المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم   تأليف الشيخ - التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم - جـ ٣

[منصور ناصف]

فهرس الكتاب

التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم

تأليف

الشيخ منصور علي ناصف

من علماء الأزهر الشريف

وعليه

غاية المأمول - شرح التاج الجامع للأصول

الجزء الثالث

الطبعة الخامسة

1413 هـ - 1993 م

جميع الحقوق محفوظة

دار إحياء التراث العربي

بيروت - لبنان

ص: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتاب الحدود

(1)

وفيه سبعة أبواب وخاتمة

‌الباب الأول في الترهيب من القتل وما يوجب الحد

(2)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}

(3)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْماً إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ»

(4)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ»

(5)

. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ»

(6)

. رَوَاهُما الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الحدود وفيه سبعة أبواب وخاتمة. الباب الأول في الترهيب من القتل وما يوجب الحد.

(1)

الحدود جمع حد وهو لغة الحاجز بين الشيئين وشرعًا عقوبة مقدرة على من أذنب، وحكمتها زجر النفوس وحياتها وصيانة الأرواح والأعراض والأموال، فإن من علم بأنه إن قتل أو زنى قتل وإن سرق قطعت يده انكف وحفظت الأرواح والأعراض والأموال.

(2)

كالزنا والسرقة والقذف.

(3)

هذا تنفير عظيم ووعيد شديد لمن يقتل عمدا، والمراد بالخلود طول المكث عند العلماء إلا ابن عباس كما يأتى، وهذا إذا لم يستحل القتل وإلا فهو مخلد باتفاق لأنه كفر.

(4)

ابن آدم الأول هو قابيل الذي قتل أخاه هابيل كما قال الله تعالى {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} والكفل النصيب، وكان زائدة، فلما كان قابيل أول من أراق الدم في الأرض كان عليه ذنب من كل قتل يقع في الأرض كما تقدم في العلم» من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

(5)

أي في إراقتها وهو القتل.

(6)

فأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة لأنها رأس الدين ومناره، وأول ما يحاسب عليه من حقوق العباد القتل لأنه أعظم ذنب بعد الشرك بالله.

ص: 3

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(1)

.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلاَّ مَنْ مَاتَ مُشْرِكاً أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً»

(2)

.

وَلِلتِّرْمِذِيِّ

(3)

وَالنَّسَائِيِّ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»

(4)

.

وَلِلتِّرْمِذِيِّ

(5)

: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ»

(6)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً

(7)

وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً

(8)

وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيها أَبَداً»

(9)

. رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ

(10)

وَأَكلُ الرِّبَا

(1)

ولفظه لا يزال المؤمن معنقا (بلفظ الفاعل أي خفيف الظهر صالحًا) ما لم يصب دمًا حراما (أي ما لم يقتل عمدا) فإذا أصاب دما حراما بلح (أي انقطع من السير وهذا كناية عن هلاكه).

(2)

هكذا الرواية برفع لفظ مؤمن فكل ذنب يرجى غفرانه إلا ذنب الشرك والقتل.

(3)

بسند صحيح.

(4)

لمكانته عند ربه كما يأتى في الزهد. قال الله تعالى» وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددى في قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته».

(5)

بسند غريب ولكن يؤيده ما قبله وما بعده.

(6)

فمن أعان على القتل بإرشاد أو إحضار آلة أو نحوها فحكمه كالقاتل في القصاص في الدنيا والعقاب في الآخرة.

(7)

المراد بالجبل كل شيء مرتفع، فمن تردى من جبل أي ألقى نفسه من فوقه ليموت فمات فهو في الآخرة في النار يتردى فيه أي الجبل خالدا أبدا.

(8)

السم بالتثليث: سائل يقتل شاربه والمراد كل مطعوم يقتل، فمن تحساه أي شربه فهو في النار يشربه دائما.

(9)

قوله يجأ أي يطعن، فمن قتل نفسه بحديد كسكين وسيف فهو في النار يقتل نفسه به، فكل شخص قتل نفسه بشيء عذب به في النار خالدا أبدا جزاء وفاقا كلما أمات نفسه بذلك الشئ أحيى ثم أمر بإماتة نفسه وهكذا، وأولى من قتل غيره بشيء.

(10)

قوله الموبقات أي المهلكات التى تهلك =

ص: 4

وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقَ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» . وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَتِه لِهذَا: وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً

= صاحبها، والشرك هو عبادة غير الله أو إشراكه مع الله، ولا حظ له من المغفرة. قال تعالى - {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} - والسحر أي العمل به فإنه كبيرة بإجماع، وأما تعلمه فجائز للتحفظ منه عند بعضهم وسيأتى بيانه في حد القذف إن شاء الله، وقتل النفس إلا بالحق كقتل القصاص وقتل المرتد ورجم الزانى المحصن فإنهن من الحق المشروع، وفى رواية: الكبائر سبع أعظمهن إشراك بالله وقتل النفس بغير حق، والربا، وتقدم في البيوع، وأكل مال اليتيم وتقدم في الوصايا.

(1)

التولى يوم الزحف هو الفرار من صف القتال، وكان من الكبائر لأنه ربما كان سببا في انهزام الجيش، وقذف المحصنات الغافلات عن الشر أي رميهن بالزنا، والذكور كالإناث في هذا، وكان القذف من الكبائر لأنه تجريح بل تمزيق في الأعراض التى هي أعز شيء لدى الإنسان بعد الدين. نسأل الله السلامة.

(2)

قوله أبغض الناس أي عصاة المسلمين، وإلا فالكافر مبغوض أكثر منهم، وقوله ملحد في الحرم أي مائل عن الحق إلى الباطل بارتكاب المعاصى في الحرم الذي عظمه الله فقد عصى من جهتين، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية أي عادتهم كالنياحة والكهانة ومطالبة الأب بدين ابنه أو الابن بدين أبيه وليس للمدين مال، وقوله ومطلب دم امرئ ليهريقه أي ومن يبالغ في طلب شخص ليقتله ظلما وعدوانا، فهذه الثلاثة شر الناس عند الله.

(3)

فالزانى والسارق وشارب الخمر والقاتل ليسوا بمؤمنين حين تلبسهم بهذه المعاصى بل هم كفار إن علموا تحريمها واستحلوها، أو هذا تغليظ للتنفير عن تلك المحرمات أو يخرج إيمانهم حين عصيانهم، فإن عادوا وتابوا رجع إليهم الحديث أبى داود» إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان» وكالزانى غيره، وقوله والتوبة معروضة بعد أي بابها مفتوح لكل تائب إلا إذا وصل إلى حد الغرغرة أو طلعت الشمس من مغربها كما يأتى في كتاب الذكر والدعاء والتوبة إن شاء الله.

ص: 5

ثُمَّ تَابَ وَاهْتَدَى فَقَالَ: وَأَنَّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ

(1)

سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَجِئُ الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقاً بِالْقَاتِلِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَماً

(2)

» فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ سَلْ هذا فِيمَ قَتَلَنِي ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَتْ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ

(3)

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً تَوْبَةٌ؟ قَالَ: لَا، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ آيَةَ الفُرْقَانِ إِلَى ـ إِلاَّ مَنْ تَابَ ـ قَالَ: هذِهِ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ ـ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ

(4)

. رَواهُمَا النَّسَائِيُّ وَالشَّيْخانِ فِي التَّفْسِيرِ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

أي لا توبة له.

(2)

أي تسيل دما.

(3)

نزلت أي - {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} - الآية.

(4)

فسعيد قال لابن عباس: هل للقاتل عمدا توبة؟ قال: لا، فقرأ عليه سعيد - {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} - فهذه الآية بعد ذكر الإشراك والقتل والزنا ظاهرة في قبول التوبة من هؤلاء. فقال ابن عباس: هذه آية مكية نسختها التى نزلت بعدها في المدينة وهى - {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} - وورد عن ابن عباس أن آية الفرقان نزلت في أهل الشرك وآية النساء نزلت في أهل الإسلام الذين علموا شرائعه وحدوده. وعلى أي حال فالقاتل عمدا لا توبة له عند ابن عباس وهو مخلد في النار لظاهر تلك النصوص، وقال العلماء سلفًا وخلفًا: إن له توبة كغيره من العصاة، ولقوله تعالى - {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . ولحديث الإسرائيلى الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا وسيأتى في كتاب الذكر والاستغفار إن شاء الله. ولحديث الطفيل بن عمرو الدوسى الآتى هنا، وقياسًا على توبة الكافر الذي فعل كل شيء قال الله تعالى - {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} - فالمسلم المحمدى أولى من الكافر ومن الإسرائيلى، وتلك النصوص محمولة على المستحل، أو المراد منها التغليظ. والله أعلم.

(5)

ولفظه من قتل نفسًا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا. وفى رواية مائة عام، المعاهد من عاهده المسلمون أو أمنوه أو كان كتابيًا، فمن قتله عمدا فقد أخفر بذمة الله أي غدر وخان عهده ولم يشم ريح الجنة الذي يشم من مسافة بعيدة، فالمعاهد كالمسلم في حرمة دمه وعرضه وماله.

ص: 6

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ

(1)

فَأَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَمَرِضَ الرَّجُلُ فَجَزِعَ فَقَطَعَ بَرَاجِمَهُ بِمَشَاقِصَ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ

(2)

فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي مَنَامِهِ بِهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ مُغَطِّياً يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّياً يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ»

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ آمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌فصل في القصاص

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يأُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

(4)

.

وَقَالَ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنْثَى}

(5)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ عَمَلَ هذَا بِكِ

(1)

أي هل تهاجر إلى بلادنا يا رسول الله فإننا نحفظك في حصن حصين ونمنعك من كل سوء.

(2)

البراجم جمع برجمة وهى مفاصل الأصابع، والمراد أطرافها، فلما اشتد مرضها عليه قطعها بمشاقص - جمع مشقص وهو سهم عريض النصل -.

(3)

هذا صريح في أن الله غفر له إلا يديه، ولما طلب من ربه أن يغفرهما له قال له: لا نصلح لك ما أفسدته، ولكن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه مقبول، وفيه دليل للجمهور، ولا يقال هذه رؤية منامية لا يعول عليها في الأحكام؛ لأنا نقول لما أقرها النبي صلى الله عليه وسلم صارت في حكم الحديث. والله أعلم.

فصل في القصاص

(4)

القصاص القود وهو أن يفعل بالجاني كما فعل في غيره، أي ولكم في مشروعية القصاص حياة طويلة فإن الشخص إذا علم أنه سيقتل إن قتل غيره انكف فبقيت حياته وحياة من كان يريد قتله.

(5)

القتلى جمع قتيل، والمعنى فرض الله عليكم القصاص والمماثلة فيه، أي المساواة بين القاتل والقتيل، فالحر يقتل بالحر لا بالعبد، والعبد يقتل بالعبد، والأنثى بالأنثى، والمساواة في قصاص الأعضاء فرض أيضًا قال تعالى: - {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} -.

ص: 7

أَفُلَانٌ؟ أَفُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رَأْسُهُ بِحَجَرَيْنِ

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• وَعَنْهُ أَنَّ ابْنَةَ الخَّضْرِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَها فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَجَتْ إِنْسَاناً فاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «الْقِصَاصُ الْقِصَاصُ»

(3)

فَقَالَتْ أُمُّ الرَّبِيعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلَانَةَ؟ وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا

(4)

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الرَّبِيعِ الْقِصَاصُ كِتَابُ اللَّهِ» . قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا أَبَداً. قَالَ: فَمَا زَالَتْ حَتَّى قَبِلوا الدِّيَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ»

(5)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ

(1)

رض أي شدخ والجارية هي الأنثى التى لم تبلغ كالغلام، فرجل يهودى رأى على جارية أنصارية أوضاحًا من فضة فأوقعها في قليب وشدخ رأسها بين حجرين، فجيء بها النبي صلى الله عليه وسلم في حال النزع فقال لها: أقتلك فلان؟ فأشارت برأسها لا، عدة مرات فقال أقتلك اليهودى فلان؟ فأشارت نعم فجاءوا به فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله بين حجرين جزاء وفاقا وعملا بالمساواة، ولقوله تعالى - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} - ولقوله تعالى - {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} - فالقاتل يقتل بما قتل به وعليه الجمهور، وخالف الكوفيون محتجين بحديث البزار» لا قود إلا بالسيف» وهو ضعيف من طرقه كلها، وعلى فرض ثبوته فهو خلاف قاعدتهم أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه، وفيه أن الرجل يقتل بالمرأة وعليه الجمهور أو هو إجماع من يعتد بهم.

(2)

بأن يفعل في بنت النضر كما فعلت بالجارية من كسر ثنيتها إحدى الثنايا مقدم الأسنان.

(3)

بالنصب على الإغراء ويجوز الرفع، أي المشروع القصاص.

(4)

ليس ردًا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم بل تسويف لرجاء قبول الدية وشفاعة الشافعين وكان كذلك فقبلوا الدية، وقوله القصاص كتاب الله إشارة إلى قوله تعالى - {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} - وقيل إلى قوله - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} - وهذه رواية مسلم ولكن في البخارى وأبي داود أن الذي راجع النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن النضر في أخته الربيع المشار إليها في الحديث السابق، ولعل الواقعة تعددت.

(5)

أي إن من العباد عبدا لو أقسم على الله ورجاه لأجابه لمكانته عنده. نسأل الله أن نكون منهم.

ص: 8

فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ

(1)

وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. نَسْأَلُ اللَّهَ الرُّشْدَ وَالْهِدَايَةَ. واللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الباب الثاني في الدية

(2)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}

(3)

{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}

(4)

.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاؤُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاؤُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً

(5)

وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ

(6)

وَذلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ

(7)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(8)

وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

(1)

كتب الإحسان على كل شيء أي أمر بالإتقان في كل شيء كحديث» إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه» وقوله» إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» بالكسر هيئة القتل باللطف بمن يقام عليه الحد وإجابته في طلبه قبله وعرض الشهادتين عليه حتى يموت على الإسلام، وسيأتى الكلام على بقية الحديث في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله. والله أعلى وأعلم.

(الباب الثاني في الدية)

(2)

الدية هو ما يعطى في مقابلة النفس أو ما دونها.

(3)

فإذا عفا أولياء الدم عن القاتل فلهم مطالبته بالدية وعلية الأداء بإحسان بكل الواجب بدون تسويف، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة، وذكر الأخ حمل لهم على العفو وإيذان بأن القتل لم يقطع أخوة الإسلام.

(4)

فيه أن القاتل خطأ عليه كفارة وهى عتق رقبة مؤمنة فإن لم تيسر فعليه صيام شهرين متتابعين، وهل في العمد وشبهه كفارة؛ الظاهر نعم بالأولى.

(5)

فيه أن الواجب أولا القصاص والدية بدل عنه، وقيل الواجب أحدهما، وبيان الحقة وما منها في الحديثين تقدم في الزكاة، وفيه أن دية العمد مثلثة على هذا البيان وعليه الشافعي وجماعة.

(6)

أي وما تصالحوا عليه من غير ذلك فهو جائز لهم.

(7)

أي الدية.

(8)

بسند حسن.

ص: 9

«فِي دِيَةِ الْخَطَإِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُوراً

(1)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَدِيَ قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(3)

.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمانَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النَّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذلِكَ كَذلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَقَامَ خَطِيباً فَقَالَ: أَلَا إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ، فَفَرَضَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مَائَتيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ

(4)

وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعاً فِي الْبَقَرِ وَالشَّاءِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ وَبِهِ قَضى عُمَرُ رضي الله عنه»

(6)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

وَأَحْمَدُ.

(1)

فدية الخطأ مخمسة كهذا، قال الترمذى وعليه بعضهم وأحمد وإسحاق، وفى عون المعبود وعليه أبو حنيفة. وذهب الليث ومالك والشافعى إلى أن دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة.

(2)

بسند ضعيف.

(3)

بسند صالح.

(4)

قوله وعلى أهل الورق اثنى عشر ألفًا، قد وافق حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث قبله، وقوله مائتي بقرة وألفى شاة ينظر في سن البقر والشياه، وقوله مائتى حلة كل حلة إزار ورداء وقميص وسراويل من أي نوع من الثياب، فالدية على أهل الذهب ألف دينار، وهذا باتفاق وعلى أهل الورق اثنا عشر ألفًا وعلى هذا الجمهور والأئمة الثلاثة، وقال الثورى والكوفيون: إنها عشرة آلاف فقط، وفى هذا أن الدية تكون من الإبل أو البقر أو الغنم أو الثياب أو النقدين على حسب الميسور عندهم ولكن قال الشافعي: لا أعرفها إلا من الإبل وهى مائة أو قيمتها، ولا خلاف بين حديث عمرو هذا وحديث ابن عباس قبله فإن النقدين قيمة للإبل وهى تختلف بالزمان والمكان.

(5)

بسند صالح.

(6)

أما عدم قتلة فباتفاق، وأما كونها كدية العمد فعليه الجمهور إلا أبا حنيفة وأحمد فإنهما على قول عبد الله الآتى.

(7)

بسند صالح.

ص: 10

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ

(1)

.

وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثونَ جَذَعَةً وَأَرْبعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا خَلِفَةٌ

(2)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(3)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا

(4)

» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ

(6)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهِ

(7)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

وَلِلْبَيْهَقِيِّ: دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ

(8)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَأَحْمَدُ

(9)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا

(1)

وعلى هذا بعض السلف وأبو حنيفة وأحمد.

(2)

كلها أي الأربع وثلاثون خلفة أي حوامل.

(3)

بسندين صالحين.

(4)

في هذا بيان لشبه العمد وهو أن يضربه بشيء لا يقتل عادة ولا يقصد قتلة كالسوط والعصا فيموت، بخلاف العمد فإنه يضربه بما يقتل عادة ويقصد قتله، وبخلاف الخطأ فإنه يضرب شيئًا كصيد فيصيب شخصا فيقتله، فدية شبه العمد كدية العمد السابقة في الحديث الأول وعليه الجمهور. وقال مالك: ليس في كتاب الله إلا الخطأ والعمد فقط، ودية العمد معجلة على الجانى وأما دية شبه العمد ودية الخطأ فعلى العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين.

(5)

بسند صالح.

(6)

فمن تطبب بشد الباء أي ادعى علم الطب ولا يعلمه وعالج مريضًا فمات فهو قتل خطأ وعلى عاقلته الدية.

(7)

فأرش المرأة في الجراحات كأرش الرجل فيما دون الثلث، فإن بلغه أو زاد فعل النصف من أرش الرجل وعليه الجمهور، وقال الليث والثورى والشافعية والحنفية: إنها نصف الرجل في القليل والكثير لحديث البيهقي.

(8)

سنده ضعيف ولكن ورد من طريق أخرى بلفظ دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل.

(9)

بسند حسن ولفظ النسائي وأحمد: عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين، فهذه الرواية تبين الكافر في الرواية الأولى وأنه =

ص: 11

أَوْ وَرِثَ مِيرَاثاً يَرِثُ عَلَى قَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ

(1)

». وَفِي رِوَايَةٍ: «قَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دِيَةِ الْمُكَاتَبِ يُقْتَلُ يُودَى ما أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا بَقِيَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ

(2)

» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(3)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَا

(4)

فِي رَمْيٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحِجَارَةٍ أَوْ بِالسِّيَاطِ أَوْ ضَرْبٍ بِعَصاً فَهُوَ خَطَأٌ وَعَقْلُهُ عَقْلُ الْخَطَإِ، وَمَنْ قُتِلَ عَمْداً فَهُوَ قَوَدٌ، وَمَنْ حَالَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ».

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ غُلَاماً لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ فُقَرَاءُ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ شَيْئاً

(5)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(6)

وَالنَّسَائِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

=الكتابى فقط، والروايتان صريحتان في أن دية الكتابي على النصف من دية المسلم وعليه بعض الصحب والتابعين ومالك وأحمد، وقال بعض الصحب والتابعين والشافعى وإسحاق: إنها ثلاث دية المسلم لقول عمرو بن شعيب السابق في خطبة عمر، وروى عن بعض الصحب أنها كدية المسلم وعليه سفيان والحنفية، وأما دية المجوسى وكل مشرك فثمانمائة درهم. لحديث ابن حزم» دية المجوسى ثمانمائة درهم» وروى هذا عن علي وابن مسعود وقضى به عمر كما رواه الشافعي وغيره.

(1)

فإذا استحق دية قريب له أو ورث ميراثًا عن قريب له حر لم يترك وارثًا غيره فإنه يأخذ من الدية ومن الميراث بقدر ما أدى من كتابة.

(2)

قوله يودى مضارع مجهول من وداه يديه أعطى ديته، فإذا قتل المكاتب فعلى قاتله دية حر بقدر ما أدى من كتابته وباقيه دية مملوك، ومعلوم أن دية المملوك قيمته، فالمكاتب في الجناية له وعليه كالحر بقدر ما أدى من كتابته، وروى هذا عن علي رضي الله عنه وقال به إبراهيم النخعى، ولكن أهل العلم كلهم على أن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم كما تقدم في العتق.

(3)

بسند حسن.

(4)

قوله في عميا بكسر العين والميم مع تشديدها مقصورًا من العمى أي في حال عمى أمره ولم يتبين قاتله، وقوله فهو خطأ أي شبه الخطأ كما قاله البيهقي فمن قتل في معركة لا يدرى قاتله ففيه دية مغلظة على عاقلة الأسرة الأخرى، ومن قتل عمدًا فهو قود أي حكمه القود، ومن نازع في هذا فعليه اللعنة والغضب، ولا يقبل منه فرض ولا نفل.

(5)

لم يقتص من الغلام لعدم تكليفه، ولفقرهم أسقط عنهم الأرش، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والغلام الجانى هنا كان حرًا، وأما المملوك فجنايته في رقبته حرًا كان المجنى عليه أولا، باتفاق العلماء كلهم.

(6)

بسندين صالحين.

ص: 12

‌دية الجنين غرة

(1)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ ابنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوفِّيَتْ فَقَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا أَيِ الْجَانِيَةِ

(2)

.

وعَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ

(3)

وَقَضى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِيَةِ وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ فِمِثْلُ ذلِكَ يُطَلُّ

(4)

فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ» . رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.

دية الجنين غرة

(1)

الجنين هو حمل المرأة ما دام في بطنها، وسمي جنينًا لاجتنانه أي استتاره.

(2)

قوله عبد أو أمة بيان للغرة، وقوله قضى عليها - أي لها - ماتت فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لأولادها وزوجها ومنه العقل أي الدية التى وجبت لها على عصبة الجانية السابق بيانهم في الميراث.

(3)

أي أمة.

(4)

قوله على عاقلة الجانية متعلق بالفعلين قبله، فدية الجنين ودية المرأة على عاقلة الجانية دية شبه خطأ. وقوله وورثها أي جعل إرث القتيلة لولدها وباقى ورثتها، فقال حمل بن النابغة أحد عصبة الجانية يا رسول الله كيف أغرم أي أدفع دية من لم يظهر منه شيء من علامات الحياة كالأكل والشرب والصياح، فمثل هذا يطل أي يهدر دمه، والقتل هنا كان خطأ لأنه كان بحجر لا يقتل، أما لو ضربتها بما يقتل فماتت فعليها القود كما في رواية أن امرأة رمت أخرى بمسطح (عود الخباء) فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة وأن تقتل والله أعلم.

ص: 13

‌دية الأطراف

(1)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هذِهِ وَهذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ

(2)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءً عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ لِكُلِّ إِصْبَعٍ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَاحِبَاهُ

(4)

.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَوِّمُ دِيَةَ الْخَطَإِ

(5)

عَلَى أَهْلِ الْقُرى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عَدْلَهَا مِنَ الْوَرِقِ وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ قِيمَتَهَا، وَإِذَا رَخُصَتْ نَقَصَ قِيمَتَهَا وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عَدْ لِهَا مِنَ الْوَرِق ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَضى عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَقَالَ: الْعَقْلُ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى قَرَابَتِهِمْ، فَمَا بَقِيَ فَلِلْعَصَبَةِ

(6)

وَقَضى فِي الْأَنْفِ إِذَا جُدِعَ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَإِنْ جُدعَتْ ثُنْدُؤَتُهُ فَنِصْفُ الْعَقْلِ

(7)

وَفِي الْيَدِ إِذَا قُطِعَتْ نِصْفَ الْعَقْلِ

(8)

وَفِي الرِّجْلِ نِصْفَ الْعَقْلِ

(9)

. وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الْعقْلِ وَالْجَائِفَةُ مِثْلُ ذلِكَ

(10)

وَفِي الْأَصَابِعِ فِي كُلِّ

دية الأطراف

(1)

المراد بالأطراف أعضاء الجسم ولو غير مرئى كقوة السمع والبصر والعقل.

(2)

فلا فرق بين طويلة وغيرها بل كلها في القيمة سواء.

(3)

قوله اليدين والرجلين بدل، وقوله سواء حال، وعشر من الإبل لكل أصبع مبتدأ وخبر.

(4)

بسند صحيح.

(5)

قوله دية الخطأ ومثلها دية العمد إذا عفوا عن القاتل، قوله أو عدلها من الورق أي قيمتها من الفضة، وقوله ويقومها على أثمان الإبل لهذا وردت متفاوتة.

(6)

فالدية لورثة القتيل الفرائض لأهلها وللعصبة الباقى، ولا يعتبر العفو في قتل العمد إلا منهم.

(7)

ففى قطع الأنف كله الدية كاملة وفى ثندؤته نصفها والثندؤة بضم الثاء والدال وبالهمز وبالفتح بدون همز طرف الأنف الذي يتحرك بتحريكه.

(8)

وقضى في قطع اليد ولو من الرسغ بنصف الدية وكالقطع إعدام حركتها بأن صارت شلاء.

(9)

أي وفى قطع الرجل ولو من الكعبين نصف العقل.

(10)

أي وقضى في المأمومة والجائفة بثلث الدية والمأمومة الشجة التى تصل إلى جلدة تسمى أم الدماغ، والجائفة هي الطعنة التى تصل إلى جوف الرأس أو البطن والظهر، وهذا إن لم تقتل وإلا صار قتلا.

ص: 14

إِصْبَعٍ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ سِنَ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: «مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِناً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ

(3)

وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ. وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ،

(4)

وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ

(5)

، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ مِنَ الْإِبِلِ

(6)

، وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ

(7)

، وإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَاحِبَاهُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: قَضى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعيْنِ الْعَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا إِذَا طَمِسَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي الْيَدِ الشَّلاَّءِ إِذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إِذَا نُزِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا

(8)

. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(9)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ

(10)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَاحِبَاهُ

(11)

.

(1)

ودية كل إصبع ولو قطع من المفصل عشر من الإبل ودية كل سن خمس من الإبل لا فرق بين ضرس وغيره، وإذا كانت الجناية على الأطراف عمدًا أو شبهه فالدية مغلظة وإلا فمخففة.

(2)

بسند صالح.

(3)

أي من قتل مؤمنًا عمدًا وشهد عليه من رآه أو سمعه يعترف بقتله فإنه يقتص منه إلا إذا رضى أولياء الدم بالدية.

(4)

وهل في الحشفة الدية أو نصفها.

(5)

وفى الصلب أي وفى كسر صلب الظهر الدية، وفى العينين أي في فقئهما أو إذهاب الإبصار منهما الدية، وفى الواحدة نصفها.

(6)

والمنقلة بلفظ اسم الفاعل مع التشديد الشجة التى ينتقل بسببها قشور تكون على العظم دون اللحم فيها خمس عشرة.

(7)

الموضحة بكسر الضاد الجراحة التى ترفع اللحم عن العظم وتوضحه أي تكشفه صغيرة أو كبيرة.

(8)

ففى فقء حبة العين التى لم تبصر وقطع اليد الشلاء ونزع السن المسوسة في كل ثلث دية.

(9)

بسند صالح.

(10)

المواضح جمع موضحة وتقدمت، وفى الواحدة منها خمس من الإبل أو قيمتها إن لم تتيسر الإبل.

(11)

بسند حسن، وما لم ينص عليه يقاس على غيره إن شاركه في العلة وإلا ففيه حكومة، وهى الفرق بين قيمته صحيحًا ومجروحًا لو كان رقيقًا. وهذا يجب أصلا من الدية. والله أعلم.

ص: 15

‌القسامة

(1)

• عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ، فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَة وَمُحَيِّصَةُ

(2)

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «كَبِّرِ الْكُبْر»

(3)

أَوْ قَالَ: «لِيَبْدَإِ الْأَكْبَرُ» فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» . قَالوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ قَالَ: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» . قَالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِهِ

(4)

.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

القسامة

(1)

القسامة - بالفتح أيمان تحلف بسبب قتيل جهل قاتله فيحلف خمسون من أولياء الدم على شخص فيقام عليه الحد وإلا فيحلف خمسون من المتهمين على براءتهم ويبرأون، وهى من أمر الجاهلية وأقرها الشارع.

(2)

حويصة ومحيصة - بضم ففتح فكسر مع التشديد.

(3)

الكبر - بضم فسكون أي عظم من هو أكبر منك ودعه يتكلم أدبًا معه.

(4)

قوله فيدفع برمته، الرمة - كقبة - الحبل، والمراد هنا الحبل الذي يربط به القاتل ويسلم إلى أولياء الدم، وقوله فوداه بتخفيف الدال أي أعطى ديته من عنده منعًا للعداوة، ولفظ البخارى: تأتونى بالبينة على من قتله، قالوا ما لنا بينه قال فيحلفون قالوا لا نرضى بأيمان اليهود، فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة، ولفظ اليمين من أولياء القتيل: والله العظيم إن فلانًا قتل فلانًا، والذي يحلف الورثة والأقارب، ولفظ اليمين من المتهمين: أقسم بالله العظيم إنى ما قتلت فلانًا، فإذا قتل شخص بين قوم فإن كانت بينة عمل بها وإلا فيحلف خمسون من أولياء الدم على شخص معين ثم يقتص منه، فإن أبوا حلف خمسون من المتهمين ببراءتهم ولا شيء عليهم، ففيه أن القصاص يثبت بالقسامة وعلية الجمهور والأئمة الثلاثة، وقال الكوفيون: لا يثبت القصاص ولكن تجب الدية. نسأل الله الهداية والتوفيق والله أعلم.

ص: 16

‌الباب الثاث فيمن يُهدَر

(1)

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَك

(2)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَجْمَاءُ عَقْلُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ

(3)

». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَقَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَا قَوَدَ وَلا دِيَةَ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ: «فَلا تُعْطِهِ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ

(5)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌حكم المرتد والساعي بالفساد والخوارج

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(6)

.

(الباب الثالث فيمن هدر)

(1)

في بيان الذين يهدرون إذا قتلوا أو تلف عضو منهم، فلا قصاص ولا دية لهم لأنهم تسببوا في قتل أنفسهم.

(2)

حكم بإهداره لتعديه بما لا يجوز.

(3)

تقدم هذا في الزروع من كتاب البيوع.

(4)

فلو نظر شخص في داخل بيتك متعمدًا فرميته بحصاة ففقأت عينه مثلا فهو هدر لنظره بدون إذن.

(5)

لأنه صائل وآثم، فلا قصاص ولا دية إن لم يرجع بالأخف وهذا باتفاق، وسبق في الزروع: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى والله تعالى أعلم.

حكم المرتد والساعى بالفساد والخوارج

(6)

فمن يرجع عن دين الإسلام فقد كفر وحبط عمله وسيخلد في النار، وسيأتى حل دمه في الحديث.

ص: 17

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(1)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِأَحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ

(2)

» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه حَرَّقَ قَوْماً ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَبَلَغَ ذلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ. «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» . فَبَلَغَ ذلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ

(4)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ فأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ

(1)

فمن يحاربون الله ورسوله بأنواع العصيان ويسعون في الأرض بالفساد فجزاؤهم القتل إن قتلوا، والقتل والصلب إن قتلوا وأخذوا المال، وتقطيع الأيدى والأرجل إن أخذوا المال فقط، والنفى إن أخافوا الناس فقط، وكالنفى ما يشبهه في التنكيل كالحبس والتشهير.

(2)

فلا يحل قتل مسلم إلا بإحدى ثلاث وهي: النفس بالنفس كمن ثبت عليه القتل عمدا بشهادة أو باعتراف منه فحكمه القتل قصاصا بمثل ما قتل غيره إلا إذا عفوا عنه، والثيب الذي ثبت زناه بشهادة أربع أو باعترافه فحكمه الرجم، والتارك لدينه المفارق لجماعة المسلمين حكمة القتل بعد أن يستتاب مرات عديدة ولا يرجع لدينه.

(3)

ففى إمارة على رضي الله عنه ارتد قوم عن الإسلام، فأمر على بتحريقهم بالنار فحرقوهم، فسمع بهذا ابن عباس وكان أميرا على البصرة من قبل علي رضي الله عنهما، فقال: لو كنت مكانه ما حرقتهم بالنار، فإنه لا يعذب بها إلا الله تعالى، بل كنت قتلتهم بالسيف بعد دعوتهم للإسلام مرارا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه لليمن» أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها» فلما سمع على بقول ابن عباس قال: صدق، فرجع للحق واعترف به وهى فضيلة كبرى لاسيما إذا كانت من كبير كما هنا.

(4)

ولكن أبو داود هنا والبخارى في الجاسوس في كتاب الجهاد، وإلى هنا حكم المرتد وما يأتى في الساعى بالفساد.

ص: 18

فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا فَقَتَلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

(1)

النفر من ثلاثة إلى عشرة وكانوا هنا سبعة، وعكل - كقفل - قبيلة من العرب وفى رواية: من عرينة، وفى أخرى: من عكل وعرينة وهو الصواب لرواية الطبراني: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل، فهؤلاء السبعة جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأقاموا بها فاجتووا المدينة أي كرهوا الإقامة لما أصابهم الجوى وهو داء في الجوف إذا تطاول قتل صاحبه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى البادية مع إبل الصدقة فيشربون من ألبانها وأبوالها ففعلوا فعادت صحتهم فارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعى النبي صلى الله عليه وسلم واسمه يسار النوبى، وسرقوا إبل الصدقة وذهبوا بها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم وراءهم عشر من فارسا وأميرهم كرز، فأدركوهم فجاءوا بهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف لحد السرقة، وكذا أمر بسمل أعينهم أي فقئها وإلقائهم في الحرة ولم يحسموا جروحهم ولم يسقوهم حتى ماتوا لأنهم قتلوا وسرقوا وكفروا بعد إيمانهم وفيهم نزلت - إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله - الآية وعلى هذا الجمهور سلفًا وحلفا.

(2)

سببه أن عليا رضي الله عنه كان يقاتل الخوارج فقال كما في مسلم وهو يخاطبهم: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلأن أخر من السماء أحب إلى من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان جمع حدث وهو الصغير سفهاء الأحلام ضعاف العقول يقولون من قول خير البرية أي يتكلمون بالقرآن والحديث ولكن إيمانهم لا يجاوز حناجرهم أي فإيمانهم بلسانهم فقط ولم تؤمن قلوبهم ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أي محل رميه إذا خرقه وخرج منه أي فلا دين لهم لخلو قلوبهم منه فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ففى قتلهم أجر كبير. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل من كان بهذه الصفة فردًا كان أو جماعة لأن في بقائه في الأرض فتنة عظيمة على الدين وأهله. نسأل الله السلامة، ومعلوم أن الذي يقتلهم هو الحاكم الذي يقيم الحدود في الأرض.

(3)

ولكن البخارى في القرآن ومسلم في الزكاة والترمذى في الفتن وسيأتى فيها وصف الخوارج على سعة إن شاء الله.

ص: 19

‌من سب النبي صلى الله عليه وسلم يُقتل

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَمَها

(1)

.

وَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمى قَتَلَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَجَمَعَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ وَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَنَهَيْتُهَا مِرَاراً وَزَجَرْتُهَا فَلَمْ تَسْمَعْ فَوَضَعْتُ الْمِغْوَرَ فِي بَطْنِهَا وَقَتَلْتُهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا اشْهَدُوا إِنَّ دَمَهَا هَدَرٌ

(2)

». رَواهُمَا أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدَيْنِ صَالِحَيْنِ.

‌الباب الرابع في حد السرقة ونصابها

(3)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

(4)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ

من سب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل

(1)

جعله هدرا لا قصاص فيه ولا دية.

(2)

المغور - كمنبر - كالسيف ولكنه قصير يشتمل به الرجل تحت ملابسه. وفقه الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دم من سبه مسلمًا كان كما في الحديث الثاني أو ذميًا كما في الأول ولا خلاف في وجوب قتل المسلم الذي يسب النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الخلاف في الذمي، فعند مالك يجب قتله إلا أن يسلم، وعند الشافعي يقتل وتبرأ منه الذمة، وقال أبو حنيفة: لا يقتل وما هو عليه من الشرك أعظم. نسأل الله الرشد والهداية والله أعلم.

(الباب الرابع في حد السرقة ونصابها)

(3)

أما نصابها الموجب للقطع فهو ما يأتى في الأحاديث، وأما حدها فهو المذكور في الآية.

(4)

أي إن ثبتت السرقة على شخص باعترافه أو بشهادة عدلين فاقطعوا يده اليمنى من الكوع في المرة الأولى، فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى من الكوع، فإن عاد قطعت رجله اليمنى كذلك، فإن عاد عزر وقيل يقتل، وهذا نكال لهم وزجر لغيرهم فتأمن الناس على أموالهم وأرواحهم.

ص: 20

وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ

(1)

».

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً

(2)

». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ سَارِقاً فِي مِجَنَ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ

(3)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِجَنَ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَسُئِلَ فَضَالَة بْنُ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنْ تَعْلِيقِ الْيَدِ فِي الْعُنُقِ لِلسَّارِقِ أَمِنَ السُّنَّةِ هُوَ؟ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ

(5)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. واللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌ما لا قطع فيه

(6)

عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ: «مَنْ أَصابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ

(1)

البيضة هي بيضة الحديد التى يلبسها المجاهد على رأسه تحفظه من السلاح، والحبل واحد الحبال ومنهما ما يساوى عدة دراهم.

(2)

الدينار قدره بالعملة المصرية ستون قرشا فيكون ربعه بالنقد المصرى خمسة عشر قرشا.

(3)

المجن بكسر ففتح آلة يتقى بها المقاتل السلاح.

(4)

بسند صالح، وهذا الحديث لا ينافى ما قبله فإن قيمة المجن تختلف باختلاف نوعه وصنعه كبقية الأشياء، لحديث عائشة» لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فأكثر أوما قيمته ذلك» وعليه بعض الصحب والتابعين والليث والشافعى وإسحاق وغيرهم، وقال مالك وأحمد: تقطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته أحدهما لحديثي عائشة وابن عمر، وقال العراقيون ومنهم الحنفية: لا قطع إلا في عشرة دراهم فصاعدا أو ما قيمته ذلك لحديث ابن عباس ولحديث البيهقي وغيره: كان المجن يقوَّم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة دراهم.

(5)

فتعليق اليد في العنق بعد قطعها تنكيل له وعبرة لغيره فإن فيه من الزجر ما لا مزيد عليه. نسأل الله الستر والتوفيق آمين.

ما لا قطع فيه

(6)

بيان الأشياء التى لو أخذها شخص لا تقطع يده لسماح النفوس بها غالبا.

ص: 21

وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئاً بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ سَرَقَ دُونَ ذلِكَ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ

(3)

».

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ

(4)

».

• عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ

(5)

». رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(6)

.

(1)

الثمر يطلق على الثمار كلها، ويغلب على ثمر النخل وهو الرطب ما دام على شجره، وذو الحاجة شديد الفقر، والخبنة - كالغرقة طرف الثوب والإزار، والجرين - كالحزين - موضع تجفيف الثمر كالبيدر الموضع الذي تداس فيه الحنطة ليخلص حبها من عيدانه، فمن كان جائعا وأكل من ثمر الشجر فلا شيء عليه، ومن أخذ منه شيئًا فعليه قيمته وعقوبة كما يراها الحاكم زجرًا له وعبرة لغيره، وكذا إن أخذ من الجرين ثمرًا لم يبلغ ثمن المجن، فإن بلغه فعليه قطع حد السرقة لأنه أخذه من حرز مثله، وهل من أقيم عليه حد السرقة يجب عليه رد ما سرقه أو قيمته؟ الظاهر نعم لأن الحد حق الله والمال حق العباد ولا يسقط أحدهما بالآخر.

(2)

بسند صالح.

(3)

الكثر كالقمر: الجمار، فلا قطع فيه ولا في الثمر إذا أخذهما من الشجر لعدم وصولهما إلى حرز المثل وعليه الجمهور ومالك والشافعى، وقال الحنفية بعمومه: فلا قطع في شيء من الفواكه ولو كانت في حرز مثلها وقاسوا عليها اللحوم والألبان والأشربة، ولكن فيها العقوبة.

(4)

الخائن من يأخذ المال مما اؤتمن عليه كوديعة أو عارية، والمنتهب من يأخذ المال علانية قهرًا كالغاصب والمختلس من يأخذ المال ويختطفه بسرعة، فلا قطع على واحد من هؤلاء لأنه يمكن إرجاعه بالاستغاثة إلى ولاة الأمور لمعرفتهم ولكن يؤدبهم الحاكم بما يراه بخلاف السرقة فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أعظم في الزجر عنها، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين والأئمة الأربعة بلى حكى بعضهم الإجماع عليه، ولكن مذهب إسحاق القطع فيمن جحد العارية وروى ذلك عن أحمد.

(5)

فلا تقام الحدود في الجهاد حتى يعودوا للأوطان خوفًا من أن يلحق بالأعداء.

(6)

الثاني بسند صحيح والأول والآخر بسندين صالحين. نسأل الله التوفيق.

ص: 22

الباب الخامس في حد الزنا

(1)

قَالَ اللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}

(2)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً لَا يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَى وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِلْخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ

(3)

».

• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ

(4)

». رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ

(5)

جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ

(6)

إِلا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّه فَقَالَ الْخَصْمُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ فَافْضِ بَيْنَنَا

(الباب الخامس في حد الزنا)

(1)

أي في بيان الحد على الزنا ولا يثبت إلا بالاعتراف أو بشهادة أربع كما يأتى، وحكمة تحريم الزنا ما فيه من اختلاط الأنساب وهتك الأعراض التى هي أعز شيء لدى الإنسان.

(2)

فمن ثبت زناه ولم يتزوج فإنه يضرب مائة جلدة على ظهره بعصا ونحوه بحضور جمع من المؤمنين للزجر والعبرة.

(3)

فمن علامات الساعة رفع العلم بموت أهله ولا يخلفهم غيرهم فيفشوا الجهل في الناس ويضلوا، ومن العلامات ظهور الخمر والزنا وقد كثرا في زماننا هذا حتى صارت مواضعهما رسمية. نسأل الله السلامة، ومن العلامات قلة الرجال بموتهم في الفتن ويلزمه كثرة النساء حتى يتبع الخمسون منهن رجلا واحدًا.

(4)

فمن توكل أي حفظ لي ما بين رجليه وهو الفرج وما بين لحييه وهو اللسان ضمنت له الجنة، ونص عليهما لأن معظم البلاء منهما.

(5)

لم يحصن - بكسر الصاد أي لم يتزوج زواجا صحيحًا وبفتحها أي لم يحصن نفسه بنكاح صحيح.

(6)

أي أسألك بالله.

ص: 23

بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هذَا

(1)

فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ وَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ

(2)

وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا

(3)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا

(5)

فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ

(1)

أي أجيرًا عنده.

(2)

أي مردودان عليك لأن ما أخذ بعقد فاسد كهذا لا يملك بل يجب رده وأنيس هذا تصغير أنس بن الضحاك الأسلمي من قبيلة هذه المرأة.

(3)

فصريح ما تقدم أن البكر ذكرًا أو غيره إذا زنى يضرب مائة جلدة وينفى من وطنه إلى مسافة القصر سنة كاملة متوالية لإيحاشه ببعده عن أهله ووطنه فينزجر، والرقيق كالحر إلا أنه على النصف منه وعلى هذا الشافعي والجمهور، وقال مالك والأوزاعى: لا نفى على المرأة والعبد، وعن أحمد روايتان، وقال الكوفيون لا نفى على الزانى مطلقًا لعدم ذكره في القرآن، ولكنهم محجوجون بهذه النصوص، وقد غرب عمر إلى الشام وعثمان إلى مصر وعلى إلى البصرة وهو أبلغ في الزجر لشدة الوحشة.

(4)

قوله خذوا عنى أي الحكم فيمن يزنى، قد جعل الله لهن سبيلا أي النسوة التى ورد ذكرهن في قوله - واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا - فهذا الحديث بين السبيل وهو: الجلد والتغريب للبكر والجلد والرجم لغيره، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين، ولكن الجمهور والأئمة الأربعة على أن الثيب عليه الرجم فقط لأنه أكبر حد وللاقتصار عليه في بقية الأحاديث.

(5)

وهى: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم،=

ص: 24

أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَجَاءَ مَاعِزٌ الْأَسْلِمِيُّ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الآخَرِ فَقالَ إِنَّهُ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الآخَرِ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ فَرَّ يَشْتَدُّ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ حَتَّى مَاتَ فَذَكَرُوا ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هَلا تَرَكْتُمُوهُ

(2)

». وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُ: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» قَالَ: لَا. وَفِي أُخْرَى: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» قَالَ: لَا قَالَ: «أَحْصَنْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ

(3)

. وَفِي رِوَايَةٍ: فَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الصَّحَابَة فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ

(4)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَفْظُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أُتِيَ بِيَهُودِيَ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ إِلَى يَهُودَ فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟ قَالُوا:

=هذه كانت آية تتلى ثم نسخت تلاوتها وبقى حكمها.

(1)

فشرط إقامة الحد الإقرار من الزانى أو الشهود الأربعة أو ظهور الحمل من الأم ولم تذكر إكراها ولا شبهة، وبسط ذلك في كتب الفروع.

(2)

في قوله الرابعة أي المرة الرابعة واعترافه أربع مرات كشهادة الأربعة، وقوله مس الحجارة أي حرارتها فرّ هاربا، وقوله هلا تركتموه يشير إلى سقوط الحد بالفرار.

(3)

قوله لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت تعريض له بالرجوع عن الاعتراف والستر على نفسه، ولكنه لم يرجع حتى قال له في رواية تبكيتا له هل نكتها؟ قال نعم، فأمر برجمه بأن يوقف بين جماعة ورموه بالحجارة حتى يموت.

(4)

قوله اختلفت فيه الصحابة أي في قبول توبته لكشف ما اقترفه وكان جديرًا به أن يستر على نفسه فمن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، وإن الله ستير يحب الستيرين، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه تاب توبة تسع أمة عظيمة.

ص: 25

نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا وَيُطَافُ بِهِمَا

(1)

قَالَ: فَاتُوا بِالتَّوْرَاةِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَأَتَوْا بِهَا فَقَرَؤُهَا حَتَّى إِذَا جاءتْ آيَةُ الرَّجْمِ سَتَرَهَا الَّذِي يَقْرَأُ بِيَدِهِ وَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَهُ فَرَفَعَهَا فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُمَا وَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَقِي الْمَرْأَةَ مِنَ الْحِجَارَةِ بِنَفْسِهِ

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا زَنتِ الْأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبُ ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ ثُمَّ إِنْ زَنتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ

(3)

». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ. نَسْأَلُ الله السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين.

‌لا يقام الحد على النفساء والحامل حتى تضع

(4)

خَطَبَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ

(1)

أي قالوا عقابهما أن نسود وجوههما ونركبهما على دابتين ووجوههما إلى الخلف ونطوفهما القرية فضيحة لهما وتركوا الرجم المأمور به في التوراة.

(2)

أي ينحنى عليها ليحفظها من الحجارة لأنها خليلته التى كان يخلو بها، وفى الحديث: أن أهل الكتاب إذا ترافعوا إلينا في أي شيء عاملناهم بشرعنا قال تعالى - فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين -.

(3)

فإذا ثبت زنا الأمة فعلى سيدها جلدها، ولا يثرب أي لا يعنف ولا يوبخ، فإن زنت مرة ثانية فليجلدها، فإن زنت ثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر، وفى رواية: ولو بضفير. أي بحبل مضفور، وظاهره أن للسيد إقامة الحد على مملوكه وعلى هذا الجمهور، فالرقيق لا يرجم وإن كان محصنًا بل يجلد خمسين على النصف من الحر لقوله تعالى - {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} - وعليه جمهور الصحب والتابعين والأئمة الأربعة، ومن قال بالتغريب كالشافعى يوجب على الرقيق نصف سنة. والله جل شأنه أعلى وأعلم.

لا يقام الحد على النفساء والحامل حتى تضع

(4)

فيؤخر الحد عن النفساء حتى تصح وعن الحامل حتى تضع وتصح وتستغنى عنهما الأولاد رحمة بالجميع.

ص: 26

لَمْ يُحْصِنْ فَإِنَّ أُمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَنتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ

(1)

فَخَشِيتُ إِنْ جَلَدْتُهَا قَتَلْتُهَا فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أُحْسَنْتَ» .

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أُصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ

(2)

فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا فَقَالَ: «أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا

(3)

ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا» فَقَالَ لَهُ عُمرُ: تُصَلِّى عَلَيهَا يَا نَبِنَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى

(4)

». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيُّ.

‌حكم اللواط وإتيان البهائم والمحارم

(5)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ

(6)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(7)

.

(1)

قوله بنفاس أي بولادة فأخرت الحد عليها فاستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

أي ارتكبت ذنبًا يوجب الحد فأقمه على.

(3)

أي لفت عليها لئلا تنكشف حين رجمها.

(4)

أي وهل وجدت توبة أفضل من بيع الروح في مرضاة الله تعالى حيث اعترفت بذنبها وقبلت الرجم خوفًا من الله وطلبًا لمرضاته أي لا أفضل من هذه. نسأل الله الستر لنا وللمسلمين في الدنيا والآخرة آمين.

حكم اللواط وإتيان البهائم والمحارم

(5)

اللواط هو النكاح في الدبر، وإتيان البهائم نكاحها، والمحارم جمع محرم وهى من حرمت عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

(6)

عمل قوم لوط هو نكاح الذكر في دبره قال تعالى فيهم - {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} - والحديث يأمر بقتلهما برميهما من مكان عال أو بهدم بناء عليهما كذا قيل، وقال مالك وأحمد: إن اللوطى يرجم محصنًا أولا. وقال الكوفيون والشافعى: إن حكم الفاعل كحكم الزانى، وعلى المفعول به جلد مائة ونفى سنة محصنًا أولا. ذكرًا أو غيره.

(7)

بسند ضعيف ولفظ النسائي: لعن الله من عمل عمل قوم لوط.

ص: 27

وَلِلتِّرْمِذِيِّ

(1)

: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ

(2)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأَنُ الْبَهِيمَةِ؟» قَالَ: مَا أُرَاهُ قَالَ: «ذلِكَ إِلا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا وَقَدْ عُمِلَ بِهَا هذَا الْعَمَلُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

كَمَا رَوَيَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ

(4)

.

وَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَرُفِعَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الكُوفَةِ فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُكَ بِالْحِجَارَةِ فَوَجَدُوهُ قَدْ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَجَلَدُوهُ مِائَةً

(5)

رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(6)

.

(1)

بسند حسن.

(2)

إنما خافه وأمر بقتلهما لما فيه من الإضرار وقطع النسل الذي عليه العمران الكوني.

(3)

مرفوعة وموقوفة على ابن عباس ولذا كان ضعيفًا ولم يأخذ به الأئمة الأربعة فلا تقتل البهيمة ولا الفاعل بل يعزر بما يراه الحاكم.

(4)

قوله نكح امرأة أبيه أي تزوج بها بعد وفاته كعادة الجاهلية وقد أبطلها الشرع بقوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} وقوله فأمرني بضرب عنقه وأحذ ماله لأنه استحل ما حرم الله تعالى فارتد عن الإسلام ولدمه وماله.

(5)

أي إن كانت امرأتك جعلتها حلالا لك عزرتك وبالغت فيه إلى جلد مائة فإنها لما أحلتها له صارت إعارة فروج وهي لا تصح فوطؤها وطء شبهة، وإلا رجمتك لأنه محصن فظهر الأول فجلده مائة، ولم يوقع الحد على الجارية لأنها مغلوب عليها.

(6)

الأول بسند حسن والثاني فيه اضطراب.

ص: 28

‌حد القذف والسب والسحر

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

(2)

.

• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاعْتَرَفَ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَلَيْهَا فَسَأَلَهَا فَأَنْكَرَتْ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ وَتَرَكَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ بِكْراً فَجَلَدَهُ مِائَةً وَسَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَرَأَةِ فَعَجَزَ وَكَذَّبَتْهُ فَجَلَدَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذلِكَ وَتَلَا الْقُرْآنَ فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ

(5)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(6)

.

حد القذف والسب والسحر

(1)

القذف هو الرمي بالزنا، والسب أعم منه، والسحر مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة للعادة، وله تأثير في القلوب الحب والبغض وفي الأبدان بالألم ونحوه، ولكنه لا يقلب الجماد حيوانًا وبالعكس، وإن كان فيه ما يقتضي كفرًا كفر، وتعلمه التحفظ منه جائز، وإن كان يقتل ففيه القصاص عند الشافعية اهـ شرح الجامع الصغير، وسيأتي في الطب ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم منه إن شاء الله.

(2)

فمن يرمي محصنًا مشهورًا بالعفة بالزنا وليس له شهود أربعة على قوله فإنه يجلد حد القذف ثمانين جلدة ولا تقبل شهادته لأن رميه كبيرة إلا إذا تاب وحسن حاله فإنه ينتهي فسقه وتقبل شهادته.

(3)

الفرية - بالكسر الكذب والبهتان، فمن اعترف أنه زني بامرأة سماها وأنكرت هي فإنه يقام عليه حد الفرية فقط دون الزنا لأن إنكارها شبهة تدرأ الحد عنه، وعلى هذا الأوزاعي وأبو حنيفة، وقال مالك والشافعي: يحد للزنا فقط للرواية الأولى ولأنه أكبر الحدين، وقيل يحد للزنا وللقذف عملا بالروايتين ووفاء بحق الخالق والمخلوق.

(4)

بسندصالح.

(5)

فلما سبت عائشة ونزلت براءتها صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر. وقرأ {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} الآيات، ثم نزل وأمر بإقامة حد القذف على من ظهر منهم وهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وسيأتي الحديث بهذا مطولا في تفسير سورة النور.

(6)

بسند حسن.

ص: 29

وَلِلْبُخَارِيِّ: مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِئٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(1)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَا يَهُودِيُّ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ وَإِذَا قَالَ يَا مُخَنِّثُ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ

(2)

وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ

(4)

.

• عَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. نَسْأَلُ اللَّهُ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ.

‌الباب السادس في حد شارب الخمر

(6)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ

(7)

.

رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَدَّ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ

(8)

.

(1)

ظاهره أنه لا عقاب عليه إلا في الآخرة لأنه في الدنيا مالك له.

(2)

هذا تنفير فقط للحديث الآتي: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله، وقال الجمهور: هو على ظاهره كما يأتي، فحد القذف ثمانون، وأما السب والشتم فعليه عقوبة بما يراه الحاكم.

(3)

فمن نكح محرما له وهو يعلم فإنه يقتل بالسيف، قال الترمذي: وعليه أصحابنا، وقال أحمد: من تزوج أمه قتل لأنه استحل ما حرم الله فارتد فحل قتله، وعموم الحديث يشمل كل ناكح وكل زان بمحرمه.

(4)

ولكن يؤيده حديث البراء السابق.

(5)

فمن سحر فإنه يقتل بالسيف وعليه بعض الصحب والتابعين ومالك وأحمد. بل قال مالك: إنه كافر بالسحر فيقتل ولا يستتاب فإن توبته لا تقبل، وقال الشافعي: لا يقتل إلا إذا عمل في سحره ما يبلغ به الكفر وإلا فلا وهذا كله إذا لم يقتل بسحره وإلا قتل بلا خلاف والله أعلم.

(الباب السادس في حد شارب الخمر)

(6)

المراد بالخمر ما خامر العقل وستره سائلا كان أو غيره مما ظهر في هذا الزمان من الحشيش والكوكايين ونحوها.

(7)

قوله جلد بالجريد والنعال أي أمر بهما، والريف الأرض الزراعية ذات المياه.

(8)

فالنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أقاما الحد على شارب الخمر بضربه أربعين على ظهره، ولكن لما كثر شرب =

ص: 30

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ: «اضْرِبُوهُ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: لَا تَقُولُوا هكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ

(1)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَكَانَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَاراً وَكَانَ يُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْماً فأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي سَاسَانَ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَزِيدُكُمْ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُما حُمْرَانُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ فَقَالَ عُثْمَان: مَا قَاءَ إِلا بَعْدَ مَا شَرِبَ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ: قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلدْهُ فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا فَقَالَ: يَابْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ: أَمْسِكْ ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهذَا أَحَبُّ إِلَيَّ

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

= الخمر في زمن عمر استشار أصحابه فأشار عليه عبد الرحمن بن عوف وعلى بن أبي طالب بأن يجعل حده كأقل الحدود التي أمر الله بها وهي حد القذف ثمانون فأنقذه عمر رضي الله عنهم.

(1)

فيه جواز الضرب بكل شيء يؤلم، ومن ضرب بثوبه فتله قبله.

(2)

فيه النهي عن اللعن وهو لا يجوز ولو لحيوان، بل فيما قبله النهي عن مطلق الدعاء على المرتكب بل المطلوب الدعاء له بالهداية، وفي هذا أن محبة الله ورسوله لا تمنع من الزلل أحيانًا ليدوم ذل العبد لربه.

(3)

أبو ساسان اسمه حضين بن المنذر قال: كنت مع عثمان وهو خليفة فجاؤا بالوليد وقالوا إنه صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم أي على ركعتين لأنه سكران بل وشهد عليه حمران بن أبان مولى عثمان أنه رآه يشرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيأ فقال عثمان لعلي قم فاجلده، فقال على للحسن، قم فاجلده فقال ولِّ=

ص: 31

‌التعزير بالضرب والحبس والنفي

(1)

• عَنْ أَبِي بُرْدَةَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَداتٍ إِلا فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى

(2)

» رَوَاهُ الْخمْسَةُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَإِنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَححَهُ.

وَحَبَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فِي تُهَمَةٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(4)

. وَحَبَسَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَوْماً اتُّهِمُوا بِسَرِقَةٍ أَيَّاماً ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا امْتِحَانٍ

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ

= حارَّها من تولى قارها أي باردها، أي كلف من يتمتع بلذيذ الخلافة من خواص أقاربك باقامة الحدود، وقد اشتهر حينذاك أن عثمان يؤثر أقاربه، وذاك مثل من أمثال العرب، فأمر عثمان بن جعفر فضربه الحد، فلما ضربه أربعين قال على كفي، جلد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل أمر حسن، ولكن هذا أي الأربعون أحسن عندي لأنها فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه بعض الصحب والتابعين والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض الصحب والتابعين ومالك وأبو حنيفة: حد الخمر ثمانون. والرقيق على النصف من الحر، والذي لا حد عليه إلا إذا احتكموا إلينا. ومن تكرر منه الشرب يحد ثمانين فقط ويوبخ بما يراه الحاكم لعله ينزجر. وما ورد في أبي داود والترمذي من أن من تكرر شربه يقتل في الرابعة منسوخ كما قاله الترمذي ولم يأخذ به أحد، أو أنه محمول على من استحل ذلك. والله أعلم.

التعزير بالضرب والحبس والنفي

(1)

التعزير التأديب بما يراه الحاكم من ضرب ونحوه.

(2)

وفي رواية: لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله. فلا تجوز الزيادة عليها في التأديب. وعليه بعض السلف وأحمد وبعض الشافعية، وقال مالك والشافعي ومحمد وأبو يوسف: تجوز الزيادة عليها إذا دعت الحال لحديث الترمذي السابق في القذف: إذا قال الرجل للرجل يا يهودي فاضربوه عشرين. وضرب عمر أكثر من مائة وأقره الأصحاب.

(3)

فالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه ضربوا الأشرار ونفوهم عن الأوطان تأديبًا لهم ومنعًا لشرهم عن الناس.

(4)

بسند حسن.

(5)

فيجوز التهديد بنحو الحبس بقصد أن يعترفوا وإلا فينزجروا.

(6)

بسند صالح.

ص: 32

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النَّسَاءِ وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكمْ وَأَخْرَجَ فُلَاناً وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَاناً

(1)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ هذَا؟» فَقالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ قَالَ: «إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌لا يضرب الوجه ولا يقام حد في المسجد

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ قَالَ: «إِذا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ

(3)

». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْتَقَادَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ وَأَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُدُودُ

(4)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

والتِّرْمِذِيُّ.

(1)

الرجل المخنث المتشبه بالنساء. والمترجلات من النساء المتشبهات منهن بالرجال تصنعًا. فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بنفيهم حفظًا للأخلاق. ونفى فلانًا هو أنجشة العبد الذي كان يحدو لركب النبي صلى الله عليه وسلم ونفى عمر فلانًا هو ماتع وفي رواية: ونفي عمر فلانًا وفلانًا وهما بعيث وماتع عند بعضهم.

(2)

فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم مخنثًا خضب يديه ورجليه بالحناء أنكر ذلك لأنها عادة النساء وأمر بنفيه إلى النقيع - كالبقيع - موضع بضواحي المدينة. وفقه ما تقدم أن على الإمام ونوابه تأديب الأشرار بما يراه زاجرًا لنفوسهم ومقومًا الأخلاقهم من ضرب وحبس ونفي وتشهير ونحوها لكسر شوكتهم ولتأمين الناس على حياتهم. والله أعلم.

لا يضرب الوجه ولا يقام حد في المسجد

(3)

لأنه أشرف الأعضاء ومجمع المحاسن، فضربه وتشويهه حرام ولو لحيوان إذا صال. وتقدم الحديث في العتق.

(4)

قوله أن يستقاد في المسجد أي يقام فيه القود وهو القصاص. وقوله وأن تنشد فيه الأشعار أي المذمومة كهجو من لا يجوز هجوه، أما أشعار الحكمة فلا، وسيأتي الشعر في كتاب الأدب إن شاء الله، وقوله وأن تقام فيه الحدود تعميم بعد تخصيص، فلا تجوز إقامة أي حد في المساجد سواء كان لله أو للناس حفظًا لها من التنجيس ولتبقى معدة للعبادة كما جعلت لها. والله أعلم.

(5)

بسند صالح.

ص: 33

‌شروط إقامة الحدود

(1)

• عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ، فَقَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلا فَهْماً يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ

(2)

وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَلا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقَرَّ فَسَلّمَهُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَذَهَبَ بِهِ وَفِي عُنُقِهِ نِسْعَةٌ فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَبَلَغَ الْوَلِيَّ مَقَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَفَا عَنْهُ

(3)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ

(4)

: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ

(5)

».

• عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

شروط إقامة الحدود

(1)

فيشترط فيمن يقام عليه الحد أن يكون بالغًا رشيدًا مختارًا، وأن لا يكون أصلا لصاحب الحق، وأن يعترف أو تشهد الشهود وأن يساوي صاحب الحق في الحرية على خلاف يأتي.

(2)

قوله العقل أي بيان الدية، وقوله وألا يقتل مسلم بكافر أي حربي أو مشرك وهذا بإجماع. أما الذي فيقتل فيه المسلم عند الشعبي والنخعي والحنفية. وقال الجمهور: إنه لا يقتل فيه لدخوله في الكافر.

(3)

قوله فأقر محل الشاهد. وقوله في عنقه نسمة بكسر فسكون: حبل من جلد يجعل في عنق القاتل ويسلم به لأولياء المقتول، وقوله القاتل والمقتول في النار. وفي رواية: إن قتله فهو مثله. أي عليه الإدانة لأن القتل كان شبه عمد أي ففيه الدية ولكنه كان فقيرًا فلا قصاص عليه.

(4)

بسند حسن.

(5)

قوله ومن جدع عبده أي قطع أنفه، جدعناه أي قطعنا أنفه قصاصًا، وإذا ثبت القصاص بينه وبين عبده فغيره أولى، فليست المساواة في الحرية شرطا في القصاص وعليه النخعي والثوري. وقال أصحاب أبي حنيفة: يقتل بعبد غيره فقط دون عبده. وقال الجمهور. إن المساواة في الحرية شرط في القصاص لقوله تعالى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} فهذه الآية ناسخة للحديث أو هو للزجر.

ص: 34

يَقِيدُ الْأَبَ مِنَ ابْنِهِ وَلَا يَقِيدُ الاِبْنَ مِنْ أَبِيهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ

(3)

» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْبُخَارِيُّ مَوْقُوفاً.

• عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ لاِمْرَأَةٍ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَى اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكِ

(4)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مُطَوَّلًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَاسْتُكْرِهَتِ امْرَأَةٌ عَلَى الزِّنَى عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ وَأَقَامَهُ عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَهْراً

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

. واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين.

‌الباب السابع في العفو والستر ما لم يبلغ الإمام

(7)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

(8)

.

• عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «مَنْ أُصِيبَ بِقَتْلٍ أَوْ خَبْلٍ فَإِنَّهُ

(1)

قوله يقيد بفتح الياء، من قاده أي يأخذ القود للأب من ابنه بخلاف العكس لأن الأب كان سببًا في وجود الابن فلا يكون سببًا في عدمه فلا يقتص من الأصل لفرعه.

(2)

بسند ضعيف ولكن أهل العلم كلهم عليه.

(3)

فالنائم والصبي والمجنون لا إدانة عليهم لعدم تكليفهم وإن صحت عبادة الصبي وأجر عليها. وتقدم الحديث في شروط الصلاة.

(4)

فمن أكره على الزنا فلا حد ولا ذنب عليه لقوله تعالى {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولحديث: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ولكن من زنى بها أقيم عليه الحد بعد اعترافه.

(5)

قوله فدرأ عنها الحد أي لم يأمر بإقامة الحد عليها لإكراهها ولم يجعل لها مهرًا، وهلا تقاس بمن وطئت بشبهة وكأنه لم يطالبه بأكثر من الموت فإنه رجم كما في الترمذي.

(6)

بسند غريب ولكن يؤيده ما قبله.

(الباب السابع في العفو والستر ما لم يبلغ الإمام)

(7)

فإذا بلغ الحد الحاكم فلا عفو ولا ستر وإلا تعطلت الحدود وتجرأت الأشرار، وفي الحديث: لحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا.

(8)

في العفو عظيم الأجر ورضا الرب جل شأنه.

ص: 35

يَخْتَارُ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ وَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُفِعَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إِلا أَمَرَ بِالْعَفْوِ فِيهِ

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ: مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً

(4)

.

وَجَاءَ مَاعِزٌ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقَرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَقَالَ لِهَزَّالٍ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِ بِالاعْتِرَافِ: لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْراً لَكَ

(5)

.

• عَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلا الْحُدُودَ» .

وَفِي رِوَايَةٍ: «تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدَ فَقَدْ وَجَبَ

(6)

». رَوَى الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ

(7)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ادْرَأُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَأَنْ يخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ

(8)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ

(9)

.

وَعَنْهَا أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَفَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ

(1)

قوله الخبل - كحبل - هو فساد الأعضاء، فمن ثبت له قتل فله القصاص أو الدية أو العفو فإن طلب الرابعة أي الزائدة عن الثلاث نفذوا على يديه أي امنعوه.

(2)

إرشاد لمكارم الأخلاق قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} .

(3)

بسند صالح.

(4)

قوله فيتصدق به أي بالعفو عن الجاني.

(5)

فإن من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.

(6)

الأمر في قوله أقيلوا وفي قوله تعافوا لذوي الحقوق، أي تجاوزوا عن الحدود فيما بينكم قبل أن تبلغني وإلا أنها لا سيما عثرات أهل الفضل والدين فسترهم واجب في غير الحدود لمكانتهم الدينية.

(7)

بأسانيد صالحة.

(8)

الأمر في ادرأوا للولاة، أي اتركوا الحدود من المسلمين بقدر الاستطاعة إن وجدتم للجاني مخرجا، فإن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، فلا يقام الحد إلا على من ليس له سبيل للخلاص.

(9)

سند الحاكم والبيهقي صحيح.

ص: 36

حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَشْفَعَ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ «ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَلِلنَّسَائِيِّ: إِقَامَةُ حَدَ بِأَرْضٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً

(2)

. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحبُّ وَيَرْضى آمِين.

‌خاتمة: الحدود جوابر

(3)

• عَنْ عُبَادَةَ

(4)

بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: «تُبَايِعُونِي عَلَى أَلا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ فَمَنْ وَفَى

(5)

مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنيَا

(1)

المرأة المخزومية هي فاطمة بنت الأسود المخزومي من بني مخزوم قبيلة قرشية مشهورة، ففاطمة هذه سرقت حليا فاهتم لها قريش لشرفها فيهم وخافوا الفضيحة من الحد عليها وفكروا فيمن يشفع لها عند النبي صلى الله عليه وسلم فوقع اختيارهم على أسامة بن زيد، حب أي محبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة في رفع الحد عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشفع في حد من الحدود .. ثم خطبهم فقال: إنما هلك السابقون لأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف أي الغني تركوه لغناه، وإذا سرق الضعيف حدوه، وايم الله بقطع الهمزة ووصلها وبضم الميم أي وايم الله قسمي لو سرقت فاطمة بنتي لأقمت الحد عليها، ومعلوم أنها أحب الناس إليه وهي التي بقيت بعد وفاة أولادهم صلى الله عليه وسلم كلهم، ومنها كان النسل الشريف الحسن والحسين وذريتهما رضي الله عنهم.

(2)

ففي إقامة الحدود كسر لشوكة الظالمين وإخافة لأهل الشر والمفسدين، فتحفظ الأرواح والأعراض والأموال بإرادة الله تعالى. والله أعلى وأعلم نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.

خاتمة الحدود جوابر

(3)

فإقامة الحد على من ارتكب تكفر ذنبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن زنى وقدم نفسه فرجم» لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» ولقوله الآتي: فهو كفارة له.

(4)

فعبادة هذا أحد النقباء الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، ليلة العقبة.

(5)

قوله فمن وفى بالتشديد وعدمه فأجره على الله وفي رواية: فله الجنة.

ص: 37

فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئاً مِنْ ذلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ». زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذلِكَ

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(عدد أحاديث كتاب الحدود 107 مائة وسبعة فقط)

(1)

قوله: فهو كفارة له. صريح في أن الحدود مكفرات لا زاجرات. وفي رواية للترمذي» ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة» وعلى هذا الجمهور. وقال بعضهم: إنها زاجرات فقط وعليه العقاب في الآخرة. والنفس إلى الأول أميل فإنه هو اللائق بالكرم الإلهي. نسأل الله التوفيق للرشد والهداية آمين والله أعلم.

ص: 38

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتاب الإمارة والقضاء

(1)

وفيه خمسة فصول وخاتمة

‌الفصل الأول في بيان من هو أحق بالإمارة

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ هذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ هذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ

(4)

» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَى عَشَرَ خَلِيفَةً» ، ثمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي مَا قَالَ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الإمارة والقضاء

(1)

الإمامة والإمارة: هي الولاية العامة. والقضاء: هو الحكم بين الناس بما أنزل الله.

(2)

فلا يزال أمير الولاية العامة حقًّا لقريش ما بقي منهم اثنان.

(3)

هذا شرط في استحقاقهم الخلافة دون الناس.

(4)

قوله في هذا الشأن، أي شأن الخلافة. وقوله: مسلمهم المسلمهم وكافرهم لكافرهم. وقوله: في الخير والشر. أي في الإسلام والجاهلية فهم سادة الناس في كل زمان وفي كل حال، وللترمذي في الفتن» قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة».

{فائدة}

سئل النبي صلى الله عليه وسلم من قريش فقال: من ولد النضر بن كنانة. وقيل من ولد فهر بن مالك. وعلى الأول الشافعي والولى العراقي والنووي والحافظ العلائي وعزاه للمحققين وإنما خصت قريش بالولاية دون سائر الناس لأنها شجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنها جبلت على المروءة والكرم والشجاعة وقوة الحزم وأصالة الرأي ولحديث أحمد والحاكم: إن للقرشي مثل قوة الرجلين من غير قريش.

ص: 39

قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(1)

.

• عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذلِكَ ثُمَّ قَالَ سَفِينَةُ: أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَ فَوَجَدْنَاهَا ثَلَاثِين سَنَةً» قَالَ سَعِيدٌ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ قَالَ: «كَذَبُوا بَنُوا الزَّرْقَاءَ بَلْ هُمْ مُلُوكٌ مِنْ شَرِّ الْمُلُوكِ

(2)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الزهد في الإمارة

(3)

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا

(4)

وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وأْتِ الَّذِي

(1)

ورواه أبو داود في كتاب الهدي بلفظ» لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة» وهؤلاء الخلفاء الذين يعتز بهم الإسلام هم من أبي بكر الصديق إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم بعد حذف معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم فإن إماراتهما لم تصح ولم تطل مدتها. وعددهم اثنا عشر وبهم كان الإسلام قويًا منيعًا إلى موت عمر بن عبد العزيز في نهاية القرن الأول الذي هو أفضل القرون، وإن كانت الخلافة الكاملة في ثلاثين سنة كما سيأتي.

(2)

سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، والزرقاء حدة لبني أمية. فمدة الخلافة التي على طريقته صلى الله عليه وسلم ثلاثون سنة فهى خلافة نبوة ثم ملك بعد ذلك أي ثم يكون الخليفة على طريقة الملوك. وأولهم معاوية مع ما اشتهر عنه من أصالة الرأي وشدة الحزم وتمام نظام الملك. ومدة خلافة النبوة بينها حديث أحمد بقوله: أمسك خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين، وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين، وعثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي رضي الله عنه ست سنين. وبعضهم زاد في بعضها وبعضهم نقص، وبعضهم أدخل فيها مدة الحسن رضي الله عنه ستة أشهر، والأمر في ذلك سهل نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.

الزهد في الإمارة

(3)

أي مطلوب ومرغوب فيه.

(4)

فمن أتته الإمارة من غير طلب أعانه الله عليها ومن طلبها تركه ونفسه.

ص: 40

هُوَ خَيْرٌ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَة.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتَ أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاَّكَ اللَّهُ وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذلك فَقَالَ: «إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هذَا الْعَمَلِ أَحَداً سَأَلَهُ وَلَا أَحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ

(2)

». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: إِنَّ أَخْوَنَكُمْ عِنْدَنَا مَنْ طَلَبَهُ فَاعْتَذَرَ أَبُو مُوسى وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ مَا جَاءَا لَهُ فَلَمْ يَسْتَعِنْ بِهِمَا عَلَى شَيْءٍ حَتَّى مَاتَ صلى الله عليه وسلم.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَ أَبُو ذَرَ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

(1)

سيأتي هذا في كتاب الإيمان إن شاء الله.

(2)

قوله أمِّرنا أي اجعلنا أمراء على بعض الجهات فقال: لا نولي الإمارة أحدًا سألها ولا حرص عليها فإن أخونكم عندنا من طلب هذا الأمر.

(3)

قوله: وستكون ندامة يوم القيامة، أي لمن لم يعمل فيها بحكم الله. وقوله فنعم المرضعة أي الإمارة في أيامها لما فيها من المنافع واللذات العاجلة. وبئست الفاطمة أي عند ذهابها بموت أو عزل فتنقطع اللذات وتبقى الحسرات.

(4)

قوله ألا تستعملني أي تجعلني عاملا في جهة من الجهات، فضرب على منكبي وقال: إنك ضعيف عن الولاية وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من قام بحقها فله في الآخرة رفيع الدرجات. للحديث الذي تقدم في المساجد» سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل» الخ، والبزار» أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة» وللطبراني» الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة» فالسلامة في البعد عن الولاية إلا لمن كان قادرًا على القيام بأعبائها بأصالة رأيه وقوة دينه فلا بأس بها، وربما وجب عليه قبولها إذا لم يصلح غيره. والتوفيق بيد الله تعالى.

ص: 41

‌الفصل الثاني في البيعة والوفاء بها

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}

(2)

.

عَن مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ: «إِنّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لِأَهْلِهَا وَلكِنْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْخَيْرِ»

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نُبَايِعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَيُلَقِّنُنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ

(4)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَلا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهَ لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَعَلَى أَلا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ: «إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ

(5)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ

الفصل الثاني في البيعة والوفاء بها

(1)

البيعة والمبايعة مبادلة المال بالمال والمعاهدة على النصرة، ولكن المراد هنا العاهدة على السمع والطاعة مطلقًا إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة وهي التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده. ولا تعتبر البيعة إلا إذا كانت من أهل الحل والعقد أي أهل الكلمة النافذة، فإذا اختاروا شخصًا وبايعوه صار خليفة عليهم ووجب عليهم إطاعته وحرم عليهم مخالفته، وكذا يصير أميرًا من تغلب عليها للضرورة كما هو مقرر في محله.

(2)

فمن بايع النبي صلى الله عليه وسلم فإنما يبايعون الله وهو معهم أينما كانوا، فمن وفى فله عظيم الأجر ومن نقض البيعة فعليه أكبر ذنب.

(3)

إن الهجرة قد مضت لأهلها أي فاز ثوابها من هاجر قبل فتح مكة، ولكن بايعوني على الإسلام والجهاد وفعل الخير. وستأتي الهجرة أي حكمها في الجهاد إن شاء الله.

(4)

فكنا نضع أيدينا واحدًا بعد واحد في يد النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول: بايعناك على السمع والطاعة. زاد في رواية: والنصح لكل مسلم فيقول فيها استطعتم.

(5)

أي بايعناه على كل حال ولو آثر الغير علينا، وعلى ألا نطلب الولاية من أهلها، وعلى ألا ننازع الولاة في شيء إلا إن رأينا منهم كفرًا بواحا أي جهارًا أو أمروا بمعصية، وإلا فلا سمع ولا طاعة.

ص: 42

تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَلِمُسْلِمٍ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا

(2)

».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً لَا يُبَايِعُهُ إِلا لِلدُّنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلا لَمْ يَفِ لَهُ

(3)

، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ يُقَالُ هذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ النِّسَاءَ بالْكَلَامِ بِهذِهِ الْآيَةِ: {لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ إِلا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا

(6)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَالَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ رضي الله عنهما: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ مِنَ

(1)

كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء أي ترشدهم لصالح دنياهم وأخراهم في بعد نبي صلى الله عليهم وسلم، ولكن سيظهر في أمتي قوم كل يدعي الخلافة فإن رأيتم ذلك فوفوا ببيعة الأول فإنها البيعة الصحيحة.

(2)

فإذا بايع الناس شخصًا وظهر آخر يطلبها فاقتلوه إن لم يندفع بدون القتل لأنه طالب فتنة.

(3)

فمن بايع الإمام لأمر دنيوي فإن أعطاه وفّى بعهده وإلا نقض عهده فهذا لا يكلمه الله ولا ينظر إليه يوم القيامة وله العذاب الأليم. والحديث تقدم في الزروع.

(4)

الغادر من يغدر بمن عاهده إماما كان أو غيره فينصب له لواء يوم القيامة فضيحة له على رءوس الأشهاد. فالغدر حرام، والوفاء بالعهد فرض قال تعالى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} .

(5)

ولكن مسلم في الجهاد والبخاري في ترك الحيل.

(6)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بغير مصافحة ولكن يقرأ هذه الآية - {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

ص: 43

الْأَنْصَارِ نُبَايِعُهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَلا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ قَالَ: «فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ» قَالَتْ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ

(1)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي السِّيَرِ.

‌تجب إطاعة الأمير ويحرم الخروج عليه

(2)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}

(3)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي

(4)

فَقَدْ عَصَانِي».

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِبَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ

(5)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

قولها ولا نأتي ببهتان أي بولد من الزنا كعادتهن في الجاهلية إذا خافت فراق زوجها الذي لا ولد له منها جاءت به من الزنا رغبة في البقاء معه. وقولها ولا نعصيك في معروف أي في أمر معروف للشارع. وقولها هل نبايعك أي امدد يدك للبيعة، فقال إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولى لامرأة واحدة: هذا. ولكن ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصافحهن من فوق ثوب، ولعله فعل هذه مرة وتلك أخرى، وتقدم في الأيمان بضعة أحاديث في البيعة. والله أعلم نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.

تجب إطاعة الأمير ويحرم الخروج عليه

(2)

أي لقتاله أو عزله.

(3)

هم الولاة.

(4)

المراد بالأمير الوالى العام ونائبوه فإطاعتهم إطاعة الله ولرسوله يؤجر الشخص عليها.

(5)

وفي رواية: لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف.

ص: 44

وَلِلْبُخَارِيِّ: «اِسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ

(1)

».

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْداً مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ يَقُودُكمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا

(2)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ

(3)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلكِنْ مَنْ رضي وَتَابَعَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا ما صَلَّوْا

(4)

».

• عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرَ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ

(5)

فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ ذلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ» . قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ» .

(1)

مبالغة في إطاعة الوالى وإن كان حقيرًا، وإلا فقد أجمعوا على أن الولاية من الأمور الهامة التي لا يتولاها العبيد والنساء. وسيأتي في استخلاف الثقة: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.

(2)

قوله أسمع وأطيع وإن كان مجدع أي مقطع الأطراف. وهذا غاية في إطاعة الوالى وإن كان مشوها.

(3)

فمن فارق جماعة المسلمين ولو قليلا ثم مات فإنه يموت كموت الجاهلية الذين لا إمام لهم ولا جماعة بل هم شيع وأحزاب حتى الموت.

(4)

قوله فتعرفون وتنكرون أي تعرفون منهم أمورًا محمودة وتنكرون منهم أمورًا مذمومة، فمن كرهها فقد بريء منها ومن أنكرها بلسانه أو بيده فقد سلم من الإثم وكان له أجر النهي عن المنكر، ولكن يحرم قتالهم ما أقاموا الصلاة. وفي رواية: فمن أنكر فقد بريء ومن كره فقد سلم.

(5)

وفي رواية: جاءنا الله بخير. والمراد بالشر الجاهلية والمراد بالخير الإسلام.

ص: 45

وَفِي رِوَايَةٍ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» . قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذلِكَ

(1)

» رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي

(2)

وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي

(3)

».

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طاعَةٍ لَقِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .

• عَنْ عَرْفَجَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ

(4)

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِناً مَنْ كَانَ». وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَميعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ

(5)

».

• عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ

(6)

(1)

المراد بالشر بعد الخير مرة بعد أخرى ظهور الفتن والفساد مرة بعد أخرى على ما يكون الولاة والحكام كما قال: يكون بعدى أمة لا يهتدون بهداي ولا يعملون بسنتي، ويكون فيهم رجال كصورة الإنس ولكن قلوبهم قلوب الشياطين وحينئذ يلزم السمع والطاعة ولزوم الجماعة بأي حال، فإن لم تكن جماعة ولا رئيس فاعتزل الناس كلهم حتى تموت، فهذا أسلم لك.

(2)

فم اندرج تحت راية لجماعة عمية - بضم وكسر مع تشديد الميم والياء، أي لا تدرى الحق بل تقاتل للعصبية والقرابة ولو كانت على باطل فمات فليس من الأمة المحمدية.

(3)

قوله ولا يفي بذي عهدها أي من لهم عهد من أهل الذمة.

(4)

الهنات - جمع هنة وهي كلمة يكنى بها عن كل شيء والمراد بها هذا الشرور.

(5)

فإذا كانت الأمة ملتفة حول أمير وأراد واحد أن يشقها ويفرقها فإنه يحل قتله لأنه يريد أن يثير فتنة بين المسلمين.

(6)

أي يدعون لكم وتدعون لهم. وهذا يأتي من العدل والمساواة غالبًا.

ص: 46

وَشِرَارُ أَئِمَّتِكمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ» فَقَالَ: «لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ

(1)

». رَوَى مُسْلِمٌ هذِهِ الْخَمْسَةَ

(2)

.

‌الفصل الثالث فيما يجب على الأمير

(3)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

(4)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْل بَيْتِهِ وَهُوَ

(1)

فيه أنه يحرم الخروج على الإمام وإن حدث فسقه وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا بل قال بعضهم: إنه إجماع. قال علي رضي الله عنه: أمير غشوم خير من فتنة تدوم. أما الشخص الفاسق فإن بيعته لا تنعقد وفقه ما تقدم أن طاعة الولاة فرض بل يطلب الدعاء لهم بالتوفيق وصواب القول والفعل والتأبيد، ويحرم الخروج عليهم وإن ظهر فسقهم، لما فيه من إراقة الدماء وهتك الأعراض وإثارة الفتن والفساد، وهذا لا يمنع من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث لا يضره ذلك.

(2)

وروى أبو داود الثالث منها في الفتن وكذا روى الترمذي الأخير. ولما انتهينا من واجب الرعية نحو الأمير أردفناه بما يجب للرعية على الولاة.

الفصل الثالث فيما يجب على الأمير

(3)

الذي يجب على الأمير لرعيته النصح وعدم الغش والعدل والرحمة والرأفة والعمل على صالحها للدنيا والأخرى.

(4)

العدل هو المساواة بين الناس لا فرق بين قريب وغيره، ولا بين شريف وغيره، لأن الخلق كلهم عباد الله، والإحسان هو إتقان العمل، وفي الحديث: إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه.

(5)

أي اعدلوا فإن الله يحب العادلين، يقال أقسط إذا عدل وقسط إذا جار، قال تعالى - وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا -.

ص: 47

مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَدَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ رضي الله عنه عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ يَعُودُهُ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِالنَّصِيحَةِ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عز وجل وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ

(3)

» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ

(4)

».

وَدَخَلَ عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنه عَلَى عُبَيْدِ اللَّهُ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ

(1)

الراعي هو الحافظ المؤتمن على ما يليه وكل شخص راع ومسئول: فالحاكم راع على محكوميه، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وأولاده وماله، وولد الرجل راع على مال أبيه، والخادم راع على مال سيده، والكل مسئولون إن قصروا ومثابون إن أخلصوا في أعمالهم. بقي الشخص الفرد الذي لا زوج ولا ولد ولا خادم له فهو راع على جوارحه بحفظها من الحرام وقيامها بالواجب عليها شكرا لله تعالى، فصدقت الكلية: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.

(2)

فعبيد الله بن زياد كان أميرًا على البصرة من قبل معاوية فسمع بمرض معقل بن يسار الصحابي فذهب لعيادته فقال معقل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل راع يموت وهو غاش لرعيته فالجنة عليه حرام. بل إن ترك نصحها لم يدخل الجنة، أي إن استحل ذلك أو لم يدخلها مع السابقين أو هذه النصوص للزجر فقط.

(3)

قوله إنما الإمام جنة - كأمة - أي حام لرعيته تعتمد عليه في أمورها كلها، فإن أمر بتقوى الله وعدل كان له أجر الحاكم العادل وإلا كان عليه الوزر الكبير.

(4)

الشيخ لغة من بلغ الأربعين وخصه مع تحريم الزنا على كل واحد لأنه لكبر سنه جدير بالتوبة. والكذب لا يجوز من أي إنسان ولكن يرتكبه بعض الناس لجلب منفعة أو دفع مضرة، والملك لا حاجة له إلى ذلك، فغلظ عليه الكذب وعائل مستكبر أي فقير متكبر، وكان الأحرى به لفقره أي يتواضع.

ص: 48

إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ

(1)

فَإِيَّاكَ أَنْ تَكونَ مِنْهُمْ»، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟» إِنَّما النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرِهِمْ.

عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي بَيْتِي هذَا: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي فَشَقَّ عَلَيْهِمْ

(2)

فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ». رَوَى الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ

(3)

.

قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما: إِنِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ إِمَامِ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالخَلَّةِ والْمَسْكَنَةِ إِلا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ

(4)

وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَأَبُو دَاوُدَ.

وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ

(6)

وَالْحَاكِمِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ

(7)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الْإِمامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ

(1)

فعائذ بن عمرو الصحابي دخل على ابن زياد فأراد أن يعظه فقال يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن شر الرعاء الحطمة - كهمزة - الراعي الغشوم فاحذر أن تكون منهم. فقال اجلس فإنما أنت من نخالة الأصحاب، فقال له النخالة بعدهم وفي غيرهم.

(2)

أي فمن شق على رعيته وشدد عليهم شدد الله عليه، ومن رحمها رحمه الله.

(3)

ولكن الأول في الإيمان.

(4)

الخلة - بالفتح الفقر وفي المثل: الخلة تدعو إلى السلة. أي الفقر يدعو إلى السرقة. وللترمذي وأبي داود» من ولاه الله من أمر الناس شيئًا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة، واختلف في اتخاذ الحاجب للحاكم فمنعه الشافعي وأجازه آخرون. وقال جماعة يستحب لدفع الأشرار ومنع المستطيل وترتيب الخصوم، ودوامه مكروه أو حرام إن تعطل الفصل بين الناس.

(5)

بسند غريب.

(6)

بسند صحيح.

(7)

لا يدخل الجنة صاحب مكس، أي إن استحله كما كان في الجاهلية. وصاحب المكس هو من يأخذ من بائعي الأمتعة مكسًا باسم العشر سواء كان حاكما أو غيره. وأما العشر على ما فرض الله كعشر ما سقت السماء في الزكاة فهو حق كعشر تجارة أهل الذمة الآتي في الجزية في الجهاد، أما ما تأخذه حكومتنا المصرية من البائعين في أسواق الأرياف كقرش على كل بهيمة، فهو جائز لأنه لإصلاح تلك الأسواق وكأجرة للقائمين عليها من مراقب وكاتب وخفير ونحوها

ص: 49

قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ

(2)

عَنْ يَمِينِ الرَّحْمنِ عز وجل وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائيُّ.

وَلِلتِّرْمِذِيِّ

(3)

: «إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً إِمَامٌ عَادِلٌ. وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً إِمَامٌ جَائِرٌ» . نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين.

‌ينتقى الأمير الوزراء والولاة ولهم كفايته

(4)

5

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسى عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَاجْعَلْ لِي

(1)

تقدم هذا الحديث في فضل المساجد من كتاب الصلاة فارجع إليه إن شئت.

(2)

فالمقسطون أي العادلون في الدرجات العلى عند الله تعالى يوم القيامة وهم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما ولوا بفتح فتخفيف أي تولوه. وروى بضم الواو واللام مع تشديدها، أي جعلوا ولاة عليه كوقف ومال يتيم.

(3)

بسند حسن. ومعنى ما تقدم أنه يجب على الحاكم أن ينصح للرعية، وأن يشفق عليهم، وأن يعمل على مصلحتهم دائمًا، وأن يحوطهم بعطفه ولطفه وإحسانه، وأن يمثل العدل بينهم جميعًا على السواء، فإن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين والله أعلم.

ينتقي الأمير الوزراء والولاة ولهم كفايتهم

(4)

أي يجب على الأمير أن يختار حاشية ونوابًا من أصدق الناس وأحسنهم سيرة وكفاية ويعطيهم كفايتهم من بيت المال، وذلك ليستعين بهم على مهام الدولة ومصالح الناس، بل إن تهاون في انتقائهم كان خائنا الحديث الحاكم الصحيح» من استعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين».

ص: 50

وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي

(1)

اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْأَمِيرِ خَيْراً جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ

(2)

، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوْءٍ إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ عَلَى مَنْكبِهِ ثُمَّ قَالَ: «أَفْلَحْتَ يَا قُدَيْمُ

(4)

إِنْ مِتَّ وَلَمْ تَكُنْ أَمِيراً وَلَا كَاتِباً وَلَا عَرِيفاً». وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ الْعِرَافَةَ حَقٌّ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنَ الْعُرَفَاءِ وَلكِنَّ الْعُرَفَاءَ فِي النَّارِ» .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم: السِّجِلُّ كَاتِبٌ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(5)

. رَوَى الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ

(6)

.

• عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبِي وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلا تَعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا

(7)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلًا

(1)

فلما أرسل الله موسى إلى المصريين فرعون وقومه فكر فيمن يكون وزيرًا له، فلم يجد أخلص ولا أعون له على تبليغ رسالته من أخيه هارون عليهما السلام فطلبه من ربه فأجابه وأرسله معه.

(2)

فمن سعادة الوالي أن يكون وزيره مخلصًا حاذقا قوي العزيمة أصيل الرأي، ومن شقاوته أن يكون غير ذلك.

(3)

بسند صالح.

(4)

قديم تصغير مقدام بحذف الزوائد، والعريف هو رئيس القبيلة أو الجماعة من الناس بلى أمورهم ويبلغها للأمير فينظر في مصلحتهم، والعرافة - كرياسة عمل العريف وهي حق، ولكن العرفاء في النار لأنها مظنة العلم والجور، وسببه أن رجلا طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل له العرافة بعد أبيه فذكر الحديث.

(5)

أي أن السجل اسم شخص كان كاتبًا عند النبي صلى الله عليه وسلم.

(6)

بأسانيد صالحة.

(7)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي نوابه في الجهات بالتسهيل والتبشير، فإنه أدعى للامتثال كقولهم إذا أردت أن تطاع فمر بما يستطاع.

ص: 51

فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِماً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَناً». قَالَ أَبُو بكْرٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذلِكَ فَهُوَ غَالٌّ أَوْ سَارِقٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

.

• عَنْ بُرَيْدَةَ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقاً فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا اسْتُخْلِفَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَؤُونَةِ أَهْلِي وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هذَا الْمَالِ وَأَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبُيُوع. نَسْأَلُ اللَّهُ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين.

‌الإخلاص للأمير

(4)

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيَ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ

(1)

بسند صالح.

(2)

فللعامل أن يأخذ مما تحت يده مسكنًا وخادمًا لائقين به، وزوجة وما يلزمها إذا شاء فإن زاد فهو غال أي خائن، وهذا إذا لم يجعل له مال معين وإلا فلا يجوز له أخذ شيء سواه لأنه أجرة وقد رضي بها.

(3)

لقد علم قومي أن حرفتي أي كسبي كان يكفيني وشغلت الآن يأمر المسلمين فسيأكل بيتى من مالهم وأعمل على تنميته بأن يوكل من يتجر فيه فيأتي بربح يعادل ما يأخذه. وسبب قوله ذلك رضي الله عنه أنه لما استخلف أصبح غاديًا إلى السوق ومعه الثياب يتجر فيها كعادته، فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين، فقال فمن أين يأكل عيالى، قالوا نفرض لك ففرضوا له من بيت المال كل يوم شطر شاة باتفاق الصحابة. ففي هذه النصوص أن الوالي ونوابه يأخذون كفايتهم من بيت المال من غير إسراف ولا تقتير؛ لأن أوقاتهم مصروفة في المنافع العامة التي هي في مصلحة الناس كلهم. ومنهم المدرسون والخطباء والوعاظ وأئمة المساجد، والمؤذنون. وهذا إذا لم يفرض لهم قدر معين ورضوا به وإلا فلا يجوز لهم أخذ شيء مما تحت أيديهم كما تقدم والله أعلم.

الإخلاص للأمير

(4)

أي واجب على الرعية لاسيما الحاشية فعليها صلاح الأمير وفساده.

ص: 52

إِلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ

(1)

بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ

(2)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهؤُلَاءِ بِوَجْهِ

(3)

». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْفِتَنِ

(5)

.

• عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ

(6)

: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قالَ: «كَلِمَةُ حَقَ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» .

• عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ تِسْعَةٌ فَقَالَ: «إِنَّهُ سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ

(1)

البطانة مصدر وضع موضع الاسم يطلق على الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، قال البخاري: البطانة الدخلاء. جمع دخيل وهو من يدخل على الأمير في خلوته ويفضى إليه بسره. ومنه {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} وبطانة الرجل ووليجته صاحب سره، والمراد بها هنا الوزراء والحاشية، فالوالى الموفق لا يأخذ برأي أهل السوء، ولا يكونون للرسل صلى الله عليهم وسلم.

(2)

فنصح الحاشية للوالى واجب عليهم وجوبًا عينيًا.

(3)

فذو الوجهين أشر الناس لاسيما إذا كان وزرا فإنه يضر الأمير ورعيته.

(4)

سبب الحديث أن أبا بكرة كان يخطب وعليه ثياب رقاق فقال أبو بلال انظروا إلى أميرنا يلبس ملابس الفساق، فقال أبو بكرة اسكت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أهان سلطان الله أهانه الله.

(5)

بسند حسن.

(6)

الغرز - كشرط - الركاب، ولفظ الترمذي: إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر تنهاه عن ظلمه. وكانت من أفضل الجهاد لأنه عرض نفسه للهلاك في مرضاة الله تعالى كمن ثبت في صف القتال.

ص: 53

وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ

(1)

». رَوَهُمَا النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌تحرم الرشوة والهدية على الحاكم

(3)

• عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا منَ الْأَسْدِ

(4)

يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هذَا لَكُمْ وَهذَا أُهْدِيَ لَي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هذَا لَكُمْ وَهذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَبْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظَرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بِعَيرٌ لَهُ رُغَاءٌ

(5)

أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، مَرَّتَيْنِ». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ: «لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِئُ

(1)

هذا ترغيب عظيم لمن يأمر الولاة وينهاهم ويرشدهم فبصلاحهم تصلح الرعية وبفسادهم تفسد، فمفروض على حاشية الولاة أن يبالغوا في نصحهم وإرشادهم وأن يبحثوا عن علل الرعية ويعملوا على، صلاحها سائلين الله التوفيق.

(2)

بسندين حسنين.

تحرم الرشوة والهدية على الحاكم

(3)

كان الأولى تأخير هذا عن الفصل الرابع فإنه كما يحرم على الحاكم الإداري يحرم على القاضي الشرعي.

(4)

قوله من الأسد أي من بني أسد بطن من قريش، واللتبية بضم اللام المشددة وسكون التاء، ولفظ البخاري يقال له: ابن الأتبية اسم أمه واسم أبيه عبد الله.

(5)

الرغاء بالمدّ صوت الإبل والخوار صوت البقر، واليعار صوت الغنم، والألفاظ الثلاثة كغراب، وقوله بعير أي إن كان المسروق بعيرا، وقوله أو بقرة إن كان بقرة، وقوله أو شاة تيعر بفتح العين وكسرها إن كان المسروق شاة تشهيرا بالسارقين، وقوله عفرتي إبطيه تثنية عفرة وهي بياض يخالطه لون كلون التراب، والمراد أنه بالغ في رفع يديه حتى بدا لون ابطيه.

ص: 54

يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً قَدْ أَبْلَغْتكَ. لَا أُلْفِيَنَّ

(1)

أَحَدَكُمْ يَجِئُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ

(2)

يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ

(3)

يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ

(4)

فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً قَدْ أَبْلَغْتُكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ

(5)

تَخْفِقُ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً قَدْ أَبْلَغْتكَ. لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِئُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ

(6)

فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً قَدْ أَبْلَغْتُكَ». وَفِي رِوَايَةٍ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عُمِّلَ

(7)

مِنْكمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرُدِدْتُ فَقَالَ: «أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئاً

(1)

قوله لا ألفين أحدكم أي لا أراه يجيء يوم القيامة يحمل ما سرقه، بالغ في نهيهم حتى نهي نفسه عن رؤيهم في هذه الحال، وقوله: لا أملك لك شيئا، أي لا أدفع عنك من عذاب الله شيئا فقد بلغتك.

(2)

قوله فرس له حمحمة أي صوت وصهيل.

(3)

قوله ثغاء كغراب أي صوت.

(4)

قوله نفس لها صياح أي إن كان المسروق إنسانًا.

(5)

قوله رقاع تخفق أي تضطرب في الرياح إن كان المسروق ثيابًا.

(6)

قوله صامت أي مال صامت كذهب وفضة.

(7)

قوله عمل بالتشديد أي ولي شيئًا فكتمنا مخيطا - كمنبر - فهو غل أي هو غلول وحرام يأتي به في الآخرة. ولفظ مسلم» من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة». وسيأتي في الجهاد الغال وعقوبته.

ص: 55

بِغَيْرِ إِذْنِي فَإِنَّهُ غُلُولٌ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لِهذا دَعَوْتُكَ فَامْضِ لِعمَلِكَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌للأمير استخلاف الثقة

(3)

• عَنْ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجعَ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأُتِي أَبَا بَكْرٍ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

بسند حسن. وفقه ما تقدم أن الحاكم إذا أخذ خفية من مال المسلمين جاء به يحمله يوم القيامة وله صوت فضيحة له وتشهيرة به على رءوس الأشهاد. قال تعالى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} وكذا قبول الحاكم والموظف للهدية من أهل عمله حرام لأنها مظنة المحاباة وظلم الغير ولأنها كالرشوة الآتية.

(2)

الراشي الذي يعطى الرشوة، والمرتشي الذي يأخذها، واللعن يقتضي التحريم، وفي رواية لأحمد:» لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما» والرشوة بالتثليث ما يعطى الإبطال حق أو لإحقاق باطل، وهي بهذا المعنى حرام على الطرفين باتفاق كما أنها حرام على الحاكم مطلقًا، أما إعطاؤها للوصول إلى حقه أو لدفع ظل عن نفسه فلا بأس به، وعلى هذا بعض التابعين حيث قالوا: لا بأس أن يصانع عن نفسه وماله إذا خاف الظلم. وقال الشوكاني: لا دليل على هذا التخصيص، والحق التحريم مطلقًا لعموم الحديث. ويرد عليه أن الضرورات تبيح المحظورات. والله أعلم.

للأمير استخلاف الثقة

(3)

أي للأمير أن يختار واليًا بعده كما اختار أبو بكر عمر رضي الله عنهما بشرط أن يكون ذكرًا حرًا سليم الحواس قادرًا على الولاية ثقة عادلا.

(4)

فهذه المرأة طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يكن عنده فأمرها أن تعود بعد مدة فقدرت الموت وقالت: إن جئت فلم أجدك يا رسول الله، قال: اذهبي إلى أبي بكر. وللطبراني» بايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيًا شيئًا وثمنه إلى أجل، فقال الأعرابي إن جئت ولم أجدك، قال يقضيك أبو بكر، قال إن لم أجده، قال يقضيك عمر» فيهما إشارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم، وكذا إنابته صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الجماعة التي تقدمت فيها.

ص: 56

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ أَلَا تَسْتَخْلِفُ قَالَ إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَركَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ رَاغِبٌ رَاهِبٌ وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافاً لَا لِي وَلَا عَلَيَّ لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتاً

(1)

.

رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: عَصَمَنِي اللَّهُ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى قَالَ: «مَنِ اسْتَخْلَفُوا؟» قَالُوا: بِنْتَهُ قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً

(2)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الفصل الرابع في القضاء

(4)

الله مع القاضي العادل

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: «لَا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً

(1)

فعمر رضي الله عنه لما ضربه الشقي وظهرت عليه علامات الموت قالوا: ألا تولى علينا من تراه أهلا للولاية؟ قال إن وليت عليكم أحدًا في قدوة بمن هو خير مني وهو أبو بكر الذي ولى عمر قبل موته، وإن أترك ذلك فقد ترك من هو خير مني وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يصرح باسم الخليفة ولكن بالإشارة في الحديثين السابقين وفي الجماعة. ومع استصواب عمر للأمرين فقد سلك طريقًا وسطًا بينهما وجعل الأمر شوري بين من قطع لهم بالجنة فأثنى الأصحاب على عمر، فقال: إني راغب فيما عند الله وراهب منه ولا أتحمل أمر الأمة حيًا وميتًا وأتمنى أن أخلص من الدنيا لا لي ولا علي، رضي الله عنه.

(2)

فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بموت كسرى ملك فارس قال: ولوا بعده من؟ قالوا ولوا ابنته قال» لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» أي لن يفلحوا فلاحا للدنيا والآخرة فإن الولاية العامة أكبر عمل في الناس فلا تصلح له المرأة لأنها ناقصة العقل والدين.

(3)

ولكن النسائي هنا والأخيران في الفتن.

الفصل الرابع في القضاء

(4)

أي فيما ورد فيه من الترهيب عنه والترغيب فيه للعادل وآدابه وشروطه، وما يلزم لثبوت الحق من البينة والتبيين ونحوهما.

ص: 57

فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ فَإِذَا جَارَ تَخَلَّى اللَّهُ عَنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وَكِلَ إِلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَل اللَّهُ مَلَكاً يُسَدِّدُهُ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ

(6)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

فلا ينبغي الحسد والغبطة أي تمني مثل ما للغير إلا لشخصين: رجل غنى يصرف ماله في مرضاة الله، ورجل أعطاه الله الحكمة - العلم النافع - فهو يقضي بها، أي يحكم بها بين الناس ويعلمها لهم ويعمل بها. وتقدم هذا الحديث في العلم.

(2)

فالقاضي الجائر معه الشيطان، والعادل محفوظ برعاية الله.

(3)

بسند حسن.

(4)

فمن تولى القضاء على كره منه أنزل الله عليه ملكا يسدده أي يرشده للسداد والصواب.

(5)

بسند حسن.

(6)

فمن غلب عدله جوره فله الجنة وإلا فله النار. والجور القليل المفهوم جوازه ما وقع خطأ كما يأتي في الاجتهاد: إذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر. وقد اشترط الشافعية في القاضي أن يكون مسلمًا مكلفًا ذكرًا حرًا عدلا سميعًا بصيرًا ناطقا، وأن يكون عارفًا بالكتاب والسنة والقياس والإجماع ولغة العرب، فإن لم يوجد من تتوفر فيه هذه الصفات ولي من فيه بعضها وتنفذ أحكامه للضرورة لئلا تتعطل مصالح العباد، ويندر جدًّا اجتماع هذه الصفات في شخص في هذا الزمان؛ لأن هذه هي صفات المجتهد. ولكن لا حرج على فضل الله. فسيأتي في فضل الأمة حديث» إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها» وحديث» أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره» نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى والله أعلم.

ص: 58

‌التورع عن القضاء

(1)

• عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ. فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضى بِهِ. وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ قَضى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ

(2)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ

(3)

». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

.

‌آداب القضاء

(5)

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ أَبِي وَأَنَا بِسِجِسْتَانَ بِأَلا تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ

(6)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ

التورع عن القضاء

(1)

أي مطلوب لأنه ولاية وهي مظنة الفتنة والجور والعلو على الضعفاء والمساكين.

(2)

فيا ويل من جار في الحكم أو قضى على جهل.

(3)

كخشبة وحجر ليسا بحادين وكالخنق لأنه أشد على المذبوح. فمن تولى القضاء فقد ذبح في المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد، وبين عذاب الآخرة إن فسد.

(4)

الأول قال فيه أبو داود: هذا أصح شيء في حديث ابن بريدة، والثاني بسند حسن.

آداب القضاء

(5)

المراد بآدابه ما يلزم القاضي مراعاته حين الحكم بين الناس من كونه خاليًا من الغضب ومن كل الشواغل، وعليه التسوية بين الخصمين في السؤال وفي كل شيء، ولا يحكم لها حتى يسمع منهما.

(6)

فعبد الرحمن كان قاضيًا بسجستان بلد مشهور بالسند، فكتب له والده لا تقضين بين اثنين وأنت غضبان، كالحديث. والغضب: فوران دم القلب لشيء مؤلم، وهذا يحول الطبع عن الاعتدال. فأمر القاضي باجتناب الحكم في هذه الحال لئلا يقع في الخطأ، وكالغضب مرض مؤلم وجوع أو عطش مفرط وفزع مدهش وخوف مقلق ونحوها.

ص: 59

قَاضِياً فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ

(1)

فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ

(2)

كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ» قَالَ: فَمَا زِلْتُ قَاضياً أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر

(3)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

(4)

»،

وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ

(5)

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرضي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ

(1)

أي لا تجربة لي فيه وإلا فعله كان الحديث» أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها».

(2)

قوله حتى تسمع من الآخر، هذا هو العدل، وبه يتبين الحق كما قال فإنه أحرى أي جدير أن يظهر لك الحق. قال فما شككت في قضاء بعد، أي بعد دعائه صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه يحرم على القاضي أن يحكم قبل سماع حجة الخصمين ولو حكم كان باطلا ووجب نقضه ولا بأس من مناقشتهما فإن الحق يظهر من ثناياها قال علي رضي الله عنه: إذا أتاك أحد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تحكم له لعل الآخر قد فقئت عيناه. رضي عنه وعن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

البينة على المدعى واليمين على من أنكر

(3)

البينة هي الشهود الذين يثبت بهم الحق، وسموا بينة لأن الحق يبين ويظهر بهم.

(4)

فلو أجيب كل أحد في دعواه لادعى قوم على غيرهم بدماء وأموال ظلمًا وعدوانًا. ولكن العبرة بيمين المدعى عليه إذا لم تكن للمدعى بينة وإلا حكم بها الحاكم. وفي رواية» قضى النبي صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه».

(5)

حضرموت موضع بأقصى اليمين وكندة قبيلة باليمن، فالحضرمي والكندي جاءا للنبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في أرض فقال الحضرمي: إن هذا غلبني وأخذ أرضي، فقال الكندى: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الحضرمي البينة فقال: ليس لي بينة. قال: فلك عليه اليمين. فقال يا رسول الله: إنه فاجر يفعل كل قبيح. قال: ليس لك عليه إلا اليمين.

ص: 60

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ» . قالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي بِمَا حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذلِكَ» . فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِكَ لِيَأْكُلَهُ ظُلْماً لَيَلْقَيَنَّ اللَّهُ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» . رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

.

‌لفظ اليمين

(2)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لِرَجُلٍ حَلَّفَهُ: «احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ مَالَهُ عِنْدَكَ شَيْءٌ

(3)

» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ.

(1)

بسند ضعيف ولكن يؤيده ما قبله ورواه الطبراني والبيهقي بلفظ: ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر. فهذه قاعدة عظيمة في إثبات الحقوق، فلو أعطى كل مدع ما يدعيه بمجرد دعواه لوقع الظلم وضاعت الحقوق ولكن الشارع جعل للمدعى برهانًا على صدقه وهو الشهود، وجعل للمدعى عليه ما يصون به حقه وهو اليمين، فإن نكل عنه حلف المدعى واستحق دعواه، وهذا ليقوم العدل بين الناس ويأمنوا على أعراضهم وأموالهم. وعلى هذا الشافعي والجمهور، وقال المالكية وبعض الفقهاء: لا تتوجه اليمين إلا على من بينه وبينه خلطة لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارًا في اليوم الواحد. والله أعلم.

لفظ المين

(2)

أي التي يحلفها المدعى عليه تصديقًا لقوله.

(3)

قوله ماله أي المدعى، وقوله الذي لا إله إلا هو تغليظ في اليمين، وإلا فيكفي الاقتصار على لفظ الجلالة أو أي اسم من أسمائه تعالى أو أي صفة كما يأتي في كتاب الأيمان.

(4)

بسند صالح.

ص: 61

‌بيان الشهود

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ}

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضى بَيَمِينٍ وَشَاهِدٍ

(3)

.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أَخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا

(4)

». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

بيان الشهود

(1)

أي بيان عدد الشهود الذين تثبت بهم الحقوق شرعا، وبيان شرط الشاهد ذكرا أو غيره وبيان من ترد شهادته.

(2)

أي أشهدوا رجلين فإن لم يوجدا فأشهدوا رجلا وامرأتين من خيار الناس ولم يقم مقام الرجل إلا امرأتان لأن الواحدة على النصف من الرجل، فإن نسيت ذكرتها الأخرى، وفهم من قوله: من رجالكم، أنه يشترط في الشاهد أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلا حرا. ومن قوله: ممن ترضون من الشهداء اشتراط كونه عدلا وسميعًا وبصيرا وناطقًا؛ لأن هذا هو المرضى عنه بين الناس، وفي قوله {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} وجوب أداء الشهادة إذا طلب إليها.

(3)

أي قضى للمدعى بيمينه وشاهد واحد كأنه أقام يمينه مقام الشاهد الثاني. وفي رواية: إنما كان هذا في الأموال أي وما يقصد به الأموال، فعدد الشهود فيها رجلان أو رجل وامرأتان أو شاهد ويمين. وعليه جمهور السلف والخلف والأئمة الثلاثة. وقال الحنفية والكوفيون: لا يحكم بيمين وشاهد في شيء أبدا للحديث السابق» البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه» وأجاب الجمهور بأنه لا تعارض لأن له بينة مع يمينه، وهذا في الأموال وما يفضي إليها، أما العبادات كالأذان والصلاة والصوم فيكفي فيها شهادة العدل الواحد، لقول ابن عمر السابق في الصوم: أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه. وأما فيما يختص بالنساء كالوضع وحياة المولود والرضاع فتكفي فيه امرأة واحدة، لحديث المرأة السوداء السابق في الرضاع، وعليه بعض الصحب والتابعين وأحمد. وقال مالك: لابد من شهادة امرأتين، وقال الحنفية: الرضاع كغيره لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين. وقال الشافعي: تقبل شهادة المرضعة مع ثلاث نسوة بشرط ألا تعرض بطلب أجرة وحملوا الحديث على أنه من قبيل دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

(4)

فخير الناس من يؤدى الشهادة قبل طلبها منه بأن كان عنده شهادة الإنسان ولا يعلم ذلك الإنسان=

ص: 62

• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ شَهَادَةَ الْخَائِنُ وَالْخَائِنَةِ وَذِي الْغِمْرِ

(1)

عَلَى أَخِيهِ وَرَدَّ شَهَادَةَ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَأَجَازَهَا لِغَيْرِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيَ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ

(4)

. نَسْأَلُ اللَّةَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌التحذير من شهادة الزور

(5)

• عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِماً

= بها فيخبره بأنه مستعد للشهادة لأنها أمانة عنده يجب عليه أداؤها كذا أوله مالك والشافعي، أو هو محمول على شهادة الحسبة في نحو طلاق وعتق ووقف ووصية، فمن علم شيئًا من هذا وجب عليه إعلام الحاكم به لقوله تعالى - وأقيموا الشهادة لله -.

(1)

الخائن من خان في حق الله أو حق عباده ولو بالإشاعة. وذي الغمر - كالبئر - أي ذى الحقد والعداوة، فلا تجوز شهادة عدو على عدوه. وعليه الجمهور والأئمة الثلاثة، وقال الحنفية: العداوة لا تمنع الشهادة كالصداقة. والقانع لأهل البيت التابع لهم كالخادم لأنه مظنة التهمة. ومثله شهادة أحد الزوجين للآخر وشهادة الولد لوالده وبالعكس.

(2)

بسند صالح.

(3)

وزاد الترمذي ولا مجلود في حد ولا مجرب في شهادة أي متعود لها ولا ظنين في ولاء ولا قرابة. وليس المراد الحصر فيمن ذكروا، بل كل مرتكب سواء أقيم عليه الحد أولا، ولكن اشتهر بسوء السلوك فهؤلاء ترد شهادتهم لظن السوء فهم، لاسيما الزاني ومن أقيم عليه حد إلا إذا تابوا وأحسنوا ومضى على ذلك سنة هلالية وشهد شاهدان بهذا لقوله تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} .

(4)

البدوي هو ساكن البادية الذي يرتحل من مكان إلى آخر. وصاحب القرية الساكن فيها ويسمى حضريا ومصريا. ولم تصح شهادة البدوي على الحضرى لجفانهم وجهلهم، فلا معرفة عندهم ولا دين لهم ولا عدل بينهم، وعليه جماعة ومالك وأحمد، وقال الجمهور: إن شهادتهم صحيحة والحديث منزل على جهلتهم وعصاتهم فقط. والله أعلم.

التحذير من شهادة الزور

(5)

الزور: الكذب والباطل، أي الشهادة بخلاف الواقع.

ص: 63

فَقَالَ: «عُدِلَتْ

(1)

شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَرَأَ: {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

. عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ

(3)

وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ

(4)

». قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ

(5)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلونَهُمْ ثَلَاثاً ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِهِمْ يَتَسَمَّنُونَ وَيَجِبُّونَ السِّمْنَ يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَأَلُوهَا

(7)

».

(1)

قوله عدلت شهادة الزور بالشرك أي ساوت الشرك. وهذا تفظيع وتنفير عنها وإلا فالشرك لا يعدله شيء، وقوله فاجتنبوا الرجس أي النجس من الأوثان، جمع وثن وهو الصنم. وقوله قول الزور أي كل قول باطل. وقوله غير مشركين به أي مخلصين له.

(2)

بسند صحيح.

(3)

أي إغضابهما أو أحدهما بغير حق لأنهما كانا سببًا في وجوده، فلا يكون عذابًا عليهما ولا سيما ما تحملاه في تربيته.

(4)

قوله أو قول الزور أعم من شهادته. فالنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذكر شهادة الزور والتنفير عنها حتى تمنينا سكوته.

(5)

قوله: خير الناس قرني. أي أصحابي، والقرن هو القوم في زمن واحد ثم الذين يلونهم هم الأتباع، ثم الذين يلونهم هم أتباع التابعين، ثم يجيء قوم الخ هم قوم لا دين لهم، فلا يتورعون عن شهادة الزور ولا عن اليمين الباطلة كزماننا هذا. نسأل الله السلامة.

(6)

ولكن البخاري في الأيمان وأبو داود في السنة.

(7)

قوله ثلاثا أثبت الفضل لقرون ثلاثة بعد الأصحاب. وقوله ثم يجيء قوم يتسمنون ويحبون السمن، أي يفعلون ما به تسمن بطونهم وأبدانهم. وهذا مذموم لأن البطين يثقل عن كثير من الخيرات. ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل بطين فأشار إلى بطنه وقال لو كان هذا في غير هذا لكان أحسن، أي لو كان العظم في عقله لكان أحسن. وقوله يعطون الشهادة قبل أن يسألوها. وفي رواية ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد ويحلف الرجل ولا يستحلف، ولذا منع بعضهم شهادة من يشهد بدون طلب لإنه مظنة التهمة، وأجازها آخرون لحديث زيد بن خالد السابق في بيان الشهود، وقصرها بعضهم على حقوق الله فقط، فيكون جمعًا بينهما وهذا أولى.

ص: 64

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَنْ تَزُولَ قَدَمُ شَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ

(1)

». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ

(2)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الفصل الخامس في الاجتهاد

(3)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}

(4)

.

(1)

فلا تتحول قدماه عن مكانهما حتى يحكم عليه بالنار.

(2)

بسند صحيح. وفقه ما سبق أن شهادة الزور من أكبر الذنوب؛ لأن فيها كذبًا ونصرًا للظالم وظلما للمظلوم ونشرا للعداوة بين الناس وإضلالا للقضاء وإغضابا لله ورسوله والمؤمنين، نسأل الله السلامة. فلا ينبغي للمسلم أن يشهد إلا بما رآه بعينه أو سمعه بأذنه، وإذا طلب وجب عليه أن يقول ما علمه الله تعالى، قال تعالى: - وأقيموا الشهادة لله - نسأل الله التوفيق والله أعلم.

الفصل الخامس في الاجتهاد

(3)

الاجتهاد في اللغة مصدر اجتهد إذا جد في الأمر، وشرعا بذل الطاقة في الوصول إلى الحق من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في شرح السنة ولا يكون الإنسان مجتهدا إلا إذا جمع خمسة علوم: على كتاب الله تعالى، وعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاويل السلف من إجماعهم واختلافهم، وعلم اللغة، وعلم القياس، وهو طريق استنباط الحكم من الكتاب والسنة إذا لم يجده صريحًا فيهما. ويكفي المجتهد أن يعرف من الكتاب والسنة آيات وأحاديث الأحكام فقط دون القصص وغيرها، كما يكفي أن يعرف من اللغة ما في الكتاب والسنة فقط، وكما يكفي أن يعرف من أقاويل علماء السلف ما قالوه في الأحكام والفتاوى، فإذا عرف هذا شخص وتوفرت فيه الصفات السالفة في القاضي، كان اجتهاده صحيحا وأثيب على حكمه، ولو أخطأ كما يأتي في الحديث الأول.

(4)

أي واذكر داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث أي الزرع حينما تفرقت فيه غنم قوم فأكلته فتخاصما إلى داود فحكم بأن الغنم لصاحب الزرع، ثم خرجا فلقيهما سليمان فأخبراه فقال: غير هذا أرفق بالطرفين. فعادا فأخبرا داود بقول سليمان فدعاه داود وقال: بحق النبوة والأبوة إلا ما أخبرتني بما هو أرفق، فقال سليمان: يأخذ صاحب الزرع الغنم فينتفع بدرها وصوفها حتى يزرع صاحب الغنم الأرض ويرعاها حتى يعود الزرع كما كان ثم يسلمه لصاحبه ويتسلم غنمه، فقال داود: القضاء ما قضيت ورضى الطرفان بعد جزعهما وانصرفا، وكان حكمهما ذلك باجتهاد =

ص: 65

• عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: «كَيْفَ تَقْضِي؟» قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ الله. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» . قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَجْتَهِد بِرَأْيِي

(2)

. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(3)

.

وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ لَهُمَا لَيْسَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ إِلا دَعْوَاهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْحُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» فَبَكَى الرَّجُلَانِ وَقَالَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لَكَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَمَّا إِذَا فَعَلْتُمَا مَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَاخَّيَا الْحَقَّ ثمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ تَحَالا». وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

.

= منهما، ولكن سليمان أصاب عين الحق وأثنى الله عليه بقوله - ففهمناها سليمان - كما وصفهما بالعلم والحكمة في قوله - وكلا آتينا حكما وعلما - ولا غرابة في حكم داود عليه السلام، فقد كان في شرع أجداده يوسف ويعقوب عليهما السلام أن السارق يؤخذ عبدا بما سرق، لقوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)} .

(1)

فإذا حكم الحاكم فاجتهد أي بذل وسعه في الوصول للحق فأصابه فله أجران؛ أجر على اجتهاده وأجر على وصوله للحق، وإذا أخطأ فله أجر على اجتهاده فقط.

(2)

قوله أجتهد برأيي، وفي نسخة أجتهد رأيي أي أبذل طاقتي في الوصول للحق بالقياس على كتاب أو سنة فيما اتفقا أو تقاربا في العلة، وفيه بيان سبيل الاجهاد وأنه يرجع إلى البحرين العظيمين وهما الكتاب والسنة.

(3)

بسند صالح.

(4)

فلما لم تكن لها بينة أمرها بقسمة المال وتوخي الحق فيها وإحلال كل منهما لصاحبه بعد أخذ نصيبه بالقرعة. وقوله إنما أقضي بينكما رأيي أي باجتهادي فيما لم يأتني حكمه من الله تعالى.

(5)

بسند صالح.

ص: 66

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيراً أَوْ دَابَّةً إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَتْ لِوَاحَدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَتَاعِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ مَا كَانَا أَحَبَّا ذلِكَ أَوْ كَرِهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا كَرِهَ الاِثْنَانِ الْيَمِينَ أَوِ اسْتَحَبَّا فَلَيَسْتَهِمَا عَلَيْهِ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ، وَقَالَتِ الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ عليه السلام، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام، فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا.

(1)

قوله ليست لواحد منهما بينة، وفي رواية: وكل منهما بينة. فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما لاستوائهما في الحجة كالحديث الذي قبله، وهذا ظاهر إذا كان البعير في يديهما أو في يد غيرهما، فإن كان في يد أحدهما فعلى خصمه البينة، وإلا فالقول لصالحب اليد بيمينه. ومن استواء الحجة ما إذا حلفا أو نكلا عن اليمين أو كان لكل منهما بينة وكان المتنازع عليه في يديهما فإنه يجعل بينهما. ولكن هذا إذا تساوت البينة عددًا وعدلا. وعليه الشافعية والحنفية. وقال أحمد وإسحاق: يقرع بينهما ويعطى لمن خرجت له القرعة، فإن كانت بينة أحد الخصمين أعدل أو أكثر عددا فالحكم له.

(2)

قوله أحبا ذلك أي اليمين. وقوله: فليستهما عليه أي اليمين، وهذه جامعة للتبين قبلها والثلاث تفريع لما سبق، فإذا ادعيا شيئا في يديهما أو في يد غيرها ولا بينة لها عرضت عليهما القسمة، فإن رضياها كان عملا بما سبق وانتهت الخصومة». وإلا فإن اتفقا على تحليف أحدهما حلف وكان الحكم له، فإن تسابقا إلى اليمين أو نكلا عنها عملت قرعة لمن يحلف، فإن حلف حكم له. ويظهر لي أن القسمة أوجه لأن صاحب الحق فيها يصيب نصف حقه بخلاف القرعة فربما لا يصيبه شيء والله أعلم.

(3)

بسند صالح.

ص: 67

فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا، يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلا يَوْمَئِذٍ مَا كنَّا نَقُولُ إِلا الْمُدْيَةَ

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ: نَسْأَلُ اللَّهُ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌للحاكم حبس المتهم

• عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلاً فِي تُهَمَةٍ

(2)

ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(3)

.

• عَنِ الشِّرِّيدِ بْنِ سُوَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.

(1)

قوله فقضى به للكبرى، إما لشبه ظهر له بينهما، وإما لأن شرعه يرجح قول الكبرى، وإما لأنه كان في يدها، فلما خرجتا على سليمان وأخبرتاه ظهر له باجتهاده أن يسلك طريق الحيلة وطلب السكين لشقه، فقالت الصغرى: تنازلت عنه للكبرى، فانكشفت الحقيقة وحكم به للصغرى. ففي هذه النصوص السابقة جواز الاجتهاد وأنه وقع من الرسل السابقين. وقد يصيب وقد يخطئ وكل مأجور كما سبق. وفيه أيضا جواز سلوك طريق الحيلة في الأمور الغامضة لكي تنكشف الحقائق ويعود الحق إلى نصابه. ولكن هذه منح من الله تعالى يمنحها لمن يشاء من عباده. نسأل الله العلم النافع والتقوى فإنها أساس كل خير، قال تعالى - واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم - سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم - اللهم تقبل يا كريم آمين.

للحاكم حبس المتهم

(2)

حبس في تهمة كسرقة بقصد أن يعترف وليكون عبرة لغيره.

(3)

بسند حسن، وسبق في الحدود أن للحاكم التعزير والضرب والنفي كما يراه مع الأشرار لكسر شوكتهم عن الناس.

(4)

قوله: ليُّ الواجد، من أوجد وهو الغني، أي مماطلة الميسور في دفع ما عليه تحل عرضه أي تبيح للدائن أن يتكلم في عرضه، كقوله أنت مماطل أنت ظالم أنت ضار، دون التعرض لأحد من ذويه، كما له أن يشكوه لمن يظن أنه يقدر عليه من حاكم وغيره، ولحاكم عقوبته بغليظ الكلام والحبس ونحوهما.

(5)

بسند صحيح والله أعلم.

ص: 68

‌حكم الحاكم لا يحلل الحرام

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِى لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ

(2)

وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ

(3)

وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ

(4)

حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةِ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ عز وجل

(5)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حكم الحاكم لا يحل الحرام

(1)

قوله ألحن بحجته أي أقوى وأبلغ، وقوله فأقضي له على نحو ما أسمع، ولفظ مسلم فأحسب أنه صادق فأقضي له أي فإني أمرت أن أحكم بالظاهر لي والله يتولى السرائر. وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته فوجد قوما يرفعون أصواتهم في خصومة بينهم فذكر الحديث. وفيه تجويز الخطأ على كل حاكم تعليمًا للأمة، وإلا فأحكامه صلى الله عليه وسلم كانت موافقة لما في الواقع فإنه معصوم، وفيه أنه يجب على الحاكم أن يحكم بالأدلة الظاهرة دون غيرها وإن وافق الواقع كعلمه بطريق الكشف. وفيه تحذير من أكل الحرام وإن حكم الحاكم به. فمن شهد له شاهدا زور بشيء فحكم له به الحاكم حرم عليه أخذه، وكذا إذا شهدا بطلاق امرأة حرم عليهما أو أحدها زواجها، وكذا من علم أن الشهادة كانت زورًا، وكذا لو شهدا بقتل حرم على رب الدم أخذ القصاص أو الدية إذا على كذبهما. فحكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالًا في الأموال وغيرها لا في الدنيا ولا في الآخرة وإن نفذ في الظاهر وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا وأصحاب أبي حنيفة. وقال أبو حنيفة: إنه يحل الفروج دون الأموال. والله أعلم.

(2)

فمن تسبب في منع إقامة حد بعد وصوله للحاكم فقد حارب الله لأن محاربة أمر الله محاربة لله.

(3)

أي حتى يرجع عنه.

(4)

الردغة: الطين. والخبال: عصارة أهل النار، أي ما يسيل من أبدانهم فهو مسكن من يقدح في أعراض المسلمين.

(5)

فمن أعان خصما في باطل بتشجيعه أو شهادته معه فقد استحق غضب الله تعالى فما بالك بمن يخاصم باطلا ويؤذى المسلمين. نسأل الله التوفيق والله أعلم.

ص: 69

‌يجوز التحكيم

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَاراً فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي فِيهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لِلْبَائِعِ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، فَقَالَ الَّذِي شَرَى الْأَرْضَ

(3)

: إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ وَقَالَ الْآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا

(4)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

(5)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

يجوز التحكيم

(1)

أي يجوز للحاكم شرعيًا أو سياسيًا إذا تفاقم الأمر بين الخصمين أن يحكّم بينهما رجلا رشيدًا أو رجلين فإنه أقرب إلى فض النزاع، وكذا للخصمين أن يلجآ إلى التحكيم من أنفسها، والتحكيم تفويض المتنازعين إلى واحد أو أكثر ليحكم بينهما وعليهما العمل بقوله.

(2)

الآية وردت في نزاع الزوجين ويقاس عليه كل نزاع بين اثنين، فإن التحكيم لغرض الإصلاح وهو محبوب في كل وقت.

(3)

قوله عقارًا، وكانت دارا كما في لفظ البخاري. وقوله: ولم أبتع منك الذهب أي لم أشتر. وقوله: شرى الأرض أي باعها، فإن البيع والشراء من الأضداد ويستعمل كل منهما مكان الآخر.

(4)

فلما لم يقبل كل منهما الذهب وتحاكما إلى رجل أمرهما أن يزوج كل منهما ولده لولد الآخر وينفقا هذا الذهب في الزواج ويتصدقا منه على المساكين، فرضيا بحكمه وعملا به. ففي الحديث جواز التحكيم إلى رجل واحد كما يجوز إلى أكثر كما في الآية. وفيه أن الموضوع في المبيع لا يدخل في البيع إلا إذا كان. جزأ منه كالعدن في الأرض، أو كالجزء كالبناء والزرع الذي لم يبد صلاحه.

(5)

ولكن رواه مسلم هنا والبخاري في بدء الخلق.

ص: 70

‌الخاتمة في الصلح

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}

(1)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلدُّ الْخَصِمُ

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو قِتَالٌ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى الظُّهْرَ ثمَّ أَتَاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْراً أَوْ نَمَى خَيْراً

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

. وَزَادَ: «لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ

(6)

». نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ آمِينَ آمِينَ آمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

الخاتمة في الصلح

(1)

أي لا خير في كثير من حديث الناس في اجتماعهم إلا حديثهم في الحث على الصدقة أو المعروف أو الصلح بين الناس ولمن يفعل ذلك الأجر العظيم.

(2)

فأبغض الناس عند الله الألد شديد الخصومة. الخصم بفتح فكسر كثير الخصومة لأنه شر وخطر على الناس بخلاف من يميل للصلح ويسعى فيه فهو خير الناس.

(3)

أي ذهب ليصلح بينهم من تلقاء نفسه كما هو الظاهر فإن الصلح بين الناس أمر عظيم ولنا فيه صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة.

(4)

أي ليس كاذبا من شرع في الصلح وقال قولا خيرا عنهما ونشره ليقرب بينهما أو نمى خيرًا أي بلّغ كلا منهما عن الآخر خبرا لم يسمعه منهما. كقوله لأحدهما فلان خصمك لا يقول فيك إلا خيرا ويقول أنا المخطئ، فهذا كذب للإصلاح لا إثم فيه، بل فيه أجر كبير. ومنه لغز، وهو: ما قولك في كذب يؤدي إلى الجنة وصدق يؤدي إلى النار؟ الجواب الأول الكذب للإصلاح، والثاني نقل العيبة إلى صاحبها. وسيأتي في الأخلاق ما يجوز فيه الكذب إن شاء الله.

(5)

بسند صحيح.

(6)

فإصلاح ذات البين - أي ذات بينكم، أي الحالة التي بينكم وهي مضمرات الصدور كالحقد والعداوة - أعلى درجة من الصلاة والصيام والصدقة لأن العداوة بين الناس مصدر لكل شر. وأما فساد ذات البين فهي الحالقة التي تحلق الدين وتذهبه. نسأل الله التوفيق آمين.

ص: 71

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتاب الأيمان والنذور

(1)

وفيه بابان وخاتمة

‌الباب الأول في اليمين

‌لا يكون القسم إلا باسم من أسماء الله تعالى

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}

(2)

.

وقَالَ تَعَالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}

(3)

.

• عَنِ ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ

(4)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ

(5)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

.

كتاب الأيمان والنذور، وفيه بابان وخاتمة

(1)

الأيمان جمع يمين وهو لغة خلاف اليسار. وأطلقت على الخلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين صاحبه. وقيل لحفظها المحلوف عليه حفظ اليمين، وشرعًا تحقيق الأمر المحتمل أو توكيده يذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته. وسيأتي النذر إن شاء الله.

(الباب الأول في اليمين - لا يكون القسم إلا باسم من أسمائه تعالى)

(2)

أي وحق رب السموات والأرضين إنما توعدون من الرزق وغيره لحق ثابت لازم لكم كالنطق منكم.

(3)

أي وما نحن بعاجزين عن إبدالهم بغيرهم.

(4)

أي لا أفعل ذلك أو لا أترك ذلك وحق مقلب القلوب أي محولها من حال إلى حال كما يشاء جل شأنه.

ولفظ النسائي» لا ومصرف القلوب» وفيه جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته الخاصة به تعالى.

(5)

كان إذا اجتهد في اليمين أي بالغ فيها، قال والذي نفس أبي القاسم بيده، أي روح محمد صلى الله عليه وسلم بقدرته. وفي رواية: كان إذا حلف يقول: لا وأستغفر الله، أي لا أقسم بالله وأستغفر الله أو المراد أستغفر الله إن كان الأمر على خلاف هذا. وهو ليس يمينًا ولكنه يشبهه من حيث التأكيد.

(6)

بسند صالح.

ص: 72

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى

(1)

».

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا

(2)

». رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

(1)

فإذا هلك كسرى أي ملك فارس، فلا كسرى ثانيًا بل الإسلام، وإذا هلك قيصر ملك الروم، فلا قيصر ثانيًا. وكان كذلك فتحت فارس والروم في زمن عمر رضي الله عنه، وكانت كنوزهما غنيمة للمسلمين.

(2)

لو تعلمون ما أعلم من أهوال الموت والقبر وما بعدهما لقل الضحك وكثر البكاء. وفيه القسم بالاسم، وفيما قبله القسم بالصفة، فلا يصح اليمين وتجب فيه الكفارة إلا إذا كان باسم من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته، كقوله وعزته وقدرته وإرادته وعلمه وعظمته وكبريائه وجلاله وكلامه وآياته جل شأنه. وستأتي الأسماء الحسنى في كتاب الذكر إن شاء الله.

{فائدة}

ورد القسم من النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ منها: وايم الله في عدة أحاديث وهو بهمزة وصل عند الأكثر، وهمزة قطع عند الكوفيين: بفتح الهمزة وكسرها وميمه مضمومة، وهو حرق عند الزجاج واسم عند الجمهور ولكنه اسم مفرد عند سيبويه وطائفة، وجمع يمين عند الكوفيين وأصله عندهم أيمن حذفت نونه للتخفيف. قال زهير *فيجمع أيمن منا ومنكم* ومعنى وايم الله، والله لأفعلن كذا، أو وحق الله كما صرح به النووي في التهذيب، وعلى هذا فهى يمين. وأما لفظ يمين الله فنقل عن ابن عباس أنه اسم من أسماء الله تعالى ومنه قول امرئ القيس *فقلت يمين الله أبرح قاعدًا* وقيل معناه بالله أو أحلف بالله. وهي يمين عند المالكية والحنفية. وعند الشافعية إن نوى اليمين انعقدت وإلا فلا. وعن أحمد روايتان أصحهما الانعقاد، ومنها لعمر الله في بعض أحاديث، والعَمر والعُمر الحياة. فمعنى لعمر الله أحلف ببقاء الله، وتنعقد بها اليمين عند المالكية والحنفية؛ لأن البقاء من صفات الله تعالى، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: لا يكون يمينا إلا بالنية، ولعمر الله مبتدأ والخبر محذوف أي قسمي، وكذا أيم الله ويمين الله، ومنها أقسمت عليك وأقسمت بالله، فقال قوم: هي يمين وإن لم ينوها. روي ذلك عن بعض الصحب والتابعين والكوفيين، وقال الأكثرون: لا يكون يمينًا إلا إن نواه. وقال مالك: أقسمت بالله يعين مطلقًا بخلاف أقسمت عليك وأقسمت، فليست يمينًا إلا بالنية. وقال الشافعي أقسمت بالله وأقسم بالله ونحوهما مما فيه لفظ الجلالة يكون يمينًا بخلاف ما ليس فيه لفظ الجلالة فليس يمينًا وإن نواه. والله أعلم.

ص: 73

‌من حلف بغير الله فقد أثم

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا ذَاكِراً وَلَا آثِراً

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ بِالَّلاتِ والْعُزَّى فَلْيَقُلْ لا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ

(3)

».

• عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضحَّاكِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ

(4)

وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ

(5)

وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ

(6)

وَمَنْ رَمَى مُؤْمِناً بِكفْرِ فَهُوَ كَقَتْلِهِ

(7)

».

رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ

من حلف بغير الله فقد إثم

(1)

أي إن أعتقد تعظيمه وإلا فلا كما يأتي.

(2)

فكان عمر في ركب أي جماعة مسافرين فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم يحلف بأبيه كعادتهم في الحلف بالآباء، فقال: إن الله ينهاكم عن الحلف بالآباء، فإن الحلف يقتضى تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى. فمن يريد الحلف فليحلف بالله أو بذاته أو بصفة من صفاته. ولا يرد قوله تعالى والضحى والليل، والتين والزيتون ونحوهما، فإنها على حذف مضاف أي ورب الضحى ورب التين. وقيل إن تلك الأحكام بالنسبة للعباد، وأما الله جل شأنه فله أن يقسم بما شاء من خلقه تنويهًا برفع شأنه. وقول عمر: ما حلفت بأبي بعد هذا ذاكرًا أي من قبل نفسي ولا آثر أي حاكيا عن غيري.

(3)

اللات والعزى صنمان لأهل مكة كانوا يحلفون بهما في الجاهلية، فمن جرى لسانه كعادته في الجاهلية وحلف بهما فليقل: لا إله إلا الله، فإنها كفارة حلفه بهما، ومن طلب من صاحبه لعب القمار فليتصدق بشيء كفارة لقوله وفي رواية» لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد - أي الأصنام - ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون».

(4)

فمن قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي مثلا ففعله كفر.

(5)

تقدم في أول الحدود وفيه أن جناية المرء على نفسه جنايته على غيره لأن نفسه ملك لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بإذن الله.

(6)

أي في التحريم والظاهر أنه للزجر عن اللعن فإنه لا يجوز ولو لحيوان.

(7)

رميه بالكفر كقوله يا كافر أو يا يهودي مثلا فهو كقتله في التحريم وهو زجر كالذي قبله، ولكنه يضرب عشرين كما تقدم في الحدود.

ص: 74

الْأُصُولُ الْخَمْسَةُ.

وَسَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما رَجُلًا يَحْلِفُ لَا وَالْكَعْبَةِ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ

(2)

.

• عَنْ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إِنِّي بَرِئٌ مِنَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِباً فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِماً

(3)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌اليمين الغموس

(5)

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ»

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَوْ قَالَ أَخِيهِ

(1)

فقد أشرك أي إن اعتقد تعظيمه كتعظيم الله تعالى وإلا كان مكروها ويكون زجرًا وتنفيرا ولا كفارة عليه، ولأبي داود: من حلف بالأمانة فليس منا. أي ليس على طريقتنا الكاملة، وأما من حلف بأمانة الله فهي يمين عند الحنفية دون غيرهم لأن الأمانة هي الطاعة والعبادة والوديعة فليست اسمًا ولا صفة لله تعالى.

(2)

بسند حسن.

(3)

فمن تبرأ من الإسلام كاذبا فهو كقوله عقابا له على كذبه، وإن كان صادقا فهو منه بريء.

(4)

بسند صالح.

{فائدة}

من قال: أكفر بالله أو نحوه إن فعلت كذا ثم فعله فقال بعض الصحب والتابعين وجمهور الفقهاء: لا يمين ولا كفارة عليه ولا يكفر إلا إن أضمر الكفر بالله تعالى. وقال الحنفية وأحمد وإسحاق وسفيان والأوزاعي: هو يمين وعليه الكفارة، وهذا أحوط ولكن الأول أخف وأصح لأن النصوص كلها لم تذكر كفارة ولكنها اقتصرت على التهديد والزجر الشديد، فالتحقيق أن من حلف بغير الله تعالى ولو بالنبي صلى الله عليه وسلم لا تنعقد يمينه ولا كفارة عليه، ولكنه مكروه لإشعاره بتعظيم غير الله تعالى نسأل الله الستر والتوفيق والله أعلم.

اليمين الغموس

(5)

أي ذنبها عظيم لما فيها من الكذب والإضلال والظلم.

(6)

اليمين الغموس بالفتح هي ما قصد بها الباطل، وسميت غموسا لأنها تغمس قائلها في النار.

ص: 75

لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهُ» {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} الْآيَة

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِباً فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَحْلِفُ أَحَدٌ عِنْدَ مِنْبَرِي هذا عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ إِلا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ الطَّالِبَ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَاسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبَ فَحَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَلَى قَدْ فَعَلْتَ وَلكِنْ قَدْ غُفِرَ لَكَ بِإِخْلَاصِ قَوْلِ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ

(6)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

وَالنَّسَائِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

قوله تصديقه أي قول نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن حلف كاذبا ليأكل مال غيره أو نحوه فعليه غضب الله ورسوله في الدنيا والآخرة.

(2)

فمن حلف على يمين مصبورة أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم فكذب في يمينه فقد وجبت له النار.

(3)

بسند صالح.

(4)

أو للشك، فمن حلف كاذبا ولو على شيء قليل عند منبر الرسول من فقد استوجب النار لأنه كذب في يمينه عند المنبر والروضة والقبر الذي فيه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم. وفي رواية لا يقتطع أحد مالًا بيمينه إلا لقي الله وهو أجذم.

(5)

بسند صالح.

(6)

فلما حلف المدى عليه بالله الذي لا إله إلا هو ما فعل ما يدعيه المدعي، قال صلى الله عليه وسلم بلى قد فعلت أي بوحي من الله تعالى لحديث أحمد: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل فعلت كذا قال لا والذي لا إله إلا هو ما فعلت، فقال له جبريل قد فعل ولكن الله غفر له بقوله لا والذي لا إله إلا هو: أي بالإخلاص في النطق بكلمة التوحيد غفر له ذنب الكذب في اليمين، فلا إثم ولا كفارة قاله أبو داود. وفيه أن الكبائر تغفر بكلمة التوحيد.

(7)

بسند صالح والله أعلى وأعلم.

ص: 76

‌لا ينبغي اللجاجُ في اليمين

(1)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(2)

وَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّهُ أَعْلَى وأَعْلَمُ.

‌لغو اليمين

(4)

• عَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ

(6)

.

لا ينبغي اللجاج في اليمين

(1)

أي لا يجوز التمادي فيها.

(2)

فنحن الآخرون ظهورًا في الدنيا السابقون في الآخرة.

(3)

قوله يلج بفتح أوله وثانيه من اللجاج وهو الإصرار على الشيء مطلقًا. أي فمن حلف على شيء فعلا أو تركا وتمادي في يمينه وكان أهله يتضررون بذلك فالحنث له أفضل، ويكفّر عن يمينه إذا لم يترتب عليه حرام، فالحنث هنا مندوب كما لو حلف على ترك سنة أو فعل مكروه، ويجب الحنث والكفارة إن حلف على ترك واجب أو فعل حرام. ويكره الحنث ويندب البر إن حلف على فعل مباح أو تركه والله أعلم.

لغو اليمين

(4)

أي ما ورد فيه. واللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره.

(5)

قوله في قوله أي الشخص وهو يحاور غيره لا والله، كأن يدعوه لبيته فيقول لا والله أي لا يمكنني ثم شدد عليه فذهب معه فلا ذنب ولا كفارة عليه.

(6)

فهؤلاء الثلاثة رووه مرفوعًا والبخاري رواه موقوفًا على عائشة وهي بلغة العرب أعرف وقد شهدت التنزيل فقولها صواب ولا سيما إن وافق الحديث. فعلى هذا لغو اليمين هو ما يجري على اللسان من غير قصد اليمين، كلفظ لا والله وكلفظ بلى والله، وعليه جماعة من الصحب والتابعين والشافعي. وقال مالك والليث والأوزاعي والحنفية: لغو اليمين أن يحلف على شيء يظن صدقه فيظهر خلافه فكأنه عند هؤلاء من الخطأ ولا مؤاخذة فيه، وعند الأولين من سقط الكلام ولا شيء فيه أيضا. وعن أحمد روايتان: رواية بالأول ورواية بالثاني والله أعلم.

ص: 77

‌اليمين على نية المستحلف

عَنْأَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» . وَفِيَ رِوَايَةٍ: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ

(1)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا نُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي، فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي قَالَ: «صَدَقْتَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ وَابْنُ مَاجَهْ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌لا حنث مع الاستثناء

(3)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ

(4)

وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}.

اليمين على نية المستحلف

(1)

قوله المستحلف وقوله صاحبك هما بمعنى، وهو طالب اليمين.

(2)

حجر بالحاء والجيم - كقفل - فجماعة خرجوا يريدون النبي صلى الله عليه وسلم ومعهم وائل بن حجر فأخذه خصم له لعداوة بينهما فقال: لست بوائل بن حجر فقال خصمه للذين معه احلفوا أنه ليس بوائل وأنا أتركه، فتحرج القوم أي خافوا الحرج والإثم إذا حلفوا أنه ليس بوائل وحلفت أنه أخي ليتركوه وأضمرت أنه أخي في الإسلام فتركوه، فقال صلى الله عليه وسلم» صدقت المسلم أخو المسلم» وهذه هي التورية التي ترجم لها البخاري وقال فيها عمر رضي الله عنه: أما في المعاريض ما يكفي المسلم من الكذب، والمعاريض خلاف التصاريح فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر التورية في هذا، والحديث الأول يقول العبرة بنية المستحلف ولعل هذا إذا كان محقا وإلا جازت التورية وصحت فاتفق الحديثان، ولكن قال النووي إن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فهي على نية القاضي أو نائبه ولا تصح التورية هنا وتصح في كل حال ولا يحنث بها وإن كانت للباطل حراما. والله أعلم.

لا حنث مع الاستثناء

(3)

هو تعقيب اليمين بقولك إن شاء الله.

(4)

أي لا تقل سأفعل كذا غدا بدون إن شاء الله، فما تشاءون إلا أن يشاء الله.

ص: 78

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى

(1)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

.

وَلِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي داوُدَ

(3)

: مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى فَإِنْ شَاءَ مَضى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حَنِثٍ

(4)

.

• عَنْ عِكْرِمَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشاً وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشاً وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشاً. ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ

(5)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ. وَلَفْظُهُ: «وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشاً ثَلَاثاً ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(7)

».

(1)

فمن حلف على شيء فعلا أو تركا ثم قال إن شاء الله فقد استثنى، أي ولا حنث عليه إن خالف يمينه.

(2)

بسند حسن.

(3)

بسند صالح.

(4)

فمن استثنى فهو مخير إن شاء وفّى وإن شاء. ترك غير حنث - كفرح - أي غير حانث. وهذا ظاهر إذا قصد التعليق أو أطلق وإلا فلا.

(5)

لأنه استثني فلم تنعقد يمينه.

(6)

وقال روي مرسلا هكذا ومسندا إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(7)

قوله في الأول ثم سكت أي سكتة التنفس ومثلها سكتة إلى وهما للضرورة. ويسمى الاستثناء بعدها متصلا. وقوله في الثانية ثم سكت ساعة وهي أكثر من هاتين السكتتين، والمراد زمن طويل ويسمى الاستثناء بعدها منفصلا. ومعنى ما تقدم أن من حلف ثم استثني متصلا بيمينه لم تنعقد يمينه أو انحلت فكأنها لم تكن لأن الاستثناء يبطل ما قبله، واليمين شاملة لكل يمين سواء كان بالله تعالى أو بالطلاق أو بالعتاق أو بغيرها لعموم النصوص وعليه الجمهور، وقال مالك والأوزاعي: إن الاستثناء لا ينفع في الطلاق والعتاق بل يقعان مع الاستثناء لأنه ينفع فيما فيه كفارة كاليمين والنذر. وقال أحمد إنه لا ينفع في العتق فقط لحديث: إذا قال أنت طالق إن شاء الله لم تطلق، ولو قال لعبده أنت حر إن شاء الله فإنه حر. وهذا كله في الاستثناء المتصل، أما المنفصل السابق فقد قال به جماعة من التابعين ولكنهم اختلفوا في قدره: فالحسن وطاوس وجماعة قالوا: إن له الاستثناء ما دام في مجلسه فقط. وقال قتادة ما لم يقم أو يتكلم. وقال عطاء قدر حلبة ناقة، وقال سعيد بن جبير إنه يصح في أربعة أشهر. وعن ابن عباس أن له الاستثناء أبدا. والله أعلم.

ص: 79

‌الباب الثاني في النذر

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ}

(2)

{وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} . وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(3)

. وَقَالَ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}

(4)

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} .

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئاً وَلكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ

(5)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنَ ابْنِ آدَمَ شَيْئاً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ وَلكِنِ النَّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرَجُ بِذلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ

(6)

». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ

فَلَا يعْصِهِ

(7)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

{الباب الثاني في النذر}

(1)

النذر لغة: الوعد: بخير أو شر من الإنذار وهو التخويف لمن لم يف به، وشرعًا التزام قربة غير لازمة في أصل الشرع بلفظ يشعر بذلك كقوله: لله علي صدقة بدينار أو صيام ثلاثة أيام، وإن شفي الله مريضي فعلى صيام كذا أو صدقة بكذا ونحو ذلك.

(2)

أي فيجازيكم عليه.

(3)

قوله وليوفوا نذورهم أي بعمل الهدايا والضحايا.

(4)

هذا في وصف الأبرار وهم الصالحون، وإن نزلت الآية في حق على وفاطمة رضي الله عنهما.

(5)

ليس النهي على ظاهره وإلا بطل حكمه وسقط الوفاء به، إنما النهي لمن يعتقد أنه يرد القضاء

أو يقرب من الإنسان شيئا لم يكن له. أو النهي لتأكيد أمره والحث على الوفاء به.

(6)

وفي رواية: إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخره. ولكنه قد يوافق المقسوم للإنسان فيخرج به البخيل من ماله ما لا تسمح به نفسه بغير النذر.

(7)

فمن نذر طاعة كصلاة وصدقة وجب عليه الوفاء لأنه يرضى الله، ومن نذر معصية وجب عليه الحنث والكفارة كما يأتي.

ص: 80

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» . قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي ذَكَرَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بَعْدَ قَرْنِهِ ـ، ثُمَّ يَجِئُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يَؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِني نَذَرْتُ لِلَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: «صَلِّ ههُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ» . فَقَالَ: صَلِّ ههُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: شَأْنَكَ إِذاً

(2)

. زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَوْ صَلَّيْتَ ههُنَا. لَأَجْزَأَ عَنْكَ صَلَاةً فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

وَأَتَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ قَالَ: «أَوْفِي بِنَذْرِكِ

(3)

» قَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ بِمَكَانِ

(1)

قوله ينذرون ولا يفون محل الشاهد، فالوفاء بالنذر واجب، وسبق الحديث في القضاء وسيأتي في الفضائل.

(2)

شأنك منصوب بمحذوف أي الزم شأنك فأنت أعلم بحالك، وإذا بالتنوين جواب وجزاء أي إذا أبيت إلا الصلاة في بيت المقدس فافعل، وقوله صل هاهنا أي في المسجد الحرام فإنه يكفي عن صلاتك في بيت المقدس لفضل المسجد الحرام على بيت المقدس، فيكفي الوفاء بالنذر في مكان الناذر إذا كان أفضل من المكان المنذور فيه بخلاف ما إذا كان مفضولا أو مساويا فإنه يجب الذهاب إلى المكان المنذور فيه.

(3)

الدف بضم فتشديد: آلة من آلات الطرب، ولفظ الترمذي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما عاد جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله: إني كنت نذرت إن ردك الله صالحًا أن أضرب بين يديك بالدف، قال أوفي بنذرك. وفي رواية لابن حبان. إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا، قالت: بل نذرت. فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت فضربت بالدف فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف وجلست عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأحسب الشيطان يفرق منك يا عمر. ففيه: أن النذر في المباح ينعقد وعليه بعضهم. ولحديث» لا نذر في معصية» فنفاه عنها فقط وبقي في غيرها، وقال آخرون لا ينعقد في المباح لحديث أبي إسرائيل الآتي والحديث أحمد: لا نذر إلا فيما يبتغي به وجه الله تعالى.

ص: 81

كَذَا وَكَذَا قَالَ: «لِصَنَمٍ» ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ:«لِوَثَنٍ؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَوْفِي بِنَذْرِكِ

(1)

» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِي بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

‌يقضى النذر عن الميت

(2)

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ قَضَائِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَافْضِهِ عَنْهَا

(3)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَقَدْ مَاتَتْ فَقَالَ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَقَدْ مَاتَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكْنْتَ قَاضِيَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ

(4)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ أَنْ تَصُومَ شَهْراً، فَنَجَّاهَا اللَّهُ فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ بِنْتُهَا أَوْ أُخْتَها إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

(6)

. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

(1)

الصنم والوثن بمعنى وهو صورة تعبد، وقيل الوثن صورة من حجر أو خشب أو نحوهما كصورة الإنسان، والصنم صورة بلا جثة. فلما علم صلى الله عليه وسلم أن النحر ليس لصنم في هذا المكان أمرها بالنحر. فمن نذر نذرًا كهدية أو صدقة لمكان من الأمكنة فإنه يجب عليه الوفاء به في ذلك المكان ولا يصرفه لغيره. وعليه الشافعي وجماعة. وقال غيرهم يجوز له نقله لحصول مراده ببذله للعباد، وهذا إذا لم يقبضه أهل الجهة المنذور لها، وإلا حرم أخذه منهم لأنهم ملكوه بالقبض لما سبق في البيوع» العائد في هبته كالعائد في قيئه» والمراد بقبضه دخوله في حماهم كدار أو صناديق خاصة بهم. والله أعلم.

يقضي النذر عن الميت

(2)

أي يجب على وليه قضاؤه عنه لأنه دين عليه.

(3)

قوله في نذر كان على أمه، قيل كان صياما وقيل صدقة.

(4)

أمره بوفاء نذرها في الحج وهو حق لله فغيره أولى. وتقدم الحديث في الحج.

(5)

فهذه الأحاديث صريحة في وجوب وفاء نذر الميت من صدقة وحج ونحوها كالديون والكفارات التي تزمته قبل موته فإنها تخرج من رأس ماله إلا إن وقع النذر في مرض موته فإنه يكون من الثلث، وعليه الجمهور. وشرط المالكية والحنفية أن يوصى بذلك وإلا فلا وجوب. والله أعلم وسبق من هذا في الصوم والحج.

(6)

بسند صالح.

ص: 82

‌لا نذر فيما لا يستطيع ولا نذر في معصية

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَدْرَكَ شَيْخاً يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِمَا

(2)

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا شَأَنُ هذَا؟» قَالَ ابْنَاهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرُ الْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَالَ: «ارْكَبْ أَيُّهَا الشَّيْخُ فَإِنَّ اللَّهَ غنِيٌّ عَنْكَ وَعَنْ نَذْرِكَ

(3)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيَةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِي لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ: «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ

(4)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا وَفَاءِ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا

لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ

(5)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.

لا نذر فيما لا يستطيع، ولا نذر في معصية، ولا نذر فيما لا يملك

(1)

أبو إسرائيل هذا رجل من بني عامر بن لؤي من قريش نذر ما ذكر في الحديث، ولما تضمن

نذره طاعة ومعصية ومباحا أمره بإتمام الطاعة ونهاه عن غيرها رأفة به في المباح. والمعصية لا نذر فيها.

(2)

أي يستند عليهما.

(3)

فإنه لا نذر فيما لا يستطيع، والله غني عن العالمين.

(4)

قوله حافية أي غير منتعلة، زاد في رواية وغير مختمرة أي كاشفة رأسها وهذا عصيان والمشي

غير مستطاع. وفي رواية» إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام»

فهذه النصوص صريحة في عدم اعتبار النذر فيما لا يستطيع فلا وفاء به ولكن فيه الكفارة.

(5)

لا وفاء لنذر في معصية. أي لأنه لم ينعقد فإن أصل النذر أن يكون في قربة لحديث أحمد وأبي

داود» لا نذر إلا فيما يبتغي به وجه الله» وقوله لا نذر فيما لا يملك العبد فإن النذر تصرف وهو فرع

الملكية، فإذا انتفى الأصل انتفى فرعه. وسبب الحديث أن امرأة نذرت أن تنحر ناقة ليست ملكا لها

فلما سمع بها النبي صلى الله عليه وسلم ذكره.

ص: 83

• عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنه أَنَّ أَخَوَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ الْقِسْمَةَ فَقَالَ: إِن عُدْتَ سَأَلْتَنِي عَنِ الْقِسْمَةِ فَكُلُّ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرَ رضي الله عنه: إِنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِكَ، كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَكَلِّمْ أَخَاكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَمِينَ عَلَيْكَ وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكُ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ نَذْراً لَمح يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْراً فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْراً لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْراً أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ

(3)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» .

وَلِلنَّسَائِيِّ: النَّذْرُ نَذْرَانِ فَمَا كَانَ مِنْ نَذْرِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَذلِكَ لِلَّهِ وَفِيهِ الْوَفَاءُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَذلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ

(5)

.

(1)

الرتاج بالكسر الباب والمراد في مصلحتها، فأخوان من الأنصار كان بينهما عقار ونخيل، فطلب أحدهما من أخيه القسمة فغضب وقال: إن كلمتني في هذا ثانيًا فإني أرصد مالى كله للكعبة - فرد عليه عمر بأن الكعبة غنية عنه وأمره بالكفارة وتكليم أخيه. وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:» لا يمين عليك» أي لا ينبغي تنفيذ هذا اليمين لأن الخروج من ملكه غير مستطاع وقطع أخيه معصية.

(2)

بسند صالح.

(3)

النذر الذي لم يسم هو النذر المطلق كقوله: لله على نذر. ففيه كفارة إن لم يقدم شيئا أي من ماله. وفيه أن النذر الذي لا يطيقه فيه كفارة يمين تغليظا عليه.

(4)

مرفوعًا وموقوفا على ابن عباس ولكن سنن الترمذي حسن.

(5)

فيه وما قبله أن النذر في المعصية لا وفاء فيه ولكن عليه كفارة يمين تغليظا عليه. وبه قال الحنفية وأحمد. وقال الجمهور والمالكية والشافعية: لا كفارة عليه لأن نذره لم ينعقد. ولحديث عائشة في الباب الأول» ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» وسكت عن الكفارة، وكذا حديث عمران، وأجاب الجمهور من الأحاديث التي صرحت بالكفارة بأنها لا تصل إلى درجة حديث عائشة وعمران. أو ذكر الكفارة فيها الزجر عن المعصية. والأول أحوط والثاني أوسع. والله أعلى وأعلم.

ص: 84

‌من نذر التصدق بماله انعقد بالثلث

• عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَزَادَا: «فَقُلْتُ إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ

(1)

».

• وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَبُو لُبَابَةَ أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كلِّهِ صَدَقَةً. قَالَ: «يَجْزِي عَنْكَ الثُّلثُ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ

(3)

.

• وَعَنْهُ قَال: إِنَّ مَنْ تَوْبَتِي أَنْ أَخْرُجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَدَقَةً

(4)

قَالَ: «لَا» ، قُلْتُ: فَنِصْفَهُ؟ قَالَ: لَا، قُلتُ: فَثُلُثَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: فَإِنِّي سَأَمْسِكُ سَهْمِي مِنْ خَيْبَرَ

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين.

من نذر التصدق بماله انعقد بالثلث

(1)

كعب بن مالك هذا أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى تاب الله عليهم بقوله تعالى - وعلى الثلاثة الذين خلفوا - الخ وسيأتي في التفسير حديثهم إن شاء الله.

(2)

أو في الموضعين للشك. وقوله يجزي عنك الثلث صريح في أن نذره بكل ماله انعقد بالثلث.

(3)

حديثه بالجزم لأبي لبابة، ولفظه:» إن أبا لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قوي وأساكنك وأن أنخلع من مالى صدقة لله عز وجل ولرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزي عنك الثلث». أي يكفيك التصدق بالثلث.

(4)

الجار قبله متعلق به.

(5)

قوله فنصفه أي فأخرج نصفه. قال لا، قلت فثلثه قال: نعم. والرواية وإن تعددت عن كعب ولكنها في وقعة واحدة وهي تخلفه عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك، فمن نذر التصدق بكل ماله فعليه التصدق بثلثه فقط، وعليه مالك وجماعة. وقيل يلزمه التصدق بالجميع لأن تلك النصوص لا نذر فيها بل فيها استشارة فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثلث، وقال أبو حنيفة: إن علقه بصفة فالقياس إخراجه كله. وقال الشافعي: إن كان نذر تبرر كإن شفي الله مريضي فعلى التصدق بمالى، فشفاه فعليه الكل، وإن كان لجاجًا فهو مخير بين الوفاء به كله أو كفارة يمين. والله أعلى وأعلم.

ص: 85

‌يجوز الرجوع في اليمين والنذر وعليه الكفارة

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

(1)

}.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَلا يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا إِلا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ

وَتَحَلَّلْتُهَا

(2)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَلِمُسْلِمِ: أَعْتَمَ

(3)

رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِالطَّعَامِ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَلْيأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ.

وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ: «وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى خَيْراً مِنْهَا إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .

وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ

(4)

».

يجوز الرجوع في اليمين والنذر وعليه الكفارة

(1)

أي شرع الله لكم تحليل الأيمان بعمل الكفارة التي ستأتي في الخاتمة إن شاء الله تعالى.

(2)

فأبو موسى الأشعري مع جماعة من قومه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحملوه أي طلبوا منه ما يركبونه وكان غضبان ولم يكن عنده ما يعطيهم فقال: والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه. فذهبوا وبعد قليل جاءته الإبل فاستحضرهم فأعطاهم ثم قال: والله لا أحلف على شيء فأرى غيره خيرًا منه إلا فعلته وكفرت عن يميني.

(3)

أعتم رجل أي مكث مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في العتمة وهي شدة الظلمة ثم عاد إلى بيته فوجد الصبية - جمع صبي - قد ناموا من غير عشاء لغيبته، فحلف لا يأكل ثم عاد فأكل فذكر هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره بالكفارة، فمن رجع عن يمينه أو حنث فيها فعليه الكفارة.

(4)

أي ما ظهر له أنه خير. وفي هذين الحديثين أن الكفارة قبل الحنث وفيما قبلهما أنها بعده أي يجوز الأمران، وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا والأئمة الثلاثة، ولكن يستحب تأخير الكفارة فقط،=

ص: 86

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌خاتمة في بيان كفارة اليمين والنذر

(2)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ

أَيْمَانَكُمْ

(3)

} {كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .

= ويجب تأخير الصوم عند الشافعي. وقال الحنفية: لا تصح الكفارة إلا بعد الحنث لتحقيق موجبها حينئذ، واتفق الكل على أنها لا تجب إلا بعد الحنث.

(1)

هذا صريح في أن كفارة النذر إذا رجع عنه أو حنث فيه هي كفارة اليمين. والله أعلم.

خاتمة في بيان كفارة اليمين والنذر

(2)

الحكمة في إيجاب الكفارة على الحانث أن الحنث خلف لليمين أو النذر وعدم وفاء به، فوجبت الكفارة جبرًا لهذا.

(3)

قوله - ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان - أي بالأيمان التي قصدتموها إن حنثتم فيها، فكفروا بواحد من ثلاثة على التخيير بينها أولها إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامكم أي غالب أقواتكم لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي قدره، وتقدم في كفارة الجماع في الصوم أوضح من هذا. وثانيها كسوة عشرة مساكين بما يسمى كسوة كقميص وعمامة كما يكفي عرقية أي طاقية أو منديل أو نحوهما، ويكفي واحد منها ولو ملبوسًا لم تذهب قوته ولو لم يصلح للمدفوع إليه كقميص صغير لرجل. وثالثها عتق رقبة مؤمنة ككفارة القتل والظهار حملا للمطلق على المقيد وعليه الجمهور والأئمة الثلاثة. وقال الحنفية: لا يحمل المطلق على المقيد إلا إذا اتحد السبب وهنا اختلف فلا حمل. وتكفي هنا الكافرة كإطلاق الآية، ويشترط في الرقبة أن تكون قادرة على الكسب، والإعتاق أفضل أنواع الكفارة للقادر عليه، فمن عجز عن واحد من هذه الثلاثة فعليه صوم ثلاثة أيام بنية الكفارة ولو متفرقة لعموم الآية. وعليه مالك والشافعية. وقال الحنفية: يشترط التتابع، فالكفارة مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء. وقوله {واحفظوا أيمانكم} أي ببرها إلا إذا كان في الحنث خير كما تقدم.

ص: 87

• عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُدًّا وَثُلُثاً بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ نَافِعٌ رضي الله عنه: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُدِّ الْأَوَّلِ وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرِئ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِماً كَانَ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يَجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يَجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْواً مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فَكَاكَهَ مِنَ النَّارِ يَجْزِي كُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْهَا

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي جَارِيَةٌ صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَعَظَّمَ ذلِكَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائْتِني بِهَا فَجِئْتُهُ بِهَا» فَقَالَ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ قَالَ: «فَمَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: «أَنتَ رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ

(5)

» رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

(1)

فكان قدر الصاع في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مدا وثلثًا. والمد رطل وثلث بغدادي فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز. هذا، ولكن اشتهر أن صاع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان خمسة أرطال وثلثا، وعلى هذا الجمهور، وقال الحنفية: إن صاع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثمانية أرطال، ولما حضر أبو يوسف المدينة وناظر مالكا في الصاع بحضرة الرشيد دخل مالك بيته وأخرج صاع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقدروه فإذا هو خمسة أرطال وثلث، فرجع أبو يوسف لهذا وخالف صاحبيه أي فليس بعد العيان بيان.

(2)

ومد النبي صلى الله عليه وسلم رطل وثلث بالبغدادي. وبالرطل المصرى رطل وأوقيتان وربع أوقية.

(3)

قوله يجزى كل عضو منها عضوًا منها أي يخلص كل عضو من العتيق عضوًا من المعتق من النار، وكذا القول في الضمائر الآتية.

(4)

بسند صحيح.

(5)

قوله صككتها صكة أي لطمتها بكفي على وجهها. وقولها الله في السماء إشارة إلى رفعة مكانة الله، وإلا فهو جل شأنه لا يحويه مكان، قال تعالى - وهو الله في السموات وفي الأرض يعمل سركم وجهركم -.

ص: 88

وَجَاءَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَة فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللَّهُ؟» فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ بإِصْبَعِهَا فَقَالَ لَهَا: «فَمَنْ أَنَا؟» فَأَشَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى السَّمَاءِ

(1)

فَقَالَ: «أَعْتِقْهَا فإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَأَحْمَدُ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

أي أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة. ففيه وما قبله أنه يكفي في الإيمان الاعتراف بوجود الله وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

(2)

بسند صالح.

ص: 89

‌كتاب الصيد والذبائح

(1)

وفيه أربعة فصول وخاتمة

‌الفصل الأول فيما يؤكل من الحيوان

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ

(2)

}.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكلُ دَجَاجاً

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا كنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ

(4)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَباً وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى الْقَوْمُ فَتَعِبُوا فَأَخَذْتَها فِجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا أَوْ قَالَ بِفَخِذَيْهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهَا

(5)

.

• عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصيد والذبائح

(1)

الصيد هو ما يصاد ويؤخذ من الحيوان، والذبائح جمع ذبيحة وهى المذبوح. والمراد بيان ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل وبيان آلة الصيد والذبح. وبيان الضحية وأحكامها.

(2)

قوله بهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم بأنواعها. فهذه كلها يحل أكلها بعد الذبح. وقوله إلا ما يتلى عليك أي تحريمه في آية» حرمت عليكم الميتة» وستأتي.

(3)

الدجاج بالتثليث واحده دجاجة لذكره وأنثاه طير معروف يربى في البيوت ويألفها ويسمى ذكره ديكًا، ويصيح إذا رأى ملكا كما يأتي في الذكر» إذا رأيتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا» وكالدجاج الطير المعروف بالأوز والبط والديكة الرومية.

(4)

فأكله حلال مطلقا ولو لم تمسه النار وعليه الجمهور للحديث الآتي:» أحلت لنا ميتتان الحوت والجراد». وقال مالك وأحمد: إنه حلال إذا شوى أو طبخ أو قطع جزء منه بخلاف ما إذا وجد ميتًا أو أماته بعصا ونحوها.

(5)

فأنس يقول: كنا بمر الظهران - اسم مكان - فأنفجنا أي هيجنا أرنبا - دويبة تشبه العناق - فسعى القوم لأخذها فعجزوا فأخذتها =

ص: 90

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبَ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ: أَخْبِرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فرَفَعَ يَدَهُ فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، وَلكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» . قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ

(1)

.

• عَنْ جَابِرِ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ

(2)

وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْأُصُولُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَحَرَنَا فَرَساً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلْنَاهُ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَصَابَ حِمَاراً وَحْشِيًّا وَهُوَ حَلَالٌ فَأَتَى بِهِ أَصْحَابَهُ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَأَكَلُوا مِنْهُ

(4)

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ سَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «قَدْ أَحْسَنْتُمْ هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ:«فَأَهْدُوا لَنَا» فَأَتَيْنَاهُ مِنْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ

= فذهبت بها إلى أبي طلحة فذبحها وأرسل بوركيها إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقبلها أي للأكل، فالعناق والأرنب حلال بعد الذبح بالإجماع.

(1)

قوله بضب محنوذ أي مشوي ومنه» فما لبث أن جاء بعجل حنيذ» وقوله فأهوى إليه بيده أي مدها ليأكل منه فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده. فسئل عنه فقال: ليس بحرام ولكنه ليس بأرض قومي التي نشأت فيها وهي مكة وما حولها، فنفسي لا تميل إليه فجذبه خالد وصار يأكل منه والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه. والضب: دويبة معروفة والأنثى ضبة، يعيش نحو سبعمائة سنة ولا يشرب ويبول كل أربعين يوما قطرة. ولمسلم» كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي» فالضب حلال بعد الذبح باتفاق السلف والخلف إلا ما نقل عن علي وأصحاب أبي حنيفة من كراهتهم له.

(2)

فالحمر الأهلية التي يقتنيها الناس لركوبها والحمل عليها حرام أكلها بخلاف الحمر الوحشية فإنها حلال كما يأتي.

(3)

فيه تصريح بحل لحوم الخيل. وعليه جمهور السلف والخلف والشافعي وأحمد، وقال مالك وأبو حنيفة: بكراهته الآية {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} ولم يذكر الأكل.

(4)

قوله فأكلوا منه أي بعضهم وامتنع آخرون لتلبسهم بالإحرام، فلما سألوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم استحسن أكل من أكلوا وطلب منهم شيئًا منه فأكله لأن الذي صاده حلال، فالحمار الوحشي يحل أكله بعد الذبح باتفاق.

ص: 91

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ: «هُوَ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحَرِمُ

(1)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ سَفِينَةَ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَكَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَحْمَ حُبَارَى

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُوراً فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلا سَأَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: «يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا

(5)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ.

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفَرَاءِ

(6)

فَقَالَ: «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّراً فَبَعَثَ اللَّهُ نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ

(7)

وَتَلَا: {قُل لاَّ أَجِدُ

(1)

قوله صيد أي يحل أكله، والضبع للواحد الذكر، والأنثى ضبعان، ومن عجيب أمره أنه يكون سنة ذكرًا وسنة أنثى، فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة.

(2)

بسند صحيح ولفظ الترمذي - قيل لجابر الضبع صيد هي؟ قال نعم، قلت آكلها؟ قال نعم قلت أقاله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم. فالضبع يحل أكله بعد الذبح، وعليه بعض الصحب والتابعين والشافعي وأحمد. وقال الشافعي: إن العرب تستطيبه وتمدحه، ولا يزال يباع ويشترى بين الصفا والمروة من غير نكير. وقال الجمهور إنه حرام لأنَّهُ سبع وقد نهي عن أكل كل ذي ناب من السباع. وأجاب الأولون بأنه خص من ذلك بالنص عليه.

(3)

الحبارى بالضم والقصر طائر معروف للذكر والأنثى واحدها وجمعها سواء، وهي سريعة الطيران عنقها كبير ولونها رمادي ولحمها بين لحم الدجاج ولحم البط، أي فأكلها حلال.

(4)

بسند غريب ولكن العرب تستطيبها.

(5)

فأكل العصفور حلال وقطع رأسها أو جزء منها حرام لأنَّهُ تعذيب.

(6)

الفراء حمار الوحش وهو حلال كما تقدم. ومنه» كل الصيد في جوف الفرا» السمن والجبن فرعان من اللبن الحلال بنص القرآن.

(7)

قوله تقذرًا أي استقذارًا وكراهة لها. وقوله عفو - كشرط - أي معفو عنه وحلال.

ص: 92

فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً

(1)

} {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ

(2)

.

ومن حيوان البحر وميتة

(3)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ

(4)

}.

• عَنْ جَابِرِ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُدُ عِيراً لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتاً يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا قَالَ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعاً مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ

(5)

وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ لَمَّا اشْتدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَهَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ

(6)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

(1)

قوله ميتة هي ما زالت حياتها بغير ذبح شرعي، وقوله مسفوحًا أي سائلا، وقوله أو فسقًا أهل لغير الله به أي ذبح وذكر اسم غير الله عليه.

(2)

ولفظ الحاكم: ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئًا ثم تلا {وما كان ربك نسيا} فهذه النصوص تدل على أن الحلال ما أحله الشرع كتابًا أو سنة، والحرام ما حرمه الشرع كتابًا أو سنة، والمسكوت عنه حلال أيضًا إلا ما استخبثته العرب أرباب الطباع السليمة، فعلى هذا الأصل في الأشياء الحل ولا يصح مع هذا خلاف، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين والحمد لله رب العالمين والله أعلم.

ومنه حيوان البحر وميتته

(3)

أي ومن الحيوان الحلال أكله حيوان البحر ولو كان ميتا إلا إذا أنتن فيحرم لضرره.

(4)

قوله صيد البحر وهو ما لا يعيش إلا فيه ولو كان على صورة الإنسان أو الكلب، أما ما يعيش فيه وفي البر كالضفدع والتمساح غرام أكله، وكذا أحل لكم طعامه وهو ما يقذفه ميتا ما لم ينتن. وقوله وللسيارة أي المسافرين، أي فصيد البحر حلال لكم وللمسافرين.

(5)

قوله نرصد عيرًا لقريش أي نتربص تجارتها فنأخذها، والخبط بالتحريك ورق الشجر لأنَّهُ يتناثر بالخبط، وقوله وادّهنا بودكه بفتحتين أي شحمه.

(6)

أي رحمة به.

ص: 93

وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ

(1)

: هُوَ

(2)

الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتَهُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ

(3)

». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

‌الفصل الثاني فيما لا يؤكل من الحيوان

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ

(4)

} {وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ أَصَبْنَا مِنَ الْقَرْيَةِ حُمُراً فَطَبَخْنَا مِنْهَا فَنَادَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا

(5)

فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِمَا فِيهَا». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

بسند صحيح.

(2)

هو أي البحر الملح ماؤه طاهر مطهر وميتته حلال والحديث تقدم في أحكام المياه.

(3)

فالميتة والدم حرام بنص الآية {حرمت عليكم الميتة والدم} إلا ميتة البحر والجراد وإلا الكبد والطحال فإنهما دم تجمد، وحيوان البحر كالجراد يحل أكله ولو لم يذبح ولو لم تمسه نار، ولكن الأحسن أكله بعد تسويته بالنار لسهولة هضمه. ويحرم وضعه فيها قبل موته أو ذبحه لأنَّهُ تعذيب، وإن كان كبيرًا فينبغي ذبحه بقطع ذيله. والله أعلم.

الفصل الثاني فيما لا يؤكل من الحيوان

(4)

قوله الميتة هي ما زالت حياتها بغير ذكاة شرعية، والدم أي المسفوح أي السائل بخلاف الكبد والطحال، ولحم الخنزير أي أكله، وما أهل لغير الله به أي وما ذكر اسم غير الله عليه عند ذبحه كما كانت تفعله عبدة الأوثان، والمنخنقة هي التي ماتت خنقا، والموقوذة المقتولة بالضرب، والمتردية الساقطة من علو إلى سفل فماتت، والنطيحة التي نطحتها بهيمة أخرى فماتت. وما أكل السبع أي وما أكل السبع جزءًا منه، إلا ما ذكيتم أي إلا ما أدركتم فيه حياة مستقرة من هذه الأشياء، فذبحتموه فهو لكم حلال، وما ذبح على النصب أي الأنصاب وهي الأصنام أي وما ذبح بجوار الأصنام كما كانت تفعله عبدتها، وإنما حرمت هذه الأشياء وما يأتي بعدها لضررها بالإنسان فلا تصلح لطعامه.

(5)

إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر=

ص: 94

• عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ

(1)

أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَان

(2)

عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ وَلَا لُقْطَةُ مُعَاهَدٍ إِلا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا

(3)

وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الْخَيْلِ

(6)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.

وَذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقُنْفُذُ فَقَالَ: «خَبِيثَةٌ مِنَ الْخَبَائِثِ

(7)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.

= فإنها رجس؛ أي خبيث؛ فأكفئوا القدور أي ألقوا ما فيها من لحوم الحمر، واختلف الناس فيها بعدئد فقال بعضهم: نهى عنها لأنها لم تقسم. وقال آخرون حرمها البتة. وقال ابن عباس: لا أدري تحريمها أدائما أم لأنها حمولة الناس حينذاك حتَّى لجأوا إلى سعيد بن جبير فقال. حرمها البتة فارتفع الخلاف واتفقوا على تحريمها.

(1)

من السنة التي هي كالقرآن في وجوب الأخذ بها قال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} .

(2)

شبعان ممنوع من الصرف وهو كناية عن البلادة وسوء الفهم لجهله. والأريكة السرير؛ أي سيظهر قوم في أمتي ربوا في النعيم وظهرت عليهم البلادة، يقولون لا نعرف إلا القرآن فقط، وهذا تحذير من مخالفة السنة كما وقع من الخوارج والروافض ونحوهم الذين تمسكوا بالقرآن وتركوا السنة فضلوا لأنها بيان القرآن وتمام الشريعة. مثلا مقدار الزكاة والأنواع التي تجب فيها ما بينها إلا السنة، وكذا ركعات الفرائض، ونحو ذلك لا يعد ولا يحصى، نعوذ بالله من الجهل والعناد، وهذه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار بغيب قد وقع.

(3)

ولقطة المسلم كذلك وتقدم الكلام عليها في البيوع.

(4)

فعليهم أن يقروه أي عليهم إكرامه وإلا فله أن يعقبهم بقراه أي له أخذ كفايته ولو بالقوة، والظاهر أن هذا للمضطر وإلا فما على المحسنين من سبيل.

(5)

أي في لزوم السنة والترمذي بسند حسن.

(6)

والنهي عن البغال والحمير للتحريم لأنها خلقت للحمل والركوب، والخيل وإن شاركتها ولكنها للزينة أكثر.

(7)

القنفذ حيوان صغير ينطوي على بعضه فيكون كالكرة وكله شوك. وقوله من الخبائث أي يحرم أكلها وعليه مالك وأبو حنيفة وأحمد، ورخص فيه الشافعي والليث لأن العرب تسطيبه ولأن حديثه ضعيف.

ص: 95

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الذِّئْبِ فَقَالَ: «وَيَأْكُلُ الذِّئْبَ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ

(1)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ

(2)

.

وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ لِأَسْأَلَكَ عَنْ أَحْنَاشِ الْأَرْضِ مَا تَقُولُ فِي الثَّعْلَبِ؟ قَالَ: «وَمَنْ يَأْكلُ الثَّعْلَبَ

(3)

». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ

(4)

.

• عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ فَقَالَ: مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

(6)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجلالَةِ وَأَلْبَانِهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: نَهَى عَنِ الْجَلالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْها أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا

(7)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(8)

.

• عَنِ أَبِي ثعْلَبَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي

مِخْلَبٍ مِنَ الطُّيُورِ

(9)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

فلهذا حرم أكله ولأنه داخل في ذي الناب الآتي ومشهور بالافتراس.

(2)

بسند ضعيف.

(3)

أي لا يأكله أحد وعليه بعضهم. وقال الشافعي بجوازه لأنَّهُ لا ناب له فلا يعدو.

(4)

بسند ضعيف.

(5)

فكان أهل المدينة يجبون أسنمة الإبل. جمع سنام وهو أعلى الظهر. أي يشقونها ويأخذون دسمها لأكله. وكذا يفعلون في أليات الغنم، فقال صلى الله عليه وسلم: ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة أي كالميتة في تحريم أكله لعدم التذكية.

(6)

بسند حسن.

(7)

الجلالة هي البهيمة التي تأكل الجلة أي العذرة، وكذا الطيور كالدجاج إذا كان الأكل كله أو أكثره نجاسة، وقال بعضهم: لا تكون جلالة إلا إذا كان في لحمها أو في مرقها أو في لبنها ريح منتنة، فلحم الجلالة ولبنها بل وركوبها حرام عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد. ولا يؤكل لحمها إلا إذا حبست وعلفت أياما حتَّى يظن أنه طاب. وروى أن البقر يعاف أربعين يوما. والغنم سبعة أيام. والدجاج ونحوه ثلاثة أيام ثم تذبح. وقال الحسن البصري ومالك: إنه لا بأس بلحم الجلالة ولبنها، فالنهي للتنزيه فقط.

ولعل هذا إذا لم يقع تغير والأولين إذا وقع تغير.

(8)

بسند حسن.

(9)

الناب: السن الذي خلف الرباعية، والسباع جمع سبع بضم الباء وفتحها وسكونها الحيوان المفترس. أي ما يفترس الحيوان ويأكله فيحرم أكل كل حيوان مفترس كالأسد والنمر والفيل والذئب والقرد والكلب ونحوها، وعليه =

ص: 96

‌ومنه ما نهى عن قتله وما أمر بقتله

(1)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءَ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحى اللَّهُ إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكَتْ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ؟»

(2)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ وَعَنْ أَكْلِ ثَمَنِهِ

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ

(4)

.

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّ طَبِيباً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ

• عَنْ قَتْلِهَا

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ.

= الشافعي وجماعة. وقال أبو حنيفة: كل ما أكل اللحم فهو سبع ولو ضيعًا ويربوعًا. وكذا يحرم كل ذي مخلب من الطيور، والمخلب - كمنبر - للطير والسبع، كالظفر للإنسان. وذو المخلب من الطيور كالصقر والنسر والبازي والغراب والحدأة، والنهي في الحديثين للتحريم فكل ما له مخلب من الطيور يحرم أكله، وكل ما له ناب قوى من السباع يعدو به على غيره فحرام أكله إلا ما نص على إباحته كالضبع. وهذه قاعدة عظيمة فيما يحرم أكله كقاعدة الحلال السابقة. والله أعلم.

ومنه ما نهى عن قتله وما أمر بقتله

(1)

أي ومن المحرم أكله ما نهى الشرع عن قتله أو نهي عن بيعه أو أمر بقتله كما يأتي.

(2)

ولفظ أبي داود» نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحته ثم أمر بها فأحرقت فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة» أي هلا قتلت واحدة فقط. قيل إن ذلك النَّبِيّ هو موسى عليه السلام قال: يا رب تعذب أهل القرية بمعاصيهم وفيهم الطائع، ثم نام تحت شجرة فقرصته نملة فأمر بإحراقه كله أي فعاقب الكل بعصيان البعض، وكذلك عادة الله مع بعض عباده قال تعالى:{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} .

(3)

نهى عن أكل الهر ويسمى سنورًا واشتهر بالقط والنهي للتحريم، فأكله حرام باتفاق، وحشيًا أو أهليًا لأنَّهُ ذو ناب يعدو به.

(4)

ولكن مسلم والترمذي في البيع وأبو داود هنا.

(5)

الضفدع بتثليث أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وكسره دويبة مائية لها صوت عال، فالطبيب سأل عن قتلها فنهاه لأنها كثيرة التسبيح وللبيهقي» لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال يا رب سلطني على البحر حتَّى أغرقهم» فقتلهما حرام وأكلهما لا يجوز إلا إذا تعينتا للدواء كأكل الميتة.

ص: 97

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ

وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ

(2)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى إِنّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقَتُلُهُ ثُمَّ نَهى عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ

(3)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقاً

(4)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الْأُولَى

(1)

نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد، أما النحلة فإن كانت نحلة العسل فلكثرة فائدتها. وأما النملة والهدهد فلسر علمه الشارع لأن خلقهما لا يخلو من فائدة قال تعالى {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين} فلا يجوز قتل النمل لا فرق بين صغيره وكبيره إلا إذا كثر وصار ضارًا فلا بأس من قتله والصرد بضم ففتح طائر كبير الرأس يصطاد العصافير وهو أول طائر صام لله تعالى. وللبيهقي: نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل الخطاطيف. وله أيضًا نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن أكل الرخمة.

(2)

بسند صحيح. إلى هنا انتهى الكلام على الشق الأول في الترجمة، وما يأتي فيما أمر بقتله.

(3)

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب لما امتنع جبريل عليه السلام من الدخول على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن أذن له فسأله فقال: أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب فأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بإخراج الكلب من البيت وأمر بقتل الكلاب. وأيضًا لما فيها من أذى الناس وتنجيسهم حتَّى نزلت {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} فنهى عن قتلها إلا الأسود البهيم الذي لونه كله أسود ذا النقطتين أي الذي فوق عينيه نقطتان بيضاوان فإنه كالشيطان في كثرة ضرره فقتله مندوب، ولولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها أي ينبغي إبقاء نوعها فإنها تنفع للحراسة والصيد ونحوها إلا ما كان ضارًا كالأسود المذكور وما مرض بالكلب.

(4)

الوزغ بالتحريك واحده وزغة وهي دويبة مؤذية ويسمى فويسقا تصغير فاسق. ويسمى كبيرها سام أبرص. والفسق الخروج عن الحد لخروجها عن شكل الحيوان ولضررها ولذا أمر بقتلها، وفي البخاري في بدء الخلق» اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم» أي في النار ليقويها.

ص: 98

وَمَنْ قَتَلَها فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الثَّانِيَةِ»

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْغُرَابِ وَالْحُدَيَّا وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ

(2)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(3)

.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لَا أُرَاهَا إِلا الْفَأْرَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ وَإِذا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(5)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين.

(1)

ورد أن من قتلها في الضربة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله سبعون حسنة ومن قتلها في الثالثة فله ثلاثون، وهذا للحض على المبادرة بالخير كقوله تعالى» فاستبقوا الخيرات» وأولى أن يكون هذا الفضل في قتل الحية والعقرب ونحوها فإن ضررها عظيم.

(2)

أمر بقتل خمس فواسق في الحل والحرم أي في أرض الحرم وغيره ويقتلهن المحرم وغيره: الفأر والكلب العقور والغراب معلومات والحديا تصغير حدأة كعنبة وهي أنثى الغراب بأنواعه. وأما العقرب فالمراد به ما يشمل الحية والثعبان ونحوهما مما يمشي على بطنه من ذوات السموم، ففي أبي داود» اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهن فليس مني» وفي رواية» من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن» وهذا مخصوص بغير عوامر البيوت الآنية. وزاد أبو داود والترمذي: والسبع العادي أي الذي يعدو على الناس بأنيابه للافتراس سواء كان سبعا أو ذئبا أو غيرها دفعًا لشرهن.

(ملاحظة) مرويات أبي داود هنا وما بعده في كتاب الأدب

(3)

أي في كتاب الحج وتقدم الحديث هناك

(4)

قوله لا أراها إلا الفأر أي لا أظنها إلا هذا الفأر لأنها لا تشرب ألبان الإبل فإن لحومها وألبانها حرمت على بني إسرائيل كما حرمها أبوهم إسرائيل عليه {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} ولكن تشرب لبن الغنم، وهذا فيه شيء. فقد ورد» ما عاش ممسوخ فوق ثلاث» إلا أن يقال إنه في غير الفأر. والله أعلم وعلمه أتم.

(5)

ولكن البخاري في بدء الخلق ومسلم في الزهد.

ص: 99

‌عوامر البيوت تنذر ثلاثاً

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ» فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لِأَقْتُلَهَا نَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ: لَا تَقْتُلْهَا قُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ قَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَهِيَ الْعَوَامِرُ

(2)

.

وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَوْماً عِنْدَ هَدْمٍ لَهُ فَرَأَى وَبِيصَ جَانَ

(3)

فَقَالَ: اتَّبِعُوا هذَا فَاقْتُلُوهُ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إِلا الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَتّبِعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَموا فَمَنْ رَأَى شَيْئاً مِنْ هذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثاً فَإِنْ بَدَا بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»

(4)

. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ لِهذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئاً مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثاً فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ»

(5)

. رَوَاهَا الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِي لَيْلَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ فَقَالَ:

عوامر البيوت تنذر ثلاثًا

(1)

عوامر البيوت هي الحيات التي تظهر في المساكن فلا تقتل إلا إذا ظهرت بعد إنذارها ثلاث مرات.

(2)

الطفيتان تثنية طفية وهي خط أسود كالخوصة يكون في ظهر الحية. والأبتر قصير الذنب كمقطوعه، وهذان أخبث الحيات لأنهما يطمسان البصر أي يضرانه بمجرد النظر إليهما لخاصة السمية فيهما أو يقصدان البصر باللسع والنهش وكذا يسقطان الحَبَل بمجرد النظر إليهما أو من الخوف الناشئ عنهما.

(3)

أي لمعانه؛ أي رأي جانا.

(4)

قوله إن بالمدينة أي بمدينة الرسول نفرا من الجن أي جماعة منهم أسلموا ولذا خص مالك الإنذار بالمدينة صلى الله على ساكنها وسلم ولكن العموم أولى، فإن الجن تسكن كل بلد وقرية، فمن رأى من هذه العوامر شيئًا فليؤذنه ثلاثا بالعهد الآتي، فربما كان من مسلمي الجن، فإن ظهر بعد هذا فليقتله فإنما هو شيطان أي كالشيطان أو جني كافر.

(5)

قوله فحرجوا عليها أي أنذروها بالعهد الآتي ثلاثا فإنها لا تظهر بعد ذلك إن كانت من العوامر.

ص: 100

«إِذَا رَايْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئاً فِي مَسَاكِنِكُمْ فَقُولُوا: أَنْشَدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ نُوحٌ أَنْشَدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ إِلا تُؤَذُونَا فَإِنَّ عُدْنَ فَاقْتُلُوهُنَّ

(1)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهَا إِلا الْجانَّ الْأَبْيَضَ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ

(3)

.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

. نَسْأَلُ اللَّهُ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ آمِين.

‌الفصل الثالث في الصيد والذبح

(5)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

(6)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ إِوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ

(7)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ:

(1)

أنشدكن العهد أي أسألكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح عليه السلام عند دخول السفينة والعهد الذي أخذه عليكن سليمان حينما كنتن في تسخيره ألا تظهرن لنا.

(2)

بسند حسن.

(3)

الجان الأبيض هو الذي ينعطف في مشيته لاستقامته كأنه من مؤمني الجن فلا يقتل ولو ظهر في البيت، فإن في وجوده فائدة، ومعنى ما تقدم أن ذا الطفيتين والأبتر يقتلان من غير إنذار في أي مكان، والجان الأبيض لا يقتل. وغير هذه الثلاثة إن ظهر في البيوت ينذر ثلاثًا فإن ذهب وإلا قتل دفعًا لشره ولأنه خالف العهد وتعدي.

(4)

بسند حسن.

الفصل الثالث في الصيد والذبح

(5)

أي في بيان حيوان الصيد وآلته. وفي بيان الذبح الشرعي وآلته.

(6)

قوله من الجوارح أي الكواسب من سبع أو طير. وقوله مكلبين حال من التاء في علمتم أي مرسلين أو معلمين أي وما علمتموه الصيد وأرسلتموه وذكرتم لسم الله عليه فجاءكم بصيد فكلوه.

(7)

فلا يجوز اقتناء الكلب إلا للحراسة أو للصيد، وتقدم شرحه في الزرع، وإطلاق الكلب للانتفاع به يشمل كل كلب وعليه الجمهور. وقال بعض التابعين وأحمد وإسحاق: إلا الكلب الأسود فإنه شيطان، ويظهر من هذا طهارة الكلب المأذون باتخاذه لأن في ملازمته مع التحرز عنه مشقة شديدة، فالإذن باتخاذه إذن بمكملات=

ص: 101

انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ».

• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْبَازِي قَالَ: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ

(1)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

• وَعَنْهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا

(3)

» قُلْتُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ، فَقَالَ: «إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا

(4)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَلِلْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: «إِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ وَإِنْ وَقَعَ في الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» .

وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبي دَاوُدَ: يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيْتاً وَفِيهِ سَهْمُهُ قَالَ: «يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»

= مقصودة كالمنع من اقتنائه مناسب للمنع منه، وهذا لا ينافي غسل ما أصابه سبعًا كأمر الحديث السالف في الطهارة.

(1)

الباز والبازي نوع من الصقور جمعه بواز وبزاة. ففي هذه النصوص أن الصيد يحل بكل سبع له ناب قوي يعدو به كالكلب، وبكل طير له مخلب قوي يجرح به إذا تعلم الصيد بحيث إذا أرسل ذهب وإذا طلب رجع وإذا صاد لا يأكل منه شيئًا، فإذا فعل هذا مرارًا ثلاثًا على الأقل كان معلمًا وحل قتيله.

(2)

بسند غريب ولكن عليه أهل العلم.

(3)

أي لم يكن مرسلا للشك هل هو من صيده أم لا، فإن كان السكلب مرسلا من صائد آخر حل الصيد، وفي رواية:» قلت فإن أكل من الصيد قال فلا تأكل فإنه لم يمسك عليك وإنما أمسك على نفسه» وفي رواية:» إن أمسك عليك فأدركته حيًا فاذبحه وإن قتل ولم يأكل منه فكله».

(4)

المعراض كالمفتاح خشبة أو عصا محددة الطرف أو فيها حديدة تجرح الصيد فإذا رميت المعراض فخزق بخاء فزاى أي نقد في الصيد أو جرحه فهو حلال وإن أصاب الصيد بعرضه فمات فلا يحل لأنَّهُ موقوذة ككل صيد بمثقل كحجر أو عصا لا يحل لأنَّهُ وقيذ إلا إذا أدركه حيًا وذبحه، وشرط السهم أن يكون محددًا يجرح أي جزء من الحيوان، ومنه البارود المشهور الآن بالرش لأنَّهُ ينفذ ويسيل الدم. وقال بعضهم: هو من المثقل فصيده وقيذ إلا أن يدركه حيًا ويذبحه.

ص: 102

وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ

(1)

.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا

(2)

وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ

(3)

وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتَتَنَ

(4)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(5)

.

وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّل رضي الله عنه رَجُلاً يَخْذِفُ فَقَالَ: لَا تَخْذِفْ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلَا يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ وَلكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذلِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَأَنْتَ تَخْذِفُ لَا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا

(6)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌الذبح

(7)

• عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَداً وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى قَالَ: «أَعْجِلْ أَوْ أَرِنْ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأَحَدِّثُكَ

(1)

فمن رمى بسهمه صيدًا وسعى وراءه يومًا أو يومين أو ثلاثة ثم وجده فله أكله إلا إذا وجده في الماء فلا يحل للشك هل مات بالسهم أو بالغرق وإلا إذا وجده أنتن فلا يحل أكله لإضراره.

(2)

أي صار جافيًا وغليظًا طبعه كأهل البوادي.

(3)

أي لها به حتَّى صار فيه غفلة.

(4)

أي صار مفتونًا في دينه، ولأبي داود» وما ازداد عبد من السلطان دنوا إلا ازداد من الله بعدًا إلا من عصمه الله».

(5)

بسند حسن.

(6)

الخذف بخاء فذال ففاء: الرمي بحصاة أو نواة يجعلها بين إصبعيه. وقد نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عنه لعدم حل صيده لأنَّهُ ليس محددًا يجرح ولا ينكي به عدو من النكاية - وهي المبالغة في الأذى - وروي بالهمزة ولكنها أي الحصاة قد تكسر السن وتفقأ العين، فلما رأى عبد الله رجلا يخذف ونهاه فلم يسمع هجره - شهرًا أو سنة لعدم عمله بالحديث بعد سماعه - لله تعالى لما تقدم في الإيمان» من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان». نسأل الله الستر والتوفيق والله أعلم.

الذبح

(7)

أي بيان آلة الذبح وموضعه من الحيوان.

ص: 103

أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ

(1)

» قَالَ: وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِهذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ هكَذَا

(2)

» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَكَانَتْ جَارِيَةٌ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه تَرْعَى غَنَماً لَهُ بِسَلْعغ فَأُصيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «كُلُوهَا

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَبِي دَاوُدَ

(4)

: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ وَهِيَ الَّتِي تُذْبَحُ فَيُقْطَعُ الْجِلْدُ وَلَا تُفْرَى الْأَوْدَاجُ ثُمَّ تُتْرَكُ حَتَّى تَمُوتَ

(5)

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ: «لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ

(6)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(7)

.

(1)

المدى جمع مدية وهي السكين. زاد في رواية: أفنذبح بشقة العصا والمروة وهي الحجر المحدد، قال: أعجل أو أرن بفتح فكسر فسكون، وروى بتسكين الراء وكسر النون بل وروي بزيادة ياء في آخره وهي كأعجل من الإعجال والنشاط والخفة أي عجل بكل ما أنهر الدم وأساله كحجر وقصب وحديد واذكر اسم الله عليه وكله إلا السن والظفر، أما السن فعظم لا يحل به الذبح لأنَّهُ يتنجس وهو زاد مؤمنى الجن فتنجيسه حرام، وأما الظفر فمدى الحبشة لأنهم يذبحون بأظفارهم ويطيلونها لذلك وهم كفار وقد نهينا عن التشبه بهم بل وفيه تعذيب للحيوان.

(2)

أصبنا نهب إبل وغنم أي غنيمة منهما فند منها بعير أي شرد فلم نقدر عليه فحبسه رجل بسهم أي أصابه في جسمه فوقف فسال دمه فمات فأباحه لنا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش - جمع آبدة وهي التي توحشت - فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا، أي ارموها في أي محل من جسمها فيسيل دمها فتحل.

(3)

سلع كشرط جبل بالمدينة ففيه حل الذبح بالحجر، ومثله كل ما أسال الدم.

(4)

بسند صالح.

(5)

فشريطة الشيطان هي قطع جلد الرقبة وعدم قطع الحلقوم والعروق المحيطة به التي يجب قطعها في الذبح وتركه حتَّى يموت من نزف الدم فهذه حرام للتعذيب. ولا تحل الذبيحة ونسبت هذه للشيطان لأنها من وسوسته لهم في الجاهلية.

(6)

في الحلق واللبة أي الرقبة، قال لو طعنت في فخذها لكفاك، قال الترمذي وهذا في حال الضرورة كالحيوان الذي تمرد أو شرد فلم نقدر عليه أو وقع في بحر وخفنا غرقه فنضربه بسكين أو بسهم فيسيل دمه فيموت فهو حلال، وقال أبو داود: هذا لا يكون إلا في المتردية والمتوحش أي ما توحش من الأهلى، والوحشي أولى. وقال على وابن عباس وابن عمر وعائشة:» ما أعجزك من البهائم مما في يدك فهو كالصيد وما تردى في بئر فذكاته حيث قدرت عليه» رواه البخاري، فشرط الذبح أن يكون بآلة حادة تقطع الحلقوم والمريء والودجين، وأما الصيد وما لا نقدر عليه فيكفي جرحه من أي جزء لأنَّهُ الميسور.

(7)

بسند غريب. والله أعلم.

ص: 104

‌ذكاة الجنين بذكاة أمه

(1)

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ تُنْحَرُ النَّاقَةُ وَتُذْبَحُ الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: «كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌التسمية وإحسان الذبح

(4)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْماً حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا أَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: «سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا

(5)

».

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ

(6)

ذكاة الجنين بذكاة أمه

(1)

الذكاة الذبح، والجنين الولد ما دام في البطن، وذكاة أمه تسري عليه لأنَّهُ جزء منها.

(2)

قوله تنحر الناقة وتذبح البقرة اشتهر النحر للإبل والذبح لغيرها، وينبغي أن يكون النحر فيما طال عنقه كالإبل في أسفل العنق على اللبة والذبح فيما قصر عنقه كالشاه بجوار رأسه فإنه أرفق بالمذبوح، وقوله ذكاة الجنين ذكاة أمه لأنَّهُ جزء منها والذكاة تحل كل أجزاء الذبيحة فلا ذكاة الجنين إذا خرج ميتًا أو به حياة مذبوح، وعليه السلف والخلف إلا أبا حنيفة فإنه أوجب ذبحه بعد خروجه، ولعله حمل الحديث على التشبيه؛ أي ذكاة الجنين ذكاة أمه. أما إذا خرج وفيه حياة قوية فإنه يجب ذبحه باتفاق.

(3)

بسند حسن نسأل الله الستر والتوفيق لما يحب ويرضى.

التسمية وإحسان الذبح

(4)

أي مطلوبان.

(5)

إن قوما حديثو عهد بجاهلية أي أسلموا قريبًا ولا علم لهم بأمور الدين التي منها التسمية، ويأتوننا بلحمان جمع لحم والأكثر جمعه على لحوم، قال تسميتكم تكفي. والذبح صحيح حملا لحال المسلم على الصلاح، فيه أن التسمية عند الذبح غير واجبة وعليه الشافعي ومالك وأحمد وقال الحنفية وسفيان وإسحاق: إن تركها ساهيا حلت وإلا لم تحل. وقال جماعة: إن تركها بحال من الأحوال لم تحل لقوله تعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين} .

(6)

القتلة بالكسر هيئة القتل بعمل أسهل الطرق وأقلها إيلاما في إزهاق الروح.

ص: 105

وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلَامٌ مِنْ بَنِيهِ رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا

(2)

فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ فَحَلَّهَا فَأَتَى بِهَا وَبِالْغُلَامِ

(3)

فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلقَتْلِ

(4)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌ذبائح أهل الكتاب حلال

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، {وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ

(5)

} قَالَ نُسِخَا وَاسْتَثْنَى مِنْهَا ذَبِيحَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بقَوْلِهِ ـ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ

(6)

ـ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

.

(1)

وإحسان الذبح بسقيها قبل الذبح وإضجاعها بلطف وإحداد المدية بعيدًا عنها وإمرارها بسرعة ونحو ذلك.

(2)

أي بالحصا.

(3)

أي إلى يحيى بن سعيد.

(4)

والنهي للتحريم لما فيه من التعذيب، وإصبار البهيمة حبسها ورميها حتَّى تموت. ولمسلم والترمذي: نهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا؛ أي يرمي حتَّى يموت. ولمسلم لعن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك. والله أعلم.

ذبائح أهل الكتاب حلال

(5)

أي لا تأكلوا ذبيحة من لا يعتقد التسمية ولو كتابيًا لحديث أبي داود والترمذي: قالت اليهود يا رسول الله إنا نأكل مما قتلنا أي ذبحنا ولا تأكل مما قتل الله أي الميتة فنزلت هذه الآية.

(6)

يؤيد ما قاله ابن عباس أن آية - وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم - مدنية والآيتان قبلها مكيتان فنسختا بالمدينة ومعنى هذه الآية أن ذبيحة اليهود والنصارى حلال لكم ولو غيروا. وعلى هذا مالك، وقال الشافعي: بشرط عدم التغيير.

(7)

بسند صالح.

ص: 106

‌العقيقة وما يعمل للمولود

(1)

• عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مع الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهَرِيقُوا عَنْهُ دَماً وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى

(2)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

• عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّة رضي الله عنها

(3)

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ

شَاةٌ

(4)

».

• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ وَيُحْلَقُ

وَيُسَمَّى

(5)

». رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ

(6)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهما كَبْشاً كَبْشاً

(7)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(8)

. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: عَقَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَسَنِ بِشَاةٍ وَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعَرِهِ فِضَّةً فَوزَنَّاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَماً أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ

(9)

».

العقيقة وما يعمل للمولود

(1)

العقيقة من العق وهو الشق، والمراد بها الذبيحة عن المولود، وما يعمل للمولود هو الأذان في أذنه وتحنيكه بتمر من رجل صالح وتسميته باسم حسن، وحلق رأسه يوم السابع والتصدق بزنة شعره فضة وتلطيخ رأسه بطيب كزعفران.

(2)

أي تعمل مع المولود عقيقة فأهريقوا عنه أي أزيلوا عنه القذر كدم ورطوبة ظهرت عليه حين نزوله من البطن.

(3)

صحابية من بني خزاعة.

(4)

فيكفي عن البنت شاة لأنها على النصف من الذكر، وعنه شاتان مكافئتان أي متساويتان أو يذبحان متقابلتين أو مجزئتان في الضحية. وزاد في رواية: لا يضركم أذكرانًا كن أم إناثًا. وينبغي أن لا يكسر شيء من عظام العقيقة تفاؤلا بسلامة المولود ويوزع لحمها على المساكين، ولا بأس من إهداء الجيران بشيء وكذا القابلة.

(5)

فالمولود رهين حتَّى يعق عنه أي ممنوع من الشفاعة لأبويه إن مات طفلا قاله البيهقي عن عطاء الخراساني وعليه الإمام أحمد. وقيل: إن المولود مرهون عن الإنبات الحسن والمستقبل السعيد حتَّى يعق عنه فهي واجبة وعليه الليث وداود. ولكن الجمهور على أنها سنة مؤكدة. والحلق والتسمية يوم السابع ويجوزان قبله والعقيقة في السابع أيضًا فإن لم تتيسر في السابع ففي أربع عشرة لحديث البيهقي» العقيقة تذبح لسبع والأربع عشرة ولإحدى وعشرين».

(6)

بسندين صحيحين.

(7)

أي كبشًا عن كل واحد منهما.

(8)

بسند حسن.

(9)

فحلق رأس المولود في السابع والتصدق بزنة شعره ذهبًا أو فضة مستحب لينبت نباتًا حسنًا.

ص: 107

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، قَالَ: وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِي

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيَ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ رضي الله عنهم

(2)

. رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

• عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنَلْطَخُهُ بِزَعْفَرَانٍ

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْحِفْظَ مِنَ الزَّلَلِ وَالْغَوَايَةِ، وَالتَّوْفِيقَ لِلرُّشْدِ وَالْهِدَايَةِ.

‌الفرع والعتيرة

(4)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةً

(5)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

قوله فحنكه بتمرة أي مضغها في فمه صلى الله عليه وسلم وجعلها في فم الصبي لتناله بركة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه استحباب تحنيك الصبي من شخص صالح، وأن يكون بتمر، وفيه جواز التبرك بالصالحين.

(2)

فأبو رافع رضي الله عنه وكان أحد خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بعد ولادته، فيندب الأذان في أذن المولود اليمني والإقامة في اليسرى ليكون الذكر أول ما يطرق سمه فتشمله بركته. ولابن السني» من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان» وأم الصبيان هي التابعة من الجن، فالحفيظ هو الله ولكن لكل شيء سبب.

(3)

فكانوا في الجاهلية إذا ولد لهم مولود ذبحوا شاة ولطخوا رأسه بدمها فأبطله الإسلام لما فيه من تنجيس الولد وأمر بالعقيقة وحلق الرأس وتلطيخه بما له رائحة حسنة لأنها تنعش النفوس ولا سيما الملائكة الكرام عليهم السلام. نسأل الله الهداية والتوفيق آمين.

الفَرَع والعتيرة

(4)

الفرع بفتحتين أول ولد الناقة كانوا يذبحونه لأصنامهم. والعتيرة ذبيحة في رجب تعظيمًا له، فلما سألوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عنهما نهى عن الفرع بما يفهمونه وأمرهم به كل سنة عن كل مائة من الإبل يذبح للفقراء، وكذا أمرهم بالذبيحة في رجب يأكلون ويطعمون من يشاءون على وجه البر والإحسان فقط، ولكنه صلى الله عليه وسلم حذرهم بشدة من الذبح لغير الله تعالى.

(5)

أي واجبان، بل الأول باطل.

ص: 108

وَقَالَ نُبَيْشَةُ رضي الله عنه: نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبَ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «اذْبَحُوا للَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ وَبَرُّوا اللَّهَ وَأَطْعِمُوا

(1)

» قَالَ: إِنَّا كُنَّا نُفْرِعُ فَرَعاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تغْذُوهُ ماشِيَتُكَ حَتَّى إِذَا اسْتَجْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّ ذلِكَ خَيْرٌ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَبِي رَزِينٍ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَذْبَحُ فِي الْجاهِلِيَّةِ فِي رَجَبَ فَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ

(4)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

وَقِيلَ لِعَلِيَ رضي الله عنه: أَخْبِرْنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّهُ إِلَيْكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئاً كَتَمَهُ النَّاسَ وَلكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثاً

(5)

، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَى وأَعْلَمُ.

(1)

أي اذبحوا لله في أي وقت كان وأطعموا المساكين برًا لله وإرضاء له.

(2)

قيل لأبي قلابة: كم السائمة؟ قال: مائة من الإبل فعن كل سائمة في كل عام فرع إذا استجمل أي صار جملا، وبالحاء المهملة أي صار قويا على الحمل ذبحته للمساكين.

(3)

بسند صالح.

(4)

فأباح لهم ذبيحة رجب كما أباح لهم الفرع بالمعنى السالف.

(5)

قوله من آوى محدثا أي مبتدعا. وقوله من لعن والديه أي تسبب في لعنهما بقول أو عمل منكر. وقوله: من غير النار أي منار الأرض بنقله الحد بينه وبين جاره خفية عنه أو جهرًا.

ص: 109

‌الفصل الرابع في الضحية

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ

(2)

}.

• عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا وُقُوفاً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةٌ وَعَتِيرَةٌ، هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ

(3)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(4)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَضْحى فِي الْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ وَأُتِي بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي

(5)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

.

وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ الْأُضْحِيَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم والْمُسْلِمُونَ، فَأَعَادَهَا فَقَالَ: أَتَعْقِلُ ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ

(7)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(8)

.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحى عِيداً جَعَلَهُ اللَّهُ لِهذِهِ الْأُمَّةِ» ، قَالَ رَجُلٌ:

الفصل الرابع في الضحية

(1)

أي في حكمه وفضلها ووقتها وما يجزئ فيها وما لا يجزئ. وفي آدابها وجواز ادخارها. وستأتي على هذا الترتيب إن شاء الله.

(2)

قوله: أعطيناك الكوثر، هو الخير الكثير نحو النبوة والرسالة والقرآن والشفاعة. وقوله فصل لربك، أي صلاة الأضحى أو كل صلاة، وانحر؛ أي اذبح ضحيتك.

(3)

قال أبو داود: هذا منسوخ بالنسبة للعتيرة لحديث» لا فرع ولا عتيرة» السالف وعليه جماعة. وقال آخرون: المنسوخ وجوبها فقط جمعا بين النصوص وعملا بها.

(4)

بسند حسن.

(5)

هذا يدل على عدم وجوب الضحية وإلا لما سقطت بفعله صلى الله عليه وسلم فإن الواجب لا يسقط بفعل الغير، فهي سنة مؤكدة فقط. وعليه الجمهور سلفًا وخلفًا، وقال أبو حنيفة وبعض المالكية: إنها واجبة على الموسر لظاهر، الآية والحديث الأول، ولحديث أحمد» من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا».

(6)

بسند غريب ولكن سند أبي داود صالح.

(7)

عدم إجابته بالصريح محتمل للوجوب والندب.

(8)

بسند صحيح.

ص: 110

أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ إِلا مَنِيحَةً أُنْثَى أَفَأْضَحِّي بِهَا؟ قَالَ: «لَا، وَلكِنْ تَأْخُذُ مِنْ شَعَرِكَ وَأَظْفَارِكَ وَتَقُصُّ شَارِبَكَ وَتَحْلِقُ عَانَتَكَ فَتِلْكَ تَمَامُ أُضْحِيَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

وَسُئِلَ أَبو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى

(2)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوَمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَإِنَّ الدَّمَ ليَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً

(3)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» . وَكَانَ أَبُو بُرْدَةَ رضي الله عنه قَدْ ذَبَحَ فَقَالَ: عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ فَقَالَ: «اذْبَحْها وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ

(5)

».

• وَعَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

(1)

المنيحة هي شاة يعطيها مالكها لغيره لينتفع بلبنها ونحوه ثم يردها لصاحبها، فكان لهذا السائل منيحة عند غيره وقال: يا رسول الله لم أجد غيرها أفأضحى بها. قال: لا. ففيه دليل على سقوطها عن العسر.

(2)

فيه دليلٌ على أنها مطلوبة على سبيل الكفاية. وأن الشاة الواحدة تكفي عن أهل البيت سواء قلنا بوجوبها أو ندبها. وإلى هنا انتهى الكلام على حكمها. وما بعده في فضلها.

(3)

قوله: من إهراق الدم أي إسالة دم الضحية. وقوله: إن الدم ليقع من الله بمكان، كناية عن سرعة قبول الضحية قبل سيلان دمها. وفي رواية: في الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة، فالضحية في يوم النحر من أفضل الأعمال وأنها تأتي في الآخرة أحسن ما كانت فتثقل ميزان صاحبها وتشهد له، وله بكل شعرة حسنة بشرط أن يقدمها بطيب نفس لله تعالى.

(4)

الأول صحيح والثاني حسن.

(5)

إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا وكان يوم عيد أكبر أن نصلي صلاة العيد ثم نرجع إلى بيوتنا فننحر الضحايا وهذا سنة المسلمين. ومن ذبح قبل الصلاة فليس بضحية يثاب عليها، فقال أبو بردة =

ص: 111

فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَوَجَّهَ قِبْلَتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَلَا يَذْبَحْ حَتَّى يُصَلِّيَ

(1)

». رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌ما يجزئ من الضحية وما لا يجزئ

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا

(2)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ اشْحَذِيْهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلْتُ فَأَخَذَهَا ثُمَّ أَضْجَعَ الْكَبْشَ فَذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ

(3)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ غَنَماً يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ضَحِّ بِهِ أَنْتَ

(4)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

= ذبحت قبل الصلاة مسنة ولكن عندي جذعة خير منها، قال: اذبحها ولا تكفي لغيرك إلا إذا كان معسرًا، وهذا كمال وإلا فهي تكفي كما يأتي في حديث:» لا تذبحوا إلا مسنة».

(1)

قوله: ونسك نسكنا أراد أن يضحى الضحية الشرعية فلا يذبح حتَّى يصلى صلاة العيد. وفي رواية» من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» فما تعوده بعض الناس من الذبح قبل صلاة العيد لا يثاب عليه ثواب الضحية وإن أثيب عليه من جهة التوسعة على العيال. فوقت ذبح الضحية يدخل بعد صلاة العيد ويمتد إلى آخر أيام التشريق لأنها من العيد. وقال ابن المبارك: يصح لأهل القرى إذا طلع الفجر، والله أعلم.

ما يجزئ في الضحية وما لا يجزئ

(2)

قوله أملحين تثنية أملح وهو ما يخالط بياضه سواد. والأقرن ما له قرن. وقوله ووضع رجله على صفاحهما أي وضع رجله على جانب العنق الأيمن من الذبيحة وأمسك بيساره رأسها وبيمينه السكين بعد إلقائها على الجانب الأيسر بلطف فإنه أسهل على الذابح وأرفق بالمذبوح.

(3)

قوله: يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد أي في قوائمه وبطنه وحول عينيه سواد وقوله: هلمي المدية بتثليث الميم أي هات السكين اشحذيها أي حدديها بالحجر لتسرع في القطع.

(4)

قوله عتود هو صغير المعز الذي تم له سنة.

ص: 112

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا

جَذَعَةً مِنَ الضّأْنِ

(1)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داوُدَ وَالنَّسائِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الْأَضْحى فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً وَفِي الْبعِيرِ عَشَرَةً

(3)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ الْبَراءِ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ

(5)

فَقَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَورُهَا

(6)

، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيْنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكِسيرُ الَّتِي لَا تُنْقَى». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(7)

.

(1)

قوله إلا مسنة هي الكبيرة في السن، ويقال مسن وهما كثنى وثنية، وهي من الإبل ما لها خمس سنين، ومن البقر ما لها سنتان، ومن الضأن والمعز ما لها سنة، والجذعة من الغنم فيها خلاف فالمشهور عند اللغويين والأصح عند الشافعية ما لها سنة، وقال الحنيفة والحنابلة: ما لها ستة شهور، وقيل ما لها سبعة وقيل ثمانية، وقيل ستة شهور إن تولدت من شابين، وثمانية إن كانت من هرمين. وقوله إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة أفاد إجزاءها للمعسر. وهذا في غير الغنم، أما الجذعة من الغنم فمجزئة باتفاق الحديث» نعمت الأضحية الجذع من الضان».

(2)

الحديبية مكان مشهور أحصروا فيه عن العمرة فتحللوا بالذبح والحلق وسبق هذا في الحج.

(3)

وهذا كان في المدى والتحلل ومثله الأضحية في الحضر.

(4)

بسند حسن. ففهم مما تقدم أن شرط الضحية أن تكون من الإبل أو البقر أو الغنم والأفضل أن تكون مسنة، وتكفى الشاة عن أهل البيت الواحد، وكذا يكفي سبع البدنة، وسبع البقرة وهذا باتفاق أما عشر البدنة الذي في حديث ابن عباس فلم يأخذ به إلا إسحاق بن راهويه وابن خزيمة. وإلى هنا انتهى الكلام على الشق الأول من الترجمة وما يأتي فيما لا يجزئ وهي ما بها عيب بنقصها في البيع كالمرض والعرج والعور ونحوها مما يأتي.

(5)

أصابعه وأنامله أقصر من أصابع وأنامل النبي صلى الله عليه وسلم لصغر جسمه عن جسم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا توثيق في سماء الحديث لقربه من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.

(6)

قوله: العوراء بين عورها بالتحريك فاعل بين الذي هو صفة أي ما فيها عور ظاهر، فتكفي ما فيها عور يخفى، ومن البين عورها البخقاء وهي ما ذهب نور عينيها وبقى شكلها. وقوله: العرجاء بين ظلعها بفتح فسكون أي عرجها، والكسير التي لا تنقى من الإنقاء أي التي لا نقى لها أي لا مخ فيها، وهذه الأربعة لا تجزئ في الضحية باتفاق ومثلها ما كان في معناها أو أقبح كالعمى، وقطع الرجل لأن نقص الظاهر يدل على رداءة اللحم.

(7)

بسند صحيح.

ص: 113

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ

(1)

وَلَا نُضَحِّيَ بِعَوْرَاءِ وَلَا مُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا خَرْقَاءَ وَلَا شَرْقَاءَ. قُلْتُ: فَمَا الْمُقَابَلَةُ؟ قَالَ: «يُقْطَعُ طَرَفُ الْأُذُنِ» ، قُلْتُ: فَمَا الْمُدَابَرَةُ؟ قَالَ: «يُقْطَعُ مُؤَخَّرُ الْأُذُنِ» ، قُلْتُ: فَمَا الشَّرْقَاءُ؟ قَالَ: «تُشَقُّ الْأُذُنُ» ، قُلْتُ: فَمَا الْخَرْقَاءُ؟ قَالَ: «تُخْرَقُ أُذُنُهَا لِلسِّمَةِ

(2)

». رَوَاهُ أَصْحَابُ

السُّنَنِ

(3)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُضَحَّى بِعَضْبَاءِ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ

(4)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ آمِين.

‌خاتمة في آداب الضحية وجواز ادخارها

(6)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الذَّبْحِ

(7)

كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ ـ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ

(8)

ـ حَنِيفاً

(1)

أي ننظر إليهما.

(2)

أي يفعل بها واحد من هذه علامة على ملك صاحبها فلا تختلط بمواشي الغير، وعدم إجزاء هذه إن كان عيبا ينقص اللحم وإلا فلا، ويكون إرشادًا للكمال في الذبيحة.

(3)

بسند صحيح.

(4)

عضباء الأذن والقرن أي مقطوعة الأذن مكسورة القرن، فلا تجزئان في الضحية إذا كان الذاهب

نصفًا فأكثر وإلا أجزأتا، وهذا عند المحدثين، وقال جمهور الفقهاء: تجزئ مكسورة القرن مطلقًا،

وقال مالك: هو عيب إن كان يدمى وإلا فلا، والخصي يكفي في الضحية كما يأتي.

(5)

بسند صحيح.

خاتمة في آداب الضحية وجواز ادخارها

(6)

آداب الضحية مما سلف وما يأتي في سن السكين وعرض الماء على المذبوح قبل ذبحه وإضجاعه بلطف على جانبه الأيسر مستقبل القبلة وألا يكون بحضور ذبيح آخر وأن يذبح بنفسه إذا تيسر له وإلا فيحضر الذبح وأن يقول قبل الدبح: باسم الله إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا، إلى آخر ما في الحديث.

(7)

قوله يوم الذبح أي يوم العيد الأكبر الذي يقع فيه الذبح وقوله موجَأين وفي نسخة موجيين وفي رواية موجوأين أي خصيين، وفيه دليل على أن الخصى ليس بمكروه لأن الخصباء يطيب لحمه وينفي الزهومة وخبث الرائحة، وكرهه بعضهم لنقص عضوه.

(8)

قوله على ملة إبراهيم حال من التقاء في وجهت. وقوله اللهم منك ولك أي منك هذا الذبيح ولك أقدمه.

ص: 114

وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثمَّ ذَبَحَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

وَابْنُ مَاجَهْ.

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئاً حَتَّى يُضَحِّي

(2)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا

(3)

فِي الْعَامِ الْمَاضِي؟ قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وادَّخِرُوا فَإِنَّ ذلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» . رَوَاهُ الْخَمْسةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

بسند صالح.

(2)

قوله ذبح يذبحه أي من كان له ذبيحة يريد أن يضحي بها فليمسك عن أخذ شعره وأظفاره من أول ذي الحجة حتَّى يضحي، والنهي للكراهة فأخذها مكروه، والحكمة في هذا أن يبقى كامل الأجزاء حتَّى يعمه العتق بالضحية، وهذا مطلوب لأهل البيت كلهم فيعمهم العتق إن شاء الله. وإلى هنا انتهى الكلام على الآداب. وما يأتي في جواز الادخار.

(3)

قوله تفعل كما فعلنا في العام الماضي أي من عدم إبقاء شيء من الضحية فوق ثلاثة أيام قال: كلوا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد أي جوع فأردت أن تساعدوا المساكين، ولكن الآن زالت الشدة فكلوا وادخروا كما تشاءون. وينبغي للمضحي أن يتصدق بثلثها وأن يهدي منها من يشاء إدخالا للسرور على عباد الله فأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى، آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 115

‌كتاب الطعام والشراب

وفيه خمسة فصول وخاتمة

‌الفصل الأول في آداب الطعام

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ

(2)

} وَاعْمَلُواْ صَلِحاً إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ

(3)

}.

• عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَرأْتُ فِي التَّوْرَاةِ إِنَّ بَركَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ

(4)

». رَوَاهُ دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنهما

(6)

قَالَ: كُنْتُ غُلَاماً فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ» . رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الطعام والشراب. وفيه خمسة فصول وخاتمة، الفصل الأول في آداب الطعام

(1)

وهي غسل الكفين والتسمية قبل الأكل، والأكل باليمين مما يليك، والجلوس، وعدم تعييب الطعام، وعدم كثرة الأكل، وتصغير اللقمة، وإجادة منها، ولعق الأصابع، ونظافة الكفين والفم بعد الأكل، وحمد الله تعالى.

(2)

أمرهم بأكل الحلال قبل العمل الصالح لأنَّهُ شرط في قبوله.

(3)

قوله ولا تسرفوا أي بالإكثار منهما، فإنه تخمة تضر.

(4)

فبركة الطعام غسل الكفين قبل الأكل وبعده لأن فيه نظافة وإكبارًا للنعمة وشكرًا لها.

(5)

بسند ضعيف ولكنه في الفضائل.

(6)

فعمر بن أبي سلمة كان بعد موت أبيه يربى في حجر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بتثليث الحاء؛ أي في بيته تحت رعايته مع أمه أم سلمة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أكل طاشت يده في الصحفة أي امتدت في نواحيها. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: يا غلام كل بيمينك وسم الله وكل مما يليك. قال: فما زالت تلك طعمتي بالكسر أي صفة أكلى، وظاهر هذا الحديث وما بعده أن التسمية واجبة وهو أحد قولين لأصحاب أحمد، ولكن الجمهور سلفًا وخلفًا على أنها سنة عين الواحد، وسنة كفاية للجماعة.

ص: 116

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ

(1)

: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ

(2)

فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ ثُمَّ قَالَ: «كُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعاماً فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ

(5)

فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَلا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا»

(6)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

المراد بالشيطان القرين الملازم للإنسان، فإذا دخل الشخص بيته وذكر الله منع الشيطان من الدخول وقال: لا مبيت لنا ولا عشاء، وإذا لم يذكر الله عند الدخول دخل وبات، وإذا لم يسم الله عند الأكل شاركه فيه، وكذا عند الجماع، والمراد بالذكر أي ذكر كان والأفضل التسمية، وما يأتي في كتاب الذكر مما يقال عند دخول البيت.

(2)

فرجل مريض بالجذام حضروهم يأكلون فتقذره الجماعة، فأجلسه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بجواره وقال: كل ثقة بالله. أي فإني أثق بربي ثقة عظيمة في الحفظ من كل شيء، وفيه من التواضع واللطف بالسكين ما لا يخفى.

(3)

أي واستغربه وأبو داود في الطب بسند صالح.

(4)

رغبة في تعظيم الكبير. وقوله كأنها تدفع أي كأنها لسرعتها يدفعها دافع.

(5)

قوله فأخذ بيده أي منعه من الأكل حتَّى يجيء وقته، ولفظ أبي داود إن الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه وشرع في أكله، أما إذا لم يشرع في أكله فلا.

(6)

ولفظ أبي داود مع أيديهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبصر الشياطين وله عليهم قوة وسلطان، حتَّى قال: إني قبضت على يد الشيطان مع أيديهما، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

ص: 117

وَأَبُو دَاودَ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكَرَ اسْمَ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ فِي سِتَّةٍ مِنَ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلقْمَتَيْنِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَما إِنَّهُ لَوْ سَمَّى كَفَاكُمْ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِساً وَرَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلا لُقْمَةٌ فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ اسْتَقَاءَ مَا فِي بَطْنِهِ

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ

(6)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ:«لَا اسْتَطَعَتَ مَا مَنَعَهُ إِلا الْكِبْرُ» قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ

(7)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ما عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً قَطُّ إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ

(8)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

(1)

قوله إذا أكل أحدكم أي أراد الأكل فليسم الله في أوله فإن نسي في أوله وتذكر في أثنائه أو في آخره والأكل باق فليقل: باسم الله أوله وآخره فإن الشيطان يقيء ما أكله وتحل بركة التسمية.

(2)

بسند صحيح.

(3)

لحصول البركة من التسمية.

(4)

أي استقاء ما أكله بسبب التسمية.

(5)

بسند صالح.

(6)

ففي الأكل والشرب باليمين بركة فإنها من اليمن والبركة ومخالفة للشيطان الكافر، وظاهر هذه النصوص أن الشيطان له أيد وأرجل وأنه يأكل ويشرب كالآدمي، وعليه جمهور السلف والخلف، وقيل إن هذه مجازات وتشبهات، وقيل إن أكلهم شم واسترواح فقط. والله أعلم بحقيقة خلقه.

(7)

أي ما قدر على رفع يمينه إلى فمه كما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم لكبره وكذبه فكانا مشؤمين عليه.

(8)

بدون تعييب فإنه نعمة من الله يجب شكرها فكيف إذا عابها.

ص: 118

• عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لَا آكُلُ مُتَّكِئاً

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه رَأَيْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُقْعِياً يَأْكُلْ تَمْراً

(2)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَطْعَمَيْنِ: عَنه الْجُلوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ وَعَنِ الْأَكْلِ وَهوَ مُنْبَطِحٌ عَلَى وَجْهِهِ

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِماً فَقِيلَ: الْأَكْلُ؟ قَالَ: ذَاكَ أَشَدُّ.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ وَلكِنْ يَأْكُلُ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا

(6)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(7)

. وَلَفْظُهُ: «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ فَكلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ

(8)

».

(1)

فلم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئًا على أي جهة أدبًا للأكل وانتظامًا لمجاريه، فإن المائل لا ينحدر طعامه في مجاريه سهلا فضلا عن عدم الأدب، فهو مكروه أو خلاف الأولى، والأكل على ظهره أو على جنبه أو على بطنه أولى بالمنع لضرره، والمستحب في جلوس الأكل أن يكون جاثيًا على ركبتيه وظهور قدميه، أو جالسًا على يساره ناصبًا يمناه، ولا بأس من التربع لأن المحظور هو النهي عنه فقط، وغيره على الإباحة.

(2)

الإقعاء: الجلوس على أليتيه ناصبًا ساقيه، فهو نوع من جلسات الأكل.

(3)

قوله يشرب عليها الخمر أي وإن لم يشرب فإن الرضا بالشر شر، وقوله وهو منبطح على وجهه أي نائم على بطنه. والنهي في الأول للتحريم وفي الثاني للكراهة.

(4)

ورواه الحاكم وصححه.

(5)

قوله فقيل الأكل أي مثله قال ذاك أشر أو أخبث أو أشد أي في النهي لئلا يتناثر شيء من الطعام ويوطأ بالأقدام، ومن تعود الأكل ماشيًا سقطت هيبته، وذهبت مروءته.

(6)

قوله فلا يأكل من أعلى الصحفة أي مما على فيها كالأرز ولا من وسطها في غيره فإن البركة فيه.

(7)

بسند صحيح.

(8)

الوسط بالتحريك ما بين الحافتين وهو المراد هنا وبالسكون الظرف وليس مرادًا هنا.

ص: 119

• عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ وَانْهَشُوهُ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَأْكُلُ أَكْلاً كَثِيراً فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ قَلِيلاً فَذُكِرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَافَهُ ضَيْفٌ

(5)

وَهُوَ كَافِرٌ فَأَمَرَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحِلَابِ شَاةٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ آخَرَ فَشَرِبَهُ ثُمَّ آخَرَ فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا

(6)

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيْلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا

(7)

.

(1)

قوله يحتز من كتف شاة أي يقطع منها بالسكين ويأكل. ولأبي داود: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تبوك بجبنة فدعا بسكين فسمى وقطع، ففيهما جواز قطع المأكول بالسكين.

(2)

قوله: من صنيع الأعاجم فيه نهي عن الأكل بالسكين وهذا إذا كان تكبرًا أو يتشبه بالكفار، وإلا فلا ولا سيما إذا دعت حاجة إلى السكين كما في الحديث قبله، وقوله وانهشوه بالسين والشين أي كلوه بأطراف الأسنان فإنه أهنأ وأمرأ.

(3)

بسند ضعيف.

(4)

المعى - كإلى واحد الأمعاء وهي المصارين؛ وليس ظاهره مرادًا، فإن الأمعاء واحدة في كل إنسان، وإنما المراد أن المؤمن مبارك له في كل شيء فهو قنوع يأكل قليلا بخلاف الكافر ففيه شره ولا بركة عنده فيأكل كثيرًا قال تعالى {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} .

(5)

جاءه ضيف كافر.

(6)

أي لم يتم شربها بل شبع وقنع.

(7)

قوله يأكل بثلاث أصابع أي غالبًا وربما أكل الثريد بالأصابع كلها، والأكل بأصبع أو بأصبعين مذموم لما روى: الأكل بأصبع أكل الشيطان والأكل بأصبعين أكل الجبابرة.

ص: 120

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عَنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى

(1)

يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لَيْأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ». وَفِي رِوَايَةٍ: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ

(2)

الْقَصْعَةَ وَقَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ». رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

وَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ رضي الله عنه: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ

(3)

دَعَا بِطَعَامٍ فَمَا أُتِيَ بِسَوِيقٍ فَأَكَلْنَا فَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا

(4)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

(1)

قوله عند كل شيء من شأنه أي في كل أمر من أموره، وقوله فليمط ما بها أي ينحِّى القذر عنها ويأكلها إذا شاء أو يعطيها لنحو هرة ولا يتركها للشيطان، فإذا فرغ فليعلق أصابعه فربما كانت البركة في البقية التي عليها.

(2)

قوله وأمرنا أن نسلت القصعة أي نلحسها بأصابعنا ثم نلعقها، فربما كانت البركة في الباقي في الإناء، والمراد بالبركة ما به التغذية والسلامة والقوة على طاعة الله تعالى. وللترمذي» من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة» أي لأنه نظفها فلا يلعقها شيطان الحديث البزار.» من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة» فتقول اللهم أجره من النار كما أجارني من لعق الشيطان» وهذا إذا لم يكن هناك من يطلب له إبقاء شيء من الطعام وإلا كان أكله كله مذمومًا كما روي» إذا أكلتم فأفضلوا» ولما يأتي في طعام الجماعة» إذا كفى أحدكم خادمه فليجلسه معه وإلا فليناوله شيئا من الطعام».

(3)

قوله بالصهباء اسم مكان وقوله بسويق هو طعام من البر والشعير، وقوله فتمضمض ومضمضنا فنظافة الفم مطلوبة كاليد بل أشد فإن قذر الفم ينزل مع الريق في المعدة وربما ضرها والفم محل القرآن والعبادة فهو أولى بالنظافة وسيأتي في الأخلاق» إن الله نظيف يحب النظافة».

(4)

قوله أو يلعقها أي يعطيها لغيره يلعقها كولده وزوجه فربما كانت البركة فيما عليها.

ص: 121

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ

(1)

وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

.

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ عَتِيقٍ فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ

(4)

». وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا أُقِيمتِ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ» . رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَعَشَّوْا وَلَوْ بِكَفَ مِنْ حَشَفٍ

(5)

فَإِنَّ تَرْكَ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا الْقَنَاعَةَ وَالْيَقِينَ آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الفصل الثاني في آداب الشرب

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: شَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِماً مِنْ زَمْزَمَ

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظَهُ: شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ مِنْ دَلْوِ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ.

(1)

من نام وفي يده غمر بالتحريك أي دسم من لحم وغيره ولم يغسله فأصابه شيء أي من الشياطين كلمم وبرص فلا يلم إلا نفسه لتقصيره في النظافة، وللترمذي» إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه» وكاليد غيرها ولا سيما الفم فإنه باب الجسم.

(2)

بسند حسن.

(3)

فيه جواز تفتيش المأكول قبل أكله ليخرج ما فيه من دود ونحوه وإن جاز أكل الجبن والتمر ونحوهما بما فيها لحديث الطبراني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتش التمر عما فيه.

(4)

فإذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة فالأحسن تقديم الأكل ليتفرغ للعبادة فتقع كاملة، وهذا إذا كان الوقت واسعًا وإلا قدم الصلاة، وإنما نص على العشاء لأنه مظنة الجوع للصائم.

(5)

قوله ولو بكف من حشف - بالتحريك - رديء التمر فإن ترك العشاء مهرمة بفتح فسكون أي جالب للهرم والضعف، والمراد بالعشاء أكل المساء كالغداء أكل الصباح، فيصدق العشاء بكل أكل بعد الظهر.

الفصل الثاني في آداب الشرب

(6)

بئر مشهور في الحرم بجوار الكعبة سبق الكلام عليه في فضل الحرمين.

ص: 122

وَأُتِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ

(1)

بِمَاءٍ فَشَرِبَ قَائِماً فَقَالَ: إِنَّ نَاساً يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ قَائِمٌ وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَأَرْسَلَتْ أُمُّ الْفَضْلِ رضي الله عنها إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فَأَخَذَهُ وَشَرِبَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشُّرْبِ قَائِماً وَلِمُسْلِمٍ: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِماً فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ

(2)

».

• عَنْ عَمْرٍو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَائِماً وَقَاعِداً

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ رَجُلٌ: الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ؟ قَالَ: «أَهْرِقْهَا» ، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: عَلَى «فَأَبِنِ الْقَدَحَ إِذَنْ عَنْ فِيكَ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ

(6)

».

(1)

قوله على باب الرحبة، أي رحبة الكوفة وهو أمير المؤمنين.

(2)

قوله فمن نسي فليستقئ أي فليخرج ما شربه قائمًا لأنه لا يروى لانحداره بسرعة، والمستحب في الشرب أن يكون ثلاثًا في حال القعود.

(3)

يشرب قائمًا أي أحيانًا وقاعدًا أي أحيانًا، ففي هذه النصوص أنه صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين البيان الجواز ولكنه نهى عن الشرب قائمًا فيحمل على الكراهة. قال بعضهم:

إذا رمت تشرب فاقعد تفز

بسنة صفوة أهل الحجاز

وقد صححوا شربه قائمًا

ولكنه لبيان الجواز

(4)

نهي عن النفخ في الشراب فقال رجل: القذاة - كقناة - ما يسقط في المائع والشراب، أي ما أعمله فيها؟ قال أخرجها بغير نفخ في الإناء. قال لا أروى من نفس واحد. قال ابن القدح أي ارفع الإناء عن فمك وتنفس.

(5)

بسند صحيح.

(6)

وفي رواية: نهى عن الشرب من ثلمة القدح محل كسره وعن النفخ في الشراب، والنهى للكراهة فربما سال الماء على بدنه إن شرب من محل الكسر، وربما خرج من ريقه شيء فيقع في الشراب إذا تنفس فيه أو كان فيه متغيرا فيغير الشراب.

ص: 123

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثاً وَيَقُولُ: «إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ» . قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثاً

(1)

. رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَشْرَبُوا وَاحِداً كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَناً فَمَضْمَضَ مِنْهُ وَقَالَ: إِنَّ لَهُ دَسَماً

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ

(5)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَ وَإِلا كَرَعْنَا» قَالَ: بَلَى عِنْدِي مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَزَادَ: فَانْطَلَقَ إِلَى الْعَرِيشِ فَسَكَبَ مَاءً فِي قَدَحٍ وَحَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ فَشَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَعادَ فَشَرِبَ

صَاحِبُهُ

(6)

.

(1)

كان يتنفس في الشراب ثلاثًا أي يرفع الإناء فيتنفس خارجه مرتين في أثناء الشرب، والأخيرة بعد الشرب. فهي كرواية: كان يتنفس مرتين في أثناء الشرب ويقول إنه أروى، أي أكثر ريًا وأبرأ، أي من الأذى وأمرأ بعدم ثقله في المعدة، وفي رواية: فإنه أهنأ وأمرأ. يقال هنأنى الطعام إذا خف على المعدة وكان طيبًا.

(2)

لا تشربوا واحدا كشرب البعير أي نفسًا واحدًا كذا لا تعبوه بملء الفم، بل المستحب أن يكون ثلاث مرات وأن يمص الماء لأنه أحكم وأشفى ولحديث البيهقي» مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا» وسمعت من بعض شيوخي رحمه الله زيادة فإنه يورث الكباد أي مرضا في الكبد، فآداب الشرب أن يكون جالسًا، وأن يكون ثلاثًا، وأن يكون مصًا، وألا ينفخ في الإناء، والتسمية أوله والحمد آخره.

(3)

بسند غريب ولكن يؤيده ما قبله.

(4)

فتستحب المضمضة بعد شرب اللبن للنظافة من دسمه.

(5)

الأسقية جمع سقاء وهو وعاء الماء كالقربة، واختناثها قلب أفواهها ليشرب منها، والنهي للتحريم فإنه ينتنها. وفي رواية: نهى عن الشرب من في السقاء.

(6)

الشن: القربة، والداجن الشاة. والعريش مأوى الرجل في كرمه وزرعه. فالنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر دخلا على رجل في بستانه وهو يسقيه فقال: إن كان عندك ماء بائت فأتنا به وإلا كرعنا، أي شربنا بفمنا من الماء، فقال عندي يا رسول الله، وذهب إلى عريشه فمزج الماء البائت عنده بلبن شاة له وأعطاه للنبي صلى الله عليه وسلم فشرب ثم ملأ الإناء ثانيًا فشرب أبو بكر رضي الله عنه، ففيه جواز الكرع من الماء إن لم يتيسر قدح.

ص: 124

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ: «الْأَيْمَنُ الْأَيْمَنُ

(1)

». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْباً

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الحمد عقب الأكل والشرب

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيَ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا

(3)

» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

وَلِلْبُخَارِيِّ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيَ وَلَا مَكْفُورٍ

(4)

».

وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا

(1)

بلبن قد شيب بماء أي خلط به ليكثر، وكان هذا معروفًا عند العرب ويسمى مذقا وهو جائز إن لم يعرض للبيع وإلا كان غشًا. قال قائلهم:

حتى إذا جن الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

فالنبي صلى الله عليه وسلم وبعض صحبه كانوا عند أنس فمزج لهم اللبن بالماء فشرب النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الأعرابي لأنه كان عن يمينه، وقال الأيمن يقدم على غيره، فإذا كان جماعة وجيء لهم بشيء فينبغي البدء بالأفضل ثم بمن عن يمينه ولو كان غيره أفضل ثم يدور عليهم.

(2)

فمن يسقي القوم فإنه يشرب آخرهم، وكذا من

يفرق على جماعة مطعومًا أو غيره فهو آخرهم لاشتغاله بخدمتهم وكفاه الأجر على ذلك. نسأل الله التواضع وحسن الخلق آمين والله أعلم.

الحمد عقب الأكل والشرب

حكمة الحمد بعد الأكل والشرب الاعتراف لله تعالى بانفراده بالعطاء وتجديد الحد لله تعالى على نعمه وشكره عليها، وهذا يلزمه المزيد. قال تعالى:{لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} .

(3)

قوله إذا رفع مائدته أي أمر برفعها، وفي رواية: كان إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته وهي ما يوضع عليه الطعام، وقوله غير مكني من الكفاية أي لم يكفه غيره رزق عباده بل لا رازق لهم سواه. وقوله ولا مودع أي ولا متروك ولا يستغني عنه أحد. وقوله ربنا بالنصب على المدح أو الاختصاص أو النداء.

(4)

أي ولا مجحود فضله.

ص: 125

أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا

(1)

».

وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ

(2)

قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» .

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: كَانَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ

(3)

وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجاً».

• عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ طَعَاماً فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ

(4)

غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَاماً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ وَإِذَا سُقِيَ لَبَناً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلا اللَّبَنُ

(6)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(7)

. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ آمِين.

‌الأواني

(8)

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَةِ وَلَا تَلْبَسُوا

الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ

(9)

فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

فإذا كان الحمد بعد الطعام أو الشراب يرضي مولانا جل شأنه فإنه يكون واجبًا.

(2)

ولفظ الترمذي كان إذا أكل أو شرب الخ.

(3)

قوله وسوغه أي سهل دخوله وخروجه.

(4)

قوله من غير حول مني ولا قوة أي مع نهاية عجزي، وقوله ما تقدم من ذنبه أي من الصغار والكبائر ولا حرج على فضل الله فإنه يغفر كل ذنب لمن يشاء جل ربنا.

(5)

بسند حسن.

(6)

أي لا يكفي الإنسان عن المطعوم والمشروب إلا اللبن فإن فيه كل ما يحتاجه الجسم.

(7)

بسند حسن. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى.

الأواني

(8)

أي ما ورد فيها من عدم استعمال آنية الذهب والفضة ومن التغطية ومن جواز استعمال آنية الكفار بعد غسلها وغير ذلك.

(9)

لا تلبسوا الحرير والديباج وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب اللباس إن شاء الله. وقوله» لا تشربوا في آنية الذهب والفضة» وفي رواية: ولا تأكلوا في صحافها جمع صحفة وهي إناء الطعام فإنها للكفار في الدنيا ولكم في الآخرة.

ص: 126

وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ شَرِبَ

(1)

فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَاراً مِنْ جَهَنَّمَ».

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غَطُّوا الْإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ

(2)

وَأَغْلِقُوا الْبابَ وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً وَلَا يَفْتَحُ بَاباً وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا أَنْ يَعْرُضَ عَلَى إِنَائِهِ عُوداً وَيَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: أَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَأَطْفِ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ

(3)

وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غَطُّوا الْإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً

(4)

يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ الْوَبَاءِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا وَقَعَ

(1)

من شرب أي أو أكل في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر أي يدخل في بطنه نارًا من جهنم، فهذا الوعيد والنهي قبله يفيدان التحريم، فالأكل أو الشرب في إناء ذهب أو فضة حرام على الذكر وغيره لتضييق النقدين ولما فيه من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وكالأكل والشرب كافة الاستعمالات، كالتطهير والتجمير ونحوهما ويجوز المموه بذهب أو فضة إذا كان قليلا وما فيه ضبة صغيرة أو سيور منهما، كما روى أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح قد انصدع فسلسله أنس بفضة.

(2)

أوكوا السقاء أي اربطوه لئلا يسيل ما فيه. وقوله فإن الشيطان لا يحل سقاء أي ذكر اسم الله عليه فهو المانع له، وقوله فإن لم يجد إلا أن يعرض عودًا على إنائه ويذكر اسم الله فليفعل أي فإن العود سبب فقط، والحافظ اسم الله تعالى، وقوله فإن الفويسقة هي - الفأر - تضرم النار أي تشعلها على أهل البيت إن لم يطفئوا السراج، وهذا ظاهر فيما كان من المسارج، أما ما حدث اليوم (من المصابيح والكهرباء) فلا يقال فيه ذلك، ولكن الأحوط إطفاؤها إلا لحاجة كمرض ورضاع وللترمذي» لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون».

(3)

وخمر إناءك أي غطه وهذه تصرح بذكر اسم الله عند كل عمل وهو المطلوب.

(4)

قوله فإن في السنة ليلة وفي رواية: فإن في السنة يوما. قال الليث:» فالأعاجم عندنا يتقون ذلك اليوم في كانون الأول» وهو أحد الشهور العجمية، ولا يمكن معرفته بالشهر العربي لأن الحساب العربي تابع للهلال وهو يتقدم، ولكن ضبطه بغيره أسهل، وكانون الأول يبتدئ من خمس ليال في شهر كيهك بالحساب القبطى ومن أربع عشرة ليلة من شهر ديسمبر أحد الشهور الإفرنكية وهذا بالتقريب والله أعلم.

ص: 127

الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. وَزَادَ: «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ

(1)

».

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عَلَى سُكْرُجَةٍ قَطُّ

(2)

وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ وَلَا أَكَلَ عَلَى خُوَانٍ قَطُّ قِيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ فَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهًّ فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ

(3)

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ

(4)

.

وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَهِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلَا يَعِيبُ عَلَيْنَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ

(5)

فَقَالَ: «أَنْقُوهَا غَسْلًا وَاطْبُخُوا فِيهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

تقدم هذا الحديث في الطهارة فارجع إليه إن شئت شرحه طويلا.

(2)

قوله سكرجة بضم فسكون فضم: ما يأكل عليه الأعاجم مما يجمع ألوان الطعام، والخوان - كغراب وكتاب - شيء مرتفع يوضع عليه الطعام كالكرسي، والسفر جمع سفرة وهي ما يفرش على الأرض فيوضع عليه الطعام، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على سكرجة ولا على خوان لأن هذا كان من شأن أهل الترف والكبر، والنبي صلى الله عليه وسلم يرشد إلى التواضع والزهد فلم يناسب ذلك كماله صلى الله عليه وسلم وإلا فهذا جائز لمن لم يفعله كبرا وفخرا.

(3)

قوله فار حضوها بالماء أي اغسلوها به.

(4)

ولفظه لأبي داود.

(5)

المجوس مشركون يعبدون النار وقيل الشمس ويقولون إن للعالم أصلين النور والظلمة، فمن النور الخير ومن الظلمة الشر، ففي هذه النصوص جواز استعمال أواني أهل الكتاب والمشركين بشرط غسلها جيدا.

(6)

وقال هذا حديث مشهور.

ص: 128

‌الفصل الثالث في طعام الجماعة والضيافة

(1)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذيُّ.

وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ وَطَعَامُ الاِثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيةَ

(2)

».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ

(3)

حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيأْخُذْ بِيَدِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيَأْخُذْ لُقْمَةً فَلْيُطْعِمْهَا إِيَّاهُ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَمْراً فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَانِي سَبْعاً إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ

(4)

فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهَا شَدَّتْ فِي مَضَاغِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرِنَ

(5)

الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَنَسٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَعَوْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَنْزِلِنَا

الفصل الثالث في طعام الجماعة والضيافة

(1)

أي في الحث على الضيافة والمواساة والترغيب في الأكل مع الجماعة فإن بركتها أكثر.

(2)

ليس العدد مرادًا وإنما المراد الحث على المواساة فإن طعام القليل يكفي الكثير ولو قوتًا يقوم الجسم به، والطعام يفنى وبذله باق عند الله والناس.

(3)

أحدكم مفعول وخادمه فاعله، وطعامه مفعول ثان وحره ودخانه بدل من طعامه أي إذا كفاكم الخادم تعب طهي الطعام فأجلسوه معكم إذا سمحت الحال وإلا فأطعموه منه ولو قليلا لئلا يحرم منه. ولفظ الحديث للترمذي، وفي رواية: إذا كان الطعام مشفوها أي قليلا فليضع في يده أي يد خادمه أكلة أو أكلتين. والأكلة بالضم ما يؤكل دفعة واحدة.

(4)

إحداهن حشفة بالتحريك أي رديئة فكانت أحبهن إلي لأنها شدت في مضاغي أي تصمغت بأضراسي فطال مضغها فسررت منها. ولفظ الترمذي: قال ابن عباس: قسم النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات بين سبعة من أصحابه أصابهم جوع فأعطى كل واحد تمرة تمرة، ففيه جواز قسم الطعام أحيانًا.

(5)

الإقران ضم تمرة إلى أخرى وهو حرام إذا كان التمر مشتركا بينهم إلا برضاهم وكذا إذا كان لغيره لدلالته على الشره وعدم الأدب إلا إذا كان كثيرًا، وكالتمر غيره مما يماثله.

ص: 129

فَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ وَكَانَ يَأْمُرُ بِدُخُولِهِمْ لِلْأَكْلِ عَشَرَةً عَشَرَةً

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وعلَا نَشْبَعُ قَالَ: «فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَقَالَ: إِذَا كُنْتَ فِي وَلِيمَةٍ وَوُضِعَ الْأَكْلُ فَلَا تَأْكلْ حَتَّى يَأْذَنَ رَبُّ الدَّارِ

(4)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَصْعَةٌ يُقَالُ لَهَا الْغَرَّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَلَمَّا أَضْحَوْا وَسَجَدُوا الضُّحى أُتِيَ بِتِلْكَ الْقَصْعَةِ وَفِيهَا الثَّرِيدُ فَالْتَفُّوا عَلَيْهَا فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: مَا هذِهِ الْجِلْسَةُ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْداً كَرِيماً وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً عَنِيداً، ثُمَّ قَالَ: كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا يُبَارَكْ فِيهَا

(5)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

وَابْنُ مَاجَهْ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ صَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ

(7)

». وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ

(8)

، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

(1)

فينبغي تقسيم الجمع الكثير إلى فرق كعشرة بحسب الحال تسهيلا لرب البيت والآكلين.

(2)

فالبركة مع الجماعة أكثر، وللبيهقي والضياء: أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي.

(3)

بسند صالح.

(4)

لأنه صاحب الطعام إلا إذا سمح لهم فلا بأس من الأكل.

(5)

قصعة يقال لها الغراء أي صحفة كبيرة تسمى الغراء لبياضها يحملها أربعة رجال ويجيئون بها مملوءة بالثريد بعد صلاة الضحى فيجلسون حولها ويأكلون فلما كثروا مرة جثا النبي صلى الله عليه وسلم أي جلس على ركبتيه توسعة لأصحابه فقال أعرابي ما هذه الجلسة يا رسول الله؟ قال إن الله جعلني عبدا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا.

(6)

بسند صالح. إلى هنا انتهى الشق الأول، من الترجمة وما يأتى في الحث على إكرام الضيف.

(7)

أي يواسي أقاربه.

(8)

قوله فليكرم جاره أي يتحمل أذاه ومساعدته بما يمكنه من مال وجاه وغيرهما، وقوله فليقل خيرًا أو ليصمت أي يسكت عن الكلام.

ص: 130

• عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِره فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَومٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ ذلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ

(3)

وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَاضْرِبُوا الْهَامَ تُوَرَّثُوا الْجِنَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «اعْبُدُوا الرَّحْمنَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَأَفْشُوا السَّلَامَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحهُ.

• عَنْ جَابِرِ رضي الله عنه قَالَ: صَنَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً وَدَعَاهُ وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ: أَثِيبُوا أَخَاكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِثَابَتُهُ؟ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُخِلَ بَيْتُهُ فَأُكِلَ طَعَامَهُ وَشُرِبَ شَرَابُهُ فَدَعَوْا لَهُ فَذلِكَ إِثَابَتُهُ

(4)

».

وَأَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بِخُبْزٍ وَزَيْت فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ

(5)

وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ

(6)

». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ.

(1)

جائزته يوم وليلة، أي يكرم جائزته يوما وليلة بما جرت به عادتهم في التوسعة للضيف زمانًا ومكانا واليومان الباقيان من الضيافة يقدم له ما يأكلونه وما زاد على الثلاثة فصدقة، ولا يجوز للضيف أن يثوي أي يقيم عند صاحب البيت حتى يؤلمه.

(2)

والكلمة الأولى منه للشيخين.

(3)

أفشوا السلام أي تعودوه كثيرا حتى يفشو فيكم. وقوله: واضربوا الهام أي جدوا في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى.

وقوله: تورثوا الجنان أي يورثكم الله الجنان عنده. وسيأتي فضل الجهاد على سعة إن شاء الله تعالى.

(4)

فيندب للمدعو أن يدعو لصاحب الطعام بالبركة والإخلاف والتوفيق، فتلك إثابته.

(5)

الأبرار جمع بار وهو التقي. وقوله: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار. أي جعلكم الله أهلا لذلك دائمًا. وقوله: وصلت عليكم الملائكة أي استغفرت لكم لفعل الخير لعباد الله. قال تعالى {والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض} وتقدم في الزكاة:» ومن صنع معكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له».

(6)

بسندين صالحين والله أعلم.

ص: 131

‌الفصل الرابع في المطعوم

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ

(2)

} {مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ خَيَّاطاً دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ فقَرَّبَ خُبْزاً مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقاً فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ

(3)

فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمَئِذٍ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأَكُلُ الرُّطَبَ بِالْقُثَّاءِ

(4)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرّطَبِ فَيَقُولُ نَكْسِرُ حَرَّ هذَا بِبَرْدِ هذَا وَبَرْدَ هذَا بِحَرِّ هذَا

(5)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(6)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

الفصل الرابع في المطعوم

(1)

أي في بيان ما أكله النبي صلى الله عليه وسلم وما كان مشهورا عند العرب؛ وليس المراد حصر المطعوم في ذلك والنهي عن غيره.

(2)

الطيبات جمع طيب وهو الحلال والمستلذ، فالله تعالى يقول لعباده: كلوا ما شئتم من أنواع الحلال والمستلذات واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون.

(3)

القديد - كحديد - لحم مملوح مجفف بالشمس. والدباء - كرمان - نبت معروف بارد الطبع سهل الهضم يقوى القلب ويسمى قرعًا ومنه صغير وكبير وأبيض وأخضر وأحمر وهو اليقطين المذكور في قوله تعالى: {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} فالرجل قدم لهم خبزا وطبيخا مركبًا من مرق ودباء ولحم، فصار النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الدباء من أمامه ومن نواحي القصعة حبًا فيه، وهذا لا ينافي ما تقدم» وكل مما يليك» فإن هذا لعدم التقذر والنبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن عدم التقذر منه يسمح له ويتبرك به كل مخلوق.

(4)

القثاء - كرمان - وبالكسر نوع من فاكهة الصيف كالخيار.

(5)

قوله حر هذا، أي الرطب ببرد هذا أي البطيخ، فقد أكل النبي صلى الله عليه وسلم الرطب وهو حار بالقثاء أو البطيخ وهو بارد ليتساوى الطعام، وكالرطب غيره من كل حار، وكالقثاء كل بارد وكل فاكهة صيفية كالشمام فإن الله تعالى خلق للصيف فاكهة باردة لدفع الحرارة كما خلق لكل فصل ما يناسبه، ويصح أن تكون هذه قاعدة عامة فيمزج الحار بالبارد إن بقي الطعم مقبولا، وإلا يؤخذ أحدهما عقب الآخر فلا تتغلب غريزة على أخرى في الجسم فيختل نظامه، وقد ورد في البطيخ عدة أحاديث لم يصح منها إلا هذا.

(6)

بسند حسن.

ص: 132

بِمَرِّ الظَّهْرَانِ

(1)

وَنَحْنُ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ مِنْهُ» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّكَ رَعَيْتَ الْغنَمَ قَالَ: «نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيَ إِلا وَقَدْ رَعَاهَا» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً وَقَالَ: «هذِهِ إِدَامُ هذِهِ

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنَيْ بُسْرٍ السُّلَمِيَّيْنِ رضي الله عنهما قَالَا: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَدَّمْنَا لَهُ زُبْداً وَتَمْراً وَكَانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ

(4)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

وَابْنُ مَاجَهْ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ

(6)

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ فَظَنَنْتُهُ النَّخْلَةَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: هِيَ النَّخْلَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ

(7)

فَتَجْعَلهُ فِي قِدْرٍ لَهَا وَتَجْعَلُ عَلَيْهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ إِذَا صَلَّيْنَا زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ لَنَا وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لِذلِكَ وَمَا كُنَّا نَتَغَذَّى وَلَا نَقِيلُ إِلا بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلَا وَدَكٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

مر الظهران اسم مكان بقرب مكة. والكباث بالفتح ثمر الأراك وهو مأكول عند العرب.

(2)

وقال هذه أي التمرة إدام الكسرة.

(3)

بسند صالح.

(4)

الزبد ما يستخرج بالمخض من لبن البقر والغنم، وأما من لبن الإبل فيسمى جنابا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الزبد والتمر لأنهما بارد وحار وحلو وسهل الهضم، وفي هذا وما قبله جواز الجمع بين لونين في الأكل.

(5)

بسند صالح.

(6)

الجمار - كرمان - قلب النخلة، ويسمى شحم النخل وجذبه بالتحريك، وهو يعقل البطن وينفع من الصفراء والحرارة والدم الحاد أكلا، ومن القروح ولسع نحو الزنبور ضمادا وقوله صلى الله عليه وسلم: إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم. فظن ابن عمر أنها النخلة ولم يتكلم لأنه أصغر الحاضرين، فلما سكتوا كلهم قال صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. أي أنها كالإنسان في الاستواء وامتياز ذكره عن أنثاه، وأنها لا تحمل إلا بالتلقيح، بل هي كالمؤمن في كثرة خيرها ونفعها دائما بكل أجزائها وثمرها يؤكل رطبًا ويابسًا وهو غذاء ودواء وحلو وفاكهة.

(7)

السلق بكسر فسكون بقلة كثيرة المنافع، كانت تلك المرأة تطبخها بحبات من شعير يوم الجمعة فإذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الجمعة مروا عليها فقدمته لهم فيأكلون وهم فرحون. قوله وما كنا نتغدي ولا نقيل أي نستريح إلا بعد الجمعة. وقوله: والله =

ص: 133

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدْمَ فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلا خَلٌّ فَدَاعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَقُولُ: «نَعِمْ الْأُدْمُ الْخَلُّ نِعْمَ الْأُدْمُ الْخَلُّ

(1)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• وَعَنْهُ قَالَ أَخَذَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِهِ فَقَالَ: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ

(2)

» فَقَالُوا: نَعَمْ، فَأُتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَأَخَذَ قُرْصَاً فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخَذَ آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ فَوَضَعَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ:«هَلْ مِنْ أُدْمٍ؟» قَالُوا: لَا، إِلا شَيْءٌ مِنْ خَلَ فَقَالَ:«هَاتُوهُ فَنِعْمَ الْأُدْمُ هُوَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُوا الزَّيْتَ

(3)

وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَآسِيَة امْرَأَةُ فِرْعونْ

(4)

، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

=ما فيه شحم ولا ودك بالتحريك أي دسم، عطف عام على خاص أي مع خلو الطبيخ من هذا فهو لذيذ الطعم وكفاه أنه يعمل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه.

(1)

أدم - كقفل - والإدام ككتاب ما يؤدم به الخبز أي يساغ به، وأما الأدم بفتحتين فالجلد وليس مرادا هنا. وفي رواية» نعم الإدام الخل» لأنه أقل مؤونة وأقرب إلى القناعة.

(2)

هل من غداء أي هاتوا النداء بالغين وبالدال ما يؤكل أول النهار، فأتي بثلاثة أقرصة - كأرغفة - وزنًا ومعنى، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين جابر، ففيه مواساة الضيف وجواز وضع الخبز أمامه بل وغيره، ولما طلب الأدم قالوا: ليس عندنا إلا الخل، قال: هاتوه فنعم الأدم هو. ولابن ماجه» اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» وفي رواية:» لم يفتقر بيت فيه خل» وإنما امتدحه صلى الله عليه وسلم ترغيبا في الرضا بالقليل. وشكرا لله على نعمه.

(3)

قوله كلوا الزيت أي أدما للخبز وادهنوا به من بعض أمراض فإنه من شجرة مباركة هي الزيتونة التي قال فيها القرآن» يوقد من شجرة مباركة زيتونة» وسيأتي في الطب إن شاء الله.

(4)

ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون، وكفاهما فخرًا ثناء القرآن عليهما، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.

ص: 134

وَلِأَبِي دَاوُدَ: كَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الثَّرِيدُ مِنَ الْخُبْزِ والثَّرِيدُ مِنَ الحَيْسِ

(1)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا شْتَرَى أَحَدُكُمْ لَحْماً فَلْيُكْثِرْ مَرَقَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَحْماً أَصَابَ مَرَقَةً وَهُوَ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذيُّ.

‌تجوز الميتة للمضطر

• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الْحَرَّةَ

(5)

وَمَعَهُ أَهْلَهُ وَوَلَدُهُ فَوَجَدَ نَاقَةً ضَلَّتْ مِنْ صَاحِبِهَا وَكَانَ سَأَلَهُ إِمْسَاكَهَا إِنْ وَجَدَهَا فَمَرِضَتْ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ انْحَرْهَا فَأَبى فَنَفَقَتْ فَقَالَتِ اسْلُخْهَا حَتَّى نُقَدِّدَ لَحْمَهَا وَشَحْمَهَا وَنَأْكُلَهُ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:

(1)

أما الحيس بفتح فسكون فهو تمر ممزوج بأقط وسمن وهو أحسن طعام لما فيه من التغذية والحلاوة ولسهولة إساغته وهضمه، وأما الثريد من الخبز فلقلة مؤنته وسهولة إساغته وخفته في المعدة وسرعة هضمه.

(2)

إنما كان المرق أحد اللحمين لأن دسم اللحم فيه. والحديث وإن كان ضعيفا ولكن ورد من جهة أخرى صحيحًا بلفظ» لا يحقرن أحدكم شيئا من المعروف وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طلق وإذا اشتريت لحما فأكثر مرقته واغرف لجارك منه».

(3)

كان يحب الحلواء والعسل، المراد بالحلواء كل حلو، والمراد بالعسل عسل النحل، أما الحلو فلأنه لذيذ الطعم وكثير التغذية ويقوي البصر، وأما العسل فكفاه قول الله تعالى:{فيه شفاء للناس} وفيه ما في الحلو.

(4)

فالتمر في البيت يغني أهله عن القوت والإدام. وسيأتي في الطب إن شاء الله تعالى فضل عجوة المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

تجوز الميتة للمضطر

(5)

الحرة مكان بجوار المدينة أرضه حجارة ذات ألوان، والمدينة بين حرتين. وقوله فنفقت بفتحات أي ماتت.

ص: 135

«هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ» قَالَ: لَا، قَالَ:«فَكُلُوهَا قَالَ فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: هَلا كُنْتَ نَحَرْتَهَا» قَالَ: اسْتَحَيْتُ مِنْكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

وَأَحْمَدُ.

• عَنِ الْفُجَيْعِ الْعَامِرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قُلْنَا: نَغْتَبِقُ وَنَصْطَبِحُ

(2)

قَالَ: «ذَاكَ وَأَبِي الْجُوعُ فَأَحَلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةَ عَلَى هذِهِ الْحَالِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

‌البقول المكروهة

• عَنْ جَابِرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلًا

(3)

فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ، وَأُتِيَ بِبَدْرٍ فِيهِ بُقُولٌ فَوَجَدَ لَهَا رِيحاً فَسَأَلَ فَأَخْبِرَ بِمَا فِيهَا فَقَالَ: قَرِّبُوهَا إِني بَعْضِ الْأَصْحَابِ فَكَرِهَ أَكْلَهَا فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَفْظُهُ لِأَبِي دَاوُدَ.

(1)

بسند صالح.

(2)

قوله نغتبق أي نأخذ قدحا من اللبن مساء ونصطبح نشرب قدحا صباحا، قال ذاك وأبي الجوع أي ذاك الجوع وحق أبي، ولا ينافي ما تقدم في الأيمان» من كان حالفا فليحلف بالله» لأن هذا كان قبل النهي، فأثبت لهم الجوع وأباح لهم أكل الميتة مع قدح لبن في الصباح والمساء لأنه وإن حفظ الجسم من الهلاك ولكنه لا يغذيه التغذية الكافية، وبالأولى إذا لم يكن شيء كالحديث الأول. وفيه إباحة الأكل من الميتة حتى تأخذ الأجسام حاجتها من القوت وهو رواية لمالك وقول للشافعي والراجح عنده الاقتصار على سد الرمق وعليه أبو حنيفة، والوصف بالاضطرار يوجد إذا وصل إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضي إليه وعليه الجمهور، وقال بعض المالكية إذا لم يأكل شيئا ثلاثة أيام فمن اضطر فله أكل الميتة وما تيسر له من مال غيره ما يدفع به عن نفسه الهلاك قال تعالى {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} نسأل الله التوفيق والعناية والحفظ والرعاية آمين.

البقول المكروهة

(3)

قوله أو بصلا. زاد في رواية: أو كراثا، وقوله ببدر - كشرط - أي إناء مستدير كالبدر. وقوله كل فإني أناجي من لا تناجي وفي رواية؛ إني أخاف أن أوذي صاحبي هو جبريل عليه السلام.

ص: 136

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَفَلَ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ

(1)

، وَمَنْ أَكَلَ مِنْ هذِهِ الْبَقْلَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ثَلَاثاً

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

.

وَقَالَ أَبو أَيُّوبَ رضي الله عنه

(4)

: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ أَكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَيَّ وَإِنَّهُ بَعَثَ لِي يَوْماً بِطَعَامٍ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لِثُومٍ فِيهِ فَسَأَلْتُهُ أَحْرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا، وَلكِنِّي أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ فَقَالَتْ: آخِرُ طَعَامٍ أَكَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ فِيهِ بَصَلٌ

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

فمن بصق في حائط القبلة أو في أي جزء من المسجد غير المعد للطهارة جاء يوم القيامة وتفله في وجهه فضيحة له إلا إذا كان المسجد ترابيا ودفنها في ترابه.

(2)

ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة (ما له رائحة كريهة كبصل ونحوه) فلا يقربن مسجدنا. وفي رواية: المساجد أي كلها قال تعالى: {وأن المساجد الله فلا تدعوا مع الله أحدا} .

(3)

بسند فيه شيء ولكن يؤيده ما قبله.

(4)

أبو أيوب هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نزل في بيته ومكث فيه أياما حينما دخل المدينة لأنه من أخوال أبيه عبد الله ثم تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيوته التي اشتراها لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

(5)

أي مطبوخ. وفي رواية: نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخا وفي أخرى إن كنتم لابد آكليها فأميتوها (أي البصل والثوم ونحوهما) طبخا ومثله الشي والقلي فإن النار تذهب الرائحة الكريهة منه، فأكل ما له رائحة كالبصل النيء مكروه للتأذي منه برائحته ولا سيما في الجماعات إلا إذا أزال الرائحة أو زالت بنفسها فلا كراهة ولأبي داود» من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها» فالكراهة من حيث الرائحة فقط وإلا فهي بقول تغذي وتكثر الدم لمن قويت معدته عليها نسأل الله التوفيق لما يرضيه آمين والله أعلم.

ص: 137

‌الفصل الخامس في الشراب

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ

(2)

}. وَقَالَ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ}

(3)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَتْ إِلَيَّ السِّدْرَةُ

(4)

فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ باطِنَان فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأُتِيتُ بِثَلَاثةِ أَقْدَاحٍ قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ فَقِيلَ لِي أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ».

وَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ

(5)

بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ وَلَوْ أَخَذْتُ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: لِمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحلَبْتُ لَهُ كَثْبَةً

(6)

مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتَّى رضيتُ رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ.

الفصل الخامس في الشراب

(1)

أي في بيان ما شربه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان مشهورا عند العرب. وليس المراد حصر المشروب في الآتي والنهي عن غيره.

(2)

فكأن الله تعالى يقول: يا عبادي لَكم في الأنعام عبرة بليغة وهي أننا خلقنا لكم من بين فرثها ودمها لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين: جدت قدرته.

(3)

يخرج من بطونها أي النحل شراب ذو ألوان فيه شفاء للناس وهو العسل، عظمت حكمة ربنا وكثرت نعمه فله الشكر بقدرها.

(4)

قوله رفعت إليّ السدرة أي سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة بعد السماء السابعة رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج مجللة بآيات بينات. قال تعالى: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} وقوله أربعة أنهار أي تخرج من أصلها، أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات وقدرة الله أوسع من ذلك. وقوله أصبت الفطرة أي الدين الحنيف قال تعالى:{فطرة الله التي فطر الناس عليها} .

(5)

بإيلياء أي بيت القدس. وقوله ولو أخذت الخمر غوت أمتك أي ضلوا كلهم وهلكوا.

(6)

أصل الكثبة: القليل من الماء واللبن. والمراد هنا قدح لبن.

ص: 138

وَقَالَ أَنَسٌ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحِي هذَا الشَّرابَ كُلَّهُ الْعَسَلَ

(1)

وَالنَّبِيذَ وَالْمَاءَ وَاللَّبَنَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ بِيْرُحَاءَ

(2)

فَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يُسْتَعْذَبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَاءُ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَأَحْمَدُ.

‌ما ورد في الخمر

(5)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً}

(6)

{وَرِزْقاً حَسَناً} {إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ}

(7)

{وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ مِنْ فَضِيخِ

(1)

قوله العسل وما بعده بيان للشراب. وقوله النبيذ أي نقيع التمر أو الزبيب الذي لا إسكار فيه كما يأتي.

(2)

بيرحاء بالمد والقصر بستان لأبي طلحة بجوار المسجد النبوي، وكان فيها بئر عذب الماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخله فيستظل ويشرب من مائه وسبق هذا في الوقف.

(3)

أي كان يجلب له الماء العذب من بيوت السقيا وهي عين على يومين من المدينة، وقيل قرية جامعة بين مكة والمدينة.

(4)

بسند صالح.

ما ورد في الخمر

(5)

أي في بيانها وأصلها وتحريمها بعد أن كانت حلالا.

(6)

سكرا بالتحريك أي خمرا تسكر ورزقا حسنا كالتمر والزبيب والنبيذ والخل، فكانت الخمر أولا حلالا بهذه الآية فدخل رجل في الصلاة وهو سكران فخلط في قراءته فهاج الناس فقال عمر اللهم بين لنافي الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية» لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» الآية {ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} فقرئتا على عمر فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} إلى قوله {فهل أنتم منتهون} فدعي عمر فقرئت عليه فقال انتهينا، وحكمة تحريم الخمر حفظ الأجسام والألباب والأعراض والأموال فإن شارب الخمر يصرف ماله فيما يضر جسمه وعقله بل هو عرضة لكل هلاك.

(7)

إنما الخمر أي شربها والميسر أي القمار، والأنصاب الأصنام التي نصبوها للعبادة، والأزلام هي القداح التي يستقسمون بها، رجس أي نجس وخبيث، من عمل الشيطان أي وسوسته، فاجتنبوه أي الرجس المعبر به عما ذكر في الآية لعلكم تفلحون.

ص: 139

زَهْوٍ وَتَمْرٍ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ فَأَهْرِقْهَا فَأَهْرَقْتُهَا

(1)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَة.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ ما خَامَرَ الْعَقْلَ

(2)

وَثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْداً: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيذِ فَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْتَبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْحَنْتَمِ

(4)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: حَدِّثْنِي بِمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ وَفَسَرْهُ لَنَا بلُغَتِنَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَنْتَمِ وَهِيَ الْجَرَّةُ وَعَنِ الدُّبَّاءِ وَهِيَ الْقَرْعَةُ، وَعَنِ الْمُزَفَّتِ، وَهُوَ الْمَطْلِيُّ بِالْقَارِ، وَعَنِ النَّقِيرِ وَهِيَ النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحاً وَتُنْقَرُ نَقْراً، وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الْأَسْقِيَةِ

(5)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

الزهو - كاللهو - البسر الأحمر والأصفر، وفضيخ الزهور والتمر الخمر المأخوذة منهما وقوله فأهرقتها أي أرقتها على الأرض.

(2)

وهي من خمسة أشياء أي بحسب المشهور عندهم حينذاك، والعنب وما بعده بيان للخمسة وليست الخمر قاصرة عليها، ولذا قال عمر والخمر ما خامر العقل أي كل شيء غطى العقل وستره فيشمل ما يسمى خمرا وكنياكا وشمبانيا وبيرة وبوظة ونحوها حتى يشمل ما ليس بسائل مما ظهر الآن الكوكايين والهورين لحديث أحمد وأبي داود» نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر» أي ما حصل منه فتور كالحشيش ونحوه.

(3)

حتى يعهد إلينا فيها أي حتى يبينها لنا فإنها من غوامض العلم، وقوله وأبواب من الربا هي ربا الفضل، وأما ربا النسيئة فمتفق عليه، وقد اختلفوا في بيان الكلالة كما اختلفوا في حق الجد مع الإخوة هل يحجبهم أو يحجب بهم أو يقاسمهم، وهذا كان أولا وإلا فقد تقرر حكمهم وقد سبق في الفرائض.

(4)

فوفد عبد القيس قبيلة مشهورة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن النبيذ أي عن أوانيه بدليل الجواب فأمرهم بالانتباذ في كل إناء إلا أربعة وهي: الدباء - كرمان - إناء القرع، والنقير - كأمير - إناء من الخشب وكان غالبه من النخل، والمزفت - كمعظم - المطلى بالزفت ويسمى القار، والحنتم - بحاء ونون وتاء كجعفر - الجرة المموهة بمادة ملساء.

(5)

من الأشربة أي أوعيتها التي ينتبذ فيها. وقوله بلغتنا أي بما نفهمه. وقوله تنسح =

ص: 140

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلَاثٍ وَأَنَا آمُرُكُمْ بِهِنَّ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِها تَذْكِرَةً، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ إِلا فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ

(1)

فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَلا تَشْرَبُوا مُسْكِراً، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لحُومِ الْأَضَاحِي بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَاسْتَمْتِعُوا بِهَا فِي أَسْفَارِكُمْ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوف وَإِنَّ ظَرْفاً لَا يُحِلُّ شَيْئاً وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»

(2)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِتْعِ وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ طَارِقٍ الْجُعْفِي رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا

(4)

فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلكِنَّهُ دَاءٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ

(5)

رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ نُعَالِجُ فِيهَا عَمَلاً شَدِيداً وَإِنَّا نَتَّخِذُ شَرَاباً مِنْ هذَا الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا قَالَ: «هَلْ يُسْكِرُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «فَاجْتَنِبُوهُ» فَقُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ

= نسحًا أي تقشر ثم تنقر، وأمر أن ينتبذ في الأسقية جمع سقاء وهو إناء الماء من الجلد كالقرب المشهورة، وإنما نهى أولا عن الانتباذ في هذه الظروف لسرعة الشدة إلى ما فيها فربما صار خمرا ولا يشعرون، بخلاف الأسقية فلذا أمرهم بالانتباذ فيها.

(1)

إلا في ظروف الأدم بالتحريك أي الجلد.

(2)

عن الظروف أي عن بعضها وهو ما تقدم، والظرف لا يحلل ولا يحرم، فانتبذوا في كل ظرف ولا تشربوا مسكرًا، وكالنهي عن بعض الأوعية أولا النهي عن الخليطين كتمر بزبيب وكتمر بحنطة وكشعير بزبيب لأن الإسكار يسرع إلى الخليطين قبل تغير طعمهما فيظن أنه ليس بمسكر وهو مسكر، وقد وردت عدة نصوص بهذا ولكن المدار على الإسكار وعدمه سواء كان المنبوذ واحدا أو أكثر. والله أعلم.

(3)

البتع كبئر شراب أهل اليمن. فقال كل ما أسكر فهو حرام من أي شيء وفي أي وعاء.

(4)

أو كره للشك.

(5)

ديلم الحميري بكسر فسكون نسبة إلى حمير كدرهم أبو قبيلة بموضع غربي صنعاء اليمن.

ص: 141

غَيْرُ تَارِكِيهِ، قَالَ:«فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَقَاتِلُوهُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ

(3)

فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌التحذير من شرب الخمر

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} .

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ مُسْكِر خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَماتَ وَهُوَ يُدْمِنهَا

(4)

لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا

(5)

وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

بسند صالح. فطارق الجعفي سأله عنها للدواء فنهاه عنها بل وزاده أنها داء ضار. والحميري ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن بلادهم شديدة البرد وأنهم يزاولون أعمالا شاقة وأن الخمر لازمة لهم لدفع البرد وإعانتهم على أعمالهم، فنهاه عنها، بل وأمره بقتال من يشربها، فهذان يدلان على أنها حرام من الكبائر وأنها لا تصلح للدواء ولا غيره. ومنه ما روي» لن يجعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها».

(2)

بسند حسن.

(3)

قوله الفرق بالتحريك: مكيال يسع ستة عشر رطلا، ففيهما أن كل ما أسكر الكثير منه فقليله حرام وإن لم يسكر سواء كان من العنب أو غيره. والله تعالى أعلى أعلم.

التحذير من شرب الخمر

(4)

وهو يدمنها أي يداوم عليها، فمن داوم على شرب الخمر ولم يتب حتى مات حرم منها في الآخرة أي لم يشربها في الجنة.

(5)

ومبتاعها أي مشتريها.

(6)

بسند صالح.

ص: 142

وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ جَيْشَانَ

(1)

فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عز وجل عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَرِبَ مُسْكِراً بُخِسَتْ صَلَاتُهُ

(2)

أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ». قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيراً لَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(3)

.

• عَنْ أَبِي مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ

(4)

وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً فَيُبَيِّتَهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(5)

.

(1)

جيشان موضع باليمن، والمزر مشروب لهم من الذرة، استفهموا عن إباحة شربه فلما علم أنه مسكر نهاهم عنه.

(2)

بخست صلاته أربعين صباحا أي لم تقبل صلاته هذه المدة. وقوله فإن عاد الرابعة أي المرة الرابعة. ولفظ الترمذي من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحًا فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال، قيل يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال نهر من صديد أهل النار.

(3)

بسند حسن.

(4)

يستحلون الحر بكسر الحاء وتخفيف الراء الفرج والمراد الزنا، والحرير، أي نبسه والخمر أي شربها والمعازف جمع معزفة وهي آلة اللهو كالعود والطنبور، ولينزلن أقوام إلى جنب علم أي جبل عال يروح عليهم بسارحة لهم أي يسرح لهم راعيهم بمواشيهم ويرجع بها، يأتيهم أي الفقير لحاجة له فيقولون ارجع لنا غدًا فيبيتهم الله أي يهلكهم ويضع العلم أي يوقعه عليهم، ومن لم يهلكوا بهذا يمسخون قردة وخنازير إلى الأبد، ففيه وقوع المسخ في هذه الأمة وأنه باق إلى يوم القيامة.

(5)

ولكن البخاري هنا وأبو داود في اللباس.

ص: 143

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَها بِغَيْرِ اسْمِهَا

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَنَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ

(2)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ

(3)

إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ

(4)

فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا تَطْلُبُهُ لِلشَّهَادَةِ فَانْطَلَقَ مَعَهَا فَجَعَلَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَاباً أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ

(5)

عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلكِنِّي دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَو تَشْرَبَ مِنْ هذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْساً أَوْ تَقْتُلَ هذَا الْغُلَامَ

(6)

قَالَ: فَاسْقِنِي مِنْ هذَا الْخَمْرِ كَأْساً فَسَقَتْهُ قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ وَالْإِيمانَ أَبَداً إِلا يُوشِكُ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ.

(1)

والمراد من الحديثين التحذير من الاسترسال في المعاصي فربما استحلها فيكفر وسيشرب الخمر ناس ويزعمون أنها ليست خمرا لأسماء سموها بها كالكونياك والبيرة والشمبانيا ونحوها، فإن الخمر في نظر الشارع ما غطى العقل سواء كان اسمه خمرًا أو غيره كما تقدم.

(2)

صرح بقتله إن عاد للشرب مرة رابعة وهذا منسوخ بحديث الترمذي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال» إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه» ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله. قال الترمذي: وعامة أهل العلم سلفا وخلفًا على ذلك، ويؤيده حديث» لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» وتقدم في الحدود.

(3)

أم الخبائث، أي أصلها فإن من شرب الخمر غاب عقله وارتكب كل مكروه.

(4)

أي تعلقت بحبه امرأة زانية.

(5)

أي دخل على امرأة جميلة عندها غلام وباطية أي إناء فيه خمر. وقوله فلم يرم، من رام يريم أي لم يفارق مكانه.

(6)

فلما عرضت عليه الزنا أو القتل أو شرب الخمر طلب الخمر لفهمه أنه أخف لأنه حق الله فقط بخلاف القتل والزنا، ولكنه لما شرب ما فارق مجلسه حتى زنا بها وقتل الغلام، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تتفق مع الإيمان أبدا.

ص: 144

وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ

(1)

وَلَا عَاقٌّ وَلَا مَدْمِنُ خَمْرٍ». رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ.

‌خاتمة ـ الخمر لا تخلل

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلا

(2)

فَقَالَ: لَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• وَعَنْهُ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْراً قَالَ: «أَهْرِقْهَا» قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلا قَالَ: «لَا

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.

‌يباح النبيذ ما لم يسكر

(5)

دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ قَالَ سَهْلٌ رضي الله عنه: تَدْرُونَ مَا سَقَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ

(6)

.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

المنان هو من يمن على من أعطاه، والمن حرام لأنه يبطل المعروف قال تعالى {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} إلا من الوالد والأستاذ والرجل على زوجته لعظم حقهم، وقوله ولا عاق أي لوالديه، فالمنان والعاق لوالديه ومد من الخمر لا يدخلون الجنة أي مع السابقين أو إن استحلوا ذلك أو هو للتنفير عن تلك الصفات الذميمة. اللهم وفقنا يا رحمن آمين والله أعلم.

{خاتمة} الخمر لا تخلل

(2)

تتخذ خلا أي تعالج حتى تصير خلا فيحل تناوله قال: لا.

(3)

ولكن مسلم هنا والترمذي في البيع.

(4)

فظاهرهما أن الخمر باقية على نجاستها ولا تطهر بحال من الأحوال فلا تصير خلا ولا غيره وعليه الجمهور، وهذا إذا خللها بوضع شيء فيها كبصل وخبز لأنه يتنجس بها أولا ثم يعود عليها بالتنجيس إذا تخللت، أما تخليلها بنقلها من شمس إلى ظل وعكسه فيصح وتصير طاهرة، وإذا طهرت طهر ذنها تبعًا لها. وعليه الشافعية، وعن مالك ثلاث روايات. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة إنها تطهر إذا تخللت ولو بإلقاء شيء فيها لأنها استحالت من نجاسة إلى طهارة. والله أعلم.

يباح النبيذ ما لم يسكر

(5)

المراد بالنبيذ نقيع التمر والزبيب ونحوها من كل ثمر حلو جاف كالتين فيجوز شربه ما لم يسكر.

(6)

قال سهل هو الراوي عن أبي أسيد رضي الله عنهما، والتور الإناء من حجر والسقاء الإناء من جلد.

ص: 145

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنَّا نَنْبِذ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ يُوكى أَعْلَاهُ

(1)

وَلَهُ عَزْلَاءُ نَنْبِذُهُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً وَنَنْبِذُهُ عِشاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ مَسَاءً

(2)

فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إِلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهَرَاقُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: كَانَ يُنْبَذُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ فإِذَا لَمْ يَجِدُوهُ نَبَذُوا لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ

(3)

. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ آمِين.

(1)

يوكى أعلاه أي يربط أعلاه بالوكاء وله عزلاء أي ثقب في أسفله للصب منه فكأنه معلق من أعلاه والصب من أسفله.

(2)

فكانوا ينقعون للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب مثلا فيشرب منه ثلاثة أيام كلما أخذوا منه وضعوا ماء إلى الليلة الثالثة ثم يأمرهم فيسقونه لغيره إن لم يظهر فيه تغير وإلا أمرهم بإراقته.

(3)

ففي هذه النصوص جواز الانتباذ وشربه ولو أياما ما دام حلوا إلا إذا اشتد وتغير وصار مسكرًا فإنه يحرم لأنه صار خمرا، ومن هذا ما يصنعه عندنا بائعو الشراب كشراب الزبيب والتين فهو من نوع ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم. نسأل الله التوفيق آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 146

‌كتاب اللباس

وفيه خمسة أبواب وخاتمة

‌الباب الأول في تحريم الحرير والذهب والفضة على الرجال

(1)

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ

(2)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.

وَكَانَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه بِالْمَدَائِنِ

(3)

فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِمَاءٍ فِي إِنَاءِ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيهِ. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبُ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمِسُهُ

(4)

وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ هذَا؟» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ:«مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هذَا» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ: قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه حِينَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب اللباس وفيه خمسة أبواب وخاتمة. الباب الأول في الحرير والذهب

(1)

إنما حرم على الرجال الذهب والفضة لأنهما خلقا للتعامل ولما فيهما من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، وإنما جازا للنساء للتزين بهما، وإنما حرم الحرير على الرجال لأن فيه نعومة لا تناسب شهامتهم ولأنه للزينة وهي بالنساء أليق.

(2)

أي من الرجال.

(3)

المدائن مدينة عظيمة يقطنها ملوك الأكاسرة، والدهقان بالضم والكسر رئيس القرية، والحرير المستخرج من الدود مطلقا، والديباج ما غلظ من ثياب الحرير كالاستبرق، والسندس الرقيق منه، فالثلاثة أنواع للحرير. وقوله نهانا أن نشرب في آنية الذهب والفضة، الواو بمعنى أو.

(4)

قوله نلمسه بضم الميم أكثر من الفتح والكسر وكان هذا قبل تحريم الحرير على الرجال.

ص: 147

بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَانَ سَعْدٌ أَعْظَمَ النَّاسِ وَأَطْوَلَهُمْ ثُمَّ بَكَى فَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ وَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى أُكَيْدِرَ

(1)

صَاحِبِ دُومَةَ بَعْثاً فَأَرْسَلَ أُكَيْدِرُ إِلَيْهِ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ فِيهَا الذَّهَبُ فَلَبِسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ علَى الْمَنْبَرِ وَقَعَدَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَنَزَلَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْمِسُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ: «أَتَعجَبُونَ مِنْ هذِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا» .

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ

(2)

فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعاً شَدِيداً كَالْكَارِهِ لَهُ ثُمَّ قَالَ: «لَا يَنْبَغِي هذَا لِلْمُتَّقِينَ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَخَطَبَ عُمَرُ رضي الله عنه بِالْجَابِيَةِ

(3)

فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما مِنَ السُّوقِ ثَوْباً شَامِيًّا فَرَأَى فِيهِ خَيْطاً أَحْمَرَ

(4)

فَرَدَّهُ فَسُئِلَتْ عَنْ ذلِكَ أَسْمَاءُ فَقَالَتْ: يَا جَارِيَةُ نَاوِلِينِي جُبَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجَتْ جُبَّةُ طَيَالِسَةٍ مَكْفُوفَةَ الْجَيْبِ وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ وَقَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لْلْمَرْضى يُسْتَشْفَى بِهَا

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

قوله أكيدر مصغرًا وغير مصروف أجد ملوك العرب، والديباج الحرير، ودومة بالضم والفتح هي دومة الجندل مكان به حصن مشهور في جزيرة العرب جهة اليمن.

(2)

فرُّوج حرير بالإضافة أي من حرير، والفروج بفتح ففم مع التشديد: قباء مشقوق من خلفه، فلما لبسه النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيه نزعه بشدة وقال لا ينبغي هذا للمتقين، وبهذا صار الحرير حرامًا على الرجال ولبسه في الحديث السابق كان قبل تحريمه.

(3)

الجابية مكان بالشام. وقوله إلا موضع إصبعين الخ ظاهره العموم أي في الأطراف وغيرها.

(4)

فرأى فيه خيطًا أحمر أي من حرير فرده لهذا فسئلت أسماء فأمرت بإحضار حبة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هي جبة طيالسة أي جبة غليظة كأنها من الطيلسان ولكنها مطرزة بالحرير في جيبها أي طوقها وكيها وذيلها، ففيه رد على ابن عمر وجواز مثل هذا.

(5)

فهم يغسلونها ويستشفون ويتبركون بمائها، ففيه جواز التبرك بآثار الصالحين.

ص: 148

عَنه الثَّوْبِ الْمُصْمتِ مِنَ الْحَرِيرِ فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ مِنَ الْحَرِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ

(2)

كَانَتْ بِهِمَا. رَوَاهُ الثَّلَاثةُ وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنْهُمَا شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصٍ الْحَرِيرِ فِي غَزَاةٍ لَهُمَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً

(3)

بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزَ سَوْدَاءُ فَقَالَ: كَسَانِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: قَدْ لَبِسَ الْخَزَّ عِشْرُونَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَخَذَ حَرِيراً فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَباً فَجَعَلَهُ فِي شِمالِهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذكُورِ أُمَّتِي

(4)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(5)

.

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ: وَنَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلا مُقَطَّعاً

(6)

قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

(1)

المصمت الخالص من الحرير، والعلم بالتحريك كالطراز والسجاف، والسدي - كالحصى - خيوط الطول في المنسوج خلاف اللحمة فإنها نسيج العرض.

(2)

الحكة - كالعفة - هي الجرب ويشعله ما فيه خشونة، فلهذا أباح لها الحرير الخالص لنعومته كما أباحه لها من القمل في الحديث الآتي.

(3)

ذلك الرجل هو أمير خراسان واسمه عبد الله السلمي، والخز ما سداه حرير ولحمته من غيره. وقيل الخز الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم حرير ممزوج بوبر الأرنب. فمعنى ما تقدم أنه يجوز لبس ما بعضه من الحرير، بل عند الشافعية يجوز ما بعضه أو نصفه من الحرير، ومنه القطنية المشهورة عندنا صنع الشام ومصر، فإن الصانعين لها يعترفون أن غير الحرير أكثر، أما ما كان خالصا من الحرير فحرام على الرجال، وهذا كله حيث لا عذر وإلا فلا حرمة لحديث أنس. وإلى هنا انتهى الكلام على الحرير وما يأتي في الذهب.

(4)

هذا صريح في تحريم الذهب والحرير على الذكور دون الإناث بأى استعمال كان وإن كان لفظ الترمذي» حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم».

(5)

بسند صحيح.

(6)

قوله إلا مقطعًا أي قطعا صغيرة كالسن والأنف وجزء الإصبع، وليس من القليل الساعة الذهبية التي اشتهرت الآن.

ص: 149

• عَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُصِيبَ أَنْفِي يَوْمَ الْكُلَابِ

(1)

فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذْتُ أَنْفَاً مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيَّ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَّخِذَ أَنْفاً مِنْ ذَهَبٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

وَصَاحِبَاهُ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

‌يجوز الحرير والذهب للإناث

قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: رَأَيْتُ عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ عليها السلام بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُرَدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: أَهْدَى لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً سِيَرَاءَ فَلَبِسْتُهَا فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُراً

(4)

بَيْنَ النِّسَاءِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

(1)

الكلاب موضع كانت به وقائع، فأجاز له الأنف من الذهب لأنه لا ينتن لصفاء جوهره، ويقاس عليه مثله كالسن والإصبع.

(2)

بسند حسن، وقال الترمذي روي عن غير واحد من أهل العلم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب.

يجوز الحرير والذهب للنساء

(3)

قوله برد حرير بالإضافة، وسيراء بكسر ففتح نوع من البرود مضلع بالقز أي فيه خطوط حرير غليظة كالضلوع.

(4)

خمُرًا بضمتين جمع خمار وهو ما يغطى به الرأس والرقبة من المرأة. وفي رواية» إن أكيدر دومة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليًا وقال شققه خمرًا بين الفواطر» وهي فاطمة بنت أسد أم على رضي الله عنه، وفاطمة زوجة على بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت حمزة عم على رضي الله عنهم أجمعين، ففي هذه النصوص جواز الحرير للنساء، وجواز الذهب لهن تقدم في حديث علي رضي الله عنه القائل:(حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم) والله أعلم.

ص: 150

‌الباب الثاني في أنواع الملبوسِ

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَحْكِي قَوْلَ يُوسُفَ عليه السلام لِإِخْوَتِهِ: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي}

(2)

{هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} .

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ أَحَبَّ

(3)

الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصُ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(4)

. قَالَ مَخْرَمَةُ رضي الله عنه لِابْنِهِ الْمِسْوَرِ: يَا بُنَيَّ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ أَقْبِيَةٌ

(5)

فَهُوَ يَقْسِمُهَا فَاذهَبْ بِنَا إِلَيْهِ فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَاهُ فِي الْمَنْزِلِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ادْعُهُ لِي فَأَعْظَمْتُ ذلِكَ فَقُلْتُ: أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ فَقَالَ: «يَا مَخْرَمَة هذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَها الْحِبَرَةَ

(6)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَاراً

(7)

فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسائِيُّ.

(في الباب الثاني في أنواع الملبوس)

(1)

ليس المراد حصر الملبوس في الآتي وإنما المراد بيان ما لبسه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان مشهورا عند العرب.

(2)

القميص معروف وهو ملبوس قديم.

(3)

بنصب أحب على الخبرية ورفعه على الاسمية، وإنما كان القميص أحب إليه صلى الله عليه وسلم لأنه أستر من نحو رداء وإزار ولا يحتاج إلى ربط مثلهما.

(4)

بسند حسن.

(5)

جاءته أقبية جمع قباء بالفتح والمد وهو ملبوس له كمان مفتوح من أمام يلف أحد طرفيه على الآخر وهو من صنع العجم فهو فارسي معرب وقد اشتهر في مصرنا بالقفطان وهذا كان قبل تحريم الحرير، وفيه جواز الأزرار من ذهب لأنه من القليل السابق جوازه أو كان قبل تحريم الذهب.

(6)

الحبرة بالرفع والنصب كما تقدم في الحديث الأول، والحبرة - كعنية - برد يماني من قطن

ذو ألوان، وقيل لونها أخضر وكان النبي صلى الله عليه وسلم ما يحبه لأنه لباس أهل الجنة.

(7)

الإزار والسراويل كلاهما ملبوس يستر من السرة إلى أسفل الجسم، إلا أن السراويل مخيط، والإزار ليس بمخيط ولكن يلف طرفه على الآخر.

ص: 151

قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِبَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً أَثَّرَتْ فِي صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذهي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ضْحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِالْعَطَاءِ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ

(2)

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَسَجْتُ هذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجاً إِلَيْهَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَبَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْسُنِيهَا قَالَ: نَعَمْ، فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَواهَا ثمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا فَقَالَ:«وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهَا إِلا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، فَكَانَتْ كَفَنَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

‌يجوز لبس الصوف والشعر وغيرهما

(3)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ}

(4)

{وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .

(1)

البرد ملبوس مخطط يستر أعلى الجسم ليس بمخيط ولكن يلف طرفه على الآخر ويسمى رداء، وهو المشهور في مصرنا بالشال، ونجراني نسبة لنجران بلد باليمن، وقوله فجبذه بياء وذال ويصح لغة عكسه فالنبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن عفوه عنه أكرمه وأعطاه، وهذا نهاية الكرم. وسيأتي الحديث في الأخلاق إن شاء الله.

(2)

البردة هي الشملة التي يتغطى بها ونسيج حاشيتها يخالف أصلها وتلبس إزارا ورداء. والله أعلم

يجوز لبس الصوف والشعر وغيرهما

(3)

الصوف من الضأن والشعر من المعز والوبر من الإبل ونحوها مما يؤكل قال تعالى {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعا إلى حين} .

(4)

من حرم زينة الله التي أخرج لعباده أي من أجناس الملبوس وأنواعه الحلال، والطيبات من الرزق أي من الحلال والمستلذ منه، أي لا أحد يحرمها بعد أن أحلها الله لعباده فهى حلال لهم في الدنيا ولا حساب عليها في الآخرة.

ص: 152

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الْإِدَاوَةَ

(1)

فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا منْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» . رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ

(2)

مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَاراً غَلِيظاً مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ

(3)

وَكِسَاءً مِنَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُلَبَّدَةَ فَأَقْسَمَتْ بِاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ فِي هذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ لَوْ رَأَيْتَنَا وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَصَابَتْنَا السَّمَاءُ

(4)

حَسِبْتَ أَنَّ رِيحَنَا رِيحُ الضَّأْنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

وَقَالَ عُقْبَةُ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه: اسْتَكْسَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَكَسَانِي خَيْشَتَيْنِ

(6)

فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا أَكْسَى أَصْحَابِي.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَهْدَى مَلِكُ ذِي يَزَنَ

(7)

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بَعِيراً أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثينَ نَاقَةً فَقَبِلَهَا.

(1)

الإداوة إناء صغير من جلد للماء. والجبة معروفة. وقوله من صوف محل الشاهد وسبق الحديث في الخفين.

(2)

المرط - كالبئر - كساء يؤتزر به من شعر أو صوف أو كتان. وقولها، مرحل أي عليه صور الحال.

(3)

أما الإزار صنيع اليمن فقد تقدم أنه الخبرة، وأما الكساء الملبدة فمن التلبيد وهو الترقيع، وقيل ما ثخن وسطه وغلظ حتى صار يشبه اللبد فلم تذكر جنسه من صوف أو غيره ولكن الظاهر أنه من صوف.

(4)

السماء المطر ظننت أن ريحنا كريم الضأن من ثياب الصوف التي تباشر أبداننا وتبتل من المطر والعرق فتتغير.

(5)

بسند صحيح.

(6)

خيشتين تثنية خيشة وهي من رديء الكتان بخيوط غليظة ونسيج واسع.

(7)

ملك ذي يزن بياء فزاي فنون مفتوحات: اسم واد ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وعلم على بطن من حمير، فملك ذي يزن ملك حمير.

ص: 153

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: اشْتَرَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةً بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ قَلُوصاً

(1)

فَأَهْدَاهَا إِلَى ذِي يَزَنَ. رَوَى الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْباً مِثْلَهُ

(3)

ثُمَّ تَلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

‌ألوان الثياب

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَآئِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي رِمْثَةَ

(4)

رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(5)

.

• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ بِشِمَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(6)

رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ. وَزَادَ يَعْنِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام.

(1)

القلوص بالفتح الشابة من الإبل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أهدى له ملك حمير حلة ثمينة قبلها وأثابه عليها أي كافأه بإهداء مثلها.

(2)

بأسانيد صالحة.

(3)

وفي رواية: ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة.

وثوب الشهرة ما خالف لونه ثياب الناس أو كان مرقعًا فيزهو لابسه ويختال على الناس تظاهرا لهم بزهده فمن فعل هذا شهر الله به وفضحه يوم القيامة وأشعل ملابسه بالنار زيادة عذاب عليه. ففي هذه الأحاديث جواز لبس الصوف والشعر والكتان ونحوها، ويقاس عليها كل طاهر يستر الجسم ويحفظه بل ويجوز لبس ما غلا ثمنه وما رخص ولو كثيرا ما لم يكن للشهرة وإلا كان وبالا عليه. والله أعلم.

ألوان الثياب

(4)

أبي رمثة بكسر فسكون واسمه رفاعة أو حبيب بن وهب، ذهب مع أبيه للنبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليه ردين أخضرين أي لونهما كله أخضر أو مخطط بالأخضر لأن البرود غالبًا كانت مخططة بالألوان واللون الأخضر نافع للأبصار وجميل في أعين الناظرين، ولذا كان لون لباس أهل الجنة.

(5)

بسند حسن.» تنبيه» مرويات الترمذي هنا في كتاب الأدب.

(6)

بشمال النبي صلى الله عليه وسلم أي واقفين على يساره يحفظانه في غزوة أحد، وهما جبريل وميكائيل عليهما السلام.

ص: 154

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَائِمٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ

(1)

فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَإِنَّ خَيْر أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

.

وَمَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعاً وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ

(5)

مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: صُنِعَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: بُرْدَةٌ سَوْدَاءُ فَلَبِسَهَا فَلَمَّا عَرِقَ فِيهَا وَجَدَ رِيحَ الصُّوفِ فَقَذَفَهَا

(6)

وَكَانَ يُعْجِبُهُ الرِّيحُ الطَّيِّبُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنَزَعْفَرَ الرَّجُلُ

(8)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ

(9)

وَعَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

(1)

إنما كان الأبيض من خير الثياب لدلالته على التواضع وعدم الكبر لخلوه من الألوان. وسيأتي الإثمد في الطب إن شاء الله.

(2)

بسند صحيح.

(3)

كراهة للبسه الأحمر أو لإعجابه به.

(4)

بسند حسن.

(5)

الحلة لا تكون إلا من ثوبين لحلول أحدهما على الآخر، وهذا قد نسخ ما قبله أو نسخ تحريمه.

(6)

قذفها أي نزعها ورماها لأنه شم منها رائحة الصوف.

(7)

بسند صالح، ومعنى ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الأخضر والأبيض والأحمر والأسود بل ولبس المخطط من لونين، فهذا كله جائز إلا ما عزّ لونه فإنه يكون من قبيل ثوب الشهرة السالف.

(8)

أي يتضمخ بالزعفران أي يلطخ جسمه به أو يلبس المصبوع به.

(9)

القسى الحرير أو ما أكثره حرير، والمعصفر المصبوغ بعصفر.

ص: 155

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما: رَأَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّ هذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ

(1)

. وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهذَا؟ قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا قَالَ: بَلِ احْرِقْهُمَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌العمامة والعذبة

(2)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ

(3)

.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ

(4)

قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَرْقَانِيَّةٌ

(5)

. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

وَقَالَ كَانَةُ رضي الله عنه: صَارَعْتُ

(1)

من ثياب الكفار أي من زيهم الذي لا يناسب المسلم، فالنهي عن المزعفر والمعصفر للذكر فقط للونهما الذي هو من زى الكفار، أو لأنه يلفت الأنظار فيكون ثوب شهرة، أو لرائحتهما، أو لأنه من لبس النساء وزيهن فلا يليق بالرجل، وهل النهى للتحريم؟ قال به بعضهم. أو الكراهة قال به آخرون، ولكن الجمهور سلفًا وخلفًا على أنه للتنزيه لحديث أبي داود والنسائي وبعضه للشيخين» كان ابن عمر يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه منها، فقيل له لم تصبغ بالصفرة، فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته» والحديث البراء السابق» رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء» وكان الصبغ بالأحمر لا يخلو من الزعفران، ولعل النهي عن المزعفر والمعصفر لمن كان في إحرام. والله تعالى أعلم.

العمامة والعذبة

(2)

العمامة بالكسر ما يلف على الرأس، والعذبة طرف العمامة المرسل من الخلف.

(3)

اللون الأسود اتفاق ولكن فيه إشارة إلى سيادته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.

(4)

هذه هي العذبة وهذا الحديث وحديث ابن عمر الآتي تقدما في العمامة في سنن الصلاة كما تقدم شرحهما وحكمة العمامة.

(5)

حرقانية بفتح فسكون لونها كلون ما أحرقته النار نسبة إلى الحرق بزيادة ألف ونون.

ص: 156

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَنِي

(1)

وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: عَمَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

فصرعني أي غلبني ورماني على الأرض، وفيه جواز المغالبة لأنها نوع من الفروسية، وقوله فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس جمع قلنسوة وهي ما يلبس تحت العمامة، فلبس العمامة على القلنسوة زى المسلمين، ولبس القلنسوة وحدها زي المشركين، والمراد الحث على مخالفتهم بلبس العمائم على القلانس.

(2)

بسند صالح ولكن الترمذي استغربه.

(3)

أي أرسل أحد طرفيها على نحرى والآخر بين كتفي.

(4)

بسند صالح.

(5)

وهذا هو المعول عليه كحديث عمرو بن حريث، فالعذبة إرسال الطرف من خلف فقط، والعذبة وإن كانت مستحبة ولكن لا كراهة في تركها لعدم مواظبته عليها، فقد كان يلبس القلنسوة أحيانًا بدون عمامة والعمامة أحيانا بدون قلنسوة، وكثيرا ما كان يجمعهما، وكان طول عمامته صلى الله عليه وسلم سبعة أذرع وكانت قلانس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بطحا أي لاصقة بالرأس وليست مرفوعة لحديث الترمذي» كانت كمام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بطحا» وكمام جمع كمة بوزن - قبة - وهي القلنسوة الصغيرة وليست جمع كم للقميص كما وهم بعضهم. والله أعلم.

(فائدة) يجوز التقنع وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه بشيء ولو بدوران جزء من العامة على الأذنين وتحت الفم وربما غطى الفم، وهو نافع للتستر ولدفع البرد وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر بالهجرة فتقنع وذهب إلى أبي بكر وقت الظهيرة ليخبره. وسيأتي في حديث الهجرة في كتاب النبوة إن شاء الله تعالى نسأل الله الستر والهداية بمنه وفضله آمين.

ص: 157

‌فصل في الخاتم يحرم من الذهب ويستحب من الفضة

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اصْطَنَعَ خَاتِمَاً

(2)

مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ قَصَّةُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ فَاصْطَنَعَ النَّاسُ الْخَوَاتِيمُ مِنْ ذَهَبٍ فَرقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأُثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى خَاتِمَاً مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ

(3)

فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ» فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ ما ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ

(4)

قَالَ لَهُ: «مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ؟» فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: «مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟» فَطرَحَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالاً» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(5)

.

فصل في الخاتم

(1)

يحرم من الذهب ويستحب من الفضة أي للرجال، وأما النساء فالذهب لهن مباح، وإنما جاز للرجال خاتم الفضة مع تحريم استعمالها على الرجال لأنه بعض الزينة قال تعالى» خذوا زينتكم عند كل مسجد» ولأنه ينفع في الختم إذا كتب اسمه عليه.

(2)

اصطنع خاتمًا بفتح تائه وكسرها من ذهب ولبسه فتبعه الناس، فلما حرم خطبهم وألقاه من إصبعه أمامهم، فألقى الناس خواتيمهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

(3)

نزع النبي صلى الله عليه وسلم له وإلقاؤه من يد صاحبه يفيد أنه حرام على الذكر، وهذا بإجماع كما أنه حلال للأنثى بالإجماع ولا تقدم» هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثهم».

(4)

رأى على رجل خاتما من شبه بالتحريك أي نحاس، فقال: ما لي أشم منك ريح الأصنام. لأن غالبها من نحاس، فجاء ثانيًا وعليه خاتم من حديد فقال: ما لى أرى عليك حلية أهل النار. أي ما بأبدانهم من السلاسل والأغلال، فالخاتم من النحاس والحديد والرصاص ونحوها مكروه للذكر، والأحسن أن يكون من فضة ولا يبلغ مثقالا فإنه مكروه للسرف.

(5)

بسند صالح.

ص: 158

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيَّ

(1)

فَقِيلَ إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَاباً إِلا بِخَاتَمٍ، فَصَاغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَماً حَلْقَتُهُ فِضَّةٌ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَماً مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

وَقَالَ لِلنَّاسِ: إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَماً مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَنْقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ

(2)

. رَوَاهُما الْخَمْسَةُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَسْطُر مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيُّ

(4)

كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• وَعَنْهُ كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هذِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ مِنَ الْيُسْرَى

(5)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

وَكَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنهما يَتَخَتَّمَانَ فِي يَسَارِهِمَا

(6)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعَيَّ هذ أَوْ هذِهِ وَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا

(7)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1)

كسرى ملك فارس، وقيصر ملك الروم، والنجاشي ملك الحبشة.

(2)

نهاهم عن كتابة هذه الكلمة على خواتيمهم ليكون هذا النقش خاصا به صلى الله عليه وسلم يختم به على مكاتباته، ففيه جواز نقش الاسم وغيره كاسم الله تعالى على الخاتم.

(3)

وقد رأيت صورة الخاتم الشريف وفصه مستدير هكذا:

(رسول

محمد).

(4)

فصه حبشي أي حجر حبشي من أرض الحبشة واليمن مشهور، وفي رواية: كان له خاتم فضة فصه عقيق، ولا منافاة بينها لاحتمال تعدد خواتيمه صلى الله عليه وسلم، وقوله فصه مما يلي كفه هذا هو الكثير، فلا ينافي ما روي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان فص خاتمه إلى ظهر كفه.

(5)

لا منافاة فقد كان صلى الله عليه وسلم يلبسه أحيانا في خنصر يمناه وأحيانا في خنصر يسراه.

(6)

لعله أحيانا.

(7)

أي من جهة الإبهام وهي المسبحة لحديث النسائي» نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن الخاتم في السبابة والوسطى» وهل هو للتحريم=

ص: 159

وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتِمَهُ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

(2)

.

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَماً مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ

(3)

. رَوَاهُ الثَّلاثةُ وَالنَّسَائِيُّ.

‌النعل

(4)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِباً مَا انْتَعَلَ

(5)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى

(6)

وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأُ بِالشِّمَالِ

=أو الكراهة ينظر فيه، ولم يرد نهى عن الإبهام والبنصر ولكن النص على الخنصر يمنع منهما، فالمستحب التختم في الخنصر للذكر وأما المرأة فلها التختم في كل إصبع، ومعنى ما تقدم أن خاتم الذهب حرام على الذكر، والمستحب أن يكون الخاتم من فضة وفصه منه أو من أي جوهر آخر كعقيق بل يجوز أن يكون الخاتم كله من عقيق ونحوه كياقوت ومرجان والماس، لقوله تعالى {وتستخرجوا منه حلية تلبسونها} ويندب لبس الخاتم في الخنصر من أحد الكفين كما يندب جعل فصه جهة الكف.

(1)

ودفعه إلى من معه خارج الكنيف احترامًا لاسم الجلالة المسطور عليه.

(2)

بسند حسن.

(3)

أريس - كأمير - غير مصروف لأنه علم على حديقة بقرب قباء، وقال أبو داود: لم يختلف الناس على عثمان حتى سقط منه الخاتم ومكث عثمان وبعض الصحب رضي الله عنهم يترددون على البئر ثلاثة أيام حتى نزحوا ماءها فلم يجدوا الخاتم، وبفقده ظهرت الفتن، فكان فيه سر عظيم. ولا عجب فقد اختل ملك سليمان عليه السلام لما فقد خاتمه فسبحان خالق الكون وما فيه من أسرار. نسأل الله أن يعلمنا وأن يلهمنا الرشد بفضله ورحمته آمين آمين آمين والله أعلم.

النعل

(4)

النعل الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم ما كان أسفله من جلد ثخين وأعلاه مكشوفا ولكن فيه سيور تمسكه بالرجل، والمراد هنا بالفعل كل ما يلبس في الرجلين ويمكن المشي فيه بأى اسم كان، مركوبا أو نعلا أو جزمة أو غيرها من اصطلاح الجهات في الأرض.

(5)

فالانتعال يحفظ الأرجل كما يحفظها الركوب.

(6)

فينبغي البدء باليمين في لبس النعل وغيرها لشرفها بخلاف النزع، والأفضل لبس النعل وهو جالس للنهي عن الانتعال قائما.

ص: 160

وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعاً أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعاً». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا انْقَطَعَ شِسْعُ

(1)

أَحَدكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا».

قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ

(2)

وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ لُبْسَهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: إِنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهَا قِبَالَانِ

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَضَعَهُمَا بِجَنْبِهِ

(4)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

.

عَنه الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه قَالَ: أَهْدَى دِحْيةُ الْكَلْبِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خُفَّيْنِ فَلَبِسَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(6)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ عَلَى مُوسى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءُ صُوفٍ وَجُبَّةُ صُوفٍ وَكُمَّةُ

(7)

صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(8)

.

(1)

شسع النعل بالكسر سيره، وفيه جواز المشي بدون نعل، ولأبي داود كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفى أحيانا.

(2)

السبتية بالكسر التي لا شعر فيها.

(3)

قبالان تثنية قبال بالكسر سيران في مقدم الفعل يكون أحدهما بجوار الإبهام والآخر بين الوسطى والبنصر ويتصلان بالشسع الذي يعترص على ظهر القدم.

(4)

أي الأيسر، دون الأيمن والأمام، لشرف الأيمن والأمام، لا يضعهما خلف ظهره لئلا يسرقا.

(5)

بسند صالح.

(6)

وفي رواية: فلبسهما النبي صلى الله عليه وسلم حتى تخرق النعل ولم يسأل هل هما من مذكر أم لا.

(7)

الكمة - كقبة - القلنسوة الصغيرة، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت ولبسهما الضرورة لشدة البرد حينئذ، ولما طلبه الله تعالى ليكلمه قال له:» فاخلع نعليك إنك بالواد القدس طوى».

(8)

وحسن الأول واستغرب الثاني، في هذه النصوص طلب لبس النعل لأنه يحفظ من الضرر ومن القذر وكان معروفا في سالف الأزمان، ولا ينبغي البحث هل هو طاهر أم لا لأن الأصل في الأشياء الطهارة. والله أعلم.

ص: 161

‌تستحب النظافة

(1)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى رَجُلاً شَعِثاً

(2)

قَدْ تَفَرَّقَ شَعَرُهُ فَقَالَ: «أَما كَانَ هذَا يَجِدُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعَرَهُ» . وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ

(3)

فَقَالَ: «أَمَا كَانَ هذَا يَجِدُ مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ» .

وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ رضي الله عنه: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَوْبٍ دُونٍ

(4)

فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ قُلْتُ: مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمٍ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ قَالَ: «فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ

(6)

يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُطَهِّرَنَا ظَاهِراً وَبَاطِناً.

تستحب النظافة

(1)

أي نظافة البدن والملبوس بل والمكان، والتجمل بما أنعم الله به على عبده.

(2)

شعثًا كفرح أي تفرق شعر رأسه.

(3)

وسخة بفتح فكسر أي غير نظيفة.

(4)

في ثوب دون، أي دنيء ورديء، ومن هذا حديث الترمذي: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

(5)

بسندين صالحين.

(6)

إن الله يحب الطيب بتشديد الياء في اللفظين، أي إن الله منزه عن النقائص يحب الطيب أي العبد المستقيم، وجواد بالتخفيف أي كريم فياض يحب الكريم، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود جمع فناء وهو الساحة أمام الدار، ومعنى هذا كله أن الله يحب من عبده أن يظهر نعمة الله عليه وأن يتجمل بما عنده وأن ينظف جسمه بل وقلبه وثوبه وبيته داخلا وخارجا فإن الله نظيف يحب النظافة وجميل يحب الجمال. والله أعلم.

ص: 162

‌الباب الثالث في آداب اللباس

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُلَاءَ

(1)

لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذلِكَ مِنْهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ

(2)

يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَجُرُّ إِزَارَهُ فَجَعَلَ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِرِجْلِهِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَحْرَيْنِ

(3)

وَهُوَ يَقُولُ: جَاءَ الْأَمِيرُ جَاءَ الْأَمِيرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَراً

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئاً إِلا مَنَّهُ، وَالْمُنْفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحِلفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ

(5)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ

(6)

.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مخِيلَةٍ» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا خَطِئَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ

(7)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

(الباب الثالث في آداب اللباس)

(1)

فمن أطال ثوبه حتى جر على الأرض خيلاء بضم فمد أي عجبًا وكبرًا لم ينظر الله له يوم القيامة نظر رحمة بل نظر غضب ومقت، فقال أبو بكر: أحد جانبي إزاري يسترخي ولكني أرفعه، قال لا ضرر عليك فلست ممن يفعله تكبرا.

(2)

فبينما رجل هو قارون أو رجل فارسي أعجبته جمته أي شعره النازل إلى منكبيه، وبرداه أي ملابسه انخسفت به الأرض فهو يتجلجل أي هوى فيها إلى يوم القيامة لا يصل إلى قرارها جزاء على كبره.

(3)

أي أبو هريرة.

(4)

أي كبرًا وعلوا.

(5)

أي الذي يرخيه حتى يجر على الأرض والحديث تقدم غير مرة.

(6)

ولكن مسلم في الإيمان.

(7)

المخيلة - كرذيلة - هي الاختيال والتكبر، والسرف والإسراف: مجاوزة الحد الشرعي.

ص: 163

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ

(1)

مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئاً خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظَرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي إِزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَرَفَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ: زِدْ فزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا

(3)

بَعْدُ» فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِلَى أَيْنَ فَقَالَ: «أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَضَلَةِ سَاقِي

(4)

أَوْ سَاقِهِ فَقَالَ: «هذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلَ فَإِنْ أَبَيْتَ فَلَاحَقَّ لِلْإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ رضي الله عنه: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ عَنِ الْإِزَارِ فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ

(6)

إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ أَوْ لَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ لَا يَقُولُ شَيْئاً إِلا صَدَرُوا عَنْهُ

(7)

قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالُوا: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ: «لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَيتِ

(8)

قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكَ»

(1)

فالإسبال في الإزار والقميص بتطويلهما حتى يمسا الأرض، وفي القميص أيضا زيادة كمه عن الأصابع إلا إذا جرت عادة بالزيادة والإسبال في العمامة بزيادة العذبة على أربع أصابع.

(2)

بسند صحيح قال النووي.

(3)

أتحراها أي هيئة الرفع إلى أنصاف الساقين.

(4)

فعضلة الساق بالتحريك أي لحمته موضع نهاية الإزار أو تحتها، ولا ينبغي مساواته للكعبين أي لمن أراد الكمال كما يأتي.

(5)

بسند صحيح.

(6)

إزرة المسلم أي هيئة طول إزاره إلى نصف الساق أو تحته أو إلى الكعبين فما نزل عنهما فهو في النار.

(7)

أي لا يقول شيئا إلا قبلوه وسارعوا في إنقاذه.

(8)

أي من عادتهم في أشعارهم كقول بعضهم: * عليك سلام الله قيس بن عاصم * وإلا فالمشروع في السلام للحي وللميت واحد كما تقدم في الجنائز.

ص: 164

قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إِذَا

(1)

أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ وَإِنْ كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ أَوْ فَلَاةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْهَدْ إِلَيَّ

(2)

قَالَ: «لَا تَسُبَّنَّ أَحَداً قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلَا عَبْداً وَلَا بَعِيراً وَلَا شَاةً قَالَ: وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئاً مِنَ الْمَعْرُوفِ وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ فَذلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ

(3)

فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذلِكَ عَلَيْهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

.

وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ رضي الله عنها: كَانَتْ يَدُكَمْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرُّسْغِ

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا لَبِسْتُمْ وَإِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَأُوا بِمَيَامِنِكُمْ

(6)

». رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ

(7)

.

• عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ

(1)

قوله الذي إذا: صفة لله تعالى. وقوله عام سنة أي قحط.

(2)

أي أوصني.

(3)

بما يعلم فيك أو بما لا يعلم فلا تعيره بشيء ولو كان فيه. ففي هذه الأحاديث أن المستحب في نهاية ملابس المسلم إلى نصف الساق لأنه أبقى لها وأطهر ويجوز إلى الكعبين فإن نزل عنهما فهو حرام إن مسته النجاسة أو اختال بذلك، فإن رفعها على الأرض فلا بأس كأبي بكر رضي الله عنه وهذا للرجال، أما النساء فالإسبال منهن مطلوب كما يأتي.

(4)

بسند صالح.

(5)

الرسغ بالسين والصاد مفصل ما بين الكف والساعد، ولابن حبان والحاكم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصة فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه، فكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص كمه إلى الرسغ وآخر كمه إلى رءوس الأصابع فالأول أفضل والثاني جائز ولا سيما في البرد.

(6)

فيستحب البدء باليمين في لبس القميص والسراويل ونحوها لشرفها بخلاف النزع فالبدء باليسار وكذا التيمن في الطهارة كما تقدم فيها.

(7)

الأول بسند حسن والثاني بسند صالح.

ص: 165

فَبَايَعْنَاهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقُ الْإِزْرَارِ فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ فَمَسِسْتُ الْخَاتَمَ قَالَ عُرْوَةُ: فمَا رَأَيْتُ مُعَارِيَةَ وَلَا ابْنَهُ قَطُّ إِلا مُطْلِقَيْ أَزْرَارِهِمَا فِي شِتَاءٍ وَلَا حَرَ

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ

(2)

.

‌الحمد عند اللبس

(3)

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْباً

(4)

سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِمَّا قَمِيصاً أَوْ عِمَامَةً ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوتَنِيهِ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» . وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا لَبِسَ أَحَدُهُمْ ثَوْباً جَدِيداً قِيلَ لَهُ: «تُبِلِي

(5)

وَيُخْلِفُ اللَّهُ تَعَالَى» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(6)

.

• عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ طَعَاماً ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ منًى وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ

(7)

قَالَ: وَمَنْ لَبِسَ ثَوْباً فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كسَانِي هذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِ وَمَا تَأَخَّرَ»

(1)

فقُرة بن إياس ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم مع وفد من قومه فبايعوه ثم استأذن من النبي صلى الله عليه وسلم وأدخل يده في جيب قميصه حتى مس خاتم النبوة، وكان قميص النبي صلى الله عليه وسلم محلول الأزرار فكان معاوية بن قرة وولده دائما أزرار قميصهما محلولة كأزرار النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

بسند حسن ولفظه: كان ابن عمر دائما محلول الأزرار، وقال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم محلول الأزرار. نسأل الله الهداية والتوفيق آمين.

الحمد عند اللبس

(3)

المراد بالحمد ما يعم الدعاء وهو اعتراف بالنعمة، وهذا شكر يستلزم المزيد قال تعالى {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} .

(4)

قوله إذا استجد ثوبا أي لبس ثوبا جديدا دعا بهذا الدعاء.

(5)

تبلى من الإبلاء أي تعيش حتى تبليه ويعطيك ربك غيره.

(6)

بسند صحيح.

(7)

أي من الصغائر ولا حرج على فضل الله تعالى.

ص: 166

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(1)

.

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْباً جَدِيداً فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أَوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذي أَخْلَقَ

(2)

فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَفِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي سِتْرِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتاً». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ رضي الله عنها قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ

(4)

سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ فَقَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هذِهِ؟» فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَقَالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ» فَأُتِيَ بِهَا

(5)

تُحْمَلَ فَأَخَذَ الْخَمِيصةَ بِيَدِ فَأَلْبَسَها وَقَالَ: «أَبْلِي وَأَخْلِقِي» وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هذَا سَنَاهْ

(6)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجَمِّلَنَا بِلِبَاسِ الْعَافِيَةِ وَالتَّقْوَى آمِين وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌لباس النساء

(7)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ} {وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}

(8)

.

(1)

بسند حسن.

(2)

قوله أخلق صار خلقًا قديما.

(3)

في الدعوات واستغربه ولكنه في الفضائل ويؤيده ما قبله.

(4)

الخميصة - كعظيمة - ثوب أسود من حرير أو صوف فيه أعلام خضر أو صفر.

(5)

وفي رواية: فأتى بي.

(6)

سناه لفظ حبشي ومعناه حسن، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا لها بقوله أبلى وأخلق وهنأها بقوله هذا ملبوس حسن، وكلها بلسان الحبشة لأنها ولدت بأرض الحبشة. والله أعلم.

لباس النساء

(7)

أي بيان ما ورد فيه.

(8)

يدنين عليهن من جلابيبهن، جمع جلباب وهو ما تلبسه المرأة فوق الحمار والقميص يستر البدن كله ويسمى في مصرنا بالتطريحة والملاءة، ومعنى الآية وقل يا محمد للمؤمنات: يرخين على وجوههن الجلباب إلا عيونهن للأبصار يبصرن بها إذا خرجن لحاجة ليعرفن أنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون الذين كانوا يتعرضون للإماء، وكان لباس النسوة كلهن حينذاك درع وقناع.

ص: 167

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}

(1)

{إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} .

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ

(2)

مِنَ الْأَكْسِيَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا نَزَلَ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شَقَقْن أَكْنَفَ مُرُوطِهِنَّ

(4)

فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ

(5)

.

وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَخْتَمِرُ فَقَالَ: «لَيَّةً لَا لَيَّتَيْنِ

(6)

».

وَعَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ

(7)

فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ: «يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ لَهَا أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا هذَا وَهذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ.

(1)

ولا يبدين زينتهن أي محل الزينة إلا ما ظهر منها وهو الوجه والكفان فيجوز كشفهما وليضربن بخمرهن على جيوبهن جمع جيب وهو طوق القميص والمراد مكانه أي يسترن بالقناع الرءوس والأعناق والصدور، وكانت عادتهن لبس الخمار على الرأس مرسلا خلفها.

(2)

الغربان جمع غراب وهو طائر أسود غالبا، والأكسية جمع كساء وهو الملاءة، أي خرجت النساء ملفوفات بجلابيبهن طاعة الأمر الله تعالى.

(3)

بسند صالح.

(4)

شققن أكنف - كأنحن - لفظًا ومعنى، والمروط جمع مرط وهو كساء تستتر به المرأة، وفي رواية للبخاري» أخذن أزرهن فشققنها من جهة الحواشي فاختمرن بها».

(5)

ولكن أبو داود هنا والبخاري في التفسير.

(6)

أي لا تديرى الخمار على العنق والصدر إلا لية واحدة أي مرة واحدة.

(7)

دخلت أسماء وعليها ثياب رقاق جمع رقيق وهو ما لا يستر لون البشرة فأعرض عنها، وقال: إن المرأة إذا بلغت المحيض أي زمن الحيض وهو البلوغ لا يصح أن يرى منها إلا الوجه والكفان، ففي هذه النصوص أن المرأة يجب عليها ستر جميع بدنها لأنها عورة إلا الوجه والكفين فلا يجب سترهما ويجوز للأجنبي أن ينظرهما إذا أمنت الفتنة، وهذا مذهب المالكية وقول الشافعية والقول الآخر يحرم النظر إليهما لأنه مظنة الفتنة وهو الراجح للاحتياط.

ص: 168

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْراً» فَقَالَتْ: إِذاً تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ: «فَيُرْخِينَ ذِرَاعاً لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ

(1)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

وَصَاحِبَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الصماء والاحتباء

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وأَنْ يَحْتَبيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَة.

‌الباب الرابع في سنن الفطرة

(4)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ

(5)

: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ

(1)

أمرهن بإرخاء الذيل ذراعًا مبالغة في الستر، والذراع الزائد هذا عن إزرة الرجل التي هي إلى نصف الساق فيكون الزائد عن الجسم الذي يكون على الأرض شبرا واحدا، وبهذا اتفقت مع رواية الترمذي والطبراني» إن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة من عقبها شبرا وقال. هذا ذيل المرأة» والله أعلم.

(2)

بسند صحيح والله أعلم.

الصماء والاحتباء

(3)

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء وهي عند اللغويين تغطية جسمه بثوب لا يرفع منه شيئًا ولا منفذ فيه ليده ونهى عن هذه لتعسر إخراج يده. وقيل: هي أن يلبس ثوبه وأحد شقيه على عاتقه، ومال إلى هذا الفقهاء، والاحتباء أن يحتبي الرجل في ثوب واحد أي أن يجلس على أليتيه ناصبًا ساقيه ويلف عليه ثوبًا وفرجه مكشوف، وكانت عادة العرب ذلك فنهى الشرع عنها لكشف العورة. والله أعلم.

(الباب الرابع في سنن الفطرة)

(4)

السنن جمع سنة وهي الطريقة، والفطرة الخلقة والدين الحنيف قال تعالى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} .

(5)

عشر من الفطرة أي مأموراتها التي أمرت بها الرسل والأمم قديما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} ، وبعض هذه الأمور واجب كالختان وبعضها سنة، ولا مانع من اجتماعهما في أسلوب واحد قال تعالى {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم =

ص: 169

اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» قَالَ مُصْعَبٌ: ونَسِيتُ الْعَاشِرَةَ، إِلا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(1)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحى وَأَحْفُوا الشَّوارِبَ

(2)

». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ

(3)

عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَالنَّسَائِيُّ.

=حصاده - فهذا فرض والأكل مباح. وقوله. واستنشاق الماء أي نظافة الأنف. وقوله: وغسل البراجم جمع برجمة بضم فسكون وهي غضون الأصابع من ظاهرها وباطنها، ونتف الإبط أي إزالة شعره بحلق أو نتف وهو أولى لأن بقاءه يورث رائحة كريهة، وحلق العانة أي إزالة شعرها بأي شيء. والأولى للأنثى النتف وللذكر الحلق، والمراد بالعانة الشعر النابت حول القبل ذكرا أو فرجًا وكذا النابت حول الدبر. وهو آكد لتأكد النظافة حوله وما بين القبل والدبر. وقوله وانتقاص الماء أي الاستنجاء بالماء للفظ النسائي القائل وغسل الدبر، قال مصعب أحد الرواة ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. ويحتمل أنها الختان لحديث الشيخين» الفطرة خمس: الختان والاستحداد - نظافة العانة بالحديدة - وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط».

(1)

ولفظه لمسلم في الطهارة.

(2)

وفي رواية» جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس» فالمشركون والمجوس يحلقون لحاهم ويتركون شواربهم فأمرنا بمخالفتهم. وقوله: وفروا اللحى من التوفير وهو الترك، واللحى جمع لحية وهي شعر الذقن، والمراد ما يعم العارضين، فحلق اللحية مكروه عند الجمهور وحرام عند الحنفية لهذا وللتشبه بالنساء، وفي الحديث الأول قص الشارب وفي هذا أحفوا، وفي رواية جزوا وفي أخرى انهكوا، ولذا اختلفت الأئمة فيه فقال الشافعية والحنفية والحنابلة المستحب في قص الشارب أخذ ما طال من شعره حتى تبدو حمرة الشفة، وقال بعضهم المستحب الاستئصال بنحو قص أو حلق ونسب للمالكية والكوفيين، وقال بعضهم أنت بالخيار بينهما لثبوت كل منهما وهذا حسن.

(3)

فالمستحب في طول اللحية قبضة فقط، وينبغي تسوية اللحية بقص ما زاد من شعرها وحلق ما تناثر حولها الحديث الترمذي» كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ من عرض لحيته وطولها».

(4)

أي إن قصد التشبه بالكفار أو ليس على طريقتنا الكاملة، وللترمذي أيضا» كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله».

(5)

بسند صحيح.

ص: 170

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: وُقِّتَ لَنَا

(1)

فِي قَصِّ الشَّارِبِ وتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وحَلْقِ الْعَانَةِ أَلا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً

(2)

كَانَتْ تَخْتَنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَنْهَكِي فَإِنَّ ذلِكَ أَحْظَى للْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ» رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ

(3)

وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَطِيَّةَ تَخْفِضُ الْجَوَارِيَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُمَّ عَطِيَّةَ اخْفِضي وَلَا تَنْهَكِي فَإِنَّهُ أَنْضَرُ لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» .

(1)

أي علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتنظف بهذه الأشياء وقتًا بعد آخر وأن لا نتركها أكثر من أربعين ليلة، وليس التحديد مرادًا بل المراد مراعاة النظافة من حين لآخر، وإنما شرعت سنن الفطرة هذه للنظافة والتجمل بإبقاء اللحية فإن الله جميل يحب الجمال.

(تنبيه) مرويات الترمذي هنا في كتاب الأدب.

(2)

تلك المرأة هي أم عطية الآتية في الرواية الثانية وكانت تختن الجواري فقال لها صلى الله عليه وسلم: لا تنهكي في ختان الأنثى ولا تستأصلي الزائد بين حافتي الفرج الذي هو كالنواة أو كعرف الديك فوق مدخل الذكر بل اتركي منه شيئًا، فإنه أحظى للمرأة أي ألذ لها وأنضر لوجهها وأحب إلى البعل أي الزوج، وذلك أن الدلك بالإصبع أو بالذكر في محل الختان يلذ المرأة كثيرًا ويحرك منيها البارد البطئ فتتعلق بالرجل وتحبه فيحبها ويدوم نظام الزوجية، وختان الأنثى يسمى خفضًا وختان الذكر يسمى إعذارا وهو قطع الجلدة التي على الحشفة، وحكمته النظافة وكثرة اللذة، وينبغي إظهاره دون ختان الأنثى، وهل تختن النساء كلهن أو نساء المشرق دون نساء المغرب لعدم تلك الزائدة، ينظر في هذا، والختان واجب للذكر والأنثى عند بعض التابعين وجمهور الشافعية. وقال مالك وأبو حنيفة: إنه سنة لهما. وقال أحمد: إنه واجب للذكر سنة للأنثى لحديث أحمد وغيره:» الختان سنة للرجال مكرمة للنساء» وروي عن أبي حنيفة أنه واجب. وروى عنه: أنه سنة يأثم بتركه.

(3)

في كتاب الأدب وضعفه ولكنه مؤيد بحديث الشيخين السابق في الشرح: الفطرة خمس. والحكمة التي ذكرها الحديث تقتضيه. نسأل الله التوفيق آمين والله أعلم.

ص: 171

‌الشعر وترجيله

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ

(2)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ شَعَرُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَحْمَةِ أُذَنَيْهِ

(3)

. رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدُلُونَ

(4)

أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرِقُونَ رُؤُوسَهُمْ فَسَدَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ

(5)

وَتَنَعُّلِهِ وَسِوَاكِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(6)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّرَجُّلِ إِلا غِبًّا

(7)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(8)

.

الشعر وترجيله

(1)

أي ما ورد في الشعر وترجيله، والنهي عن حلق رأس الأنثى وإباحته للذكر، والنهي عن القزع.

(2)

كان شعر رأسه يصل إلى منكبيه تثنية منكب وهو أعلى الكتف.

(3)

وفي رواية: إلى أنصاف أذنيه ولا تنافي بينهما فكان إذا مد وصل إلى المنكبين وإذا ترك كان إلى الأذنين وإذا قصره كان إلى الأذنين وإذا تركه كان إلى المنكبين.

(4)

يسدلون كينصرون ويضربون، والسدل: إرسال الشعر حول الرأس، والفرق قسمه نصفين أو ثلاث، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم أولا تأليفا لأهل الكتاب ثم فرق ثانيًا بأمر من الله تعالى. والناصية: شعر مقدم الرأس. وقالت عائشة» كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه - أعلى الرأس - وأرسلت ناصيته بين عينيه» أي قسمت شعره نصفين أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. ولأبي داود والترمذي» قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر أي ضفائر» ولها أيضا» كان شعره صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة» أي أطول من الوفرة وأكثر من الجمة.

(5)

الترجل تسريح الشعر، والتنعل لبس النعل، والتيمن مطلوب في كل شيء إلا ما كان من قبيل الامتخاط والاستنجاء فإنه باليسار.

(6)

ولفظه لأبي داود. وفي رواية له» من كان له شعر فليكرمه» أي بالتسريح والدهان فهو إكرامه.

(7)

أي نهي عن الترجل، إلا غبا أي وقتًا بعد وقت، فإن كثرته ترفه لا يليق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بترك كثير الإرفاه.

(8)

بسند صحيح.

ص: 172

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْقَزَعِ

(1)

قِيلَ لاِبْن عُمَرَ: وَمَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: «يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ رَأْسِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ

(2)

». رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَ أَنَسٍ رضي الله عنه: كَانَتْ لِي ذُؤابَةٌ فَقَالَتْ لِي أُمِّي: لَا أَجُزُّهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمُدّهَا وَيَأْخُذُ بِهَا.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌خضب الشعر

(5)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ

(6)

فَخَالِفُوهُمْ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَأُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ

(7)

رضي الله عنه يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «غَيِّرُوا هذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داوُدَ.

(1)

القزع بالتحريك فسره ابن عمر بأنه حلق بعض رأس الصبي وترك بعضه والبعض المتروك يسمى ذؤابة، وقصة إذا كان في الناصية والنهى للكراهة، فالقزع مكروه.

(2)

فيه أن حلق الرأس للذكر مباح إلا في النسك كما تقدم، أما الأنثى فيحرم عليها حلق الرأس أو قصه. لحديث النسائي» نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها؛ لأن الشعر زينة وجمال، والنسوة أحوج الناس إلى الجمال إلا للنسك أو لمرض فلا شيء فيه وإلا إذا جرت العادة بتقصيره فيجوز.

(3)

بسند صالح.

(4)

وللنسائي بسند صحيح عن زيادة بن حصين عن أبيه أنه أتي للنبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده على ذؤابته ودعا له، ففيه مع حديث أنس جواز الذؤابة وفيما قبله نهى عنها ويمكن الجمع بينهما بأن القزع المنهي عنه هو حلق بعض الرأس وترك البعض الآخر، والذؤابة الجائزة في إرسال بعض شعر الرأس وضفر الباقي اهـ الحافظ. والله أعلم.

خضب الشعر

(5)

الخضب تغيير الشيب للذكر والأنثى وهو مستحب لمخالفة الكفار فإنهم لا يفعلونه، وأصل الشيب قلة الدم في بصيلات الشعر فيتغير لونه إلى بياض.

(6)

لا يصبغون بضم الباء.

(7)

أبو قحافة هو والد أبي بكر رضي الله عنهما ولم يسلم إلا يوم فتح مكة، وعاش إلى خلافة عمر رضي الله عنه، فجيء به يوم الفتح ورأسه ولحيته كالثغامة بالفتح نبت أبيض الزهر والثمر يشبه به الشيب الذي يتخلله سواد. فقال صلى الله عليه وسلم. غيروا هذا الشيب بشيء واجتنبوا اللون الأسود.

ص: 173

وَسُئِلَ أَنَسٌ رضي الله عنه أَخَضَبَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَمْ يُبْلُغِ الشَّيْبَ إِلا قَلِيلًا. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّهُ لَمْ يَخْضِبْ وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظَهُ: لَمْ يَخْضِبْ إِنَّمَا كَانَ الشَّمَطُ

(1)

عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ يَسِيراً وَفِي الصُّدْغَيْنِ يَسِيراً وَفِي الرَّأْسِ يَسِيراً.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ

(2)

وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَ أَبُو رِمْثَةَ

(3)

رضي الله عنه: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَبِي وَكَانَ قَدْ لَطَخَ لِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ.

• عَنْ أَبِي ذَرِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحَسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ هذَا الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ

(4)

وَالْكَتَمُ». رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ

(6)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

وَالنَّسَائِيّ.

وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ خِضَابِ الْحِنَاءِ فَقَالَتْ: لَا بَأْسَ بِهِ وَلكِنِّي أَكْرَهُهُ فَإِنَّ حِبِّي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ رِيحَهُ

(8)

.

(1)

الشمط بالتحريك ظهور شعر أبيض وسط سواد شعر الرأس وكان فيه صلى الله عليه وسلم قليلا في العارضين وفي الرأس وفي العنفقة وهي شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. وفي رواية» لم يكن شاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا».

(2)

السبتية التي لا شعر فيها، والزعفران معروف، والورس كالورد نبت يمني أصفر يصبغ به ومصبوغهما أحمر، فابن عمر رآه يصبغ بهما وكان يفعله، وهذا لا ينافي قول أنس إنه لم يخضب فإنه لم يره ولهذا نظائر فلا غرابة.

(3)

أبو رمثة - كقربة - تميمي من ولد امرئ القيس.

(4)

الحناء: نبات صبغه أحمر، والكتم بالتحريك: نبات يمني صبغه أسود، فإذا مزج أحدهما بالآخر كان الصبغ به أسود مائلا إلى الحمرة، وهو أفضل ألوان الصبغ، وقد خضب النبي صلى الله عليه وسلم بالصفرة والحمرة في الحديثين قبله.

(5)

الأول بسند حسن والثاني بسند صحيح.

(6)

يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يشمون ريح الجنة، يحتمل أن هذا لجعل لحاهم كحواصل الحمام بحلق عوارضهم وإبقاء لحاهم كعادة بعض الكفرة، ويحتمل أنه لخضبهم بالسواد تغريرا أو خيلاء، وعلى كل هو للزجر والتنفير فإن حلق اللحية والصبغ بالأسود مكروه.

(7)

بسند صالح.

(8)

فيه أن الحناء ليس بطيب وإلا لأحبه النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 174

وَعَنْها قَالَتْ: أَوْمَأَتِ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كِتَابٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَبَضَ يَدَهُ فَقَالَ: «مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ قَالَتْ: بَلْ امْرَأَةٍ قَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ

(1)

». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَالنَّسَائِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

‌يحرم الوصل والوشم ونحوهما

(3)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ

(4)

وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ

(1)

فيه أن خضب اليدين والرجلين مستحب للأنثى لتمتاز عن الرجل وهو حرام للرجل.

(2)

بسندين صالحين، ففي هذه النصوص أن الصبغ مستحب للرجل والمرأة بأي لون كان إلا بالسواد فإنه مكروه تنزيها، ومال النووي إلى أنها كراهة تحريم ولكن رخص فيه جماعة من الصحب والتابعين والسلف الصالح كعثمان وسعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر وجرير والحسن والحسين وابن سيرين وغيرهم وفعلوه رضي الله عنهم، ولعل حجتهم أن حكمة الأمر بالخطاب مخالفة للكفار كالحديث الأول وكحديث الطبراني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتغيير الشيب مخالفة للأعاجم، وأما حديث ابن عباس فلا يدل على كراهة الخضاب بالسواد، بل فيه الإخبار عن قوم هذه صفتهم، أو أنه ذمهم لأنهم يفعلونه للعجب والخيلاء، أو بقصد التغرير، ونهى أبي قحافة عن السواد لأن شيبه كان مستبشعًا فلا يسرى إلا على مثله. وقال ابن شهاب كنا نخضب بالسواد وفي الوجه نضارة فلما ذهبت تركناه، وهذا كله إذا لم يكن لغرض شرعي كالجهاد وإلا كان مطلوبا لأن السواد مظهر الشباب والقوة وهو أرهب للأعداء وأخوف لهم، ولا يقال إن الخضاب فيه تغيير الخلقة لأنه مأمور به، بخلاف نتف الشيب فإنه مكروه لحديث أصحاب السنن: لا تنتفوا الشيب، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورا يوم القيامة. وفي رواية: إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة، وروى أن أول ما ظهر فيه الشيب إبراهيم عليه وعلى الأنبياء أفضل الصلاة والسلام، فقال: ما هذا يا رب. قال: وقار. قال رب زدني وقارا. وحكمة الشيب احتشام النفس وخوفها من الله تعالى فإنه علامة على كبر السن ونذير من نذر الموت. نسأل الله الخوف والخشية آمين.

يحرم الوصل والوشم ونحوها

(3)

الوصل وصل الشعر بشعر آخر ليطول، والوشم غرز إبرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ويذر عليه بنحو كل أو نيلة فيخضر، ومثل الوصل والوشم النمص والفلج والوشر الآتية.

(4)

الواصلة التي تصل الشعر بآخر والمستوصلة الطالبة لذلك، وهذا حرام لا يجوز بحال، فقد جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنة عروسًا وقد تمزق شعرها من حصبة أفأصله؟ فذكر الحديث، والواشمة التي =

ص: 175

وَالْمُسْتَوْشِمَةَ».

وَسُمِعَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبِيَدِهِ قُصَّةٌ مِنْ شَعَرٍ

(1)

وَيَقُولُ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هذِهِ وَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هذِهِ نِسَاؤُهُمْ» . رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ. وَزَادَ الشَّيْخَانِ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَداً يَفْعَلُهُ إِلا الْيَهُودَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زُوراً حِينَ بَلَغَهُ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ

(2)

وَالنَّامِصَاتِ

(3)

وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، فَبَلَغَ هذَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ اسْمُها أُمُّ يَعْقُوبَ فَأَتَتْهُ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ: وَمَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ قَالَ: لَوْ قَرَأَتِيهِ لَوَجَدْتِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ}

(5)

، قَالَتِ الْمَرْأَةُ: إِنِّي أَرَى شَيْئاً مِنْ هذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ

= تفعل الوشم، والمستوشمة الطالبة له؛ ومحل الوشم يصير نجسًا وتجب إزالته إن فعله مكلف عالم به إلا إذا خاف ضررا فيعفي عنه.

(1)

فمعاوية خطب الناس على منبر المدينة وبيده قصة شعر بالضم أي خصلة منه. وقال أين علماؤكم وأنتم تصلون الشعر فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وسماه زورا لأنه تضليل بإيهام أنه شعرها وليس كذلك، وكان هذا من أسباب هلاك بني إسرائيل.

(2)

ولفظ أبي داود:

والمستوشمة من غير داء. أي مرض فإن كان لمرض لا دواء له إلا الوشم جاز للضرورة.

(3)

النامصات جمع نامصة وهي التي تنتف الشعر بالمنماص (الملقاط) من وجهها أو جبينها، والمتنمصات الطالبات لهذا. وقال بعضهم النامصة التي تحف الحاجب حتى يصير رقيقًا وهو التزجيج كما في كلام الشاعر: * وزججن الحواجب والعيونا * وقوله المتفلجات بكسر اللام جمع متفلجة وهي التي تطلب الفلج بالتحريك وهو تفريق ما بين الثنايا والرباعيات، أو ترقيق الأسنان بالمبرد رغبة في الجمال. والنمص والفلج يوجبان اللعن إذا كان لغير زوجها أو اشتغلت بهما حتى نسيت الواجب عليها لربها ولزوجها كما هو واقع في مصرنا الآن. نسأل الله السلامة. وقوله: المغيرات خلق الله. بيان لحكمة النهي.

(4)

فابن مسعود سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

فأمر الرسول من أمر الله ونهيه من نهي الله.

ص: 176

فَقَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَتِهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئاً فَعَادَتْ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً فَقَالَ: أَمَا لَوْ كَانَ ذلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنهم: لَا بَأْسَ بِالْقَرَامِلِ

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ

(3)

رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَشْرٍ: «عَنِ الْوَشْرِ، وَالْوَشْمِ، وَالنَّتْفِ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ حَرِيراً مِثْلَ الْأَعَاجِمِ أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيراً مِثْلَ الْأَعَاجِمِ، وَعَنِ النّهْبَى، وَرُكُوبِ النُّمُورِ، وَلُبُوسِ الْخَاتَمِ إِلا لِذِي سُلْطَانٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

وَالنَّسَائِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالتَّوْفِيقَ آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

أي لو كان فيها شيء من هذا لم نجتمع معها ولم نعاشرها بل نفارقها، فعمل شيء من تلك الأمور حرام لأن اللعن يقتضي التحريم، ولأنه تغيير لخلق الله تعالى، وهو من فتنة الشيطان حيث قال {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} .

(2)

لا بأس بالقرامل جمع قرمل وأصله نبات لين طويل الفرع، والمراد لا بأس بالوصل بالقرمل ونحوه كصوف وحرير وكتان. فالضفائر من هذا لا شيء فيها لعدم الغرر، وعليه بعض التابعين والليث وأحمد، وقال بعضهم: لا يجوز لعموم الأحاديث ولحديث مسلم» نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئًا».

(3)

أبو ريحانة اسمه شمعون أنصارى أو قرشي، ويقال له مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم والوشر - كالورد - تحديد الأسنان بالمبرد لترق وتبيض، وتقدم الوشم، والنتف هو نتف الشعر الأبيض أو عند المصيبة. والمكامعة هي مضاجعة الرجل للرجل أو المرأة للمرأة وهم عرايا، وهي حرام إلا في رجل مع ولده الصغير أو امرأة مع بنتها لحاجة كاغتسال فلا، وقوله وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه أي أو أعلاها حريرا مثل الأعاجم، هذا إذا كثر وزاد عن القدر الجائز وهو قدر أربع أصابع كما تقدم، وقوله ونهي عن النهى من النهب والغارة، وقوله وركوب النمور جمع نمر - ككتف - وهو حيوان مفترس معروف، فنهي عن ركوبها خوفًا من الخطر، أو المراد النهي عن الركوب على جلودها لأنه من دأب الأعاجم والمتكبرين، وقوله ولبوس الخاتم بضمتين أي ونهي عن لبس خاتم الفضة زهدًا في الزينة إلا لذي سلطان أي ولاية فإنه أهيب، والنهي في هذا وما قبله للتنزيه وفيما عداها للتحريم.

(4)

بسند ضعيف ولكن سند النسائي صحيح.

ص: 177

‌الجلاجل

(1)

دَخَلَتْ مَوْلَاةٌ لِلزُّبَيْرِ بِابْنَةٍ لَهُ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَفِي رِجْلِهَا أَجْرَاسٌ

(2)

فَقَطَّعَهَا عُمَرُ وَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطاناً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ

(3)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

وَدُخِلَ عَلَى عَائِشَةَ بِجَارِيَةٍ وَعَلَيْهَا جَلَاجِلُ يُصَوِّتْنَ فَقَالَتْ: لَا تُدْخِلْنَهَا عَلَيَّ إِلا أَنْ تُقَطِّعُوا جَلَاجِلَها، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ جَرَسٌ

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.

‌يحرم التشبه بالغير الزور

(5)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ

(6)

وَالْمُتَشَبِّهَاتِ

الجلاجل

(1)

الجلاجل جمع جلجل بضمتين وهو ما يعلق بعنق الدابة أو برجل الصبي أو بعض الطيور وله جلجلة أي صوت ذهبا أو فضة أو غيرها.

(2)

أجراس جمع جرس بالتحريك وهو الجلجل، فقطعه وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: يقول مع كل جرس شيطان، ولفظ مسلم» الجرس مزامير الشيطان» أي يحبه لأن الملائكة والكتبة يكرهونه.

(3)

فملائكة الرحمة لا ترافق من معهم كلب أو جرس إلا إذا كانا للحاجة، أما الحفظة فإنهم لا يفارقون الإنسان.

(4)

كراهة في الجرس، وإنما كان مكروهًا لأنه مزمار الشيطان وناقوس النصارى الذي يدعو للكفر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه، لاسيما في الجيش لدلالته عليه والمطلوب قدومه فجأة على الكفار، ومنه ما تعلقه النساء في آذانهن أو في أعناقهن أو في أيديهن أو أرجلهن فإنه مكروه، فالجرس مكروه في كل مكان وفي كل زمان إلا لحاجة إليه لاستدعاء الخادم ونحوه أو للتنبيه به كالمنبهات التي أحدثت الآن لإيقاظ الناس لصلاتهم وأعمالهم فلا شيء فيها، كالكلب لا يجوز اقتناؤه إلا لحاجة إليه كراسة ونحوها. والله أعلم.

يحرم التشبه بالغير والزور

(5)

يحرم الزور لأنه باطل، ويحرم التشبه بالغير لأنه خروج عما فطره الله عليه.

(6)

تشبه الرجل بالمرأة في المشي أو الكلام أو الزي ونحوها، وتشبه المرأة بالرجل في هذا.

ص: 178

مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُخَنِّثِينَ

(1)

مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فُلَاناً وَأَخْرَجَ عُمَرُ فَلَاناً. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ

(2)

الْمَرْأَةِ والْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ

(4)

: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا

(6)

: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُؤوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ

(1)

المخنث بفتح نونه وكسرها من الأخناث وهو التثني والتكسر؛ لأنه يتثني في أحواله ويتشبه بالنساء في زيهن أو مشيهن أو كلامهن عمدا، أما من طبعه ذلك فلا شيء عليه، ولكن يمرن نفسه على ترك هذا، والمترجلة والرجلة من النساء التي تتشبه بالرجال. فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانًا هو أنجشة - عبد أسود - كان يتشبه بالنسوة، وأخرج عمر ماتعًا أو غيره لئلا تفسد بهم أخلاق الناس.

(2)

اللبسة بالكسر هيئة اللبس.

(3)

بسند صالح.

(4)

بسند حسن.

(5)

ففي هذه الأحاديث أن التشبه بالغير حرام، فالتشبه بالكفرة كفر وبالفجرة فجور وبالفسقة فسق وبالصالحين صلاح وفلاح. نسأل الله محبتهم.

(6)

صنفان من أهل النار لم أرهما لعدم وجودهما في زمانه صلى الله عليه وسلم أحدهما قوم معهم سياط يضربون بها الناس أي بعض الحكام وأشباههم، بأيديهم سياط يظلمون بها الضعفاء، والسياط جمع سوط وهو آلة الضرب. والمراد هنا عصا صغيرة في طرفها شعر طويل كذيل الفرس، وتسمى في مصرنا الآن بالمنشة ولكن حملها لدفع ذباب ونحوه لا شيء فيه، والصنف الثاني نساء كاسيات في الظاهر ولكنهن عاريات في الواقع للبسهن الرقيق ولكشفهن عن الصدور والأعناق والأيدي والوجوه، وهذه زينتهن التي أمرن بسترها، يعظمن رءوسهن بشعر أو خرق فتصير كأسنمة البخت، وهن بهذا مائلات أي زائغات عن الهدى مميلات أي لغيرهن ممن يقتدين بهن، أو مميلات للقلوب الفاسدة بهذا، أو بتكسرهن في المشي والقول، وهذا إخبار بغيب قد وقع، فإن هذا كله في مصرنا الآن كثير. نسأل الله السلامة. فمثل هؤلاء لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها الذي يشم من مسيرة أربعين سنة، وهذا لمن استحل ذلك، أو تهديد ووعيد شديد للزجر والتنفير.

ص: 179

كَذَا وكَذَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ عَشْرَ خِلَالٍ: الصُّفْرَةَ

(1)

، وَتَغْييرَ الشَّيْبَ، وَجَرَّ الْإِزَارِ، وَالتَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ، وَالتَّبَرُّجَ بِالزِّينةِ لِغَيْرِ مَحَلِّهَا، وَالضَّرْبَ بِالْكِعَابِ، وَالرُّقَى إِلا بِالْمُعَوِّذَاتِ، وَعَقْدَ التَّمَائِمِ، وَعَزْلَ الْمَاءِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَفَسَادَ الصَّبِيِّ غَيْرَ مُحَرِّمِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَالنَّسَائِيُّ.

‌يحرم ضرب الوجه ووسمه

(3)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنِ الْوَسْمِ فِيهِ

(4)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ

(5)

.

(1)

الصفرة وما بعده بالنصب والرفع، والصفرة هي التطيب باللون الأصفر، ومثلها الحمرة، وكراهتهما للرجل فقط لحديث الترمذي الآتي» خير طيب الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه» وقوله وتغيير الشيب أي بالسواد أو النتف. وقوله بالذهب أي للذكر وهو محرم عليه باجماع مباح للأنثى بإجماع. وقوله والتبرج بالزينة لغير محلها أي تزين المرأة لغير زوجها وهذا حرام. وقوله والضرب بالكعاب جمع كعب وهي فصوص النرد والمراد لعبه وهو حرام. وسيأتي في الأدب إن شاء الله. وقوله والرقى وعقد التمائم أي حملها وسيأتيان في الطب إن شاء الله. وقوله وعزل الماء أي المنى عن محله أي الفرج وهو العزل السابق. وقوله وفساد الصبي أي الرضيع بوطء أمه فتحمل فيفسد اللبن ويتأذى الرضيع، وتقدم الكلام عليه وعلى العزل في النكاح. وقوله غير محرمه بنصب غير على الحال من فاعل يكره، ومحرمه بلفظ اسم الفاعل أي غير محرم الأخير وهو فساد الصبى أو راجع للكل أي كره هذه الأمور ولم يحرمها، وهذا في غالبها وإلا فخاتم الذهب والتبرج للأجنبي حرام باتفاق وفي الباقي أقوال. والله أعلم.

(2)

بسند صالح.

يحرم ضرب الوجه ووسمه

(3)

الوسم هو الكى بالميسم وهو حديدة تحمى بالنار ثم يكوى بها.

(4)

أي نهي تحريم للعن الآتي.

(5)

لأنه تعذيب من غير حاجة.

ص: 180

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمِّي

(1)

قَالتِ: انْظُرْ هذَا الْغُلَامَ فَلَا يُصِيبَنَّ شَيْئاً حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُحَنِّكُهُ قَالَ: فَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْحَائِطِ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ جَوْنِيَّةٌ وَهُوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمِيسَمَ وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ

(2)

. رَوَى الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الباب الخامس في آثاث البيت

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً}

(3)

{وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً}

(4)

{تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً}

(5)

{إِلَى حِينٍ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

(1)

فأم أنس أمرته أن يذهب بولدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه فذهب أنس بأخيه إليه فوجده في البستان وعليه خميصة - كقطيفة - وهي كساء مربع من صوف أو غيره له أعلام جونية بفتح فسكون منسوبة إلى بني الجون قبيلة من الأزد أو منسوبة إلى الجون وهو الألوان لأنها ذات ألوان، وهو يسم الإبل التي قدمت عليه من فتح مكة وحنين.

(2)

أي الزكاة. وفي رواية» رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في مربد يسم غنما» قال شعبة وأكبر علمى أنه قال في آذانها، والمربد - كمنبر - مأوى الإبل، ومأوى الغنم يسمى حظيرة، ومعنى ما تقدم أن ضرب الوجه من إنسان أو حيوان محترم حرام لأن الوجه مجمع المحاسن، ووسم الوجه أولى بالتحريم لأنه تعذيب لا حاجة إليه، وفي الوجه الذي كرمه الله تعالى، وأما وسيم غير الوجه من الحيوان فجائز لتمييز المواشى بل ومستحب في مواشي الزكاة والجزية، وعليه الجمهور سلفًا وخلفا إلا أبا حنيفة فإنه قال بكراهته لأنه تعذيب ومثلة منهي عنهما، وأجاب الجمهور بأن الوسم قد ورد فيخصص هذا العام، ويستحب وسم الغنم في آذانها بمكوى صغير، وفي غير الغنم في أصول أفخاذها لقلة الألم ولخفة شعره فيظهر الوسم فيه. وفي هذه النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عظيم التواضع وكان يعمل كل شيء بيده إذا أمكنه حتى ما يختص بالمواشي من وسم وسقى وحلب وغيرها ليكون قدوة حسنة لأمته صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

(الباب الخامس في أثاث البيت)

(3)

مواضع تسكنون فيها.

(4)

وهي الخيام التي تضربونها في سفركم وحضركم.

(5)

وجعل لكم من الصوف والوبر والشعر أثاثًا في بيوتكم تنتفعون بها كالفرش والغطاء.

ص: 181

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيراً بِاللَّيْلِ

(1)

يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَماً

(2)

حَشْوُهُ لِيفٌ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

وَعَنْهَا كَانَتْ وِسَادَةُ

(3)

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي يَتَّكِئُ عَلَيْهَا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ وَرَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الْوَضُوءَ

(4)

فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئاً تَمَسَّحَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئاً أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِي.

وَقَالَ أَبُو رِفَاعَةَ رضي الله عنه: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِيهِ فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ وَأَتَى بِكُرْسِيَ قَوَائِمُهُ مِنْ حَدِيدٍ فَجَلَسَ عَلَيْهِ

(5)

وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّهَا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

(1)

فكان للنبي صلى الله عليه وسلم حصير من خوص النخل يحتجره ليلا أي يجعله كالحجرة يتعبد فيه، ويفرشه بالنهار يجلس عليه. وقوله يثوبون إليه أي يذهبون إليه ليصلوا بصلاته ليلا فأمرهم بعمل ما يمكن الدوام عليه.

(2)

الأدم بالتحريك الجلد، والليف معروف، فكان فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي يجلس عليه والذي ينام عليه جلدًا محشوا بليف.

(3)

الوسادة ما يسند ظهره عليها أو يضع رأسه عليها كالمخدة عندنا، فكانت من أدم وحشوها ليف، وكانت لهم أيضا ملاحف للغطاء، فللنسائي كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلى في لحفنا أو ملاحفنا.

(4)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تسابقوا إلى وضوئه ليتبركوا به، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظرهم فهذا إقرار منه. وإقراره حق لا شك فيه.

(5)

ففيه جواز اتخاذ الكرسي والجلوس عليه.

ص: 182

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ

(1)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجْتُ قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَخَذْتَ أَنْمَاطاً

(2)

»؟ قُلْتُ: وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ» . قالَ جَابِرٌ: وَعِنْدَ امْرَأَتِي نَمَطٌ فَأَنَا أَقُولُ نَحِّيهِ عَنِّي وَتَقُولُ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا سَتَكُونُ.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ

(3)

». قَالَ زَيْدٌ رضي الله عنه: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَسَأَلْتُهَا عَنْ هذَا فَقَالَتْ: سَأُحَدِّثُكُمْ بِمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ خَرَجَ فِي غَزَاتِهِ فَأَخَذْتُ نَمَطاً فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ فَجَبَذَهُ فَهَتَكَهُ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ» . قَالَتْ: فَقَطَعْنَا مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ وَحَشَوْتهُمَا لِيفاً فَلَمْ يَعِبْ ذلِكَ عَلَيَّ. رَواهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تَرْكَبُوا الْخَزَّ

(4)

وَلَا النِّمَارَ». وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ

(1)

هذا إذا لم يكن أولاد وإلا لزم الفرش الذي يكفيهم، وإنما كان الرابع للشيطان لأنه لما زاد على الحاجة كان إسرافا وخيلاء فاتخذه الشيطان.

(2)

الأنماط جمع نمط بالتحريك وهو بساط له خمل أي وبر وكانت عزيزة في زمنه صلى الله عليه وسلم ولكنها كثرت عندهم لما كثرت الفتوحات فكان جابر يتنزه عنها لأنها من زينة الدنيا وكانت زوجته تحتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم أما إنها ستكون.

(3)

تماثيل أي صور. وسيأتي الكلام عليها، وقولها سترت الباب بنمط أي زينته ببساط فيه صور خيل ذات أجنحة، فلما رآه هتكه أي مزقه وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة، فصنعت منه وسادتين فلم ينكر عليها، وإنكاره صلى الله عليه وسلم الستر الحيطان ولا سيما ببساط ذي صور وهذا وإن كان مكروها ولكنه لا يناسبه صلى الله عليه وسلم.

(4)

لا تركبوا الخز أي الحرير أي لا تجعلوه على السرج كما تقدم نهى عن المياثر جمع ميثرة وهي حرير يجعله الراكب تحته؛ لأنه نوع من الاستعمال المحرم، وقوله ولا النمار جمع نمر وهو حيوان مفترس في جلده بياض وسواد فلا يجوز الركوب على جلودها ولا افتراشها لأنه من عادة العجم. ولفظ الترمذي: نهي عن افتراش جلود السباع. والظاهر أن النهي للكراهة.

ص: 183

رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَمَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَجُرُّونَ شَاةً لَهُمْ كَالْحِمَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا» . قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ: «يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

وَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى بَيْتٍ فَإِذَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَسَأَلَ الْمَاءَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا مَيْتَةٌ

(2)

قَالَ: «دِبَاغُهَا طُهُورُهَا» . رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَلَفْظُهُ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ قَالَتْ: مَا عِنْدِي إِلا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِيهَا» قَالَتْ: بَلَى قَالَ: «فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا

(3)

». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْجِلْدُ إِذَا لَمْ يُدْبَغْ يُسَمَّى إِهَاباً فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ شَنًّا وَقِرْبَةً.

‌التصوير حرام ويمنع الملائكة

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ

(4)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.

وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ رضي الله عنه: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي دَارِ مَرْوَانَ فَرَأَى فِيهَا تَصَاويرَ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل وَمَنْ أَظْلمْ

(5)

مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقاً كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

القرظ بالتحريك ثمر شجر يدبغ به لحرافة فيه، والماء يطهر الجلد بعد دبغه.

(2)

إنها ميتة أي من جلد ميتة.

(3)

فجلد الميتة إذا دبغ بشيء حريف كقرظ صار طاهرا وجاز استعماله في ماء ومائع وفرش وغيرها، وسبق في الطهارة بيان الدبغ وأنه من المطهرات. والله أعلم.

التصوير حرام

(4)

أي فيها أبدا، فيعظم عذابه إن كان كافرا ويطول إن كان مسلما.

(5)

فلا أحد أظل من المصورين، وقوله فليخلقوا ذرة تهديد وتعجيز.

ص: 184

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ

(1)

فِيهِ تَمَاثِيلُ فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاس عَذَاباً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكاً

(2)

فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الْأَجْنِحَةِ فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ: إِنِّي أُصَوِّرُ هذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَدَنَا مِنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: أُنَبِّئَكَ بِمَا سَمِعْتُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسٌ فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ

(3)

» وَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ الصُّوَرُ» . قَالَ بُسْرٌ: ثمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابهِ سِتْرٌ فيهِ صُوَرٌ فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْأَوَّلِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ إِلا رَقْماً فِي ثَوْبٍ

(4)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

القرام ستر رقيق، والسهوة ما يشبه الرف والطاق يوضع عليه الشيء، أو هي بيت صغير كالخزانة.

وقولها فقطعناه فجعلنا منه وسادتين يفيد جواز نقش صورة الحيوان في الفرش وكذا الثوب الحديث بسر الآتي.

(2)

الدرنوك - كعصفور - ثوب أو بساط وكان فيه صور خيل لها أجنحة.

(3)

فيه أن الصورة تعذب من صورها في النار كما أنه يكلف بنفخ الروح في كل صورة صورها، والتشديد على التصوير في هذه الأحاديث ونحوها لمن صور صورًا تعبد أو يضاهى بها خلق الله تعالى فهو بهذا كافر وإلا فهو صاحب كبيرة، وفي الحديث تصريح بجواز تصوير ما لا روح له كالأشجار والجبال والأنهار.

(4)

فيه جواز رقم الحيوان في الثوب، ويقاس عليه الصورة الفوتغرافية إذا كانت لحاجة بالأولى فإنها ليست في الثوب.

ص: 185

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ عليه السلام فِي سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ وَفِي يَدِهِ عَصاً فَأَلْقَاهَا وَقَالَ: «مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلُهُ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ

(1)

تَحْتَ سَرِيرِهِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ مَتَى دَخَلَ هذَا الْكَلْبُ هُنَا» فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. زادَ فِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ أَخَذَ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ» فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ادْخُلْ» فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَإِمَّا أَنْ تُقَطَّعَ رُؤُوسُهَا أَوْ تَجْعَلَ بِسَاطاً يُوطَأُ فإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ تَصَاوِيرُ

(3)

. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَاحِبَاهُ

(4)

.

وَقَالَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً فِيهِ تَصَالِيبُ

(5)

إِلا نَقَضَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وأَبُو دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

(1)

جرو الكلب بالتثلث ولده الصغير.

(2)

وزاد مسلم وأبو داود: فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقتل الكلاب حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير.

(3)

هذه ليس فيها ذكر للكلب ولكن رواية الترمذي فيها كلب صغير، ولفظها» فمُرْ بالستر فليقطع ويجمل منه وسادتان منتبذتان بوطآن ومر بالكلب فليخرج وكان جروًا للحسن أو الحسين رضي الله عنهما».

(4)

بسند صحيح.

(5)

لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب أي تصاوير كما في نسخة، إلا نقضه أي مزقه وكسره، وحاصل ما في المقام أن تصوير الحيوان حرام ولو نقشا ولو عضوا منه لأنه مضاهاة لخلق الله تعالى بخلاف تصوير غير الحيوان فلا شيء فيه، وأما الاقتناء ففيه تفصيل، إن كانت الصورة مجسمة كاملة فهى حرام وإن كانت ناقصة بحال لا تعيش بها فلا، وإن كانت نقشا فجائزة مع الكراهة إلا أن حديث أصحاب السنن لا يجيز الكاملة المرفوعة ولكن عند المالكية مكروهة أو خلاف الأولى فقط، وهذا كله في غير لعبة الأطفال، أما هي فجائزة ولو مجسمة كاملة كما يأتي في الأدب إن شاء الله. والله أعلم.

ص: 186

‌خاتمة يستحب الطيب

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ

(1)

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ» . وَلِلتِّرْمِذِيِّ ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ: الْوَسَائِدُ

(2)

، وَالطِّيبُ، وَاللَّبَنُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُكَّةٌ

(3)

يَتَطَيَّبُ مِنْهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي بِذَرِيرَةٍ

(4)

فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ

(5)

.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا نَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ

(6)

فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ كَذَا وَكَذَا

(7)

قَالَ قَوْلًا شَديداً». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(8)

.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءِ فَلَا تَمَسَّ طِيباً

(9)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

خاتمة يستحب الطيب

(1)

أي إذا أهدى إليه.

(2)

الوسائد جمع وسادة وهي ما يتكأ عليها، وللترمذي» إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة» والريحان كل نبات فيه ريح طيبة كالورد والفل والياسمين ونحوها فلا ينبغي رد واحد من هذه لعدم المنة فيها، وأما اللبن فلأنه أعظم مطعوم.

(تنبيه) مرويات الترمذي هنا في كتاب الأدب.

(3)

السكة بضم فتشديد طيب حسن الرائحة أو إناء فيه طيب.

(4)

الذريرة - كفضيلة - مسحوق نبات طيب الريح يجلب من الهند. وقولها للحل والإحرام أي عند تحلله من الإحرام وقبل إحرامه.

(5)

ولكن البخاري هنا ومسلم في الحج.

(6)

وبيص الطيب أي بريقه ولمعانه، وهذا في طيب كالدهان.

(7)

فهي كذا وكذا أي زانية.

(8)

بسند صحيح.

(9)

ولفظ أبي داود» أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء» أي فلا تحضر معنا الجماعة ولا سيما العشاء، أي لأن الليل مظنة الفتنة، فيحرم على المرأة التعطر عند خروجها لأنه مدعاة للفتنة ولمخالفتها أمر الشارع من جعله لونًا فقط، ولا بأس بعطر ذي ريح في بيتها.

ص: 187

• عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ: جِيفَةُ الْكَافِرِ

(1)

، وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ، وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

وَأَبْصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مُتَخَلِّقاً

(3)

قَالَ: «اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثُمَّ لَا نَعُدْ» .

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ خَيْرَ طِيبِ الرَّجُلِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَخَيْرَ طِيبِ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخِفِيَ رِيحُهُ

(4)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجَمِّلَنَا بِالتَّقْوَى وَالذِّكْرَى الْحَسَنَةِ.

(1)

جيفة الكافر أي جسمه إذا مات، والمتضمخ بالخلوق بالفتح طيب مركب من زعفران وغيره تغلب عليه الحمرة، والنهي للونه لأنه طيب النساء، والجنب أي الواجد للماء ولم يتطهر، والمراد الحث على سرعة التطهر والتنفير من الكفر ومن طيب النساء.

(2)

بسند صالح.

(3)

متخلقًا أي متطيبًا بالخلوق.

(4)

إنما كان ما خفي ريحه وظهر لونه خير طيب النساء لعدم انتباه الأجنبي لها ولتزينها لزوجها. وإنما كان خير طيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه لأن المطلوب الرائحة الحسنة. نسأل الله أن يجمل بواطننا وظواهرنا وأن يحسن خلقنا وخلقتنا آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 188

‌كتاب الطب والرقي

(1)

وفيه مقدمة وأربعة فصول وخاتمة

‌مقدمة في فضل الأمراض والصبر عليها

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ما يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصِبٍ

(2)

وَلا وَصَبٍ وَلَا هَمَ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمَ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَدَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ بِمِنًى وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ فَقَالُوا: فُلَانٌ خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسْطَاطٍ

(3)

فَكَادَتْ عُنُقُهُ أَوْ عَيْنُهُ أَن تَذْهَبَ فَقَالَتْ: لَا تَضْحَكُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ

(4)

».

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(5)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهوَ يُوعَكُ

(6)

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً قَالَ: «أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ» قُلْتُ: ذلِكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، قَالَ: «أَجَلْ ذلِكَ كَذلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى

كتاب الطب والرقى. وفيه مقدمة وأربعة فصول

(1)

المراد بالطب الطب النبوي الذي فعله وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وما اعتادوه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وليس المراد حصر الطب في ذلك، والرقي جمع رقية وهي كلمات تقال على المريض فيشفى بإذن الله.

(2)

النصب التعب، والوصب المرض الملازم، والهم على المستقبل، والحزن على الماضي، والأذى والغم عامان.

(3)

عثر في حبل خيمة توقع.

(4)

أي يبتليه.

(5)

لعظم مقامه يعظم بلاؤه.

(6)

يعاني مرضًا شديدا.

ص: 189

شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا مَثَلُ الْمَرِيضِ إِذَا بَرَأَ وَصَحَّ كَالْبَرَدَةِ

(1)

تَقَعُ مِنَ السَّمَاءِ فِي صَفَائِهَا وَلَوْنِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ السَّائِبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ

(2)

؟» قَالَتِ: الْحُمَّى لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى فَإِنَّهَا تُذْهبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ وَعْكٍ كَانَ بِهِ فَقَالَ: «أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ هِيَ نَارِي

(3)

أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُذْنِبِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَطَاءٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ: هذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ

(5)

فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، قَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَلا أَتَكَشَّفَ، «فَدَعَا لَهَا

(6)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ

(7)

فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّة». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ هُنَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الزُّهْدِ. نَسْأَلُ اللَّهُ أَنْ يَشْفِيَنَا مِنَ الْأَمْرَاضِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ آمِين.

(1)

البردة حبة الثلج التي تنزل مع المطر.

(2)

أي ترتعدين.

(3)

هي ناري أي الحمى وسيأتي» الحمى من فوْر جهنم فأردوها عنكم بالماء».

(4)

إذا رضي بحكم الله تعالى.

(5)

كان بها صرع إذا جاءها ألقاها على الأرض وانكشفت عورتها.

(6)

فكان يأتيها الصرع ولا تنكشف.

(7)

تثنية حبيبة وهي العين لأنها محبوبة للشخص أكثر من بقية أعضائه. نسأل الله أن يحفظنا من المكروه والله أعلم.

ص: 190

‌أجبر الصبر في الطاعون

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ

(1)

».

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ

(2)

فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ

(3)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ

(4)

أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذا كَانَ بِسَرْغٍ

(5)

لَقِيَهُ أَهْلُ الْأَجْنَادِ

(6)

أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ

(7)

قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ

(8)

وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي

(9)

أجر الصبر في الطاعون

(1)

المبطون الذي مات من مرض بطنه والمطعون الذي مات بالطاعون (الوباء المشهور).

(2)

فيفنيهم في الدنيا.

(3)

فمن يصبر على الطاعون الذي نزل في بلده فله أجر الشهيد وإن لم يمت به.

(4)

الرجز: العذاب، وأوفى الموضعيين للشك.

(5)

سرغ بالصرف وعدمه قرية في طرف الشام مما يلى الحجاز.

(6)

ولفظ البخاري أمراء الأجناد والمراد بالأجناد هنا مدن الشام الخمس المشهورة وهي فلسطين والأردن ودمشق وحمص وقنسرين، من تسمية المكان باسم أهله كقوله نزلت في بني أسد، وكان عمر قسم الشام إلى هذه الخمس وجعل لكل واحدة أميرا.

(7)

الوباء: الطاعون.

(8)

خرجت لأمر هو تفقد أحوال الرعية.

(9)

انصرفوا عني.

ص: 191

ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِيَ الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ فِي الاِخْتِلَافِ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ

(1)

فَدَعَوْتَهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هذا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنَّي مُصْبّحٌ عَلَى ظَهْرٍ

(2)

، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفِرَاراً مِنْ قَدَرِ اللَّهِ

(3)

، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ. أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِياً لَهُ عِدْوَتَانِ

(4)

إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جِدْبَةٌ أَلَيْسَ رَعَيْتَ الْخِصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّباً فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هذَا عِلْماً سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْض فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ» ، قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ انْصَرَفَ

(5)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

كبراء قريش من مهاجرى الفتح.

(2)

إني راجع إلى المدينة في الصباح على راحلتي.

(3)

أي أترجع فرارا من المقدر. فقال عمر: لو قالها غيرك لضربته.

(4)

تثنية عدوة أي له طرفان:

(5)

فعمر رضي الله عنه في هذا ضرب للناس أحسن مثل إذا وقعوا في أمر هام ولا سيما الحكام فإنه خرج إلى الشام في ربيع الآخر سنة ثماني عشرة يتفقد أحوال الرعية، فلما وصل إلى سرغ تلقاه أمراء الأقاليم فأخبروه أن بالشام وباء فشاور المهاجرين. فقال بعضهم خرجت لأمر فلا ترجع عنه لأن القدر لابد منه وقال آخرون معك أشراف الناس وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تقدم بهم على الوباء لقوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فأمر بانصرافهم عنه وكذا شاور الأنصار فاختلفوا فأمر بانصرافهم عنه أيضا ثم أحضر كبراء مهاجرى الفتح وشاورهم فاتفقوا على رجوعه فأعلن أنه راجع في الصباح فعارضه أبو عبيدة بقوله أتفر من قدر الله؟ فقال: نفر من قدر الله إلى قدر الله، وضرب له المثل براعي الإبل، فقد أخذ بالحذر وأثبت القدر عملا بدليلي الفريقين فاقتنع أبو عبيدة رضي الله عنهم. وبينما هم على هذه الحال إذ حضر من غيبته عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فرآهم في هذه الحال فقال: عندي علم في هذا يا أمير المؤمنين فذكر الحديث ففرح به عمر وحمد الله تعالى على موافقة اجتهاده للحديث وعادوا إلى المدينة بسلامة الله تعالى.

ص: 192

‌السحر

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} .

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ

(2)

حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ

(4)

جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ أَوِ

(5)

الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟» قَالَ مَطْبُوبٌ

(6)

قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ

(7)

قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ. قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نَقَاعَةُ الْحِنَّاءِ ولَكأَنَّ نَخْلَهَا رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ

(8)

قَالَ: «لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. نَسْأَلُ اللَّهُ السَّلَامَةَ آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السحر

(1)

جمهور الأمة على أن السحر ثابت، وله حقيقة كغيره من الأشياء، وحسبنا فيه القرآن والحديث، وتقدم بيانه وحكم فاعله في كتاب الحدود.

(2)

فكان يخيل له أنه فعل كذا وكذا والواقع أنه لم يفعله.

(3)

أي دعا ربه مرات والتجأ إليه في رفع البلاء.

(4)

أجابني فيما طلبت.

(5)

أو للشك.

(6)

أي مسحور.

(7)

المشط والمشاطة بالضم فيهما، والمشط معروف، والمشاطة الشعر الذي يسقط عند التسريح، وجف طلعة ذكر أي نخل ذكر، أي وعاء طلع النخل، فعمل السحر بهذه الأشياء ووضع في بئر ذي أروان في المدينة في بستان لبني زريق.

(8)

أفلا أحرقته، أي ما أخرجته من البئر قال: لا ولكني أمرت بدفنها في الأرض، ولا يقال إن تأْثير =

ص: 193

‌السم

(1)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْمِعُوا لِي مَنْ كَانَ هُنَا مِنَ الْيَهُودِ» ، فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ:«إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبا الْقَاسِمِ فَقَالَ: «مَنْ أَبُوكُمْ؟» قَالُوا: أَبونَا فُلَانٌ قَالَ: «كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلَانٌ»

(2)

قَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ. فَقَالَ: «إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟» قَالُوا: نَكُون فِيهَا يَسِيراً ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اخْسَأُوا فِيهَا وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَداً» . ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكمْ عَنْهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ:«هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟» قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ:«مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذلِكَ؟» قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّاباً نَسْتَرِيحُ مِنْكَ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ

(3)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا عَنْ ذلِكَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: «مَا كَانَ اللَّهُ

= السحر فيه صلى الله عليه وسلم يوجب لبسًا في النبوة والرسالة لأنا نقول إن أثر السحر لم يتجاوز ظاهر الجسم الشريف فلم يصل إلى القلب والعقل فيوجب لبسا في الرسالة، بل التشريع كله محفوظ. قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ».

السم

(1)

السم بالتثليث: مطعوم يقتل من تعاطاه سائلا أو غيره.

(2)

إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق أن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم.

(3)

لأن الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظ ومعصوم قال تعالى:» {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ».

ص: 194

لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذاكِ أَوْ قَالَ عَلَيَّ

(1)

». قَالُوا: أَلَا نَقْتُلهَا؟ قَالَ: «لَا» . قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ يَهُودِيَّةً

(2)

مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةً مَسْمُومَةً فَأَكَلَ مِنْهَا وَأَكَلَ مَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ وَأَرْسَلَ إِلَى الْيهُودِيَّةِ» فَقَالَ لَهَا: «أَسَمَمْتِ الشَّاةَ؟» قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: «أَخْبَرَتْنِي هذِهِ الذِّرَاعُ

(3)

»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:«فَمَا أَرَدْتِ إِلَى ذلِكَ؟» قَالَتْ: قُلْتُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَعَفا عَنْهَا.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً

(4)

مَسْمُومَةً فَأَكَلَ مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ فَقَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ فَسَأَلَهَا مَا حَمَلَكِ عَلَى هذَا؟» قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ وَإِنْ كُنْتَ مَلِكاً أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ، «فَأَمَرَ بِهَا فَقُتِلَتْ» لأَنَّهُ مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ أَكْلِهَا ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: لَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَماً مِنْ أُكْلَةِ خَيْبَرَ فَهذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي

(5)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ فِي الدِّيَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

(1)

ما كان الله ليسلطك عليّ أي الآن، وإلا فهي كانت سبب موته صلى الله عليه وسلم لقوله الآتي: فهذا أوان قطعت أبهري، ولم يأمر بقتلها أولا نظرًا لحقه ولكن لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها فيه كما يأتي. وقول أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك، أي لا زالت اللهاة متغيرة بسبب هذه الأكلة.

(2)

هذه المرأة اسمها زينب بنت الحارث أخي مرحب، أو هي بنت مرحب اليهودي.

(3)

ذراع الشاة المشوية نطقت للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنها مسمومة، ففي هذه الحادثة معجزة ظاهرة لكل الناس. نسأل الله كمال الإيمان والقدوة به صلى الله عليه وسلم.

(4)

أي مشوية بالنار:

(5)

الأبهر: عرق في الظهر وهما أبهران، وقيل هما الأكحلان اللذان في الذراعين، وقيل عرق في باطن القلب إذا انقطع لم تبق معه حياة، فالنبي صلى الله عليه وسلم وإن مات في نهاية أجله ولكن بسبب أكلة خيبر المسمومة وذلك ليحوز المرتبتين مرتبة الرسالة ومرتبة الشهادة.

ص: 195

‌عيادة المريض سنة

• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ فَجَاءَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَبَطْنِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سعْداً وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ» قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِي فِيمَا يُخَالُ إِلَيَّ حَتَّى السَّاعَةِ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجَلٍ يَعُودُهُ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالَ: كَلا بَلْ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ حَتَّى تُزِيرَهُ الْقُبُورَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَنَعَمْ إِذاً

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَكَانَ غُلَامٌ لِيَهُودَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَالَ: «أَسْلِمْ» ، فَأَسْلَمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ» ، فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ

(3)

».

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَيَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ

(4)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أُعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟»

عيادة المريض سنة

(1)

أي لا زلت أشعر ببرد كفه صلى الله عليه وسلم على جسمي كله حتى كبدي، وفيه استحباب وضع اليد على جبهة المريض.

(2)

فلما دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لا بأس عليك طهور إن شاء الله. رد عليه بقوله كلا أي لا تقل ذلك بل هي حمى تفور فورًا شديدا حتى تدخله القبور فأجابه بقوله نعم إذًا، وكان الأحرى به أن يقول اللهم استجب.

(3)

أي بإسلامه قبل وفاته على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه استحباب عيادة الكتابي إذا كانت له صلة به.

(4)

وفي رواية وألحقني بالرفيق الأعلى.

ص: 196

قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ

(1)

. يَا بْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي» قَالَ: «يَا رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلِكَ عِنْدِي

(2)

. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتُ ذلِكَ عِنْدِي

(3)

» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ

(4)

». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْ أَجَلَهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلا عُوفِيَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَصَاحِبَاهُ

(6)

.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ

(7)

فَإِنَّ ذلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئاً وَيُطَيِّبُ بِنَفْسِهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَبَقَ نُبْذَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَائِزِ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَ قُلُوبَنَا آمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

أي وجدت ثوابي وإكرامي الواسع.

(2)

أي ثوابك العظيم.

(3)

فيه أن إكرام المسلم بعيادته أو بأي شيء عظيم عند الله تعالى:

(4)

عظم أجر العائد حتى صار كمن في الجنة يجني ثمارها.

(5)

ولفظ غيره: إلا عافاه الله من ذلك المرض.

(6)

بسند حسن.

(7)

فنفسوا له في أجله بنحو: إن حالك حسنة وإنك بخير وإنك ستشفى إن شاء الله فإن هذا يهدئ نفسه.

ص: 197

‌ما يقال في المصيبة

قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ}

(1)

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أَجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْراً مِنْهَا إِلا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا» . قَالَتْ: فَلَمَّا تُوفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قلْتُ كَما أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْراً مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلا الْبُخَارِيَّ. وَلَفْظ التِّرْمِذِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ: إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي

(2)

فَأْجُرْنِي فِيهَا وَأَبْدِلْنِي مِنْهَا خَيْراً، فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْ فِي أَهْلِي خَيْراً مِنِّي، فَلَمَّا قُبِضَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا فَتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُمَا وَعَوَّضَهُمَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

‌الفصل الأول في جواز التداوي

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل

(4)

».

ما يقال في المصيبة

(1)

إنا لله أي ملكا وإيجادا، وإنا إليه راجعون في الآخرة فيجازينا على ما قدمنا.

(2)

أي أدخر ثوابها عندك.

(3)

وهو خير من كل الناس فقد أكرم الله أبا سلمة وأم سلمة بإجابة دعوتهما على أحسن وجه والله أعلم.

الفصل الأول في جواز التداوي

(4)

أي فإذا نزل الدواء على الداء بشرب أو غيره برأ المريض من علته بإذن الله تعالى.

ص: 198

• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمْ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ ههُنَا وَههُنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَوَى؟ قَالَ: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً

(1)

إِلا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئاً؟ قَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: مَرِضْتُ فَعَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا فِي فؤادِي فَقَالَ: «إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْؤُودٌ

(3)

ائْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَخَا ثَقِيفٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَتَطَبَّبُ فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَوَاهُنَّ

(4)

ثُمَّ لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

‌الحمية رأس الدواء

(5)

• عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه

(1)

لم يضع داء أي لم يخلق مرضا إلا جعل له دواء إلا الهرم أي الكبر فإنه لا دواء له، وفي الحديث: الأمر بالتداوي عملا بالأسباب والسعي المطلوب لقوله تعالى» {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} » وللحديث» إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».

(2)

فالتداوي مستحب لهذه وللاقتداء به صلى الله عليه وسلم ولا سيما من كانت حياته في مصلحة العباد بخلاف من لم يكن كذلك وقدر على نفسه وكان متوكلا على الله تعالى فإن تركه له أفضل، وتقاة نتقيها أي أداة نتحفظ بها هل ترد القدر؟ قال هي من القدر، فالإيمان بالقدر واجب، وكل بلاء فهو بقدر الله، والتداوي أيضا من القدر أي فتداووا وتوكلوا على الله فهو الفاعل الحقيقي، وتلك أسباب ظاهرة تقتضيها الحكمة.

(3)

مريض بفؤادك.

(4)

فليجأهن بنواهن أي يدقهن بنواهن ثم لبلدّك بهن، أي يسقيك إياهن، وهذا في عجوة بالمدينة غرس نخلها النبي صلى الله عليه وسلم وستأتي إن شاء الله. والله أعلى وأعلم.

الحمية رأس الدواء

(5)

الحمية هي المنع، يقال حماه الطعام والشراب إذا منعه منه، وحماه من أعدائه حفظه منهم.

ص: 199

وَلَنَا دَوَالٍ

(1)

مَعَلَّقَةٌ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَامَ عَلِيٌّ لِيَأْكُلَ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِعَلِيَ: «مَهْ إِنَّكَ نَاقِةٌ

(2)

فَكَفَّ عَلِيٌّ»، قَالَتْ: وَصَنَعْتُ لَهُمْ شَعِيراً وَسِلْقاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَلِيُّ أَصِبْ مِنْ هذَا فَهُوَ أَنْفَعُ لَكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً حَماهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ

(3)

».

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُكْرِهُوا مَرْضاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ

(4)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ.

‌الفصل الثاني في الطب النبوي ـ منه العسل وكي النار والحجامة

(5)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ}

(6)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ

(7)

(1)

أعذاق نخل فيها بسر فإذا أرطب أكلناه.

(2)

أي لا تأكل منه فإنك ناقه أي قائم من المرض.

(3)

فينبغي منع المريض من شرب الماء إذا كان يضر به.

(4)

ولا ينبغي إكراه المريض على أخذ شيء فإن الله يكفيه كل شيء إلا دواء وصفه طبيب حاذق. وأحسن ما ورد في الحمية قول النبي صلى الله عليه وسلم (أصل كل داء البردة) والبردة بالتحريك إدخال الطعام على الطعام، ولما أهدى ملك مصر للنبي صلى الله عليه وسلم طبيبًا وجارية وعسلا وبغلا قبلها كلها إلا الطبيب وقال» لا حاجة لنا به نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع» وللبيهقي: اختار الحكماء من كلام الحكمة أربعة آلاف كلمة، واختير منها أربعمائة، واختير منها أربعون كلمة، واختير منها أربع كلمات وهي: لا تثق بالنساء، لا تُحمل معدتك ما لا تطيق، لا يغرنك المال وإن كثر، يكفيك من العلم ما تنتفع به.

الفصل الثاني في الطب النبوى. منه العسل والكي والحجامة

(5)

المراد بالعسل عسل النحل، والكي بالنار معروف، والمراد بالحجامة أخذ الدم من الجسم، وهو من الرأس يسمى حجامة ومن باقي الجسم يسمى فصدًا.

(6)

يخرج من بطونها أي النحل شراب مختلف ألوانه باختلاف المكان والمرعى، فمنه أبيض ومنه أحمر ومتوسط بينهما، فيه شفاء للناس من بعض الأمراض كما يأتي.

(7)

المحجم - كمنبر - آلة الحجم، وأنهى عن الكي لأنه تعذيب وكانوا يكوون محل المرض بحديدة كالمسمار والمشقص.

ص: 200

أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوَيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ

(1)

». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ. وَفِي لَفْظٍ: اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَال: «اسْقِهِ عَسَلًا» ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلَاقاً فَقَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسْلًا» ، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ

(3)

فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ ثُمَّ وَرِمَتْ يَدُهُ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ قَالَ: رُمِيَ أَبِيُّ يَوْمَ الْأَحْزابِ عَلَى أَكْحَلِهِ فَكَواهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمذِيُّ.

(1)

إلا إذا لم يفلح غير الكي فيكون مطلوبًا كمثل العرب: آخر الدواء الكي، ومنه ما أحدثه الناس من القدرة ومن كاسات الهواء ونحوها فهي من الكي بالنار المأمور به.

(2)

فلما سقاه الثالثة بنية صالحة وقلب سليم شفاه الله، وظاهره أن العسل يشفى من البطن بأى استعمال وقد جربناه فوجدناه صحيحًا والحمد لله، فإني وأنا في أول طلب العلم مرض أخي الكبير بإسهال حتى كان يضع الشيء في فمه وبعد دقائق ينزل من دبره فشكوت إلى أستاذنا شيخ الطريقة البكرية المرحوم الشيخ على الشافعي رضي الله عنه وأرضاه فقال: ضع أربعة فناجيل عسل نحل في إناء وضع عليها ستة فناجيل ماء وضعه على النار حتى يغلي فتعلوه رغوة فتنزعها ثم تعود ثانيا فترميها حتى يصير خالصًا لا رغوة فيه فتنزله عن النار وتتركه حتى يبرد ويمكن شربه فتسقيه لأخيك ففعلت له ذلك فشفاه الله تعالى.

(3)

فسعد رضي الله عنه رمى يوم الأحزاب بسهم في أكحله - عراق في الذراع - فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم أي كواه بمشقص - سهم عريض النصل - ثم ظهر ورم بيده فكواه ثانيا ليرقأ الدم فيشفى.

(4)

وممن كواهم النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة من الشوكة وهي حمرة تظهر على الجلد رواه الترمذي، والكي في هذا يميت الحمرة فلا تنتشر.

ص: 201

• وَعَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه طَبِيباً فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقاً ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رضي الله عنه: كَانَ عِمْرَانُ هذَا يَسْمَعُ تَسْلِيمَ الْمَلائِكَةِ فَلَمَّا اكْتَوَى انْقَطَعَ عَنْهُ فَلَمَّا تَرَكَ الْكَيَّ رَجَعَ إِلَيْهِ التَّسْلِيمُ

(3)

. نَسْأَلُ اللَّهُ الشِّفَاءَ آمِينَ.

‌موضع الحجامة وزمنها

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ

(4)

كَانَتْ بِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.

• عَنْ سَلْمى خَادِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَعاً فِي رَأْسِهِ إِلا قَالَ احْتَجِمْ وَلَا وَجَعاً فِي رِجْلَيْهِ إِلا قَالَ اخْضِبْهُمَا

(5)

.

• عَنْ أَبِي كَبْشَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجِمُ عَلَى هَامَتِهِ

(6)

وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ وَيَقُولُ: مَنْ أَهْرَاقَ مِنْ هذِهِ الدِّمَاءِ فَلَا يَضُرُّهُ أَلا يَتَدَاوَى بِشَيْءٍ لِشَيْءٍ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ

(7)

(1)

فيه أن للطبيب أن يفعل ما يراه في مصلحة المريض ولا ضمان عليه إذا كان عالمًا بالطب فإنه يبذل ما في جهده لشفاء مريضه.

(2)

لأنه اكتوى على محل خطر وهو البواسير التي كانت به فما نجح الكي وإلا فالكي أحد أدوية الشفاء كما مر.

(3)

ولا ينافى هذا ما ورد من أن انقطاع الملائكة عنه كان لشفائه فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وخيره بين الشفاء وانقطاعها وبين المرض وزيارتها له اختار المرض وزيارة الملائكة لأن هذا كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وانقطاعهم بسبب الكي كان بعده صلى الله عليه وسلم.

موضع الحجامة وزمنها

(4)

الشقيقة وجع في أحد شقى الرأس، والصداع وجع الرأس فهو أعم.

(5)

أي بالحناء ولا شيء فيها للتداوي.

(6)

الهامة: الرأس أو وسطه، وبين كتفيه هو أعلى الظهر.

(7)

الأخدعان. عرقان في جانبي العنق يحجم منهما أحيانا، والكاهل أعلى الظهر، فالنبي صلى الله عليه وسلم احتجم أحيانا في رأسه، وأحيانا في الأخدعين، وأحيانا في الكاهل بحسب المرض.

ص: 202

وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وعِشْرِينَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ

(1)

وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ».

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ

(2)

وَيَقُولُ: «إِنَّهُ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلا أَمَرَهُ أَنْ مُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ.

وَقَالَ عِكْرِمَةِ رضي الله عنه: كَان لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه غِلْمَةٌ ثَلَاثَةٌ حَجَّامُونَ فَكَانَ اثْنَانِ مِنْهُمْ يَغُلانِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ

(3)

وَوَاحِدٌ يَحْجُمُهُ وَيَحْجَمُ أَهْلَهُ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الْعَبْدُ الْحَجَّامُ يُذْهِبُ الدَّمَ وَيخِفُّ الصُّلْبَ وَيَجْلُو عَنِ الْبَصَرِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا مَرَّ عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلا قَالُوا عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ

(4)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ.

(1)

كانت الحجامة ممدوحة في الأوتار لأن الله وتر يحب الوتر، وكانت حسنة في النصف الثاني من الشهر لأن الدم يكثر في أوله ويقل في آخره، والأطباء يقولون ذلك، فمن احتجم في يوم من هذه كانت شفاء من كل داء سببه غلبة الدم.

(2)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الحجامة يوم الثلاثاء ويقول إنه يوم الدم أي يوم فورانه في الأجسام، أو يوم قتل قابيل لأخيه هابيل وفيه ساعة لا يرقأ أي لا ينقطع فينبغي اجتنابه.

(3)

أي يكتسبان بهم بالحجامة.

(4)

وإنما أمروه بالحجامة لأن معظم أمراضهم كانت من فوران الدم لشدة حرارة الشمس في أرض الحجاز. والله أعلم.

ص: 203

‌ومنه الحبة السوداء

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلا السَّامَ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «عَلَيْكُمْ بِهذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءَ كُلِّ دَاءٍ إِلا السَّامَ، وَالسَّامُ الْمَوْتُ» .

وَدَخَلَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ رضي الله عنه عَلَى مَرِيضٍ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِهذِهِ الْحُبَيْبَةِ السُّوَيْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْساً أَوْ سَبْعاً فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هذَا الْجَانِبِ وَهذَا الْجَانِبِ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ فِي هذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلا السَّام

(1)

قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: «الْمَوْتُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌ومنه العود الهندي

(2)

• عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِهذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ

(3)

يُسْعَطُ بِهِ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ»

ومنه الحبة السوداء

(1)

فابن أبي عتيق التابعي دخل على مريض فقال لأهله عليك بالحبة السوداء فاسحقوا منها خمسا أو سبعا أو أكثر بالوتر واقطروها في أنفه بزيت الزيتون فإن عائشة حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول» إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت» فإنه إذا حان وقته لا دواء له، وظاهر الحديث أنها تشفي من أي مرض وبأى استعمال إذا كان بنية صالحة، ولكن الأقرب أنها تشفى من الرطوبة والبلغم أكلا أو شربًا بعد غليانها لأنها حارة يابسة فتنفع في الأمراض التي تقابلها، ففيه أن الشيء يداوى بضده وهو معقول، فإن الضدين لا يجتمعان والشفاء بيد الله تعالى. والله أعلم.

ومنه العود الهندي

(2)

العود الهندي: خشب يجلب من الهند طيب الرائحة قابض فيه مرارة ويمضغ ويمضمض بمائه لطيب النكهة، وإذا شرب منه نحو مثقال نفع لمرض المعدة وسكن حرارتها، وإذا مزج ماؤه بالماء وشرب نفع من وجع الكبد ووجع الجنب وتقرح الأمعاء.

(3)

فإن فيه سبعة أشفية أي يشفى من سبعة أمراض يسعط به من العذرة (ورم يظهر في أعلى حلق الصبي) أي يدق العود ثم يوضع عليه زيت ويقطر =

ص: 204

وَفِي رِوَايَةٍ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لِي قَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ

(1)

مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ: «عَلَامَ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهذَا الْعَلَاقِ عَلَيْكُنَّ بِهذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ» . رَواهُ الثَّلَاثَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌ومنه اللدود والسعوط والمشي

(2)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَدَدْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ

(3)

فَأَشَارَ إِلَيْنَا لَا، فَقُلْنَا كَراهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ:«أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي» قُلْنا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلا الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَطَ

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ

(6)

وَاللَّدُودُ وَالْحِجَامَةُ وَالْمَشِيُّ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

= منه في أنف الصبي، أو يؤخذ ماؤه فيقطر منه في أنفه فإنه يصل إلى العذرة فيقبضها لأنه حار يابس. وقوله ويُلَدُّ من ذات الجنب أي يشرب ماؤه فإنه يشفى من تلك العلة.

(1)

قد أعلقت عليه من العذرة أي عالجته منها بالدغر، فقال: علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق، أي لأي شيء تعصرن أعلى الحنك وتغمزنه بأصبعكن ليرتفع منه الورم؟ يكفيكن العود الهندي في شفاء العذرة بدل التعذيب بالدغر. والله أعلم.

ومنه اللدود والسعوط والمشى

(2)

اللدود: الدواء الذي يصب في فم المريض، والسعوط الدواء الذي يقطر في الأنف، والمشى - كغني - الدواء المطلق للبطن.

(3)

صببنا دواء في فمه اعتدناه لمثل مرضه.

(4)

فيه أنه لا يجوز إكراه المريض على الدواء.

(5)

أي قطر له دواء في أنفه بعد وضعه على ظهره ورفع أعلاه بشيء.

(6)

السعوط دواء اعتادوه لبعض الأمراض يقطر في الأنف، واللدود دواء اعتادوه لبعض الأمراض يصب في الفم، والحجامة تقدمت، والمشي كل مطلق للبطن وكان أشهره عندهم السنا المكى كما يأتي إن شاء الله تعالى.

ص: 205

‌ومنه العجوة والكمأة

• عَنْ عَامِرٍ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ

(1)

». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَمْأَةُ

(2)

مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: «وَالْعَجْوَةُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهِيَ شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ» ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمُؤٍ أَوْ خَمْساً أَوْ سَبْعاً فَعَصَرْتُهُنَّ فَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ فَكَحَلْتُ بِهِ جَارِيَةً لِي فَبَرَأَتْ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌ومنه الماء للمحموم والمعين

(3)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتِ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا وَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَصَابَ

ومنه العجوة والكمأة

(1)

فمن أكل على الريق سبع تمرات من عجوة المدينة لم يضره سم ولا سحر في هذا اليوم، وذلك في عجوة غرس نخلها النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة.

(2)

الكمأة. نبت يظهر في البادية وإذا عصر ماؤها ووضع في العين مرات برأت بإذن الله تعالى، وقوله من المن أي الذي نزل على بنى إسرائيل كرواية مسلم أي من نوعه في الخير والبركة وإلا فهذا سمائي، والكمأة: نبت أرضي، والمن كل طل نزل من السماء على شجر أو حجر فيحلو وينعقد عسلا ويجف كالصمغ الذي يظهر على بعض الشجر. والله أعلم.

ومنه الماء للمحموم والمعين

(3)

المحموم المريض بالحمى، والمعين من أصيب بالعين.

(4)

وفي رواية: الحمى من فيح جهنم أي حرها فأطفئوها بالماء فإنه يطفئ النار.

ص: 206

أَحَدَكُمُ الْحُمَّى فَإِنَّ الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيُطْفِئْهَا عَنْهُ بِالْمَاءِ فَلْيَسْتَنْقِعْ نَهَراً جَارِياً لِيَسْتَقْبِلَ جَرْيَةَ الْمَاءِ فَيَقُولُ بِسْم اللَّهِ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ وَصَدِّقْ رَسُولَكَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلْيَغْتَمِسْ فِيهِ ثَلَاثَ غَمَسَاتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي ثَلَاثٍ فَخَمْسٍ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي خَمْسٍ فَسَبْعٍ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي سَبْعٍ فَتِسْعٍ فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُجَاوِزُ تِسْعاً بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى

(1)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ

(2)

». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَزَادَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ: «وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» وَبَيَانُ الْغَسْلِ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ كَالآتِي: يَغْسِلُ الْعَائِنُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمِنْ سُرَّتِهِ إِلَى أَسْفَلِ جِسْمِهِ وَيُوضَعُ الْمَاءُ فِي قَدَحٍ وَيُصَبُّ عَلَى الْمَعِينِ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ فَيَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ

(3)

فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سُفْعَةٌ

(4)

فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

فأسماء كانت تطفئ الحمى بصب الماء في جيب المحموم، وحديث ثوبان يقول: من مرض بالحمى ينزل في نهر جار بعد الصبح قبل الشمس ويستقبل جرى الماء وينغمس فيه ثلاث مرات ثلاثة أيام، فإن ذهبت وإلا فخمسة أيام وإلا فسبعة وإلا فتسعة ولا تجاوزها بإذن الله تعالى، وهذا أحسن، وإلا فالاغتسال بالماء مطلقًا يكفى للحديث الأول، فهذه النصوص كقاعدة طبية وهي أن الشيء يداوى بضده فإن الحرارة من النار وضدها البرودة وهي من الماء فكان شفاء للحمى.

(2)

العين حق أي الإصابة بها حق ثابت لا شك فيه، ولو كان هناك شيء يسبق القدر الإلهى لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا، أي إذا طلب منكم - يعني العائن منكم - ماء الغسل للاستشفاء به من الإصابة بالعين فأجيبوا الطلب.

(3)

العائن الحاسد الذي يصيب بعينه والمعين الحسود الذي أصيب بالعين، وفي هذا أن ماء الوضوء يكفي ولكن ما في حديث أحمد أكمل وأحسن.

(4)

رأى في بيتها جارية فيها سفعة أي سواد أو حمرة يعلوها سواد أو صفرة فقال استرقوا لها أي اطلبوا من يرقيها فإن بها نظرة من الإنس أو الجن. فقد قال الخطابى: عيون الجن أنفذ من الأسنة.

ص: 207

وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ

(1)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

‌ومنه التلبينة والكحل

(2)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُبَّتْ عَلَى ثَرِيدٍ ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ

(3)

مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تُذْهِبُ بَعْضَ الْحُزْنِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَعَنْهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ

(4)

وَتَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

ففي هذه النصوص أن الإصابة بالعين ثابتة وأن الشفاء منها إما بالماء وإما بالرقية وستأتي إن شاء الله، والإصابة بالعين طبع في بعض الناس وربما كان في الصالحين، ومن تكررت منه الإصابة بالعين وأتلف شيئًا فعليه ضمانه، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية، كذا قال بعضهم. وقال الشافعي لا شيء عليه لأنها لا تقتل غالبًا ولأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص بعض الناس، وعلى كل إن تكررت منه ولم يحصن ما نظره فللحاكم حبسه وإعطاؤه كفايته دفعًا لشره عن الناس. والله أعلم.

ومنه التلبينة والكحل

(2)

التلبينة ويقال التلبين طبيخ من دقيق ولبن وعسل، أو دقيق ودهن وعسل، وسمي تلبينه تشبيها باللبن في رقته وبياضه ويسمى حريرة في بعض الجهات ومهلبية أيضا ويسمي حساء لأنه يحتسي أي يشرب، والكحل ما يوضع في العين.

(3)

التلبينة: مجمه، كملمة أو كمذمة أي مقوية لفؤاد المريض أي معدته، وتذهب عنه بعض الأحزان لأنها سهلة المساغ والهضم، وخفيفة على المعدة، وحلوة تنعش النفس من همومها.

(4)

وللمحزون على الهالك أي الحزين على الميت.

ص: 208

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعْكُ

(1)

أَمَرَ بِالْحَسَاءِ فَصُنِعَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ وَيَقُولُ: «إِنَّهُ لَيَرْتُوا فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنَّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ خَيْراً أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثاً فِي كُلِّ عَيْنٍ

(3)

. وَاللَّهُ أَعْلَم.

‌ومنه الزيت والسنا

(4)

• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْعَتُ الزَّيْتَ وَالْوَرْسَ

(5)

مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ.

(1)

الوعك: الحمى فكانت إذا جاءت لأحد من أهله أمر بالحساء، ثم أمر المريض فحسا منه أي شرب منه، ويقول إنه ليرتو فؤاد الحزين أي يقوي معدته وقلبه ويسرو عن السقيم أي يغسل الهمم عنه كما تغسل المرأة الوسخ عن وجهها.

(2)

بسند حسن.

(3)

الإثمد - كزبرج - حجر في بعض الجبال أسود يميل إلى الحمرة وأجوده الأصبهاني يدق جيدا ثم ينخل بشيء حتى يصير كالدقيق الناعم ثم يكتحل به فإنه يجلو البصر أي يزيد في إبصاره، وينبت شعر الأجفان إن لم تكن أو يطيلها إن كانت، واستعماله قبل النوم أحسن، ولكن ينظر هل كانوا يستعملونه وحده أو مركبًا مع شيء آخر. نسأل الله الشفاء ظاهرا وباطنا آمين. والله أعلى وأعلم.

ومنه الزيت والسنا

(4)

المراد بالزيت زيت الزيتون قال تعالى {يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} والسنا بالقدر هو السنا المكي: نبات مسهل بأرض الحجاز.

(5)

الورس نبت يمني طيب الريح، وذات الجنب مرض الجنب، والقسط البحري عود هندي بدر البول ويفيد الكبد والجنب، ويقال فيه كست، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينعت أي يصف للمريض بجنبه الزيت والورس وأحيانًا كان يصف له القسط والزيت بمعنى أنه يدق الورس ويعجن بالزيت أو يدق القسط ويعجن بالزيت ثم يدلك به الجنب المريض نحو خمس دقائق، كل ثلاث ساعات مع التحفظ من الهوى فإنه يشفي بإذن الله تعالى إذا قوى اليقين بوعد الرسول صلى الله عليه وسلم وصح التوكل على الله تعالى.

ص: 209

• وَعَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَدَاوَى مِنْ ذَاتِ الْجِنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحَرِيِّ وَالزَّيْتِ.

• عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهَا: «بِمَ تَسْتَمْشِينَ؟

(1)

» قَالَتْ: بِالشُّبْرُمِ، قَالَ:«حَارٌّ جَارٍ» ، ثُمَّ اسْتَمْشَيْتُ بِالسَّنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ أَنَّ شَيْئاً كَانَ فيهِ شِفَاءٌ مِنَ الْمَوْتِ لَكَانَ فِي السَّنَا» . رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ

(2)

.

‌ومنه ألبان الإبل وأبوالها

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أُنَاساً اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ

(3)

فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ فِي الْإِبِلِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا

(4)

حَتَّى صَحَّتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فِجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ. رَوَاهُ الْخَمْسةُ.

وَقَالَ الْحَجَّاجُ لِأَنَسٍ رضي الله عنه: حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَهُ بِهذَا فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِّثْهُ بِهذَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

بأي شيء تستمشين أي تطلقين بطنك قالت بالشبرم، قال إنه حار جار أي شديد، قالت ثم استمشيت بعده بالسنا، قال لو كان شيء يشفي من الموت لكان السنا، وكيفية أخذه أن يؤكل منه شيء على النوم، أو الريق أو يؤخذ ماؤه بعد النقع أو الغليان، وتقدير كل هذه الأشياء التي وردت في الطب النبوي يرجع إلى العارفين بها المنقطعين لخواصها، فإن الله تعالى بحكمته هيأ من شاء من عباده لما شاء من العلوم والأسرار. نسأل الله تعالى أن ينور بصائرنا آمين.

(2)

الأولان بسندين صحيحين والثالث بسند غريب. نسأل الله الهداية والتوفيق بمنه وفضله آمين والله أعلى وأعلم.

ومنه ألبان الإبل وأبوالها

(3)

مرضوا بالجوى وهو داء بالبطن إذا تطاول قتل صاحبه.

(4)

فذهبوا إلى إبل الزكاة فشربوا من ألبانها وأبوالها فعادت صحتهم فقتلوا الراعي وأخذوا الإبل جاءوا بهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقطع أي أمر بقطع أيديهم وسمر أعينهم أي كيها بالنار وفي رواية وسمل أعينهم أي فقأها بحديدة محماة بالنار وألقوا في حر الشمس حتى ماتوا جزاء على عملهم الفظيع وتقدم الحديث في الحدود.

ص: 210

وَسُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ رضي الله عنه عَنْ أَلْبَانِ الْأُتنِ

(1)

وَمَرَارَةِ السَّبُعِ وَأَبْوَالِ الْإِبِلِ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا وَلَا يَرَوْنَ بِهَا بَأْساً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌ومنه الرماد للجروح

(2)

• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كُسِرَتْ عَلَى رَأْسِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْضَةُ

(3)

وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ كَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ الدَّمَ فَلَمَّا رَأَتْهُ يَزيِدُ عَلَى الْماءِ عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وأَلْصَقَتْهَا عَلَى الْجُرْحِ فَرَقَأَ الدَّمُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

ألبان الأتن جمع أتان وهي أنثى الحمير، فقال كانوا يتداوون بها ولا يرون بها بأسًا، أي إذا لم يفلح غيرها وإن كانت نجسة للضرورة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من اجتووا المدينة بشرب أبوال الإبل. والله أعلى وأعلم.

ومنه الرماد لسد الجروح

(2)

الرماد تراب ما أحرقته النار، والمراد هنا رماد ما أحرق من الحصير.

(3)

البيضة قلنسوة من أصلب أنواع الحديد يلبسها المقاتل على رأسه لتقيه السلاح، والرباعية بالتخفيف السن التي بين الثنايا والناب، والمجن بالكسر الترس آلة بيد المقاتل يلتقي بها السلاح، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد تهشمت البيضة التي على رأسه من حطم السيوف وشج جبينه، وانكسرت رباعيته وسال الدم على وجهه الشريف، فصار على رضي الله عنه يجيء بالماء لفاطمة رضي الله عنها وهي تغسل الدم عن وجهه، ولما رأته لا ينقطع حرقت جزءًا من حصير ووضعت الرماد على الجرح، فرقأ الدم أي انقطع لأن الرماد مجفف وقابض بإذن الله تعالى. وكل ما في معناه نافع للجروح ولا سيما البن الذي تعمل منه القهوة في هذا الزمان. نسأل الله السلامة آمين. والله أعلم.

ص: 211

‌ومنه القثاء والرطب للسمنة

(1)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُقْبِلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ فَسَمِنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السِّمَنِ

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌لا يجوز التداوي بحرام

• عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَنَهَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهَا دَوَاءٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَلكِنَّهَا دَاءٌ

(3)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ

(4)

.

وَسَأَلَ طَبِيبٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضِفْدَعِ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا

(5)

.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ

(6)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

ومنه القثاء والرطب للسمنة

(1)

السمنة بالضم دواء لسمن الجسم.

(2)

فأم عائشة رضي الله عنهما عالجتها بأمور كثيرة لتنمية جسمها فلم تفلح فأطعمتها القثاء بالرطب أيامًا فامتلأ جسمها، وهذا جائز للاستصلاح فقط، وإلا فالتسمن منهي عنه لأنه يثقل عن كثير من الخيرات، وقد اشتهر الآن أن كل المواد النشوية كالأرز واللوبيا وكذا لحوم الضأن تسمن الأجسام التي فيها استعداد للسمنة نسأل الله أن يشرح صدورنا للإسلام وأن يوفقنا لصالح الأعمال آمين. والله أعلم.

لا يجوز التداوي بحرام

(3)

فلما كانت الخمر حرامًا ما صلحت للتداوي بل كانت مجلبة للداء والمرض، وهذا حق فإنه شوهد أنها تفتت أكباد من يشربونها، والمراد بالخمر كل مسكر كما تقدم.

(4)

ولكن الأولان هنا ومسلم في الشراب.

(5)

وإذا حرم قتلها حرم التداوي بها لأنه يتوقف على قتلها وقد نهى عنه كما تقدم لأنها نجس أو مستقذر، فإن ما نهى عن قتله إما لحرمته كالإنسان أو لنجاسته واستقداره كالهدهد، والضفدع منه.

(6)

وخبثه لأنه نجس كالحيوان الذي لا يؤكل وكفضلة الحيوان، أو لأنه مسكر كالخمر، أو لأنه ضار كالسم، وإنما نهى عن الدواء الخبيث لأن الغرض من الدواء إبعاد المرض وجلب الشفاء وهذه ليست صالحة لذلك بل بالعكس فيها الضرر وعلى فاعلها الإثم لمخالفته أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 212

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ

(1)

».

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تُرْيَاقاً

(2)

أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌الفصل الثالث في الرقى

(3)

• عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَرْقِى فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذلِكَ فَقَالَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْقِي؟ قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» .

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ لِي خَالٌ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى

(5)

وَأَنَا أَرْقِى مِنَ الْعَقْرَبِ فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ

(1)

القول في هذا كالذي قبله.

(2)

الترياق بتثليث أوله والكسر أشهر: ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين، والتميمة ما يعلق على الشخص للحفظ من المرض والعين ونحوها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول إن شربت ترياقًا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر قصدا فلا أبالي بأي شيء محرم فعلته بعد ذلك، والمراد التنفير عن هذه الأمور لأن الترياق دواء مركب من النجس كلحوم الأفاعي والخمر، والنميمة فيها كلمات لا تجوز من عمل الجاهلية وإذا كانت من القرآن وأسماء الله لا شيء فيها كما يأتي، (هذا) ولكن بعض العلماء لا يرى بأسًا في التداوي بالنجس إذا لم يوجد غيره ولحديث العرنيين ولقول ابن شهاب السابقين. نسأل الله الحفظ والرعاية آمين. والله أعلم.

الفصل الثالث في الرقى

(3)

أي في جواز الرقى جمع رقية كرؤى ورؤية وهي التعويذ بكلمات من أسماء الله تعالى أو من كتابه العزيز.

(4)

ما لم يكن فيه أي القول شرك كتعوذ بوثن أو اسم من أسماء الجان أو الشياطين ونحو ذلك.

(5)

إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أولا عن الرقى لأنهم كانوا يرقون بما فيه شرك وبغير لغة العرب، وربما كان =

ص: 213

فَلْيَفْعَلْ». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

وَقَالَتِ الشِّفَاءُ بِنْتُ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنها دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ لِي: «أَلَا تُعَلَّمِينَ هذِهِ رُقْيَةَ النِّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِهَا الْكِتَابَةَ

(1)

» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

وَكَانَتْ نِسَاءُ الْعَرَبِ تَرْقِى مَرَضَ النَّمْلَةِ بهذِهِ الْكَلِمَاتِ: الْعَرُوسُ تَحْتَفِلُ وَتَخْتَضِبُ وَتَكْتَحِلُ وَكُلَّ شَيْءٍ تَفْتَعِلُ غَيْرَ أَلا تَعْصِيَ الرَّجُلَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ

(2)

وَالْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌كلمات الرقى

(3)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِثابِتٍ حِينَ قَالَ لَهُ اشْتَكَيْتُ: أَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ

(4)

اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ

= فيه كفر أو سحر كعادتهم في الجاهلية. فلما علم أنهم لا يرقون بذلك أجاز لهم الرقية بقوله» من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» وستأتي كلمات الرقى إن شاء الله.

(1)

في هذا حث على الرقية وتعلمها وإن كانت بتلك الكلمات لا تنفع ولا تضر والنبي صلى الله عليه وسلم أراد تأنيب حفصة على إفشائها ما أسره إليها بل الرقية الجائزة بما ورد وفيه دليل على جواز تعليم النساء الكتابة لأنه يسهل عليهن فهم الكتاب والسنة والنملة قروح تظهر في الجنب، فكانت نساء العرب ترقيها بتلك الكلمات مرات صباحا ومرات مساء.

(2)

رخص في الرقية من العين أي من الإصابة بها والحمة - كثبة - السم، والمراد رخص في الرقية من لدغ ذوات السموم كالحية وكذا رخص في رقية النملة بسكون الميم في ضبط مسلم وبكسرها في شرح أبي داود، ومنه حديث أبي داود والترمذي» لا رقية إلا من عين أو حمة» وليس الحصر في هذه مرادا بل ورد الحديثان جوابا للسؤال عنهما، وإلا فالرقية جائزة على كل مرض لعموم الأحاديث الآتية. نسأل الله التوفيق والله أعلم.

كلمات الرقى

(3)

أي الكلمات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي بها ويعلمها لأصحابه الأعلام، والكلمات التي كان جبريل يرقي بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله قبل نزول المعوذتين فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما من الرقى كما سيأتي.

(4)

رب ومذهب منصوبان على النداء، والبأس الشدة، شفاء لا يغادر سقما، أي اشفه شفاء لا يترك فيه مرضا.

ص: 214

إِلا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سُقْماً». رَوَاهُ الْأَرْبَعَة.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى

(1)

وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ اذْهِبِ الْبَاسَ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سُقَمَا» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: «اذْهِبِ البَاسَ إِلَى آخِرِهِ» ، فَلَمَّا مَرِضَ وَثَقُلَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ لِأَصْنَعَ بِهِ مَا كَانَ يَصْنَعُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي

(2)

ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى إِنْسَانٌ شَيْئاً

(3)

أَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ أَوْ جَرْحٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِصْبَعِهِ هكَذَا ثُمَّ رَفَعَهَا وَقَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى بِهِ سَقِيْمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا» . رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ كُلِّ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ:

(1)

فينبغي للراقى أن يمسح بيمينه على المريض لتناله بركتها فإن الرقية لا تفلح إلا من رجل صالح لأنها عمله وأثره.

(2)

فانتزع يده من يدي لأنه أعلم بإنهاء أجله صلى الله عليه وسلم، والرفيق الأعلى الملأ الأعلى بجوار الرب الكريم، وقولها فإذا هو قد قضى أي ما عليه في دنياه وخرجت الروح إلى ربها مرضيا عنها.

(3)

كان إذا اشتكى إنسان شيئا، أي مرض بشيء أو كانت به قرحة أو جرح بفتح الأول وضمه فيهما والقرحة والجرح معناهما واحد. قال بإصبعه هكذا أي أخذ من ريقه على سبابته ثم وضعها على التراب فيعلق منه عليها فيمسح بها على موضع الجرح أو العلة. ويقول باسم الله أي أرقيك باسم الله تربة أرضنا أي تراب أرضنا مع ريق بعضنا يشفى به مريضنا فيبرأ بإذن الله تعالى، قال القاضي البيضاوي شهدت المباحث الطبية على أن الريق له مدخل في النضج وتعديل المزاج، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلى ودفع المرض والمضرات، وللرقى والعزائم آثار عجيبة تقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها، فسبحان خالق الكون وما فيه من أسرار.

(4)

وشر كل ذي عين من إنس وجن وحيوان يؤذي.

ص: 215

بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ

(1)

مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَقْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيك بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعاً يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمُ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثاً وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلفْظُهُمَا: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي فَقَالَ: «امْسَحْهُ

(2)

بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ».

• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الْفَزَعِ كَلِمَاتٍ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ

(3)

مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ. وَكَانَ ابْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَحْمَد.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَقُولُ: «أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ

(4)

مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ ثُمَّ يَقُولُ: كَانَ أَبُوكُمْ

(1)

باسم الله أرقيك أي أعوذك وأحفظك بذكر اسم الله تعالى من شر كل شيء فإنه الخالق لكل شيء والقادر على منع الضرر لا غيره.

(2)

فقال امسحه أي موضع الوجع.

(3)

التامة بلفظ الإفراد والمراد الجمع، وقوله همزات الشياطين أي خطراتها التي تلقيها بقلب الإنسان كقوله تعالى {رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} . وقوله كتبه أي الدعاء وأعلقه عليه أي الصبي ولفظ الترمذي» ومن لم يبلغ منهم كتبها في صك ثم علقها في عنقه» ففيه دليل على جواز تعليق التميمة على الصغار.

(4)

بكلمات الله التامة الخالية من العيوب المستوفية لأنواع الكمال وهامة هي كل ذات سم من الحيوان، ومن كل عين لامة أي ذات لمم وذنب بحسدها، ويقول كان أبوكم إبراهيم يعود بها أي هذه الكلمات إسماعيل وإسحاق عليهم الصلاة والسلام.

ص: 216

يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحاقَ عليهم السلام». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتَّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لُدِغْتُ اللَّيْلَةَ فَلَمْ أَنَمْ حَتَّى أَصْبَحْتُ قَالَ: «مَاذَا» ؟ قَالَ: عَقْرَبٌ قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ قلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهَ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الْحُمَّى وَمِنَ الْأَوْجَاعِ كُلِّهَا أَنْ يَقُولَ: «بِاسْمِ اللَّهِ الْكَبِيرِ أَعُوذ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ شَرِّ كُلِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ وَمِنْ شَرِّ حَرِّ النَّارِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌الرقية بالقرآن وجواز الأجرة عليها

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ

(3)

. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانْ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا

(4)

وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

والمدار على قوة اليقين بهذا الخبر النبوي وحسن التوكل على الله تعالى.

(2)

عرق نعار وفي لفظ يعار، العرق النعار الذي يضرب من فوران الدم، ومن شر حر النار أي من شر الحرارة الناشئة عن اختلال مزاج العضو المريض. نسأل الله التوفيق والله أعلم.

الرقية بالقرآن وجواز الأجرة عليها

(3)

أي قرأ المعوذتين ثم نفث عليه وهو النفخ بقليل من الريق رجاء بركته من القراءة.

(4)

لأنهما نزلنا التعوذ، ولأنهما قرآن معجز كريم، وإن كانت التعوذات قبلهما بتعليم من جبريل عليه السلام عن الله تعالى.

ص: 217

• وَعَنْهُ أَنَّ رَهْطاً

(1)

مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا بِحَيَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ

(2)

فَلُدِغَ

(3)

سَيِّدُ ذلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هؤُلَاءِ الرَّهْط الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعَهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ إِنِّي وَاللَّهِ لَرَاقٍ وَلكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا

(4)

فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ

(5)

فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

(6)

فَكَأَنمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي مَا بِهِ قَلَبَةٌ

(7)

، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظَرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ

(8)

أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ». وَفِي رِوَايَةٍ: فَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ اللَّهِ عز وجل

(9)

.

(1)

وكانوا ثلاثين رجلا.

(2)

طلبوا منه الضيافة فلم يقبلوا.

(3)

لدغته عقرب، ولفظ الترمذي: فأتونا فقالوا هل فيكم من يرقي من العقرب. قلت نعم أنا ولكن لا أرقي حتى تعطونا غنما قال فإنا نعطيكم ثلاثين شاة فقبلنا فقرأت عليه الحمد لله سبع مرات فبرأ وقبضنا الغنم.

(4)

القائل لهذا هو أبو سعيد.

(5)

عدده ثلاثون شاة كما تقدم.

(6)

قرأ عليه الفاتحة سبع مرات وكلما قرأها مرة تفل عليه بريقه.

(7)

فقام المريض كأنه بعير فك من عقاله فصار يمشي ليس به قلبة بالتحريك أي مرض من شأنه تقليب صاحبه.

(8)

وفي رواية: قال حق ألقي في روعي أي قلبي، قال أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم بسهم أي اجعلوا لي سهما معكم تطمينًا لقلوبكم.

(9)

أي أحل أجر تأخذونه ما كان على كتاب الله سواء كان على رقية أو قراءة أو كتابة أو تعليم أو غيرها لعموم الحديث وعليه الجمهور، وقال أبو حنيفة =

ص: 218

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(1)

.

• عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ عَنْ عَمِّهِ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَرَرْنَا عَلَى حَيَ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالُوا: إِنَّا أُنْبِئْنَا أَنْكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ فَهَلْ عِنْدَكُمْ دَوَاءٌ أَوْ رُقْيَةٌ فَإِنَّ عِنْدَنَا مَعْتُوهاً

(2)

فَقُلْنَا: نَعَمْ فَجَاؤُوا بِمَعْتُوهٍ فِي الْقُيُودِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً كُلَّمَا خَتَمْتُهَا أَتْفُلُ بِبُزاقِي عَلَيْهِ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا فَقُلْتُ لَا حَتَّى أَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «كُلْ فَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقَ

(3)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.

‌الفصل الرابع في نفي مزاعم الجاهلية لا عدوى ولا طيرة والاحتياط أسلم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى

(4)

وَلَا هَامَةَ وَلَا نَوْءَ وَلَا صَفَرَ». رواه الثلاثة

= وأحمد: لا تجوز الأجرة على القرآن إلا في الرقية لأنها مورد الحديث بخلاف غيرها لأن القرآن عبادة وأجرها على الله تعالى، والحديث أحمد والبزار (اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به).

(1)

هنا وفي باب الإجارة في البيع.

(2)

أي مجنونًا.

(3)

أي إن أكل غيرك برقية باطلة فإنما تأكل أنت بالرقية الحقة، وهذه غير التي قبلها فإنها في الدين والراقي أبو سعيد وهذه في معتوه والراقي عم خارخة فالرقية مشروعة ومطلوبة عند الحاجة بشرط أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه أو صفاته. وأن تكون باللفظ العربي، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بنفسها بل بتقدير الله تعالى، والتميمة كالرقية في هذا والله أعلم.

الفصل الرابع في نفي مزاعم الجاهلية. لا عدوى ولا طيرة والاحتياط أسلم

(4)

العدوى هي سريان المرض من صاحبه إلى غيره، والهامة طائر أو البوم إذا سقط في مكان تشاءم أهله، أو دابة تخرج من رأس القتيل أو من دمه فلا تزال تصيح حتى يؤخذ بثأره، والنوء نجم يأتي بالمطر وآخر يأتي بالريح وهكذا، وصفر شهر صفر كانوا يحلونه عامًا ويحرمونه عاما. وقيل داء في البطن يعدي.

ص: 219

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا غُولَ

(1)

وَلَا صَفَرَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ

(2)

فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا قَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ» .

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ

(3)

». رَوَاهُمَا الثَّلَاثَةُ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيرَةَ

(4)

وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجُذَامِ.

وَكَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ

(5)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامةَ آمِين.

(1)

الغول أحد الغيلان نوع من الجن والشياطين تظهر للناس بصور شتى تضلهم عن السبيل وتهلكهم فكانت العرب تعتقد أحقية هذه الأشياء فنفاها الشرع ونهاهم عن اعتقاد شيء منها، ومن نوع هذين قول النبي صلى الله عليه وسلم للمجذوم لما أجلسه يأكل بجواره» كل ثقة بالله وتوكلا عليه» وتقدم هذا في كتاب الطعام.

(2)

كأنها الظباء أي الغزلان فيخالطها البعير الأجرب فيجربها، قال فمن أعدى الأول أي إذا كان البعير الأجرب أعدى الإبل السليمة فمن أعدى البعير الأول. فسكت الأعرابي وانقطعت حجته.

(3)

وفي رواية (لا يورد ممرض على مصح) أي لا توردوا الإبل المريضة على الإبل الصحيحة فتمرض فيقال هذا من العدوى، ولما حدث أبو هريرة بهذا اعترض عليه وقيل له قد رويت حديث لا عدوى فكيف هذا فغضب ورطن بالحبشية كأنه نسي، قال أبو سلمة فلا أدري أنسى أبو هريرة حديث لا عدوى أو نسخ أحد الحديثين الآخر.

(4)

ولا طيرة كان الرجل إذا أراد سفرا أو غيره خرج إلى طير أو ظباء فزجرها فإن طار يمينًا تيمن واستبشر، وإن طار شمالا تشاءم ورجع فنهاهم الشرع عن ذلك، وقوله وفر من المجذوم المصاب بالجذام كما تفر من الأسد أي ابتعد عن مخالطته.

(5)

فالنبي صلى الله عليه وسلم بايعه من بعيد لمرضه بالجذام، ولا تعارض بين الأحاديث الثلاثة الأول التي تنفي العدوى وبين ما بعدها لأن معنى لا عدوى أي لا مرض يعدي بطبعه لا بفعل الله تعالى كما كانت تزعمه الجاهلية، وما بعدها ترشد إلى الاحتياط وتجنب المريض الذي يظهر مثل مرضه على من جاوره أو لامسه بتقدير الله تعالى خوفًا من فهم العدوى وقيل غير ذلك، فالاحتياط أسلم وهو بتقدير العزيز العليم. نسأل الله السلامة آمين. والله أعلى وأعلم.

ص: 220

‌إن كان شؤوم ففي ثلاث

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرةَ إِنَّمَا الشُّؤْمُ

(1)

فِي ثَلَاثٍ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةَ وَلَفْظَ أَبِي دَاوُدَ: لَا هَامَةَ وَلَا طِيَرَةَ وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْفَرَسِ

(2)

وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ.

وَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٍ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٍ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً

(3)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُ رضيهِ آمِين.

‌ما أحسن الفأل الحسن

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ

(4)

؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «لا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ» . رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

إن كان شؤم ففي ثلاث

(1)

الشؤم التشاؤم والتطير، ولمسلم: إن كان في شيء ففي الربع (أي الدار) والخادم والفرس.

(2)

الشؤم في الفرس جموحها أي عدم انقيادها في السير أو عدم الجهاد عليها، والشؤم في المرأة سوء خلقها أو عقمها فلا تلد، قال عمر رضي الله عنه حصير في البيت خير من امرأة لا تلد.

(3)

أي اتركوها حال كونها مذمومة، فلما أظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم تشاءموا منها أمرهم بالتحول عنها ليخلصوا من التشاؤم وسوء الظن. إنما الشؤم عند التشاؤم. وهذا جواب مالك رضي الله عنه لما سئل عن شؤم الدار فقال كم من دار سكنها ناس فهلكوا ثم سكنها آخرون فهلكوا، وقيل شؤم الدار ضيقها وضيق مرافقها كالكنيف والسلم ومحل خزن الطعام، وقيل سوء خلق جيرانها. والله أعلم.

ما أحسن الفأل الحسن

(4)

الفأل كالفأر ضد الطيرة ويستعمل في الخير والشر، والمعنى لا تطير ثابت ولكني أحب أن أسمع الكلمة الصالحة نحو يا سالم يا غانم با منصور يا ناصر.

ص: 221

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ كَلِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ: «أَخَذْنَا فَالَكَ مِنْ فِيكَ

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو نُعَيْمٍ.

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلًا

(2)

سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ فَإِذَا أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهِ وُرُؤَىَ بِشْرُ ذلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ ذلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَإِنْ أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهَا وَرُئِيَ بِشْرُ ذلِكَ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُؤَىَ ذلِكَ فِي وَجْهِهِ

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

وَذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلَا تَرُدُّ مُسْلِماً

(4)

فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ

(5)

اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلا أَنْتَ وَلا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِكَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثَلَاثاً

(6)

وَمَا مِنَّا إِلا وَلكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ يَا نَجِيحُ

(7)

. رَوَاهُ التُرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

(1)

أي من فمك.

(2)

أي إذا أراد أن يبعث عاملا أو غلاما كما في نسخة سأل عن اسمه.

(3)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب اسم العامل الحسن واسم القرية الحسن والبزار والطبراني» إذا بعثتم إليّ رجلا فابعثوا حسن الوجه حسن الاسم».

(4)

أي عن قصده بل يمضي ويتوكل على الله.

(5)

فمن تشاءم بشيء فليقرأ هذا الدعاء فإن الله يصرف عنه الشر، والمدار على التوكل على الله تعالى.

(6)

الطيرة شرك قالها ثلاثًا زجرًا وتنفيرا عنها أي من اعتقد أنها تجلب نفعًا أو تدفع ضرًا فقد أشرك مع الله كاعتقاد الجاهلية. وقوله وما منا إلا، أي ما منا أحد إلا يخطر بباله شيء منها ولكن الله يذهبه بالتوكل عليه وبذكر الدعاء السالف.

(7)

فكان إذا خرج لحاجة وسمع قائلا يقول يا راشد يا نجيح فرح بهذا لأنه رشد ونجاح. نسأل الله الرشد والنجاح والهداية آمين.

ص: 222

‌الكهانة والخط والطرق

(1)

• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْياناً بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ

(3)

فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مَائَةِ كَذْبَةٍ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ أَنْصَارِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ

(4)

، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ

الكهانة والخط والطرق

(1)

الكهانة بالفتح والكسر حرفة الكاهن وهو من يدعي علم الغيب في الأخبار بما يكون في الأرض، وقد كان في العرب كهنة مشهورون كشق وسطيح بعضهم يزعم أنه تابعًا من الجن يأتيه بالأخبار، وبعضهم يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات يستدل بها ككلام السائل أو فعله أو حاله، وهذا هو العراف الذي يدعي معرفة الأشياء كمكان المسروق ومكان الضالة ونحوها، والخط هو الخط بالكتابة أو في الرمل بعد حساب اسمه واسم أمه ويوم سؤاله كما يفعله بعض الناس، والطرق الضرب بالحصى أو هو الخط بالرمل، وله كيفيات في شرح أبي داود، وكلها لا يجوز لأن مفادها ادعاء علم الغيب وهو لا يعلمه إلا الله تعالى وبعض من اصطفاهم من عباده لقوله تعالى {وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا} وللحديث الشريف» مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله تعالى».

(2)

نهى عن حلوان الكاهن أي أجرة كهانته لأن الزنا والكهانة حرام فكسبهما كذلك.

(3)

فما تحدثوا به ويظهر صدقه هو كلمة سمعها الجني من الملك كما في الحديث الآتي فيقرها أي يلقيها في أذن وليه هو الكاهن كقر الدجاجة أي صوتها إذا انقطع فيخلط الكاهن معها أي يقول بجوارها أكثر من مائة كلمة مكذوبة.

(4)

وقع نجم فأنار الأرض.

ص: 223

أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلكِنْ رَبُّنَا تبارك وتعالى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْراً سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّموَاتِ بَعْضاً حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا

(1)

فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ

وَيُرْمَوْنَ بِهِ

(2)

فَمَا جَاؤُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلكِنَّهُمْ يَقْرِفونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ

(3)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(4)

وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ

(5)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.

• عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً

(6)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

(1)

قال تعالى {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)} .

(2)

فإذا خطف الجني كلمة وسمعها ليبلغها للكاهن ربما رمى بالنجم قال تعالى {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} .

(3)

يقرفون ويزيدون مترادفان أي يزيدون فيه، فإذا قضى الله شيئًا من أمر العباد صدع الأمر الإلهي به فسبح له حملة العرش إجلالا ومهابة ثم سبح من سمعهم ممن تحتهم وهكذا حتى يصل إلى السماء الدنيا فإذا أفاقوا مما غشيهم سأل من يلون العرش حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ثم تستخبر كل طائفة من فوقها حتى يصل الخبر إلى السماء الدنيا فيسترق الجني كلمة فيبلغها للكاهن فيكذب ويزيد عليها كثيرًا وربما وقع الشهاب على الجني فأحرقه قبل أن يبلغ شيئًا.

(4)

ولكن مسلم هنا والأخيران في تفسير سورة سبأ.

(5)

فمن تعلم شيئًا من علم النجوم فكأنما تعلم سحرا وكلما زاد فيه زاد في السحر، وهذا مذموم إذا كان يفهم منه أن للنجوم تأثيرًا في الكون كنجم كذا يجيء بالأمطار ونجم كذا يأتي بالرياح ونجم كذا يأتي بالقحط وعلو الأسعار، ونجم كذا يأتي بالوباء، ونجم كذا يأتي بالحروب ونحو ذلك، أما معرفة النجوم للاهتداء بها إلى عظم الخالق جل شأنه أو إلى الأوقات والقبلة والشهور أو إلى جهة المسير فلا، بل هي لهذا مطلوبة قال تعالى {وبالنجم هم يهتدون} .

(6)

قوله لم تقبل صلاته أربعين ليلة وقوله الآتي فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هذا إن استحله، وإلا فهو زجر ووعيد شديد.

ص: 224

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ حَائِضاً أَوْ أَتَى امْرَأَتهُ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم»

(1)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.

• عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُمُوراً كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

(2)

كُنَّا نأْتِي الْكُهَّانَ قَالَ: «فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ» . قُلْتُ: كُنَّا نَتَطَيّرُ قَالَ: «ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ

(3)

».

قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ قَبِيصَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْعِيَافَةُ وَالطِّيرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ

(5)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.

(1)

لأن شرعه يحرم تصديق الكاهن والوطء في الحيض والدبر وهذا إن استحله وإلا فهو للزجر والتنفير لأن هذه ليست من الكبائر إلا إذا أصر عليها.

(2)

أي أذكر لك أمورًا كنا نفعلها في الجاهلية.

(3)

أي عن مرادكم ومقصودكم ولكن توكلوا على الله.

(4)

كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك جائز له ومن لا فلا، وهذا النبي قيل إدريس وقيل دانيال عليهما السلام كان يخط بالرمل بإلهام أو بأمر إلهي وهذا مجهول الآن، فلا يجوز تصديق من يدعيه.

(5)

الطرق الضرب بالحصى كما تقدم، والطيرة التشاؤم بأي شيء والعيافة زجر الطير، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها كالتفاؤل بالعقاب على العقاب، وبالغراب على الغربة، وبالهدهد على الهدى ونحو ذلك، فهذه الثلاثة وشبهها مما تقدم من الجبت والباطل فعملها حرام وتصديقها حرام على حد قول القائل:

لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى

ولا زاجرات الطير ما الله صانع

ص: 225

(خاتمة) الأفضل التوكل على اللَّه

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}

(2)

{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} . صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ

(3)

فَجعلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الْأُفُقَ

(4)

فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِي فَقِيلَ هذَا مُوسى وَقَوْمُهُ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي انْظُرْ هكَذَا وَهكَذَا

(5)

فَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ هؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ

(6)

فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَلكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلكِنْ هؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ

(7)

وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ» فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(8)

.

خاتمة الأفضل التوكل على الله تعالى

(1)

أي الأفضل التوكل على الله تعالى وترك التداوي مطلقًا لأن النفس تركن إليها نوعا ما وهذه صفة خواص الأولياء ولا يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر به لأنه كان في أعلى درجات العرفان والتوكل فلا تؤثر الأسباب فيه شيئًا، وأيضا كان ذلك منه لبيان الجواز والتشريع لأمته.

(2)

فمن يتوكل على الله فإنه يكفيه كل شيء.

(3)

أي في منامي.

(4)

أي ناسًا كثيرين لا يدركهم الطرف.

(5)

أي يمينًا وشمالا فرأيت قومًا أكثر ممن قبلهم.

(6)

أي السبعين ألفا.

(7)

هم الذين لا يتطيرون أي لا يتشاءمون من شيء ولا يستعملون الكي ولا الرقية لأن فاعلهما لا يأمن من ركون نفسه إليها فيكون شركًا خفيا بل هم على ربهم يتوكلون في كل شيء، ودخول هؤلاء الجماعة بغير حساب لا يقتضي أفضليتهم على بقية الأمة لأن المزية لا تقتضي الأفضلية كما هو معلوم.

(8)

ولكن البخاري هنا ومسلم في الإيمان.

ص: 226

وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ

(1)

». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ» .

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرُّقَى

(2)

وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ»، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ زَيْنَبُ كَيْفَ هذَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْدِفُ

(3)

فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَيَرْقِيهَا فَتَسْكُنُ، قَالَ:«ذلِكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْحُسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي مَا كانَ النَّبِيُّ يَقُولُ: أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سُقْماً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

• عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ

(4)

».

• عَنْ عِيسى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مِعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ أَعُودُهُ وَبِهِ حُمْرَةٌ فَقُلْنَا: أَلَا تُعَلِّقُ شَيْئاً قَالَ: الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إِلَيْهِ

(5)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(6)

. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

(1)

وكانت ساعة إجابة فكان منهم ولذا لم يجب الآخر.

(2)

إن الرق أي بعمل الجاهلية، والتمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت تعلقها العرب تقاة النظرة. شرك أي من عمل المشركين، والتولة كعنبة وبالضم نوع من السحر يحبب الرجل في امرأته، وهذه من عمل المشركين وسحر يقتل فاعله كما تقدم في الحدود.

(3)

تقذف أي ترمى بالدموع فكنت أختلف إلى اليهودى أي أتردد عليه فيزقيها فتسكن قال ذلك عمل الشيطان وكان يكفيك الرقية التي علمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

أي إن نسي الله تعالى.

(5)

أي إن ركنت نفسه إليه.

(6)

الأول بسند صحيح. نسأل الله التوفيق والهداية والله أعلم.

ص: 227

‌كتاب النبوة والرسالة

وفيه ثمانية فصول وخاتمة

‌الفصل الأول في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ}

(1)

{لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ} .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْناً فَقَرْناً

(2)

حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ

(3)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ وَمَا مِنْ نَبِيَ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلا تَحْتَ لَوَائِي وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ

(4)

».

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب النبوة وفيه ثمانية فصول وخاتمة. الفصل الأول في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

فالله تعالى أخذ الميثاق على النبيين إن طالت حياتهم حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم يؤمنون به وينصرونه فأجابوه فقال الله لهم أأقررتم بهذا قالوا أقررنا قال فاشهدوا على ذلك وأنا معكم من الشاهدين ففيه أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء الذين هم أفضل الناس فيكون أفضل الخلق على الإطلاق.

(2)

القرن ثمانون سنة وقيل مائة وعشرون وقيل مائة فقط. لقوله صلى الله عليه وسلم لرجل عش قرنًا فعاش مائة سنة. والمعنى كنت من خير الطبقات طبقة بعد طبقة حتى كنت خير الطبقة التي ظهرت فيها.

(3)

فالنبي صلى الله عليه وسلم أول من يطلب الشفاعة وأول من يجاب فيها.

(4)

ورواه أحمد بلفظ: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وقوله وبيدي لواء الحمد أي يحمدني الأولون والآخرون حينما أشفع الشفاعة العظمى فكأن الحمد ملك لي فقط، وكأن آدم وأولاده تحت لوائي ولا فخر أي لا أقول ذلك فخرا وعلوا بل هو الحق الواقع.

ص: 228

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النَّبِيِّينَ وَخَطِيبَهُمْ

(1)

وَصَاحِبُ شَفَاعَتِهِمْ غَيْرَ فَخْرٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَعى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ

(2)

وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتاً فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ

(3)

مِنَ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلا وُضِعَتْ هذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِييِّنَ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوْحِ وَالْجَسَدِ

(4)

».

وَقَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُرَيْشاً جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ فَجَعَلُوا مَثَلَكَ كَمَثَلِ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ

(5)

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ وَخَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ تَخَيَّرَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ قَبِيلَةٍ ثُمَّ تَخَيَّرَ الْبُيُوتَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَفْساً وَخَيْرُهُمْ بَيْتاً

(6)

».

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجاً إِذَا بُعِثُوا وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا وَفَدُوا

(7)

وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ

(1)

كنت إمام النبيين وخطيبهم أي سابقهم في الشفاعة والمرور على الصراط ودخول الجنة.

(2)

كنانة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وقريش من فهر أحد الأجداد أيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم مختار من خيار من خيار من خيار فيكون صلى الله عليه وسلم أصفى الخلق.

(3)

اللبنة الطوبة التي يبني بها فبظهوره صلى الله عليه وسلم حتم النبيون وبشرعه تمت الشرائع والأخلاق كحديث» بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

(4)

أي قبل نفخ الروح فيه عليه السلام.

(5)

أي كناسة فيها.

(6)

فالنبي صلى الله عليه وسلم من خير القبائل ومن خير البيوت، فكان أحسن الناس أصلا وفرعا.

(7)

أنا خطيبهم إذا وفدوا أي على ربهم، وأنا مبشرهم إذا أيسوا أي إذا اشتد الكرب على الناس في الآخرة ويئسوا كنت سببًا في تفريجه بطلب الشفاعة.

ص: 229

عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيءٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ

(1)

».

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَهُ فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ: عَجَباً إِنَّ اللَّهَ عز وجل اتَّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَقَالَ آخَرُ: مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلَامِ مُوسى كَلَّمَهُ رَبُّهُ تَكْلِيماً، وَقَالَ آخَرُ: فَعِيسى كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ، وَقَالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ وَقَالَ: «قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَعَجَبَكُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ وَهوَ كَذلِكَ، وَمُوسى نَجِيُّ اللَّهِ وَهُوَ كَذلِكَ، وَعِيسى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ وَهُوَ كَذلِكَ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَهُوَ كَذلِكَ؛ أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَنَا أَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ

(2)

وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ وَلَا فَخْرَ».

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه: مَكْتُوبٌ في التَّوْرَاةِ صِفَةُ مُحمَّدٍ وَصِفَةُ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ عليهم السلام وَيُدْفَنُ عِيسى مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

(3)

. رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ السِّتَّةَ

(4)

.

(1)

مثله في كلام الله تعالى {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} وللحديث بقية وهي» وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا».

(2)

فالنبي صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة، وأمته أول الأمم في دخولها. وقوله وأنا أكرم الأولين والآخرين صريح في تفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم. ومنه قول البوصيري رضي الله عنه:

فمبلغ العلم فيه أنه بشر

وأنه خير خلق الله كلهم

(3)

وقد بقي في الروضة الشريفة موضع قبر فهو لعيسى عليه السلام.

(4)

الأول والرابع بسندين صحيحين، والخامس بسند غريب، والباقي بأسانيد حسنة.

ص: 230

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لِيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ

(1)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌مولد النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وأسماؤه

• عَنْ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَة رضي الله عنه قَالَ: وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ

(2)

.

وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قُبَاثَ

(3)

بْنَ أَشْيَمَ بْنِ لَيْثٍ رضي الله عنهم: أَأَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ» وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفِيلِ وَرَفَعَتْ بِي أُمِّي عَلَى الْمَوْضِعِ وَرَأَيْتُ خَرْءَ الْفِيلِ أَخْضَرَ مُحِيلاً. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

أَمَّا نَسَبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ملِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

(1)

فيه تقديم وتأخير ومعناه يأتي على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعا. والمراد الحث على ملازمته صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرا لاقتباس العلوم والآداب والأخلاق وإذاعتها للناس فيكون خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم نسأل الله أن يجعلنا من خير أتباعه في الدنيا والأخرى آمين والله أعلم.

مولد النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وأسماؤه

(2)

الذي جاء في جيش أبرهة لهدم الكعبة فأهلكهم الله قبل دخول مكة بوادي محسر والله تعالى قص ذلك علينا بقوله {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} وكان هذا بعد ميلاد عيسى عليه السلام بنحو ستمائة سنة.

(3)

فقال قباث: النبي صلى الله عليه وسلم أكبر مني مقاما وأنا ولدت قبله، فإنه ولد عام الفيل وكنت ولدت قبله فإن أمي أرتني موضع الفيل ورأيت خرأه أي غائطه أخضر محيلا أي متغيرًا.

(4)

ولكل واحد من هذه السلسلة عدة مكارم ومفاخر مبسوطة في كتب السير والتاريخ. والبخاري روي هذا في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء عشرون جدًّا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وسكت، ثم قال كذب النسابون بعد ذلك وإن صدقوا. ونسبه هذا ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.

ص: 231

«لِي خَمْسَةُ أَسْماءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي

(1)

الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ أَبُو مُوسى الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُقَفِّي

(2)

وَالْحَاشِرُ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌الفصل الثاني في أوصاف جسمه الشريف صلى الله عليه وسلم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ

(3)

أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدمَ

(4)

لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ

(5)

أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ

(6)

فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.

• عَنِ الْبَراءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مَرْبُوعاً بعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ

(7)

عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

الماحي والحاشر بيانهما بعدهما، والعاقب الذي ليس بعده نبي.

(2)

المقفى هو العاقب للأنبياء قبله لأنه قفاهم وتبعهم في الزمن، فأسماء النبي صلى الله عليه وسلم على ما في أصولنا هذه سبعة وهي محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب ونبي التوبة ونبي الرحمة، وهذا لا ينافي أن له صلى الله عليه وسلم أسماء أخرى كثيرة.

الفصل الثاني في أوصافه صلى الله عليه وسلم الجسمية

(3)

بيان لربعة.

(4)

ليس بأبيض أمهق أي ناصع البياض لا يخالطه شيء، ولا آدم من الأدمة وهي السمرة وهما بيان لأزهر، فكان بياضه صلى الله عليه وسلم ممزوجًا بحمرة.

(5)

أي ليس شعره بجعد قطط بين الجمودة كشعر السودانيين، ولا سبط رجل أي ليس بمرسل مستر كموج الماء وهو أحسن الشعر.

(6)

ولكنه لم يؤمر بتبليغ الرسالة إلا في ثلاث وأربعين كما سيأتي في بدء الوحي إن شاء الله.

(7)

بعيد ما بين المنكبين أي عريض الصدر. وقوله عظيم الجمة - كقبة - هي الشعر النازل من رأسه، وهذان يدلان على وفور جسمه وغزارة دمه صلى الله عليه وسلم.

ص: 232

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهاً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقاً لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ

(1)

وَلَا بِالْقَصِيرِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَسُئِلَ الْبَرَاءُ رضي الله عنه: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِي

(2)

فَقِيلَ لَهُ: كيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحاً مُقَصَّداً

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ: رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَبْيَضَ مَلِيحاً إِذا مَشَى كَأَنَّما يَهْوِي فِي صُبُوبٍ

(4)

.

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَلِيعَ الْفَمِ

(5)

أَشْكَلَ الْعَيْنِ مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ

(6)

ضَخْمَ الرَّأْسِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا انْحَطَّ مِنْ صَبَبِ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.

وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ

(7)

وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ. وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ

(1)

يؤخذ من قوله البائن أنه أطول من الوسط ولكنه صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى مع الطويل ساواه.

(2)

فأبو الطفيل حينما حدث بهذا لم يكن على قيد الحياة من الأصحاب سواه مات سنة مائة من الهجرة.

(3)

أي معتدلا في الطول والعرض.

(4)

أي انحدار.

(5)

كان صلى الله عليه وسلم ضليع الفم أي واسعه، وهذه علامة البلاغة، أشكل العين أي واسع العينين حسنهما، منهوس العقبين أي لحهما خفيف.

(6)

شثن الكفين والقدمين أي عظيمهما، ضخم الكراديس أي رءوس العظام، طويل المسربة أي شعر الصدر إلى العانة، من صبب - كسبب - أي عال.

(7)

الممغط الطويل الرفيع، والقصير المتردد المتداخل في بعضه، لم يكن بالجعد ولا بالسبط أي شعره، تقدم هذا، لم يكن بالمطهم أي كثير اللحم، ولا بالمكلثم كثير لحم الوجه والخدين، وكان أبيض مشربًا، أي بحمرة، كأنما يمشي في صبب بيان لتقلع، إذا التفت التفت معًا، أي بجسمه كله.

ص: 233

وَلَا بِالسَّبْطِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ أَبْيَضَ مُشْرَباً إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَب، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعاً، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوُّةِ وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِييِّنَ، أَجْوَدَ النَّاسِ كَفًّا. وَأَشْرَحَهُمْ صَدْراً، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً

(1)

، وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بِدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِشْيَتِهِ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تَطْوَى لَهُ وَإِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ

(2)

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌شعر النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه قُلْتُ لِأَنَسٍ: كَيْفَ كَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ شَعَراً رَجِلاً لَيْسَ بِالْجَعْدِ وَلَا السَّبِطِ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى أَنْصَاف أُذنِيْهِ. وَفِي أُخْرَى إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ

(4)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ

(1)

ألينهم عريكة أي ألينهم جانبًا، أكرمهم عشرة، أي أسهلهم معاشرة، من رآه بديهة هابة أي من نظره فجأة أخذته الهيبة ومن خالطه أحبه، يقول ناعته أي من يصفه لم أر قبله ولا بعده إنسانا مثله في حسن الظاهر والباطن فهو صلى الله عليه وسلم كامل في أوصافه الجثمانية والروحانية.

(2)

الأول بسند صحيح. والثاني بسند حسن. والثالث بسند غريب. والله أعلى وأعلم.

شعر النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

أي نهايته بين الأذنين والعاتق أي الكتف.

(4)

ولا تنافي بين هذه الروايات فإنه كان إذا سرح ومد كان إلى منكبيه، وإذا ترك كان تارة إلى شحمة أذنيه وتارة فوقها وتارة تحتها.

ص: 234

يَفْرُقونَ رُؤوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ

(1)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَمِطَ

(2)

مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ وَكَانَ كَثِيرَ شَعَرِ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ

(3)

؟ قَالَ: لَا بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكَانَ مُسْتَدِيراً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا شَمِمْتُ عَنْبَراً قَطُّ وَلَا مِسْكاً وَلَا شَيْئاً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

وَلَا مَسِسْتُ شَيْئاً قَطُّ دِيباجاً وَلَا حَرِيراً أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رضي الله عنه: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْأُولَى

(5)

ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ

(1)

تقدم هذا في كتاب اللباس مبسوطا.

(2)

الشمط بالتحريك: اختلاط بياض الشعر بسواده وكان إذا ادهن لم يتبين أي الشيب، فإن الدهان يكسو الشعر كله لونًا واحدا، وإذا شعث رأسه أي ذهب الدهان وتفرق الشعر تبين الشيب ولكنه كان قليلا في مقدم رأسه وفي صدغيه وفي عنفقته صلى الله عليه وسلم.

(3)

مثل السيف أي أبيض لامعًا، قال لا بل مثل الشمس والقمر أي في التدوير والبياض ولكنه كان مشربًا بحمرة وهو أفضل الألوان في الدنيا بخلاف لون أهل الجنة فإنه أبيض نباتي.

طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم

(4)

فرائحة النبي صلى الله عليه وسلم أطيب من كل طيب، ولا غرابة فكل المخلوقات من نوره صلى الله عليه وسلم فهو أصل والكل فرع، وكان كفه صلى الله عليه وسلم ألين وأنعم من كل شيء.

(5)

صلاة الأولى أي الظهر، وجؤنة - كغرفة - بالهمزة وعدمها سلة مستديرة منشاة بالجلد يوضع فيها الطيب.

ص: 235

فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِداً وَاحِداً وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْداً وَرِيحاً كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عِنْدَنَا

(1)

فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلُتُ الْعَرَقَ فِيهَا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ؟» قَالَتْ: هذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

‌كلام النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: وَلكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَلْفَظُه مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثاً لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لِأَحْصَاهُ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلَاماً فَصْلًا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ

(4)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قالَ: كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْتِيلٌ وَتَرْسِيلٌ

(5)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ.

(1)

فقال عندنا، أي نام وقت القيلولة فصارت أم سلمة تسلت عرقه بيدها وتضعه في قارورة فلما سألها قالت نجعله في الطيب. وفي رواية: نجعله في طيبنا ونرجو بركته لصبياننا قال أصبت، فكان طيب ريحه من صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبًا كرامة ومعجزة له صلى الله عليه وسلم. ومع هذا كان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين وليكون لهم قدوة حسنة.

كلام النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

سرد الحديث تتابعه والعجلة فيه، والفصل: القول الحق والبين الواضح.

(3)

أي لو أراد السامع أن يعد كلماته وحروفه لأمكنه.

(4)

لبيانه ووضوحه.

(5)

الترتيل والترسيل ضد العجلة، فكان كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا سقط ولا عيب فيه ولا عجلة فيه، بل كان فصلا فصيحًا واضحًا بينا لكل سامع. وفيه ترتيل وترسيل كحبات اللؤلؤ إذا توالت في عقدها.

ص: 236

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثاً لِتُعْقَلَ عَنْهُ

(1)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ.

‌ضحك النبي صلى الله عليه وسلم

قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه: أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيراً كانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ

(2)

فَيَأَخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلَ الصَّمْتِ

(3)

قَلِيلَ الضَّحِكِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ فِي سَاقَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُمُوشَةٌ

(4)

وَكَانَ لَا يَضْحَكُ إِلا تَبَسُّماً وَكُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ قُلْتَ أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ

(5)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(6)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(7)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

(1)

ليفهمها ويثبت منها كل سامع، وهذا في التشريع غالبا.

ضحك النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

فيه جواز الكلام المباح في المسجد، وهذا في بعض الأحيان وإلا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصبح التفت إلى أصحابه وقال هل رأى منكم أحد الليلة رؤيا فإن رأى أحد شيئًا قصه وربما قص النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ما رآه كما سيأتي في كتاب الرؤيا إن شاء الله.

(3)

طويل الصمت أي يتفكر في مصنوعات الله تعالى وربما رئي عليه علامة الحزن، قليل الضحك إلا لسبب، وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم قليل الكلام قليل الطعام.

(4)

أي رقة وخفة.

(5)

لغزارة الأهداب وسوادها.

(6)

لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتبسم في وجه من لقيه من أصحابه، وهذا من البشاشة المطلوبة، وفي رواية: تبسمك في وجه أخيك صدقة فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحك إلا تبسما وما كان يقهقه لحديث» لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب» ولأنها من عادة أهل الأهواء.

(7)

الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن. نسأل الله أن يحسن أحوالنا آمين والله أعلم.

ص: 237

‌نوم النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبةِ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ أَوَّلُهُمْ أَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ وَقَالَ آخِرُهُمْ خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاؤُوا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَتَوَلاهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ

(1)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَن تُوتِرَ قَالَ: «تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي

(2)

». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ جِبْرِيلُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ: هذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ

(3)

فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّداً قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ.

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان نائما في المسجد الحرام بين اثنين هما عمه حمزة وابن عمه جعفر رضي الله عنهما إذ جاءه نفر - ثلاثة - جبريل وميكائيل وإسرافيل، وهذا قبل أن يوحى إليه للإسراء فقال أولهم أيهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم وقال آخرهم خذوا خيرهم فكانت القصة على هذا فقط، ثم جاءوا ليلة الإسراء والنبي صلى الله عليه وسلم نائم عينه دون قلبه شأن الأنبياء فعملوا معه ما أمروا به ثم عرجوا به إلى السماء.

(2)

تقدم هذا الحديث في صلاة الليل طويلا، ففيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه كبقية الأنبياء استعدادًا للوحي النومي الذي هو من أقسام النبوة. كما يأتي في الرؤيا إن شاء الله. نسأل الله الحفظ من معاصيه واليقظة لما يرضيه آمين والله أعلم.

شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

أي مرضعته وهي حليمة رضي الله عنها، يقال ظئر رءوم خير من أم سئوم.

ص: 238

قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْمِعْرَاجِ

(2)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الفصل الثالث في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا

(3)

وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئاً عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشاً

(4)

وَلَا مُتَفَحِّشاً وَقَالَ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقاً. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً.

وَلِلْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً قَطُّ

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو رضيع عند حليمة السعدية كان يلعب مع الصبيان فجاءه جبريل مع بعض الملائكة في صور رجال فأخذوه فصرعوه أي ألقوه على ظهره وشقوا بطنه وأخرجوا قلبه فشقوه وأخذوا منه كعلقة وألقوها وقالوا هذا حظ الشيطان منك أي ما كان يرجوه في إضلالك ثم غسلوا القلب بماء زمزم ثم لأموه أي أطبقوه وأعادوه مكانه ثم أطبقوا البطن فكأنه لم يكن به شق ثم أقاموه. وفي رواية: قال له جبريل لو علمت ما فعل بك لقرت عينك فذهب الذين كانوا يلعبون معه إلى حليمة فقالوا إن أخانا القرشي قتل فجاءت تسعى هي وزوجها فوجدوه قائما منتقع أي متغير اللون فسألوه عما حصل فأخبرهم فأخذوه وذهبوا ثم سافروا به وسلموه لأمه رضي الله عنهم أجمعين، والمراد من هذا زيادة التطهير له صلى الله عليه وسلم وإلا فليس للشيطان عليه سبيل قال تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وكان أنس رضي الله عنه يرى أثر الشق خطًا مستطيلا من صدره إلى نهاية بطنه، وهذه أولى مرات الشق الذي وقع له صلى الله عليه وسلم وآخرها ليلة الإسراء كما سيأتي في حديثه إن شاء الله وفيه أنهم بعد غسل القلب ملأوه إيمانا وحكمة.

(2)

وقد روي شق صدره صلى الله عليه وسلم البخاري وغيره خصوصا في حديث الإسراء نسأل الله التوفيق والرفعة آمين.

الفصل الثالث في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

فكان صلى الله عليه وسلم أكثر حياء من العذراء في خدرها أي من البكر في سترها وكان إذا كره شيئا أي غضب من شيء تغير وجهه ولم يتكلم به لشدة حيائه.

(4)

الفحش القبح في القول فلم يكن من طبعه ولم يتكلفه، وحقيقة حسن الخلق هي التحلي بالفضائل والبعد عن الرذائل وقيل بشاشة الوجه وكف الأذى وبذل الندى أي المال.

ص: 239

إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلا تَرَكَهُ

(1)

.

• عَنْ عَطَاءٍ رضي الله عنه قالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ قَالَ: أَجَلْ

(2)

وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً

(3)

وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَحِرْزاً لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظَ

(4)

وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ولكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ

(5)

وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ

(6)

بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُناً عُمْياً وَآذَاناً صُمًّا وَقُلُوباً غلْفاً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(7)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً قَطُّ فَقَالَ لَا

(8)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ

(1)

وهذا إعظام للنعمة ولخالقها.

(2)

قال أجل أي نعم.

(3)

شاهدًا أي للمؤمنين وعلى الكافرين، ومبشرًا أي للمؤمنين بالجنة ونذيرًا أي للكافرين والمنافقين بالنار الخالدة، وحرزا أي حصنا للأميين جمع أمي من لا يقرأ ولا يكتب وهم العرب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حصنًا لهم من سطوة العجم ومن نار الآخرة.

(4)

ليس بفظ أي سيء الخلق، ولا غليظ أي قاسي القلب قال تعالى {لو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} ولا سخاب في الأسواق أي ليس برافع صوته على الناس لسوء خلقه ولا صيّاح عليهم، فالسخاب والصّخاب الذي يرفع صوته.

(5)

فلا يسيء من أساء إليه ولكنه يعفو ويصفح.

(6)

الملة العوجاء هي ملة إبراهيم عليه السلام التي اعوجت بالشرك وعبادة الأصنام في زمن الفترة، والأعين العمى جمع عين عمياء وهي التي لا تبصر، والآذان الصم جمع أذن صماء وهي التي لا تسمع، والقلوب الغلف جمع قلب أغلف وهو الذي ختم عليه فلا يقبل خيرا، فالله تعالى لن يميت محمدا صلى الله عليه وسلم حتى يعيد به ملة إبراهيم إلى ما كانت عليه برجوعهم إلى كلمة التوحيد فتنفتح بها الأعين والأذان والقلوب وتمتلئ بالهداية وذكر الله تعالى {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} .

(7)

في كراهية السخب في السوق من كتاب البيوع.

(8)

بل إن كان عنده أعطى السائل وإلا وعده بالإعطاء إذا أتاه المال، وفي هذا يقول حسان رضي الله عنه:

ما قال لا قط إلا في تشهده

لولا التشهد لم تسمع له لا لا

ص: 240

فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: «أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّداً لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ

(1)

»، فَقَالَ أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدْنْيَا وَمَا فِيهَا.

وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ رضي الله عنه: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُنَيْنٍ مَا أَعْطَانِي

(2)

وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ

(3)

. رَوَى مُسْلِمٌ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم راجِعاً وَكَانَ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ لِأَبِي طَلْحَةَ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَنَساً غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ:«فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ عَشْرَ سِنِينَ واللَّهِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هكَذَا وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هذا هكَذَا» . رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

(1)

الرجل لم يأمر قومه بالإسلام رغبة في العطاء ولكن يظهر لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق في نبوته لأنه يعطي ولا يخاف فقرا. وهذا لا يصدر إلا من شخص تأيد بالمعجزات وامتلأ يقينًا بوعد ربه تعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} .

(2)

أعطاه مائة من النعم ثم مائة ثم مائة، ففي هذه النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكرم الناس وأجود الناس على الإطلاق.

(3)

أي لا تخافوا فليس هناك ما يفزع، وكان فرس أبي طلحة هذا يسمى مندوبا وكان بطيئا في سيره فلما ركبه النبي صلى الله عليه وسلم صار ذليلا سريعا واسع الخطى.

(4)

فأنس بن مالك مات أبوه وهو صغير فتزوجت أمه بأبي طلحة فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رأى أبو طلحة وزوجته أم سليم أن يقدموا أنسًا للنبي صلى الله عليه وسلم يخدمه فينتفع ويتعلم أنس ويكون لأمه وزوجها بهذا=

ص: 241

• وَعَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقاً فَأَرْسَلَنِي يَوْماً لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ

(1)

وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَهَبْتُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ» مُسْتَرْضَعاً لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ

(2)

فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْناً فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ تَكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ» .

= حظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ أبو طلحة أنسا وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس - كقيم - أي عاقل فاتخذه خادما فقبله النبي صلى الله عليه وسلم قال أنس فخدمته عشر سنين بقية حياته صلى الله عليه وسلم فما اعترض عليّ بشيء لا فعلا ولا تركا؛ لأن أنسا كان عاقلا يضع الشيء في محله فلا وجه للوم، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى أن الفاعل في كل شيء هو الله تعالى فيكون كل شيء جميلا على حد قول بعضهم:

إذا ما رأيت الله في الكل فاعلا

شهدت جميع الكائنات ملاحا

وإن لم تر إلا مظاهر صنعه

حجبت فصيرت الحسان قباحا

ويحتمل الأمران.

(1)

لم يؤاخذه النبي صلى الله عليه وسلم على قوله والله لا أذهب ولا على وجوده مع من يلعبون بل نظر إليه وهو يضحك لأنه لم يكن مكلفا حينذاك.

(2)

فإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية كان رضيعا في عوالى المدينة أي ضواحيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إليه لينظره ويقبله فيدخل بيت المرضعة وهو مملوء بالدخان لأن ظئر إبراهيم عليه السلام، أي زوج مرضعته كان قينا أي حدادا ولم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ومات إبراهيم وهو في الثدي أي في زمن الرضاع لأنه كان ابن سبعة عشر شهرا تقريبا، فقال صلى الله عليه وسلم إن له ظئرين أي مرضعتين تكملان رضاعه في الجنة، فكما يطلق الظئر على زوج المرضعة يطلق على نفس المرضعة.

ص: 242

• وَعَنْهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ يَكِيدُ

(1)

بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ إِلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» . رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ

(2)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَادٍ حَسَنُ الصَّوْتِ اسْمُهُ أَنْجَشَةُ

(3)

فَمَرَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَسُوقُ الْإِبِلَ بِالزَّوْجَاتِ الطَّاهِرَاتِ فَقَالَ لَهُ: «رُوَيْداً يَا أَنْجَشَةُ لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ» . رَوَاهُ الشَّيخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلا غَمَسَ يَدَهُ

(4)

فَرُبَّما جَاؤُوا فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا.

• وَعَنْهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْحَلاقُ يَحْلِقُهُ وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلا فِي يَدِ رَجُلٍ

(5)

.

• وَعَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِها شَيْءٌ

(6)

فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ

(1)

يكيد. وفي رواية. يجود بنفسه أي في حال النزع.

(2)

ولكن مسلم هنا وباقيهم رووه في الجنائز.

(3)

فكان للنبي صلى الله عليه وسلم عبد يسمى أنجشة وكان حسن الصوت فكان يسوق الإبل ويحدو لها أي ينشدها شيئا من الشعر فتسرع في المسير، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سرعة الإبل بالزوجات الطاهرات وهذا بالطبع يؤلمهن، أمره بالرفق بقوله رويدا يا أنجشة، أي تمهل لا تكسر القوارير أي النسوة الشبيهة بالزجاج في ضعفهن وسرعة كسرهن، فإنهن لا يطقن السرعة.

(4)

فكان في صباح كل يوم يأتي أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأوانيهم فيها ماء ليغمس النبي صلى الله عليه وسلم يده في هذا الماء يتبركون به فيجيبهم إلى طلبهم ولو كان البرد شديدا إكراما لهم ورحمة بهم.

(5)

فكانوا يتسابقون إلى شعر النبي صلى الله عليه وسلم يتبركون به، وقد تقدم مثل هذا في الحلق بمنى، ففيه وما قبله جواز التبرك بآثار الصالحين نسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم.

(6)

فكانت امرأة ناقصة العقل تسمى أم زفر ماشطة لخديجة رضي الله عنها، قالت يا رسول الله لي عندك حاجة سرية فقال لها في أي طريق تذهبين فأنا معك، فسار معها حتى انتهت حاجتها، ففي هذه النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نهاية اللطف واللين والرحمة والرأفة بخلق الله لا فرق بين كامل وناقص وذكر وأنثى.

ص: 243

حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا». رَوَى مُسْلِمٌ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الْآخَرِ إِلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا

(1)

مَا لَمْ يَكُنْ إِثْماً فَإِنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ عز وجل

(2)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِماً إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ

(3)

فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عز وجل. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْراً فَتَرَخَّصَ فِيهِ

(4)

فَبَلَغَ نَاساً مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ فَبَلَغَهُ ذلِكَ فَقَامَ خَطِيباً فَقَالَ: «ما بَالُ رِجَالٍ بَلَغَهُمْ عَنِّي أَمحرٌ تَرَخَّصْتُ فِيهِ فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

فما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار الأسهل منهما كالاجتهاد في العبادة والاقتصاد فيها وكالسعة في الدنيا والكفاف منها، فالاقتصاد أخف وتسهل المداومة عليه، والكفاف أسهل ولا مسئولية عليه.

(2)

وما انتقم لنفسه خاصة كعفوه عن الرجل الذي رفع صوته عليه وقال إنكم يا بني عبد المطلب مطل رواه الطبراني، وكعفوه عن الرجل الذي جبذ بردائه حتى أثر في عنقه وقال أعطني مما عندك فليس مالك ولا مال أبيك، وسيأتي في الأخلاق، إلا إذا انتهكت حرمة الله فينتقم، كأمره بقتل عبد الله بن خطل وعقبة بن أبي معيط ونحوهما ممن كانوا ينتهكون حرمة الله تعالى.

(3)

وما نيل منه شيء أي ما قصده أحد بسوء فانتقم منه بل كان يعفو ويصفح، لكن من ينتهك محارم الله فإنه يؤدبه بما يراه من حد وغيره إقامة لحق الله وزجرا للأشرار.

(4)

الأمر الذي ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو قيام الليل كله إلا في رمضان، والذين تنزهوا عنه جماعة من الأصحاب مرّ ذكرهم سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فلما سمعوا كأنهم استقلوها، وقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم أما أنا فإني أقوم الليل كله، وقال آخر أنا أصوم الدهر أبدا. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم بهذا فذكر الحديث على المنبر. والله أعلم.

ص: 244

‌شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}

(1)

ـ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيَ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ

(2)

فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبيَ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةَ لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عز وجل فِي إِبْرَاهِيمَ {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

(4)

. وَقَالَ عِيسى عليه السلام: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى

(5)

» فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرضيكَ

شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته

(1)

فالله تعالى يقول لقد أرسلنا إليكم رسولا منكم، عزيز عليه ما عنتم أي شديد عليه مشقتكم ومضرتكم بل هو حريص على هدايتكم ورءوف ورحيم بالمؤمنين.

(2)

لكل نبي دعوة مستجابة أي محققة الإجابة فتعجل كل نبي دعوته في دنياه كدعوة نوح وموسى على من لم يؤمن من قومهما، والنبي صلى الله عليه وسلم قد ادخر دعوته إلى يوم القيامة لتكون شفاعة لعصاة أمته صلى الله عليه وسلم.

(3)

ولكن مسلم في الإيمان وغيره في كتاب الدعاء.

(4)

رب إنهن أي الأصنام أضللن كثيرا من الناس بعبادتهم لهن من وسوسة الشيطان، فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فأمره إليك لأنك غفور رحيم.

(5)

فإبراهيم وعيسى صلى الله عليهما وسلم وكلا إلى الله تعالى أمر أمتهما، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طلب لأمته الرحمة وبكى، فقال الله لا تحزن فإننا سنفعل مع أمتك ما يرضيك ويسرك، فهذه شفقة منه صلى الله عليه وسلم على أمته لم تكن عند نبي غيره صلى الله عليه وسلم.

ص: 245

فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيهَاً فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطاً وَسَلَفاً بَيْنَ يَدَيْهَا وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ

(1)

». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ.

‌الفصل الرابع في أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم

(2)

منها خاتم النبوة

• عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزيدَ رضي الله عنه قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ خَاتَماً فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامٍ. رَواهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظَهُ: كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ غُدَّةً حَمْرَاءَ

(4)

مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ.

• عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ رضي الله عنهم قالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزاً وَلَحْماً أَوْ قَالَ ثَرِيداً، قَالَ عَاصِمٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: نَعَمْ وَلَكَ، ثُمَّ هذِهِ الآيَةَ {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ،

(1)

كما أهلك الله قوم نوح وفرعون وقومه في زمن نوح وموسى لأنهم كذبوهما وتمادوا في الكفر فأهلكهم الله وطهر الأرض منهم وأقر عين أنبيائهم بهذا وأبدلهم خيرا منهم كما قضت الحكمة بذلك. والله أعلى وأعلم.

الفصل الرابع في أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم. منها خاتم النبوة

(2)

أي في ذكر العلامات التي تدل على أن محمد صلى الله عليه وسلم نبي الله ورسوله إلى العالمين.

(3)

الحجلة - كالعجلة - جمعها حجال وهي بيت كالقبة له عرى وأزرار كبار.

(4)

غدة، أي بضعة كبيضة الحمامة لونها أحمر، أو الشعر الذي يعلوها.

ص: 246

قَالَ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى

(1)

جُمْعاً عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌ومنها إخبار الراهب برسالة صلى الله عليه وسلم قبلها

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ

(2)

وَمَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ

(3)

هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ، وَكَانُوا قَبْلَ ذلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ فَجَاءَ الرَّاهِبُ وَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَصَارَ يَتَخَلَلُهُمْ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: هذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ هذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ بِهذَا؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَقْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلا خَرَّ سَاجِداً

(4)

.

(1)

ناغض الكتف أي أعلاه، وقيل ما يظهر من عظمه عند التحرك. وقوله جمعا أي كصورة الكف بعد جمع أصابعه وضمها، ولا تنافي بين هذه النصوص فإن كلا أخبر بما ظهر له، والخيلان جمع خال وهي الغدة الصغيرة، والثآليل جمع ثألول وهي حبيبات تعلو الجسد فمن علامة النبوة في جسمه الشريف صلى الله عليه وسلم أنه كان في أعلى ظهره من الجهة اليسرى غدة كقدر بيضة الحمامة تقريبا عليها حبيبات لونها أحمر أو عليها شعر أحمر، وهذه هي خاتم النبوة الذي ورد في الكتب السالفة والذي هو علامة على أنه نبي الله ورسوله إلى الناس كلهم صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

ومنها إخبار الراهب برسالته قبلها

(2)

كان لقريش رحلتان في السنة إحداهما للشام في الصيف والأخرى لليمن في الشتاء يجلبون منهما ما يحتاجونه، فلما جاء وقت خروجهم لرحلة الصيف وكان الخارج لبني هاشم أبا طالب رق لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يربي في حجره وتعلق به النبي صلى الله عليه وسلم وكان سنه حينذاك ثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة فقال أبو طالب والله لا يفارقني محمد ولا أفارقه أبدا فأخذه معه.

(3)

الراهب هذا اسمه جرجيس ولقبه بحيرا بفتح فكسر كان عالما بالنصرانية ومترهبا مشهورا، وهذا كان بحوران أول مدن الشام من جهة الحجاز.

(4)

وسجود الشجر ميلها أمامه وسجود الحجر دحرجته أمامه صلى الله عليه وسلم.

ص: 247

وَلَا يَسْجُدَانِ إِلا لِنَبِيَ وَإِنِّ أَعْرِفُهُ بخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غضْرُوفِ كَتِفِيهِ

(1)

مِثْلَ التُّفَّاحَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَاماً فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَعِيَّةِ الْإِبِلِ قَالَ: «أَرْسِلُوا إِلَيْهِ» ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ فَلَمَّا دَنَا مِنَ القَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ

(2)

فَلَمَّا جَلَسَ صلى الله عليه وسلم مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءٍ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ

(3)

إِلا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِسْبَعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ

(4)

فَقَال: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: جِئْنَا إِنَّ هذَا النَّبِيَّ

(5)

خَارِجٌ فِي هذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلا بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ

(6)

بُعِثْنَا إِلَى طَريقِكَ هذَا فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّمَا اخْتِرْنَا خِيَرَةً

(7)

لِطَرِيقِكَ هذَا قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْراً أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَبَايَعُوهُ

(8)

وَأَقَامُوا مَعَهُ قَالَ

(9)

: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ قَالُو: أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالاً وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

أسفل من غضروف كتفه أي عظم كتفه، والغضروف والغرضوف - كعصفور - العظم، ثم نظر الراهب الخاتم فزاد يقينه.

(2)

أي ظلها.

(3)

يناشدهم أي يسألهم بالله ألا يسافروا به إلى الروم فيعرفونه بالصفة فيقتلونه، الصفة هي سجود الشجر والحجر له وخاتم النبوة في ظهره صلى الله عليه وسلم:

(4)

أي بحيرا الراهب.

(5)

هذا النبي أي نبي الأميين وهو محمد صلى الله عليه وسلم خارج من بلده في هذا الشهر.

(6)

خبره أي بخبره، وبعثنا خبر إن وما بينهما جملة حالية.

(7)

أي فنحن أفضل من أرسلوا من اليهود لمقابلته والتنكيل به.

(8)

فبايعوه أي النبي صلى الله عليه وسلم وكتموا خبره وذلك بإرشاد الراهب الذي أضافهم وأكرم ضيافتهم.

(9)

قال أي الراهب لقريش، فلم يزل يناشد عمه ألا يسافر به حتى اقتنع ورجع به ومعهم بلال من قبل أبي بكر، وأتحفهم الراهب بالكعك والزيت=

ص: 248

‌ومنها تسليم الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم

(1)

• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَراً بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالترْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: إِنَّ بِمَكَّةَ حَجَراً كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ

(2)

.

وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلا وَهُوَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌ومنها إخبار الجن والهواتف بالنبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلا كَانَ كَمَا قَالَ

(4)

بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِساً إِذْ مَرَّ به رَجُلٌ جَمِيلٌ

(5)

فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ إِنَّ هذَا

= إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم. والمراد من هذا أن الراهب حينما رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم نزل إليهم وأخذ بيده وقال بصوت عال هذا سيد العالمين. هذا رسول رب العالمين، فكبر على قريش وقالوا أين لك هذا؟ قال رأيت الشجر والحجر يسجدان له ولا يسجدان إلا لنبي، وأزيدكم أن في جسمه خاتم النبوة وكشف عن ظهره فإذا الخاتم فيه وأكرمهم بالطعام، ولما جاء بعث الروم قابلهم وحاجهم حتى أقنعهم فبايعوه وكتموا الأمر ورجعوا إلى بلادهم، فالراهب لو لم يوقن بما يقول وأنه رآه في سالف الكتب ما فعل ذلك. نسأل الله التوفيق لحسن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم والعمل بشرعه الشريف آمين والله أعلم.

ومنها تسليم الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم

(1)

أي قبل البعثة إرهاصا لنبوته صلى الله عليه وسلم.

(2)

لا تنافي بين هذه والتي قبلها فكان يسلم عليه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وحين البعثة من باب أولى.

(3)

فكان الجبل والحجر والشجر كل منها يقول إذا مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليك يا رسول الله، وهذا إلهام وتمييز خلقه الله فيها إكرامًا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا غرابة قال الله تعالى في الحجارة» وإن منها لما يهبط من خشية الله» وقال تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} .

ومنها إخبار الجن والهواتف بالنبي صلى الله عليه وسلم

(4)

لأنه كان من الملهمين للحق رضي الله عنه.

(5)

هو سواد بن قارب.

ص: 249

عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ

(1)

فَدُعِيَ لَهُ فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ

(2)

، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلا مَا أَخْبَرْتَنِي

(3)

، قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ ما جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْماً فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا

(4)

وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلاسِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخاً قَطُّ أَشَدَّ صَوتاً مِنْهُ

(5)

يَقُولُ: يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَوَثَبَ الْقَوْمَ فَقُلْتُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هذَا الصَّارِخِ ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هذَا نَبِيٌّ ظَهَرَ

(6)

.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفَضائِلِ فِي إِسْلَامِ عُمَرَ رضي الله عنه وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِ آمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

أي أحضروا الرجل ولقد أخطأ ظني فيه أو أصاب وهو إما على كفره أو كان كاهن قومه في الجاهلية، فلما سأله ظهر الثاني.

(2)

أي ما رأيت يوما سمع فيه رجل مسلم ما يؤلمه كاليوم. وفي رواية قد جاءنا الله بالإسلام فما لنا والجاهلية.

(3)

أي ألزمك أن تحدثني.

(4)

ألم تر الجن وإبلاسها أي ألم تنظر إلى الجن وخوفها، ويأسها من بعد إنكاسها أي ويأسها من استراق السمع من بعد انقلابها على رأسها بتتابع الشهب عليها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها أي ولحوق الجن لأصحاب الإبل وهم العرب ومتابعتهم لهم في الدين، والمراد ألم تنظر إلى الجن وما اعتراها من عظيم الهول بظهور النبي العربي الذي سيؤمن به الإنس والجن لأنه مرسل لكل الخلق ولكن للثقلين تكليفا ولغيرهما تشريفا.

(5)

قال عمر من هذا العجب ما رأيته يوما وأنا عند الأصنام حينما جاء رجل بعجل فذبحه لصنم منهن فسمعت صارخا بصوت شديد ما سمعت مثله قط ينادى الذابح للصنم بقوله: يا جليح أي يا عدو الله يا ظاهر العداوة، أمر نجيح أي هذا أمر ناجح وهو رجل فصيح يقول لا إله إلا الله هو محمد صلى الله عليه وسلم ظهر ينادي بها، فوثب القوم وقاموا من هول هذا القول.

(6)

ولكني جلست حتى سمعته مرة ثانية ثم قمت، فما نشبنا أي ما لبثنا قليلا حتى قيل هذا نبي ظهر للناس وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فإخبار الجن وقول الهاتف بظهور النبي صلى الله عليه وسلم حق لا شك فيه لأنهما ليسا من صنع الآدمي بل بخلق الله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.

ص: 250

‌الفصل الخامس في الوحي والنبوة والرسالة

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}

(2)

{مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

‌كيف كان ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ

(3)

؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحْيَاناً يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي

(4)

وَقَدْ وعيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْياناً يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقاً

(5)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

.

• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُرِبَ لِذلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ

(7)

.

الفصل الخامس في الوحي والنبوة والرسالة

(1)

أي في بيان أحوال الوحي حينما كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكر حديث أول النبوة والرسالة.

(2)

وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا أي قرآنا من عندنا تحيا به النفوس كما تحيا بالأرواح نهدي به من أحببناه من العباد ومن هذا قول الله تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} صدق الله العظيم.

كيف كان ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

أي جبريل عليه السلام.

(4)

فيفصم أي ينفصل ويذهب عني.

(5)

أي يتصبب بالعرق.

(6)

ولكن البخاري في أول كتابه والآخران هنا.

(7)

أي ظهرت عليه شدة وتغير وجهه من ثقل الوحي.

ص: 251

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ نَكَسَ رَأْسَهُ ونَكَسَ أَصْحَابُهُ رُؤُوسَهُمْ فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ

(1)

رَفَعَ رَأْسَهُ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

‌أول نزول الوحي بالنبوة والرسالة

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ

(2)

ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ

(3)

وكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ ـ أَيْ يَتَعَبَّدُ ـ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِع إِلَى أَهْلِهِ

(4)

وَيَتَزَوَّدُ لِذلِكَ

(5)

، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ

(1)

وفي رواية: فلما أتلى عنه وفي أخرى فلما سرى عنه ومعناهما واحد أي لما تركه رفع رأسه ومعنى ما تقدم أن جبريل عليه السلام كان يجيء للنبي صلى الله عليه وسلم بحالتين إحداهما في صورة رجل ذي هيئة له لحية وعليه ملابس نظيفة كأنه دحية الكلبي فيكلم النبي صلى الله عليه وسلم بما أمر به ويذهب، وهذه حال سهلة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في صورة آدمي مثله، والأخرى يجيئه غير ظاهر ولكنه يسمع صوتًا كصلصلة الجرس إذا وقع على شيء صلب كحجر، وهذه كانت شديدة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يتغير وجهه ويمتلئ جبينه بالعرق ولو كان البرد شديدا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال ينكس رأسه ويتبعه الأصحاب إن كانوا معه ويتحرك لسانه وشفتاه بتلقي الوحي وعلى كل كان يعي ما يلقيه عليه ويحفظه تماما صلى الله عليه وسلم، بقي من أنواع الوحي الرؤيا المنامية وستأتي في أول نزول الوحي والإلهام القلبي لحديث» إن روح القدس نفث في رُوعى لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» ولقول الله جل شأنه» وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا» في المنام والإلهام» أو من وراء حجاب» كما كلم موسى عليه السلام» أو يرسل رسولا» كجبريل عليه السلام» فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليّ حكيم» صدق الله العظيم والله أعلى وأعلم.

أول نزول الوحي بالنبوة والرسالة

(2)

في الوضوح لأنها وحي من الله تعالى.

(3)

أي حبب الله له أن يختلى عن الناس في غار جبل حراء على ثلاثة أميال من مكة فيتحنث فيه أي يعبد ربه على دين أبيه إبراهيم عليهما السلام ويتفكر في مصنوعات الله استعدادا للوحي الإلهي، وهذا أصل الخلوة التي اتخذها الصوفية عند إرادة الوصول إلى ملك الملوك جل شأنه.

(4)

أي يرجع لهم.

(5)

ويتزود لذلك أي يأخذ الزاد للاختلاء فإذا فرغ رجع إلى خديجة رضي الله عنها فتزود ورجع لخلوته.

ص: 252

الْحَقُّ

(1)

وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي

(2)

حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. فَرَجَعَ بِهَا

(3)

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ

(4)

بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي

(5)

فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كلا

(6)

وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةُ

(7)

وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ

(1)

الحق والملك هو جبريل عليه السلام نزل عليه يوم الاثنين لسبع عشرة من شهر رمضان وهو ابن أربعين سنة صلى الله عليه وسلم. وقوله الآتي قلت: ما أنا بقارئ انتقال من الغيبة إلى التكلم.

(2)

فأخذني فغطني أي ضمني إلى صدره وعصرني حتى بلغ مني الجهد أي المشقة، فعل بي هذا ثلاث مرات ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك، إلى الأكرم.

(3)

فرجع بها أي بهذه الآيات يرجف فؤاده أي يضرب قلبه، وفي رواية: ترجف بوادره جمع بادرة وهي صفحة العنق من هول رؤية الملك الذي لم يره من قبل هذا.

(4)

وهي زوجته التي لم يتزوج عليها حتى ماتت رضي الله عنها، وسيأتي فضلها في الفضائل إن شاء الله.

(5)

زملوني أي غطوني بالثياب فزملوه حتى ذهب عنه الروع أي الخوف، وأخبرها الخبر جملة حالية بين القول ومقوله أي قال لخديجة في حال إخباره لها بما رآه لقد خشيت على نفسي أي الهلاك مما رأيت كأنه شيطان مارد.

(6)

فقالت خديجة كلا أي لا تقل هذا فإنك محفوظ بعناية الله تعالى لأنك تصل رحمك وتحمل الكل أي تعين الضعيف، وتكسب المعدوم أي تكسب الناس المعدوم عندهم كالمروءة والنجدة ومكارم الأخلاق، وتكرم الضيف، وتعين على نوائب الحق أي تفرج عن الناس الكروب والشدائد لأنها من عند الله تعالى. وفي رواية. وتصدق الحديث.

(7)

فذهبا إلى ابن عم خديجة =

ص: 253

فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ ما رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هذَا النَّامُوسُ

(1)

الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعاً لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ.

وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه وَهُوَ يحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السَّمَاءِ فَرفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيَ

(2)

بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَأَنْزَلَ

= وهو ورقة بن نوفل وكان رجلا طاعنًا في السن ويعرف الكتب السالفة والكتابة العبرية فضلا عن العربية، فله إلمام كبير بملمات الدهر.

(1)

فلما ذهبا إليه وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم قال له هذا الناموس أي صاحب السر الإلهي الذي كان يتنزل على الأنبياء قبلك وسيعود لك فيأمرك بالرسالة، ثم قال يا ليتني فيها أي مدة الرسالة جذعًا أي شابًا قويا ليتني أكون حيًا حينما يخرجك قومك من بلدك هذا، فعجب النبي صلى الله عليه وسلم من قوله هذا لأنه يرى نفسه الآن محبوبًا بينهم بل كان مشهورا بالصادق الأمين، ورد على ورقة بقوله هل سيخرجني قومي؟ قال نعم لم يأت رجل قط بالرسالة إلا عاداه قومه ولكنى لو عشت وأدركت رسالتك لنصرتك نصرًا مؤزرا أي نصرا قويًا عزيزا، فلم ينشب ورقة أن توفي، أي لم يلبث بعد هذه الجلسة إلا زمنا قليلا ثم مات إلى رحمة الله طاويًا في قلبه نصر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه القويم، وفتر الوحي أي لم ينزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه المرة إلا بعد ثلاث سنين أو سنتين ونصف ليزداد شوقه إليه ويقبل بكليته عليه.

(2)

فبعد فترة الوحي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ سمع قائلا من السماء يقول يا محمد فنظر فإذا هو جبريل على كرسي في الهواء فخاف منه فرجع إلى بيته فقال. زملوني ففعلوا حتى ذهب خوفه فأنزل الله تعالى» ياأيها المدثر» أي المتلفف بالثياب» قم فأنذر» أي الناس» وربك فكبر» أي عظمه» وثيابك فطهر» أي من النجاسات وقصرها عن الأرض» والرجز فاهجر» أي اهجر الأصنام ولا تعبدها، فحمى الوحي وتتابع، أي صار ينزل كثيرا.

ص: 254

اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} {قُمْ فَأَنذِرْ} {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فَحَمِيَ الْوحْيُ وَتَتَابَعَ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ يَحْيَى رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ قَالَ: يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فَقُلْتُ: أَوِ اقْرَأْ، قَا سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ؟ قَالَ: يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فَقُلْتُ: أَوِ اقْرَأْ، قَالَ جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَا «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْراً

(1)

فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَداً، ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَداً، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَى الْعَرْشِ في الْهَوَاءِ فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةُ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي فَدَثِّرُونِي فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} {قُمْ فَأَنذِرْ} {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

جاورت بحراء شهرا أي أقمت فيه أعبد الله شهرا ثم أردت الذهاب إلى بيتي لأنظر مصلحته فخرجت من الغار فسرت حتى استبطنت الوادي، أي صرت في بطنه في الطريق ناداني مناد مرات فنظرت فإذا هو جبريل عليه السلام على العرش أي الكرسي في الهواء فرعبت منه فأسرعت إلى بيتي فقلت دثروني أي غطوني بالملابس حتى يذهب خوفي فدثروني فصبوا عليّ ماء لإطفاء حرارة الخوف والهم فأنزل الله تعالى على نبيه هذه الآيات التي تأمره بتبليغ الرسالة، فثبتت رسالته من هنا، وأما النبوة فمن نزول جبريل عليه في الغار بقوله {اقرأ باسم ربك الذي خلق} ولا منافاة بين حديث جابر هذا وحديث عائشة فإن {ياأيها المدثر} أول ما أنزل للرسالة، و» اقرأ باسم ربك» أول ما نزل للنبوة على صاحبهما أفضل الصلاة والسلام.

ص: 255

‌عمر النبي صلى الله عليه وسلم ومدة رسالته

(1)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَرْبَعِينَ سَنَةً

(2)

فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ أَيْ إِلَى المَدِينَةِ فَهَاجَرَ إِلَيْهَا وَأَقَامَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.

وَقَالَ جَرِيرٌ رضي الله عنه: كُنَّا قُعُوداً عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَذَكَرُوا سِنِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَقُتِلَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ

(5)

. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

عمر النبي صلى الله عليه وسلم ومدة رسالته

(1)

فعمر النبي صلى الله عليه وسلم من ولادته إلى موته ثلاث وستون سنة هلالية، ومدة الرسالة من وقت أن كلف بها إلى موته صلى الله عليه وسلم عشرون سنة هلالية.

(2)

بعث لأربعين سنة أي نزل الوحي عليه وهو ابن أربعين سنة، وإلا فبعثته بالرسالة لثلاث وأربعين، وبقي بمكة ثلاث عشرة سنة ثم هاجر للمديند فأقام بها عشر سنين ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى.

(3)

هذا باحتساب سنة الولادة وسنة الوفاة، وما قبله القائل بثلاث وستين لم ينظر إلى هاتين السنتين بل احتسب السنين الكاملة فقط، فلا تعارض بينهما.

(4)

فيه إشعار بفضلهما على الناس وقربهما من النبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

فكأن معاوية رضي الله عنه بهذا يشعر بقرب وفاته ويرجو القرب من النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه العظيمين رضي الله عن الجميع وحشرنا في زمرتهم آمين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 256

‌الفصل السادس في الإسراء

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}

(1)

{الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

• عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ

(2)

وَذَكَرَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَلْأَى حِكْمَةً وَإِيمَاناً فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيماناً

(3)

» وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ

(4)

فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا

(5)

قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ

الفصل السادس في الإسراء

(1)

أي تنزه ربنا جل شأنه الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في أرض الشام المباركة لينظر من الآيات الكونية ما يزيد في إيمانه ومعجزاته صلى الله عليه وسلم.

(2)

بين النائم واليقظان أي آخذا من كل طرفًا فجاءوه فأيقظوه، وذكر بين الرجلين أي كان نائما بين عمه حمزة وابن عمه جعفر.

(3)

الفاعل لهذا جبريل وميكائيل وإسرافيل كما تقدم في شق صدره، وهذه هي المرة الرابعة، وقبلها ثلاث: عند حليمة السعدية، وعند البلوغ، وعند البعثة، وهذا لزيادة التطهير وملئه بالإيمان والحكمة صلى الله عليه وسلم.

(4)

فبعد ما تقدم جاءوا بالبراق الذي كان يركبه الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو حيوان أبيض أعلى من الحمار وأقل من البغل له جناحان في جنبيه ويضع حافره عند منتهي طرفه، إذا انحدر طالت يداه وإذا صعد طالت رجلاه ليكون ظهره مستويا دائما، فركبه النبي صلى الله عليه وسلم وسار معه جبريل وميكائيل حتى وصلوا لبيت المقدس فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عن البراق ودخل المسجد فوجد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليهم وسلم في انتظاره فصلى بهم ركعتين إمامًا إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم أفضلهم وأكرمهم على الله تعالى.

(5)

بعد صلاته مع الأنبياء صلى الله عليه وسلم نصب له المعراج وهو سلم له درجات بعدد السموات، فمن استقر على درجة رفعته إلى الأخرى أسرع من طرفة العين =

ص: 257

عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنَ ابْنٍ وَنَبِيَ

(1)

. وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ

(2)

وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى فَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ قُلْتُ: مَنْ هذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذَا آدَمُ وَهذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِه ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِ بَكَى. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ

(3)

فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسى وَيَحْيى فَقَالَا: مَرْحَباً بِكَ مَنْ أَخٍ وَنَبِيَ

(4)

. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيَ

(5)

. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ،

= فصعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل من خازن السماء فقال خازن السماء من هذا؟ قال أنا جبريل. قال ومن معك؟ قال محمد. قال وهل أرسل الله إليه؟ قال نعم. قال مرحبا به أي أتى مكانا رحبا أي واسعا يفرح به أهله، ولنعم مجيئه هذا لرب العالمين، ثم فتح لهما باب السماء فدخلا.

(1)

فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل سارا في السماء فلقيا آدم عليه السلام فسلم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه وقال مرحبا بك من ابن ونبي أي أرحب بك لأنك ابني ونبي.

(2)

عن يمينه أسودة جمع سواد كأفئدة وفؤاد أي عن يمينه ناس كثير مجتمعون يظهرون من بعد كالسواد، والنسم جمع نسمة وهى الروح، فالأرواح السعيدة عن يمين آدم عليه السلام إذا نظر لهم فرح وضحك والأشقياء عن يساره إذا نظرهم حزن وبكى لأن الكل بنوه يفرح لهم ويحزن عليهم صلى الله عليه وسلم.

(3)

القول فيه كالذي قبله.

(4)

فلما دخلا السماء الثانية وسارا فيها وجدا عيسى ويحيى ابن خالته عليهما السلام فسلم عليهما النبي صلى الله عليه وسلم فردا عليه وقالا مرحبا بك من أخ ونبي.

(5)

وفي رواية: فإذا هو قد أعطى شطر الحسن صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 258

قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً بِهِ مِنْ أَخٍ وَنَبِيَ. فَأَتيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيَ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّادِسَةَ قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبيَ فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى

(1)

فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ هذَا الْغُلَامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ قِيلَ: مَنْ هذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أَرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمجِيءُ جَاءَ فَأَتيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنَ ابْنِ وَنَبِيَ فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ

(2)

فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: هذَا

(1)

فلما جاوزه النبي صلى الله عليه وسلم بكى فقال الله له ما أبكاك؟ قال يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي (محمد صلى الله عليه وسلم) يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي فهو يبكي لا حسدا منه للنبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يبكي على قلة أتباعه نظرا لكثرة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أكثر الأنبياء تابعًا لأنه أرسل لجميع الخلق وشرعه باق ما دامت الدنيا، وقوله الغلام ليس تحقيرا للنبي صلى الله عليه وسلم بل على عادة العرب من تسمية الرجل البالغ في السن غلاما ما دام فيه شيء من قوة.

(2)

فرفع لي البيت المعمور بكثرة الملائكة أي كشف لي عنه فرأيته واضحا وهو بيت في السماء السابعة تحجه ملائكتها كل يوم يدخله سبعون ألف ملك يصلون فيه ويخرجون ولا يعودون إليه، ففيه دليل على كثرة الملائكة إلى حد لا يعلمه إلا الله لقوله تعالى {وما يعلم جنود ربك إلا هو} ولحديث» أطت السماء وحق لها أن تئط ما من موضع قدم إلا وفيه ملك راكع لله أو ساجد» وفي كل سماء بيت لأهلها يحجونه أولها في السماء الدنيا وهو بيت العزة وآخرها في السابعة وهو البيت المعمور وكلها بحذاء الكعبة المشرفة التي هي بيت الله لحج أهل الأرض حفظها الله تعالى.

ص: 259

الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ وَرُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى

(1)

فَإِذَا نَبِقْهُا كَأَنَّهُ قِلَالُ هَجَرَ وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَة أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُراتُ (النِّيلُ بِأَرْضِ مِصْرَ وَالْفُرَاتُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ). وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ

(2)

ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً

(3)

فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟

(1)

وكشف لي عن سدرة المنتهى أي التي ينتهي إليها على الخلائق ولم يجاوزها إلا النبي صلى الله عليه وسلم وهي شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، نبقها أي ثمرها كقلال هجر جمع قلة وهي الجرة العظيمة، وهجر بلد معروف لهم، وورقها كآذان الفيول جمع فيل أي في الشكل والاستدارة فقط، وإلا فالورقة منها تغطى الجبل. وقوله في أصلها أربعة أنهار أي يتفجر من تحتها أربعة أنهار اثنان في الجنة والآخران الفرات بالعراق والنيل بأرض مصر أي البركة فيهما من أصل سدرة المنتهى أو بعض مائهما من أصلها، فلا ينافي أن السحب تحمل ماء البحر الملح وتلقيه في أصولهما كما هو مشاهد.

وفي رواية» فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، غشيها ألوان لا أدري ما هي» ولمسلم والترمذي:» لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها» قال تعالى {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال مراش من ذهب (طائر ذو جناحين) قال فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا أعطى الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات» أي الذنوب، فصريح هذا أن سدرة المنتهى في السماء السادسة، وظاهر ما قبله أنها في السابعة ولا تنافي بينهما فأصلها في السادسة وتمتد في العلو إلى ما شاء الله.

(2)

ثم علا النبي صلى الله عليه وسلم بعد السموات السبع وبعد سدرة المنتهى حتى وصل إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام أي صوت كتابتها للمقادير، والظاهر أن هذا عند الكرسي واللوح والقلم بقرب عرش الرحمن جل شأنه.

(3)

» ثم فرضت عليه خمسون صلاة أي كلمه الله تعالى وأوحى إليه ما أوحى من العلوم والأسرار وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة فعاد النبي صلى الله عليه وسلم ومر على إبراهيم عليه السلام فلم يسأله لأنه خليل الرحمن من شأنه التسليم فمرّ على موسى فسأله لأنه كليم الرحمن=

ص: 260

قُلْتُ: فَرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلَاثِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْراً فَأَتَيْتُ مُوسى فَقَالَ مِثْلَه فَجَعَلَهَا خَمْساً فَأَتَيْتُ مُوسى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْساً فَقَالَ مِثْلَهُ قُلْتُ: سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ فَنُودِيَ إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْراً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءٍ الْخَلْقِ وَمُسِلْمٌ فِي الْإِيمَانِ وَعِبَارَتُهُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تبارك وتعالى وَبَيْنَ مُوسى عليه السلام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ فَذلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً.

• عَنْ جَابِرٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قرَيْشٌ فِي الْإِسْرَاءِ قمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ أُثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ فَرَفَعَهُ

= فلما علم بأن الفريضة خمسون قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة على ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي فما قدروا عليهما، ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك لأنها أقصر الأمم أعمارًا وأضعفها أجسامًا فرجع النبي صلى الله عليه وسلم وسأل ربه التخفيف فحط عنه عشرا، فرجع إلى موسى عليه السلام فسأله فأخبره، قال ارجع إلى ربك فسله التخفيف فما يزال يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه جل شأنه حتى صارت الفرائض خمسًا فقال موسى عليه السلام ارجع إلى ربك فسله التخفيف فقال سلمت بخير أي بهذا الفرض الذي هو خير، وبينما هما واقفان معًا سمعا النداء من قبل الله تعالى» إني قد أمضيت فريضتي وخففتها عن عبادى وأجزيهم على الفرض عشرة» وفي رواية:» ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد».

ص: 261

اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أَنبَأْنُهُمْ بِهِ

(1)

وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ

(2)

فَإِذَا مُوسى قَائِمٌ يُصَلِّي فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةً وَإِذَا عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقْفِيُّ وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ صلى الله عليه وسلم فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَممْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ هذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ». رَوَاهُما مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الْإِيمَانَ الْكَامِلَ آمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

(1)

ففي صباح الإسراء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قومه به فأنكروه وعجبوا من قوله وصار بعضهم يضع يده على رأسه وبعضهم يصفق استهزاء به، وقالوا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهرا وأنت تزعم أنك ذهبت إليه وعدت في ليلة واحدة، إن هذا لشيء عجاب، ثم قال قائل منهم أحضروا صاحبه أبا بكر فليسمع قوله، فجاء أبو بكر فسمع منه صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت صدقت والله إنى أصدقه ولو جاء بخبر السماء. فلهذا سمي» أبو بكر الصديق» رضي الله عنه وأخيرا قالوا له: يا محمد إنا نعرف أوصاف بيت المقدس نصفه لنا إن كنت ذهبت له، وكان اجتماعهم هذا بجوار الكعبة في حجر إسماعيل عليه السلام فكشف الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى رأي بيت المقدس كأنه أمامه ينظر إليه فصار النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم عن كل سؤال من أوصافه وأبوابه وجهاته وغيرها حتى قالوا آخرا أما النعت فقد أصاب فيه، ولكنهم لم يؤمنوا لأنهم قد ختم على قلوبهم إلا من سبقت له السعادة فآمن وازداد إيمانًا كأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

(2)

وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء أي في بيت المقدس عرفت منهم موسى بن عمران قائما يصلى، جسمه ضرب أي خفيف شعره جعد كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم قائما يصلى أشبه الناس به عروة بن مسعود ورأيت فيهم إبراهيم عليه السلام قائما يصلى وهو يشبه صاحبكم يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وحان وقت الصلاة فأذن جبريل عليه السلام وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم إمامًا وبعد الصلاة جاءه مالك خازن النار فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق كلهم قال اللقاني رضي الله عنه:

وأفضل الخلق على الإطلاق

نبينا فمل عن الشقاق

ص: 262

‌الفصل السابع في الهجرة

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ}

(2)

{الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ}

(3)

{فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ

(4)

وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَي النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبو بَكْرٍ مُهَاجِراً نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ

(5)

لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ

الفصل السابع في الهجرة

(1)

أي في سبب الهجرة وبيانها، وهي هنا انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وبصحبته أبو بكر رضي الله عنه.

(2)

أي اذكر يا محمد إذ يمكر بك الذين كفروا وهم أهل مكة، وقد اجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا في أمرك ليثبتوك أي يوثقوك ويحبسوك في بيت، وهذا ما رآه بعضهم ولكنهم زيفوه، أو يخرجوك من مكة أي يوثقوك على ظهر راحلة ويتركوها في الصحاري بين الجبال وهذا رأي آخر وزيفوه، أو يقتلوك كلهم قتلة رجل واحد، وهذا ما اتفقوا عليه وأضمروه وأخروا تنفيذه إلى الليل، ويمكرون أي بك ويمكر الله بهم بإخبارك بصنيعهم وأمرك بالخروج ليلا إلى الغار، فكان لك الفوز والظفر ولهم الخيبة والفشل.

(3)

إلا تنصروه أي محمدًا صلى الله عليه وسلم فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا أي ألجأوه إلى الخروج فخرج بأمر الله ثاني اثنين أي أحد اثنين، والثاني أبو بكر رضي الله عنه فوصلا إلى الغار في جبل ثور فدخلاه وكان يقول لأبي بكر لما رأى أقدام الكفار على باب الغار في صباح الليلة الأولى لا تحزن إن الله معنا، أي بنصره فأنزل الله سكينته على رسوله أي وصاحبه، وأيده بجنود خفية وخذل الكفار ودعوتهم ونصر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه نصرًا عظيما.

(4)

أي يتمسكان به.

(5)

إقليم باليمن على ساحل البحر بينه وبين مكة خمس ليال.

ص: 263

أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدّغُنَّةِ

(1)

: فَإِنْ مِثْلكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ

(2)

فَارْجِعَ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدُّغْنَّةِ فَطَافَ ابْنُ الدُّغُنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتَخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدُّغْنَّةِ

(3)

وَقَالُوا لَهُ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا نَخْشى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذلِكَ ابْنُ الدَّغِنَّةِ لِأَبِي بَكْرٍ فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ

(4)

فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَعْجَبُونَ مِنْهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَّةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَقَدْ جَاوَزَ ذلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ

(1)

الدغنة بضمتين وتشديد الدال والنون وبفتح فكسر. إنك تكسب المعدوم إلى آخره بيان هذه الكلمات تقدم في حديث بدء النبوة والرسالة.

(2)

أي ضامن وناصر.

(3)

أي رجعت عن أذى أبي بكر لانضمام ابن الدغنة إليه ونصره له.

(4)

ثم بدا لأبي بكر أي ظهر له أن يبني في ساحة داره مسجدا فبناه وصار يعبد ربه ويقرأ القرآن فيه ويبكي، فكانت نساء الكفار وأبناؤهم تنقذف أي تجتمع عليه فتسمع منه وتعجب له.

ص: 264

وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَبى فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ

(1)

فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ، فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَّةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَا عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ لَكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عز وجل

(2)

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ» فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى رِسْلِكَ

(3)

فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهَرٍ.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ

(4)

فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ». رَوَاهُمَا

(1)

فسله يرد لك ذمتك أي جوارك وضمانك له فإنا نكره أن نخفرك أي ننقض عهدك.

(2)

فلما قال ابن الدغنة لأبي بكر إما أن تقتصر على دارك وإما أن ترد لي جواري، قال له أبو بكر إني أرد لك جوارك وأرضى بجوار الله وضمانه وحفظه فتركه ابن الدغنة وذهب وبقي أبو بكر رضي الله عنه محفوظا برعاية الله حتى هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

على رسلك أي تمهل ولا تعجل، وقوله بأبي أنت وأمى أي أفديك بهما. وقوله ورق السمر هو شجر معلوم عندهم، وورقة يسمى خبطا لسقوطه بالخبط وهو أحسن علف للمواشي.

(4)

رأيت في النوم أني أهاجر إلى أرض بها نخل فذهب وهلي أي ظننت أنها اليمامة أو هجر، ولكن تبين أنها يثرب أي المدينة، واليمامة مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف، وهجر بلد من البحرين فيها مساكن عبد القيس.

ص: 265

الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ يَوْماً فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ

(1)

قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ هذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعاً، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هذِهِ السَّاعَةِ إِلا أَمْرٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» فَقَالَ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ»

(2)

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«بِالثَّمنِ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَبَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ

(3)

فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ أُخْتِي قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ بِذلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ

(4)

، قَالَتْ ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ

(5)

يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ شَابٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ

(6)

فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَع قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ بِهَا فَلَا يَسْمَعُ بِأَمْرٍ يُكَادَانِ بِهِ إِلا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ

(7)

(1)

في نحر الظهيرة أي شدة الحر، ومتقنعًا أي مغطيا رأسه وأكثر وجهه وكانت من عاداتهم.

(2)

في الخروج أي الهجرة، والصحابة أي لي أي أنا صاحبك فيها قال نعم.

(3)

أي شوينا لهما شاة ووضعناها في جراب.

(4)

النطاق ويقال منطق: ما يشد به الوسط فوق الملابس تلبسه المرأة عند أشغالها، وأول من لبسه هاجر أم إسماعيل عليها السلام ويسمى الحزام. وفي رواية: أنها شقت نطاقها شقتين فربطت بإحداهما على الزاد وبالأخرى على فم السفرة فسميت ذات النطاقين.

(5)

كمنا أي مكثا.

(6)

ثقف لقن أي حاذق سريع الفهم، فيدلج أي يخرج، يكادان وفي نسخة يكتادان فكان عبد الله يذهب العشاء فيبيت معهما ولا يسمع بأمر يراد منه الكيد لهما إلا خفظة وبلغه لهما ثم يقوم بغلس فيرجع لمكة كبائت بها.

(7)

وكان عامر يرعى أغنام أبي بكر بجوار الغار وينام =

ص: 266

مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرضيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرٌ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ. وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِياً خِرِّيتاً

(1)

قَدْ غَمَسَ حِلْفاً فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فَهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلَ.

قَالَ سُرَاقَةَ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

(2)

لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مَعَ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفاً أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّداً وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقة: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَاناً انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا

(3)

= بها على بابه، فيبيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في رسل أي في سعة من الطعام بتقديم لبن الغنم لهما في إناء خزف حمي بالشمس أو فيه الرضيف وهو الحجارة المحماة بالشمس لتذهب وخامة اللبن وثقله، حتى ينعق أي يصيح بها عامر بغلس، فيسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهذا كالأمن لهما، وقال أبو بكر رضي الله عنه وهما في الغار والكفار على بابه يبحثون عنهما، يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، وفيه نزلت الآية {لا تحزن إن الله معنا} .

(1)

هذا الرجل اسمه عبد الله بن أريقط كان هاديا خريتا أي ماهرا في الدلالة على الطرق، وكان قد غمس حلفا في آل العاص أي عقد تحالفًا معهم، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم في شيء ملون كدم أو خلوق تأكيدا للتحالف فكان على دينهم، ومع هذا استأجره النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ودفعا له الراحلتين يأتيهما بهما بعد ثلاث ليال في الغار فوفى بوعده وجاءها فركب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وسار معهم عامر بن فهيرة خادم أبي بكر والدليل الذي سار بهم من السواحل أي سلك طريقًا غير المعتاد للمدينة.

(2)

وهي مائة ناقة.

(3)

عمي عليه الأمر ليغنم الديتين وحده.

ص: 267

ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُج بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ

(1)

فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ

(2)

حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا

(3)

تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ مِنْ كِنَانَتِي الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ وَرَكِبْتُ فَرَسِي تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثمَّ زَجَرْتهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا

(4)

فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةَ إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غَبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ

(5)

فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ

(6)

فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيةَ وَأَخْبَرْتُهُمْ بِمَا يَرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلَمْ يَرْزَآنِي

(7)

وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلا أَنْ

(1)

الأكمة: رابية مرتفعة.

(2)

أي خفضت أعلاه وجررت بزجه على الأرض تسترا من قومى.

(3)

فرفعتها أي فرسى أي أسرعت بها السير، تقرب بي أي ترفع يديها معا وتضعهما معا، حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه فعثرت بى فرسي فخررت أي نزلت عنها، فأخذت الأزلام من كنانتى وهى كيس السهام والأزلام.

(4)

أي ما خلصت يديها، من الأرض إلا بعد مشقة عظيمة.

(5)

غبار مبتدأ مؤخر وخبره لأثر يديها، أي فلما نزعت الفرس يديها من الأرض كان الغبار منتشرا في السماء كالدخان.

(6)

فاستقسمت بالأزلام أي طلبت قسمة الخير والشر بالأزلام فظهر ما أكره، والأزلام جمع زلم بفتحتين وهى أقلام كانوا يكتبون على بعضها نعم وعلى الآخر لا، وهكذا، فإذا أرادوا أمرا استقسموا بها فإن خرج نعم تفاءلوا وإن خرج لا تشاءموا ورجعوا. وهى من باطلهم فإنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى كما تقدم.

(7)

أي لم يأخذا شيئا.

ص: 268

قَالَ أَخْفِ عَنَّا فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ فَأَمَرَ عَامِرَ بْنِ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ

(1)

ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ

(2)

مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَاراً قَافِلِينَ مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْر ثِيَابَ بَيَاضٍ وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَة فَانْقَلَبُوا يَوْماً بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ

(3)

لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهُ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ

(4)

فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ هذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ

(5)

فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ

(6)

فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ ذلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ

(7)

وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتاً فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ

(1)

وفى نسخة من أدم أي جلد مدبوغ أي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فيه الأمن له فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فوضعه في كنانته ثم رجع وكل من قابله يرده.

(2)

في ركْبٍ: تجار من المسلمين كانوا قافلين أي راجعين من الشام وفيهم الزبير بن العوام فكسا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ملابس بيضاء. وفى رواية أن طلحة بن عبيد الله كان معهم فكساهما أيضًا رضى الله عن الجميع.

(3)

أوفى، أي طلع، على أطم من آطامهم أي حصن من حصونهم.

(4)

مبيضين أي عليهم الثياب البيض يزول بهم السراب الذي يرى في الحر من بعد كأنه ماء وليس بماء.

(5)

فلم يملك اليهودى نفسه بل قال بصوت عال: يا معشر العرب هذا جدكم، أي هذا حظكم وصاحب سعدكم الذي تنتظرونه قد أتى.

(6)

فثار المسلمون إلى السلاح أي أسرعوا إلى السلاح فتقلدوه وقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد فنزل بهم في بنى عمرو بن عوف بقباء طلبًا للراحة من تعب السفر وإكرامًا لأهل قباء رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(7)

أي يستقبل الآتى منهم ويحييه نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 269

أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَنِي عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَداً لِلتَّمْر لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: هذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ ثُمَّ دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِداً فَقَالا: لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَبى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْبلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِداً وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:

هذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالُ خَيْبَرْ

هذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ

(1)

وَيَقُولُ:

اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ

فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي

(2)

. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامَ غَيْرِ هذِهِ الْأَبْيَاتِ

(3)

.

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ

(4)

(1)

هذا الحمال أي هذا المحمول وهو اللبن الذي يبنى به بيت الله تعالى أبر وأزكى وأكثر ثوابًا عند الله تعالى من كل شيء حتى من محمول خيبر كتمر وزبيب مما يغتبط به حاملوه، وقوله ربنا: أي يا ربنا.

(2)

قد سمى لغيره بأنه عبد الله بن رواحة.

(3)

الممنوع عليه صلى الله عليه وسلم إنشاء الشعر لا إنشاده وهذا إنشاد.

(4)

مردف أبا بكر، أي أركبه خلفه على الراحلة التى هو عليها، وأبو بكر شيخ قد ظهر الشيب في لحيته بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يظهر شيبه فكأنه شاب بالنسبة لأبى بكر وإلا فهو أسن منه كما تقدم، وكان أبو بكر معروفا لأهل الجهات لتردده في التجارة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 270

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ فَيَلْقَاهُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ فَيقُولُ: هذَا الَّذِي يَهْدِينِي السَّبِيلَ فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ يَعْنِي الطَّرِيقَ وَإِنَّمَا يَعْنِي الْخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا فَارِسٌ لَحِقَ بِنَا فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اصْرَعْهُ» فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ

(1)

فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ قَالَ: «فَقِفْ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَداً يَلْحَقُ بِنَا» قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِداً عَلَى نَبِيِّ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ

(2)

فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْحَرَّةِ

(3)

فَبَعَثَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَاؤُوا فَسَلَّمُوا عَلَيْهَا وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ

(4)

فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ فَأَشْرَفُوا يَنْظَرُونَ وَيَقُولُونَ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟» فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ

(5)

: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ هذِهِ دَارِي وَهذَا بَابِي قَالَ: فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلاً قَالَ: «قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَى الْبُخَارِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

• عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَبِي رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً

(1)

أي لها صوت وصهيل من هول ما أصابها.

(2)

فكان سراقة أول النهار يسعى في هلاك النبي صلى الله عليه وسلم وآخر النهار ينصره ويسعى لحفظه.

(3)

أي نزل بقباء يوم الاثنين ومكث عندهم خمسة عشر يوما وبنى فيها مسجدهم الذي أسس على التقوى، وقوله فبعث إلى الأنصار هذا ما فهمه أنس، وإلا فهم كانوا ينتظرونه يوميا وعلموا بقدومه من اليهودى كما تقدم ويحتمل الأمران.

(4)

أحاطوا بهما وهم مسلحون فرحا بهما وإظهارًا لنصرهما.

(5)

وكان أبو أيوب هذا من بني النجار قبيلة سلمى بنت عمرو بن مالك بن النجار والدة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتى فلذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم قم فهيئ لنا مقيلا أي مكانا نقيل ونستريح فيه، ففعل ثم عاد فقال قوما أي إلى بيتى على بركة الله، فقاما معه ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في بيته حتى أعدت له البيوت اللازمة.

ص: 271

وَسَاقَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ حَدِيثاً فِي الْهِجْرَةِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا دَنَا أَيْ مِنَّا سُرَاقَةُ دَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَاخَ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهِ

(1)

فَوَثَبَ عَنْهُ وَقَالَ: يا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هذَا عَمَلُكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُخَلِّصَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ وَلَكَ عَلَيَّ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي وَهذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ سَهْماً مِنْهَا فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ عَلَى إِبِلي وَغِلْمَانِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ فَقَالَ: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ» ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَكْرِمُهُمْ بِذلِكَ» فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنَّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ يُنَادُونَ يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ

(2)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ

(3)

فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ثمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ

(1)

فساخ فرسه في الأرض إلى بطنه مع أن الأرض كانت صلبة كما قال سراقة في رواية: ونحن في جلد من الأرض أو في جدد من الأرض أي في أرض مستوية صلبة، ولك على لأعمين على من ورائي أي أخفى أمركم على من يسعى ضدكم، فانخساف الأرض الصلبة بالفرس معجزة وكرامة للنبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. هاجت وماجت فرحًا وسرورًا به صلى الله عليه وسلم، أما الرجال الكاملون فقد تقلدوا سلاحهم وقابلوه صلى الله عليه وسلم من بعيد وأحاطوا به كإحاطة الهالة بالقمر، وأما الخدم والصبيان فكانوا يسعون في طرقها ويقولون برفع صوت يا محمد يا رسول الله ها نحن أتباعك الناصرون وأولياؤك المخلصون، وأما الضعفاء والنساء فقد علون على ظهور البيوت والفرح يملؤهن وهن ينشدن بصوت رخيم:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا

جئت بالأمر المطاع

رضي الله عنهم وجزاهم عن النبي ودينه أحسن الجزاء.

(3)

أي يعلمان الناس القرآن الذي حفظاه من النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 272

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَعَلَ الْإِمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌هجرة أصحاب السفينة

(1)

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمَا أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَجَدْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنَا ههُنَا وَأَمَرَنا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعاً

(3)

فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ أَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئاً إِلا لِأَصْحَابِ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَنَا

(4)

: نَحْنُ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عَلَى حَفْصَةَ رضي الله عنها تَزُورُهَا فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: مَنْ هذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَقَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هذِهِ

(5)

فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ فَقَال عُمَرُ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكُمْ فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَذَبْتَ يَا عُمَرُ كَلا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ

هجرة أصحاب السفينة

(1)

هم جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس وفريق من أهل مكة وأبو موسى الأشعرى وأخواه وفريق من قومه من اليمن.

(2)

أي هجرته للمدينة.

(3)

أي رجعنا في سفينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

بعض الناس أي ممن لم يهاجروا للحبشة.

(5)

أي المنسوبة للبحر والحبشة لهجرتها للحبشة في البحر.

ص: 273

وَكُنَّا فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ

(1)

فِي الْحَبَشَةِ وَذلِكَ اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ

(2)

، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعاماً وَلَا أَشْرَبُ شَرَاباً حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَي وَنَخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُهُ وَوَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ وَلَا أَزهيدُ عَلَى ذلِكَ. فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ

(3)

وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ» قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالاً

(4)

يَسْأَلُونِي عَنْ هذَا الْحَدِيثِ مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَكَانَ أَبُو مُوسى يَسْتَعِيدُ هذَا الْحَدِيثَ مِنِّي

(5)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ وَالْبُخَارِيُّ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ.

‌رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا

(6)

• عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ

(7)

لامْرَأَةٍ، فَقَالع رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اخْرِصُوهَا»

(8)

فَخَرَصْنَاهَا وَخَرَصَهَا

(1)

البعداء أي في النسب، البغضاء أي لنا في الدين وهم الحبشة لأنهم كانوا كفارا إلا النجاشى الذي كان يخفى إسلامه رضي الله عنه.

(2)

أي في إرضائهما.

(3)

عمر ليس بأحق بى منكم أي في الهجرة فقط وإلا فعمر أفضل الأمة بعد أبي بكر الصديق، فلعمر وأصحابه الذين لم يهاجروا للحبشة هجرة واحدة وأما أنتم يا أصحاب السفينة فلكم هجرتان الأولى الحبشة والثانية للمدينة رضى الله عن الجميع.

(4)

أي جماعة بعد جماعة.

(5)

أي يسألنى عنه مرة أخرى تلذذًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.

رأي النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا

(6)

أي في الأمور الدنيوية الخالصة، كان يصيب فيها إلا قليلا لأنها ليست من الله تعالى بل من الظن والتجربة.

(7)

الحديقة هي بستان النخل عليه حائط.

(8)

اخرصوها أي قدروا ثمرها فخرصوها كل بما ظهر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عشرة أوسق. ففيه استحباب امتحان العالم لأصحابه تنبيهًا لأذهانهم وتمرينا لهم كحديث» إن من الشجر شجرة كالمسلم».

ص: 274

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَةَ أَوْسُقٍ وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَهُبُّ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ» فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ

(1)

وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ صَاحِبِ أَيْلَةَ

(2)

إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْدَى لَهُ بُرْداً ثمَّ رَجَعْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى فَسأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا فَقَالَتْ: عَشْرَةَ أَوْسُقٍ

(3)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِي وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ»

(4)

فَقَالَ: «هذِهِ طَابَةُ وَهذَا أُحُدٌ وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»

(5)

، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ خَيْرَ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ» ، فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ

(6)

: أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَنَا آخِراً فَأَدْرَكَ سَعْدٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَبَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِراً فَقَالَ: «أَوَ لَيْسَ بِحسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ

(7)

».

(1)

طيء كسيد أبو قبيلة في اليمن وجبلاهما هما أجا وسلمى، ففيه الإخبار بالغيب معجزة له صلى الله عليه وسلم وإنذار لهم من ضررها.

(2)

فابن العلماء سيد فلسطين أرسل للنبي صلى الله عليه وسلم مكتوبًا وأهداه ببغلة وهى المسماة بدلال إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم الجواب وأهداه ببرد ثمين جزاء وفاقًا.

(3)

كما قدره النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

أي وقع نظرنا عليها.

(5)

لأنه كحائل بيننا وبين كفار مكة ونحب أهله وهم الأنصار وهم يحبوننا رضي الله عنهم.

(6)

أي الخزرجى لسعد بن عبادة الخزرجى يلفته إلى ذلك التفضيل.

(7)

أي يكفيكم أن تكونوا من الخيار.

ص: 275

• عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبِرُونَ النَّخْلَ

(1)

فَقَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، فَقَالَ:«لَعَلَّكُمْ لَوْ لمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً» فَتَرَكُوهُ فنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ فَذَكَرُوا لَهُ ذلِكَ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ

(2)

.

‌الفصل الثامن في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم منها نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم

(3)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ

(4)

مَعَ أَصْحَابِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأْ الْقَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

قدم النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يأبرون النخل أي يجعلون طلع الذكر في طلع الأنثى فتعلق وتثمر بإذن الله تعالى، فقال: ما هذا الذي تعملونه قالوا: شيء تعودناه. قال: ربما لو تركتموه كان خيرا فتركوه فنفضت أو قال فنقصت أي جاء ثمره شيصا أي رديئا فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما أنا بشر، أي يجوز عليّ ما يجوز على البشر. وفى رواية: إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذونى به ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإنى لن أكذب على الله عز وجل. وفى رواية: أنتم أعلم بأمر دنياكم أي منى، فإن أمور الدنيا مدارها على التمرين والتجربة وأنتم أعلم بها منى. والله أعلم.

(2)

الأول في معجزاته صلى الله عليه وسلم. والثانى في وجوب امتثال قوله إلا ما قاله في الأمور الدنيوية على سبيل الظن. والله أعلى وأعلم. نسأل الله حسن الأدب آمين.

الفصل الثامن في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

المعجزات جمع معجزة وهى الأمر الخارق للعادة الذي يظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم كنبع الماء من أصابعه وسجود الجمادات له صلى الله عليه وسلم ونحوها مما يأتى.

منها نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم

(4)

الزوراء موضع بالمدينة عند السوق أو عند المسجد، أو زهاء ثلاثمائة أي قدرها.

ص: 276

• وَعَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتُمِسَ الْوَضُوءُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ

(1)

فَوَضَعَ يَدَهُ فِي ذلِكَ الْإِنَاءِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ

(2)

فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّأُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَخَارِجِهِ

(3)

وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً يَتَوَضَّأُونَ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَحِ ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا تَوَضَّأُوا» فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا مَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوَضُوءِ وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ

(4)

فَتَوَضَّأَ فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ

(5)

فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّاينَا قِيلَ:«كَمْ كُنْتُمْ؟» قَالَ: لَوْ كُنَّا مائةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(6)

.

(1)

بوضوء أي بإناء فيه ماء للوضوء.

(2)

من بين أصابعه. وفى رواية: من تحت أصابعه.

(3)

في بعض مخارجه أي في بعض أسفاره.

(4)

الركوة بالتثليث إناء صغير من جلد يشرب فيه.

(5)

أي أسرعوا إلى الماء متهيئين لأخذه. وقوله يفور أي ينبع وفى نسخة يثور بالمثلثة ومعناهما واحد.

(6)

ولكن البخارى هنا ومسلم في غزوة ذى قرد. فظاهر هذه النصوص أن الماء كان ينبع من نفس أصابعه صلى الله عليه وسلم وهو أبلغ في المعجزة من نبعه من الحجر كما كان لموسى صلى الله عليه وسلم لأن الحجر من الأرض وشأن الماء أن ينبع منها، وهذا من قبيل إيجاد المعدوم بخلاف ما يأتى فهو من قبيل تكثير الوجود. والله أعلى وأعلم.

ص: 277

‌ومنه تكثير الماء القليل ببركة صلى الله عليه وسلم

عَن الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ فَمَكَثْنَا

(1)

غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رَكَائِبُنَا.

• عَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ وَجَعَلَنِي فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ

(2)

فَعَطِشْنَا عَطَشاً شَدِيداً فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ

(3)

فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ، فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتَمِةٌ

(4)

فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ بِالْعَزْلَاوَيْنِ

(5)

فَشَرِبْنَا عِطَاشاً أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوَينَا فَمَلَأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيراً وَهِيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ، ثُمَّ قَالَ:«هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ» فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسْرَ وَالتَّمْر

ومنها تكثير الماء القليل ببركته صلى الله عليه وسلم

(1)

فمكثنا بفتح الكاف وضمها، وروت أو صدرت ركائبنا معناهما واحد، فلما كانوا بالحديبية نزحوا ماء بئرها حتى لم يبق منه قطرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فجلس على شفير البئر أي حافتها وملأ فمه ماء وأداره فيه ثم مج في البئر أي رماه فيه، وبعد قليل ظهر ماء البئر بكثرة حتى أخذوا كفايتهم وتركوه وهو مملوء بالماء معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

أي أمرنى بالسير في الركب الذي بين يديه مباشرة.

(3)

تثنية مزادة وهى القربة التى يزاد فيها جلد آخر لتكبر.

(4)

أي ذات أيتام.

(5)

فأمر بمزادتيها أي أمر بإنزالهما فأنزلوهما فمسح بالعزلاوين تثنية عزلاء وهو فم القربة الأسفل أي أمرّ يده صلى الله عليه وسلم عليهما ثم أمرهم بالشرب فشربوا حتى رووا وكانوا أربعين رجلا ثم ملأوا أوانيهم. وكل قربة تكاد تنض من الملء أي تنشق منه معجزة له صلى الله عليه وسلم، يقال نض الماء من العين إذا نبع وسال.

ص: 278

حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا فَقَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا فَهَدَى اللَّهُ ذلِكَ الصِّرْمَ

(1)

بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

‌ومنها تكثير الطعام حتى وفى بالقوم وزاد

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه يَقُولُ: قالَ أبو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفًا أعْرِفُ فيه الجُوعَ فَهلْ عِنْدَكِ مِن شيءٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، فأخْرَجَتْ أقْرَاصًا مِن شَعِيرٍ ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الخُبْزَ ببَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَائَتْنِي بِبَعْضِهِ

(2)

ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إلى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُهُ في المَسْجِدِ ومعهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِي رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِطَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَن معهُ: قُومُوا

(3)

فَانْطَلَقَ وانْطَلَقْتُ بيْنَ أيْدِيهِمْ حتَّى جِئْتُ أبَا طَلْحَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقالَ أبو طَلْحَةَ: يا أُمَّ سُلَيْمٍ قدْ جَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ وليسَ عِنْدَنَا ما نُطْعِمُهُمْ فَقالَتْ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أبو طَلْحَةَ إلى رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

فَجَاءَ مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ

(4)

فَأَتَتْهُ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ

(5)

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ

(1)

الصرم القوم النازلون بمواشيهم على جهة من الماء. والله أعلى وأعلم.

ومنها تكثير الطعام حتى وفى بالقوم وزاد

(2)

أي لفت ببعض خمارها الخبز ووضعته تحت إبط أنس ولفته ببقية الخمار تسترًا عليه.

(3)

أي إلى بيت أبى طلحة فنأكل ما أرسله لنا فيه وأمر أنسا بالعودة إلى البيت.

(4)

أي هات ما عندك من الطعام.

(5)

ففتتت الأقراص وعصرت عليها سمنًا من عكتهم وهي إناء من جلد يوضع فيه السمن والعسل فصار مفتونًا ممزوجا بالإدام.

ص: 279

ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُولَ

(1)

، ثُمَّ قالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ

(2)

فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فأذِنَ لهمْ فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وشَبِعُوا والقَوْمُ سَبْعُونَ أوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا. رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلَّا أَبَا دَاوُدَ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمَصاً شَدِيداً

(3)

فَانْكَفأْتُ إِلَى امْرَأَتِي

(4)

فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمَصاً شَدِيداً فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَاباً فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ

(5)

فَدَبَحْتُهَا وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(6)

فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ مَعَهُ فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتهُ

(7)

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِراً قَدْ صَنَعَ سُوراً فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ

(8)

» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

(1)

وفى رواية: قال باسم الله وفى أخرى: فمسحها ودعا فيها بالبركة، وفى أخرى: باسم الله اللهم أعظم فيها البركة.

(2)

ثم قال: ائذن لعشرة أي أدخل عشرة وأذن لهم بالأكل فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وأدخل عشرة غيرهم فأكلوا وشبعوا وخرجوا وهكذا حتى أكل القوم كلهم وشبعوا وهم ثمانون رجلا. وروى أحمد وزاد ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرًا. قال أنس: وفضلت فضلة فأهديناها لجيراننا، فعلى العاقل أن يتأمل ويفكر في بضعة أقراص أكل منها هذا العدد الكثير وبقى منها. ما هذه إلا معجزة باهرة لنبي ورسول قد تأيد بالمعجزات صلى الله عليه وسلم.

(3)

أي جوعًا ظاهرا.

(4)

أي رجعت لها في البيت وكانوا حينذاك يشتغلون بحفر الخندق ليتحصنوا به من الأحزاب وهم كفار مكة ومن معهم جاءوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فخذلهم الله وردهم بكيدهم لم ينالوا خيرا كما في سورة الأحزاب.

(5)

داجن. أي شاة صغيرة فذبحها جابر وقطعها في البرمة أي إناء الطبخ وطحنت امرأته الشعير، وفرغت إلى فراغى أي انتهينا من عملنا معا.

(6)

أي ادعوه للأكل عندنا.

(7)

أي أخبرته بالآتى سرا.

(8)

سؤرا بالهمز وعدمه أي وليمة فحي هلًا بكم، أي أقبلوا مسرعين.

ص: 280

«لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ» فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ

(1)

فَقُلْتُ: قَدْ قُلْتُ الَّذِي قُلْتِ فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِيناً فَبَصَقَ فِيهِ

(2)

وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ادْعِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ

(3)

وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلوهَا» وَهُمْ أَلْفٌ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ قَالُوا: يَا رَسُولَ للَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا

(4)

فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا فَقَالَ: «افْعَلُوا» . فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ وَلكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ثُمَّ ادْعُ اللَّهَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّهَ يَجْعَلُ فِي ذلِكَ (أَيْ بَرَكَةً وَخَيْراً) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ» ، فَدَعَا بِنِطَعٍ

(5)

فَبَسَطَهُ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ

(1)

أي فعل الله بك كذا وبك كذا لمجئ كل القوم وليس عندنا ما يكفيهم.

(2)

فأخرجت امرأة جابر للنبي صلى الله عليه وسلم العجين فبصق فيه بريقه الشريف، وقال اللهم بارك فيه ثم قصد البرمة فبصق فيها وبارك.

(3)

فلتخبز معك وفى نسخة معي، واقدحى أي اغرفى من برمتكم ولا تنزلوها عن التنور، والمغرفة تسمى القدحة، وقدح من المرق غرف منه، وهم ألف أي الذين أكلوا من هذا الصاع وهذه البهيمة كانوا ألفًا. قال جابر فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه أي الطعام وانحرفوا عنه لشبعهم، وإن البرمة لتغط كما هي أي مملوءة بالطبيخ على حالها وإن عجيننا ليخبز كما هو فلم ينقص كل منهما عن حاله، معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. وفى هذا قال الولى العراقى رضي الله عنه:

وأطعم الألف زمان الخندق

من دون صاع وبهيمة بقى

بعد انصرافهم من الطعام

أكثر مما كان من طعام

(4)

النواضح من الإبل التى تحمل الماء، والمراد هنا كل بعير، والإدهان طلى الجسم بالدهن.

(5)

النطع - كالضلع - بساط من جلد يوضع بين يدى الحكام لقتل من يشاءون عليه، وأحيانًا كانوا يأكلون عليه.

ص: 281

أَزْوَادِهِمْ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ وَيَجِئُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ، قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلا مَلَأُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكَ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ

(1)

».

• عَنْ جَابِرِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَزَوْجَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ

(2)

. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ

(3)

.

• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَتَدَاوَلُ فِي قَصْعَةٍ عَنْ غُدْوةٍ حَتَّى اللَّيْلِ يَقُومُ عَشَرَةٌ وَيَقْعُدُ عَشَرَةٌ قُلْنَا: فَمَا كَانَتْ تُمَدُّ قَالَ: مِنْ أَيَّ شَيْءٍ تَعْجَبُ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلا مِنْ ههُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَعُمَّنَا بِبَرَكَتِهِ صلى الله عليه وسلم.

(1)

فلما اشتد عليهم الجوع في غزوة تبوك التمسوا من النبي صلى الله عليه وسلم نحر الإبل التى معهم ليأكلوها ويدهنوا بشحمها فأذن لهم فلما جاء عمر قال يا رسول الله لو فعلوا هذا لقلت الإبل التى هي ضرورية لنا، ولكن مرهم بجمع ما معهم وادع الله عليه بالبركة، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وفعلوا هذا فملأوا أوعيتهم كلها وفضل منه، فنطق رسول الله بالشهادتين إعلانًا بأنه رسول الله إلى الخلق ومؤيد بالمعجزات الباهرة صلى الله عليه وسلم.

(2)

فهذا الرجل أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم نصف وسق شعير فصار يأكل منه هو وبيته وضيفهما زمنا طويلا وهو على حاله معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى كاله فذهبت البركة منه ونفد ثم ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له لو لم تكله لبقي لكم تأكلون منه زمنًا طويلا.

(3)

ولكن الأول في كتاب الإيمان.

(4)

فأكل الأصحاب رضي الله عنهم من القصعة عشرة بعد عشرة من أول النهار إلى الليل معجزة لا يدانيها شيء، وهى تمد بالمدد الإلهى لا شك في ذلك. وإكرام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لا نهاية له.

ص: 282

‌ومنها تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفاً كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَال: «اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ» فَجَاؤُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ

(1)

وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ» فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: كُنَّا نَأْكُلُ الطَّعَامَ مَعَ الطَّعَامِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ

(3)

.

‌ومنها تكثير التمر القليل حتى استوفى الغرماء

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْناً وَلَيْسَ عِنْدِي إِلا مَا يُخْرِجُ نَخْلَهُ وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ فانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ

(4)

مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا اللَّهَ ثُمَّ آخَرَ ثمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «انْزِعُوهُ» فَأَوْفاهُمُ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ومنها تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم

(1)

حي على الطهور المبارك أي أسرعوا إلى الماء المبارك للوضوء منه.

(2)

أي بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

أي كنا نأكل أنواعا من الطعام عدة مرات مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم! ومعلوم أن الطعام جماد لا روح فيه فتسبيحه بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم أكبر معجزة لمن سبق له الإيمان والهدى.

ومنها تكثير التمر القليل حتى استوفى الغرماء

(4)

البيدر الموضع الذي يداس فيه الطعام بعد حصاده، فعبد الله أبو جابر رضي الله عنهما مات وعليه دين ليهودى ثلاثون وسقًا فطلب اليهودى دينه من جابر فقال أنظرني إلى ميسرة فأبى فذهب جابر للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن أباه ترك دينًا وثمر نخلهم لا يفى به ولو سنين وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب معه لئلا يؤذيه الغرماء بكلامهم، فذهب معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيادر موضع جمع الثمر، ودار حول واحد منها ودعا فيه بالبركة =

ص: 283

‌ومنها حنين الجذع لـ صلى الله عليه وسلم

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفاً عَلَى جُذُوعٍ

(1)

مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ فَكَانَ عَلَيْهِ سَمِعْنَا لِذلِكَ الْجِذْعِ صَوْتاً كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَرُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ صَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: فَحَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَّهُ فَسَكَنَ.

‌ومنها انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلْنَا وَادِياً أَفْيَحُ

(2)

فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ

(3)

فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرَ شَيْئاً يَسْتَتِرُ بِهِ فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي

(4)

فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إِحْدَاهُمَا

= ثم دار حول بيدر آخر وجلس عليه وقال انزعوه أي الثمر من البيدر أي كيلوا للغرماء حقوقهم فكالوا لهم جميع حقوقهم وبقى مثلها. وفى رواية: وبقى سبعة عشر وسقا فهذه معجزة باهرة ظاهرة لكل الناس. نسأل الله التوفيق وكمال الإيمان به صلى الله عليه وسلم آمين.

ومنها حنين الجذع له صلى الله عليه وسلم

(1)

الجذوع جمع جذع وهو عود النخلة وكانت أعمدة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل، والعشار جمع عشراء وهى الناقة التى مضى عليها من يوم إرسال الفحل عليها عشرة أشهر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أولا إذا خطب وقف واستند إلى جذع نخل من أعمدة المسجد فلما صنع له المنبر وكان عليه يوم الجمعة أي جلس عليه سمع كل من في المسجد لذلك الجذع صوتا كصوت العشار أو كبكاء الصبي فذهب له النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت، فحنين الجماد لفراقه صلى الله عليه وسلم أعظم معجزة لمن فكر وأنصف واهتدى.

ومنها انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم

(2)

أي أوسع.

(3)

إناء فيه ماء ليتطهر به.

(4)

أي بعيدتين عنه صلى الله عليه وسلم.

ص: 284

فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ

(1)

فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ

(2)

حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: الْتِئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالْتأَمَتَا

(3)

. قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ

(4)

مَخَافَةَ أَنْ يَحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ أَوْ فَيَتَبَعَّدَ فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي

(5)

فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هكَذَا

(6)

ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ: «يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ طَويلٍ لِأَبِي الْيُسْرِ رضي الله عنه وَسَيَأْتِي انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فِي سُورَةِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شاءَ اللَّهُ.

(1)

أي سيرى معى.

(2)

البعير المخشوش الذي في أنفه حلقة فيها حبل يقاد به لسهولة سيره.

(3)

أي حتى إذا كان بالمنصف أي المكان المتوسط بين الشجرتين لأمهما أي جمعهما وقال التئما عليّ بإذن الله فاجتمعتا أي التصقتا ببعضهما ليكونا سترة له صلى الله عليه وسلم حتى يقضى حاجته.

(4)

فخرجت أحضر أي أسمى بشدة وأتباعد عن النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يرانى قريبًا منه فيبتعد عن مكانه الذي جمع فيه الشجرتين.

(5)

أي بهذه المعجزة العظيمة التى ما رآها غيرى.

(6)

أي أشار برأسه يمينا وشمالا كأنه يكلم أحدا أو يصرف الشجرتين اللتين وقفتا في خدمته صلى الله عليه وسلم، فانقياد الشجر الذي هو جماد للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة كبرى لمن فكر واعتبر. قال تعالى {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} .

ص: 285

‌ومنها سرعة إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ

(1)

: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْكُرَاعُ هَلَكَتِ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ كَمَثَلِ الزُّجَاجَةِ

(2)

فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَاباً ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا

(3)

فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا

(4)

فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الْإِجَابَةَ آمِين.

ومنها سرعة إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم

(1)

الذي سأل هو خارجة بن حصن الفزارى، قال: يا رسول الله هلكت الكراع أي الخيل، والشاء أي الغنم من عدم المطر.

(2)

أي في الصفاء لعدم السحاب فيها.

(3)

جمع عزلاء وهى فم القربة الأسفل والمراد نزل المطر كأفواه القرب.

(4)

أي قال اللهم أنزله حولنا لا علينا فتصدع السحاب أي انكشف عن المدينة وصار حولها كأنه الإكليل الذي يحيط بالرأس، فبمجرد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر السحاب وأمطرت السماء وما ارتفع إلا بدعوته صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأخرى، تلك آية كبرى ومعجزة عظمى لمن أراد الحق وسعى إليه، وهذه ونظائرها دعوات عامة فلا ينافى أن له صلى الله عليه وسلم دعوة مخصوصة عظيمة الشأن قد ادخرها لأمته في الآخرة كما تقدم في شفقته صلى الله عليه وسلم فلا منافاة بين ما هنا وما تقدم. والله أعلم نسأل الله العلم والعمل واليقين آمين.

ص: 286

‌ومنه الإخبار بالمغيبات

(1)

• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ

(2)

ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ

(3)

»؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ:«فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةَ لَا تَخَافُ أَحَداً إِلا اللَّهَ» ، قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى. قُلْتُ: كِسْرَى ابْنِ هُرْمُزَ

(4)

قَالَ: «نَعَمْ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يَخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ. وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَوَلداً وَأَفْضِلْ عَلَيْك

(5)

فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلا جَهَنَّمَ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجهدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ

(6)

». قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلا اللَّهَ

(7)

ومنها الإخبار بالمغيبات

(1)

المغيبات: هي الأمور الغائبة التى ليست معلومة للناس، وقد أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر عنها ليقوى إيمان المؤمنين ويعظم عذاب الجاحدين.

(2)

الناقة: الفقر، وقطع السبيل أي الطريق بوجود الأشرار فيه.

(3)

الحيرة: بلد ملوك العرب تحت حكم فارس وكان ملكها حينذاك إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت الملك كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر. والظعينة - كالعظيمة -: المرأة في الهودج، ودعار طيء جمع داعر وهو الشيطان الخبيث أي أشرارهم الذين سعروا البلاد أي ملأوها فسادا.

(4)

كسرى بن هرمز هو ملك فارس.

(5)

أي وتفضلت عليك وزدتك من كل خير.

(6)

أي تحفظوا من النار بأنواع البر ولو قليلا، وإلا فبكلمة طيبة لوجه الله تعالى كدلالة على خير أو شفاعة لضعيف.

(7)

فانتشر الأمن في زمن الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم كعمر بن عبد العزيز حتى عم هذه المنطقة كلها.

ص: 287

وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ ما قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ

(2)

فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْجِهَادِ.

(1)

فكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وقع وشاهده عدى بن حاتم رضي الله عنه في حياته إلا كثرة الأموال إلى هذا الحد فإنها ستأتى في زمن عيسى عليه السلام، وسيأتى هذا في علامات الساعة، ومضى من هذا شيء في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

(2)

المنشار بميم فنون أو بميم فياء آلة النشر، والأمشاط جمع مشط بالضم والكسر ما يمشط به، وصنعاء قاعدة اليمن ومدينته العظمى، وحضرموت بلد باليمن بينها وبين صنعاء أكثر من أربعة أيام، أو المراد بصنعاء صنعاء الشام فيكون أبلغ في البعد، فخباب بن الأرت رضي الله عنه جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد أي متكئ على بردة في ظل الكعبة وقال يا رسول الله: قد بلغ أذى الكفار منا منتهاه فهل تدعو الله أن ينصرنا عليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أصابكم كما أصاب الأولين من الأنبياء والمؤمنين؟ كان الواحد منهم يحفر له في الأرض ويوضع فيها ثم يهدد بالقتل إن لم يرجع عن الدين فلا يرجع فينشر بالمنشار نصفين فيموت وهو على دينه وكان الواحد منهم يمشط جلده ولحمه وعصبه بأمشاط الحديد ليرجع عن دينه فلا يرجع حتى يموت عليه وهذا هو أسمى الجهاد وهذا هو البلاء، وهذه هي البأساء والضراء، فهل نالكم كهذا؟ قال الله جل شأنه {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ليتمن هذا الأمر - الدين الإسلامي - وينتشر حتى يسير الراكب من اليمن إلى الشام لا يخاف إلا الله تعالى، وقد وقع ذلك وانتشر الإسلام في الأرض غربا وشرقًا وهابه أهل الأرض كلهم وكانت كلمته العليا حتى تفرق أهله فذهبت سطوته. نسأل الله التوفيق واتحاد الكلمة آمين.

ص: 288

• عَنِ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ العِشَاءِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ فِي هذَا

(1)

وَتَحَدَّثُوا عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ كُلٌّ بِمَا فَهِمَهُ وَلكِنْ مَعْنَاهُ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَيَنْخَرِمُ ذلِكَ الْقَرْنُ

(2)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيٌّ

(3)

.

وَقَالَ جَابِرٌ صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: «تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ

(4)

تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ».

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَاثِلَاتٌ رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنْ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا

(6)

».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أَنْ تَرَى قَوْماً فِي أَيْدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللَّهِ وَيَرُوحُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ

(7)

». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي صِفَةِ أَهْلِ النَّارِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا

(1)

فوهل الناس في هذا أي خاضوا فيه كثيرا بالظن.

(2)

أي ينتهى.

(3)

ولكن مسلم في الفضائل وأبو داود في الملاحم والترمذى في الفتن.

(4)

ما على الأرض من نفس منفوسة أي مخلوقة ومولودة تأتى عليها مائة سنة وهى حية، بل بعد مائة سنة لا يبقى من هذا القرن أحد، فالحديثان معناهما واحد.

(5)

ولكن مسلم في الفضائل والترمذى في الفتن.

(6)

تقدم هذا الحديث وشرحه في كتاب النكاح فارجع إليه إن شئت.

(7)

هؤلاء هم الحكام وأشرار الناس الذين جبلوا على الشر وأذى العباد ولا سيما الضعفاء منهم والمساكين فهؤلاء في غضب الله بكرة وعشيًا. نسأل الله السلامة آمين.

ص: 289

هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(1)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ. وَسَبَقَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُخْبِرُ عَنِ الْغَيْبِ فِي أَبْوَابٍ هِيَ أَشَدُّ لَهَا مُنَاسَبَةً

(2)

. وَسَيَأْتِي كِتَابُ الْفِتَنِ وَعَلَامَاتِ السَّاعَةِ وَكِتَابُ الْقِيَامَةِ وَكُلُّهُمَا إِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ قَطْعاً.

‌ومنها انكشاف الغيب له صلى الله عليه وسلم

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْماً فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِيَ الْآنَ

(3)

وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ

(4)

وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَنَافَسُوا فِيهَا

(5)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ

(6)

فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «سَلُونِي، لَا تَسْأَلُوني عَنْ شَيْءٍ إِلا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ» ، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْمُ ذلِكَ الْقَوْمُ ذلِكَ أَرَمُّوا

(7)

وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ.

(1)

فكانت المملكتان العظيمتان قديما: فارس بالعراق وملكها كسرى، والروم بالشام وملكها قيصر، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هاتين المملكتين ستفتحان وتصيران بلاد إسلام وستنفق كنوزهما في سبيل الله، وكان كذلك ففتحتا في زمن عمر رضي الله عنه وغنم المسلمون منهما ما لا يعلمه إلا الله تعالى.

(2)

كحديث أصحاب الغار في كتاب الإيمان وكحديث أبى رغال وحديث من يعذبون في قبورهم في باب الجنائز. والله أعلم.

ومنها انكشاف الغيب له صلى الله عليه وسلم

(3)

أي نظرًا بصريًا لانكشافه له صلى الله عليه وسلم.

(4)

أي في المنام فهو وحي من الله تعالى. وفيه أن أمته ستملك الأرض وخيراتها وكان ذلك.

(5)

لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدى أي كلكم بالله تعالى، ولكن أخاف عليكم من التنافس في الدنيا والتضارب عليها. فيه تحذير من فتنة المال فهى أعظم فتنة بعد النساء. نسأل الله السلامة.

(6)

أي ألحوا عليه فيها.

(7)

أي سكتوا.

ص: 290

قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يَمِيناً وَشِمَالاً فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبَهِ يَبْكِي، وَكَانَ رَجُلٌ يُلَاحِي فَيُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ

(1)

فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: رضينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً عَائِذاً بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، إِنِّي صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَرَأَيْتُهُمَا دُونَ هذَا الْحَائِطِ

(2)

». وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِابْنِ قَطُّ أَعَقَّ مِنْكَ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا تُقَارِفُ نِسَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ

(3)

فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلْحِقْتُهُ.

• عَنْ أُسَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنَ الْآطَامِ

(4)

فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ» . رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ فِي الْفِتَنِ.

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ» ، ثُمَّ قَالَ:«أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلَاثاً» ، وَبَسَط يَدَهُ كَأَنَّهُ يتَنَاوَلُ شَيْئاً فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ» قُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئاً لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَك قَالَ: «إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ

(1)

يلاحى فيدعى لغير أبيه أي يخاصم إنسانا فينسبه إلى غير أبيه.

(2)

أي كشف عنه صلى الله عليه وسلم حتى رآهما كأنهما في حائط المسجد.

(3)

أي زنت كما كانت نساء الجاهلية.

(4)

فالنبي صلى الله عليه وسلم وقف على أطم من الآطام أي على مكان عال في المدينة ثم قال: هل ترون ما أرى؟. قالوا لا. قال إني أرى الفتن أي الهرج والقتل تقع في بيوتكم كوقع المطر، وكان كذلك، فقد عمت الفتن كل بيت بعده صلى الله عليه وسلم، ولكن كان أولها قتل عثمان رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 291

فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ

(1)

لَأَصْبَحَ مُوثَقاً يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّلَاةِ. وَسَبَقَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ رُؤْيَتُهُ صلى الله عليه وسلم لِلنَّارِ وَالْجَنَّةِ وَمَا فِيهِما. وَقَالَ فِي آخِره الْحَدِيثِ: «فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هذَا» . وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الرَّقَائِقِ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ

(2)

». نَسْأَلُ اللَّهَ كَمَالَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ آمِينِ.

‌لا يموت نبي حتى يُخير بين الدنيا والآخرة

(3)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا

(4)

: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي وأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ» .

وَعَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ

(5)

يَقُولُ: «مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ

(1)

دعوة سليمان عليه السلام هي قوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فأجابه الله وسخر له كل شيء حتى الجن والشياطين، ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى إبليس اللعين وهو في صلاته جاءه بشعلة نار ليشغله عن عبادة ربه فما قدر على هذا بل ظفر به النبي صلى الله عليه وسلم وقبض على رقبته وعصره حتى شعر بلسانه على ظهر يده وأراد أن يوثقه في عمود المسجد لينظره الناس صباحًا ولكن تذكر دعوة أخيه سليمان عليهما السلام فرماه خاسئًا ذليلا، ومعلوم أن إبليس - لعنه الله - يقدر على التشكل بما يشاء كصاعقة محرقة وكأكبر أسد مفترس، فقهر النبي صلى الله عليه وسلم له إلى هذا الحد قوة إلهية ومعجزة نبوية لا يصل إليها أحد من البشر.

(2)

في هذين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبصر ويرى كل شيء زيادة في علمه وإيمانه ومعجزاته صلى الله عليه وسلم.

لا يموت نبى حتى يخير بين الدنيا والآخرة

(3)

زيادة تكريم له ومسارعة فيما يرضيه.

(4)

وهو مسند إلى صدرها أي مسند رأسه إلى صدرها بالرفيق: أي بالرفيق الأعلى، أو بالرفيق أي الرفقة والجماعة الذين هم في الملأ الأعلى، كالنبيين والصديقين والشهداء.

(5)

وأخذته بحة أي في صوته وهي الخشونة التى تظهر في الصوت قبل الوفاة، قولها فظننته خير حينئذ فاختار الله والآخرة بقوله مع الذين أنعم الله عليهم.

ص: 292

وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً»، قَالَتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ» قَالَتْ: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى» ، قُلْتُ: إِذاً لَا يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يَذْكُرُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ فَكانَتْ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(2)

.

وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ

(3)

أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ وَيَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ: «لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الرَّقَائِقِ.

(1)

الرفيق الأعلى منصوب بمحذوف أي أسألك أو أختار الرفيق الأعلى.

(2)

ولكن مسلم في الفضائل والبخارى في الرقائق.

(3)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في النزع بين يديه ركوة: إناء من جلد، أو علبة: إناء من خشب فيها ماء، فكان يبل يده في الماء ويمسح وجهه ويقول. لا إله إلا الله إن للموت سكرات، أي فالموت بطبعه صعب على كل إنسان لأن الروح دخلت كرها وتخرج كرها. وللحديث القدسي الآتى في الرقائق يقول الله عز وجل» ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» نسأل الله تمام التوفيق وواسع اللطف آمين.

(فائدة) نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله على الإطلاق لا فرق بين عاقل كالملك والإنسان أو غير عاقل كالحيوان والجهاد من الأرضين إلى السموات إلى عرش الرحمن جل شأنه لأنه صلى الله عليه وسلم أصل الكون كله لحديث عبد الرزاق والبيهقى: أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخره، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على أمته وأرأف الناس على أمته حيًا وميتًا لحديث» حياتي خير لكم تحدثون (أي أمورًا يخفى حكمها) ويحدث لكم (بلفظ المجهول أي أبين لكم حكمها) فإذا أنا مت كانت وفاتى خيرًا لكم تعرض على أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرًا استغفرت لكم» أي كل يوم خصوصية له صلى الله عليه وسلم، وتعرض عليه أيضًا مع الأنبياء والآباء يوم الاثنين والخميس. رواه ابن سعد بسند موثق اهـ الجامع الصغير.

ص: 293

‌خاتمة في فضائل بعض الأنبياء صلى اللَّه عليهم وسلم إبراهيم عليه الصلاة والسلام

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام

(1)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه السلام وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ

(2)

».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه السلام قَطُّ إِلا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ

(3)

: قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلْهُ كَبِيرُهُمْ هذَا، وَوَاحِدَةً فِي شَأْنِ سَارَةَ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ

(4)

» وَمَعَهُ سَارَةُ وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ هذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِماً غَيْرِي وَغَيْرَكِ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلا لَكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِيَ بِهَا فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام

خاتمة في ذكر بعض الأنبياء - إبراهيم صلى الله عليه وسلم

(1)

هذا قبل علمه صلى الله عليه وسلم بأنه أفضل الناس أو هذا تواضع وإكرام لإبراهيم عليه السلام لأبوته وخلته وإلا فنبينا أفضل الناس أجمعين.

(2)

القدوم: آلة النجر واسم مكان وهو المراد هنا فإبراهيم عليه السلام حتن فيه نفسه وهو ابن ثمانين سنة أو مائة وعشرين حينما أمره الله تعالى.

(3)

ثنتين في ذات الله أي في مرضاته أملا في إسلامهم هما قوله لقومه: إنى سقيم وليس بسقيم، وقوله بل فعله كبيرهم هذا ولكنه هو الفاعل، والثالثة قوله لامرأته: إن سألك الجبار فقولي إنك أختى وما هي بأخته إلا في الإسلام، ولا يقال إنه كذب أيضًا في قوله للكوكب: هذا ربيى لأنه لم يكن مكلفًا حينذاك أو هو محاورة بخداع لاستدراجهم إلى التوحيد.

(4)

قيل إن ذلك الجبار ملك مصر.

ص: 294

إِلَى الصَّلَاةِ

(1)

فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً

(2)

فَقَالَ لَهَا: ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضُرُّكِ فَفَعَلَتْ فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الْأُولَى، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذلِكَ فَفَعَلَتْ، فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَالَ لَهَا: ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي فَلَكِ اللَّهَ أَلا أَضُرَّكِ

(3)

فَفَعَلَتْ وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرضي وَأَعْطِهَا هَاجَرَ

(4)

قَالَ فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام انْصَرَفَ فَقَالَ لَهَا: مَهْيَمْ قَالتْ: خَيْراً كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِماً». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ هُنَا وَالْبُخَاريُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ

(5)

فَإِذَا مُوسى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ

(6)

، وَرَأَيْتُ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبِهَاً عُرْوَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ

(7)

، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَقْرَبُ

(1)

لقوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} ولحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أي أهمه أمر صلى أي تلبس بصلاة.

(2)

أي شلت يده.

(3)

الله نصب على القسم أي أقسم لك بالله لا أضرك.

(4)

فلما لم يتمكن الجبار من سارة قال لمن أتاه بها إنك أتيتنى بشيطان لا بإنسان أخرجها من أرضى وأعطها هاجر خادما لها، فأخذتها فذهبت إلى إبراهيم عليه السلام فلما رآها انصرف من صلاته وقال لها مهيم أي ما الخبر؟ قالت: كف الله الفاجر وأعطانى خادما. قال أبو هريرة: فتلك السيدة وهي هاجر أمكم يا بني ماء السماء، أي يا معشر العرب لصفاء نسبهم أو لعيشهم على ما تنبت السماء، وكانت هاجر أمهم لأن سارة وهبتها إبراهيم فولدت له إسماعيل عليهما السلام، والعرب كلهم من ولد إسماعيل الذي كانت حياته بمكة حتى مات عليه السلام، وسيأتى هذا واسعًا في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى.

(5)

أي كشف الله عني فرأيتهم ليلة الإسراء.

(6)

أي خفيف اللحم ممشوق مستدق كأنه من تلك القبيلة.

(7)

فكان رجلا آدم اللون شعره إلى منكبيه في أحسن هيئة.

ص: 295

مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهاً صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ صلى الله عليه وسلم،

(1)

وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عليه السلام فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهاً دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِسْرَاءِ.

‌موسى صلى الله عليه وسلم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً}

(2)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ

(3)

رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسى عليه السلام عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيهُودِيِّ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسى فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ

(4)

فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنِى اللَّهُ». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ

(5)

.

(1)

فجسم إبراهيم وهيئته كمحمد صلى الله عليهما وسلم، ودحية أي دحية الكلبي ذلك الرجل الوسيم نسأل الله حسن الظاهر والباطن آمين.

موسى صلى الله عليه وسلم

(2)

فالله تعالى وصفه بأنه مخلص، وأنه نبي ورسول، وأنه ناداه بجانب الطور وكلمه وقربه نجيا صلى الله عليه وسلم.

(3)

أي تشاتما وسب كل منهما صاحبه.

(4)

يصعقون أي تأخذهم غشية من سماع صوت شديد. أو المراد يموتون بنفخة الصعق، فإذا موسى باطش بجانب العرش أي متعلق به. وفى رواية فإذا موسى آخذ بالعرش أي بقائمة من قوائمه، فلما تشاتم اليهودى والمسلم وفضل كل منهما نبيه ولطم المسلم اليهودى وترافعا للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تفضلوني على موسى فإنى أفيق أول الناس في الآخرة فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدرى هل أفاق قبلي أو كان ممن استثناهم الله بقوله {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} . وفى رواية: أو اكتفى بصعقة الطور، وهذا تواضع من نبينا صلى الله عليه وسلم وإلا فهو أفضل الناس كما تقدم.

(5)

ولكن مسلم في الفضائل والبخارى في التفسير.

ص: 296

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسى عليه السلام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ

(1)

» فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ: «فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ» وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ، قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(2)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَرَرْتُ عَلَى مُوسى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِيَ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ

(3)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(1)

فملك الموت ذهب لموسى عليهما السلام فصكه أي لطمه على عينه ففقأها فرجع إلى ربه فأخبره فرد عليه عينه وقال: قل له يضع يده على متن ثور أي ظهر ثور (ذكر البقر) فله بكل شعرة تحتها سنة فلما بلغه ملك الموت قال يا رب ثم مه إلى أين؟ قال إلى الموت. قال فهو الآن خير لي ولكنه سأل ربه جل شأنه أن يقربه من الأرض المقدسة (بيت المقدس) رمية بحجر أي قدر ذلك، وكان موسى عليه السلام حينئذ بأرض التيه (الأرض الواسعة الصماء بجوار الطور) فأجابه الله تعالى وقربه لبيت المقدس فقبره الآن في الكثيب الأحمر وهو تل أحمر من الرمل مستطيل بقرب بيت المقدس، ولا يقال كيف يلطم موسى ملك الموت الذي هو رسول الله؟ لأنا نقول: إنه دخل عليه في بيته بغير إذن في صورة إنسان فظن فيه الشر فلطمه ابتلاء كما وقع لداود وسليمان وغيرهما صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يزال في النفس شيء من هذا.

(2)

إلا أن البخارى رواه في الجنائز.

(3)

مر النبي صلى الله عليه وسلم على موسى فوجده قائما يصلى في قبره ثم سبقه فاجتمع بالأنبياء ببيت المقدس لانتظار النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ظهرت روحه في السماء السادسة فحاججت النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف الفرائض، ولا عجب في هذا فأحوال البرزخ لا تدركها العقول، والغيب أعجب من كل شيء، وفيه أن الأنبياء أحياء في قبورهم يعبدون الله تعالى نسأل الله حسن الختام آمين.

ص: 297

‌عيسى صلى الله عليه وسلم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ}

(1)

{يمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرَانِي لَيْلَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ

(2)

فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ

(3)

كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ

(4)

كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَم قَدْ رَجَّلَهَا فَإِذَا هِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئاً عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُ مَنْ هذَا فَقِيلَ هذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ». ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ

(5)

أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْتُ مَنْ هذَا فَقِيلَ هذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام رَجُلٌ آدَمَ

(6)

طُوَالٍ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ

(7)

إلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبِطَ الرَّأْسِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ.

عيسى صلى الله عليه وسلم

(1)

{إذ قالت الملائكة} أي جبريل {يا مريم إن الله يبشرك بكلمة} أي بولد منه أي من فضله ورحمته {اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا} بالنبوة والرسالة والمعجزات» والآخرة» بالشفاعة ورفيع الدرجات. {ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد} وهو رضيع قبل أوان التكلم {وكهلا ومن الصالحين} .

(2)

أي في النوم.

(3)

آدم أي أسمر.

(4)

له لمة - كهمة - أي شعر جاوز شحمة أذنيه فقط فإذا بلغ المنكبين فهو جمة كقبة.

(5)

جعد قطط أي شعره كشعر الزنجي، أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية أي بارزة ظاهرة.

(6)

رجل آدم أي أسمر، جعد الشعر طوال أي طويل.

(7)

مربوع الخلقة أي متوسط الطول والعرض، إلى الحمرة والبياض أي أبيض مشربًا بحمرة، سبط الرأس أي مسترسل الشعر.

ص: 298

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلودٍ يُولَدُ إِلا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ

(1)

فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِ الشّيْطَانِ إِلا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} .

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ» قَالُوا: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاتٍ

(2)

وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ». وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ الْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلاتٍ ولَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» . رَوَاهُمَا الثَّلَاثةُ

(3)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَى عِيسى عليه السلام رَجُلاً يَسْرِقُ» فَقَالَ لَهُ: سَرَقْتَ، فَقَالَ:«كَلا وَالَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ» ، فَقَالَ عِيسى: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ نَفْسِي

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ كَمَالَ الْإِيمَانِ آمِين.

(1)

فكل مولود ينزل من بطن أمه ينخسه الشيطان أي بطعنه في خاصرته فيصرخ إلا عيسى وأمه عليهما السلام فذهب يطعن فمنعه الحجاب إجابة لدعوة أم مريم رضي الله عنهما {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ومثل عيسى وأمه جميع الأنبياء صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} .

(2)

الأنبياء إخوة من علات جمع علة وهي الضرة لأنها تتعلل من ضرتها، وأمهاتهم شتى ودينهم واحد بيان لذلك فالأنبياء إخوة لأنهم أولاد آدم عليه السلام ودينهم واحد وهو الإسلام وإن تفاوتت أمهاتهم ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أولى الناس بعيسى عليه السلام لأنه أخوه وليس بينهما نبي.

(3)

ولكن مسلم هنا والبخاري في بدء الخلق.

(4)

أي صدقت من حلف بالله وكذبت نفسي فيما ظهر لي لاحتمال أنه محق في ذلك، وهذه مسارعة إلى الإيمان بالله والحلف به لكثرة إيابه إلى ربه واستغراقه في جلاله وجماله نسأل الله ذلك آمين.

ص: 299

‌يونس وزكريا صلى اللَّه عليهما وسلم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}

(1)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَّ بِوَادٍ فَقَالَ: «أَيُّ وَادٍ هذَا؟» فَقَالُوا: هذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ:«كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسى عليه السلام هَابِطاً مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ»

(2)

ثُمَّ مَرَّ عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى

(3)

فَقَالَ: «أَيُّ ثَنِيَّةٍ هذِهِ؟» قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونسَ بْنِ مَتَّى عليه السلام عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ خِطَامُ ناقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْمِعْرَاجِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا

(4)

خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

يونس وزكرياء صلى الله عليهما وسلم

(1)

فالله تعالى أرسل يونس عليه السلام إلى قومه بنينوى بأرض الموصل فكذبوه فوعدهم بالعذاب إن لم يؤمنوا بعد ثلاث ليال فلم يأت العذاب فخرج من بلده وركب سفينة بغير إذن من ربه فأوشكت أن تفرق فقال الملاحون: هنا عبد آبق من سيده وعملوا قرعة فخرجت عليه فألقى نفسه في البحر فالتقمه الحوت ومكث في بطنه أيامًا ثم ألقاه إلى الشاطئ في نهاية السقم فأنبت الله عليه شجرة تظله وسخر له وعلة تأتيه صباحًا ومساء فيشرب من لبنها حتى صح وعادت إليه قوته فأمره الله بالعودة إلى قومه ليبلغهم الرسالة فآمنوا به وبربه فمتعهم الله إلى حين، فانظر أيها المسلم لهذا البلاء الذي كان يحل بخيرة الناس وهم الأنبياء المصطفون الأخيار صلى الله عليهم وسلم.

(2)

أي وصوته عال بالتلبية والاستغاثة إلى الله تعالى.

(3)

فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية هرشي - كمرحي - جبل قرب الجحفة، قال كشف لي من الغيب فرأيت يونس على ناقة حمراء جعدة أي مكتنزة اللحم خطامها خلبة من الليف وعليه جبة من صوف وهو مار بهذا الوادي يلبي ربه تعالى.

(4)

لفظ أنا عائد للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل الناس أو هو تواضع منه صلى الله عليه وسلم، أو هذا للتأدب مع الأنبياء حديث» لا تخيروا بين الأنبياء» - صلى الله عليهم وسلم -.

ص: 300

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ زَكَرِيَّاءُ عليه السلام نَجَّاراً

(1)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الصِّنَاعَةِ آمِين.

‌أيوب صلى الله عليه وسلم

قَالَ اللَّهُ تَعَالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَيُّوبُ

(2)

يَغْتَسِلُ عُرْيَاناً فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْغُسْلِ فِي الطَّهَارَةِ. وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَضْلُ يُوسُفَ وَكَثِيرٍ مِنَ الْأَنْبَيَاءِ.

(1)

كان زكريا نجارًا أي يعيش من صنعة النجارة، ففيه جواز الصنائع وأنها لا تخل بالمروءة بل الكسب من عمل اليد أفضل كما تقدم في البيوع» ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده صلى الله عليه وسلم.

أيوب صلى الله عليه وسلم

(2)

أيوب عليه السلام ابن العوص بن رزاح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان أعبد أهل الأرض وكان غنيًا بالمال والولد ولكنه ابتلى بذهابهما سبع سنين فصبر صبرا جميلا حتى كان مثلا في هذا، وبينما هو يغتسل يومًا في الفلاة وحده عريانًا إذ نزل عليه جراد من ذهب أي صورة جراد من ذهب فجعل يأخذ بيديه ويضع في ثوبه، فقال له ربه تعالى يا أيوب ألم أكن أغنيتك عن هذا قال بلى يا رب قد أغنيتني ولكن لا زلت في حاجة إلى خيرك وبركتك، فيه جواز الغسل عريانًا أي إذا كان وحده وجواز المزيد من المال إذا أنفق في طرق الخير لحديث» نعم المال الصالح للرجل الصالح» وحديث» نعم الدنيا مطية المؤمن بها يصل إلى الخير وبها ينجو من الشر».

ص: 301

‌ذو القرنين وعزيز وتبع رضي الله عنهم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} . وَقَالَ تَعَالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} .

وَقَالَ تَعَالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ}

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَم لَا، وَمَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ: «وَمَا أَدْرِي ذَا الْقَرْنَيْنِ نَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا

(3)

».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَدْرِي أَلْحُدُودُ طَهَارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا وَلَا أَدْرِي تُبَّعٌ لَعِيناً كَانَ أَمْ لَا، وَلَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ نَبِيًّا كَانَ أَمْ مَلِكاً» . رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ. وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ: «لَا تَسُبُّوا تُبَّعاً فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ

(4)

». وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

عدد أحاديث كتاب النبوة 137

ذو القرنين وعزير وتبع عليهم السلام

(1)

الكلام على هذه الآيات مبسوط في التفسير.

(2)

بسند صالح.

(3)

هذا قبل أن ينزل عليه أنها طهارة لأهلها وتقدم في آخر الحدود.

(4)

فالمستور عنا في ذي القرنين وعزير نبوتّهما فقط، أما إسلامهما فتفق عليه، وقوله لا أدرى تبع لعينًا أي كافرا أم لا هذا أولا ولكن ثبت إسلامه بهذا الحديث. وقال قتادة إن كعبًا كان يقول في تبع الرجل الصالح وكانت عائشة رضي الله عنها تقول لا تسبوا تبعًا فإنه قد كان رجلا صالحًا نسأل الله أن يحشرنا في زمرة الصالحين آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 302

(القسم الثالث في الفضائل والتفسير والجهاد)

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتاب الفضائل

وفيه سبعة فصول وخاتمة

‌الفصل الأول في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}

(1)

{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي

(2)

ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْماً يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفَونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الفضائل. وفيه سبعة فصول وخاتمة. الفصل الأول في فضائل الأصحاب إجمالا

(1)

سيماهم على وجوههم من أثر السجود. أي علامتهم في وجوههم نور يظهر عليها في الدنيا والآخرة وهذا مثلهم في التوراة. ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه أي فراخه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه أي فقواه فقام واستوى على أصوله يعجب الزراع أي زارعيه لحسنه، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كالزرع يبدو في قلة وضعف ثم يكثر ويقوى على أحسن الوجوه فهم غيظ للكفار ولهم الغفران والأجر العظيم.

(2)

خير أمتي قرني أي أصحابي، فالمراد بقرنه صلى الله عليه وسلم الذين رأوه وآمنوا به، فهم خير الأمة ثم الذين يلونهم وهم الأتباع ثم الذين يلونهم وهم أتباع التابعين، ثم يأتي بعدهم قوم يتسابقون للشهادة عمل طلبها ويتسارعون لليمين قبل طلبها، وهذا كناية عن عدم تورعهم.

ص: 303

الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِئُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ». رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيَقُولُونَ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ». ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ يَكُونُ البَعْثُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ فِيهِمْ أَحَداً رَأَى مَنْ رَأَى أَحَداً رَأَى أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حتَّى نُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا زِلْتُمْ ههُنَا، قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ الْعِشَاءَ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ

(1)

فسيأتي زمان تخرج فيه للغزو فئام أي جماعة من الناس فيستنصرون بالواحد من الأصحاب وينصرون به، ثم يأتي زمان فيستنصرون بالواحد من الأتباع ثم بالواحد من أتباع التابعين ثم بالواحد من أتباع أتباع التابعين فيفتح لهم وينصرون لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ونور النبوة والرسالة.

(2)

إكرامًا لهما ومعجزة لنبيهما صلى الله عليه وسلم وهذان الرجلان هما أسيد بن حضير وعباد ابن بشر رضي الله عنهما.

ص: 304

وَكَانَ كَثِيراً مَا يَفْعَلُهُ فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أُتِيَ السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ

(1)

وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذا ذَهَبْتُ أُتِيَ أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ

(2)

وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أُتِيَ أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ

(3)

». رَوَاهُ مُسْلمٌ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْداً لِحَاطِبٍ جَاءَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو حَاطِباً فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ فَقَالَ: «كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالْحُدَيْبِيَةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عِنْدَ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ

(4)

الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا»، قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَال اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهَا: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي» .

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي يَمُوتُ بأَرْضٍ إِلا بُعِثَ قَائِداً وَنُوراً لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(5)

.

(1)

من فساد الكون ومجيء القيامة، والأمنة بالتحريك الأمن.

(2)

من الفتنة والشقاق والتفرق.

(3)

من اتباع الهوى والتنافس في الدنيا.

(4)

أصحاب الشجرة هم المذكورون في قوله تعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} فورودهم على النار مرورهم على الصراط الذي فوقها كالقنطرة فقط.

(5)

الأول بسند حسن والثاني بسند غريب.

ص: 305

‌سب الأصحاب جرم عظيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً بَعْدِي

(1)

فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذني فَقَدْ آذى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَو أَنْفَقَ

(3)

مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً ما أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. ولِلتِّرْمِذِيِّ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا لَعْنَة اللَّهِ عَلَى شَرِّكُمْ» .

‌الفصل الثاني في فضائل الخلفاء الأربعة فضائل أبي بكر رضي الله عنه

(4)

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْداً بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ذلِكَ الْعَبْدُ مَا عنْدَ اللَّهِ» قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ

سب الأصحاب جرم عظيم

(1)

الله الله في أصحابي أي اتقوا الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي فترمونهم بألسنتكم.

(2)

أي بالهلاك العظيم.

(3)

أي لو أنفق غير الصحابي مثل جبل أحد من الذهب في سبيل الله ما بلغ ثواب المد ولا نصفه الذي ينفقه الصحابي لمكانته العظمى عند الله ونبيه صلى الله عليه وسلم.

الفصل الثاني في فضائل الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم فضل أبي بكر رضي الله عنه

(4)

أبو بكر اسمه عبد الله بن أبي قحافة واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب فهو يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحد السادس. وهو قرشي لأن قريشًا من فهر بن مالك ولأن اسم فهر قريش مصغر قرش اسم لدابة في البحر، وقيل قريش من النضر بن كنانة، واسم أم أبي بكر سلمى بنت صخر بن مالك أسلمت وهاجرت وكذا أبوه أسلم يوم الفتح رضي الله عنهم.

ص: 306

فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ

(1)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَنْ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلكِنْ أُخْوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ

(2)

لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلا سُدَّ إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ». وَفِي رِوَايَةٍ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا

(3)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرِ آخِذاً بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ

(4)

» فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ

(5)

ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي

(6)

فَأَبى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثاً» . ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ

(7)

فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ فَجَعَل وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّرُ

(8)

حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ

(9)

فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ

(10)

فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا».

(1)

أي فكان هذا التخيير للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يفهمه إلا أبو بكر فلذا أكثر من البكاء.

(2)

أي بيننا أقوى ما تكون.

(3)

وفي رواية: لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله.

(4)

أي وقع في غمرة وشدة.

(5)

أي بكلام شديد.

(6)

أن يسامحني.

(7)

أي هنا أبو بكر.

(8)

يتمعر بالعين المهملة، وروى بالمعجمة، أي يتغير من الغيظ.

(9)

أي خاف على عمر مجلس على ركبتيه يستعطف النبي صلى الله عليه وسلم.

(10)

فهو أول من آمن من الرجال وواسى النبي صلى الله عليه وسلم بالنفس والمال.

ص: 307

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ

(1)

فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلا ذَاكَ وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ

(2)

فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ

(3)

وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتاً وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَداً

(4)

، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ فَجَلَس عُمَرُ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّداً فَإِنَّ مُحَمَّداً قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} . وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} . قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ

(5)

قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ

(6)

فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذلِكَ إِلا أَنِّي

(1)

بضواحي المدينة في منازل بني الحارث عند زوجته بنت خارجة الأنصاري.

(2)

القائلين بموته صلى الله عليه وسلم.

(3)

أي بين عينيه.

(4)

أي في الدنيا بل هي واحدة.

(5)

أي غلبهم البكاء من تأثير خطبة أبي بكر رضي الله عنه، فانظر إلى الفرق. الواسع بينه وبين عمر حيث ذهل عمر وأقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات وسيبعثه الله فينتقم ممن قال بموته، وأما أبو بكر فأسكت عمر وخطب بما يناسب المقام حتى تغلب على شعور الحاضرين وأبكاهم فاعترفوا له بالعقل، التكامل والعلم الوافر والرأي الصائب فبايعوه رضي الله عن الجميع.

(6)

موضع يجتمع فيه الأنصار للشورى بينهم فاجتمعوا ورأى بعضهم أن الخلافة لسعد بن عبادة نقيب بني ساعدة، ورأى آخرون أن الخلافة تكون الاثنين: من الأنصار واحد، ومن المهاجرين واحد، فأبى المهاجرون وقال أبو بكر: قريش أوسط العرب دارًا أي أفضلهم مكانا وهي مكة حفظها الله، وأعربهم أحسابا أي أشبههم في الشمائل وحسن الخصال، وأخيرًا تم الأمر لأبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 308

قَدْ هَيَّأْتُ كَلَاماً قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَلا يَبْلَغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ: حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَط الْعَرَبِ دَاراً وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَاباً فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ الناسُ فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ.

• عَنْ عَمَّارِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلا خَمْسَةَ أَعْبُدٍ

(1)

وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ. رَوَى الْبُخَارِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ: «ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَاباً فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنَ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ

(2)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِماً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ:«فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَال: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِيناً» ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ:«فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضاً؟» قَأُع أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ

(3)

». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

(1)

الأعبد هم: بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية وعبيد بن زيد الحبشي وأبدل بعضهم أبا فكيهة بعمار بن ياسر، والمرأتان هما خديجة أم المؤمنين وأم أيمن أو سمية، وأبو بكر رضي الله عنهم فهؤلاء سبقوا الناس كلهم إلى الإسلام ولكن أولهم من الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الأرقاء بلال بن رباح رضي الله عنهم أجمعين.

(2)

فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب أبا بكر ليكتب له كتابًا بالخلافة ولكنه لم يفعل فقال إني أخاف أن يقول قائل أنا أولى أي بالخلافة ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر فهو أهل للخلافة، ففيه إشارة إلى أنه سيقع نزاع فيها وستؤول لأبي بكر وقد كان.

(3)

أي بغير سابقة عذاب.

ص: 309

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَدَدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي

(1)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

وعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ

(2)

مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَداً يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ».

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ

(3)

وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ».

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَنتَ عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ قَالَتْ: «فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقاً» .

وَعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ» . رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

(1)

فأبو بكر أول من يدخل الجنة من الأمة فعمر فعثمان فعلى فبقية العشرة المبشرين بالجنة وسيأتي الكلام عليهم رضي الله عنهم فبقية الأصحاب فالتابعون فأتباع التابعين مع ملاحظة أن فقراء كل طبقة تتقدم عليها.

(2)

هكذا الرواية كافيناه ويكافئه الله به أي بعمله وفضله، ومن هذا قول الله تعالى {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى} .

(3)

فأبو بكر يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض وعمر وعثمان وعليّ كل على ركن من أركانه يقابلون من يأتيه يشرب منه من الأمة المحمدية صلى الله على نبينا وسلم.

(4)

الأول بسند حسن والثاني بسند صحيح والأخيران بسندين غريبين.

ص: 310

‌فضائل عمر رضي الله عنه

(1)

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذلِكَ وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قِمِيصٌ يَجُرُّهُ» ، قالُوا: مَاذَا أَوَّلْتَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الدَّينَ

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ قَدَحاً أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ

(3)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ كانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ

(4)

مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ

فضائل عمر رضي الله عنه

(1)

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، فهو يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجلد السابع. وهو قرشي وعدوى، وكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي حفص لشدته فإن الحفص الأسد، ولقبه بالفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل. وقيل لقبه به أهل الكتاب. وقيل جبريل عليه السلام، ولهذا قال عبد الله: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر رضي الله عنه.

(2)

فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى في نومه الناس يمرون عليه وعليهم قمص - جمع قميص - بعضها إلى الثُّديِ جمع ثدي وبعضها دون ذلك أي أقصر أو أطول إلى السرة أو للركبتين أو لأنصاف الساقين حتى مر عليه عمر وقيصه يجر على الأرض، قالوا يا رسول الله ما تأويل ذلك؟ قال تأويله الدين أي فدين عمر أقوى الناس رضي الله عنه أي بعد أبي بكر رضي الله عنهما.

(3)

فالنبي صلى الله عليه وسلم، يقول رأيت في منامي أني أشرب لبنًا في قدح حتى امتلأ جسمي بالري ثم أعطيت اللبن لعمر فشرب منه، قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال أولته بالعلم أي فعمر أعلم الناس وأكثرهم وثوقًا بربه وخوفا منه.

(4)

يكلمون أي يتكلمون بالشيء قبل ظهوره ولمسلم قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم، أي فقد كان يتكلم بالشيء قبل ظهوره إلهاما من الله تعالى.

ص: 311

قرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ فَبَادِرْنَ الْحِجَابَ

(1)

فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«عَجِبْتُ مِنْ هؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي فَلمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ» قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُنَّ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ: نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظ

(2)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيهاً ابْنَ الْخَطَّابِ

(3)

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكاً فَجًّا قَطُّ إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ

(4)

تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هذَا الْقَصْرُ»؟ قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَولَّيْتُ مُدْبِراً فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِلالاً فَقَالَ: «يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنةِ مَا دَخَلْتُ الْجَنَةَ قَطُّ إِلا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي

(5)

دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ

(6)

الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامي فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرِ مُرَبَّعٍ مُشَرَّفٍ

(7)

مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ هذَا الْقَصْرُ؟» فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَقُلْتُ:«أَنَا عَرَبِيٌّ لِمَنْ هذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قُلْتُ: أَنَا قرشِيٌّ لِمَنْ هذَا الْقَصْرُ؟»

(1)

أي ظهر عليهن الخوف وصرن يتأهبن للخروج.

(2)

أي فيك فظاظة وغلظ بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ألطف الناس.

(3)

وفي نسخة ايه يا ابن الخطاب أي كف عن مناقشتهن فإنهن ضعيفات لا يقدرن عليك لأن الشيطان ما لقيك في فج أي طريق إلا سلك غيره خوفا منك فكيف بالنسوة.

(4)

تلك المرأة هي أم سليم وكانت حينئذ على قيد الحياة فرآها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة توضأ بجوار قصر فخم عظيم فسأل عنه فقيل لعمر بن الخطاب فأراد أن يدخله فتذكر غيرة عمر فامتنع فلما سمع ذلك عمر بكى وقال: إني لا أغار منك يا رسول الله.

(5)

الخشخشة هي صوت حركة المشي وحركة السلاح.

(6)

البارحة هي أقرب ليلة مضت.

(7)

المشرف المرفوع العالي.

ص: 312

قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، قُلْتُ:«أَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هذَا الْقَصْرُ؟» قالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ بِلَالٌ: يَارَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَنْتُ قَطُّ إِلا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا

(1)

وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بِهِمَا

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيم

(3)

، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» قَالَ: «فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرَ فَأَصْبَحَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ» .

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ

(4)

».

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: مَا نَزَلَ بالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ إِلا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ

(5)

.

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَيْ رَجَعَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحاً أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فَقَالَ لَهَا:

(1)

أي لحظة الحدث.

(2)

بهما أي بهاتين الخصلتين أدركت هذه المنزلة العالية. وفيه من فضل عمر ما لا يخفى رضي الله عن الجميع.

(3)

في مقام إبراهيم فإنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهم عند الكعبة لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي} ، وفي الحجاب فإنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لو أمرت نساءك بالحجاب فإنه يراهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب، وفي أسارى بدر فإنه أشار على النبي بقتلهم، وأشار أبو بكر بأخذ الفداء وتركهم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر رغبة في الرحمة، فنزلت الآية تحبذ رأي عمر وهي {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . وقوله في ثلاث لا ينافي أنه وافق ربه في أكثر منها فإنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين فنزلت {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} الآية.

(4)

كفاه هذا شرفا لا يدانيه شرف رضي الله عنه.

(5)

فبلغت الأمور التي نزل القرآن يوافق رأيه فيها خمسة عشر أمرًا رضي الله عنه.

ص: 313

«إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلا فَلَا» ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ سْتِهَا

(1)

فَقَعَدَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ إِنِّ كُنْتُ جَالِساً وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِيُّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانَ وَهِيَ تَضْرِبُ فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ» .

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِساً فَسَمِعْنَا لَغَطاً وَصَوْتَ صِبْيَانٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ

(3)

وَالصِّبْيَانَ حَوْلَهَا فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ تَعَالَىْ فَانْظُرِي» ، فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْبَيَّ عَلَى مَنْكِبٍ رَسُولِ اللَّهِ

(4)

فَجَعلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَقَالَ: «أَما شَبِعْتِ أَمَا شَبِعْتِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لَا لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ عُمَرُ فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا»

(5)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَنْظُرُ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ والْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ» قَالَتْ فَرَجَعْتُ

(6)

.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

(7)

».

وَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: يَا خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ قُلْتَ ذَاكَ فَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

تحت استها أي تحت مقعدتها فجلست عليه خوفا من عمر لشدته عليهن، ففيه الوفاء بالنذر في المباح. وتقدم هذا في كتاب الإيمان والنذور.

(2)

أي ينظر سبب هذا.

(3)

تزفن أي ترقص وتضرب بالدف.

(4)

لتستتر به وهي تنظر الراقصة.

(5)

فروا من حولها خوفا من عمر.

(6)

ففي هذين عظيم لطف النبي صلى الله عليه وسلم بالعباد، وجواز سماع اللهو بقدر الحاجة، وفيه عظيم فضل عمر رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

(7)

ومعلوم أن درجة النبوة لا درجة بعدها للبشر إلا الرسالة، ولو أردنا بالنبوة في الحديث ما يشمل الرسالة لكان عمر في الدرجة العليا رضي الله عنه.

ص: 314

يَقُولُ: «مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَجُلٍ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ

(1)

». رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ السِّتَّةَ

(2)

.

‌مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ

(3)

يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْتَفَتَتِ الْبَقَرَةُ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهذَا وَلكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَعَجُّباً وَفَزَعاً، أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ

(4)

فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنِّي أُومِنُ بِذلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» . راهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: وَمَا هُمَا فِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ.

• عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ رضي الله عنهما

(5)

قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟

(1)

فهذا وما قبله يفيدان أن عمر رضي الله عنه في أعلى الدرجات أي بعد النبيين والمرسلين صلى الله عليهم وسلم وبعد أبي بكر رضي الله عنه.

(2)

الأول والثالث والرابع بأسانيد صحيحة والثاني والخامس بسندين حسنين والسادس بسند غريب.

مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

(3)

بينما رجل أي من بني إسرائيل حمل على بقرة وأجهدها، فقالت له: إني لم أخلق للحمل ولكني خلقت لحرث الأرض.

(4)

وبينما رجل يرعى غنمه إذ أخذ الذئب شاة منها فسعى وراءه الراعي فأخذها منه فقال له الذئب: من يكون للغنم يوم السبع إذا لم يكن لها غيري، فلما سمع الناس بكلام البقرة وكلام الذئب تعجبوا وقالوا سبحان الله بقرة وذئب يتكلمان! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أومن بذلك أي بنطق الحيوان أنا وأبو بكر وعمر فإن الذي أنطق الإنسان قادر على إنطاق الحيوان، ففيه مزيد فضل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما لمسارعتهما إلى الإيمان بالغيب.

(5)

محمد بن الحنفية هذا وصف لأمه واسمها خولة بنت جعفر من بني حنيفة، قال قلت لأبي هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما أي الناس أفضل، قال أبو بكر ثم عمر ثم سكت رضي الله عنه.

ص: 315

قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانَ، فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ قَالَ: مَا أَنَا إِلا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ

(1)

فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فَإِذَا عَلِيٌّ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَداً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ أَنِّي كُنْتُ كَثِيراً أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ: «ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا لَيَرَاهَمْ مَنْ تَحْتَهُمْ كَمَا تَرَوْنَ النَّجْمَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا

(2)

».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيَ إِلا وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ

(3)

».

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنِّي لَا أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا

(4)

».

• عَنْ عَلِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ طَلَعَ

(1)

وضع عمر على سريره أي بعد غسله وتكفينه، فتكتنفه الناس أي أحاطوا به يصلون عليه ويدعون له وأنا معهم، فإذا عليّ وضع يده على منكبي وقال يخاطب عمر: ما تركت أحدا أحب إليّ أن ألقى ربي بمثل عمله منك، وقد كنت أظن أن تكون مع صاحبيك النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه في قبر واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر اسمك واسم أبي بكر كثيرا وتم ذلك.

(2)

أي أرفعا، أو زادا فضلا، أو وحق لهما ذلك فإنهما أهله.

(3)

وما أعظمهما بذلك فخرا.

(4)

هذا دليل على فضلهما العظيم وعلى أن كل ما قالا به في الدين فهو حق لأنهما جبلا عليه.

ص: 316

أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ

(1)

أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلا النَّبِييِّنَ وَالْمُرْسَلِينَ يَا عَلِيُّ لَا تُخْبِرْهُمَا».

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ: «هذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ

(2)

».

• عَنْ أَنَسٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ فيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَا يَرْفَعُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ إِلا أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَيَتَبَسَّمانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا

(3)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِه وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا وَقَالَ: «هكَذَا نُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(4)

».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ

(5)

ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ آتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَيُحْشَرُونَ مَعِي ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى أُحْشَرُ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ».

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَاطَّلَعَ أَبُو بَكْرٍ» ثُمَّ قَالَ: «يَطَّلِعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَاطَّلَعَ عُمَرُ» رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ التِّسْعَةَ

(6)

. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْوِيَنَا مِنْ عِلْمِهِ اللَّدُنِّيِّ آمِين.

(1)

الكهول جمع كهل وهو من زاد على الثلاثين إلى الخمسين، وهذا نظرا لوصفهم في الدنيا وإلا فأهل الجنة كلهم شباب، والمراد أن أبا بكر وعمر سيدا أهل الجنة إلا النبيين والمرسلين صلى الله عليهم وسلم فهما بعدهما أفضل أهل الدنيا والآخرة رضي الله عنهما.

(2)

فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما منزلتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وأمته كالسمع والبصر وأعظم بها رفعة.

(3)

وهذا لشده قربهما وعظيم منزلهما عند النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

أي نقوم من القبور فنلتقي ونكون هكذا إلى أرض المحشر الجديدة.

(5)

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقوم من قبره أول الناس فأبو بكر فعمر ثم أهل البقيع أي أهل المدينة ثم ينتظرون أهل مكة بين الحرمين ليحشروا جميعًا على الأرض الجديدة.

(6)

الأربعة الأول بأسانيد حسنة والباقي بعضه مسكوت عنه وبعضه بسند غريب نسأل الله التوفيق آمين.

ص: 317

‌إسلام عمر رضي الله عنه

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ فِي الدَّارِ خَائِفاً إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ

(1)

عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوف بِحَرِيرٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ قَالَ: لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْكَ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ فَخَرَجَ الْعَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الْوَادِي فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ فَكَرَّ النَّاس. وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا: صَبَا عُمَرُ وَأَنَا غُلامٌ فَوْقَ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ: قَدْ صَبَا عُمَرُ فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

إسلام عمر رضي الله عنه

(1)

فبينما عمر في داره خائفا من قومه لما أسلم إذ جاء العاص بن وائل السهمي من بني سهم وكانوا حلفاء لبنى عدى الذين منهم عمر في الجاهلية، والعاص هذا أبو عمرو بن العاص وكان ذا يسار وذا هيبة في قومه فجاء لبيت عمر وعليه حلة من حرير وقيص مكفوف بالحرير فوجد الناس قد ملأوا الوادى لما سموا بإسلام عمر. فقال له: ما لك خائفا. قال زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت. قال لا سبيل لهم إليك، فبعد هذه الكلمة قال ابن عمر أمنت. ثم خرج العاص إلى الناس وقال أين تريدون؟ قالوا نريد ابن الخطاب الذي صبا أي خرج عن دين آبائه. قال: لا سبيل إليه. فكر الناس وانصرفوا وفي رواية: قال لهم أنا له جار أي ناصر فانصرف الناس عنه. نسأل الله كمال الأمن والإيمان آمين.

ص: 318

‌وصية عمر والبيعة لعثمان رضي الله عنهما

• عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ

(1)

قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا أَتَخَافَانِ أَنْ تكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْراً هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ، قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَإِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَداً

(2)

قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا ابْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفيْنِ قَالَ اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلِ أَوْ نَحْوِ ذلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا هُوَ إِلا أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ حِينَ طَعَنَهُ فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِيناً وَلَا شِمَالاً إِلا طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُساً فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ

(3)

وَتَنَاوَلَ

وصية عمر والبيعة لعثمان رضي الله عنهما

(1)

فعمر مر على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف وكان أرسلهما إلى العراق لتقدير الخراج على أرضه ولتقدير الجزية على أهل الذمة فسافرا وفعلا ما كلفا به وعادا بسلامة الله، فلما مر عمر عليهما قال لهما لعلكما لا تكونان حملتما الأرض ما لا تطيق، أي أخاف أن تكونا ظلمتما الناس، قالا: لا ما فيها أي عمليتنا هذه فضل كبير.

(2)

من كثرة ما أعطيهن من الأموال.

(3)

فعمر رضي الله عنه سوى الصفوف كعادته في صلاة الصبح ثم كبر للإحرام فسمعوه يقول قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه العلج أي الرجل الشديد من كفار العجم فإنه طعن عمر بسكين ذات حدين ثلاث مرات إحداهن في أسفل بطنه وهي التي كانت السبب في موته رضي الله عنه، ثم فر مسرعا لا يمر بأحد إلا طعنه فطعن ثلاث عشر رجلا فمات سبعة أو تسعة فطرح عليه واحد من المسلمين اسمه حطان التميمي برنسا - كساء ذو رأس - فدهمه فنحر نفسه فمات على دين المجوسية، ذلك العلج هو أبو لؤلؤة فيروز مولى المغيرة بن شعبة وكان حاذقا يكتسب من عدة=

ص: 319

عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ لِلصَّلَاةِ فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي رَأَيْتُ، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمنِ صَلَاةً خَفِيفَةً فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ عُمَرُ: يَا بْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَامُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: الصَّنَعُ

(1)

قَالَ: نَعَمْ قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفاً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ

(2)

قَدْ كُنْتَ يَابْنَ عَبَّاسٍ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقاً فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَاهُمْ قَالَ: كَذَبْتَ بَعْدَمَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ وَصَلُّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ، فَاحْتُمِلَ عُمَرُ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِهِ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ هذِهِ، فَقَائِلٌ يَقُولُ لا بَأْسَ وَقَائِلٌ يَقُولُ أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَيذٍ

(3)

فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ، لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدَمٍ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ

(4)

ثمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ شَهَادَةٌ قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَ فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الْأَرْضَ قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ فَجَاءَ فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي ارْفَعْ

= صناعات فكان حدادا ونقاشا ونجارا فضرب عمر عليه خراجا قدره مائة كل شهر فشكا لعمر، فقال عمر: ما هذا بكثير عليك بالنسبة لكسبك، ألم تقل لو شئت لصنعت رحا تطحن بالريح، فعبس إلى عمر وقال لأصنعن لك رحًا يتحدث الناس بها، فلم يعبأ به عمر رضي الله عنه حتى نفذ ما أضمره من أشنع الأعمال.

(1)

الصنَع الحاذق في صنعته.

(2)

الحمد لله الذي لم يجعل منيتي، وفي رواية: ميتتي بيد رجل يدعى الإسلام بل على يد رجل مجوسي وهو أبو لؤلؤة قاتله الله.

(3)

بنبيذ أي نقيع تمر غير مسكر كما تقدم في الشراب، فشربه فخرج من جوفه لتمزق أمعائه رضي الله عنه.

(4)

مبتدأ مؤخر تلك.

ص: 320

ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً أَوْ نَحْوَهُ قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِلا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَدِّعَنِّي هذَا الْمَالَ

(1)

ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ عُمَرُ السَّلامَ وَلَا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيراً وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَذَهَبَ فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا تَبْكِي

(2)

فَقَالَ لَهَا مَا قَالَهُ عُمَرُ فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَدْ جَاءَ قالَ عُمَرُ: ارْفَعُونِي فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ لابْنِ عُمَرَ: مَا لَدَيْكَ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذلِكَ فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فأَدْخِلُونِي وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا فَلَمَّا رَأَيْنَاها قُمْنَا فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ فَولَجَتْ دَاخِلًا

(3)

فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ فَقَالُوا:

(1)

أي ضعه في بيت مال المسلمين فإنه كان أخذها منه، وفي رواية: أن عبد الرحمن بن عوف سأله عن سبها، فقال: أنفقتها في حجج حججتها ونوائب كانت تنوبني لأنه رضي الله عنه ما كان يأخذ من بيت مال المسلمين لنفسه إلا الضروري للأكل والشرب واللبس وهو نصف دانق كل يوم، أما ما أخذه للحج ونوائب الدهر فأخذه دينا عليه رضي الله عنه مع أن الوالى ورجاله لهم أن يأخذوا كفايتهم من بيت المال كما تقدم في الإمارة.

(2)

فوجدها تبكي أي على عمر رضي الله عنهما فكلمها فأجابت وقالت: لأوثرنه به على نفسي وإنما أرسل عمر إلى عائشة رضي الله عنهما يستأذنها في الدفن بجوار النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر لأن هذا المكان بيت عائشة رضي الله عنها.

(3)

فولجت داخلا أي مكانا داخلا وصارت تبكي بصوت مرتفع =

ص: 321

أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفُ قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهذَا الْأَمْرِ مِنْ هؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْداً وَعَبْدَ الرَّحْمنَ وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتِ الْإِمْرَةُ سَعْداً فَهُوَ ذَاكَ وَإِلا فَلَيْسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ ثُمَّ قَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ

(1)

أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْراً

(2)

الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْراً

(3)

فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَلا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْإِعْرَابِ خَيْراً فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ

(4)

وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَن يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلا طَاقَتَهُمْ قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ نَمْشِي فَسَلَّمَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ

(5)

(1)

أوصيه بالمهاجرين الأولين أي الذين صلوا إلى القبلتين أو أهل بيعة الرضوان.

(2)

وأوصيه بالأنصار الذين تبوأوا الدار أي دار السلام والهجرة وهي المدينة والإيمان أي أخلصوا فيه قبلهم أي قبل الهجرة إليهم. وقوله: أن يقبل من محسنهم ويعفي عن مسيئهم بلفظ المجهول فيهما أي المطلوب لهم ذلك من كل وال.

(3)

وأوصيه بأهل الأمصار جمع مصر وهي البلد الكبير كالكوفة والبصرة فإنهم رده الإسلام أي سنده، وجباة المال أي منهم الأموال، وغيظ العدو أي بهم يغتاظ العدو لكثرتهم وقوتهم.

(4)

وأوضيه بذمة الله أي بأهل الذمة أن يوفى بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم أي إذا قصدوا بسوء.

(5)

فلما قبض عمر أي بعد ثلاث ليال من ضربه غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وذهبوا لبيت عائشة فاستأذنوا فأذنت لهم فأدخلوه ودفنوه في الروضة الشريفة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر - وراء أبي بكر رضي الله عنهما.

ص: 322

فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هؤُلَاءِ الرَّهْطُ

(1)

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتَ أَمْرِي إِلَى عَلِيَ، فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ

(2)

: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَينْظَرَنْ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ: أَفَتجْعَلُونَهُ إِلَيَّ

(3)

وَاللَّهُ عَلَيَّ أَلا آلُوَا عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالَا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا (عَلِيَ) فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقِدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمَا قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

الذين ذكرهم عمر وهم: علي وعثمان وسعد والزبير وطلحة وعبد الرحمن رضي الله عنهم.

(2)

فقال عبد الرحمن لعلي وعثمان: أيكما تبرأ من أمر الخلافة نجملها له والله رقيب عليه والإسلام شاهد عليه لينظرن أحسنهم في اعتقاده فأسكت بلفظ الفاعل والمفعول أي سكت الشيخان.

(3)

أفتجعلونه أي أمر الخلافة إليّ والله رقيب عليّ لا آلو أي لا أقصر عن أفضلكم، قالا: نعم.

(4)

وولج أهل الدار أي دخل أهل المدينة فبايعوه تبعا لبيعة هؤلاء له، وروى أن عبد الرحمن اختار عثمان بإشارة سعد ومن أخذ رأيهم من هؤلاء فإن عثمان كان ذا يسار مذكور مشكور في الناس، وإلا فعلي رضي الله عنه كان أعظم علما وآصل رأيا وأقرب نسبا رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 323

‌فضائل عثمان رضي الله عنه

(1)

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: كنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «افْتحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَح فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذا هُوَ عُمَرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّه، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» فَفَتَحْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَداً ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ

(3)

وَرَسُولُ اللَّهِ رضي الله عنه حَيٌّ أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

فضائل عثمان رضي الله عنه

(1)

هو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم فهو قرشي أيضا، ويقال له أموي نسبة إلى جده أمية وإليه ينسب الأمويون، وعثمان يلقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع بواحد تزوج بنتي نبي غيره رضي الله عنه.

(2)

فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل بستانًا وأمر أبا موسى أن يجلس على بابه فلا يدخل أحد إلا بإذنه وفي البستان بئر تسمى بئر أريس فجلس النبي صلى الله عليه وسلم على حافتها ودلى رجليه فيها فجاء أبو بكر فاستأذن فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وبشره بالجنة فدخل فجلس على يمين النبي صلى الله عليه وسلم ودلى رجليه فيها ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له وبشره بالجنة فدخل فجلس على يسار النبي صلى الله عليه وسلم ودلى رجليه فيها فجاء عثمان فاستأذن فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فدخل ولكنه لم يدل رجليه في البئر حياء من النبي صلى الله عليه وسلم بل جلس تلقاءه. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عثمان كانت ركبته مكشوفة فغطاها حياء منه، وتلك البلوى هي ما أصابه رضي الله عنه من الفتنة بسبب أقاربه الذين ولاهم في الجهات لفهمه أنهم أعدل الناس وأخلص الناس إليه حتى انتهت بقتله رضي الله عنه.

(3)

وفي رواية: إنكم لتعلمون أنا كنا نقول على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يعني في الخلافة على هذا.

ص: 324

بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ رضي الله عنه عُثْمَانُ رضي الله عنهم. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ: فَيَسْمَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذلِكَ فَلَا يُنْكرُهُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُداً وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانَ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا مُسْلِماً.

وَقِيلَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيَ صلى الله عليه وسلم: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ الْوَلِيدِ

(2)

فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ قَالَ: يأَيُّهَا الْمَرْءُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ

(3)

فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ فَجَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ للَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ

(4)

وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأَنِ الْوَلِيدِ

(5)

قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: لَا ولكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا

(6)

، قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قلْتَ وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَايَعْتُهُ فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم صعد على جبل أحد هو وأبو بكر وعمر وعثمان فاهتز الجبل فرحًا بهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين لأصحابه أنها ليست هزة غضب كرجفة الجبل بقوم موسى بل هزة فرح وسرور بهم فضرب برجله على الجبل وقال: اثبت يا أحد فإنما عليك نبي وصديق وهو أبو بكر وشهيدان وهما عمر وعثمان، ففيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار بغيب قد وقع بعد هذا.

(2)

الوليد كان أخًا لعثمان من أمه وكان قد ولاه الكوفة بعد فصل سعد منها فأكثر الناس من الطعن فيه لارتكابه وزادوا في الكلام على عثمان لسكوته عنه.

(3)

أجابه بذلك لأنه ظن أنه سيكلمه بغير ذلك فيحزنه.

(4)

هما هجرة الحبشة وهجرة المدينة.

(5)

بسبب سوء سيره وعدم إقامة الحد عليه. والرضا بالمنكر قبيح.

(6)

أي وصل إلى شرعه وهديه صلى الله عليه وسلم كما وصل إلى العذراء من وراء الحجاب.

ص: 325

أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ ثُمَّ اسْتُخْلِفَتُ، أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَمَا هذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ الوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ عَلِيٌّ ثَمَانِينَ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَحْفِرُ بِئْرَ رُومَةَ

(2)

فَلَهُ الْجَنَّةُ فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ، وَمَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرِةِ

(3)

فَلَهُ الْجَنَّةُ فَجَهَّزهُ عُثْمَانُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهِبٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ

(4)

وَحَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْماً جُلُوساً فَقَالَ: مَنْ هؤُلَاءِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: قُرَيْشٌ، قَالَ: فَمَنِ الشِّيْخُ فِيهِمْ

(5)

؟ قَالوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي هَلْ تَعْلمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ

(6)

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيَنْ لَكَ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ

(7)

، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَنْ شَهِدَ بَدْراً وَسَهْمَهُ

(8)

»، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ

(1)

أي تولى عليّ رضي الله عنه إقامة حد الشراب عليه.

(2)

الكلام على بئر رومة تقدم في الوقف.

(3)

جيش العسرة كان لغزوة تبوك فجهزه عثمان بألف دينار وخمسين فرسًا وألف بعير إلا خمسين.

(4)

اسمه يزيد بن بشر.

(5)

أي الذي يرجعون إليه.

(6)

استحسانًا لقول ابن عمر لأنه وافق ما يسمعه من تنقيص عثمان رضي الله عنه.

(7)

بقوله تعالى {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} .

(8)

فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتخلف ومعه أسامة بن زيد لخدمة زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكان سنها عشرين سنة فأرسل له النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة يبشره بالنصر وأن له أجر وسهم من شهد بدرًا فماتت حين وصول زيد رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 326

بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ

(1)

فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانَ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «هذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى» فَقَالَ: «هذِهِ لِعُثْمَانَ» ثُمَّ قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعاً فِي بَيْتِي كَاشِفاً عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ ساقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذلِكَ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَوَّى ثِيَابَهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا أَقُولُ ذلِكَ في يَوْمٍ وَاحِدٍ) فَدَخَلَ فَتْحَدَّثَ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ

(3)

وَلَمْ تبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تَبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحْي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِيي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ

(4)

وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَلا يَبْلغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

(1)

بيعة الرضوان هي المذكورة في قوله تعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} فلما صد المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن دخول مكة للعمرة رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل أحسن رجل لهم ليعلمهم أنه جاء معتمرًا لا محاربا فأرسل عثمان لهم فشاع أنهم يتهيأون لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وحصلت البيعة في غيبة عثمان ولذا قال صلى الله عليه وسلم» إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله» فضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال» هذه لعثمان» فكانت يده صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرًا من أيديهم لأنفسهم رضي الله عنهم.

(2)

اذهب بها أي بهذه الأجوبة معك الآن لعله يزول عنك ما تسمعه في عثمان فإنه الخليفة الثالث وزوج بنتي النبي صلى الله عليه وسلم وله منزلة سامية رضي الله عنه.

(3)

فلم تهتش له أي لم تنبسط منه ولم تباله أي لم تهتم به، فلما دخل عثمان جلست له وتلطفت معه، قال كيف لا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة.

(4)

أي إن عثمان رجل حيي أي كثير الحياء ولو أذنت له على تلك الحال أخاف ألا يبلغ إليّ =

ص: 327

• عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ السُّلَميِّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَوْقَ دَارِهِ ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَاصَرُوهُ: أُذَكَرُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حِرَاءَ

(1)

حِينَ انْتَفَضَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اثْبُتْ حِرَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: «اذَكَرْكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ مَنْ يُنْفِقُ نَفَقَةً مَتَقَبِّلَةً وَالنَّاسُ مُجْهِدونَ مُعْسِرُونَ فَجَهَّزْتُ ذلِكَ الْجَيْشَ» قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: «أُذَكِّرُكُمْ باللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ بِئْر رُومَةَ لَمْ يَكُنْ يَشْرَبُ مِنْهَا أَحَدٌ إِلا بِثَمَنٍ فَابْتَعْتُهَا

(2)

فَجَعَلْتُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَابْنِ السَّبِيلِ» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ وَأَشْيَاءَ عَدَّدَهَا.

• عَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الْفِتَنَ وَقَرَّبَهَا فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ

(3)

فَقَالَ: «هذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى» فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: هذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» .

• عَنْ أَبِي سَهْلَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ

(4)

: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً فَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ.

• عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزَنٍ الْقُشَيْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ، قَالَ: فَجِئَ بِهِمَا كَأَنَّهُمَا جَمَلَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ

(5)

فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرُ بِئْرِ رُومَةَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي

= في حاجته أي لا يكاشفني بحاجته رضي الله عنه فضلا عن هذا فمنزلة الشيخين كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم في الدرجة العليا أي تكاد تكون بغير تكليف.

(1)

أي جبل حراء الذي بمكة.

(2)

فابتعتها أي اشتريتها فجعلتها للناس كلهم.

(3)

مقنع في ثوب أي مستتر به.

(4)

قال عثمان يوم الدار يوم حاصروه فيها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليّ عهدًا فأنا صابر عليه والعهد هو هذا البلاء.

(5)

سكت الشارح عن هذين الصاحبين سترا على عباد الله تعالى.

ص: 328

بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ

(1)

لَهُ مِنْهَا فَي الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ» ، فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ، قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، ثمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ

(2)

وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ

(3)

فَرَكَضُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «اسْكُنْ ثَبِيرُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ شَهدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ ثَلَاثاً

(4)

».

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً فَقَالَ: يُقْتَلُ فِيهَا هذَا مَظْلُوماً

(5)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا عُثْمَانُ إِنَّهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصاً فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ

(6)

».

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَمُرَةَ رضي الله عنه: جَاءَ عُثْمَان إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ في كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ، وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ

(7)

». مَرَّتَيْنِ.

(1)

بخير متعلق بيشتري.

(2)

ثبير - كأمير - جبل بمكة.

(3)

أسفل الجبل فركضه أي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال: اسكن يا ثبير فعليك نبي وصديق وشهيدان.

(4)

أي كرر شهدوا لي أني شهيد ثلاثا.

(5)

الإشارة لعثمان.

(6)

هذا القميص هو الخلافة فإن أهل الأمصار لما أبغضت عمال عثمان طلبوا عزلهم فلم يجبهم في طلبهم فجاءوا فحاصروا عثمان طالبين منه أن يتنازل عن الخلافة فلم يقبل حتى قتلوه رضي الله عنه.

(7)

أي قال ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين، أي فكل شيء يعمله بعد الآن مغفور له حديث أهل بدر» اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

ص: 329

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ خَبَّابٍ رضي الله عنه: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مَائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا

(1)

وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ ثَلَاثُمَائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هذِهِ» . رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّمَانِيَةَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ مِنْهَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ

(2)

.

‌مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

(3)

• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنه النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ

(4)

وكَانَ رَمِداً فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلفُ فَخَرَجَ فَلَحِقَ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ لَيَأْخُذَنَّ بِالرَّايَةِ غَداً رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيَ

(1)

الأحلاس جمع حِلس كساء رقيق تحت الرحل، والأقتاب جمع قتب - كسبب - هو للجمل كالإكاف لغيره.

(2)

والأخير بسند غريب والأربعة قبله بأسانيد حسنة نسأل الله حسن الحال آمين.

مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

المناقب: جمع منقبة وهي ضد المثلبة، والفضائل: جمع فضل وفضيلة، وضده النقص والنقيصة، فالمناقب والفضائل بمعنى واحد.

(3)

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الجد الأول للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو هاشمي وقرشي وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه، وكنيته أبو الحسن وأبو تراب كما يأتي به وأسلم وهو غلام له ثمان سنين رضي الله عنه وكرم وجهه الذي لم يسجد لصنم قط، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت في الإسلام هاشمية، أسلمت وماتت بالمدينة رضي الله عنها.

(4)

في خيبر أي في الخروج لغزوها، وكان رمدا أي مريضا بالرمد في عينيه، فإذا نحن بعليّ وما نرجوه أي ما نرجو حضوره معنا لمرضه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية وتقدم بها أمام الجيش ففتح الله عليهم وانتصروا على خيبر، والراية: العلم التي هي علامة الإمارة.

ص: 330

وَمَا نَرْجُوهُ»، فَقَالُوا هذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ».

• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيْحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» فَبَاتَ النَّاسُ يَدْوكونَ لَيْلَتَهُمْ

(1)

أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ:«أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» ؟ فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ:«فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ» فَأُتِي بِهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَليٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلهُمْ حَتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ

(2)

ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَحِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النعَمِ

(3)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» ، قَالَ عُمَرُ: مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ أَلا يَوْمَئِذٍ فَتَسَاوَرْتُ لَهَا

(4)

رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ:

(1)

وفي رواية: يذكرون ليلتهم أي يتحدثون فيمن سيأخذها.

(2)

أي سر بجيشك متأنيًا حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وما يجب عليهم لله ولرسوله فإن أجابوك فلا سبيل لك عليهم وإلا فالقتال.

(3)

حمر النعم هي الإبل الحمر وضرب بها المثل لأنها أعز وأنفس أموال العرب أي والله لأن يهدي الله بسببك شخصًا واحدا خير لك من حمر النعم أي أكثر ثوابًا وأبقى من التصدق بالإبل الحمر لأن ثوابها ينقطع بموتها وثواب العلم والهدى باق إلى يوم القيامة، ففيه حض على تعليم العلم وبثه في الناس لأنه هو الحياة والسعادة الدائمة.

(4)

فتساورت لها أي تطاولت للإمارة يومئذ. وقوله: فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم أي حفظوهما إلا بحقها أي لا إله إلا الله، أي إذا اعترفوا بالشهادتين فقد حرم التعرض لهم بأي شيء إلا بحق الإسلام كإقامة الحد وأخذ مال الزكاة، ففيه الدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وهو واجب لمن لم تبلغهم الدعوة، ومستحب لغيرهم، قال تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} .

ص: 331

«امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ» فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئاً ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: «قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا إِلا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَى الشَّيْخَانِ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: اسْتُعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ فَدَعَا سَهْلًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيًّا فَأَبى سَهْلٌ فَقَالَ لَهُ: أَمَّا إِذَا أَبَيْتَ فَقُلْ لَعَنَ اللَّهُ أَبَا التُّرَابِ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيَ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ هذا وَكَانَ يَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا

(2)

فَقِيلَ لَهُ: أَخْبِرْنَا لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ؟ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا عليهما السلام فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟» قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي

(3)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِنْسَانٍ

(4)

: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ:

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم لما خرج لتبوك أناب عليًا عنه في أهله فقال المنافقون: ما تركه إلا استثقالا له، فسمع بهذا عليّ فتسلح فخرج فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فأخبره بقول المنافقين، فقال: كذبوا إنما خلفتك لمن تركتهم ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، تأول قول الله تعالى {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} فعلي من النبي صلى الله عليه وسلم كهارون من موسى أي في الأُخوة وقرب المرتبة والظاهرة به في أمور الدين.

(2)

أي بهذه الكنية.

(3)

أي لم يمكث وقت القيلولة في البيت النزاع حصل.

(4)

ذلك الإنسان هو سهل الراوي.

ص: 332

«قُمْ أَبَا التّرَابِ قُمْ أَبَا التُّرَابِ

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي مُعَاوِيَة أَنْ أَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ فَقُلْتُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثاً قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَنْ أَسُبَّهُ

(2)

لَأَنْ تَكونَ لِي وَاْدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: قَدْ خَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلْفْتَنِي مَع النِّساءِ وَالصِّبْيَانِ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَما تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى إِلا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي» . وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً وَقَالَ: «اللَّهُمَّ هؤُلَاءِ أَهْلِي

(3)

». رَوَاهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ

(4)

».

• وَعَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ عَلِيٌّ» قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَقَالَ: أَوَّلُ مِنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ

(5)

.

(1)

أي قم يا أبا التراب أي يا من أصابه التراب تلطفًا منه صلى الله عليهم وسلم لعلي رضي الله عنه.

(2)

أي ما دمت متذكرًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه فلن أسبه أبدا.

(3)

فهذه الأحاديث الثلاثة في علي لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم في أحد غيره، ففيها دلالة على رفع مكانة عليّ رضي الله عنه. وفي الحديث اثنتان من علامات النبوة: فعلية وقولية، أما الفعلية: فبصقه في عين عليّ وبرؤها في الحال، وأما القولية: فهي قوله: خذ الراية وسر إليهم فسيفتح الله عليك، وكان كذلك.

(4)

قال الشافعي رضي الله عنه أراد به مولاه في الإسلام كقوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} وسببه أن أسامة بن زيد قال لعليّ لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.

(5)

كلاهما صادق فإن عليًا أول من أسلم من الصبيان، وأبا بكر أول من أسلم من الرجال.

ص: 333

• عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ

(1)

».

• عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالرَّحَبَةِ

(2)

قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ خَرَجَ إِلَيْنَا نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَنَاسٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ إِلَيْكَ نَاسٌ مِنْ أَبْنَائِنَا وَإِخْوَانِنَا وَأَرقَّائِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ فِقْهٌ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا خَرَجُوا فِراراً مِنْ أَمْوَالِنَا وَضِيَاعِنَا

(3)

فَارْدُدْهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِقْهٌ فِي الدِّينِ سَنُفَقِّهُهُمْ، ثمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ بِالسَّيْفِ عَلَى الدِّينِ قَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ عَلَى الْإِيمَانِ» ، قَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هُوَ خَاصِفُ النَّعْلِ» ، وَكَانَ أَعْطَى عَلِيًّا نَعْلَهُ يَخْصِفُهَا

(4)

قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا عَليٌّ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَيْشاً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ

(5)

فَأَصَابَ جَارِيَةً فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنْ يَخْبِرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَجَعُوا وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنَ السَّفَرِ بَدَأُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلَيَ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِلَ مَقَالَتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَهُمَا

(1)

فلعلى من الحرمة ما للنبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

بالرحبة أي برحبة الكوفة وهو أمير المؤمنين.

(3)

الضياع جمع ضيعة وهي العقار والأرض المغلة سمي ضيعة لأن صاحبها يضيع بإهمالها.

(4)

أي يخيطها، أي فالذي يهددكم الله به والذي امتحن الله قلبه للإيمان هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(5)

السرية هي الجماعة إلى ثلاثمائة.

ص: 334

فأَعْرَضَ عَنْهُ، ثمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ:«مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيَ وَكَرَّرَهَا ثَلَاثاً» ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي

(1)

».

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يُحِبُّ عَلِيًّا مُنَافِقٌ وعلَا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ

(2)

».

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِّهِمْ لَنَا، قَالَ: «عَلِيٌّ مِنْهُمْ قَالَهَا ثَلَاثاً وَأَبُو ذَرَ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَسَلْمَان

(3)

أَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ».

• عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيَ وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ

(4)

»،

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ عَلِيٌّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَلَمْ تُؤَاخِ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخَرِةِ

(5)

».

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي وَإِذَا سَكَتُّ ابْتَدَأَنِي

(6)

.

• عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلِيًّا وَعَلَى الْآخَرِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَقَالَ: إِذَا كَانَ

(1)

النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن شكواهم في عليّ لأنه ظهر له أن ما فعله على ليس منكرًا وإلا لأجابهم، وقوله وهو ولي كل مؤمن بعدى هذه من قوله {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} أي وعلى ولي المؤمنين بعدي وفيها لعلي رضي الله عنه أفخر منقبة.

(2)

فالمنافق لا يحب عليًا لأنه ضده والمؤمن لا يبغضه لأنه مثله، ومنه الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ومنه الضدان لا يجتمعان.

(3)

وسلمان الفارسي، فالله تعالى يحبهم أي أكثر ممن دونهم، وذكر على ثلاثًا تنويه بمزيد فضله وعلو قدره رضي الله عنه.

(4)

كان من دأب العرب إذا كان بينهم نقض أو إبرام أو صلح لا يؤدي ذلك إلا سيد القوم أو من يليه من قرابته القريبة.

(5)

هذه المؤاخاة وقعت بعد الهجرة فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجري والأنصاري لزيادة الرابطة والمودة بينهما كما يأتي وبهذا الحديث امتاز على عن بقية الأصحاب رضي الله عنهم.

(6)

فكان علي رضي الله عنه في ذاكرة النبي صلى الله عليه وسلم دائما، وما أعظمها مزية.

ص: 335

الْقِتَالُ فَعَلِيٌّ

(1)

فَافْتَتَحَ عَلِيٌّ حِصْناً فَأَخَذَ مِنْهُ جَارِيَةً فَكَتَبَ مَعِي خَالِدٌ كِتَاباً إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشِي بِعَليَ فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ فَقَرَأَهُ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ ثُمَّ قَالَ: «مَا تَرَى فِي رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، قلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ فَسَكَتَ

(2)

.

وَقَالَ جَابرٌ رضي الله عنه: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا يَوْمَ الطَّائِفِ

(3)

فَانْتَجَاهُ فَقَالَ النَّاسُ: لَقَدْ طَالَ نَجْوَاهُ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا انْتَجَيْتُهُ وَلكِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ» .

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رضي الله عنه لِعَلِيَ: «يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَجْنَبُ فِي هذَاالْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرُكَ

(4)

».

• عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا وَفِيهِمْ عَليٌّ، قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُرِيَنِي عَلِيًّا

(5)

».

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَيْرٌ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اثْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هذَا الطَّيْر فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ

(6)

».

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ

(7)

وَأَعْتَقَ بَلَالاً مِنْ مَالِهِ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ يَقُولُ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، تَرَكَهُ الْحَقُّ وَمَا لَهُ صَدِيقٌ

(8)

، رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ

(1)

أي فعلي هو الأمير.

(2)

فمن كانت صفته هذه فكل عمله مقبول لأنه مجبول على ما يرضي الله ورسوله وإن خفي على بعض الناس.

(3)

يوم الطائف أي يوم غزوته فانتجاه أي كلمه سرًا وطال الكلام فسئموا واعترضوا فقال صلى الله عليه وسلم ما انتجيته ولكن الله انتجاه أي أمرني بنجواه.

(4)

أي لا يحل لأحد أن يمشي في المسجد النبوي وهو جنب إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وعليًا رضي الله عنه لعلو منزلتهما.

(5)

فيه دعاء لعلي بطول العمر وخوف عليه وشوق إليه رضي الله عنه.

(6)

فيه أن عليًا رضي الله عنه أحب الخلق إلى الله تعالى.

(7)

وحملني إلى دار الهجرة أي ساعدني وصاحبي فيها وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الراحلة منه بالثمن ولكن كان الزاد من مال أبي بكر رضي الله عنه كما تقدم في الهجرة.

(8)

أي من العوام إلا فالخواص كانوا يقدرونه رضي الله عنه فإنه لما ضرب علاهم الحزن بأجلى مظاهره.

ص: 336

تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ

(1)

». رَوَى التِّرْمِذِيُّ السَّتَّةَ عَشَرَ

(2)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

• عَنِ الْأَقْرَعِ مُؤَذِّنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ إِلَى الْأُسْقُفِّ

(4)

فَدَعَوْتُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ تَجِدُنِي فِي الْكِتَابِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ تَجِدُنِي؟ قَالَ: أَجِدُكَ قَرْناً، قَالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ عَلَيْهِ الدِّرّةَ فَقَالَ: قَرْنَ مَهْ؟ قَالَ: قَرْنٌ حَدِيدٌ أَمِينٌ شَدِيدٌ، قَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تَجِدُ الَّذِي يَجِئُ بَعْدِي؟ قَالَ: أَجِدُهُ خَلِيفَةً صَالِحاً غَيْرَ أَنَّهُ يُؤْثِرُ قَرَابَتَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُثْمَانَ ثَلَاثاً فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُ الَّذِي بَعْدَهُ؟ قَالَ: أَجِدُهُ صَدَاءَ حَدِيدٍ، فَوَضَعَ عُمَرُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: يَا دَفْرَاهُ يَا دَفْرَاهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ خَلِيفَةٌ صَالِحٌ وَلكِنَّهُ يُسْتَخْلَفُ حِينَ يُسْتَخْلَفُ وَالسَّيْفُ مَسْلُولٌ والدَّمُ مُهْرَاقٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

فكان الحق دائما مع علي رضي الله عنه تحقيقًا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

الثلاثة الأول بأسانيد صحيحة، والأخيران بسندين غريبين وما بينهما بأسانيد حسنة.

(3)

ورواه ابن عبد البر ولفظه أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه، فهذه منقبة لعلي لم يشاركه فيها غيره رضي الله عنه فكان أعلم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأقدرهم على حل المعضلات حتى ضرب المثل به (قضية ولا أبا حسن لها) وكتاب نهج البلاغة أكبر دليل على ذلك والله أعلم.

(4)

فعمر رضي الله عنه أرسل إلى الأسقف عالم النصارى ورئيسهم وشرع يسأله ليسمع منه ما يعرفه في كتبهم من وصف الأصحاب رضي الله عنهم، فقال له كيف وصفي عندكم؟ قال إنك قرن فرفع عمر الدرة عليه يريد ضربه لفهمه أنه ذم فيه ثم استفهم عمر فقال قرن مه أي ما تريد بالقرن، قال قرن حديد أي حصن من حديد للأمة أمين عليها شديد على أعدائها، ثم سأله عمن يأتي بعده، فقال هو خليفة صالح ولكنه يؤثر أقاربه على الناس فترحم عمر عليه ثلاثًا، ثم سأله عن الذي يأتي بعد عثمان فقال صداء حديد أي وسخ الحديد، فتكدر عمر ووضع يده على رأسه وقال يا دفراه أي يا نتن الإسلام ففهم منه أن هذا ذم، فقال الأسقف يا أمير المؤمنين إنه خليفة صالح ولكنه يستخلف والفتن في المسلمين كثيرة فهو مضطر إلى سل السيوف لقطع دابرها وتطهير الأرض والمسلمين=

ص: 337

‌الفصل الثالث في فضائل بقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم

(1)

مناقب الزبير بن العوم رضي الله عنه

• عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ

(2)

فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزّبَيْرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيَ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» .

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءَ

(3)

فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزَّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً

(4)

فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا أَبَتِ رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ إِلَى قُريْظَةَ قَالَ: وَهَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ مَنْ يَأْتِ

= منها، هذا قول عالم النصارى عن سالف الكتب وهو حق فإن عمر كان حصنا للأمة ومهيبًا وشديدة في الدين، رضي الله عنه، وكان عثمان كما قال رضي الله عنه، وكانت أيام خلافة علي رضي الله عنه كلها فتن وحروب ضد فرق ضالة كثيرة اضطرته إلى شهر السلاح عليهم حتى مات رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين والحمد لله رب العالمين.

الفصل الثالث في بقية العشرة المبشرين بالجنة

(1)

العشرة المبشرون بالجنة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسعيد بن زيد رضي الله عنهم، تقدم منهم الأربعة الأول وبقي هذه الستة.

مناقب الزبير بن العوام رضي الله عنه

هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، فهو يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصى، ويقال له القرشي الأسدي نسبة لجده أسد، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم وهو ابن ثمان سنين أو خمس عشرة سنة وحضر يوم اليرموك وفتح مصر مع عمرو بن العاص وقتل وهو نائم بوادي السباع راجعًا من واقعة الجمل سنة 36 هـ رضي الله عنه.

(2)

ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم غزو الخندق أي دعاهم للجهاد وحرضهم عليه فانتدب الزبير أي فأجابه الزبير ثلاث مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري أي ناصر وحواري الزبير رضي الله عنه.

(3)

أي في حفظ نساء النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

أي يتردد إليهم ذهابًا وإيابًا.

ص: 338

بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِنِي بِخَبَرِهِمْ» فَانْطَلَقْتُ فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ فَقَالَ: «فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي

(1)

». رَوَاهمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ

(2)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُسْكُنْ حِرَاءُ فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنهم» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَة: أَبَوَاكَ

(3)

وَاللَّهِ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسولِ مِنْ بَعْدِمَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(4)

.

• عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَ عُثْمَانَ رضي الله عنه رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ

(5)

حَتَّى حَبَسَهُ عَنِ الْحَجِّ وَأَوْصَى فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ، قَالَ: وَقَالُوهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَمَنْ؟ فَسَكَتَ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ

(6)

فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَقَالُوا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ فَسَكَتَ، قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ قَالُوا الزُّبَيْرُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ

(7)

وَإِنْ كَانَ لَأَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(1)

جمع لي رسول صلى الله عليه وسلم أبويه في النداء تعظيما وإعلاء لقدرى فقال فداك أبي وأمي أي أفديك بهما، فإن الإنسان يفدي من يعظمه فيبذل نفسه له، فالزبير رضي الله عنه خاطر بنفسه في الله ورسوله في غزو الخندق وبني قريظة فجعله النبي صلى الله عليه وسلم حواريه وفداه بأبيه وأمه وما أعظمهما مزية.

(2)

فتحرك أي اضطرب حتى تساقطت بعض حجارته، أو صديق أو شهيد أو بمعنى الواو والمراد بالشهيد الجنس فإنهم كلهم شهداء رضي الله عنهم وأرضاهم.

(3)

أبواك من الذين استجابوا لله وللرسول أي أجابوهما من بعد ما أصابهم القرح في غزوة أحد، فأجابها وسارا إلى حمراء الأسد وفيهم يقول الله تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} .

(4)

ولكن البخاري في التفسير.

(5)

وكانت سنة إحدى وثلاثين.

(6)

قيل إن ذلك الآخر هو الحارث بن الحكم أخو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وكانا أجرأ الناس على عثمان لقرابتهم له وتقربهم منه.

(7)

إنه لخيرهم ما علمت أي في علمي وكان أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصوص حسن الخلق والضمير في الكلمتين للمرشحين للخلافة أو لمن أشاروا بها وهذا أظهر.

ص: 339

• عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا يَوْمَ الْيَرْمُوكِ

(1)

: أَلَا تَشُهدُّ عَلَى الْكُفَّارِ فَنَشُدَّ مَعَكَ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَوْصَى الزُّبَيْرُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ صَبِيحَةَ الْجَمَلِ فَقَالَ: ما مِنِّي عُضْوٌ إِلا وَقَدْ جُرِحَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَهَى ذلِكَ إِلَى فَرْجِهِ

(2)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي بَيْتِ الزُّبَيْرِ مِصْبَاحاً فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَرَى أَسْمَاءَ إِلا قَدْ نُفِسَتْ

(3)

فَلا تُسَمُّوهُ حَتَّى أُسَمِّيَهُ» فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ بِيَدِهِ. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ.

(1)

اليرموك موضع بالشام حصلت فيه موقعة كبيرة في أول خلافة عمر رضي الله عنه بين المسلمين والروم وكان عدد المسلمين فيها ستة وثلاثين أو خمسة وأربعين ألفا وعدد الروم سبعمائة ألف فهابهم المسلمون فقالوا للزبير ألا تبدأ بالحمل عليهم. فقال نعم، فحمل عليهم وتبعه المسلمون رضي الله عنهم وأبلوا بلاء حسنا وانتصر المسلمون عليهم فقتلوا منهم مائة ألف وخمسة آلاف وأسروا أربعين ألفا ولكن استشهد من المسلمين أربعة آلاف رضي الله عنهم وأرضاهم.

(2)

فكان هذا إشعارًا بقرب أجله رضي الله عنه، وكان كذلك فإنه كان في وقعة الجمل مع عائشة ضد علي رضي الله عنهم فطلبه على بين الجيشين وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم له حينما التقوا في الطريق مرة: تقاتله وأنت له ظالم، قال نعم، فتاب ورجع فنام تحت شجرة فجاء قاتل على غفلة وقطع رأسه وجاء يبشر عليا بقتله فأنّبه على وتوعده بما معناه: بشر قاتل الزبير بالنار.

(3)

قد نفست أي ولدت واهتم النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها لأنها أخت عائشة وكانت متزوجة بالزبير رضي الله منهم فالزبير أحد المبشرين بالجنة وحوارى النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية وزوج أخت عائشة رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 340

‌مناقب طلحة بن عبيد اللَّه رضي الله عنه

(1)

• عَنْ أَبِي عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ

(2)

الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٌ رضي الله عنه: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَلَّتْ

(3)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ

(4)

فَقَبَضَ إِلَى صَخْرَةٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَأَقْعَدَ تَحْتَهُ طَلْحَةَ فَصَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الصَّخْرَةِ فَقَالَ: أَوْجَبَ طَلْحَةَ.

• عَنْ طَلْحَةَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِأَعْرَابِيَ جَاهِلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ مَنْ هُوَ؟ وَكَانُوا لَا يَجْتَرِئونَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ يُوَقِّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ فَسَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ

(5)

.

مناقب طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

(1)

هو طلحة بن عُبَيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر في كعب بن سعد وكان يقال له طلحة الخير وطلحة الجود لكثرة جوده، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت وهاجرت وعاشت بعد ابنها قليلا وقتل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين. ذكر أن عليا رضي الله عنه لما وقف على مصرع طلحة رضي الله عنه بكى حتى اخضلت لحيته بدموعه ثم قال، إني أرجو أن أكون أنا وأنت ممن قيل فيهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} .

(2)

فلم يثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه - وهي أُحد - إلا طلحة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما وذلك عن حديثهما.

(3)

ففي وقعة أحد أراد بعض المشركين أن يضرب النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف فتلقاه طلحة بيده فشلت وصارت مفخرة عظيمة له رضي الله عنه.

(4)

درعان تثنية درع وهو كقميص من صلب الحديد يلبسه المجاهد ليقية السلاح، أوجب طلحة أي عمل ما يوجب له الجنة قطعا.

(5)

هذا أي طلحة ممن قضى نحبه أي مات في سبيل الله أي سيموت شهيدًا فإنه قتل بعد هذا شهيدا في وقعة الجمل رضي الله عنه.

ص: 341

• عَنْ عَلِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنِي مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ

(1)

».

• عَنْ جَابِرٍ صلى الله عليه وسلمعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظَرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ» . رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الْأَرْبَعَةَ

(2)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

‌مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

(3)

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ

(4)

فَإِنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: ارْمِ أَيُّهَا الْغُلَامُ الْحَزَوَّرُ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ

(5)

لَيْلَةً فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلًا صَالِحاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ» قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ فَقَالَ: «مَنْ هذَا؟» قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا جَاءَ بِكَ؟» فَقَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَامَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

(1)

وما أعظم جوار النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فهي السعادة الكاملة نسأل الله مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم آمين.

(2)

الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن والأخيران بسندين غريبين. وبالله التوفيق.

مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

(3)

هو سعد بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وأهيب جد سعد عمر آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم أخو أبيها وهب بن عبد مناف بن زهرة، فبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد بن مالك حضر المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسمى فارس الإسلام، وكان مجاب الدعوة توفي سنة خمس وخمسين عن ثلاث وثمانين سنة رضي الله عنه.

(4)

ما جمع أبويه لغير سعد أي في الفداء بقوله: ارم فداك أبي وأمي، ارم أيها الغلام الحزور أي المقارب للبلوغ الشديد القوي.

(5)

مقدمه المدينة أي عقب قدومه المدينة، ففيه فضل سعد وأنه من الصالحين الملهمين للحق، وفيه الاحتراس من العدو وترك الإهمال والأخذ بالحزم وهذا قبل نزول {والله يعصمك من الناس} فإنه ترك الحراسة بعدها.

ص: 342

• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَلا تُكَلِّمَهُ أَبَداً وَلَا تَأْكلَ وَلَا تَشْرَبَ حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ

(1)

وَزَعَمَتْ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهذَا فَمَكَثَتْ ثَلَاثاً حَتَّى غَشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ فَسَقَاهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْقُوهَا شَجَرُوا فَاهَا بِعَصاً ثُمَّ أَوْجَرُوهَا فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَآ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا وَالتِّرْمهذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلا فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيه وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلامِ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ

(3)

».

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ

(4)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(5)

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

فلما حلفت أم سعد لا تتناول شيئا حتى يكفر بالإسلام ولدها سعد لم يعبأ بها فقتلها الجوع فكان ابنها عمارة يفتح فمها بقوة ويضع فيه عصا لئلا تطبقه ثم يصب فيه الطعام فصارت تدعو على سعد فنزلت {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} الآيات.

(2)

لأنه أسر على يد أبي بكر وقبلهما النبي صلى الله عليه وسلم فيكون ثلث من أسلم من الرجال الكاملين، وهذا في علمه وإلا فقد أسلم جماعة قبله وكان سابعهم رضي الله عنهم.

(3)

فكان رضي الله عنه مجاب الدعوة.

(4)

ومن يقول هذا فيه النبي صلى الله عليه وسلم فهو بلا شك في منزلة عالية سامية رضي الله عنه.

(5)

بسندين حسنين والله أعلم.

ص: 343

‌مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيناً وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ

(2)

أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاج».

• عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ

(3)

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا أَمِيناً فَقَالَ: «لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِيناً حَقَّ أَمِينٍ قَالَ فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ» . رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ

(4)

قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: «يَا رَسُولِ اللَّهِ ابْعَثْ مَنَا رَجُلًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ وَالْإِسْلَامَ» ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: «هذَا أَمِينُ هذِهِ الْأُمَّةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

(1)

هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر، وأمه من بني الحارث بن فهر أسلمت، وأما أبوه فقتل يوم بدر كافرا وقيل هو الذي قتله، وتوفي أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بن الخطاب سنة ثمان عشرة بالطاعون، وكان طويلا نحيفًا خفيف اللحية أثرم الثنيتين أي ساقطهما بسبب انتزاع سهمين من جبهة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد رضي الله عنه وأرضاه آمين.

(2)

برفع لفظ الأمة على أنه صفة المنادى ونصبه على الاختصاص.

(3)

نجران: بلد باليمن قدم أشرافها وهم السيد والعاقب وجماعة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع فقالوا يا رسول الله ابعث معنا رجلا أمينًا يعلمنا الدين، فقال لأبعثن معكم رجلا أمينًا حق أمين أي أمينًا حقا، فتطلع الناس لها أي للإمارة ولينالوا وصف الأمانة فبعث معهم أبا عبيدة، وقال: هذا أمين هذه الأمة. أي أغلب صفاته وشمائله الأمانة وهي فيه أكثر من غيره كرأفة أبي بكر وشدة عمر وحياء عثمان وعلم عليّ، وإلا فكل الأصحاب أمناء رضي الله عنهم. والأمانة قوة الشخص على حفظ ما وكل إليه.

(4)

إن كان أهل اليمن هنا هم أهل نجران فالقصة واحدة، وإن كانوا غيرهم فتكون قصة أخرى، وعلى كل ففيها مزيد فضل أبي عبيدة رضي الله عنه وأرضاه آمين.

ص: 344

‌مناقب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَبُو بَكْرِ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ

(1)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(2)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ أَمَرْكُنَّ مِمَّا يُهِمُّنِي بَعْدِي وَلَنْ يَصْبِرَ عَلَيْكنَّ إِلا الصَّابِرُونَ

(3)

». قَالَ ثُمَّ تَقُولُ عَائِشَةُ: فَسَقَى اللَّهُ أَبَاكَ

(4)

مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ ترِيدُ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ وَصَلَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ يُقَالُ يَبْعَثُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفاً.

• عَنْ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِن عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى بِحَدِيقَةٍ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَبْعَثُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ

(5)

رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

مناقب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

(1)

معنى أن هؤلاء في الجنة أي مقطوع لهم بدخولها من غير سابقة عذاب. وبقية الأصحاب كذلك ولكن لم يذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في سلك هذا الحديث بل اقتصر على العشرة لمزيد فضلهم ورفع شأنهم.

(2)

الحديث صحيح كما يأتي في مناقب سعيد.

(3)

لعظم شأنهن وعلو منزلتهن.

(4)

فهي تخاطب نجل عبد الرحمن لأن أباه كان يعرف قدرهن فيبعث إليهن بما يرضيهن، كان يبعث بأربعين ألف درهم ونحوها لأنه كان ذا يسار عظيم.

(5)

أي يبعث ريعها بأربعمائة ألف. جزاه الله خير الجزاء وأعلاه وأحسنه آمين.

(6)

الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن.

ص: 345

‌مناقب سعيد بن زيد رضي الله عنه

(1)

• عَنْ حُمَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُ فِي نَفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَكَتَ عَنِ الْعَاشِرِ» ، فَقَالَ الْقَوْمُ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا الْأَعْوَرِ مِنَ الْعَاشِرُ؟ قَالَ: «نَشَدْتُمُونِي بِاللَّهِ أَبُو الْأَعْوَرِ

(2)

فِي الْجَنَّةِ».

• عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نَفَيْلٍ رضي الله عنهم أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى التِّسْعَةِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ شَهِدْتُ عَلَى الْعَاشِرِ لَمْ آثَمْ، قِيلَ: وَكَيْفَ ذلِكَ؟ قَالَ: كُنَّا معَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِرَاءٍ

(3)

فَقَالَ: «اثْبُتْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» ، قِيلَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُبَيْرُ وَسَعْدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ قِيلَ: وَمَنِ الْعَاشِرُ؟ قَالَ: أَنَا. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(4)

.

• وَعَنْهُ قَالَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرَ وَلَوْ أَنَّ أُحُداً ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي إِسْلَامِ سَعِيدٍ رضي الله عنه.

مناقب سعيد بن زيد رضي الله عنه

(1)

وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته فاطمة أم جميل بنت الخطاب وكان أبوه زيد يطلب الدين الحنيف قبل المبعث فكان يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا وكان يصلى إلى الكعبة حتى مات على ذلك رحمه الله.

(2)

أبو الأعور سعيد بن يزيد الذي يروي هنا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

بحراء أي بجبل حراء فاضطرب؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اثبت يا حراء فما عليك إلا نبي وهو محمد صلى الله عليه وسلم أو صديق وهو أبو بكر أو شهيد أي أو شهداء فسألوه عنهم فعد منهم تسعة بالنبي صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه، فسألوه عن العاشر، فقال: أنا. أي سعيد بن زيد.

(4)

بسندين صحيحين.

(5)

فسعيد بن زيد هذا كان متزوجًا بأخت عمر فأسلم هو وامرأته قبل عمر فعلم عمر فدخل عليهما فأوثق سعيدا بحبل في عنقه كالأسير ثم وطئه وصار يضربه فجاءت امرأته التي هي أخت عمر فدفعته عن =

ص: 346

‌الفصل الرابع في مناقب أهل البيت رضي الله عنهم

سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ إِلا أَنْ تَصِلوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ

(2)

مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ ثُمَّ جَاءَتْ فاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

= زوجها بشدة فلطمها على وجهها فأدماه، فسعيد يصف ما أصابهم من تعذيب عمر بقوله، لو أن جبل أحد ارفض وزال عن مكانه لعملكم القبيح بعثمان لكان خليقًا بهذا من تعذيب عمر لنا. رضي الله عن الجميع وجزاهم عن الدين وأهله خير الجزاء آمين.

الفصل الرابع في مناقب أهل البيت رضي الله عنهم

(1)

فلما فهم سعيد أن القربي هم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم وهذا يشمل كل قريش مؤمنهم وكافرهم قال ابن عباس ليس هذا مرادًا إنما المراد لا أسألكم على التبليغ أجرا إلا صلة القرابة التي بيني وبينكم وهم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبوه من ولد جده الأقرب عبد المطلب وهم عليّ وأولاده وجعفر وأولاده وعقيل بنو أبي طالب وحمزة والعباس وأولادهما، وفاطمة الزهراء من باب أولى فهؤلاء هم قرب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل البيت رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين. وإطلاق الأجر على صلة القرابة من باب قوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

(2)

مرط مرحل أي كساء يمني منقوش فيه صور الرحال فجاء الحسن فأدخله أي غطاه بالكساء ثم الحسين فاطمة فعليّ ثم قال {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس - أي الإثم يا - أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فهذه الآية تشمل أهل البيت كلهم ذكورًا وإناثًا حتى النسوة لأن الآيات قبلها وبعدها في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولعلامة جمع الذكور في عنكم ويطهركم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل في الكساء النوعين.

ص: 347

الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ

(1)

وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هؤُلَاءِ أَهْلِ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ إِلَى خَيْرٍ.

• عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّان رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بنُ سَبْرَةَ وَعُمَرُ بنُ مُسْلِمٍ إلى زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ فَلَمَّا جَلَسْنَا إلَيْهِ قالَ له حُصَيْنٌ: لقَدْ لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا رَأَيْتَ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ وَغَزَوْتَ معهُ وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ، لقَدْ لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا حَدِّثْنَا يا زَيْدُ ما سَمِعْتَ مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: يا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَقَدُمَ عَهْدِي وَنَسِيتُ بَعْضَ الذي كُنْتُ أَعِي مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَما حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا وَما لَا فلا تُكَلِّفُونِيهِ ثُمَّ قالَ: قَامَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا

(2)

بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي

(3)

فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ

(4)

أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ فيه الهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا به، فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قالَ: وَأَهْلُ بَيْتي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي

(1)

فجللهم بكساء أي غطاهم بذلك الكساء المرحل، ثم دعا لهم بذلك الدعاء، ولم يسمح لأم سلمة بالدخول معهم لمزيد العناية بهؤلاء، وإلا فأمهات المؤمنين داخلات في أهل البيت مقامًا واحتراما.

(2)

بماء يدعى خما هو موضع على ثلاثة أميال من الجحفة فيه غدير مشهور يضاف إلى خم، فيقال غدير خم.

(3)

رسول ربه هنا هو الموت.

(4)

ثقلين تثنية ثقل - كقمر - وهما الكتاب، وأهل البيت سموا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما ولثقل العمل بحقهما.

ص: 348

فَقالَ له حُصَيْنٌ: وَمَن أَهْلُ بَيْتِهِ يا زَيْدُ أَليسَ نِسَاؤُهُ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ

(1)

؟ قالَ: نِسَاؤُهُ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَن حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قالَ: وَمَن هُمْ يَا زَيْدُ؟ قالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ، قالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قالَ: نَعَمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَن أَهْلُ بَيْتِهِ؟ نِسَاؤُهُ؟ قالَ: لَا، وَايْمُ اللهِ إنَّ المَرْأَةَ تَكُونُ مع الرَّجُلِ العَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَرْجِعُ إلى أَبِيهَا وَقَوْمِهَا، أَهْلُ بَيْتِهِ أَصْلُهُ وَعَصَبَتُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ والتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُ: إنِّي تارِكٌ فيكُم ما إن تمسَّكتُمْ بِهِ لن تضلُّوا بَعدي أحدُهُما أعظَمُ منَ الآخرِ كتابُ اللَّهِ حَبلٌ ممدودٌ منَ السَّماءِ إلى الأرضِ

(2)

وعِترتي أَهْلُ بيتي ولَن يتفرَّقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوضَ فانظُروا كيفَ تخلُفوني فيهِما.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِن نِعَمهِ

(3)

، وأَحِبُّوني بحُبِّ اللهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي.

• عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَينٍ فَقَالَ: مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

(1)

سأله عن نسائه هل هن من أهل بيته، قال: هن من أهل بيته أي الساكنات معه ويعولهن وأمر باحترامهن وإكرامهن وذهب الرجس عنهن وطهروا تطهيرا، ولكنهن لسن من أهل البيت الذين حرمت عليهم الصدقة أي الزكاة؛ لأنها أوساخ الناس فلا تليق بالأشراف، فسأله عن أهل البيت بهذا المعنى، فقال آل عباس وآل عليّ وآل جعفر وآل عقيل، أي العباس ونسله وعليّ وجعفر وعقيل أولاد أبي طالب ونسلهم وهؤلاء هم بنو هاشم وعليه الجمهور، وقال الشافعي: أهل البيت الذين تحرم عليهم الصدقة هم بنو هاشم وبنو الطلب لحديث: إنما بنو هاشم وبنو الطلب شيء واحد. وتقدم هذا في الزكاة.

(2)

حبل ممدود من السماء إلى الأرض: أي عهد الله الذي أمر به، قال تعالى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} وقال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} فالقرآن هو نور الله وهداه الموصل إليه، قال تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} .

(3)

أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، أي لكثرة نعمه عليكم ظاهرة وباطنة، وأحبوني بحب الله أي بسبب الحب في الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي أي لهم.

ص: 349

• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَتُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَتُمْ

(1)

. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ: الْأَوَّلَانِ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ.

‌فضائل العباس رضي الله عنه

(2)

• عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَحَطوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ فَيُسْقَوْنَ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنهم أَنَّ الْعَبَّاسَ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُغْضَباً وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: «مَا أَغْضَبَكَ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهَ مَا لَنَا وَلِقُرَيْشٍ إِذَا تَلَاقَوْا بَيْنَهُمْ تَلَاقَوا بِوُجُوهٍ مُبَشِّرَةٍ

(4)

وَإِذَا لَقُونَا

(1)

حرب أي عدو، وسلم أي ولى، فالنبي صلى الله عليه وسلم عدو لعدوهم وحبيب لحبيبهم، في هذه النصوص أن فاطمة وعليًا والحسن والحسين وذريتهما خواص أهل البيت وهما أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل الناس رضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(فائدة) لهذه المناسبة أحمد الله حق حمده وأشكره بوافر شكره الذي جعلنا من هذه الشجرة المباركة فإن نسبنا يتصل بسيدى على زين العابدين ابن سيدنا الحسين ابن سيدتنا السيدة فاطمة الزهراء بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نسأل الله التوفيق للعمل بشريعته والتحلى بهديه وسيرته آمين والحمد لله رب العالمين.

فضائل العباس رضي الله عنه

(2)

العباس بن عبد المطلب وكان من أعاظم قريش وكانت سقاية زمزم بيده وكذا سقاية الحاج أيضا وكان رجلا جميلا وسيما أبيض اللون له ضفيرتان، وكان معتدل القامة أو فيه طول فهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان أسن منه بسنتين أو ثلاث، وكنيته أبو الفضل لأنه كان أجود قريش كفًّا وأوصلها رحمًا، أسلم قديمًا ولكن لم يظهر إسلامه إلا يوم فتح مكة، وكان ذا رأي وذا دعوة مرجوة، مات رحمه الله في خلافة عثمان يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة من رجب سنة 32 عن 88 سنة وصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه.

(3)

تقدم هذا وشرحه في صلاة الاستسقاء في الصلاة.

(4)

بوجوه مبشرة أي ذات بشر وبشاشة، إنما عم الرجل صنو أبيه أي مثل أبيه لأنهما من أصل واحد وأصل الصنو أن تنبت تخلقان فأكثر من أصل واحد.

ص: 350

لَقُونَا بِغَيْرِ ذلِكَ، قَالَ: فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى احْمَرَّ وَجْهِ ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» ثُمَّ قَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» .

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُمَرَ وَكَانَ قَدْ تَكَلَّمَ فِي صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ: «إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ أَوْ مِنْ صِنْوِ أَبِيهِ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ

(1)

».

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ: «إِذَا كَانَ غَدَاةُ الاِثْنَيْنِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَكَ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ فَغَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ وَأَلْبَسَنَا كِسَاءً

(2)

» ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ ذَنباً، اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ» . رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الْأَرْبَعَةَ

(3)

.

‌فضائل جعفر بن أبي طالب

(4)

• عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي

(5)

(1)

لأنه من أصل النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر وهو فرعه، والأصل وفرعه من معدن واحد.

(2)

وألبسنا كساء أي أعطاهم رداء إكرامًا لهم أو غطاهم بكساء ودعا لهم كما فعل بعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، وقوله: لا تغادر ذنبًا أي لا تترك ذنبًا إلا غفرته، فللعباس فضل عظيم لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم وواحد من أهل البيت، وكان مجاب الدعوة، ودعا له ولولده النبي صلى الله عليه وسلم فكان نسله مباركا ومكثت الخلافة فيهم دهرًا طويلا وانتفع الناس بمالهم وهديهم رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(3)

الأخير بسند حسن والثلاثة قبله بأسانيد صحيحة.

فضائل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه

(4)

جعفر شقيق عليّ وأكبر منه بعشر سنين، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين وكان آية في الكرم وكذا ولده عبد الله وكان له غيره عون ومحمد ولكنه كان يكنى بأبي عبد الله ومات بغزوة مؤتة ونعاه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتيهم خبر الموقعة، رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(5)

أشبهت خلقي أي خلقتي وهيئتي الجثمانية كما أشبهت خلق أي أخلاقي وشيمي وصفاتي، فكان لجعفر بهذا مكانة عظمي رضي الله عنه.

ص: 351

وَخُلُقي». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ

(1)

وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِي حَتَّى لَا آكلُ الْخَمِيرَ

(2)

وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ وَلَا يَخْدُمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةُ وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطَنِي بِالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ وَإِنْ كُنْتُ لَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الْآيَةَ هِيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ خَيْرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى كَانَ يَخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: وَكَانَ جَعْفَرٌ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ وَيَحَدِّثُهُمْ وَيُحِدِّثُونَهُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَنِّيهِ بِأَبِي الْمَسَاكِينِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: مَا احْتَذَى النِّعَالَ

(3)

وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا وَلَا رَكِبَ الْكُورَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ جَعْفَراً يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ

(4)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(5)

.

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى آمِين.

(1)

أي من رواية الحديث.

(2)

الخمير الخبز الذي في عجينته خمير، والحرير. وفي رواية. الحبير أي البرد المخطط. وكنت ألصق بطني بالحصباء أي الأرض من شدة الجوع لتنكسر حرارته من برودة الأرض، وكنت أستقرئ الرجل أي أطلب منه أن يعلمنى الآية وأنا أعرفها لينقلب بي أي ليذهب بي إلى بيته فيطعمني، وكان خير الناس للمساكين جعفر فكان يأخذنا لبيته فيطعمنا ما فيه حتى إذا لم يجد شيئا قدم لنا المسكة - إناء السمن - فنشقها فنلعق ما فيها رضي الله عنه.

(3)

ما احتذى النعال أي ما لبسها، ولا ركب المطايا جمع مطية وهي الناقة لأنه يركب مطاها وظهرها، ولا ركب الكور أي الرحل بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر رضي الله عنه.

(4)

فرؤية النبي صلى الله عليه وسلم له وهو في الجنة يطير مع الملائكة تدل على منزلته السامية الممتازة رضي الله عنه.

(5)

الأول صحيح والثاني غريب.

(6)

لأنه كان أميرًا في غزوة مؤنة الشام بيده راية الإسلام فقطعت يداه فعوضه الله منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم =

ص: 352

‌مناقب السيدة فاطمة بنت النبي صلى اللَّه عليهما وسلم

(1)

• عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَن يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ فَلَا آذَنُ لَهُمْ ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ إِلا أَنْ يُحِبَّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي

(2)

.

وَلَمَّا عَلِمَتْ فَاطِمَةُ بِخِطْبَةِ عَلِيَ لَبِنْتِ أَبِي جَهْلٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ يتحَدَّثُونَ أَنَّكَ لا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ وَهذَا عَلِيٌّ نَاكِحاً ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ

(3)

فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ

(4)

فَحَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ مُضْغَةٌ مِنِّي

= عبد الله: هنيئًا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء - رواه الطبراني. وروى الحاكم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم، وللطبراني: دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرا يطير مع الملائكة، وفي رواية: أن جعفرا يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله عز وجل من يديه، ولهذا اشتهر بجعفر الطيار، وكانت له تلك المنازل السامية رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين والحمد لله رب العالمين.

مناقب السيدة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

هي فاطمة بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتلقب بالزهراء لصفائها ونورها، وبالبتول لكثرة عبادتها، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنهما.

(2)

أي إن بني هاشم استأذنوني أن يزوجوا بنتهم لعليّ رضي الله عنه ولكني لا آذن لهم إلا إذا طلق عليّ بنتي فإنها بضعة مني أي قطعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويريبني ما رابها، وكل شيء خفت عقباه فقد رابك.

(3)

وبنت أبي جهل هذه التي خطبها عليّ اسمها جويرية أسلمت وبايعت رضي الله عنها.

(4)

أبو العاص هذا كان متزوجًا بالبنت الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم وهي زينب رضي الله عنها وكان محسنًا لعشرتها ومحبًّا لها وطلبت منه قريش أن يطلقها فأبى ولما أسر ببدر فدته زينب امرأته رضي الله عنها بقلادة لها كانت أهدتها لها أمها خديجة رضي الله عنها، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم رق لها وقال لأصحابه تسمحون برد القلادة إلى صاحبتها ورد زوجها لها=

ص: 353

وَإِنَّمَا أَكَرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهَا

(1)

وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَداً». قَالَ: فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ ابْنَتهُ فِي شَكَوْاهُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا

(2)

فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذلِكَ فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ هذَا فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبعُهُ فَضَحِكْتُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُنَّ عِنْدَهُ فِي مَرَضِهِ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَرْحَباً بِابْنْتِي فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً» فَبَكَتْ فَاطِمَةُ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضاً، فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحاً أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ

(3)

فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَانِي إِلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي

(4)

وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقاً بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ فَبَكَيْتُ لِذلِكَ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ «أَلَا تَ رضينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِهِ الْأُمَّةِ» فَضَحِكْتُ لِذلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والْبُخارِيُّ وَلَفْظُهُمَا:

= فسمحوا، فردت لها القلادة وأطلق سراحه، ولما نزل تحريم المسلمة على المشرك أرسل لها النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه فأرسلها له فمكثت عنده حتى أسلم زوجها فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

أن يفتنوها أي بتزويج عليّ عليها، بنت عدو الله هو أبو جهل الذي هلك على كفره في وقعة بدر.

(2)

في شكواه التي قبض فيها أي في مرضه الذي مات فيه فسارها بشيء أي كلمها سرا.

(3)

أي ما رأيت عجبًا كضحك عقب بكاء.

(4)

أي كان جبريل يدارسه القرآن كل عام في رمضان مرة واحدة ولكنه في هذا العام دارسه مرتين ولهذا يرى النبي صلى الله عليه وسلم أن أجله قد قرب فبكت فاطمة فعاد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرها سرًا أنها سيدة النساء فضحكت رضي الله عنها.

ص: 354

ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ فَضَحِكْتُ

(1)

.

وَعَنْهَا وَقَدْ سُئِلَتْ أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ

(2)

فَقِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: زَوْجُهَا. إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّاماً قَوَّاماً. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْر تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ

(3)

، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ؛ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هذَا الْمَالِ

(4)

وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئاً مِنْ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِهِ وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ رضي الله عنه» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ» . وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَقَّهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(5)

أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي

(6)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

هذا لا ينافي ما تقدم في الرواية الأولى من أن الذي أضحكها هو إخبارها بأنها أول أهله موتًا بعده صلى الله عليه وسلم لاحتمال تعدد المسارّة.

(2)

أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فاطمة فهي أحب الأقارب إليه لأنها بنته وفلذة كبده فقيل: ومن الرجال. قالت: عليّ زوجها ولا أعرفه إلا كثير الصيام والقيام رضي الله عنهم أجمعين.

(3)

من قريظة والنضير وخيبر وقرى عرينة.

(4)

أي لآل محمد صلى الله عليه وسلم وهم قرباه وزوجاته الطاهرات كفايتهم من ذلك المال.

(5)

أي عليّ وزوجه وقرباهم رضي الله عنهم.

(6)

أي صلة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أحب عندى من صلة قرابتي، وهذا الحديث تقدم في كتاب الفرائض والمواريث فارجع إليه إن شئت. والله أعلم.

ص: 355

‌مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما

(1)

سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُحرِمِ يَقْتُلُ الذُّبَابَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونَ عَنِ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هِمَا رَيْحانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ابْنَ عُمَرَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْظُرُوا إِلَى هذَا يَسْأَلُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا» .

• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ يَنْظرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: «ابْنِي هذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ يُصْلِحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فِئَتَيْنِ عِظِيمَتَيْنِ» .

مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما

(1)

الحسن والحسين ولدا عليّ من فاطمة الزهراء رضي الله عنهم ويكنى الحسن بأبي محمد، وولد في رمضان سنة ثلاث من الهجرة ومات بالمدينة مسمومًا سنة خمسين عن سبع وأربعين سنة، والحسين يكنى بأبي عبد الله وولد في شعبان سنة أربع من الهجرة واستشهد بكربلاء في العراق سنة إحدى وستين عن سبع وخمسين سنة رضي الله عنهم أجمعين.

(2)

فرجل عراقي سأل ابن عمر عن المحرم إذا قتل الذباب ما يلزمه، وفي الرواية الثانية: عن دم البعوض إذا أصاب ثوبًا، فندد عليه ابن عمر لأنه يسأل عن الحقير وقد فعلوا الأمر الخطير، وهو قتل الحسين الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم وفي أخيه: هما ريحانتاي من الدنيا أي هما عندي كالريحانة التي تحب فتشم وتُقبل، وابن عمر لم يجب السائل لعله كان متعنتًا فأعرض عنه، والجواب: لا يجوز للمحرم قتل الذباب وإذا قتله فعليه صدقة، ودم البعوض إذا كثر وجبت إزالته لنجاسة الدم.

(3)

وكان ذلك، فإنه وقع نزاع بينه وبين معاوية على الخلافة ومع كل واحد منهما فئة عظيمة من المسلمين وكان الحسن أولى بالخلافة لأنه فرع بيتها وبايعه على القتال عليها أربعون ألفا من المسلمين، ومع هذا كله تنازل عنها لمعاوية حقنًا لدماء المسلمين رضي الله عنه وأرضاه.

ص: 356

• عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ

(1)

يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ

(2)

فَقَالَ: أَثَمَّ لَكَعُ أَثَمَّ لُكَعْ؟ يَعْنِي حَسَناً فَظَنَنَّا أَنَّ أُمَّهُ تَحْبِسُهُ لِتُغْسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَاباً فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ» .

• عَنْ إِيَاسٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَقَدْ قُدْتُ بَنَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةً النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هذَا قُدَّامَهُ وَهذَا خَلْفَهُ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَحَمَلَ الْحَسَنَ وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهٌ. بِالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيهاً بِعَلِيَ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ زِيَادٍ فَجِيءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ فَجَعَلَ يَقُولُ بِقَضِيبٍ لَهُ فِي أَنْفِهِ وَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هذَا حُسْناً

(4)

قُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْبَهِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

(1)

العاتق ما بين المنكب والعنق.

(2)

خباء فاطمة: بيتها، واللكع: الصغير، والمراد هنا الحسن، والسخاب: قلادة حباتها من المسك والقرنفل والعود كالسبحة يلبسها الأطفال والجواري.

(3)

فكان الحسن رضي الله عنه شبيهًا بالنبي صلى الله عليه وسلم في شكله وهيئته وأخلاقه وسمته وهديه.

(4)

فلما استشهد الحسين رضي الله عنه جاءوا برأسه في طست إلى عبيد الله بن زياد وكان واليًا على الكوفة من قبل يزيد بن معاوية فصار ينكت بقضيب في يده في أنف الحسين وعينه ويقول: ما رأيت حسنا كهذا، فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك فقد رأيت في رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه وكان هذا في سنة إحدى وستين وبعدها بسنة واحدة قتل ابن زياد وأصحابه وجيء برءوسهم في رحبة =

ص: 357

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

(1)

».

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ حَسَناً وَحُسَيْناً فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا

(2)

».

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنِ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذلِكَ

(3)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ كُلَّ نَبِيَ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ أَوْ نُقَبَاءَ

(4)

وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ»، قُلْنَا: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «أَنَا وَابْنَايَ وَجَعْفَرٌ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَبِلَالٌ وَسَلْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَأَبُو ذَرَ وَعَمَّارٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ» .

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَتْنِي أُمِّي متَى عَهْدُكَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(5)

قُلْتُ: مَا لِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذ كَذَا وَكَذَا فَنَالَتْ مِنِّي فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي آتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَغْرِبَ وَأَسْأَلَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ، فَذَهَبْتُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ انْفَتَلَ

(6)

فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي فَقَالَ: «مَنْ هذَا؟ حُذَيْفَةُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:«مَا حَاجَتُكَ؟ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ» . ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ

= الكوفة فجاءت حية وصارت تتخلل الرءوس حتى دخلت في أنف ابن زياد فمكثت فيه هنيهة ثم خرجت وبعد قليل عادت فدخلت في أنفه؛ فعلت ذلك ثلاث مرات والناس ينظرون ويعجبون، ولا غرابة فهذا قليل جدًّا مما أعده الله لهم من أنواع العقاب وأفظعه.

(1)

أي أحسنهم جمالا وشأنًا ورفعة.

(2)

وحيث كانا محبوبين للنبي صلى الله عليه وسلم فالله يحبهما تبعًا لمحبته وإجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم.

(3)

فالحسنان رضي الله عنهما كانا شبيهين بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكن كان الحسن أكثر شبهًا به في جسمه من صدره إلى رأسه وكان الحسين أكثر شبها به من سرته إلى قدميه.

(4)

النقباء جمع نقيب وهو العريف، والنجباء جمع نجيب وهو السيد الفاضل. وفيه فضل النبي صلى الله عليه وسلم على بقية الأنبياء صلى الله عليهم وسلم كما فيه فضل لهؤلاء النجباء.

(5)

متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم أي متى كنت معه، قال من وقت كذا كثلاثة أيام مثلا. فنالت منه أي سبته لطول عهده بالنبي صلى الله عليه وسلم.

(6)

ثم انفتل أي خرج من الصلاة فتبعته فلما عرفنى ابتدأنى بالدعاء لي ولوالدتي، وهذا مرادنا، ومعجزة منه صلى الله عليه وسلم.

ص: 358

الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هذِهِ اللَّيْلَةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ

(1)

وَيُبَشِّرَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهما السلام وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثَرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ نَظَرْتُ إِلَى هذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا

(2)

».

• عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ

(3)

».

• عَنْ سَلْمَى رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ فَقُلْتُ: مَالَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «شَهِدْتُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفاً

(4)

».

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ» ، وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطَمِةَ: «ادْعِي ابْنَيَّ فَيَشُمُّهُمَا وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ

(5)

».

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَامِلَ الْحُسَيْنِ

(1)

فالملائكة تشتاق إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما يشتاق الآدميون وكل شيء إليه.

(2)

هذا دليل على عظيم محبته صلى الله عليه وسلم لهما وحشرنا في زمرتهم آمين، والظاهر أن هذا لم يكن في يوم الجمعة المشقة السير عليهما فيه.

(3)

السبط: ولد الولد، والجماعة، والمراد هنا أن الحسين رضي الله عنه في أخلاقه وأعماله الصالحة في دنياه كأمة صالحة، كقوله تعالى» إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين} ويبعث الحسين في الآخرة له شأن وجاه عظيم كأمة ذات شأن عظيم.

(4)

شهدت قتل الحسين آنفا: أي تلك الساعة فنحن في حزن كبير من أثر هذه الفتنة التى آلت بقتل الحسين وتشتيت أهل بيته رضي الله عنهم وأرضاهم.

(5)

زيادة اشتياق لهما ومحبة فيهما رضي الله عنهما فيه جواز شم الأولاد وضمهم وتقبيلهم شفقة وعطفا عليهم.

ص: 359

عَلَى عَاتِقِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: نِعْمَ الْمَرْكَبُ رَكِبْتَ يَا غُلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ

(1)

». رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الْعَشَرَةَ

(2)

.

‌فضل عبد اللَّه بن العباس رضي الله عنهما

(3)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ

(4)

» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: دَعَا لِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤْتِينِي الْحِكْمَةَ مَرَّتَيْنِ

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءاً

(6)

فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: «مَنْ وَضَعَ هذَا؟» قُلْتُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ:«اللَّهُمَّ فَقِّهِهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(1)

فالمركب والراكب خير الناس صلى الله عليهما وسلم.

(2)

الثلاثة الأخيرة بأسانيد غريبة، والثلاثة الأول بأسانيد صحيحة، وما بينهما بأسانيد حسنة والله أعلم.

فضل عبد الله بن العباس رضي الله عنهما

(3)

ولد ابن العباس رضي الله عنه قبل الهجرة بثلاث سنين وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم بريقه وسماه ترجمان القرآن، وكان طويلا جسيما أبيض وسيما صبيح الوجه، قال فيه عمر بن الخطاب: عبد الله فتى الكهول، له لسان سيول، وقلب عقول، وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا تكلم قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس، وفي أواخر عمره كف بصره وتوفي بالطائف سنة ثمان وستين، وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه محمد بن الحنفية رضي الله عنهم أجمعين.

(4)

الحكمة هي العلم النافع والعمل به، وقال الشافعي رضي الله عنه: الحكمة هي السنة النبوية لقوله تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} .

(5)

فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا له مرتين أن يؤتيه الله الحكمة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم مقبول.

(6)

وضعت له وضوءًا أي ماء يتوضأ به فلما خرج ورآه قال: اللهم فقهه، أي علمه الفقه في الدين، وفى رواية قال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، فكان أعلم الناس بالقرآن الكريم، وهذه أحسن دعوة فإن من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين. نسأل الله العلم والعمل به واليقين آمين.

ص: 360

‌فضل عبد اللَّه بن جعفر رضي الله عنهما

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفِرٍ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بَصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثاً لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَداً مِنَ النَّاسِ

(2)

.

رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

إلى هنا انتهى ذكر أهل البيت المعدودين في حديث زيد بن أرقم السابق في أهل البيت رضي الله عنهم.

‌فضل زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ

(4)

لَخَلِيقاً لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هذَا

فضل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما

(1)

فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من السفر وتلقاه الناس والصبيان كان عبد الله أسبقهم إليه فأركبه بين يديه فجاء أحد الحسنين فأردفه، ففيه التلطف بالصبيان وإكرامهم وجواز ركوب أكثر من واحد على الداية إذا كانت تطيق ذلك.

(2)

فركوب عبد الله مع النبي صلى الله عليه وسلم أكسبه منزلة رفيعة زيادة على أنه من الأصحاب الكرام ومن آل البيت الفخام رضي الله عنهم أجمعين.

فضل زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

زبيد هذا من بنى كلب أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة رضي الله عنهم فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم وجاء أخوه جبلة بن حارثة من قبل أبيه وعمه يطلبان فداءه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين البقاء معه وبين الذهاب معه فاختار النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتى في حديث جبلة أخيه.

(4)

إن كان أي أبوه زيد لخليقًا: أي أهلا وكفؤا للإمارة.

ص: 361

لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ: «فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ» .

• وَعَنْهُ قَالَ: «مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ}

(1)

» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ جَبَلَةَ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْ مَعِي أَخِي زَيْداً قَالَ: «هُوَ ذَا فَإِن انْطَلَقَ مَعَكَ لَمْ أَمْنَعْهُ» . قَالَ زَيْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَخْتَارُ عَلَيْكَ أَحَداً، قَالَ جَبَلَةُ: فَرَأَيْتُ رَأْيَ أَخِي أَفْضَلَ مِنْ رَأْيِي

(3)

.

وَفَرَض عُمَرُ رضي الله عنه لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَفَرَضَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِأَبِيهِ: لِمَ فَضَّلْتَ أُسَامَةَ عَلَيَّ فَوَاللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ، فَقَالَ: لِأَنَّ زَيْداً كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِيكَ، وَكَانَ أُسامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكَ فَآثَرْتُ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِبِّي

(4)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ.

(1)

لأنه لما دخل في ملكه صلى الله عليه وسلم أعتقه وتبناه فكانوا يدعونه زيد بن محمد حتى نزلت الآية، وكان زيد حسن الأخلاق وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه رضي الله عنه.

(2)

فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد: أنت أخونا أي في الدين {إنما المؤمنون إخوة} ومولانا أي تابعنا وناصرنا.

(3)

فزيد بن حارثة أبى أن يعود إلى أهله ويكون حرًا وسيدا واختار النبي صلى الله عليه وسلم مع التبعية فكان له عند الله ونبيه المنزلة السامية رضي الله عنه.

(4)

فعمر رضي الله عنه أعطى أسامة بن زيد من الغنيمة أكثر من ولده عبد الله بن عمر فاعترض عليه ولده بأن أسامة لم يسبقه في مشهد من المشاهد، قال نعم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أباه أكثر من أبيك، وكان يحب أسامة أكثر منك، فقدمت حب أي محبوب النبي صلى الله عليه وسلم على حبي أي محبوبي رضى الله عن الجميع وحشرنا في زمرتهم آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 362

‌فضل أسامة بن زيد رضي الله عنهما

(1)

• عَنْ أُسَامَةَ رضي الله عنه قَالَ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ عَلَيٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ يَسْتَأْذِنَانِ، فَقَالَ:«أَتَدْرِي مَا جَاءَ بِهِمَا» ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي فَقَالَ: «لكِنِّي أَدْرِي» ، فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا فَقَالَا: يَا رَسُولِ اللَّهِ جِئْنَا نَسْأَلُكَ أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ» ، فَقَالَ مَا جِئْنَا نَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكَ، قَالَ: «أَحَبُّ أَهْلِي إِلَيَّ مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ

(2)

»، قَالَا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» ، قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلْتَ عَمَّكَ آخِرَهُمْ، قَالَ «لِأَنَّ عَلِيًّا قَدْ سَبَقَكَ بِالْهِجْرَةِ» .

• وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

هَبَطْتُ وَهَبَطَ النَّاسُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَقَدْ أَصْمَتَ فَلَمْ يَتَكَلمْ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيَّ وَيَرْفَعُهُمَا فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُوَ لِي.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُنَحِّيَ مُخَاطَ أُسَامَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَفْعَلُ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ

(4)

». رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ وَالْأَوَّلَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ

(5)

.

فضل أسامة بن زيد رضي الله عنهما

(1)

أسامة بن زيد هذا هو ابن زيد بن حارثة السابق رضي الله عنهما تربى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان تابعًا مخلصًا وشجاعا كبيرا وذا أخلاق كريمة كأبيه فحازا رضاء النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته.

(2)

أحب أهلي إليّ من قد أنعم الله عليه أي بالإسلام، وأنعمت عليه أي بالعتق وهو أسامة أي بالنظر لأبيه زيد بن حارثة فإنه لما وهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم أعتقه وتبناه، فانظر إلى هذا جعله من أهله بل من أحبهم وعقب فاطمة رضي الله عنهم.

(3)

لما ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم: أي لما كان في مرض موته هبطت أنا والناس إليه أي ذهبنا إليه وكان في حال شديدة منعته الكلام، ومع هذا كان يدعو لي في هذا مزيد العناية بأسامة رضي الله عنه.

(4)

فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينحى مخاطه ولعله كان مريضًا فجعله كطفل من ذريته ثم قال لعائشة: أحبيه فإنى أحبه. ففى هذا كبير فضل لأسامة رضي الله عنه وأرضاه.

(5)

والأخيران بسندين حسنين. نسأل الله التوفيق.

ص: 363

‌فضل بلال بن رباح الحبشي مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلَالاً

(2)

.

• عَنْ قَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّ بِلَالاً قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِلَّهِ فَدَعْنِي وَعَمَلِي لِلَّهِ

(3)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالٍ بَعْدَ صَلَاةِ غَدَاةٍ: «يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَي عَمَلٍ عَمِلْتَهُ عِنْدَكَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْفَعَةً فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ

(4)

»، قَالَ بِلَالٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً فِي الْإِسْلَامِ أَرْجَى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَا أَتَطَهَّرُ طُهُوراً تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلا صَلَّيْتُ بِذلِكَ الطُّهُورِ

فضل بلال بن رباح الحبشي مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

بلال بن رباح حبشي الأصل أسود اللون طويل نحيف خفيف العارضين، كان مملوكا لبنى جمح فلما سمع بالإسلام بادر إليه فصار أسياده يعذبونه عذابًا شديدا على الإسلام فلا يرجع، وكان أمية بن خلف يوالى تعذيبه ويغرى به الولدان يطوفون به في شعاب مكة يعذبونه ويشهرون به فلا يفتر لسانه عن قول: أحد، أحد، وكان هلاك أمية هذا على يده. فقال له أبو بكر أبياتًا منها:

هنيئا زادك الرحمن خيرا

فقد أدركت ثأرك يا بلال

فلما اشتد تعذيبه ودفنوه في الحجارة حيا اشتراه أبو بكر بخمس أواق وأعتقه لله تعالى رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

(2)

فقول عمر (الذي هو من الملهمين) هذا في حق بلال له شأن كبير.

(3)

أراد بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج للجهاد فمنعه أبو بكر وطلب منه البقاء مؤذنا كما كان فقال له بلال ذلك، فأنشده بالله أن يقيم معه فأقام معه حتى مات. ولما تولى عمر طلب منه الخروج للجهاد وقال: إنى أرى الجهاد للمؤمن أفضل عمل، فأذن له عمر فخرج للشام مجاهدا وبقى بها حتى توفى بطاعون عمواس بدمشق سنة عشرين عن ثلاث وستين سنة رضي الله عنه، وأذن بالشام مرة واحدة فبكى وأبكى السامعين رحمه الله.

(4)

خشف نعليك أي سمعت خفق نعليك وصوت مشيك أمامي في الجنة فما الذي تعمله صالحا؟ قال: الصلاة بعد كل وضوء وسبق: ما أحدثت ليلا أو نهارًا إلا توضأت وصليت ركعتين، ففيه عظيم فضل الوضوء والصلاة عند كل حدث، وفيه مزيد فضل بلال لأنه صلى الله عليه وسلم رآه في الجنة يمشي أمامه، فتلك مكانة عظمى ومنزلة عليا رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

ص: 364

مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. رَواهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ: «سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ» .

‌فضل مصعب بن عمير القرشي رضي الله عنه

(1)

• عَنْ خَبَّابٍ رضي الله عنه قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، وَإِنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُميْرِ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ إِلا ثَوْباً كَانُوا إِذَا غَطَّوْا بِهِ رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «غَطُّوا رَأْسَهُ واجْعَلَوا عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِر

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالْبُخَارِيُّ.

فضل مصعب بن عمير القرشي رضي الله عنه

(1)

هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم كان من أجلة الصحابة وفضلائهم أسلم قديما وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد العقبة الثانية إلى المدينة ليقرئهم القرآن ويصلى بهم، وقيل إنه أول من صلى الجمعة بالمدينة قبل الهجرة واستشهد في غزوة أحد رضي الله عنه وأرضاه.

(2)

الإذخر: نبات معروف لهم، أي هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله فوجب أجرنا على الله فضلا منه وكرما، ولكن منا من أدركه الموت قبل ثمرة الهجرة الدنيوية، ومنا من عاش حتى أينعت ثمرته فهو يهدبها أي أثمرت هجرته كثيرًا فهو يجنيها في دنياه فضلا عما له في أخراه، ومصعب بن عمير من الأولين، ولفظ البخارى منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه إلى آخره رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 365

‌فضل عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنْتُ غُلَاماً أَعْزَبَ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ حِينَذَاكَ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ

(2)

وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ» . قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدَ اللَّهِ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلاً. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ وَلَا أُشِيرُ بِهَا إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ. فَقَصَصْتهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ، أَوْ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ.

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

(1)

عبد الله بن عمر يكنى بأبى عبد الرحمن، وأمه زينب أو رابطة بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون. أسلم عبد الله مع أبيه بمكة صغيرًا وهاجر مع أبويه وشهد المشاهد كلها إلا بدرًا واحدا لصغره، وكان عالما عظيما وناسكا كبيرا وشديدًا في دينه، وكان إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، أو رقيق أعتقه حتى أعتق ما يربو على ألف إنسان، ولد رحمه الله في السنة الثالثة من البعثة وتوفى سنة ثلاث وسبعين عن ثلاث وثمانين سنة رضي الله عنه.

(2)

مطوية كطي البئر أي مبنية كبنائه، لها قرنان كقرنى البئر، قرناه هما البناء الذي في حافيته ليوضع عليه الخشبة التى تعلق فيها البكرة، وهذا بحسب ما ظهر له وإلا فالنار طبقات نعوذ بالله منها، وقوله: لن تراع أي لا تخف فإنك محفوظ منها، قال سالم أي ابن عبد الله: فكان أبى بعد هذا يحيى معظم الليل.

(3)

لأن الطيران في المنام صلاح وكونه في الجنة صلاح آخر ففيه وما قبله تنويه بعلو قدره ورفيع شأنه.

ص: 366

• وَعَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ

(1)

، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي فَظَنَنْتُ النَّخْلَةَ وَأَرَدْتُ أَن أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هِيَ النَّخْلَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْأَمْثَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌فضل عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه

(2)

• عَنْ مَسْرُوقٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرُوا ابْنَ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ

(3)

مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ

(1)

الجمار - كرمان - قلب النخلة، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الشجر شجرة كالمسلم أي في الاستقامة وفى موتها بقطع رأسها، وفى النفع بكل أجزائها لم يفهم الجواب إلا ابن عمر وما منعه من التكلم إلا الحياء لصغره. ففيه دليل على فضله وشدة ذكائه وكثرة حيائه رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرتهم آمين.

فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

(2)

عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مدركة فليس من قريش، وأمه هذلية من فخذ أبيه، أسلم ابن مسعود قديما فكان سادس ستة، وهاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، وشهد بدرا والحديبية وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكان نحيفا قصيرا يكاد طوله يوازى جلوس الرجل الطويل، وكان أعبد الناس وأورعهم وأقرأهم لكتاب الله، توفى سنة 32 من الهجرة عن بضع وستين سنة ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان رضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(3)

استقرئوا القرآن أي خذوه عن هؤلاء الأربعة فإنهم حفظوه وأتقنوه لتفرغهم له أكثر من غيرهم وإلا فكل صحابي أهل للأخذ عنه، وابن مسعود مهاجرى والثلاثة أنصاريون رضي الله عنهم. وسيأتى فضلهم في الأنصار.

ص: 367

فَكُنَّا حِيناً وَمَا نَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَقْرَبَ سَمْتاً وَهَدْياً وَدَلا

(2)

بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: حَتَّى يَتَوَارَى مِنَّا فِي بَيْتِ وَلَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ مِنَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ هُوَ أَقْرَبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى.

• عَنْ عَلْقَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ الشَّامَ

(3)

فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيساً صَالِحاً، فَرَأَيْتُ شَيْخاً مُقْبِلًا

(4)

فَلمَّا دَنَا قُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ اسْتَجَابَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَفَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ

(5)

، أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ

(6)

، أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ

(7)

، (قَالَ ذلِكَ الشَّيْخُ) كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَقَرَأْتُ وَللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، قَالَ الشَّيْخُ: اقْرَأَنِهيَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاهُ إِلَى فِيَّ فَمَا زَالَ هؤُلَاءُ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّونِي

(8)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

أي هاجرت إلى المدينة أنا وأخي، هو أبو بردة أو أبو رهم فكنا حينًا أي مكثنا زمنًا طويلا ونحن نظن أن ابن مسعود وأمه من أهل البيت لكثرة ترددهم على بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

السمت: الهيئة الحسنة، والهدى: الطريقة والمذهب، والدل: السيرة والحال والهيئة، فلم يكن شبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا إلا ابن مسعود رضي الله عنه وكان يتوارى منهم في بيته وهم يعلمون أنه أقربهم إلى الله تعالى.

(3)

أي دمشق فصليت ركعتين في المسجد ودعوت الله بجليس صالح.

(4)

هو أبو الدرداء رضي الله عنه.

(5)

صاحب النعلين والوساد أي المخدة، والمطهرة أي الذي كان يحملهن للنبي صلى الله عليه وسلم كثيرا هو ابن مسعود رضي الله عنه.

(6)

هو عمار بن ياسر رضي الله عنه.

(7)

هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين وصفاتهم.

(8)

أي كما يقرؤها ابن مسعود أقرأنيها النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ما زال أهل الشام بي حتى كادوا يردونني إلى قراءتهم التى فيها {وما خلق الذكر والأنثى} ومعلوم أن القراءتين صحيحتان ولكن تمسك كل بما سمعه رضي الله عنهم.

ص: 368

• عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيساً صَالِحاً فَيَسَّرَ لِي أَبَا هُرَيْرَةَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَليساً صَالِحاً فَوُفِّقْتَ لِي فَقَالَ لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ جِئْتُ أَلْتَمِسُ الْخَيْرَ وَأَطْلُبُهُ قَالَ: أَلَيْسَ فَيِكُمْ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ مُجَابُ الدَّعْوَةِ

(1)

، وَابْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبُ طَهُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَعْلَيْهِ، وَحُذَيْفَةُ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَمَّارٌ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ صَاحِبُ الْكِتَابَيْنِ

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَآمَنُواْ} الآية

(3)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قِيلَ لِي أَنْتَ مِنْهُمْ» .

• وَعَنْهُ قَالَ: «وَالَّذِي لَا إِلهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إِلا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ وَمَا مِنْ آيَةٍ إِلا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ

(4)

».

• وَعَنْهُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعاً وَسَبْعِينَ سُورَةً وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَداً أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ

(5)

. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً يَرُدُّ ذلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يَعِيبُهُ. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ.

(1)

هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وقد تقدموا.

(2)

أي الذي حفظ الإنجيل والقرآن رضي الله عنه وأرضاه.

(3)

تمام الآية {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فبشرى لهؤلاء وعبد الله منهم رضي الله عنهم.

(4)

فكل سورة وكل آية يعلمها ابن مسعود. في أي مكان نزلت وبأى معنى جاءت وبأى سر أشارت.

(5)

صرح عبد الله بأنه أعلم الناس بكتاب الله ولو علم أن هناك أفضل منه لرحل إليه للتعلم منه، ويجوز هذا للعالم ليعرفه الناس فيأخذوا عنه، وعبد الله أعلم الناس بالكتاب أي بعد الخلفاء الأربعة وإلا فهم أعلم الناس مطلقًا بالكتاب والسنة رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 369

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ

(1)

».

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّراً أَحَداً مِنْ غَيْرِ مَشْوَرَةٍ مِنْهُمْ لَأَمَّرْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ

(2)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(3)

. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ.

‌فضل سالم مولى أبي حذيفة الفارسي رضي الله عنهما

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ

(4)

مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

عهدا ابن مسعود وهدى عمار هما الطريقة والمذهب، والمراد الحث على الاقتداء بهما بعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(2)

فلا يمنع من إمارته على نحو جيش إلا عدم رضاهم به لصغر جسمه ولأنه غير قرشى، ولا يرد زيد وأسامة لأنهما من بيت النبي صلى الله عليه وسلم تربية وشهرة رضي الله عنهم أجمعين.

(3)

الأول بسند حسن والثانى بسند غريب.

فضل سالم مولى أبى حذيفة الفارسي رضي الله عنهما

(4)

سالم هذا هو ابن معقل وكنيته أبو عبد الله من أهل فارس من اصطخر، كان من فضلاء الموالى ومن كبار الصحابة، وكان مملوكا لسلمى أو لعمرة زوجة أبى حذيفة فأعتقته فأمسكه أبو حذيفة وتبناه وهاجر معه إلى المدينة، وأبو حذيفة قرشي لأنه يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، فسالم معدود في المهاجرين لهذا وفى الأنصار لأن مولاته وهي زوجة أبى حذيفة أنصارية، وسالم من القراء المشهورين رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 370

‌فضل عمار بن ياسر رضي الله عنهما

(1)

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ عَمَّارٌ يَسْتَأْذِنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَباً بِالطَّيْبِ الْمُطَيَّبِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَبْشِرْ عَمَّارُ تَقْتُلكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ

(4)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا اخْتَارَ أَسَدَّهُمَا

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

وَابْنُ مَاجَهْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فضل عمار بن ياسر رضي الله عنهما

(1)

عمار بن ياسر ويكنى بأبي اليقظان العنسي، واسم أمه سمية، أسلوا قديما وعُذبوا في الله كثيرا لأنهم كانوا من المستضعفين حتى ماتت سمية في العذاب إلى رحمة الله ورضوانه على يد أبى جهل لعنه الله، ومرّ النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذَّبون، فقال: صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة رضي الله عنهم وأرضاهم. وهاجر عمار الهجرتين وصلى إلى القبلتين واستشهد بصفين مع عليّ رضي الله عنهما سنة 37 هـ.

(2)

أي بالطاهر المطهر.

(3)

أي أبشر يا عمار فإنك ستموت شهيدًا بيد فئة ظالمة وهى جماعة معاوية التي كانت ضد عليّ وجيشه رضي الله عنهم، وكان عمار في جيش عليّ بصفين فلما استشهد صلى عليه عليّ ودفن هناك رضي الله عنهم. وفى رواية لمسلم: بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية، والبؤس كالبأس الشدة، وفى رواية: ويس ابن سمية، ترحم وترفق به مثل ويح، وفيه أن عليًا رضي الله عنه كان على الحق وأنه كان أحق بالخلافة لا شك في هذا وفيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار بغيب وقع.

(4)

ولكن الترمذى هنا ومسلم في الفتن.

(5)

أي أقربهما إلى السداد.

(6)

بسند حسن ولفظ ابن ماجه: ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما، ولأبي نعيم: عمار ملئ إيمانًا إلى مشاشه أي رءوس عظامه، ولابن عساكر: عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، ولا ينبغى للنار أن تأكل منه شيئا رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين.

ص: 371

‌فضل عمر بن العاص رضي الله عنه

(1)

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَسْلَمَ النَّاسُ

(2)

وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ».

• عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ

(3)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَنِي عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ

(5)

فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» ، قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ:«أَبُوهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَزَادَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «عُمَرُ، فَعَدَّ رِجَالاً» ، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ.

• عَنْ ابْنِ شَمَاسٍ رضي الله عنه قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ

(6)

يَبْكِي طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا، قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ إِلا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ إِنِّ قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ

(7)

لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضاً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ

(8)

فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ

فضل عمرو بن العاص رضي الله عنه

(1)

عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي أسلم في هدنة الحديبية سنة ثمان مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما.

(2)

المراد بالناس فئة مخصوصة وهم مسلمة الفتح الذين آمنوا لما رأوا بريق السيوف.

(3)

المراد بصالحيهم هنا مؤمنو الفتح.

(4)

بسندين ضعيفين.

(5)

استعملني على جيش ذات السلاسل أي جعلنى أميرًا على الجيش الذي غزا ذات السلاسل بأرض جذام.

(6)

أي في حال النزع.

(7)

أي أحوال ثلاثة وهى الآتية في الحديث: أولا كنت أبغض النبي صلى الله عليه وسلم أشد البغض وثانيًا كنت أحبه وأجله وأهابه أشد الحب وأعظم الإجلال والمهابة، وثالثًا كنت واليًا على أهل مصر ولا أدري أمرى حين الولاية؛ لهذا أبكي وأرجو رحمة ربي.

(8)

أي قبل إسلامه رضي الله عنه.

ص: 372

فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ

(1)

وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالاً لَهُ

(2)

وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ لَا أَدْري مَا حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ

(3)

فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشَنُّوا التّرَابَ عَلَيَّ شَن ثمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا

(4)

حَتَّى أَسْتَأَنِسَ بِكُمْ وَأَنظرَ مَاذَا أُراجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ. نَسْأَلُ اللَّهَ كَمَالَ الْإِيمَانِ آمِين.

(1)

قال الله تعالى {قل للذين كفروا إن ينتهوا - أي عن الكفر ويدخلوا في الدين - يغفر لهم ما قد سلف} .

(2)

أي بعد إسلامه رضي الله عنه.

(3)

لا تصحبني نار أي ببخور كما يصنع كثير من الناس، قوله: فشنوا التراب عليّ أي ارموه على كفنى وأنا في اللحد، تواضعا منه رضي الله عنه.

(4)

أي قفوا بعد الدفن قليلا قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها؛ فأستأنس بكم وأفكر في جواب الملكين الكريمين، فقد اجتمع عنده الخوف والخشية من الله ورجاء رحمته، ولا يجتمعان لعبد في مثل هذا إلا كان من أهل الجنة. نسأل الله حسن الخاتمة آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 373

‌فضل خالد بن الوليد القرشي رضي الله عنه

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ رضي الله عنه نَعَى زَيْداً وَجَعْفَراً

(2)

وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَهَا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَزَلْنَا مَنْزِلًا مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هذَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» ؟ فَأَقُولُ فُلَانٌ فَيَقُولُ: «نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ هذَا» ، وَيَقُولُ:«مَنْ هذَا» ؟ فَأَقُولُ فُلَانٌ فَيَقُولُ: «بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ هذَا» حَتَّى مَرَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ:«مَنْ هذَا؟» فَقُلْتُ: هذا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ: «نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

فضل خالد بن الوليد رضي الله عنه

(1)

هو ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في مرة بن كعب، ويكنى بأبى سليمان، أسلم في هدنة الحديبية، وعزماته يوم مؤتة وفى الردة وفى فتوح الشام والعراق أكثر من أن تحصى، فكان له فيها الجهاد العظيم والبلاء الحسن الجميل، توفي بحمص سنة إحدى وعشرين عن بضع وأربعين سنة رضي الله عنه وأرضاه.

(2)

نعى زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب أي أخبر بموتهم قبل أن يأتيهم الناعي وهو صلى الله عليه وسلم يبكى، قال: ثم أخذها سيف من سيوف الله من غير تأمير من النبي صلى الله عليه وسلم وهو خالد بن الوليد ففتح الله عليهم وانتصروا.

(3)

سيف من سيوف الله، أي شخص عظمت شجاعته جدا حتى صار كله كأنه سيف وسهم لا يخطئ من عند الله يسلطه على من يشاء. وللحاكم وابن حبان: لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه على الكفار، رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

ص: 374

‌فضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما

(1)

• عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ رضي الله عنه قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلا بِوَاحِدَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ رضي الله عنه وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

فضل معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما

(1)

هو ابن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أسلم هو وأبوه وأمه وأخوه يزيد في فتح مكة، وكان معاوية يقول إنى أسلمت يوم الحديبية ولكنى كتمت إسلامى عن أهلى حتى أسلموا في الفتح، وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم ومن الطبقة الأولى في غنائم حنين، ولكن حسن إسلامهما بعد، فكان معاوية من كاتبى الوحى للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان واليًا على الشام لعمر وعثمان عشرين سنة؛ وولى الخلافة من بعد الحسن إلى سنة ستين وكان أبيض جميلا وعالمًا كبيرا وذا رأي وحلم واسع، توفى بدمشق سنة ستين عن اثنتين وثمانين سنة أو ثمانية وسبعين. رحمه الله ورضى عنه آمين.

(2)

فمعاوية صلى العشاء والوتر بعدها واقتصر على ركعة واحدة، فاعترض عليه كريب مولى ابن عباس وقال: ألا تكلم معاوية الذي اقتصر في الوتر على واحدة قال ابن عباس: لا تنكر عليه فإنه فقيه وقد أصاب السنة وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم الكلام على الوتر في الصلاة.

(3)

اللهم اجعله مهديا أي على الهدى وهاديا واهد به أي عبادك، فيه إشارة إلى الإمارة ومزيد فضل لمعاوية رضي الله عنه وأرضاه، ولا يرد ما وقع بينه وبين علي رضي الله عنه فإن عليًا وإن كان على الحق فمعاوية كان مجتهدا وأخطأ. وتقدم في كتاب الإمارة: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر. ولا يجوز الخوض فيهم لأنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ويعجبنى جواب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمن سأله عما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما فقال: تلك دماء طهر الله أيدينا منها فلا نخوض فيها بألسنتنا. رحمهم الله ورضى عنهم. آمين

ص: 375

‌فضل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ

(1)

فَقَالَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ، قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُمْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا، قَالَ:«نَعَمْ» ، قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِباً بَيْنَ يَدَيْكَ

(2)

، قَالَ:«نَعَمْ» ، قالَ: وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ:«نَعَمْ» . قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ

(3)

: وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطَاهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئاً إِلا قَالَ نَعَمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

إلى هنا انتهى ذكر المهاجرين إلا النفر الأخير رضي الله عنهم أجميعين، وجميع من تقدم من أبي بكر إلى هنا هم قرشيون إلا زيد بن حارثة وولده أسامة وبلالاً وابن مسعود وسالماً مولى أبي حذيفة وعمار بن ياسر رضي الله عنهم

فضل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

(1)

لكثرة عدائه وأذاه للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وهو مشرك فكانوا لا ينسون مواقفه ضدهم، وأسلم يوم الفتح مكرها وكان من المؤلفة قلوبهم أولا ثم حسن إسلامه رضي الله عنه.

(2)

فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وصاهره وأذن لولده بالكتابة وأمّره على بعض السرايا فصار له اتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم وظهر له جاه فأقبل عليه المسلمون وجالسوه رضي الله عنهم أجمعين.

(3)

قال أبو زميل أي الراوي عن ابن عباس: لو لم يطلب أبو سفيان ذلك ما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل فله عظيم الفضل والشرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ومصاهرته رضي الله عنه وأرضاه آمين.

ص: 376

‌الفصل الخامس في فضائل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ينِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}

(1)

وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ

(2)

وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَهِلِيَّةِ الاْولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَوةَ وَءاتِينَ الزَّكَوةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ

(3)

{أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ}

(4)

{وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} .

وَقَالَ تَعَالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}

(5)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

‌فضل السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

(6)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا

الفصل الخامس في فضائل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

الذي في قلبه مرض هو المنافق.

(2)

وقرن في بيوتكن؛ فلا يجوز لهن الخروج إلا لحاجة كما تقدم في النكاح.

(3)

الرجس هو الإثم.

(4)

آيات الله القرآن، والحكمة هي السنة النبوية.

(5)

وأزواجه أمهاتهم، أي كأمهاتهم في تحريم النكاح وفى الاحترام والإجلال، لا في جواز النظر والخلوة رضي الله عنهم أجمعين.

فضل السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

(6)

السيدة خديجة هي الزوجة الأولى للنبي صلى الله عليه وسلم وأولاده كلهم منها وهم القاسم وعبد الله وهو الملقب بالطيب والطاهر وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وبقي إبراهيم عليه السلام فإنه من مارية القبطية المصرية ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت رضي الله عنها.

وهي خديجة بنت خويلد بن عبد العزى بن قصى القرشية الأسدية أول خلق الله إسلاما باتفاق، وكانت أكبر سند للنبي صلى الله عليه وسلم من اضطهاد الكفار له، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وسنه خمس وعشرون سنة، وتوفيت بعد النبوة بعشر سنين في رمضان وكل أولاده منها إلا إبراهيم عليه السلام، وولدت فاطمة بعد المبعث بسنة وزوجها عليّ بعد بدر في السنة الثانية من الهجرة وولدت له حسنا وحسينا ومحسنا وزينب وأم كلثوم ورقية، ولكن محسنًا مات صغيرا ولم يتزوج عليّ على فاطمة حتى ماتت=

ص: 377

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ يَقُولُ: أَرْسِلُوا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ، قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْماً فَقُلْتُ خَدِيجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا

(1)

». وَفِي رِوَايَةٍ: فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا إِلا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا غِرْتُ لِلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيَّاهَا وَمَا رَأَيْتُهَا قَطُّ لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ

(2)

فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّهَا عز وجل وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنتُ خُوَيْلِدٍ

(3)

». رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

=بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقيل بثمانية ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان عن ثلاث وعشرين سنة. ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم عقب إلا من ولد فاطمة رضي الله عنهم أجمعين.

(1)

الغيرة هي الأنفة والحمية على من يريد مشاركتك فيما هو في اختصاصك، والغيرة طبيعة في النسوة لا فرق بين فاضلة وغيرها، بل هي محمودة في الرجال كما تقدم في النكاح: إن الله يغار والمؤمن يغار، فعائشة كانت تغار من خديجة رضي الله عنهما لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها ومحبته فيها مع أنها لم ترها لهوتها قبل زواج عائشة بثلاث سنين أي قبل الدخول عليها، أما عقدها فكان بعد خديجة بأقل من هذا.

(2)

أو طعام أو شراب شك من الراوى، والقصب اللؤلؤ المجوف المنظوم بالدر والياقوت الأحمر، والصخب: الصياح، والنصب: الهم والتعب، فخديجة كانت آتية للنبي صلى الله عليه وسلم بطعام؛ فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم قبل وصولها: إذا أتتك خديجة فاقرأ عليها السلام من ربها جل شأنه ومنّى وبشرها ببيت في الجنة من أعظم ما خلق الله لعباده، فلما بلّغها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، فهذه منقبة لم ترد لأحد من بنات آدم عليه السلام فما أعظمها مفخرة للدنيا والآخرة.

(3)

مريم خير نساء الدنيا في زمانها وخديجة خير نساء هذه الأمة. ورواية الترمذى: تقدم خديجة رضي الله عنهما، وللبزار والطبرانى: فضلت خديجة على نساء أمتى كما فضلت مريم على نساء العالمين،=

ص: 378

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلَدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَفَ اسْتِأْذَانَ خَدِيجَةَ وَتَذَكَّرَهُ فارْتَاعَ لِذلِكَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُويْلِدٍ

(1)

» فَغِرْتُ فَقُلْتُ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ فَأَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهَا. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَهُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ.

‌فضل السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ جَاءَنِي بِكِ

=وتفضيل هاتين لعظم بلائهما وجميل صبرهما وجليل ما صنعاه من أعمال صالحة وآثار نافعة قيمة وإن كان أصل الفضل من الله يؤتيه من يشاء.

(1)

هالة أخت خديجة زوجة الربيع بن عبد العزى والد أبى العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، استأذنت هالة على النبي صلى الله عليه وسلم فتذكر خديجة لشبه صوتهما، فقال: اللهم هذه هالة، فغارت عائشة فقالت: وما تذكر إلا عجوزا من عجائز قريش حمراء الشدقين أي سقطت أسنانها وبقيت حمرة اللثات ماتت وذهبت وأبدلك الله خيرا منها؛ تريد نفسها لصغر سنها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالت له: لا أذكرها بعد هذا إلا بخير. رضى الله عن الجميع.

(2)

أي يكفيك من فاضلات النساء كلهن هؤلاء الأربع. وفضل مريم وآسية، لما تقدم وللقول بنبوتهما، وفضل فاطمة لأنها بضعة من محمد صلى الله عليه وسلم وأم النسل الشريف كله، ولفظ الحاكم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية رضي الله عنهن وحشرنا في زمرتهن آمين.

(3)

بسند صحيح.

فضل السيدة عائشة بنت أبى بكر رضي الله عنهما

عائشة بنت أبى بكر وأمها أم رومان وكنيتها أم عبد الله بعبد الله بن الزبير ابن أختها أسماء، وفضلها لما يأتى ولمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها أكثر ولنزول القرآن ببراءتها ولكثرة علمها، قال عطاء: كانت عائشة أعلى الناس وأفقه الناس، وقال ابن الزبير: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة، ولدت قبل الهجرة بنحو ثمان سنين، وهاجرت، مع أمها وأختها أسماء بعد أبى بكر بزمن يسير وماتت سنة ثمان وخمسين عن نحو ست وستين سنة لسبع عشرة من رمضان وصلى عليها أبو هريرة رضى الله عن الجميع وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 379

الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ

(1)

فَيَقُولُ: هذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظَهُ: جَاءَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِصُورَةِ عَائِشَةَ فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ فَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» .

وَقَالَ عُرْوَةُ رضي الله عنه: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثِ سَنِينَ فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيباً مِنْ ذلِكَ

(2)

وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ثُمَّ بَنَى بِهَا فِي شَوَّالٍ

(3)

وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ

(4)

فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحرِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ

(5)

فَوُعِكْتُ

(6)

فَتَمَزَّقَ شَعَرِي فَوَفَى جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبٌ لِي

(7)

فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِيَ حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ

(8)

وَإِنِّي لَأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ نَفْسِي فَأَخَذَتْ شَيْئاً مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي

(1)

سرقة من حرير قطعة من جيد الحرير الأخضر، فجبريل عليه السلام أتاه صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه صورة سيدة في قطعة حرير وقال هذه زوجتك في الدنيا والآخرة، فكشفت عن وجهها فإذا أنت الآن تلك الصورة فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه أي ينفذه بسرعة، فيه مزيد فضل عائشة لأن الله. زوجه بها في السماء قبل زواجها في الأرض.

(2)

وفى هذه الفترة تزوج بالسيدة سودة بنت زمعة القرشية وسيأتى ذكر حديثها إن شاء الله.

(3)

بنى بها أي دخل عليها في شوال بعد الهجرة.

(4)

أي عقد عليها.

(5)

أي بضواحى المدينة.

(6)

فوعكت أي مرضت بالحمى. والجميمة تصغير جمة وهى الشعر إذا وصل المنكبين.

(7)

الأرجوحة آلة يلعب عليها الصبيان (هي المرجيحة) ومعى صواحب لي أي أمثالى يلعبن معى.

(8)

على باب الدار أي دارنا، وبعد أن مسحت وجهى ورأسى بالماء أدخلتني الدار فإذا فيها نسوة من الأنصار فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر أي قدمت على خير حظ ونصيب.

ص: 380

إِلا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشُ هذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى يَا رَسُولُ اللَّهِ مَا لَا أَرَى

(2)

.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْله الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ

(3)

». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي

(4)

إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ فَمُرِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُمَا كَانَ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا عَادَ فِي الثَّانِيَةِ ذَكَرْتُ لَهُ ذلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا

(5)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

أي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل عليّ في الضحى، وللإمام أحمد: فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير وعنده رجال ونساء من الأنصار. فأجلستني في حجره ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم، فوثب الرجال والنساء وبنى بى أي دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا.

(2)

ففيه مزيد فضل عائشة واستحباب إرسال السلام إلى الغائب ولو أجنبية إذا أمنت الفتنة ويجب الرد وسيأتى في الأدب الكلام على السلام واسعًا إن شاء الله.

(3)

وفضل عائشة على النساء أي نساء هذه الأمة بعد خديجة وفاطمة رضي الله عنهن كفضل الثريد على كل طعام: أي كفضل الثريد واللحم على كل طعام، هذا بالنسبة لزمانهم لقلة أنواع الأطعمة عندهم، أما الآن فهناك أطعمة فاخرة، نسأل الله التوفيق لشكرها.

(4)

أي الضرائر.

(5)

فلما جاء لأم سلمة في نوبتها كلمته فأعرض عنها فلما جاء ثانيًا كلمته فأعرض، فلما كلمته في المرة الثالثة أجابها بما ذكر، وظاهره أن الوحى كان ينزل عليه صلى الله عليه وسلم وهى بجواره ولكنها تكون مستورة.

ص: 381

وَعَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَداً أَيْنَ أَنَا غَداً حِرْصاً عَلَى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: كَانَ يَتَفَقَّدُ يَوْمِي أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَداً اسْتِبْطَاءَ لِيَوْمِ عَائِشَةَ فَلَمَا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي

(2)

.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ تَأْتِيني صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ

(3)

.

وَعَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى» ، فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذلِكَ؟ قَالَ: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» ، قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلا اسْمَكَ

(4)

. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْماً

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

(1)

أي استقر فيه حتى توفاه الله إلى رحمته ورضوانه.

(2)

أي وهو مسند ظهره إلى صدرها، والسحر كالنحر الرئة وما تعلق بها.

(3)

فكانت تلعب بصور البنات ومعها صواحبها فينقمعن أي يستترن من النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأينه حياء وهيبة منه فيأمرهن بالذهاب لعائشة، ففيه جواز اللعب بالصور للصبيان والجوارى.

(4)

وأما الذات المحمدية فهى معها حينما كانت.

(5)

أصحاب منصوب على الاختصاص، وفيه أنها على جانب عظيم من العلم حتى إنها تعلم المشكلات فضلا عن غيرها، وروى:(خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء) يريد عائشة ذات اللون المشرب بحمرة رضي الله عنها وأرضاها آمين.

ص: 382

‌فضل سورة بنت زمعة رضي الله عنها

(1)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ

(2)

لَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

‌فضل أم سلمة رضي الله عنها

(4)

• عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: لَا تَكُونَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ

(5)

إِنِ اسْتَطَعْتَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ. قَالَ سَلْمَانَ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هذَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَتْ: هذَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلا إِيَّاهُ

(6)

حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ يُخْبِرُ خَبَرَنَا أَوْ كَمَا قَالَ، فَقُلْتُ لِأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتُ هذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ زَوَاجِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَابِ الصَّدَاقِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ.

فضل سودة بنت زمعة رضي الله عنها

(1)

هي سودة بنت زمعة بن قيس العامرية القرشية.

(2)

المسلاخ - كالمفتاح - الهدى والسيرة، فعائشة تقول: لا أتمنى أن أكون مثل امرأة في هديها إلا مثل سودة فإنها ذات سيرة صالحة رضي الله عنهما.

(3)

تقدم هذا الحديث في باب القسم من كتاب النكاح فارجع إليه إن شئت.

فضل أم سلمة رضي الله عنها

(4)

أم سلمة اسمها هند، وهاجرت أولا إلى الحبشة مع زوجها الأول أبى سلمة، ثم هاجرت ثانيًا إلى المدينة، ولما مات أبو سلمة زوجها النبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

السوق يؤنث ويذكر، والمراد ذم المكث فيها إلا بقدر الحاجة فإنها ملعب الشياطين لما فيها من الكذب والغش وظلم الناس، نسأل الله السلامة.

(6)

فأم سلمة رأت جبريل يتحدث مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما سألها من هذا ما فهمت إلا أنه دحية الكلبي لأنه كان يأتى في صورته أحيانًا، ففيه فضل أم سلمة لرؤيتها لجبريل ولحضوره في مجلسها، وتقدم =

ص: 383

‌فضل زينب بنت جحش رضي الله عنها

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا}

(1)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَسْرَعُكنَّ لَحَاقاً بِي أَطْوَلُكُنَّ يَداً»

(2)

قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَداً، فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَداً زِيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَتَصَدَّقُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ.

‌فضل صفية بنت حُيي رضي الله عنها

(3)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ إِنَّهَا بِنْتُ يَهُودِيَ فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ:«مَا يُبْكِيكِ؟» فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ابنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيَ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيَ

(4)

= أنه كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحاف أي فراش عائشة، فهذه منزلة أسمى رضى الله عن الجميع وحشرنا في زمرتهم آمين.

فضل زينب بنت جحش رضي الله عنها

(1)

هي زينب بنت جحش بن رئاب كانت تحت زيد بن حارثة فلم يحصل بينهما وفاق، فلما طلقها وانتهت عدتها زوجها النبي صلى الله عليه وسلم جبرًا لخاطرها فإنها تزوجت زيدا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت ترى نفسها مهضومة وتعلو عليه لجمالها ولأنها قرشية وزيد من الموالى رضى الله عن الجميع.

(2)

ولفظ البخاري: إن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلت له: أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: أطولكن يدا، فأخذن قصبة يذرعنها فكانت سودة أطولهن يدًا، فلا توفى النبي صلى الله عليه وسلم كانت التالية له زينب بنت جحش، فتبين أن المراد باليد الصدقة لأن زينب كانت تحب الصدقة رضي الله عنها وأرضاها.

فضل صفية بنت حيى رضي الله عنها

(3)

هي صفية بنت حيى بن أخطب ملك خيبر فإنهم لما فتحوها كانت صفية في الأسرى فجاءت في سهم النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها رضي الله عنها.

(4)

إنك لابنة نبى وهو هارون عليه السلام، وإن عمك لنبي ورسول وهو موسى عليه ألف سلام، وإنك لتحت نبى وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فلا فخر لهم مثلك ولا فخر أعظم من ذلك، فنسبها يتصل بإسحاق ويعقوب وإبراهيم صلى الله عليهم وسلم ورضى الله عن صفية وأرضاها آمين.

ص: 384

فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ»، ثُمَّ قَالَ:«اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: بَلَغَنِي عَنْ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَفِيَّةَ نَحْنُ أَزْوَاجُهُ وَبَنَاتُ عَمِّهِ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَلَا قُلْتِ: «فَكَيْفَ تَكُونَانِ خَيْراً مِنِّي وَزَوْجِي مُحَمَّدٌ وَأَبِي هرُونُ وَعَمِّي مُوسى» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

إلى هنا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم حفصة بنت عمر رضي الله عنهما وكلهن قرشيات ومهاجرات إلا صفية رضي الله عنهن أجمعين وإلّا خديجة فإنها توفيت قبل الهجرة رحمها اللَّه ورضي عنها ولكنها من أعاظم قريش كما تقدم.

‌فضل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ وَكُنْتُ مَعَهُ فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ فَلَا أَدْرِي أَصَادَفَتْهُ صَائِماً أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَجَعَلْتْ تَصْخَبُ عَلَيْهِ وَتَذَمَّرُ عَلَيْهِ

(2)

.

وعَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رضي الله عنهما بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي لِجَهْلِي بِذلِكَ وَلكِنْ أَبْكِي لِأَنَّ الْوحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا

(3)

. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

فضل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

أم أيمن هذه كانت مولاة السيدة آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم وصارت إليه بالميراث وكفلته بعد أمه فأعتقها وزوجها لمولاه زيد بن حارثة فولدت له أسامة وكان صلى الله عليه وسلم يبرها مبرة الأم ويقول: أم أيمن أمى بعد أمي. رضي الله عنها وأرضاها.

(2)

فلما لم يشرب النبي صلى الله عليه وسلم مما قدمته لصومه أو لعدم رغبته صارت تتذمر وترفع صوتها دلالا عليه لمكانتها عنده صلى الله عليه وسلم.

(3)

في هذا دلالة على مكانتها العلمية وفضلها العظيم رضي الله عنها وأرضاها آمين.

ص: 385

‌فضل أم سليم رضي الله عنها

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ بَعْدَ نِسَائِهِ إِلا عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا

(2)

فَقِيلُ لَهُ فِي ذلِكَ فَقَالَ: إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً

(3)

» فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالوا: «هذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ امْرَأَةَ أَبِي طَلْحَةَ ثُمَّ سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي فَإِذَا هُوَ بِلَالٌ. رَوَى مُسْلِمٌ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

‌الفصل السادس في فضائل الأنصار رضي الله عنهم

(4)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ}

(5)

وَالإيمَنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّآ أُوتُواْ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ

فضل أم سليم رضي الله عنها

(1)

أم سليم اسمها الغميصاء بنت ملحان أم أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

فكان يدخل عليها وكذا على أختها أم حرام تسلية لها ولأنهما كانتا من بنى النجار أخوال أبيه، فهما خالتان له صلى الله عليه وسلم، ولما أسلم قوم أم سليم أسلمت معهم فغضب زوجها مالك وخرج إلى الشام فهلك به كافرا فخطبها أبو طلحة، فقالت لا أتزوج به حتى يسلم وصداقى منه هو الإسلام، فأسلم وتزوجها فحسن إسلامه رضى الله عن الجميع.

(3)

خشفة أي صوت مشى، فتردد النبي صلى الله عليه وسلم عليها ورؤيته لها في الجنة وهى أمامه تدل على عظيم فضلها ورفيع شأنها رضي الله عنها وأرضاها.

الفصل السادس في فضائل الأنصار رضي الله عنهم

(4)

الأنصار جمع ناصر، والمراد هنا أهل المدينة رضي الله عنهم.

(5)

الدار: المدينة، والذين تبوءوها وأخلصوا في الإيمان قبل غيرهم هم الأنصار الذين يحبون من هاجر إليهم ولا يحسدونهم بل يقدمونهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة أي شدة جوع فقد حفظوا أنفسهم من الشح فلهم الفوز العظيم.

ص: 386

إِلا مُنَافِقٌ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» .

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى صِبْيَاناً وَنِسَاءً مِنَ الْأَنْصَارِ مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ فَقَامَ مُمْثِلًا

(1)

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ ثَلَاثَ مِرَاراً» .

• وَعَنْهُ قَالُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَلَا بِهَا

(2)

وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رَوَى الشَّيْخَانِ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِياً أَوْ شِعْباً لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ

(3)

وَلَوْلَا الْهجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ

(4)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقِيلَ لِأَنَسٍ رضي الله عنه: أَرَأَيْتَ اسْمَ الْأَنْصَارِ أَكُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عز وجل

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَتِ الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّخْلَ، قَالَ:«لَا» ، قَالَ: تَكْفُونَا الْمؤُونَةَ وَتُشْرِكُونَا فِي التَّمْرِ

(6)

. قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِكُلِّ نَبِيَ أَتْبَاعٌ وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا فَدَعَا بِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَتْبَاعَهُمْ مِنْهُمْ

(7)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

(1)

فقام ممثلا أي منتصبًا.

(2)

خلا بها: أي متى انتهت حاجتها ثم حلف بالله أن الأنصار أحب الناس عنده ثلاث مرات، فهنيئًا للأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم.

(3)

لو سلك الأنصار واديًا أي مكانا منخفضًا أو فيه ماء، أو شعبًا بالكسر طريقًا في الجبل لاتبعهم فيه.

(4)

منتسبًا إِلى بلدهم.

(5)

قال الله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} .

(6)

وفى رواية: تكفوننا المؤنة أي بالسقى والتربية وتشركوننا في التمر فأجابوهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

(7)

فيطلق عليهم الأنصار ويدخلون في الوصية لهم بإحسان.

ص: 387

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: كَتَبَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنه تَعْزِيَةً لِأَنَسٍ فَقَالَ: إِنِّي أُبَشِّرُكَ بِبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيِّ الْأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيِّ ذَرَارِيِّهِمْ» .

وَلِمُسْلِمٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَغْفَرَ لِلْأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيِّ الْأَنْصَارِ وَلِمَوَالِي الْأَنْصَارِ» .

وَلِلتِّرْمِذِيُّ رضي الله عنه: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَلِنِسَاءِ الْأَنْصَارِ

(1)

.

• عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ

(2)

ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الْحَرِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ وَفِي كلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ»، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه: مَا أَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا، فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ

(3)

. وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَيَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِراً، فَقالَ: أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعبَّاسُ رضي الله عنهما بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ فَسَأَلَهُمْ

(4)

فَقَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَّا فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَخَرجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذلِكَ الْيَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي

(5)

وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذي لَهُمْ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ

(1)

فالأنصار وأولادهم وأتباعهم مغفور لهم.

(2)

بنو النجار بطن من الخزرج، وبنو عبد الأشهل بطن من الخزرج الأصفر وبنو ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر أخو الأوس.

(3)

لأنه من بني ساعدة التي هي في المرتبة الرابعة.

(4)

فسألهم أي أبو بكر أو العباس فقالوا: ذكرنا مجاس النبي صلى الله عليه وسلم بيننا ونخاف عليه من الموت لأنه كان مريضًا حينذاك، فدخل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببكاء الأنصار فخرج عاصبًا رأسه وخطبهم بما ذكر.

(5)

الكرش: المعدة، والعيبة ما يوضع فيه الشيء النفيس والمراد أنهم موضع سره وأمانته.

ص: 388

وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئَهِمْ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفاً بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ

(1)

حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَنْثَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا كالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْراً يَضُرُّ فِيهِ أَحَداً أَوْ يَنْفَعُهُ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ فَقَالُوا: لَا إِلا أَنْ تُقْطِعَ لِأَخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا، قَالَ: «إِمَّا لَا فَاصْبرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكمْ بَعْدِي أَثَرَةٌ

(2)

». رَوَى الْبُخَارِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ.

• وَعَنْهُ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ

(3)

: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَاناً قَالَ: سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا

عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا

فَأَجَابَهُمْ:

اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الْآخِرَهْ

فَأَكْرِمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ

رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ رضي الله عنه: «أَقْرِئُ قَوْمَكَ السَّلَامَ فَإِنَّهُمْ مَا عَلِمْتُ أَعِفَّةٌ صُبُرٌ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

أي لونها أسود.

(2)

فامتنعوا إلا إذا أعطى المهاجرين، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم ما يكفي الأنصار والمهاجرين فأمرهم بالصبر إذا استأثر غيرهم عليهم.

(3)

السائل هو أسيد بن حضير الأنصاري، وفلان هو عمرو بن العاص القرشي.

(4)

أي أقرئ الأنصار السلام فإني ما علمتهم إلا أعفة جمع عفيف، صبر جمع صار فهم أهل صبر وعفة رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 389

‌مناقب سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه

(1)

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: أُهْديتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُلَّةُ حَريرٍ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمُسُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هذِهِ المَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ

(2)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمنِ

(3)

لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: اهْتَزَ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمنِ. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَخَفَّ هذِهِ، وَذلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَبَلَغَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحْيحٍ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ نَاساً نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا بَلغَ قَرِيباً مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ أَوْ سَيِّدِكُمْ» فَقَالَ: يَا سَعْدُ إِنَّ هؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ:«فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَايُّهُمْ» ، قَالَ: حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ أَوْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ

(5)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مناقب سعد بن معاذ سعد الأوس رضي الله عنه

(1)

هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصاري كبير الأوس كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج وهما اللذان أرادها الشاعر بقوله:

فإن يسلم السعدان يصبح محمد

بمكة لا يخشى خلاف المخالف

(2)

هذه الحلة كانت هدية من ملك دومة الجندل (حصن بين المدينة والشام) وهو ابن عبد الملك الكندي وهدية الملوك ملكة الهدايا، فذكر سعد بخصوصه دليل على علو مقامه رضي الله عنه.

(3)

أي انتعش العرش وحاملوه فرحًا بقدوم روحه رضي الله عنه ففيه دليل على رفع مكانته لأن العرب تنسب الشيء العظيم لأعظم الأشياء، فتقول أظلمت الأرض لموت فلان واهتزت له الجبال رضي الله عنه وأرضاه.

(4)

فيه أن الملائكة تحمل جنازة بعض الصالحين وهذا لا يدل على ذم ثقلها فربما كان من كثرة الملائكة المشيعين لها.

(5)

فبنو قريظة كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوه والنبي صلى الله عليه وسلم =

ص: 390

‌فضل أسير بن حصير وعباد بن بشر رضي الله عنهما

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَعَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ تَحَدَّثَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الظُّلْمَةَ ثُمَّ خَرَجَا وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ عَصَا الْآخَر فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

= في غزو الخندق فأمرهم بالذهاب لهم فذهبوا فحاصروهم خمسًا وعشرين ليلة وهم خائفون في حصونهم وأخيرًا رضوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ وكان مريضًا في المسجد من سهم أصابه في الأكحل وهم في غزو الخندق فأرسل له النبي صلى الله عليه وسلم فجاء راكبًا على حمار وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا في مسجد أعده للصلاة في هذه الغزوة فلما قرب منهم قال صلى الله عليه وسلم للحاضرين من الأنصار قوموا لسيدكم، فقاموا له ونزل فجلس فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم نقضهم العهد وأنهم رضوا أن ينزلوا على حكمك، فقال سعد بعد أن فكر في الحكم: إني أحكم عليهم بقتل المقاتلين وسبي الذراريّ وهم النساء والصبيان، فقال صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى وهو القتل لمن نقض العهد جزاء وفاقًا، فرضاء اليهود به ونزولهم على حكمه وكون حكمه صادف حكم الله تعالى تدل على منزلة عالية ومكانة سامية لسعد رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

فضل أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما

(1)

أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس جد سعد بن معاذ السابق توفي سنة 20 وصلى عليه عمر رضي الله عنهما، وعباد بن بشر الأنصاري الخزرجي أسلم قبل الهجرة وشهد بدرًا وأبلى في يوم اليمامة بلاء حسنًا واستشهد بها رضي الله عنه وأرضاه.

(2)

فأسيد وعباد كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فلما خرجا أضاءت لهما عصا كانت بيد أحدهما كالمصباح فسارا في نورها فلما افترقا أضاءت عصا الآخر له حتى دخلا منازلها رضي الله عنهما وأرضاهما، وصلى قتادة بن النعمان مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء في ليلة مظلمة مطيرة فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجونًا وقال انطلق به فإنه سيضيء لك من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا فإذا دخلت بيتك فسترى سوادا فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد فضربه حتى خرج. فهذه وأمثالها معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وكرامات لأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.

ص: 391

‌فضل سعد بن عبادة رئيس الخزرج رضي الله عنه

• عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ ثمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الْحرِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ بَنُو ساعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ» ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكَانَ ذَا قَدَمٍ فِي الْإِسْلَامِ: أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ فَضَلَكمْ عَلَى نَاسٍ كَثِيرٍ

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْحَالِ فِي الْحَالِ وَالْمآلِ.

‌فضل معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيَ، وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ

(3)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ مُعَاذُ بْنُ حَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

فضل سعد بن عبادة رضي الله عنه

(1)

تقدم هذا الحديث وشرحه قريبًا، وكان سعد هذا يرسل كل ليلة إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وغالبه كان ثريدًا في قصعة كبيرة رضي الله عنه وأرضاه.

(2)

فكان قيس بن سعد للنبي صلى الله عليه وسلم كصاحب الشرط للأمير أي يلازمه للخدمة رضي الله عنه وعن أبيه وأرضاها آمين.

فضل معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم

(3)

تقدم هذا الحديث في فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(4)

أي أحد أعمامي وهو سعد بن سعيد الأوسي رضي الله عنه، وهذا بحسب ما فهمه أنس وإلا فغيرهم كثير ممن جمعوا القرآن أي حفظوه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كالخلفاء الأربعة وابن مسعود ومولى أبي حذيفة رضي الله عنهم وأرضاهم.

ص: 392

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرِ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقَهُمْ حَيَاءً عُثْمَانَ وَأَقْرَأُقُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ

(1)

وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذ بْنُ جَبَلٍ».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ ابْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(2)

. نَسْأَلُ اللَّهُ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

‌فضل أبي طلحة رضي الله عنه

(3)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ

(4)

وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِياً شَدِيدَ الْقِدِّ

(5)

يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ

(6)

فَيَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ» ، فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ:

(1)

وأفرضهم زيد بن ثابت أي أعلمهم بعلم الميراث أي أنه اشتهر بهذا وغلب عليه أكثر من بقية الصفات وكذا يقال في غيره، وإلا فكل صحابي موصوف بهذه الصفات رضي الله عنهم وأرضاهم وفي رواية: وأقضاهم عليّ بن أبي طالب (أي أعلمهم بالقضاء والفتوى).

(2)

والأول بسند صحيح والثاني بسند حسن.

فضل أبي طلحة رضي الله عنه

(3)

هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، توفي سنة إحدى وخمسين وكان صومه قليلا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة جهاده فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم صام الدهر كله إلا يومي العيد رضي الله عنه وأرضاه.

(4)

أي محوط على النبي صلى الله عليه وسلم بترس له من الجلد ويسمى الدرقة.

(5)

أي شديد وتر القوس في النزع والمد حتى إنه يكسر قوسين أو أكثر من شدته.

(6)

الجعبة كيس النبل.

ص: 393

يا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ

(1)

وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَسَبَقَتْ إِجَابَتُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} فِي بَابِ الْوَقْفِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالزُّرُوعِ.

‌فضل جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي الله عنهما

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلَا بِرْذَوْنٍ

(3)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: اسْتَغْفَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْبَعِيرِ خَمْساً وَعِشْرِينَ مَرَّةً

(4)

.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْرُّ جَابِراً وَيَرْحَمُهُ لِأَنَّ وَالِدَهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَكَانَ جَابِرٌ يَعُولَهُنَّ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِنَّ

(5)

. رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ بِأَسَانِيدَ صَحيحَةٍ.

‌فضل عبد اللَّه بن عمرو والد جابر رضي الله عنهما

(6)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ وَجِيءَ بِهِ مُجَدَّعاً

(7)

بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

أي أقف أنا فيكون صدري حافظًا لصدرك.

(2)

من النعاس أمنة لهم، قال تعالى {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه} وفي رواية: ولقد رأيت عائشة وأم سليم مشمرتين تحملان القرب على ظهورهما ثم تفرغانها في أفواه القوم ثم تعودان إلى مثلها، وهذا كان قبل الحجاب رضي الله عن الجميع وأرضاهم.

فضل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

(3)

البغل معلوم، والبرذون الدابة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب لزيارة جابر ماشيًا على قدميه صلى الله عليه وسلم.

(4)

فكان جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فاشترى بعيرا من جابر واشترط جابر أن يركبه إلى المدينة فحصل الاستغفار في تلك الليلة.

(5)

فزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر واستغفاره له زاداه شرفًا ورفعة زيادة على شرف الصحبة رضي الله عنه وأرضاه آمين.

فضل عبد الله بن عمرو والد جابر رضي الله عنهما

(6)

هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري استشهد يوم أحد إلى رحمة الله ورضوانه.

(7)

وجيء به للنبي صلى الله عليه وسلم مجدعا أي مقطع الأنف والأذنين من تمثيل الكفرة به، فتظليل الملائكة عليه دليل على علو مقامه ورفيع شأنه رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين.

ص: 394

فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي وَهُمْ يَنْهَوْنَنِي وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْهَانِي وَجَاءَتْ فاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍ وَعَمَّةُ جَابِرٍ تَبْكِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَبْكِيهِ أَوْ لَا تَبْكِيهِ مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌فضل سماك بن خرشة رضي الله عنه

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ سَيْفاً يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هذَا» فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ أَنَا أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ

(2)

»، فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، فالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ، قَالَ:«فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌فضل جليبيب رضي الله عنه

• عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ

(3)

فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدِ؟» قَالُوا: نَعَمْ فُلَاناً وَفُلَاناً وَفُلَاناً، ثُمَّ قَالَ:«هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَعَمْ فُلَاناً وَفُلَاناً وَفُلَاناً، ثُمَّ قَالَ:«هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: لكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيباً فاطْلُبُوهُ فَطَلِبَ فِي الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إِلى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ هذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» ، قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ سَرِيرٌ إِلا سَاعِدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى حُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غُسْلًا

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ كَمَالَ الطَّهَارَةِ.

فضل سماك بن خرشة رضي الله عنه

(1)

هو سماك بن خرشة بن لوذان رضي الله عنه.

(2)

فمن يأخذه بحقه أي وهو الجهاد به فأخذه سماك فصار يفلق به هام المشركين، جمع هامة وهي الرأس، رضي الله عنه وأرضاه.

فضل جليبيب رضي الله عنه

(3)

كان في مغزى له أي في غزو في سفر فانتهت الوقعة وجمعت الغنيمة.

(4)

أي لم يغسلوه. ولم =

ص: 395

‌فضل أنس بن مالك رضي الله عنه

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَمَا هُوَ إِلا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ

(2)

خَالَتِي فَقَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُوَيْدِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: فَدَعَا لِي بِكلِّ خَيْرٍ وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا بِهِ أَنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ قَالَ: جَاءَتْ بِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ

(3)

، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا أَنَيْسٌ

(4)

ابْنِي أَتَيْتُ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ» . قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ.

• وَعَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ صَوْتَهُ فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا أُنَيْسٌ

(5)

فَدَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ دَعَوَاتٍ قَدْ رَأَيْتُ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِي الْآخِرَةِ. رَوَاهُمَا مِسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَسلَّمَ

= يصلوا عليه لأنه شهيد، فقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: هذا مني وأنا منه مرتين، وحمله على ساعديه حتى دفنوه دليل على رفيع مكانته رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين.

فضل أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

هو أنس بن مالك الأنصاري كان يجني بقلة اسمها حمزة فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يجنيها فكناه بأبي حمزة رضي الله عنه.

(2)

أم أنس وأختها أم حرام بنتا ملحان من بني النجار أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وقولها خويدمك أنس تصغير خادمك.

(3)

أي لفت جسمي كله بخمارها فصار عليّ كالإزار والرداء.

(4)

هذا أنيس تصغير أنس، وقوله: ليتعادون على نحو المائة أي يبلغ عددهم نحو مائة.

(5)

أنيس، أي هذا أنيس فادع له، فدعا له بثلاث دعوات: الأولى كثرة المال. فاستجاب الله له حتى ضاقت أودية المدينة عن مواشيه فسار بها إلى جهات أخرى وكان له بستان بالبصرة يثمر في العام مرتين وكان فيه من الريحان ما هو أفضل من المسك، والثانية كثرة الولد فما مات حتى رأى من نسله فوق المائة بل ورد أنه دفن من أولاده أكثر من مائة وعمر طويلا رضي الله عنه، والدعوة الثالثة مدخرة في الآخرة.

ص: 396

عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ قالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ، قَالَتْ: لَا تُحَدِّثنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَداً. قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَسَرَّ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِرًّا فَمَا أَخبَرْتُ بِهِ أَحَداً بَعْدُ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ قَالَ: رُبَّمَا قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليع وسلم «يَا ذَا الْأُذنَيْنِ

(1)

».

• عَنْ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي أَنَسٌ: يَا ثَابِتُ خُذْ عَنِّي فَإِنَّكَ لَنْ تَأْخُذَ عَنْ أَحَدٍ أَوْثَقَ مِنِّي إِنِّي أَخَذْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جِبْرِيلَ وَأَخَذَهُ جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى

(2)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

‌فضل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

(4)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ هَزِيمَةً بَيِّنَةً فَصَاحَ إِبْلِيسُ أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أَوْلَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ

(5)

فَاجْتَلَدتْ مَعَ أُخْرَاهُمْ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ

(6)

فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ

(1)

هذا مزاح حق فإن كل إنسان له أذنان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح مع بعض الناس ولا يقول إلا حقًّا، ففيه جواز المزاح الحق.

(2)

خذ عني أي العلم فإنك لا تجد أوثق وأحفظ مني لأني تلقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عن جبريل وجبريل عليه السلام عن الله عز وجل.

(3)

الأول صحيح والثاني حسن.

فضل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

(4)

هو من بني عبس ولكنه معدود من بني عبد الأشهل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن شئت كنت من الأنصار، وإن شئت كنت من المهاجرين، قال أكون من الأنصار، قال: فأنت منهم. فهو أنصارى وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف النفاق ومعرفة المنافقين رضي الله عنه وأرضاه آمين.

(5)

أي قاتلنا قتالا شديدا واستشهد من المسلمين نحو الستين رضي الله عنهم.

(6)

أي يضرب خطأ.

ص: 397

حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عز وجل

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لوِ اسْتَخْلَفْتَ

(2)

قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ عَلَيْكُمْ فَعَصَيْتُمُوهُ عُذِّبْتُمْ وَلكِنْ مَا حَدَّثَكُمْ حُذَيْفَةُ فَصَدِّقُوهُ وَمَا أَقْرَأَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ فَاقْرَأُوهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

‌فضل البراء بن مالك رضي الله عنه

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

‌فضل حسان بن ثابت رضي الله عنه

(4)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانٍ وَهُوَ يَنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إِلَيْهِ

(5)

(1)

فلما رجعت أولى المشركين إلى أخراهم احتدم القتال واشتبك الجيشان وجها لوجه وعظم الهول حتى خفي على المسلمين بعضهم فوقعوا في اليمان أبي حذيفة فأبصرهم فصار يناديهم ارجعوا عن أبي فما انتبهوا حتى قتلوه فترحم عليهم حذيفة وما زال غنده بعض حزن حتى توفاه الله تعالى.

(2)

لو استخلفت أي صرحت باسم الخليفة بعدك، قال لو حصل وخالفتموه لنزل بكم العذاب لأنه بتخليف النبي له يكون في حكمه، ولكن خذوا الحديث عن حذيفة والقرآن عن عبد الله رضي الله عنهما وحشرنا في زمرتهما آمين.

فضل البراء بن مالك رضي الله عنه

(3)

أي رب شخص أشعث أي منتشر شعره. أغبر أي عليه غبار. ذي طمرين أي ثوبين خلقين. لا يؤبه له أي لا يبالي به أحد ولكنه لو طلب من ربه شيئًا لأجابه لكمال إيمانه وحسن يقينه وتوكله على الله تعالى، ومن هؤلاء البراء بن مالك رضي الله عنه. فليست العبرة بحسن الظاهر بل بحسن السرائر كالحديث السابق في كتاب النية والإخلاص: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. نسأل الله لكمال الإيمان واليقين آمين.

فضل حسان بن ثابت رضي الله عنه

(4)

هو ابن ثابت بن المنذر بن عمير بن النجار الأنصاري، وكنيته أبو الوليد أو أبو عبد الرحمن وفضل الشعراء لأنه كان شاعر الأنصار جاهلية وإسلامًا وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة وشاعر العرب كلها في الإسلام رضي الله عنه وأرضاه.

(5)

فلحظ إليه عمر كأنه ينكر عليه، وقوله: اللهم أيده بروح القدس هو جبريل عليه السلام، لقوله الآتي: وجبريل معك.

ص: 398

فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: «اهِجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ

(1)

».

• عَنْ مَسْرُوقٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَنْشِدُهَا شِعْراً يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ

(2)

فَقَالَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

(3)

فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لكِنَّكَ لَسْتَ كَذلِكَ، قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ حَسَّانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي أَبِي سُفْيَانَ

(5)

قَالَ: كَيْفَ بِقَرَابَتِي مِنْهُ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَأَسُلَنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ فَقَالَ حَسَّانُ:

وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ

بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ

(6)

(1)

أي ذم المشركين وجبريل يؤيدك.

(2)

أي يمدحها بأبيات منها البيت الآتي.

(3)

حصان أي محصنة عفيفة. رزان أي ثابتة كاملة العقل ما تزن بريبة أي لا تتهم بشيء. وتصبح غرثي أي تصبح وتمسي جائعة من لحوم الناس فلا تغتاب أحدًا ولا تذمه رضي الله عنها. فلما قال ذلك قالت له لكنك لست كذلك فإنه كان ممن تكلموا فيها، وكان في آخر حياته قد كف بصره فلذا أجابت مسروقًا بالآتي.

(4)

أي يدافع ويناضل عنه وكفاه هذا غفرانًا ورفعة.

(5)

في أبي سفيان أي في ذمه. والخمير العجين.

(6)

بنت مخزوم هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، كانت زوجة لعبد المطلب فولدت له ثلاثة: عبد الله أبا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا طالب والزبير ومعنى البيت أن المجد العالي من آل هاشم في أولاد فاطمة بنت مخزوم ولا سيما عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 399

قَصِيدَتَهُ هذِهِ. رَوَى مُسْلِمٌ هذِهِ الْأَرْبَعَةَ.

وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اهْجُوَا قُرَيْشاً فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ اهْجُهُمْ فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ

(1)

». فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ ملِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ

(2)

فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ

(3)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْعَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَباً حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي» ، فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لِأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَخْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . قَالَ حَسَّانُ رضي الله عنه.

هَجَوْتَ مُحَمَّداً فَأَجَبْتُ عَنْهُ

وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ

هَجَوْتَ مُحَمَّداً بَرًّا حَنِيفاً

رَسُولَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِ رضي

لِعَرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا

تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ

(4)

يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ

عَلَى أَكْتافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ

(5)

تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ

تُلطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ

(6)

(1)

أي لم يكن في نظرهم.

(2)

بيان لما قبلها.

(3)

أي لأقطعنهم تقطيع الجلد بأبيات شعرية تبقى خالدة.

(4)

كداء - كسماء: الثنية التي بأعلى مكة، وكدا كهدى: التي بأسفلها.

والنقع: الغبار. والمعنى فقدت أولادى إن لم تروها تغار عليكم من كل جانب.

(5)

الأعنة جمع عنان الفرس، والأسل: الرماح، ومعناه تبارى أولادى الخيل في الكر والفر وعلى أكتافها الرماح الظماء إلى دمائكم.

(6)

تبقى الخيل متصببات بالعرق حتى تمسحهن النساء بالخمر.

ص: 400

فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعتَمَرْنَا

وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ

(1)

وَإِلا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ

يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ

وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْداً

يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ

وَقَالَ اللَّهُ قَدْ يَسَّرْتُ جُنْداً

هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ

(2)

يُلَاقِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدَ

سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ

(3)

فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ

وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ

وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا

وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ

(4)

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى

(5)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ.

‌إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنصار والمهاجرين

(6)

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

فإن تركتمونا دخلنا الحرم واعتمرنا وحصل الوفاق وزال الجفاء، ويظهر أن هذا كان في الحديبية حينما منعوهم من دخول البيت للعمرة.

(2)

أي شأنها وقصدها الحرب.

(3)

يلاقي أي العبد الذي أرسله الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم أي يلاقيه السباب.

(4)

أي لا يقاومه أحد.

(5)

فشفى أي المؤمنين، واشتفى أي هو منهم بما قاله في تمزيق أعراض الكفار، ومعلوم أن اللسان يعمل في الناس ما لا تعمله الصوارم والسهام لأنه ذم يبقى خالدًا أبدا، فحسان رضي الله عنه قد قام بما عليه من الجهاد لله ورسوله والمؤمنين بل شفاهم وأرضاهم من هؤلاء الكفرة رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنصار والمهاجرين رضي الله عنهم

(6)

فالنبي صلى الله عليه وسلم آخي بين مائة وخمسين من المهاجرين ومائة وخمسين من الأنصار قبل بدر بخمسة أشهر في المدينة فكان يقول: يا فلان أنت أخو فلان، والمراد بهذه المؤاخاة التعاقد والتعاهد على نصر الحق ونصر الله ورسوله والتعاون على أمور الدنيا والآخرة.

ص: 401

بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمنِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالاً فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَلِيَ امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبُهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ

(1)

فَمَا انْقَلَبَ إِلا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ إِلَى السُّوقِ ثُمَّ جَاءَ يَوْماً وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ

(2)

، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَهْيَمْ

(3)

»، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ:«كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟» قَالَ: وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . رَوَاهُ الثَلاثةُ.

• عَنْ أَبي حُجَيْفَةَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

عَنْءَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَبَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ

(4)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ والْأَنْصَارِ فِي دَارِهِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ

(5)

.

• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ

(6)

وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلا شِدَّةً». رَوَى مُسْلِمٌ هذِهِ الثَّلَاثَةَ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

(1)

بنو قينقاع بطن من اليهود أضيف إليهم السوق، وقينقاع ممنوع من الصرف إذا أريد به القبيلة،

ومصروف إذا أريد به الحي. وقوله: فما انقلب أي ما رجع من السوق إلا ومعه أقط وسمن.

(2)

الصفرة طيب يستعمله العروسان.

(3)

مهيم لفظة يمانية أي ما هذا.

(4)

وكان عليّ رضي الله عنه غائبًا وقت هذه المؤاخاة فلما حضر بكى وقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة، فما أربحه وما أرفعه بهذه المؤاخاة. رضي الله عنه وأرضاه.

(5)

المحالفة هي المؤاخاة.

(6)

لا حلف في الإسلام. أي على نصر الحليف مطلقًا ولو ظالمًا كما كان في الجاهلية، فهذه منهي عنها، وأما المحالفة على الحق ونصر المظلوم فمطلوبة كما تقدم وهي المرادة من بقية الحديث هنا.

ص: 402

‌الفصل السابع في رهط من الأصحاب ليسوا من قريش ولا من الأنصار منهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

(1)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرَ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَخِيهِ

(2)

: ارْكَبْ إِلَى هذا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلمَ هذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الْأَخُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرَ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَلَاماً مَا هُوَ بِالشِّعْرِ

(3)

فَقَالَ أَبُو ذَرَ: مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ، فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً فِيهَا مَاءٌ

(4)

حتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَأُتَي الْمَسْجِدَ فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَعْرِفُهُ وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ

(5)

حَتَّى أَتَى اللَّيْلُ فَاضْطَجَعَ فَرَآهُ عَلِيٌّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ

(6)

فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ اْحتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَظَلَّ ذلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَمْسى فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ

(7)

فَأَقَامَهُ فَذَهَبَ مَعَهُ لَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ فَعَادَ عَلِيٌّ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ

(8)

فَأَقَامَهُ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْداً وَمِيثَاقاً لَتُرْشِدَنّني فَعَلْتُ، فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا جَاءَ لَهُ، قَالَ عَلِيٌّ: فَابنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَصْبَحْتَ

الفصل السابع في رهط من الأصحاب ليسوا من قريش ولا من الأنصار منهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه

(1)

أبو ذر اسمه جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه وأرضاه.

(2)

أخو أبي ذر هذا اسمه أنيس كما يأتي.

(3)

أي ويقول كلام ليس بشعر وهو القرآن.

(4)

الشنة: القربة.

(5)

خوفا من كفار قريش.

(6)

أي طلبه عليّ رضي الله عنه إلى منزله فسار معه.

(7)

أي أما آن للرجل أن يهتدي لمسكن له أو أما آن له أن يعود لبيتي.

(8)

من أخذه لبيته ليلة ثالثة.

ص: 403

فَاتَّبِعْنِي فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئاً أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ

(1)

فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتَّبِعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ

(2)

حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيكَ أَمْرِي» ، قَالَ أَبُو ذَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ

(3)

فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ

(4)

وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيْهِمْ فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ

(5)

ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ لِمِثْلِهَا

(6)

فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ فَأَنْقَذَهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلَمٍ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ» فَعَادَ فَأَسْلَمَ أَخُوهُ أَنَيْسٌ وأُمُّهمَا وَأَتَوْا قَوْمَهُمْ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤْمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ وَأَسْلَمَ بَاقِيهِمْ حِينَمَا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ إِخْوَتُنَا فَأَسْلَمُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ

(7)

».

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ

(8)

مِنْ ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ

(1)

أي وقفت بجوار الحائط كأني أتبول. وفي رواية: كأني أصلح نعلي.

(2)

أي يتبعه.

(3)

أي لأجهرن بكلمة التوحيد في مجمعهم.

(4)

أي ألقوه على الأرض.

(5)

فخلصه العباس منهم بعد أن فهمهم أن هذا خطر على تجارتهم من غفار.

(6)

ثم عاد في الغد لمثله أي ذهب للمسجد وجهز بكلمة التوحيد فضربوه حتى خلصه العباس منهم.

(7)

فلما أسلم باقي غفار بعد الهجرة جاءت قبيلة أسلم للنبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: نسلم على ما أسلمت عليه حليفتنا غفار. فأسلموا فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الدعوة المباركة.

(8)

الخضراء السماء والغبراء الأرض أي فليس بين السماء والأرض أصدق ولا أوفى من أبي ذر، فباطنه وظاهره واحد رضي الله عنه حتى كان غريبًا وحيدًا وجهر بكلمة التوحيد بين أعدائها.

ص: 404

وَلَا أَوْفَى مِنْ أَبِي ذَرَ شَبَهُ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام»، فَقَالَ عُمَرُ كَالْحَاسِدِ لَهُ: أَفَنَعْرِفُ ذلِكَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: نَعَمْ فَاعْرِفُوهُ لَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

‌ومنهم سلمان الفارسي وصهيب الرومي رضي الله عنهما

• عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَرَّ عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَها فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتُهُمْ إِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتُهُمْ فَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ» فَأَتَاهمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ أَغْضَبْتُكُمْ قَالُوا: مَا غَضِبْنَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَأَخِي

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَنَس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ عَلِيَ وَعَمَّارِ وَسَلْمَانَ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَنَا مِنْ رَامَ هُرْمُزَ

(3)

.

=الألداء الذين لم يقو أقاربهم المسلمون على الإقامة بينهم وهاجروا من ديارهم وأموالهم، فجهر أبو ذر رضي الله عنه بالتوحيد ليصدق ظاهره وباطنه ولم يكترث بما يناله من أذى قريش واضطهادهم له، فقد مثل بهذا أحسن الصدق وأرفع الجهاد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:» أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

ومنهم سلمان الفارسي وصهيب الرومي رضي الله عنهما

(1)

فسلمان وصحبه قالوا هذا في أبي سفيان لما مر عليهم، وكان هذا قبل إسلامه ولكنه كان في الهدنة بعد صلح الحديبية وهم معذورون فإن مواقفه ضد المسلمين كثيرة مشهورة، ولما أنبهم أبو بكر رضي الله عنه أشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم باستعطافهم لمكانتهم عند الله تعالى فإنهم من الضعفاء المنكسرين والله تعالى معهم. وقد ورد في صهيب حديث» نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» فهو لا يعصى ربه ولو أمنه إجلالا وخشية لله تعالى.

(2)

في هذا دلالة على رفيع مقامهم وعلو شأنهم رضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(3)

رام هرمز كلمة مركبة تركيبًا مزجيًا كبعلبك وهي اسم لمدينة مشهورة بفارس.

ص: 405

• وَعَنْهُ أَنَّهُ تَدَاوَلَةُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ رَبَ إِلَى رَبَ

(1)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: فَتْرَهُ مَا بَيْنَ عِيسى وَمُحَمَّدٍ سِتُّمِائَةٍ سَنَةٍ. رَوَى الثَّلَاثَةَ الْبُخَارِيُّ فِي مَقْدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ.

‌ومنهم عبد اللَّه بن سلام الإسرائيلي رضي الله عنه

(2)

• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ وَفِيهِ نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}

(3)

.

• عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ رضي الله عنه قَالَ: كنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا: هذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وكَذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ

(1)

وذلك أنه كان مجوسيًا وكان أبوه رئيسًا في قومه، فهرب من أبيه لطلب الإسلام، فلحق براهب وصحبه إلى الممات، ثم براهب آخر إلى الممات وهكذا، وتعلم التوراة والإنجيل من طول ملازمته للرهبان، فلما كان مع الأخير دله على ظهور النبي صلى الله عليه وسلم فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به في وادي القرى فباعوه ليهودي ثم باعه اليهودي ليهودي آخر من بني قريظة فقدم به المدينة فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه علامة النبوة أسلم فكاتبه سيده على أربعين أوقية من ذهب وغرس ثلاثمائة نخلة، فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه على أداء المكاتبة فأداها وصار حرًا فلزم النبي صلى الله عليه وسلم وأقام معه في دار الهجرة حتى مات سنة ست وثلاثين عن مائتين وخمسين سنة إلى رحمة الله. فرجل ابتلى هذا البلاء في سبيل طلب الطريق الحق لهو جدير بأرفع منزلة وأسمى مكانة رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

ومنهم عبد الله بن سلام الإسرائيلي رضي الله عنه

(2)

كان اسمه في الجاهلية حصينا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم حينما أسلم عبد الله وهو ابن سلام بن الحارث اليهودي الأنصاري من بني قينقاع من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام وكان إسلامه عقب قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رضي الله عنه وأرضاه.

(3)

أي شهد عبد الله بن سلام بأن القرآن من عند الله تعالى وهذه شهادة من عالم بالكتاب الأول فلها أثر عظيم ولا سيما إذا اعتبرها الله وجعلها حجة وآية تتلى.

ص: 406

بِهِ عِلْمٌ

(1)

إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُوداً نُصِبَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَفِي رَأْسِهِ عُرْوَةٌ وَفِي أَسْفَلِهِ مِنْصَفٌ

(2)

فَقِيلَ لِي ارْقَهْ فَرَقَيْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ فَقَصَصْتُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَمُوتُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» . وَفِي رِوَايَةٍ: «تِلْكَ الرَّوْضَةُ الْإِسْلَامُ وَذلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى وَلَنْ تَزَالَ مُتَمَسِّكاً بِهَا حَتَّى تَمُوتَ

(3)

». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ: أَلَا تَجِيءُ فَأُطْعِمَكَ سَوِيقاً وَتَمْراً وَتَدْخُلَ فِي بَيْتٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ بِأَرْضٍ، الرِّبَا فِيهَا فَاشٍ فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى لَكَ حِمْلَ تَبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِباً

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلَمَّا حَضَرَ الْمَوْتُ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قِيلَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ أَوْصِنَا قَالَ أَجْلِسُونِي ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا مِنَ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا قَالَ ذلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

(5)

ثُمَّ قَالَ الْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا وَأَسْلَمَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ

(6)

».

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أُرِيدَ قَتْلُ عُثْمَانَ جِئْتُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ فِي نَصْرِكَ، قَالَ: اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَاطْرُدْهُمْ عَنِّي

(1)

هذا منه تواضع أو لم يبلغه الحديث السابق.

(2)

المنصف - كمنبر - والوصيف الخادم.

(3)

فالروضة الخضراء محمود الإسلام والعمود فيها أركانه والرقي عليه والتمسك بالعروة كمال الإيمان والدوام عليه إلى الممات.

(4)

فأبو بردة الأشعري من اليمن فلما رآه ابن سلام طلبه للضيافة ولفت نظره إلى كثرة الربا في بلادهم ولو قبل شيئا من مدين له كان ذلك ربا كحديث: كل قرض جر نفعا فهو ربا.

(5)

مكانهما أي موجودان لكل راغب فيهما وطالب لهما.

(6)

فهذا دليل على رسوخهم في العلم وكمال يقينهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

ص: 407

فَإِنَّكَ خَارِجاً خَيْرٌ لِي مِنْكَ دَاخِلًا فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ كَانَ اسمِي في الْجَاهِلِيَّةِ فُلَاناً فَسمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ وَنَزَلَتْ فِيَّ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَنَزَلَتْ فِيَّ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، ونَزَلَتْ فِيَّ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ

(1)

} إِنَّ لِلَّهِ سَيْفاً مَغْمُوداً عَنْكُمْ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ جاوَرَتْكُمْ فِي بَلَدِكُمْ هذَا الَّذِي نَزَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهَ اللَّهَ فِي هذَا الرَّجُلِ أَنْ تَقْتَلُوهُ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتَطْرُدُنَّ جِيرَانَكُمْ الْمَلَائِكَةَ وَلَتَسُلُّنَّ سَيْفَ اللَّهِ الْمَغْمُودَ عَنْكُمْ فَلَا يُغْمَدُ عَنْكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالُوا: اقْتُلُوا الْيَهُودِيَّ وَاقْتُلُوا عُثْمَانَ رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ، الْأَوَّلَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِيَ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ.

‌ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه

(2)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ

(3)

وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ وَيَقُولُونَ

(1)

وهو عبد الله بن سلام فأضافه الله تعالى له في الشهادة على أحقية النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به وهذا قرآن يتلى ما دامت الدنيا. فلعبد الله بن سلام بهذا عظيم الشرف وكبير الفخر ورفيع المنزلة رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه

(2)

كان اسمه في الجاهلية عبد شمس أو عبد عمرو وفي الإسلام عبد الله أو عبد الرحمن بن صخر وهذا هو الأصح. أسلم عام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم ولزمه الخدمة في السفر والحضر مكتفيًا بملء بطنه راغبا في العلم والهدى حتى توفاه الله ورآه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا يحمل هرة صغيرة في كمه فسأله، فقال: هذه هرة يا رسول الله، فقال: اجلس يا أبا هريرة. فصارت كنية له واشتهر بها حتى غلبت عليه. وبلغ ما رواه من الحديث خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وستين حديثا وتوفي بالمدينة سنة تسع وخمسين عن ثمان وسبعين سنة ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه.

(3)

قد أكثر أي من رواية الحديث. والله الموعد أي سيسألني إن كنت كاذبا.

ص: 408

مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذلِكَ، إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرضيهِمْ وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ

(1)

وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً: «أَيُّكُمْ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَيَأْخُذُ مِنْ حَدِيثِي هذَا ثُمَّ يَجْمَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ شَيْئاً سَمِعَهُ

(2)

فَبَسَطْتُ بُرْدَةً عَلَيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ ثُمَّ جَمَعْهُا إِلَى صَدْرِي فَما نَسِيتُ بَعْدَ ذلِكَ الْيَوْمِ شَيْئاً حَدَّثِنِي بِهِ وَلَوْلَا آيَتَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا حَدَّثْتُ شَيْئاً أَبَداً» {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} {مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْماً فَأَسْمَعْتَنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأَبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيهَا، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ» فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِراً بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا جِئْتُ الْبَابَ فَسَمِعْتُ أُمِّ خَشْفَ قَدَمَيَّ

(4)

فَقَالَتْ: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا

(5)

فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ أَشْهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ قُلْتُ:

(1)

فكان الأنصار مشغولين بزرع أراضيهم وكان المهاجرون مشغولين بطلب أرزاقهم في التجارة.

(2)

ثم يجمعه إليه أي يضمه إليه بعد فراغي من الحديث فإنه لا ينسى ما سمعه مني.

(3)

تمامهما: {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} .

(4)

أي حركة مشي.

(5)

لبست درعها أي قميصها، وعجلت عن الخمار نسيته فرحًا بإسلامها.

ص: 409

يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «خَيْراً» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا

(1)

قَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هذَا وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي

(2)

». رَوَاهُ. وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مِمَّنْ أَنْتَ؟» قلْتُ مِنْ دَوْسٍ قَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ فِي دَوْسٍ أَحَداً فِيهِ خَيْرٌ

(3)

». وَعَنْهُ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثاً عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي إِلا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَكُنْتُ لَا أَكْتُبُ

(4)

.

وَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: لِمَ كُنِّيتَ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كنْتُ أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي فَكَانَتْ لِيَ هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْتُ أَضَعُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ فَإِذَا كَانَ النَّهَارُ حَمَلْتُهَا فَلَعِبْتُ بِهَا فَكَنُّونِي أَبَا هُرَيْرَةَ

(5)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بتَمَرَاتٍ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ فَضَمَّهُنَّ وَدَعَا لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ فَقَالَ: «خُذْهُنَّ وَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدِكَ هذَا

(6)

» كُلَّمَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً فَأَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ وَخُذْ وَلَا تَنْثُرْهُ نَثْراً، قَالَ: «فَقَدْ حَمَلْتُ مِنْ ذلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ وَسْقٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكُنَّا نَأْكُلُ مِنْهُ وَكَانَ لا يُفَارِقُ حِقْوِي حَتَّى كَانَ يَوْمُ قُتِلَ عُثْمَانُ فَإِنَّهُ انْقَطَعَ

(7)

». رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الْأَرْبَعَةَ

(8)

.

(1)

لفظ إلى في الموضعين بمعنى في لأن حروف الجر تنوب عن بعضها.

(2)

ففيه سرعة إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الأولى والثانية وهذه معجزة ظاهرة.

(3)

لأن قبيلة دوس غير مشهورة بالأخلاق وهذا قبل إسلامها كما يأتي.

(4)

فأبو هريرة ما كان يعرف الكتابة، وأما عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب كل شيء يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا كان أكثر حديثا من أبي هريرة رضي الله عنهم.

(5)

كما كناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هريرة حينما رآها في كمه فأطلقت عليه الكنية من قومه ومن النبي صلى الله عليه وسلم.

(6)

المزود كمنبر: وعاء الزاد: أي كلما أردت التمر فأدخل يدك فيه وخذ منه ولا تفرغه فتبقى البركة فيه.

(7)

وذهبت بركته من شؤم الفتنة. نسأل الله السلامة آمين والحمد لله رب العالمين.

(8)

الأولان صحيحان والثالث بسند حسن والرابع بسند غريب.

ص: 410

‌ومنهم أبو موسى وأبو عامر الأشعريان رضي الله عنهما

(1)

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَتَى أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْشِرْ

(2)

»، فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ:«إِنَّ هذَا قَدْ رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا» ، فَقَالَا قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ

(3)

ثمَّ قَالَ: «اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا» ، فَأَخَذَا الْقَدَحَ وَفَعَلَا مَا أَمَرَهُمَا بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَادَتْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَفْضِلَا لِأُمِّكُمَا مِمَّا فِي إِنَائِكُمَا فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامرٍ

(6)

فَأَصَابَهُ بِسَهْمٍ فِي رُكْبَتِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ فَلَحِقْتُهُ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ رَجعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ فَنَزَعْتُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ فَنَزَعْتُ السَّهْمَ مِنْ رُكْبَتِهِ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءَ وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِأَبِي عَامِرٍ وَمَكَثَ يَسِيراً وَمَاتَ رحمه الله فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى

أبو موسى وأبو عامر الأشعريان رضي الله عنهما

(1)

الأشعريون قبيلة تنسب إلى أبيهم الأشعر بأرض اليمن رضي الله عنهم.

(2)

أي بخير كثير على إسلامك وصحبتك للنبي صلى الله عليه وسلم في العاجل والآجل.

(3)

أي وضع ماء في فمه وأداره ومجه في الإناء لتنزل فيه البركة.

(4)

فكان لأبي موسى وبلال من هذا فضل عظيم ومكان رفيع رضي الله عنهما.

(5)

ولكن البخاري في غزو الطائف والأخيران هنا.

(6)

وبعثني أي النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 411

سَريرٍ مُرْمَلٍ

(1)

وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَنْبَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَطَلَبِهِ الاِسْتِغْفَارَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيتُ بَيَاض إِبْطَيْهِ

(2)

ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمْ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقع كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ مِنَ النَّاسِ» فَقُلْتُ: وَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلَهُ يَوْمَ الْقَيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيماً» قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى

(3)

.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(4)

.

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخلُونَ بِاللَّيْلِ وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلوا بِالنَّهَارِ

(5)

وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ

(6)

إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظرُوهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا

(7)

فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» رَوَاهُ الشَّيخانِ

(8)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا مُوسى لَقَدْ أُعْطِيتَ

(1)

أي منسوج وجهه بسعف.

(2)

من عنايته بالدعاء وابتهاله إلى ربه تعالى.

(3)

إحداهما أي الدعوتين لأبي عامر والأخرى لأبي موسى رضي الله عنهما.

(4)

ولكن مسلم هنا والبخاري في غزوة أوطاس.

(5)

فمنازلهم تعرف بالليل من بين المنازل بكثرة قراءة القرآن.

(6)

ومنهم حكيم هو اسم رجل أو صفة له من الحكمة فكانوا إذا التقى الجيشان قالوا لعدوهم انتظرونا لطلب الصلح أو لإيهامهم بالصلح وفيه من التخذيل ما لا يخفى.

(7)

إذا أرملوا أي قلّ زادهم في الغزو أو الحضر جمعوا ما عندهم واقتسموه بالسوية بينهم رفقا ورحمة بفقيرهم رضي الله عنهم، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: فهم منى وأنا منهم.

(8)

ولكن مسلم هنا والبخاري في قدوم الأشعريين.

ص: 412

مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ

(1)

».

• عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نِعْمَ الْحَيُّ الْأَشْعَرِيُّونَ لَا يَفِرُّونَ فِي الْقِتَالِ وَلَا يَغُلُّونَ

(2)

، هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ.

‌ومنهم جرير بن عبد اللَّه البجلي رضي الله عنه

(3)

• عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلا ضَحِكَ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ

(4)

وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ أَنْتَ مِرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ

(5)

فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَهُ فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ فَدَنَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ

(6)

».

• وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا جَرِيرُ أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ بَيْتٍ لِخَثْعَمَ كَانَ يُدْعَى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ» فَنَفَرْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فَارِسٍ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ يَدَهُ

(1)

سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي ليلا فسمع أبا موسى يقرأ القرآن بصوت حسن فأعجبه فوقف قليلا ثم سار فأخبره في الصباح وذكر الحديث، وفي رواية: قال أبو موسى لو علمت أنك تسمع يا رسول الله لحبرته لك تحبيرا.

(2)

ولا يغلون أي لا يخونون، ففيهم شجاعة وأمانة رضي الله عنهم وأرضاهم آمين.

ومنهم جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

(3)

هو جرير بن عبد الله بن جابر الشليل بن مالك البجلي نسبة لبجيلة بنت مصعب بن سعد العشيرة ولما دخل جرير على النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم أكرمه وبسط له رداءه لأنه كان سيدا في قومه، وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، وكان حسن الصورة حتى قال فيه عمر رضي الله عنهما: جرير يوسف هذه الأمة. توفي سنة إحدى وخمسين إلى رحمة الله ورضوانه.

(4)

ذو الخلصة: بيت لخثعم في اليمن فيه أصنام يعبدونها من دون الله.

(5)

أحمس قبيلة جرير رضي الله عنه وعنها وأرضاهم آمين.

(6)

فنفرت إليه أي خرجت إليه في مائة وخمسين من قومى فهدمناه بالنار فدعا لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 413

فِي صَدْرِي فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيًّا» ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَحَرَّقْنَاهَا بِالنَّارِ

(1)

وَبَعَثْنَا رَجُلًا مِنَّا يُكْنَى أَبَا أَرْطَأَةَ يُبَشِّرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْنَاهَا كَالْجَمَلِ الْأَجْرَبِ فَبَرَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ

(2)

. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌خير التابعين أويس القرني رضي الله عنه

(3)

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ

(4)

فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ».

• عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: «إِنَّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَوَيْسٌ لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمَ لَهُ قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ

(5)

».

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ

(6)

سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ

(1)

فحرقناها أي الكعبة اليمانية.

(2)

أي قال اللهم بارك في أحمس وفي رجالها وفرسانها وخيلها وكفاهم ذلك عزًا وفخرًا للدنيا والآخرة رضي الله عنهم وأرضاهم آمين.

خير التابعين أويس القرني رضي الله عنه

(3)

أويس القرني رجل صالح من اليمن كان موجودًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ولكنه لم يره، وكان خاملا في الناس لا يعبأ به أحد ولكن كان على جانب عظيم مع الله فلذا قال صلى الله عليه وسلم» خير التابعين أويس القرني فمن لقيه فليطلب منه الدعاء».

(4)

وكان به بياض أي برص كما يأتي.

(5)

فإن دعاءه مقبول لصلاحه.

(6)

الأمداد جمع مدد وهو الجماعة التي تأتي من الجهات لمدد الجيوش.

ص: 414

بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ

(1)

؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ

(2)

فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» فَاسْتَغْفِرْ لِي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ

(3)

، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَسَأَلَه عُمَرُ عَنْ أُوَيْسٍ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ فَأَسْمَعَهُ عُمَرُ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فَلمَّا عَادَ هذا الرَّجُلُ أَتَى أُوَيْساً فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدٍ بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدٍ بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي، ثُمَّ قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ

(4)

. رَوَى الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(1)

قرن - كقمر - حي من مراد لأن قرن بن رومان بن ناجية بن مراد.

(2)

أي لو طلب من ربه شيئا لأجابه في الحال لعظيم مكانته عند الله تعالى.

(3)

أي ضعفائهم وأخلاطهم فلم يرغب في الظهور فإنه شاغل عن الله تعالى.

(4)

أي خرج سائحًا في الدنيا لما انتبه له الناس وأقبلوا عليه رضي الله عنه، وهكذا شأن الخواص يفرون من الناس ويخلون بربهم فتصفو خلوتهم وتحلوا نجواهم وتعظم قربتهم من ربهم. وهذا مرادهم رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 415

‌خاتمة في ذكر قبائل من العرب

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى}

(1)

{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ وَالْقَبَائِلُ الْبُطُونُ. وَفِي لَفْظٍ: الشُّعُوبُ النَّسَبُ الْبَعِيدُ وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذلِكَ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فِقُهُوا

(3)

وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ

(4)

وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَيَأْتِي هؤُلَاءِ بِوَجْهٍ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ

(5)

وَالسَّكِينَةُ فِي أَهلِ الْغَنَمِ وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ

(6)

وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».

خاتمة في ذكر قبائل من العرب

(1)

الذكر والأنثى آدم وحواء عليهما السلام، فكل الناس منهما وحيث كان كذلك فلا فخر لأحد على أحد إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أغناكم ولا أقواكم ولا أجملكم ولا أرفعكم ذكرًا في الدنيا.

(2)

هذا بيان للآية، فالشعوب جمع شعب - ككعب - وهو طبقة النسب العليا، والقبائل جمع قبيلة وهى ما دون الشعب وبعدها العمائر فالبطون فالأفخاذ فالفصائل آخرها، وذلك كشعب كنانة، فقبيلة قريش، فعمارة قصي، فبطن هاشم، ففخذ العباس، فصيلته.

(تنبيه): مرويات البخاري هنا في بدء الخلق.

(3)

فالمتفقه في دينه خير الناس.

(4)

وأحسن الناس للولاية من يزهد فيها لأن هذا دليل على تقواه.

(5)

فالكبر والفخر كثير في الفدادين، أهل الوبر أي الإبل الذين تعلو أصواتهم وهم يسوقونها بخلاف أهل الغنم ففيهم السكينة.

(6)

الإيمان يمان: أي منسوب لليمن وهو الإقليم الذي عن يمين الكعبة كما أن الشأم هو الإقليم الذي عن شمال الكعبة، وهذا بالنسبة للواقف في الكعبة ومستقبل مطلع الشمس، فالفقه في الدين والحكمة في أهل اليمن أكثر من غيرهم لصفاء قلوبهم فكانت معدنًا للحكمة وهذا في غير المهاجرين والأنصار فإنهم أفضل الناس كلهم رضي الله عنهم.

ص: 416

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ هُنَا جَاءَتِ الْفِتَنُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» .

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْكُفْرُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالرِّيَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْخَيْلِ والْوبَرِ

(1)

». رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

.

‌غفار وأسلم وأشجع وجهينة ومزينة

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ

(3)

مَوَالِيَّ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَسْلَمُ سَالمَهَا اللَّهُ وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا أَمَا إِنِّي لَمْ أَقُلْهَا وَلكِنْ قَالَهَا اللَّهُ عز وجل

(4)

». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ. وَلَهُمَا وَلِلتِّرْمِذِيِّ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

(5)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ وَمَنْ كَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ

(6)

مَوَالِيَّ دُونَ النَّاسِ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَجَاءَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ رضي الله عنه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحجِيجِ

(1)

فيه أن أصحاب البقر والخيل من أهل الفدادين، وفيه أن أصل الفتن من جهة المشرق وهي نجد كما يأتي في فضل الشام.

(2)

ولكن مسلم في الإيمان والترمذي في الفتن.

غفار وأسلم وأشجع وجهينة ومزينة

(3)

جهينة ومزينة وأسلم ومثلها تصرف باعتبار الحي وتمنع باعتبار القبيلة.

(4)

فهؤلاء القبائل محبوبة لله ولرسوله أكثر من غيرها لأنهم ما حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم بل جاءوا للإسلام طائعين رضي الله عنهم وأرضاهم.

(5)

وعصية التي هي بطن من بني سليم عصمت الله ورسوله بنقضهم العهد وقتلهم القراء ببئر معونة.

(6)

من بني عبد الله أي من بني عبد العزى، تحاشاه صلى الله عليه وسلم لفحشه.

ص: 417

مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ قَالَ: وَأَحْسِبُ وَجُهيْنَةَ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ ـ وَأَحْسَبُ وَجُهَيْنَةٌ ـ خَيْراً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ أَخَابُوا وَخَسِرُوا» ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَأَخْيَرُ مِنْهُمْ

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِلشَّيْخَيْنِ: أَسَلْمُ وَغِفَارُ وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ أَوْ قَالَ وَشَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ أَوْ قَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَسَدٍ وَتَمِيمٍ وَهُوَازِنَ وَغَطَفَانَ. وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَغِفَارُ وَأَسْلَمُ وَمُزَيْنَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَسَدٍ وَطَيِّئٍ وَغَطَفَانَ. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌بنو تميم ودوس وطيء

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ لِثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(3)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْساً قَدْ كَفَرَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَقِيلَ هَلَكَتْ دَوْسٌ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَائْتِ بِهِمْ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

فأسلم وغفار ومزينة وجهينة وإن كان لبعضهم سيئات كسرقة الحجاج ولكنهم خير من القبائل الأخرى الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم أولا وإن أسلموا ثانيا رضي الله عن الجميع وأرضاهم.

بنو تميم ودوس وطيئ

(2)

هذا يشهد بأن العرب قسمان: عرب الحجاز من ولد إسماعيل عليه السلام، وعرب اليمن من ولد قحطان قبل إسماعيل ويؤيده الحديث الآتي: سام أبو العرب، والحديث الطويل الآتي في تفسير البقرة في بناء الكعبة وفيه: فتعلم إسماعيل العربية من جرهم.

(3)

ولكن مسلم هنا والبخاري في وفد بني تميم وكذا ما بعده.

(4)

فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا طائعين وأسلموا، ودوس أبو هذه القبيلة ابن عدنان=

ص: 418

• وَعَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا

عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ

(1)

وَكَانَ مَعِي غُلَامٌ فَأَبَقَ فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَايَعْتُهُ وَأَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هذَا غُلَامُكَ» ، فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْتَقْتُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ لِي: إِنَّ أَوَّلَ صَدَقَةٍ بَيَّضَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوُجُوهَ أَصْحَابِهِ صَدَقَةُ طَيِّئٍ الَّتِي جِئْتَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ عُمَرَ فِي وَفْدٍ فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلاً رَجُلاً وَيُسَمِّيهِمْ

(3)

، فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى أَعْرِفُكَ أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ عَدِيٌّ: فَلَا أُبَالِي إِذاً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي قِصَّةِ وَفْدِ طَيِّئٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌ثقيف وبنو حنيفة

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفاً

(4)

.

وأَهْدَى أَعْرَابِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَكَرَةً فَعَوَّضَهُ مِنْهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ

= ابن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن الأزد، وإليه تنسب دوس.

(1)

أي ما أطول تلك الليالي وأتعبها ليالى السفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها سعيدة علينا لأنها أنقذتنا من الكفر.

(2)

فصدقة طيئ التي جاء بها عديّ أفرحت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسرتهم لإشعارها بكثرة الأتباع، ففيه. فضل طيئ وهم قوم عدي رضي الله عنه.

(3)

قوله ويسميهم أي يسأل عن أسمائهم إلى أن وصل إلى عدي فقال له ذلك ففرح عدي، وقال: لا أبالى بما ينالني بعد هذا. ففيه تنويه بمزيد فضله ورفيع شأنه رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.

ثقيف وبنو حنيفة

(4)

يظهر أن هذا كان في غزوة حنين.

ص: 419

فَتَسَخَّطَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ فُلَاناً

(1)

أَهْدَى إِلَيَّ نَاقَةً فَعَوَّضْتُهُ مِنْهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ فَظَلَّ سَاخِطاً وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَلا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلا مِنْ قُرَشِيَ أَوْ أَنْصَارِيَ أَوْ ثَقَفِيَ أَوْ دَوْسِيَ.

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُكْرِمُ ثَلَاثَةَ أَحْيَاءٍ ثَقِيفاً وَبَنِي حَنِيفَةَ وَبَنِي أُميَّةَ

(2)

. رَوَى الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

‌فضل العرب والحجاز

(4)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ

(5)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ حَتَّى يَلْحَقُوا بِالْجِبَالِ» ، قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ: فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قَلِيلٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ.

• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَامُ أَبُو الْعَرَبِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ، وَحَامُ أَبُو الْحِبْشِ

(6)

».

• عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا سَلْمَانُ لَا تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقْ دِينَكَ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أُبْغِضُكَ وَبِكَ هَدَنَا اللَّهُ؟ قَالَ: «تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي

(7)

».

(1)

فلان هو أعرابي من بني فزارة.

(2)

ففي هذه الأحاديث فضل تلك القبائل رضي الله عنهم.

(3)

والأول بسند صحيح.

فضل العرب والحجاز

(4)

المراد بالعرب عرب الحجاز وهم نسل إسماعيل عليه السلام، وعرب اليمن الذين هم ولد قحطان.

والحجاز: مكة والمدينة والطائف وتوابعهن. وسميت حجازًا لأنها حجزت بين نجد وتهامة.

(5)

فكان منبعه منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه من نبت الحجاز ومنهم انتشر الإيمان في الأرض كلها.

(6)

فسام أبو العرب الذين هم في الجزيرة كلها، ويافث أبو الروم الذين هم في الشمال، وحام أبو الحبش الذين هم في الجنوب فيشمل السودان، فالناس كلهم بعد الطوفان من سام وحام ويافث أولاد نوح فهو آدم الصغير صلى الله عليه وسلم.

(7)

فبغضهم بغض للنبي صلى الله عليه وسلم وحبهم حب للنبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 420

• عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّ الْعَرَبَ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاَعَتِي وَلَمْ تَنَلْهُ مَوَدَّتِي» . رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ

(1)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى بِثَلَاثٍ فَقَالَ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ كَأَنَّهُ نَسِيَهَا وَقِيلَ هِيَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَناً

(2)

» رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَكُونُ قِبْلَتَانِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ

(3)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا أَتْرُك فِيهَا إِلا مُسْلِماً

(4)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

‌فضل اليمن وعُمان

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوباً وَأَرَقُّ أَفْئِئَةً الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَرَأَسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ

(5)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

الأولان بسندين حسنين والأخير بسند غريب.

(2)

أي لا تعبدوه كالأوثان، وأجيزوا الوفد أي الذين يأتونكم من نواحي الأرض أكرموهم.

(3)

أي لا ينبغي إبقاء دينين في الجزيرة.

(4)

فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى الخليفة الذي يكون بعده بإخراج المشركين من الجزيرة وهي ما أحاط به خليج العرب وهو بحر القلزم وبحر الهند والخليج الفارسي ودجلة والفرات وبحر الشام أو ما بين عدن إلى أطراف الشام طولا وما بين جدة إلى ريف العراق عرضًا، وقال إن طالت حياتي لأخرجن كل دين من جزيرة العرب إلا الإسلام لشرفها فلا يبقى فيها إلا أشرف الأديان وحكمة ذلك أن الجزيرة فيها الأماكن الطاهرة كالحرم المكي والحرم المدني وبيت المقدس ومسكن الأنبياء والمرسلين والأبدال والصالحين فلا ينبغي أن يبقي فيها نجاسة قال تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} نسأل الله الدوام عليه آمين.

فضل اليمن وعمان

(5)

رأس الكفر قبل المشرق أي أصل الفتن والضلال من جهة نجد، وأما أهل اليمن فقلوبهم رقيقة وصافية وفيهم كمال الإيمان والفقه والحكمة رضي الله عنهم.

ص: 421

وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: إِنْ لَمْ نَكُنْ مِنَ الْأَزْدِ

(1)

فَلَسْنَا مِنَ النَّاسِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْأَزْدُ أُسْدُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يَرْفَعَهُمْ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ الرَّجُلُ يَا لَيْتَ أَبِي كَانَ أَزْدِيًّا يَا لَيْتَ أُمِّي كَانَتْ أَزْدِيَّةً

(2)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ

(3)

».

• وَعَنْهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَنْ حِمْيَراً فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ حِمْيَراً

(4)

أَفْوَاهُهُمْ سَلَامٌ وَأَيْدِيهِمْ طَعَامٌ وَهُمْ أَهْلُ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الْأَرْبَعَةَ

(5)

.

• عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا إِلَى حَيَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ

(6)

أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(1)

الأزد ويقال الأسد أبو حي من اليمن والمراد أزد شنوءة لا أزد عمان.

(2)

فالشجاعة والإيمان والعفة في أهل اليمن رضي الله عنهم.

(3)

فقريش أهل لتدبير الملك ونظامه، والقضاء في الأنصار أحكم لوجود مهرة القرآن فيهم كأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم. والأذان في الحبشة والأمانة في الأزد أي اليمن.

(4)

حمير قبيلة باليمن والنبي صلى الله عليه وسلم لم يلعنهم بل ترحم عليهم وأثنى عليهم بأنهم يحبون إفشاء السلام وإطعام الطعام.

(5)

الأول بسند صحيح والباقي بأسانيد غريبة.

(6)

عمان - كفؤاد - بلد باليمن وهو المراد هنا بخلاف عمان - كعمار - فإنها بلد بفلسطين، وكل ما ورد في اليمن فهو في العرب لأنهم منهم كما علمت. والله أعلم.

ص: 422

‌فضل فارس

(1)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسٍ ـ أَوْ قَالَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ ـ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ

(2)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا قَرَأَ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُكَلَمْهُ حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً. قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ وَقَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هؤُلَاءِ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: ذُكِرَتِ الْأَعَاجِمُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَأَنَا بِهِمْ أَوْ بِبَعْضِهِمْ أَوْثقُ مِنِّي بِكُمْ أَوْ بِبَعْضِكُمْ

(4)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

‌فضل الشام

(5)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمِنِنَا» ، قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمِنَنِنَا» ، قَالُوا:

فضل فارس

(1)

أي أهل فارس وهم العجم سكان البقاع الشرقية الواقعة في شرق الخليج الفارسي كفارس وكرمان وسجستان وما وراء النهر وخراسان تلك التي أنبتت رجال الحديث كالبخاري وأبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي والدارقطني رضي الله عنهم، ومسلم وإن كانت إقامته مع هؤلاء الشموس ولكنه عربي الأصل فإنه قشيري رضي الله عنه.

(2)

يظهر أن المراد بهذا سلمان فقط رضي الله عنه.

(3)

قيل المراد بهم أهل خراسان لأن هذه الصفات فيهم دون أهل المشرق وكفاهم هذا شرفًا وفخرا للدنيا والآخرة رضي الله عنهم.

(4)

أو للشك في الموضعين والله أعلم.

فضل الشام

(5)

الشام هو الأرض المباركة التي قال الله تعالى فيها {ونجيناه ولوطًا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وذلك لما فيها من الأنهار والأشجار وما تخرجه من أنواع الزرع والثمار لخلق الله تعالى=

ص: 423

وَفِي نَجْدِنَا، قَالَ: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا ـ أَوْ قَالَ وَمِنْهَا ـ يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ

(1)

».

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَالْبُخَارِيُّ فِي الْفِتَنِ وَلَفْظُهُ: فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» .

• عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ

(2)

».

• عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِي

(3)

، قَالَ ههُنَا وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ نَحْوِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ» . رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْفِتَنِ

(4)

.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ

(5)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِلشَّامِ فَقُلْنَا: لِأَيَ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمنِ بِاسِطَةٌ أَجْنِحَتِهَا عَلَيْهَا

(6)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْحَالِ.

=ولأنها بلاد الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم ومسكن الصالحين والأبدال. قال يوسف عليه السلام عند موته {توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين} وقال موسى عليه السلام عند موته» رب قربني من الأرض المقدسة رمية بحجر».

(1)

أي أصل الكفر والضلال والقلاقل والفتن بأرض نجد، فلذا لم يدع لها النبي صلى الله عليه وسلم مع طلب الدعاء لها ودعا للشام واليمن من غير طلب لهما.

(2)

قال الأستاذ البخاري وعليّ بن المديني: المراد بهم رجال الحديث رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(3)

أين تأمرني أي في الفتن فنحا بيده أي أشار بها نحو الشام رضي الله عن ساكنيها.

(4)

بأسانيد صحيحة نسأل الله صحة البدن والإيمان آمين.

(5)

أي نجمعه من قطع الجلد.

(6)

أي على بلاد الشام حفظًا لها وفرحًا بأهلها رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 424

‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ} صَدَقَ اللَّهُ الْعظِيمُ.

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرَاً فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِيهَا فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا

(1)

» قَالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجْتُ مِنْهَا

(2)

. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحَونَ أَرْضاً يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْراً فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً

(3)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَ وَكَمَالَ الْإِيْمَانِ آمِين.

‌فضل الأمة المحمدية صلى اللَّه على نبيها وسلم

(4)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

(1)

القيراط جزء من الفدان وجزء من الدرهم والدينار، وهذا دأب المصريين قديمًا، والذمة هي الإيمان بالإنجيل والتوراة، والصهر والرحم القرابة بإسماعيل عليه السلام فإن أمه هاجر منهم كما يأتي في تفسير البقرة إن شاء الله، والقرابة بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن مارية القبطية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من المصريين.

(2)

أي أبو ذر أو الراوي عنه.

(3)

الأرض التي يذكر فيها القيراط هي مصر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها وأحسنوا إليهم فإنهم مؤمنون بالكتاب الأول ولهم قرابة بجدي إسماعيل عليه السلام لأنهم أخواله، وقرابة بي لأن أم ولدى إبراهيم عليه السلام منهم فللمصريين بهذا عظيم الشرف الدنيا والأخرى. وفيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار بغيب وقع وفتحت مصر على يد عمرو بن العاص في خلافة عمر رضي الله عنهم.

فضل الأمة المحمدية صلى الله على نبيها وسلم

(4)

ومنه ما تقدم في الصوم أن الله أعطاها ليلة القدر خيرًا من ألف شهر، ومنه أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا إلى آخره.

ص: 425

الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}

(1)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى

(2)

كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْماً يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ» فَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ

(3)

فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ فَقَالَ: «أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لِهؤُلَاءِ

(4)

فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ». قَالُوا لَكَ مَا عَمِلْنَا

(5)

فَاسْتَأْجَرَ قَوْماً فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ

(6)

.

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا بَقَاؤكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى إِذَا انْتصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً» . ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطاً قِيرَاطاً. ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَقَالَ: أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطاً قِيرَاطاً وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا، فَقَالَ اللَّهُ

(1)

ومنه قول الله تعالى {» كذلك جعلناكم أمة وسطا (عدولا) لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} وحكمة ذلك أن محمدا أفضل الأنبياء فكانت أمته أفضل الأمم. قال البوصيري رضي الله عنه:

لما دعا الله داعينا لطاعته

بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم

(2)

أي مع أنبيائهم.

(3)

وتركوا العمل.

(4)

أي لمن قبلكم.

(5)

أي لا حاجة لنا إلى عملك وأجرتك.

(6)

أي الأولين، فهذا مثل المسلمين الذين أجابوا محمدا صلى الله عليه وسلم ومثل اليهود والنصارى الذين غيروا وبدلوا وكفروا بالنبي الذي بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ص: 426

عز وجل: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ

(1)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

.

• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ

(3)

فَمَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا وَقَالَ: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثاً فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُ رَبِّي أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا

(4)

، وَسَأَلْتُهُ أَلا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَلا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا

(5)

، وَسَأَلْتُهُ أَلا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا

(6)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ

(7)

: إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ: أَلا يَدْعُو عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَهْلِكُوا جَمِيعاً، وَأَلا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَلا يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ.

(1)

هذا في أهل الكتاب الذين ماتوا قبل التحريف والتبديل فلذا أعطوا قيراطا قيراطا، فزمن الأمة المحمدية بالنسبة لزمن السالفين كما بين العصر إلى الغروب، وزمن اليهود كما بين الصبح إلى الظهر، وزمن النصارى كما بين الظهر إلى العصر، فالأمة المحمدية مع قصر زمنها وقلة أعمالها أعطيت أكثر من السالفين. وما ظلمهم الله شيئًا ولكن وفاهم بما عملوا. وزاد للأمة المحمدية فضلا منه وكرما جل شأنه، ولفظ الإمامين مالك وأحمد رضي الله عنهما: إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغارب الشمس؛ وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استأجر أجراء، فقال: من يعمل من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود. ثم قال: من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى ثم قال: من يعمل من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين قيراطين فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء. قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؛ قالوا: لا. قال: فذلك فضلى أوتيه من أشاء.

(2)

ولكن البخاري في فضل صلاة العصر.

(3)

إحدى ضواحي المدينة.

(4)

السنة: القحط والجوع.

(5)

فلا يستأصلون بواحدة من هاتين ولكن يقع بعضهما.

(6)

فالنزاع والاختلاف واقع بين أفراد الأمة إلى يوم القيامة، قال تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} .

(7)

هذا واللذان بعده في الفتن والملاحم.

ص: 427

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمَّتِي هذِهِ

(1)

مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخَرِةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا

(3)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ

(4)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلَهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ: أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ مَغْفُورٌ لَهَا مُتَابٌ عَلَيْهَا.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ

(7)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنَ الْفِتَنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ آمِين.

بحمد الله وتوفيقه تم طبع الجزء الثالث وعدد أحاديثه خمسة عشر وثلاثمائة وألف حديث ويليه الجزء الرابع وأوّله» كتاب فضائل القرآن والتفسير» إن شاء الله تعالى.

(1)

أمتي هذه أي الموجودون في زمنه صلى الله عليه وسلم مرحومون وليس عليهم عذاب وهذا ظاهر، أو المراد كل الأمة مرحومة أي مخصوصة بمزيد الرحمة وإتمام النعمة وتخفيف الإصر الذي كان على السالفين كقتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة، وقرض موضع النجاسة فالأمة مرحومة بهذا وليس عليها عذاب في الآخرة كغيرها من الأمم وإن كان سيقع منه على من أراد الله تعذيبه.

(2)

بسند صحيح.

(3)

أي بنشر الشريعة بالتعليم أو بالتأليف أو بحمل الناس على العمل بالدين فيكون دائمًا قشيبا جديدا.

(4)

بسند صحيح.

(5)

أي ففيها كلها خير إن شاء الله.

(6)

بسند حسن.

(7)

فإذا أجمع علماء الأمة على شيء فهو حق لأن يد الله مع الجماعة وهم أهل العلم بالكتاب والسنة ومن شذّ عنهم فهو ضال ومآله النار، فالأمة المحمدية أفضل الأمم لأن نبيها أفضل الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، ولأنها أعطيت ليلة القدر، ولأنها تعطى من الأجر أضعاف ما يعطى للسالفين ولأنها لا تجتمع على ضلالة، ولا تزال طائفة منها على الحق إلى يوم القيامة، ولأنها ستشهد على الأمم في الآخرة وسيزكيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولأنها ستدخل الجنة قبل الأمم كلها إن شاء الله. نسأل الله الموت على الإيمان وأن يحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين. والحمد لله رب العالمين.

ص: 428