزئ عن النذر وحج الإسلام.
(4)
أي أيصح له حج إن صنعنا به كما يصنع المحرم وطاف وسعي معنا وحضر المواقف كلها قال نعم يصح حجه ولك أجر كأجره، الدال على الخير كفاعله.
(5)
أي مع آبائي. ولكن حج الصبي لا يجزئ عن حج فريضة الإسلام عليه إذا بلغ واستطاع فإن عبادة الصبي كلها تقع نفلا لأنه غير مكلف. والله أعلم.
لا بأس بالكسب مع النسك
(6)
النسك بضمتين: العبادة، والمناسك جمع منسك بفتح سينه وكسرها: المتعبّد. ويقع على الزمان والمكان والحدث. والمراد هنا أعمال الحج والعمرة.
(7)
أي الإسلام.
وَسُوقِ ذِي الْمَجَازِ
(1)
وَمَوَاسِمِ الْحَجِّ
(2)
فَخَافُوا الْبَيْعَ وَهُمْ حُرُمٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ
(3)
.
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً أُكْرِى فِي هذَا الْوَجْهِ
(4)
وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ، فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: أَلَيْسَ تُحْرِمُ وَتُلَبِّي وَتَطوفُ بِالْبَيْتِ وَتُفِيضُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَتَرْمِي الْجِمَارَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَإِنَّ لَكَ حَجًّا. وَسَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ فَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ وَقَالَ: لَكَ حَجٌّ
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَندٍ صَالِحٍ.
مواقيت الحج والعمرة
(6)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ}
(7)
.
قَالَ ابْنُ عمَرَ رضي الله عنهما، أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
(8)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ
(9)
(1)
مكان بجوار عرفة.
(2)
جمع موسم كمسجد مجتمعات الحجاج.
(3)
وكان ابن عباس وعكرمة وغيرهما يقرءونها في تلاوتهم.
(4)
أي أؤجر الرواحل للحجاج يركبونها.
(5)
فأجابه ابن عمر بالجواز إذا فعل المناسك وأسمعه الحديث، فمن حج وكان يتجر في مواسم الحج أو يتكسب في ذهابه وإيابه فحجه صحيح، وإن كان الأكمل التفرغ من كل شيء والإقبال على الله تعالى ظاهرًا وباطنًا والله أعلم.
مواقيت الحج والعمرة
(6)
المواقيت جمع ميقات، من التأقيت وهو تحديد وقت الشيء، ثم أطلق على الكان توسعًا، والمراد هنا الأمكنة التي يحرم فيها من يريد الحج أو العمرة والأوقات التي يفعل الحج فيها، وأما العمرة فكل السنة وقت لها.
(7)
أي في أوقات معلومة وهي الآتية في قول ابن عمر.
(8)
فلا يصح الإحرام بالحج في غير هذه الأوقات.
(9)
ذو الحليفة - بالتصغير - مكأن به بئر يسمى بئر علي، وبينه وبين المدينة ستة أميال. والجحفة بضم فسكون قرية خربة على خمس أو ست مراحل من مكة.
ولأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ
(1)
وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ
(2)
وَقَالَ: «هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلَ آتٍ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعِقيقَ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا فُتِحَ الْمِصْرَانِ
(5)
أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْناً وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا
(6)
وَإِنْ أَرَدْنَاهَا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: «انْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ
(7)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(1)
قرن المنازل ويسمى قرن الثعالب لكثرتها فيه: جبل شرقى مكة على مرحلتين منها.
(2)
يلملم ويسمى ألملم غير منصرف: جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين في هذا مكان الإحرام بالنسك بقوله لأهل المدينة أي ومن جاورهم ذا الحليفة، ولأهل الشام أي ومصر والمغرب الجحفة، ولأهل نجد أي والهند وفارس قرن المنازل، ولأهل اليمن أي والسودان والحبشة يلملم، وقال هذه المواقيت لهذه الأقطار ولمن جاورهم ومن جاء من طريقهم ومن كان دون هذه المواقيت فإحرامه من مسكنه حتى أهل مكة، لكن من أراد العمرة منهم فإنه يخرج إلى أدنى الحل ويحرم بها ليجمع فيها بين الحل والحرم، أما المكي إذا أراد الحج فإنه يحرم من مسكنه لأنه سيخرج إلى الحل في عرفات.
(3)
المراد بالمشرق هنا العراق فميقاتهم العقيق أو ذات عرق، وهي على مرحلتين من مكة والعقيق قبلها والأحوط إحرامهم من العقيق.
(4)
بسند حسن وما بعده صحيح.
(5)
تثنية مصر وهما الكوفة والبصرة.
(6)
أي بعيد عنه.
(7)
أي باجتهاد منه رضي الله عنه ولكنه وافق الحديث السابق الذي لم يبلغه بفراسته الصادقة، فمن كان مسكنه بين الميقاتين أو مر بينهما، فإنه يحرم عند محاذاة أقربهما منه، وهذه المواقيت ليست حدودًا للحرم بل هي في الحل، وأما الحرم فهو مكة والبقعة المحيطة بها وله حدود معروفة هناك، وحكمة الإحرام قبل الدخول في الحرم الاستعداد لدخول حرم الله تعالى والتأهب لزيارة بيت الله الذي عظمه وشرفه وجعله مأمنًا للناس ومثابة لهم وهدى للعالمين. والله أعلم.
الباب الثالث: فيما يحرم على المحرم
(1)
: ـ منها لبس الثياب والطيب
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ
(2)
: «لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ
(3)
وَلَا الْخِفَافَ إِلا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكعْبَيْنِ
(4)
وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئَاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ
(5)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» .
• عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجعْرَانَةِ
(6)
قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ
(7)
وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ وَأَنَا كَمَا تَرَى، فَقَالَ: «أَنْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعاً فِي حِجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ
(8)
». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ
(9)
وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ
(10)
وَلَا تَمِسُّوهُ بِطِيبٍ
(الباب الثالث فيما يحرم على المحرم)
(1)
أي في بيان الأمور التي تحرم على المحرم بحج أو عمرة أو بهما من ملبوس وتعطر وصيد ونكاح ومقدماته كما يأتي.
(2)
سأله عما يلبس فأجابه بما لا يلبس لحصره ولفهم ما يجوز منه.
(3)
القمص جمع قميص، والعمائم جمع عمامة، والسراويلات جمع سروال ويقال شروال وسروان ما يستر أسفل الجسم، والبرانس جمع برنس قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه، فنبه بالقميص والسروال على كل محيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطى الرأس، فكل مخيط وكل محيط حرام على المحرم.
(4)
وللإمام أحمد: وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما بل القطع نسخ بالرواية الآتية لسكوتها عنه.
(5)
الزعفران معروف؛ والورس - كالورد نبات - أصفر باليمن طيب الرائحة يصبغ به ولونه بين الصفرة والحمرة.
(6)
بكسر فسكون مكان في طريق الطائف على ستة فراسخ من مكة.
(7)
أي بالطيب.
(8)
من تحريم اللباس العادي والصيد والعطر ونحوها، ومن إيجاب الطواف سبعًا والسعي سبعًا والتحلل بالحلق.
(9)
أي أوقعته.
(10)
اللذين عليه وهما إزار ورداء.
وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ
(1)
فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرانُ مِنَ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَراً أَوْ خَزًّا أَوْ حُلِيًّا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصاً أَوْ خَفًّا
(2)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَأَحْمَدُ
(3)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاه
(4)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.
ومنها قتل الصيد إلا الضارّ منه
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
(6)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «لَوْلَا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ
(1)
أي لا تغطوه بشيء. وفي رواية: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه.
(2)
القفازان تثنية قفار كرمان وهو ما يلبس في الكفين، والنقاب ما يستر الوجه وسمى نقابًا لأن فيه نقبين تنظر منهما العينان.
(3)
ورواه البخاري بلفظ لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين.
(4)
فستر وجه المحرمة حرام إلا عن أجنبي فلا شيء فيه؛ ومعنى ما تقدم أن الرجل إذا أراد الإحرام وجب عليه كشف رأسه ووجهه ونزع اللباس المعتاد إلا إزارًا ورداء ونعلين، وإن المرأة إذا أرادت الإحرام جاز لها ليس كل شيء ولكن يجب كشف وجهها وكفيها، وأما الطيب فإنه يحرم على الذكر والأنثى بعد التلبس بالإحرام كبقية المحرمات والله أعلم.
ومنها قتل الصيد إلّا الضار منه
(5)
المراد بالصيد كل حيوان بري ولو طائرًا، والمراد بقتله التعرض له بأي أذى.
(6)
فصيد البر حرام على المحرم؛ أما صيد البحر وما يقذفه ميتًا فهو حلال لكل أحد ولا سيما السيارة أي المسافرون.
مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ» وَقَالَ: «إِنَّا لَا نَأْكُلُهُ إِنَّا حُرُمٌ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ أَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَ أَوْ عُمْرَةٍ فَاسْتَقْبَلَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ بِسِيَاطِنَا وَعِصِيِّنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ
(3)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(4)
.
• عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ وَالْفَارَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحُدَيًّا
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
(1)
حرم بضمتين جمع حرام.
(2)
هذا بيان للحديث والآية اللذين قبله، فصيد البر حلال للمحرم إذا صيد لغيره وعليه الجمهور ومالك والشافعي وأحمد، وقال بعض السلف والحنفية: إذا صاده الحلال وذبحه جاز للحرم أكله مطلقًا؛ بل قال بعضهم: يجوز أكل الصيد مطلقا لقول أبي قتادة: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأهلوا بعمرة إلا أنا فلم أحرم، فاصطدت حمار وحش فأطعمت أصحابي وهم محرمون، ثم أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وإن عندنا من لحمه. فقال كلوه وهم محرمون. وفي رواية: إنما هي طعمة أطعمكموها الله. وفي رواية قال: هل معكم منه شيء؛ قالوا نعم رجله، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكلها. رواه الأربعة.
(3)
الرجل - كبئر - الطائفة من الجراد فللمحرم أكله لأنه من صيد البحر.
(4)
بسند ضعيف ولذا لم يأخذ به الجمهور وأصحاب المذاهب.
(5)
الغراب الأبقع الذي في ظهره وبطنه بياض، والحدأة كالعنبة - والحديا واحد - والفأرة بالهمزة وعدمها، ونبه بالغراب والحدأة على كل ما له مخلب قوي يجرح به، ونبه بالعقرب على كل ذي سم يمشي على بطنه، ونبه بالكلب على كل ماله ناب قوى يعدو به كالأسد والنمر والذنب، وسميت هذه الحيونات فواسق لخروجهن على الناس، والفسق الخروج عن الحد، فكل حيوان يؤذى يطلب من كل أحد قتله في كل وقت وفي كل مكان منعًا لأذاه، وسيأتي جزاء قتل الصيد كما سيأتي بيان الحيوانات الضارة مبسوطا في الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى.
ومنها النكاح
• عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنه: وَهِمَ
(2)
ابْنُ عَبَّاسٍ في ذلِكَ لِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ مِنْهُمْ أَبُو رَافِعٍ وَمَيْمُونَةُ نَفْسُهَا فَقَدْ قَالَتْ رضي الله عنها: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظهُ: تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا حَلَالاً وَمَاتَتْ بِسَرِفَ وَدُفِنَتْ بِالْمَكَانِ الَّذِي دَخَلَ بِهَا فِيهِ
(4)
.
ومنها النكاح
(1)
برفع الأفعال الثلاثة على معنى النهى، ويجزمها على النهى وهو الأصح. ولا ينكح الأولى كيضرب أي لا يعقد لنفسه، ولا ينكح الثانية بضم أوله وكسر ثالثه أي لا يعقد لغيره بولاية أو وكالة، والنهي للتحريم فلا يصح العقد وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا ومالك والشافعي وأحمد، وقال بعض التابعين وسفيان والحنفية: إن العقد يصح ولكن لا يدخل إلا بعد أن يحل من إحرامه لحديث ابن عباس الآتي. وقوله ولا يخطب من الخطبة بالكسر، أي لا يطلب امرأة للتزوج بها، والنهي للتنزيه فالخطبة مكروهة.
(2)
أي أخطأ.
(3)
سرف بكسر الراء مكان دون وادي فاطمة على ستة أميال من مكة، فسعيد يقول إن ابن عباس أخطأ في حديثه فإن الزوجة وهي ميمونة وأبا رافع خادم النبي صلى الله عليه وسلم، - وكان السفير بينهما - يقولان إن الزواج والدخول وقعا وهما حلالان.
(4)
هذا من محاسن الصدف وهو دفنها بالمكان الذي كانت فيه عروسًا للنبي صلى الله عليه وسلم فهو موضع مبارك، فالمحرمات السابقة في هذا الباب تحرم على كل محرم بنسك ومثلها الحلق أو التقصير، فالبعد عن هذه أحد واجبات الحج عند الشافعية وبقيتها الإحرام من الميقات والحضور بمزدلفة ولو لحظة في نصف الليل الثاني ورمي الجمار والمبيت بمنى ليالى التشريق. وعند الحنفية: واجبات الحج السعي بين الصفا والمروة والحضور بمزدلفة ولو ساعة قبل الفجر ورمي الجمار والحلق أو التقصير وطواف الصدر، بل كل ما في تركهـ دم فهو واجب عند أبي حنيفة والشافعي، والواجبات عند المالكية النزول بمزدلفة ولو بقدر حط الرحال وتقديم جمرة العقبة على الحلق وطواف الإفاضة، والحلق والمبيت بمنى ليالي التشريق ورمي الجمار في أيامه والفدية والهدى للفساد وللقران أو التمتع والواجبات عند الحنابلة في الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الغروب والحضور بمزدلفة ولو لحظة في النصف الثاني والمبيت =
للمحرم الغسل والحجامة والكحل
• عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَحَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَقَالَ: هكَذَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ
(1)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَة.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلَحْي جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: مِنْ دَاءٍ كَانَ بِهِ.
• عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ ضَمَّدَهُمَا بِالصَّبِرِ
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
الإهلال من الميقات
(4)
• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ
(5)
. رَوَاهُ
= بمنى ليالى التشريق إلا السقاة والرعاة فلا يجب عليهم المبيت ولا النزول بمزدلفة، والحلق أو التقصير ورمي الجمار وطواف الوداع، وهذه واجبات مستقلة فلا ينافي أن هناك واجبات تابعة لبعض المناسك كالطواف وستأتي كلها وافية إن شاء الله.
للحرم الغسل والحجامة والكحل
(1)
سببه أن ابن عباس والمسور اختلفا هل يغسل المحرم رأسه أو لا فأرسلا رسولا إلى أبي أيوب فذكر الحديث، وأكده بأنه كان يدلك رأسه من أمام إلى خلف وعكسه.
(2)
اللحى بفتح فسكون موضع بطريق مكة؛ ووسط بفتحتين فيما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس، أما ما كان متفرق الأجزاء كالناس والدواب فبالسكون.
(3)
ضمدها بالتشديد وعدمه، والصبر - ككتف - دواء مر معروف، فللمحرم مداوة عينيه بأي دواء غير معطر، وله أن يحتجم عند الحاجة، وله أن يغتسل ولو للتنظف أو التبرد، ولكن يدلك رأسه خفيفا لئلا يتساقط من شعره شيء، والله أعلم.
الإهلال من الميقات
(4)
الإهلال في الأصل رفع الصوت بالتلبية، ثم أطلق على الإحرام بالحج أو بالعمرة أو بهما أي نية الدخول في ذلك، فهو الركن الأول للحج أو العمرة وبقيتها للحج، الوقوف بعرفة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، وهذه أركان الحج عند مالك وأحمد والشافعي وزاد عليها الحلق أو التقصير وترتيب المعظم بتقديم الوقوف على طواف الإفاضة وتقديم الطواف على السعي، وعند الحنفية للحج ركنان فقط وهما الوقوف بعرفة ومعظم طواف الإفاضة وهو أربعة أشواط والثلاثة الباقية واجبة فقط، وستأتي هذه الأركان وافية إن شاء الله.
(5)
تجرد أي من ملابسه العادية.
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطوفَ بِالْبَيْتِ
(1)
. وَفِي رَوَايَةٍ: كَأَنِّي أَنظرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ
(2)
.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعاً وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ
(3)
ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهْلَّ
(4)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَة.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَمَا تَرَجَّلَ
(5)
وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ تُلْبَسُ إِلا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ
(6)
فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ
(7)
وَقَلَّدَ بُدْنَهُ
(8)
، وذلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ لأَنَّهُ سَاق الْهَدْيَ ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ وَهُوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ
(9)
وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ
(10)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ
(1)
أي وبعد حله الأول بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة، وهذا يحل به كل شيء إلا النساء.
(2)
الوبيص - كالبريق - وزنًا ومعنى. والمفرق - كمسجد محل فرق شعر الرأس فيندب تنظيف الجسم والغسل والطيب قبل الإحرام ولا يضر بقاء أثره من لون وريح بعده وعليه جمهور العلماء.
(3)
مقصورة للسفر.
(4)
أي رفع صوته بالتلبية.
(5)
أي سرح شعر رأسه.
(6)
أي نهى عن المصبوغة بالزعفران التي تنضح على الجلد فقد تجردوا من ملابسهم ولبسوا الأردية والأزر من المدينة.
(7)
البيداء - كالبيضاء - جبل هناك.
(8)
سيأتي التقليد.
(9)
الحجون بالفتح: جبل شرقى مكة عند مقبرتها على ميل ونصف من البيت الحرام.
(10)
فخرجوا من المدينة=
بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
(1)
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» . وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَة.
التلبية
(3)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَزَادَ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ: وَكَانَ
= في اليوم الخامس والعشرين وباتوا بميقاتهم وهو ذو الحليفة، وقاموا في الصباح، وأهلوا بالنسك، ودخلوا مكة في رابع ذي الحجة، ونزلوا بالحجون وطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة، ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من كان معه هدى فلا يحل من إحرامه حتى يبلغ الهدى محله.
(1)
أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وقولها شاكية أي أشعر بالمرض وأخاف مهاجمته في الطريق، وفي رواية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنى امرأة ثقيلة وإني أريد الحج معك، فقال اخرجي واشترطى التحلل إذا طرأ المرض، وفائدة هذا الشرط أن تصير حلالا إذا مرضت بدون دم الإحصار وعلى هذا الشافعي وأحمد، وقال مالك وأبو حنيفة إن هذا خاص بها فقط.
(2)
أي زوجة له.
التلبية
(3)
أي بيان ألفاظها وفضلها وأن وقتها من الأول إلى رمي جمرة العقبة في الحج وإلى استلام الحجر الأسود في العمرة، والتلبية سنة عند الشافعي وأحمد، فلو نوى النسك ولم يلب صح نسكه ولا شيء عليه، وقال المالكية لا ينعقد النسك إلا بنية مقرونة بقول كالتلبية، أو بفعل متعلق به كالتوجه إلى الطريق، وقال الحنفية لو اقتصر على النية ولم يلب لا ينعقد إحرامه لأن أقوال الحج وأفعاله بيان للواجب المجمل في قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ولحديث: خذوا عني مناسككم. فالتلبية عندهم جزء من الركن الأول وهو النية، ونقل عن الثوري وابن حبيب أنها فرض لحديث سعيد بن منصور: التلبية فرض الحج.
(4)
لفظ لبيك مثنى ولكن المراد منه التكثير والمبالغة في الإجابة، فإن معناه أجيبك إجابة بعد إجابة وأنا على طاعتك إلبابا بعد إلباب من غير نهاية كأنه من ألب بالمكان إذا أقام به، وكرر مبالغة في الإجابة للدعوة على لسان إبراهيم عليه السلام، {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} .
ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَيَزِيدُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ
(1)
.
• عَنِ السَّائِبِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَانِي جِبْريِلُ عليه السلام فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالإِهْلَالِ أَوْ بِالتَّلْبِيَةِ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْعَجُّ وَالثَّجُّ
(3)
».
• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ ههُنَا وَههُنَا
(4)
». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى. وَأَخْبَرَنِي الْفَضْلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
(6)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُلبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ
(7)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(1)
سعديك مثنى في اللفظ فقط، والمراد التكثير كما سبق في لبيك، ومعناه أسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد، أو مساعدة على طاعتك بعد مساعدة.
(2)
فرفع الصوت بالتلبية مستحب عند الجمهور، ولكن لا يشوش على غيره، والمرأة تسمع نفسها فقط.
(3)
أي أعماله أكثر ثوابًا بعد الأركان والواجبات، قال: العج بالعين من العجيج وهو رفع الصوت بالتلبية لأنه شعار الحجاج، والثج بالثاء نحر الهدى النفع أهل الحرم.
(4)
المدر بالتحريك قطع الطين اليابس فما من مسلم يلبي إلا أجابه كل شيء بلسان الحال أو المقال، قال تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ويكون أجره كأجر من يجيبه» الدال على الخير كفاعله».
(5)
الثاني لا طعن فيه والأول غريب ولكنه للترغيب.
(6)
الفضل هو ابن العباس ركب وراء النبي صلى الله عليه وسلم؛ من جمع - كشرط - أي من مزدلفة إلى منى، وقال لأخيه ابن العباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فالحاج يلبي إلى أن يريد رمي العقبة ولا تلبية بعدها وعلى هذا الجمهور.
(7)
وأما المعتمر فإنه يشتغل بالتلبية حتى يريد استلام الحجر الأسود للطواف وتنتهي التلبية وعلى هذا الجمهور والشافعي وأحمد والثوري، وقال بعضهم: نهايتها وصوله إلى بيوت مكة المكرمة. والله أعلم.
الباب الرابع: في أنواع النسك وأعماله
(1)
النوع الأول: الإفراد
(2)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: أَهْلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِداً.
وَعَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ
(3)
وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ
(4)
فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلِّ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِجَابِرٍ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ مُفْرِداً.
(الباب الرابع في أنواع النسك وأعماله)
النوع الأول الإفراد
(1)
أعمال النسك هي الآتية من الطواف والسعى والوقوف بعرفة ومزدلفة، ورمي الجمار والحلق ونحوها أي تفصيل أعماله وأقواله، وتقدم عدد واجبات الحج وأركانه إجمالا، وسيأتى الكلام على العمرة في الباب الخامس، وأما أنواع النسك فثلاثة: وهى الإفراد والتمتع والقران الآتية؛ وأجمع العلماء على جوازها ولكنهم اختلفوا في الأفضل منها، فقال مالك والشافعى وجماعة: أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران، وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتع. وقال أبو حنيفة وجماعة: أفضلها القران. والصحيح تفضيل الإفراد ثم التمتع لانفراد كل منهما بأعماله ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد أولا وقرن ثانيًا لوجود الهدى معه وللإعلام بجوازه، ولأن الخلفاء الراشدين كانوا يفردون ويرون أنه أفضل.
(2)
وهو عمل الحج أولا ثم عمل العمرة بعده في أشهر الحج.
(3)
بعد تخييرهم كما يأتى في الانتقال من العمرة في أيام الحج، فلما أبيحت لهم في أيامه أخبر بها أصحابه وخيرهم إلا من ساق هديا، وأدخلها صلى الله عليه وسلم على الحج فصار قارنًا، لأحاديث القران الآتية ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يرافق عائشة في عمرتها بعد الحج، بل أرسل أخاها معها ولم يعمل عمرة وحده ويبعد أنه يرجع بحج فقط ويرجع غيره بحج وعمرة، فتعين أنه كان قارنًا في حجة الوداع، وسميت بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعدها.
(4)
اختلفت روايات الأصحاب في حجه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فعائشة وابن عمر وجابر وابن عباس رووا الإفراد، وأنس وعمر وغيرهما رووا القران، وروى آخرون التمتع، فمن روى الإفراد أخبر عما رآه أولا، ومن روى القران أخبر عما شاهده آخرا، ومن روى التمتع أراد أنه أمر أصحابه به، ولا منافاة فكل أخبر بما رآه وهو حق، وبهذا انتظمت الروايات الواردة في ذلك.
النوع الثاني: التمتع
(1)
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً
(2)
إِلا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ
(3)
» وَقَالَ: «مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
(4)
». ثمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ
(5)
أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ
(6)
، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطفْنَا بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدَيُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}
(7)
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلى أَمْصَارِكمْ، الشَّاةُ تَجْزِي
(8)
فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْن الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسنَّهُ نَبِيُّهُ وَأَبَاحَهُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
(9)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
النوع الثاني - التمتع
(1)
وهو عمل العمرة قبل الحج في أشهره.
(2)
أي اصرفوا عملكم إلى عمرة مخالفة لعمل الجاهلية الذين كانوا يرون أن العمرة في أيام الحج من أفجر الفجور. ورحمة بالأصحاب من طول الإحرام، ففيه جواز قلب الحج إلى العمرة وعليه أبو حنيفة والشافعى، وقال غيرها: لا يجوز وهذا خاص بهم.
(3)
بعد أن قصرنا شعورنا.
(4)
أي لا يحل له شيء من محظور الإحرام حتى يبلغ الهدى محله بنحره في منى.
(5)
في اليوم الثامن من ذى الحجة.
(6)
أي ننويه ونحن في مكة.
(7)
أي تمتع بعمل العمرة وبمحظورات الإحرام بعدها إلى الحج.
(8)
عن واحد يذبحها بعد الإحرام بالحج في مكة أو يوم النحر بعد رمى جمرة العقبة.
(9)
حاضر والمسجد الحرام أهل مكة وأهل ذى طوى ومن كان دون مسافة القصر من مكة وهذا قول المالكية، وقال الحنفية: هم أهل المواقيت ومن دونهم. وقال الشافعية: هم أهل الحرم كله ومن اتصل به إلى مسافة القصر، فهؤلاء لا دم عليهم إذا تمتعوا أو قرنوا.
تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ عَنْ ذلِكَ
(1)
فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَمَرَنِي بِهَا ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَنِمْتُ فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّة أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَزَادَ: فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْماً مِنْ مَالِي فَقُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتَ
(2)
.
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُحَرِّمُهَا قُرْآنٌ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ
(3)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلكِنَّ الْبُخَارِيَّ فِي التَّفْسِيرِ.
النوع الثالث: القِرَآن
(4)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعاً وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ
(5)
عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ
(6)
ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا
(7)
فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ قَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَاماً وَذَبَحَ بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ
(8)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعاً يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»
(9)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
(1)
هذا في زمن عبد الله بن الزبير وكان ينهى عن المتعة واشتهر النهى أيضًا عن عمر وعثمان ومعاوية.
(2)
ومعلوم أن الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، فهى تؤيد فتوى ابن عباس وأنه على حق فيها.
(3)
فهذه النصوص صريحة في مشروعية التمتع بل فضّله جماعة كما تقدم.
النوع الثالث - القران
(4)
القران هو الإحرام بالحج والعمرة معًا في أشهر الحج، وسيأتى أن عملهما واحد.
(5)
أي راحلته.
(6)
بالتلبية السابقة وغيرها.
(7)
هذا ليس في الأول كما سبق في أول الباب.
(8)
بعد رجوعه من الحج وليمة لقدومه صلى الله عليه وسلم.
(9)
أي نويت حجة وعمرة.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْعَقِيقِ
(1)
يَقُولُ: «أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ مِنْ رَبِّي
(2)
فَقَالَ: صَلِّ فِي هذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ»
(3)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمُرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعاً» . رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ مُطَرِّفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثاً عَسى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجَ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ
(4)
وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَقَدْ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ
(5)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي التَّمَتُّعِ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافاً وَاحِداً
(6)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
إدخال الحج على العمرة
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ
(7)
: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَن يُهِلَّ بِحَجَ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ
(1)
وادى العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال.
(2)
هو جبريل عليه السلام.
(3)
أي قل لأصحابك يهلوا بهما إذا شاءوا فإنه جائز وكذا أنت يا محمد.
(4)
عنه أي عن الجمع.
(5)
عمران بن حصين هذا كان مريضًا بالبواسير وكان صابرًا وراضيًا؛ قال: كانت الملائكة تسلم عليّ في خلوتى حتى تداويت بالكيِّ فلم يسلموا عليّ فتركت الكيِّ وسلمت أمرى إلى الله تعالى، فعادت الملائكة تسلم عليّ أي تكريمًا له وتبركا به رضي الله عنه.
(6)
أي وسمى سعيًا واحدًا كما يأتى، وهذا إخبار بآخر النسك، فلا ينافى قوله السابق في الإفراد، فهذه النصوص صريحة في مشروعية القران بل أصرح مما في الإفراد والتمتع. والله أعلم.
إدخال الحج على العمرة
(7)
في أثناء الطريق بسرف أو بغيره، فلا ينافى قولها في بعض الروايات: لا نرى إلا أنه الحج. فإنهم نووه أولا ثم خيروا فنوت عائشة عمرة فلما تعذرت عليها بسبب الحيض أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بفسخها إلى الحج.
فَلْيُهِلَّ»، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ
(1)
، وَأَهَلَّ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِهِمَا وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(2)
: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعاً» ، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطفْ بِالْبَيْتِ
(3)
وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ» . فَفَعَلْتُ
(4)
فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْر إِلَى التَّنْعِيمِ
(5)
فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: هذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
المبيت بذي طوى ودخول مكة نهاراً
• عَنْ نَافِعٍ رضي الله عنه أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمَ مَكَّةَ إِلا بَاتَ بِذِي طِوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَاراً
(6)
. وَفِي رِوَايَةٍ: وَإِذَا نَفَرَ مِنْ مَكَّةَ
(7)
مَرَّ بِذِي طِوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ. وَيَذكرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَمُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ أَسْفَلَ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ هُنَاكَ
(8)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
(1)
أولا ثم قرن بعد ذلك بوادى العقيق.
(2)
حينما دخلوا مكة.
(3)
بسبب الحيض فإن شرط الطواف الطهارة كما يأتى.
(4)
فتركت العمرة أي عملها وتنظفت وأهلت بالحج. ففيه جواز إدخال الحج على العمرة ولا شيء فيه، وعليه الجمهور، وقوله: ودعى العمرة. وقولها: فلما قضينا الحج صريح في عدم القران وأنها حجت ثم اعتمرت. وعليه الحنفية والله أعلم.
(5)
أقرب أرض الحل على فرسخ من مكة مشهور بمساجد عائشة، فنوت العمرة وهى فيه ثم عادت إلى الحرم فطافت وسعت وقصرت شعرها. وبهذا انتهت عمرتها، وفى رواية: لما كانت ليلة الحصبة قلت يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة فقط، فأرسلها مع أخيها إلى التنعيم العمل العمرة والله أعلم.
المبيت بذي طوى ودخول مكة نهارا
(6)
طوى بتثليث أوله والتنوين وعدمه: بئر في مكان داخل الحرم قرب مكّة وفيه بلد صغير ومسجد، فينبغى المبيت بها والغسل بنية دخول مكة المكرمة، فهو مستحب عند الشافعي وجماعة ثم يدخل مكة نهارًا.
(7)
أي خرج منها.
(8)
أي المكان الذي كان يصلى فيه على أكمة بفتحات قطعة مرتفعة هناك.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مِنْ كَدَاءٍ
(1)
مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
الطواف بالبيت
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}
(4)
وَالْعَكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ
(5)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا طَاف فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوَّلَ
(6)
مَا يَقْدَمُ فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ
(7)
ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعَةً ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ
(8)
ثمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلَفْظ التِّرْمِذِيِّ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ
(9)
ثُمَّ مَضى عَنْ يَمِينِهِ
(10)
فَرَمَلَ ثَلَاثاً
(1)
كداء كسماء وبالصرف وعدمه.
(2)
الثنية: هي العقبة في الطريق، ومكة بين ثنيتين: عليا، وهى التى في طريق المقابر الآتى من منى شرقى مكة، وسفلى وهى التى غربى مكة نحو جدة. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من علياها ويخرج من سفلاها تفاؤلا بعلو دينه على الأديان كلها. والله أعلم.
الطواف بالبيت
(3)
أي بالكعبة المشرفة أي بيان ما ورد في الطواف من البدء بالحجر الأسود وجعل البيت عن يساره، وأن تكون أشواطه سبعة واستلام الحجر وتقبيله واستلام الركنين والحطيم وما يقال فيه وركعتي الطواف، وأنواع الطواف ثلاثة: طواف الإفاضة وطواف الوداع وسيأتيان، وطواف القدوم وهو المذكور هنا في الحديث الأول والثانى، وطواف القدوم سنة لكل من دخل مكة تحية للبيت كتحية المسجد لداخله، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والأئمة الثلاثة، وقال المالكية وبعض الشافعية: إنه واجب أي وفى تركه دم.
(4)
فيه أن الطواف شرع قديم.
(5)
فطواف القدوم سنة.
(6)
بنصبه على الظرفية.
(7)
السعى والرمل والخبب بالتحريك فيهما الآتيان معناها: العدو وهو سرعة المشى.
(8)
ركعتين سنة الطواف.
(9)
وضع كفيه عليه.
(10)
أي وجعل البيت عن يساره وطاف.
وَمَشى أَرْبَعاً ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ
(1)
فَقَالَ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالْمَقَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ فَاستَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا أَظُنُّهُ قَالَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} . وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا طَافَ طَوَافَهُ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثاً وَمَشى أَرْبَعاً
(2)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ
(3)
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ
(4)
فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ
(5)
وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأَمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ
(6)
. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هؤُلَاءِ الَّذِيِنَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى وَهَنَتْهُمْ، إِنَّهُمْ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا
(7)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي مَرِيضَةٌ فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» . فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ}
(8)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِي.
(1)
المكان الذي كان يقوم فيه إبراهيم عليه السلام حينما بنى الكعبة.
(2)
فالخبب في الطواف الأول سنة عند الجمهور، وقال ابن عباس: ليس بسنة، فمن شاء سعى ومن شاء ترك.
(3)
أي مكة وهم محرمون بعمرة قبل الفتح.
(4)
أضعفهم حمى المدينة.
(5)
أي اليمانيين فلا رمل بينهما في الأشواط الثلاثة.
(6)
إلا الرحمة بهم.
(7)
أي أقوى الناس، فحكمة الرمل في الطواف والسعى رد ما فهمه المشركون وإغاظتهم، وللترمذى والبخارى: إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف والسعي ليرى المشركين قوته.
(8)
فللمريض والضعيف أن يحضر المناسك كلها ولو راكبا أو محمولا ويكفيه ذلك ولا شيء عليه، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
استلام الحجر والركنين والملتزم
(1)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ
(2)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْحَجَرِ: «وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقَ
(3)
». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتكَ
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ
(5)
. وَفِي رِوَايَةٍ: طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِير
(6)
يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ
استلام الحجر والركنين والملتزم
(1)
المكان الذي يلتزمه الطائفون من حائط الكعبة بين الحجر والباب، ويسمى الحطيم لأنه يحطم الذنوب، أو كانوا يحطمون فيه بالأيمان، وقلّ من حلف فيه كاذبًا إلا أعجلته العقوبة.
(2)
فما من مذنب استلمه أو قبله تائبًا إلا غفرت ذنوبه فلهذا صار أسود.
(3)
أي بإخلاص أي يشهد له بالجنة، فالحجر الأسود له مقام خاص ومنزلة سامية من بين الشهود الذين يشهدون للحجاج والمعتمرين يوم القيامة، نسأل الله أن يكون لنا شهيدا.
(4)
فعمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يفعل ذلك بالحجر فهما منه أنه يضر أو ينفع، كلا فإنه موحد ظاهرًا وباطنا، ولكنه يفعله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذا ينبغى لكل مسلم، والحديث رواه الحاكم وزاد: فقال عليّ رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين بل إنه يضر وينفع، وذلك في تأويل كتاب الله تعالى في قوله {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى} فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه هذا الحجر وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة فهو أمين الله في هذا الكتاب. فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن. اهـ ولكن في سنده أبو هرون.
(5)
هما الركن الذي فيه الحجر والركن الذي قبله وسميا بهذا لأنهما جهة اليمن كما سمى الآخران بالشامى والعراقى لاتجاههما لها.
(6)
لأنه كان مريضًا.
بِمِحْجَنٍ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ
(2)
.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ: طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَمَضى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَأَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هكَذَا وَبَسَطَهُمَا بَسْطاً ثُمَّ قَالَ: هكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ صَفْوَانَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قلْتُ: لأَلْبَسَنَّ ثِيَابِي فَلَأَنْظرَنَّ كَيْفَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقْتُ فَرَأَيْتُهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَاسْتَلَمُوا الْبَيْتَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الْحَطِيمِ
(4)
وَقَدْ وَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى الْبَيْتِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسْطَهُمْ
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(1)
المحجن كمغفر عصا محنية الرأس.
(2)
فيسن تقبيل الحجر الأسود واستلامه بالكفين أو بأحدهما إذا لم يمكنه وتقبيلهما وإلا استلمه بعصا في يده، وكذا يندب استلام الركن اليمانى بالكفين أو بأحدهما أو بشيء في يده لحديث الترمذى: كان ابن عمر يزاحم على الركنين زحامًا شديدًا فسئل عن ذلك. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن مسحهما كفارة للخطايا، وخص هذان الركنان بالعناية لأنهما على أصل بناء الخليل عليه السلام، وركن الحجر الأسود أفضل الأركان باتفاق ويليه اليمانى، وينبغى للطائف الإكثار من ذكر الله تعالى كاستغفار وتسبيح وتهليل ودعاء كما يأتى، فيكون عابدًا بجسمه ولسانه، والعبادة هنا مقبولة وسيأتى في فضل الحرمين جواز دخول الكعبة والصلاة فيها إن شاء الله.
(3)
فينبغى عمل هذا إلا لزحمة فلا.
(4)
إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود، فالملتزم من الركن إلى باب الكعبة لهذين الحديثين وبه قال بعضهم، وقال مالك: هو من الباب إلى المقام. وقال بعضهم: إنه من الركن إلى المقام. وحديث عبد الرحمن أقرب إليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يسعهم إلا ذلك، فيستحب التزام أي جزء من الجهة الشرقية، وظاهر أن أفضلها ما بين الباب والركن.
(5)
بسكون السين في متفرق الأجزاء، والقوم هنا من هذا القبيل والله أعلم. وللشافعى في مسنده: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى البيت رفع يديه؛ وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيما وتكريمًا ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفًا وتعظيا وتكريمًا وبرا. وللحاكم والبيهقى: كان عمر رضي الله عنه إذا نظر إلى البيت؛ قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيِّنا ربنا بالسلام. فيندب لمن رأى الكعبة أن يرفع يديه ويقول ذلك والله أعلم.
فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بِسُورَتَيِ الإِخْلَاصِ {قُلْ يأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
شرط الطواف
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي
(1)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ
(2)
يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ
(3)
وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ
(4)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إِلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلا بِخَيْرٍ»
(5)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
وَالْحَاكِمُ.
شرط الطواف
(1)
لما خيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين أنواع النسك نوت عائشة عمرة، ولما تعذرت عليها بسبب الحيض المانع لها من الطواف - فإن شرطه الطهارة - أمرها بترك العمرة وتنوى حجًا وتعمل كل أعماله وتؤخر الطواف حتى تطهر.
(2)
مرتبط ببعثنى.
(3)
قال الله تعالى - {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} -.
(4)
بل يجب للطواف ستر العورة إبطالا لما ابتدعته قريش من إيجابها على القادم أن يطوف في ثياب قريش، فإن لم يجد طاف عريانا، فإن طاف في ثيابه ألقاها بعد الطواف ولم ينتفع بها، وقالت قائلهم في هذا:
اليوم يبدو كله أو بعضه
…
فما بدا منه فلا أحله
(5)
فالطواف شرطه كالصلاة من الستر بلباس طاهر والطهارة الكاملة، وقال بعض الكوفيين: إن الطهارة ليست شرطا.
(6)
بسند حسن.
السعي بين الصفا والمروة
(1)
• عَنْ عَاصِمٍ رضي الله عنه قُلْتُ لأَنَسٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ
(2)
حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ
(3)
} فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا
(4)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ عُرْوَةُ رضي الله عنه قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنِّي لأَظُنُّ رَجُلاً لَوْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَا ضَرَّهُ قَالتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَقَالَتْ: مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَكَانَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، وَهَلْ تَدْرِي فِيمَا كَانَ ذَاكَ
(5)
؟ إِنَّ الأَنْصَارَ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُهِلُّون لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ
(6)
يُقَالُ لَهُمَا إِسَافٌ وَنَائِلَهُ ثُمَّ يَجِيئُونَ فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحْلِقُونَ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ كَرِهُوا الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
السعي بين الصفا والمروة
(1)
الصفا جمع صفاة كقناة وهو الحجر الأملس، والمروة حجر أبيض براق، والمراد مكانان هناك بجوار المسجد الحرام من الجهة الشرقية.
(2)
أهل مكة ومن دان دينهم ومن على شاكلتهم.
(3)
جمع شعيرة وهى العلامة أي من أعلام مناسك دينه.
(4)
فالآية أفادت نفى الذنب الذي كانوا يفهمونه من السعى بينهما، والوجوب أتى من فعل النبي صلى الله عليه وسلم المبين للأمر الإجمالي في قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} .
(5)
أي سبب نزولها بهذا الأسلوب.
(6)
أي كانوا يأتون لعبادة هذين الصنمين الموضوعين على شط البحر، هذا خطأ والصواب ما يأتى من أنهم كانوا يأتون لعبادة مناة الطاغية وهى بالحرم وليست على شط البحر بل إساف ونائلة أيضًا بالحرم، فإنهما على الصفا والمروة، وإساف ككتاب وكسحاب صنم وضعه عمرو بن لحي على الصفا ونائلة على المروة، وكان يذبح عليهما، أو هما إساف بن عمرو ونائلة بنت سهل زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ونصبا ليتعظ الناس بهما، وكان إساف على صورة الرجل ونائلة على صورة المرأة؛ فصارت قريش تعبدهما بعد ذلك حتى فتحت مكة فكسرهما النبي صلى الله عليه وسلم.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} الآيَةَ فَطَافُوا. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ لَهُ: بِئْسَمَا قُلْتَ يَا بْنَ أَخِي طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ فَكَانَتْ سُنَّةً
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَام يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ
(2)
الَّتِيكَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ لَهَا يَتَحَرَّجُ الطَّوَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
(3)
فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلتِ الآيَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَحَرَّجُونَ الطَّوَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
(4)
وَالَّذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ تَحَرَّجُوا ذلِكَ فِي الإِسْلَامِ
(5)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعاً وَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
(6)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه قَدِمَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً وَقَالَ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا وَقَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ}
(7)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(1)
فكانت أعمالهم هذه طريقة لازمة للمسلمين.
(2)
مناة كحصاة اسم صنم عند المشلل بلفظ المفعول مع التشديد ثنية مشرفة على قديد، والذى نصب المناة عليها عمرو بن لحي.
(3)
أي يخاف الحرج والإثم بالطواف بينهما لكراهتهم أصنام أهل مكة التى منها إساف ونائلة وأما الأنصار فكان صنمهم مناة.
(4)
وهم الأنصار.
(5)
وهم قريش.
(6)
بطن المسيل المكان الذي يجتمع فيه السيل بين الميلين المغروزين بجدار المسجد الحرام، فالسعى فيه مستحب للقادر عليه؛ لأن ابن عمر كان يمشى بين الصفا والمروة، فقيل له تمشى والناس يسعون؛ فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى مرة ويمشى أخرى وأنا الآن شيخ كبير.
(7)
فيجب في السعى أن يكون سبع مرات وأن =
الذكر والدعاء في الطواف والسعي
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ
(1)
الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
(3)
». رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَلِلشَّافِعِيِّ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ إِذَا اسْتَلَمْنَا الْبَيْتُ؟ قَالَ: «قُولُوا بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» إِيمَاناً بِاللَّهِ وَتَصْدِيقاً
(4)
لِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ.
وَلِلْبَزَّارِ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الأَخْلَاقِ
(5)
».
وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وُكِّلَ بالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ مَلَكاً، فَمَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» ، قَالُوا آمِينَ.
=يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ويعود منها إلى الصفا وهكذا، كما يجب في الطواف بالكعبة أن يبدأ بالحجر ويمشى على يمينه حتى يعود للحجر سبع مرات، وكل دورة تحسب مرة، كما أنه في السعى يحسب كل شوط مرة، وقد روى الإمام أحمد أن الخليل عليه السلام سعى بين الصفا والمروة، وكذا روى البخارى ما يأتى في تفسير البقرة من أن أم إسماعيل عليهما السلام لما نفد الماء وعطشت تركت إسماعيل عند البيت تحت الشجرة وصعدت إلى الصفا تستغيث بمن يأتيها بالماء، ثم سعت منه إلى المروة، ثم عادت إلى الصفا تستغيث سبع مرات حتى أغاثها جبريل ينبع الماء بجوار إسماعيل عليهم السلام، وعلى هذا يكون السعى قديمًا كالطواف والله أعلم.
الذكر والدعاء في الطواف والسعي
(1)
أي شرع.
(2)
أي للإكثار منه، وسيأتى ذكر الطواف في حديث ابن السائب وما بعده، وأما الذكر في السعي بين الصفا والمروة فسيأتى في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الذكر عند الرمي سيأتي إن شاء الله.
(3)
الحسنة في الدنيا هي الإيمان ومعرفة الله تعالى، والحسنة في الآخرة هي الجنة، نسأل الله إياها.
(4)
مفعول له.
(5)
الشك هو التردد في الإيمان بالله أو بنبيه أو بشيء مما جاء به، آمنا بالله ومحمد مه وبكل ما جاء به.
وَلِابْنِ مَاجَهْ أَيْضاً: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً وَلَا يتَكَلَّمُ إِلا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ
(1)
.
يكفي للقارن طواف واحد وسعي واحد
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً
(2)
ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلا وَاحِدٌ. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْياً اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ
(3)
وَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ
(4)
وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ
(5)
وَقَالَ: هكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلا طَوَافاً وَاحِداً طَوَافَهُ الأَوَّلَ
(6)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا
(7)
ثمَّ طَافُوا طَوَافاً آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى
(8)
وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافاً وَاحِداً
(9)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(1)
هذه السيئات والحسنات والدرجات عظيمة في الكيف كعظم البيت الحرام.
يكفي للقارن طواف واحد وسعى واحد
(2)
أي نويتها.
(3)
وفى رواية من قديد بالتصغير اسم واد هناك؛ والهدى واجب على القارن كالمتمتع.
(4)
أي حرم عليه فعله.
(5)
هذا صريح في عدم طوافه وسعيه ثانيًا اكتفاء بطوافه وسعيه الأولين.
(6)
المراد بأصحابه الذين كان معهم الهدى وقرنوا، فإنهم لم يعودوا للسعى ثانيًا بخلاف الطواف فإنهم رجعوا له يوم النحر.
(7)
بعد أن قصروا.
(8)
وهو طواف الحج ثم سعوا بعده بين الصفا والمروة للحج أيضًا.
(9)
لأن أفعال العمرة تندرج في أفعال الحج.
وَعَنْهَا رضي الله عنها قَالَ لَهَا: «طَوافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ
(1)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.
الحائض والنفساء تعملان المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
لَا نَذْكُرُ إِلا الْحَجَّ حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ
(3)
فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ» ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ الْعَامَ قَالَ: «لَعَلكِ نَفِسْتِ»
(4)
؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «هذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ
(5)
افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: «اجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَأَحَلَّ النَّاسُ
(6)
إِلا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ» قَالَتْ: فكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ
(7)
ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا
(8)
قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْتُ
(9)
قَالَتْ: فَأُتِينَا بِلَحْمِ بَقَرٍ
(10)
فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ
(1)
أي لو كنت قرنت بينهما. وللترمذى وصححه. من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعى واحد عنهما حتى يحل منهما جميعًا، فصريح ما تقدم أن القارن يكفيه طواف واحد وسعى واحد للحج والعمرة، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والأئمة الثلاثة، وقال الحنفية: لابد لهما من طوافين وسعيين؛ لأنهما عبادتان لا تتحققان إلا بأفعالهما كل على حدة، ويؤيدهم الحديث الآتى في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أشد ولكنه أحوط، وما قاله الجمهور أخف وأسهل، والله أعلم.
الحائض والنفساء تعملان المناسك كلها إلا الطواف بالبيت
(2)
في حجة الوداع.
(3)
كفرحت أي حضت.
(4)
بالفتح والضم أي حضت ويسمى نفاسا.
(5)
أي قدره وأراده لهن فلابد منه ولا لوم عليك فيه.
(6)
بعد عمل العمرة.
(7)
أي أصحاب اليسار والغنى، ومنهم طلحة بن عبيد الله.
(8)
أي إن الذين عملوا عمرة نووا الحج وخرجوا عشية يوم التروية إلى عرفات.
(9)
أي طفت طواف الإفاضة.
(10)
أي ونحن بمنى.
النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَتْ: فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي عَلَى جَمَلِهِ حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوهَا
(1)
(وَالتَّنْعِيمُ أَقْرَبُ بُقْعَةٍ مِنْ أَرْضِ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
السير إلى عرفة وكلها موقف
(2)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ وَهُوَ يَسِيرُ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هذَا الْيَوْمِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ
(3)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحَرْتُ ههُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ
(4)
فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ
(5)
(6)
وَوَقَفْتُ ههُنَا وَعَرَفَةُ كلُّهَا مَوْفِفٌ وَوَقَفْتُ ههُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ
(7)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
(1)
الحصبة. مكان واسع سهل يبيتون فيه بعد منى، وقبل مقبرة مكة، وقوله: جزاء بعمرة الناس التى اعتمروها، أي عوضًا عن عمرتهم لتكون مثلهم، فعائشة لحيضها حجت أولا ثم اعتمرت بعد حجها. ولأبى داود والترمذى: الحائض والنفساء إذا أتتا على الوقت أي إذا مرتا على الميقات تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت حتى تطهرا، فثبت بهذا أنه لا يشترط أي طهارة للمناسك كلها إلا للطواف بالبيت فإنه كالصلاة، والسعي كبقية المناسك عند الجمهور، وروى عن الحسن وبعض الحنابلة: أنه يشترط له الطهارة لرواية الطبراني وابن أبي شيبة: الحائض تقضى المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة. وهذا كله لا ينافى أن الأكل الطهارة في كل شيء والله أعلم.
السير إلى عرفة وكلها موقف
(2)
ومزدلفة كلها موقف كما يأتى.
(3)
فالسائر إلى عرفة يشتغل بالتهليل والتكبير والتسبيح ونحوها ولكن التلبية شعار الحاج إلى الجمرة الأولى.
(4)
هاهنا أي عند جمرة العقبة.
(5)
ففى أي مكان يحزئ النحر، وحد منى من وادى محسر إلى العقبة.
(6)
هاهنا عند الصخرات في عرفة، وأي مكان يكفى الوقوف فيه؛ وعرفة مكان شرقى مكة على اثنى عشر ميلا، وسميت بهذا لأن آدم وحواء عليهما السلام تعارفا بها، وحد عرفة غربًا إلى وادى عرنة وجنوبًا إلى البساتين التى عن يسار مستقبل الكعبة، وشرقًا إلى جادة طريق المشرق، وشمالا إلى حافات الجبل المتصلة بأرضها.
(7)
جمع كشرط هي مزدلفة، مكان في الطريق إلى منى وزاد أبو داود في رواية: وكل فجاج مكة طريق ومنحر.
• عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَيْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الأَنْصَارِيُّ وَنَحْنُ بِعَرَفَةَ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنِ الإِمَامِ
(1)
فَقَالَ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ: قِفُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ
(2)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: كَانَ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ
(3)
وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَيَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا
(4)
فَذلِكَ قَوْلهُ سُبْحَانَهُ {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الدعاء يوم عرفة مقبول
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ»
(5)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خُطَامُهَا فَتَنَاوَلَ الْخُطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الأُخْرَى
(6)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
(1)
أي النبي صلى الله عليه وسلم وأمراء الحج بعده.
(2)
المشاعر جمع مشعر وهو العلم، أي قفوا في مواقفكم فإنها قديمة من عهد إبراهيم عليه السلام ولا تحقروها لبعدها عن الإمام، فإن عرفة كلها موقف، وفى الحديث: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت أتاه جبريل، فأراه الطواف بالبيت سبعًا وبين الصفا والمروة ثم أتى به عرفة؛ فقال: أعرفت؟ قال: نعم؛ ثم أتى به جمعًا، فقال: هاهنا يجمع الناس الصلاة، ثم أتى به منى فعرض لها الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات فقال: ارمه بها وكبر مع كل حصاة.
(3)
الحمس كحمر جمع أحمس وهو الشجاع فكانت قريش ومن على دينها يقفون بالمزدلفة لأنها من الحرم ويقولون: نحن أهل الحرم فلا تخرج عنه.
(4)
يسير منها إلى مزدلفة والمشعر الحرام ومنى.
الدعاء يوم عرفة مقبول
(5)
وزاد في رواية: وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وللبيهقي عن عليّ رضي الله عنه: اللهم اجعل في قلبى نورًا وفى بصرى نورا، اللهم اشرح لي صدرى ويسر لي أمرى.
(6)
حرصًا على الدعاء. فيندب لمن بعرفة الإكثار من =
يفوت الحج بفوت عرفة
عَن عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَعْمَرَ الدَّيلِيِّ
(1)
رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِعَرَفَةَ فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَأَمَرُوا رَجُلاً فَنَادَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ الْحَجُّ؟
(2)
فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فَنَادَى فِي النَّاسِ الْحَجُّ الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَتَمَّ حَجُّهُ
(3)
، أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
(4)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
• عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُزْدَلِفَةِ
(5)
قلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ
(6)
أَكْللْتُ مَطِيَّتِي
(7)
وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلا وَقَفْتُ عَلَيْهِ
(8)
فَهَلْ لِي مِنْ حَجَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضى تَفَثَهُ
(9)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
= التلبية والذكر بأى نوع كان والابتهال في الدعاء إلى الله تعالى، فإنه يوم عظيم يباهى الله بهم ملائكته وحسبنا ما يأتى في الحج، الحج يوم عرفة. والله أعلم
يفوت الحج بفوت عرفة
(1)
يعمر كيعلم ممنوع من الصرف لوزن الفعل.
(2)
أي ما أظهر أعماله وأفضلها؟ قال: الوقوف بعرفة.
(3)
أي من حضر هاهنا بعرفة قبل فجر ليلة المزدلفة فقد أدرك الحج.
(4)
فالأفضل كون الإقامة بمنى ثلاثة أيام بعد العيد ولو تعجل ونزل في اليوم الثاني بعد رميه كفى.
(5)
حين خرج لصلاة الصبح.
(6)
طيئ بالهمزة اسم قبيلة وجبلاها هما جبل سلمى وجبل آجا.
(7)
أعيينها من سرعة السير.
(8)
الحبل أحد حبال الرمل وفى رواية: من جبل.
(9)
التفث - بالتحريك - الشعث، والمراد قضى ما عليه، ووقت الوقوف بعرفة بين زوال الشمس وطلوع الفجر الثاني ليوم العيد، فوقوفه في أي لحظة بكفى وعليه الجمهور، وقال أحمد: يوم عرفة يدخل من الفجر، وظاهر ما تقدم أن من لم يدرك عرفة قبل فجر يوم العاشر فقد فاته الحج ويعمل عمرة ويهدى وعليه الحج في العام القابل، وعلى هذا الجمهور سلفًا وخلفًا والشافعى وأحمد وإسحق.
الدفع من عرفة إلى المزدلفة والمبيت بها
قَالَ اللَّهُ تَعَالى: {فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ}
(1)
فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ
(2)
.
• عَنْ عُرْوَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟
(3)
قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ
(4)
.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَجْراً شَدِيداً وَضَرْباً وَصَوْتاً للإِبِلِ
(5)
فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيْضَاعِ»
(6)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ
(7)
نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ
(8)
فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةَ، قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً
(9)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً إِلا لِمِيقَاتِهَا
(10)
إِلا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
(11)
الدفع من عرفة إلى مزدلفة والمبيت بها
(1)
صدرتم عنها.
(2)
هو جبل في آخر المزدلفة يسمى قزح وسيأتى.
(3)
أي انصرف من عرفة.
(4)
العنق بالتحريك: السير الوسط، والنص - كالفص -: السوق الشديد.
(5)
متعلق بالمصادر الثلاثة قبله.
(6)
أي الإسراع، فالتأنى والرفق بالناس مندوبان لاسيما في الزحام كوقت الإفاضة والوقوف بمزدلفة والمشعر الحرام ورمى الجمار والطواف ونحوها.
(7)
الشعب بالكسر الطريق بين جبلين.
(8)
بل اقتصر على فرائضه فقط.
(9)
وفى رواية: وصلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين قصرًا وجمع تأخير للنسك وللسفر.
(10)
لوقتها.
(11)
جمع تأخير بمزدلفة، والجمع الصلاة فيها سميت جمعا.
وَصَلَّى الْفَجْرَ يَؤْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا
(1)
رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(2)
وَقَدْ وَقَفَ عَلَى قُزَحَ
(3)
فَقَالَ: هذَ قُزَحُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ
(4)
وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: شَهِدْتُ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى الصُّبْحَ بِجَمْعٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
(5)
وَيَقُولُونَ أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
تقدم الضعفاء إلى منى
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بلَيْلٍ فَأَذِنَ لَهَا
(6)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سَوْدَةُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ
(7)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ: لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
(8)
.
(1)
أي المعتاد بل في أول الفجر الصادق ليتسع الوقت للسير إلى المشعر الحرام، وسيأتى في الحديث الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطجع بالمزدلفة حتى صلى الفجر، ثم ركب إلى المشعر الحرام.
(2)
أي بالمزدلفة.
(3)
كعمر غير منصرف للعلمية والعدل: جبل بمزدلفة.
(4)
أي الأفضل في مزدلفة.
(5)
ثبير كأمير: جبل بجوار مزدلفة فكان المشركون لا يسيرون منها إلى منى إلا بعد طلوع الشمس؛ ويقولون: أضئ يا ثبير. والنبي صلى الله عليه وسلم خالفهم فكان يصدر من مزدلفة قبل طلوع الشمس ليتسع وقت المناسك والله أعلم.
تقدم الضعفاء إلى منى
(6)
سودة أم المؤمنين رضي الله عنها، كانت امرأة سمينة ثبطة بكسر الباء وسكونها بطيئة السير، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن ترتحل من مزدلفة إلى منى قبل زحمة الناس فأذن لها.
(7)
الضعفة جمع ضعيف وهم الصبيان والنساء، فينبغى تقديم الضعفاء من آخر الليل إلى منى، وأما غيرهم فيمكث بمزدلفة حتى يصلى الصبح.
(8)
فلا ترمى جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس وعليه الجمهور، وقال بعض التابعين والشافعى: يدخل وقتها من نصف الليل فيكون بعد الشمس كمالا فقط والله أعلم.
المبيت بمنى أيام العيد والتشريق
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَبْنِي لَكَ بَيْتاً يُظِلُّكَ بِمِنًى؟ قَالَ: لَا. مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ (1). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِمِنًى وَنَزَّلَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فَقَالَ: لِيَنْزِلِ الْمُهَاجِرُونَ ههُنَا وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ الْقِبْلَةِ
(2)
وَالأَنْصَارُ ههُنَا وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ لَيْنَزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ
(3)
». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْعَبَّاسَ رضي الله عنه اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ
(5)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
رمي جمرة العقبة
(6)
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَآهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
(7)
وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: هذَا مَقَامُ الَّذِي
المبيت بمنى أيام العيد والتشريق
المناخ بالضم: محل الإناخة، فلا يجوز البناء بمنى لعدم التضييق على الناس، وأما نصب الخيام لمنع الشمس أو المطر فلا شيء فيه وربما وجب إذا تحقق الضرر.
(2)
أي إلى يمين مستقبل الكعبة.
(3)
أما يوم النحر فلأنه يوم العيد الأكبر ويوم إتمام الحج؛ وأما يوم القر بالفتح فهو اليوم الثاني للعيد لاستقرار الناس فيه بمنى.
(4)
بسندين صالحين.
(5)
فإن سقاية زمزم كانت وظيفة له ولأولاده، ولهذا سقط عنه المبيت بمنى الذي هو واجب، وكذا من خاف على نفسه أو أهله أوماله، ولأهل منى كلهم أن يقصروا مع الإمام ولو كانوا من أهل مكة لحديث ابن عمر المروى للخمسة: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع، وعليه مالك وإسحاق وقال الجمهور: القصر للمسافرين فقط والله أعلم.
رمي جمرة العقبة
(6)
الجمار هناك ثلاث في طريق منى إلى مكة، وجمرة العقبة أفضلها وهى الأولى عن يمين الطريق وهى التى ترمى يوم النحر.
(7)
وفى رواية: يكبر مع كل حصاة.
أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ
(2)
وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هذِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلكِنَّ الْبُخَارِيَّ تَعْلِيقاً.
وَقَالَ قَدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمي الْجَمْرَةَ عَلَى نَاقَةٍ لَيْسَ ضَرْبٌ وَلَا طَرْدٌ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ
(4)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَاللَّهُ أَعْلمُ.
الحل الأول
(5)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلا النِّسَاءَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاقِ: خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثمَّ الأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ
(7)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
(1)
أي موقفي الآن كموقف النبي صلى الله عليه وسلم حين رمى الجمرة، وكان متجهًا لها عن يمينه منى وعن يساره الكعبة المشرفة.
(2)
فلا بأس بالرمى من الراكب لعذر وربما طلب من عالم لينتفع الناس به كما يشعر به ما بعده.
(3)
فجمرة العقبة ترمى ضحوة يوم العيد، وأما بعده فترمى الجمار الثلاث بعد الزوال، والرمى يكون بحصى كالخذف أي قدر ما يرمى بطرفي الأصبعين وهو قدر الفول، والأولى أن يؤتى به من المزدلفة.
(4)
فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الناس ولا بطردهم ولا بتوسيع الطريق له كما يفعل مع الملوك والجبابرة والأمراء، فإن هذا من الكبر والعظمة، وهذه أمكنة عبادة ينبغى فيها التواضع لله جل شأنه والله أعلم.
الحل الأول
(5)
أي بيان وقت الحل الأول من المحرمات في الحج، وأما العمرة فلها حل واحد وهو بعد الطواف والسعى والحلق أو التقصير.
(6)
بسند حسن.
(7)
سيأتي الكلام على الحلق وإعطاء الشعر لأبى طلحة ليعطيه الناس.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ
(1)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الذبح وما يجزئ في الضحية
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ}
(3)
{وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}
(4)
{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}
(5)
{فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ}
(6)
{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ}
(7)
{وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ}
(8)
{وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ
(9)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ. وَفِي أُخْرَى: اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ
(10)
.
(1)
وللإمام أحمد: إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء، فبالرمى والحلق يحل له كل شيء إلا الوطء، وهذا هو الحل الأول والثانى بعد طواف الإفاضة وبه يحل كل شيء وعلى هذا الجمهور سلفًا وخلفا.
(فائدة)
الترتيب الحسن لأعمال يوم النحر على ما في حديث أنس، فالرمى أولا، ثم الذبح ثانيًا، ثم الحلق، على حروف (رذح) ثم الغسل واللبس والطيب والطواف والله أعلم.
الذبح وما يجزئ في الضحية
(2)
واجبة كالفدية والنذر، أولا أوفى النسك، أولا، أما مكان الذبح فكل منى وكل مكة، بل قيل كل الحرم، وأما وقته فمن بعد رمى العقبة إلى آخر أيام التشريق لحديث أحمد: كل أيام التشريق ذبح.
(3)
من جاءوا للنسك.
(4)
هي عشر ذى الحجة وأيام التشريق.
(5)
هدايا الحرم وضحايا العيد.
(6)
شديد الفقر.
(7)
بإزالة شعورهم وأظفارهم وأوساخهم.
(8)
بالهدايا والضحايا.
(9)
حينما أحصروا عن البيت وتحللوا بالذبح والحلق.
(10)
فالبدنة هي الواحد من الإبل والبقر.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحى، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً وَفِي الْجَزُورِ عَشَرةً
(1)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً
(2)
سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ. وَلِلْبُخَارِيِّ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَاماً.
يتصدقون من الضحايا ويأكلون
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا
(3)
وَأَلَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: كُنَّا لَا نَأَكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى
(5)
فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا» فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1)
الجزور: البعير، وظاهره أنه يكفى عن عشرة وبه قال إسحاق؛ ولكن الجمهور على أنه لا يجزئ إلا عن سبعة كما في الأحاديث التى قبله، فسبع البدنة يكفى عن واحد في الضحية وفى الفداء والهدى، ولكن الشاة أفضل لحديث أبى داود والحاكم: خير الضحية الكبش الأقرن. ولحديث أحمد والترمذى: نعمت الأضحية الجذع من الضأن.
(2)
معقولة اليد اليسرى فقط وهذه سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فالسنة في نحر الإبل أن تكون قائمة مقيدة باليد اليسرى، قال الله تعالى {فاذكروا اسم الله عليها صواف} وسيأتى في الصيد والذبائح بيان كيفية الذبح وآلته كما ستأتى الضحية وحكمها مستوفى إن شاء الله.
يتصدقون من الضحايا ويأكلون
(3)
الأجلة جمع جل بالضم والفتح: ما يوضع على ظهر الدابة لحفظها، ولكن المشهور في جمعه جلال.
(4)
فالنبى صلى الله عليه وسلم أمر عليًا أن يتصدق بضحاياه حتى بجلودها وجلالها ولم يأكل منها إلا بضعة من كل بدنة كما في حديث صفة حجه صلى الله عليه وسلم الآتى.
(5)
أي أولا ثم رخص لهم فقال: كلوا وتزودوا أي اتخذوا منها زادا في أسفاركم، فظاهره استحباب الأكل من الضحية مطلقا؛ وعليه الجمهور لقوله تعالى=
الحلق أو التقصير
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}
(1)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ»
(2)
قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَالْمُقَصِّرينَ»
(3)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: لَمَّا رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ وَنَحَر نُسُكَهُ نَاوَلَ الْحَلاقَ
(4)
شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، ثُمَّ نَاوَلَ الْحَلاقَ الشِّقَّ الأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ
(5)
فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ
(6)
. وَفِي رِوَايَةٍ: فَوَزَّعَهُ الشَّعَرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
=فكلوا منها - والأمر للندب عندهم، وقال بعضهم: لا تجوز لما يأتي في الهدي للحرم: لا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك، وقال الشافعي وجماعة: يأكل من المندوبة دون الواجبة كجزء الصيد وهدي التمتع والقران ونحوهما لحديث ابن عمر والله أعلم.
الحلق أو التقصير
(1)
فالحلق أو التقصير مأمور بهما في الكتاب، فهما من مناسك الحج وعليه الجمهور، وقال بعضهم إنه تحليل من الإحرام فقط.
(2)
وفى رواية: اللهم اغفر للمحلقين. والمحلقين والمقصرين بلفظ الفاعل مشددا.
(3)
وفى رواية: ثم قال في الرابعة والمقصرين، فتكرير الدعاء للمحلقين يفيد أن الحلق أفضل كما حلق النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب حلق كل الرأس عند مالك وأحمد، ويستحب عند أبي حنيفة والشافعى ويجزئ عنده ثلاث شعرات، وعند الحنفية: الربع أو النصف.
(4)
واسمه معمر العدوى.
(5)
فالأفضل في الحلق والتقصير البدء بالشق الأيمن من الرأس وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا.
(6)
فلما كان الناس يتسابقون على أخذ شعر النبي صلى الله عليه وسلم يتبركون به أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لأبى طلحة ليقسمه بين الناس، وفيه جواز التبرك بآثار الصالحين، كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أمر بالنزول في الطريق غير مرة ليصلى في أمكنة حل فيها صالحون كمكان ماشطة بنت فرعون، ومكان وقوف موسى عليه السلام للمناجاة، ومحل ميلاد عيسى عليه السلام وغير ذلك.
قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ
(1)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ
(3)
قَالَ: «لَا حَرَجَ» ، قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ:«لَا حَرَجَ» ، قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: «لَا حَرَجَ
(4)
». وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى للِنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» ، فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ:«ارْمِ وَلَا حَرَجَ» ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلا قَالَ: «افْعَلْ وَلَا حَرَجَ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
خطبة يوم النحر
(6)
• عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو والْمُزَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى
(1)
فالتقصير هو المستحب من النسوة في النسك بخلاف الحلق فإن الشعر جمال ولكنه يجزئ.
(2)
بسند حسن.
(3)
أي طفت بالبيت قبل الرمى؛ قال: لا حرج.
(4)
وفى رواية: رميت بعد الزوال؛ قال: لا حرج.
(5)
فظاهر هذا أن أعمال يوم النحر من رمى وذبح وحلق وطواف لا يجب الترتيب بينها ولكنه سنة على حروف (رذح) فالراء لرمى العقبة والذال للذبح والحاء للحلق، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا ولا شيء على من لم يرتب، وقال مالك وأبو حنيفة: إنه واجب وفى تركه دم، وقالا: لا حرج أي لا إثم للجهل ولكن عليه الفدية والله أعلم.
خطبة يوم النحر
(6)
هذه هي الخطبة الثالثة وقبلها خطبتا سابع ذى الحجة ويوم عرفة، وهاتان باتفاق، وأما خطبة يوم النحر فقال بها الشافعي وأحمد وجماعة للأحاديث الآتية، وعندهم الرابعة في ثالث يوم النحر لحديث أبى داود: خطب النبي صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق، وقال المالكية والحنفية: الخطبة الثالثة في ثانى يوم النحر ولا رابعة عندهما، وهذه الخطب مندوبة لتعليم الناس المناسك، كل خطبة ترشد لما بعدها لحديث أبى داود والنسائى: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار.
حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحى
(1)
عَلَى بَغْلَةٍ شَهبْاءَ
(2)
وَعَلِيٌّ رضي الله عنه يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «يَا أَيُهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هذَا؟» قَالوا: يَوْمٌ حَرَامٌ
(4)
قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هذَا» ؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ:«فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا» ؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ:«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هذَا» ، فَأَعَادَهَا مِرَاراً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ
(5)
». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ
(6)
فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ
(7)
لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ
(8)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانَ وَأَحْمَدُ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْر بَيْنَ الْجَمْرَاتِ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ بِهذَا وَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ
(9)
» وَطَفِقَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَوَدَّعَ النَّاسَ» فَقَالُوا: هذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ
(10)
.
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّتِهِ فَقَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمواتِ وَالأَرْضَ
(11)
السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
(1)
قبل النحر.
(2)
في لونها بياض وسواد.
(3)
يعبر عنه أي وقف في نهاية صوته صلى الله عليه وسلم، فكان يسمع ويبلغ الناس لكثرتهم في حجة الوداع حيث بلغوا مائة ألف وثلاثين ألفا.
(4)
ذو حرمة وتعظيم.
(5)
هل بمعنى قد، كقوله تعالى - {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} -.
(6)
إنها أي هذه الخطبة.
(7)
الشاهد الحاضر السامع، وزاد في رواية: فرب مبلغ أوعى من سامع.
(8)
كفارًا جمع كافر إن استحللتم ما نهيتم عنه أو كفارا بنعم الله وشرعه تتقاتلون على الدنيا وفى رواية: ضلالا.
(9)
بهذا أي بالحديث السابق وزاد عليه هذا يوم الحج الأكبر. والحج الأصغر يوم عرفة أو يوم العمرة.
(10)
واشتهرت بحجة الوداع.
(11)
من تحليل حلاله وتحريم حرامه بخلاف ما قبل الإسلام فإن الجاهلية كانوا إذا نشبوا في قتال وحضر شهر حرام استمروا في قتالهم وجعلوا التحريم لشهر آخر فربما حرموا شهرًا في هذه السنة وأحلوه في سنة أخرى، وهذا هو النسيء، الذي قال الله فيه - {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} - فجاء الإسلام وحلل ما أحل الله وحرم ما حرمه.
ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ
(1)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
طواف الإفاضة
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
(3)
.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْر ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذلِكَ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(5)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى
(6)
.
(1)
القعدة بالفتح أفصح بخلاف الحجة. وقوله مضر: غير منصرف، وهى قبيلة مشهورة أضيف رجب إليها لتعظيمها له أكثر من غيرها، وفى رواية: وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. وللإمام أحمد: خطب النبي صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق؛ فقال: يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت. قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
طواف الإفاضة
(2)
ويسمى طواف الزيارة لزيارة الكعبة المشرفة، وطواف الركن لأنه ركن من أركان النسك بإجماع لا يصح حج ولا عمرة إلا به، وذكر الطواف هنا ثانيًا لمكانه الترتيبى في النسك، وإلا فقد سبق مبسوطا.
(3)
طواف الإفاضة.
(4)
زرنا البيت يوم النحر بعد الرمى والذبح والحلق، وهذا أول وقت الطواف وأفضله، ويمتد إلى آخر أيام التشريق بإجماع، فإن طاف بعدها أجزأ عنه ولا شيء عليه عند الجمهور. وقال مالك وأبو حنيفة: إذا طال الزمن لزمه دم.
(5)
هذا لا ينافى قول جابر في الحديث الطويل الآتى إنه صلى الظهر بمكة لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم من صلاها بمكة، فلما عاد لمنى وجدهم لم يصلوا فصلى بهم مرة أخرى كما صلى مرتين ببطن نخل كل مرة بجماعة، وهذا جمع حسن.
(6)
للطواف به فقط دون سعى بين الصفا والمروة، فإنه لا يكرر بخلاف الطواف فإن الإكثار منه مندوب لحديث: الطواف بالبيت صلاة. وسبقت أركان الحج في الإحرام من الميقات كما سبقت واجباته في محرمات الإحرام فارجع إليهما إن شئت.
رمي الجمار في أيام التشريق
(1)
(2)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ
(3)
ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعَاً يَدَيْهِ يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ
(4)
، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ
(5)
، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعاً يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا
(6)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ مَاشِياً ذَاهِباً وَرَاجِعاً وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذلِكَ
(7)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَيَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا.
رمي الجمار في أيام التشريق
(1)
فرمي الجمار الثلاث في أيام التشريق الثلاثة واجب.
(2)
الأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة وذكر الله فيها بالعبادة والتكبير حين رمى الجمار في الأيام الثلاثة، ولكن من نزل إلى مكة بعد يومين فلا حرج عليه.
(3)
وفى رواية: يكبر على إثر كل حصاة؛ والجمرة التى تلى المسجد هي جمرة العقبة وهى الأولى وأفضلها. ولفظ التكبير: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
(4)
للدعاء بقدر سورة البقرة كما ورد.
(5)
الجمرة الثانية الوسطى.
(6)
أي الجمرة الأخيرة.
(7)
فيندب المشي للجمار ذهابًا وإيابًا إلا لعذر.
وَفِي رِوَايَةٍ: رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْماً وَيَدَعُوا يَوْماً
(1)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السير من منى إلى الأبطح والمبيت به
• عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ
(2)
رضي الله عنه سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي بِشْيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى
(3)
قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ
(4)
؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ
(5)
: اِفْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ
(6)
ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ
(7)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ رضي الله عنه: لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْزِلَ الأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلكِنِّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ
(8)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَداً
(1)
رعاء جمع راع، ويقال رعاة، وقوله في البيتوتة أي في ترك المبيت بمنى، وأن يجمعوا رمى اليومين في أحدهما أي في اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق، أو يرموا في الأول والثالث رحمة بهم لأن وادى منى لا نبات فيه ولو باتوا لهلكت مواشيهم، وتقدم في النزول بمنى الترخيص للعباس بالمبيت في مكة للسقاية، ففيهما أن من ترك البيت لعذر لا شيء عليه وبه قال بعض الأئمة، وقال الشافعي وأحمد: إنه يجب دم على من ترك المبيت في الليالى الثلاث لأنه واجب وعزيمة. لقوله: رخص، والرخصة ضد العزيمة. والله أعلم.
السير من منى إلى الأبطح والمبيت به
(2)
بالتصغير.
(3)
وبات بها وأصبح منها إلى عرفة.
(4)
أي الدفع من منى إلى مكة.
(5)
الأبطح والبطحاء والمحصب والتحصيب والحصبة وخيف. بنى كنانة: أسماء المكان واسع سهل بين منى ومكة متصل بمقابرها.
(6)
مرتبط بصلى ورقد.
(7)
طواف الوداع.
(8)
أبو رافع هذا كان من خدم النبي صلى الله عليه وسلم وكان مكلفًا بنقل أمتعة النبي صلى الله عليه وسلم.
إِنْ شَاءَ بخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ
(1)
حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ
(2)
وَذلِكَ أَنَّ قُرَيْشاً وَبَنِي كِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَلا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ
(3)
حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
(4)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلا جَابِسَتَكُمْ
(5)
، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قِيلَ: نَعَمْ قَالَ: «فَانْفِرِي» . رَوَهُ الْخَمْسَةُ.
(1)
هذا لا ينافي قول أبي رافع السالف فإنه إخبار بغيب معجزة له صلى الله عليه وسلم؛ وأصل الخيف ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل.
(2)
أي تحالفوا وتعاهدوا بدوامهم عليه.
(3)
بل ويقاتلوهم وينصبوا لهم شركة العداء دائما.
(4)
ليفعلوا به ما يشاءون، وكتبوا بذلك وثيقة وعلقوها بالكعبة فأرسل الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من كفر وضلال وأبقت ما فيها من ذكر الله تعالى فأخبر جبريل بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر عمه أبا طالب به وأخبر أبو طالب الكفار بذلك ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل صلى الله عليه وسلم بخيف بني كنانة إشارة إلى انتصاره وظهوره عليهم في المكان الذي تآمر وافيه عليه صلى الله عليه وسلم ولأن دوره بمكة ورثها أولاد عمه؛ فقد قال أسامة بن زيد: يا رسول الله أنزل في دارك بمكة؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور. وكان عقيل وطالب ورثا أباهما أبا طالب وبقية أملاك الأسرة لبقائهما على كفرهما دون على وجعفر اللذين أسلما فلم يرثا من أبيهما لعدم التوارث بين المسلم والكافر؛ رواه الشيخان.
(5)
فصفية أم المؤمنين وهم في المحصب حاضت فقالت: أظن أني سأمنعكم من السفر بسبب حيضي الذي يمنعني من الطواف. فقال صلى الله عليه وسلم: عقرى حلقى - كسكرى فيهما - أي جرحها الله وحلق شعرها وليس دعاء عليها ولكنه حث على تعلمها ما يلزمها، هل طافت طواف الإفاضة؟ قالوا: نعم. قال: فسيري معنا ولا حاجة إلى انتظار الطهر لطواف الوداع فليس بواجب عليك وسيأتي حكمه إن شاء الله.
حديث حجة الوداع
(1)
• عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ
(2)
قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلَيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
(3)
فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي فَنَزَعَ زِرِّي الأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الأَسْفَلَ ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ يَا ابْنَ أَخِي سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمى
(4)
وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفاً بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا
(5)
وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ
(6)
فَصَلَّى بِنَا فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ بِيَدِهِ
(7)
فَعَقَدَ تِسْعاً فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ
حديث حجة الوداع
(1)
هذا حديث جليل القدر عظيم الفضل حوى كل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من أركان وواجبات ومندوبات إلا قليلا، وهو أول حديث طويل في كتاب التاج ويليه في الطول حديثا الإسراء والهجرة الآتيان في كتاب النبوة، وحديث هجرة إسماعيل وأمه عليهم السلام من القدس إلى مكة المكرمة، وحديث كعب بن مالك وحديث موسى مع الخضر عليهم السلام، وحديث الإفك وحديث الشاب العابد مع صاحب الأخدود، هذه الخمسة في التفسير وبضع أحاديث في الشفاعة ستأتي في القيامة إن شاء الله، وجابر رضي الله عنه كان يقود راحلة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فإذا كان أعلم الناس بها.
(2)
أبوه محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهم.
(3)
رضي الله عنهم وعن أمهم فاطمة الزهراء. وسلسلة نسبنا والحمد لله تنتهي إلى هؤلاء المصابيح رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.
(4)
فكان جابر رضي الله عنه قد كف بصره في آخر حياته فلما دخلوا عليه استفهم عن كل واحد حتى وصل إلى محمد بن على بن الحسين فوضع يده على رأسه ثم أنزلها إلى صدره وكشفه ووضع يديه تبركابآل البيت رضي الله عنهم.
(5)
النساجة ويقال ساجة هي الطيلسان.
(6)
المشجب كمنبر عيدان تضم أصولها وتفرج رءوسها توضع عليه الملابس.
(7)
حرك أصابعه.
أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ
(1)
مُحَمَّدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي»
(2)
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمَسْجِدِ
(3)
ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شَيْئاً مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ. قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: لَسْنَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ
(4)
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ
(5)
اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثاً وَمَشى أَرْبَعاً ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام
(6)
فَقَرَأَ
{وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا
(7)
فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} «ابْدَأُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: «لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِله إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ
(1)
بالتصغير زوجة أبي بكر رضي الله عنهم.
(2)
استثفري بالسين والتاء والماء والفاء أي تحفظى بثوب من نزول الدم وأحرمي.
(3)
أي بذي الحليفة صلاة العصر وركب ناقته القصواء وأهل بالحج.
(4)
أي في أيام الحج وإلا فهي معلومة وعملوها غير مرة كما يأتي في العمرة.
(5)
أي النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركن أي الحجر الأسود بمسحه وتقبيله.
(6)
أي سار إليه.
(7)
أي الباب القريب من الصفا ويسمى باب بني مخزوم.
وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ»، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذلِكَ قَالَ مِثْلَ هذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعى حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا
(1)
حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: «لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً
(2)
فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه أَلِعَامِنَا هذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟
(3)
فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخْرَى وَقَالَ: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ» .
وَقَدِمَ عَلَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَاباً صَبِيغاً
(4)
وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بهذَا
(5)
. قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشاً عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِياً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ
(6)
»؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ قَالَ: «فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ» قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ
(7)
الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَي بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا
(1)
من استقبال الكعبة والتوحيد يتخلله الدعاء.
(2)
أي لو أمكنني استدراك ما فات أو لو ظهر لي قبل الآن ما ظهر لي الآن ما سقت هديا وعملت العمرة أولا لأتمتع بمحظور الإحرام قبل الحج ولنفي ما يزعمه الناس من قبحها في أشهره وتطييبًا لقلب من لم يهد من الأصحاب، ولا منافاة بين ما هنا وبين ما تقدم في القران من الحديث القائل: وقل عمرة في حجة، فإن هذا إباحة لها بعد حظرها.
(3)
أي هل فسخ الحج إلى عمرة وجوازها في شهره خاص بعامنا فقط أم دائما؟ فأجابه بالثاني وأكده بتشبيك أصابعه وتكرير الجواب مرتين؛ وقوله: لا بل لأبد أبد أي ليس جوازها خاصًا بهذا العام بل للأبد.
(4)
أي بالورس ونحوه مما لا يجوز للمحرم.
(5)
أي مع من أمرهم بالتمتع.
(6)
أي نويته.
(7)
أي جملته.
بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهَا
(1)
الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ
(2)
فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمِشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
(3)
فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ
(4)
فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ
(5)
أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ
(6)
فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي
(7)
فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا فِي شَهْرِكُمْ هذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعُ
(8)
وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ
(9)
كَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ
(10)
وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ
(11)
فَاتَّقُوا اللَّهَ
(1)
أي بمنى وقد نزلوا وباتوا فيها.
(2)
نمرة بفتح فكسر موضع قبيل عرفات ليس منها بل بين الحل والحرم.
(3)
إلا زائدة ونظم الكلام ولا تشك قريش في أنه واقف بالمشعر الحرام وهو لفظ أبي داود، وكانت قريش تقف به في الجاهلية لأنه من الحرم ويقولون: نحن أهل الحرم فلا تخرج عنه، وأما سائر العرب فكانوا يقفون بعرفات فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوقوف بها في قوله تعالى {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} .
(4)
أي قرب منها.
(5)
مالت عن وسط السماء.
(6)
فركبها.
(7)
وادي عرنة الذي ليس من عرفة عند كافة العلماء إلا مالكا، وفيه استحباب الخطبة في هذا المكان وعليه أهل العلم كلهم إلا مالكا، ومذهب الشافعي وأحمد: أن في الحج أربع خطب مندوبة إحداها يوم السابع من ذي الحجة عند الكعبة والثانية هذه التي يبطن عرنة يوم عرفات، والثالثة يوم النحر بمنى، والرابعة يوم النفر الأول، وكلها إفراد وبعد صلاة الظهر إلا التي يوم عرفة فإنها خطبتان، وقبل الظهر، ويعلمهم في كل خطبة ما يحتاجون إليه إلى الأخرى.
(8)
لا قيمة له كالشيء الذي يداس عليه.
(9)
اسمه إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم.
(10)
وهي في حرب بني سعد أصابه حجر وهو يحبو بين البيوت فقتله.
(11)
إنما نص على الدماء والربا لعظم شأنهما ونص على دم ابن عمه وربا عمه لأنه أدعى إلى امتثال أمره حيث بدأ بنفسه وأهله كقول خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت.
فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ
(1)
وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ
(2)
وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلا يُوطِئْنَ فَرْشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنَّ فَعَلْنَ ذلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
(3)
وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ. وأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي
(4)
فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ»؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ
(5)
يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ
(6)
: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ
(7)
فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ
(8)
فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ
(9)
بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(10)
وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ
(11)
وَيَقُولُ أَيْ يُشِيرُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ
(12)
أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئاً
(13)
ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلاهُ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ
(1)
أي بأمانته وعهده في شرعه.
(2)
التي أمرنا بها وهي الإيجاب والقبول.
(3)
وستأتي الحقوق الزوجية في النكاح وافية إن شاء الله.
(4)
أي في الآخرة.
(5)
أي أشار بها.
(6)
ينكتها بالتاء وصوابه بالموحدة أي ردها إليهم.
(7)
أي أمر بهما وصلى الظهر والعصر جمع تقديم للنسك عند الحنفية وللسفر عند الشافعية.
(8)
الموقف الخاص به في عرفات وهو بجوار الصخرات أي الأحجار المفترشات في أسفل جبل الرحمة الذي بوسط عرفات فيستحب الوقوف فيه أو بقربه بقدر الإمكان.
(9)
أي جماعهم.
(10)
نزل من عرفة إلى مزدلفة وبيده زمام ناقته.
(11)
أي مقدمه.
(12)
الحبل: التل الخفيف من الرمل.
(13)
أي صلاها جمع تأخير كما تقدم.
فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ
(1)
فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعَرِ أَبْيَضَ وَسِيماً
(2)
فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ
(3)
فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ
(4)
حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً
(5)
ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى
(6)
الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ
(7)
فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي
(8)
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ
(9)
فَنَحَرَ ثَلَاثاً وَسِتِّينَ بِيَدِهِ
(10)
ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا
(11)
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ
(12)
وَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
(1)
بنحو لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
(2)
أي حسن الطلعة.
(3)
الظعن بضمتين جمع ظعينة كسفينة وهي المرأة في الهودج.
(4)
حال من وجهه. فوضع يده صلى الله عليه وسلم وجهه لمنعه من النظر إلى تلك النسوة.
(5)
محسر كمحدث: مكان قبل مني نزلت فيه النقمة على الجيش الذي جاء لهدم الكعبة، وسمي بذلك لأن الفيل حسر فيه أي تعب وكل كقوله تعالى - ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير - أي كليل.
(6)
وهي غير الطريق التي ذهب منها إلى عرفات تفاؤلا بتغير الحال كما دخل مكة من علياها وخرج من سفلاها.
(7)
بقرب مسجد الخيف وقوله: مثل حصى الخذف صفة لسبع أي حب الفول.
(8)
لا من أعلاه. وعن يمينه مني وعن يساره مكة المكرمة.
(9)
المنحر مكان النحر بقرب مسجد الخيف.
(10)
وهي التي ساقها معه، ونحر عليٌّ ما غير أي ما بقي من المائة، وهي ما جاء بها من اليمين فكان على شريكا في الهدى والنحر.
(11)
أي النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه. فالأكل من هدى التطوع سنة بخلاف الهدى الواجب فلا يجوز الأكل منه كما تقدم.
(12)
أي ذهب إلى البيت فطاف طواف الإفاضة؛ وأما طوافه الأول فكان للقدوم.
يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
(1)
فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ»، فَنَاوَلُوهُ دَلْواً فَشَرِبَ مِنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الباب الخامس: في العمرة
(3)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ}
(4)
.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: لَيْسَ أَحَدٌ إِلا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ
(5)
. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْليِّ رضي الله عنه
(6)
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعَنَ قَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ
(7)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(8)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: «لَا وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ
(9)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(10)
وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ سِنَانٍ: «مَا مَنَعَكِ أَنْ تَكُونِي حَجَجْتِ مَعَنَا» ؟ قَالَتْ: نَاضِحَانِ
(11)
كَانَا لأَبِي فُلَانٍ
(12)
حَجَّ هُوَ وَأبْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَكَانَ الآخَرُ يَسْقِي عَلَيْهِ غُلَامُنَا
(1)
أولاد العباس؛ لأن السقاية كانت وظيفتهم رضي الله عنهم.
(2)
أي بهذا اللفظ ورواه النسائي مختصرًا وللبخاري والترمذي بعضه. والله أعلم.
(الباب الخامس في العمرة)
(3)
أي في حكمها وفضلها وبيان أعمالها ووقتها، والعمرة لغة: الزيارة وشرعًا: زيارة البيت الحرام للطواف والسعي.
(4)
إنها أي العمرة لقرينتها أي فريضة الحج في قوله تعالى - وأتموا الحج والعمرة الله - أي ائتوا بهما تأمين والأمر للوجوب.
(5)
عند الاستطاعة مرة واحدة.
(6)
رزين كرحيم اسمه لقيط بن عامر.
(7)
الظعن بالتحريك والسكون أي لا يقدر على السفر وركوب الراحلة لكبر سنه، قال: حج عن أبيك واعتمر، فظاهر هذه النصوص أن العمرة فرض وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري، وقال مالك وأبو حنيفة: إنها مندوبة لحديث جابر الآتي ولحديث بني الإسلام على خمس الخالي من العمرة. ولحديث ابن ماجه وابن أبي شيبة: الحج فريضة والعمرة تطوع.
(8)
بسند صحيح ورواه أحمد وقال لا أعلم في إيجاب العمرة حديثة أجود من هذا.
(9)
أي وأعماركم أفضل.
(10)
وقال صحيح ولكن الحفاظ اتفقوا على ضعفه.
(11)
بعيران.
(12)
هو زوجها أبو سنان.
قَالَ: «فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: إِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ
(2)
حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا
(3)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم
• عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ أَنَساً كَمْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: حَجَّةً وَاحِدَةً
(4)
وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةٌ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ
(5)
وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةٌ مِنْ جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ
(6)
وَعُمْرَةٌ مَعَ حَجَّتِهِ
(7)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَاللَّهُ أَعْلمُ.
(1)
أي تساويها لجمعها بين مشقة الصوم ومشقة النسك، وهذا وما بعده في فضل العمرة.
(2)
مكان بين مكة والمدينة.
(3)
أي يجمع بين الحج والعمرة فهما فريضتان باقيتان ما بقيت الدنيا والله أعلم.
كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
أي بعد فرض الحج سنة عشر من الهجرة وهي حجة الوداع، وحج قبل الهجرة مرتين كما تقدم في فضائل الحج.
(5)
الحديبية بتخفيف الياء وتشديدها اسم لبئر بقرب مكة على تسعة أميال منها فجاء النبي وهو وأصحابه معتمرين سنة ست من الهجرة فصدهم أهل مكة عند الحديبية فنحروا الهدى وحلقوا وتحللوا من إحرامهم ورجعوا للمدينة واتفقوا مع الكفار أن يعودوا للعمرة في العام القابل قضاء لهذه وعادوا فيه فاعتمروا.
(6)
جعرانة بكسر فسكون مكان بين الطائف ومكة أقرب لها اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم منها وهم في غزوة حنين بعد فتح مكة.
(7)
التي قرنها بها في حجة الوداع.
أعمال العمرة
• عَنْ مَرْوَانَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً
(2)
أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ وَأَنَا كَمَا تَرَى فَقَالَ: انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ وَمَا كُنْتَ صَانِعَاً فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَتِهِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعاً وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهُمَا مَعَهُ وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ فَقَالَ صَاحِبٌ لِي: أَدَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ
أعمال العمرة
(1)
قلد الهدى بتعليق النعل في عنقه، وأشعره أي بجرح سنامه إشهارًا بأنه هدى، وأحرم بالعمرة أي نواها من الميقات بعد أن تجرد من ملابسه وارتدي واتزر ولبس نعليه، فميقات العمرة هو ميقات الحج لمن يأتي من أهل الآفاق، وأما من كان في مكة أو داخل الحرم وأراد العمرة فإنه يجب عليه الخروج لأقرب أرض الحل فيقف بها وينوي العمرة بعد التجرد من ملابسه ليجمع في عمرته بين الحل والحرم كالحاج يجمع بينهما في وقوفه بعرفة فإنها في الحل.
(2)
قيل إنه عطاء أخو يعلى الراوي للحديث.
(3)
من البعد عن المحرمات وفعل المأمورات لكن ليس لها وقوف بعرفة ولا نزول بمزدلفة ولا بمنى ولا جمار.
(4)
فكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم نفعل لأنه المبلغ عن ربه تعالى.
قَالَ: بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: نَحَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ
(2)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
لا وقت للعمرة
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ قُرَيْشاً وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَراً
(3)
وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَا الأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ
(4)
فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابَعةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلُّهُ
(5)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
(6)
: «هذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْهَدْيُ فَلْيُحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ
(1)
القصب والصخب والنصب بفتحات فيها، والقصب: الدر واللؤلؤ المجوف الفخم، والصخب: الصياح، والنصب: التعب.
(2)
وفقه ما تقدم أن أركان العمرة النية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير والترتيب كما ذكر. وأما الهدى فإن كان لإحصار عنها فواجب وإلا فمندوب، وواجبات العمرة: التحرز عن المحرمات، والإحرام من الميقات وعلى هذا الشافعي وجماعة، وقال الحنفية: للعمرة ركن واحد وهو معظم الطواف أربعة أشواط؛ وأما الإحرام فشرط لها؛ وأما واجباتها فالسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير، والله أعلم.
لا وقت للعمرة
(3)
أي يجعلون صفرًا من الأشهر الحرم دون المحرم، وهذا هو النسيء المذكور في القرآن.
(4)
إذا برأ الدبر بفتحتين أي التأمت جروح الإبل من كثرة الأسفار؛ وعفا الأثر بالتحريك أي اندرست آثار المشي لمرور الأيام بعده، وانسلخ صفر أي مضي المحرم المسمى عندهم بصفر، حلت العمرة لمن أرادها.
(5)
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجعلها عمرة لأن هذا كان بعد الطواف والسعي والتقصير.
(6)
أي لمن أمرهم بالعمرة الذين لم يكن معهم هدى.
فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
(1)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا مُعْتَمِراً فَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا فَقَضى عُمْرَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ بِهَا
(2)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ.
الإقامة بمكة بعد النسك وطواف الوداع
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنهم: هَلْ سَمِعْتَ فِي الإِقَامَةِ بِمَكَّةَ شَيْئاً؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثاً
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وُجْهٍ
(4)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «مَنْ حَجَّ هذَا الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: خَرِرْتَ مِنْ يَدَيْكَ
(5)
سَمِعْتَ هذَا
(1)
أي لا بأس بها في أيامه. قاله الشافعي وأحمد وإسحاق.
(2)
هذا في غزو حنين وكان في شهر القعدة، وليس لمحرش الكعبى حديث إلا هذا، فمعنى ما تقدم أن العمرة جائزة في كل وقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بها في أيام الحج وفعلها في القعدة، وتقدم حديث: عمرة في رمضان تعدل حجة معي، والله أعلم
الإقامة بمكة بعد النسك وطواف الوداع
(3)
المهاجر أي الذي ليس من أهل مكة، فله أن يقيم بها بعد قضاء نسكه ثلاث ليال لقضاء حوائجه ولا يزيد عليها لأنها بلد للمسلمين كلهم فتضيق وتغلو مرافقها، وفي رواية: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في عمرة القضاء ثلاثًا.
(4)
أي ينصرفون بعد نسكهم من غير طواف؛ فقال صلى الله عليه وسلم: لا يخرج من مكة أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت.
(5)
خررت بفتح فكسر أي سقطت وهو كناية عن الخجل وفي رواية: أذن النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه بالرحيل فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به ثم انصرف متوجها إلى المدينة، فظاهر هذه النصوص أن طواف الوداع واجب على كل آفاقي قبل خروجه من مكة ويجب بتركهـ دم، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا، وقال مالك: إنه لا يجب ولكنه سنة من كل من رحل عن مكة وإن كان لنحو تجارة كطواف القدوم لكل داخل.
مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ تُخْبِرْنَا بِهِ.
• وَعَنْهُ قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ
(1)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
الباب السادس: في الإحصار والقضاء والفدية
الإحصار في الحج
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
(3)
{وَلَا تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ}
(4)
- صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ
(5)
طَافَ بِالْبَيْتِ وَبالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَاماً قَابِلاً فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً
(6)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عُمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ
(7)
وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ». قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَأَلْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرةَ رضي الله عنهم عَنْ ذلِكَ فَقَالَا: صَدَقَ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(8)
.
• عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ رضي الله عنه يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ
(9)
كُنَّا نُرَى أَنَّ هذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ:
(1)
أو النفساء فلا تنتظر الطهر للطواف رفقًا بها وبمن معها إلا إذا كانت لم تطف طواف الإفاضة: فإنه يجب عليها الانتظار حتى تطهر وتطوف، وعلى أمراء الحج انتظارها حتى تطوف. والله أعلم.
{الباب السادس في الإحصار والقضاء}
(2)
هو المنع من إتمامه.
(3)
أي تيسر من الهدى وهو شاة أو سبع بدنة كما تقدم.
(4)
هو مكان الإحصار عند الشافعي فيذبح فيه الهدى ويفرق على مساكينه ثم يحلق بنية التحلل، وقيل محله الحرم.
(5)
أي عن عرفة لأنها هي التي تفوت بفوات يومها وبفواتها يفوت الحج.
(6)
أي يصوم عشرة أيام كما يأتي.
(7)
فمن عطب أو مرض هو أو راحلته، وأولى إذا منعه الغير فقد حل له محرمات الإحرام بعد الهدى والحلق.
(8)
بسند صحيح.
(9)
أي عدد الأيام.
اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ وَانْحَرُوا هَدْياً إِنْ كَانَ مَعَكمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَارْجِعُوا
(1)
فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ.
• وَعَنْهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَادِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ
(2)
فَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ
(3)
. رَوَاهُمَا الإِمَامُ مَالِكٌ. وَقَالَ: وَمَنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلاً وَيَقْرُنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيُهْدِي هَدْيَيْنِ هَدْياً لِقِرَانِهِ وَهَدْياً لِمَا فَاتَهُ مِنَ الْحَجِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الإحصار في العمرة
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ
(4)
فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ
(5)
وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَاماً قَابِلًا
(6)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1)
أي إلى بلادكم حتى تحجوا وتهدوا في العام القابل بمشيئة الله تعالى.
(2)
أي تاهت منه وبحث عنها حتى فات يوم عرفة.
(3)
فمعنى ما تقدم أن من أحصر عن الحج لأي سبب، فإن كان قبل وصوله لمكة فإنه يتحلل مكانه بنحر الهدى وتفرقته على أهل المكان ثم يحلق أو يقصر بنية التحلل ويعود إلى وطنه وعليه الحج في العام الآتي والهدى، وإن كان بعد وصوله لمكة فإنه يتحلل بعمل عمرة وعليه الحج في العام القابل والهدى. والله أعلم.
الإحصار في العمرة
(4)
منعونا من الوصول إليه في الحديبية.
(5)
أي بعد النحر فهو متأخر في الذكر فقط.
(6)
فمن أحصر عن العمرة قبل مكة فإنه يتحلل بالهدى والحلق أو التقصير وعليه العمرة في القابل والمتحلل ما ذكر في الحج والعمرة إذا كان الإحصار بعد الإحرام بالنسك فإن حصل قبله فلا شيء عليه لأنه لم يدخل في نسك حتى يتحلل منه والله أعلم.
حكم الوطء في النسك
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
(1)
-
سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يُتِمَّا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ
(2)
. رَوَاهُ الإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه.
أسباب الفدية وبيانها
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}
(4)
ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
(5)
.
حكم الوطء في النسك
(1)
أي فمن فرض على نفسه الحج في أيامه ونواه فليبتعد عن الرفث أي الكلام مع النساء، والوقاع أولى، وكذا لا فسق ولا جدال في الحج بل هو عمل وقول في طاعة الله لأنهم وافدون إلى بيت الله تعالى.
(2)
فمن جامع وهو محرم بالحج أي قبل طواف الإفاضة كما قاله الأئمة، وكذا من جامع في العمرة قبل السعي باتفاق وقبل الحلق أو التقصير عند الشافعي فإنه يتم حجه وعمرته وعليه القضاء في القابل والهدى ولو كان النسك تطوعا، الرجل والمرأة في هذا سواء. والله أعلم.
أسباب الفدية وبيانها
(3)
الفدية ويقال فداء وفدى: هو ما يقدم عوضًا عن شيء ويسمى هنا هديا؛ والمراد به قربة لله من شاة أو سبع بدنة أو طعام أو صيام جبرًا لما وقع في النسك كسجود السهو في الصلاة، وزكاة الفطر لصوم رمضان، وأسباب الفدية التمتع والقران السالفان في أنواع النسك والإحصار والوطء وفوت عرفة والطيب واللبس والحلق ولو لعذر فيهما، وقتل الصيد وترك الإحرام من الميقات وترك البيت بمزدلفة أو بمني وترك الرمى، ويجمعها ترك أي واجب من واجبات النسك أو فعل محظور من محرمات الإحرام.
(4)
فصيام أي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه.
(5)
أي فمن كان منكم في نسك ولبس ملابسه لمرض أو حلق رأسه لقمل أو مرض به فعليه فدية بشاة أو صدقة أو صوم.
• عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ يُوقِدُ تَحْت قِدْرٍ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِهِ
(1)
فَقَالَ لَهُ: «آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «احْلِقْ رَأْسَكَ ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكاً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ»
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: فِيَّ خَاصَّةً نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً.
جزاء الصيد
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً}
(3)
فَجَزَآء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْياً بَلِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ.
(1)
أي يتساقط من رأسه على وجهه لكثرته بسبب مرضه، وقوله نسكا عبادة واجبة للفقراء وأو للتخيير بين الثلاثة.
(2)
الآصع جمع صاع وهو أربعة أمداد، والمد رطل وثلث؛ فالواجب هنا لكل مسكين مدان من غالب قوتهم، وخص التمر لأنه غالب قوتهم حينذاك، فالآية الأولى ذكرت من أسباب الفدية التمتع، والثانية ذكرت الحلق واللبس ولو لعذر، ومثل الحلق واللبس بقية محرمات الإحرام إذا فعل شيئا منها وكذا إذا ترك واجبًا من واجبات النسك السالفة فعليه الفدية بشاة أو صدقة أو صوم عشرة أيام.
جزاء الصيد
(3)
متعمدًا أي وعالمًا بالتحريم، أما الناسي والجاهل المعذور فلا شيء عليهما، وقوله فجزاء أي فعليه جزاء من النعم يكون شبيهًا في الخلق والوصف بما قتله، يحكم بمثل الصيد رجلان عدلان منكم، وقوله: هديا، حال من جزاء، وقوله: بالغ الكعبة أي يبلغ الحرم فيذبح فيه ويفرق على مساكينه، وقوله: طعام مساكين أي من غالب قوت البلد ما يساوي الجزاء، وأو فيه وما بعده للتخيير وقوله: أو عدل ذلك صيامًا أي مثل هذا الطعام صيامًا عن كل مد يومًا، فقاتل الصيد مخير بين مثله من النعم وبين قيمة المثل طعامًا أو بدل الطعام صيامًا فإن لم يكن للصيد مثل فعليه قيمته أو صيام بقدرها.
• عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَضى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ.
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ رضي الله عنه يَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ إِذَا قُتِلَ شَاةٌ
(1)
. رَوَاهُمَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَزَادَ: وَفِي غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الطَّائِرِ قِيمَتُهُ
(2)
، وَقَضَى عُمَرَ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ: فِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ أَوْ حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ
(3)
.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ رضي الله عنه فِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ وَفِي الْوَبَرِ إِنْ كَانَ يُؤْكَلُ شَاةٌ وَفِي الضَّبِّ شَاةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: إِنْ أَرَادَ شَاةً صَغِيرَةً فَبِذلِكَ نَقُولُ وَإِنْ أَرَادَ مُسِنَّةً خَالَفْنَاهُ
(4)
. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الهدى إلى الحرم الشريف
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَا هَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}
(6)
كَذلِكَ سَخَّرْنَهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
(1)
للشبه الظاهر بين الصيد وبين هذه ولشبه الشاة بالحمام في العب، وسبق سعيدًا إلى ذلك عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
(2)
لم يكن غير حمام مكة كحمام مكة لفضله بنسبته للحرم ولأنه من نسل الحمامتين اللتين باضتا على باب الغار وحفظت النبي صلى الله عليه وسلم من أيدي الكفار.
(3)
للشبه الظاهر في كل هذه الحيوانات.
(4)
قوله إن أراد شاة صغيرة أي في الضب والوبر والثعلب وافقناه وإلا خالفناه للفرق الظاهر بين الكبيرة وهذه الحيوانات، فهذه الأفضية أمثلة يقاس عليها والفراسة بيد الله يعطيها لمن يشاء جل شأنه والله أعلم.
الهدي إلى الحرم الشريف
(5)
الهدي هو إهداء النعم الفقراء الحرم وهو سنة مؤكدة من المحرم وغيره للتوسعة على أهل ذلك الوادى الذي لا زرع فيه وهم أهل الله وسكان حرمه الشريف، وينبغي اختيار الهدى من أحسن النعم صحة وسمنًا فإنه تعظيم المعالم الدين وزيادة في التقوى قال الله تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ويقاس على النعم غيرها من طعام وثياب ونقود فيندب إهداء ما تيسر من ذلك للحرم رحمة بأهله وإجابة لدعوة الخليل عليه السلام {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} .
(6)
البدن جمع بدنة وهي الواحد من الإبل والبقر التي تهدى للحرم وقوله: من شعائر الله أي معالم =
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْي مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ
(1)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَهْدَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةَ بَدَنَةٍ فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا وَأَمَرَنِي بِجِلَالِهَا فَقَسَمْتهَا ثمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ مَرْوَانَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ
(2)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةٍ فَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا بِنَعْلَيْنِ عَلَّقَهُمَا فِي عُنُقِهَا
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتْرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ الْغَنَمِ للِنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَبْعَثُ بِهَا ثُمَّ يَمْكُثُ حَلَالاً
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
=دينه. وقوله: لكم فيها خير أي بركوبها وحمل متاعكم عليها. وقوله: {فاذكروا اسم الله عليها} أي حين ذبحها حال كونها صواف أي قائمة مقيدة اليد اليسرى كما تقدم في الذبح. وقوله: {فإذا وجبت جنوبها} أي سقطت على الأرض وخرجت روحها، فكلوا منها على ما تقدم {وأطعموا القانع} أي الذي يقنع بما يعطي ولا يسأل والعتر الذي يتعرض أو يسأل.
(1)
قوله تمتع فهم ابن عمر ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع وإلا فهو كان قارنا كما تقدم.
(2)
ورد أنه صلى الله عليه وسلم في هذه المرة أهدى سبعين بدنة عن سبعمائة رجل من أصحابه.
(3)
التقليد تعليق نعلين في عنق البدنة، والإشعار جرح جانب السنام الأيمن وتلطيخه بالدم وهما علامة على أن هذا النعم هدى للحرم فلا يتعرض له أحد وهو مستحب، ويكفي في بدنة تكون في مقدمة الهدى.
(4)
قوله قلائد أي حبائل جمع قلادة وهي هنا ما يعلق فيه النعل في عنق الهدى، وقوله ثم أهداها فما حرم عليه شيء، أي أهداها وهو على حاله، ففيه جواز الهدى من المحرم والحلال، وفيه أن إرسال الهدى لا يحرم شيئا على الحلال الذي أرسله، وفيه جواز تقليد الغنم للإشعار بأنها هدى وفي رواية: فتلت قلائدها من عهن أي صوف كان عندي فالنبي صلى الله عليه وسلم أهدى للحرم وهو محرم بالعمرة وأهدى في حجة الوداع وأرسل الهدى وهو في المدينة، ولقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرة. والله أعلم.
لا بأس بركوب البدن
(1)
عند الحاجة
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَسُوق بَدَنَةً قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ
(2)
قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
(3)
وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ رضي الله عنه: سَأَلْتُ جَابِراً عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجِدَ ظَهْراً
(4)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
إن عطب الهدْي في الطريق يذبح للناس
• عَنْ ذُؤَيْبٍ أَبِي قَبِيصَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَعِي بِالْبُدْنِ
(5)
ثُمَّ يَقُولُ: إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخِفْتَ عَلَيْهِ مَوْتاً فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا
(6)
وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ
(7)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ. وَاللَّهُ أَعْلمُ.
لا بأس ركوب البدن عند الحاجة
(1)
أي البدن المهداة للحرم الشريف.
(2)
أي هدية للحرم.
(3)
أي في المسير ويحدثه.
(4)
بالمعروف أي إن كانت تطيق، وحملها ما تطيق حتى تجد مركوبًا آخر، ففيهما جواز ركوب الهدي ولقول الله تعالى:{لكم فيها خير} والله أعلم.
إن عطب الهدي في الطريق يذبح للناس
(5)
هدية للحرم ويبقى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي رواية. بعث النبي صلى الله عليه وسلم مرة بثمان عشرة بدنة مع رجل وقال له إن عطب منها الخ.
(6)
أي صفحة سنامها الأيمن لتعلم أنها هدي فلا يأكلها الأغنياء ويأكلها الفقراء.
(7)
قال بظاهره جماعة، ولكن الجمهور على جواز الأكل منه لما سبق في الضحية، والنهي هنا لئلا يتوسل إلى أكلها بدعوى العطب مثلا. والله أعلم.
إلى هنا وأنا أشكل الكتاب أمام الطبع في صباح يوم الاثنين المبارك الموافق 3 ذي القعدة سنة 1351 هـ تفضل الله وتكرم علينا بمولود وأسميناه عبد الرحمن الحديث الآتي في كتاب الأدب: أفضل الأسماء عند الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن، وتفاؤلا بأنه يعيش ويكون عبدًا لله ورحيما بعباده، وبهذا كملت الذرية أربعة بعد الأول الذي اختصه الله بجواره، وهم السيدة زينب والسيد محمد ولى الدين والسيدة بهيمة =
الباب السابع: في الحرمين الشريفين
(1)
وفيه خمسة فصول وخاتمة
الفصل الأول: في فضل الحرم المكي
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً}
(2)
{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} . وَقَالَ: {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}
(3)
{وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ
(5)
عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ
(6)
فَأُخْبِرَ بِذلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ
= والسيد عبد الرحمن، أحمد الله على ذلك بعدد ما في علم الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أسأل الله أن يجعلهم نباتًا حسنًا وذرية طيبة إنه سميع الدعاء آمين. والحمد لله رب العالمين.
(الباب السابع في الحرمين الشريفين وفيه خمسة فصول وخاتمة)
الفصل الأول في الحرم المكي
(1)
أي في فضلهما وبيانهما وعدم التعرض لصيدها وشجرهما.
(2)
آمنا أي أهله وصيده وشجره.
(3)
حرمها أي حرم دمها وصيدها وغرسها.
(4)
يجبى إليه أي تجلب إليه الثمرات والحبوب والثياب والهدى وكل شيء بفضل الله على أهل ذلك الحرم العظيم، والحرم مكة والمحيط بها، وحده من طريق المدينة التنعيم على ثلاثة أو أربعة أميال من مكة، ومن جهة حده عشرة أميال ومن الجعرانة تسعة ومن جهة الطائف واليمن والعراق سبعة. ونظمها بعضهم في قوله:
وللحرم التحديد من أرض طيبة
…
ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه
وسبعة أميال عراق وطائف .... وحدة عشر ثم تسع جعرانه
(5)
خزاعة وبنو ليث قبيلتان مشهورتان.
(6)
بمقابلة مقتول من خزاعة قتله بنو ليث فاقتص خزاعة منهم.
عز وجل حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ
(1)
وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ
(2)
، أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلَنْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ
(3)
، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هذِهِ حَرَامٌ
(4)
لَا يُنْحْبِطُ شوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شجَرُهَا
(5)
». زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلا مُنْشِدٌ
(6)
وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْطَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ
(7)
» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهْ فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّه فَقَالَ: «اكْتُبُوا لأَبِي شَاهُ»
(8)
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلا الإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِلا الإِذْخِرَ»
(9)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا هِجْرَةَ وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا
(10)
إِنَّ هذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ»
(11)
.
(1)
الذي جاء في جيش لهدم الكعبة سنة ميلاده صلى الله عليه وسلم، فأهلكه الله بوادي محسر بالطير الأبابيل كما يأتي في التفسير إن شاء الله.
(2)
في فتح مكة.
(3)
لن تحل لأحد بعدي أي يقاتل فيها وإنما حلت لي ساعة من أول النهار إلى العصر.
(4)
أي يحرم فيها الآتي وأولى منه القتال.
(5)
أي لا يقطع ولو غصنًا ولا يخبط، والنهي كله للتحريم.
(6)
إلا من يعرفها وستأتي لقطة مكة والحاج في باب اللقطة إن شاء الله.
(7)
إما أن يعطي أي الدية فيأخذها، وأما أن يقاد أي يقتل القاتل، فصاحب الدم بالخيار بين الدية والقصاص، ففيه أن الحرم لا يمنع إقامة الحد ولا القصاص لأنه تنفيذ لأمر الله.
(8)
أبو شاه بسكون الهاء وصلا ووقفًا قال يا رسول الله اكتب لي هذه الخطبة فأمر بكتابها له.
(9)
القائل هو العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يبيح لهم أخذ نبات الإذخر لحاجتهم إليه للوقود ولسقف القبور فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم.
(10)
لا هجرة واجبة على أهل مكة بعد إسلامهم وكانت الهجرة واجبة قبل الفتح وسيأتي بسطها في الجهاد إن شاء الله ولكن يجب الجهاد ونيته إذا استنفرتم أي طلبتم للخروج له.
(11)
أي للقتال فيها؛ أما حمله للتحفظ فلا بأس به وربما وجب عند الخوف.
• عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ
(1)
: إِئْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ
(2)
سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ
(3)
أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً
(4)
وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ
(5)
وَقَدْ عادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ». فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعيِذُ عَاصِياً
(6)
وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ
(7)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ رضي الله عنه: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفاً عَلَى الْحَزْوَرَةِ
(8)
فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ
(9)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَكَّةَ: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» . رَوَاهُما التِّرْمِذِيُّ
(10)
.
(1)
عمرو هذا كان أميرًا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية، وكان يخطب على منبر المدينة ويحث الناس. على قتال ابن الزبير الذي لم يبايع يزيد وتحصن بمكة، فاعترض أبو شريح على عمرو فرد عمرو عليه بقوله: إن الحرم لا يحفظ العاصي.
(2)
اليوم الثاني منه.
(3)
أي النبي صلى الله عليه وسلم وهذه مبالغة في حفظه لما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
إلا قصاصًا.
(5)
وهي من أول النهار إلى العصر: فالمراد قطعة من الزمن.
(6)
لا يحفظه من إقامة الحد عليه.
(7)
بفتح الحاء والباء وسكون الراء أي خيانة.
(8)
الحزورة - كقسورة - مكان بمكة.
(9)
فمكة أحب البلاد إلى الله وإلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين.
(10)
وصحح الأول وحسن الثاني.
يجوز دخول مكة بغير إحرام
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ»
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
شرب ماء زمزم ونقله
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ
(3)
. قَالَ عَاصِمٌ: فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلا عَلَى بَعِيرٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَلَفْظُهُ: شَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوٍ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْمِلُهُ
(4)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
يجوز دخول مكة بغير إحرام
(1)
المغفر - كمنبر - زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يحفظه من السلاح، وابن خطل كان اسمه أولا عبد العزى فلما اسم سمي نفسه عبد الله وبعد إسلامه ارتد عن الإسلام وقتل مسمًا كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وجلس بجوار الكعبة شعر ابن خطل بالخطر فاستغاث بالكعبة فجاء نضلة بن عبيد فقال: يا رسول الله إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فأمر بقتله فقتله نضلة وشاركه سعيد بن حريث، فيه جواز إقامة الحدود في الحرم وعليه الشافعي وجماعة، وقال الحنفية: لا يجوز. وقتل ابن خطل في الساعة التي أبيحت فيها مكة للنبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
محل الشاهد، وأيضًا لو كان محرمًا لم يلبس عمامة ولا مغفرا، والعامة لا تنافي المغفر لإمكان لبس العامة فوق المغفر فظاهره أنه لا يجب الإحرام على من دخل مكة وعليه الشافعي وجماعة، وقال الأئمة الثلاثة: يجب الإحرام بنسك لأن البيت الحرام خلق للعبادة. والله أعلم.
شرب ماء زمزم ونقله
(3)
شرب وهو قائم لبيان الجواز، وستأتي آداب الأكل والشرب في كتاب الطعام والشراب إن شاء الله.
(4)
أي من مكة إلى المدينة تبركا واستشفاء به.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»
(1)
. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فضل سقاية الحاج
(2)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ
(3)
وَاسْتَسْقَى فَقَالَ الْعَبَّاسُ
(4)
: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا
(5)
فَقَالَ: اسْقِنِي قَالَ: «اسْقِنِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ قَالَ: «اسْقِنِي»
(6)
فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا
(7)
فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ» ، ثُمَّ قَالَ: «لَوْلَا أَنْ تغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هذِهِ وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ
(8)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما جَالِساً عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَا لِي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ
(9)
يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
(1)
فإن شربه بنية الشفاء شفاء الله، أو بنية النصر نصره الله، أو بأي مطلوب ناله، وشربه جماعة من السلف لآمال فبلغوها كما شاء الله. والدارقطني والحاكم: ماء زمزم لما شرب له، فإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته مستعيذًا أعاذك الله، وإن شربته لتقطع ظمأك قطعه الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله وهي هزمة جبريل (أي غمزة بيده) وسقيا إسماعيل. وفي رواية: من شربه لمرض شفاه الله، أو لجوع أشبعه الله، أو لحاجة قضاها الله. فيندب الشرب والتضلع منه مرة بعد أخرى. ونقله إلى الأوطان بنية صالحة. والله أعلم.
فضل سقاية الحاج
(2)
ك انوا يهتمون بها في الجاهلية حتى فهم بعضهم أنها تعدل الإيمان بالله فرد الله عليهم بقوله: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ لا يستوون عند الله} .
(3)
التي يستقي منها الماء واستسقى أي طلب الشرب.
(4)
لولده الفضل.
(5)
أنظف من هذا.
(6)
أي مما يشرب منه الناس.
(7)
ينزحون الماء من بئرها.
(8)
فلم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من نزح الماء إلا خوفه من غلبة الناس على بني عمه.
(9)
أي من العرب يسقون العسل واللبن أبي الممزوجين بالماء، وكانت كرام العرب تفعل ذلك عزًا وكرمًا.
الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلَا بُخْلٍ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ: «أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ»
(1)
كَذَا فَاصْنَعُوا فَلَا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
الفصل الثاني: في الكعبة حفظها اللَّه
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}
(3)
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}
(4)
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}
(5)
{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
(1)
النبيذ هو منقوع التمر والزبيب الذي لا يسكر، وأحسنتم وأجملتم أي فعلتم الحسن الجميل، ففيه الحث على سقاية الناس ولا سيما الحجاج فإنهم وفد الله وفي بقاع قليلة الماء، ولكن مشاعر الحج صارت الآن روضة بفضل ما فعلته تلك السيدة الجليلة زبيدة امرأة أمير المؤمنين هارون الرشيد التي أجرت فيها نهرًا يرويها ما بقيت الدنيا جزاها الله ومن تحب أحسن الجزاء. آمين.
الفصل الثاني في الكعبة حفظها الله
(2)
أي في فضلها وفي جواز الصلاة فيها وفي عدم التعرض لكنزها وفي خسف من يتعرض لها بسوء وغير ذلك.
(3)
فأول بيت وضع في الأرض بيت مكة وهو الكعبة، بنتها الملائكة وبعده المسجد الأقصى وبينهما أربعون سنة، ثم بناها آدم بعد أن خلق وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس، ثم بناها أولاد آدم حتى نسفها الطوفان، ثم بناها إبراهيم الخليل عليه السلام، ثم بناها العمالقة، ثم جرهم، ثم قصي بن كلاب ثم قريش قبل المبعث بخمس سنين، ثم عبد الله بن الزبير على قواعد إبراهيم عليه السلام وأدخل فيها الحجر وجعل فيها بابين شرقيًا وغربيًا جزاه الله أحسن الجزاء، ثم الحجاج بن يوسف الثقفي وهو الموجود الآن.
(4)
منها مقام إبراهيم، وهو الحجر الذي وقف عليه عند بناء البيت، فأثر قدماه فيه وبقي للآن مع تطاول وتداول الأيدى عليه، ومنها تضعيف الحسنات، ومنها كون الطير لا يعلوه، ومنها رد من أراده بسوء، ومنها حفظ من كان فيه.
(5)
عطف على إبراهيم فهما قد رفعا قواعد الكعبة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} . وأما الأسس فكانت من قبل، ورد أنه حين أسستها الملائكة انشقت الأرض إلى منتهاها وقذفت فيها حجارة أمثال الإبل، فتلك قواعد البيت التي بني عليها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، قال يزيد =
وَقَالَ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ}
(1)
. -
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَة ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اِجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ فَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ فَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ
(2)
فَقَالَ: أَرنِي إِزَارِي فَشَدَّهُ عَلَيْهِ. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذلِكَ الْيَوْمِ عُرْياناً
(3)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تجوز الصلاة في الكعبة والحجر منها
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ أَبى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ
(4)
فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ» . فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ
(5)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
= ابن رومان: شهدت ابن الزبير حين هدم البيت وبناه فكشفوا له عن أساسه فإذا هي حجارة كأسنمة الإبل. وفي رواية: فإذا هي كالإبل العظام متداخلة في بعضها فبنوا عليها.
(1)
البيت الحرام بدل من الكعبة، وقيامًا للناس أي يقوم به أمر دينهم بالحج والعمرة وأمر دنياهم بأمن داخله وجلب الثمرات إليه.
(2)
طمحت بفتحات أي شخصتا إلى السماء خوفًا من ربه لكشف عورته الذي لم يتعوده.
(3)
فقريش شرعت في بناء الكعبة لتصدعها بالسيول وطول الزمن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينذاك في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان ينقل الحجارة معهم، فوضع إزاره على عاتقه بأمر عمه ليحفظه من الحجارة، فوقع على الأرض لكشف عورته فاتزر إزاره، وما رئي بعد ذلك مكشوف العورة صلى الله عليه وسلم ووفقنا للعمل بشريعته آمين.
تجوز الصلاة في الكعبة والحجر منها
(4)
فلم يدخل الكعبة لوجود الأصنام فيها أي التماثيل التي وضعها الكفار ويزعمون أنها آلهة ويعبدونها من دون الله.
(5)
الأزلام القداح، وهي أعواد ثلاثة مكتوب في أحدها افعل، وفي الثاني لا تفعل، والثالث غفل لا شيء فيه، كان أحدهم إذا أراد حاجة كسفر ونحوه ألقاها في الوعاء فإن خرج افعل،=
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ ابْنُ طَلْحَةَ
(1)
فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيتُ بِلَالاً فَسَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ
(2)
. وَفِي رِوَايَةٍ: جَعَلَ عَمُوداً عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِي وَهُوَ مَسْرُورٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ وَهُوَ كَئيبٌ، فَقَالَ: «إِنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا، إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَعَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ وَأُصَلِّيَ فِيهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ: «صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِنْ أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ
(5)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
= فعل ما أراد، وإن خرج لا تفعل امتنع، وإن خرج الثالث أعاد الإلقاء حتى يخرج الآمر أو الناهي، وهو فسق كما قال الله تعالى {وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق} والذي ابتدع الأزلام عمرو بن لحي الذي سيب السوائب للآلهة، وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قبل عمرو بزمن طويل، فنسبة الأزلام إليهما افتراء وتضليل.
(1)
عثمان هو القائم بخدمة الكعبة وبيده مفتاحها.
(2)
المجاورين للحائط الجنوبي، فاستقبله صلى الله عليه وسلم وكان الحجر عن يساره.
(3)
أي ركعتين كما في رواية، ويقاس على النفل كل صلاة.
(4)
فالنبي صلى الله عليه وسلم ندم على دخول الكعبة خوفًا على أمته من أن تفهم أنه فرض لازم فيجهدوا أنفسهم في دخولها.
(5)
الحجر الجزء المتصل بالكعبة من الجهة الشمالية المحيط به جدار قصير وهو من الكعبة، وتركته قريش لقلة النفقة التي أعدوها لبنائها من كسبهم الطيب، فإن أبا وهب المخزومي قال لقريش: لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا طيبًا ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلة أحد من الناس، ففي هذه صحة الصلاة في الكعبة والحجر فرضًا أو نقلا إلى أي جهة فيها وعليه الجمهور سلفًا وخلفا. وقال مالك: يصح فيها النفل المطلق دون الفرض والوتر وركعتي الفجر وركعتي الطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخلها صلى ركعتين نافلة، وقال الظاهرية: لا تصح فيها صلاة مطلقًا.
• عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
(1)
قُلْتُ: فَلِمَ لَمْ يُدْخِلوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ» قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعاً
(2)
؟ قَالَ: «فَعَلَ ذلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا وَيَمْنَعُوا منْ شَاؤُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ
(3)
فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ». وَفِي رِوَايَةٍ: لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ فَأَلْزَقْتُهَا بِالأَرْضِ وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَاباً شَرْقِيًّا وَبَاباً غَرْبِيًّا بَابٌ يَدْخُلُونَ مِنْهُ وَبَابٌ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعِ
(4)
مِنَ الْحِجْرِ فَإِنَّ قُرَيْشاً اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ
(5)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
كنز الكعبة
(6)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ بِكُفْرٍ لأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالأَرْضِ
(1)
الجدر - كالبدر - هو الحجر السابق ذكره ويسمى حجر إسماعيل عليه السلام.
(2)
بابه أي البيت وهو الكعبة فإن بابها مرفوع.
(3)
فاعل بحديث.
(4)
وفي رواية: خمسة أذرع، وهذا تقريبي فإنه لم يكن عليه جدار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، ولكن أحاطه بالجدار عمر رضي الله عنه، وهو من البيت لتصريح أحاديث الباب ولحديث الشيخين: الحجر من البيت. فلابد للطائف من المرور حوله وعليه جميع المحدثين والفقهاء رضي الله عنهم.
(5)
ومعنى ما تقدم أن أرض الكعبة وبابها مرفوعان عن أرض المسجد الحرام، وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم لو تمكن من هدمها لبناها على قواعد إبراهيم وأدخل فيها الحجر وجعلها كالأرض وجعل لها بابين أحدهما للدخول والآخر للخروج، وفعل ذلك ابن الزبير رضي الله عنه ولكن بالأسف لم يبقه الحجاج لما وقع بينهما رحم الله الجميع، ولمسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريبًا من سبعة أذرع وهو حجر إسماعيل عليه السلام.
ك نز الكعبة
(6)
هو مال مدفون فيها زائد عن حاجتها من هدايا الجاهلية التي كانوا يهدونها للكعبة.
وَلأَدْخَلْتُ فِيهَا منَ الْحِجْرِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ شَقِيقٌ رضي الله عنه: كنْتُ مَعَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ فَقَالَ: قَعَدَ عُمَرُ فِي مَقْعَدِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ
(1)
فَقَالَ: لَا أَخْرُجُ حَتَّى أَقْسِمَ مَالَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفاعِلٍ قَالَ: بَلَى لأَفْعَلَنَّ، قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى مَكَانَهُ وَأَبُو بَكْرٍ
(2)
وَهُمَا أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَى الْمَالِ فَلَمْ يُحَرِّكَاهُ فَقَامَ فَخَرَجَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ. وَلَفْظهُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَلا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلا قَسَمْتُهُ قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا، قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِي بِهِمَا
(3)
.
يخسف بمن يغزو الكعبة
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ وَفِيهئِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»
(4)
.
(1)
وكان شقيق وعثمان خادم الكعبة جالسين في الكعبة.
(2)
أي رآه.
(3)
الصفراء: الذهب والبيضاء: الفضة؛ فعمر كان جالسًا في الكعبة مع خادمها وأراد أخذ مالها فمنعه عثمان واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر تركاه مع اضطرارها إلى المال فقال عمر: هما المرآن العظيمان أقتدي بهما. وانصرف ولم يتعرض لكنزها هذا، ولكن لا مانع من إنفاق ما زاد على حاجتها في المصالح العامة وللفقراء لأن المانع للنبي صلى الله عليه وسلم من أخذه قربهم من الكفر وقد زال؛ ولأنه ككسوة الكعبة القديمة إذا جاءها الكسوة الجديدة فإنها تصرف في مصالحها وفي مصالح المسجد الحرام إذا احتيج لذلك وإلا جاز صرفها للمسلمين ينتفعون بها لبسًا وغيره كما كان عمر يقسمها كل سنة على الحجاج وعليه ابن عباس وعائشة وأم سلمة، قال النووي وهو متعين لئلا تتلف بالبلى، وكانت الكعبة تكسى في الجاهلية وكساها النبي صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساها عمر وعثمان وكساها معاوية الديباج وكساها المأمون وكساها المتوكل العباسي والناصر العباسي، ولم تزل الملوك تتداول كسوتها إلى أن وقف لها الصالح ابن الناصر محمد بن قلاوون في القرن الثامن قرية تسمى بيسوس بضواحي مصر في القليوبية وكذا وقفت لها أميرة مصر شجرة الدر المشهورة أوقافًا لا تزال تعمل منها الكسوة إلى الآن، رحم الله الجميع وجزاهم على صنعهم. خير الجزاء، آمين.
يخسف بمن يغزو الكعبة
(4)
سيأتي لغزو الكعبة جيش حتى إذا كان بفلاة من الأرض خسف الله بهم الأرض كلهم حتى=
روَاهُ الْخَمْسَةُ
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَراً حَجَراً
(2)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(3)
.
الفصل الثالث: في فضل المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ»
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكلُ الْقُرَى
(5)
يَقُولونَ يَثْرِبَ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»
(6)
. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.
=صالحيهم بشؤن أشرارهم قال الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} ولكن في الآخرة يعامل كل إنسان بنيته جزاء وفاقًا.
(1)
ولكن البخارى هنا وبقيهم في الفتن.
(2)
السويقتان تثنية سويقة بالتصغير أي له ساق صغيرة، من الحبشة أي السودان وأسود منصوب على الذم أو الاختصاص أو الحال، وأفحج بالحاء فالجيم من يتقارب صدر قدميه ويتباعد عقباه.
(3)
ولكن البخاري هنا ومسلم في الفتن، فالكعبة في آخر الزمان يأتيها جيش لتخريبها ولكنه يخسف به في الطريق فإذا قربت القيامة وفنى الموحدون جاءها عدو من الحبشة فيهدمها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كأني أنظر إلى حبشي ضئيل معوج الساقين بيده مسحاة يقلع الكعبة حجرًا بعد حجر: نعوذ بالله من الفتن ونسأله السلامة إلى الممات آمين.
الفصل الثالث في فضل المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
(4)
لطيب أهلها وتسمى طيبة لحديث مسلم: إنها طيبة.
(5)
أي أمرني ربي بالإقامة في قرية تأكل القرى أي تغلبها وهي المدينة لأنها كانت مقر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وكانت تخرج منها الجيوش التي فتحت المشرق والمغرب.
(6)
كره النبي صلى الله عليه وسلم من تسميتها بيثرب لأنه قول المنافقين، ولأن معناه اللوم قال تعالى:{لا تثريب عليكم} أي لا لوم عليكم. وقوله تنفي الناس أي أشرارهم.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلَامِ فَجَاءَ مِن الْغَدِ مَحْمُوماً فَقَالَ: أَقِلْنِي فَأَبَى ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْضَعُ طَيِّبُهَا»
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الإِيْمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا»
(2)
رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آخِرُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الإِسْلَامِ خَرَاباً الْمَدِينَةُ
(3)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَسَاجِدِ فَضْلُ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةِ.
الفصل الرابع: في حرمها
(4)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ
(5)
وَدَعَا لِأَهْلِهَا
(6)
وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ
(7)
كَمَا حَرَّمَ إِبْراهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْراهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ»
(8)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئاً نَقْرَؤُهُ إِلا كِتَابَ اللَّهِ وَهذِهِ الصَّحِيفَةَ
(1)
فالأعرابي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الإسلام والإقامة بالمدينة فأصبح مريضًا بالحي فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيله من بيعته مرارًا فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من المدينة فقال من: المدينة كالكير تنفي خبثها. وينصع كيمنع أي يصفو طيبها.
(2)
إن الإيمان ليأرز براء فزاي كيضرب أو كينصر: أي يجتمع وينصاع إلى المدينة كما تنصاع الحية إلى جحرها.
(3)
فالمدينة آخر بلاد الإسلام عمارًا، وفقه ما تقدم أن المدينة تطرد الأشرار وأنها تسمى طابة وطيبة مخففًا ومشدَّدًا. والمدينة، وطايب ككاتب، ودار الأخيار، ودار الأبرار ودار الإيمان، ودار السنة، ودار السلامة، ودار الهجرة، ودار الفتح، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى غالبًا، وأن الإيمان يأوي إليها أي يرتفع من كل بقاع الأرض ولا يكون إلا فيها صلى الله على ساكنها وسلم.
الفصل الرابع في حرمها
(4)
أي في بيان حرمها.
(5)
أي أظهر حرمتها وإلا فالذي حرمها هو الله تعالى.
(6)
بما أخبرنا الله عنه بقوله {رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات} وغير ذلك مما في القرآن.
(7)
أي أظهرت حرمتها.
(8)
ستأتي أدعيته صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة في الفصل الخامس.
فَقَدْ كَذَبَ
(1)
فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ
(2)
وَفِيهَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ غَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ
(3)
فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَى مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
(4)
لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلَا عَدْلًا
(5)
وَذِمَّةٌ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعى بِهَا أَدْنَاهُمْ»
(6)
. زَادَ في رِوَايَةٍ: «فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً
(7)
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنِ ادَّعى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ
(8)
أَوِ انْتَمى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلَا عَدْلًا».
رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ لَابَتِي الْمَدِينَةِ فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا مَا ذَعَرْتُهَا وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى
(9)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
الإشارة لصحيفة معلقة في قراب سيفه أي لورقة مطوية وموضوعة في جراب السيف.
(2)
أي في الصحيفة بيان أسنان الإبل التي تعطى في الدية وأمور أخرى ستأتي في الحدود إن شاء الله، وسبب هذا أنهم كانوا يفهمون أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص عليًا وآل البيت رضي الله عنهم بأمور من أسرار الدين وكنوز الشريعة دون بقية الأمة فنفى ذلك على رضي الله عنه بما قال.
(3)
عمر وثور - كشرط - جبلان على طرفي المدينة المشرفة فعير في جنوبها وثور في شمالها خلف أحد وقوله ما بين عمر وفي لفظ ما بين عائر إلى ثور كقوله الآتي: حرمت المدينة ما بين مأزميها، أي جبليها، فهو تحديد المسافة الحرم المدني من الجنوب إلى الشمال، وتحديدها من غرب إلى شرق يأتي في قوله ما بين لابتيها، ويأتي واضحًا في قوله وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى وما رواه أبو داود حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا بريدًا.
(4)
من أحدث فيها حدثًا أي يخالف حكم الله أو آوى محدثًا أي نصره وحفظه فعليه اللعنة العظيمة الدائمة.
(5)
الصرف: النفل، والعدل: الفرض وقيل عكسه.
(6)
فلأي مسلم حق إعطاء الأمان لأي كافر.
(7)
نقض عهده الذي بينه وبينه.
(8)
انتسب إليه، وقوله أو انتمى أي انتسب إلى غير أسياده فعليه عظيم اللعنة.
(9)
لابتيها تثنية لابة وهى الحرة أي الأرض ذات الحجارة السود والمدينة بين حرتين عظيمتين إحداهما شرقية والأخرى غربية، وقوله ما ذعرتها أي ما نفرتها، وبهذا ظهر تحديد مسافة الحرم المدني.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَماً وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَاماً مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا أَلا يُهَرَاقَ فِيهَا دَمٌ وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ وَلَا تخْبَطَ فِيها شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ
(1)
».
وَلِأَبِي دَاوُدَ: «لَا يُخْتَلَى خَلاها
(2)
وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَط لَقَطَتهَا إِلا لِمَنْ أَنْشَدَهَا»
(3)
.
من تعرض لشجر الحرم أو صيده تسلب ملابسه
رَكِبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصٍ رضي الله عنه إِلَى قصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبْداً يَقْطَعُ شَجَراً أَوْ يَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ فَجَاءَ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ فِي رَدِّ مَا أَخَذَهُ مِنَ الْغُلَامِ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئاً نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبى أَنْ يَرُدَّ عَليْهِمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ. وَلَفْظهُ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قَطَعَ مِنْ شَجَرِ الْمَدِينَةِ شَيْئاً فَلِمَنْ أَخَذَهُ سَلَبُهُ»
(4)
.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ هذَا الْحَرَمَ
(5)
وَقَالَ: «مَنْ وَجَدَ أَحَداً يَصِيدُ فِيهِ فَلْبَسْلُبْهُ ثِيَابَهُ»
(6)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1)
قوله مأزميها تثنية مأزم كمسجد وهو الجبل.
(2)
بسند صحيح.
(3)
الخلا بالقصر: الرطب من الكلأ، فالمدينة وحرمها الذي هو بريد من كل جهة حرام على كل إنسان يحرم عليه التعرض لصيدها وشجرها ونباتها إلا ما تمس الحاجة إليه من هذين، وأولى سفك الدماء، ولا يجوز أخذ لقطها إلا لمن يعرفها دائما فلا تملك لقطتها أبدًا، وعليه الشافعي وجماعة، وقال مالك: يجوز تملكها بعد تعريفها سنة وتأتي اللقطة في بابها وافية إن شاء الله.
من تعرض لشجر الحرم أو صيده تسلب ملابسه
(4)
فسلبه أي أخذ ما معه من ثياب وغيرها ولكن أبقى له ما يستر عورته وقوله نفلنيه أي جعله لي نفلا خالصًا.
(5)
الإشارة إلى حرم المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
(6)
فالتعرض لشجر حرم المدينة أو صيده حرام ولكن لأندية فيه إنما يؤخذ سلب من تعرض لها وهو للآخذ الظاهر هذه النصوص وعليه بعض الصحب وقيل لمساكين المدينة وقيل لبيت المال. والله أعلم.
المدينة محروسة بعناية اللَّه تعالى
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلَهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابِ لِكُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ
(1)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَيْسَ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونهَا ثمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» . رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.
• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَسْلِمٌ. وَلَفْظُهُ: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ
(2)
». وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
المدينة محروسة بعناية الله تعالى
(1)
الأنقاب جمع نقب وهو الطريق، والطاعون: وباء مشهور نعوذ بالله منه، والمسيح الدجال سيظهر في آخر الزمان وتعم فتنته كل الأرض إلا مكة والمدينة، وأول ظهوره من جهة الشرق من جهة خراسان فيأتي المدينة وينزل خلف أحد فتضطرب المدينة ثلاث مرات فيخرج إليه كل كافر يتبعه ويسير معه فإن المدينة تنفي خبثها ويبقى طيبها ولكنه لا يتمكن من دخولها لوجود ملائكة حولها يحرسونها فينصرف جهة الشام ويهلك عند قرية تسمى: لد، وسيأتي ذلك في علامات الساعة إن شاء الله تعالى.
(2)
انماع أي ذاب؛ وفي رواية: لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، المدينة محفوظة بالملائكة ومحروسة بعناية الله تعالى ببركته وبركة دعائه صلى الله عليه وسلم نسأل الله تعالى أن تكون مأوانا إلى الممات، آمين.
الفصل الخامس: في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلى الْجُحْفَةِ
(1)
». قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلاً
(2)
، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ
(3)
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ
…
وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
(4)
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِبرَتَهُ يَقُولُ
(5)
:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
…
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مَجِنَّةٍ
…
وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ.
(6)
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَتْ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ فَاشْتَكى أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ
(7)
فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَكْوَى أَصْحَابِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ
الفصل الخامس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها
(1)
وصححها أي ارزق أهلها الصحة وانقل الحمى التي تعودتها إلى الجحفة، وخصها لأنها كانت دار كفر ليشتغلوا بها عن معاونة كفار مكة فصارت أكثر البلاد وباء لا يشرب أحد من مائها إلا حم.
(2)
بطحان كقربان: واد بصحراء المدينة كان يجرى نجلا بفتح فسكون أي يجرى ماؤه على وجه الأرض وهو متغير بسبب كثرة الأوبئة.
(3)
بلفظ المجهول أي مرضا بالحمى.
(4)
مصبح بضم ففتح فتشديد يقال له صبحك الله بالخير ونحوه، فكان أبو بكر يسلي نفسه حين تأخذه الحمى بقوله: كل إنسان يحيى صباحًا في أهله والموت أقرب إليه من شراك نعله.
(5)
إذا أقلع بلفظ المجهول والمعلوم أي إذا زالت عنه الحمى برفع عقيرته أي صوته بالآتي حسرة وحنانًا على مكة وزرعها ومياهها وجبالها.
(6)
بواد، وروى بفج والإذخر بكسر فسكون فكسر، وجليل ككبير نباتان بأودية مكة المكرمة، ومجنة بكسر وفتح موضع على أميال من مكة نحو مر الظهران، يقام فيه سوق هجر؛ وشامة كهامة، وطفيل كرحيم: جبلان على نحو ثلاثين ميلا من مكة، أو هما عينان، ومعنى البيتين: أتمنى أن أبيت ليلة بنواحي مكة وحولي نباتها البهيج كما أتمنى أن أمر على مياه مجنة وأن تظهر لي جبالها الشامخة.
(7)
مرضا.
كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ» .
وَلِمُسْلِمٍ: «اللَّهُم بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا
(1)
، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ
(2)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا
(3)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: «إِنَّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ
(4)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
خاتمة في الترغيب في سكنى المدينة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
• عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبُسُّونَ فَيتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانوا يَعْلَمُونَ، وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
(5)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
هي المدينة.
(2)
المراد بالصاع والمد أرزاقهم التي تكال بهما فإنهم كانوا أهل زراعة.
(3)
أوضع راحلته: حثها على سرعة السير حبًا في المدينة فإن الله استجاب دعاءه صلى الله عليه وسلم فكان هو وأصحابه الكرام يحبون المدينة حبًا جما، بل ولا زالت محبوبة للمسلمين إلى الآن، اللهم حببنا فيها وحبب صالحيها وساكنيها فينا وارزقنا زيارتها في القريب العاجل آمين والحمد لله رب العالمين.
(4)
أحد بضمتين جبل على شمال المدينة، يحبنا لأنه وطن أهل المدينة وحاجز بينهم وبين ما يؤذيهم، فنحن نحبه لذلك ونرتاح لرؤيته وتأنس به.
خاتمة في الترغيب في سكنى المدينة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
(5)
اليمن: إقليم مشهور عن يمين الكعبة وعن يمين مستقبل الشمس في طلوعها، والشام: إقليم مشهور عن شمال الكعبة ومطلع الشمس، والعراق: إقليم مشهور شرق الشام، ويبسون بضم فكسر=
قَالَ: «يَتْرُكونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ لَا يَغْشَاهَا إِلا الْعَوَافِي
(1)
وَآخِرُ مَنْ يحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَة يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحُوشاً حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمَهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ
(3)
وَالْمَدِينَة خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْراً مِنْهُ، أَلَا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ تُخْرِجُ الْخَبِيثَ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ مَوْلَاةً لَهُ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اشْتَدَّ عَلَيَّ الزَّمَانُ
(4)
وَإِنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ قَالَ: فَهَلا إِلَى الشَّامِ أَرْضِ الْمَنْشَرِ
(5)
وَاصْبِرِي لَكَاعِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ صَبَرَ عَلَى شِدَّتِهَا وَلأْوَائِهَا كُنْتُ لَهُ شَهِيداً أَوْ شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(6)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إِلا كنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
= وبفتح فضم أو كسر، وأصل البس السوق الشديد والمراد هنا السير السريع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذه الأقاليم ستفتح ويرغب كثير من الناس فيها لكثرة خيراتها؛ ولكن الإقامة بالمدينة خير لهم لأنها حرم الرسول صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي ومنزل الرحمات والبركات فهي خير البلاد بعد مكة المكرمة، رزقنا الله الإقامة فيها آمين.
(1)
العوافي جمع عافية وهي ما يطلب القوت من الحيوان والطيور.
(2)
وحوشًا؛ وفي رواية وحشا أي خالية ليس بها أحد، في آخر الزمان يترك الناس المدينة على أحسن ما كانت من المهارة والنظام لا ينزلها إلا الحيوان وآخر من يدخلها راعيان بغنمهما فيجدانها خرابًا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا ميتين وستأتي علامات الساعة مبسوطة إن شاء الله.
(3)
أي أسرع بنا إلى جهات الرخاء.
(4)
وضاقت أرزاقي.
(5)
سافري إلى الشام فإنه أرض المحشر؛ وهذه الجملة للترمذي فقط، وفي النفس منها شيء لقول الله تعالى {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} .
(6)
اللكاع: الحمقاء، واللأواء: الشدة.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا»
(1)
.
• عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحى إِلَيَّ أَيُّ هؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ نَزَلْتَ فَهِيَ دَارُ هِجْرَتِكَ: الْمَدِينَةِ أَوِ الْبَحْرَيْنِ أَوْ قِنِّسْرِينَ»
(2)
. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِك وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي
(6)
حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
وَالْبَيْهَقِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَجْعَلوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً
(8)
وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً
(9)
وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ
(1)
ترغيب في سكن المدينة فهو المستطاع دون الموت، وفيه بشارة عظيمة لأهل المدينة وساكنيها حشرنا الله في زمرهم آمين.
(2)
البحرين: بلد مشهور بنجد جهة الخليج الفارسي، وقنسرين بكسر القاف فالنون المشددة: مدينة مشهورة بالشام بين حلب وحمص، وظاهره أنه خير بين هذه البلاد الثلاثة ولعله قبل الأمر بالهجرة إلى المدينة السابق في قوله: أمرت بقرية تأكل القرى.
(3)
الأول حسن والثاني غريب.
(4)
وقد أجابه الله وطعن وهو يؤم الناس في صلاة الفجر فمات رضي الله عنه شهيدًا؛ ودفن بجوار النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الأعظم أبي بكر رضي الله عنهما وحشرنا في زمرتهم آمين آمين آمين والحمد الله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات كلها.
زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
وهي فضلا عن دخولها في زيارة القبور السابقة مندوبة ندبًا مؤكدًا لإيجابها لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ومجاورته في الجنة.
(6)
رد الله عليَّ روحي أي نطقي وإفاقتي من استغراقي في أحوال الملكوت وإلا فالأنبياء أحياء في قبورهم كما تقدم في باب الجمعة.
(7)
بسند صالح.
(8)
كالقبور في عدم العبادة فيها.
(9)
باجتماعكم لزيارته كاجتماعكم للعيد فإنه يؤدى للمشقة وربما تجاوزوا حد التعظيم فيؤدي إلى الكفر، وهذا غير موجود والحمد لله.
تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ
(1)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَالضِّيَاءُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» .
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ زَارَنِي فِي الْمَدِينَةِ مُحْتَسِباً كَانَ فِي جِوَارِي وَكُنْتُ لَهُ شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(3)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي
(4)
». رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءُ رضي الله عنه
أَسأَلُ اللَّه أن يشفي صدورنا وقلوبنا بالإيمان والعلم، وأن يملأهما باليقين والحلم، آمين آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.
(1)
أي أكثروا منها فإنها في أي حال تبلغني وتسرني.
(2)
بسند حسن.
(3)
محتسبًا أي طالبًا للأجر من الله وأولى إذا كانت لله فقط، وقوله: كان في جواري أي في الجنة.
(4)
لأن الأنبياء أحياء في قبورهم صلى الله عليهم وسلم ووفقنا لزيارته صلى الله عليه وسلم.
أتممت بتوفيق الله قسم العبادات في 29 شهر ذي الحجة سنة 1343 هجري
(1)
(عدد الأحاديث من أول الكتاب إلى هنا 1735 خمسة وثلاثون وسبعمائة ألف)
(انتهى قسم العبادات ويليه قسم المعاملات. وأوله كتاب البيوع والزروع إن شاء الله)
(1)
صادفني في تأليف الكتاب أن كنت في كتاب الحج، في موسم الحج، سنه 1343 هـ ونحن الآن أمام الطبع أتممنا كتاب الحج ونحن في موسم الحج في يوم الاثنين 17 ذي القعدة سنة 1351 هجرية، وهاتان من جميل الصدف التي أحاطت بهذا الكتاب المبارك، فتح الله على من تلقاه بقلب سليم آمين.
{فائدة}
تتأكد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج، لحديث الطبراني: من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني، وفي رواية: من حج فزار قبرى كان كمن زارني في حياتي، وينبغي لمن أراد زيارة المدينة المنورة أن يقصد شيئين أولها زيارة المسجد النبوى لما تقدم في فضل المساجد الثلاثة: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى؛ وثانيهما زيارة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل المندوبات وأسمى القربات، وحسبنا إيجابها للشفاعة ومجاورة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وإذا أبصر حيطان المدينة فليرفع صوته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثم يقول: اللهم هذا حرم نبيك فاجعله وقاية لي من النار وأمانًا من العذاب وسوء الحساب، فإذا دخل المدينة قال: اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه البلدة وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر أهلها، اللهم هذا حرم رسولك فاجعل دخولي فيه وقاية لي من النار وأمانًا من العذاب وسوء الحساب، فإذا استقر به المقام في مكان اغتسل ولبس أحسن ملابسه وتطيب بأحسن الطيب ثم سار إلى المسجد المبارك خاشعًا متواضعًا ثم يدخل فيه مراعيا آداب دخول المسجد السالفة في باب المساجد، ثم يصلى ركعتين تحية المسجد ثم يقوم إلى القبر الشريف فيقف أمامه مستقبله بينه وبين القبلة ذليلا خاشعًا بباطنه وظاهره، ثم يقول: السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أول خلق الله وخاتم رسل الله. ثم يتأخر عن يمينه خطوة ثم يقف ويقول: السلام عليك يا أبا بكر ورحمة الله وبركاته. ثم يتأخر خطوة أخرى، فيقف ويقول: السلام عليك يا عمر ورحمة الله وبركاته، ثم يرجع لمقامه الأول فيقف ويقرأ الفاتحة وسورة يس أو ما تيسر من القرآن، ثم يهب ثواب ذلك إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه العظيمين، ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولمن أحب وللمسلمين كلهم بخير الدنيا والآخرة، وأفضل عبادة في هذا الحرم المنيف بعد الصلاة قراءة القرآن الذي نزل فيه، والصلاة على صاحب القبر الذي فيه صلى الله عليه وسلم، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا لزيارته آمين، والحمد لله رب العالمين.
وصلت إلى هنا فانتهيت من شرح العبادات يوم الاثنين المبارك الثامن من شهر شعبان المعظم سنة 1349 هجرية. أسأل الله العظيم أن يوفقنا لإتمام ذلك الشرح. إنه سميع مجيب آمين.
كتاب البيوع والزروع والوقف
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
(2)
وفيه اثنا عشر باباً وخاتمة
الباب الأول: في طلب الكسب الحلال
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ} {
(3)
وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}.
• عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِن الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَن اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعى حَوْلَ الْحِمى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ
(4)
كتاب البيوع والزروع والوقف
(1)
أي وغيرها مما يأتي الحث على الصدق في المعاملة والكسب الحلال، والسلم، والرهن والشفعة، والإجارة، والشركة، والوكالة، والصلح، والعارية، والهبات، واللقطة وغيرها.
(2)
البيع لغة: المبادلة، وشرعًا: مقابلة مال بمال مع إيجاب وقبول، وحكمته تمام نظام الحياة، فإن الإنسان لا يمكنه الانفراد بما يحتاج إليه، وربما لا يسمح له به من هو في يده، فشرع البيع لبلوغ المراد بسلام.
{الباب الأول في طلب الكسب الحلال}
(3)
أي اطلبوا أرزاقكم من فضل الله ورحمته، قال تعالى:{فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} أي اسعوا في نواحي الأرض لطلب الأرزاق من فضل الله تعالى.
(4)
إن الحلال بيّن أي واضح لا يخفى وهو ما دخل في ملكك يقينا وحل لك فعله من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح ونحوها وإن الحرام بيّن أي ظاهر. وهو ما علم ملكه للغير وما حرم عليك فعله كالزنا، وشرب الخمر ونحوهما، وبين الحلال والحرام أمور اشتهت على كثير من الناس لخفاء الحكم فيها من جهات: أوّلا ورود نصين أحدهما بالتحليل، والآخر بالتحريم، ولا يعلم السابق منهما أو وصل نص التحايل من جهة، ونص التحريم من أخرى، وذلك كالمخابرة الآتية في البيوع النهي عنها، وكالعطية على الصنيعة، ورد في حلها ما سبق في الزكاة: ومن صنع معكم معروفًا فكافئوه، وورد في تحريمها لأبي داود: من شفع لأخيه =
أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَاتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ
(2)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
=شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابًا عظيما من أبواب الربا، ولكن ترجح الحل فيها، وثانيا ورود نص خفي فيه لم يعلمه إلا قليل من الناس، وثالثًا عدم ورود نص صريح فيه، وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس فتختلف أفهام العلماء فيه، ورابعًا ورود الإباحة فيه أو النهي عنه، ولكنهم اختلفوا هل هذا مؤقت أو دائم، كأكل الخير والبغال والخيل التي ستأتي في الصيد والذبائح وكلبس جلود بعض السباع، فهذه وأمثالها تخفى على كثير من الناس، ولكنها لا تخفى على العلماء فيعرفون حكمها بنص أو إجماع أو قياس أو استصحاب، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة وليس فيه نص، اجتهد الفقيه فألحقه بأحدها الذي يتحد أو يقرب منه في العلة فصار داخلا فيه، وما لم يظهر للمجتهد فيه شيء فحكمه الحل، أو الحرمة، أو التوقف، كالأشياء قبل ورود الشرع فيها، والأصح التوقف لأن التكليف لا يثبت عند أهل الحق إلا بالشرع. والطبراني في الكبير: إنما الأمور ثلاثة، أمر تبين لك رشده فاتبعه، وأمر تبين لك غيه فاجتنبه، وأمر اختلفت فيه فرُدَّه إلى عالم. والعرض بالكسر محل المدح والذم من الإنسان، فمن ترك ما اشتبه في حله فقد طهر دينه وعرضه، ومنه» دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ومنه ما رواه البخاري والترمذى أن عقبة بن الحارث قال للني صلى الله عليه وسلم: إني تزوجت بامرأة فأتتني امرأة سوداء فزعمت أنها أرضعتني أنا وزوجتي وهي كاذبة، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأعاد عليه ثانيًا فقال: كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما، دعها عنك، أي احتياطًا للشبهة في تحريمها، وإلا فلو حرمت عليه لأجابه بالتحريم.
(1)
الحمى ما يحميه الإمام من الكلأ لرعي إبل الجهاد والصدقة مثلا. والمضغة: العضو بقدر ما يمضغه الإنسان وهي هنا القلب، فبصلاحه ينصلح الجسد، وبفساده يفسد، فالقلب كالملك إذا صلح صلحت الرعية، وإذا فسد فسدت الرعية، وصلاحه يأتي من أكل الحلال ومن طهارة النفس من دنس المعاصي، وطهارة الباطن من الغل والحسد والكبر وإضمار السوء لخلق الله تعالى، ولابد من التحلي بإقامة شعائر الدين وحب الخير وعمله للناس، ففي الحديث» الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله».
(2)
هذا حاصل في زماننا نسأل الله السلامة.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَداً فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا رَعَي الْغَنَمَ
(2)
» فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وأَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ
(3)
».
• عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عليه السلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ لَا يَأْكُلُ إِلا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ
(4)
».
وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَؤُونَةِ أَهْلِي وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هذَا الْمَالِ وَأَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ
(5)
. رَوَى الْبُخَارِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَة.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ، مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا احْتَجْتُمْ
(6)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(7)
.
(1)
فأدنى التكسب كجمع الحطب وبيعه خير من السؤال؛ لأنه عار ومذلة كبيرة.
(2)
حكمة ذلك التمرن على سياسة الخلق إذا كلفوا بالرسالة، فإن من ساس الغنم في ليلها ونهارها وأشفق عليها حرصًا على مصلحتها كان أهلا لسياسة البشر.
(3)
جمع قيراط وهو نصف دانق، أو نصف عشر الدينار، أو جزء من أربعة وعشرين منه، فكان على كل شاة قيراط، أوله كل يوم قيراط.
(4)
فكان داود عليه السلام يصنع الدروع من الحديد ويبيعها ويأكل من ثمنها ويتصدق. قال تعالى: {وألنا له الحديد أن اعمل سابغات} أي دروعًا ساترات للجسم كله، وخص بالذكر مع مشاركة الأنبياء له في ذلك لأنه كان غنيا وكان خليفة الله في أرضه، ومع هذا ما كان يأكل إلا من عمل يده ففي ذكره أسوة حسنة.
(5)
لما استخلف أي صار خليفة للمسلمين قال إن حرفتي أي كسبي كان يكفي أهلي، وقد شغلني أمر المسلمين فسأعمل على تنمية مالهم وآخذ كفايتي منه فكان يأخذ كفايته من بيت المال بعلم الأصحاب رضي الله عنهم، وفيه أن للوالي ونوابه أن يأخذوا من بيت المال ما يكفيهم فإن عين الوالى لنوا به شيئًا وقبلوه فلا يجوز لهم أخذ شيء سواه لأنه الإجارة، والحديث الحاكم: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول.
(6)
قوله من أطيب كسبه بدل.
(7)
بسند حسن.
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَداً وَإِنَّ وَالِدِي يَحْتَاجُ مَالِي فَقَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ
(1)
». رَوَاهُ أَو دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ.
• عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» قَال: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِراً وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ
(3)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
كسب الحجام مكروه
(4)
• عَنْ مُحَيْصَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي إِجَارَةِ الْحِجَّامِ فَنَهَاهُ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى قَالَ: «اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ وَرَقِيقَكَ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ
(6)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَاماً لَمْ يُعْطِهِ
(7)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
(1)
ظاهر ذلك أن نفقة الوالدين تجب على الولد إذا كانا فقيرين وعجزا من الكسب اللائق بهما لقوله في الأول إذا احتجتم وفي الثاني يحتاج مالي، فقيد الأكل بالحاجة وعليه الشافعي رضي الله عنه، وقال الجمهور: إنها واجبة على الولد مطلقا لأنه من كسب أبيه وهو سبب في وجوده.
(2)
بسند حسن.
(3)
في بكورها أي سعيها في أول النهار فإنه مبارك وأثره ظاهر، ومعنى ما تقدم أن السعي في كسب الحلال فرض، وأطيبه ما كان من عمل اليد، والأولاد من كسب الإنسان، والسعي في الصباح مبروك إذا كان في طريق الحلال وهو واثق بالله ومتوكل عليه فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
كسب الحجام مكروه
(4)
أي حلال ولكنه مكروه لأنه أتى من مزاولة النجاسة، وكل ما كان كذلك فهو مكروه ودنيء.
(5)
في إجارة الحجام أي في أخذها، وقوله اعلفه أي أجر الحجام. وناضحك أي بعيرك الذي يسقي عليه، ومنه: كسب الحجام خبيث.
(6)
أبو طيبة كان عبدًا لبني بياضة وكاتبوه على ثلاثة آصع يؤديها لهم فلما حجم النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه صاعا وأمر أسياده بالتخفيف عنه فعلوا خراجه صاعين فقط.
(7)
فهذا وما قبله صريحان في حل أجرة الحجامة وعليه الجمهور، والنهي في الحديث الأول للتنزيه=
الباب الثاني: في الصدق والسماحة
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ للِنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ»
(2)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَة وَالنَّسَائِيُّ. وَزَادَ مُسْلِمٌ: فَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» . رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَلِمُسْلِمٍ: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةُ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ
(4)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} الآية
(5)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَاماً فَسَأَلَهُ كَيْفَ تَبِيعُ فَأَخْبَرَهُ فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(6)
= وخبثها في الحديث دناءتها، وقال أحمد وجماعة: إنها حرام على الحر دون الرقيق، وكالأجرة على الحجامة أجرة الطبيب الجراح، وأما غير الجراح فأجرته كالأجرة على الرقية وهي حلال باتفاق كما يأتي والله أعلم.
{الباب الثاني في الصدق والسماحة}
(1)
أي في الحث على الصدق في المعاملة والتساهل فيها فإنهما محبوبان وممدوحان.
(2)
هذا رجل كان قد شج في رأسه وثقل لسانه، وكان يخدع في المعاملة لعدم فطنته، فشكا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: إذا بايعت شخصًا فقل له: لا خلابة. أي لا غش في الدين ولا يلزمني.
(3)
بالياء بدل اللام لأنه كان ألثغ.
(4)
منفقة وممحقة كمنفعة فيهما أو منفقة كمحدثة وممحقة كمؤمنة، وقوله ينفق كيروج وزنا ومعنى، فالحلف فيه نفاق ورواج للمبيع ولكنه يذهب البركة منه إلا إذا طلب منه فلا شيء فيه.
(5)
السلعة بالكسر: المبيع فكان رجل يبيع شيئًا في السوق، فجاءه المشتري وعرض عليه ثمنًا خلف البائع أنه اشتراه بأكثر ليغرّ المشترى فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} .
(6)
ولكن مسلم في الأيمان.
وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُمَا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ» ، ثُمَّ قَالَ:«مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»
(1)
.
• عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبي غَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ»
(2)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
• عَنْ رِفَاعَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاس يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ» فَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ إِجَابَةً لَهُ فَقَالَ: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً إِلا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِييِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
(4)
. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحاً إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى
(6)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئاً؟ قَالَ: لَا. قَالُوا: تَذَكَّرْ قَالَ: كُنْتُ أُدَاينُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعَسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «تَجَوَّزُوا عَنْهُ»
(7)
.
(1)
هذا الطعام كان برًا وأصابته السماء أي المطر فرطبه فزاد حجمه ووزنه وصار لا يصلح للادخار ويحرم بيعه إلا من يعرفه، لهذا أنبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من غشّ فليس مني أي من غش أمتي فليس على ديني أن الكامل.
(2)
وفي رواية: يحضره الكذب والحلف. ولفظ الترمذي: إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوه بالصدقة، أي واقتصروا على ما فيه الفائدة.
(3)
بسند صحيح.
(4)
فالتاجر الكاذب الخائن يبعث يوم القيامة مع الجبابرة والفجار، والتاجر الصادق الأمين يبعث مع الأنبياء والشهداء.
(5)
الأول بسند صحيح، وإلى هنا الشق الأول من الترجمة.
(6)
السمح: السهل وزنا ومعنى، واقتضى أي طلب حقه.
(7)
فتيان أي خدمي، أن ينظروا المعسر أي يؤخروه إلى الميسرة ويتجوزوا عن الموسر أي يتساهلوا معه بقبض الميسور منه.
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِلا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْسُورِ فَقَالَ اللَّهُ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ
(1)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ الأَصْحَابُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالَا اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَقَالُوا: لَا نَجِدُ إِلا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ قَالَ فَاشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
وَابْنُ مَاجَهْ.
الباب الثالث: في شروط المبيع
(5)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الْفَتْح وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ
(1)
فمن كان له دين على إنسان وتساهل معه بتأخيره إلى يساره أو بحط بعض الدين عنه، فإن الله يتجاوز عنه يوم القيامة بل ويجلسه في مقام التكريم تحت ظل العرش.
(2)
هذا رجل أعرابي استسلف منه النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا ثلاثيًا وأعطاه للفقراء لسد خلتهم فجاء الأعرابي فطلبه وأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم فهم بأذاه الأصحاب، فقال. دعوه فإن لصاحب الحق مقالا. ولما لم يجدوا إلا بكرًا رباعيًا أي أسن من بكره قال صلى الله عليه وسلم: أعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء. ففيه طلب حسن الخلق في المعاملة لاسيما مع الدائن والدين وأداء الحق أحسن من أصله.
(3)
فمن اشترى من شخص شيئًا ثم ظهر له غبنه أو عدم حاجته إليه فجاءه فقال: أقلني بيعتي، فأجابه أقال الله عثرته وستر عيبه وفرج كربته.
(4)
بسند صالح.
(5)
وهي أن يكون طاهرًا يحل استعماله وأن يكون معلوما بالوزن في الوزون، وبالكيل في المكيل، وبالعد في الممدود، وبالذرع فيما يذرع، وأن يكون قادرًا على تسليمه، وأن يكون قابلا للتملك، فخرج الحر فلا يحل ولا يصح بيعه، وأن يكون غير مخلوط بغيره كما يأتي في الباب.
وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ
(1)
» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ
(2)
فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ
(3)
فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ
(4)
».
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ
(5)
.
• وَعَنْهُ قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ
(6)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا وَالْمُشْتَرَى لَهُ
(7)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ
(9)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَزَادَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رضي الله عنهما:
(1)
لنجاستها وحرمة تناولها.
(2)
أي دهنها.
(3)
يستضيئون بها.
(4)
فلما حرم الله على اليهود بعض شحوم البقر والغنم أجملوه أي أذابوه وباعوه وهو حرام فما حرم تعاطيه حرم بيعه.
(5)
أما الكلب فلنجاسته يحرم بيعه وثمنه حرام وعليه الشافعي وأحمد وجماعة، وقال الحنفية والمالكية: يجوز بيعه وأكل ثمنه ويضمن بالقيمة إذا تلف. والبغي الزانية، والزنا حرام فثمنه كذلك والكاهن من يخبر بالغيب وعمله حرام، فحلوانه أي أجرته حرام.
(6)
السنور بكسر ففتح مع التشديد: هو الهر أي القط. ومنه حديث البيهقي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الهر وأكل ثمنه لأنه غير مقدور على تسليمه لوحشيته وإن ائتنس فبيعه وثمنه حرام، وعليه بعضهم. وقال آخرون بجواز بيع الإنسي منه لنفعه بمطاردة الحيوانات الضارة، فالنهي للتنزيه.
(7)
عاصرها من يعصرها بالفعل ومعتصرها من يأمره بعصرها، فلعن هؤلاء ومنهم البائع والمشتري يدل على أن البيع حرام ولا يصح النجاستها وحرمة تناولها، وحكمة النهي عن بيع ما تقدم أنها تضر بالجسم والعقل، ويقاس عليها كل ما كان كذلك، فبيعه حرام ولا يصح كالكوكايين والهوريين ونحوها مما ظهر في هذا الزمان نسأل الله السلامة.
(8)
بسند غريب ولكنه مؤيد بالصحاح فيها.
(9)
فمن ابتاع أي اشترى طعاما فلا يبعه لغيره حتى يقبضه. والنهي للتحريم فلا يصح البيع لعدم قدرته على التسليم وكالطعام غيره لقول ابن عباس.
وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَ الطَّعَامِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»
(1)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ
(2)
.
• عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ»
(3)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيْزَانِ: «إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ هَلَكَتْ فِيهمَا الأُمَمُ السَّابِقَةُ قَبْلَكُمْ
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ رضي الله عنه: جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرٍ فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي فَسَاوَمَنَا سَرَاوِيلَ فَبِعْنَاهُ وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بِالأَجْرِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «زِنْ وَأَرْجِحْ
(5)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(6)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ
(7)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
= ولحديث البيهقي: لا تبيعن شيئًا حتى تقبضه وعلى هذا الشافعي وجماعة، وقال مالك: لا يصح في الطعام فقط ويصح في غيره، وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا في العقار، وقال أحمد: لا يصح في المكيل والوزون فقط.
(1)
فالعبرة في الموازين بوزن أهل مكة لأنهم تجار ويرحلون إلى الشام واليمن للتجارة فهم أدرى من غيرهم، ووزن الدينار المكى اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بحب الشعير، والدرهم سبعة أعشار المثقال فوزنه سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة والرطل مائة وثمانية وعشرون درها بهذا الدرهم، وزكاة النقدين على هذا، والعبرة في الكيل بكيل أهل المدينة فإنهم أصحاب زرع فالكيل في الزكاة وفي الكفارات بصاع ومد أهل المدينة، ورجوع الناس في الجهات إلى هذا التقدير برفع الخلاف من بينهم.
(2)
بسند صحيح.
(3)
والكيل واجب عند البيع لمعرفة المبيع ومستحب عند الادخار فالعلم بالشيء. خير من جهله وكالكيل الوزن ونحوه.
(4)
أي فاحذروا البخس في ذلك وإلا هلكتم كما هلك السابقون.
(5)
البز كالقز: الثياب، وهجر كحجر: بلد بقرب المدينة، وساومنا سراويل أي اشتراه منا، وقال لمن يزن الثمن: زنه وأرجح في الميزان حتى يكون الثمن وافيًا، وللطبراني: دخل النبي صلى الله عليه وسلم السوق وجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم؛ قلت: يا رسول الله وإنك لتلبسها، قال: أجل، في السفر والحضر، والليل والنهار، فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئًا أستر منه، ففيهما جواز دخول السوق وشراء ما يحتاجه ووزن الثمن وأجرته على المشتري.
(6)
بسند صحيح.
(7)
عسب الفحل تلقيحه للأنثى فتحرم إجارته لذلك لأن ماءه غير معلوم والأفضل إعارته لذلك.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ
(2)
. وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ
(3)
. وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ
(4)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَفَصَّلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَاراً فَذَكَرْتُ ذلِكَ للِنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَا تُبَاعُ حَتَّى تَفَصَّلَ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
(1)
بيع الحصاة هو أن يقول: بعتك من هذه الثياب ما تقع عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما تقع عليه الحصاة، أو بعتك وأنت بالخيار إلى أن أرى هذه الحصاة، وبعد رميها يصير البيع لازمًا، وبيع الغرر - كالضرر - من الغرة وهي الغفلة، أو من الغرور، وهو أن يكون المبيع مجهولا أو معجوزًا عنه كعبد آبق أو كالطير في الهواء، أو السمك في الماء، أو الغائب المجهول، وبطلان البيع في هذا وما قبله لأن المبيع مجهول، أو غير مقدور على تسليمه.
(2)
أي أعطى باسم عهدا ثم غدر بمن عاهده.
(3)
وهو يعلم أنه إنسان حر لأنه استعبد ما حرره الله.
(4)
أي استوفي عمله وأكل أجره.
(5)
فصلتها أي خلصت الذهب من الخرز فكان الذهب أكثر من الثمن، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تباع حتى تفصل ليعلم ما فيها من الذهب، ففيه أن كل حلي ركب من نقد وغيره كقلادة وسوار لا يصح بيعه لجهل الأصناف التي فيه وعليه الجمهور، وقال مالك وأبو حنيفة: إن كان الثمن أكثر من الذهب الذي في الحلي جاز وإلا فلا، والنهي في الباب كله للتحريم، وحكمته عدم ظلم الناس وسلامتهم من المنازعات والمخاصمات التي ربما تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى.
كتابة الشروط والخيار في البيع
• عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ رضي الله عنه: أَلا أَقْرَأُ لَكَ كِتَاباً كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: بَلَى فَأْخْرَجَ لِي كِتَاباً: هذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هُوذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ: اشْتَرَى مِنْهُ عَبْداً أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ
(1)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ. وَزَادَ: الْغَائِلَةُ الزِّنَى وَالسَّرِقَةُ وَالإِبَاقُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
(3)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ حِينَمَا طَلَبَتْ مِنْهَا الْمُسَاعَدَةَ عَلَى مَا كَاتَبَهَا عَلَيْهِ أَهْلُهَا فَامْتَنَعُوا إِلا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ بِذلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ
(4)
وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
(5)
».
كتابة الشروط والخيار في البيع
(1)
أو للشك ولا داء أي فيه ولا خبثة كقطعة أي ليس مسبيًّا من قوم لهم عهد، فالنبي صلى الله عليه وسلم باع للعداء عبدًا وأعطاه شروطًا بأنه خالى العيوب.
(2)
وفي رواية: المسلمون عند شروطهم ما وافق من ذلك فهم ملزومون بإنفاذها إذا كانت مشروعة.
(3)
بسند صحيح.
(4)
بريرة كانت أمة مملوكة لقوم وكانوا كاتبوها فطلبت من عائشة أن تساعدها على أداء الكتابة فعرضت عليها أن تشتريها فرضي أسيادها بشرط بقاء الولاء لهم، والولاء هو الولاية التي يترتب عليها إرثها بعد موتها فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اشتريها واشترطي لهم ما شاءوا فإن الولاء لمن أعتق.
(5)
شرط الله أوثق أي أقوى وأحق بالتنفيذ من شرطكم الباطل، وشرط الله أي حكمه أن الولاء لمن أعتق، ففيه إبطال شرطهم وبيان الحكم.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعِيراً وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى أَهْلِهِ
(1)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.
• عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهمَا» .
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلا بَيْعَ الْخِيَارِ
(2)
». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعاً أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ
(3)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَفْتَرِقَنَّ اثْنَانِ إِلا عَنْ تَرَاضٍ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالتِّرْمِذِيُّ.
الرد بالعيب
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ
(6)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
(1)
فجابر كان له بعير صعب السير فباعه للنبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل في ملكه صار ذليلا سريع السير ولكن جابرا اشترط أن يركبه حتى يرجع من السفر، ففي هذه النصوص جواز كتابة البيع وذكر الشروط الجائزة وفيها جواز البيع مع شرط الركوب وعليه الجمهور، وإلى هنا الشق الأول من الترجمة، وما يأتي في الخيار وهو خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار العيب.
(2)
البيعان تثنية بيع كقيم وهو البائع والمشتري فإن صدقا في قولهما وبينا ما في مبيعهما من عيب خفي بورك لهما في بيعهما وإلا فلا، وقوله لا بيع بينهما أي لازم حتى يتفرقا إلا إذا اشترط أحدهما أو كلاهما أن له الخيار ثلاثة أيام أو دونها.
(3)
قوله وكانا جميعا تأكيد وقوله فتبايعا على ذلك أي على إمضائه، فالخيار ثابت للمتبايعين ما داما في محل العقد وكذا إذا شرطاه ثلاثة أيام فما دونها وهذان خيار العقد والشرط، ويلزم البيع إذا تفرقا أو اختارا إمضاءه.
(4)
أي لا يفترق متبايعان إلا وهما راضيان فإنه تمام البيع، وسبب البركة فيه، إنما البيع عن تراض. والنهي للتنزيه لاتفاقهم على جواز التفرقة مطلقًا.
(5)
بسند صالح والله أعلى وأعلم.
الرد بالعيب
(6)
الشاة المصراة هي التي ترك لبنها أيامًا ليعظم ضرعها فتشتد الرغبة فيها وتسمى المحفلة، وهو حرام=
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ
(1)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ
(2)
» أَيْ يَتَفَاسَخَانِ الْعَقْدَ. رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
لا يجوز التسعير ولا الاحتكار
(4)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ
= لأنه تغرير، وكالشاة: الناقة والبقرة والسمراء الحنطة، فمن اشترى بهيمة وظهر له أنها كانت مصراة فهو مخير، وفي رواية: فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها بعدها وإن شاء ردها ورد معها شيئًا من غالب قوتهم بدل اللبن الزائد عن نفقتها إذا كانت تعلف وهذا هو خيار العيب.
(1)
الخراج بالفتح هو الفائدة التي تأتي من المبيع بالضمان أي يستحقه المشترى بسبب الضمان فإذا اشترى عبدًا أو بهيمة واستغله أياما ثم ظهر به عيب سابق على البيع بقول أهل الخبرة فله فسخ البيع وفائدته في هذه المدة للمشتري لأنه لو تلف عنده لضمنه.
(2)
فلو اختلف البائع والمشتري في المبيع وليس لهما بينة أو لكل منهما بينة فالحكم كقول البائع إذا رضي المشتري وإلا أحل البيع، هذا. وقال مالك والشافعي: يحلف البائع على قوله فإن حلف خير المشتري بين قبول البيع وبين الحلف ورد البيع أو قيمته إذا تلف، ولأبي داود: عهدة الرقيق ثلاثة أيام. أي إن وجد به عيب في أثنائها رد إلى بائعه وإن وجد بعدها كلف المشتري البينة بأنه اشتراه وبه العيب، ورواه أحمد وابن ماجه بلفظ: عهد الرقيق أربع ليال. وبهذا قال مالك وقال: وفي الجنون والجذام والبرص عهده سنة فإن مضت ولم يظهر شيء من ذلك فقد برئ البائع من العهدة كلها وقال الشافعي: يرجع في الداء إلى رأي أهل الخبرة به.
(3)
الأول بسند حسن والثاني بسند صالح والله أعلم.
لا يجوز التسعير ولا الاحتكار
(4)
التسعير هو أن يحدد الأمير أو نائبه سعر الأشياء، والاحتكار هو شراء الشيء وحبسه ليقل بين الناس فيغلو سعره والقابض الذي يضيق على من يشاء، والباسط الذي يوسع على من يشاء كما تقتضيه الحكمة، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع السعر فامتنع لأنه مظنة الظلم والناس مسلطون على أموالهم فلا ينبغي الحجر عليهم، ومراعاة مصلحة المشترى ليست أولى من مصلحة البائع فإذا تقابل الأمران وجب تمكين الطرفين من الاجتهاد في مصلحتهما، فالتسعير حرام وعليه الجمهور، وقال مالك: بجوازه ولعله إذا احتكر السوق أحد من الناس وتحكم في السعر فللأمير التسعير كما يراه صالحًا.
يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(1)
.
• عَنْ مَعْمَرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» فَقِيلَ لِسَعِيدِ: إِنَّكَ تَحْتَكِرُ قَالَ: إِنَّ مَعْمَراً الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَحْتَكِرُ
(2)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب الرابع: في البيوع المنهى عنها
(3)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَكَانَ بَيْعاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ: وَالْمُلَامَسَة لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ إِلا بِذلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبذَ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ وَيَكُونُ ذلِكَ بَيْعَهُمَا
(1)
بسند صحيح.
(2)
خاطئ أي عن الحق، وفي رواية: لا يحتكر إلا خاطئ. وسعيد هذا هو ابن المسيب التابعي المشهور رضي الله عنه كان يحتكر فكلموه فيه فقال: إن معمرًا الراوي الحديث كان يحتكر، ولابن ماجه: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس، فظاهر هذه النصوص أن الاحتكار في أي شيء حرام لإضراره بالناس وبه قال بعضهم وقال الشافعي وأحمد: الاحتكار لا يكون إلا في الطعام لأنه قوت الناس، وقال بعضهم: إذا احتكر زرعه أو صنعة يده فلا بأس، وقال بعضهم إذا كانت الأشياء تتوارد بكثرة فلا احتكار وعليه يحمل ما ورد عن سعيد ومعمر الراويين للحديث والله أعلم.
{الباب الرابع في البيوع المنهي عنها}
(3)
كان بعضها بيعًا في الجاهلية بوحي الشيطان.
(4)
حبل الحبلة بالتحريك فيهما والأول مصدر والثاني جمع حابل كظلمة وظالم وكان بيعًا الخ من كلام ابن عمر يفسر الحديث، وقوله يبتاع الجزور أي يشتريه بثمن مؤجل إلى أن تلد الناقة ثم يلد ولدها وكالجزور غيره من بقر ونحوه، وتنتج من الأفعال المبنية للمجهول دائما كجن وزهى أي تكبر وقيل معناه بعتك الآن ولد ولد هذه الناقة وهذا أقرب إلى اللغة وأظهر في معنى حبل الحبلة والأول أقوى لأنه تفسير الراوي، والبيع فيهما باطل لجهل الأجل في الأول ولجهل المبيع في الثاني ولأنه بيع ما لم يوجد فالنهي فيه وفيما يأتي كله للتحريم.
مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ. وَلَفْظ أَبِي دَاوُدَ: الْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ. وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ وَلَا يَنْشُرَهُ وَلَا يُقَلِّبَهُ فَإِذَا مَسَّهُ وَجَبَ الْبَيْعُ
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلأَصْحَابِ السُّنَنِ
(3)
: لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَة. وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ تَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ
(5)
.
وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: «لَا يَبِعْ
(1)
فظاهر هذه الرواية أن المنابذة والملامسة من جهة واحدة، فالمنابذة قول البائع للمشتري إذا لمست هذا الثوب في أي وقت من غير نشره وتقليبه فقد وجب البيع وبهذا يجب البيع، والرواية السالفة تفيد أن المنابذة من الطرفين وهذا أقعد بلفظ المفاعلة الذي يفيد الاشتراك ولعلها نوعان والبيع في الكل باطل للجهل بالمبيع.
(2)
فمن باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أي أنقصهما أو الربا أي أو لحقه الربا إن لم يقبل الأوكس وفيه للعلماء خلاف كثير، منه ما قاله ابن الأثير في النهاية كأن أسلفه دينارًا في صاع بر مثلا إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالبر قال له بعنى الصاع بصاعين إلى شهرين فهذا بيع ثان ودخل في الأول فصار بيعتين في بيعة فيرد إلى أقلهما وهو الصاع وإلا كان الثاني ربا للتفاضل، أو كأن باعه دينا بدين وهو الكالئ المنهي عنه، ومنه ما قاله الشافعي كأن تقول أبيعك داري هذا بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا، فإذا وجب لي الغلام وجبت لك الدار، ومنه أن يقول أبيعك هذا الثوب بعشرة نقدًا وبعشرين نسيئًا ويفترقا بغير اختيار لإحدى البيعتين، وهذا باطل للجهل بما وقع عليه العقد فإن اختار المشتري إحداها صح على رأي الجمهور القائل بجواز البيع بأكثر من ثمن اليوم نظرًا للتأخير.
(3)
بسند صحيح.
(4)
لا يحل سلف وبيع، قيل لأحمد ما معناه؟ قال: أن تقرضه قرضًا ثم تبايعه عليه بيعا يزداد عليه، وهو باطل لدخوله في كل قرض جر نفعا فهو ربا، وقوله ولا شرطان في بيع، قال الإمام أحمد هو أن تقول أبيعك هذا الثوب بكذا وعلى خياطته وقصارته فإن قال وعلى خياطته كان شرطا واحدا وصح كما اشترط جار ظهر بعيره إلى رجوعه، وقوله ولا ربح ما لم يضمن كأن اشترى شيئا وباعه بربح قبل قبضه فإنه باطل، وربحه حرام لأنه في ضمان البائع ما دام في يده وتقدم بيع ما ليس عندك.
(5)
لا تلقوا بحذف إحدى التاءين أي لا تتلقوا الركبان وهم من يأتون من البادية لبيع السلع فلا يجوز=
حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا بَيِعِ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ
(1)
وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ
(2)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ
(3)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النِّجْشِ
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا
(5)
وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، قِيلَ: وَمَا يَزْهُو؟ قَالَ: «يَحْمارُّ أَوْ يَصْفَارُّ
(6)
».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ
(7)
. وَفِي رِوَايَةٍ: نَهى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ. رَوَى هذِهِ الأَرْبَعَةَ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ وَالْمُخَابَرَةِ
= مقابلتهم والشراء منهم قبل دخولهم السوق لأنه مظنة الغبن، ولذا قال فإن تلقاه فاشترى منه فصاحب البيع بالخيار إذا ورد السوق. ولا يبع حاضر لباد، الحاضر الواحد من أهل البلد، والباد من جاء من البادية بسلع يبيعها في البلد، فلا يكون الحاضر للباد سمسارًا ولذا قال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.
(1)
كقوله لمن اشترى شيئًا في زمن الخيار افسخ بيعك وأنا أبيعك مثله أو أحسن بأقل من ثمنه وكذا لا يشترى على شراء أخيه، كقوله لمن باع شيئًا افسخ بيعك وأنا أشتريه بثمن أكثر.
(2)
فلا يتكلم في زواج امرأة خطبها غيره إلا أن يأذن له.
(3)
كقوله لمن اتفق على بيع شيء أو شرائه ولم يعقده: أنا أشتريه منك بأغلى أو أنا أبيعك خيرا منه بأرخص منه.
(4)
النجش كالشرط هو أن يزيد في ثمن المبيع ليغر غيره، والنهي في هذا وما قبله للتحريم لما فيه من الإضرار بالناس ولكن البيع صحيح لأن المحظور خارج عن العقد.
(5)
نهى عن بيع الثمرة عنبا أو غيره حتى يبدو صلاحها بوصولها إلى حال تطلب فيها غالبا وتسلم من العاهة.
(6)
أي فيما كان صلاحه بالحمرة والصفرة كالرطب، والإفحال الصلاح في كل شيء بحسبه كالبياض السنبل والعنب الأبيض والسواد الأسود.
(7)
أي نهي تحريم فبيع أي شيء قبل بدو صلاحه حرام ولا يصح لعدم ضمان سلامته ولإضراره بالمشتري وهذا مناف لحكمة البيع.
وَعَنِ الثُّنْيَا وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا
(1)
. وَفَسَّرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ الْمُحَاقَلَةَ بِأَنَّهَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا، وَالْمُزَابَنَةَ بِأَنَّهَا بَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ كَيْلًا، وَالْمُعَاوَمَةَ بِأَنَّهَا بَيْعُ الشَّجَرِ سِنِينَ، وَالْمُخَابَرَةَ بِأَنَّهَا دَفْعُ الأَرْضِ إِلَى شَخْصٍ لِيَعْمَلَ وَيَزْرَعَهَا مِنْ عِنْدِهِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ منْهَا
(2)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟» قَالوا: نَعَمْ فَنَهى عَنْ ذلِكَ
(3)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(4)
.
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوانِ نَسِيئَةً. وَفِي رِوَايَةٍ: الْحَيَوَانُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا يَصْلُحُ نَسِيئاً وَلَا بَأْسَ بِهِ يَداً بِيَدٍ
(5)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(6)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يَطْلُبُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «بِعْنِيهِ» فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ ثُمَّ لَمْ يُبَايِعْ أَحَداً بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ
(7)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
(1)
الثنيا كالدنيا هي بيع شيء مع استثناء جزء منه مجهول كقوله بعتك هذه الصبرة إلا بعضها وهذه الثياب إلا بعضها إلا إذا عين ما استثناه لحديث: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، وسيأتي بيع العرايا.
(2)
المخابرة هي المزارعة الآتية في الزرع، والمحاقلة من الحقل وهو أرض الزرع: هي بيع الزرع في الحقل بالحنطة كيلا، والمزابنة من الزين وهو الدفع لدفع كل منهما كلام الآخر إذا تنازعا: هي بيع الثمر على شجره بالتمر والزبيب كيلا، والنهي فيهما للتحريم ولا يصح البيع للجهل بالمثلية التي هي شرط في بيع النوع الواحد يمثله كما يأتي في الربا والمقاومة من الأعوام وهي السنين، كقوله أبيعك ثمر هذا الحائط أربع سنين بكذا وهو حرام وباطل لأنه بيع معدوم، وغير قادر على تسليمه.
(3)
أي نهي تحريم لعدم المثلية في النوع الواحد، فلا يصح بيعه بالتمر، وكذا صبرة البر لا يصح بيعها بالبر كيلا للجهل بالمثلية.
(4)
بسند صحيح.
(5)
نسيئة أي مؤجلا من الطرفين، وقوله يدًا بيد أي مقابضة، فبيع الحيوان بالحيوان مؤجلا حرام وباطل باتفاق لأنه من بيع الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين، أما إذا كان التأجيل من جهة فجائز ولو مع التفاضل.
(6)
بسند صحيح.
(7)
فهو بيع حيوان بحيوانين مقابضة وفيه تأييد لما قبله.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ
(1)
وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْداً فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ
(3)
يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وَيُبَايَعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ
(4)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
.
• عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(6)
».
وَقَالَ عَلِيُّ رضي الله عنه: وَهَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلَامَيْنِ
(7)
أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُكَ» فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «رُدَّهُ رُدَّهُ
(8)
».
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي التِّجَارَةِ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ
(9)
» فِي مِثْلِهِ نَزَلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ
(1)
التأبير الأخذ من طلع فحل النخل ووضعه في جوف طلع الأنثى منه فتثمر أكثر وأجود بإذن الله تعالى، فمن باع نخلا بعد تأبيره فثمرته له إلا إذا اشترطه المبتاع أي المشتري له، وكذا من باع أرضا وفيها زرع بدا صلاحه ومن باع أرضا وفيها شجر فهو تابع لها.
(2)
فمن ابتاع أي اشترى عبدًا فماله الذي بيده البائع لأنه جمعه وهو في ملكه إلا إذا اشترطه المشتري له.
(3)
بالفتح يفسره ما بعده.
(4)
أي نهي تحريم ولا ينعقد لأنه مظنة الوكس ويندب للدائن إنظاره إلى ميسرة إلا إذا اضطر للبيع لمؤنة لازمة لبيته فالبيع صحيح.
(5)
بسند ضعيف ولكنه للترهيب.
(6)
ومثل الوالد وولده الإخوة والأخوات.
(7)
أي عبدين.
(8)
رده أي البيع، فالتفريق بين كبير وصغير لا يستغني عنه حرام للتعذيب بالفرقة والوحشة إلا إذا بيع ولد البهيمة لذبحه فلا، وظاهر ما تقدم أن البيع حرام وباطل وعليه الجمهور.
(9)
المغنيات النسوة اللاتي يغنين بأصواتهن فبيعهن وشراؤهن وتعليمهن وثمنهن حرام، ولا يصح لأنه من لهو الحديث المذموم ويقاس عليهن كل آلة لهو فبيعها غير صحيح لأن شرط البيع كما تقدم حل استعماله أما شراؤهن للخدمة فلا شيء فيه.
الْحَدِيثِ} الآيَة. رَوَى الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(1)
.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرضيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ
(4)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بيع العرايا والمزايدة
(5)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ
(1)
الأولان بسندين حسنين والثالث ضعيف ولكنه للترهيب والترمذي أيضا: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله لك تجارتك. فظاهره أن البيع والشراء في المسجد حرام وباطل، وعليه بعضهم لأن المسجد بني العبادة فقط، وقال بعضهم: إن البيع صحيح لأن المحظور خارج عن العقد، وهذا تنفير لأن البيع محله الأسواق.
(2)
فعمر رضي الله عنه أعطى رجلا فرسًا يجاهد عليه فبعد مدة رأي الفرس يباع فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في شرائه فنهاه بقوله: لا تشتره، وفي رواية: ولو أعطاكهـ بدرهم فإنه كالعائد في هبته. ولكن النهي للتنزيه فالشراء يصح.
(3)
التبايع بالعينة هو بيع الشيء بثمن مؤجل ويستلمه المشتري ثم يبيعه للبائع بثمن نقدا أقل من الثمن المؤجل وهذا باطل عند الجمهور والأئمة الثلاثة ولكنه جائز عند الشافعي وصحبه لخلوه من موانع البيع، ولأن الحديث ضعيف، والعينة بالكسر من العين بفتحها وهو المال الحاضر لأن المشتري باع ثانيا ليحصل على مال ينتفع به في الحال، ومعنى الحديث إذا اشتغلتم بدنياكم وتركتم الفرائض عليكم كالجهاد وغيره نزل بك ذل عظيم لا يرتفع حتى ترجعوا إلى دينكم وهذا واقع بالمسلمين الآن نسأل الله التوفيق.
(4)
لكنه ضعيف لوجود إسحاق الخراساني وعطاء الخراساني في سنده والله أعلم.
بيع العرايا والمزايدة
(5)
العرايا جمع عرية وهي أن يعرى الرجل الغني للفقير نخلة مثلا ليأكل منها ثم يتأذى صاحب المال من دخوله عليه فرخص له في شرائها منه بتمر، وقيل العرية نخل توهب للمساكين فلا يستطيعون انتظارها فرخص لهم في بيعها بالتمر، وهذا مستثنى من المزاينة السابقة للضرورة، والمزايدة عرض المتاع على قوم فيقول أحدهم أنا أشتريه بكذا، فيقول البائع من يزيد فيزيد رجل آخر حتى يبيعه صاحبه والله أعلم.
إلا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلا الْعَرَايَا
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتّمْرِ وَقَالَ: «ذلِكَ الرِّبَا
(2)
تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ إِلا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْراً يَأْكُلُونَهَا رُطَباً
(3)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ
(4)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِلْساً وَقَدْحاً قَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي هذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ» ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَزِيد» ؟ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ
(5)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
قوله إلا بالدينار والدرهم، أي لا بتمر ولا زبيب إلا العرايا لحاجة المساكين إلى بيعها.
(2)
لأن الثمر يقدر على شجره بالخرص والظن. وأما التمر أو الزبيب فبالكيل فلم تتحقق المثلية في بيع النوع الواحد فيكون ربًا.
(3)
النخلة والنخلتين بدل، أي يشتريها المالك أو غيره بعد خرصها بتمر يأخذه الفقير. فقوله: بخرصها تمرًا متعلق ببيع العرية، والخرص بالفتح تقدير التمر على الشجر، كقولهم ما على النخلة إذا صار تمرا كان قدره كذا بالكيل، وما على الشجرة من العنب إذا صار زبيبا كان قدره كذا بالكيل.
(4)
هذا قيد في بيع العرايا فلا تباع إلا إذا كانت أقل من خمسة أوسق عملا بالأحوط بخلاف الخسة فأكثر للشك فيها.
(5)
الحلس كالبئر وبفتحتين: ما يوضع على ظهر البعير تحت الرحل، والقدح: إناء الشرب، وقوله من يزيد أي في الثمن، وقوله فباعهما منه أي له، ففيه أن بيع المزايدة جاز، وعليه بعضهم والله أعلم. ولما كان الربا من البيع المنهي عنه أعقبناه به وأفردناه بباب لما له من الأهمية. نسأل الله السلامة منه.
الباب الخامس: في الربا والصرف
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}
(2)
{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} .
• عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَثَمَنِ الدَّمِ
(3)
وَثَمَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ
(4)
وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ
(5)
وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ
(6)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ
(7)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: الْتَمَسْتُ صَرْفاً بِمِائَةِ دِينَارٍ
(8)
فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا
(9)
حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ
(10)
ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازَنِي مِنَ الْغَابةِ وَعُمَرُ يَسْمَعُ فَقَالَ:
(الباب الخامس في الربا والصرف)
(1)
في الربا أي في تحريمه ولعن فاعله وبيان الأصناف التي يكون فيها الربا. وهي الذهب والفضة والمطعومات، والربا لغة الزيادة، وشرعًا كل عقد حرمه الشارع، وأنواع الربا ثلاثة، ربا الفضل وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر، وربا اليد وهو البيع مع تأخير قبض العوضين أو أحدهما، وربا النساء وهو البيع لأجل، والربا حرام باتفاق الملل السماوية لما فيه من الظلم قال تعالى - {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} - بل هو من كبائر الذنوب الواردة في حديث: اجتنبوا الموبقات السبع. وسيأتي في الحدود، والصرف بيع أحد النقدين بالآخر، فهو أخص من الربا، وعلة الربا في النقدين أنهما جنس الأثمان فاختص بهما دون غيرها من المعادن والأحجار الكريمة، وعلة الربا في البر ونحوه أنهما معلومان فتعداهما إلى كل ما شاركهما في العلة وهى الطعم.
(2)
فكل مال اختلط به الربا لا بركة فيه.
(3)
لأنهما نجسان فبيعهما وثمنهما حرام.
(4)
الوشم: هو غرز الإبرة في الجلد وذر كحل ونحوه عليه فيزرق أو يخضر وهو حرام لما فيه من تغيير الخلقة، وثمن الوشم: أجرته. وقوله والموشومة أي ونهي عن فعل الموشومة التي يفعل بها الوشم.
(5)
أي ونهي عن فعل آخذ الربا ومعطيه والنهي في الكل للتحريم.
(6)
الذي يصور صورة حيوان لا جماد، وسيأتي في اللباس إن شاء الله.
(7)
أي في الذنب واللعن الذي هو الطرد من الرحمة.
(8)
أي طلبت شراء دراهم بمائة دينار كانت في يدي.
(9)
أي تكلمنا في الصرف واتفقنا عليه.
(10)
أي الدنانير.
وَاللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِباً إِلا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِباً إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِباً إِلا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِباً إِلا هَاءَ وَهَاءَ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَة.
• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَداً بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدَا بِيَدٍ» . وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا
(3)
».
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ
(4)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ: سَلْ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَهُوَ أَعْلَمُ، فَسَأَلْتُ زَيْداً فَقَالَ: سَلِ الْبَرَاءَ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَا
(5)
: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ دَيْناً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ. وَلَفْظُهُ: إِنْ كَانَ يَداً بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ نَسِيئَةً فَلَا
(6)
.
(1)
هاء وهاء بالمد والفتح أو السكون أي مقابضة وقوله الذهب بالذهب أي بيع الذهب بالذهب فيه ربا إلا مقابضة، وفي نسخة، الذهب بالورق ربًا وهي نص فيما هنا لأنه الواقع بين مالك وطلحة.
(2)
مثلا بمثل أي متساويين في القدر، وقوله سواء بسواء تأكيد له، وقوله يدًا بيد أي مقابضة بدون تأجيل، فإذا بيع جنس بمثله كذهب بذهب وتمر بتمر اشترط التساوي في العوضين والقبض في المجلس، فإذا اختلف الجنس مع اتحاد العلة ذهب بفضة، وبر بشعير اشترط التقابض في المجلس فقط، فإذا اختلف البدلان في الجنس وعلة الربا كذهب ببر وفضة بشعير وذهب بثياب وفضة بأخشاب فلا يشترط من هذا شيء بإجماع ولما يأتي في جواز البيع إلى أجل.
(3)
التبر كالبئر في النقد غير المضروب منه وعين النقد ما ضرب منه والتبر والعين في هذا سواء.
(4)
الصبرة كالقرعة الكومة من الطعام، فالمجهولة القدر لا يصح بيعها بحكومة معلومة من جنسها للجهل بالمثلية.
(5)
أي زيد والبراء.
(6)
الورق كفخذ: الفضة لا يصح بيعها بذهب إلا يدًا بيد.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كُنْتُ أَبِيعُ الإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ فَآخُذُ مَكَانَهَا الْوَرِقَ وَأَبِيعُ بِالْوَرَقِ فَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ خَارِجاً مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ بِالْقِيمَةِ
(1)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. وَلَفْظُ أَبي دَاوُدَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
يجوز البيع إلى أجل
(2)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامَاً مِنْ يَهُودِيَ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ
(3)
.
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ
(4)
غَلِيظَانِ فَكَانَ إِذَا بَعُدَ فَعَرِقَ ثَقُلَا عَلَيْهِ فَقَدِمَ بِزٌّ مِنَ الشَّامِ لِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَقُلْتُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ
(5)
فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ ما تُرِيدُ إِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ بِمَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَذَبَ قَدْ عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ وَأَدَّاهُمْ للأَمَانَةِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
(1)
أي تأخذ فضة بقيمة الذهب الذي بعت به بسعر يومك بشرط التقابض في الحال، وعليه بعض الصحب وأحمد وإسحاق ولم يأخذ به الجمهور لضعف الحديث والله أعلم.
يجوز البيع إلى أجل
(2)
أي فيما لم يتحد الطرفان فيه في علة الربا، وهي الثمنية والطعمية كما في الحديث الأول من شراء طعام بنقد مؤجل، وكما في الحديث الثاني من شراء ثياب بنقد مؤجل، فلم يتحد العوضان فيهما في علة الربا.
(3)
اليهودي اسمه أبو الشحم، والدرع كالبئر ملبوس من صلب الحديد يحفظ جسم المجاهد من السلاح، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي ثلاثين صاعًا من شعير وأعطاه درعه رهنا على ثمنها حتى يدفعه إليه.
(4)
الثوب القطري بالكسر: برد من اليمن، وقوله إذا بعد أي سافر فيهما.
(5)
البز كالقز: الثياب، ففيهما جواز البيع وتأخير الثمن إلى أجل وجواز الرهن وجواز معاملة الكافر إذا لم يتيسر الطلب عند مسلم والله أعلم. ولما كان المسلم من البيع إلى أجل أردفناه به وأعقبناه بالرهن لأنه يقع فيهما.
الباب السادس: في السلم
(1)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ، فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُجَالِدٍ رضي الله عنه: بَعَثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبُو بُرْدَةَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَقَالَا: سَلْهُ هَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عَهْدِهِ يُسْلِفُونَ فِي الْحِنْطَةِ؟ فَقَالَ: كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّامِ
(3)
فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذلِكَ، ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى ابْنِ أَبْزَى فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لَا
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ
(5)
. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الباب السادس في السلم)
(1)
السلم هو بيع شيء موصوف في الذمة بثمن يدفع في المجلس، وسمي سلمًا لتسليم رأس المال فيه ويسمى سلفًا لتقديم رأس المال فيه، وهو جائز للحاجة إليه بشرط عدم اتحاد البدلين في العلة، وصورته كقوله: أسلمتك هذا الدينار لتبيعني به كذا وتسلمه لي في وقت كذا في مكان كذا.
(2)
فكان أحدهم يعطى للآخر دينارا مثلا ويقول: بعني به رطبًا مثلا من ثمار العام الآتي أو الذي بعده من غير تقدير للرطب، وربما تنازعوا عليه فقال صلى الله عليه وسلم: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، أي فيما يكال وفي وزن معلوم، أي فيما يوزن وفي عدٍّ فيما يعد مثلا، والمراد بيان المبيع بما ينفي الجهل عنه؛ لأن شرط المبيع أن يكون معلومًا ولابد من ذكر محل التسليم منعا للنزاع بينهما.
(3)
هم أهل الزراعة أو نصارى الشام.
(4)
فيجوز السلم إلى شخص ولو لم يكن عنده المسلف فيه ولا أصله.
(5)
أي لا يطلب بدله شيئًا آخر قبل قبض الثمن أو فلا يحول المسلم فيه إلى شخص آخر يبيع أو غيره قبل قبضه، والحديث ضعيف ولكن يقويه حديث الدارقطني: من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله. فظاهر ما تقدم أن السلف يجوز في الطعام والثياب وغيرها مما يحد ويوصف، وهذا باتفاق إلا الحيوان فقال بجواز السلف فيه الجمهور لما يأتي في الاستقراض، وقال بعضهم: لا يجوز للحديث الماضي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئا والله أعلم.
الرهن
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}
(2)
. صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِعِشْرِينَ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ أَخَذَهُ لأَهْلِهِ
(3)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ»
(4)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
الرهن
(1)
الرهن لغة. الحبس والدوام والثبوت ومنه الحالة الراهنة، وشرعًا: جعل مال وثيقة على دين ويطلق على الشيء المرهون.
(2)
وفي قراءة فرُهُنٌ مقبوضة جمع رهن، أي وإن كنتم مسافرين وتداينتم بدين ولم تتيسر كتابته فيكفيكم الرهن عليه وثيقة على دينكم، فيه طلب الكتابة عند المعاملة منعًا للنزاع وحفظا للمال من الضياع لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والطغيان.
(3)
ودرعه مرهونة أي عند البائع حتى يأخذ ثمن الطعام، وكان الرهن في الجاهلية يملك إذا حل الأجل وعجز عن الدفع فأبطله الشرع بتكليف الراهن إذا عجز ببيع الرهن وأداء الدين للمرتهن وأخذ الباقي.
(4)
الظهر: هو الحيوان الذي ينتفع بظهره لركوب وحمل كالإبل والخيل والبغال ونحوها، ولبن الدر أي البهيمة ذات الضرع واللبن كالبقر والغنم ونحوهما، فالظهر المرهون يركب بدل النفقة عليه، ولبن المرهونة يشرب بالنفقة عليها، وعلى الراكب والشارب النفقة. ولكنهم اختلفوا فيه فالجمهور على أن المراد به الراهن لأنه المالك، ولحديث الشافعي والحاكم: لا يغلق الرهن من صاحبه أي لا يمنع منه له غنمه وعليه غرمه. وقال أحمد وإسحاق: المراد به المرتهن ولو لم يأذن المالك لأنه في يده فله فائدته نظير الإنفاق، ولو قيل إن الحديث أجمله ليبيح لكل منهما ذلك لم يبعد، وهذا فيما يحتاج لإنفاق، أما ما لا يحتاج كثوب وأرض فلا يجوز للمرتهن أن ينتفع به إلا بإذن من الراهن على قول ضعيف، والجمهور على خلافه لحديث: كل قرض جر نفعًا فهو ربًا والله تعالى أعلى وأعلم.
الشفعة
(1)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: قَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ
(3)
.
• عَنْ أَبِي رَافِعٍ
(4)
رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً. وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرضي لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهَا شِرْكَةٌ وَلَا قِسْمَةٌ إِلا الْجِوَارُ فَقَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» .
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ أَوِ الأَرْضِ» .
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْجارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِباً إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِداً
(6)
»
الشفعة
(1)
الشفعة كالقرعة لغة: الضم. وشرعًا: حق يثبت قهرًا للشريك القديم على الشريك الجديد فيما ملك بعوض، وحكمتها دفع ضرر مؤنة القسمة من أحداث المرافق كمصعد ومنور وباب في الحصة الصائرة إلى القديم.
(2)
أي حكم بالشفعة في كل مشترك مشاع قابل للقسمة، فإذا قسم وظهرت الحدود ورسمت الطرق بينها فلا شفعة لأنه لا محل لها بعد تمييز الحقوق وصيرورته جارا.
(3)
قوله ربعة أو حائط بدل من شركة والربعة تأنيث الربع وهو المنزل، والحائط: البستان، وقوله لا يحل له أي للشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن باع بدون علمه فالبيع حرام، وله الشفعة إذا طلبها لأنها حقه الثابت له بالشرع.
(4)
أبو رافع هذا كان خادمًا للنبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه عدة أحاديث.
(5)
السقب والصقب كالقصب: القرب، فظاهر هذه النصوص أن الشفعة لا تثبت إلا في العقار وهي الأرض وما ثبت فيها للدوام كالبناء والأشجار وعليه الجمهور، وقال بعضهم: إن الشفعة ثابتة في كل شيء لحديث» الشفعة في كل شيء» وقال أحمد لا تثبت في شيء منقول إلا في الحيوان.
(6)
فشرط ثبوت الشفعة للجار أن يكون طريقهما واحدا. وظاهر هذه النصوص أن الشفعة ثابتة للجار، وعليه الحنفية والثوري وابن سيرين، وقال الجمهور: ليس للجار شفعة بل هي للشريك فقط والجار في هذه النصوص مراد به الشريك للحديث الأول، وأجاب الحنفية عنه بأن قوله فإذا وقعت الحدود فلا شفعة مدرج من كلام الراوي،=
رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ
(1)
.
• عَنْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ
(2)
»، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْ رضينَ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ
(3)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب السابع: في الإجارة
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَحْكِي قَوْلَ شُعَيْبٍ لِمُوسَى عليه الصلاة والسلام {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ}
(5)
{وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} .
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ»
(6)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِياً خِرِّيتاً وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ
=وقال الجمهور: لا دليل على هذا، ويكفي قوله في كل ما لم يقسم وقوله في كل شركة لم تقسم، ولو قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالشفعة للجار بعد أن نفاها عنه لم يبعد، وكان الجمع بين الروايات.
(1)
الأول صحيح والثاني حسن.
(2)
النهي للتنزيه فيكره منع الجار من وضع أطراف أخشابه في الجدار الملاصق له لأنه مخالف للإحسان المطلوب للجار إلا إذا كان يضر به فلا.
(3)
الضمير في عنها وبها للوصية بالجار أي ما لكم تعرضون عنها والله لأسمعنكم إياها فرارا من كتمان العلم وأملا في العمل بها والله أعلم.
الباب السابع في الإجارة
(4)
هي لغة: اسم للأجرة، وشرعًا: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم.
(5)
الحجج جمع حجة كنعم ونعمة هي السنة، أي إني أريد أن أزوجك واحدة من بنتيّ هاتين على أن تكون أجيرا عندي ثماني سنين ولو كملتها عشرا لكان فضلا منك.
(6)
المتصدقين بالتثنية والجمع، فالخازن الذي هو أجير عند صاحب المال إذا فعل بسخاء ما أمره به المالك كان ثوابه كثواب المتصدق من ملكه.
السَّاحِلِ
(1)
. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحِجَّامَ أُجْرَةٌ.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا رَعَى الْغَنَمَ.
الأجرة على القرآن والسمسرة
(2)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْراهِيمُ وَالْحَسَنُ رضي الله عنهم بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْساً
(4)
.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَمَا زَادَ فَهُوَ لَكَ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ رضي الله عنه: إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا، فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ
(5)
. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الْبُخَارِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1)
الخريت بكسر الخاء والراء مع التشديد: الماهر بمعرفة الطرق وكان اسمه عبد الله بن أريقط وكان كافرا ولمهارته في معرفة الطرق استأجره النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر ليسير معهما في الهجرة إلى المدينة فدفعا إليه الراحلتين ووعداه أن يقابلهما في الغار بعد ثلاث ليال فوفي بعهده وسار معهما إلى المدينة، وسيأتي حديث الهجرة مطولا في كتاب النبوة إن شاء الله تعالى. وتقدم: ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم. ففي هذه الأحاديث جواز الإجارة للحاجة إليها والله أعلم.
الأجرة على القرآن والسمسرة
(2)
السمسرة هي الدلالة وهي بيع الشيء عن صاحبه والأجرة عليها جائزة لأنها نظير عمل معلوم وقد يحتاج الطرفان إلى ذلك.
(3)
فأطيب الكسب الأجرة على كتاب الله تعالى بتعليم أو رقية أو كتابة أو قراءة لإطلاق الحديث وعليه الجمهور، وقال أحمد والحنفية لا تجوز الأجرة على القرآن لأنه عبادة وأجرها على الله تعالى إلا في الرقية لأنها سبب الحديث، فقد كان بعض الأصحاب في سفر فمروا في ليلة بحي من العرب وطلبوا الإضافة فلم يجيبوهم فلدغ سيدهم في تلك الليلة فلجأوا إلى الأصحاب، فقال أبو سعيد: لا نرقيه حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع غنم فرقاه أبو سعيد فشفى وأخذ الغنم ولكنه أمسك عن التصرف فيها حتى سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وقال: اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا، وسيأتي ذلك في الطب مبسوطًا إن شاء الله، وأيضا لا تجوز الأجرة عليه لحديث أحمد والبزار، اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به. وكالأجرة على القرآن الأجرة على الأذكار ونحوها.
(4)
هؤلاء من كبار علماء التابعين وقالوا بجواز الأجرة على السمسرة لأنها عمل معين.
(5)
ولم يقل بذلك أحد غيرها لأن الأجرة في الصورتين مجهولة، فإذا باع له فله أجرة المثل عند الجمهور =
الشركة والوكالة
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا
(3)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: اشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ: فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيريْنِ وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ
(4)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هكَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثةِ فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيباً
(6)
.
= إلا أن يقال إنها معلومة بعض العلم كما يحصل في مصرنا الآن من قول المالك للسمسار: بع هذا ولك من كل مائة خمسة فهو صحيح عندهما والله أعلم.
الشركة والوكالة
(1)
الشركة لغة: الاختلاط وشرعًا: ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على الشيوع، والوكالة بالفتح والكسر إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقًا أو مقيدا وهما جائزان للحاجة إليهما.
(2)
فالله تعالى مع الشريكين بالعون والبركة ما داما أمينين وإلا تخلى عنهما وشاركهما الشيطان.
(3)
فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أعطاها لليهود، ليعملوا فيها ما يلزم للزراعة من حرث وسقى وبذر ونحوها ولهم نصفها، فهذه مزارعة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود وبقيت إلى زمن عمر رضي الله عنه حتى أجلاهم عنها.
(4)
فيما نصيب يوم بدر أي من الغنائم، ولم يغنم إلا سعد فاشتركنا معه، وهذه شركة أبدان وهي أن يشترك اثنان فيما يعملانه، وأجازها مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: إنها باطلة لأن كل شخص متميز عن الآخر بجسمه وعمله فيختص بفوائده كمن خلطا أغنامهما فلكل منهما فائدة غنمه.
(5)
بسند منقطع ولكن ورد ما يقويه واعتبره بعض الأئمة.
(6)
استعمله على خيبر أي وكله عليها، والجنيب كالحبيب: الطيب، والجمع: الرديء، فوكيل النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر جاءه بتمر طيب فقال صلى الله عليه وسلم =
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجَلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا
(1)
. رَوَى الثَّلَاثَةَ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسِقْاً فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
• عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَاراً يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَةً أَوْ شَاةً فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَاباً لَرَبِحَ فِيهِ
(4)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ
(5)
فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الصلح
(6)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
(7)
.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
(8)
= كل تمرها هكذا، قال: لا إنا نشتري الصاع من هذا بصاعين، قال: لا تفعل فإن التمر بالتمر ربًا إلا مثلا بمثل ولكن بع الرديء بدراهم ثم اشتر بها طيبًا.
(1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم وكل عليا رضي الله عنه يوم النحر في التصدق بجلود الضحايا وجلالها.
(2)
أي إن طلب منك علامة على صدقك فضع يدك على ترقوته وهي العُظَيْم الذي بين ثغر النحر والعنق.
(3)
بسند حسن.
(4)
قوله أو شاة للشك، وفيه أن الوكيل لو تصرف بأكثر مما وكل فيه فربح فتصرفه صحيح.
(5)
ولكن البخاري في بدء الخلق وأبو داود في المضاربة مع أن الحديث وكالة في شراء، والمضاربة أن يدفع شخص لآخر مالا ليعمل فيه والربح بينهما وسميت مضاربة لحصول الضرب وهو السفر فيها غالبا وتسمى قراضا عند الحجازيين، والعامل يسمي مضاربا، والمضارب إذا خالف المالك فبعضهم قال: إنه ضامن لرأس المال والربح للمالك كمن اتّجر في وديعة بغير إذن صاحبها، وقال آخرون: إن الربح للمضارب وهو لرأس المال ضامن والله أعلم.
الصلح
(6)
الصلح ترك النزاع والإصطلاح على شيء.
(7)
أي فيه خير كثير للناس.
(8)
بل وبين الكافر والمسلم.
إِلا صُلْحاً حَرَّمَ حَلَالاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً
(1)
وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلا شَرْطاً حَرَّمَ حَلَالاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً
(2)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ.
• عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْناً كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا فَكَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى يَا كَعْبُ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هذَا وَأَوْمَأَ إِلَى الشَّطْر» قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «قُمْ فَاقْضِهِ
(3)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.
الباب الثامن: في العارية وضمانها
(4)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَساً مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ فَرَكِبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً
(5)
.
قَالَ أَيْمَنُ رضي الله عنه: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا دِرْعُ قِطْرٍ ثَمَنَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَتِ انْظُرْ إِلَى
(1)
إلا صلحا حرم حلالا كمصالحة الزوجة على عدم جماع ضرتها، وقوله أو أحل حراما كالصلح على فعل حرام أو إضرار بعض العباد.
(2)
فكل شرط غير مشروع لا قيمة له.
(3)
السجف كالستر وزنًا ومعنى ولكنه بشقين على الباب، فابن أبي حدرد كان عليه دين لكعب فطالبه به في المسجد وارتفعت أصواتهما حتى سمعهما النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فكشف ستر باب حجرته ونادى كعبا فأجابه فأشار إليه بوضع نصف الدين وأخذ الباقى رحمة بالمدين ومنعا للنزاع، فأجابه كعب رضي الله عنه، وهذا صلح على ترك بعض الدين وإرشاد للدائنين إلى الرفق بالمدينين. نسأل الله أن يعمنا برحمته ورضوانه آمين.
(الباب الثامن في العارية وضمانها)
(4)
العارية هي إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه كإعارة حيوان لركوبه وثوب وإناء لاستعمالهما وردهما، قال الله تعالى {ويمنعون الماعون} فسرت بما يستعيره الجيران من بعضهم كالأواني والرحى ونحوهما.
(5)
وجدناه أي الفرس لبحرًا أي واسع الجري، شاع في المدينة قول بقدوم العدو ففزع الناس، وكان لأبي طلحة فرس يسمى المندوب وكان بطيء السير فاستعاره النبي صلى الله عليه وسلم فركبه فصار سريع السير وخرج يركض وحده، فلما رجع قال ما رأينا من شيء.
جَارِيَتِي فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ
(1)
. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي الْعُمْرَى.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقَ حَقَّهُ فلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَلَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئاً مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ: «ذلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» ثمَّ قَالَ: «الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ نَسِيَ فَقالَ: هُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ
(3)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(4)
.
• عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَتْكَ رُسُلي فَأَعْطِهمْ ثَلَاثِينَ دِرْعاً وَثَلَاثِينَ بَعِيراً» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارَيةً مَضْمُونةً أَوْ عَارِيَةً مُؤَدَّاةً؟ قَالَ: «بَلْ مُؤَدَّاةً
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
وَالنسَّائِيُّ.
(1)
درع قطر بالإضافة أي قميص من برود اليمن فيه غلظ وخشونة، وثمن منصوب على نزع الخافض أي بثمن هو خمسة دراهم، وقولها تزهي بلفظ المجهول أي تتكبر عن لبسه، وقولها تقين كتزين وزنا ومعنى، فهذا القميص الخشن كان يستعمار للعروس والآن تتكبر الجارية عن لبسه في البيت لما تيسرت الأمور وكثرت الفتوحات فسبحان الفتاح العليم، فالاستعارة مذكورة في الحديثين.
(2)
المنحة كالنعمة ما يمنحه الشخص لغيره ينتفع به ثم يرده لمالكه كبهيمة لشرب لبنها وأرض لزرعها وشجرة لثمرها، والدين مقضى أي يجب قضاؤه شرعا، والزعيم أي الضامن غارم لما ضمنه إذا عجز الدين، والعارية مؤداة أي تؤدي وتعاد إلى صاحبها وجوبا بعد استيفاء نفعها، فإن تلفت بتقصير ضمنها المستعير وإلا فلا.
(3)
على اليد ما أخذت، أي يجب على اليد حفظ ما أخذته بإجارة أو إعارة أو غيرها حتى ترده إلى مالكه، وظاهره أن عليه الضمان مطلقا ولو لم يقصر، ولكن الحسن الراوي عن سمرة قال لا ضمان عليه، ولعله إن تلفت في مأذون فيه أو بدون تقصير.
(4)
بسند حسن.
(5)
أعارية مضمونة أي أتستعيرها عارية مضمونة تضمن بالقيمة إن تلفت، أو عارية مؤداة أي تؤدي لمالكها إن بقيت، وإن تلفت فلا ضمان أي بدون تقصير.
(6)
بسند صالح.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمِهَا قَصْعَةً فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ
(1)
فَضَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى الْكَسْرَتَيْنِ إِلَى الأُخْرَى وَجَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ كلُوا» فَأَكَلُوا حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَتُهَا قَالَ: «كُلُوا» وَحَبَسَ الرَّسُولُ وَالْقَصْعَةَ الْمَكْسُورَةَ حَتَّى فَرَغُوا فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الرَّسُولِ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً وَلَفْظُهُ لأَبِي دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب التاسع: في الاستقراض والاستدانة
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ
(4)
وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً}.
(1)
التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها هي عائشة وهي التي كسرت القصعة التي جاءت بطعام من عند زينب بنت جحش أو أم سلمة أو صفية ضرائرها غيرة من حسن طعامها.
(2)
وفي رواية قالت عائشة: ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية، بعثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأخذني - أفكل، كأكبر - أي رعدة شديدة، فكسرت الإناء فقلت: يا رسول الله: ما كفارة ما صنعت، قال: إناء مثل إناء وطعام مثل طعام، وكالإناء غيره للعموم فيما تقدم، ومنه حديث أبي داود والترمذي: أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك، ففي هذه النصوص أن من كان تحت يده شيء بإجارة أو إعارة ونحوهما وأتلفه أو تلف بتقصيره وجب عليه رد مثله إن تيسر وإلا فقيمته وهذا باتفاق؛ فإن تلف وحده أو بمأذون فيه فلا، وقال بعض الصحب والتابعين وأحمد إن العارية مضمونة مطلقا لظاهر حديث سمرة والله تعالى أعلى وأعلم.
(الباب التاسع في الاستقراض والاستدانة)
(3)
الاستقراض طلب القرض بالفتح أشهر من الكسر وهو تمليك الشيء لغيره على أن يرد بدله وسمي قرضًا لأن المقرض يقطع للمقترض قطعة من ماله ويسميه الحجازيون سلفًا وهو جائز للحاجة. والاستدانة هي أخذ الشيء دينا عليه حتى يرد مثله فالاستقراض والاستدانة شيء واحد.
(4)
فكتابة الدين مطلوبة حفظا للحق ومنعا للنزاع وإبقاء على السلام والأمان.
• عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْراً
(1)
فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَةُ فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلا خِيَارَاً رَبَاعِياً فَقَالَ: «أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ أَلْفاً فَجَاءَهُ مَالٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالأَدَاءُ
(3)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ
(4)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنِ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عَقُوقَ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعاً وَهَاتِ
(5)
وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ
(6)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ
(7)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
(1)
هو الفتى من الإبل وكان ثلاثيًا.
(2)
قوله رباعيًا هو من الإبل ما أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة وطلعت رباعيته، وفي رواية فلما أعطوه الرباعي قال: أوفيتني أوفاك الله، وفيه جواز السلف في الإبل ويقاس عليه بقية الحيوان، وعليه الجمهور، ومنعه الحنفية للنهي عن بيع الحيوان بالحيوان، وحمله الجمهور على النسيئة من الطرفين.
(3)
فالنبي صلى الله عليه وسلم استلف من عبد الله أربعين ألف درهم، ولما جاءه المال ردها إليه ودعا له، وفيه جواز السلف في النقدين وهو باتفاق وأما غيرهما ففيه خلاف لأهل العلم.
(4)
وللحاكم وغيره ما من مسلم يدّان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا.
(5)
عقوق الأمهات أي أذية الآباء والأمهات ووأد البنات أي دفنهن بالحياة خوف العار أو الفقر كما كان في الجاهلية قال تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} وحرم منعًا أي منع الحقوق عن أصحابها وحرم هات أي أخذ ما لا يحل.
(6)
وكره لكم قيل كذا، وقال فلان كذا من فضول الكلام وبالأولى ما يؤذى، وكره كثرة السؤال أي في العلم امتحانا، أو في المال استكثارًا، وكره إضاعة المال أي حرم إتلافه أو صرفه فيما لا يحل.
(7)
أي تسويف الغني في دفع الواجب عليه ظلم منه لنفسه وللعباد. وقال الشافعي: إذا تكرر منه ذلك ردت شهادته.
وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيّ: «لَيُّ الْواجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ
(1)
».
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرَ الَّتِي نَهى اللَّهُ عَنْهَا أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
.
وَلِلنَّسَائِيِّ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ثمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضى عَنْهُ دَيْنُهُ
(4)
».
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ: «أَعَلَيْهِ دَيْنٌ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحبِكُمْ» . قَالَ أَبُو قتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَركَ دَيْناً فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثتِهِ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيداً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ في حُقُوقِهِمْ
(6)
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكلَّمْتُهُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي فَأَبُوا
(7)
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:
(1)
ليّ أصله لوى قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، فمطل الغني في دفع الحق يسوغ الطعن فيه بأنه مماطل وظالم، وللحاكم حبسه وتعزيره بما يراه أدبًا له وزجرًا لغيره.
(2)
فأعظم الذنوب بعد الكبائر أن يموت وعليه دين لم يترك له قضاء وكان قصر في وفائه أو استدانه لمعصية وإلا فلا.
(3)
بسند صالح.
(4)
فالدين بغير عذر مانع من دخول الجنة ولو استشهد غير مرة.
(5)
فالنبي صلى الله عليه وسلم أولا ما كان يصلى على من مات وعليه دين لم يترك له قضاء إشعارا بعظم ذنبه الذي يكاد يجعله مع المنافقين المنهي عن الصلاة عليهم وتنفيرا عن الدين، ولكن لما كثرت الأموال من الغنائم كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع الدين عن كل مسلم مات، ومعنى ما تقدم جواز الاستدانة مع نية الأداء والسعي فيه والتلطف بالدائن إذا ضاق صدره، وينبغي حفظ الأموال والعمل في تنميتها، فإنها زينة الحياة الدنيا وسبب كل خير للصالح، بل هي مفاتيح الخير بين الناس أجمعين.
(6)
أي ألحوا في طلبها.
(7)
امتنعوا من قبول رجائه صلى الله عليه وسلم في أخذ التمر كله ومسامحة أبيه.
سَنَغْدُوا عَلَيْكَ
(1)
فَغَدا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي تَمْرِهَا بِالْبَرَكَةِ فَجَدَدْتُهَا فَقَضَيْتُهُمْ وَبَقِيَ لَنَا مِنْ تَمْرهَا
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
من أدرك ماله عند المفلس فهو أحق به
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ لأَبِي دَاوُدَ
(5)
: «فَإِنْ كَانَ قَضَاهُ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئاً فَمَا بَقِيَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرْمَاءِ وَأَيُّمَا امْرِئٍ هَلَكَ وَعِنْدَهُ مَتَاعُ امْرِئٍ بِعَيْنِهِ اقْتَضى مِنْهُ أَوْ لَمْ يَقْتَضِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ
(6)
».
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَتَّبِعُ الْبَيِّعُ مَنْ بَاعَهُ أَيْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ
(7)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(8)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَعْتَقَ
(1)
سنأتيك صباحا عند قطع التمر في بستانك.
(2)
فبارك الله في التمر فقضينا الغرماء ديونهم وبقى لنا منه، معجزة له صلى الله عليه وسلم وحشرنا في زمرته آمين.
من أدرك ماله عند المفلس فهو أحق به
(3)
المفلس هو من ارتكبته ديون ولم يجد لها وفاء وحكم الحاكم بإفلاسه.
(4)
أو للشك ولكنه أعم من رجل.
(5)
بسند مرسل وقد احتج به مالك وسفيان وغيرها أما الشافعي ومن بعده فلا.
(6)
فإذا تراكم الغرماء على المفلس ووجد أحدهم ماله الذي كان اشتراه المفلس منه ولم يدفع شيئا من ثمنه فهو أولى به من الغرماء، فإن كان قد أخذ من ثمنه شيئًا أو مات المفلس فصاحب الشيء مثل الغرماء، وعلى هذا الجمهور، وقال الشافعي: صاحب الشيء أولى به من الغرماء سواء في حياة المفلس أو بعد موته وسواء أخذ بعض الثمن أولا، ولكنه في الصورة الأولى يرد بعض الثمن للحديث الأول، والحديث أبي داود وابن ماجه قال عمر بن خلدة: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس فقال: لأقضين بينكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به.
(7)
فمن وجد ماله الذي غصب منه أو سرق مثلا عند شخص فهو أولى به ويرجع المشتري على بائعه فيأخذ منه الثمن لأنه ظهر أنه باعه ما لا يملكه.
(8)
بسند صالح.
رَجُلٌ مِنَّا غُلَاماً لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخَذَ ثَمَنَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الحوالة والكفيل
(2)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِئٍ فَلْيَتْبَعْ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَزِمَ رَجُلٌ غَرِيماً لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ
(4)
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي أَوْ تَأْتِيَني بِحَمِيلٍ
(5)
قَالَ: فَتَحَمَّلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ
(6)
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَ هذَا الذَّهَبَ؟» قَالَ: مِنْ مَعْدِنٍ قَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ، فَقَضَاهَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(7)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ
(8)
.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ: «الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ
(9)
».
(1)
فرجل من الأنصار يسمى أبا مذكور له عبد قبطى اسمه يعقوب قال له سيده: إن مت فأنت حر، وكان أبو مذكور قد أفلس فباع النبي صلى الله عليه وسلم عبده بثمانمائة درهم وأعطاها له، وقال له: اقض دينك فإن أداء الدين فرض والإعتاق سنة والفرض مقدم على السنة، وفيه أن الحاكم يبيع مال المفلس لسد ما عليه وبيعه صحيح، وفيه جواز بيع المدبّر وسيأتي في العتق إن شاء الله والله أعلم.
الحوالة والكفيل
(2)
الحوالة أن يحوّل المدين دائنه على مدين له، والكفيل: الضامن وهما جائزان للحاجة.
(3)
الأمر للندب فإذا حول صاحب الدين على شخص موسر فالأفضل أن يقبل.
(4)
الغريم هنا هو ما عليه الدين، والدينار قدره بالعملة المصرية اثنان وستون قرشا صاغا.
(5)
أي ضامن.
(6)
ردها للنبي صلى الله عليه وسلم في الميعاد.
(7)
المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب وغيره، ورد النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ليس فيها خير يحتمل أنه لأمر علمه النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الرجل لا لذات الذهب من المعدن فإن عامة النقدين مأخوذة من المعادن وسيأتي: أقطع النبي صلى الله عليه وسلم لبلال بن الحارث معادن القبلية وكانوا يؤدون زكاتها وهو عمل الناس إلى اليوم ويحتمل غير ذلك.
(8)
بسند صالح.
(9)
ومعنى ما تقدم جواز الحوالة وقبولها سماحة، وجواز ملازمة الغريم، وجواز طلب الكفيل وأنه ملزم بالأداء إذا عجز المدين ويرجع عليه الكفيل بحقه والله أعلم.
الباب العاشر: في الأرض والغرس والزرع
(1)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضاً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ» ، قَالَ عُرْوَةُ: قَضى بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه فِي خِلَافَتِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ
(2)
.
• عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا حِمَى إِلا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
(3)
وَحَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّقِيعَ وَحَمى عُمَرُ السَّرَفَ وَالرَّبَذَة
(4)
».
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَضى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ
(5)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(الباب العاشر في الأرض والغرس والزرع)
(1)
أي في جواز إحياء الأرض وفضل الغرس والزرع.
(2)
الأرض الميتة هي التي ليست ملكا لأحد ولا حريما لملك معمور بالبناء أو الزرع أو الغرس بل وليست للمنفعة العامة كمحل اجتماع الناس لسوق ونحوه، والتعمير والإحياء يحصل بما جرى به العرف بين الناس من تحويط الأرض وتسويها لبناء أو زرع وحفر بئر ونحوه مما يلزم عرفا للإحياء، وليس لعرق ظالم بالتنوين صفة لعرق أو بالإضافة، والعرق هنا الغرس، فمن أحيا أرضا ميتة فهي ملك له ولو لم يأذن له الحاكم اكتفاء بإذن الشارع وليس لأي إنسان ولو ظالما حق فيها.
(فائدة):
قال ربيعة وغيره: العروق أربعة، عرقان ظاهران وهما النبات والغرس، وعرقان باطنان وهما المياه والمعادن، ولأبي داود: من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له، وفي رواية من ترك دابة بمهلك فأحياها رجل فهي لمن أحياها، وعليه أحمد وإسحاق، وقال أكثر الفقهاء: إنها كاللقطة، وقالت الشافعية: يجب على رب الدابة أن يعلفها أو يبيعها أو يتركها في مرتع وقالت الحنفية: لا يجب ولكن يؤمر بذلك استصلاحا كالشجر.
(3)
الحمى - كإلى - لغة المحظور وشرعا ما يحميه الإمام من الموات لترعى فيه إبل الجهاد والصدقة ويمنع الناس منه، وهذا خاص بالإمام ونائبه. وأما غيره فيرعي من الكلأ ولا يمنع غيره.
(4)
النقيع كالبقيع موضع على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال، والسرف بالسين والشين مكان قريب من التنعيم، والربذة محل مشهور بين الحرمين.
(5)
أي حكم النبي صلى الله عليه وسلم في قدر سعة الطريق بسبعة أذرع ليمكن المرور فيه لنحو القوافل المثقلة، وكان هذا كافيا حينذاك وإلا فالعبرة بما يكفي بقول الخبراء. وهذا في طريق ينشأ جديدًا، أما الطريق المسلوك فلا يجوز مسه بأخذ شيء منه.
وَلَفْظُهُ: إِذَا تَشَاجَرْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ
(1)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إِلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَلَا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ
(2)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْساً فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إِلا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
(3)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَى وأَعْلَمُ.
المزارعة ببعض ما يخرج منها
• عَنْ رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلاً
(4)
وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهذِهِ لَكَ فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(5)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْساً حَتَّى سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنْهَا فَذَكَرْتُهُ لِطَاوُسٍ فَقَالَ: قَالَ لِي أَعْلَمُهُمْ
(6)
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهَا
(1)
الغرس ما كان له ساق كالنخل والعنب والرمان والتفاح، والزرع ما لا ساق له كالبر والشعير.
(2)
لا يرزؤه أحد أي لا ينتفع به مخلوق إلا كان له صدقة.
(3)
فللغارس من غرسه صدقات بعدد الآكلين منه. ومثله إحياء الأرض وحفر الآبار وشق الطرق والأنهار، فكل هذه يجري ثوابها لفاعلها، ما دامت باقية، وتقدم في العمل الأمور التي يبقى ثوابها والله أعلم.
المزارعة ببعض ما يخرج منها
(4)
أي زرعًا أو أرضا تزرع.
(5)
وفي رواية كانوا يزارعون على أن المالك له القطع التي على الأنهار والسواقي والمزارع له ما ليس كذلك فربما جاءت هذه القطع دون تلك فيتنازعون عند الحصاد وتخاصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن المزارعة منعا للنزاع.
(6)
هو ابن عباس رضي الله عنهما.
وَلكِنْ قَالَ: لأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَرْضَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجاً مَعْلُوماً. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ إِنَّمَا جَاءَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ قَدِ اقْتَتَلَا فَقَالَ: «إِنْ كَانَ هذَا شَأْنَكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ فَسَمِعَ رَافِعٌ قَوْلَهُ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُكْرِي مَزَارِعَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْراً مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا سَمِعَ حَدِيثَ رَافِعٍ تَرَكَ ذلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئاً
(1)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يحَرِّمِ الْمُزَارَعَةَ وَلكِنْ أَمَرَ أَنْ يَرْفُقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رضي الله عنه: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلا يَزْرَعونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ
(3)
وَزَارَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وآلُ عَلِيَ وَابْنُ سِيرِينَ رضي الله عنهم
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
من باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
(2)
معنى ما تقدم أنه كان يقع نزاع عند الحصاد بين المالكين والمزارعين فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ففهم رافع أن النهي لذات المزارعة فقال به وامتنع عنها ابن عمر احتياطا ولكن رد على رافع زيد وقال: إن النهي لمنع النزاع فقط وكذا رد عليه جبر الأمة ابن عباس وقال إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها ليرشدهم إلى ما هو خير لهم وهو المنح بقوله من كانت له أرض أي زائدة عن حاجته فليعطها لأخيه يزرعها بدون شيء.
(3)
أبو جعفر هو محمد الباقر بن علي بن الحسين رضي الله عنهم، فأبو جعفر يقول كل المهاجرين بالمدينة يزارعون على الثلث أو الربع كما يتفق الطرفان، فإن معظم المهاجرين لم يكن لهم أرض يزرعونها بل الأرض كانت للأنصار بل وزارع من الصحب والتابعين من ذكروا وهم من عظماء الصحابة والتابعين، ويبعد كل البعد أن تكون مزارعتهم على غير علم من النبي صلى الله عليه وسلم لأنها أرزاقهم فلا تخفى.
(4)
فاتضح من هذا أن المزارعة على بعض الأرض أو على بعض الخارج منها جائزة وسيأتي الخلاف فيها في كراء الأرض بالنقد إن شاء الله تعالى.
كراء الأرض بالنقد وغيره
• عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَقَالَ: نَهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ والْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
وَقَالَ سَعْدٌ رضي الله عنه: كنَّا نكْرِي الأَرْضَ بِمَا عَلَى السَّوَاقِي مِنَ الزَّرْعِ فَاخْتَلَفُوا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ وَأَمَرَنَا أَنْ نُكْرِيَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
(1)
.
• عَنْ رَافِعٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا، وَرَجُلٌ مُنِحَ أَرْضاً فَهُوَ يَزْرَعُهَا، وَرَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضاً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
(2)
». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
(3)
وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
المساقاة والخرص
(4)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: عَامَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ
كراء الأرض بالنقد وغيره
(1)
أي كنا نكرى الأرض من مالكيها ونعطيهم زرع ما على السواقى والأنهار لخصوبته ونأخذ غيره فاختلفنا فيه فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عنه وأمرنا أن نكريها بالنقد.
(2)
ففي هذه الأحاديث جواز كراء الأرض بالنقد، ومثل النقد غيره كثياب وطعام معلوم، وعلى هذا أبو حنيفة والشافعي فإنهما قالا يجوز كراء الأرض بكل شيء إلا بجزء منها أو جزء من زرعها لأنها المخابرة المنهي عنها للغرر، وقال مالك: يجوز بالنقد وغيره إلا الطعام، وقال أحمد وبعض المالكية والشافعية: تجوز المزارعة بالنقد وبالطعام وبجزء من الأرض والزرع وبكل شيء لما تقدم من فعل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم والنهي عنها لحسم النزاع فقط فهو للتنزيه، قال النووي رحمه الله وهذا هو الراجح المختار من كل الأقوال وحكمة المزارعة معاونة الطرفين فربما لا يحسن المالك زراعة أرضه وربما يحسن الزراعة من لا يملك أرضا فجوزت رفقا بالطرفين.
(3)
بسندين صالحين والله تعالى أعلى وأعلم.
المساقاة والخرص
(4)
أي جائزان ومعمول بهما، والمساقاة دفع شجر الثمر إلى شخص ليعمل ما يلزمه من سقي ونحوه وله جزء من ثمره، والخرص بالفتح والكسر تقدير الثمر على الشجر، وهما جائزان عند كل العلماء إلا أبا حنيفة =
فَكَانَ يُعْطِي أَزْواجَهُ كُلَّ سَنةٍ مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانِينَ مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعِيرٍ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ وَقَسَمَ خَيْبَرَ خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الأَرْضِ وَالْمَاءِ وَبَيْنَ الأَوْسَاقِ كُلَّ عَامٍ فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ وَالْمَاءَ وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ فَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ مِمَّنِ اخْتَارَتَا الأَرْضَ وَالْمَاءَ
(1)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
وَقَالَتْ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ قَالَ: لَا، فَقَالُوا: تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَنشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ خَيْبَرَ فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا كَانُوا وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَبَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: خَرَصَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ وَخَيَّرَهُمْ فَأَخَذُوا الثَّمَرَ وَعَلَيْهِمْ عِشْرُونَ أَلْفَ وَسْقٍ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم استعمل اليهود على أرضهم بعد فتحها بنصف ما يخرج منها من الثمر والزرع فهي مزارعة بالشطر تابعة للمساقاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخر قوت أهله من هذا، فلما تولى عمر رضي الله عنه وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه» لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» أجلى اليهود عن خيبر وقسمها كما قال الله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وخير أمهات المؤمنين في سهمهن ونزل على رغبتهن.
(2)
قوله إخواننا أي المهاجرين، فالأنصار عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرك معهم المهاجرين في النخيل فأبى، فقالوا: يتولون أمر النخيل ولهم شطره فأجابوهم جزاهم الله خير الجزاء.
(3)
فحكمة الخرص حفظ الثمر ومعرفة الزكاة التي عليه قبل التبديد.
(4)
وتقدم الخرص أبسط من هذا في الزكاة، ويجوز الخرص أيضًا في الزرع لحديث أصحاب السنن والحاكم وصححه: إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع، ولحديث أبي نعيم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للخارص: أثبت لنا النصف ولهم النصف فإنهم يسرقون ولا تصل إليهم والله أعلم.
الكلب للحراسة والبقر للحرث
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْباً لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلَا مَاشِيَةٍ وَلَا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ. وَلَفْظُهُ: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْباً فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ
(2)
».
• وَعَنْهُ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى بَقَرةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهذَا خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ، قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً فَتَبِعَهَا الرَّاعِي فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي، قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
(3)
. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقُوَم
(4)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهَ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الكلب للحراسة والبقر للحرث
فالكلب يقتنى لحراسة البيت أو الزرع أو المواشي أو للصيد ونحوهما مما ينفع الإنسان، والبقر يقتنى لدره ونسله وحرث الأرض ونحوها.
(2)
القيراط جزء من صالح العمل، فمن اقتنى كلبًا ليس لغرض شرعي نقص من عمله كل يوم قيراط أو قيراطان بقدر أذيته قلة وكثرة، فإن حكمة النهي عن اقتنائه ما فيه من تنجيس الأواني وأذية المارة لا سيما الأطفال وبعد ملائكة الرحمة عن البيت الذي هو فيه.
(3)
وفي رواية: بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فالتفتت إليه وقالت: لم أخلق للركوب إنما خلقت لحرث الأرض، فلما أخبر الرجل بهذا عجب الناس من كلام البقرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمنت به، أي بنطق البهيم الأعجم أنا وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
(4)
فالذئب أخذ شاة وفر فتبعه الراعي فانتزعها منه، فقال الذئب: أخذتها مني اليوم، ومن يحفظها يوم لا راعي لها إلا أنا، يوم تنتشر الفتن وتعم الناس وتترك الماشية وحدها، فعجب الناس من كلام الذئب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عجب في ذلك فالقادر على إنطاق الإنسان قادر على إنطاق الحيوان آمنت بهذا أنا وصاحباي وكانا غائبين، فيه تنويه بمزيد فضلهما رضي الله عنهما.
وضع الجوائح
(1)
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلا ذلِكَ
(2)
».
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ
(3)
ثَمَراً فَأَصَابَتْهُ جائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقَ
(4)
». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وأَبُو دَاوُدَ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
في الزرع والسقي والبئر
(5)
• عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ
(6)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وضع الجوائح
(1)
الجوائح جمع جائحة وهي آفة تصيب الثمر أو الزرع فتهلكه، وقال عطاء: الجائحة ظاهر مفسد كمطر أو برد أو ريح أو جراد أو حرق أو غرق، ومنه الندوة التي تصيب الزرع المشهورة الآن في القطر المصري.
(2)
ابتاعها أي اشتراها ولم يدفع ثمنها، والغرماء أصحاب الدين.
(3)
أي لأخيك.
(4)
ظاهر ما تقدم أن من استأجر أرضًا وزرعها أو اشترى زرعًا أو ثمرًا بعد بدو صلاحه ثم أصابته جائحة فالحكم وضعها أي سقوط إجارة الأرض وثمن الزرع والثمر بسببها، وعليه جماعة ومنهم الشافعي في القديم، وقال في الجديد وأبو حنيفة: عليه الضمان، ولكن ينبغي للدائن التساهل معه للحديث الأول، وقال مالك: إن أصيب دون الثلث فعليه الضمان وإلا فلا ضمان عليه، وهو رأي أهل المدينة رضي الله عنهم والله أعلم.
في الزرع والسقي والبئر
(5)
أي أحاديث في شأن هذه وغيرها كالمعدن والعجماء.
(6)
فمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم فلا زرع له بل له ما أنفقه عليه كقيمة بذر وحرث وسقي ونحوها والزرع لصاحب الأرض سواء طلبه وهو قائم أو بعد حصاده، وقال الشافعي وأكثر الفقهاء: إن صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه للحديث السابق: وليس لعرق ظالم حق. وإن كان حصده فهو له وعليه أجرة الأرض وتسويتها لمالكها.
وَكَانَ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ
(1)
فَدَخَلَتْ حَائِطاً فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَكُلِّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا فَقَضى أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْهُ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ عُرْوَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ
(4)
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءِ
(5)
» فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: إِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ، فَقَالَ عليه السلام: «اِسْقِ يَا زُبَيْرُ حَتَّى يَبْلغَ الْمَاءُ الْجَدْرَ ثُمَّ أَمْسِكْ
(6)
». قَالَ الزُّبَيْرُ: فَأَحْسِبْ هِذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ
(7)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَلَفَ
(1)
ضارية أي اعتادت رعي زرع الناس.
(2)
فما أفسدته المواشي ليلا فضمانه على مالكها لأن عليه حفظها ليلا دون ما أفسدته نهارًا، وهذا إذا لم يكن المالك معها وإلا فعليه الضمان في أي وقت، وعليه مالك والشافعي، وقال محمد وأبو يوسف: إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه في أي وقت.
(3)
بسند صالح.
(4)
في السقى.
(5)
إلى جارك.
(6)
وفي رواية فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فالزبير تنازع مع رجل أنصارى على السقى وكان الماء يمر على أرض الزبير أولا فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقى أولا ثم يرسل الماء إلى الأنصاري فقال: حكمت له بالسقى أولا لأنه ابن عمتك، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اسق يا زبير حتى تمتلئ الحفر ويصل الماء إلى جدر النخل، وفيه أن الماء يسقي ما جاوره أولا ثم ما اتصل به وهكذا إلا إذا اضطر الأبعد إلى السقي فإنه يقدم حفظا له.
(7)
الركاز تقدم في الزكاة، وجبار في الحديث كغراب أي هدر، والمعدن - كمسجد - منبت الجواهر كذهب ونحوه، فإذا حفر شخص في معدن لأخذ ما فيه وكان في ملكه أو في موات أو جبل وسقط فيه إنسان فدمه هدر أي لا ضمان على صاحب الحفر، وكذا من حفر بئرا في ملكه أو في موات فسقط فيها شخص فهو هدر وكذا لو انهال الحفر على الأجير أو سقط من عال فدمه هدر، والعجماء أي البهيمة جبار أي تالفها هدر إذا لم يقصر مالكها، فإن قصر في ضبطها أو كان معها فعليه الضمان.
عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْطِتِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ
(1)
. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
منع الماء والكلأ حرام
(2)
• عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلَإِ
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ فَضْلَ مَاءٍ عِنْدَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ يَعْني كَاذِباً
(4)
، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.
وَلأَبِي دَاوُدَ
(5)
: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلإِ وَالنَّارِ
(6)
».
(1)
فاجر أي تعمد الكذب، فمن حلف وهو كاذب عمدًا ليأخذ بذلك مال مسلم أو غيره فعليه غضب الله ورسوله وله في الآخرة شديد العقاب لجرأته على اسم الله تعالى. والله تعالى أعلى وأعلم.
منع الماء والكلأ حرام
(2)
الكلأ ما ترعاه الماشية والمراد الماء والكلأ الزائدان عن حاجته فمنعهما حرام لأن الله خلقهما لنفع الناس، فمن منعهما فقد حارب الله في حكمه.
(3)
نص على منعه لمنع الكلأ لأنه الواقع منهم حينذاك وإلا فمنع الماء الفاضل حرام مطلقا، ويجب بذله للغير إذا طلبه لشرب إنسان أو حيوان أو زرع وعليه مالك، وقالت الشافعية والحنفية: لا يجب بذله للزرع لأنه ليس محترما، بل ويحرم بيعه للمحتاج إليه وإن كان مملوكا له لحديث مسلم وأصحاب السنن: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء.
(4)
خص ابن السبيل لشدة حاجته وإلا فكل محتاج كذلك كما خص الكذب في اليمين بعد العصر لأنه وقت ارتفاع الملائكة بعمل النهار.
(5)
بسند صالح.
(6)
المراد بهذه الثلاث التي ليست ملكا لأحد كماء البحار والأنهار والأمطار والعيون، وكالكلأ في الأراضي التي ليست ملكا لأحد، والمراد بالنار الشجرة التي توقدها، قال تعالى - {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} - أو الحطب المباح لوقود النار، فكل الناس في هذه الأمور سواء إلا إذا ادخر إنسان شيئا من ذلك فلا يجوز التعرض له إلا برضاه وإن وجب عليه بذله للمضطر والله أعلم.
الغصب حرام
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
(2)
وَلَا ينْتَهِبُ نَهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
(3)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِه فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب الحادي عشر: في الهبات
(5)
الهدية
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا
(6)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وعَنْهَا قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟
الغصب حرام
(1)
الغصب هو أخذ الشيء قهرًا عن صاحبه، وهو النهبة الآتية في الحديث، ويجب رده أو مثله أو قيمته شرعا.
(2)
فلا إيمان عند من يرتكب هذه المحرمات إذا استحلها وإلا فهو ناقص الإيمان.
(3)
النهبة كالغرفة الشيء المنهوب وبالفتح المصدر.
(4)
فإذا قصدك إنسان بسوء في نفسك أو مالك أو عرضك وجب عليك دفعه بالأخف فإن رجع وإلا فادفعه بالأشد، فإن قتلته فهو هدر لا شيء عليك، وإن قتلك فأنت شهيد، وبالأولى إذا أراد إرجاعك عن الدين كما إذا أرغمك على إهانة مصحف أو سجود لصنم فإن الدين أعز من كل شيء والله أعلم.
(الباب الحادي عشر في الهبات: الهدية)
(5)
الهبات جمع هبة وهي ما تمنحه غيرك بدون عوض ويسمى هدية وعطية ومنحة وصدقة، ولكن الصدقة يلاحظ فيها فقر الآخذ وغيرها يلاحظ فيه الإكرام غالبًا، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع من الصدقة ويقبل الهدية والمنحة.
(6)
أي يكافئ عليها فيرسل بدلها شيئا آخر والمكافأة مستحبة فقط وإن كانت من أعلى لأدنى، وقال بعض المالكية: إنها من أعلى لأدنى واجبة.
قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَاباً
(1)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ
(2)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ
(3)
». رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
المنيحة
(4)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً تَغْدُو بِعُسَ وَتَرُوحُ بِعُسَ إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ
(5)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ في الزَّكَاةِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ
(6)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْراً فَنَزَلَ فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ
(7)
» فَقَالَ الرَّجُلُ:
(1)
لأنه الأقرب فيطلع على كل شيء فحقه أكثر من الأبعد، قال تعالى - {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} .
(2)
الكراع كالغراب: ساق الشاة فكان صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية وإن قلت ولا يمتنع من إجابة الداعي ولو على أقل شيء تواضعًا وكرمًا منه صلى الله عليه وسلم ولنا فيه أسوة حسنة.
(3)
وحر الصدر بالتحريك حقده وغله، والفرسن - كزبرج - للشاة كالإصبع للإنسان وهو لا يؤكل ولكنه عبر به لأنه غاية في القلة، أي فلا ينبغي تحقير من أهدى إليك شيئا ولو قليلا لأن الهدية على قدر مهديها وما على المحسنين من سبيل بل له الشكر فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله، وينبغي التعفف عن هدية المشرك فقد أهدى رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال له: أسلمت، قال: لا، قال: إني نهيت عن زبد المشركين أي أخذ هداياهم، رواه أبو داود والترمذي وصححه والله أعلم.
المنيحة
(4)
المنيحة كقريحة هي الناقة أو الشاة أو البقرة ذات اللبن تعطيها غيرك لينتفع بلبنها ثم يردها عليك، والمراد هنا ما يعم الشجرة ذات الثمرة.
(5)
العس كقس الإناء الكبير.
(6)
اللقحة كالنعمة: الناقة ذات اللبن، والصفي: الكثيرة اللبن، فمن يمنح ناقة ونحوها لقوم تصبحهم وتمسيهم باللبن فله عند الله أجر عظيم.
(7)
الثرى كالهوى: التراب الرطب.
«لَقَدْ بَلَغَ هذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لأَجْراً؟ فَقَالَ: «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ
(1)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
يحرم الرجوع في العطية
(2)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ
(3)
.
• وَعَنْهُ عِنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ
(4)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
(1)
فكان رجل يمشي فعطش عطشا شديدًا فوجد بئرا فشرب منها ثم رأي بعد ذلك كلبًا يلهث من العطش فقال: لقد ناله من العطش كما أصابني فنزل البئر فملأ خفه فسقاه فشكر الله له صنيعه وغفر له، فقالوا يا رسول الله وإن لنا على رحمة البهائم أجرا؟ فقال في كل إحسان إلى أي حيوان ثواب عند الله، فإن الخلق كلهم عباد الله وأحبهم إليه أنفعهم لعباده والله أعلم.
يحرم الرجوع في العطية
(2)
هبة كانت أو هدية أو صدقة إذا قبضها الآخذ لأنه ملكها بالقبض.
(3)
بيان لمثل السوء.
(4)
فالرجوع إلى أكل ما قاءه قبيح، وضربه المثل بالكلب الذي هو من أخس الحيوان في أخس أحواله تقبيح آخر للرجوع في الهبة، فهذا أبلغ وأدل على التحريم من قوله، لا تعودوا في الهبة فالعود فيها حرام، وعليه مالك والشافعي، وقالت الحنفية: لا يحرم بل يكره فقط، لحديث أبي داود والنسائي: الواهب أحق بهبته، إلا الوالد أبًا كان أو أمًّا وإن علا إذا وهب لولده - ذكر كان أو أنثى وإن سفل - شيئًا فله الرجوع فيه ولو بعد حين؛ لأن الولد وما في يده لأبيه.
(5)
بسند صحيح.
العمرى والرقبى
(1)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَى أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ رَجُلاً عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبهِ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَيْتُكَهَا وَعَقِبَكَ مَا بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعْطِيَهَا وَإِنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُفْتِي بِهِ
(4)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
• وَعَنْهُ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَعْطَاهَا ابْنُهَا حَدِيقَةً مِنْ نَخْلٍ فَمَاتَتْ فَقَالَ ابْنُهَا: إِنَّمَا أَعْطَيْتُهَا حَيَاتَهَا، وَلَهُ إِخْوَةٌ قَالُوا: نَحْنُ فِيهِ سَوَاءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هِيَ لَهَا حَيَاتَهَا وَمَوْتَهَا
(5)
» قَالَ: كُنْتُ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْها قَالَ: «ذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ
(6)
».
العمرى والرقبى
(1)
العمرى كحبلى من العمر وهو الحياة لقولهم فيها: أعمرتك هذه الدار أي جعلتها لك عمرك. والرقبي كحبلى من الرقوب؛ لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه ولفظها. أرقبتك داري، أي جعلتها لك رقبى أي فإن مت قبلى عادت لي وإن مت قبلك استقرت لك، وحكم العمري والرقبى حكم الهبة فتملك بالقبض وقوله إن مت قبلى عادت لي لغو.
(2)
أي ملك له ولأولاده لا ينازعهم فيها أحد.
(3)
ومنه من أُعمر عمرى فهي له ولعقبه، ومنه العمري ميراث لأهلها، فهذه الأحاديث صريحة في أنها ملك عين لمن وهبت له ولعقبه بل وإن اشترط المعمر رجوعها إليه فيلغو الشرط، بل وإن اقتصر على قوله: أعمرتك هذه الدار وعليه الجمهور وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: إن العمرى تمليك للمنافع فقط دون العين، وقال أحمد: إن المؤقتة لا تصح لأن التأقيت ينافي مدلول اللفظ.
(4)
هذا اجتهاد من جابر وتبعه الزهري فيه ولكنه لا يخصص عموم الأحاديث السالفة.
(5)
فيه أي في النخل، وقوله هي لها أي الحديقة.
(6)
ذاك رجوعك في الحديقة أبعد لك بعد قبضها منك، فإن الصدقة تملك بالقبض، وفيه تأييد لمذهب الجمهور.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(1)
وَأَحْمَدُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
القطائع
(2)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ فَقَالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ فَاكْتُبْ لإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا فَلَمْ يَكُنْ ذلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي
(3)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ وَائِلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَهُ أَرْضاً بِحَضْرَمَوْتَ وَبَعَثَ مَعَهُ مُعَاوِيَةَ لِيُقْطِعَهَا إِيَّاهُ
(4)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ رضي الله عنه خَطَّ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَاراً بِالْمَدِينَةِ بِقَوْسٍ وَقَالَ: «أَزِيدُكَ أَزِيدُكَ
(5)
».
وَأَقْطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالَ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ
(6)
. وَكَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِلَالَ بْنِ حَارِثٍ الْمُزَنِيَّ أَعْطَاهُ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسَهَا وَغَوْرَهَا وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ
(7)
».
(1)
بسند صحيح والرقبى كالعمرى في كل شيء وبه قال الجمهور، لحديث العمرى والرقبى سواء، ولحديث من أعمر شيئا أو أرقبه فهو لمن وهب له حياته ومماته. والله تعالى أعلى وأعلم.
القطائع
(2)
القطائع جمع قطيعة وهو ما يخص به الإمام بعض الرعية من الأراضي والمعادن وتسمى أقطاعا وهي جائزة للإمام.
(3)
البحرين بلفظ التثنية إقليم بجزيرة العرب سمي بأشهر بلاده، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يمنح الأنصار من أراضى البحرين فقالوا: إن كان فلابد من اشتراك إخواننا المهاجرين ولم تكن الأراضي تكفيهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم سترون بعدى حرمانًا فاصبروا حتى تلقوني على الحوض في القيامة فستوفون أجوركم كاملة إن شاء الله.
(4)
حضرموت بلد باليمن وقبيلة به.
(5)
هذا استفهام أي أزيدك إن شئت أو خذه الآن وسأزيدك إن شاء الله.
(6)
القبلية نسبة إلى قبل بالتحريك مكان بساحل البحر بينه وبين المدينة خمسة أيام.
(7)
الجلس: المرتفع من الأرض، والغور: المنخفض منه، وقدس كقرء: جبل عظيم بنجد، أي وكل بقعة تصلح للزرع من قدس إلا ما كان مملوكا لمسلم فلا يدخل في العطاء.
رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
(1)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب الثاني عشر: في الوقف
(2)
والترغيب فيه
عنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ
(3)
». رَواهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
وقف الأرض
(4)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيَ بِالْمَدِينَةِ مَالًا وَكَانَ أَحَبُّ
(1)
بسندين صالحين، ولأبي داود. أقطع النبي صلى الله عليه وسلم للزبير قدر عدو فرسه فأجراه الزبير حتى وقف ولم يقدر على المشى فرمى بسوطه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوه ما بلغ سوطه، ففيه أن الإمام جواز الإقطاع في أرض الزرع والمعادن والماء بشرط ألا يؤذي مسلمًا ولا يضايق مصلحة عامة. نسأل الله أن يلهمنا الصواب وأن يوفقنا إلى ما فيه رضاه آمين والحمد لله رب العالمين.
(2)
هو لغة: الحبس، لحبس العين الموقوفة عن التصرف فيها، وشرعا: تحبيس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ليصرف ريعه في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى، وحكمة الوقف حبس العين على الجهة الوقوف عليها فلا تعبث بها الأيدي وتأبيد الانتفاع بها فيكون الأجر دائما، والوقف نوعان وقف أهلى ووقف خيري، فالأهلى ما كان على الأهل والأقارب كوقف أبي طلحة في الحديث الأول، والخيري ما كان على جهة خيرية غير الأقارب وربما وقف الواقف على أقاربه وغيرهم كوقف عمر رضي الله عنه في الحديث الثاني، وألفاظ الوقف قسمان صريح وكناية، فالصريح كوقفت وحبست وسبلت وما اشتق منها كمالى موقوف على كذا، والكتابة كحرمت هذه الدار وتصدقت بها على كذا إذا نوى الوقف فإن الصدقة قد يراد بها الوقف كما في وقف أبي طلحة الآتي وكما في حديث سعد الأخير.
(3)
الصدقة الجارية هي الوقف وتقدم هذا الحديث في كتاب العلم. والله أعلى وأعلم.
وقف الأرض
(4)
أي وما فيها من شجر وبناء.
أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَا
(1)
وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} . قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَا وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ
(2)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَخْ ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ
(3)
قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ» فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ
(4)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَمُرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأُمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تأْمُرُنِي بِهِ
(5)
؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا
(6)
» فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُبْتَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ
(7)
قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفي الرِّقَاب وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ
(1)
بيرحا بفتح أوله وثالثه وبضمه مقصورًا وممدودًا هو بستان من نخيل بجوار المسجد الحرام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخله فيستظل بظله ويشرب من ماء بئره الحلو.
(2)
أي تصرف فيها كما تشاء.
(3)
بخ بفتح فسكون تفخيم لعمله وإعجاب به.
(4)
وفي رواية: فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب أي وغيرهما من أقاربه الفقراء، أي أوقفها وقسمها عليهم كما أشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الوقف الأهلى وهو جائز باتفاق.
(5)
قوله يستأمره أي يستشيره وينتظر أمره.
(6)
قوله حبست أصلها من التحبيس وهو الوقف، أي إن أردت أوقفت أصلها وتصدقت بريعها فإن التصدق بالريع فقط، وأما الأصل فهو باق على ملك الواقف.
(7)
قوله أنه: الضمير للمال الموقوف أو للشأن، وقوله ولا يبتاع أي لا يشترى، وهو بيان للتحبيس، وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية البخاري في الوصية، وزاد في رواية: حبيس ما دامت السموات والأرض.
أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ
(1)
.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: كَتَبَ مُعَيْقِيبٌ وَشَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَرْقَمِ
(2)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذَا مَا أَوْصى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ إِنَّ ثَمْغاً وَصِرْمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ والْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ وَالْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ وَالْمِائَةَ الَّتِي أَطْعَمَهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِالْوَادِي تَلِيهِ حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ ثمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَلا يُبَاعَ وَلَا يُشْتَرى ينْفِقُهُ حَيْثُ رَأَى مِنَ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَذِي الْقُرْبَى وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ إِنْ أَكَلَ أَوْ وَاكَلَ أَوِ اشْتَرَى رَقِيقاً مِنْهُ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
.
(1)
لا جناح على من وليها أي أرض الوقف أن يأكل منها أو يطعم صاحبا له غير متمول فيه، وفي رواية غير متأثل مالا أي بشرط ألا يتخذ منه ملكا لنفسه، وتقدم بيان الفقراء وما بعدها في الزكاة.
(2)
معيقيب هذا كان كاتبًا لعمر في خلافته، فوقفية عمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكتابتها في أيام خلافته وكانت مكتوبة في رقعة من أديم أحمر.
(3)
قوله إن حدث به حدث يريد الموت، وثمغ كفلس، وصرمة كنعمة، ضيعتان كانتا لعمر المدينة، أو المراد بالصرمة هنا القطعة الخفيفة من النخل والإبل، والعبد الذي فيه أي الذي يعمل في ثمغ، وقوله والمائة سهم بخيبر أي التي أوقفها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي أي من الأوساق وهى سهمه في الوادي وهو قرى بين المدينة والشام من أعمال المدينة وقوله تليه حفصة خبر إن ثمغا وما عطف عليه، فثمغ وما بعده وقف تتولى أمره حفصة أم المؤمنين بنت عمر رضي الله عنهما وتصرفه في مصارفه المذكورة ما دامت على قيد الحياة وبعدها يتولاه من له رأى صائب من أهلها، ولا إثم على الناظر إذا أكل منه أو أطعم صديقًا له بالمعروف أو اشترى شيئًا لمصلحة الوقف كآلة حرث أو عبد بل ذلك مطلوب، وربما وجب إذا توقفت مصلحة الوقف عليه.
(4)
بسند صالح، ويؤخذ مما تقدم أن الوقف مشروع وأنه من أنواع البر على الأهل وعلى غيرهم وأنه لازم بمجرد الصيغة لقوله حبيس ما دامت السموات والأرض. وقوله لا يباع ولا يشترى فلا يجوز للواقف ولا لغيره التصرف فيه بأي شيء كان من شأنه إزالة الوقفية، وهذا بإجماع العلماء من الصحابة إلى الآن كما قاله الترمذي إلا أبا حنيفة فإنه قال إنه غير لازم ويجوز التصرف فيه ولا يلزم من قوله لا يباع ولا يشترى أنه مؤبد بل التأبيد موقوف على الاختيار، قال في الفتح وهذا توجيه ضعيف فإنه لا يفهم من قوله وقفت وحبست إلا التأبيد، وفضلا عما هنا من وقف عمر وعثمان وأبي طلحة وسعد أمام النبي صلى الله عليه وسلم =
وقف المسجد والبئر
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ قَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هذَا» ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ فَأَخَذَهُ فَبَنَاهُ مَسْجِداً
(1)
. رَواهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَفَرَ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ» فَحَفَرْتُهَا
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْمَاءُ» ، فَحَفَرَ بِئْراً وَقَالَ: هذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَزَادَ: فَتِلْكَ سِقَايَةُ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ
(3)
. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
= وإرشاده لهم فيما سلكوا قد ثبت الوقف عن أبي بكر وعلى والزبير وسعيد وأنس وحكيم بن حزام وعمرو بن العاص وزيد بن ثابت رضي الله عنهم كما رواه البيهقي وغيره والله أعلم.
وقف المسجد والبئر
(1)
فبنوا النجار كانوا يملكون حائطًا فيه نخل وبعض قبور المشركين فقال صلى الله عليه وسلم ثامنوني حائطكم أي بيعوني إياه لنبنيه مسجدًا لله تعالى، فقالوا لا نكلمك في بيعه والله ولا تأخذ ثمنه إلا من الله تعالى، وفي رواية: إن الحائط كان ليتيمين من بني النجار فلم يقبله النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالثمن، فاشتراه بعشرة دنانير ودفعها أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف فيمن بنى مسجدًا، ولم يصرح بأنه وقف والجمهور على أنه لا تثبت وقفيته إلا بالتصريح بها، وعند الحنفية إن أذن الإمام بالصلاة فيه ثبتت الوقفية وإلا فلا.
(2)
ولفظ الترمذي والنسائي: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وليس بها ماء عذب إلا بئر رومة، فقال صلى الله عليه وسلم من يشتري بئرًا يحمل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالى بخمسة وعشرين، أو بخمسة وثلاثين ألف درهم وكانت عينًا لأحد بني غفار فحفرها عثمان بئرًا وبناها وجعلها المسلمين دلوه كدلائهم رضي الله عنه.
(3)
قوله أي الصدقة أفضل أي أكثر ثوابًا، قال الماء لحاجة كل مخلوق إليه فحفر بئرا وأوقفها لأمه ولا تزال بالمدينة إلى الآن وكذا أوقاف الأصحاب رضي الله عنهم. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.
خاتمة في اللقطة
(1)
• عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا
(2)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلا فَشَأْنَكَ بِهَا
(3)
» قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ
(4)
» قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا
(5)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ فَقَالَ:
خاتمة في اللقطة
(1)
وتسمى لقطا ولقاطة وهي الشيء الملقوط. وشرعًا ما وجد من مال ضائع محترم غير ممتنع بقوته، والملتقط أمين على اللقطة يملكها بعد تعريفها مع ضمانها إذا ظهر صاحبها.
(2)
فمن أخذ لقطة ولم يعرفها فهو ضال عن الهدى لعدم تعريفها كأمر الشارع والتعريف كأن ينادي هو أو وكيله في محل التقاطها وفي المجتمعات القريبة منه كالأسواق وأبواب المساجد: من ضاع له شيء فليأتني. وإن وجدها في طريقه أو في فلاة فليعرفها في البلد الذي يقصده قريبا من ذلك، ولا ينبغي تعريف اللقطة ولا طلبها في المساجد لما سبق في آداب المساجد، من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا، إلا إذا سأل بدون تشويش وإلا في المساجد الثلاثة فلا بأس من التعريف والسؤال فيها بدون تشويش.
(3)
عن اللقطة أي عن حكمها سواء كانت نقدًا أو غيره، قال اعرف عفاصها بالكسر وعاءها الذي هي فيه من أدم أو صوف أو غيرها، وكذا اعرف وكاءها بالكسر والمد الخيط الذي يربط به رأس نحو الصرة وكذا اعرف عددها، والمراد معرفتها تماما حتى لا تختلط بغيرها، وحتى إذا جاء صاحبها وطلبها كان خبيرًا بها وبصدقه أو كذبه ثم يعرفها سنة هلالية وهي كافية لاشتمالها على الفصول الأربعة ولأن صاحبها يجد في طلبها سنة واحدة في الغالب وينساها بعدها، فإن ظهر صاحبها في بحر السنة ووصفها تماما أخذها وإلا تملكها الملتقط مع الضمان.
(4)
سأله عن ضالة الغنم فقال هي للذئب يأكلها إن تركتها، فالأولى أخذها فمآلها لك إن لم يظهر صاحبها بعد التعريف أو لصاحبها إن ظهر وكلاكما خير من الذئب.
(5)
سأله عن ضالة الإبل، فقال لا شأن لك بها معها سقاؤها فإذا عطشت وردت الماء فشربت منه وكالإبل ما يمتنع بقوته من صغار السباع كالبقر والخيل أو بعدوه كالظبي والأرنب أو بطيرانه كالحمام فكل هذه لا يحل أخذها إلا بنية التعريف لأنها مصونة بنفسها حتى يأتيها ربها.
«اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ صَاحِبَهَا فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ
(1)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً حَبْلاً أَوْ دِرْهَماً أَوْ شِبْهَ ذلِكَ فَلْيُعَرِّفْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلا فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا
(2)
». رَواهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
(3)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ
(1)
فهذا صريح في أن اللقطة بعد مدة التعريف مضمونة إذا ظهر صاحبها أخذها أو مثلها أو قيمتها وعليه نفقها للملتقط.
(2)
الأمر بالتصدق للتورع والتعفف فقط، وإلا فله التصرف فيها بما يشاء كما تقدم، والحديثان السابقان على هذا يفيدان أن مدة التعريف سنة صغيرة كانت اللقطة أو كبيرة، ولكن لا يجب استيعاب السنة بالتعريف بل في الأسبوع الأول في كل يوم مرتان في أوله وآخره، وفي الثاني كل يوم مرة، ثم في كل أسبوع مرتان، ثم في كل شهر مرتان، ثم في كل شهر مرة وعلى عادتهم في ذلك وعلى هذا الجمهور، وظاهر حديث أحمد والبيهقي أن مدة التعريف في كل شيء بحسب قيمته، فالدرهم ثلاثة أيام ونصف الدينار أسبوع والشاة ثلاثة أسابيع، وهكذا في كل شيء بقدر قيمته ولا يزيد على سنة وبهذا قال بعضهم، وقيل إن الأمور الحقيرة لا تعرف لحديث أحمد وأبي داود عن جار قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهها يلتقطه الرجل ينتفع به، وقال جماعة ومنهم الحنفية الأمر الحقير يعرف ثلاثًا. لحديث الترمذي وغيره: جاء علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار التقطه في السوق فقال عرفه فلم يجد صاحبه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال استمتع به، والنفس أميل إلى القول في كل شيء بقدره ويكون حديثه مخصصا للروايات الأخرى. قال ابن رسلان وهو الذي ينبغي العمل به فإن تعريف الحقير سنة يشق على الناس، وفيه ضياع لذلك الشيء.
(3)
بسند حسن، ووجوب التعريف سنة أو غيرها إذا كانت اللقطة تمكث بدون تلف، فإن كانت مأكولا يسرع التلف إليه كرطب وعنب ونحوها عرفها حتى إذا خاف تلفها تصرف فيها بأكل أو صدقة أو غيرهما، فإذا ظهر ربها ضمنها، وإن أنفق على اللقطة استرده من صاحبها إن ظهر إلا إذا انتفع منها بركوب أو در فهو بالإنفاق، فإن كان في الجهة التي وجد اللقطة فيها حكومة منظمة فيها محل لحفظ اللقطة ومشهور بين الناس كما في مصرنا هذه حفظها الله فإنه يجب تسليم اللقطة إلى الحكومة لأنها أضمن وأسهل=
إِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيِهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ
(1)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثاً فَإِنْ أَجَابَهُ أَحَدٌ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِلا فَلْيَحْتَلِبْ فَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ
(2)
».
لقطة مكة والحاج
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي فَتْحِ مَكَّةَ: «وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ
(3)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عُثْمانَ التَّيْمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
المشربه مكان عال لحفظ الطعام والمتاع، والخزانة بالكسر مكان الحزن، ومن اللطائف لا تفتح الجراب والخزانة ولا تكسر القصعة.
(2)
فحلب ماشية الغير بدون إذنه حرام، فإن لم يجد صاحبها وكان مضطرا حلب وشرب كفايته ولا يحمل شيئا. والله أعلم.
لقطة مكة والحاج
(3)
أي لا يحل لإنسان أن يأخذ لقطة مكة إلا ليعرفها، وكذا لقطة الحجاج، ويجب تعريفهما دائما حتى يظهر صاحبها، وحكمة ذلك أن أهل مكة فقراء لأنهم في واد غير ذى زرع وبالتعريف يعثر المكي على لقطته والحاج في ضرورة إلى المال، وفي زيارة بيت الله تعالى، والوارد في كل موسم من الآفاق لا ينقطع، فبالتعريف يمكن وصول اللقطة إلى صاحبها، وعلى هذا الجمهور، وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية: لقطة مكة والحاج كغيرهما، فالنهي للتنزيه وخصهما للمبالغة فيهما وللتورع عن تملكهما بعد التعريف وتقدمت لقطة المدينة في فضلها. نسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى آمين.
كتاب الفرائض والوصايا والعتق
وفيه ثمانية فصول وخاتمة
الأول: في الحث على تعليمه والعدل في القسمة
(1)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذلِكَ فَهُوَ فَصْلٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَالْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوا النَّاسَ فَإِنِّي مَقْبُوضٌ
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(5)
وَالْحَاكِمُ.
• عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي
(6)
فَقَالَ: «أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْل هَذَا؟» قَالَ: لَا: قَالَ: «فَأَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيْرِي» ثُمَّ قَالَ: «أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟» قَالَ: بَلَى قَالَ: «فَلَا إِذاً
(7)
». وَفِي رِوَايَةٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الفرائض والوصايا والعتق. وفيه ثمانية فصول وخاتمة
الفصل الأول في الحث على تعليمه والعدل في القسمة
(1)
تعليمه أي علم الفرائض جمع فريضة، من الفرض وهو التقدير، وشرعا هو النصيب المعلوم من الميراث.
(2)
هي الحكم الذي يحصل العدل به في قسمة المواريث، وقيل هي الإجماع، وقيل القياس لأنه فرض على العلماء فيما يحدث من الأمور، وتقدم الحديث في العمل.
(3)
سند الحاكم صحيح.
(4)
مقبوض أي راحل إلى الآخرة، فلو لم تتعلموا تعملوا لضاعت الشريعة وأن المسئولون.
(5)
بسند ضعيف.
(6)
أي عبدًا كما في رواية.
(7)
وفي رواية: أشهد غيري فإني لا أشهد على جور، وفي أخرى: فارجعه. وفي أخرى: فرده فرجع فرد تلك الصدقة، فتفضيل بعض الأولاد على بعض مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم أشهد غيرى ولو كان حراما لقال إنه حرام ولا يقال إنه تهديد لأن الأصل عدمه، والجور هو الميل حراما أو مكروها والنبي صلى الله عليه وسلم لا يفعلهما، والأمر في قوله اعدلوا في أولادكم للندب فقط، وقوله فارجعه إرشاد=
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
(1)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
موانع الإرث
(2)
• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ
(3)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
وَلأَصْحَابِ السُّنَنِ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى
(4)
».
وَلأَبِي دَاوُدَ: اخْتَصَمَ أَخَوَانِ إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ يَهُودِيٌّ وَمُسْلِمٌ فِي مِيرَاثِ أَبِيهِمَا
= إلى الكمال وهو العدل بين الأولاد، ولأنهم اتفقوا على أنه يجوز للرجل أن يعطى ماله كله لغير ولده، فإذا جاز الحرمان التفضيل أولى، وعلى هذا الجمهور، وقال طاوس وعروة ومجاهد والثوري وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية: إنه حرام لامتناعه صلى الله عليه وسلم من الشهادة ولأمره له برد العطية ولأن الجور ظاهر في الظلم، فالتفضيل عند هؤلاء حرام لهذه النصوص ولأنه مدعاة للعداوة والحقد الدائمين، والتسوية فرض، ولكنهم اختلفوا فيها فقال طاوس والثوري: التسوية المفروضة إعطاء الأنثى كالذكر سواء بسواء، لحديث الطبراني والبيهقي: سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء، وقال أحمد والباقون: التسوية المفروضة إعطاء الأنثى نصف الذكر لأنه حظها من المال بعد الوفاة، وهذا كله إذا لم يكن سبب للتفضيل كزمانة وكثرة أولاد ودين وفضل وإلا فلا شيء في التفضيل كما قاله الإمام أحمد رضي الله عنه والنفس إلى هذا أميل.
(1)
هذا أمر لن يتولى قسمة المواريث والواجب فيها باتفاق العمل بما قص الله علينا في كتابه - {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} الخ. والله أعلى وأعلم.
موانع الإرث
(2)
هي الأوصاف التي تمنع المتصف بها من الإرث كالكفر والقتل والرق، قال في الرحبية.
ويمنع الشخص من الميراث
…
واحدة من علل ثلاث
رق وفتل واختلاف دين
…
فافهم فليس الشك كاليقين
(3)
المراد بالكافر ما ليس بمسلم يهوديًا أو نصرانيًا أو عابد صنم أو غيرهم؛ لأن الكفر كله ملة واحدة قال تعالى {فماذا بعد الحق إلا الضلال} .
(4)
بفتح فتشديد أي حال كونهما متفرقين في الدين وظاهره أنه لا توارث بين من اختلف دينهم مطلقا كيهودى ونصراني وعابد وثن ونحوهم وعليه بعضهم ولكن الجمهور على التوارث بين الكفار كلهم لأن الكفر كله ملة واحدة.
فَوَرَّثَ المُسْلِمَ فَقَطْ وَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الإِسْلَامُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ
(1)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
وَالدَّارقُطْنِيُّ. واللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الفصل الثاني: في ميراث الأولاد
(4)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ يَمْشِيَانِ فَوَجَدَانِي لَا أَعْقِلُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}
(5)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
يحيى بن يعمر كان ثقة فصيحا بصري الأصل، وكان قاضيا بمدينة مرو فجاءه أخوان مسلم وكافر يتنازعان في إرث أبيهما اليهودي فورث المسلم فقط وذكر الحديث الإسلام يزيد ولا ينقص أي يزيد بالداخلين فيه أو أن حكمه يغلب على غيره كالحكم بإسلام من أحد أبويه مسلم وكتوريث المسلم فقط كما هنا، ومنه الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فصريح هذه النصوص أن الكافر أيًا كان لا يرث المسلم، وهذا بإجماع المسلمين وأن المسلم لا يرث الكافر وعلى هذا الجمهور، وقال جماعة: إنه يرث الكافر لحديثي: الإسلام يزيد، والإسلام يعلو، وأما المرتد فلا يرث ولا يورث بل ماله لبيت المال وعلى هذا الجمهور، وقالت الحنفية: ما اكتسبه قبل الردة ورثه أقاربه المسلمون وما بعدها فهو لبيت المال، وهذا حسن.
(2)
فالقاتل لا يرث من مقتوله شيئًا ولو كان القتل خطأ ولو كان المقتول أصلا أو فرعًا له وعليه الجمهور، وقال مالك والنخعي: إن القاتل خطأ يرث من المال دون الدية.
(3)
بسند ضعيف ولكن عامة أهل العلم على العمل به، وحكمة منع الإرث بالكفر والقتل أن الإرث حق نشأ عن صلة بالقرابة أو الزوجية أو نعمة العتق، والكفر قاطع للولاء بينه وبين الإسلام والقاتل قطع كل صلة بينه وبين مقتوله، وبانقطاع الصلة انقطع الإرث والله أعلم.
الفصل الثاني في ميراث الأولاد
(4)
جمع ولد وهو المولود ذكرًا كان أو أنثى أي في بيان إرث الأولاد وأولادهم وإن نزلوا.
(5)
قوله للذكر مثل حظ الأنثيين إن كانت الأولاد ذكورا وإناثا فإن كانت الأولاد بنتين فأكثر وليس لهن أخ ذكر فلهن الثلثان وعليه المسلمون إلا ابن عباس فقال الثلثان للثلاث فأكثر لقوله تعالى فوق اثنتين - وإن كانت الوارثة واحدة فلها نصف الميراث.
• وَعَنْهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيداً وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً وَلَا تَنْكِحَانِ إِلا وَلَهُمَا مَالٌ
(1)
قَالَ: «يَقْضِي اللَّهُ فِي ذلِكَ» فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}
(2)
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: «أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ»
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ: لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ
(4)
وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
(5)
وَلِكنِّي أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ
(6)
فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هذَا الْخَبْرُ فِيكُمْ
(7)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ
(8)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. وَلَفْظُهُ: جَعَلَ
(1)
أي لا يرغب في زواجهما إلا إذا كان لهما مال.
(2)
هذا لا ينافي ما تقدم أنها نزلت جوابا السؤال جار لاحتمال أن السؤالين تقاربا فنزلت الآية بعدهما.
(3)
قوله وأعط أمهما الثمن لقوله تعالى (فإن كان لكم ولد فلهن - أي الزوجات - الثمن مما تركتم) وقوله: وما بقي فهو لك. أي بالتعصيب للحديث الآتي» ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» وحكمة أخذ الذكر مثل حظ الأنثيين أن الذكر مكلف بمؤنة بيته وأولاده ومعاونة الولاة بالمال في المصالح العامة، وأما الأنثى فليس عليها شيء من ذلك، بل مئونتها على زوجها.
(4)
أي ولا شيء لبنت الابن كما فهمه أبو موسى رضي الله عنه.
(5)
أي إن وافقت أبا موسى.
(6)
لأنها عصبة مع البنات، قال في الرحبية
والأخوات إن تكن بنات
…
فهن معهن معصبات
(7)
الحبر كالبحر العالم الكبير.
(8)
لاعن امرأته أي رماها بالزنا وتبرأ من ولدها فألحقه النبي صلى الله عليه وسلم بأمه أي نسبه إليها ويثبت التوارث بينهما وستأتي الملاعنة في النكاح إن شاء الله.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا
(1)
.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ: «أَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَالْوَلَدُ وَلَدُ زِنًى لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ
(2)
».
قَالَ أَبُو الأَسْوَدِ بْنُ يَزِيدَ رضي الله عنه أَتَانَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ مُعَلِّماً وَأَمِيراً فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ فَأَعْطَى الِابْنَةَ النِّصْفَ والأُخْتَ النِّصْفَ
(3)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. وَزَادَ: وَنَبِيُّ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وُرِّثَ
(4)
» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
ميراث الأبوين والعصبة
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ}
(6)
.
(1)
أي إذا لم يكن له غيرها فتأخذ الأم سهمها ثم عصبتها، فإن كان معها غيرها كولد وزوجة اشتركوا كباقى المواريث.
(2)
قوله عاهر أي زنى بامرأة فجاءت بولد فلا إرث بينه وبين أبيه، أما بينه وبين أمه وأقاربها فالتوارث ثابت لنسبته لها. والحديث ضعيف ولكن عليه كافة العلماء، فابن الملاعنة وإن الزنا لا توارث بينهما وبين أبويهما بإجماع المسلمين لانتفاء النسب الشرعي.
(3)
فمعاذ أعطى الابنة النصف لقوله تعالى {وإن كانت واحدة فلها النصف} وأعطى الأخت النصف لقوله تعالى - وله أخت فلها نصف ما ترك -.
(4)
الاستهلال رفع الصوت والمراد إذا ظهرت حياة المولود ورث، وعلامتها صوت أو تنفس أو عطاس أو نحوها وعليه الثوري والأوزاعي والثاني وأصحاب أبي حنيفة. وقال غيرهم الاستهلال رفع الصوت فقط، ويكفي في هذا خبر امرأة عدلة، وقال مالك: لابد من عدلتين، وقال الشافعي: لابد من أربع، فلو مات إنسان ووارثه حمل أو في الورثة حمل أوقف تقسيم الميراث حتى تضع وهذا بإجماع المسلمين. نسأل الله التوفيق لما يحب ورضي آمين والحمد لله رب العالمين.
ميراث الأبوين والعصبة
(5)
جمع عاصب وهو من يأخذ جميع المال إذا انفرد ويأخذ ما بقى بعد أصحاب الفروض.
(6)
فللأم السدس من تركة ولدها إن كان له ولد أو إخوة وإلا فلها الثلث، وللأدب السدس من =
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ
(1)
فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبْعُ وَللزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلى رَجُلٍ ذَكَرٍ
(3)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
= تركة ولده إذا كان له ولد فإن لم يكن له ولد فلأبيه الباقي بعد أصاحب الفروض كزوجة وإلا فله كل المال تعصيبًا، وإن كان له إخوة فلا شيء لهم لحجبهم بالأب قال في الرحبية.
وتحجب الإخوة بالبنينا
…
وبالأب الأدنى كما روينا
وبينى البنين كيف كانوا
…
سيان فيه الجمع والوحدان
(1)
كان المال للولد أي في أول الإسلام، وكانت الوصية واجبة للوالدين قال تعالى - كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين - فنسخ الله ذلك بآية - يوصيكم الله في أولادكم -.
(2)
فالثمن فرض الزوجة إذا كان لزوجها ولد وإلا فلها الربع، والنصف فرض الزوج إذا لم يكن لزوجته ولد وإلا فله الربع.
(3)
وفي رواية: اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله تعالى فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر أي أعطوا الفرائض لأصحابها المستحقين لها بنص القرآن كالنصف أو الربع للزوج والربع أو الثمن للزوجة وهكذا، والباقى حق لأقرب ذكر من العصبة إلى الميت كالأخ مع العم وكالعم مع ابنه فإن الأخ يحجب العم وهو يحجب ابنه لقربهما فإن استووا في القرب إلى الموروث كالأخوة اشتركوا، وأقرب المحبة الابن وإن نزل والأب وإن علا والأخ الشقيق والأخ لأب وابن الأخ الشقيق وإن الأخ لأب والعم لأبوين والعم لأب وأبناؤها والمولى العتق ذكرا كان أو أنثى، فكل واحد مما ذكر يأخذ كل المال إذا انفرد ويأخذ الباقى بعد أصحاب الفروض ويحجب من بعده إذا اجتمع معه إلا الوالدين فلا يحجبان بحال نسأل الله التوفيق والهداية آمين.
الفصل الثالث: في ميراث الأخوات والكلالة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثُّلُثِ}
(2)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ فَتَوَضَّأَ فَصَبُّوا عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالةٌ فَنَزَلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}
(3)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِثْلَ الْكَلَالَةِ وَمَا أَغْلَظَ لِي فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَطَ لِي فِيهِ حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ»
(4)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَسْتَفْتُونَكَ فِي الْكَلَالَةِ فَمَا الْكَلَالَة؟ قَالَ: «تُجْزِئكَ آيَةُ الصَّيْفِ» . قُلْتُ لأَبِي إِسْحَاقَ: هُوَ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَلداً وَلَا وَالِداً قَالَ: كَذلِكَ ظَنُّوا
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكُمْ تَقْرَأُونَ هذِهِ
الفصل الثالث في ميراث الأخوات والكلالة
(1)
أي والإخوة أشقاء أم لا وبيان الكلالة.
(2)
قوله يورث صفة لرجل أو امرأة عطف عليه وكلالة حال من رجل، أي وإن كان رجل أو امرأة يورث حال كونه كلالة أي لا أصل ولا فرع له وله أخ أو أخت أي من أم فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من واحد فهم شركاء في الثلث يستوى ذكورهم وإناثهم فيه.
(3)
قوله كلالة أي أخوات سبع أو تسع كما في رواية فنزلت - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا - أي - الأختان اثنتين - أي - فأكثر فلهما الثلثان مما ترك، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين -.
(4)
قوله فيه أي في هذا السؤال، وقوله آية الصيف التي في النساء هي - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة - فهذه نزلت في الصيف والآية الأولى نزلت في الشتاء.
(5)
أي فهموا، ففي هذه النصوص أن الكلالة هو من مات ولم يترك أصلا ولا فرعًا وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا، وقيل هو من لا والد له فقط، وقيل من لا ولد له فقط، وقيل الكلالة اسم للورثة غير=
الآيَةِ {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ
(1)
وَإِنَّ أَعْيَانَ بَني الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلاتِ الرَّجُلُ يَرِثُ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيِه لأَبِيهِ
(2)
.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الفصل الرابع: في ميراث الزوجين
(4)
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ
=الأبوين والأولاد لقول جابر إنما يرثني كلالة، سموا بذلك لأنهم تكملوه وأحاطوا به في الإرث، ولو قيل إن لفظ الكلالة من الألفاظ المشتركة لم يبعد.
(1)
أي حكم بسداد الدين الذي على التركة قبل الوصية لأن أداء الدين فرض والوصية تبرع.
(2)
قوله أعيان بني الأم أي الإخوة الأشقاء يتوارثون دون بني العلات، أي الضرائر أي الإخوة لأب، والعلات بالفتح جمع علة وهي المرة لأنها العلة مع الأخرى وبنو العلات بنو أمهات شتى من أب واحد، وقوله الرجل الخ بيان، أي الأخ الشقيق يحجب الأخ لأب وابن الأخ الشقيق يحجب ابن الأخ لأب والأعمام وبنوهم كذلك، وهذا باتفاق لأن الشقيق يتصل بالميت من أبيه وأمه بخلاف غيره فهو أبعد، والجهة البعدي تحجب بالقربي، قال في الرحبية.
وما لذى البعدى مع القريب
…
في الإرث من حظ ولا نصيب
(3)
بسند ضعيف ولكن أهل العلم كلهم عليه. نسأل الله التوفيق للرشد والهداية آمين.
الفصل الرابع في ميراث الزوجين
(4)
أي الزوج والزوجة وتسمى زوجة كما في الآية.
(5)
فالربع فرض الزوج من إرث زوجته إذا كان لها ولد منه أو من غيره وإلا فله النصف كله، والزوجة واحدة أو أكثر لها من إرث زوجها الثمن إن كان له ولد منها أو من غيرها وإلا فلها الربع، وقسمة التركة لا تحصل إلا بعد سداد الدين وتنفيذ الوصية.
سَقَطَ مَيِّتاً بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ توُفِّيَتْ فَقَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا
(1)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ: الدِّيَة لِلْعَاقِلَةِ وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئاً حَتَّى قَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ وَرِّثِ امْرَأَةَ أَشَيْمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَرَجَعَ عُمَرُ
(2)
رضي الله عنه. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
الفصل الخامس: في ميراث الجد والجدة
(3)
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ قَالَ: لَكَ السُّدُسُ. فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ فَقَالَ: لَكَ سُدْسٌ آخَرُ. فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ
(1)
قوله بغرة متعلق بقضى وقوله عبد أو أمة بيان للغرة فكانت امرأة من بني لحيان حبلى فضربتها امرأة على بطنها فسقط حملها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم على الضاربة بغرة للمضروبة ثم ماتت بعد ذلك فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالعقل أي الدية على عصبة الجانية لأن القتل خطأ، وجعل إرث المرأة لبنيها وزوجها وهو الشاهد.
(2)
العاقلة هم العصبة من جهة الأب الذين يدفعون دية الخطأ فعمر كان يقول العاقلة كما تدفع دية الخطأ عمن قتل منهم تأخذها عمن قُتل منهم دون الزوجة فقال له الضحاك: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لي أن أعطى امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها فرجع عمر رضي الله عنه، والضحاك هذا كان فارسًا يعد بمائة فارس، وكان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وولاه النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، والضبابى بالكسر نسبة إلى ضباب قلعة بالكوفة، كان صحابيًا وقتل خطأ فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يورثوا امرأته من ديته، وهذا معقول أن الدية وجبت للمقتول أولا ثم انتقلت إلى ورثته كباقى أملاكه، وعلى هذا الجمهور سلفًا وخلفًا، وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يورث الإخوة للأم ولا الزوجة ولا الزوج من الدية شيئًا. نسأل الله التوفيق للرشد والهداية آمين.
الفصل الخامس في ميراث الجد والجدة
(3)
الجد أبو الأب وإن علا دون أبي الأم فإنه من ذوي الأرحام، والمراد بالجدة أم الأم وأم الأب وإن علتا.
فَقَالَ: إِنَّ السُّدُسَ الآخَرَ طُمْعَةٌ
(1)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
• عَنِ الْحَسَن رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أَيُّكُمْ يَعْلَمُ مَا وَرَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَدَّ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَا. وَرَّثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السُّدُس. قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ: لَا دَرَيْتَ فَمَا تُغْنِي إِذاً
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(4)
وَالنسَّائِيُّ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يسَارٍ: فَرَضَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنهم لِلْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ الثُّلُث
(5)
. رَوَاهُ مَالِكٌ.
• عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه تَسْأَلُهُ مِيرَاثهَا فَقَالَ: مَالَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَسَأَلَ. فَقَالَ الْمُغَيْرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدُسَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلَمَةَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الأُخْرَى إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه تَسْأَلُهُ مِيرَاثهَا فَقَالَ: مَالَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا كَانَ الْقَضَاءُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ إِلا لِغَيْرِكِ وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ وَلكِنْ هُوَ ذلِكِ السُّدُسُ فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ
(1)
قوله لك السدس أي فرضا لأنه فرض الأب مع الولد فإذا لم يكن أب ورثه الجد وإن كان أب حجب الجد لأنه أقرب منه، فلما ولى الرجل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن السدس الآخر طعمة أي رزق لك بسبب قلة أصحاب الفروض، وصورة المسألة أن الميت ترك بنتين وجدًا فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السدس فرضًا وأعطى البنتين الثلثين فبقى سدس فأعطاه له تعصيبًا.
(2)
بسند صحيح.
(3)
أي ما أغنيتنا عن السؤال بل لا زلنا في حاجة إلى العلم بحق الجد مع الورثة.
(4)
بسند صالح.
(5)
فللجد مع الأخوين فأكثر ولو لأب الثلث لأن بينه وبين الميت الأب الإخوة ويقاسم الأخ الواحد فيأخذ النصف، وكذا يقاسمه مع الأم بعد أخذ فرضها وهو الثلث فيأخذ نصف الباقي وهو ثلث المال ولا ينقص الجد عن السدس بحال قال في الرحبية:
وتارة يأخذ سدس المال
…
وليس عنه نازلا بحال
وهذا مع الولد أو ولد الولد وإن كان معه ذو فرض كزوجة أخذ الباقي بعد فرضها بالتعصيب.
فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا مَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا
(1)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ تَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
وَالنَّسَائِيُّ. واللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الفصل السادس: في الإرث بالولاء
(5)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ وَوَلِيَ النِّعْمَةَ
(6)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلِلْبُخَارِيِّ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. أَوْ كَمَا قَالَ
(7)
.
• عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَرْأَةُ تَحُوزُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ
(8)
».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يَتْرُكْ
(1)
فالجدة أم الأب جاءت لأبي بكر تسأله حقها من إرث ولد ولدها فسأل فعلم بأن حقها السدس فأعطاها ثم جاءت الجدة الأخرى وهي أم الأم إلى عمر رضي الله عنه تطلب حقها من إرث ولد ابنتها فقال لها: ليس لك في الكتاب شيء، وتقدم الحكم بإعطاء السدس لأم الأب وأنها أخذته فإن اجتمعتها في وقت واحد فهو بينكما نصفين ومن سبقت إليه أخذته كله ولا شيء للأخرى.
(2)
بسند صحيح.
(3)
فشرط إرث الجدة عدم وجود الأم وإلا حجبت الجدة كما أن الأب يحجب الجد والجدة التي هي أمه فإن الجد والجدة مع الأب والأم جهة بعدى وهى محجوبة بالقربي كما تقدم.
(4)
بسند صالح. والله أعلم.
الفصل الثالث في الإرث بالولاء
(5)
الولاء لغة: القرابة وشرعًا: عصوبة سببها نعمة المعتق على عتيقه ويرث به المعتق وعصبته المتعصبون بأنفسهم.
(6)
أعطى الورق أي دفع ثمنه واشتراه وأولاه نعمة الإعتاق، وفي رواية: إنما الولاء لمن أعتق.
(7)
أي أو قال مولى القوم منهم والمراد الولى الأسفل وهو العتيق أي ينتسب بنسبتهم ويعزى إلى قبيلتهم ويرثونه إن لم يكن له وارث.
(8)
عتيقها هو العبد الذي أعتقته، واللقيط هو الطفل الذي وجدته ملقى في الطريق لا يعرف له والد ثم ربته، فمن التقط طفلا ورباه ثم عاش وجمع مالا ومات عن غير وارث فإرثه لمن رباه، وعلى هذا إسحاق بن راهويه، وقال عامة العلماء لا يرثه لأنه ليس بينه وبينه نسب ولا نكاح ولا ولاء عتق بل ماله لبيت المال، وربما يقال أي ولاء بعد التقاطه وتربيته وقد كان عرضه للهلاك، وولد الملاعنة تقدم في ميراث الأولاد، فالمرأة تحوز مواريث هذه الثلاثة إذا مات كل منهم على غير وارث، ومعنى حيازة المرأة لهذه أن تكون عاصبة لهم، ولأحمد والدارقطني: توفي مولى لحمزة وترك بنتًا فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم نصف ميراث أبيها العتيق وأعطى بنت حمزة الباقي تعصيبًا.
وَارِثاً إِلا غُلَاماً كَانَ أَعْتَقهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ لَهُ أَحَدٌ؟» قَالُوا: لَا إِلا غُلَاماً كَانَ أَعْتَقَهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَهُ لَهُ
(1)
. رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَرِثُ الْوَلَاءَ مَنْ يَرِثُ الْمَالَ
(3)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
توريث ذوي الأرحام
(4)
قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَنُسِخَ ذلِكَ بِقَوْلِهِ {وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}
(5)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
(6)
.
(1)
فلما مات الرجل ولم يترك وارثًا إلا عتيقه أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه، فهذا أثبت الإرث للطرفين بالولاء، وعليه شريح وطاوس. وقال الجمهور: لا يرث العتيق معتقه بل ماله لبيت المال وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا العتيق عطاء لا إرث.
(2)
بسندين حسنين، فإذا مات العتيق ولم يترك وارثًا وترك مالا فإنه يرثه المعتق أو عصبته الذكور بولاء الإعتاق، وهذا باتفاق، أما العتيق فإنه لا يرث من معتقه إذا لم يترك وارثًا، وعلى هذا الجمهور إلا شريحًا وطاوسًا.
(3)
ظاهر هذا أن الولاء يرثه كل من يرث المال ولو أنثى كبنت العتق وأخته ويكون نصيبها في الولاء كنصيبها في غيره، ويؤيده حديث أحمد السابق في توريث بنت حمزة رضي الله عنهما، ولكن الجمهور على خلافه ولا سيما ضعف الحديث لوجود ابن لهيعة في سنده والله أعلم.
توريث ذوي الأرحام
(4)
أي وغيرها كإرث من أسلم على يديك وإرث ابن بلدك في الغربة إذا لم يعلم وارثه، والأرحام تجمع رحم وهو القرابة وشرعًا كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة كأولاد البنات وأولاد بنات الابن وإن نزلوا وكالجدات والأجداد الفاسدين وإن علوا وكأولاد الأخوات وبنات الأخوة وكالعمات وأولادهن وإن سفلوا.
(5)
فكان في صدر الإسلام الإرث بالتحالف وهو أن يقول الرجل لمن يريد محالفته بعد وضع يده في يده عاقدني وعاهدني على النصرة والمعاونة فيجيبه على قوله فيعيشان على هذه المحالفة ويتوارثان بها بعد الموت فنسخ الله ذلك وجعل التوارث بالقرابة في قوله: - وأولوا الأرحام بعضهم أولى بعض - أي أولى بالميراث - في كتاب الله - أي في حكمه وفي ظاهره تمسك من قال بتوريث ذوي الأرحام، والجمهور، على أن معنى في كتاب الله أي على ما فيه من آية - يوصيكم الله في أولادكم -.
(6)
ولفظه: آخى=
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنِ الْمِقْدَامِ الْكِنْدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَيَّ
(2)
وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مَالَهُ وَأَفُكُّ عَانَهُ وَالْخَالُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عَانَهُ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ
(4)
.
• عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ
(5)
».
رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ مَوْلى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَتَرَكَ شَيْئاً وَلَمْ يَدَعْ وَلَداً وَلَا حَمِيماً فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ أَرْضِهِ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «فَأَعْطُوهُ مِيرَاثَهُ
(6)
».
= النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت - وأولوا الأرحام بعضهم أولى بعض في كتاب الله - فتوارثوا بالنسب، والآية باتفاق ناسخة للتوارث بهذه المؤاخاة بعد الهجرة في صدر الإسلام وبالمخالفة التي كانت في الجاهلية وبقيت إلى صدر الإسلام.
(1)
أي له ما لهم وعليه ما عليهم، فظاهره ثبوت الإرث لابن الأخت.
(2)
أي فمن مات وترك دينًا وضيعة فعليّ سداد دينه ومؤنة ضيعته أي عياله.
(3)
أي أرث مال من لا وارث له لأن مالى بيت مال المسلمين وأفك عانه أي أسيره وهذه بيان لما قبلها.
(4)
فظاهر هذه النصوص توريث الخال وابن الأخت ومثلهما بقية ذوي الأرحام، وعلى هذا أكثر الأصحاب والتابعين وأبو حنيفة، وقال بعض الصحب والتابعين وجمهور الفقهاء: إنهم لا يرثون لأنه لم يرد في الشرع توريثهم لا بالفرض ولا بالتعصيب، فإذا لم يكن عاصب ولا صاحب فرض فالمال لبيت مال المسلمين إن كان يعطى الحقوق لأصحابها والأرد على ذوى الأرحام.
(5)
فمن أسلم على يد رجل من المسلمين ومات ولم يترك وارثًا ورثه من أسلم هو على يديه، وبه قال إسحاق والحنفية بشرط أن يكون بينهما معاقدة على النصر في الحياة والإرث في الممات، والجمهور على أنه لا إرث بينهما لعدم التصريح به في الحديث ولا سيما أنه ضعيف عند أحمد وفيه مجهول عند الشافعي بل ماله لبيت مال المسلمين.
(6)
فكان رجل يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ومات على شيء ولم يكن له وارث فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه لابن بلده صدقة عليه فقط، وإلا فأهل العلم على أن مال هذا ونحوه لبيت مال المسلمين.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ وَكُلُّ قُسْمٍ أَدْرَكَهُ الإِسْلَامُ فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الإِسْلَامِ
(1)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ.
مال النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
(3)
• عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهِماً وَلَا دِينَاراً وَلَا عَبْداً وَلَا أَمَة وَلَا شَاةً إِلا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلَاحَهُ وَأَرْضاً جَعَلَهَا صَدَقَةً
(4)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ رضي الله عنهم أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطْلُبَانِ أَرضيهِمَا مِنْ فَدَكٍ وَسَهْمَهُمَا مِنْ خَيْبَرَ فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْر: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هذَا الْمَالِ. وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْراً رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلا صَنَعْتُهُ» قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَاراً مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ
(5)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
فكل مال قسم في الجاهلية فهو ثابت على قسمته، ويؤخذ منه أن أحكام الجاهلية في الأموال والأنساب والأنكحة وغيرها إذا دخل عليها الإسلام أقرها، ولكن ما أدركه الإسلام فإنه يجرى على أحكامه.
(2)
بسند صالح.
مال النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
(3)
أي تنتفع به كلها ولكن بعد كفاية أمهات المؤمنين وآل البيت رضي الله عنهم.
(4)
قوله ولا أمة أي في الرق، وأما مارية أم إبراهيم عليه السلام فإنها عتقت بموته كما يأتي وقوله ولا شاة وفي رواية ولا شيئًا وهي أعم إلا بغلته وآلة الحرب وأرضا تصدق بها، وتلك الأرض هي نصف أرض فدك وثلث أرض وادي القرى وسهمه من خيبر وسهمه من بني النضير، وهذه الأراضي وهذه الأسهم في حكم الوقف وفي معنى الوصية لبقائها بعد الموت.
(5)
فدك بالتحريك وبالصرف وعدمه =
الفصل السابع في الوصية
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِىَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيراً وَلَا أَوْصى بِشَيْءٍ
(3)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ ليَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ
= قرية على ميلين من المدينة فيها نخل وعين فوارة أفاءها الله على رسوله صلحا كقريظة والنضير وخيبر وقرى عرينة وهذه هي المرادة بقوله - ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول والذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل - فلما استخلف أبو بكر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة والعباس رضي الله عنهما يطلبان ميراثهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الأراضي والأسهم، تطلب فاطمة رضي الله عنهما نصف تلك الأشياء والعباس النصف الآخر تعصيبا فأسمعهما أبو بكر الحديث الذي لم يسمعاه قبل وهو لا نورث ما تركنا صدقة، أي لا يرثنا أحد كبقية الأنبياء فما تركناه من الأموال فهو صدقة للناس بعد كفاية نسائي وآل بيتي ومؤونة عاملي وهو الخليفة أو عامل الصدقة، وحكمة عدم إرث الأنبياء ألا يتمنى أحد موتهم فيهلك. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى. والله أعلم.
الفصل السابع في الوصية
(1)
أي في معناها والترغيب فيها والترهيب من الجور فيها وفي أنها من الثلث فقط وأنها لا تجوز لوارث وغير ذلك مما يأتى، وهي لغة: الإيصال؛ لأن الموصى وصل خير دنياه يخير عقباه، وشرعًا: تبرع بحق مضاف إلى ما بعد الموت، وكانت واجبة للوالدين والأقربين في صدر الإسلام ثم نسخ وجوبها وبقى ندبها غالبًا إلا من عليه حق كزكاة أو حج أو حق آدمي بلا شهود فإنه يجب عليه أن يوصي بأداء ذلك وهي نوع من الهبات ولكن لا يتسلمها إلا بعد الوفاة.
(2)
فلا ينبغي لمسلم ميسور أن يمكث قليلا بدون كتابة الوصية والإشهاد عليها فإنه خير عاجل يفوت بالموت.
(3)
أي من الأموال لأن الوصية تكون فيها يورث وماله صلى الله عليه وسلم لا يورث ولكنه كالوقف للأمة تنتفع به، وأوصى صلى الله عليه وسلم عند موته بقوله: الصلاة وما ملكت أيمانكم، وقال: أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم.
فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ
(1)
». وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ ـ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارَ ـ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الوصية بالثلث
• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرِضْتُ عَامَ الْفَتْحِ مَرَضاً أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ
(2)
فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا كَثِيراً وَلَا يَرِثُنِي إِلا ابْنَتِي أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ: فَثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ: فَالشَّطْرَ
(3)
؟ قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ: فَالثُّلثَ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ
(4)
وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلا أُجِرْتَ فِيهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ
(5)
» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعَمْلَ بِهِ عَمَلًا ترِيدُ بِه وَجْهَ اللَّهِ إِلا ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً
(6)
وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ
(7)
اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي
(1)
قوله أو المرأة عطف على الرجل، فربما يعمل المسلم بطاعة الله دهرا طويلا وعند موته يوصى ويجور فيها كحرمان بعض الورثة أو نقصهم عن حقهم في الميراث بدون شيء يقتضيه فتجب له النار، ومنه حديث النسائي وغيره: الأضرار في الوصية من الكبائر، ففي هذين وعيد شديد لمن جار في وصيته. ويتضح منه أن ما يفعله بعض الناس من قصر الميراث على الذكور وحرمان الإناث حرام وكذا حرمان بعض الورثة حرام. نسأل الله التوفيق.
الوصية بالثلث
(2)
أي قربت منه على الموت.
(3)
أي النصف أوصى به.
(4)
أي المشروع في الوصية الثلث وهو كثير بل النقص عنه مطلوب فإن تركك ورثتك أغنياء خير من تركهم فقراء يسألون الناس بأكفهم.
(5)
قوله فيها أي عليها حتى اللقمة التي تضمها في فم امرأتك ومن تعولهم.
(6)
أأخلف عن هجرتى أي أأتخلف عن الهجرة وأبقى بمكة لمرضى؟ وذا منه تحسر وتحزن لكراهتهم للتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بأن تخلفه مرضا لا يضره بل بصالح العمل يرفعه الله درجات.
(7)
لعلك أن تخلف أي تعيش حتى يضر بك الكفار وينتفع بك المسلمون، وقد تحقق رجاؤه صلى الله عليه وسلم فشفي سعد وعاش حتى مات سنة خمس عشرة من الهجرة.
هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنِ عِمْرَانَ بْن حُصَيْن رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَا بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثاً ثُمَّ أَقرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةُ وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيداً
(1)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
لا وصية لوارث
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كلِّ ذِي حَقَ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ
(2)
الْوَلَدُ لِلْفِراشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ
(3)
وَمَنِ ادَّعى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلا بِإِذْنِهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ: «ذلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَاحِبَاهُ
(4)
.
(1)
فهذا الرجل كان يملك من الرقيق ستة ولم يكن له شيء سواهم فأعتقهم في مرضه فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم وأقرع بينهم فخرجت القرعة لاثنين فأمضى عتقهما وأبقي حكم الرق على الأربعة، ولامه على هذا التصرف السيء فإن العتق في مرض الموت كالوصية، وباقي التبرعات لا تجوز إلا بالثلث، وللإمام أحمد: إن الله تصدق عليكم عند موتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم، ويندب النقص عنه إذا كانت الورثة فقراء وإلا فلا، قال في الفتح: واستقر الإجماع على عدم الزيادة على الثلث إلا إذا أجازها الورثة، وهذا إن كان هناك وارث وإلا فلا حجر عليه عند بعضهم، وفي الحديث: جواز عمل القرعة واعتبارها، وعليه الجمهور وسيأتى في تفسير سورة النور، وقالت الحنفية: لا تجوز القرعة في شيء لأنها من عمل الجاهلية ومن القهار. والله أعلم.
لا وصية لوارث
(2)
أي أن الله بين الحقوق لأصحابها في المواريث السابقة، فلا تصح الوصية بعدها لوارث إلا إذا أجازها باقي الورثة لحديث الدارقطني: لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة. وعلى هذا الجمهور، وقال بعضهم: لا تصح وإن أجازها باقيهم لأن المنع منها حق الشرع فلا يملكونه.
(3)
الولد للفراش أي ينسب إلى الزوج صاحب الفراش لا لمن يدعيه من طريق الزنا بأمه، ولهذا المدعى الرجم بالحجر؛ لأنه أقر بالزنا على نفسه، وسيأتي ذلك في النكاح إن شاء الله. وتقدم الحديث في العارية.
(4)
بسند صحيح. نسأل الله التوفيق.
يأكل الوصي من مال اليتيم بالمعروف
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}
(2)
.
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: ـ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
(3)
ـ أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتاجاً بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِيَ شَيْءٌ وَلِي يَتِيمٌ فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيِمكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرَ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفاً وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي فَلَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ
(6)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.
يأكل الوصى من مال اليتيم بالمعروف
(1)
الوصى: هو الذي وكل إليه أمر اليتامي أو المحجور عليهم بسفه وتبذير سواء وله أقاربهم أو الحاكم، ويجب أن يكون مشهورًا بالدين والأمانة.
(2)
سيحترقون في السعير، وهذه في الوصاية على اليتيم، وأما في المحجور عليه بالتبذير ففي قوله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} .
(3)
فللوصي أن يأخذ من مال اليتيم والمحجور عليه بالمعروف بين الناس في أجرة مثله لمثل هذا العمل كما يجب عليه أن يعمل في مال اليتيم والمحجور عليه ما ينميه ويزيد فيه.
(4)
قوله ولي يتيم أي أنا وصى عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: كل من ماله بغير إسراف ولا مبادر أي في إنفاق ماله قبل بلوغه، ولا متأثل أي لا تجمع منه مالا، والمراد النهي عن أخذ أكثر من أجرة مثله وإلا فله الاقتصاد منها فإنه مطلوب.
(5)
بسند صالح.
(6)
قوله أراك ضعيفًا أي عن إدارة الأمور وأحب لك ما أحب لنفسي أي من السلامة، وطريق ذلك أن تبتعد عن الرياسة ولو على اثنين وأن تبتعد عن الوصاية فإنهما مظنة العلو والفخر، =
لا يُتم بعد بلوغ
(1)
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
.
عنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَيْشِ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يَقْبَلْنِي فَعُرِضْتُ عَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ فِي جَيْشٍ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَبِلَنِي. قَالَ نَافِعٌ: وَحَدَّثْتُ بِهذَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: هذَ حَدُّ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: هذَا حَدُّ مَا بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ رضي الله عنه قَالَ: عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلي. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي السِّيَرِ
(5)
وَالنَّسَائِيُّ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ بِلَفْظِ: فَمَنْ كَانَ مُحْتَلِماً أَوْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كذلكَ تُرِكَ
(6)
. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
= بل منصة الظلم والطغيان فأبو ذر رضي الله عنه كان ضعيفًا لا يمكنه القيام بأعباء الولاية بل يكون مذموما الحديث الطبراني: الإمام الضعيف ملعون، فقوله أحب لك ما أحب لنفسى أي لو كان حالى كحالك وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم كان واليًا بل كان سيد الولاة وحاكمًا لجميع المسلمين وكان أفضلهم لوفور عقله وعدله وعلمه صلى الله عليه وسلم نسأل الله التوفيق لاتباع سنته آمين.
لا يتم بعد بلوغ
(1)
أي تنتهي صفة اليتيم عن الشخص إذا ثبت بلوغه بالاحتلام أو السن أو نبات العانة.
(2)
الاحتلام: هو رؤية الجماع في النوم والمراد نزول المني ولو يقظة، والصمات - كالغراب -: السكوت، وكان بعض الجاهلية يرى فيه فضلا فيفعله فنفاه شرعنا أي لا عبرة به ولا فضيلة فيه.
(3)
بسند صالح.
(4)
فإكمال الخمس عشرة سنة هلالية هو الحد الفاصل بين الصغير والكبير، والحديث تقدم في شروط الصلاة.
(5)
بسند صحيح.
(6)
عطية القرظى من بني قريظة الذين نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء وحاصرهم شهرًا ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فجاء فحكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرية فقال صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى، ولما شرعوا يميزون الرجال من الصغار تعذرت معرفة البالغين بالاحتلام والسن فعدلوا إلى العلامة الثالثة وهي ظهور شعر العانة فكان عطية ممن لم ينبت =
الفصل الثامن: في العتق
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}
(2)
.
• عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرةَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَ مُسْلماً اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ»
(3)
. قَالَ سَعِيدٌ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ رضي الله عنهما فَأَخْبَرْتُهُ فَعَمَدَ إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَعْتَقَهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنَ النَّارِ حَتَّى يُعْتِقَ فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ» . قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَناً وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»
(4)
. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ
(5)
». قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تَدَعُ
= شعر عانته فلم يقتلوه، فعلامة البلوغ: إكمال خمس عشرة سنة هلالية أو الاحتلام أو ظهور شعر العانة وهذه في الذكر، وأما الأنثى فتزيد على هذه بظهور حيضها، فبعلامة من هذه العلامات يصير الشخص بالغا ومكلفًا بكل شيء، ولكن لا يسلم اليتيم ماله إلا إذا صار حسن التصرف بشهادة عدلين لقوله تعالى {فإن آنستم منهم رشدًا فادفعو إليهم أموالهم} والله أعلم.
الفصل الثامن في المعتق
(1)
أي في فضله وفي العتق بالملكية للقريب، وفي بيع الولاء، وفي المكاتبة، وفي حقوق السيد والرقيق والعتق من قولهم: عتق الفرخ إذا طار؛ لأن الرقيق يخلص به ويذهب حيث شاء، وشرعا زوال الرق وثبوت الحرية.
(2)
{فلا اقتحم العقبة} أي تجاوزها. وما أدراك ما العقبة - هي - فك رقبة - من الرق - أو إطعام في يوم ذي مسغبة - أي مجاعة - يتيما ذا مقربة - أي قرابة - أو مسكينا ذا متربة - أي ذا فقر، فمجاوزة العقبة الكؤود في إعتاق الرقبة أو إطعام الطعام في الجدب لليتيم القريب أو المسكين المحتاج.
(3)
استنقذ أي خاص الله بكل عضو منه أي العتيق عضوًا منه أي المعتق من النار.
(4)
أي أعزها عند المالكين.
(5)
أي عاجز، أي تساعده وترشده.
النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ
(1)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَلأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ
(2)
: أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ رَجُلًا مُسْلِماً فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ وِقَاءَ كلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ عَظْماً مِنْ عِظَامِ مُحَرَّرِهِ مِنَ النَّارِ
(3)
وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ وِقَاءَ كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهَا عَظْماً مِنْ عِظَامِ مُحَرَّرِهَا مِنَ النَّارِ
(4)
.
وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ
(5)
: مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ
(6)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْداً وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ
(7)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَلَدُ الزِّنَى شَرُّ الثَّلَاثَةِ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لأَنْ أُمَتِّعَ بِسَوْطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ زِنْيَةٍ
(8)
. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
(9)
وَالنَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
فإنها أي هذه الخصلة صدقة.
(2)
بسند صحيح.
(3)
الوقاء كالوعاء ما يمنع الأذى عن الشيء، وقوله من عظامه أي المعتق أي فكل عظم من العتيق يكون حافظا لمثله من المعتق من النار.
(4)
وفيه أن الأفضل للذكر عتق الذكر والأنثى عتق الأنثى.
(5)
بسند صحيح.
(6)
فالعتق عند الموت كالصدقة بعد الشبع ثوابها قليل لما تقدم في الزكاة» أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى».
(7)
فمال العبد إذا عتق له أي للعبد لعود الضمير لأقرب مذكور إلا أن يشترطه السيد له. وللإمام أحمد: من أعتق عبدًا وله مال فالمال للعبد، وهذا إتمام للنعمة عليه وقد جرت عادة الكرام أنهم إذا أعتقوا عبدًا منحوه شيئا يقتات منه حتى تنفتح له السبل.
(8)
الثلاثة أبوه وأمه وهو، وكان شرهم مع أنه لم يقترف الزنا كما ارتكبوا لأنه جاء من ماء حرام وخبيث من الطرفين فيكون في الغالب منبعًا للشرور والقبائح، وإن كان لا شيء عليه من ذنب أبويه فلا تزر وازرة وزر أخرى، وقوله: لأن أمتع بصوت في سبيل الله أي لأن أعطي غيرى سوطا في سبيل الله أحب إليّ من عتق ولد زنية بالكسر والفتح أي ولد زنا يقال له ولد زنية وولد غية. ويقال لغيره ولد رشدة ففيه حث على عتق المسلم الصالح الطاهر الأصل.
(9)
بسندين صالحين. نسأل الله التوفيق.
القريب يعتق بالملكية كما يعتق الباقي على الميسور
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
القريب يعتق بالملكية كما يعتق الباقي على الميسور
(1)
المراد بالولد المولود ذكرا أو غيره وإن سفل، والمراد بالوالد الأب والأم وإن علوا فلا يكافئ ولد والده إلا إذا كان مملوكا فاشتراه فأعتقه بالشراء، ومثل الأصول الفروع بالأولى فإنهم أقرب من الأصول، فمن ملك واحدًا من والديه أو أولاده عتق عليه بمجرد الملكية، وعلى هذا أهل العلم كلهم.
(2)
أصل الرحم: محل تكوين الولد في المرأة والمراد به القرابة، ومحرم كمصنع وبالضم والتشديد من لو كان أنثى لحرمت كالأصول والفروع والإخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا، فكل قريب محرم تملكه يعتق بالملكية أصلا كان أو فرعًا أو غيرهما وعليه أكثر الصحب والتابعين والحنفية وأحمد، وقال بعض الصحب والتابعين والشافعية: لا يعتق إلا الأصول والفروع وهم المرادون بالمحرم، وقال مالك: تعتق الأصول والفروع والإخوة فقط، وحكمة عتق القريب بالملكية أن الإنسان أمر بإكرام أقاربه والإحسان إليهم والإعتاق رأس أنواع الإكرام.
(3)
قوله شركا بكسر فسكون أي نصيبا، وفي رواية شقصا وفي أخرى شقيصا فمن كان شريكا في عبد وأعتق نصيبه وكان ميسورا عتق باقيه ووجب عليه دفع ثمنه وإلا فلا شيء عليه وتبقى حصة الشريك على الرق. وللفقهاء هنا كلام في كتب الفقه فارجع إليه إن شئت.
المكاتبة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}
(2)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنَّ أَهْلِي كَاتَبُونِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ
(3)
فَأَعِينِيني فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذلِكَ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا إِلا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَأَتتْنِي فَذَكَرَتْ ذلِكَ فَانْتَهَرْتُهَا
(4)
فَقَالَتْ: لَا هَاءَ اللَّهِ إِذاً
(5)
قَالَتْ: فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلْتُ ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشِيَّةً فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» . وَفِي رِوَايَةِ: فَعَتَقَتْ
(6)
وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْداً فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
المكاتبة
(1)
المكاتبة كانت معلومة قبل الإسلام فأقرها الشرع.
(2)
فإذا طلب رقيقك المكاتبة فكاتبه إن علمت فيه خيرا بأن كان أمينا مكتسبا، فالمكاتبة سنة إذا طلبها العبد وهي عقد بين السيد وعبده على أنه إذا أدى له كذا من المال في وقت كذا فهو حر، كقوله: كاتبتك على خمسة دنانير مثلا في خمس سنين فإذا أديتها فأنت حر، فيقول العبد: قبلت، وهي لازمة من جهة السيد إلا إذا عجز العبد فله فسخها وسميت مكاتبة لحصول الكتابة فيها بين السيد وعبده غالبًا.
(3)
بالضم أربعون درهما وتقدم الحديث في البيوع.
(4)
أنكرت عليها ما ذكرته.
(5)
وفي بعض النسح لا هاء الله ذلك، قال أهل العربية وهذان خطأ والصواب لا ها الله ذا بقصرها وحذف ألف إذا ومعناه لا والله هذا ما أقسم به.
(6)
قوله فعتقت أي بعتقى لها بعد الشراء وكان زوجها عبدًا يسمى مغيثا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين البقاء على الزوجية وبين اختيار نفسها وتنحل الزوجية فاختارت نفسها وكان زوجها يحبها حبًّا جمًا ورجا النبي صلى الله عليه وسلم في رجوعها فكلمها فأبت فانقلبت الحال عليها لردها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. نسأل الله السلامة، وفي الحديث: جواز بيع المكاتب إذا عجز عن الأداء وبقاء الزوجية إذا عتقت زوجة الرقيق.
فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَاهَا إِلا عَشَرَةَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ وَأَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِيِنَارٍ فَأَدَّاهَا إِلا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ
(1)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْيَحْتَجِبْ مِنْهُ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
يجوز بيع المدبر
(4)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ غُلَاماً لَهُ عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي» ؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ
(5)
. رَوَاهُ الْخَمحسَةُ. وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيراً فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَعَلَى عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَعَلَى ذِي قَرَابَتِهِ» . وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
فإذا أدى المكاتب مال الكتابة إلا قليلا فهو كالعبد في كل شيء، ومنه حديث أبي داود ومالك: الكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم، ولو مات وعليه شيء من مال الكتابة فماله وولده ورقيقه لسيده ولو كان عنده ما يفى بكتابته، وعلى هذا الجمهور سلفًا وخلفًا والشافعى وأحمد. وقال مالك: إن ولده يعتق، وقال أبو حنيفة. إن ترك ما يفى بكتابته فهو حر وإلا فلا.
(2)
فإذا كان المكاتب يؤدي ما عليه أو عنده ما يؤدي فإنه يحرم على سيدته النظر إليه لأنه بالأداء صار حرا، وأما إذا لم يكن عنده، فلها النظر إليه لأنه مملوك لها، وهل له النطر إليها قال به أكثر السلف وعليه بعض الأئمة، وقالت الحنفية. المملوك كالأجنبي؛ لأن له زواجها إذا عتق، والمفهوم ليس بحجة.
(3)
بسند صحيح.
يجوز بيع المدبر
(4)
المدبر بلفظ المفعول من دبره سيده أي علق عتقه على موته كقوله: إذا مت فأنت حر.
(5)
وقال: اقض دينك وفي رواية أنت أحق بثمنه والله غني عنه، وتقدم الحديث في الباب التاسع في البيوع، وفيه دليل على جواز بيع المدبر كجواز بيع من أوصى بعتقه وعليه بعض الصحب والتابعين =
لا يجوز بيع الولاء ولا أم الولد
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: بِعْنَا أُمَّهَاتِ الأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهيْنَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(3)
.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ
(4)
». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
خاتمة في حق السيد على عبده وحقه على سيده
• عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ
(5)
». وَفِي أُخْرَى:
= والشافعى وأحمد وإسحاق، وقال الجمهور ومالك وأبو حنيفة: لا يجوز. وبيع النبي صلى الله عليه وسلم لهذا كان لدين على سيده، فكان للضرورة، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى والله أعلم.
لا يجوز بيع الولاء ولا أم الولد
(1)
الولاء: هو ولاية السيد على عتيقه إذا مات بغير وارث فإن السيد وورثته يرثونه، وكانت العرب تبيع الولاء وتهبه متى شاءوا. قال قائلهم:
فباعوه مملوكا وباعوه معتقا
…
فليس له حتى الممات خلاص
فنهاهم الشرع عن ذلك، وأم الولد هي الجارية التي واقعها سيدها فحملت ووضعت.
(2)
أي نهي تحريم ولا يصح. فإن الولاء كالنسب لا يزول بالتصرف فيه لحديث: الولاء لحمة كملحمة النسب، وهذا وإجماع أهل العلم كلهم.
(3)
بسند حسن ولفظ النسائي كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حى ما يرى بأسا.
(4)
أي فبموته تصير حرة كولدها ولو من غيره، ومن هذا حديث الدارقطنى وابن ماجه: أن مارية أم إبراهيم عليه السلام ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقها ولدها، فهذان الحديثان يدلان على أن أم الولد يحرم بيعها وهي تعتق من رأس المال كولدها، وأما حديث أبي داود والنسائى المجوز لبيعهن. فإنه كان أولا ثم نسخ وما علموا كلهم بالنسخ إلا في خلافة عمر رضي الله عنهم فنهاهم عن البيع، فانتهوا. نسأل الله أن يوفقنا لطرق الخير آمين والله أعلم.
خاتمة في حق السيد على عبده وحقه على سيده
(5)
فأي عبد أبق أي فر من أسيادة فقد كفر بنعمتهم، وفي رواية فقد برئت منة الذمة أي بريء منه الدين، والمراد الزجر عن عصيان سيده فإنه ذنب كبير.
«مَنْ تَوَلَّى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ
(1)
» رَوَى مُسْلِمٌ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عَبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ
(2)
» رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرَ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرَ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ بِهَا فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَقِيتُهُ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِن كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ
(3)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: «إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فَضَّلَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَمَنْ لَمْ يُلَائِمْكُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى» .
(1)
قوله من تولى قومًا أي انتسب إليهم بغير إذن أسياده فعليه اللعنة العظمى ولا يقبل منه عدل ولا صرف أي فرض ولا نفل.
(2)
قوله نصح سيده أي أخلص في خدمته، وفي رواية: أيما عبد أدى حق الله وحق مواليه فله أجران. أي أجر على إخلاصه في خدمة سيده وأجر على قيامه بفرائض الله.
(3)
الربذة بفتحات مكان على ثلاث مراحل من المدينة فيه قبر أبي ذر رضي الله عنه، فالمعرور مر عليه بالربذة فوجد عليه بردا وعلى خادمه مثله فقال له: لو لبست البردين لكانت حلة فإن الحلة عند العرب ثوبان من جنس واحد، فقال أبو ذر: تنازعت مع رجل (قيل إنه بلال) فعيرته بأمه الأعجمية أي قلت له يا ابن السوداء فشكانى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فيك من أخلاق الجاهلية، فقلت: يا رسول الله من سب الرجال سبوا أبويه، فقال: إن فيك من أخلاق الجاهلية. ثم قال: إن أتباعكم إخوانكم في الدين سخرهم الله لكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون وساعدوهم فيما يعملون إن كان يشق عليهم.
عنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ آخِرُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ
(1)
اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسُهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ
(3)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ
(4)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: «مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ
(5)
». وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
أي أقيموها وحافظوا عليها.
(2)
أي ارحموا مواليكم وأحسنوا إليهم وكذا افعلوا بالبهائم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
(3)
أي تولى صنعه بيده، لهذا ينبغى أن تجلسه معك أو تبقي له منه. فإنه من تمام الإحسان إليه وأهنأ لكم، وأما الواجب فإشباعه من أي شيء.
(4)
فيحرم ضرب الوجه فإنه أشرف الأعضاء لأنه مجمع المحاسن، وفي رواية: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته أي على صفته جل شأنه أو على صورة المضروب وهذا رأى الأكثر.
(5)
فمن لطم مملوكه على وجهه أو ضربه فكفارة ذلك أن يعتقه. وهذا إذا كان بغير ذنب وإلا فالأدب مطلوب كما تقتضيه الحال. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين والله أعلم.
كتاب النكاح والطلاق والعدة
(1)
وفيه عشرة أبواب وخاتمة
الباب الأول: في الترغيب في النكاح
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}
(3)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
(4)
.
كتاب النكاح والطلاق والعدة وفيه عشرة أبواب وخاتمة
(الباب الأول في الترغيب في النكاح)
(1)
النكاح هو لغة: الضم والجمع وشرعا: عقد بين الزوجين يحل به الوطء، والنكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء، فكل نكاح في القرآن فمعناه العقد إلا حتى إذا بلغوا النكاح فهو بمعنى الحلم، وقال أبو حنيفة وجماعة: إن النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد لحديث: تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة. وحديث: لعن الله ناكح يده. وقيل إنه مشترك بين العقد والوطء وهذا أحسن، وحكمة النكاح العمران الكونى بالتناسل، وتكثير الأمة المحمدية، والأولاد الذين هم زهرة الدنيا وزينها، والتعاون بين الأسر المصاهرة والتآلف بها. والتحافظ من الفسق والآفات، والعون على طاعة الله واكتساب الأجر الدائم بالأولاد، وسمة الأرزاق، والابتلاء بالأخلاق، ومزيد الأجر بالصبر على ذلك، والأئتناس والتحاب والتآلف والتمتع بلذة النكاح بين الزوجين. قال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} .
(2)
أي والترهيب من الرهبانية والاختصاء.
(3)
أي تزوجوا بما شئتم من النسوة الخالية من الزواج واحدة أو أكثر إلى أربع، وإن خفتم الجور فاقتصروا على واحدة فهو أهدأ لكم وأسلم لدينكم.
(4)
الأيامى جمع أيم وهو من لا زوج له رجلا أو امرأة بكرة أو ثيبًا، وظاهره أن الشخص يجب عليه إنكاح من تحت إمرته، ويجب عليه النكاح بالأولى فهو واجب عينى إذا تيسرت حاله، ومالت نفسه، وخاف الزنا، وعليه بعضهم وقال الجمهور: إن الأمر للندب لقوله تعالى {أو ما ملكت أيمانكم} فخير بين النكاح والتسرى ولو كان النكاح واجبا لما خير بينه وبين التسرى وإلا بطلت حقيقة الواجب كما قاله الأصوليون، فالنكاح مندوب عند الجمهور.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} .
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغْضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»
(1)
.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَداً. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَداً فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدْ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ؛ الْحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ
(3)
». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
(1)
سبب الحديث أن عبد الله كان يمشي بمنى فلقيه عثمان رضي الله عنه فوقف يكلمه حتى قال له: ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك فذكر الحديث. والشباب جمع شاب وهو من بلغ ولم يجاوز الثلاثين، والباءة: النكاح ونفقات الزوجية، فمن قدر على هذا فليتزوج، فإنه أحفظ للبصر وللفرج ومن لم يقدر فليصم فإن الصوم له وجاء كبناء أي قاطع لثوران الشهوة كالوجاء الذي هو قطع الخصيتين في قطع الشهوة فهو تشبيه بليغ.
(2)
الرهط: جماعة الرجال وهم هنا: عليّ وعبد الله ابن عمرو وعثمان بن مظعون، سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها أي استقلوها ثم قالوا ما ذكر فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إني أخشاكم لله وأتقاكم له وأتوسط في عبادة ربي وأتزوج، وهذه طريقتي الكاملة التي تسهل المداومة عليها، فمن ترهب فليس على طريقتى الكاملة والتوفيق بيده تعالى.
(3)
فهذه الأربع من أخلاق الرسل المرضية الشرعية.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالنِّسَائِيِّ وَالْحَاكِمِ
(1)
ثَلَاثَةٌ حَقَّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
(2)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ
(3)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ.
• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ أَجَازَ لَهُ ذلِكَ لَاخْتَصَيْنَا
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذلِكَ فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذلِكَ أَوْ ذَرْ
(5)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ
(6)
: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ رضي الله عنهم: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمَائَةِ امْرَأَةٍ تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَاماً
(1)
والدارقطنى وصححه.
(2)
فهذه الثلاثة لما كانت نيتهم صالحة حق على الله فضلا منه أن يحوطهم بإعانته ورعايته.
(3)
قوله من الدنيا وفي رواية من دنياكم أي حببنى الله في هذه أكثر من غيرها وهي نعيم في العاجل وقربة في الآجل، أما النساء فلأنهن مصابيح البيوت وعمارها وأنسها ومنبت الأولاد وأنسها وما أعظمها مزية. وأما الطيب فلأنه منعش للنفوس ومفرح للملائكة الكرام، وأما الصلاة ففيها قرة العين وعظيم السرور ولذة المناجاة بين العبد وربه تعالى، وهذه أسعد أحوال الإنسان وأشرفها.
(4)
التبتل الانقطاع من الأهل والدنيا والتفرغ للعبادة. والاختصاء قطع الخصيتين فتنقطع شهوة النساء، فعثمان هذا أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع أراد أن يتبتل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا رهبانية في الإسلام لحديث: إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة، وقال عبد الله كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء فقلنا يا رسول الله ألا نستخصى؟ فنهانا عن ذلك أي نهى تحريم لأنه إعدام لنعمة التذكير التي اختص بها الرجل.
(5)
العنت بالتحريك أصله المشقة، والمراد هنا الزنا أي إني أخاف الزنا ولا أجد ما أتزوج به فأذن لي أن أختصى فسكت عنى حتى كررت السؤال مرارًا ثم قال: جف القلم بما أنت لاق أي قد كتب ما قدر لك من أمر الدنيا والآخرة فافعل ما تشاء، وليس هذا تخييرًا بل هو تهديد له حيث لم يصبر إلى الميسرة.
(6)
وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ، فَطَافَ بِهِنَّ وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلا امْرأَةٌ نِصْفَ إنْسَانٍ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ
(1)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
ما أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم من النساء
(2)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(1)
فكان في شرع سليمان عليه السلام جواز النساء من غير حصر، وكان سليمان متزوجًا بمائة امرأة أو كان بعضهن بالتسرى، وقوله بمائة امرأة، وفي رواية أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه وهو جبريل عليه السلام أو آصف بن برخيا: قل إن شاء الله فنسى أن يقولها فطاف بهن وجامعهن وكان فيه قوة على ذلك كما أعطاه الله ملكا عظيما فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة ولدت نصف إنسان، فلو قال إن شاء الله ما حنث في يمينه المذكور جوابه في قوله: لأطوفن الليلة، وكان أرجى لأمله بمجئ الأولاد المجاهدين، ففي ذكر المشيئة تبرك بذكر الله وتوكل عليه وبلوغ للآمال، قال تعالى - {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ولأحمد وابن ماجه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيًا شديدا ويقول: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة، ولابن ماجه:» النكاح من سنتى فمن لم يعمل بسنتى فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح» وللبيهقى: تزوجوا فإني مكاثر بكم الأم ولا تكونوا كرهبانية النصارى، وللديلمي: حجوا تستغنوا وسافروا تصحوا وتناكحوا تكثروا فإني أباهى بكم الأمم. وللدارقطني» امرأة ولود أحب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد، إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى. والله أعلم.
ما أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم من النساء
(2)
أبيح له الزواج أولا من غير حد ثم نهى عنه، أما التسرى فكان مباحا له صلى الله عليه وسلم كما يشاء. قال الله تعالى {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} .
(3)
فكان يطوف عليهن أحيانا في ليلة واحدة ويواقعهن، وكان الله أعطاه قوة على ذلك معجزة له صلى الله عليه وسلم كما كان سليمان عليه السلام.
وَعِنْدَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ
(1)
.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ
(2)
. رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب الثاني: في الزوجة المحمودة
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ، لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
(1)
وهن المذكورات في قول بعضهم:
عن تسع نسوة وفاة المصطفى
…
خيرن فاخترن النبي المصطفى
عائشة وحفصة وسوده
…
صفية ميمونة ورمله
هند وزينب كذا جويريه
…
للمؤمنين أمهات مرضيه
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم قبلهن خديجة رضي الله عنها وولدت له كل الأولاد إلا إبراهيم عليه السلام فإنه من مارية القبطية، ولم يتزوج على خديجة حتى ماتت رضي الله عنها، فتزوج بامرأة تسمى زينب أم المساكين وماتت في حياته صلى الله عليه وسلم وكان تحته سرية وهى مارية القبطية، وأما ريحانة فقيل كانت زوجة وقيل كانت سرية وهو المشهور.
(2)
مسارعة في رضاه ثم نهى بما سبق. وحكمة استكثار النبي صلى الله عليه وسلم من النساء أمور: أحدها كثرة الأعوان والأنصار من الأصهار ليقوى على من يعاديه حتى يبلغ رسالة ربه، وثانيها تشريف القبائل بمصاهرته صلى الله عليه وسلم، وثالثها كثرة من يشاهد أحواله الباطنة فينتفى عنه ما أشاعه الكفرة من أنه ساحر أو كاهن أو يتعلمه من أعجمى مثلا، ورابعها خرق العادة في كثرة الجماع مع قلة أكله وشربه والعرب تتمدح بقلة الطعام وكثرة الوقاع لدلالته على كمال الرجولية كما يأتى في حديث أم زرع، وخامسها الاطلاع على محاسن أخلاقه الباطنة فقد تزوج صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وهو من ألد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم حينذاك لأنه كان كافرا بل رأس الكفار وكذا تزوج صفية بعد قتل أبيها وعمها وزوجها فلو لم يكن أكمل الخلق في أخلاقه لنفرن منه، بل كان عندهن أحب الناس كلهم. وسادسها زيادة التكليف حيث كلف ألا يشغله ما حبب إليه منهن عن كمال التبليغ، وسابعها نقل الأحكام الشرعية التي لا يطلع عليها الرجال لأن أكثر ما يقع مع الزوجة من شأنه أن يخفى اهـ من الفتح باختصار. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين آمين آمين.
(الباب الثاني في الزوجة المحمودة)
(3)
أي التي يرغب الناس فيها والتي تحمد شرعا.
(4)
الحسب بالتحريك هو الشرف بالآباء والأقارب كاشتهارهم بالكرم أو الشجاعة أو النجدة والمروءة، ويطلق على المال لحديث: الحسب المال =
وَلِلنَّسَائِيِّ وَمُسْلِمٍ: «إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ متَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ
(1)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُو نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: تَزَوَّجْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَزَوَّجْتَ؟» فَقُلْتُ: ثَيِّباً، فَقَالَ:«مَالَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَاتَ وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعاً فَجِئْتُ بِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ فَدَعَا لِي
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِياً وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَشَجَرَةٌ لَمْ يُؤْكَلُ مِنْهَا فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ: فِي الَّتِي لَمْ يُرْتَعَ مِنْهَا، تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَزوَّجْ بِكْراً غَيْرَهَا
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ وَحَسَبٍ وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: «لَا» ،
= والكرم التقوى، فالمرأة يرغب فيها عادة لمالها أو لجمالها أو لحسبها، ولكن الشرع يقول اظفر أي ابحث عن ذات الدين وفز بها، تربت يداك أي افتقرت إن لم تطلب ذات الدين، فهي السعادة.
(1)
الدنيا متاع، أي شيء يتمتع به وما له الزوال قال تعالى {وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} وخير شيء في الدنيا المرأة الصالحة المدينة الرشيدة فإنها من سعادة الرجل، وسيأتي وصفها في حديث أي النساء خير.
(2)
أحناه من الحنو والشفقة، وأرعاه من الرعاية والحفظ. فنساء العرب خير من نساء العجم، وأفضل نساء العرب الصالحات من قريش لشدة شفقتهن على الولد ولشدة حرصهن على مال الزوج.
(3)
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأن جابر تزوج ثيبا قال له مالك وللعذارى ولعابها أي الأبكار وملاعبتها، وفي رواية. هلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وفي رواية: ولعابها بضم اللام وهو الريق إشارة إلى مص اللسان ورشف الشفة الذي يحصل عند الملاعبة أحيانًا، فأجابه جابر بأن عبد الله أي أباه مات وترك له سبع أو تسع بنات، فلهذا تزوج جابر بامرأة ثيب تقوم بأمر البيت وتربية أخواته فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم لأنه آثر مصلحة أخواته على حظ نفسه.
(4)
في أيها كنت ترتع بعيرك أي تتركه للأكل منها قال في التي لم يؤكل منها، فمرادها أن الرغبة في البكر أكثر، أي فهي أحظى من غيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها، وهذا غالبا، وإلا فربما كانت الثيب أحسن من وجوه.
ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكمُ الأُمَمَ
(1)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا، ولَا مَالِهَا بِمَا يَكَرَهُ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
وَلِلشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساءِ
(4)
».
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ:«غَرِّبْهَا» ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ: «فَاسْتمْتِعْ بِهَا
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(6)
.
الزوج المحمود
(7)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
(8)
.
• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هذَا؟» قَالوا:
(1)
الودود التي تحب زوجها والولود التي تلد كثيرا، ويعرف ذلك بأمها وأقاربها، فإن الغالب اتحاد الطباع، فالنبى صلى الله عليه وسلم نهى عن زواج المقيم وأمر بالولود لتكثير الأمة المحمدية.
(2)
فالمرأة التي تطيع زوجها في نفسها ومالها وتسره إذا نظر لها لنظافتها وبهجتها وابتسامها خير النساء لا شك، إلا إذا طلب منها محرما فإنه لا طاعة في معصية، وستأتي حقوق الزوجية إن شاء الله.
(3)
بسند صحيح.
(4)
ففتنة المرأة أعظم من أي فتنة، لهذا يجب اختيار المرأة الصالحة للتزوج بها.
(5)
لا تمنع يد لامس أي يريد الزنا بها أو يريد أخذ مال زوجها، قال غربها أي طلقها، فالزوج شكا فجورها أو إسرافها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها فأخبره أنه يحبها فأمره بإمساكها مع التحفظ عليها خوفا من الزنا بها إذا طلقها.
(6)
بسند صحيح، وفقه ما تقدم أنه ينبغي التزوج بالبكر الولود الودود ذات الدين فإنها مجمع المحاسن، ولابن ماجه والبزار والبيهقى: لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا زوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل. نسأل الله التوفيق والله أعلم.
الزوج المحمود
(7)
أي الذي يحمده الشرع وينبغى تزويجه.
(8)
أي لا أغناكم، ولا أعلمكم، ولا أعلاكم حسبًا=
حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ:«مَا تَقُولُونَ فِي هذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَلا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَلا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ: أَلا يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هذَا
(1)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزْنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ. إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
(2)
». رَوَاهُ الترْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
ينبغي النظر إلى المخطوبة
(3)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ» فَيَقُولُ: هذِهِ امْرَأَتكَ، فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ
(4)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا» ؟
(1)
قوله حرى - كوصى - أي حقيق، فالأول لغناه قوله مسموع وطلبه مجاب، والثاني وهو جعيل بن سراقة لفقره لا يسمع قوله ولا يجاب طلبه، فقال صلى الله عليه وسلم هذا الفقير الصالح عند الله أفضل من ملء الأرض من هذا الغنى.
(2)
أبو حاتم المزنى صحابى ليس له إلا هذا الحديث، قالوا يا رسول الله وإن كان فيه أي فقر وخسة أصل، قال إذا جاءكم الرجل الصالح فزوجوه وكررها ثلاثا، فليس التفضيل بالمال إنما هو بصالح الأعمال. قال تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} نسأل الله التوفيق. والله أعلم.
ينبغي النظر إلى من يريد زواجها
(3)
أي يستحب النظر إلى وجهها وكفيها ليكون على علم بها.
(4)
الرجل هو جبريل عليه السلام، والسرقة بالتحريك قطعة حرير، فقبل زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة جاءه جبريل في النوم مرتين بصورتها في قطعة حرير وقال هذه امرأتك، فيقول يا رب إن كانت هذه صورة زوجة لي فعجل بها.
قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ في أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئاً
(1)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنِ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا
(3)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الكفاءة
(5)
(6)
.
(1)
قوله تزوج امرأة أنصارية أي شرع في زواجها فأمره بالنظر إليها فإن في أعين الأنصار صغرًا أو زرقة، ففيه جواز ذكر مثل هذه الأوصاف للنصيحة.
(2)
بقية الحديث: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجها، فيفهم منه أن الأمر بالنظر ليس للوجوب بل للندب فقط.
(3)
أي انظر إليها فإنه أدعى إلى دوام المحبة بينكما، أي إن صادف الوفاق وإلا ابتعدا، ففي هذه النصوص طلب النظر إلى المخطوبة، والمطلوب النظر إلى وجهها وكفيها فقط ولو أكثر من مرة فإن حسنهما يدل على حسن بقية الجسم، وللزوجة أن تنظر من الرجل ذلك أيضا، ومن لم يمكنه النظر بنفسه فليرسل من تنظرها وتصفها له لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أم سليم لتنظر له امرأة يريد زواجها.
(4)
النهي للتحريم لما فيه من أذى المسلم وهو حرام. والخطبة بالكسر في خطبة النكاح دون غيرها، فيحرم التكلم في زواج امرأة خطبها غيره إلا إذا أذن له أو تركها. والله أعلى وأعلم.
الكفاءة
(5)
هي المساواة بين الزوجين في الدين، وهذه باتفاق إلا في زواج المسلم الكتابية.
(6)
فيحرم على المسلم أن يتزوج بالمشركة إلا إذا أسلمت ولأمة مؤمنة خير منها كما يحرم عليه أن =
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا هِنْدٍ حَجَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الْيَافُوخِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي بَيَاضَةَ أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَانْكِحُوا إِلَيْهِ»
(1)
وَقَالَ: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَدَاوَوْنَ بِهِ خَيْرٌ فَالْحِجَامَةُ»
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
(3)
.
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا
=يزوج موليته لمشرك بل العبد المؤمن خير منه، أما الكتابية للمسلم نكاحها لقوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وليس للكتابي أن يتزوج بالمسلمة لما سبق في الفرائض: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
(1)
أبو هند هو يسار وكان مولى لبنى بياضة وكان حجامًا، ولما حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ - ملتقى مقدم عظم الرأس بمؤخره - قال لأسياده أنكحوا أبا هند أي زوجوه منكم إن طلب وانكحوا إليه أي تزوجوا من بناته إذا شئتم ولا تبتعدوا عنه لأنه مولاكم وصناعته الحجامة.
(2)
ستأتي الحجامة في الطب إن شاء الله.
(3)
وحسنه الحافظ في التلخيص، وسيأتي في الخاتمة قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس القرشية: أنكحي أسامة بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وللدارقطني كانت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال بن رباح، فهاتان قرشيتان والأولى تحت مولى والثانية تحت عتيق، فهذه النصوص السابقة تفيد أن الكفاءة في الدين فقط فهو المعتبر في المساواة بين الزوجين دون شيء سواه، وروي عن بعض الصحب والتابعين والإمام مالك، ولهم أيضا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وما تقدم في الزوج المحمود: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ولكن الجمهور على أن الكفاءة أكثر من الدين فقط لحديث عليّ السابق في الصلاة القائل: يا على لا تؤخر الأيم إذا وجدت لها كفؤا. ولحديث جابر: لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوَّجن من غير الأكفاء. فالكفارة عند الجمهور فضلا عن الدين معتبرة بأمور وهي: السلامة من عيوب النكاح التي توجب الفسخ، والحرية والنسب والصناعة، وزاد الشافعي العفة فليس فاسق كفؤا لصالحة، وزاد أبو حنيفة اليسار لحديث أحمد والنسائى والحاكم: إن حسب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال. أما الدين فللنصوص السابقة، وأما السلامة من العيوب فلأنها إذا أوجبت فسخ النكاح بعد انعقاده فأولى أن نمنعه قبله، وأما الحرية فلتخيير النبي صلى الله عليه وسلم السابق في العتق لبريرة لما عتقت، وأما النسب فلأن العرب أشرف من العجم وقريش أشرف العرب وأشرف قريش بنو هاشم وبنو المطلب، وقال أبو حنيفة: قريش كلهم أكفاء لبعضهم، وأما الصناعة فلأنه ليس الكنّاس كفؤا لبنت الخياط، وليس الخياط كفؤا لبنت التاجر، والموظف كالتاجر، وليس التاجر كفؤا لبنت العالم، والحاكم كالعالم، ولكن العلم أعلى الصناعات كلها لقوله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ولحديث. العلماء ورثة الأنبياء: أي فأهل العلم مع بعضهم في طبقة واحدة وهم أكفاء لأعلى الطبقات، قال الشافعي رضي الله عنه: ليس نكاح غير الأكفاء حراما يرد به =
وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِي بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعاً
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَان عَشْرَةَ سَنَةً. وَفِي رِوَايَةٍ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَى عنْدَهُ مِنِّي؟ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا في شَوَّالِ
(2)
.
• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما فَاطِمَةَ رضي الله عنها فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَزَوَّجَهَا مِنْهُ
(3)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
يجوز العرض على أهل الفضل
(4)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ
(5)
فَقَالَ عُمَرُ: عَرَضْتُ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدَ بَدَا لِي أَلا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هذَا
(6)
. فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ
=النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء، فإذا رضوا بعدم الكفء صح العقد وكان حقا لهم تركوه، ولو لم تعلم الزوجة أو أكرهت على غير كفئها فلها فسخ النكاح إن شاءت لحديث أحمد والنسائى الصحيح: جاءت فتاة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبى زوجني ابن أخيه ليرفع بى خسيسته فجعل الأمر لها فقالت: قد أجزت ما صنع أبى ولكن أردت أن أعلم النساء أن الآباء ليس لهم من الأمر شيء.
(1)
فكان سنها حين العقد عليها ست سنين ولكنها أدخلت عليه بعد سنتين وسنه صلى الله عليه وسلم خمس وخمسون سنة ومكثت عنده تسعا ومات عنها صلى الله عليه وسلم فكان سنها ثمان عشرة سنة.
(2)
فكانت عائشة تحب أن تدخل نساءها في شوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال وبني بها فيه أي دخل عليها فيه، وسمى بناء لأن عادة العرب إنشاء بناء جديد العروس.
(3)
أي أعطاها له لقربهما في السن بخلاف الشيخين، وفيه وما قبله أن الكفاءة في السن لا تجب ولكن ينبغي مراعاتها فإنها من دواعي الألفة والدوام. والله أعلم.
يجوز العرض على أهل الفضل
(4)
أي من ولي المرأة أو من المرأة ذاتها.
(5)
تأيمت أي صارت أيما بوفاة زوجها خنيس وكان بدريًا.
(6)
أي الآن فالمراد باليوم مطلق الزمن.
الصِّدِّيقَ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ وَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ
(1)
فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ شَيْئاً
(2)
قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلا أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ تَرَكَهَا قَبِلْتُهَا
(3)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَخَفَّضَ فِيهَا النَّظَرَ وَرَفَعَهُ
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ أَنَسٌ: إِنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَتِ ابْنَةُ أَنَسٍ فَقَالَتْ: مَا كَانَ أَقَلَّ حَيَاءَهَا، فَقَالَ أَنَسٌ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(5)
. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيق وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الباب الثالث: في المحرمات
(6)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم
(1)
أي غضبت منه أكثر من غضبي على عثمان لقوة المودة بينهما.
(2)
أي غضبت مني حيث لم أجبك في طلبك.
(3)
فيه أن الكلام في الزواج من الأسرار التي ينبغى كتمانها فربما لا يتم فتحوم حول تلك المرأة إشاعات فاسدة.
(4)
فيه جواز النظر إلى من تعرض نفسها.
(5)
قوله ما كان أقل، كان زائدة أي ما أقل حياءها، وفيه وما قبله أنه يجوز للرجل أن يعرض بنته مثلا على الرجل الصالح، وكذا للمرأة عرض نفسها عليه للزواج، ولا عار ولا لوم فيه شرعًا ولا عرقًا، وينبغى لمن عرض عليه ذلك أن بكتمه حفظًا لكرامة الناس. والله أعلم.
(الباب الثالث في المحرمات)
(6)
أي بيان النسوة التي يحرم نكاحهن ولا يصح شرعًا.
مِّنَ الرَّضَاعَةِ}
(1)
{وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ}
(2)
(3)
{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}
(4)
{وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}
(5)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}
(6)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً}
(7)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ
(8)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَرُغِّبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي نِكَاحِ بِنْتِ عَمِّهِ حَمْزَةَ فَقَالَ: «إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي. إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ
(9)
». رَوَاهُ الشيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا
(10)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي
(1)
سيأتي من تحرم بالرضاع.
(2)
فبمجرد العقد على الزوجة تحرم أمها.
(3)
الربائب جمع ربيبة وهي بنت الزوجة التي دخلت عليها، فإن لم تدخل عليها وطلقها حلت لك بنتها.
(4)
الحلائل جمع حليلة وهي هنا زوجة الابن.
(5)
أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين ولو لأم، ولكن ما سبق من بعض هذه الأنكحة لا ذنب عليكم فيه.
(6)
أي وحرم عليكم المحصنات أي المتزوجات إلا ما ملكتموهن من السبى ولهن أزواج كفار فهن حلال بعد الاستبراء الآتى، وقوله كتاب الله عليكم أي كتب الله ذلك وأوجبه عليكم.
(7)
فزوجة الأب وإن علا تحرم على الابن وإن سفل إلا ما تقدم في الجاهلية فلا لوم عليه.
(8)
أي يحرم بسبب الرضاع عدد كالعدد الذي يحرم من النسب وهن. الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت من الرضاع، والتحريم النسب والرضاع مؤبد، وأما بالمصاهرة كأخت الزوجة وعمتها وخالتها فلا، وزوجة الأب وإن علا وزوجة الابن وإن سفل من المؤبدات.
(9)
أي القرابة. فالنبى صلى الله عليه وسلم وعمه حمزة رضعا من ثدى واحد. فلذا لم يتزوج بنته لأنها بنت أخيه من الرضاع.
(10)
فالجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها حرام، ونكاح السابقة هو الصحيح واللاحقة باطل، ولكن له أن يطلق الواحدة ويأخذ الأخرى وإن وقع عقدها في كلمة واحدة لم يصح.
بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: «وَتُحِبِّينَ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ ذلِكَ لَا يَحِلُّ لِي
(1)
» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَة. قَالَ: «بِنْتُ أَمِّ سَلَمَة» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي. إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ
(2)
أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلْيَنْكِحِ ابْنتَهَا. وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(5)
وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
فصل: في الرضاع
(6)
• عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوِ الرَّضْعَتَانِ أَوِ الْمَصَّةُ أَوِ الْمَصَّتَانِ
(7)
».
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ
(1)
لست لك بمخلية: أي منفردة بك. قال إنها لا تحل لي لأنه يكون جمعا بين الأختين.
(2)
فدرة بنت أم سلمة تحرم من جهتين. من جهة أنها ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم أي بنت زوجته أم سلمة، ومن جهة أخرى أنها بنت أخيه من الرضاع.
(3)
فبنات الزوجات وأخواتهن حرام.
(4)
فبالعقد على البنات تحرم الأمهات ولا تحرم البنات إلا بالدخول على الأمهات، وحكمة الأولى اضطرار الزوج وأم زوجته إلى التشاور في أمر البنت وما يلزمها في الزفاف.
(5)
بسند ضعيف. ولكن الآية الأولى تؤيده. والجمهور عليه. والله أعلى وأعلم.
فصل في الرضاع
(6)
أي الذي تثبت المحرمية به.
(7)
وفي رواية: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أتحرم المصة؟ قال لا. وأو الثانية للشك وغيرها للتنويع، والرضعة والمصة بمعنى وهى المرة الواحدة من رضع الصبى، وفي رواية: لا تحرم الإملاجة والإملاجتان، فالرضع والمص فعل الصبى والإرضاع والإملاج فعل المرضع.
مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمَنْ. ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ
(1)
. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
وَعَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ فَاشْتَدَّ ذلِكَ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَ: «انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ
(2)
». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ رضي الله عنه: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءٌ فَقَالتْ: أَرْضَعْتُكُمَا. فَأَتَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ وَقُلْتُ: إِنَّ الْمَرَأَةَ كَاذِبَةٌ فَأَعْرَضَ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ وَقُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ. قَالَ: «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْكُمَا؟» دَعْهَا عَنْكَ
(3)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
(1)
قولها ثم نسخن أي تلاوة وحكما، وقولها وهن فيما يقرأ أي عند بعض الناس الذي لم يبلغه نسخهن تلاوة، فإنه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بقليل. وبقى حكمهن كآية الرجم، ومعلومات أي لا شك فيهن، فلابد من التحقق من خمس رضعات في خمسة مجالس، وعليه بعض الصحب والتابعين والليث بن سعد والشافعى، وقال الجمهور إن الرضاع قليلًا أو كثيرة يحرم لعموم {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} .
(2)
قولها رأيت الغضب في وجهه أي من الغيرة حينما رأى الرجل، وقوله انظرن من إخوتكن من الرضاعة أي تأملن وتفكرن فيمن ثبت رضاعه الشرعى. فإنما الرضاعة من المجاعة أي ما كانت في مدة الرضاع. لحديث أبي داود:» لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم» ولحديث الترمذى والدارقطنى:» لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين» ففي هذه النصوص أن الرضاع الذي يحرم ما كان في الحولين، ولقوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وعليه الجمهور، وقال بعضهم: إن الرضاع الذي يحرم ما كان في مدة الرضع قلّت أو كثرت. لحديث الترمذى الصحيح» لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام» في الثدى أي بسبب رضاعه، وما ورد في الشيخين من قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة: أرضعيه تحرمى عليه. أي سالما مولاهم - وكان كبيرا - فهو خاص بها كما أخبرت بذلك أمهات المؤمنين إلا عائشة رضي الله عنهن.
(3)
أي اتركها فقد تبين عدم صحة النكاح بهذه الشهادة، ففيه قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاع وعليه بعض الصحب والتابعين وأحمد وإسحاق، وقال الجمهور: لا تقبل شهادتها وحدها والنبي صلى الله عليه وسلم أمره بتركها للشبهة إحتياطًا وورعًا وليس حكما عليه بفراقها لأنه لم تقع الشهادة من أربع نسوة وإلا وجب الفراق.
• عَنِ امْرَأَتَيْنِ فِي عِصْمَةِ رَجُلٍ أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا جَارِيَةً والأُخْرَى غُلَاماً أَتَحِلُّ الْجَارِيَةُ لِلْغُلَامِ؟ فَقَالَ: لَا إِنَّ اللِّفَاحَ وَاحِدٌ
(1)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب الرابع: في الاستئذان وأركان النكاح
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذنَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بَنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا
(4)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
• عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكاحَهُ
(6)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
(1)
أي لقاحهما من رجل واحد فكأن الجارية والغلام رضعا من امرأة واحدة وعليه أحمد وإسحاق قاله الترمذي والله أعلم.
(الباب الرابع في الاستئذان وأركان النكاح)
(2)
الأيم: الثيب، والاستئمار والاستئذان واحد إلا أنه يكفى في البكر سكوتها لشدة حيائها بخلاف الثيب فلابد من إذنها بالقول.
(3)
قوله الثيب أحق بنفسها من وليها أي أولى منه بالإذن في نكاحها كما قاله الجمهور أو بالعقد على نفسها كما قاله الشعبى والزهرى والحنفية، فكل ثيب بلغت، صح عقدها على نفسها، والولى من تمام العقد فقط عند هؤلاء، وقوله في البكر: وإذنها سكوتها أي جبرا لخاطرها، وكذا تستحب مشاورة الأمهات لحديث أبي داود» آمروا النساء في بناتهن» أي تطييبا لنفوسهن.
(4)
أي لا إجبار عليها ولكن لا تزوج اليتيمة إلا بعد بلوغها وإذنها ولو بالسكوت مراعاة لمصلحتها وعليه الجمهور، وقال أحمد وإسحاق: إذا بلغت تسع سنين وزوجت برضاها فلا خيار لها إذا بلغت لقول عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة.
(5)
بسند حسن.
(6)
قوله فكرهت ذلك أي الزواج، فرد النبي صلى الله عليه وسلم النكاح أي أبطله، وفيه أنه لابد في إنكاح الثيب البالغ من رضاها وإذنها وإلا فلا يصح وعليه الجمهور والأئمة الأربعة، وأما الثيب غير البالغ فللأب إجبارها وعليه مالك وأبو حنيفة، وعند الشافعي حتى تبلغ وتأذن.
وَجَاءَتْ جَارِيَةٌ بِكْرٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(1)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَأَحْمَدُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
وَعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيَ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَلَفْظُهُمَا: «لَا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيَ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ
(7)
».
(1)
أي بين بقاء النكاح وفسخه لكراهتها له، ففيه أن إنكاح البكر مع الإكراه يقع صحيحا صغيرة كانت أو كبيرة وعليه الأئمة إلا الحنفية فقالوا في الكبيرة: لا يصح إنتاجها مع الإكراه.
(2)
ورواه ابن ماجه وابن أبي شيبة بسند موثق. إلى هذا الشق الأول من الترجمة وما يأتى في أركان النكاح وهي الولى والشاهدان والزوجان والصيغة.
(3)
فكل امرأة تزوجت بغير إذن أوليائها فنكاحها باطل وإذا دخل بها فعليه لها مهر المثل بالوقاع ولا سبيل له عليها البطلان نكاحه، فإذا تنازع أولياؤها أو امتنعوا من زواجها للكفء فوليها السلطان أي الحاكم.
(4)
بسند حسن.
(5)
أي لا نكاح صحيح إلا بولى ذكر حر مكلف لحديث ابن ماجه والدارقطنى على شرط الشيخين لا تزوج المرأةُ المرأةَ ولا تزوج المرأة نفسها. فلا بد منه في صحة النكاح عند الجمهور سلفًا وخلفًا لهذه النصوص ولقوله تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقوله {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وقوله {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} وقال الحنفية لا يشترط الولى مطلقا بل لها أن توكل غيره ولها أن تزوج نفسها للحديث السابق» الثيب أحق بنفسها» وفي لفظ لمسلم» البنت أحق بنفسها» وقالوا لا نكاح إلا بولى أي كامل وقال الجمهور: الثيب أحق أي بالإذن فقط والولى في النكاح هو الأب وإن علا والابن وإن سفل إلى آخر عصبة الميراث السابقة بشرط الحرية والتكليف وليس ذوو الأرحام منهم عند الجمهور.
(6)
بسند حسن.
(7)
ومنه حديث الترمذى: البغايا اللائى ينكحن أنفسهن بغير بينة. فكل نكاح بغير شاهدى عدل باطل. ويكفى مسلمان مستوران وعلى هذا الجمهور، وقال أحمد وإسحاق: تجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح لقوله تعالى {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان من ترضون من الشهداء} .
• عَنْ سَمُرةَ رضي الله عنه قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ بَيْعاً مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا
(1)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
خطبة النكاح
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةَ الْحَاجَةِ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ
(4)
: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
(5)
(6)
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي
(1)
فمن باع شيئا لشخصين فالبيع للأول فقط، ولو زوج الإخوان أختهما لرجلين كل رجل فالزواج الأول هو الصحيح فإن وقع العقدان مما أو جهل الحال بطلا.
(2)
بسند حسن.
(3)
وفي رواية: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج، فأحق الشروط بالوفاء شروط النكاح أي فما اشترطه الزوجان أو أحدهما عند العقد يجب تنفيذه مطلقا، وعليه بعض الصحب وأحمد وإسحاق فلو شرطوا عليه ألا يخرجها من بلدها وجب عليه ذلك عندهم وقال الجمهور: لا يجب لأنها تابعة للرجل فالمراد من الحديث الشروط التي لا تنافى مقتضى النكاح حسن العشرة والإنفاق والكسوة ونحوها، وأما ما يخالف مقتضاه كعدم السفر بها وعدم القسمة لضرتها فلا يجب لحديث» كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» ولو كان الشرط في مقابلة البضع كأن تزوجها على ألا يتزوج عليها بطل الشرط ووجب مهر المثل نسأل الله الستر والتوفيق آمين.
خطبة النكاح
(4)
أي الخطبة التي تقال قبل التكلم في أي موضوع هام لتحصل بركتها فيرجى نجاحه لحديث» كل كلام لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر». والنكاح من أهم الأمور، فالخطبة قبله مستحبة.
(5)
زاد في رواية أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا.
(6)
أي داوموا على الإسلام حتى تموتوا عليه.
تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
(1)
{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
• عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: خَطَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو داوُدَ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيِخِهِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
فصل: في الصداق
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً}
(6)
.
• عَنْ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ فَتِلْكَ خَمْسُمَائَةِ دِرْهْمٍ
(7)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
(1)
الأرحام بالنصب عطفًا على لفظ الجلالة أي اتقوا الله واحذروا قطع الأرحام.
(2)
بسند حسن.
(3)
فرجل من بني سليم قيل هو عباد بن شيبان خطب من النبي صلى الله عليه وسلم عمته أمامة فزوجه بها ولم يذكر خطبة قبل النكاح فهي سنة فقط، ولكن ما أعظمها سنة بدونها لا يكمل الشئ.
(4)
أي التي بها داء الجذام والمراد كل شيء لا يبدأ فيه بذكر الله فهو ناقص وقليل البركة، فينبغى أن يبدأ الخطيب خطبته بحمد الله والاستغفار والشهادتين والوصية بتقوى الله تعالى ثم يتكلم بما أراد فذلك مظنة التوفيق والنجاح إن شاء الله تعالى والله أعلى وأعلم.
فصل في الصداق
(5)
أي ما ورد في الصداق وهو ما يعطيه الزوج لامرأته في مقابلة انتفاعه ببعضعها، وربما كان الصداق عملا، وذكره في صلب العقد مستحب فقط كما يأتى.
(6)
صدقاتهن جمع صدقة، نحلة أي عطية عن طيب نفس، فإن سمحت أنفسهن لكم عن شيء منه فهو لكم هنئ مرئ.
(7)
فالنش نصف أوقية بعشرين درهما والأوقية أربعون درهما فالثنتى عشرة ونصف بخمسمائة درهم وتقدم هذا في الزكاة.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ
(1)
فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: «فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْش فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ
(4)
رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: أَلَا لَا تُغَالُوا بِصَدَاقِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ أُوقِيَّةً. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
وَتَزَوَّجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَلَى نَعْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَرضيتِ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ
(1)
من طيب فيه زعفران كانوا يستعملونه للعروس.
(2)
المرأة هي بنت ابن رافع بن امرئ القيس أمهرها وزن نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم أو ربع دينار فدعا له وأمره بالوليمة وستأتى إن شاء الله.
(3)
فأم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة أو هند كانت زوجة لعبيد الله، فمات بعد أن تنصر وثبتت أم حبيبة على الإسلام، وكانا في جماعة من المهاجرين بأرض الحبشة، وكان ملكها وهو النجاشى مسلمًا حينذاك، فلما علم هذا النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عمرو بن أمية الضمرى للنجاشى ليكون وكيلا عنه في زواج أم حبيبة وفي المهاجرين خالد بن سعيد ابن عم أبى سفيان، فكان وليًا لأم حبيبة في زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم والنجاشى كان وكيلا عنه صلى الله عليه وسلم ثم أمر النجاشى بصب الصداق بين يدي خالد أمام القوم وكان الصداق أربعة آلاف درهم أو مائتى دينار وقيل أربعمائة دينار، وخطب النجاشى وخطب خالد بعده وحصل الإيجاب والقبول بحضور من كان هنالك من المسلمين وأكلوا الوليمة بعد ذلك وجهزها النجاشي رحمه الله ورضي عنه وأرسلها مع شرحبيل للنبي صلى الله عليه وسلم (نص الخطبتين في شرح أبي داود).
(4)
أبو العجفاء اسمه هرم ابن نسيب وثقه يحيى، وقوله أكثر من ثنتى عشر أوقية لا ينافى مهر أم حبيبة فإنه الذي دفعه النجاشى.
(5)
بسند صحيح.
فَأَجَازَهُ
(1)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: «أَتَرْضى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلَانَةَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «ت رضينَ أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلَاناً؟» قَالَتْ: نَعَمْ فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ
(2)
فَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقاً وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئاً وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَنِي فُلَانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقاً وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئاً وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ. فَأَخَذَتْ سَهْماً فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ رضي الله عنهما قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعْطِهَا شَيْئاً» . قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ: «أَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ» ؟ قَالَ: هِيَ عِنْدِي قَالَ: «فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ
(5)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
فلما اتفقت مع زوجها على أن مهرها نعلان أجازه النبي صلى الله عليه وسلم فالمدار على ما اتفق عليه الزوجان ولو قليلا لهذا وللحديث الآتى» التمس ولو خاتمًا من حديد» ولحديث أبي داود» من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرة فقد استحل، وله: أيضا» خير النكاح أيسره»، وعلى هذا الجمهور سلفًا وخلفًا، وقال مالك: أقله ربع دينار، وقالت الحنفية: أقله عشرة دراهم لأنه قدر ما تقطع فيه يد السارق يجامع أن كلا منهما فيه إتلاف عضو، ولا حد لأكثر الصداق لقوله تعالى {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} ولكن يستحب ألا يزيد على اثنتى عشرة أوقية كمهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينقص عن عشرة دراهم مراعاة لمذهب الحنفية وقدرها بالنقود المصرية سبعة وعشرون قرشا صاغًا بالتقريب.
(2)
أي تولى النبي صلى الله عليه وسلم طرفي العقد بنفسه كقوله: زوجت فلانة لفلان. وهذا جاز للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه ولى المؤمنين. قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} .
(3)
قوله من صداقها أي بدل صداقها سهمي بخيبر فباعته بمائة ألف درهم، وفيه أنه لا يجب في صحة النكاح ذكر الصداق ولكن يستحب لعدم النزاع وليطمئن الزوجان كما يستحب إعطاؤها شيئا منه قبل الدخول تكريما لها ولأهلها.
(4)
بسند صالح.
(5)
الحطمية بضم ففتح نسبة لحطم بن محارب أبي بطن من عبد القيس اشتهروا بصنع الدروع أو لأنها كانت تحطم السيوف، ففيه أن للزوجة الامتناع حتى تأخذ كل الصداق أو بعضه، وتزوج عليّ رضي الله عنه السيدة فاطمة رضي الله عنها في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ودخل بها في ذي الحجة وولدت له الحسن والحسين وزينب ورقية وأم كلثوم، وماتت بالمدينة بعده صلى الله عليه وسلم بستة شهور أو بثمانين يوما والله أعلم.
قد يكون الصداق عملاً
(1)
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي
(2)
فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ
(3)
فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئاً جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ» ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئاً» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئاً. قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ» فَذَهَبَ ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ
(4)
وَلكِنْ هذا إِزَارِي فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ» . فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّياً فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا
(5)
قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «اذْهَبِ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «زَوَّجْتُكَهَا
قد يكون الصداق عملا
(1)
أي يعمله الزوج لامرأته كتعليمها شيئا من القرآن كما في الحديث الأول وكعتقها من الرق كما في الحديث الثاني.
(2)
تتزوجني بلا مهر، وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} .
(3)
صعد النظر إليها وصوبه أي رفعه وخفضه ثم طأطأ رأسه أي أطرق وسكت.
(4)
قوله انظر ولو خاتما أي ولو كان الذي تجده خاتما من حديد، فأصدقها إياه فإنه جائز. فذهب ثم عاد فقال: لا والله ولا خاتما، أي ولا وجدت خاتما من حديد.
(5)
قيل هي البقرة وآل عمران كان يحفظهما على قلبه.
بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ أَنَس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا
(2)
.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَذلِكَ يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ
(3)
. وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ وَضِيئَة فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَبْتَغِي بِذلِكَ وَجْهَ اللَّهِ فَذَلِكَ يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ وَرَجُلٌ آمَنَ بِالْكِتَابِ الأَوَّلِ ثُمَّ جَاءَ الْكِتَابُ الْآخِرُ فَآمَنَ بِهِ فَذَلِكَ يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ
(4)
». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ
(5)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
يجب الصداق بالوفاة أو بالدخول
(6)
سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقاً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ: لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ
(7)
(1)
الباء للعوض أي زوجتك إياها بمهر هو تعليمها ما معك من القرآن، وفي رواية: علمها عشرين آية وهي امرأتك، وفي أخرى: أزوجك إياها على أن تعلمها خمس سور من القرآن، قال الحافظ ولعل القضية تعددت ومنه قال الشافعي: يجوز النكاح على تعليم شيء من القرآن وقال أحمد: يجوز مع الكراهة وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز.
(2)
صفية هذه: بنت حيى سيد قومه، وجاءت في سهم دحية فأعطاها للنبي صلى الله عليه وسلم وأخذ بدلها فلم يشأ أن يطأها يملك اليمين بل أعتقها وتزوجها إكراما لها ولحسبها.
(3)
وضيئة أي جميلة فأدبها وأعتقها وتزوجها فلهذا كان أجره مضاعفًا.
(4)
لإيمانه بالكتاب الأول وهو التوراة أو الإنجيل وبالكتاب الآخر وهو القرآن لما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
(5)
ولكن اللفظ فيهما للترمذى رضي الله عنه والله أعلم.
يثبت الصداق بالوفاة أو بالدخول
(6)
فإذا سمى في العقد صداقا وجب بالتسمية، وإن لم يذكر في العقد ومات أحد الزوجين أو دخل بها وجب لها مهر المثل.
(7)
لم يفرض لها صداقًا، أي لم يعين لها شيئًا، ومثل صداق نسائها كأمها وعمتها وخالتها وأختها، والوكس: النقص والشطط - بالتحريك - الزيادة، فمن مات عنها زوجها قبل الدخول ولم يذكر لها صداقًا في العقد فعليها عدة وفاة ولها الميراث ومهر مثلها. وعليه بعض الصحب والتابعين وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، وقال علي وابن عمر وابن عباس ومالك والليث والشافعى: عليها العدة ولها الميراث فقط، وأما المهر فلا لأنه يجب بالوطء ولم يقع.
فَقَامَ مَعْقِلْ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(1)
.
• عَنْ بَصْرَةَ بْنِ أَكْثَمَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ للِنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِكْراً فِي سِتْرِهَا فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ حُبْلَى فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ
(2)
فَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدْها أَوْ فَاجْلِدُوهَا أَوْ فَحُدُّوهَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الجهاز
(4)
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ
(5)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
(6)
. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
بسند صحيح.
(2)
فحكم لها بالصداق بسبب الوطء أي الذي سمى أو مهر المثل إن لم يسم لها شيء لأنه إذا وجب بنكاح الشبهة فأولى بالنكاح الصحيح. وقوله والولد عبد لك أي تعاهده بالتربية والإحسان إليه فيكون لك كالعبد، فبالإحسان يستعبد الإنسان وإلا فولد الزنا من الحرة حر ومنسوب لأمه، وزاد في رواية: وفرق بينهما، وهو حجة للثورى وأحمد وإسحاق في قولهم: إن الحمل من الزنا يمنع عقد النكاح، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يمنع لأنه لا قيمة له ولكنه مكروه ولا عدة عليها عند الشافعي. والله أعلم.
(3)
بسند صالح.
الجهاز
(4)
الجهاز - بالفتح -: ما يعد للميت وللمسافر وللعروس، والكسر لغة رديئة، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
تجهزى بجهاز تبلغين به
…
يا نفس قبل الردى لم تخلقى عبثا
والمراد به هنا ما تعده الزوجة وأهلها لتستصحبه إلى بيت زوجها كأثاث ونحوه.
(5)
الخميل - ككريم - هي القطيفة وهي كل ثوب له خمل ووبر من أي شيء. والإذخر: نبت معروف عندهم طيب الريح تحشى به الوسائد، فانظر يا أخي ما جهزه النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة سيدة نساء العالمين وهو كساء يلتحفون به ووسادة يضعون رءوسهم عليها وقربة للماء، فأين هذا مما يصنعه المسلمون الآن من الترف والتوسعة في الجهاز إلى حد يؤدي إلى الخراب - نسأل الله السلامة - مع أن المطلوب ما تدعو الحاجة إليه وما تعوده خيار الناس من أمثاله يسارًا ومقامًا لإدخال السرور على الزوج وآله وعونًا للزوجين على استقبال حياة جديدة.
(6)
بسند صحيح. نسأل الله العون والتوفيق والله أعلم.
علان النكاح واللهو فيه
(1)
• عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ هذَا فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: دَعِي هذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ
(3)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ
(4)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ
إعلان النكاح واللهو فيه
(1)
أي إظهاره مطلوب بما جرت به عادتهم في الأفراح زيادة في السرور، وفرقا بينه وبين نكاح السر كما يأتي.
(2)
فالنبى صلى الله عليه وسلم دخل على الربيع في صبيحة عرسها فجلس على الفراش، وكانت تزوجت بإياس بن البكير الليثى فشرعت الجويريات يضربن بالدف ويندبن من استشهدوا يوم بدر من آل العروس بذكر محاسنهم كالكرم والشجاعة، وكان أبوها معوذ وعماها عوف ومعاذ قتلوا في بدر إلى أن قالت من تغنى: وفينا نبى يعلم الغيب، فنهاها عن ذلك وأمرها أن تعود إلى ذكر الشهداء، ففيه أن صوت النساء ليس بعورة، وعليه جماعة والشافعى: إذا أمنت الفتنة وكان من وراء حجاب.
(3)
فكانت عند عائشة امرأة اسمها الفارعة بنت أسعد يتيمة تليها أو قريبة لها، فلما بلغت زوجها لنبيط ابن جار الأنصار. وسارت معها في زفافها إلى بيت زوجها، فلما عادت قال لها صلى الله عليه وسلم: ما كان معكم هو فإنه يعجب الأنصار. وهذا استفهام، وفي رواية: فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغنى؟ قالت: ماذا تقول يا رسول الله؟ قال تقول:
أتيناكم أتيناكم * فحيانا وحياكم * ولولا الذهب الأحمر * ما حلت بواديكم * ولولا الحنطة السمراء * ما سمنت عذاريكم.
وفي رواية: أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم.
(4)
أي الأمر الفاصل بين النكاح الحرام والحلال الضرب بالدف وصوت الغناء أي فهما مطلوبان في النكاح المشروع.
وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ
(1)
». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
• عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى قُرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جَوَارٍ بُغَنِّينَ فَقُلْتُ: أَنْتُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يُفْعَلُ هذَا عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَا: اجْلِسْ إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا وَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ
(2)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
الدعاء للعروسين
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانَ إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ
(4)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
• عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه قَالَ: تَزَوَّجَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمٍ فَقِيلَ لَهُ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينِ، قَالَ: قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ وَبَارَكَ لَكمْ
(6)
». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
(1)
فهذا أمر بإعلان النكاح والضرب بالدف والأمر بجعله في المساجد ليكون خاليا من المحرمات فإن المساجد ليست لهذه بل يجتمعون في المسجد على نحو قرآن أو ذكر إعلانًا بالزواج.
(2)
في هذا قول الأصحاب: رخص لنا في اللهو في العرس وحضورهم في مجلس اللهو وسماعهم له وردهم على من أنكر عليهم، وفيها قبلة الأمر بالدف والغناء بل الإرشاد إلى كلميات تقال، وفي الحديث الأول سماع النبي صلى الله عليه وسلم للدف والغناء، فهذه الأحاديث تفيد أن اللهو في الأفراح جائز بما جرت به عادتهم بشرط ألا يشتمل على محرم كشرب خمر واختلاط بنساء، وللصوفية رحمهم الله هنا كلام فارجع إليه إن شئت في كتبهم، نسأل الله أن ينور بصائرنا وأن يوفقنا للعمل بسنته صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
الدعاء للعروسين
(3)
أي مطلوب، وهي التهنئة بالدعاء للزوجين بدوام المودة والأولاد والبركة والخير، والعروسين تثنية عروس وهو الزوج والزوجة ما داما في إعراسهما.
(4)
قوله إذا رفأ الإنسان بتشديد الفاء أي هنأه بزواجه دعا له بما ذكر.
(5)
بسند صحيح.
(6)
كره عقيل قولهم بالرفاء والبنين لأنه من عاداتهم القديمة ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى بالرفاء والبنين أي أدعو لك بالاتفاق والتحاب والأولاد.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ
(1)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ.
وَلأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِماً فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيراً فَلْيَأْخُذْ بذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلِكَ
(2)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب الخامس: في الوليمة
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ}
(4)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَ دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا»
(5)
.
(1)
أم السيدة عائشة اسمها أم رومان بنت عامر بن عبد شمس ولما زفت عائشة إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وجدت في البيت نسوة منهن أسماء بنت يزيد بن السكن فقلن على خير طائر أي قدمت على أسعد حظ ونصيب وعلى الخير والبركة، وللإمام أن أمها أجلستها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم.
(2)
قوله وخير ما جبلتها عليه أي من حسن الأخلاق، وقوله في الثاني ما جبلتها عليه أي من سوء الأخلاق. نسأل الله السلامة والله أعلم.
(الباب الخامس في الوليمة)
(3)
أي في معناها وفي أنواعها وفي حكمها عند الأئمة وفي وقتها، والوليمة: طعام يدعى إليه الناس لحادث سرور كزواج وختان وعقيقة وحفظ قرآن ونحوها.
(4)
أي انصرفوا إلا لداع إلى البقاء كسماع.
(5)
هذا أمر وظاهره كالنصوص الآتية وجوب الإجابة إلى الوليمة مطلقا وعليه جمهور الصحب والتابعين وبعض الفقهاء. ولكن المشهور بين الفقهاء الفرق بين ولمية العرس وغيرها، فالإمام مالك وجمهور الشافعية والحنابلة على أن الإجابة لوليمة العرس فرض عين، وقال بعض الشافعية والحنابلة: إنها فرض كفاية، وقال بعض منهما: إنها مستحبة، وأما غير وليمة العرس فلا تجب الإجابة لها إلا عند بعض الشافعية، وجمهور الحنفية على أن الإجابة للوليمة مطلقًا مندوبة، فمن قالوا بوجوب الإجابة حملوا الأمر في الأحاديث على الوجوب، ومن قالوا بالندب حملوه على الندب المؤكد.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: «فَكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرْضى»
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا
(2)
وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصى اللَّهَ وَرَسُولُهُ».
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَليمَةِ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ. وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم
(3)
. رَوَاهُمَا الثَّلَاثَةُ.
وَلأَبِي دَاوُدَ: مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقاً وَخَرَجَ مُغِيراً
(4)
.
وَجَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ إِلى غُلَامٍ لَهُ لَحَّامٍ فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَاماً يَكْفِي خَمْسَةً فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُوعَ، فَصَنَعَ طَعَاماً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ وَجُلَسَاءَهُ الَّذِينَ مَعَهُ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ دُعُوا، فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبَابِ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ:«إِنَّهُ اتَّبَعَنَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا حِينَ دَعَوْتَنَا فَإِنْ أَذِنْتَ لَهُ دَخَلَ» قَالَ: قَقَدْ أَذِنَّا لَهُ فَلْيَدْخُلْ
(5)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والشَّيْخَانِ
(6)
.
وَلأَصْحَابِ السُّنَنِ
(7)
: طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ
(8)
وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ.
(1)
قوله: فكوا العاني أي الأسير أي خلصوه.
(2)
من يأتيها أي من الفقراء، ويدعى من يأباها أي من الأغنياء، فالوليمة التي بهذه المثابة شر الولائم.
(3)
هذا يفيد وجوب الإجابة فإن العصيان لا يأتي إلا من ترك واجب.
(4)
قوله دخل سارقًا أي كالسارق الذي يدخل مختفيا، وخرج مغيرًا أي كالذي أغار أي نهب وخرج ظاهرا.
(5)
قوله لحام أي يبيع اللحم، وفيه تصريح بإجابة النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة في غير النكاح.
(6)
ولكن الترمذي هنا والشيخان في الطعام والشراب.
(7)
بسند صالح.
(8)
طعام أول يوم حق أي لازم وواجب إجابته أو سنة مؤكدة، وطعام يوم الثاني سنة أي صنعه وإجابته، وطعام الثالث سمعة أي يسمع به الناس فخرًا ورياء وتكره إجابته، ففيه جواز الوليمة يومين لداع كعدم مكان يسع الناس.
وَلِأَبِي دَاوُدَ وَأَحَمَدَ
(1)
: إِذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَاباً فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَاباً أَقْرَبُهُمَا جُوَاراً وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ
(2)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
في وليمة العرس
(3)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْساً كَانَ أَوْ نَحْوَهُ
(4)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُرْسِهِ وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَتَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ فَلَمَّا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَقتْهُ نَقِيعَ تَمْرٍ كَانَتْ نَقَعَتْهُ مِنَ اللَّيْلِ
(5)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الأَشْرِبَةِ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثلَاثاً يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيَ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَةٍ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَأُلْقِيَ فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ
(6)
. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
(1)
بسند صالح.
(2)
فإن دعاك اثنان وسبق أحدهما فأجبه وإن جاءا في وقت واحد فأجب أقربهما نسبا وإلا فأقربهما بابا فإن حقه آكد من البعيد فإن استويا في القرب فأجب أفضلهما في العلم والدين، فإن استويا في الفضل فأقرع بينهما، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى والله أعلم.
في وليمة العرس
(3)
أي ما ورد في خصوصها وما سبق كان في مطلق الوليمة.
(4)
أمر بالإجابة إلى وليمة العرس وذهب إليها صلى الله عليه وسلم في عرس أبي أسيد الآتي وصنعها في بنائه بصفية وزينب رضي الله عنهما، وقوله عرسًا أو نحوه من كلام الراوي على رأي بعضهم.
(5)
فأبو أسيد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده في صباح عرسه فحضر عنده وأكل ثم سقته الغروس شراب تمر كانت نقعته من الليل.
(6)
الأنطاع جمع نطع بالفتح والكسر وكعنب: بساط من جلد يوضع عليه الطعام. والأقط: اللبن الجامد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما غزا قريظة والنضير وسبي النساء والذرية جاء في سهم دحية صفية بنت حيي سيد قريظة فلما عرفها جاء بها للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاها له وأخذ بدلها، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال في الطريق لما دخل عليها وأولم بالتمر والأقط والسمن.
وَإِلا فَمِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْ لَمَ بِشَاةٍ
(2)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه يَسْأَلُنِي عَنِ الْحِجَابِ وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهِ، أَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرُوساً بِزَيْنَبَ وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ فَدَعَا النَّاسَ للِطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَجَلَسَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ بَعْدَمَا قَامَ الْقَوْمُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَشى وَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ
(3)
فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ حُجْرَةَ عَائِشَةَ فَرَجَعَ فَرَجَعْتُ فَإِذَا هُمْ قَدْ قَامُوا فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالسِّتْرِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ
(4)
- {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ
(1)
فاختلف الناس في صفية هل سيطؤها بملك اليمين أو سيجعلها زوجة بعد عتقها فتكون من أمهات المؤمنين، فلما ارتحل النبي صلى الله عليه وسلم أركبها خلفه وسترها عنهم فعلموا أنه أعتقها فتزوجها كما تقدم في الصداق فكانت من أمهات المؤمنين.
(2)
أولم بشاة وأكثر من الطعام ودعوة الناس كما في الحديث بعده.
(3)
هؤلاء الرجال الذين جلسوا يتحدثون وأطالوا الجلوس عددهم خمسة أو سبعة.
(4)
فلما تركهم النبي صلى الله عليه وسلم مرتين وعاد وجدهم قاموا فضرب الستر بينه وبين أنس أي أنزله لزول آية الحجاب، وفي رواية فسمعته يقرأ - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} - (أي لا ترقبوا الطعام فتدخلوا وقت الأكل بغير إذن) ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا أكلتم فاخرجوا ولا تجلسوا تتحدثون فإن هذا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويستحي أن يأمركم بالخروج ولكن الله لا يستحيي من قول الحق، وإذا سألتموهن أي الزوجات الطاهرات متاعا أي شيئًا فاسألوهن من وراء حجاب، فصريح الحديث أن الوليمة كانت صباح ليلة الدخول فيكون وقتها بعد الدخول وعليه الجمهور، وقال جماعة: عند الدخول وقال آخرون: عند العقد، والظاهر أن وقتها موسع من العقد إلى الدخول، ففي أي وقت عملت كفي؛ لأنها نوع من إعلان النكاح ومن أنواع البر والإكرام والله أعلم.
وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وليمة العودة من السفر
(1)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُوراً أَوْ بَقَرَةً
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
لا إجابة إذا كان هناك منكر
(3)
كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: إِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنَ أَنْ يُؤْكَلَ
(4)
.
وَأَضافَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي الله عنه فَصَنَعَ لَهُ طَعَاماً فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها: لَوْ دَعَوْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَ مَعَنَا؟ فَدَعَوْهُ فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عِضَادَتِي الْبَابِ فَرَأَى الْقِرَامَ قَدْ ضُرِبَ بِهِ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَرَجَعَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: الْحَقْهُ فَانْظُرْ مَا أَرْجَعَهُ، فَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَدَّكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ لِي أَوْ لِنَبِيَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتاً مُزَوَّقاً
(5)
».
وليمة العودة من السفر
(1)
وتسمى دعوة النقيعة من النقع وهو الغبار لكثرته على المسافر.
(2)
الجزور: البعير ذكرًا أو أنثى، وقوله أو بقرة شك، ففيه جواز الوليمة عند القدوم من السفر فرحًا بقدوم الغائب وشكرًا لله على عودته سالما. نسأل الله التوفيق آمين والله أعلم.
لا إجابة إذا كان هناك منكر
(3)
فإذا كان في محل الوليمة شيء ينكره الشارع سقطت الإجابة.
(4)
قوله أن يؤكل بدل من طعام، والمتباريان المتفاخران، من باراه في فعله إذا فعل أحسن منه وفاخره به، وإذا كان الشيء افتخارًا كان للشيطان فلا ينبغي حضوره.
(5)
العضادتان: الخشبتان القائمتان في جنبي الباب، والقرام ككتاب: ستر رقيق فيه رقوم ونقوش، فرجل أهدى لعلى في بيته طعاما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضر فنظر سترًا منقوشًا على حيطان البيت فلم يدخل ورجع فتبعه على وسأله فقال: لا ينبغي لنبي أن يدخل بيتًا مزينًا، فإن الزينة من عادة أهل الدنيا والترف والتنعم الذي لا يليق بالزهاد وأكابر أهل الفضل.
رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
(1)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
فصل: في آداب الوقاع
(2)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلُهُ قَالَ بَاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً
(3)
».
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ
(4)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الأَدَبِ
(5)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(6)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
(1)
بسندين صالحين، ففيه أن وجود المنكر في محل الدعوة مانع من الإجابة فإن قدر على إزالته بدون أذى يناله وجب عليه الذهاب وإزالته وإلا فلا يذهب، لاسيما إذا كان يقتدى به، فإنه شين للدين وأهله، قال في الفتح: وشرط وجوب الإجابة إلى وليمة العرس أن يكون الداعي مكلفًا مسلمًا رشيدًا وألا يخص الأغنياء، وأن يكون في اليوم الأول، وأن لا يكون هناك منكر أو ما يتأذى به، وألا يكون عنده عذر. نسأل الله أن يوفقنا وأن يهدينا سواء السبيل والله أعلم.
آداب الوقاع
(2)
هي التعوذ من الشيطان. والتسمية قبل الجماع، والستر، واجتناب الدبر ووقت الحيض، وعدم العزل، وعدم التكلم وقت الجماع، واللطف بالمرأة والتأني عليها حتى تقضي حاجتها إذا سبقها في الإنزال والملاعبة التي تقتضيها الحال لدوام المودة بينهما.
(3)
الكلام حال الواقع ممنوع إلا لضرورة أو بما يختص بالوقاع، فمن أراد الوقاع فقال ما ذكر في الحديث لم يشاركه الشيطان، ولو جاء ولد من هذا الوطء فإن الشيطان لا ينويه كثيرا أو يكون محفوظًا منه كمن قيل فيهم {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} والأفضل أن تسمى الزوجة أيضا وإن كانت سنة كفاية.
(4)
إن معكم خلقا يعقل لا يفارقكم إلا عند قضاء الحاجة وعند الوقاع، وهم الكتبة والحفظة فاستحيوا منهم بالتباعد عن القبيح والتعرى إلا لضرورة وأكرموهم بفعل الجميل والتعطر فإنه يسرهم.
(5)
بسند ضعيف ولكنه للترهيب.
(6)
فاليهود كانت تقول إذا جامع الرجل امرأته في قبلها من خلف جاء الولد أحول أي في عينيه =
وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ
(1)
: مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا
(2)
.
• عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ فَتكُونَ مِنْهُ الرُّوَيْحَةُ وَيَكُونُ فِي الْمَاءِ قِلَّةٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا فَسَا أَحَدُكمْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ»
(3)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ
(4)
». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(5)
وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقّ
(6)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةٍ بِالْمُصْطَلِقِ فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ فَقُلْنَا نَفْعَلُ
= حول، فنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي على أي حال شئتم من أمامها أو خلفها قاعدة أو قائمة أو نائمة ما دام الوطء في القبل فلا يضركم شيئًا، ولأحمد والترمذي: أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة.
(1)
بسند صالح.
(2)
وفي رواية: ملعون من أتى امرأته في دبرها أي مطرود عن رحمة الله، وهذا لا يأتي إلا من حرام، فالوطء في الدبر حرام.
(3)
فالأعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن خروج الريح القليل من الدبر عند قلة الماء فأجابه بأن خروج الريح ناقض للوضوء مطلقا وزاده النهي عن الوطء في الدبر، وعلى بن طلق ليس له إلا هذا الحديث.
(4)
لا ينظر الله إلى من يطأ في الدبر أي نظر رحمة بل نظر مقت وغضب، وللإمام أحمد إن الإتيان في الدبر هو اللوطية الصغرى، فهذه الأحاديث تفيد أن وطء الزوجة في دبرها حرام لما فيه من التنجيس والإضرار بالرجل والمرأة وقطع النسل الذي عليه العمران الكوني.
(5)
بسندين حسنين.
(6)
قوله إلا رميه بقوسه وهي المناضلة بالسهام تمرينًا على الجهاد، وقوله وتأديبه فرسه أي تمرينًا على الكر والفر استعدادًا للجهاد عليها، وقوله وملاعبته أهله أي مداعبة الزوجة فإنها من الملاطفة المطلوبة مع الأهل، ولابن سعد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتلى النساء أقعى وقبّل. اجتلى النساء أي كشفهن لإرادة الجماع، وأقعى أي جلس على ألييه وقبلهن، فمعانقة الزوجة وتقبيلها والقبض على نهودها ونحو ذلك كله مطلوب ومرغب فيه لدوام المحبة التي عليها نظام الزوجية.
(7)
في فضل الجهاد وصححه.
وَرُسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَنَا لَا نَسْأَلُهُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «لَا عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا، مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا سَتَكُونُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ وَأُرِيدُ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ مَوْؤُودَةُ الصُّغْرَى. فَقَالَ: «كَذَبَتْ يَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ
(2)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ ذلِكَ لَنْ يَمْنَعَ شَيْئاً أَرَادَهُ اللَّهُ» ، فَجَاءَ الرَّجُلُ
(4)
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ. فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ
(5)
».
وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: كُنَّا نَعْزلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَهُ ذلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا
(6)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيّ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَشَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ
(1)
فالراوي يقول. غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بالمصطلق بكسر لامه قبيلة خزاعية من العرب وسبينا كرائمهم، أي حسان نسائهم وطالت علينا العزبة (البعد عن النساء) ورغبنا في بيع السبايا لثمنهن فأردنا أن نطأهن ونعزل، أي ننزل خارج الفرج خوفا من الحمل الذي يمنع بيعهن، فإن أم الولد لا تباع، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: لا عليك ألا تفعلوا أي لا ضرر عليكم في ترك العزل فإن القدر لا بد منه، وفي الحديث. جواز الرق على العرب. وعليه الجمهور ومالك والشافعي وقال غيرهم: لا يجوز لشرفهم.
(2)
الوأد: دفن البنت حية، وكانت العرب تفعله خوفا من العار أو الفقر، فنهاهم الشرع عنه، فاليهود كانت تزعم أن العزل موءودة الصغرى أي النفس الصغرى أي وأنه يمنع الحمل فقال صلى الله عليه وسلم: كذبوا. أي في زعمهم أنه يمنع الحمل فإن الله لو أراده لكان، وليس تكذيبهم في تسميته وأدًا، فلمسلم وأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال: ذلك الوأد الخفي.
(3)
بسند صحيح.
(4)
أي بعد مدة فقال: إنها حملت.
(5)
قوله فقال عليه الصلاة والسلام أي لما سمع من الرجل أن الجارية حملت: أنا عبد الله ورسوله. أي الصادق في قولى: إن العزل لا يمنع الحمل.
(6)
ففي هذا جواز العزل مطلقًا وعليه بعض الصحب والتابعين والشافعي لأنه يقول لا حق للزوجة في الوطء، والنهي في الأحاديث الأول للتنزيه، وقال بعض العلماء: إنه حرام مطلقا لتلك الأحاديث. فالنهي فيها للتحريم ولأن المرأة تتأذى به، ولأن الجماع من حقها ولها المطالبة به كما لها =
مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا
(1)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ.
وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ
(2)
: إِنَّمَا مَثَلُ ذلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَاناً فِي السِّكَّةِ فَقَضى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ
(3)
.
يجوز وطء الحامل والمرضع
(4)
• عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذلِكَ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ
(5)
».
وَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْزِلُ عَنِ امْرَأَتِي فَقَالَ: «لِمَ؟» قَالَ: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ ذلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ
(6)
». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
= فسخ النكاح بالعنة، فحكمة النهي عن العزل التأذي ومنع الحمل، ولكن الذي يظهر وينبغي التعويل عليه الفرق بين الجارية والحرة، فالأولى يجوز العزل عنها مطلقا لأن تلك النصوص وردت فيها، وأما الحرة فلا يجوز العزل عنها إلا بإذنها، وعلى هذا جمهور السلف والخلف ومالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم.
(فائدة)
حكم العزل هذا يجري على استعمال دواء لمنع الحمل مؤقتا ويجرى على إسقاط النطفة قبل نفخ الروح فيها، فإن الحكمة في الكل واحدة وهي منع الحمل. والله أعلم.
(1)
ينشر سرها أي يحكى ما يقع منها حال الجماع من قول أو فعل تعوده بعض النساء مما يشهي الرجل، وإذا طلبه من امرأته وجب عليها إجابته فإن طاعته فرض عليها.
(2)
بسند صحيح.
(3)
قوله إنما مثل ذلك أي من يفشي سر امرأته كالشيطان يطأ شيطانة أمام الناس، فإفشاء ذلك من أحد الزوجين حرام لجعله في شر منزلة يوم القيامة ولتشبيهه بشيطان مع شيطانة. نسأل الله التوفيق والله أعلم.
يجوز وطأ الحامل والمرضع
(4)
كانت العرب تمتنع من ذلك خوف الضرر بالولد فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
لقد هممت أن أنهى عن الغيلة (بالكسر وطء المرضع خوفًا على الولد) فذكرت. وفي رواية: فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون فلا يضر أولادهم فله أنه عنه.
(6)
وحيث إنه لم يضر هؤلاء فلا يضرنا، ففيه جواز الاجتهاد أحيانًا اعتمادًا على التجربة، ولكن الأفضل الإقلال من وطأ المرضع رحمة بها وبولدها. فإن الإرضاع مضعف والجماع مضعف كما ظهر بالتجربة، ومثلها الحامل إن أضعفها الوطأ. والله أعلم.
لا توطأ المملوكة حتى تستبرأ
(1)
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثاً يَوْمَ حُنَيْنٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا مِنْهُمْ سَبَاياً، فَتَحَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ} أيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالاٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
وَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي غَزْوَةٍ بِامْرَأَةٍ مُجِحَ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ: «لَعَلَّ صَاحِبَهَا أَلَمَّ بِهَا» قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ
(4)
، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً
(5)
».
• عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ
(6)
. وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ
لا توطأ المملوكة حتى تستبرأ
(1)
فيحرم وطأ الجارية التي دخلت في ملكك حتى تظهر براءة رحمها من الحمل.
(2)
فالنبي صلى الله عليه وسلم وهم في غزو حنين (مكان بين مكة والطائف على بضعة عشر ميلا) بعث جيشا إلى أوطاس (مكان على ثلاث مراحل من مكة) فغزوهم وسبوا منهم ومالوا إلى وطنهن ولكنهم خافوا من أزواجهن فنزلت الآية بحل الوطأ إذا انقضت عدتهن بوضع حمل الحامل وبحيضة لغيرها، وفيه أن سبي الكافرة يفسخ نكاحها ولو سبي معها زوجها الكافر، وعليه مالك والشافعي وأبو ثور.
(3)
بسند حسن.
(4)
قوله مجحّ - بضم فكسر - أي حامل قربت ولادتها فقال: لعل صاحبها ألمّ بها. أي جامعها قالوا نعم قال: لقد هممت أن ألعنه لعنة يعذب به في قبره. لوطئه لهذه قبل وضعها، كيف يورثه أي الحمل الذي في بطنها أي يجعله وارثا له إن اعتبره ابنا، وهذا لا يحل لاحتمال أنه من غيره، كيف يستخدمه أي يتخذه خادما وعبدًا يباع ويشري إن اعتبره رقيقا، وهذا لا يحل لاحتمال أنه منه ونزل لأقل الحمل، فالخلاص من هذا المحظور الاستبراء.
(5)
هذا قيل في سبايا أوطاس ولكنه حكم عام.
(6)
قوله ماءه أي منيه زرع غيره أي الحامل التي دخلت في ملكه.
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(1)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ
(2)
.
الباب السادس: في الحقوق الزوجية ما للزوج على امرأته
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ
(5)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِئَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ
(6)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ
(7)
. فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ بِذلِكَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ ذلِكَ
(1)
فمن دخلت في ملكه جارية بشراء أو سبي أو هبة حرم عليه وطؤها حتى يستبرئها أي تظهر له براءة رحمها إن كانت حاملا فبوضع الحمل، وإن كانت تحيض فبحيضة وإن كانت لا تحيض لكبرها أو صغرها فبراءتها بشهر واحد، والاستبراء واجب باتفاق الأمة.
(2)
الثاني بسند حسن والأول بسند صالح. نسأل الله التوفيق والله أعلم.
(الباب السادس في حقوق الزوجية، ما للزوج على امرأته)
(3)
أي الحقوق الواجبة على المرأة لزوجها.
(4)
فالرجال مهيمنون على النساء لفضلهم عليهن بالعقل والدين والرأي والإنفاق عليهن.
(5)
فلا يصح من زوجة صوم نفل وزوجها شاهد أي حاضر، وكذا لا تأذن لأحد في دخول بيته مطلقا إلا بإذنه فيهما؛ لأن حق الزوج فرض عليها في كل وقت فلو كان زوجها مسافرًا صح صومها، أما الفرض فإنه لا يحتاج إلى إذن اكتفاء بإذن الشارع، ولو علمت رضاه بدخول بعض الناس أذنت له.
(6)
فلو طلبها للوقاع فامتنعت بغير عذر شرعي فغضب عليها لعنتها الملائكة حتى يرضى عنها. ولفظ مسلم: ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها.
(7)
الحيرة: بلد قديم، والمرزبان: بفتح فسكون فضم: الفارس المقدم على غيره دون الملك.
فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرٍ أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ» ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا
(1)
لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَدَاً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكُمُ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
وَلَفْظُهُ: «لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا
(3)
».
• عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فَرْشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ
(4)
أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كُسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ
(5)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ
(6)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ
(8)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(9)
وَالْحَاكِمُ.
• عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا
(10)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(1)
فالحي كالميت في عدم استحقاق السجود وهو لا يكون إلا للحي الذي لا يموت.
(2)
بسند حسن.
(3)
هذا يفيد أن حق الزوج على زوجته عظيم جدًّا.
(4)
فليس للزوجة أن تأذن لأحد في دخول بيت زوجها، وبالأولى في الجلوس على فراشه إلا إذا علمت رضا زوجها بذلك.
(5)
وللزوجة على زوجها الكسوة والإنفاق كزوجات أقرانه مقاما ومالا.
(6)
التنور ما يسوى فيه الخبز كالفرن عند المصريين، فعلى المرأة إجابة زوجها وإن كانت غريقة في عمل المنزل، وهذا للمبالغة في وجوب إطاعتها لزوجها.
(7)
بسند حسن.
(8)
عظم رضا الزوج على زوجته حتى أدخلها الجنة.
(9)
بسند حسن.
(10)
قولها عندك دخيل أي قليل الإقامة وعما قريب يأتي إلينا، فجملة يوشك بيان لدخيل والله أعلم.
حقوق الزوجة على زوجها
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رضي مِنْهَا آخَرَ
(4)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ
(5)
وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ
(6)
». رَوَاهُ
حقوق الزوجة على زوجها
(1)
أي وللنسوة على أزواجهن حق كالحق الواجب للأزواج على النسوة من حسن العشرة وترك الإضرار، وللرجال عليهن درجة أي فضيلة في الحق من وجوب طاعتهن سرا وجهرا لما قدموه من المهر ولما يقومون به من العناية بهن ومن القيام بكل ما يلزمهن.
(2)
فضلع الإنسان معوج رأسه أي أعلاه، والنسوة أي أصلهن الأول وهو حواء خلقت من ضلع آدم عليهما السلام قبل دخوله الجنة أو بعده، فالعوج في أصلها ويظهر من لسانها وعقلها.
(3)
فالمرأة غير ثابتة بل سرعة التقلب من طبعها (وما بالطبع لا يتغير) فإن أردت تعديلها كسرتها وكسرها طلاقها، وحيث إنه لا غنى عنها فالواجب الصبر عليها ومداراتها حتى تنتفع منها بقسطك في الحياة كما في حديث - فدارها تعش معها -.
(4)
لا يفرك مؤمن مؤمنة أي لا يبغضها لوصف سيء فيها فإن فيها غيره حسنًا، فهذا بذاك.
(5)
فلولا بنو إسرائيل ما خبث طعام وخنز لحم أي ما فسد وأنتن وظهرت حموضته، وذلك أنهم لما نزل عليهم المن والسلوى أمروا بالأكل منهما ونهوا عن الادخار فادخروا ففسد وأنتن واستمر بعد ذلك إلى الآن.
(6)
أي فالخيانة من الأم الأولى وهي حواء، فإنها على ما قيل حينما أغواها إبليس على الأكل من الشجرة بدأت بالأكل منها ثم ناولت آدم عليه السلام فأكل تبعة لها، وسميت حواء لأنها أم كل حي فإنها ولدت لآدم عشرين بطنًا في كل بطن ذكر وأنثى وأمر أن يزوج ولد هذه البطن لبنت البطن الأخرى.
الشَّيْخَانِ
(1)
.
• عَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ
(2)
وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ
(3)
وَلَا تَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلاً» .
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِي الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقاً
(6)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ
(7)
». رَوَى الأُصُولُ الْخَمْسَةُ هذِهِ الثَّلَاثَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الزوجة تخدم بيتها وتخرج للحاجة مع الاحتشام
(8)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا فَرَآهَا عُمَرُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ:
(1)
ولكن مسلم هنا والبخاري في بدء الخلق.
(2)
أي تعاملها كما تعامل نفسك وولدك في الإطعام والكسوة كعادة أمثالك.
(3)
أي إذا ضربتها فاجتنب الوجه لأنه مجمع المحاسن، ولا تقبح أي لا تقل قولا قبيحا، ومنه قبحك الله.
(4)
فلا تفردها في بيت وحدها والهجر حرام إلا لداع كما يأتي في ضرب المرأة.
(5)
بسند صالح.
(6)
ومنه حديث مسلم: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم، فلا ينبغي للزوج الذي طال غيابه أن يدخل ليلا أو نهارا بغتة يلتمس عثرات زوجته، وهذا لا يمنع من الحيطة إذا حامت حولها شبهات.
(7)
قوله لكي تمتشط الشعثة هي المغبرة الرأس المنتشرة الشعر أي تسرح شعرها وتدهنه، وقوله وتستحد المغيبة هي التي غاب زوجها أي تزيل شعر العانة بالحديدة وهي الموسي التي تستعمل في هذا غالبا وإلا فالنتف للمرأة أحسن بخلاف الرجل فالحلق له أفضل، وليس المراد الأمر بالدخول ليلا حتى ينافي ما تقدم، بل المراد الإعلام بالدخول قبله لتتنظف المرأة وتتزين لزوجها فربما اطلع منها على ما ينفره إذا دخل على غفلة، وفي رواية: فعليك بالكيس الكيس أي اقصد بالوطء العفة لك ولها ومجيء الولد فهو زهرة الدنيا كما في حديث اطلبوا الولد والتمسوه فإنهم ثمرات القلوب وقرة الأعين. فمن حق الزوجة ألا يدخل عليها زوجها بغتة ولا سيما بعد طول غيبته. نسأل الله الستر والتوفيق والله أعلم.
الزوجة تخدم بيتها وتخرج للحاجة مع الاحتشام
(8)
تخدم بيتها أي بيت زوجها التي هي مقيمة فيه.
إِنَّكِ وَاللَّهِ يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّى فَذَكَرَتْ ذلِكَ لَهُ وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقاً فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فَرُفِعَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ
(1)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَ خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ
(2)
».
• عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الرَّافِلَةِ فِي الزِّينَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَمَثَلِ ظُلْمَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نُورَ لَهَا
(3)
». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنهم أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحى وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ فَذَكَرَتْ ذلِكَ لِعَائِشَةَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخْذَنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى بَطْنِي فَقالَ: أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا
(1)
فسودة أم المؤمنين خرجت ليلا لقضاء حاجاتها فعرفها عمر لأنها كانت سمينة، فقال: عرفناك يا سودة. غيرة عليها فغضبت على عمر لاضطرارها للخروج ورجعت للنبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه عند عائشة وهو يأكل وبيده عرق أي عظم عليه لحم، فشكت له من عمر فنزل الوحي عليه ثم رفع عنه وهو يقول: قد أذن الله لكن في الخروج لقضاء ما تحتاجونه، وإذا جاز الخروج لأمهات المؤمنين فغيرهن أولى رحمة بعباد الله.
(2)
المرأة عورة أي كالعورة في وجوب سترها عن الأعين، فإذا خرجت استشرفها الشيطان أي لزمها فوسوس لها أنها أجمل الناس فتعمل ما يدعو إلى الالتفات إليها كتكسر في المشي وغيره وهذا حرام.
(3)
فميمونة بنت سعد هذه كانت خادمة للنبي صلى الله عليه وسلم وسمعت منه هذا، فمثل الرافلة في الزينة أي المتبرجة لغير زوجها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها، وحيث إن المرأة عورة وتبرجها لغير زوجها حرام فلا تخرج إلا للضرورة بشرط الاحتشام وعدم الطيب وعدم التبرج فإنه يغضب الله ورسوله والمؤمنين.
(فائدة)
ما يفعله نساء اليوم من خروجهن سافرات الرءوس والوجوه والصدور والأيدي ومن الملابس الضيقة التي تحكي شكل الجسم وأعضاءه جرم عظيم لأنه نهاية التبرج بل نهاية التهتك وكشف للعورات ومواضع الزينة التي أمرت النسوة بسترهن، وعلى رجالهن قسط عظيم من تلك الذنوب ولا سيما أنهم يسمحون لهن بالخروج متى شئن. نسأل الله السلامة.
(4)
الأول بسند حسن والثاني ضعيف ولكنه للترهيب.
إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثاً وثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعاً وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ
(1)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ
(2)
. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
حديث أَم زرع
(3)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً
(4)
فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَلا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئاً. قَالَتِ الأَولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ
(5)
. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَلّا أَذَرَهُ
(1)
ففاطمة رضي الله عنها تعبت وتقرحت يدها من إدارة الرحى في طحن الحبوب فسمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه أسرى فذهبت تطلب منه خادما فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة فجاء لفاطمة ليلا فوجدهم نائمين فأرادوا أن يقوموا فنهاهم ولكنه جلس بين على وفاطمة فرحا بهما رضي الله عنهما، فلما سمع منها ما تطلبه قال لها: أدلكما على ما هو خير لكما من الخادم وهو التسبيح والتحميد والتكبير مائة مرة قبل النوم أي فقوة الذكر وثوابه خير من الخادم، ولأبي داود: أنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وقمت البيت أي كنسته حتى اغبرت ثيابها وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، ففي هذا أن الزوجة تخدم بيتها من طبخ وخبز وكنس وغيرها، والظاهر أنه واجب عليها لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يأمر عليا ولا غيره بإحضار خادم لامرأته وعليه بعض الصحب والتابعين والإمام مالك إذا كان زوجها معسرًا. وقال بعض السلف والخلف ومنهم الشافعي لا يجب عليها ذلك لأن الأحاديث لا تفيد الوجوب بل قال الشافعي: إنه يجب على الزوج إخدامها إن كانت ممن يخدم مثلها.
(2)
ولكن البخاري في النفقات وبقيتهم في آداب النوم.
حديث أم زرع
(3)
اشتهر بها لأنها أكثرت من الثناء على زوجها وآله.
(4)
أي من مكة وقيل من اليمن لحديث الزبير بن بكار: قالت عائشة: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة فقال: يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأم زرع. قلت: يا رسول الله: وما أبو زرع وأم زرع قال: إن قرية في اليمن فيها بطن من بطون اليمن وكان فيهن إحدى عشرة امرأة فخرجن إلى مجلس فقلن تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب.
(5)
غث بالجر صفة لجمل وبالرفع صفة للحم، والغث: شديد الهزال ضد السمين، وقولها لا سهل =
إِنْ أَذْكُرُهُ أَذْكُرْ عَجَرَهُ وَبُجَرَهُ
(1)
. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ
(2)
قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ وَلَا مَخَافةَ وَلَا سَآمَةَ
(3)
. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ
(4)
. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ
(5)
. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلا لَكِ
(6)
. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ
= بالجر صفة لجبل، وقولها ولا سمين بالجر صفة لجمل فهذه تشبه زوجها بلحم جمل مهزول على جبل وعر لا يسهل الوصول إليه لأخذه ولا يرغب فيه لهزاله، فهو كناية عن شدة بخله وعلو أنفه وسوء خلقه فهو ميئوس من خيره.
(1)
قالت الثانية وهي عمرة بنت عمرو التميمي: إني لا أشيع خبر زوجي فإنه سيئ وإن ذكرت شيئا فإني أذكر عجره وبجره بضم ففتح فيهما أي عيوبا فيه ظاهرة وباطنة فهي تذمه بكل شيء. وفي الإشارة ما يغني عن العبارة.
(2)
قالت الثالثة واسمها حُبي بنت كعب اليماني: زوجي العشنق أي الطويل المذموم السيئ الخلق إن أنطق أي بعيوبه يطلقني وإن أسكت عليها يعلقى أي يتركني معلقة لا ذات بعل فأنتفع به ولا أيما، فأتفرغ لغيره فقد أشارت إلى سوء خلقه وعدم سماعه لشكواها بما هي فيه من سوء الحال.
(3)
تهامة بالكسر: مكة المكرمة وما انخفض من بلاد الحجاز وليلها معتدل لا حر ولا برد، فهذه المرأة وهي مهدد بنت أبي هرومة تمدح زوجها بأنه كليل تهامة ولا مخافة منه ولا سآمة أي لا ملالة من معاشرته فهو حسن الأخلاق آلف ومألوف.
(4)
فهد كفرح أي كالفهد حيوان مشهور بالنوم وبالوثوب يقال: أنوم من فهد وأوثب من فهد، وأسد كفرح أيضا أي فعل فعل الأسد، فهذه المرأة وهي كبشة تصف زوجها بأنه إذا دخل البيت كان كالفهد في كثرة النوم وكثرة الوقاع والغفلة عن عيوب البيت وإذا كان خارج البيب كان كالأسد على الأعداء ولا يسأل عما يعرفه في البيت من طعام ونحوه، فهي تمدح زوجها بأنه سهل الأخلاق مع الأهل والأحباب شديد على الأعداء.
(5)
قالت السادسة واسمها هند تذم زوجها: بأنه إن أكل لف أي أكثر حتى لا يبقى من الطعام شيئا وإن شرب اشتف أي استوعب المشروب كله، وإن اضطجع التف أي في ثيابه وحده ولا يولج الكف أي كفه على جسمها ليعلم البث أي ما عندها من الميل للرجال، فهي تصفه باللؤم والبخل وسوء الخلق مع كثرة أكله وشربه وقلة وقاعه، والعرب، تمدح قليل الأكل والشرب كثير الجماع لأنه يدل على تمام الفحولة.
(6)
قالت السابعة وهي حبى بنت علقمة: زوجي غياياء بالغين ممدودا من الغي وهو =
مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ
(1)
. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَويلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ
(2)
. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذلِكِ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ
(3)
. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ فَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيَ أُذُنَيَّ وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ وَبَجَّحَني فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقَ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقَ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ
(4)
أُمُّ أَبي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ
= الخيبة، أو عياياء بالعين ممدودا من العي وهو العجز عن الجماع، وهذا شك أو تنويع: طباقاء بالفتح والمد الذي تنطبق عليه الأمور لحماقته ويغيب عنه معنى الكلام فيعجز عنه، وكل داء له داء أي كل داء في الناس فهو فيه، شجك أو فلك بفتح أولها وشد ثانيهما أي أصابك بشجة في رأسك أو بجرح في جسدك أو جمع بين الشج والفل، وفي رواية: إن حدثته سبك وإن مازحته فلك وإلا جمع كلّا لك، فهي تذمه بالخيبة والعجز والحماقة وكل الأمراض وسوء العشرة، فإذا كلته سبها، وإذا مازحته ضربها، وهذا نهاية الذم.
(1)
قالت الثامنة وهي ياسر بنت أوس: زوجي المس مس أرنب أي ناعم الجلد كالأرنب، والريح ريح زرنب هو الزعفران أو شجر طيب الرائحة، وزادت في رواية: وأنا أغلبه وهو يغلب الناس فهي تمدحه بلين الجانب وحسن الخلق ودوام التعطر وجميل الذكر في الناس.
(2)
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد أي العمد التي يرفع البيت عليها، طويل النجاد أي حمائل السيف، عظيم الرماد من دوام النار لعمل الأكل للضيفان، قريب البيت من الناد، أي مجلس القوم لاضطرارهم إلى مشاورته دائما لأصالة رأيه وشرفه في قومه فهي تمدحه بطول القامة وعظم الشجاعة وواسع الكرم وعلو الشرف وإصابة الرأي.
(3)
المزهر كمنبر: العود الذي يضرب عليه عند الغناء للضيفان فرحا بهم، فالزوجة العاشرة وهي كبشة بنت الأرقم تقول: إن زوجي مالك عظيم وهو خير ممن أثنيتم عليهم فإن له إبلا كثيرة ولا تخرج للمرعي إلا قليلا استعدادا لنحرهن للضيوف حتى إذا سمعت ضرب، العود أيقنت بالذبح.
(4)
قالت الحادية عشرة وهى عاتكة بنت أكيمل: إن زوجي أبو زرع شأنه عظيم فقد أناس أذني من الحلى أي ملأها منه وملأ من شحم عضدي تثنية عضد وهو أعلى الذراع أي أكثر على من نعمه حتى سمن جسمي ومنه عضداي. وبجحني فبجحت نفسي أي عظمني وبجلني ففرحت بذلك نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق أي وجد مال أهلى غنمًا قليلة بموضع صغير فأفاض عليهم حتى جعلهم في أهل صهيل =
وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ
(1)
، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ سَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ
(2)
، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْطُ جَارَتِهَا
(3)
، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبي زَرْعٍ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثاً وَلَا تُنَفِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثاً وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشاً
(4)
. قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ
(5)
فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بُرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا
(6)
فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيًّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمَا ثَرِيًّا وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجاً وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كلَّ شَيْءٍ
= أي صوت خيل وأهل أطيط أي صوت إبل من ثقل أحمالها وأهل دائس أي زرع يداس في بيدره ليتميز حبه من سنبله، وأهل منق أي آلة تنقي الحب من غلثه - كالغربال والمنخل - فعنده أقول فلا أقبح أي إذا سمع كلامي قبله، وأرقد فأتصبح أي أنام الليل كله إلى الصباح حتى أشبع نوما لوجود الخدم عندى، وأشرب فأتقمح أي أمتلئ من الرى، فهي تمدح زوجها بعظيم إقباله عليها وبكثرة الأموال وواسع الكرم حتى صير أهلها بعد القلة في ثروة واسعة من أنواع المواشي والزرع وغيرها.
(1)
أم أبي زرع عكومها رداح، عكوم جمع عكمة وهى الغرارة التي يوضع فيها المتاع، رداح أي ثقيلة من مائها، وبينها فساح أي واسع.
(2)
الشطبة الخوصة ومسلُّها موضع سلخها من الشجرة، والجفرة أنثى المعز، فهي تمدح ابن أبي زرع بأنه قليل الأكل يشبه ذراع الجفرة ويكفيه للنوم موضع صغير، فهو ظريف ومهفهف لطيف.
(3)
وبنت أبي زرع عظيمة أيضا لأنها تغيظ جارتها أي ضرتها لجمالها وعفتها ولأنها ملء كسائها لسمنها، وفضلا عن هذا فهي طوع أبيها وأمها.
(4)
وجارية أبي زرع لا تفشي لنا سرا ولا تنقث ميرتنا تنقيثًا أي لا تفسد شيئا من طعامنا بل تصلحه وتحسنه ولا تملأ بيتنا تعشيشًا، لا تترك الكناسة فيه كعش الطائر بل تقوم بنظافته على ما يرام.
(5)
الأوطاب جمع وطب - كشرط - وهو زق اللبن تمخض أي تحرك ليؤخذ زبده.
(6)
قولها: كالفهدين وفي رواية كالصقرين وفي أخرى كالشبلين وقولها: برمانتين أي نهدين كالرمانتين، فأبو زرع خرج في فصل الربيع فوجد امرأة لها ولدان يلعبان بنهديها كولدى الأسد فطلق أم زرع وتزوج بهذه المرأة رغبة في نجابة الولد وأم زرع تزوجت بالرجل الموصوف بالآتي.
أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ
(1)
قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ»
(2)
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ
(3)
. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ، وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب السابع: في القسم بين الزوجات
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ»
(5)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ»
(6)
.
(1)
قولها: سريا أي سيدا شريفا ذا يسار، ركب شريا أي فرسا سريع السير، وأخذ خطيا أي أمسك رمحًا خطيا نسبة إلى موضع يسمى الخط جهة البحرين اشتهر بصنع الرماح، وأراح على نعما ثريا أي أفاض على بكثير من النعم وأعطاني من كل رائحة زوجا أي أعدادا والرائحة الماشية التي تغدو وتروح، وقال: كلي يا أم زرع وميرى أهلك أغدقى عليهم بالميرة وأنواع الطعام قالت أم زرع: فلو جمعت كل شيء أعطانيه هذا الرجل الذي تزوجت به بعد أبي زرع ما بلغ أصغر إناء لأبي زرع، فمحبتها لأبي زرع أعمتها عن فضل غيره كقولهم: ما الحب إلا للحبيب الأول، والحديث الآتي في الأخلاق: حبك للشيء يعمي ويهم، ولا شك أن هذا الحديث آية عظيمة على فصاحة نساء العرب وبلاغتهن، كما أنه مثل أعلى في تفاوت أخلاق الرجال ومكانتهم عند النساء.
(2)
أي أنا لك كأبي زرع لأم زرع، وفي رواية كنت لك في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء كأبي زرع لأم زرع، وفي رواية: قالت: بأبي وأمي لأنت يا رسول الله خير لي من أبي زرع لأم زرع.
(3)
ولكن البخاري والنسائي هنا ومسلم في الفضائل.
(الباب السابع في القسم بين الزوجات)
(4)
فمعنى الآية يا أيها الرجال إنكم لا تستطيعون العدل بين الزوجات ولو حرصتم عليه فلا تميلوا الميل كله على من لا تحبونها فتصير كالملعقة التي لا تعرف إن كانت متزوجة أو خالية.
(5)
أي مفلوج ومشوه ومائل كما كان مائلا في دنياه.
(6)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل بينهن في النفقة والكسوة والبيت والتودد ويقول اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما تملكه أنت ولا أملكه أنا - وهو الميل القلبي - لأنه ليس مقدورًا لي، ويتبعه الجماع فلا يجب العدل في الحب والجماع لأنهما ليسا في =
رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ
(1)
.
وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ مِنْ مُكْثِهِ عِنْدَنَا وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ إِلا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعاً فَيَدْنُو مِن كُلِّ امْرأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا
(2)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ
(3)
.
وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَراً أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا
(4)
غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ رضي الله عنها. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ
(5)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ضُرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي. فَقَالَ: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ
(6)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
=الاستطاعة {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ولعل قوله تعالى - فلا تميلوا كل الميل - مراد به هذا، فمن كان عنده زوجتان فأكثر وجب عليه القسم والعدل وله أن يتركهن كلهن وقتًا لما تقدم في الصوم أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرًا أي حلف لا يدخل عليهن شهرًا.
(1)
بسندين صالحين ومصحح ابن حبان الثاني.
(2)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر الأيام يطوف على زوجاته كلهن فيدنو من كل واحدة فيقبل ويعمل ما يقتضي الود والمحبة من غير مسيس أي جماع حتى يصل إلى صاحبة الليلة فيبيت عندها.
(3)
ولفظه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن بغير وقاع، ففيه جواز الدخول على غير صاحبة اليوم.
(4)
فمن خرجت لها القرعة سافر بها وبعد الرجوع من السفر لا تحسب أيامه على من كانت مسافرة، وقوله كان يقسم لكل منهن يومها وليلتها ليس قيدًا بل المدار على ما اتفق عليه الزوجان.
(5)
المسلاخ - كالفتاح - معناه هنا الهدى والسيرة فعائشة تقول: ما تمنيت أن أكون شبيهة بامرأة إلا سودة لهديها وسيرتها الحسنى، لما كبر سنها وخافت أن يسأم منها النبي صلى الله عليه وسلم فيغضب عليها أو يفارقها وهبت يومها لعائشة فقبل منها النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز هبة حق المرأة لضرها إذا رضي زوجها.
(6)
قولها إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني، كقولها لضرتها: =
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
للبكر سبع وللثيب ثلاث
(2)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقامَ عِنْدَهَا سَبْعاً وَقَسَمَ.
وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقامَ عِنْدَهَا ثَلَاثاً ثُمَّ قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثاً وَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَلِمُسْلِمٍ: إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ
(4)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
= إن زوجي أعطاني كذا وفعل معي كذا وكذا زورا وكذبا، فقال المتشبع - أي المستكثر بما لم يعط - كلابس ثوبي زور أي كمن لبس ثوبين لغيره وأظهر للناس أنهما ملك له، فيظهر أمره وأنهما ملك لغيره فيفتضح بين الناس، فهو حرام لأنه كذب وفيه أذى لزوجها وضرتها.
(1)
كان يطوف عليهن في ليلة واحدة أي ويواقعهن، وكان صلى الله عليه وسلم أعطى قوة ثلاثين أو أربعين رجلا كما في رواية، ففيه جواز المرور على الزوجات كلهن مع وجود القسمة بل وكان عنده جاريتان: مارية وريحانة. والله أعلم.
للعروس البكر سبع وللثيب ثلاث
(2)
أي من الليالي وأيامها تبع لها.
(3)
قوله من السنة أي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج البكر وعنده زوجة أخرى فللبكر سبع ليال بأيامها وإذا تزوج الثيب فلها ثلاث فقط. وهذا واجب لدفع الحشمة ولجلب الألفة، واكتفي بثلاث للثيب لأنها جربت الرجال بخلاف البكر فإنها لا تزال في خدرها وحيائها فتحتاج إلى إمهال وصبر، ولا تحسب أيام العرس في القسمة لأنها منحة للزوجة الجديدة، وقوله: ولو شئت لقلت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هذا قول أبي قلابة الراوي عن أنس يرويه بالمعنى، فيه جواز الرواية بالمعني وهو رأي الجمهور خلافا للشيخين كما سبق في شرح الخطبة.
(4)
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة وكانت ثيبًا أقام عندها ثلاثا وقال لها: ليس بك هوان أي احتقار بسبب الاقتصار على ثلاث ليال فإنهن حكم الله فإن زدتك حاسبتك عليه، وفي رواية قالت: ثلث وعلى نسائك، فللبكر سبع وللثيب ثلاث وعلى هذا الجمهور، وقال الكوفيون: إن البكر والثيب سواء، نسأل الله الستر والتوفيق والله أعلم.
للزوجة التنازل عن حقها لزوجها
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} قَالَتْ فِيهَا عَائِشَةُ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا وَزَوَاجَ غَيْرِهَا فَتَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلقْنِي ثُمَّ تَزَوَّجَ غَيْرِي فَأَنْتَ فِي حِلَ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَلَا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَكَانَتْ عِنْدَ رَافِعٍ بْنِ خَدِيجٍ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْراً إِمَّا كِبَراً أَوْ غَيْرَهُ فَأَرَادَ طَلَاقَهَا فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَإِنِ امْرَأَةٌ} الآية
(3)
. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْنَدِ.
تضرب الزوجة بعد الوعظ والهجر
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}
(5)
.
للزوجة التنازل عن حقها لزوجها
(1)
ولا عار ولا مذمة في هذا.
(2)
قوله خافت من بعلها نشوزًا أي ترفعا عنها بعدم الإنفاق والمضاجعة أو إعراضا عنها بوجهه، وقوله لا يستكثر منها أي من مضاجعتها لكبرها أو لقبحها مثلا.
(3)
فلما خافت الطلاق فوضت حقها إليه، فإذا رأت الزوجة من زوجها كراهة وتنازلت عن حقوقها أو عن بعضها جاز، ولا يخرج الزوج بهذا عن العدل المطلوب منه نسأل الله التوفيق والله أعلم.
تضرب الزوجة بعد الوعظ والهجر
(4)
تخويفا لها وتقويمًا لأخلاقها لتعيش في كنف زوجها في هناء وسرور.
(5)
فالله تعالى يقول - واللاتي تخافون نشوزهن - من الزوجات فعظوهن بالكلام وخوفوهن غضب الله ورسوله من هذا النشوز، فإن لم يمتثلن فاهجروهن في المضاجع أي اعتزلوا عنهن في فراش آخر واتركوهن وحدهن، فإن لم يرجعن إلى الطاعة فاضربوهن ضربا غير مبرح لا يكسر عظما ولا يشوه خلقة مع اجتناب الوجه، ونشوز الزوجة خروجها بغير إذن زوجها أو أذيته بلسانها أو أذية أبيه أو أمه أو أخيه أو أخته بغير سبب، وأولى من ذلك الإسراف في المال والامتناع في الوقاع بغير عذر=
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ
(1)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ» . فَجَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ وَلَا تَجِدُونَ أُولئِكَ خِيَاركُمْ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
التحكيم
(6)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}
(7)
.
(1)
فيحرم ضرب الزوجة ضربا شديدا كضرب العبد، وللترمذي: اضربوهن ضربا غير مبرح.
(2)
لفظه: ثم لعله أن يضاجعها من آخر يومه.
(3)
أي إذا ضربها بعد الوعظ والهجر فلا يسأل عن ذلك ولا إثم عليه.
(4)
بسند صالح.
(5)
فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تضربوا إماء الله. جمع أمة وهي الزوجة فقال عمر: يا رسول الله ذئر: أي تمرد النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فجاءت الزوجات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيات شاكيات، فقال: كثرت الشكوى من ضرب الأزواج، ومن يضربون نساءهم فليسوا من خيار الناس بل الخير من يترك الضرب ويتحمل الأذى ويعاشر بالمعروف، وتقدم في الإيمان: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم، وفي الحديث: أن النبي لم يضرب امرأة ولا خادمًا قط. والله أعلم.
التحكيم
(6)
هو أن يفوض الزوجان المتنازعان أمرهما إلى حكمين وعليهما العمل بما يقولان، والتحكيم لا يكون إلا بعد العجز عن تقويمها وبعد العجز عن الاصطلاح معها فيلجآن إلى التحكيم لعل فيه الوفاق كما أمر الله تعالى.
(7)
فالله تعالى يقول: إن خفتم من الخلاف بين الزوجين فأرسلوا حكما من أهله =
وَجَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلَى عَلِيَ رضي الله عنه وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ فَأَمَرَهُمْ عَليٌّ فَبَعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكمَاً مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: تَدْرِيَانِ ما عَلَيْكُمَا؟ إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا فَافْعَلَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا التَّفْرِيقَ فَافْعَلَا. قَالَتِ الْمَرْأَةُ: رضيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَمَا لِي. وَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَلَيٌّ رضي الله عنه: كَذَبْتَ وَاللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمَا أَقَرَّتْ بِهِ
(1)
. رَوَاهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
حكم العيب في أحد الزوجين
• عَنْ كَعْبِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَضَعَ ثَوْبَهُ وَقَعَدَ عَلَى الْفِرَاشِ أَبْصَرَ بِكَشْحِهَا بَيَاضاً (بَرَصاً) فَانْحَازَ عَنِ الْفِرَاشِ ثُمَّ قَالَ: «خُذِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ وَلمْ يَأْخُذُ مِمَّا آتَاهَا شَيْئاً
(2)
». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا كَامِلًا، وَذلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا
(3)
. رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذلِكَ إِذَا كَانَ وَلِيُّهَا الَّذِي أَنْكَحَهَا هُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يُرَى أَنَّهُ يَعْلَمُ ذلِكَ مِنْهَا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي أَنْكَحَهَا ابْنُ عَمَ أَوْ مَوْلًى
= وحكما من أهلها فيجتمعان وينظران في الخلاف وعليهما الاجتهاد في وعظهما وبذل النصح لها لعلهما رجعان إلى الطاعة إن رأيا ذلك وإلا فرقا بينهما.
(1)
فالمرأة اعترفت بأنها ستقبل رأى الحكمين وأما الرجل فأظهر أنه لا يقبل الفرقة إذا رآها الحكمان فأنّبه على رضي الله عنه وأفهمه أن التحكيم لا يصح إلا إذا نزل الزوجان على رأيهما، وفيه أن الحكمين بيدهما الرجعة والفرقة بعوض أولا. والله أعلم.
حكم العيب في أحد الزوجين
(2)
فردها بسبب البرص ولم يأخذ مما أعطاها شيئًا.
(3)
قوله فمسها أي جامعها فلها كامل الصداق أي المسمى وإلا فمهر المثل ويرجع به زوجها على وليها، وهذا رأي مالك وأصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا رجوع على أحد لأن المهر وجب بالوطء.
مِنَ الْعَشِيرَةِ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ، وَتَرُدُّ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ مِنْ صَدَاقِهَا وَيُتْرَكُ لَهَا قَدْرُ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ
(1)
.
• عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنه قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ
(2)
.
• وَعَنْهُ قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.
وَسُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ رضي الله عنه: مَتَى يُضْرَبُ الأَجَلُ؟ فَقَالَ: مِنْ يَوْمِ التَّرَافُعِ إِلَى السُّلْطَانِ. رَوَاهُمَا مَالِكٌ وَقَالَ: فَأَمَّا الَّذِي قَدْ مَسَّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَا يُضْرَبُ لَهُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
(3)
. وَسَيَأْتِي حُكْمُ فَقْدِ الزَّوْجِ فِي بَابِ الطَّلاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
قوله وإنما يكون ذلك أي غرم وليها الصداق لزوجها إذا كان الولي ممن يرى أي يظن أنه يعرف مرضها ذلك كأبيها وإن علا وأخيها عقابا له حيث كتم عيبها بخلاف ما إذا كان ممن لا يعرف ذلك كان عمها أو مولي من العشيرة أي قريب لها فلا غرامة عليه لجهله بها بل يرجع الزوج عليها بالصداق ولكن يترك لها منه شيئًا جبرا لخاطرها.
(2)
فإذا ظهر بالزوج جنون أو ضرر كجذام وبرص فلها الخيار إن شاءت أبقت الزوجية وإن شاءت فارقته ولها الصداق إذا دخل بها، وإذا لم يكن دخل بها فالظاهر أن لها نصفه كالمطلقة قبل الدخول.
(3)
فمن تزوج امرأة ومسها أي جامعها ولو مرة ثم عجز عن جماعها فلا تفريق بينهما لأن الإحصان يحصل بالوطء ولو مرة، وأما إذا لم يجامعها ولو مرة بأن كان عنينا لا تنتشر آلته فلها رفع أمرها للحاكم الشرعي فيؤجله إلى سنة فإن جامعها وإلا فرق بينهما، ويثبت الجماع وعدمه بإقرارهما، فتلك العيوب تثبت الخيار للطرف الآخر إذا ظهر أنها كانت عند الزواج. وهل حدوثها بعده كذلك يراجع كلام الفقهاء، ولا يثبت فسخ النكاح بأي عيب إلا بواسطة الحاكم الشرعي الذي ثبت له العيب، فاتضح مما تقدم أن الجنون والجذام والبرص عيوب للزوجة والزوج يرد بها النكاح إذا شاء الطرف الآخر، وزيد عليها للرجل العنة وهى العجز عن الوطء كما رواه مالك عن سعيد، وكذا الجب وهو قطع الذكر لأنه في معنى العنة، وزيد عليها للزوجة الداء في الفرج كالرتق وهو انسداد الفرج بلحم، والقرن وهو انسداده بعظم، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين ومالك والشافعي. وقال بعض الشافعية: إن الزوجة ترد بكل عيب كالجارية في البيع ورجحه ابن القيم، وقال الزهري: إن النكاح يفسخ بكل داء عضال، وقالت الحنفية: إن الزوجة لا ترد بأي عيب فإن الطلاق بيد الرجل متى شاء بخلاف الزوج فإنه يرد بتلك العيوب، وعدم الكفاءة من عيوب النكاح أيضا. والله أعلم.
تحرم الخلوة بالأجنبية والنظر إليها
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}
(1)
.
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولِ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ»
(2)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَلِجُوا عَلَى الْمُغِيبَاتِ
(3)
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ أَحَدِكُمْ مَجْرَى الدَّمِ». قُلْنَا: وَمِنْكَ. قَالَ: وَمِنِّي وَلكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ
(4)
.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثُهُمُ الشَّيْطَانُ» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عِنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً
(5)
وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» . رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
تحرم الخلوة بالأجنبية والنظر إليها
(1)
فالله تعالى يأمر المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج فإنه لهم أطهر. وعبر بمن إشارة إلى أنه يجوز النظر إلى الوجه والكفين لمن يريد الزواج كما تقدم، ويجوز أيضا عند المعاملة في بيع أو شراء أو نحوها، ويجوز أيضا للطبيب النظر إلى محل المرض إذا لم توجد طبيبة ماهرة وبالعكس، بل قال بعضهم: يجوز النظر إلى الوجه والكفين إذا أمنت الفتنة لقوله تعالى - {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} - وهو الوجه والكفان. والجمهور على أنه لا يجوز سدا للباب، وإذا حرم النظر بالآية حرمت الخلوة واللمس من باب أولى.
(2)
فلما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على الأجنبيات سئل عن الزوج وهو قريب الزوج فقال: هو الموت، أي كالموت في عظم الضرر تحت ستار أنه قريب الزوج كأخيه وابن عمه ومثله قريب الزوجة الذي ليس بمحرم كابن عمها فلا يدخلون إلا مع الزوج أو مع المحرم.
(3)
أي لا تدخلوا على النسوة في غيبة أزواجهن.
(4)
أي فأنا أسلم من فتنته، أو فأسلم الشيطان الملازم لي، فهو فعل مضارع على الأول وفعل ماض على الثاني.
(5)
أي عزمت على الحج وأنا سأخرج للجهاد فأمره بالحج معها تقديما للأهم على المهم وإلا فهما فرضان.
وَلِمُسْلِمٍ: «أَلَا لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إِلا أَنْ يَكُونَ نَاكِحاً أَوْ ذَا مَحْرَمٍ
(1)
».
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخِنَّثٌ فَقَالَ أَيِ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَّيَّةَ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمُ الطَّائِفَ غَداً أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلَنَّ هذَا عَلَيْكُنَّ
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.
• عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ
(4)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُوْلَى ولَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهِيَ تَمْعَسُ مُنِيئَةً لَهَا
(6)
فَقَضى حَاجَتَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ
(1)
والبكر كالثيب في هذا، والمراد بما تقدم النهي عن الخلوة بالأجنبية فإنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان معهما الشيطان فيغويهما حتى يوقعهما في الزنا.
(2)
فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة فوجد في البيت أخاها عبد الله ومعه - مخنث بفتح نونه وكسرها - وهو من يتشبه بالنساء في كلامهن وحركاتهن وكان اسمه هيتا، وكان يدخل على أمهات المؤمنين يستجديهن، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المخنث يقول لعبد الله إن فتح الله لكم الطائف غدا أدلك على بنت غيلان بن سلمة بن مالك واسمها بادية، فإنها امرأة جميلة سمينة ولهذا تقبل بأربع أي عكن وطيات في بطنها لسمنها، وتدبر بثمان هي أطراف تلك العكن من الجنبين، وزاد في رواية: إن قعدت تثنت وإن تكلمت تغنت، وبين فخذيها كالإناء المكفوء فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله ذلك قال: لا يدخلن هذا عليكم، فنهي عن دخوله لأنه مفسدة عظيمة، والتخنث مذموم إن كان تصنعا وإلا فلا.
(3)
فلا تباشر المرأة امرأة أخرى أي لا تنام معها في ثوب واحد ولا تنظرها عارية فتصفها لرجل فربما أعجبته فافتتن بها أو فارق الناعتة وتزوجها، وإن وصفتها بقبيح كان غيبة، فيحرم وصف المرأة إلا لمن يريد زواجها.
(4)
فجرير سأل عن نظر الفجأة كأن رفع بصره فوقع على امرأة فقال: اصرف بصرك عنها.
(5)
لا تتبع النظرة أي الأولى وهي نظرة الفجأة بنظرة ثانية فإنها حرام بخلاف الأولى فلا لوم عليها لطروئها بغتة.
(6)
أي تدلك جلدا لتدبغه. والجلد في أول دبغة يسمى منيئة.
فَقَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةٍ شَيْطَانٍ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ
(1)
».
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا أَحَدَكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَزِنَى الْيَدَيْنِ الْبَطْشُ، وَزِنَى الرِّجْلَيْنِ الْمَشْيُ، وَزِنَى الأُذُنِ الاسْتِمَاعُ، وَزِنَى الْفَمِ الْقُبلُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى ذلِكَ وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلِكَ وَيُكَذِّبُهُ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالشَّيْخَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الغيرة محمودة
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَالْمُؤْمِنُ يَغارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
(4)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ
(1)
فالمرأة كالشيطان في الفتنة فإذا رآها شخص فأعجبته فليجامع امرأته فإنه يرد ميله.
(2)
إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أي قدر عليه نصيبه منه، وحيث كان كذلك فهو واقع فيه لا محالة، والزنا أنواع فهو من العينين النظر إلى ما لا يحل، ومن اللسان النطق بما لا يحل، فكل عضو أذنب فقد زنى، والنفس تتمنى الزنا وتشتهيه بطبعها قال تعالى - {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} - والفرج يصدق ذلك أي زنا الأعضاء إن وقع في الزنا ويكذبه إن امتنع منه. نسأل الستر والتوفيق لما يحب ويرضى آمين والله أعلم.
الغيرة محمودة
(3)
الغيرة بفتح العين: تغير القلب وهيجان الغضب لإرادة الانتقام بسبب المشاركة فيما لا يقبلها وأشدها ما كان بين الزوجين، وهي محمودة ومندوب إليها لأنها من أخلاق الله، وفي الحديث: تخلقوا بأخلاق الله تعالى.
(4)
فالله يغار من فعل الحرام والمؤمن يغار على الدين والأهل والعشيرة.
لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً
(1)
». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ. لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيرُ مِنِّي
(2)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَزَادَ مُسْلِمٌ: مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مَبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
(3)
وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ
(4)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الباب الثامن: في النكاح المنهي عنه: من نكاح الجاهلية
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النِّكَاحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ
(5)
: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقْهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا
(6)
. وَنِكَاحٌ آخَرُ كانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لامْرَأَتِهِ إِذَا طَهَرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلَانِ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا فَإِذَا تَبَيَّنَ أَصَابَهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا
(1)
لو تعلمون ما أعلى من أمور الموت وما بعده لقل الضحك وكثر البكاء.
(2)
غير مصفح بضم فسكون فكسر أي غير ضارب بصفحة السيف وعرضه، بل أضر به بحده لأقتله، وروى بفتح الفاء حالا من السيف فقال صلى الله عليه وسلم: لا تعجبوا من غيرة سعد فأنا أغير منه والله أغير مني.
(3)
لئلا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة أي فلا تعذيب إلا بعد إنذار، قال تعالى - وما كنا معذبين حتَّى نبعث رسولا -.
(4)
ولا شخص أحب إليه المدحة أي المدح من الله، فلهذا وعد بالجنة فيدوم الثناء عليه جل شأنه. والله أعلم
(الباب الثامن في النكاح المنهي عنه: منه نكاح الجاهلية)
(5)
جمع نحو وهو النوع.
(6)
فالنكاح الأول هو أن يخطب الرجل من الرجل أخته أو بنته مثلا فيعطيها صداقا ثم يتزوجها بإيجاب وقبول بحضور سراة الناس، وهذا هو النكاح الشرعي الذي صادف أصول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من أبويه إلى آدم عليه السلام كما سيأتي في النبوة: خلقت من نكاح ولم أخلق من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء -.
يَفْعَلُ ذلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ وَيُسَمَّى هذَا نِكَاحَ الاسْتِبْضَاعِ
(1)
. وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالِي أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمْ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ تُسَمِّى مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ الرَّجُلُ
(2)
. وَنِكَاحُ الرَّابِعِ
(3)
يجْتَمِعُ نَاسٌ كَثِيرٌ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنِّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَماً، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذلِكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ
(4)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو داودَ.
(1)
فنكاح الاستبضاع كان الرجل يقول لامرأته عقب طمثها أي حيضها: أرسلى لفلان (المشهور بالشجاعة أو الكرم مثلا) فاستبضعي منه أي اطلبي منه المباضعة وهي الجماع لتأتي بولد على وصفه ويجتنبها حتَّى يظهر حملها ثم يجامعها إذا شاء.
(2)
والنوع الثالث أن تتفق المرأة مع رهط فيجامعونها في يوم أو ليلة مثلا وتمتنع من الوطء حتَّى يتم حملها وتضع، وبعد أيام ترسل إليهم فيحضرون فتذكرهم بما مضى وتلحق الولد بمن تشاء منهم فيقبله ويثبت النسب بينهما.
(3)
ونكاح الرابع أي النوع الرابع يدخل ناس كثير على إحدى البنايا اللاتي يضعن علي أبوابهن علامات لمن أرادهن فيجامعونها فإذا حملت ووضعت حضروا عندها ودعوا القافة فألحقوا الولد بمن أشهه منهم فالتاط به أي التصق به وثبت النسب بينهما، والقافة: جمع قائف وهو من يلحق الولد بأبيه بعلامات خفية.
(4)
وهو النوع الأول. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى.
ومنه نكاح الشغار
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي الإِسْلَامِ
(2)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ أَنْ يَزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ
(3)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجَكَ ابْنَتِي أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجَكَ أُخْتِي
(4)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
ومنه نكاح المتعة
(5)
• عَنْ جَابِرٍ وسَلَمَةَ رضي الله عنهما قَالَا: كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ
ومنه نكاح الشغار
(1)
الشغار، من الشغر وهو الخلو، لخلوه من المهر.
(2)
أي لا يحل فيه شغار.
(3)
بل يضع كل منهما صداق للأخرى.
(4)
فالبنت فيما قبله ليس قيدًا، وقول أبي هريرة بدل على أن البيان السابق من كلام ابن عمر، وقول الصحابي في حكم المرفوع بل ورد الحديث بهذا البيان في رواية الطبراني: لا شغار في الإسلام: قالوا يا رسول الله وما الشغار؟ قال: نكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما، والنهي للتحريم وحكمته التشريك في البضع حيث جعل موردًا لنكاح امرأة وصداقا لنكاح أخرى فأشبه تزويج امرأة بامرأتين، وقيل حكمته التعليق كأنه قال لا ينعقد لك نكاح حتَّى ينعقد لي، وهذا خلاف مقتضى العقد، فنكاح الشغار باطل عند الجمهور، وقالت الحنفية وسفيان: إنه يصح ولكل امرأة منهما مهر المثل، فالنهي عندهم للكراهة، ولأبي داود سمع معاوية برجلين تزوجا شغارًا فكتب إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما وقال: هذا هو الشعار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين والله أعلم.
ومنه نكاح المتعة
(5)
نكاح المتعة هو النكاح المؤقت بمدة معلومة أو مجهولة كقوله: أزوجك فلانة شهرا من اليوم أو حتَّى يحضر فلان بصداق قدره كذا فيجيبه على هذا، فإذا انتهى الشهر أو جاء فلان وقعت الفرقة، ونكاح المتعة باطل لأن التوقيت خلاف مقتضى النكاح وهو دوام الزوجية، وكان جائزا في صدر الإسلام للضرورة ثم نسخ، وسمي متعة لأنَّهُ كان الغرض منه التمتع فقط دون التناسل وغيره.
أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا
(1)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ
(2)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ سَلَمَةُ رضي الله عنه: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثاً ثُمَّ نَهى عَنْهَا
(3)
. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. عنْ سَبْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِماً بَيْنَ الرُّكْنُ وَالْبَاب وَهُوَ يَقُولُ: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّم ذلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً
(4)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
إذن لكم أن تستمتعوا أي بالنساء فاستمتعوا بلفظ الماضي أو بلفظ الأمر.
(2)
عن لحوم الحمر الأهلية أي عن أكلها.
(3)
أي ثالثا بعد النهي في غزو خيبر وبعد النهى في فتح مكة، فقد أباحها صلى الله عليه وسلم مرات للضرورة ثم نهى عنها مؤبدا في حجة الوداع.
(4)
قوله بين الركن والباب أي بين ركن الحجر الأسود وبين باب الكعبة في حجة الوداع وقال: إن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، وبهذا حرمت مؤبدا وعليه الإجماع، وقال ابن عباس بحلها للمضطر ولكن شاع عنه حلها مطلقا فقال له سعيد بن جبير: هل تدري ما صنعت وقد سارت بفتياك الركبان وقال بها الشعراء، قال: وما قالوا؟ قال قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه
…
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة
…
تكون مثواك حتَّى مصدر الناس
فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون. والله ما بهذا أفتيت ولا أحللت إلا ما أحل الله للمضطر من الميتة والدم ولحم الخنزير، فسلك فيه رضي الله عنه طريق القياس ولكنه غير صحيح فإن الميتة أبيحت الدفع الهادك وحبس الشهوة لا هلاك فيه انتهى كلام الخطابي، وقال الترمذي بسنده عن ابن عباس قال إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم تخدمه حتَّى نزلت - إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم - فكل فرج سوى هذين فهو حرام، فهذا صريح في أنه لم يقل بحلها مطلقا بل في صدر الإسلام. نسأل الله التوفيق آمين. والله أعلى وأعلم.
ومنه نكاح المحرم والتحليل والعبد
• عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ
(2)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَاحِبَاهُ
(3)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» . وَفِي رِوَايةٍ: فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ
(4)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
ومنه نكاح المحرم والتحليل والعبد
(1)
فالمتلبس بالإحرام لا يصح أن يتزوج ولا أن يزوج غيره بولاية أو وكالة لأنَّهُ متلبس بعبادة يفسدها الوطء فحرم النكاح أيضًا لأنَّهُ بابه ومنه يدخل، وتقدم الحديث في محرمات الإحرام.
(2)
المحل بلفظ اسم الفاعل هو من يتزوج المرأة ليحللها لزوجها الأول الذي طلقها ثلاثا، والمحلل له بلفظ المفعول هو الذي طلقها ثلاثا، واللعن لا يكون إلا لفعل حرام، فنكاح التحليل حرام وباطل إذا شرط في العقد أنه إذا واقعها بانت منه أو طلقها لأنَّهُ مؤقت كنكاح المتعة، فاللعن في الحديث منزل على هذا. وإذا لم يشترط في العقد شيء ولو نوى الطلاق بعد الوقاع صح العقد وكان مكروها لأن النية حديث النفس ولا مؤاخذة به وعلى هذا الشافعي وجماعة، بل قال أبو ثور: إن المحل مأجور لأنَّهُ كان سببا في عود المرأة لزوجها، ونقل عن الحنفية مثل ذلك كما نقل عنهم عدم الحل إذا نوى التحليل، ونقل عنهم الحل وإن نواه بل وإن شرط الطلاق وبلغو الشرط، وقال ابن عمر وجماعة لا يحللها للأول إلا نكاح رغبة، وإنما لعنهما الحديث لما فيه من هتك المروءة وقلة الحمية وخسة النفس بالنسبة للثاني. وأما الأول فإنه أعار نفسه بالوطء لغرض الغير فهو كالحيوان المستعار الحديث ابن ماجه: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له.
(3)
بسند صحيح.
(4)
قوله عاهر أي زان، فزواج الرقيق بغير إذن سيده حرام ولا يصح لأنَّهُ مشغول بخدمة سيده فلا يحمل نفسه عملا آخر بغير إذنه، وعليه الشافعي وأحمد وغيرها وإن أجازه السيد بعد العقد، وقال المالكية والحنفية: إن أجازه السيد بعد العقد صح وإلا فلا. والله أعلى وأعلم.
الباب التاسع: في الطلاق
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ عز وجل الطَّلَاقُ
(2)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرْأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْداً عَلَى سَيِّدِهِ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
والنَّسَائِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحَ فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا
(5)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.
• عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقاً مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجنَّةِ
(6)
». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(الباب التاسع في الطلاق)
(1)
أي في بيانه وحكمته وفي كراهته وفي شروطه، أما بيانه فهو لغة حل القيد، من أطلق الفرس والأسير حل قيدها، وأما اصطلاحا فهو حل القيد الثابت شرعًا بالنكاح، وحكمته الخلاص من ضيق المعاشرة واليسر بعد العسر، قال تعالى {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعًا حكيمًا} وأما كراهته فستأتي في الأحاديث الأربعة الأول، وأما شروطه فما بعدهن وهي أن يتلفظ به الزوج ولو هازلا وأن يكون مكلفًا مختارا ليس مكرها ولا مملوءة بالغضب كما يأتي.
(2)
إنما كان الطلاق مبغوضا لبغض أسبابه الداعية إليه كسوء العشرة وكثرة الشقاق والنزاع وإلا فهو حلال بالقرآن والسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة وراجعها، وفي رواية: ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق.
(3)
فليس على ديننا الكامل من خبب أي أفسد عبدا على سيده أو سيدا على عبده أو امرأة على زوجها أو أفسد الزوج على امرأته أو الولد على أبيه أو الوالد على ولده، فكل إفساد بين اثنين حرام ولا سيما القريبين.
(4)
بسند صالح.
(5)
لا تسأل، نفي يراد به النهي، فيحرم على المرأة السعي في طلاق أختها ولو في الإسلام لتستفرغ صحفتها أي لتخلى عصمتها من النكاح ولتحظى بزوجها فإنه يغضب الله ورسوله للإضرار بتلك المرأة. وفي رواية بسكون اللام في ولينكح أي بل تفكر في زواج من تشاء فالمقسوم لها لابد منه.
(6)
فلو كانت هناك أسباب لطلب الطلاق كسوء عشرة فلا حرمة، وفي رواية المحتلمات من المنافقات؛ أي فالنسوة اللاتي يسعين في الطلاق ولو ببذل مال منافقات أي إذا لم يكن لهن عذر شرعي كما سبق، وإلى هنا ما ورد في ذم الطلاق وما يأتي في شروطه.
قَالَ: «لَا طَلَاقَ إِلا فِيمَا تَمْلِكُ
(1)
وَلَا عِتْقَ إِلا فِيمَا تَمْلِكُ
(2)
وَلَا بَيْعَ إِلا فِيمَا تَمْلِكُ
(3)
وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إِلا فِيمَا تَمْلِكُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَجَاوَزَ اللَّهُ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرِّجْعَةُ
(6)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ
(7)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً
(8)
.
(1)
فلا طلاق قبل النكاح لأنَّهُ أصله فإذا انتفى الأصل انتفي الفرع، فلو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق لا يقع طلاق بعد زواجه، وعلى هذا الجمهور سلفا وخلفة والشافعية، وقال الحنفية: يقع مطلقا لأنه يمين فلا توقف صحته على ملك المحل، وقال المالكية وجماعة بالتفصيل فإن عم لا يقع وإن حصر لزم كقوله: إن تزوجت فلانة أو كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو من بلد كذا فهي طالق وقع إن تزوج بها.
(2)
فلو قال إن دخل هذا العبد في ملكي فهو حر لا يعتق إذا ملكه.
(3)
فلو قال له على إن دخل هذا في ملكي لأتصدقن به لا ينعقد النذر.
(4)
بسند حسن.
(5)
فحديث النفس لا مؤاخذة فيه إلا إذا تكلم أو عمل به، ومنه ما لو حدث نفسه بالطلاق ولم يتلفظ به فلا وقوع، والإشارة المفهومة بالطلاق التلفظ به لدخولها في الحديث ولقولهم إنها كالنطق، ولما تقدم في التقاضي في السبع وأشار بيده أن ضع الشطر، ولما يأتي في القصاص في الجارية التي شدخ رأسها أقتلك فلان؟ فأشارت أن لا، أقتلك فلان؟ فأشارت برأسها نعم فأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بقتله، فإذا اعتبرت الإشارة في الحدود التي ورد فيها ادرأوا الحدود بالشبهات في غيرها أولى، بيت الكتابة فمن طلق امرأته بالكتابة ولم يتلفظ وقع الطلاق لدخوله في الحديث في قوله: أو تعمل به، وعلى هذا الجمهور، واشترط مالك أن يشهد على الكتابة.
(6)
الجد بالكسر ما يراد به ما وضع له ولو مجازا، والهزل ما يراد به غير ما وضع له بغير مناسبة بينهما. والرجعة بالكسر والفتح عود المطلق إلى مطلقته، فمتى وقعت صيغة الزواج بحضور شهود أو تلفظ بالطلاق أو بالرجعة لزمه ذلك ولا يقبل القول بأنه هازل لقوله تعالى {ولا تتخذوا آيات الله هزوا} وذلك لتأكيد أمر الفروج والحيطة لها فلا تلوكها الألسن.
(7)
قوله: رفع انقل أي قلم التكليف والمؤاخذة عن هذه الثلاثة، فلو تلفظ النائم بالطلاق أو الصبي ولو مميزا أو المجنون لم يقع لعدم التكليف ولكن الصبي يكتب له صالح عمله لما تقدم في الصلاة مروا الصبي بالصلاة لسبع واضربوه على تركها لعشر. وفي الحج من صحة حجه.
(8)
ولكن البخاري رواه موقوفًا على عليٍّ رضي الله عنه.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ
(1)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ مَوْقُوفاً.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ
(2)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
عدد الطلاق
(3)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثاً فَنُسِخَ ذلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(4)
رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(5)
.
• عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتِ
(1)
فكل طلاق جائز أي صحيح إلا من المعتوه المغلوب عليه أي الذي لم ينتظم في قوله ولا فعله، وهذا ظاهر إذا كان اختلال عقله بالقضاء والقدر فإن كان هو الذي تسبب فيه كأن تعاطي مسكرًا أو حشيشًا ونحوه أو ألقى بنفسه من عال أو في بحر فاختل عقله ثم طلق امرأته فإنه يقع لتعديه، وعلى هذا الجمهور.
(2)
الإغلاق: الإكراه فلا يقع طلاق ولا إعتاق من مكره، وعلى هذا الجمهور والمالكية والشافية وأحمد، وقال الحنفية: يصح طلاقه وعتاقه، وقال أبو داود بعد رواية الحديث: الإغلاق أظنه الغضب، وكذا رآه أحمد، ولعلهما أرادا غضبا يخرج الإنسان عن حد الاعتدال وهذا لا يقع فيه طلاق باتفاق، وأما مطلق غضب فبعيد لأن الإنسان لا يطلق إلا وهو غضبان فلو راعينا أي غضب ما وقع طلاق، نسأل الله الستر والتوفيق. والله أعلم.
عدد الطلاق
(3)
الطلاق الذي يحرم الزوجة ثلاث، أما واحدة أو اثنتان فلا، وله مراجعتها، وألفاظ الطلاق نوعان صريح وكناية، فالصريح ثلاثة ألفاظ وهى الطلاق والفراق والسراح وما اشتق منها، والكناية كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره ولا بد فيها من نية الطلاق كاذهبي إلى أهلك، وأنت خلية، وحبلك على غاربك، واذهبي كما تشائين، وأنت حرة، وأنت برية، وأنت بائن، ونحوها.
(4)
فكان للرجل مراجعة امرأته إذا طلقها ولو كثيرا، ولفظ الترمذي - كان الرجل يطلق امرأته ولو مائة مرة ويرجعها إذا شاءت ما دامت عدتها باقية نسخ هذا بقوله تعالى - {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} - كقوله: أنت طالق، أنت طالق، أو أنت طالق طلقتين أو المراد الطلاق مرتان في جلستين كما يأتي في حديث أحمد وأبي يعلى فإمساك بمعروف أي بعدها أو تسريح بإحسان.
(5)
بسند صحيح.
الثَّلَاثُ تُجْعَلُ واحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأَبِي بَكْرٍ وَثَلَاثاً مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ
(1)
.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسِ رضي الله عنهما: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ
(2)
رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي الْبَتَّةَ فَقَالَ: «مَا أَرَدْتَ بِهَا؟» قُلْتُ: وَاحِدَةً، قَالَ:«وَاللَّهِ» قُلْتُ: وَاللَّهِ، قَالَ: «فَهُوَ مَا أَرَدْتَ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
(1)
قوله وثلاثًا أي من السنين والمراد جزء من الزمن فلا ينافي قوله الآتي وسنتين لرواية: وصدرًا من إمارة عمر.
(2)
قوله طلاق الثلاث بدل من لفظ الطلاق، والأناة هي التأني، فعنى الحديثين أنهم في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر كانوا يحملون الطلاق بالثلاث في لفظ واحد، كأنت طالق ثلاثا واحدة فقط، فقال عمر: إن الناس قد تعجلوا في أمر الطلاق ومصلحتهم فيه التأني والعمل بالأحوط وجعله ثلاثا مع أصحابه وشاورهم في ذلك فوافقوه فأمضاه عليهم أي حكم بجمله ثلاثا فصار إجماعا من الصحابة رضي الله عنهم، فمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وقع ثلاثا، وعلى هذا الجمهور والأئمة الأربعة، وقال جماعة: إنه يقع واحدة كالطلاق في مجلس واحد الذي يأتي في حديث أحمد، ونقل هذا عن علي وابن عباس وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وعن عطاء وطاوس وابن دينار وعكرمة وعن بعض أصحاب مالك وبعض الحنفية وبعض أصحاب أحمد، وحجتهم في هذا هذان الحديثان وحديث أحمد وأبي يعلى الصحيح أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد مخزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقها قال ثلاثا، قال: في مجلس واحد. قال: نعم، قال: فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت. قال فراجعها، قال في الفتح: وهذا نص في المسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره، فهذا صريح في أن الطلاق في مجلس واحد وإن كثر يعد طلقة واحدة، ولكن نقل عن ابن عباس بوقوع الثلاث، ففي الموطأ قال رجل لابن عباس: إني طلقت امرأتي مائة طلقة فماذا ترى. قال: طلقت منك ثلاثا، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا، ولأبي داود بسند صحيح عن مجاهد قال كنت مع ابن عباس فجاءه رجل فقال: طلقت امرأتي ثلاثا فسكت حتَّى ظننت أنه يردها له ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول يا ابن عباس إن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك.
(3)
قوله طلقت امرأتي البتة من البت وهو القطع =
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ
(1)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
طلاق السنة والرجعة
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(4)
وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ.
عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُم لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدَ وإنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ
(5)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ
=كأنه قطع حبل النكاح بقوله: أنت طالق البتة، فلما علم منه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه أراد به واحدة حكم عليه بها فقط، ففيه أن الطلاق المبتوت ينزل على نية الحالف وعليه الشافعي، وقال مالك: هو ثلاث ونقل عن عمر أنه واحدة وعليه الحنفية والله أعلم.
(1)
فعدة الأمة حيضتان إن كانت تحيض وإلا فشهران وتطليقها مرتان ولا تحل حتى تنكح زوجا غيره سواء كانت تحت عبد أو حر، وعلى هذا الحنفية والثوري، وقال الجمهور إذا كانت تحت حر فطلاقها ثلاث لأن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء؛ لحديث ابن ماجه والدارقطني: إنما الطلاق من أخذ بالساق.
(2)
بسند ضعيف ولكن عليه أهل العلم كلهم. نسأل الله التوفيق لما بحب ورضى. والله أعلم.
طلاق السنة والرجعة
(3)
أي بيان وقت الطلاق المرغوب فيه شرعا وبيان المراجعة.
(4)
أي إذا أردتم طلاق النسوة فطلقوهن لعدتهن أي عند الشروع فيها لئلا تطول فتتضرر المرأة. وهذا في المدخول بها التي تحيض وأما غيرها في أي وقت.
(5)
فكان لابن عمر زوجة تسمى آمنة بنت غفار فطلقها وهي حائض فبلغ عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يراجعها ثم يمسكها حتَّى تطهر ثم تحيض حيضة ثانية ثم تطهر ولا يقربها ثم يطلقها إذا شاء فتلك العدة التي أمر الله بالطلاق فيها، وفي رواية: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملا؛ أي فإن العدة تنتهي بالوضع، فيه أن طلاق السنة أن يطلقها طاهرا بغير جماع أو حاملا ولكن مع الإشهاد منعا للنزاع.
أُحِبُّهَا وَكَانَ أَبِي يَكْرَهُهَا فَأَمَرَنِي أَنْ أُطَلِّقَهَا فَأَتَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ طَلِّقِ امْرَأَتَكَ
(1)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا
(3)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ رضي الله عنه: أُخْبِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعاً فَقَامَ غَضْبَانَ ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ
(4)
. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ
لا تحل المطلقة ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}
(5)
.
• عَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرْظِيِّ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْد الرَّحْمنِ بْنِ الزَّبِيرِ
(1)
أي مرضاة لوالدك فإنه محق في كراهتها لشيء يراه عمر رضي الله عنه، وهذا خاص به وإلا فالطلاق لا ينبغي إلا لسبب شرعي وليس منه مجرد طلب الوالدين فإنهما غالبا يكرهان الزوجة من غير شيء.
(2)
بسند صحيح.
(3)
أي بأمر من الله تعالى فإنه أوحي إليه: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة، ولفظ المراجعة كقوله: راجعت زوجتى إلى عصمتي وكقوله أمسكت امرأتي لنكاحى كما كانت، ويجب الإشهاد على الرجعة عند مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: يسن فقط.
(4)
قوله ثلاث تطليقات جميعا أي بلفظ واحد فقام غضبان وقال: يلعب بكتاب الله وأنا بينكم، يريد قوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} إلى قوله تعالى {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} فإن معناه التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال مرة واحدة كقوله تعالى - ثم ارجع البصر كرتين - أي كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين، فمن أدب الطلاق أن يكون في طهر وأن يكون طلقة واحدة أملا في العودة. والله أعلم.
لا تحل المطلقة ثلاثًا حتَّى تنكح زوجا غيره
(5)
فإن طلق امرأته بعد المرتين مرة ثالثة فلا تحل له بعدها حتَّى تنكح زوجا غيره.
الْقُرَظِيَّ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَجَاءَتِ الْعُمَيْصَاءُ أَوِ الرُّمَيْصَاءِ رضي الله عنها إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَشْتَكِي زَوْجَهَا أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا
(2)
فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ كَاذِبَةٌ وَهُوَ يَصِلُ إِلَيْهَا
(3)
ولكنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: لَيْسَ ذلِكِ لَكِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
تخيير الزوجة وتفويض أمرها لها
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذلِكَ عَلَيْنَا شَيْئاً
(4)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ قَالَتْ: كَانَ زَوْجُهَا عَبْداً
(1)
فامرأة رفاعة واسمها تميمة بنت وهب جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي أي قطعه كليا، وفي رواية: طلقنى آخر ثلاث تطليقات؛ أي ثلاثًا متفرقة واحدة بعد أخرى فتزوجت بعده عبد الرحمن القرظي ولكن ما معه مثل هبة الثوب: أي قبله كطرف الرداء الذي لم ينسج لصغره أو استرخائه، فقال صلى الله عليه وسلم: لا رجوع لك إلى رفاعة حتَّى تذوقي لذة الجماع من عبد الرحمن، وأطلق عليها عسيلة تصغير عسلة وهي قطعة العسل تشبيها للذة الجماع بلذة العسل أي لا رجوع حتَّى يجامعك جماعا صحيحا.
(2)
أي لا يواقعها لصغر قبله أو استرخائه.
(3)
بل قال في رواية: إنه ينفضها نفض الأديم ولكنها تريد زوجها الأول فقال صلى الله عليه وسلم لها: لا سبيل إلى ذلك حتَّى تذوقي عسيلته، فالوطء الصحيح هو المسوغ لرجوعها لزوجها الأول، وهذا بإجماع إلا سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وداود فإنهم قالوا: يكفي العقد على الثاني في حلها للأول نظرا لظاهر الآية حتَّى تنكح زوجا غيره. والنكاح يحصل بالعقد ولعل الحديث لم يبلغهم وقيل إنهم رجعوا عن ذلك، وسمعت من أحد كبار الشيوخ رحمه الله أنه اشترط الوطء عقابا لها على كذبها وإلا لما اشترطه في حلها الأول، وهذا إن صح يؤيد المذهب القائل باكتفاء العقد، وحكمة اشتراط الوطء من الثاني تأديب الزوجين حتَّى يبتعدا عن طلاق الثلاث فإن في وطء الثاني لها مذلة وعارا كبيرين بين الأسر. نسأل الله الستر لنا وللمسلمين آمين. والله أعلم.
تخيير الزوجة وتفويض أمرها لها
(4)
لما نزل قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ=
فَخَيَّرَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا
(1)
. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي الْعِتْقِ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَعَتَقَتْ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. قَالَتْ: وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا وَتُهْدِي لَنَا فَذَكَرْتُ ذلِكَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَكُمْ هَدِيَّةٌ فَكُلُوهُ
(2)
».
وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٍ لآلِ أَبِي أَحْمَدَ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهَا: «إِنَّ قَرِبَكَ فَلَا خيَارَ لَكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
وَأَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: «إِذَا أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ تَشَأْ فَارَقَتْهُ مَا لَمْ يَطَأْهَا
(4)
».
• عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قُلْتُ لأَيُّوبَ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَداً قَالَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ إِنَّهَا ثَلَاثٌ إِلا الْحَسَنُ؟ فَقَالَ: لَا، اللَّهُمَّ غَفْراً إِلا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي سَمُرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
=وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}، - خير النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين بين البقاء على الزوجية وعدمه، ولكنه بدأ بعائشة فقرأ عليها هاتين الآيتين وقال: لا تعجلي حتَّى تستأمري أبويك، وقد علم أنهما لا يأمرانها بالفراق فقالت: في أي شيء أستأمرهما إني اخترت الله ورسوله، وخير بقية زوجاته فاخترن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فلم يكن ذلك طلاقا، فإذا خير امرأته فاختارته لم يكن طلاقا ولا فرقة، وعليه جمهور الصحب والتابعين والفقهاء، وقال جماعة إذا خيرها وقعت طلقة بائنة وإن اختارت زوجها، ومعني بائنة أنها تحتاج إلى عقد جديد.
(1)
فبريرة لما أعتقتها عائشة خيرها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نظرًا لرق زوجها مغيث، فقالت: اخترت نفسي فانفسخ النكاح وصارت طالقا منه بواحدة بائنة.
(2)
قولها كان في بريرة ثلاث قضيات أي مسائل شرعية من أمهات الأحكام، الأولى أن الولاء لمن أعتق، الثانية تخيير الرقيقة إذا عتقت وهي تحت رقيق، الثالثة أن العطية للفقير صدقة وهي منه للغني هدية.
(3)
بسند صالح.
(4)
فإذا عتقت الأمة وهي تحت رقيق فلها الخيار ولكن على التراخي ما لم تمكنه من وطئها وإلا انقطع الخيار وثبتت الزوجية، وعلى هذا الأئمة الأربعة، ولأبي داود والنسائي أن عائشة أرادت أن تعتق مملوكين لها زوجين فسألت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ابدئي بالرجل قبل المرأة، وذلك لأنَّهُ أكمل ولعدم إعطائها الخيار في أمر النكاح فربما استنكرت البقاء تحت الرقيق.
«ثَلَاثٌ»
(1)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَاحِبَاهُ
(2)
وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ
الخلع
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دَينٍ وَلكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:«أقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»
(5)
. رَوَاهُ
(1)
فحماد قال لأيوب: هل علمت أن أحدا قال في أمرك بيدك أنه طلاق ثلاث إلا الحسن، قال: لا، ثم تذكر أن غيره قاله فقال: اللهم مغفرة لي، بل حدثني قتادة بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هو ثلاث.
(2)
بسند ضعيف والصحيح وقفه على أبي هريرة، فظاهر هذا أن الحسن وأبا هريرة يقولان في أمرك بيدك أنه طلاق ثلاث وإن لم تنطق بشيء ولكن المنقول إذا قال الزوج لامرأته أمرك بيدك فالقضاء على ما قضت به من طلقة أو أكثر، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين وجمهور الفقهاء، وقال بعض الصحب والتابعين: إنه واحدة بائنة وإن أكثرت من الطلاق عملا بالقليل مع شيء من الحيطة، وعلى هذا سفيان والكوفيون، وقال ابن عمر: إذا قال أمرك بيدك فطلقت نفسها ثلاثًا، وقال الزوج: لم أجعل أمرها بيدها إلا في طلقة واحدة فقط استحلف وكان الحكم على قوله ويمينه نسأل الله الستر والتوفيق. والله أعلم.
الخلع
(3)
هو فراق الزوجه على أخذ شيء منها، من خلع ثوبه: نزعه لأن كلا الزوجين لباس للآخر.
(4)
فإن خفتم أن لا يقيما أي الزوجان حدود الله التي بينها لكل منهما على الآخَر وعجزتم عن التوفيق بينهما فلا ذنب عليهما في افتداء نفسها بشيء تعطيه لزوجها ويطلقها.
(5)
فامرأة ثابت وهي جميلة بنت أبي سلول جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أريد فراق زوجي ولا أذمه في خلق ولا دين ولكني أكره صفة الكفر وأنا مسلمة، أو الرجوع إليه بعد إسلامي فقال صلى الله عليه وسلم: تردين عليه حديقته التي أعطاها لك صداقا. قالت: نعم، فأمره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بقبولها وتطليقها طلقة منعا للشقاق فأجابه، وكان الثابت هذا امرأة أخرى تسمى حبيبة بنت سهل جاءت تشكو للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه ضربها حتَّى كسر بعض جسمها وقالت مرة: إنه دميم وطلبت فراقه فأخذ منها وجلست في أهلها، فالخلع تكرر منه رضي الله عنه -، قال الخطابي: في هذا دليلٌ على أن الخلع فسخ وليس بطلاق لأنَّهُ لو كان طلاقًا لاقتضى شروط الطلاق =
الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
• وَعَنْهُ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَهَا حَيْضَةً. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(1)
.
وَاخْتَلَعَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ
(2)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
الإيلاء وتحريم الزوجة
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
(4)
.
= من وقوعه في طهر لم تمس فيه ومن كونه من قبل الزوج وحده من غير مراضاة المرأة فلما لم يتعرف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الحال في ذلك وأذن له في مخالعتها في مجلسه دل ذلك على أنه فسخ وليس بطلاق ولأن العدة منه حيضة واحدة وعدة الطلاق ثلاث وعلى هذا ابن عباس واحتج بقوله تعالى - الطلاق مرتان - ثم ذكر الخلع بقوله تعال - فإن خفتم ألا يقيا حدود الله - ثم عاد للطلاق بقوله - فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره - فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا ووافقه في هذا طاوس وعكرمة وأحمد وإسحاق وأبو نور وهو قول ضعيف للشافعي ولا ينقص عدد الطلاق إذا كان بلفظ المخالعة أو المناداة ولم ينو طلاقا، وقال ابن القيم: الدليل على أنه فسخ وليس بطلاق أنه رتب على الطلاق بعد الدخول ثلاثة أحكام كلها منفية عن الخلع، أولها أن الزوج أحق بالرجعة، والثاني أنه محسوب من الثلاث، والثالث عدة الطلاق ثلاثة قروء، وقال جمهور الصحب والتابعين والفقهاء: إنه طلاق بائن وهو أصح قول الشافعي، فعلى هذا ينقص عدد الطلاق بخلافه على أنه فسخ، وعلى الرأين هو بينونة صغرى تملك به المرأة نفسها فلا رجوع إلا بعقد جديد وهو يخلص من الطلاق المعلق ولو كان بالثلاث، فلو حلف لا يكلم زيدا مثلا وأراد تكليمه فإنه يخالع امرأته ثم يكلمه ويعقد عليها ثانيا فلا يقع عليه شيء لأن البائن لا يلحقها الطلاق ولكن يحسب هذا الخلع عليه طلقة عند الجمهور بخلاف غيرهم.
(1)
بسند حسن.
(2)
قوله أو أمرت للشك، فصريح هذين أن عدة المختلعة حيضة واحدة وعلى هذا ابن عمر وجماعة، ولكن الجمهور على أن عدتها ثلاثة قروء الطلقة لأنَّهُ طلاق أو نوع منه، والله أعلم.
الإيلاء وتحريم الزوجة
(3)
الإيلاء لغة: الحلف. وشرعًا: حلف الزوج ألا يطأ امرأته أربعة أشهر فأكثر، وهو حرام لما فيه من إضرار الزوجة، وكان إيلاء الجاهلية سنة وسنتين فوقته الله بأربعة أشهر.
(4)
فالذين يحلفون على عدم وطء زوجاتهم ينتظرون أربعة أشهر فإن فاءوا ورجعوا إلى حسن المعاشرة فإن الله يتوب عليهم، وإن أرادوا الطلاق فليمضوه ولا يتركون الزوجات كالمعلقات فإنه حرام.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْراً فَقَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ
(1)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ فِي الإِيلَاءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ: لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدَ الأَجَلِ أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَعْزِمَ الطَّلَاقَ
(2)
. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالاً وَجَعَلَ فِي الْيَمِينِ كَفَّارَةً
(3)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
(5)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
أي هذا الشهر عدة لياليه تسع وعشرون أي فقدتم وبررت في يميني، وهذا مطلق إيلاء وسبق الحديث في الصوم.
(2)
فبعد الأشهر الأربعة يجب عليه حسن العشرة أو الفراق وإلا وقع في الإثم ولا طلاق عند الجمهور، وقال بعض الصحب والتابعين وسفيان والكوفيون: إذا مضت فهي طلقة بائنة.
(3)
آلى من نسائه وحرم أي على نفسه بعض الحلال كوطء مارية وكشرب العسل لأمور قضت به ثم رجع عن هذا، فعل الحرام حلالا وكفر عن يمينه لما نزل عليه قوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} .
(4)
وقال في الفتح: رجاله موثقون.
(5)
فمن قال لامرأته: أنت علي حرام أو أنت محرمة علي لم يقع طلاق ولكن عليه كفارة يمين ولنا في هذا أسوة حسنة بما وقع له صلى الله عليه وسلم فقد روى النسائي بسند صحيح كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتَّى حرمها فأنزل الله تعالى - يا أيها النَّبِيّ لم تحرم ما أحل الله لك - الآيات فتحريم الزوجة ليس طلاقا ولكن فيه كفارة يمين، وعلى هذا ابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت، ونقل عن بعض الصحب والتابعين والمحدثين أنه لغو لا شيء فيه، وروي عن علي رضي الله عنه أنه طلاق ثلاث وعليه المالكية، وقال الحسن البصري والشافعية: إنه كناية إن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا، وقال الحنفية: إن نوى طلاقا وقع بائنا وإلا فهو يمين، وقال أحمد وجماعة فيه كفارة ظهار. والله أعلم
اللعان
(1)
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
(2)
. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ
(3)
»، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثاً قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلَاعُنِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدُهُمَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعى لِأُمِّهِ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنَّهُ يَرِثهَا وَتَرِثُهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا
(4)
. زَادَ فِي رِوَايَةٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيراً كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أُرَاهَا إِلا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أُرَاهُ إِلا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذلِكَ
(5)
». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُمَا:
اللعان
(1)
من اللعن وهو الطرد والإبعاد لاشتمال شهادة الرجل عليه، وشرعا: حلف الزوج أمام الحاكم أنه صادق فيما رمي به زوجته من الزنا تم تحلف هي بعده بأنه كاذب، واللعان جاز إن تحقق زناها، وحكمته البراءة من العار ودفع الحد عنه ولحوق الولد بأمه، وإذا وقع التلاعن حرمت عليه أبدا لقوله الآتي: لا سبيل لك عليها. ولحديث البيهقي: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا. وعلى هذا الجمهور، وقال الحنفية: إنه لا يقتضي التحريم ولا تقع الفرقة حتى يوقعها الحاكم.
(2)
(3)
أي حاضر أرى وأسمع، وسيأتي في حديث ابن عمر كيفية التلاعن.
(4)
وفي رواية: لاعن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بين رجل وامرأته فانتفى من ولدها ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة.
(5)
أي إن جاءت بالمولود أحمر اللون قصير القامة كأنه وحرة - بالتحريك دويبة حمراء تترامى على الطعام - فلا أراها أي لا أظنها إلا صادقة لأنَّهُ وصف زوجها، وإن جاء مولودها عظيم العينين أسودها كبير الأليتين فلا أظنها إلا كاذبة لأنَّهُ وصف من رميت به، فجاء الولد على وصفه.
«حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ
(1)
لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا
(2)
» قَالَ الرَّجُلُ: مَا لِي قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ عَلَيْهَا إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ
(3)
».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
(4)
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ افْتَحْ» وَجَعَلَ يَدْعُو فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ قَالَتْ: «لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا
(5)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
حسابكما على الله أي جزاؤكما في الواقع على الله فهو علام الغيوب وأنا حكمت بالظاهر، وفي رواية: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب.
(2)
أي هي محرمة عليك للأبد.!
(3)
قال الزوج مالي الذي أخذته في المهر وغيره، قال: لا شيء لك عليها إن كنت صادقا فهو بوطئك لها وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك لأنك تمتعت بها ثم افتريت عليها، وهذا في المدخول بها باتفاق، وأما غيرها فلها نصف المهر عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة وقيل لها الكل وقيل لا شيء لها.
(4)
فرجل أنصارى اسمه عويمر العجلاني جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إذا رأى الرجل مع امرأته رجلا بزني بها إن تكلم بذلك جلدتموه حد القذف، وإن قتل أحدها قتلتموه، وإن سكت قتله الغيظ فدعا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ربه فنزلت آيات اللعان فدعاها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقرأها عليهما ووعظهما لعلهما رجعان ويتوبان إلى الله فأنبيا فأجرى بينهما اللعان في المسجد بحضور فئة من الناس ثم فرق بينهما لدفع المذلة والمعار إن دامت الزوجية.
(5)
ولفظ شهادة الرجل أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنا أربع مرات ثم=
الولد للفراش
(1)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ رضي الله عنهما فِي غُلَامٍ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ وَانْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ هذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ
(2)
فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهاً بَيِّناً بِعُتْبَةَ فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ
(3)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَاناً ابْنِي عَاهَرْتُ بِأُمِّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا دَعْوَةَ فِي الإِسْلامِ، ذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلَدُ لِلْفِراشِ وَللعَاهِرِ الْحَجَرُ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
= يقول في المرة الخامسة وعليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، ثم تشهد الزوجة بأن تقول أشهد بالله أن زوجي فلان من الكاذبين فيما رماني به أربع مرات، ثم تقول في الخامسة وعليها غضب الله إن كان من الصادقين، وكرر لفظ الشهادة أربع مرات ليقوم مقام شهادة الأربعة على الزنا، وخصت المرأة بالغضب لأن جرمها عظيم، واختلفوا فيمن وجد مع امرأته رجلا يزني بها، فالجمهور على أنه لا يقتله وإن قتله اقتص منه إلا أن يأتي ببينة، وقال بعضهم لو قتله لا يقتل إذ ظهرت أمارة صدقه لأنَّهُ معذور. والله أعلم.
الولد للفراش
(1)
فالولد من نكاح الزنا لا يلحق بالزاني بل بأمه إن كانت حرة كما تقدم في اللعان، وإن كانت أمة كان لسيدها كما هنا.
(2)
الوليدة: الجارية.
(3)
فكان لزمعة جارية حملت سفاحا من عتبة بن أبي وقاص فلما دنت وفاته أوصى أخاه سعدا بأن ولد هذه الجارية ابنه من الزنا كعادتهم في الجاهلية، فما طالبه عمه سعد عارضه عبد الله بن زمعة وقال هو أخي ولد على فراش أبي من جاريته فاختصما إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فحكم به لعبد الله بقوله: هو لك يا عبد، الولد للفراش أي لصاحبه وهو هنا سيدها. وللعاهر أي الزاني الحجر أي الخيبة فلا شيء له، والعرب تقول في ذلك له الحجر وبنية التراب أي لا شيء له.
(4)
جاء رجل فقال يا رسول الله فلان ولدي عاهرت بأمه أي زنيت بها في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: لا دعوة في الإسلام أي بلحوق ولد الزنا بالزاني، =
ينبغي الاحتراس وتحسين الظن
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَاماً أَسْوَدَ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ» ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا» ؟ قَالَ: حُمْرٌ قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ» ؟ قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقاً، قَالَ:«فَأَنَّي أَتَاهَا ذلِكَ» ؟ قَالَ: عَسى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ: «وهذَا عَسى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
• وَعَنْهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ
(3)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
= ذهب أمر الجاهلية وبطلت عوائدهم وظهر عليها الإسلام، فالولد للفراش أي لأمه لأنها كانت حرة بخلاف الرقيقة فالولد لسيدها. نسأل الله الستر والتوفيق لما يحب ويرضى والله أعلم.
ينبغي الاحتراس وتحسين الظن
(1)
أي بالنسبة للزوجة ومن تحت رعايته من النسوة.
(2)
فهذا الرجل لما وضعت امرأته غلاما أسود وليس السواد لونه ولا لون أمه دخله الشك من امرأته فسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما لون إبلك: قال حمر، جمع أحمر، قال: قل فيها أورق، أي في لونه بياض، قال فيها ورق كثيرة، جمع أورق، قال: فمن أين، قال لعله نزعه عرق أي جذبه لون كان في واحد من أصوله، قال وهذا كذلك، فمخالفة اللون لا تدل على أن الولد من الزنا فربما كان لونه في أحد أصوله. وفي المثل العرق نزاع، فينبغي تحسين الظن إلا إذا قويت الشبهة أو تحقق .. وسيأتي: ادرأوا الحدود بالشبهات.
(3)
فأي امرأة جاءت بولد من الزنا ونسبته إلى قوم فليست من الله في شيء أي ليس لها حظ من دينه بل لها النار، وأي رجل انتفي من ولده أعرضي الله عنه وفضحه على رءوس الأشهاد يوم القيامة. نسأل الله السلامة والستر في الدارين.
يعمل برأي القائف وإلا فالقرعة
(1)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُوراً تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزاً الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْداً وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ
(2)
». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ
(3)
.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِثَلَاثَةٍ وَهُوَ فِي الْيَمَنِ وَقعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ اثْنَيْنِ أَتُقِرَّانِ لِهذَا بِالْوَلَدِ؟ قَالَا: لَا، حَتَّى سَأَلَهُمْ جَمِيعاً فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيِ الدِّيَةِ لِصَاحِبَيْهِ، فَذَكَرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ
(4)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
يعمل برأي القائف وإلا فالقرعة
(1)
القائف: هو من يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وجده وأخيه مثلا.
(2)
الأسارير: جمع أسرار وهي جمع سرر، والأسرار: خطوط الجبهة، فعائشة تقول: دخل عليّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو مسرور يهلل وجهه من الفرح فقال: أما علمت أن مجززة المدلجي وهو من القافة دخل. علينا فرأى أسامة وزيد بن حارثة أباه مستورين بقطيفة ولكن ظهرت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فزيد هذا كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم وكان لونه أبيض وولده أسامة كان لونه أسود لأن أمه بركة الحبشية كانت سوداء، فكان بعض الناس يرتاب في نسبه لسواده وبياض أبيه وكان هذا يسوء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لنسبتهم إليه، فلما دخل القائف وقال: هذه الأقدام بعضها من بعض أي فأحد هذين ولد للآخر فرح النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وفرحه لا يكون إلا لحق، فقول القائف حجة وبه حكر عمر وابن عباس وعليه عطاء ومالك والشافعي وأحمد وعامة المحدثين، وقال الحنفية: لا عبرة بقول القائف لأنَّهُ بالظن يصيب ويخطئ.
(3)
أي هنا إلا البخاري في الميراث.
(4)
فعلي رضي الله عنه وهو وال باليمن جاءه ثلاثة يتنازعون في ولد كانوا وقعوا على أمه في طهر واحد على ظن أنها الزوجة أو أنهم كانوا شركاء في أمة كما قاله صاحب المنتقى وإن كان الواجب على كل منهم عدم وطنها حتَّى يستبرئها منعا لاختلاط الأنساب، فعرض على كل اثنين منهم أن يقرا للثالث بالولد فأبوا فعمل لهم قرعة وأعطى الولد لمن صارت له وألزمه لكل واحد ثلث دية، فلما أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذلك فرح كثيرا، فهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم للقرعة =
الظهار
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
(2)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَاهَرْتُ مِنَ امْرأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ: «وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟» قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ قَالَ: فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ
(3)
. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَاحِبَاهُ
(4)
.
عن سلمة بن صخر رضي الله عنه قال: كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري
(5)
فلما دخل رمضان خفت أن أصيب من امرأتي فظاهرت منها حتى ينسلخ رمضان فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء
= فالعمل بها صحيح وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا إلا مالكا وأبا حنيفة رضي الله عن الجميع، فلو تنازع جماعة في ولد وهناك بينة عمل بها وإن لم تكن عمل بقول القائف إن وجد وإلا فالقرعة، وقال الحنفية: لا يعمل بالقائف ولا بالقرعة بل لو تساوي جماعة في ولد كان مشتركا بينهم وورث من كل منهم كابن كامل وورثوه جميعا كأب واحد والله أعلى وأعلم.
الظهار
(1)
الظهار مصدر ظاهر ظهارًا إذا قال لامرأته أنت عليّ كظهر أي، وشرعا تشبيه الزوج زوجته في الحرمة بأمه، وكان الظهار طلاق في الجاهلية كالإيلاء فغير الشرع حكمه إلى تحريمها بعد العود حتَّى يكفر، ولو لم يذكر الأم كقوله: أنت عليّ كظهر أختى لا يكون ظهارا عند الجمهور بل الظهار يختص بالأم كما ورد في الكتاب والسنة، وقال الحنفية والثوري: بقية المحارم كالأم لأن العلة التحريم المؤبد.
(2)
بقية ما ورد فيه {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} صدق الله العظيم.
(3)
فيحرم وطؤها حتَّى يكفر كنص القرآن - فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا -.
(4)
بسند صحيح.
(5)
كناية عن شدة حبه النساء وكثرة جماعهن.
فنزوت عليها
(1)
فلما أصبحت أخبرت قومي وقلت: امشوا معي إلي النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: لا والله، فانطلقت إليه فأخبرته فقال: أنت بذاك يا سلمة
(2)
قلت: أنا بذاك يا رسول الله مرتين وأنا صابر لأمر الله عز وجل فاحكم فيّ بما أراك الله. قال: حرّر رقبة، قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك غيرها وضربت صفحة رقبتي، قال: فصم شهرين متتابعين، قلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً
(3)
قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام
(4)
قال: فانطلق إلى صاحب صدقة فليدفعها إليك
(5)
فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وكل أنت وعيالك بقيّتها فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السّعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم. رواه أبو داود والترمذي
(6)
. والله أعلى وأعلم.
(1)
أي وافقتها.
(2)
أي أنت ارتكبت ذلك.
(3)
الوسق: ستون صاعا لستين مسكينا لكل واحد صاع، وقوله من تمر لأنَّهُ كان طعامهم حينذاك، وإلا فالواجب مما يقتاتون به أيًا كان.
(4)
بتنان وحشين يقال: رجل وحش بالسكون إذا كان جائعا لا طعام له، وقد أوحش أي جاع.
(5)
هو جابي الزكاة من بني زريق وهي قبيلة كبيرة منها بياضة التي منها سلمة هذا الذي ظاهر من امرأته، فظاهر هذه الرواية أن الواجب لكل مسكين صاع وعليه الحنفية إلا من البر فيكفي نصف صاع. ولكن الجمهور على أن الواجب لكل مستكين مد طعام لحديث خولة بنت الصامت الذي يأتي في التفسير إن شاء الله وقياسا على ما تقدم في كفارة الجماع في رمضان.
(6)
وأحمد والحاكم وصححه، فمن قال لامرأته. أنت على حرام كأي مثلا حرم عليه جماعها حتَّى يكفر بإعتاق رقبة فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين فإن لم يقدر على الصيام فليطعم ستين مسكينا، ولو جامعها قبل التكفير فلا تتعدد الكفارة عند الجمهور، وقال بعضهم: عليه كفارتان ولا تسقط بالعجز عنها بل يجب إخراجها عند اليسار. والله أعلم.
إذا أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع
عن فيروز الديلمي
(1)
رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان، قال: اختر أيتهما شئت. رواه الترمذي
(2)
وأبو داود ولفظه: طلّق أيتهما شئت
(3)
. عن الحارث بن قيس رضي الله عنه قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اختر منهن أربعاً
(4)
. رواه أبو داود
(5)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ غيلان بن سلمة الثّقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعاً منهن
(6)
. رواه الترمذي
(7)
وابن ماجه.
إذا أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع
(1)
فيروز هذا ممنوع من الصرف لأنَّهُ من فارس، وهو الذي قتل الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة في اليمن.
(2)
بسند حسن.
(3)
ففيروز هذا أسلم هو وزوجتاه وكانتا أختين فسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال. طلق من تشاء وأمسك الأخرى فإنه يحرم الجمع بين الأختين، وظاهره أن له ذلك مطلقا وعلى هذا الجمهور، وقال الحنفية: يختار من سبق عقدها، وإن تزوجهما مما فرق بينه وبينهما ويعقد على من يشاء بعده، وإذا قال: اخترت فلانة وقت الفرقة الأخرى، والأحسن أن يتلفظ بطلاق من لا يريدها للفظ أبي داود.
(4)
فالحارث أسلم هو وزوجاته الثمانية فسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اختر منهن أربعا وطلق باقيهن من غير نظر إلى العقد الأول، وعلى هذا الجمهور، وقال الحنفية والثوري: إن نكحهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن وإن نكحهن مرتبا فله اختيار الأربع الأول.
(5)
بسند صالح.
(6)
في هذه النصوص أن أنكحة الكفار صحيحة فإنهم لما أسلموا لم يؤمروا بتجديد العقد. والله أعلم.
(7)
بسند صحيح.
إسلام أحد الزوجين
(1)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً جاء مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاءت إمرأته مسلمة فقال: يا رسول الله إنها كانت أسلمت معي فردّها عليّ فردها عليه
(2)
. رواه الترمذي وأبو داود
(3)
. وعنه قال: أسلمت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجت فجاء زوجها الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد كنت أسلمت وعلمت بإسلامي فانتزعها النبي صلى الله عليه وسلم من زوجها الثاني وردّها للأول
(4)
. رواه أبو داود وابن ماجه
(5)
. وعنه قال: ردّ النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحاً
(6)
رواه الترمذي وأبو داود
(7)
.
وعنه قال: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه
(8)
. رواه البخاري. والله أعلم.
إسلام أحد الزوجين
(1)
فإسلام أحدها يوجب فسخ النكاح إذا تأخر الآخَر عنه طويلا.
(2)
فردها عليه أي بقوله: هي زوجتك، فإذا أسلم الزوجان معا فهما على نكاحهما ولا يسألان عن العقد الأول ما لم يكن البطل قائما بأن كانت محرما له بنسب أو رضاع.
(3)
بسند صحيح.
(4)
فإذا أسلم أحد الزوجين وتبعه الآخَر قبل انقضاء العدة ثبت النكاح بينهما سواء كانا كتابيين أولا وعليه الجمهور، وقال الحنفية. تحصل الفرقة بينهما بأحد ثلاثة: انقضاء المدة، أو عرض الإسلام على الآخَر وامتناعه، أو انتقال أحدهما من دار الإسلام إلى دار الحرب.
(5)
بسند صالح.
(6)
فزينب بنت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كانت متزوجة بأبي العاص فلما أرسل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأسلمت لم يسلم زوجها معها فأخذها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبعد ست سنين أو ثلاث أو سنتين أسلم، فطلبها من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فردها له بغير عقد جديد، وفي رواية بنكاح ومهر جديدين، وعلى هذا الفقهاء لما تقدم، وإن كانت رواية الكتاب أجود إسناده.
(7)
بسند صالح.
(8)
المراد بالنصرانية مطلق الكافرة فإذا أسلمت قبل زوجها ولو بساعة حرمت عليه لعدم التساوي في الدين، وعلى هذا ابن عباس وعطاء، ولكن الجمهور على خلافهما فلا تحرم عليه إلا إذا مضت العدة ولم يسلم. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى. والله أعلم
الولد يتبع المسلم من أبويه
(1)
عن رافع بن سنان رضي الله عنه أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم
(2)
فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ابنتي وقال رافع: ابنتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية وأقعد الصبية بينهما ثم قال: ادعواها فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهدها فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها
(3)
رواه أبو داود والنسائي والله أعلى وأعلم.
الحضانة
(4)
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن امرأة قال: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلّقني وأراد أن ينتزعه منّي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي
(5)
. رواه أبو داود وأحمد والحاكم وصححه. عن علي رضي الله عنه قال: خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة فقال جعفر:
الولد يتبع المسلم من أبويه
(1)
فإذا أسر أحد الزوجين الكافرين ولما ولد فالمسلم منهما أحق به الحديث: الإسلام يزيد ولا ينقص.
(2)
وكان لها من رافع ولد فطيم.
(3)
فلما مالت إلى أبيها المسلم أخذها فأقره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وإقراره حجة؛ فإذا أسلم أحد الزوجين أو ارتد أحد المسلمين ولما ولد فالمسلم أولى به لأن الفرع يتبع أشرف أبويه في الدين، والإسلام يعلو ولا يعلى، وعليه الشافعي وجماعة، وقال الحنفية: إن الأم أحق بولدها مسلة كانت أو ذمية ما لم تتزوج. نسأل الله التوفيق. والله أعلم.
الحضانة
(4)
هي تربية الطفل حتَّى يترعرع ويفهم الخطاب ويرد الجواب.
(5)
الوعاء: الظرف، والسقاء: ما يوضع فيه الماء، وحجرى بالتثليث، كان له حواء أي حافظا، فرادها أنها أحق بالولد لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب فقال صلى الله عليه وسلم: أنت أولى به ما دمت خالية، فإذا فارق الرجل امرأته ولما ولد فهي أحق بحضانته ما لم تتزوج وعلى هذا الجمهور سلفا وخلفا، وقال الحنفية: إذا تزوجت بذي رحم للمحضون كعمه لم يبطل حق حضانها، وقال الحسن وأحمد: لا يسقط حق الحضانة إذا رضي بها الزوج.
أنا آخذها أنا أحق بها ابنة عمي وعندي خالتها وإنما الخالة أمّ. فقال عليّ: أنا أحق بها ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها. فقال زيد: أنا أحق بها أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقضى بها لجعفر وقال: تكون مع خالتها وإنما الخالة أم
(1)
. رواه أبو داود والشيخان. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما عليه فقال زوجها: من يحاقني في ولدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ يبد أمّه فانطلقت به
(2)
. رواه أصحاب السنن
(3)
. نسأل الله الستر والتوفيق. والله أعلى وأعلم.
(1)
فزيد سافر إلى مكة فجاء، بعمارة بنت حمزة وتكنى بأم الفضل فتسابق إلى أخذها عليٌّ وجعفر لأنها ابنة عمهما. فقضى بها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبي طالب لوجود خالتها تحته وهي أسماء بنت عميس وقال: الحالة أم، فالخالة أحق بعد الأم بالحضانة والزوج هنا لا يمنع فإنه راض، فالأولى بالحضانة الأم وإن علت قام أبيه وإن علت فأخت غالة فبنت أخت فبنت أخ فعمة والشقيقة منهن أولى فالتي لأب.
(2)
فلما تنازع الرجل والمرأة في ولدها عرض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عليهما القرعة فقال الأب: من يحاقني في. ولدى أي من يخاصمني فيه، فلما لم يرضيا بالقرعة خير النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الغلام فاختار أمه فأقره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهذا فيمن انتهت حضانته فتعمل القرعة إذا رضيا وإلا خير الولد، ونهاية مدة الحضانة سبع أو ثمان سنين عند الشافعي وإسحاق. وقال الحنفية والثوري: الأم أحق بالغلام حتَّى يأكل وحده ويلبس وحده، وبالجارية حتَّى تحيض ثم الأب أحق بهما بعد، وقال مالك: الأم أحق بالجارية حتَّى تتزوج والأب أحق بالغلام حتَّى يحتلم.
(3)
بسند صحيح.
حكم فقد الزوج
(1)
عن عمر رضي الله عنه قال: أيما امرأة فقدت زوجها لم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثمّ تعتدّ أربعة أشهرٍ وعشراً ثم تحلّ. رواه مالك وقال: وإن تزوجت بعد انقضاء عدتها فدخل بها زوجها أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول إليها
(2)
. وقال ابن المسيب رضي الله عنه: إذا فقد في الصف في القتال تتربص امرأته سنة
(3)
. وقال الزهريّ في الأسير يعلم مكانه لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله فإذا انقطع خبره فسنّته سنة المفقود
(4)
. رواهما البخاري. والله أعلى وأعلم.
حكم فقد الزوج
(1)
جعلناه عقب الطلاق لأنَّهُ فرقة فهو نوع منه، وأخرناه لأنَّهُ ليس من أصولنا.
(2)
فإذا غاب الزوج ولم يعلم مكانه ولم تأت منه مكاتبات، فعلى امرأته انتظاره أربع سنين وهي أقصى مدة الحمل، ثم تمتد عدة وفاة لاحتمال موته، ثم بعدها تتزوج إذا شاءت ولا عبرة بحضوره بعدها لتقصيره في عدم إخبارها به، ولا بد في هذا من على الحاكم الشرعي وإذنه، ومعلوم أن رأى عمر هذا من الشرع لما يأتي في الفضائل: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. ولأنه غالبا لا يقوله إلا بعد مشورة مع بعض الأصحاب، وعلى هذا الزهري ومالك، وقال الشافعي: إذا قامت بينة بموته أو حكم به قاض على مضي مدة لا يعيش فوقها غالبا اعتدت زوجته وتزوجت وقسم ميراثه.
(3)
ثم تعتد عدة وفاة وتزوج إذا شاءت وتقسم تركته، وعلى هذا مالك.
(4)
فإذا كان الأسير معلوما حياته فلا يقسم ماله ولا تتزوج امرأته فإن انقطع خبره انتظرت امرأته أربع سنين واعتدت عدة وفاة، ولها أن تزوج وكذا يقسم ماله، ولا عبرة بحضوره بعدها لتقصيره. نسأل الله الستر والتوفيق آمين والله أعلم.
الباب العاشر في العدة والإحداد
(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
قال أبو هريرة رضي الله عنه: اجتمع أبو سلمة وابن عبّاس رضي الله عنهم وهما يذكران أن المرأة تنفس
(6)
بعد وفاة زوجها بليال فقال ابن عباس: عدّتها آخر الأجلين
(7)
. وقال أبو سلمة رضي الله عنه: قد حلّت بالوضع فجعلا يتنازعان فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي فبعثوا ركيباً
(8)
إلى أم سلمة يسألها فجاء فقال: إن أم سلمة قال: نفست سبيعة
(الباب العاشر في العدة والإحداد)
(1)
العدة: هي مدة تتربص بها المرأة عن التزوج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها، وحكمتها التحقق من خلو الرحم من الحمل، والإحداد: هو امتناع المرأة من الزينة والطيب لموت زوجها أو أحد قرباها.
(2)
القروء جمع قرء بالفتح والضم وهو الطهر أو الحيض أو هو مشترك بينهما وما خلق الله في أرحامهن هو الحمل والحيض، فعدة المطلقة التي تحيض ثلاثة قروء.
(3)
فاللائي يئسن من الحيض بأن كبرن وانقطع حينهن وكذا اللائي لم يحضن بطبيعهن أو لصغرهن عدهن ثلاثة أشهر هلالية، وأما الحوامل فعدتهن بوضع الحمل.
(4)
فالمطلقات قبل الدخول بهن لا عدة عليهن.
(5)
فالمتوفى عنها زوجها عدها أربعة أشهر وعشرة أيام ما لم تكن حاملا وإلا فبوضع الحمل.
(6)
أي تلد.
(7)
أطول المدتين وهي عدة الوفاة.
(8)
مولى ابن عباس، ابن عباس وأبو سلمة تنازعا فيمن وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فقال ابن عباس: عدتها عدة وفاة، وقال أبو سلمة: عدتها بالوضع فوافقه أبو هريرة ثم أرسلوا خادم ابن عباس لأم سلمة فقالت: عدتها بالوضع.
الأسلمية بعد وفاة زوجها بليالٍ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج
(1)
. رواه الخمسة. ولفظ الترمذي: وضعت سبيعة رضي الله عنها بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين أو خمسة وعشرين يوماً فتشوّقت للنكاح فأنكر عليها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن تفعل فقد حلّ أجلها. وتقدّم في الصداق أنّ ابن مسعود رضي الله عنه قضى على امرأة مات زوجها قبل الدخول بها بالعدّة وقال معقل الأشجعي رضي الله عنه: هكذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
. وللترمذي وأبي داود: طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان
(3)
.
عن حميد بن نافع رضي الله عنه قال: أخبرتني زينب بنت أبي سلمة بهذه الأحاديث الثلاثة
(4)
قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطبيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها
(5)
ثم قالت: والله مالي من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:
(1)
أي إن تشأ الزواج فهذا وقته لأن العدة قد انتهت بوضع الحمل.
(2)
فمن مات زوجها فعليها عدة وفاة وإن لم يدخل بها. وحاصل ما تقدم أن المعتدة إما أن تكون حاملا أولا، فإن كانت حاملا فبوضعه وإن كانت غير حامل فإن كانت العدة لوفاة فهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن لم تكن حاملا والعدة ليست لوفاة فإن كانت تحيض فثلاثة قروء وإلا فثلاثة أشهر، والأمة على النصف من الحرة.
(3)
الحديث تقدم في الطلاق ومعه شرحه واسعا، وكانت عدة الأمة حيضتين لأنها على النصف من الحرة، وبالحيضة الواحدة يتبين خلو الرحم، والحيضتان والثلاث لزيادة الحيطة، وأما الأمة التي لم تحض فعدتها شهر ونصف وعن الوفاة خمسة وستون يوما. وإلى هنا الشق الأول من الترجمة وما يأتي في الإحداد.
(4)
زينب هذه كانت ربيبة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وكانت أفقه أهل زمانها. وروت هذه الأحاديث الثلاثة، الأول عن أم حبيبة، والثاني عن زينب بنت جحش، والثالث عن أمها أم سلمة وكلها تحرم الإحداد أكثر من ثلاثة أيام إلا على الزوج.
(5)
الخلوق بالفتح، عطف بيان وهو مزيج من الطيب، فأم حبيبة طلبت هذا الطيب وضمخت به يديها ثم طيبت جارتها لتخففه من يديها، ثم مرت بهما على وجهها لتخرج من حرمة الإحداد على غير الزوج فإن المتوفي لها حينذاك أبوها.
لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشراً. قالت زينب ثمّ دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطبيب فمسّت منه ثمّ قالت: والله مالي بالطبيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميت فوق ثلاث إلاّ على زوج أربعة أشهرٍ وعشراً، قالت زينب: سمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفّى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أنكحلها؟ قال: لا
(1)
، ثمّ قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر
(2)
وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميد قلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شرّ ثيابها
(3)
ولم تمسّ طيباً ولا شيئاً حتّى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتضّ به
(4)
فقلّما تفتضّ بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعدما شاءت من طيب أو غيره
(5)
(1)
أي مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا، وإنما منعها لئلا يتذرع النساء بالمرض توصلا إلى الزينة في زمن العدة وإلا فالمرض يبيح بل يوجب الكحل إن لم يكن دواء غيره.
(2)
أي عدة الوفاة.
(3)
أي دخلت حفشا أي بيتا صغيرا ولبست شر ثيابها أي أردأها حزنا على زوجها.
(4)
قوله حمار أو شاة بدل من دابة، وقوله فتفتض به أي تمسح به قبلها من أثر الدم والقذر.
(5)
فأم سلمة تقول: جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ببنتها التى مات زوجها تستأذنه في الكحل لمرض عينها فمنعها، ثم قال: إنما عدة الوفاة أربعة أشر وعشر. وهى أسهل من عادتهم في الجاهلية، وقد كانت الواحدة ترمى بالبعرة على رأس الحول، فاستفهم حميد من زينب عن هذا فقالت: كانت المرأة إذا مات زوجها دخلت بيتا ضيقا ولبست شر لباسها وامتنعت عن الزينة والطيب سنة ثم يؤتى لها بحيوان فتنظف به وربما مات، ثم تخرج فتعطى بعرة حيوان فترمى بها إشارة إلى أن ما فعلته على زوجها أهون من تلك البعرة بالنسبة للواجب عليها نحوه، فكان الإحداد وعدة الوفاة في الجاهلية سنة على هذه الحال.
رواه الخمسة. عن أم عطية رضي الله عنها قالت: كنا ننهى أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة وعشراً ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب
(1)
وقد رخص لنا عند الطّهر إذا اغتسلت إحدانا من حيضها في نبذة من كست أظفار
(2)
. رواه الخمسة إلا الترمذي. والله أعلى وأعلم.
خاتمة في السكنى والنفقة
(3)
(4)
عن الفريعة بنت مالك الخدريّ رضي الله عنه أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد
(5)
له أبقوا حتّى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإنه لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فخرجت حتّى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي
(6)
فدعيت له فقال: كيف قلت؟
(1)
ولا نكتحل وفى رواية: ولا نختضب، وثوب العصب: برد يمنى يصبغ غزله قبل النسج.
(2)
وفى رواية: من قسط أو أظفار، والقسط والكست نوعان من طيب فيه كافور للتطيب به وللبخور، فالمرأة التى في عدة الوفاة ممنوعة من الزينة والطيب إلا شيئا يسيرا تضعه في قبلها عقب الطهر لمنع الروائح الكريهة. والله أعلم.
خاتمة في السكنى والنفقة
(3)
فهما واجبان لمن كانت مطلقة طلاقًا رجعيا أو كانت حاملا حتى تلد، وأما البائن التى ليست حاملا ففيها خلاف يأتي.
(4)
- أسكنوهن - أي المطلقات - من حيث سكنتم من وجدكم - أي في بعض مساكنكم اللائقة بكم - ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن - في السكن والنفقة فيلجآن إلى الخروج، فالحوامل تجب لهن النفقة والسكنى حتى يضعن.
(5)
الأعبد جمع عبد، وقولها أبقوا أي فروا والقدوم بفتح فتشديد موضع على ستة أميال من المدينة.
(6)
قولها الحجرة أي النبوية وأو في الموضعين للشك.
فرددت عليه القصة الّتي ذكرت من شأن زوجي، فقال: امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً وأخبرت عثمان بهذا فاتّبعه وقضى به
(1)
. رواه أصحاب السنن
(2)
. عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن أبا عمرو ابن حفص طلّقها البتة
(3)
وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: ليس لك عليه نفقة
(4)
فأمرها أن تعتدّ في بيت أم شريك ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي
(5)
اعتدّي عند أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني
(6)
قالت: فلمّا حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد فكرهته فقال: انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به
(7)
.
(1)
امكثى في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله أي حتى تنقضى عدة الوفاة في بيت زوجك الذي توفى فيه فمكثت فيه مدة العدة. وأخبرت عثمان رضي الله عنه بهذا فقضى به، فالمتوفى عنها زوجها يجب لها السكنى في المحل الذي كانت فيه مع زوجها إن كان آمنا حتى تنقضى عدتها ويحرم خروجها وإخراجها وعليه جمهور الصحب والتابعين والفقهاء ولا نفقة لها، وكانت واجبة بالوصية لقوله تعالى: - {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} - ثم نسخت بآية المواريث.
(2)
بسند صحيح.
(3)
أي ثلاثًا كما في الحديث بعده، وفى رواية: طلقها آخر ثلاث تطليقات، وفى أخرى أنه بعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها.
(4)
أي ولا سكنى أيضًا لأنه أمرها أن تعتد في بيت أم شريك.
(5)
أي يدخلون عليها.
(6)
أي فإذا انتهت العدة فأخبريني.
(7)
فلما انتهت عدتها جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته أن معاوية بن أبى سفيان وأبا جهم وهو عامر بن حذيفة العدوى القرشى الذي طلب النبي صلى الله عليه وسلم منه أنبجانيته، لا أبا جهم الذي في التيمم كلاهما خطبها فقال لها صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، كناية عن كثرة أسفاره أو عن كثرة ضربه للنساء كما في رواية، وأما معاوية فصعلوك أي لا مال له ولكن تزوجى بأسامة بن زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومحبوبه فظهر عليها عدم الرغبة لأنه أسود اللون ولأنه دخيل في قريش فقال: تزوجى به فتزوجته فكان =
رواه الخمسة إلا البخاري. وعنها قالت: طلقني زوجي ثلاثاً فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة
(1)
. رواه مسلم وأبو داود. عن أبي إسحاق رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ومعنا الشّعبي فحدّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة فأخذ الأسود كفّاً من حصىً فحصبه به وقال: ويلك تحدّث بمثل هذا؟! قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا نترك كتاب الله وسنة نبياً لقول امرأةٍ لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة. قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}
(2)
- رواه الخمسة إلا البخاري.
وقال جابر رضي الله عنه: طلقت خالتي ثلاثاً فخرجت تجد نخلها فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: اخرجي فجدّي نخلك لعلّك أن تصدّقي منه أو تفعلي خيراً
(3)
. رواه أبو داود ومسلم والنسائي.
=فيه خير وغبطها النساء عليه، وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو النصح الواجب على كل مسلم استشير فإنه يجب عليه بذل النصيحة للمستشير.
(1)
صريح في أن المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة وعليه ابن عباس وأحمد؛ وقال عمر رضي الله عنه والحنفية: لها السكنى والنفقة لقوله تعالى - {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} - كما في الحديث الآتى، وقال جماعة والمالكية والشافعية: إنه يجب لها السكنى بنص القرآن ولا نفقة لها بحديث فاطمة هذا.
(2)
المسجد الأعظم هو مسجد الكوفة، فعلماؤها وهم إسحاق والأسود بن يزيد والشعبى كانوا جلوسًا في هذا المسجد فحدث الشعبى بحديث فاطمة بنت قيس فرماه الأسود بالحصى وقال: ويلك تحدث بهذا وقد قال عمر رضي الله عنه: لا نأخذ بقول امرأة ربما تنسى ما وقع لها ونترك قول الله تعالى - {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} - أي فلها السكنى والنفقة بنص القرآن، وحاصل ما تقدم أن الحوامل تجب لهن النفقة والسكنى حتى يضعن مطلقا والمتوفى عنها زوجها لها السكنى دون النفقة، والمطلقة ثلاثًا فيها خلاف، بقيت الرجعية وهى في حكم الزوجة أي فلها السكنى والنفقة.
(3)
قوله تجد نخلها أي تقطع ثمره، ففيه جواز الخروج للمعتدة نهارا لحاجتها وعليه بعضهم للضرورة، وقال الحنفية: لا تخرج ليلا ولا نهارا كالرجعية، وقد ذيلنا الخاتمة ببضع أحاديث تفيد وجوب الإنفاق على الزوجات والأولاد والأتباع وتقدم في كتاب الزكاة عدة أحاديث تصرح بذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة ما ترك غنيّ واليد العليا خير من اليد السّفلى وابدأ بمن تعول، تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني
(1)
ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن أطعمني إلى من تدعني؟ فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة
(2)
. رواه البخاري وأحمد. عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم
(3)
. رواه البخاري.
عن عائشة رضي الله عنها أن هنداً بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
(4)
. رواه الشيخان. نسأل الله السّتر والتوفيق والله أعلى وأعلم.
تم الجزء الثاني. وعدة أحاديثه 1380 ثمانون وثلاثمائة وألف - ويليه الجزء الثالث وأوّله (كتاب الحدود والديات)
(1)
قوله بمن تعول أي بمن تمونه، يقال: عال الرجل أهله إذا قام بما يحتاجونه. زاد في رواية ومن أعول يا رسول الله. قال: امرأتك وولدك وجاريتك، وقوله وإما أن تطلقنى يفيد أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها، وإذا أعسر وثبت إعساره واختارت فراقه فرق بينهما، ونقل هذا عن علي وعمر وأبى هريرة والحسن وسعيد بن المسيب ومالك والشافعى وأحمد لقوله تعالى - {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} - وقيل إذا أعسر فعلى الزوجة الصبر مع زوجها ولا يفرق بينهما وبه قال عطاء والزهرى والثورى والحنفية وهو أحد قولي الشافعي.
(2)
فيه أيضًا وجوب الإنفاق على الخادم والأولاد.
(3)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيع ثمر النخل من سهمه مما أفاء الله عليه من القرى ويدخر لأمهات المؤمنين قوت العام، ففيه جواز الادخار للأهل وللضيف، ولا ينافى التوكل فإنه الاعتماد على الله تعالى بالقلب والسعي في الأسباب مطلوب بل واجب لحكم كثيرة.
(4)
فامرأة أبى سفيان شكت للنبي صلى الله عليه وسلم بخل زوجها وأنه لا يعطيها وولدها كفايتهما فأمرها بأن تأخذ ما يكفيها، فيه جواز ذكر العيوب للحاجة وفيه جواز أخذ المرأة والأولاد كفايتهم من مال الشحيح لتقصيره في الواجب عليه، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين والله أعلم.