المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإهداء إلى روح والدي الكريم، الذي طوقني بحنانه، ورعاني بعطفه، - شركات العقد في الشرع الإسلامي

[صالح بن زابن المرزوقي البقمي]

فهرس الكتاب

‌الإهداء

إلى روح والدي الكريم، الذي طوقني بحنانه، ورعاني بعطفه، ودفعني بتشجيعه للاستزادة من معين المعرفة، ووجهني لأعذب مناهلها- دراسة الشريعة الإسلامية - وكان يتمنى أن يراني، وقد بلغت درجة علمية مرموقة، ولكنه انتقل إلى الرفيق الأعلى، وقد شارفت على بلوغ الأمل؛ فإلى روحه الطاهرة أهدي باكورة نتاجي، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.

ص: 7

‌شكر وتقدير

شكراً لله القائل: {و لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7). أشكره سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وأجلها نعمة الإسلام، وأشكره على تيسيره وتوفيقه؛ حيث منّ علىّ بإتمام هذه الرسالة.

ثم الشكر للرجال المخلصين الذين سعوا في تأسيس هذا الصرح العلمي الشامخ - الدراسات العليا الشرعية - بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، في مكة المكرمة.

وعلى رأسهم باني مجدنا ومؤسس نهضتنا جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز طيب الله ثراه، وجعل الفردوس مقره ومأواه، وذلك لما قام به من تأسيس دعائم هذا القسم، وأشكر لخليفته المعظم جلالة الملك خالد بن عبد العزيز أيده الله وسدد خطاه

(1)

.

وإذا كان من الوفاء علىّ أن أقدم الشكر، فإنني أقدم خالص شكري وعظيم تقديري لشيخي الفاضل، وأستاذي القدير، فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور أحمد فهمي أبو سنة، أقدم له شكري، وإن كان الشكر لا يفي بحقه، ولكنه جهد المقل، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وذلك امتثالاً لقول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم «مَنْ صنع إليكمْ معرُوفًا فكافِئوه فإنْ لم تَجِدُوا ما تُكافِئوه فادعوا له حتَّى ترَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأتموهُ «

(2)

مكارمه كثيرة، وعلمه وافر، وخلقه عظيم، وصدره رحب.

(1)

كتبت هذا بعد وفاة الملك فيصل رحمه الله عام 1395 هـ

(2)

أخرجه أبو داود (1672)، والنسائي (2567) باختلاف يسير.

ص: 9

وإذا كان الخير يذكر لأهله، ويشكرون عليه فإنني أتقدم بجزيل الشكر ووافر العرفان، لصاحب الفضيلة شيخي الأستاذ الدكتور محمد أمين المصري، لقاء ما قام به من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، ممثلة في الجهود العظيمة التي بذلها عندما دعا وخطط لإنشاء قسم الدراسات الإسلامية العليا، فكان فاتحة خير، تلته دراسات عليا في فروع مختلفة، وبرنامج للدكتوراه، اقتدت به كثير من الجامعات السعودية.

وإلى كل من ساعدني شكري وتقديري.

ص: 10

‌المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلامة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فقد جاء الدين الإسلامي الحنيف بتشريع كامل، يفي بحاجات المجتمع في جميع شؤونه؛ من عبادات، ومعاملات، وجنايات، وأحكام للأسرة، ومن أحكام المعاملات التي سنها هذا التشريع السماوي أحكام الشركات؛ فأباحها، بل رغب فيها عند الحاجة إليها، وباركها، وهذه الشركات (العنان، والوجوه، والأبدان، والمضاربة، والمفاوضة) ذكرها الفقهاء السابقون في كتبهم، وتعامل بها المسلمون زمناً طويلاً، وما زال بعضهم يتعامل بها.

وبعد التخلف الفكري الذي شمل الأمة الإسلامية، وبعد اتصالها بالحضارة الغربية، وتقليدها إياها في معظم شؤونها، استعاضت هذه الأمة في كثير من بلاد الإسلام عن أحكام شرعها بقوانين وضعية من صنع البشر، وقد عرف العالم الإسلامي - مما عرف - أنواعاً من الشركات المجلوبة، تم تطبيقها، وعم انتشارها، مع أن في شرعنا الإسلامي الحنيف كنوزاً تغني المسلمين عما سواها؛ حيث إن التشريع الإسلامي هو المشهود له بالسبق والشمول والعدالة والدقة، في تقرير الأحكام، وحسبك أنه رباني، وما عداه؛ فهو من صنع البشر.

أما أهل هذه البلاد؛ المملكة العربية السعودية فينعمون ولله الحمد بتطبيق شرع الله القويم، ويعضون عليه بالنواجذ؛ سواء في العبادات، أو المعاملات، أو الجنايات، أو أحكام الأسرة، أو في غير ذلك.

ص: 11

ولكل ما سبق اخترت «شركات العقد في الشرع الإسلامي» موضوعاً لرسالة الماجستير، لأبين في هذه الرسالة أن أحكام الشرع الحنيف وافية وكافية لحاجات المجتمع، وأنها صالحة للتطبيق في كل مكان وزمان، وأن أحكام شرع الله تغنينا عن غيرها؛ إذ فيها الغناء كل الغناء.

كما أنه قد بدت حاجة المملكة ملحة إلى وضع نظام شامل للشركات، يوضح الأحكام واجبة الاتباع في تأسيس الشركات، وفي مزاولتها لنشاطها، ويبين مدى صلاحيات وزارة التجارة والصناعة في مراقبتها والإشراف عليها حفاظاً للصالح العام، ومحافظة لما تحت يد تلك الشركات من أموال الأفراد، وقد نص في النظام، أنه عند وضعه اعتمد فيه على ما استقر في العمل من القواعد التي أثبتت التجربة صلاحيتها، وجرت بين الأفراد مجرى العرف، مع الأخذ بالصالح من أحكام أنظمة الدول الأخرى، وذلك بعد استبعاد ما يتعارض من هذه الأحكام، وتلك القواعد مع الشرع الحنيف، وأمر بأن أحكام الشرع أصل لا يجوز الخروج عنه.

ورأيت أن أضع رسالتي هذه في موضوع الشركات، ليكون هذا سبيلاً فيما بعد - إن شاء الله - إلى دراسة نظام الشركات السعودي، ومقابلة أحكامه على آراء فقهاء الشريعة، ومعرفة مدى انطباقه عليها.

وهذه الرسالة عبارة عن دراسة فقهية مقارنة لشركات العقد؛ لدى المذاهب الفقهية الأربعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي)، وأحياناً كثيرة أذكر في بعض المسائل أراء فقهاء آخرين كالأئمة، ابن حزم، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وأبي ثور، والأوزاعي، وغيرهم.

ص: 12

وقد اعتمدت في بحثي، لنقل آراء المذاهب السابقة المصادر الأصيلة لهذه المذاهب، وكتب التفسير، والحديث الموثوق بها، واستفدت بما أمكنني الحصول عليه من كتب العلماء المعاصرين، سواء في الشركات، أو في غيرها.

وقد كانت طريقتي أثناء كتابة الموضوعات تقرير المسألة، وتحديد معالمها، وموضع الخلاف - إن كانت خلافية- ثم أذكر آراء العلماء، ثم أعرض أدلة الفقهاء في المسألة، وبعد الاستدلال من الجانبين والمناقشة أرجح ما أراه قوياً، مع بيان سبب الترجيح بعيداً عن التعصب المذهبي، مستهدياً بمقاصد الشريعة السمحة، والعرف الصحيح، ودرء المفاسد وجلب المصالح، على أن ترجيحي - هو صواب في نظري - يحتمل الخطأ، وقليلاً ما أدع الترجيح، وذلك عندما لا يتبين لي رجحان أحد الآراء.

ولا يخفى ما يواجهه الباحث من صعاب في تجميع مادة الرسالة، ومن تحقيق أقوال الفقهاء في المذاهب المختلفة، ومن وضع كل مسألة في موضعها المناسب لها، ومن الوقوف أمام بعض المسائل أيام وأيام دون أن يطمئن فيها إلى قرار، لا سيما أنه في فترة إعداد هذه الرسالة لم تتح لي الظروف للسفر إلى خارج البلاد للاطلاع على مزيد من المراجع، خاصة المراجع الفقهية الحديثة.

وقد جعلت هذه الرسالة بعد المقدمة في ثلاثة أبواب وخاتمة، وثبت للمراجع:

الباب الأول: في التعريف بالشركة، وأركانها، وشروطها، وأحكامها، وفيه أربعة فصول، وتحت كل فصل مباحث.

الباب الثاني: في أنواع شركات العقد، وأحكام كل نوع: وفيه ثلاثة فصول، وتحت كل فصل مباحث.

ص: 13

الباب الثالث: انفساخ الشركة وانقضائها وفيه فصلان.

الرموز والمصطلحات:

م: إذا جاء بعدها اسم فتعني مطبعة.

م: إذا جاء بعدها رقم فتعني مادة.

ط: إذا جاء بعدها رقم (1) مثلاً فتعني الطبعة الأول، وهكذا.

ق: تعني قاعدة.

إذا جاء 5/ 12/ 120، فالرقم الأول يعني المجلد، والرقم الثاني يعني الجزء، والرقم الثالث يعني الصفحة.

الشرح الكبير: إذا أطلق فالمراد به الشرح الكبير لابن قدامة.

تم أصله عام 1395 هـ

تم الفراغ من إعداده للطباعة يوم السبت 11/ ربيع الآخر/ 1444 هـ

الذي يوافقه 5/ نوفمبر/ 2022 م

ص: 14

‌الباب الأول

في التعريف بالشركة، وأركانها، وشروطها، وأحكامها

وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: التعريف بالشركة.

الفصل الثاني: أركان الشركة وشروطها.

الفصل الثالث: أحكام الشركة بوجه عام.

الفصل الرابع: أحكام الشركة من حيث الجواز، أو اللزوم

ص: 15

‌الفصل الأول

التعريف بالشركة

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الشركة.

المبحث الثاني: مشروعيتها.

المبحث الثالث: أقسامها.

ص: 17

‌المبحث الأول

تعريف الشركة

(أ) تعريفها لغة:

الشركة بفتح فكسر، أو فتح فسكون

(1)

، وفي هامش تهذيب اللغة ما نصه:«ضبطت في الأصول (يعني الشركة) بكسر الشين وتسكين الراء لغة تميم، وفتح الشين، وكسر الراء لغة الحجاز»

(2)

.

وقال صاحب تاج العروس: «الضم لغة فاشية في الشام، لا يكادون ينطقون بغيرها» .

والشريك المشارك جمعه أشراك، وشركاء، مثل شريف، وأشراف، وشرفاء

(3)

قال تعالى: {وَلَا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} يونس: 71.

والشرك النصيب قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} سبأ: 22. أي نصيب

(4)

.

وذكر لها في اللغة ثلاثة معان: قال أهل اللغة: الشركة مخالطة الشريكين

(5)

.

- وقال المحدثون، وبعض الفقهاء: الشركة لغة الاختلاط

(6)

.

(1)

تاج العروس، ولسان العرب، مادة شرك، ولمزيد من الإيضاح انظر: تاج العروس للزبيدي لمعرفة اللغات في الشركة.

(2)

تهذيب اللغة، مادة شرك.

(3)

تاج العروس.

(4)

لسان العرب.

(5)

المصدر السابق، تهذيب اللغة، وتاج العروس.

(6)

فتح الباري 5/ 12، عون المعبود 9/ 236، مواهب الجليل 5/ 117، الشرح الكبير للدردير 3/ 313، تحفة المحتاج 5/ 3، مغني المحتاج 2/ 211، تبيين الحقائق، 3/ 312.

ص: 19

- وعرفها الكمال ابن الهمام، علاء الدين الحصكفي، وتابعهما بعض الكتاب المعاصرين: بأنها خلط أحد المالين، أو أحد النصيبين

(1)

.

وأضيف كلمة: بالآخر، ليصبح التعريف: خلط أحد المالين، أو أحد النصيبين بالآخر.

هذه العبارات المتقاربة- المخالطة، والخلط، والاختلاط- كل منها له معنى خاص.

فالمخالطة مفاعلة تدل على خلط من كل من الشريكين، والخلط يدل على جوده من أحدهما، والاختلاط هو أثر الخلط، سواءً تم بصنع الشريكين، أو بدون صنعهما، بأن اختلط المالان بعامل خارج عن إرادتهما.

قال الكمال ابن الهمام: الشركة هي فعل الإنسان، وفعله الخلط، وأما الاختلاط فصفة تثبت للمال عن فعلهما

(2)

.

فمن عبر بالاختلاط لاحظ أثره، لكن لما كانت الشركة تحصل تارة في رأس المال، وتارة في الربح كان التعبير بالاختلاط أعم، لأنه يشمل ما حصل بخلط، أو بدونه، كالحاصل في ربح المضاربة، وشركة الأبدان، وهو أيضاً شامل للشركة في المباحات المفهومة من قوله صلى الله عليه وسلم: «الناسُ شركاءُ في ثلاثٍ في الماءِ والكلأِ والنارِ

»

(3)

. فإنه لم يحصل فيها خلط.

(1)

فتح القدر 5/ 4، الدر المنتقى شرح الملتقى 149، الفقه على المذاهب الأربعة 3/ 63، المعاملات المادية والأدبية 1/ 204.

(2)

فتح القدير 5/ 4.

(3)

سنن أبي داود 3/ 376.

ص: 20

(ب) تعريفها اصطلاحاً:

عرف الفقهاء الشركة بتعريفات مختلفة، فمنهم من عرف الشركة الشاملة لجميع أقسامها، ومنهم من عرف شركة العقد فقط، ومنهم من اقتصر في تعريفه على بعض أنواع شركة العقد، لأنهم لا يرون جواز غير ما تناوله تعريفهم

(1)

.

وقد اخترت تعريفاً يشمل أنوع الشركات، وهو:

الشركة هي: اجتماع في استحقاق، أو تصرف للكسب

(2)

. وهذا تعريف الحنابلة بزيادة قيد عليه هو قولنا: للكسب، وتأتي فائدة هذا القيد.

وقد اخترت هذا التعريف، لظني أنه أكثرها شمولاً، لأنواع الشركات، وأقربها تصويراً لحقيقتها.

والمراد بالاستحقاق ثبوت الحق لصاحبه، والمراد بالتصرف ما صدر عن الإنسان ورتب الشارع عليه حكماً، سواءً أكان قولياً، أم فعلياً، وسواءً أكان عقداً، أو غيره، وقولنا للكسب بيان للغرض الذي تعقد الشركة من أجله، وهو طلب الكسب.

وقد أرادوا بالاجتماع في الاستحقاق شركة الملك، سواءً:

(1)

كان الملك في الأعيان، والمنافع: كأن يكون بين الرجلين أرض، أو بهائم، ملكوها بالإرث، أو الشراء، أو الهبة، أو الوصية.

(2)

أم ملكوا الأعيان دون المنافع، مثل أن يوصي رجل لآخر بمنفعة أرضه، أو داره؛ فيموت ويخلف ورثة؛ فإن رقبة الأرض تكون موروثة للورثة دون المنفعة.

(1)

من أراد الاطلاع على مزيد من تعريفات الشركة فليراجع كتب الفقه في المذاهب المختلفة.

(2)

المغني 5/ 3، كشاف القناع 3/ 496.

ص: 21

(3)

أم كان الاشتراك في ملك المنافع دون الأعيان، مثل أن يوصي بمنفعة سيارته لجماعة.

(4)

أم كان الاشتراك في ملك حقوق الأبدان، مثل أن يرث جماعة قصاصاً، أو حد قذف.

(5)

أم كان الاشتراك في حقوق الأموال، كأن يرث جماعة الشفعة، أو الرد بالعيب، أو خيار الشرط، وحقوق الرهن، ومرافق الطريق

(1)

.

وأرادوا بالاجتماع في التصرف شركة العقد بجميع أنواعها، وهي شركة العنان، والوجوه، والأبدان، والمضاربة، والمفاوضة، و (للكسب) قيد لبيان الغرض من شركة العقد بجميع أنواعها، وهو كسب المال، وقد احترزت به أيضاً عن الوكالة، فيما إذا وُكل وكلين في تصرف من التصرفات، فإنه يصدق عليه أنه اجتماع في تصرف؛ فيخرج بهذا القيد، لأن اجتماع الوكيلين في التصرف ليس لغرض الكسب، بل لغرض التعاون على إنجاز هذا التصرف.

مناقشة ورد:

ناقش الدكتور عبد العزيز الخياط تعريف الحنابلة هذا، وقال فيه:«إنه غير جامع، لأن شركة المضاربة ليست اجتماعاً على التصرف، لأن التصرف من المضارب»

(2)

.

وقوله: إنه غير جامع، لأنه لا يشمل شركة المضاربة غير مسلم له، لأن عقد الشركة هو اجتماع من الشركاء في التصرف، وتقديم المال من أحدهما، والعمل من الآخر هو تصرف أيضاً، لأن التصرف أعم من أن يكون قولاً، أو فعلاً.

(1)

شرح منتهى الإرادات 2/ 319، جواهر العقود 1/ 187.

(2)

الشركات، للدكتور عبد العزيز عزت الخياط 1/ 49، وما بعدها.

ص: 22

كما أن الدكتور الخياط قد ناقض نفسه مناقضة شديدة؛ حيث قال قبل قوله هذا بصفحات قلائل عند ما علق على هذا التعريف ما نصه: «وهو تعريف جامع يشمل جميع أنواع الشركات فقوله: الاجتماع في تصرف يشمل شركات العقود جميعاً سواءً أكانت شركات أموال، أو أعمال، أو وجوه، أو أموال وأعمال معاً، كشركات المضاربة»

(1)

.

(1)

المصدر السابق 1/ 33.

ص: 23

‌المبحث الثاني

مشروعيتها

الشركة جائزة شرعاً، فقد وردت السنة النبوية بالتأييد والترغيب للشركاء في الشركة، لما في ذلك من تعاون، وتحقيق مصالح اجتماعية.

قال الشيخ علي الخفيف: «إنها مشروعة، وإنها فوق ذلك مطلوبة على وجه الندب عند الحاجة إليها، إذ جُعلت سبباً، ووسيلة لما يمنحه الله سبحانه وتعالى للشركين من معونة وتوفيق، لأن الله سبحانه وتعالى معهما، وما ظنك باثنين الله ثالثهما»

(1)

.

وقد جاءت الآيات القرآنية الكريمة، واستفاضت السنة النبوية المطهرة بما يفيد جواز هذا النوع من المعاملات المالية، وقد كانت الشركة معروفة لدى العرب قبل البعثة النبوية، كما كانت معروفة عند كثير من الأمم، فلما جاء الإسلام أقر هذا النوع من المعاملات، مع إلغاء كل ما يخالف الشريعة الإسلامية فيها، ثم تعامل المسلمون بها في مختلف عصورهم، وأجمع عليها العلماء، فهي ثابتة بالقرآن، والسنة، والاجماع.

أما القرآن: فمنه قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ص: 24، والخلطاء هم الشركاء، وقوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الزمر: 29. فقد دلت الآية على وجود الشركة في العبد، وهو دليل على جوازها، لأن الله تعالى ضرب هذا المثل، وذكر فيه اشتراك الشركاء في العبد دون أن ينكر عليهم هذه الشركة فيه، وإن وصفهم سبحانه بالمشاكسة.

(1)

الشركات، لعلي الخفيف، ص 21.

ص: 25

الأدلة من السنة:

تواترت السنة الشريفة قولاً، وتقريراً من الرسول صلى الله عليه وسلم بما يفيد جواز هذا النوع من المعاملات المالية، وفيما يلي بعض الأحاديث الدالة على ذلك:

(1)

ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال قال: صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول: «أنا ثَالِثُ الشَرِيَكيْنِ ما لَمْ يَخُنْ أحدُهُما صاحِبَهُ؛ فإذا خانَ خَرَجْتُ من بَينِهِما»

(1)

، وفي بعض النسخ من بينهم.

(2)

ما رواه أبو داود، وابن ماجة، والإمام أحمد والحاكم «من حديث السائب ابن أبي السائب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنتَ شَرِيكِي في الجاهلِيَّةِ، فكنتَ خيرَ شريكٍ؛ لا تُدَارِيِني وَلَا تُمَارِيِنِي»

(2)

.

وعند أبي داود «لا تداري، ولا تماري» قال الحاكم هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(1)

سنن أبي داود 3/ 348، سبل السلام 3/ 86 م المنيرية.، نيل الأوطار 5/ 264، المستدرك 2/ 60. قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي دار الكتب العلمية، بيروت.، وانظر السنن الكبرى للبيهقي، تحقيق الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي 11/ 571، وكذلك إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 5/ 288، ميزان الاعتدال 2/ 132 للذهبي، وشركة الله إياهما هذه من المعية الخاصة؛ وهي بالبركة، والفضل، والربح، ومثله قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل: 128، وقوله تعالى:(قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) طه: 46، وقوله تعالى:(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) الأنفال: 12، وقوله تعالى:(لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) التوبة: 40، وقوله تعالى:(قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) الشعراء: 62، أما المعية العامة لجميع الخلق، فهي بالإحاطة التامة، وعلمه، ونفوذ قدرته. انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 593، لابن كثير، الناشر المكتبة التجارية الكبرى، مصر، أضواء البيان للشنقيطي 3/ 463، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، وخروجه من بينهما أي زوال البركة بإخراج الحفظ عنهما.

وحديث أبي هريرة هذا أعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان وبالإرسال؛ فلم يذكر فيه أبا هريرة، ولم يسنده غير أبي همام محمد بن الزبرقان، وسكت أبو داود والمنذري عن هذا لحديث. فإعلال الحديث في أمرين:

الأول: الجهل بحال سعيد بن حيان، ومجهول الحال هو الذي لم يوثق، كما في تقريب التهذيب 1/ 5 فإذا وثق ارتفعت جهالته، وفي تهذيب التهذيب 4/ 19، سعيد بن حيان التيمي قال العجلي: كوفي ثقة، ولم يقف ابن القطان على توثيق العجلي فزعم أنه مجهول، أهـ. وبهذا التوثيق من العجلي يحكم بعدم جهالة حاله؛ فيرتفع القدح عنه، بل إنه ثقة.

الثاني: الإرسال فيقال فيه: إنه قد روي من وجه آخر موصولاً، والوصل زيادة، وزيادة العدول مقبولة، كما تقرر ذلك في الأصول، وعلوم الحديث اهـ. على أن مرسل الثقة حجة عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة، ومالك، وأحمد. قال محمد أمين الشنقيطي في كتابه أضواء البيان 4/ 52: ومن المعروف عن أبي داود أنه لا يسكت عن الكلام في حديث، إلاّ وهو يعتقد صلاحيته للاحتجاج.

(2)

سنن ابن ماجة 2/ 768، المستدرك 2/ 61، مسند الإمام أحمد 3/ 425، لا تداري: لا تخالف، ولا تمانع، ولا تماري: يريد المراء والخصومة.

ص: 26

(3)

ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم عن أبي المنهال قال: (اشتريت أنا، وشريك لي شيئاً يداً بيد، ونسيئة؛ فجاءنا البراء بن عازب فسألناه فقال: (فعلت أنا، وشريكي زيد بن أرقم، وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:«ما كان يداً بيد فخذوه، وما كان نسيئة فردوه»

(1)

.

وفيه إقراره صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب وزيد بن أرقم المذكورين على الاشتراك، وقد ترجم البخاري لهذا الحديث في صحيحه بقوله:(باب الاشتراك في الذهب والفضة).

(4)

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أعْتَقَ شِقْصًا له مِنْ عَبْدٍ، أوْ شِرْكًا، أوْ قالَ: نَصِيبًا، وكانَ له ما يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بقِيمَةِ العَدْلِ فَهو عَتِيقٌ، وإلَّا فقَدْ عَتَقَ منه ما عَتَقَ»

(2)

.

وقد ثبت نحوه في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بالاشتراك في الرقيق.

وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه، لحديث ابن عمر، وأبي هريرة المذكورين بقوله:(باب الشركة في الرقيق).

قال صاحب فتح القدير: (ولا شك أن مشروعيتها أظهر ثبوتاً؛ إذ التواتر، والتعامل بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهلم جرا متصل، لا يحتاج فيه، لإثبات حديث بعينه

(3)

.

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 5/ 95 - 96، صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 45.

(2)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 5/ 94، مسند الإمام أحمد 1/ 56.

(3)

فتح القدير، لابن الهمام 5/ 3.

ص: 27

الإجماع:

أما الإجماع: فقد حكاه جمهرة من العلماء؛ إذ كان الناس يتعاملون بالشركة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير

(1)

. قال ابن قدامة: أجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة)

(2)

. ولم ينكروها - أي إجماع سكوتي - وأن أحداً من العلماء، لم يخالف في جوازها

(3)

.

(1)

المبسوط 11/ 155.

(2)

المغني 5/ 3.

(3)

المجموع 13/ 506، كشاف القناع 3/ 495، جواهر العقود 1/ 186.

ص: 28

‌المبحث الثالث

أقسام الشركة

الشركة تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:

شركة الإباحة، وشركة الملك، وشركة العقد.

‌أولا: شركة الإباحة:

وهي إذن من الشارع في امتلاك أعيان أو منافع المباحات.

وقد شرعها الله تعالى بين الناس في الأمور العامة، التي لا يستغنى عنها، وهي مستفادة من الحديث الشريف «الناس شركاء في ثلاث الماء، والنار، والكلأ»

(1)

.

ومعنى شركة الإباحة في الحديث هو أن المسلم يمكنه الامتلاك، أو الانتفاع بالأشياء المذكورة في الحديث، بمعنى أن المسلم يملك أن يملك ويملك أن ينتفع.

ومن أنواع الاشتراك في الانتفاع بالمباحات العامة، الاشتراك في الماء، والكلأ، وهو الحشيش والعشب، والنار، والملح، ونحوها، وكذلك الاشتراك في الانتفاع بالمرافق العامة، كالطريق، والمسيل، والمساجد، والأسواق، والحدائق العامة، وغير ذلك.

وشرط الاشتراك في المباحات هو انفكاكها عن الاختصاص.

‌ثانيا: شركة الملك:

ومعناها: أن يملك اثنان فأكثر مالاً، أو منفعة، أو حقاً؛ كحق الشفعة، والقصاص، وحقوق الارتفاق، والخيارات، بسبب من أسباب التملك؛ كالشراء والهبة، والوصية، والإرث، أو اختلاط الأموال بصورة لا تقبل التمييز.

(1)

سنن أبي داود 3/ 376.

ص: 29

‌أقسامها:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن شركة الملك تنقسم إلى قسمين:

(1)

شركة اختيار.

(2)

وشركة جبر.

أما شركة الملك الاختيارية فضابطها «أن يرضى الشريكان، أو الشركاء بالشركة»

(1)

مثل أن يشتريا شيئاً ليقتسماه، أو ليقتنياه، أي ليس الغرض من الشراء بيعه والاتجار بثمنه، وكأن يوهب لهما، أو يوصى لهما، أو يتصدق عليهما فيقبلا، أو يستوليا على مال، أو يخلطا ماليهما برضاهما

(2)

.

وأما شركة الجبر فهي: «التي تحصل بغير فعل الشركاء»

(3)

، وهذا النوع قد يكون سببه الوراثة؛ كالشركة التي بين الورثة في المال الموروث، وقد يكون سببه الوصية في بعض صورها التي لا تتوقف على القبول؛ كالوصية لحمل انفصل اثنين، وقد يكون سببه اختلاط ماليهما بغير فعلهما.

وفي جميع ذلك كل واحد منهما أجنبي في نصيب الآخر، لا يتصرف فيه، إلاّ بالإذن

(4)

.

‌ثالثاً: شركة العقد:

شركة العقد: هي إيجاب وقبول بين اثنين، أو أكثر على الاشتراك: أما في المال وربحه، وهذه شركة العنان.

ومثالها: أن يتعاقد اثنان، أو أكثر على أن يدفع كل منهم مقداراً معيناً من المال، لتكوين رأس مال يتجرون فيه، على أن يكون ما ينتج من ربح بينهم على نسبة معينة يتفقون عليها، على أساس مال كل منهم وعمله.

(1)

الشركات للخياط 1/ 39.

(2)

الاختيار لتعليل المختار، للموصلي 3/ 12.

(3)

بدائع الصنائع 6/ 56.

(4)

الاختيار لتعليل المختار 3/ 12، فتح القدير 5/ 3.

ص: 30

وأما على الاشتراك فيما يشترى ويباع وفي ربحه، دون أن يكون هناك رأس مال يتجرون فيه، وهذه هي شركة الوجوه. فشركة الوجوه لا تعتمد على رأس مال معين، إنما يتفق شخصان أو أكثر على أن يأخذوا من التجار بضائع دون أن يدفعوا قيمتها، ثم يبيعوا هذه البضائع على أن يكون الربح من هذه التجارة بينهم.

وهذا النوع من الشركة يعتمد على وجاهة هؤلاء الشركاء، وثقة التجارة بهم، ولذا سميت شركة الوجوه.

وأما أن تكون على الاشتراك في أجر العمل، وتسمى شركة الأعمال، أو الأبدان، أو شركة الصنائع، أو التقبل، مثل أن يتفق أهل حرفة من الحرف، كنجارين على فتح منجرة، لعمل الأبواب ونحوها، وبيعها، وما رزقهم الله فهو بينهم.

وأما أن تكون على الاشتراك في الربح دون الاشتراك في رأس المال، وهذه الشركة تسمى مضاربة، أو قراضاً.

ومثالها: أن يدفع شخص إلى آخر مبلغاً من المال يتجر له فيه، على أن ما يحصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه، كأن يكون لكل واحد منهما النصف، أو لأحدهما الثلث، وللآخر الثلثان، وهكذا أما الخسارة فعلى رأس المال، ولا يتحمل المضارب منها شيئاً.

وأما أن يجمعا بين نوعين، أو أكثر من أنواع الشركة السابقة، ويطلق تصّرف كل شريك فيها من قبل الشركاء الآخرين، وهذه تسمى مفاوضة، مثل أن يجمعوا بين شركة العنان والوجوه، والأبدان.

ص: 31

‌الفصل الثاني

أركان الشركة وشروطها

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: العاقدان.

المبحث الثاني: الصيغة.

المبحث الثالث: المحل.

المبحث الرابع: شروط الشركة.

ص: 33

أركان شركة العقد ثلاثة:

العاقدان، والصيغة، والمحل.

فالعاقدان ركن واحد، والمراد بهما طرفا العقد، أي الموجب والقابل، وإن تعدد الموجب، أو تعدد القابل.

والصيغة: هي الإيجاب والقبول.

والمحل: هو المعقود عليه سواء أكان من المال والعمل، أم كان من العمل فقط، وقد تابعت فيما ذهبت إليه ما ذهب إليه بعض المالكية والشافعية في أركان الشركة؛ حيث قالوا أركان الشركة ثلاثة، العاقدان، والصيغة، والمحل

(1)

.

وقال بعض المالكية أركان الشركة أربعة: العاقدان، والصيغة، والمحل، فلما ذكروا الثلاثة الأولى باعتبارهم أن العاقدين ركنين اثنين، اتبعوها بالرابع؛ وهو المحل؛ وهو المال، أو العمل

(2)

، أو المال والعمل.

وقال بعض الشافعية أركانها خمسة: عاقدان، ومعقود عليه، وعمل، وصيغة

(3)

.

وقال الحنفية للشركة ركن واحد، وهو الصيغة.

والذي أرتضيه هو ما قدمته أولاً؛ فلم أعدد أركان الشركة بتعدد العاقد؛ فالعاقدان، أو العاقدون ركن واحد. والذين جعلوا العاقدين ركنين يلزمهم أن يجعلوا أركان الشركة ألف ركن إذا كان الشركاء ألف شريك، وهلم جرا.

ومن جعل محل الشركة ركنين (المال، والأعمال) كالشافعية يتخلف قولهم هذا في الشركات التي محلها واحد كشركة الأبدان؛ حيث إن محلها العمل فقط،

(1)

بلغة السالك 2/ 165، الشرح الصغير 2/ 165، فتح العزيز 10/ 404.

(2)

مواهب الجليل 5/ 123.

(3)

تحفة المحتاج 5/ 5، حاشية البجيرمي 2/ 460، نهاية المحتاج، 5/ 5.

ص: 35

ويعتذر لهم بأنهم لا يجيزون شركة الأبدان، فلا يرد عليهم هذا الإيراد، ولكن يقال للشافعية إن كلاً من المال والعمل معقود عليه في شركة العنان التي حصرتم الشركة الجائزة فيها؛ فلا وجه عندكم لاعتبار العمل ركناً لوحده؛ إذ لا يتأتى ذلك في أي شركة تجيزونها. ولكنه ركن لوحده في شركة الأبدان عند من يجيزها.

أما الحنفية فقد اقتصروا على الصيغة اعتقاداً منهم بأن كلاً من العاقدين والمحل يفهم بطريق الالتزام، ولكن الالتزام لا يكفي في مقام بيان الأركان، على أن صاحب البدائع من الحنفية صرح بهذه الأركان في عقد البيع.

فالراجح أن الصيغة إحدى الأركان، وليست هي وحدها الركن.

ص: 36

‌المبحث الأول

العاقدان

ذكرنا أن الركن الأول لعقد الشركة هو (العاقدان) الموجب والقابل، ويمكن أن يكون أطراف الشركة أكثر من اثنين، وشرط العاقدين الأهلية.

الأهلية:

لكي يمكن للإنسان أن يباشر عقد الشركة بدون حاجة إلى إذن الولي، يجب أن تتوفر له أهلية الأداء الكاملة.

وأهلية الأداء (هي صلاحية الإنسان لصدور الأفعال، والأقوال منه على وجه يعتد به شرعاً) وتتوقف عليها سائر المعاملات القولية، والتكاليف الشرعية

(1)

.

وقد اتفق الفقهاء على أن الشروط في أهلية عاقد الشركة هي أن يملك أهلية التوكيل والتوكل، لأن كلاً منهما وكيل عن الآخر

(2)

.

وزاد الحنفية في شركة المفاوضة، أن يكون للشركاء أهلية الكفالة

(3)

. وأهلية الوكالة تتحقق عند الحنابلة والمالكية، والشافعية، والحنفية بصحة التصرف؛ فكل من صحح تصرفه في شيء بنفسه صح، أن يوكل فيه

(4)

. ولكن صحة التصرف تختلف عند الشافعية عن غيرهم من المذاهب الأخرى.

والشروط التي يجب توفرها في عاقد الشركة، لكي يكون أهلاً لذلك، هي ما يلي:

(1)

الوسيط في أصول الفقه، للدكتور وهبة الزحيلي ص 174.

(2)

تحفة المحتاج 5/ 6، فتح العزيز 10/ 404، مواهب الجليل 5/ 118، المبسوط 11/ 152، كشاف القناع 3/ 497.

(3)

البحر الرائق 5/ 183، بدائع الصنائع 6/ 61.

(4)

رد المحتار 4/ 400، المغني 5/ 72، مواهب الجليل 5/ 118، المهذب 1/ 349 ط الحلبي، قد بسطت القول في موضوع الأهلية والوكالة في كتاب: شركة المساهمة في النظام السعودي ص 49، وما بعدها، طبعة العبيكان.

ص: 37

أولاً: العقل:

يشترط في العاقد، أن يكون صحيح العقل؛ فعقد المجنون لا يصح بالإجماع.

المعتوه:

اختلوا في تفسير المعتوه، وأحسن ما قيل فيه: هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام، فاسد التدبير، إلاّ أنه لا يضرب، ولا يشتم كما يفعل المجنون، وحكم المعتوه حكم الصبي المميز كما يأتي

(1)

.

ثانياً: البلوغ:

اتفق الفقهاء على أنه يشترط في أهلية الشريك، لمباشرته عقد الشركة، ولنفاذ ذلك العقد دون إذن ولي، أن يكون العاقد بالغاً

(2)

، أما إذا لم يكن بالغاً، لكنه مميز؛ فقد ذهب الجمهور أبو حنفية، ومالك، وأحمد إلى أن عقده صحيح إلاّ أنه يشترط لنفاذه إذن الولي

(3)

، واستثنى الحنفية شركة المفاوضة؛ فلم يجيزوا عقده لها؛ حيث إنها مبنية عندهم على الكفالة والوكالة، والصبي ليس من أهل الكفالة

(4)

.

وقال الشافعية: لا يصح شيء من تصرفاته، إلاّ بعد البلوغ

(5)

، أما الصبي الذي لم يميز؛ فقد اتفق الفقهاء على أن عقده غير صحيح.

(1)

رد المحتار على الدر المختار 5/ 90 دار إحياء التراث العربي بيروت.

(2)

كشاف القناع 3/ 151، بدائع الصنائع 4/ 135، التاج والإكليل بحاشية مواهب الجليل 5/ 57، مغني المحتاج 2/ 166.

(3)

كشاف القناع 3/ 65، بدائع الصنائع 4/ 135، مواهب الجليل 5/ 60 - 61.

(4)

فتح القدير 5/ 7 - 8.

(5)

مغني المحتاج 2/ 166، المجموع 9/ 164 ذكر أبو الفرج ابن قدامة صاحب الشرح الكبير 4/ 5 أن هناك رواية مرجوحة عن الإمام أحمد توافق مذهب الشافعية، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف، ونسب هذه الرواية إلى صاحب الشرح، وقال: إن الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب نفاذ عقده بعد إذن الولي.

ويحصل البلوغ في حق الغلام، والجارية بكل علاماته الدالة عليه، أما البلوغ بالسن؛ فالراجح من مذاهب الفقهاء أنه يكون بتمام الخامسة عشرة، لحديث ابن عمر المذكور في - الصحيحين- ومنهم من لم ير تحديد البلوغ بالسن.

ص: 38

ثالثاً: الرشد:

البلوغ وحده لا يكفي لمباشرة البالغ عقد الشركة بنفسه؛ فيجب أن يضاف إلى ذلك شرط آخر هو كون العاقد رشيداً، قال تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} النساء: 6.

والرشد: ضد السفه، «وهو الصلاح في المال لا غير»

(1)

، وهو قول جمهور العلماء، وقال بعض الشافعية:«هو الصلاح في المال والدين»

(2)

، والمختار هو رأي جمهور العلماء، لقوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} النساء: 6، قال ابن عباس رضي الله عنه:«يعني صلاحاً في أموالهم»

(3)

.

والرشيد: هو من يتصرف تصرفاً لا يغبن فيه غالباً، مع تدبير ماله بحكمة وسداد، ووضع الأمور في مواضعها.

ويمكن معرفة الرشد بالتمرين على البيع والشراء؛ فإذا عرفت مهارته؛ فهو رشيد، وهذا هو الاختبار المذكور في الآية الكريمة بالابتلاء {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} .

والرشد ليست له سن معينة، ولكن لا يكون إلاّ بعد البلوغ؛ حيث إن المعاملات المالية المعاصرة، لا سيما الشركات أصبحت من الضخامة في رؤوس الأموال، وفي عدد الشركاء مع تعذر معرفة ما إذا كان الشريك رشيداً أم غير رشيد، مما يستدعى الاحتياط في معرفة رشد الشريك، ولا يتسنى ذلك إلا بوجود سن معينة يستأنس بها، لمعرفة الرشد إذا لم يتبين خلافه، وهذه السن يعتبر صاحبها رشيداً غالباً، ونرجح أن تكون الثامنة عشرة للذكر والأنثى، لما رأينا

(1)

كشاف القناع 3/ 444، ورد المحتار على الدر المختار 5/ 95 مصور دار التراث.

(2)

المجموع 13/ 368.

(3)

كشاف القناع 3/ 444.

ص: 39

الغالب في كثير منهم الرشد والنضج في هذه السن، لا قبلها، وذلك بناءً على ما نشاهده في شباب المجتمع في هذا العصر

(1)

.

وإذا كان الشخص غير رشيد بأن بلغ وما زال سفيهاً، أو حكم عليه بالسفه، فلا ينفذ عقده ما دام كذلك حتى يؤنس منه الرشد، أو يحكم برشده، ولو كان شيخاً، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء منهم الإمام أحمد، ومالك، وأبو يوسف، ومحمد

(2)

.

وقال الشافعي: لا يصح عقده ما دام صبياً، أو سفهياً

(3)

.

قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} النساء: 5، وأضيفت الأموال إلى الأولياء، لأنهم قوامون عليها، وقال تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} النساء: 6، فيلزم من النهي عن دفع المال إليه قبل رشده عدم نفاذ تصرفاته، أو بطلانها على اختلاف الرأيين.

وقال أبو حنيفة: إذا بلغ السفيه خمساً وعشرين سنة رفع عنه الحجر، ونفذ تصرفه، لأنه أصبح جداً، ولأن في منعه من عقد العقود ضرراً معنوياً يفوق ضرره المادي

(4)

.

والراجح مذهب الجمهور لظاهر قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} النساء: 6، ولقوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} .

(1)

لمزيد من الإيضاح انظر: كتابنا شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي، ط العبيكان

(2)

مواهب الجليل 5/ 60، والشرح الصغير 2/ 138، والمغني 5/ 410.

(3)

فتح الوهاب، لزكريا الأنصاري 1/ 207 م الحلبي.

(4)

رد المحتار على الدر المختار 5/ 94 - 95 تصوير دار إحياء التراث العربي.

ص: 40

قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} معناه اختبروهم بالبيع والشراء، وغيرهما، وهو يدل على صحة عقودهم وتوقفها على إجازة الولي، ودليل عدم النفاذ قوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا} النساء: 6؛ فمفهومه عدم الدفع قبل إيناس الرشد، وهو يستلزم توقف التصرفات؛ إذا لو نفذت لما كانت هناك فائدة للمنع من دفع الأموال إليهم الثابت من هذه الآية بالمفهوم، والثابت بالمنطوق من قوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} .

رابعاً: الحرية:

يشترط في عاقد الشركة أن يكون حراً، أو مأذوناً له، فعقد العبد لا ينفذ إلاّ بإذن سيده، وهو مذهب الأئمة الأربعة

(1)

.

خامساً: ألا يكون مفلساً:

يشترط في عاقد الشركة لنفاذ عقده، ألا يكون محكوماً عليه بالحجر للفلس.

والمفلس شرعاً: من لزمته ديون حالة لا يفي ماله بها

(2)

.

وقال الصاحبان: هو من دينه مساو لماله أو أزيد

(3)

. وسمي مفلساً وإن كان ذا مال، لأن ماله مستحق الصرف في جهة دينه، فكأنه معدوم، أو باعتبار ما يؤول إليه من أنه يصير لا مال له بعد وفاء دينه، وقيل بمعنى أن ماله أصبح فلوساً بعد أن كان ذا دراهم ودنانير، والفلوس جمع فلس، وهي أقل أنواع النقد قيمة كالهللة؛ والمليم، والبنس، والبيزة.

(1)

كشاف القناع 3/ 151، مغني المحتاج 2/ 213، مواهب الجليل 5/ 119، بدائع الصنائع 4/ 135.

(2)

المغني 4/ 365، تحفة المحتاج 5/ 411.

(3)

شرح المجلة العدلية، لسليم رستم 1/ 513.

ص: 41

آراء الفقهاء في الحجر على المفلس:

قال جمهور الفقهاء الحنابلة، والمالكية، والشافعية، والصاحبان من الحنفية، وعامة أهل العلم: بعد طلب الغرماء الحجر على المفلس، وثبوت الفلس عليه، يحكم بالحجر عليه، ويعلن إفلاسه؛ فيمنع من التصرفات

(1)

.

إلاّ أن محمداً يقول بالحجر عليه بدون حكم الحاكم؛ إذ قال: (فساده في ماله يحجره وإصلاحه فيه يطلقه)

(2)

.

وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله لا يحجر على المدين مفلساً كان أم غير مفلس

(3)

.

أدلة الفريقين:

استدل أهل العلم على جواز الحجر على المفلس، ومنعه من التصرف بأدلة منها: ما روى كعب بن مالك، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ بن جبل، وباع ماله» .

وعن عبد الرحمن بن كعب قال: «كان معاذ بن جبل من أفضل شباب قومه ولم يكن يمسك شيئاً؛ فلم يزل يدان حتى أغرق ماله في الدين، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فباع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله حتى قام معاذ بغير شيء»

(4)

.

(1)

المغني 4/ 365، مواهب الجليل 5/ 34، 39، المجموع 13/ 277، مغني المحتاج 2/ 146، المبسوط 24/ 163، الدر المنتقى، ص 345، شرح المجلة العدلية، لسليم رستم باز 513، 1999 م، قال علي حسب الله في كتابه الولاية على المال: إن الإمام الشافعي، والصاحبين من الحنفية يقولون بالحجر على المدين مفلساً كان، أو غير مفلس، ولكن هذا القول غير دقيق، والمزيد من التأكيد يرجع إلى المراجع المذكورة بالصفحة السابقة. كما أن قاضي زاده في كتابه كشف الرموز والأسرار (تكملة فتح القدير) 7/ 327 استنتج أن الصاحبين يقولان بالحجر على المدين مفلساً، أو غنياً، وهذا الاستنتاج يخالف الحقيقة، وعساه ناتجاً من الاشتباه عندهم بين الحجر على المدين المفلس، ولمدين المماطل، ولكن هذه مسألة، وتلك أخرى. أما الشافعية فالمذهب ما قدمناه، وعندهم وجه حكاه في المهذب، أنه إذا كان ماله يفي بدينه ولكن خرجه أكثر من دخله يحجر عليه، لأن هذا أمارة الإفلاس، وهذا أحد الوجهين في المسألة. المهذب مع المجموع 13/ 277.

(2)

رد المحتار على الدر المختار 5/ 93.

(3)

المبسوط 24/ 113، بدائع الصنائع 7/ 169، تبيين الحقائق 5/ 199.

(4)

نيل الأوطار 5/ 114، حديث كعب أخرجه أيضاً البيهقي، والحاكم وصححه، ومرسل عبد الرحمن بن كعب أخرجه أيضاً أبو داود وعبد الرازق، وقال ابن الطلاع في الأحكام هو حديث ثابت، وقد أخرجه الطبراني.

ص: 42

واستدل أبوحنفية رحمه الله بقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} النساء: 6، حيث نصت الآية على دفع أموالهم إليهم عند إناس الرشد، وسكتت عن جميع الحالات، والأصل الدفع، فيعمل بالأصل، لأن أبا حنيفة لا يعمل بمفهوم المخالفة، وقد علّل بأنه لا يحجر على المدين، لأن في الحجر عليه إهدار أهليته، فلا يجوز لدفع ضرر خاص

(1)

، ومرده أن إهدار الأهلية يتعلق بحفظ النفس، وحق الدائن يتعلق بحفظ المال، وحفظ النفس مقدم على حفظ المال.

ومن قالوا بالحجر على المفلس اختلفوا في مسألتين:

الأولى: قال الجمهور: يحجر على المفلس في جميع أمواله، حتى ما يستجد بعد إعلان الحجر، فلا تنفذ عقوده، بل هي موقوفة حتى يرفع عنه الحجر

(2)

.

وقال الشافعية في أظهر القولين تبطل تصرفاته

(3)

.

وقال الصاحبان والمالكية، ووجه عند الشافعية، بل يحجر عليه في أمواله الموجودة وقت الحجر، وعقوده فيما يستجد له من أموال نافذة

(4)

.

الثانية: قال الجمهور إذا حجر على المفلس منع من التصرف، فلا يعقد العقود، ومنها عقد الشركة، إلاّ في الشيء التافه.

وقال الصاحبان: يمنع من التصرف فيما فيه ضرر بالغرماء، أما ما ليس فيه ضرر بالغرماء فإن عقوده فيه صحيحة نافذة

(5)

.

(1)

شرح العناية على الهداية 7/ 324، المبسوط 24/ 163.

(2)

كشاف القناع 3/ 423، تحفة المحتاج 5/ 415.

(3)

تحفة المحتاج 5/ 123 تصوير دار صادر.

(4)

شرح المجلة العدلية لسليم رستم باز م (1001) 1/ 514، تكملة فتح القدير 7/ 327، الدر المنتقى ص 345، حاشية الدسوقي 3/ 241 - 142، ورضة الطالبين 4/ 133.

(5)

شرح المجلة لسليم رستم 1/ 514.

ص: 43

ومعنى التصرف بما فيه ضرر الغرماء هو أن يبيع بأقل من ثمن المثل، أو أن يكون فيه تفويت للمال على الغرماء، وعلى هذا فالصاحبان لا يمنعان عقد الشركة من المفلس إذا لم يترتب عليه بيع بأقل، أو شراء بأكثر، والجمهور يمنعون عقده لها.

أما شركة الأبدان، فهي جائزة ونافذة من المفلس، لأن الحجر إنما يقع على المال، أما الشخص فلا يحجر على فعله؛ إذ ليس فيه ضرر بالغرماء، وكذلك المضاربة، إذا كان عاملاً.

الدين ليس بشرط لأهلية عاقد الشركة:

اتفق الأئمة الأربعة على جواز مشاركة المسلم للكافر، وبه قال: الحسن والثوري وأبو يوسف وابن حزم الظاهري

(1)

، ما عدا شركة المفاوضة عند الأحناف، فقد اختلفوا في اشتراط التساوي في الدين فيها، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى عدم جواز مشاركة المسلم للكافر في المفاوضة، لعدم التساوي في الدين

(2)

.

وقال أبو يوسف بجواز ذلك مع الكراهة للتساوي بينهما في الوكالة، والكفالة

(3)

.

أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد كره مشاركتهم مطلقاً، لأن أموالهم ليست طيبة، فإنهم يبيعون الخمر، يتعاملون بالربا، فكره معاملتهم لذلك

(4)

.

(1)

المغني 5/ 3، رد المحتار على الدر المختار 4/ 6، المدونة 5/ 12/ 70، المحلي 8/ 547.

(2)

المبسوط 11/ 196، البحر الرائق 5/ 183، بدائع الصنائع 6/ 61.

(3)

المصادر السابقة.

(4)

مغني المحتاج 2/ 213، المجموع 13/ 504، يقول الدكتور عبد العزيز الخياط في كتابه الشركات 1/ 96، وظاهر من مذهب الشافعية جواز الشركة بين المسلم وغير المسلم من غير كراهية، ولكن هذا الاستنتاج غير دقيق.

ص: 44

وقد استدل بما روى أبو جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لا تشاركن يهودياً، ولا نصرانياً، ولا مجوسياً قلت: لم؟ قال: لأنهم يربون، والرباء، لا يحل

(1)

.

أما المجوسي، والوثني، ومن في معناهما ممن يعبد غير الله تعالى؛ فقد كره أحمد مشاركته، قال في المجوسي: ما أحب مخالطته، ومعاملته، لأنه يستحل مالا يستحل (الكتابي)

(2)

.

وقد اشترط الحنابلة، والمالكية، والظاهرية، أن يكون التصرف بيد المسلم، أو ألا يخلو الكتابي بالمال، على ان لا ينفرد بالتصرف، وإذا توفر هذا الشرط فهو عند المالكية والظاهرية جائز بدون كراهة، لأنه لم يأت قرآن، ولا سنة بالمنع من ذلك

(3)

، وقال الحنابلة بالجواز مع الكراهة، إلاّ أن يلي المسلم التصرف؛ فلا تكره للأمن من الربا

(4)

.

لكن الضرورة في هذا العصر أصبحت ماسة في كثير من الأحيان للاستعانة بخبرات ذوي الخبرة ممن لا يدينون بالإسلام، لمشاركتهم فيما يعود بالمصلحة على المسلمين، ومتى كان الداعي للكراهة هو الخوف من التعامل بالمعاملات الفاسدة شرعاً؛ فيمكن الاحتراز من هذا الاحتمال بأن يشترط في العقد، أن يكون التعامل على وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وبهذا يزول الداعي إلى القول بالكراهة، سواء أكان التصرف بيد المسلم، أم بيد الكافر، وسواء أكان هؤلاء يقيمون في

(1)

المجموع 13/ 504 أبو جمرة هو نصر بن عمران الضبعي صاحب ابن عباس، انظر رواة هذا الأثر وما قيل عنه، في كتابنا شركة المساهمة في النظام السعودي ص 72 ط العبيكان.

(2)

كشاف القناع 3/ 496.

(3)

المحلى 8/ 547، المدونة الكبرى 5/ 12/ 70.

(4)

كشاف القناع 3/ 496.

ص: 45

بلادهم، أم في بلاد الإسلام، إذا كان بيننا وبينهم معاهدة، أو أمان، أو كانت العلاقة بيننا وبينهم ليست علاقة حرب، أو عقد الأمان بين الدولة وبعض الأفراد.

ومن الأدلة على هذا ما يأتي:

1 -

ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها

(1)

. فدل الحديث على جواز مشاركة المسلم للكافر في المزارعة من غير كراهة، لأنها لو كانت مكروهة لما شاركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشركة مقيسة عليها.

2 -

قال ابن المنذر: (توكيل المسلم حربياً مستأمناً، وتوكيل الحربي المستأمن مسلماً، لا خلاف في جوازه)

(2)

.

3 -

الشريعة مبنية على جلب المصالح، ودرء المفاسد، ومصلحة المسلمين في هذا ظاهرة.

ويرد على القائلين بالكراهة مطلقاً، وهم الشافعية، بأن علة الكراهية هي معاملتهم بالربا، وهذا منتفٍ باشتراط التعامل على وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وقولهم إن أموالهم ليست طبية غير مسلم لهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عاملهم، ورهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله، وأضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة

(3)

، ولا يأكل النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس بطيب، ويرد عليهم أيضاً بمشروعية أخذ الجزية من أموال الكفار.

(1)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 5/ 12.

(2)

فتح الباري 4/ 561، م دار الريان للتراث.

(3)

المصدر السابق 5/ 99، الإهالة: بكسر الهمزة ما أذيب من الشحم والألية، وقيل هو كل دسم جامد، وقيل ما يؤتدم به من الأدهان.

سنخ: بفتح السين، وكسر النون أي المتغير الرائحة.

ص: 46

أما أثر ابن عباس فهو محمول على ما إذا كان احتمال التعامل بالربا موجوداً، بدليل تصريحه بذلك، وهذا منتف فيما حضره المسلم، أو وليه، أو اشترط عدم التعامل به، يؤيده معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر على الشطر.

مشاركة المرتد:

إن شارك المسلم المرتد فشركته موقوفة؛ فإن أسلم تبينا أن تصرفه كان صحيحاً، وإن قتل، أو مات، أو لحق بدار الحرب كان باطلاً، وهذا مذهب الإمام أحمد، وأبي حنيفة

(1)

.

وأما على قول أبي يوسف ومحمد فشركته صحيحة، لأن من أصلهما أن تصرف المرتد بعد ردته قبل لحاقه بدار الحرب نافذ، غير المفاوضة عند محمد

(2)

.

الأدلة:

القائلون بالوقف يقولون: إن الردة تؤثر في عصمة دمه وماله، لأن بها القدرة على التصرف، والعصمة موقوفة على إسلامه، أو قتله.

والقائلون بالنفاذ يستدلون بتمام أهليته، لأن الردة إنما تؤثر في إباحة دمه، لا في تصرفاته المالية

(3)

.

(1)

المغني 8/ 546، وما بعدها، المبسوط 11/ 198.

(2)

المصدر السابق.

(3)

تبيين الحقائق 3/ 285، مصور من الطبعة الأولى، نشر دار المعرفة بيروت.

ص: 47

‌المبحث الثاني

الصيغة

صيغة عقد الشركة تتحقق في الأصل باللفظ، وهي الصيغة القولية، وكما تتحقق باللفظ تتحقق أيضاً بالفعل، والكتابة، والرسالة، والإشارة، واللفظ يكون بالماضي، أو المضارع، أو الأمر.

والمراد بالصيغة القولية (الإيجاب والقبول)، وهو: ربط بين عبارتين تصدر إحداهما عن طرف، وتصدر ثانيتهما عن طرف آخر، ويترتب على هذا الربط أثره الشرعي.

وما صدر ابتداءً من الطرف الأول دالاً على معنى الشركة يعتبر إيجاباً، كأن يقول رجل لآخر شاركتك في تجارة هذه الحبوب، أو في الاتجار في الحبوب، برأس مال قدره كذا، أدفع منه كذا، وتدفع أنت منه كذا، والربح بيننا بنسبة كذا، أو يقول شاركتك على أن نتقبل الأعمال، والربح بيننا مناصفة، وما صدر عن الآخر دالاً على الرضا فهو قبول.

ويتم عقد الشركة بكل لفظ يدل على المشاركة عرفاً عند جمهور الفقهاء

(1)

، وعلى هذا لو لم يذكرا لفظ الشركة بأن قال أحدهما للآخر: ما اشتريت اليوم، أو من هذه الأشياء؛ فهو بيني وبينك؛ فإنه يكون شركة

(2)

وإن اختلفت اللغتان

(1)

المغني 3/ 502، شرح منتهى الإرادات 2/ 321، كشاف القناع 3/ 146، بدائع الصنائع 5/ 133، فتح القدير 5/ 4، رد المحتار على الدر المختار 4/ 12، حاشية الرهوني 6/ 36، التاج والأكليل 5/ 122، فتح العزيز 10/ 405، حاشية الشرواني 5/ 5.

(2)

البحر الرائق 5/ 181، بدائع الصنائع 6/ 56، فتح القدير 5/ 4، المعاملات المالية والأدبية لعلى فكري 1/ 225 - 226، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه 29/ 7: "وتنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول، أو فعل، وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ، والأفعال انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم، وليس لذلك حد لا في الشرع، ولا في اللغة، بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس كما تتنوع لغاتهم.

ص: 49

فيقبل قول المترجم الحاذق العالم بأسرار اللغتين

(1)

. وقد اشترط الشافعية والمالكية في اللفظ الدال على الاشتراك أن يكون دالاً على الإذن في التصرف

(2)

، ولكنهم اختلفوا في مدى وضوح هذه الدلالة، فذهب المالكية وبعض الشافعية إلى أنه يكفي أي لفظ يفهم منه ذلك ولو كناية تشعر بالمراد

(3)

.

وذهب بعض الشافعية إلى اشتراط لفظ صريح يفيد ذلك

(4)

، فلو اقتصر على اشتركنا لم يكف في الأصح

(5)

، لأن نية الاشتراك وإن اعتبرها القانونيون ركناً، فإن الفقهاء لم يعتبروها ركناً، اكتفاءً بالصيغة، لأن الأصل في اللفظ أو نحوه أن يدل على قصد المتكلم، فإذا عبر بالشركة وقبل الآخر دل هذا على أنهما يقصدان الشركة.

أما إذا قام دليل على خلافه كأن يأتي بلفظ الشركة هازلاً أو مكرهاً أو حاكياً فإنها لا تعبر شركة، ومثل أن يشترط الربح للعامل، فإنه يكون قرضاً لا شركة، وفي هذا المثال لو نوى الشركة فإن هذه النية لا تنفعه، لأنه لم يعبر بالشركة، ولا بما يدل على معناها، نعم إذا عبر في عقد الشركة بلفظ يتبادر منه غيرها، وأراد الشركة فلابد من قرينة تدل على ذلك.

وينعقد عقد الشركة كما قلنا بلفظ الماضي والمضارع والأمر، فصيغة الماضي كأن يقول أحد الشركاء لغيره شاركتك، أو شاركتكم في كذا أو نحو ذلك ثم يجيب من وجه إليه الإيجاب من بقية الشركاء بالقبول، فينعقد بها عقد الشركة بلا خلاف.

(1)

شرح المجلة العدلية لسليم رستم باز 1/ 42.

(2)

التاج والإكليل بحاشية مواهب الجليل 5/ 122، فتح العزيز 10/ 405.

(3)

المصادر السابقة.

(4)

فتح العزيز 10/ 406، حاشية الشرواني 5/ 5.

(5)

مغني المحتاج 2/ 312 - 133.

ص: 50

لأن هذه الصيغة وإن كانت للإخبار عن الماضي وضعاً لكنها نقلت إنشاء للحال في عرف أهل اللغة.

والمضارع كأن يقول أشاركك أو نتشارك في كذا فيقبل من وجه إليه الإيجاب، وقد نويا عقد الشركة بينهما، وإنما اعتبرنا النية ههنا لأن صيغة أفعل تستعمل للحال والاستقبال فيحتمل الكلام العقد والوعد

(1)

، فلابد من نية الحال لتعيينه، ويمكن تعيينه بالقرينة، كقوله أشاركك الآن، بل هو أولى لظهوره.

إذا تقدم المضارع لا يجوز عند الحنابلة بصيغة استفهام أو بدون استفهام، نصوا على هذا، ومفهومه أنه يجوز إذا لم يتقدم.

وصيغة الأمر كأن يقول أحدهما شاركني، أو يقولون شاركنا، فيقبل من وجه إليه الإيجاب. قال مالك والشافعي: ينعقد بها العقد

(2)

.

وقال الحنابلة والحنفية لا ينعقد بها العقد

(3)

.

إلاّ أن الحنفية استثنوا ما إذا كانت بطريق الاقتضاء

(4)

، فإذا دلت بطريق الاقتضاء على إيجاب الشركة، كقوله اتجر معي في هذا المال على أن الربح بيننا مناصفة فقال رضيت فإن هذه العبارة تدل على إيجاب مطوي

(5)

.

يقول الحنابلة صيغة الأمر لا ينعقد بها عقد البيع، إلاّ أن يتقدم القبول على الإيجاب، مثل أن يقول المشتري بعني فيقول البائع بعتك ففيه روايتان أرجحها الصحة، ولكن الشركة ليس فيها تقدم للقبول على الإيجاب، فالأول منهما موجب

(1)

رد المحتار على الدر المختار 4/ 9 مصور دار احياء التراث العربي لطبعة بولاق.

(2)

المهذب 1/ 257، الشرح الكبير للدردير 3/ 3.

(3)

كشاف القناع 3/ 174، الإنصاف 4/ 263، المغني 3/ 502.

(4)

رد المحتار على الدر المختار 4/ 10 مصور دار احياء التراث.

(5)

هو شاركتك بطريق الاقتضاء، أي شاركتك فاتجر معي

الخ.

ص: 51

والثاني منهما قابل على كل الأحوال. أما ما تمحض للاستقبال كالمضارع المقرون بالسين، أو سوف، أو الاستفهام فلا ينعقد به عقد الشركة، كأن يقول سأشاركك، أو سوف أشاركك، أو أتشاركني؟ ونحو ذلك لأنه وعد لا عقد، وعلى الجملة فالمعتبر في ذلك كله عرف العاقدين.

الصيغة الفعلية:

يمكن أن تكون الصيغة في عقد الشركة بالفعل، وهذا في القبول لا في الإيجاب، بأن يوجب الطرف الأول بالقول فيقبل الطرف الثاني بالفعل، كأن يأخذ حصة شريكه من رأس المال ويضع عليها حصته من الشركة ويباشر نشاطه، أو يدفع قسطه من رأس المال إلى شريكه دون أن يعلن قبوله لفظاً

(1)

.

والقبول بالفعل ذكره الحنابلة في باب المضاربة

(2)

.

التعاقد يكون بالكتابة والرسالة والإشارة:

كما يكون التعبير عن الإرادة باللفظ والفعل يكون أيضاً بالكتابة والرسالة والإشارة.

وصورة الرسالة هي أن يرسل العاقد للعاقد الآخر رسولاً يبلغه الإيجاب شفاهاً. «والمنقول عن الإمام أحمد أنه إذا كان المتعاقدان غائبين أو أحدهما غائباً والآخر حاضراً (فنقل) الإيجاب أحدهما بواسطة رسول أو كتاب إلى الآخر (فقبل) في مجلس البلاغ (جاز)، بخلاف ما إذا كانا حاضرين

(3)

،» فإذا قبل في مجلس وصول الكتاب، أو الرسالة إليه تم العقد بينهما، لوجود المجلس حكماً؛ إذ

(1)

جاء في فتح القدير 5/ 4، والفقه على المذاهب الأربعة 1/ 81، والمعاملات المالية والأدبية 1/ 226 ما يدل على انعقاد الشركة بالفعل.

(2)

شرح منتهى الإرادات 2/ 321 طبعة مصر.

(3)

فتاوى ابن تيمية 13/ 411، كشاف القناع 3/ 148.

ص: 52

تعتبر قراءة الرسالة، أو استماعه كلام الرسول بمنزلة الإيجاب من الكاتب، أو المرسل، فإن قبل في ذلك المجلس (أو كتب بالقول) فقد صدر الإيجاب والقبول في مجلس واحد

(1)

، ونقل ابن عابدين في حاشيته عن خواهر زاده نحو هذا الكلام

(2)

، وفي التعاقد بالكتابة عند الشافعية وجهان، وصحح الشيرازي في المهذب القول بعدم الانعقاد بالكتابة؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى العدول عن التعاقد بالقول ولو بالوكالة

(3)

، ومفاده أنه إذا دعت الضرورة صح العقد بالكتابة.

التعاقد بالإشارة:

تنعقد الشركة بإشارة الأخرس، إذا كانت مفهمة، وكذلك بكتابته الواضحة، لا فرق بين أن يكون خرسه أصلياً أو طارئاً، لأن كلاً من الإشارة المفهمة والكتابة تقوم مقام الكلام عند الضرورة، وهذا هو المعتمد من المذاهب الأربعة

(4)

،

قال الحنابلة فإن عجز عن الإشارة والكتابة قام وليه مقامه

(5)

، كأنهم يقيسونه على السفيه، لأن الخرس مع العجز عن الإفهام شبيه بنقص الأهلية.

(1)

شرح المجلة العدلية لسليم رستم باز 1/ 74 م 18، بدائع الصنائع 5/ 138، فتح القدير 5/ 79.

(2)

رد المحتار 4/ 13 وما بعدها.

(3)

المهذب 1/ 257.

(4)

كشاف القناع 3/ 201، المغني 3/ 507، فتح الوهاب 2/ 74، شرح المجلة العدلية لسليم رستم باز 1/ 41 م 70، الخرشي على خليل 5/ 5.

(5)

كشاف القناع 3/ 201.

ص: 53

‌المبحث الثالث

المحل

المراد بالمحل هو ما تنعقد عليه الشركة من رأس المال، أو العمل.

‌المال:

ما يميل إليه الطبع ويجري فيه البذل والمنع

(1)

.

والمال إما أن يكون نقوداً، أو عروضاً، والعروض إما أن تكون مثلية، أو غير مثلية.

‌النقود:

عرف ابن القيم رحمه الله النقود بأنها: المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال، وأنها لا تقصد لأعيانها، بل يقصد بها التوصل إلى السلع.

(2)

.

فقوله: (المعيار) أي أن النقد هو الشيء المحدود المضبوط، بأي وسيلة من وسائل الضبط التي تبعده عن الغرر أو التدليس.

وقوله: (الذي به يعرف تقويم الأموال) أي الذي جري عرف الناس على أنه نقد تقوم السلع به، ولا يقوم هو بغيره، ويزيده إيضاحاً أنه لا يقصد لعينه، فهو ليس غاية في ذاته بل وسيلة لتحقيق الغايات، وهي السلع التي يحتاج إليها الناس.

(1)

رد المحتار على الدر المختار 3/ 4.

(2)

إعلام الموقعين 2/ 132، وقد أشار بعض الفقهاء إلى ما يؤيد هذا التعريف، فقد جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس رحمه الله 3/ 8/ 395 «ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة» وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 19/ 251 - 252 ما نصه:«وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح، وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثماناً - إلى أن قال -والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيف ما كانت» وفي إحياء علوم الدين للغزالي 2/ 62 «وإن كان نقداً رائجاً في البلد رخصنا في المعاملة لأجل الحاجة» . وجاء في كتاب خطوط رئيسية في الاقتصاد الإسلامي لمحمود أبو السعود ص 22" والثابت من تاريخ البشرية أن النقود قد تكون سلعة غير الذهب والفضة فقد وجدت نقود من الحجر والخز

الخ.

ص: 55

فقوله: (المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال) عام يشمل كل شيء تعارف الناس على أنه نقد، فيشمل القطع المسكوكة من الذهب والفضة، وكذلك القطع غير المسكوكة إذا كان العرف يثبت ثمنيتها، كما يشمل الفلوس النافقة، والأوراق النقدية؛ حيث إن التعريف يصدق على كل ذلك.

وعرف علماء الاقتصاد النقد: «بأنه كل شيء يلقى قبولاً عاماً (باعتباره) وسيطاً للتبادل مهما كان ذلك الشيء وعلى أي حال يكون»

(1)

، والمراد بالقبول العام أي في الأسواق، أو أمر الدولة باعتباره نقداً صحيحاً.

وبهذا التعريف يتضح لنا، أن أي وسيط للتبادل مقبول قبولاً خاصاً لا يصح تسميته نقداً؛ كالسندات الإذنية والكمبيالات والشيكات، لأنه لم يصطلح على نقديتها، وفي التعبير بكلمة يلقي دون التعبير بماضيها - لقي - إخراج للعملات السابقة

(2)

، التي ألغي التعامل بها عرفاً أو بأمر من الدولة عن مسمى النقود، وعما لها من الأحكام.

وقوله: (باعتباره) يعني أنها لا تقصد لذاتها بل لتؤدي دور الوسيط في الوصول إلى الحاجات.

وقوله: (كل شيء) شامل لما كان ذا ندرة عالية في نفسه؛ كالذهب والفضة، أو ما في حكمهما كالأوراق النقدية

(3)

.

وبهذين التعريفين نرى أن الاقتصاديين وافقوا الفقهاء في تعريف النقد. إذا تبين هذا فتقول: اتفق الفقهاء على جواز الشركة بالنقود من الذهب والفضة

(1)

الورق النقدي، ص 13 - 14.

(2)

المصدر السابق.

(3)

المصدر السابق، ص 14.

ص: 56

المضروبين

(1)

، لأنها عرفت أثماناً ومعياراً لقيم الأشياء المالية، ويلحق بهما ما في حكمهما مما هو وسيط للتبادل؛ كالفلوس وكالأوراق النقدية، لأن هذه العلة وجدت فيها، كما يأتي في بحث الفلوس والأوراق النقدية.

التبر والنقرة والحلي والجواهر والمغشوش، هل هي نقود أم عروض؟ وهل يصح جعلها رأس مال للشركة؟

(2)

.

قال الحنفية والمالكية: هذا يختلف باختلاف العرف في كل موضع، فإن كانت المبيعات بين الناس في بلدة بالتبر فهو كالنقود، فتجوز الشركة به، وإن لم يكن في ذلك عرف ظاهر فهو كالعروض

(3)

.

أما الشافعية فنقل عنهم الرافعي أن غير المضروب من التبر والحلي والسبائك قد أطلقوا منع الشركة فيها

(4)

، وفي تحفة المحتاج وحاشية البجيرمي أنها تصح في كل مثلي ومنه التبر والمغشوشة الرائجة

(5)

، وفي شرح البهجة تصح الشركة بالمغشوشة إن استمر رواجها

(6)

.

وقال الحنابلة: النُقرة والمغشوش الحكم فيها كالحكم في العروض

(7)

. والظاهر أن التبر مثلها لاتحاد العلة.

(1)

المغني 5/ 14، مواهب الجليل 5/ 123 - 124، فتح القدير 5/ 6.

(2)

التبر «هو الذهب والفضة المستخرجان من معدنهما ولم يسكا بعد» النقرة: «بضم النون سبيكة الفضة وهي التي تضرب» . المغشوش: جاء في المطلع على أبواب المقنع، ص 135، المغشوش:«ما خلط بما يردئه» أ هـ، كأن يخلط النحاس بالذهب، ويخلط النيكل بالفضة.

(3)

المبسوط 11/ 159، شرح المجلة لعلي حيدر 3/ 373.

(4)

فتح العزيز 10/ 407.

(5)

تحفة المحتاج 5/ 7، حاشية البجيرمي 2/ 462.

(6)

شرح البهجة 3/ 168، مغني المحتاج 2/ 17.

(7)

المغني 5/ 15.

ص: 57

‌الفلوس:

جمع فلس، بفتح الفاء وسكون اللام، وهي عملة معدنية غير الذهب والفضة.

وقد بحث الفقهاء رحمهم الله حكم الشركة بالفلوس، واختلفوا في ذلك بناءً على اختلافهم في تكييفها، من حيث إنها أثمان أي نقود، أو عروض، ومن حيث كسادها أو رواجها، وإذا قيل إنها عروض فتصح الشركة بها عند من يرى جواز الشركة بالعروض، ولا تصح عند من لا يرى ذلك. وتفصيل ذلك فيما يلي:

1 -

تصح الشركة بالفلوس إذا كانت نافقة، وهو أحد قولين في مذهب الحنابلة وعلى هذا يتخرج قول الإمام أحمد: لا أرى السلم في الفلوس لأنه يشبه الصرف

(1)

، وهذا قول محمد بن الحسن، والأصح من مذهب أبي حنفية وأبي يوسف

(2)

.

وهو مذهب مالك وأبي ثور

(3)

، وقال الدردير من المالكية المشهور عدم التعامل بالفلوس في المضاربة

(4)

.

وممن قال بجواز التعامل بها من الحنابلة أبو الخطاب، وابن عبدوس، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم

(5)

، ولهما بحوث نفيسة في هذا الموضوع، وممن قال به من الشافعية النووي والبغوي والرافعي

(6)

.

(1)

الإنصاف 5/ 410، المغني 5/ 16، الفروع 4/ 379، كشاف القناع 3/ 271.

(2)

تبيين الحقائق 3/ 316 المطبعة الأميرية مصور دار المعرفة. ذكر الخياط في كتابه الشركات 1/ 114 أن الشركة تصح بالفلوس عند محمد رحمه الله مطلقاً، وتصح إذا كانت نافقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ونسب هذا إلى فتح القدير، ولكن الذي في الفتح، والمبسوط، وبدائع الصنائع، وشرح المجلة لعلي حيدر خلاف ذلك، ففي فتح القدير 5/ 14 - 15 ولا تنعقد الشركة إلاّ بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة «

هذا قول محمد .... أما عند أبي حنفية وأبي يوسف فلا تجوز الشركة ولا المضاربة بها»

(3)

المدونة 3/ 8/ 395 - 396،

(4)

الشرح الكبير للدردير 3/ 464.

(5)

فتاوى ابن تيمية 29/ 468، 471، إعلام الموقين 2/ 132.

(6)

المجموع 9/ 361 وجاء فيه «وإن كان في البلد نقد واحد انصرف العقد إلى ذلك النقد الواحد، وإن كان فلوساً انصرف إليها» . «وفي المدونة 3/ 8/ 395 - 396 قال الليث ابن سعد: عن يحي بن سعيد وربيعة أنهما كرها الفلوس بالفلوس بينهما فضل، أو نظرة وقالا إنها صارت سكة مثل سكة الدراهم والدنانير» .

ص: 58

2 -

لا تصح الشركة بالفلوس مطلقاً وهو مذهب الحنابلة والرواية المشهورة عن أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-

(1)

أدلة الفريقين:

استدل المجيزون للشركة بالفلوس بأنها إذا كانت نافقة تكون ثمناً، فلا يجوز بيع فلس بفلسين، كما أنها لا تتعين بالتعيين

(2)

.

واستدل المانعون بأنها إنما صارت ثمناً باصطلاح الناس وليست ثمناً في الأصل

(3)

.

ولأنها تنفق مرة وتكسد أخرى فأشبهت العروض

(4)

.

والذي يقوى عندي هو رأي المجيزين للشركة بالفلوس، وذلك للقياس على ما اتفق على ثمنيته، وهو الذهب والفضة، لأنها وسيلة في التعامل، ولا تتعين بالتعيين، ولا تقصد لذاتها، وعلى الجملة تثبت لها الآثار النقدية التي تثبت للذهب والفضة؛ إذ يقع فيها ربا الفضل والنسيئة، أما إذا كانت من خارج البلد فيقع فيها ربا النسيئة فقط.

‌الأوراق النقدية:

لم تكن الأوراق النقدية معروفة لدى قدماء فقهاء المسلمين، أما المتأخرون فبعد أن انتشر تداولها في البلاد الإسلامية بحثوا حقيقتها، وفرعوا على بحوثهم حكم زكاتها، ومصارفتها، والبيع بها، إلاّ أن وجهات نظرهم كانت مختلفة تبعاً لاختلافهم في تصور حقيقتها، ويمكن حصر اختلافهم في أربعة أقوال:

(1)

المغني 5/ 16، الإنصاف 5/ 410، المبسوط 11/ 160، بدائع الصنائع 6/ 59.

(2)

الهداية 5/ 14.

(3)

فتح القدير 5/ 14.

(4)

المغني 5/ 16.

ص: 59

الأول: الأوراق النقدية سندات بدين على جهة إصدارها، وهذا القول يستلزم عدم جواز الشركة بها.

الثاني: الأوراق النقدية عروض من عروض التجارة، وهذا القول يستلزم جواز الشركة بها عند من يرى جواز الشركة بالعروض.

وفي هذين القولين تشديد لا مبرر له، وتضييق يتنافى مع يسر الإسلام، وفيهما إباحة للتعامل بالربا، وإسقاط الزكاة، فمثلاً رجل مسلم يملك مليون جنيه إسترليني أودعه أحد المصارف بفائدة قدرها 8%، لم يقصد بهذا المبلغ التجارة وإنما يريده باقياً عند المصرف بصفة مستمرة، على أن يأخذ فائدته ليقوم بصرفها على نفسه، فبناءً على هذه الأقوال لا بأس بصنيعه هذا، لأن هذا المبلغ ليس نقداً فيجري فيه الربا، ولا زكاة فيه لكونه عرضاً لم يقصد به التجارة، فأي تفريط أبلغ من إسقاط أحد أركان الإسلام، وأي تفريط أبلغ من رفع الربا عن نقد يعتبر الآن النقد الوحيد في جميع بلدان العالم أو يكاد.

الثالث: إلحاقها بالفلوس:

وأصحاب هذا القول يرون أن الأوراق النقدية كالفلوس، فما ثبت للفلوس من جواز عقد الشركة أو عدم جواز ذلك ثبت للأوراق النقدية.

الرابع: النظرية البدلية:

وهذا القول يعني أن الأوراق النقدية بدل لما استيعض بها عنه، وهما النقدان الذهب والفضة، وللبدل حكم المبدل عنه مطلقاً، وهذه الأوراق النقدية قائمة في الثمنية مقام ما تفرعت عنه من ذهب أو فضة، حالة محلها، جارية مجراها

(1)

.

(1)

هذه الأقوال الأربعة اقتباس من كتاب الورق النقدي للشيخ عبد الله بن منيع، ص 96، 50 ومن تيسير العلام شرح عمدة الأحكام 2/ 78 - 79 للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام.

ص: 60

‌الترجيح:

عند الكلام على الفلوس ذكرنا أن الفقهاء منقسون فيها إلى فريقين، فريق قال بأنها أثمان، فتأخذ حكم الأثمان، فتصح الشركة بها، وفريق قال بأنها عروض، وهنا تصح الشركة بها عند من يرى جواز الشركة بالعروض، ولا تصح عند من لا يرى ذلك.

وسبق ترجيح أن الفلوس أثمان قياساً على ما اتفق على ثمنيته، وهو الذهب والفضة، والأوراق النقدية ملحقة بها، فهي أثمان، لأنها أصبحت معياراً يتوصل به للحصول على حاجات الناس، وتعرف بها قيم الأشياء، ولا تقصد لأعيانها، فيجوز أن تكون رأس مال في الشركة، ويجري فيها الربا بنوعيه، إذا كانت من دولة واحدة، وتجب زكاتها، ويجري فيها جميع ما يجري في النقدين، لأنها موغلة في الثمنية إيغالاً عظيماً، وتكاد تكون هي النقد الوحيد في العالم، فالصفقات التجارية الكبيرة لا تتم غالباً إلاّ بالأوراق النقدية، ولذا فإن الفقهاء الذين روي عنهم أنهم منعوا الشركة بالفلوس لو رأوا رواج الأوراق النقدية في هذا العصر، وندرة التعامل بغيرها، لن يترددوا في القول بصحة الشركة بها، والقول بخلاف هذا يؤدي إلى أن جميع النقود الورقية ليس فيها زكاة، وأنه لا ربا فيها.

‌العروض

(1)

:

أطلق الفقهاء القول بالمنع، أو الجواز للاشتراك بالعروض، ولتحديد موضع النزاع سبق بيان اتفاق الفقهاء على عدم جواز الشركة في أعيان العروض، بمعنى أن يقدم كل شريك عرضه على أنه حصته من رأس المال، فيشتركون في أعيان

(1)

العروض جمع عرض، قال في المصباح: العرض بكسر الراء المتاع (باب عرض)، وجاء في المطلع على أبواب المقنع ص 136 ((قال أبوزيد: هو ما عدا العين، وقال الأصمعي: ما كان من مال غير نقد. وفي حاشية المطلع قال أهل اللغة: «هو جميع أصناف الأموال غير الذهب والفضة» .

ص: 61

العروض، وفيما ينتج منها من ربح، أو خسارة. فهذه الصورة ممنوعة عند الفقهاء إلاّ من أجاز الشركة بالمثلي.

أما مدار الخلاف بين المانعين والمجيزين فهو ما إذا قومت هذه العروض وعلمت قيمتها فهل يصح أن يقدم الشريك هذه العروض في الشركة؟ فتدخل في ملك الشركاء لتكون من مجال نشاط الشركة بالبيع والشراء وطلب الربح وتكون قيمتها هي حصته مقدمها، هذا هو موضع النزاع.

وعلى هذا فقد اختلف الفقهاء في صحة انعقاد الشركة بقيمة العروض من أحد الشركاء أو منهم جميعاً إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول: قال المالكية وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد أنها تجوز بالعروض مقومة، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع؟ قال جائز، اختار هذا أبوبكر وأبو الخطاب وابن تيمية وابن أبي ليلى، وبه قال في المضاربة طاووس والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان

(1)

، واستثني بعض المالكية المضاربة فمنعوا صحتها بالعروض المقومة، وقال بعضهم تجوز، لأن الدراهم والدنانير ليست مقصودة لذاتها حتى يمتنع القراض بغيرها

(2)

.

القول الثاني: تصح الشركة في المثليات من العروض عدا المضاربة، وبه قال: الشافعية في الأظهر عندهم

(3)

، ومحمد بن الحسن من الحنفية، وذلك بعد اختلاطها، وكونها من جنس واحد، وهنا تصح الشركة بأعيان العروض

(4)

.

القول الثالث: لا تصح الشركة بقيمة العروض وهو مذهب الحنفية وظاهر مذهب الحنابلة

(5)

.

(1)

المغني 5/ 15، فتاوى ابن تيمية 30/ 91، الخرشي على خليل 6/ 4 ط 2، مواهب الجليل 5/ 124 - 125.

(2)

حاشية الدسوقي 3/ 454.

(3)

مغني المحتاج 2/ 213، حاشية البجيرمي على شرح المنهج 2/ 462.

(4)

فتح القدير 5/ 16 - 17.

(5)

فتح القدير 5/ 14، المغني 5/ 14.

ص: 62

الأدلة:

استدل المجيزون للشركة بالعروض المقومة، بقياس العروض بعد تقويمهما على الأثمان.

فقالوا: تجعل قيمتها وقت العقد راس المال، لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعاً، وكون ربح المالين المعلومين بينهما، وهذا يحصل في العروض كحصوله في الأثمان، فيجب أن تصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان، وحينئذ يستطيع كل واحد منهما أن يرجع عند القسمة بقيمة ماله عند العقد، كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها

(1)

.

واستدل الشافعية على جواز الشركة في المثليات: بأن المثلي إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فأشبه النقدين، وليس المثلي كالمتقوم، لأنه لا يمكن الخلط في القيمي، وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما، وفي المثليات يكون التالف بعد الخلط تالفاً عليهما جميعاً، ولأن قيمتها ترتفع وتنخفض، وربما تنقص قيمة مال أحدهما دون الآخر أو تزيد فيؤدي إلى ذهاب الربح في رأس المال، أو دخول رأس مال في الربح

(2)

.

واستدل محمد بن الحسن: بأن المكيل والموزون عرض من وجه، ثمن من وجه، بدليل أن الشراء بهما ديناً في الذمة صحيح فكان ثمناً، وأن بيع عينهما صحيح فكانت مبيعة، وما تردد بين الأصلين يوفر حظه عليهما، فلشبههما بالعروض قلنا لا تجوز الشركة بهما قبل الخلط، ولشبههما بالأثمان قلنا تجوز الشركة بهما بعد الخط

(3)

.

(1)

المغني 5/ 15.

(2)

فتح العزيز 10/ 407، حاشية الشرقاوي على التحرير، لزكريا الأنصاري 2/ 11.

(3)

المبسوط 11/ 161، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 376.

ص: 63

ويمكن أن يقال ثمن من وجه باعتبار أنها تثبت ديناً في الذمة، ويؤخذ في مقابلها مال، ومن وجه آخر عروض لأن هذه الأشياء تتعين بالعقد بالتعيين، فيعمل في الحالين بالشبهين فإذا خلط تعتبر ثمناً، وإذا لم تخلط تعتبر عروضاً.

واستدل الحنفية والحنابلة المانعون الاشتراك بالعروض بما يلي:

أولاً: لا تصح الشركة بالعروض، لأن الشركة إما أن تقع على أعيان العروض، أو على قيمتها، أو على أثمانها، لا يجوز وقوعها على أعيانها لأن الشركة تقتضي الرجوع عند انقضاء العقد برأس المال، أو بمثله، وهذه لا مثل لها فيرجع إليه، ولا على قيمتها لأن القيمة غير متحققة القدر؛ فيفضي إلى التنازع، وقد يقوم الشيء بأكثر من قيمته، ولا يجوز وقوعها على أثمانها لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها

(1)

.

ثانياً: الشركة تتضمن الوكالة، والوكالة لا تصح في العروض، ووجه عدم صحتها في العروض أن كل شريك وكيل عن صاحبه في التصرف، ولا يصح للإنسان أن يتصرف في عروض مملوكة له على وجه الوكالة عن غيره في هذا التصرف؛ إذ إن الولاية عليه له وحده دون غيره

(2)

.

ثالثاً: الربح في العروض قد يظهر قبل التصرف فيها، وذلك بارتفاع سعرها بعد عقد الشركة، فإذا كان هذا الربح مشتركاً بين الشركاء بمقتضى عقد الشركة فإن غير المالك يستحق منه حصة، وكيف يستحقها وليست إلاّ زيادة فيما لا ملك له فيه ولا ضمان؟ وكذلك إذا ظهرت الخسارة فإنها تكون على الشركاء بمقتضى عقد الشركة، وكيف يلزم غير المالك بجزء منها من غير اشتراك ولا ضمان في الأصل؟

(3)

.

(1)

المغني 5/ 14 - 15.

(2)

بدائع الصنائع 6/ 59.

(3)

المبسوط 11/ 161.

ص: 64

رابعاً: لو تمت الشركة في العروض لأدى ذلك إلى جهالة الربح عند القسمة، لأن رأس المال يكون قيمة العروض، ولا تعرف إلاّ بالظن فيظل الربح مجهولاً، فيؤدي إلى النزاع

(1)

.

مناقشة الأدلة:

أولاً: قول المانعين للاشتراك بقيمة العروض إن قيمتها غير متحققة القدر فيفضي إلى النزاع، فيه نظر، فالقائلون بها لا يجيزون الشركة بها إلاّ إذا تم الاتفاق على القيمة، أما إذا وجد نزاع حصل بسببه عدم الاتفاق على القيمة فلا ينعقد عقد الشركة، كما أنها لا تنعقد عند الإخلال بأحد أركانها الأخرى.

ثانياً: قولهم لا يصح للإنسان أن يتصرف في عروضه المملوكة له، على وجه الوكالة عن غيره، فيه نظر أيضاً، فبعد أن تقوم العروض وتجعل قيمتها حصة مالكها، وتنتقل ملكية ما زاد عن نصيبه إلى باقي الشركاء، فيتصرف فيها بالأصالة عن نفسه في الجزء الذي يملكه على قدر حصته في الشركة، ووكيلاً عن غيره من الشركاء فيما زاد عن حصته حيث إن ملكيتهم ثابتة في هذه العروض على قدر حصصهم في الشركة.

ثالثاً: قولهم قد يظهر الربح أو الخسارة قبل التصرف وكيف يستحقها وليست إلاّ زيادة فيما لا ملك له فيه ولا ضمان؟

يقال لهم: استحقاق الربح أو الخسارة بعد انعقاد الشركة وقبل التصرف هو استحقاق فيما ثبتت الملكية والضمان فيه، وهو المعتمد من مذهب المالكية والحنابلة، وهو صيرورة رأس المال مشتركاً بين الشركاء بمجرد العقد، ودخوله في ضمانهم جميعاً، وبهذا يكون حصول الشريك في ربح العروض التي قدمها غيره

(1)

بدائع الصنائع 6/ 59.

ص: 65

من الشركاء ربحاً لما ثبتت ملكيته فيه ولما يلزمه ضمانه، وليس كما قالوا ربحاً لما لم يملكه ولما لم يضمن.

ولا دليل على أن ملك الشركاء يتأخر إلى أن يتحقق الشراء برأس المال فيما يشترى على ملكهما، بل الظاهر أنه يترتب على عقد الشركة الاشتراك في رأس المال ملكاً من حين العقد، كما يترتب عليه الاشتراك في الربح.

وأما قولهم إنها تؤدي إلى جهالة الربح، لأن رأس المال يكون قيمة العروض، ولا تعرف إلاّ بالظن، فهذا القول يتحقق لو أن العروض تقوم عند القسمة، أما إذا قومت قبل عقد الشركة - وهو ما يقوله المجوزون لانعقاد الشركة بقيمة العروض- وجرى الاتفاق على أن قيمتها عشرة آلاف ريال مثلاً، ثم إن هذه القيمة تعادل عشرة أسهم، فإنه يعرف أن استحقاق صاحب هذه العروض هو ربح عشرة أسهم من مجموع أسهم الشركاء، وبهذا لا يفتقر إلى الظن المؤدي إلى النزاع.

الرد على الشافعية:

ويرد على الشافعية بأنه: ليس للتفريق بين ذوات الأمثال، كالحبوب وبين غيرها معنى، فإن الشركة إذا جازت في ذوات الأمثال جازت في غيرها، ولا عبرة للتمييز، فإن التصرف يحصل في المالين معاً.

ويرد على محمد بأن ما يصلح أن يكون رأس مال في الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدم الخلط كالنقود، ويقال لمحمد أيضاً إن تحصيل رأس المال عند القسمة هنا ممكن لأنها من ذوات الأمثال يشكل بما قبل الخلط، فإن هذا المعنى موجود فيه.

ص: 66

‌الترجيح:

بعد استعراض الأدلة ومناقشتها يترجح جواز الشركة بالعروض، وهو رأي المالكية وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة، لأن العروض بعد تقويمها تحدد مقدارها بالنقود، فتكون رأس مال معلوم، فإذا قومت حصته وعرفت قيمتها انتقلت ملكيتها إلى جميع الشركاء، كل بقدر حصته، وقيمتها هي أسهم صاحبها أو حصته، التي يعلم بموجبها مقدار نسبة نصيبه من الأرباح أو الخسارة، هذا فيما عدا المضاربة.

أما شركة المضاربة فلا يصح أن يكون رأس مالها عروضاً، لأن رأس المال من طرف والعمل من طرف آخر، ولا يعرف نصيب المضارب من الأرباح إذا كان رأس مالها عروضاً، فلابد أن يقدم رب المال نقوداً معلومة المقدار لكي يستردها بقدرها دون زيادة أو نقصان؛ والتقويم لا يتأتي هنا، وإنما رجحناه في أنواع الشركات الأخرى لأنه يدخل في ملك الشركاء، أما الشريك المضارب فإنه شريك في الربح وليس شريكاً في رأس المال، ولهذا فتقويم العروض في المضاربة لا يصح.

أما المضاربة بثمن العروض كأن يقول بع هذا العرض وما حصل من ثمنه فقد ضاربتك به، فيترجح لي جوازه، وسيأتي تفصيله إن شاء الله.

والذين منعوا الشركة بالعروض، أجازوها بطريق الحيلة، وهي أن يبيع كل واحد من الشركاء جزءاً شائعاً من عروضه للآخرين بجزء شائع من عروضهم، بطريق المقايضة، فإذا كانت الشركة بين اثنين على التساوي باع كل واحد منهما نصف عروضه بنصف ما لصاحبه من العروض، لتصير عروض كل منهما شركة ملك على التساوي، ثم يعقدان بينهما شركة عقد على الاتجار بهذه العروض المشتركة، وبذلك تنشأ بينهما شركة عقد

(1)

.

(1)

فتح القدير 6/ 174، شرح العناية على الهداية لمحمد بن محمود البابرتي 6/ 174 مطبعة الحلبي مصور من الطبعة الأولى عام 1389 هـ 1970 م.

ص: 67

وإذا كان مال أحدهما عروضاً، ومال الآخر نقوداً، وأرادا عقد شركة بينهما باع صاحب العروض نصف عروضه بنصف نقود الآخر

(1)

، ويقبض ثمن ذلك ليتعين في يده، ثم يعقدان على ذلك شركة العقد، وإنما اشترط قبض الثمن لأنه قبل قبضه دين في الذمة، ولا تصح الشركة بالدين كما سيأتي:

سبق ذكر خلاف الفقهاء في الشركة بالعروض، أما إذا قال: صاحب العروض للمضارب: بع هذا العرض وما حصل من ثمنه فقد ضاربتك به، فقد ذهب الفقهاء فيه إلى مذهبين:

المذهب الأول: المنع، وهو مذهب الشافعية والمالكية

(2)

المذهب الثاني: الجواز، وهو مذهب الحنابلة والأحناف

(3)

.

الأدلة:

استدل المانعون بما يأتي:

قال الشافعية لم يجز لعلتين:

(4)

.

أ- جهالة ثمنه، والقراض بالمال المجهول باطل.

ب- عقده بالصفة، والقراض بالصفات باطل.

(1)

فتح القدير والعناية على الهداية للبابرتي 6/ 175.

(2)

تحفة المحتاج 5/ 238، المدونة 12/ 87.

(3)

كشاف القناع 3/ 512، الكافي 2/ 239، الهداية لأبي الخطاب 1/ 174، الفروع 4/ 380، شرح المجلة العدلية لعلي حيدر 3/ 456، فتح القدير 7/ 59. قال الشيخ علي الخفيف في كتابه، ص 68، والدكتور عبد العزيز الخياط في كتابه 2/ 55 إن الحنابلة اشترطوا في هذه الحال ألاّ يعهد إلى المضارب بالبيع، حتى لا يكون من المضارب زيادة عمل في القراض، وهي ممنوعة عندهم، ولكن هذا القول غير دقيق، والسبب هو نقل الخياط من الخفيف، واعتماد الشيخ الخفيف في النقل لمذهب الحنابلة من الدردير والخرشي. ومذهب الحنابلة على جواز ذلك، جاء في كشاف القناع 3/ 152، «ويصح بع هذا العرض وما حصل من ثمنه فقد ضاربتك به، لأنه وكيل في بيع العرض» وكذلك الهداية لأبي الخطاب الكلوذاني 1/ 174، والفروع لابن مفلح 4/ 380، والكافي لابن قدامة 2/ 239، فالشيخ الخفيف جعل مذهب المالكية وهو المنع للحنابلة، ومذهب الحنابلة وهو الجواز للمالكية.

(4)

المجموع 14/ 196.

ص: 68

وقال المالكية: لأن في هذا زيادة منفعة لرب المال لا تقابل بشيء من الربح

(1)

، وقالوا: إن تولى غير المضارب بيعة ثم سلم قيمته للمضارب جاز

(2)

.

واستدل المجيزون: بأنه وكيل في بيع العرض، فإذا باعه صار الثمن في يده أمانة

(3)

.

المناقشة:

أولاً: دليل المجيزين لا يكفي للتدليل على الجواز، فقولهم: بأنه وكيل في بيع العرض، فإذا باعه صار الثمن في يده أمانة مسلم بالنسبة لجواز التوكيل، أما بالنسبة لعقد المضاربة فغير مسلم، لأن من شروط رأس المال أن يكون معلوماً عند العقد، ورأس المال في هذه الصورة غير معلوم عنده.

ثانياً: ناقش الشيخ على الخفيف قول الشافعية: إن التعليق يبطل عقود التمليك، فقال وهذا في يده ليس ملكاً له، لأن رب المال جعل للمضارب أن يبيع العروض وقد سلمها إليه، فكان له ذلك بمقتضى عقد الوكالة، كما كان له بمقتضى عقد المضاربة حق التصرف بالبيع والشراء، وقولهم إن فيه جهالة يقال لهم إن هذه الجهالة لا تفضي إلى نزاع، فهي لذلك جهالة مغتفرة

(4)

.

وأضيف أما قول الشافعية فيه جهالة فيجاب عليه بأنه ليس فيه جهالة مطلقا، فبعد بيع العرض يتحدد مقدار رأس المال، فيكون معلوماً غير مجهول.

ثالثاً: يرد على المالكية: بأن هذا يقال لو أنه تم بناءً على عقد المضاربة، لكنه تم بناءً على عقد وكالة منفصل عن عقد المضاربة، والوكيل فيه متبرع.

(1)

المدونة 5/ 12/ 88

(2)

الشرح الكبير للدردير 3/ 464 - 465.

(3)

كشاف القناع 3/ 512.

(4)

الشركات للخفيف، 68.

ص: 69

الترجيح:

في وقت إعداد هذه الرسالة عام 1394 - 1395 هـ رجحت المنع. والآن في وقت مراجعتها للطباعة أي في شهر صفر 1444 هـ أي ما يقارب خمسين سنة أقرر رجوعي عن ترجيحي السابق. وأعرض ترجيحي السابق ثم أتبعه بترجيحي الجديد.

الذي يترجح عندي هو مذهب القائلين بالمنع، لأن من شروط رأس مال الشركة، أن يكون رأس المال معلوماً، وهنا رأس المال مجهول، لأنه لا يدري هل تباع أم لا؟ ولا يدري بكم تباع، وربما اختلفا في الثمن، فرأس المال غير معروف وقت العقد، فيؤدي إلى الاهتزاز في عقد الشركة.

أما بعد أن تباع العروض، وتعرف قيمتها، فلا بأس بأن تعقد شركة المضاربة على ما حصل من قيمة العروض.

والآن أرجح جواز ذلك، لأن رب المال علق عقد المضاربة على قبض ثمن المبيع أو قبض الوديعة، فإذا قبض ثمن أي منهما انعقد العقد؛ إذ أصبح معلوماً، فليس فيه جهالة.

‌الاشتراك في كسب منفعة العروض

عقد الشركة على العروض إما أن يكون على الاشتراك في أعيانها، بمعنى أن تكون ملكاً للشركاء، وهذا يكون بالتقويم، أو الحيلة عند من يمنع الشركة بقيمة العروض.

وإما أن يكون الاشتراك معقوداً على منفعة العين، مع بقاء ملكية كل شريك في العين التي قدمها.

ص: 70

وصورة الاشتراك في منفعة العروض كأن يقدم أحد الشركاء جملاً، والآخر راوية، ومن الثالث العمل، والربح بينهم شركة.

ومثال ذلك أيضاً: أن يتفق الشركاء على تأسيس مصنع للورق، على أن يكون من أحدهم المبنى الذي يقام المصنع فيه، وأن يقدم الثاني الآلات، وأن يقوم الثالث بالعمل، وأن تكون المواد الخام التي يصنع منها الورق عليهم جميعاً أو على شخص رابع.

فالشريك الأول قدم المبنى للانتفاع به لا على تمليكه لبقية الشركاء وله ثلث الأرباح أو ربعها أو ما يتفق عليه، وعليه من الخسارة بمقدار ماله من الأرباح، وكذلك الثاني قدم الآلات للانتفاع بها لا على سبيل تمليكها لمجموع الشركاء، وله حصة من الربح وعليه حصته من الخسارة، وهكذا.

حكمها:

ذهب الفقهاء في الاشتراك في كسب منفعة العروض إلى رأيين، الرأي الأول: يجوز ذلك وهو مذهب الحنابلة والمالكية، وأحد قولين في مذهب الشافعية، ونقل عن الأوزاعي ما يدل على الجواز

(1)

، وعند الشافعية قول آخر بالجواز، قاله الشيرازي

(2)

وقد اشترط المالكية لصحة ذلك أن يشرط عمل كل شريك ممن قدم عرضة للانتفاع به، كما يشترط اتحاد الصنعة.

الرأي الثاني: لا يجوز ذلك وهو مذهب الحنفية والشافعية

(3)

.

(1)

المغني 5/ 7 - 8، كشاف القناع 3/ 525، فتاوى ابن تيمية 25/ 62، 30/ 114، التاج والإكليل 5/ 124، المجموع 13/ 519.

(2)

المهذب مع المجموع 13/ 519.

(3)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام، لعلي حيدر 3/ 377، رد المحتار على الدر المختار 3/ 484، مغني المحتاج 2/ 216.

ص: 71

الأدلة:

استدل الحنابلة على جواز الاشتراك في كسب منفعة العروض بأنها: عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها، كالدراهم والدنانير، وكالشجر في المساقاة والأرض في المزارعة، قال أحمد: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع لحديث جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر

» الحديث

(1)

.

واستدل المالكية بقولهم: «ألا ترى لو أن هؤلاء الثلاثة أرادوا أن يشتركوا والمتاع لأحدهم فاكتروا منه ثلثي ما في يديه لجازت شركتهم إذا اعتدلت هذه الأشياء، فكذلك إذا كان لكل واحد منهم شيء على حده، وكراؤه معتدل؛ إذ كل واحد منهم كأنه أكرى متاعه بمتاع صاحبه

(2)

.

واستدل المانعون بما يأتي:

قال الحنفية: شركة المنافع كالعروض، فكما لا تكون العروض رأس مال للشركة، لا تكون المنافع أيضاً رأس مال للشركة

(3)

.

وقال الشافعية: لا تجوز، لأنها منافع أشياء متميزة

(4)

. ومعلوم أن الشركة لا تصح عند الشافعية حتى تختلط أموال الشركاء بحيث لا يتميز المال المقدم من أحدهم من المال المقدم من الآخر.

الترجيح:

الذي يترجح لي هو القول بجواز الاشتراك في كسب منفعة العروض، لأنه يؤيده الدليل، وبيان ذلك ما يأتي:

(1)

المغني 5/ 9.

(2)

المدونة الكبرى 5/ 12/ 46.

(3)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 7/ 3.

(4)

مغني المحتاج 2/ 216.

ص: 72

أولاً: ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن رويفع بن ثابت قال إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح

(1)

.

قال الشيخ محمود خطاب السبكي في كتابه المنهل العذب: قال في المرقاة سنده حسن

(2)

.

وجه الدلالة في هذا الحديث: هو أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأخذون الإبل من أصحابها ليركبوا عليها عند ما يذهبون للغزو، على ان يشتركوا في الغنيمة، فإذا غنموا تقاسم الغازي وصاحب الناقة الغنيمة بالنصف، فاستحقاق الغازي بعمله، واستحقاق صاحب الناقة مقابل منفعة ناقته، وهذا دليل على جواز الاشتراك في كسب منفعة العروض.

ثانياً:

إن الاشتراك في منفعة العروض مقيس على الاشتراك في منفعة المساقاة والمزارعة الثابت بالحديث الصحيح وهو «أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر» ففي المزارعة والمساقاة العقد معقود على منفعة الأرض أو الشجر ومنفعة العامل، والنماء بينهما، فالعروض مقيسة عليهما، فكما يجوز الاشتراك في منفعة الأرض والشجر والعامل، يجوز الاشتراك في منفعة العروض، وكما أن ملكية صاحب الأرض أو الشجر باقية له، فكذلك ملكية صاحب العروض باقية له.

(1)

سنن أبي داود 1/ 39، مسند الإمام أحمد 4/ 108، النضو: بالكسر المهزول من الإبل، والنصل: حديدة السهم.

والريش: هو الذي يكون على السهم، والقدح: بكسر القاف السهم. ليطير له النصل والريش: أي يصيبهما في القسمة.

(2)

المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود 1/ 138.

ص: 73

ثالثاً:

المال إما عين وإما منفعة، فكما يجوز الاشتراك في العين، يجوز أيضاً في المنفعة، والاشتراك في المنفعة في شركة الملك ثابت فكذا يثبت في شركة العقد.

الأحكام التي تترتب على الاشتراك في كسب منفعة العروض هي ما يأتي:

1 -

يحدد ربح كل من الشركاء بما يتفقون عليه، ويمكن تعيين ربح كل بتقويم المنفعتين المدة التي يشتركون فيها.

2 -

تبقى ملكية الشريك للعين التي قدمها، وليس للشركة أن تتصرف فيها تصرفاً يؤثر على ملكيتها.

3 -

إذا هلكت العين هلكت على صاحبها، وعليه أن يقدم عيناً أخرى، وإذا تعيبت بحيث تقل الفائدة منها فعليه إصلاحها، بحيث تؤدي الغرض منها.

4 -

يلزم الشريك بالضمان إذا ظهر عيب أو تدخل من الغير يحول دون انتفاع الشركة بالحصة.

5 -

لا يحق للشريك أن يتصرف في العين بشيء من التصرفات التي تؤثر على فائدة الشركة فيها؛ كالبيع أو الإجارة أو الرهن أو العارية أو الوديعة أو الحوالة أو نحو ذلك.

6 -

بعد فسخ الشركة أو انتهاء مدة الانتفاع يأخذ كل شريك عينه التي قدمها.

‌شروط رأس مال الشركة

1 -

يشترط أن يكون رأس مال الشركة معلوماً، فلا يجوز أن يكون مجهولاً، ولا جزافاً، لأنه لابد من الرجوع به عند المفاصلة، ولا يمكن مع الجهل والجزاف

(1)

.

(1)

المغني 5/ 16، مجلة الأحكام العدلية م 1411.

ص: 74

«وإن اشتركا في مختلط بينهما شائع صح إن علما قدر ما لكل واحد منهما»

(1)

.

وقال بعض الشافعية: «الأصح أنه لا يشترط العلم بقدر حصة كل منهما من المالين، أهو النصف أم غيره عند العقد؛ حيث أمكنت معرفته بعد بنحو مراجعة حساب، أو كيل، (لأن مآله إلى العلم)، ولأن الحق لا يعدوهما، بخلاف ما لا تمكن معرفته

(2)

.

وقال بعض الحنفية العلم بمقدار رأس المال وقت العقد ليس بشرط

(3)

.

ويرد عليهم: بأن جهالة مقدار رأس المال تؤدي إلى جهالة الربح إذا لم يكن مقدار ربح الشريك معلوماً، والعلم بمقدار الربح شرط جواز هذا العقد، فكان العلم بمقدار رأس المال شرطاً.

2 -

ولا يجوز بمال غائب، بل يشترط حضور رأس مال الشركة من جميع الشركاء عند العقد على الصحيح من مذهب الحنابلة، لكنهم أجازوا ما في معنى الحضور في المضاربة مثل لو قال أقبض ديني الذي على فلان ثم ضارب به، أو لو قال أقبض وديعتي من زيد أو منك وضارب بها، لأنه وكله في القبض وعلق المضاربة على القبض وتعليقه صحيح

(4)

.

أما الحنفية والمالكية والشافعية فإنهم لا يشترطون حضور رأس المال وقت العقد بل الشرط وجوده وقت الشراء

(5)

.

(1)

الإنصاف 5/ 408.

(2)

نهاية المحتاج 5/ 8، فتح العزيز 10/ 410، متن المنهاج 2/ 214.

(3)

بدائع الصنائع 6/ 63، الفتاوى الهندية 2/ 306.

(4)

الإنصاف 5/ 408، كشاف القناع 3/ 507، 512

(5)

المبسوط 11/ 152، فتح القدير 5/ 14، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 456 - 457 م 1409، التاج والإكليل 5/ 125، حاشية الشرواني 5/ 238.

ص: 75

وأجاز الحنفية والحنابلة ما لو قال أقبض ديني الذي على فلان ثم ضارب به

(1)

ومنعه مالك والشافعية

(2)

، كما منع مالك ما لو قال رب المال للمضارب أقبض وديعتي من فلان أو منك وضارب بها

(3)

.

3 -

اشترط الحنابلة في المال المقدم من الشريك، أن يكون ملكاً له، فلا تنعقد بنحو مغصوب

(4)

.

‌هل يشترط الاتفاق في جنس المالين؟

ذهب الحنابلة والحنفية إلى أنه لا يشترط لصحة الشركة الاتفاق في جنس المالين، بل يجوز أن يخرج أحدهما ذهباً والآخر فضة، نص على هذا الإمام أحمد وبه قال الحسن وابن سيرين

(5)

.

لأنهما من جنس الأثمان فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد

(6)

.

وذهب المالكية والشافعية وزفر من الحنفية إلى اشتراط الاتفاق في جنس المالين

(7)

، وذلك كأن يكون مال كل من الشركاء ذهباً أو فضة، وقد بنى الشافعية وزفر على رواية عنه رأيهم هذا على وجوب خلط رأس مال الشركة؛ بحيث لا تتميز حصة كل شريك عن الشركاء الآخرين، وإذا اختلف جنس المالين يمكن التمييز.

(1)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام م 1409، كشاف القناع 3/ 512.

(2)

المدونة 5/ 12/ 88، بداية المجتهد 2/ 196، تحفة المحتاج 5/ 238، فتح العزيز 12/ 7.

(3)

المدونة 5/ 12/ 88، الشرح الكبير للدردير 3/ 464، الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير 3/ 685.

(4)

شرح منتهى الإرادات 2/ 320.

(5)

المغني 5/ 16، فتح القدير 5/ 25، المبسوط 11/ 152 - 153.

(6)

المبسوط 11/ 152، تكملة فتح القدير 6/ 156 - 157.

(7)

المبسوط 11/ 153، مواهب الجليل 5/ 123، التاج والإكليل 5/ 123، تحفة المحتاج 5/ 7، مغني المحتاج 2/ 310.

ص: 76

أما المالكية فقد زادوا اشتراط الاتفاق في الوزن، والصرف، والجودة والرداءة، وقد قالوا بذلك لئلا يكون شركة وصرف

(1)

.

وأجاز الشافعية في شركة المضاربة أن يكون رأس مالها دراهم ودنانير معاً، جاء في مغني المحتاج قيل:([يعني في الشركة] تختص بالنقد المضروب الخالص من الدنانير والدراهم كالقراض)

(2)

.

الترجيح:

الراجح هو ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية، من عدم اشتراط الاتفاق في الجنس أو الوزن، لأن الشروط التي ذكرها الشافعية لا يؤيدها نص من كتاب أو سنة، ولا مصلحة عامة، بل فيها تضييق وتشديد لا مبرر له، فيعمل بعقد الشركة على إطلاقه.

وقول المالكية: (لئلا يكون شركة وصرف) مبني على قولهم: الشركة: بيع ملك كل بعضه ببعض الآخر، وبما أن المالين هنا من النقدين المختلفين فلا يتم هذا التبادل إلاّ بالمصارفة، ومن هنا كان من قبيل بيعتين في بيعة المنهى عنه.

وهذا غير مسلم، فانتقال الملك هنا بعقد الشركة لا بعقد البيع، والصرف هنا لازم لعقد الشركة، وأثر من آثاره، وليس عقداً آخر.

أما التساوي فيما يدفعه كل شريك فليس بشرط بالاتفاق، إلاّ في وجه قاله الأنماطي من الشافعية

(3)

، وإلاّ في المفاوضة عند الأحناف.

(1)

مواهب الجليل 5/ 123 - 124.

(2)

مغني المحتاج 2/ 213.

(3)

المجموع 13/ 510.

ص: 77

‌اختلاف سكة النقود:

لم يشترط الفقهاء الاتفاق في سكة النقود، وقد نصوا على جواز أن يخرج أحد الشريكين دنانير هاشمية، والآخر دمشقية، أو محمدية ويزيدية، ومعلوم مما سبق أن الشافعية يشترطون عدم تميز أحد المالين عن الآخر، واختلاف السكة فيه تمييز يعرف به مال كل شريك، أما المالكية فيشترطون الاتفاق في الصرف، وذلك بأن يتفقا في الوزن بعد اتفاقهما في الجنس، إلاّ إذا كان التفاوت قليلاً، كما سبق بيانه، والإجابة عليه، ولم يشترط المالكية الاتفاق في سكة النقود

(1)

.

ومعلوم أن عملات الدول في هذا الوقت تكون عروضاً بالنسبة لدولة أخرى، كالأوراق النقدية، بدليل تغير سعرها خارج بلدها، واعتبارها كالعروض من جهة جواز التفاضل في القيمة إذا كان يداً بيد، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»

(2)

. وإلاّ فهي أثمان مختلفة الجنس.

والذي نراه لجواز الشركة بالنقود من بلدان مختلفة، هو توحيد هذه النقود بنقد واحد، وذلك بأن يستبدل أحدهما نقده بنقد من جنس نقد الآخر.

‌هل يشترط خلط رأس المال؟

ذهب الحنابلة إلى عدم اشتراط اختلاط رأس مال الشركاء، إذا عينوها وأحضروها، واستدلوا على ذلك: بأنه عقد يقصد به الربح، فلم يشترط فيه خلط المال كالمضاربة، ولأنه عقد على التصرف فلم يكن من شرطه الخلط كالوكالة، وبنوا على هذا أن تلفه عليهم، وزيادته لهم، من حين العقد، لأن الشركة اقتضت ثبوت الملك لكل واحد منهم في جزء من مال صاحبه

(3)

.

(1)

المدونة 5/ 12/ 63، مواهب الجليل 5/ 123.

(2)

صحيح مسلم 5/ 44.

(3)

المغني 5/ 16 - 17.

ص: 78

وذهب المالكية إلى أن الخلط ليس شرطاً لصحة العقد، فالعقد ينشأ صحيحاً بمجرد انعقاده، وذهب سحنون إلى أنه شرط في لزومها، وهو خلاف المشهور في المذهب

(1)

.

ويفرق الحنفية بين النقود وغيرها في اشتراط الاختلاط في رأس مال الشركة، فلا يشترطون اختلاط أموال الشركاء إذا كانت نقوداً «لأن الشركة تشتمل على الوكالة فما جاز التوكيل فيه جازت الشركة فيه، والتوكيل جائز في المالين قبل الخلط فكذا الشركة»

(2)

، ولأن الربح لم يكن مستفاداً بعين رأس المال حتى يلزم فيه الخلط بل بالتصرف، وإذا ظهر تحقق الشركة بلا خلط تحققت في المستفاد بدونه، وصار كالمضاربة تتحقق الشركة في الربح بلا خلط

(3)

، أما الشركة بالعروض فمعلوم -مما قدمنا- أنهم لا يجيزون الشركة بها إلاّ بطريق الحيلة؛ التي هي بيع كل شريك جزءاً من عرضه بجزء من عرض الآخر، أو نقوده، بحيث تكون شركة ملك، ثم يعقدون شركة العقد، وهذا البيع ينتج عنه اختلاط أموال الشركة.

أما إذا لم يحصل بيع فلا تصح الشركة في العروض إلاّ عند محمد في المثليات؛ إذ قال: يصح أن تكون أي المثليات رأس مال للشركة، بشرط الخلط، وأن تكون من جنس واحد، لأن المثليات ثمن من وجه، عرض من وجه، فتوفر لها الشبهين، فقال: إذا اختلطت أخذت حكم الأثمان، وإذا لم تخلط أخذت حكم العروض

(4)

.

ويرى الشافعية والظاهرية وزفر، أن شركة الأموال لا تصح إلاّ بخلط رأس المال خلطاً لا يتأتى معه تمييز مال الشركاء، وأن يكون ذلك قبل التصرف، فلا

(1)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 314 توزيع دار الفكر.

(2)

بدائع الصنائع 7/ 3540 م الإمام.

(3)

فتح القدير 5/ 25.

(4)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 376 - 377، فتح القدير 5/ 16 - 17، بدائع الصنائع 6/ 60.

ص: 79

يكون شركة إلاّ بالخلط، ولا يكفي الخلط مع إمكان التمييز لأن كل مال ملك لصاحبه قبل خلطه، له غنمه وعليه غرمه وحده

(1)

.

وقد اشترط الشافعية لصحة الشركة أن يكون الخلط قبل العقد، فإن وقع بعده في المجلس لم يكف على الأصح

(2)

.

وبهذا البيان يظهر أن الراجح عدم اشتراط الخلط؛ إذ لم يقم دليل قوى على اشتراطه.

‌العمل

سنرى في الباب الآتي - إن شاء الله- أن الشركة إما أن تكون شركة أموال، أو أعمال، أو أموال وأعمال، والعمل ركن في جميع الشركات، ويتفاوت أثره من نوع لآخر من أنواع الشركات، وعندما نقول العمل محل فمعنى هذا أنه يمثل حصة تقابل بجزء من رأس المال، يترتب عليها التفاوت في الربح، كالنصف أو الثلث أو الربع، أو نحو ذلك، ما عدا شركة المضاربة، وسنرى أثر العمل فيما يأتي:

1 -

شركة الصنائع:

تسمى شركة الأبدان والأعمال والتقبل، ومحل الشركة فيها العمل من الطرفين المشتركين، فإذا اتفق نجاران على فتح منجرة والاشتراك في العمل، بأن يتقبلا ما يعرض عليهما من العمل، ويلتزما إنجازه، على أن يقتسما الكسب الذي سيحصل بينهم، فهو جائز.

(1)

فتح العزيز 10/ 407، تحفة المحتاج 5/ 7، المحلى 8/ 545، فتح القدير 5/ 24.

(2)

مغني المحتاج 2/ 213.

ص: 80

ولا يشترط أن ينص على تقبل جميع الشركاء، وعلى عملهم جميعاً، بل يجوز عقد الشركة على أن يتقبل العمل أحد الشركاء ويعمل الآخر

(1)

.

وهنا يكون محل الشركة هو المال والعمل.

2 -

شركة المضاربة:

وهي الشركة التي يكون المال فيها من جانب، والعمل من جانب آخر، فمحل الشركة يتكون من المال والعمل، وقد اعتبرنا العمل محلاً لأنه إذا لم يوجد العمل من جانب والمال من جانب آخر لم تكن شركة مضاربة.

والمراد بالعمل هنا هو الاتجار من بيع وشراء، وما يلزم ذلك من عمل عرفاً.

والعمل خاص بالمضارب فلا يجوز لرب المال أن يشترطه أو يشترط بعضه له، لأن هذا الشرط يجعل لرب المال يداً عليه، فكان شرطاً مخلاً بكمال التسليم إلى المضارب، ذهب إلى هذا الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة

(2)

، وزاد المالكية ولو كان هذا الشرط من المضارب، أو شرط رب المال أن ينصب عليه أميناً فسدت المضاربة

(3)

.

3 -

شركة الوجوه:

وهنا يكون محل الشركة هو المال المأخوذ بالوجاهة والعمل، سواء كان هذا المال نقوداً أو بضائع؛ إذ يشترط اشتراكهم في العمل، فلو عمل أحدهم دون الآخر فسدت الشركة.

(1)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 364، المغني 5/ 6 - 7.

(2)

الشرح الكبير للدردير 3/ 466، نهاية المحتاج 5/ 221، المغني 5/ 24.

(3)

الشرح الكبير للدردير.

ص: 81

4 -

شركتا (العنان والمفاوضة):

وهاتان الشركتان المعتمد فيهما على الاشتراك بالمال والعمل من جميع الشركاء، والأصل أن يكون العمل على المشتركين بجانب اشتراكهم في رأس المال. فإن شرط العمل على أحدهم فله من الربح أكثر من ربح ماله ليقابل عمله ما لم يكن متبرعاً، كما أنه إذا كان العمل عليهم جميعاً ولكن بعضهم لم يعمل لعذر أو لغير عذر فإن العامل لا يستحق زيادة في الربح مقابل انفراده بالعمل، لأنهما وكيلان فبعمل شريكه يعد كأنه عمل

(1)

وإذا عملوا جميعاً وجعل لأحدهم من الربح أكثر من الآخر فهذا جائز عند الحنفية والحنابلة، لأنه قد يكون أحذق وأمهر من شريكه. وقال الحنفية لا يلزم أن يكون المشروط له زيادة من الربح أكثر مهارة ما دام أن شريكه قد قبل أن قيمة عمل شريكه أزيد من قيمة عمل نفسه

(2)

.

أما الشافعية والمالكية فيجعلون الربح والخسران على قدر المالين تساويا في العمل أو تفاوتا فيه، فإن شرط خلافه فسد العقد

(3)

.

لأنهم يعتبرون العامل متبرعاً، ولا يصح أن يأخذ ربحاً أكثر من حصته في رأس المال، لأنه نماء مال مملوك لغيره

(4)

.

(1)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام، لعلي حيدر 3/ 382

(2)

المصدر السابق 3/ 381.

(3)

نهاية المحتاج 5/ 12.

(4)

فتح العزيز 10/ 407.

ص: 82

‌المبحث الرابع شروط الشركة

الشروط منها ما يرجع إلى العاقدين، ومنها ما يرجع إلى الصيغة، ومنها ما يرجع إلى المحل، وقد تقدم كل هذا في محله، ومنها ما يختص ببعض الشركات دون بعضها الآخر، وسنبين - إن شاء الله- الشروط الخاصة بكل شركة عند ذكرها، ومن الشروط ما يرجع إلى العقد برمته، وهي ما يلي:

‌1 - بيان نصيب كل شريك من الأرباح:

اتفق الفقهاء في شركة المضاربة على وجوب اشتراط بيان مقدار نصيب المضارب من الربح، لأنه يستحقه بالشرط، فلم يقدر إلاّ به فوجب بيانه

(1)

.

أما أنواع الشركات الأخرى فقد اختلف الفقهاء فيها.

فمذهب الحنفية والحنابلة أنه يجب بيان مقدار نصيب كل شريك من الأرباح، ولا تصح الشركة إن لم يذكر مقدار الربح عند عقدها، لأن المعقود عليه في الشركة هو الربح، فإذا لم يبين يكون المعقود عليه مجهولاً، ولأنه المقصود منها، فلم يكن بد من اشتراطه، فلا يجوز الإخلال به، وعدم بيانه يفسد العقد في جميع أنواع الشركات عند الحنفية والحنابلة

(2)

.

وقال المالكية والشافعية: لا يشترط بيان مقدار ربح كل شريك

(3)

،

وسبب الاختلاف في وجوب اشتراط مقدار ربح كل شريك، وعدمه، ناتج عن الاختلاف في جواز التفاضل في الربح وعدمه، فالذين قالوا بجواز التفاضل

(1)

شرح منهج الطلاب، بهامش حاشية البجيرمي 3/ 148 المكتبة الإسلامية.

(2)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 2/ 370، م 1336، كشاف القناع 3/ 504، الإنصاف 5/ 412، شرح منتهى الإرادات 2/ 321.

(3)

مغني المحتاج 2/ 215، الشرح الكبير للدردير 3/ 318.

ص: 83

أوجبوا اشتراط مقدار الربح، والذين منعوا التفاضل في الربح لم يشترطوا بيان مقداره، اكتفاءً بمعرفة نصيب كل من رأس المال، ويأتي بسط هذا الخلاف إن شاء الله.

والراجح هو وجوب بيان مقدار كل شريك من الأرباح، لأن الغرض الأساسي للشركة هو طلب الربح، فوجب بيانه، لأن عدم بيانه يؤدي إلى جهالة ربح كل، وهذه الجهالة قد تفضي إلى نزاع، وهذا الترجيح مبني على ترجيحي القول بجواز تفاوت الربح.

أما إذا قالا الربح بيننا، فهو بينهما نصفان، لأن الإضافة إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح، فاقتضت التسوية، وهذا باتفاق.

‌2 - أن يكون الربح جزءاً شائعاً:

يشترط أن يكون نصيب الشريك من الأرباح جزءاً، فإذا اشترط كل الربح لأحد الشركاء لا تصح، وأن يكون شائعاً في الجملة؛ كثمنه أو سدسه أو نصفه أو نسبة؛ كثلاثة أو خمسة أو عشرة في المائة، من مجموع أرباح الشركة، لا من أسهم الشريك، فلا يجوز تحديد ربح أحد من الشركاء، أو تحديد ربح السهم بمبلغ معين من المال كخمسين ريالاً مثلاً، أو ربح عين معينة، أو ربح مدة معينة كشهر كذا أو سنة كذا، أو ربح إحدى الصفقتين أو نحو ذلك، وذلك لأنه يحتمل أن لا يربحها فيأخذ جزءاً من رأس المال، وقد تربح الشركة كثيراً فيتضرر من شرطت له الدراهم.

‌3 - أن تكون الشركة لغرض مشروع:

يشترط لصحة عقد الشركة أن تكون لغرض جائز شرعاً، فيجب أن يكون المال والعمل في مباح، فلا تصح إن عقدت للإقراض بالربا، أو لصناعة الخمور،

ص: 84

أو الاتجار فيها، كما أنها تكون باطلة إن عقدت للحصول على الكسب في أي شيء حرمه الله تعالى وهذ عند جميع الفقهاء. وإذا كان المتجر فيه مباحاً ولكنه يؤول إلى محرم، عرف ذلك بالقرائن والأمارات، فإنه لا يصح العقد لأنه سبحانه إذا حرم شيئاً وله طرق ووسائل تؤدي إليه فإنه يحرمها ويمنعها تحقيقاً لتحريمه، وسداً لذريعة الفساد، لأنه ليس الشأن في الأسماء وصور العقود، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها، وقد نص المحققون من الفقهاء على ذلك، كبيع السلاح لأهل الحرب أو في أيام الفتنة، أو لقطاع الطرق، وكبيع العنب لمن يتخذه خمراً، وكبيع الأمة أو إجارتها للغناء، وكإجارة داره لتتخذ كنيسة أو بيت نار، فكل هذا حرام والعقد باطل، وهذا مذهب أكثر الفقهاء

(1)

.

والشافعية لا يقولون بالبطلان في هذه الحالات.

والأدلة على عدم جواز عقد الشركة لغرض محرم كثيرة، أكتفى بإيراد بعض منها:

أ- ما رواه الستة إلا النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودَ حُرِّمَتْ عليهمُ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا وأَكَلُوا أثْمَانَهَا»

(2)

؛ فالحديث دليل على أن كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وفيه إبطال للحيل والوسائط إلى المحرم.

ب- ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني جِبريلُ، فقال: يا محمدُ، إنَّ اللهَ عزَّ

(1)

المغني 4/ 199، 200، حاشية الدسوقي 3/ 6، حاشية الشرواني، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 435، قلت أكثر الفقهاء احترازاً عما ذهب إليه الشافعية والحنفية في بعض الصور حيث صححوا العقد لبيع العنب لمن يتخذه خمراً.

(2)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 5/ 320 م الحلبي.

ص: 85

وجلَّ لعَنَ الخَمرَ، وعاصِرَها، ومُعتَصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها، والمَحمولَةَ إليه، وبائِعَها، ومُبتاعَها، وساقيَها، ومُستَقيَها»

(1)

.

قال أحمد شاكر: إسناده صحيح

(2)

.

وجه دلالة الحديث:

الحديث دليل على حرمة كل تسبب في معصية، وإعانه عليها، ومثل ذلك كل تصرف يفضي إلى معصية، فإن عصر العنب حلال لا شيء فيه، لكن لما كان الغرض منه ما يؤول إليه وهو انقلابه إلى خمر تشرب كان العاصر ملعوناً.

ج- إنه عقد لغرض محرم فيبطل كنكاح التحليل، وبيع العينة

(3)

.

4 -

اشترط الحنفية أن يكون المعقود عليه قابلاً للوكالة:

نص الحنفية على اشتراط أن يكون ما يستفاد بعقد الشركة قابلاً للوكالة، بمعنى أنه يصح التوكيل فيه، ويفرعون على هذا الشرط عدم جواز الاشتراك في المباحات؛ كاصطياد السمك، أو الاحتشاش، أو نحو ذلك.

أما الفقهاء الآخرون فإنهم لم ينصوا على هذا الشرط، ولكن الذي تقتضيه قواعدهم في الشركة هو القول به، ومدار الخلاف في هذا الشرط هو فيما يمكن أن يكون قابلاً للوكالة كما في المباحات، وما لا يمكن أن يكون قابلاً لها

(4)

، وتفصيل هذا الموضوع يأتي في الشركة في المباحات إن شاء الله.

5 -

يشترط أن يكون عقد الشركة لغرض التجارة وطلب الربح، فإذا عقدت لغرض خيري، أو علمي أو ثقافي، فإنها لا تكون شركة.

(1)

مسند الإمام أحمد 4/ 28 و 99، تحقيق أحمد شاكر، م دار المعارف ط 2.

(2)

قال أحمد شاكر: الحديث ذكره المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 181 وقال: (رواه أحمد بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال صحيح الاسناد) وهو في مجمع الزوائد 5/ 73 وقال: (رواه أحمد الطبراني ورجاله ثقات).

(3)

بيع العينة: هو أن يبيع رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به.

(4)

مثل التوكيل في اصطياد ما لا يحل أكله كالخنزير.

ص: 86

‌الفصل الثالث

أحكام الشركة بوجه عام

المراد بأحكام الشركة الآثار المترتبة على العقد بما معه من الشروط

وفيه سبعة مباحث:

المبحث الأول: الشركة تتضمن الوكالة.

المبحث الثاني: الاشتراك في الربح والخسارة.

المبحث الثالث: حكم اشتراط أكثر من ربح رأس المال.

المبحث الرابع: الحكم فيما إذا لم ينص على مقدار ربح كل شريك.

المبحث الخامس: حكم الخسارة.

المبحث السادس: هل عقد الشركة يثبت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء؟

المبحث السابع: الحكم عند فساد الشركة.

ص: 87

‌المبحث الأول الشركة تتضمن الوكالة

يتضمن كل نوع من أنواع شركة العقد عند الفقهاء الوكالة ما عدا المالكية في شركة العنان، وذلك ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركاً بينهما فيتحقق حكمه، وهو الاشتراك في الربح والخسارة؛ إذ لو لم يكن كل منهما وكيلاً عن صاحبه لا يكون المستفاد مشتركاً لاختصاص المشتري بالمشترى

(1)

.

وتتضمن المضاربة الوكالة، لأن المضارب متصرف لغيره بإذنه، والمال تحت يده على وجه لا يختص بنفعه

(2)

.

ولا يخلو أي نوع من أنوع الشركات من الوكالة، لأنها إذا لم تتضمن الوكالة بالشراء فلا يمكن لأحد الشركاء أن يدخل مالاً إلى ملك الشريك الآخر، لعدم ولاية أحدهما على مال الآخر، وبذلك لا يحصل المقصود من الشركة في المشترى، ويبقى المال المشترى غير مشترك، ومختصاً بالمشتري

(3)

.

وبيانه في شركة الأبدان أن العقد يقتضي ثبوت الوكالة، فإذا تقبل أحد الشريكين عملاً، فإن هذا القبول، قبول لنفسه بالأصالة ولشريكه بالوكالة، فتتحقق الشركة في المال المستفاد عن ذلك العمل.

ويظهر أثر الوكالة في أركان الشركة الثلاثة:

أولاً: أثرها في الصيغة:

(1)

فتح القدير 5/ 5.

(2)

كشاف القناع 3/ 508، الشرح الكبير للدردير 3/ 465.

(3)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 366.

ص: 89

اشترط الشافعية والمالكية أن يوافق الصيغة ما يدل على التوكيل، كالإذن في التصرف، ونحو ذلك

(1)

.

وقد اكتفى الحنفية والحنابلة بأي لفظ يفهم منه المشاركة، كقوله شاركتك، وقالوا: إنه يدل بمقتضاه على الإذن في التصرف.

ثانياً: أثرها في العاقدين:

اتفق الفقهاء على أنه يشترط في عاقد الشركة أن يكون أهلاً للتوكيل والتوكل، إذا كان كل منهما متصرفاً في الشركة.

ثالثاً: أثرها في المحل:

نص الحنفية على أنه يشترط أن يكون محل الشركة قابلاً للوكالة، والفقهاء الآخرون وإن لم ينصوا عليه لكن قواعدهم تتفق مع الحنفية في اشتراطه، ومحل الخلاف في مقتضى هذا الشرط هو فيما يكون قابلاً للوكالة، وفيما ليس بقابل لها، وقد سبق بيانه.

(1)

معني المحتاج 2/ 213، فتح العزيز 10/ 405، الشرح الكبير للدردير 3/ 313، التاج والإكليل 5/ 122.

ص: 90

‌المبحث الثاني الاشتراك في الربح والخسارة

من أهم الأغراض التي تنشأ من أجلها الشركات طلب الربح، فبموجب الاشتراك في رأس المال والعمل، وجب الاشتراك في الربح والخسارة، حتى لو تجاوزت الخسارة رأس المال فإنها تكون في ذمة الشركاء كل بقدر رأس ماله، وهذا يتحقق في جميع أنواع الشركات ما عدا المضاربة، فالمضارب يشارك رب المال في الربح، وذلك مقابل عمله، ولا يشاركه في الخسارة لعدم مشاركته له في رأس المال.

فيشترط اشتراك جميع الشركاء في الربح على ما شرطا، والخسارة على قدر رأس المال، وإذا عقدت الشركة على ألا يساهم شريك في الخسارة أو يحرم شريك من الربح، أو يقضي العقد بتخصيص كل الأرباح لأحد الشركاء، أو لبعضهم دون البعض الآخر، أو شرط في العقد أن يسترد أحد الشركاء حصته كاملة سالمة من الخسارة، فالشركة بهذه الشروط فاسدة، لأنها تتنافى مع مقتضى عقد الشركة.

ص: 91

‌المبحث الثالث

حكم اشتراط أكثر من ربح رأس المال

اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز أن يشترط أحد من الشركاء من الأرباح أكثر من ربح رأس ماله، وهذا الاتفاق بالنظر إلى رأس المال.

أما إذا شرط لأحد من الشركاء في شركة العنان زيادة في الأرباح على رأس ماله مقابل عمله جاز، فباعتبار العمل يجوز اشتراط الزيادة في الأرباح، سواء عملوا جميعاً أم عمل المشروط له الزيادة وحده، وسواء استووا في العمل أم كان المشروط له الزيادة أكثر عملاً أو أحذق وأمهر من صاحبه، لأن الربح كما يكون مقابل رأس المال يكون أيضاً مقابل العمل، وهذا مذهب الحنابلة والحنفية وكذا الشافعية في أحد الوجهين

(1)

.

وقال الحنفية: الاستحقاق للربح إنما يكون بالنظر إلى الشرط الذي أورد في عقد الشركة، وليس بالنظر إلى العمل، فعليه لو لم يعمل الشريك المشروط عمله يعد كأنه عمل، فمثلاً إذا شرط عمل الشريكين، وعمل أحدهما فقط ولم يعمل الآخر لعذر أو لغير عذر فبما أنهما وكيلان يعد عمل أحدهما عملاً من الآخر

(2)

.

وذهب المالكية والظاهرية وزفر والشافعية في أصح الوجهين: إلى أن الربح يكون تابعاً لرأس المال، تساويا في العمل أو تفاوتا فيه

(3)

. فلو شرط زيادة في الربح لأحدهما، فإن الشرط في هذه الحالة غير صحيح. والحكم عند الشافعية والمالكية أنه تفسد الشركة بشرط التفاوت

(4)

.

(1)

المغني 5/ 26، تبيين الحقائق 3/ 318 م دار المعرفة، مصور ط ا، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 413.

(2)

المصدر السابق 3/ 383، مجلة الأحكام العدلية م 1349.

(3)

المجموع 13/ 514، فتح العزيز 10/ 425، التاج والإكليل 5/ 129، المحلى 8/ 144، فتح القدير 5/ 28 وما بعدها.

(4)

مغني المحتاج 2/ 215، الشرح الكبير للدردير 3/ 318، التاج والإكليل 5/ 129.

ص: 93

الأدلة:

استدل الحنفية والحنابلة بأن الربح يكون استحقاقه إما بالمال لأنه نماء له فوجب أن يكون لمالكه، أو بالعمل لأنه ناتج عنه، أو بالضمان للحديث «الخراج بالضمان»

(1)

، وقد يكون أحد الشريكين أكثر عملاً أو أبصر من صاحبه فجاز أن يشترط له زيادة في الربح مقابل عمله، كما يكون الربح في شركة المضاربة مقابل العمل

(2)

.

واستدل المالكية والشافعية والظاهرية على عدم جواز التفاضل في الربح بأن الربح يكون تابعاً للمال فقط، ولا يتبع العمل شيء منه، وهو شبيه بمنفعة الملك فيكون على قدر رأس المال

(3)

، ثم إن الخسارة على قدر المال، ولا تصح أن تكون خلاف ذلك، فالربح يجب أن يكون كذلك

(4)

.

الترجيح:

الراجح هو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة من جواز أن يشترط لأحد الشركاء أكثر من ربح ماله، ليكون الزائد في مقابل عمله، فالربح كما يكون للمال يكون أيضاً للعمل، بدليل استحقاق المضارب نصيباً من الربح وليس إلاّ مقابل عمله، ففي أنواع الشركات الأخرى كذلك، ولا يقاس الربح على الوضيعة لأنها لا تتعلق إلاّ بالمال.

فشركة المضاربة إذا خسرت لا يتحمل المضارب شيئاً من الخسارة بالاتفاق، وقولهم هو شبيه بمنفعة الملك صحيح، ولكن لا على سبيل القصر، بل هو أيضاً لمنفعة العمل كما، في شركة الأعمال.

(1)

سنن الترمذي 4/ 285.

(2)

المغني 5/ 26.

(3)

فتح العزيز 10/ 427 - 428.

(4)

بداية المجتهد 2/ 209.

ص: 94

أما شركة المفاوضة فالحنفية لا يجيزون التفاضل في الربح فيها، فيشترطون التساوي في الربح، بناءً على أنها قائمة عندهم على التساوي في رأس المال وفي الربح

(1)

.

وقال المالكية الربح على قدر رأس مال كل شريك

(2)

، وقال الحنابلة: الربح على ما شرطا من مساواة أو تفاضل

(3)

، لأنهم قد يتفاضلون في العمل.

وأما شركة الوجوه فالربح على ما شرطاه من مساواة أو تفاضل، لأن سائر الشركات الربح فيها على ما يتفقان عليه، فكذلك هذه، ولأنها تنعقد على العمل وغيره، فجاز ما اتفقا عليه كشركة العنان، وهذا مذهب الحنابلة

(4)

.

وقال الحنفية والقاضي أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة: الربح بينهما على قدر ملكيهما في المشترى، لأن الربح يستحق في شركة الوجوه بالضمان؛ إذ الشركة وقعت عليه خاصة؛ إذ لا مال عندهما، والضمان لا تفاضل فيه، فلا يجوز التفاضل في الربح

(5)

.

وقد رد الحنابلة على هذا «بأنها شركة فيها عمل فجاز ما اتفقا عليه من الربح كشركة العنان، والقول بأنه لا مال لهما يعملان فيه، يرد عليه بأنهما يشتركان ليعملا فيما سيتخذانه بجاههما، كما أن سائر الشركات إنما يكون العمل فيها فيما يأتي فكذا ههنا»

(6)

، وجواز التفاضل الذي قال به الحنابلة ليقابل العمل، أو زيادة العمل من أحد الشركاء إذا وجد ذلك، فقد يشترك الوجيهان في شراء بضائع ويتولى أحدهما البيع، أو يكون أحدهما أبصر بالبيع، فإذا شرط للبائع أو للأبصر

(1)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 370

(2)

الشرح الكبير للدردير 3/ 318.

(3)

المغني 5/ 25.

(4)

المصدر السابق 5/ 26، الإنصاف 5/ 458.

(5)

المغني 5/ 26، الهداية شرح العناية 5/ 31، فتح القدير 5/ 30.

(6)

المغني 5/ 26 - 27.

ص: 95

زيادة في الربح أكثر من رأس ماله فلا بأس بذلك، لأن هذا النوع من الشركة ينعقد على الضمان والعمل، فجاز ما اتفقا عليه كشركة العنان.

شركة الأبدان:

ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز التفاضل في العمل، فيجوز ما يتفقون عليه من مساواة أو تفاضل

(1)

.

قال صاحب فتح القدير: ولو شرطا العمل نصفين، يعني التساوي في العمل، والربح أثلاثاً جاز، بشرط كون المشروط له الزيادة مشروطاً عليه أن يعمل، وذلك لأن المأخوذ من هذه الشركة ليس ربحاً حقيقة، لأن حقيقة الربح إنما تكون عند اتحاد جنس الربح وما به الاسترباح، وهو هنا مختلف، لأن رأس المال عمل والربح مال، وإنما يقال له ربح مجازاً، فهو بدل عمله، والعمل يتقدر بالتقدير أي بحسب التراضي، ولأن الربح لضمان العمل لا بحقيقة العمل، ولذا لو مرض أحدهما أو غاب فلم يعمل وعمل الآخر كان الربح بينهما بلا خلاف يعلم

(2)

.

وذهب المالكية إلى أنه لا يجوز التفاضل في الربح في شركة الأبدان، وقالوا: الربح فيها بقدر العمل، ويغتفر التفاوت اليسير، جاء في حاشية الدسوقي: "الشرط أن يأخذ كل واحد من الغلة بقدر عمله، أو قريباً من عمله، وأما التساوي في العمل حقيقة فلا يشترط

(3)

.

الترجيح:

والذي يقوى عندي هو مذهب الحنفية والحنابلة، لأن هذا الكسب هو بدل عمل كل من الشركاء، والعمل يتفاوت، فجاز تفاوت الكسب، ولذا رجحت فيما سبق في شروط الشركة بيان مقدار نصيب كل شريك من الأرباح، فجاز ما اتفقوا عليه، من مساواة أو تفاضل في مقدار الربح.

(1)

المغني 5/ 26، كشاف القناع 3/ 528، فتح القدير 5/ 28.

(2)

فتح القدير 5/ 28 - 29 بتصرف.

(3)

حاشية الدسوقي 3/ 324.

ص: 96

‌المبحث الرابع

الحكم فيما إذا لم ينص على مقدار

ربح كل شريك

سبق أن بينا حكم الشركة وهو الاشتراك في الربح والخسارة، ثم ذكرنا حكم التفاضل في الربح، فنذكر هنا الحكم عند عدم ذكر نصيب كل شريك من الأرباح.

والكلام هنا في ثلاثة مواضع:

الأول: شركة العنان والوجوه والمفاوضة:

يجب بيان نصيب كل شريك من الربح عند عقد الشركة، كالربع، أو النصف، أما إذا بقي مبهما فإن حكم الشركة يكون فاسداً عند الحنفية والحنابلة، ويترتب عليه فسخها، لأن إبهامه يفضي إلى جهالة الربح، وحينئذ فإن الربح يقسم على مقدار رأس المال عندهم

(1)

، ولأن الربح في شركة الوجوه يستحق بالضمان، والضمان على قدر الملك في المشترى.

وإذا فسدت الشركة يرجع كل شريك بأجر عمله في مال شريكه، فإن تساوى عملهما تقاصا الأجرة، وإن كان قيمة عمل أحدهما أكثر من قيمة عمل الآخر، كأن تكون قيمة عمل أحدهما تساوي ألفين، وقيمة الآخر تساوي ألفا تقاصا بألف، ورجع صاحب الألفين على صاحب الألف بالزايد وهذا مذهب الحنابلة

(2)

، ومنع الحنفية رجوع كل منهم بأجرة عمله في مال شريكه

(3)

.

(1)

المغني 5/ 17، 26، 31، شرح منتهى الإرادات 2/ 321، كشاف القناع 3/ 498، الإنصاف 5/ 412، مجلة الأحكام العدلية م 1336، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 370، 448.

(2)

شرح منتهى الإرادات 2/ 326.

(3)

بدائع الصنائع 6/ 77.

ص: 97

ومذهب المالكية وكذا الشافعية في أصح الوجهين: أنه إذا لم يبين مقدار ربح كل شريك فإن حكم الشركة فاسد عند الشافعية، أما المالكية فلا تفسد بذلك، وعليه فلا تنفسخ الشركة، وتكون قسمة الأرباح عند المذهبين بين الشركاء كل بمقدار رأس ماله

(1)

.

الثاني: شركة الأبدان:

إذا لم ينص على مقدار ربح كل شريك في شركة الأبدان فإنها تكون شركة فاسدة، وذلك لفقد أحد شروط الشركة وهو بيان الربح، وعليه فإنها تفسخ عند الحنفية والحنابلة.

أما كيفية تقسيم الربح الناتج في هذه الحالة فيرجع لأحد أمرين:

(2)

1 -

إذا ذكرت نسبة العمل التي يعملها أو يتقبلها كل شريك في عقد الشركة فيقسم الربح الناتج على مقدار تلك النسبة، كأن يعمل أحدهما أو يتقبل ثلث الأعمال، ويعمل الآخر أو يتقبل الثلثين، فإن لصاحب ثلث الأعمال ثلث الربح، ولصاحب الثلثين الثلثين من الأرباح.

2 -

أما إذا لم يبين في عقد الشركة مقدار ما يتحمله كل شريك من الأعمال ففي هذه الحالة يقوّم عمل كل شريك، بناءً على مقدار عمله، ونوعه وكفاءة العامل، وخبرته، ومؤهلاته، ونحو ذلك، لأن العمل يقل ويكثر، ويتفاضل، وعلى أساس هذا التقويم يمكن معرفة حصة كلٍ من ربح أو خسارة، لأن الظاهر أن لكل واحد منهما ربح عمله. وخالف صاحب الإنصاف والبهوتي: فقال صاحب الإنصاف: إذا أطلقا فالأجرة بينهما نصفان، وقال الشيخ منصور البهوتي: إذا فسدت شركة الأبدان قسمت أجرة ما تقبلاه بالسوية

(3)

.

(1)

الشرح الكبير للدردير 3/ 318، مغني المحتاج 2/ 215.

(2)

فتح القدير 5/ 29، المغني 5/ 31.

(3)

كشاف القناع 3/ 505، الإنصاف 5/ 461.

ص: 98

أما المالكية فالذي يتمشى مع مذهبهم في شركات الأموال أنها لا تفسد عند عدم بيان مقدار ربح كل شريك، وحكم قسمة ربح شركة الأبدان عندهم أن يأخذ كل واحد من الغلة بقدر عمله أو قريباً منه، ولا يجوز أن يشرط خلاف هذا

(1)

.

الثالث: شركة المضاربة:

أما شركة المضاربة فإنه يشترط بيان نصيب المضارب من الربح، لأنه يستحقه بالشرط فلم يقدر إلاّ به، وإذا لم يبين نصيب المضارب فإنها تكون شركة فاسدة لجهالة نصيب العامل، وهذا قول جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة

(2)

فلو قال خذ هذا المال مضاربة ولم يسم للعامل شيئاً من الربح، فالربح كله لرب المال، وللعامل أجر مثله، سواء ربح أو خسر

(3)

.

جاء في بدائع الصنائع: ومن شروط المضاربة «إعلام مقدار الربح، لأن المعقود عليه هو الربح، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد

(4)

. وحكم المضاربة الفاسدة أن يكون» له أجر مثل عمله سواء كان في المضاربة ربح أم لم يكن

(5)

.

والرواية الثانية في مذهب الحنفية والحنابلة أن للعامل الأقل من أجرة المثل، أو ما شرط له من الربح، فإذا شرط له ثلث الربح ثم فسدت المضاربة فلا يتجاوز مثل أجر المضارب ثلث الربح

(6)

.

(1)

الشرح الكبير للدردير 3/ 324، حاشية الدسوقي 3/ 324 نشر دار الفكر.

(2)

كشاف القناع 3/ 508، الإنصاف 5/ 429، مغني المحتاج 2/ 315.

(3)

المصادر السابقة.

(4)

بدائع الصنائع 8/ 3601 م الإمام.

(5)

بدائع الصنائع 8/ 3654 م الإمام.

(6)

المغني 5/ 60، الإنصاف 5/ 429، بدائع الفوائد 4/ 124، المسودة، ص 452، رد المحتار على الدر المختار 4/ 484 نشر دار التراث بيروت.

ص: 99

وذهب أبو يوسف إلى أنه إذا لم يكن ربح في المضاربة الفاسدة فلا يستحق أجر المثل، كما أنه لا يستحق شيئاً في المضاربة الصحيحة

(1)

.

وقال المالكية: إذا لم يبين مقدار نصيب المضارب فله ربح مثل المال فيه، لا في ذمة ربه، حتى إذا لم يحصل ربح لم يكن له شيء

(2)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار 4/ 484، نشر دار التراث، بيروت.

(2)

الشرح الكبير للدردير 3/ 465، حاشية الدسوقي 3/ 465 توزيع دار الفكر.

ص: 100

‌المبحث الخامس حكم الخسارة

الخسارة على مقدار رأس المال باتفاق الفقهاء، لأن الوضيعة لا تتعلق إلاّ بالمال، ولا يلزم أن تكون الخسارة على قدر الربح، لأن الربح قد يكون تابعاً للمال فقط، وقد يكون تابعاً للمال ويراعى فيه أثر العمل من أحد الشركاء، أو بعضهم دون البعض الآخر، وهذه المراعاة لأثر العمل في الربح هي مذهب الحنفية والحنابلة وقد سبق بيانه.

أما الخسارة فلا تتبع إلاّ رأس المال بالاتفاق، فإذا كان رأس مال أحد الشركاء في شركة العنان أو الوجوه أو الأبدان أو المفاوضة الربع فإنه لا يلحقه من الخسارة إلاّ بمقدار ذلك

(1)

، وعليه فإنه لا يجب بيان مقدار خسارة كل شريك عند عقد الشركة، وذلك اكتفاءً بالعلم بمقدار حصته من رأس المال، لأن الخسارة تابعة لمقدار رأس المال بالاتفاق.

وإذا شرط في عقد الشركة أن يتحمل أحد الشركاء من الخسارة أكثر من نسبة حصته في رأس المال فإن هذا الشرط فاسد، فيفسد الشرط ويلغو دون العقد، وهو مذهب الحنفية والحنابلة

(2)

.

وقال المالكية والشافعية وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة بفساد العقد ونفاذ التصرف

(3)

.

(1)

المغني 5/ 31.

(2)

درر الحكام شرح مجلة الحكام 3/ 411، المغني 5/ 59 - 60، كشاف القناع 3/ 504.

(3)

مغني المحتاج 2/ 215، حاشية الدسوقي 3/ 318.

ص: 101

أما الشركات التي يقدم فيها أحد الشريكين عملاً كالمضاربة فلا يجوز أن يشترط مساهمته في الخسارة، فهو لا يتحمل شيئاً من الخسارة المالية؛ إذ إنه لم يشترك في رأس المال، وإنما خسارته عمله الذي لم يحصل له على مقابل.

ص: 102

‌المبحث السادس هل عقد الشركة يثبت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء؟

ذهب الحنابلة في الصحيح من المذهب ولمالكية إلى أنه تثبت ملكية كل شريك فيما قدمه بقية الشركاء بمجرد عقد الشركة، سواء خلطت أموالهم أم لم تخلط، غير أن الحنابلة قيدوا المسألة بما إذا تعين المال بإحضاره، وقيده المالكية بغير المثلي، فلا يثبت الملك فيه إلاّ بالخلط، وعليه فإن ما يحصل من ربح أو تلف فيما قدمه الشركاء فإنه لهم وعليهم جميعاً، ولو لم تبدأ الشركة أعمالها بالبيع والشراء، لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد

(1)

، ولأن عقد الشركة عند المالكية يفيد بيع كل من الشركاء بعض ماله ببعض مال الآخر، وهذا فيما عدا المضاربة إذ المال فيها على ملك رب المال.

وقد استثنى ابن القاسم من المالكية شركة الحرث، وهي شركة الأعمال فقال: لا تلزم إلاّ بالعمل

(2)

.

أما الشافعية والظاهرية وزفر من الحنفية فيقولون: قبل الخلط لا يصح العقد، والعقد بعد الخلط يثبت ملكية كل شريك في جميع أموال الشركة، لأن شركة العقد عندهم مبنية على ثبوت شركة الملك

(3)

.

وقال الحنفية: بعد عقد الشركة تبقى ملكية كل شريك لحصته ولا يثبت فيها ملك للشركاء الآخرين، واشتراك الشركاء إنما يكون فيما يشترى بالأموال

(1)

المغني 5/ 17، الإنصاف 5/ 412، الكشاف 3/ 497، 499، مواهب الجليل 5/ 122.

(2)

مواهب الجليل 5/ 122.

(3)

المجموع 13/ 510، المحلى 8/ 545، فتح القدير 5/ 24.

ص: 103

المقدمة من الشركاء لا في الأموال نفسها، وفيما ينتج من ربح أو خسارة، لأن الشركة لا تتم إلاّ بالشراء

(1)

، وعليه فإذا هلك رأس مال أحد الشركاء قبل الشراء تكون خسارته عليه وتبطل الشركة، لأنه هلك قبل تمام الشركة فلا تعتبر

(2)

، سواء هلك في يد مالكه أو في يد شريكه.

أما في الضمان فكما أن الشركاء يضمنون ما تلف بعد الشراء، فكذلك يضمون ما تلف بعد الخلط بصورة لا تقبل التمييز

(3)

. وفي حالة الخلط هل يثبت الملك لكل شريك فيما قدمه بقية الشركاء؟ اختلف الحنفية في ذلك، فذهب الكمال بن الهمام والكساني وغيرهما إلى أنه لا يثبت الملك بالخلط وحده، بل بالخلط والشراء، جاء في فتح القدير وفي بدائع الصنائع (الشركة لا تتم إلاّ بالشراء).

والذي أرجحه هو رأي القائلين بثبوت ملكية كل شريك في جميع أموال الشركة بالعقد دون الحاجة إلى الخلط، لأن الشركة في الربح متفق عليها بيقين، والشركة في الربح تستدعى الشركة في رأس المال، وقول الحنفية إنه يتلف من مال صاحبه، أو يزيد على ملك صاحبه غير مسلم، بل يتلف من مالهما وزيادته لها لأن الشركة اقتضت ثبوت الملك لكل منهما فيما قدمه الآخر بقدر حصته كل منهما، فيكون تلفه منهما وزيادته لهما.

(1)

فتح القدير 5/ 22، بدائع الصنائع 6/ 60.

(2)

المصدر السابق 5/ 23.

(3)

المصدر السابق 5/ 15.

ص: 104

‌المبحث السابع

الحكم عند فساد الشركة

قدمنا ما تنعقد به الشركة وما تصح به، فإذا فقدت شيئاً من أركانها أو شروطها فسدت، وإذا فسدت الشركة فإنهما يقتسمان الربح على قدر رؤوس أموالهما، ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجر عمله في مال شريكه، وهو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية

(1)

، نص عليه أحمد في المضاربة، لأن المسمى يسقط في العقد الفاسد، كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري؛ حيث يرجع عليه البائع بالقيمة لا بالثمن، فلكل شريك أجر عمله، لأنه عمل في نصيب شريكه بعقد يبتغي به الفضل، فوجب أن يقابل العمل فيه عوض كالمضاربة

(2)

.

أما الحنفية فيفرقون بين الشركة والمضاربة فقالوا في الشركة: إذا وقعت فاسدة فإنهما يقتسمان الربح على قدر رؤوس أموالهما، لأنه لا يجوز أن يكون الاستحقاق بالشرط، لأن الشرط لم يصح فألحق بالعدم، فبقي الاستحقاق بالمال، ولا أجرة لأحدهما على صاحبه

(3)

كيفية تقدير الأجرة في المضاربة الفاسدة:

إذا فسدت المضاربة، فسد الشرط فلم يستحق منه شيئاً، وكان له أجر مثله، وهو مذهب الحنابلة والشافعية والحنفية

(4)

.

(1)

المغني 5/ 17، مغني المحتاج 2/ 215، الشرح الكبير للدردير 3/ 318، والتاج والإكليل 5/ 129.

(2)

شرح منتهى الإرادات 2/ 326.

(3)

بدائع الصنائع 6/ 77.

(4)

المغني 5/ 60، مغني المحتاج 2/ 315، روضة الطالبين 5/ 125، رد المحتار على الدر المختار 4/ 484، بدائع الصنائع 8/ 3654 م الإمام.

ص: 105

أما المالكية، فجعلوا الحكم عند فساد المضاربة في بعض الصور الاستمرار في المضاربة، وللمضارب نصيب مثله من ربح المال، وفي بعض صور الفساد له أجر المثل في ذمة رب المال، ومن الصور التي للمضارب فيها ربح مثله في حالة الفساد، إذا وقت المضاربة، أو شرط على العامل ضمان رأس المال إن تلف بلا تفريط، أو اشترط عليه الاتجار فيما يقل وجوده، بأن يوجد تارة ويعدم أخرى، وكل ذلك لما فيه من التحجير الخارج عن سنة القراض.

والحكم فيما فسد غير ما تقدم أجرة مثله في ذمة رب المال

(1)

، والفرق بين ربح مثله، وأجرة مثله، أنه في حالة الحكم بربح مثله أن العقد لا يفسخ، وله ربح مثله من أرباح المضاربة إذا وجد ربح، أما إذا لم يحصل ربح فلا شيء له، لأن حقه متعلق بالمضاربة وليس بذمة رب المال.

أما في حالة الحكم بأجرة مثله، فإن المضاربة تفسخ بمجرد العلم بفسادها، وللعامل أجر مثله في ذمة رب المال سواء ربحت المضاربة أو خسرت

(2)

.

(1)

الشرح الكبير للدردير 3/ 465 وما بعدها، التاج والإكليل 5/ 360، وما بعدها، حاشية الدسوقي 3/ 465 توزيع دار الفكر.

(2)

المصادر السابقة.

ص: 106

الفصل الرابع حكم الشركة من حيث الجواز أو اللزوم

ص: 107

‌الفصل الرابع

حكم الشركة من حيث الجواز أو اللزوم

ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة وابن حزم

(1)

، وبعض فقهاء المالكية كابن رشد واللخمي

(2)

إلى أن عقد الشركة بعد تمامه عقد جائز، يحق لكل واحد من الشريكين فسخه كالوكالة، وفي حكم الفسخ انسحاب الشريك من الشركة.

أما المالكية فالمذهب عندهم أن الشركة عقد لازم بمجرد العقد، وهو المشهور المعول عليه عندهم، فلو فسخ أحدهما العقد وامتنع الآخر فالقول للممتنع، حتى ينض المال بعد العمل، وبهذا قال: ابن يونس وابن عبد السلام وعياض وهو مذهب ابن القاسم ومقتضى قول ابن الحاجب

(3)

.

أما شركة المضاربة فمذهب المالكية أنها عقد جائز غير لازم

(4)

، كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء.

لكن يشترط للفسخ شروط تحقق العدالة، وتصون أموال الشركاء من العبث، وبيان ذلك فيما يلي:

أولا: علم الشريك بالفسخ: اشترط عامة الفقهاء لصحة الفسخ علم الشريك الآخر بالفسخ، سواء كان مضارباً أم رب مال، أو أحد الشركاء في الشركات الأخرى

(5)

، لأن الفسخ من غير علم الشريك إضرار به، والضرر ممنوع بالحديث الشريف «لا ضرر ولا ضرار» .

(1)

فتح القدير 5/ 6، نهاية المحتاج 5/ 10، كشاف القناع 3/ 506، ومغني المحتاج 2/ 319.

(2)

مواهب الجليل 5/ 122.

(3)

مواهب الجليل 5/ 122 - 123 الشرح الصغير 2/ 165، بلغة السالك على أقرب المسالك 2/ 165، حاشية الدسوقي 3/ 313 توزيع دار الفكر.

(4)

الشرح الكبير 3/ 478.

(5)

فتح القدير 5/ 34، بدائع الصنائع 6/ 86، و 112.

ص: 109

قال ابن رجب: المشهور (من مذهب الحنابلة) أنها تنفسخ قبل العلم

(1)

.

وقال ابن عقيل: لا يحل لأحد المتعاقدين في الشركة والمضاربة الفسخ مع كتم شريكه

(2)

.، وقال:«الأليق بمذهبنا في المضاربة والشركة ألا تنفسخ بفسخ المضارب، حتى يعلم رب المال، والشريك، لأنه ذريعة إلى عامة الإضرار، وهو تعطيل المال عن الفوائد والأرباح»

(3)

.

ثانياً: عدم الإضرار بالشركاء:

فجواز الفسخ مقيد بعدم الإضرار بالشركاء، وبالمتعاملين مع الشركة، فإذا لم يكن هناك ضرر على أحد من الشركاء، أو على المصلحة العامة للوطن والمواطنين، فحكم الشركة هو الجواز، أما إذا كان يترتب بفسخ الشركة ضرر على أحد الشركاء أو على المصلحة العامة للأمة فإنه يَعرِضُ للشركة اللزوم إلى حين إمكان ارتفاع هذا الضرر، سواء بانتهاء سنة مالية يمكن تصفية موجودات الشركة فيها، أو بانتهاء أعمالها.

جاء في قواعد ابن رجب: «التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضرراً على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد لم يجز ولم ينفذ»

(4)

. والفقهاء الآخرون وإن لم ينصوا على هذا الشرط في فسخ الشركة لكن قواعدهم لا تأباه بل تستلزمه، لحديث:«لا ضرر ضرار»

(5)

.

ويظهر تحقق الضرر واضحاً في الشركات التي تتشابك فيها مصالح الشركة بمصالح الأمة، كأن تتوسع أعمالها في الصناعة والتجارة، ولا سيما في الشركات

(1)

قواعد ابن رجب، ق 62 ص 115

(2)

الإنصاف 5/ 449، قواعد ابن رجب، ص 112.

(3)

الإنصاف 5/ 374.

(4)

قواعد ابن رجب ق 60 ص 110.

(5)

الموطأ 2/ 745.

ص: 110

التي يقوم عليها اقتصاد البلاد، ويصيب فسخها الصالح العام بالضرر البالغ، مثل أن تكون شركة للإسمنت، أو الحديد والصلب، أو تكون شركة كهرباء، أو ماء، أو استيراد للمواد الغذائية، كالقمح أو الأرز، فإن استجابة طلب فسخ أحد الشركاء قد يؤدي على خسائر جسيمة بالنسبة للشركاء من جهة، ويعطل التقدم الصناعي والاقتصادي من جهة أخرى، فلابد من الحكم بعدم صحة الفسخ في هذه الحالة، والقول باللزوم في هذه الحالة هو الذي يتفق مع روح الشريعة الإسلامية، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأنه يجب تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

ثالثاً: يتم فسخ الشركة بفسخ أحدهما إذا كان الشركاء اثنين فقط.

إذا كان الشركاء اثنين فقط، فإن فسخ أحدهما يترتب عليه فسخ الشركة؛ إذ لم يتبق من أعضائها سوي واحد، لأن الواحد لا يمثل شركة، وهذا هو المقصود من قول الفقهاء «تبطل بالفسخ من أحدهما»

(1)

، وقولهم: تنفسخ الشركة بفسخ أحد الشريكين"

(2)

، لأن الشركة في هذه الأقوال مضافة إلى اثنين، فإذا فسخ أحدهما العقد لم يبق لها ما يجعلها شركة، أما إذا كانوا أكثر من اثنين ثم فسخ أحدهم العقد، فإن الشركة تنفسخ في حق الفاسخ، وتبقى قائمة في حق الشركاء الآخرين، جاء في رد المحتار والفتاوى الهندية:«فلو كانوا (أي الشركاء) ثلاثة فمات أحدهم حتى انفسخت في حقه، لا تنفسخ في حق الباقين»

(3)

.

(1)

كشاف القناع 3/ 506.

(2)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 390 م 1353.

(3)

الفتاوى الهندية 2/ 335.

ص: 111

‌الباب الثاني

أنواع الشركات وأحكامها

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: شركات الأموال

الفصل الثاني: شركات الأعمال

الفصل الثالث: شركات الأموال والأعمال

ص: 113

‌الفصل الأول: شركات الأموال

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: شركة العنان.

المبحث الثاني: شركة الوجوه.

ص: 115

‌المبحث الأول

شركة العنان

العنان في اللغة: بكسر العين شركة في شيء خاص دون سائر أموالهما، كأنه عن لهما أن يشتركا بشيء من ماليهما، أي عرض وظهر بعد أن لم يكن

(1)

. وزاد في المصباح: أو هي من عنان الفرس، لأنه يملك بها التصرف في مال الغير كما يملك التصرف في الفرس بعنانة

(2)

.

وشركة العنان في عرف الفقهاء الثلاثة: هي أن يتعاقد اثنان أو أكثر على أن يدفع كل منهم مقداراً معيناً من المال، لتكوين رأس مال يتجرون فيه، ويتقاسم الشركاء الأرباح، على حسب ما اتفقوا عليه من مساواة أو تفاضل، على أن يكون ذلك خاضعاً لنسبة رأس المال وما يقوم به الشركاء أو بعضهم من عمل وإدارة في الشركة، أما الخسارة فهي على الشركاء بنسبة رأس مال كل منهم

(3)

.

غير أن الشافعية يجعلون الربح على قدر رأس المال

(4)

.

وعرفها المالكية: بأنها مأخوذة من عنان الدابة، فهي أن يشتركا على أن يشرط كل واحد منهما على صاحبه ألا يستبد بفعل شيء في الشركة إلاّ بإذن شريكه، فكأنه أخذ بعنانه أي بناصيته، ألا يفعل فعلاً إلاّ بإذنه

(5)

.

فتتحقق شركة العنان بالاشتراك في رأس المال حال العقد، وثبوت الحق لكل شريك في أن يعمل فيه، سواء صرح بذلك عند العقد أم لم يصرح به، على ألاّ

(1)

لسان العرب مادة عنن.

(2)

المصباح المنير مادة عنن.

(3)

تفصيل هذا الموضوع سبق بيانه، في أحكام الشركة بوجه عام.

(4)

المهذب 1/ 345.

(5)

الخرشي على خليل 6/ 49.

ص: 117

تتضمن ما يفيد منع أحد الشركاء من العمل، إلاّ أن المالكية والشافعية يشترطون أن يرافق الصيغة ما يدل على التوكيل، كالإذن في التصرف ونحو ذلك

(1)

.

‌حكمها:

أجمع الفقهاء على جواز هذا النوع من الشركة، وإن كانوا قد اختلفوا في بعض شروطها، وما حصل فيها من خلاف مما يتصل بالأركان أو الشروط بيناه في محله.

وشركة العنان كغيرها من الشركات الأخرى يمكن أن تكون مطلقة، أو مقيدة، فيمكن الاتفاق على الاتجار في نوع مخصوص من التجارات، كالحبوب أو القماش، ويمكن أن يطلق عند عقدها على الاتجار في كل ما يرونه مناسباً.

أما المالكية فلا تكون شركة العنان عندهم إلاّ مقيدة، ولكن تعددت تفسيراتهم لتقييدها، فمنهم من قال هي الشركة في نوع من التجارات، كالقماش، ومنهم من قال هي الشركة في شيء بعينه يعني كثوب واحد أو دابة واحدة

(2)

.

ويرى جمهور الفقهاء أنه يمكن تقييدها من حيث الزمن، فقد تكون شركة موسمية بمناسبة حصاد الحبوب، أو جذاذ التمور، أو موسم الحج، ويمكن تحديدها بسنة أو نحو ذلك، ويمكن إطلاقها بدون تقييد

(3)

.

وتتضمن شركة العنان كغيرها من الشركات عند جميع الفقهاء الوكالة ما عدا المالكية، وتتضمن الأمانة، لأن كل واحد منهما بدفع المال إلى صاحبه أمنه، وبإذنه له في التصرف وكله، فكل شريك هو كيل عن صاحبه، فيما يباشره من تصرف في رأس مالها، مما يعد من أعمال التجارة، لا فيما يخرج عن ذلك، وذلك في حدود ما تضمنه عقدها من شروط، وما قيدت به من قيود صحيحة تم الاتفاق عليها بين الشركاء.

(1)

سبق بيان ذلك ومراجعه في الباب الأول.

(2)

مواهب الجليل 5/ 134.

(3)

القول في توقيت الشركة وآراء العلماء فيه يأتي في الفصل الثالث من هذا الباب.

ص: 118

أما المالكية فيشترطون في شركة العنان نفي الاستبداد، بمعنى ألا يستبد أحد من الشركاء بالتصرف دون الآخر، فكل واحد من الشركاء يتوقف تصرفه على إذن الآخر، فإن تصرف أحدهما بلا إذن فللثاني رده، لأنها مأخوذة من عنان الدابة، كأن كل واحد منهما أخذ بعنان صاحبه، أي بناصيته، فلا يفعل فعلاً إلاّ بإذنه

(1)

.

فإن شرط نفي الاستبداد من أحدهما فقط فهي صحيحة وتكون مطلقة من جهة، وقال بعضهم: تكون فاسدة، لأن الشركة يقتصر فيها على ما ورد، وهذا هو الظاهر عند بعض فقهاء المالكية

(2)

.

وبهذا فالوكالة عند المالكية في شركة العنان وكالة في شيء خاص.

وكل شريك أمين في مال الشركة فهو مصدق فيما يدعيه من تلف في المال، أو خسارة فيه، وفيما يدعي أنه اشتراه لنفسه أو للشركة، لأن الاختلاف ههنا في نيته، وهو أعلم بما نواه، لا يطلع على ذلك أحد سواه إلاّ الله، ولأنه أمين في الشراء فكان القول قوله كالوكيل

(3)

.

‌شركة المفاوضة عند الحنفية:

وهناك نوع من العنان سماه الحنفية مفاوضة، وهي عندهم أن يشترك اثنان فيدخلا في الشركة جميع أموالهما الصالحة لأن تكون رأس مال للشركة، ويشترط في رأس المال التساوي

(4)

، كما يشترط التساوي في الربح والخسارة

(5)

.

(1)

الخرشي على خليل 6/ 49، العقد المنظم للحكام 2/ 26، مواهب الجليل 5/ 134، الشرح الكبير للدردير 3/ 323، الشرح الصغير 2/ 171.

(2)

المصادر السابقة.

(3)

المغني 5/ 63.

(4)

فتح القدير 5/ 6.

(5)

درر الحكام 3/ 370 ذكر الدكتور الخياط في 2/ 23 من كتابه الشركات أن من شروط المفاوضة عند الحنفية أن يتساوى الشركاء في أموالهم المشترك فيها، وفي أموالهم الخاصة، أي التي لم تعقد عليها الشركة فلا يجوز أن يشترك كل منهم بألف دينار ويمتلك أحدهم ألفاً والآخر خمسمائة بل لابد أن يكون ما يملكه كل منهم مساوياً للآخر= = ولكن الحقيقة خلاف هذا، فالحنفية يشترطون ألا يبقى للشركاء شيء من الأملاك الخاصة التي تصلح أن تكون رأس مال للشركة، وإذا بقي عند أحدهم دينار أو درهم تفسد الشركة، فجميع أملاكهم التي تصلح أن تكون رأس مال للشركة لابد أن يتم التعاقد عليها وإلاّ لم تكن مفاوضة، كما أنه يشترط في هذه الأموال أن تكون متساوية.

ص: 119

واشتراط التساوي في رأس المال يكون ابتداءً وانتهاءً، أي من حين عقد الشركة حتى تنفسخ، فلو زادت قيمة مال أحدهما بعد العقد وقبل الشراء فسدت المفاوضة وانقلبت عناناً، ولو حصل لأحدهما نقود من إرث أو هبة أو بيع عقار أو بأي طريق أخرى فحكم هذه الشركة الفساد، ويترتب على هذا أن تنقلب عنانا

(1)

.

وكما لا تنعقد إلاّ مع التساوي في رأس المال والربح والخسارة، فكذلك يشترط في عاقدها أهلية الوكالة والكفالة، والتساوي في التصرف والدين، فيكون كل منهما كفيلاً عن الآخر في كل ما يلزمه من عهدة ما يشتريه، كما أنه وكيل عنه، لأنها شركة عامة يفوض كل منهما إلى صاحبه على العموم في التجارات والتصرفات.

وأن يكون كل منهما مقتدراً على جميع ما يقتدر عليه الشريك الآخر من تصرف وعمل، فيشترط أن تكون بين حرين بالغين مسلمين، أو كتابيين أو كتابي ومجوسي.

ولا تنعقد إلاّ بلفظ المفاوضة

(2)

، أو بذكر ما يدل على جميع مقتضياتها

(3)

، لأن المعتبر هو المعنى.

(1)

فتح القدير 5/ 6، الفتاوى الهندية 2/ 308

(2)

المبسوط 11/ 154.

(3)

فتح القدير 5/ 7، المبسوط 1/ 179.

ص: 120

‌أحكام الكفالة بين المتفاوضين عند الحنفية:

والكلام في كفالة المتفاوضين يأتي في أربعة مواضع:

1 -

ما هو من ضمان التجارة.

2 -

ما يشبه ما هو من ضمان التجارة.

3 -

ما يشتريه لنفسه خاصة.

4 -

ما لا يشبه ضمان التجارة.

أولاً: ما هو من ضمان التجارة:

تثبت الكفالة بين المتفاوضين فيما هو من ضمان التجارة، وذلك كثمن المشترى في البيع الجائز، وقيمته في الفاسد، وأجرة ما استأجره للتجارة، وأثر ذلك هو توجه المطالبة نحوهما، وذلك لتحقق المساواة التي هي مقتضى المفاوضة

(1)

.

ثانياً: ما يشبه ما هو من ضمان التجارة:

وكذلك تثبت الكفالة بين المتفاوضين فيما يشبه ما هو من ضمان التجارة، وذلك كضمان الغصب، والإتلاف، والمخالفة، والوديعة، والعارية، والإقرار بهذه الأشياء، فكل ذلك يلزم شريكه

(2)

، لأن تقرر الضمان في هذه المواضع يفيد تملك الأصل للضامن فيكون بمعنى التجارة

(3)

.

ولو كفل أحدهما بمال عن مدين بأمر المكفول لزم صاحبه، ولو كانت الكفالة بغير أمر المكفول عنه لا يلزم صاحبه في الصحيح، لانعدام معنى المفاوضة انتهاءً؛ إذ لا يتمكن من الرجوع عليه، وعامة المشايخ جروا على الإطلاق، ولم يتعرضوا للتفرقة بين كونها بأمره أولا.

(1)

فتح القدير 5/ 9 - 10.

(2)

المصدر السابق 5/ 11، والفتاوى الهندية 2/ 309.

(3)

المصدر السابق، وفتح القدير 5/ 10.

ص: 121

«وكل وديعة كانت عند أحدهما فهي عندهما جميعاً، فإن مات المستودع قبل أن يبين لزمهما جميعاً»

(1)

.

وهذا كله مذهب أبي حنيفة، أما ضمان الغصب والاستهلاك فإن محمداً مع أبي حنيفة في أنه يلزم شريكه.

وخالف أبو يوسف فيهما، لأنه ضمان وجب بسبب غير تجارة، فلا يلزم شريكه، كأروش الجنايات، ولأنه بدل المستهلك، والاستهلاك لا تحتمله الشركة.

ولهما: أن ضمان الغصب والاستهلاك كضمان التجارة

(2)

، ودليل أبي يوسف يخرج الضمان عن كل ما ليس من جنس التجارة، كالكفالة والإقرار، وقصروا مذهبه على إخراج الغصب والاستهلاك فقط.

وذهب الحنابلة إلى إخراج جميع الغرامات عن الشركة، فلو اشترط شيء منها فسدت الشركة، لأنه غرر يؤدي إلى أن يلزم كل واحد منهما ما لزم الآخر خاصاً به، وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به

(3)

. وهذا هو الراجح.

ثالثاً: ما يشتريه لنفسه خاصة:

ما يشتريه كل واحد منهما مما يخصه أو يخص أهله كطعامهم وكسوتهم، وكذا استئجاره للسكنى، والركوب كالحج وغيره، يكون الآخر كفيلاً عنه، حتى كان لبائع الطعام والكسوة له ولعياله أن يطالب الآخر، ويرجع الكفيل على شريكه بما أدى عنه فيما اشتراه لنفسه

(4)

.

(1)

الفتاوى الهندية 2/ 309.

(2)

فتح القدير 5/ 11.

(3)

المغني 5/ 25.

(4)

فتح القدير 5/ 9، الفتاوى الهندية 2/ 308.

ص: 122

رابعاً: ما لا يشبه ضمان التجارة:

أما ما لا يشبه ضمان التجارة كأروش الجنايات، والمهر، والنفقة وبدل الخلع، والصلح عن قصاص، فلا يؤاخذ به شريكه

(1)

.

وهي جائزة عندهم استحساناً وفي القياس لا تجوز، وجه القياس أنها تضمنت الوكالة بمجهول الجنس، والكفالة بمجهول وكل ذلك بانفراده فاسد.

ووجه الاستحسان أمران: أحدهما ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فاوضوا فإنه أعظم للبركة.

والثاني: أن الناس يتعاملون بها من غير نكير وبه يترك القياس لأن التعامل كالإجماع

(2)

.

وقال الحنفية إذا تخلف شيء من شروط المفاوضة تنقلب عناناً

(3)

.

أما الحديث السابق فقد رده صاحب فتح القدير بقوله: «هذ الحديث لم يعرف في كتب الحديث أصلاً ولا يثبت به حجة على الخصم»

(4)

.

وأما دعوى أن الناس يتعاملون بها من غير نكير ففيه نظر؛ لأنه وجد من العلماء من ينكر إمكانية التعامل بهذه الصورة. كما سيأتي بيانه في الصفحة التالية فالحنفية يضيفون إلى الشروط المذكورة في شركة العنان ما يلي

(5)

:

1 -

لا تنعقد إلاّ بلفظ المفاوضة، أو بما يدل عليها.

2 -

يشترط في الشريك المفاوض أن تكون له أهلية الكفالة بالإضافة إلى أهلية الوكالة.

3 -

اشتراط إدخال الشركاء جميع أموالهم التي تصلح أن تكون رأس مال للشركة.

(1)

الفتاوى الهندية 2/ 310

(2)

فتح القدير 5/ 706.

(3)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 362، لعلي حيدر.

(4)

فتح القدير 5/ 706.

(5)

بدائع الصنائع 6/ 61.

ص: 123

4 -

اشتراط التساوي في رأس مال الشركة، وبناءً عليه لو حصل لأحدهم نقود عن طريق الهبة أو الإرث، أو بأي طريق أخرى فسدت المفاوضة وانقلبت عناناً.

5 -

اشتراط التساوي في الربح والخسارة والتصرف والدين.

6 -

أن تكون عامة في جميع التجارات، فلا يختص أحدهما بتجارة دون الآخر

(1)

.

والحقيقة أن هذه الشركة بالشروط التي ذكرها الحنفية غير واقعية، ويستحيل وجودها، على هذه الصورة، وإن وقعت فمن المتعذر بقاؤها، لأنه يبعد تساوي أموال عمرو وزيد بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر بريال واحد، ولا يمكن أن يبقي ذلك مدة العقد في مجرى العادة. وقد صرح بهذا بعض فقهاء الحنفية قال علي حيدر:(فهذا النوع من الشركة كالمعدوم في زماننا)

(2)

.

وقال الشيخ علي الخفيف: والواقع أن شركة المفاوضة على ما ذهب إليه الحنفية لا تعد شركة واقعية، وليس لوجودها بقاء إذا ما وجدت

(3)

.

وعلى فرض وجودها فإن شروط الكفالة التي ذكرت لا تصح، إلا ما كان خاصاً بنشاط الشركة.

وبعد خلوها من كفالة الشريكين إلاّ ما كان خاصاً بأعمال الشركة، نقول إنها فرد من أفراد شركة العنان، لا على أنها نوع خاص بشروط خاصة.

والحنفية يقسمون الشركات إلى عنان ومفاوضة، والمفاوضة إما أن تكون بمال حاضر كالعنان، وسبق بيانها وشروطها، وقد تكون وجوه أو شركة أعمال

(4)

، وسيتم بيانهما في موطنهما.

(1)

بدائع الصنائع 6/ 61.

(2)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 362 - 363.

(3)

الشركات لعلي الخفيف ص 63.

(4)

المبسوط 11/ 179.

ص: 124

‌المبحث الثاني شركة الوجوه

‌تعريفها:

هي أن يتفق اثنان أو أكثر على أن يشتروا بالنسيئة وأن ما يشتريه أي واحد منهم للشركة يكون مشتركاً بينهم، بالتساوي أو بالتفاضل، على الوضع الذي يتم الاتفاق عليه، وعلى أن يبيعوا ما يشترونه، وما ينتج عن ذلك من ربح يكون بينهم، وليس للشركة رأس مال حاضر عند العقد.

وجه التسمية:

سميت بشركة الوجوه لأنهما يعملان فيها بجاههما، والجاه والوجه واحد، يقال: فلان وجيه إذا كان ذا جاه

(1)

، «والشركاء فيها في العادة لا يكونون إلاّ من وجوه الناس الذين هم موضع الثقة»

(2)

.

‌حكمها:

شركة الوجوه جائزة عند الحنابلة والحنفية

(3)

.

لكن صورتها عند المذهبين تلتقي في جانب وتختلف في جانب، فصورتها عند الحنابلة هي كما جاء في التعريف السابق.

أما الحنفية فالشركات عندهم إما أن تكون عناناً أو مفاوضة، فإن كانت عناناً فهي بمال حاضر، أو بالجاه، أو العمل، وكذلك إن كانت مفاوضة فهي إما بالمال، أو بالجاه، أو بالعمل

(4)

. فإن كانت شركة وجوه منبثقة من العنان فهي كما هي عند الحنابلة، وإن كانت شركة وجوه تأخذ شكل المفاوضة عند الحنفية فتطبق عليها

(1)

كشاف القناع 3/ 526.

(2)

الشركات للخفيف ص 97.

(3)

كشاف القناع 3/ 526، فتح القدير 5/ 30.

(4)

الكلام في الشركة لأعمال - سيأتي في الفصل التالي.

ص: 125

أوصاف وشروط المفاوضة التي سبق بيانها في المبحث الأول من هذا الفصل، إلاّ أنه ليس لها رأس مال حاضر عند العقد، وإنما يشتركون فيما يحصلون عليه بجاهم.

أما المالكية والشافعية فهي غير جائزة عندهم بالصورة التي أجازها الحنفية والحنابلة.

والصورة التي قال المالكية بعدم جوازها هي: ما إذا تعاقدا على أن يشتريا شيئاً غير معين بلا مال ينقدانه، يعني على اشتراء شيء بدين في ذمتهما على أن كلاً حميل عن الآخر، ثم يبيعانه وما حصل من ربح فبينهما، وقالوا إنما فسدت لأنها من باب تحمل عني وأتحمل عنك، وهو ضمان بجعل، وأسلفني وأسلفك، وهو سلف جر منفعة

(1)

.

وهذه الشركة فاسدة عندهم، ويسمونها شركة الذمم.

والصورة التي قال الشافعية بعدم جوازها هي ما إذا عقدا الشركة على أن يشارك كل واحد منهما صاحبه في ربح ما يشتريه بوجهه، وهي عندهم شركة باطله

(2)

، وهناك صورة أجازها المالكية، وصورة أخرى أجازها الشافعية.

فالصورة التي أجازها المالكية، هي ما إذا «دخلا على شراء شيء معين وتساويا في التحمل، وهو بينهما إذا وقع على ما تعاقدا عليه من تساو أو غيره»

(3)

والصورة الجائزة عند الشافعية هي: «ما إذا وكل كل واحد منهما صاحبه في شراء شيء بينهما، واشترى كل واحد منهما ما أذن فيه شريكه، ونوى أن يشتريه بينه وبين شريكه، دخل في ملكهما وصارا شريكين فيه، فإذا بيع قسم الثمن بينهما»

(4)

.

(1)

الشرح الكبير للدردير 3/ 326 - 327.

(2)

المجموع 13/ 518.

(3)

الشرح الكبير للدردير 3/ 326 - 327، المدونة 5/ 12/ 14، التاج والإكليل 5/ 134.

(4)

المجموع 13/ 518، مغني المحتاج 2/ 212 بتصرف.

ص: 126

مدار الخلاف بين المانعين والمجيزين:

هو أن المانعين وهم المالكية والشافعية يشترطون أن يكون ما سيشترى بالنسيئة معلوماً، كما أن المالكية ينصون على أن يقوم الشريكان بعقد الشراء جميعاً، أما الشافعية فإنهم يجيزونها إذا وكل أحدهما الآخر، ونوى المشتري الشراء لهما

(1)

، ولم يسموا هذه الصورة المستثناة شركة وجوه باصطلاحهم.

أما الحنابلة والحنفية فلا يشترطون أن يتم الاتفاق على شراء شيء معين، وإنما يصح الاتفاق على ما سيشترى بدون تحديد، كما أنهم لا يشترطون أن يكون الشراء منهما جميعاً وإنما يصح من أحدهما، وبدون توكيل في شيء معين.

الأدلة:

استدل من أجاز شركة الوجوه بما يأتي:

1 -

إنها تشتمل على شراء بالنسيئة، وتوكيل كل شريك صاحبه في البيع والشراء وكل منهما مشروع، والمصلحة تقتضيها، وليس فيها مفسدة

(2)

2 -

واستدل الحنفية على جوازها «بأن الناس يتعاملون بها في سائر الأمصار من غير إنكار من أحد، وهو إجماع (سكوتي)»

(3)

.

وقد استدل المالكية على النوع الذي أجازوه من هذه الشركة «بعمل الماضين من السلف، وإن كانت علة المنع وهي الضمان بجعل والسلف بمنفعة موجودة»

(4)

.

(1)

ذكر الخياط في كتابه الشركات 2/ 46 وما بعدها، والشيخ علي الخفيف في كتابه الشركات ص 97 أن مذهب المالكية والشافعية لا يجيز شركة الوجوه مطلقاً، وأوردا أدلة تفيد المنع بالكلية، والذي أود التأكيد عليه هو أن المنع ليس على إطلاقه، وبالتالي فإن سوق الأدلة على المنع والرد عليها فيه نظر كما بينا في الصورة الجائزة عند المذهبين، انظر مصادر المذهبين في الصفحة السابقة.

(2)

كشاف القناع 3/ 526.

(3)

بدائع الصنائع 6/ 57.

(4)

الشرح الكبير للدردير 3/ 327.

ص: 127

واستدل الشافعية على النوع الذي أجازوه من هذه الشركة: «بأنها بدل مالهما»

(1)

. الذي ثبت في الذمة.

واستدل المالكية على الصورة التي منعوها بما يأتي:

1 -

إنما فسدت لأنها من باب تحمل عني وأتحمل عنك وهو الضمان بجعل وأسلفني وأسلفك وهو سلف جر منفعة

(2)

.

2 -

أن الشركة إنما تعقد على المال أو على العمل، وكلاهما معدومان، مع ما في ذلك من الغرر، لأن كل واحد منهما عارض صاحبه بكسب غير محدود بصناعة ولا عمل مخصوص

(3)

.

واستدل الشافعية على الصورة التي منعوها بما يأتي:

أ- بأن المال المشترك في عقد الشركة الذي يرجع إليه عند انفساخ العقد مفقود فيها، فلهذا لا تصح هذه الشركة

(4)

.

ب- ولأن كل ما يشتريه كل واحد منهما ملك له يتفرد به، فلا يجوز أن يشاركه غيره في ربحه

(5)

.

مناقشة الأدلة:

قول المالكية فيما أبطلوه من هذه الشركة أنه من باب تحمل عني وأتحمل عنك وهو ضمان بجعل غير مسلم، فكل ما تقضيه هذه الشركة هو التضامن بين

(1)

المجموع 13/ 518.

(2)

الشرح الكبير للدردير 3/ 326 - 327.

(3)

بداية المجتهد 2/ 211.

(4)

مغني المحتاج 2/ 212.

(5)

المجموع 13/ 518.

ص: 128

الشريكين في ثمن ما يشتريانه، وهو تعاون مشروع لا شيء فيه، وليس من باب الضمان بجعل، فكل منهما له ربحه على ما شرطا لا يأخذ من ربح شريكه شيئاً، وعليه خسارته وحده، وقولهم إنها من باب أسلفني وأسلفك وهو سلف جر نفعاً غير مسلم أيضاً، لأن أحدهما إذا دفع ثمن ما اشترياه فهو بحكم التضامن الذي اتفقا عليه في العقد، لا من باب أسلفني وأسلفك، ويوضح ضعف دليلهم أنهم أباحوا ما إذا كان المشترى معيناً، وهذا شامل له، فدليلهم ضعيف لعدم الاضطراد.

وقولهم إن الشركة إنما تعقد على المال أو على العمل وكلاهما معدومان، يجاب عنه بأن الفقهاء لم يتشرطوا حضور رأس المال في هذه الشركة، لتعامل المسلمين بها من غير نكير، فالشركاء عقدوا على مال هو ما سيشترى بالنسيئة، لأنه محل الشركة والربح.

ويناقش هذا الدليل بأن المالكية أجازوا شركة الأعمال مع أن العمل يأتي بعد العقد، ومثله العمل في شركة الوجوه.

وقولهم العمل معدوم فيها غير دقيق، فهي لا تخلو من العمل؛ إذ إن عملية البيع والشراء تعد عملاً.

ويرد على الشافعية في منعهم لشركة الوجوه بعدم وجود المال المشترك الذي يرجع إليه عند انفساخ العقد، بأنه ليس من شرطها أن يكون هناك مال حاضر عند العقد لما قدمنا، والمعول عليه عند الانفساخ هو إعطاء كل ذي حق حقه من الشركاء حسب ما اتفقوا عليه.

ص: 129

الترجيح:

بعد استعراض الأدلة ومناقشتها يترجح جواز شركة الوجوه، وهو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة، لأن الشريكين في شركة الوجوه يأخذان بضاعة بالدين، ويتفقان على بيعها، وعلى اقتسام ما ينتج عنها من أرباح أو خسائر، فما الذي يمنع من جوازها؟

وكما أنه يمكن لشخص أن يأخذ بضائع من التجار بالدين ويبيعها فإنه يمكن أن يشاركه فيها شخص آخر.

كما أن فيها فتحاً لباب التجارة والربح أمام من لا مال له، ولأن الأصل في العقود الإباحة، ما لم يدل دليل على التحريم ولم يوجد ذلك.

ص: 130

‌الفصل الثاني: شركات الأعمال

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: شركة الصنائع.

المبحث الثاني: الشركة في المباحات.

ص: 131

‌المبحث الأول شركة الصنائع

وتسمى بشركة الأبدان والأعمال، والصنائع، والتقبل. وهي:(أن يشتركا على عمل من الأعمال كالخياطة أو القصارة أو غيرهما، فيقولا اشتركنا على أن نعمل فيه على أن ما رزق الله عز وجل من أجرة فهو بيننا على شرط كذا)

(1)

. وهذه الشركة تعتمد على الجهد البدني أو الفكري، ويشترك فيها اثنان أو أكثر في عمل معين، أو في تقبل الأعمال، ويكون ما يكسبانه مشتركاً بينهما بحسب الاتفاق، فإذا اشترك كاتبان في عمل فكري ككتابة كتاب ونشره، أو اشترك طبيبان في فتح عيادة، أو اشترك خياطان في تقبل الخياطة، واتفقا على أن ما يكسبانه بينهما، كان ذلك شركة أعمال

(2)

.

‌وجه التسمية:

سمى هذا النوع من الشركة بشركة الأبدان، لأن المشتركين يعملون بأبدانهم، وبشركة الأعمال لأن المعقود عليه في هذه الشركة عمل المشتركين، وما تستلزمه في بعض الأحوال من مال يكون تابعاً للعمل، فالعمل هو أساس هذا النوع من الشركة، وبشركة الصنائع لأن أغلب المعقود عليه فيها هو الصنعة، وبشركة التقبل لأن ما يتقبله أحد الشركاء يلزم الآخر، أو لأن من صورها أن أحدهما يتقبل والآخر يعمل

(3)

.

(1)

بدائع الصنائع 6/ 57، فتح القدير 6/ 187. م الحلبي.

(2)

الشركات للخياط 2/ 35.

(3)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية 3/ 364، الشركات لسعود بن دريب ص 54.

ص: 133

‌حكمها:

اتفق جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة على جواز هذا النوع من الشركة في الجملة، واختلفوا في بعض صورها وفي بعض شروطها.

وذهب الشافعي وابن حزم الظاهري إلى عدم جواز شركة الأبدان.

أدلة الفريقين:

استدل الجمهور القائلون بجواز شركة الأبدان بما رواه أبو داود عن أبي عبيدة عن عبد الله - يعني ابن مسعود - قال: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، قال فجاء سعد بأسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء

(1)

.

وهذا الحديث صريح في الدلالة على جواز شركة الأبدان، ومثله لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واستدل الأحناف على جوازها بتعامل الناس بشركة الأبدان في سائر الأمصار من غير إنكار من أحد عليهم

(2)

، وهو إجماع سكوتي متكرر الوقوع.

أدلة المانعين:

استدل المانعون لشركة الأبدان بما يلي:

1 -

ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» .

«وهذا الشرط ليس في كتاب الله تعالى فيكون باطلاً»

(3)

.

2 -

ولأن عمل كل واحد منهما ملك له يختص به فلم يجز أن يشاركه الآخر في بدله

(4)

.

(1)

سنن أبي داود 3/ 349.

(2)

بدائع الصنائع 6/ 59.

(3)

المجموع 13/ 515.

(4)

المصدر السابق.

ص: 134

ويؤيده قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} البقرة: 286، فتختص كل نفس بكسبها، وهذا كله عموم في الدنيا والآخرة

(1)

3 -

ولما فيها من الغرر؛ إذ لا يدري إن كان صاحبه يكسب أم لا

(2)

.

مناقشة الأدلة:

الرد على أدلة المجيزين: رد الشافعية والظاهرية على أدلة الجمهور بما يأتي:

1 -

حديث أبي داود فيه انقطاع، لأن أبا عبيدة لا يذكر من أبيه شيئاً فهو حديث مرسل

(3)

. قال ابن حزم: «روينا من طريق وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة قال: قلت لأبي عبيدة: أتذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا»

(4)

.

2 -

لو صح هذا الحديث لكان أعظم حجة، [يعني أعظم حجة لهم بعدم جواز شركة الأبدان]، لأنه لا يجوز أن ينفرد أحد من العسكر بما يصيب دون جميع العسكر

(5)

.

3 -

إن هذه الشركة لم تتم، ولا حصل لسعد ولا لعمار ولا لابن مسعود من ذينك الأسرين شيء، لأن حكم توزيع الغنائم نزل في نهاية معركة بدر

(6)

.

الجواب على الرد:

1 -

الحديث المرسل حجة عند جمهور الفقهاء، إذا كان المرسل ثقة، ولا يمنع العمل به إلاّ الإمام الشافعي رحمه الله مع أنه يقبل بعض المراسيل بشروط،

(1)

المحلى 8/ 542.

(2)

حاشية الشرواني 5/ 3.

(3)

المحلى 8/ 544 - 545.

(4)

المصدر السابق.

(5)

المحلى 8/ 544 - 545.

(6)

المصدر السابق.

ص: 135

ويمنع العمل به أيضاً الظاهرية، والمرسل في هذا الحديث هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، قال ابن حجر:«كوفي ثقة من كبار الطبقة الثالثة»

(1)

، وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وذكره الشوكاني في نيل الأوطار.

2 -

القول بأنه لا يجوز أن ينفرد أحد من العسكر بشيء صحيح، ولكن هذا الحكم بعد نزول حكم الغنائم {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الأنفال: 1، أما قبل ذلك فقد كان جائزاً، كما حصل بين سعد وعمار وابن مسعود، والحديث كان قبل نزول حكم الغنائم.

3 -

القول بأنها شركة لم تتم صحيح، ولكنه لا يدل على عدم جواز شركة الأبدان، فالمنسوخ من الحديث هو اشتراكهم فيما غنموا في الحرب، أما أصل الاشتراك في عمل مباح فدلالة الحديث باقية عليه.

الرد على أدلة المانعين:

قولهم: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، المراد بكتاب الله حكم الله

(2)

، وقد جاء في حكم الله جواز شركة الأبدان؛ حيث فهم من حديث ابن مسعود كما قدمنا، ولأن الأصل في التصرفات المالية الحل ما لم ينص على تحريمها، أو تتضمن محرماً.

وقولهم: عمل كل واحد منهما ملك له يختص به، فلم يجز أن يشاركه الآخر في بدله، يقال لهم كذلك مال كل منهما ملك له يختص به مثل عمله، فلماذا أجزتم المشاركة في المال ومنعتموها في العمل؟

(1)

تقريب التهذيب.

(2)

القواعد النورانية، لابن تيمية 187 ط 1.

ص: 136

ويقال لهم أيضاً: محل الاختصاص في المال والعمل إذا لم تكن شركة، واشتراكهما في كسب العمل لا يعني أن أحدهما أخذ من الآخر ما كسبه، بل كل منهما أخذ من كسبهما ما يقابل عمله.

وقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة: 286) يعني من الثواب والعقاب، بدليل شرع الشركات الأخرى، فإنها لا تخلو من عمل كما في شركة العنان، أو فيها عمل من جانب كما في المضاربة.

وقولهم فيها غرر لأنه لا يدري أيكسب أم يخسر، يقال لهم كذلك في شركة العنان لا يدري أيكسب أم يخسر، مع أنكم أجزتموها.

الترجيح:

بعد مناقشة أدلة الفريقين، يترجح لي جواز شركة الأبدان، وهو رأي جمهور الفقهاء، وذلك لقوة أدلتهم، ولأنه ليس فيها مفسدة، بل فيها مصلحة، وهي توسيع لأبواب الاكتساب للذين ليست لهم أموال، ولأن العمل أحد جهتي المضاربة وهي جائزة اتفاقاً، فجاز أن تعقد عليه الشركة هنا كما في المضاربة.

ومن صور هذه الشركة ما لو قال أحدهما: أنا أتقبل وأنت تعمل صحت الشركة، جعلاً لضمان المتقبل كالمال

(1)

، فلو اتفق مالك المصنع مع مهندس على أن يتقبل المالك الأعمال ويسلمها المهندس ليصلح عملها وقيمة العمل بينهما بالنصف أو نحو ذلك فهو جائز، لأن التقبل من صاحب المصنع عمل، وجعلاً لضمانه كالمال.

(1)

كشاف القناع 3/ 527، فتح القدير 5/ 22.

ص: 137

وقد اشترط المالكية في شركة الأعمال اتحاد الصنعة، كاشتراك حدادين، أو التلازم بين صنعتين أو أكثر عرفاً، كأن يشترك نساج وغزال، أو قصار وخياط، فإن اختلفت الصنعة كحداد ونجار فلا تجوز الشركة عندهم

(1)

.

أما اتحاد المكان فقد اختلف فقهاء المالكية في اشتراطه، فاشترط بعضهم اتحاد المكان، كأن يكونا في حانوت واحد، فإذا اختلف المكان لم تجز الشركة

(2)

.

وذهب بعضهم إلى عدم اشتراط ذلك

(3)

.

ولم يشترط الحنابلة والحنفية أياً من هذه الشروط، فتجوز عند اتحاد الصنعة، وعند اختلافها، ولا يشترط فيها التلازم، ولا اتحاد المكان

(4)

.

وقد قسم الحنفية شركة الأعمال إلى قسمين:

1 -

شركة مفاوضة: وهي أن يشترك العاملان في تقبل الأعمال، ولا يشترط اتحاد صنعتهم، ويكون كل منهما كفيلاً لصاحبه في ضمان العمل، وكل ما يلزم أحدهما من حقوق يلزم الآخر، ويتساويان في الأجر والدين، ويشترط أن يراعى لفظ المفاوضة أو معناها حين العقد

(5)

.

2 -

شركة عنان: ولا يشترط فيها عند الحنفية ما يشترط في شركة المفاوضة عندهم من أهلية الكفالة والتساوي في الأجر، وإنما يشترط لها أهلية الوكالة فقط

(6)

، وقد مضى الكلام على شركة المفاوضة عند الحنفية.

أما الحنابلة والمالكية فلا يقولون بهذا التقسيم.

(1)

حاشية الدسوقي 3/ 325.

(2)

المدونة 5/ 12/ 42.

(3)

المصدر السابق، والشرح الكبير للدردير 3/ 324، الرهوني على الزرقاني 6/ 63.

(4)

كشاف القناع 3/ 527.

(5)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 364 - 365، لعلي حيدر.

(6)

بدائع الصنائع 6/ 63.

ص: 138

ترتب الضمان على الشركاء في شركة الأعمال:

اتفق الفقهاء القائلون بجواز شركة الأبدان وهم الحنفية والمالكية والحنابلة على أنه يترتب الضمان على الشركاء في شركة الأبدان.

فإذا قبل أحد شريكي العمل عملاً. فإنه يلزمه ويلزم شريكه أن يعملاه؛ إذ لا يشترط في شركة العمل أن يعقدا معاً، حتى إن لصاحب السلعة التي يريد أن تصنع، أو تصلح له كالسيارة، أن يطالب الشريك الذي لم يتفق معه بعمل شريكه، وللشريك الذي لم يتقبل العمل أن يطالب رب السيارة بالأجرة، ويبرأ الدافع بدفع الأجرة إليه

(1)

.

وإن تلفت الأجرة في يد أحدهما من غير تفريط، فهي من ضمانهما، تضيع عليهما، لأن كل واحد منهما وكيل الآخر في المطالبة والقبض

(2)

.

وضمان كل منهما عمل ما تقبله الآخر، ومطالبة كل بأجرة الآخر، وبراءة الدافع إليه بالأجرة، لأن شركة الصنائع مقتضية للضمان، لأنها تضمنت توكيل تقبل العمل، فكان العمل بالضرورة مضموناً على الآخر، ولذا استحق من الأجرة بعض ما سمي للآخر بسبب نفاذ تقبله عليه

(3)

.

أما ما يتلف من الأعيان، أو الأجرة، بتعدي أحدهما أو تفريطه، أو تحت يده على وجه يوجب الضمان عليه كمنع، أو جحود، فالتالف عليه وحده، لانفراده بما يوجب الضمان.

(1)

حاشية الدسوقي 3/ 325 نشر دار الفكر، فتح القدير 5/ 29، كشاف القناع 3/ 527.

(2)

المصادر السابقة.

(3)

فتح القدير 5/ 30، كشاف القناع 3/ 527.

ص: 139

وإن أقر أحدهما بما في يده من الأعيان قبل إقراره عليه وعلى شريكه، لأن اليد له فيقبل إقراره بما فيها، بخلاف إقراره بما في يد شريكه

(1)

.

وإن مرض أحد الشريكين، أو ترك العمل ولو بلا عذر فالكسب بينهما على ما شرطاه، لأن العمل مضمون عليهما، وبضمانهما له وجبت الأجرة، فتكون لهما، ويكون العامل منهما عوناً لصاحبه في حصته، ولا يمنع ذلك استحقاقه، كمن استأجر رجلاً ليصلح له عربته فاستعان بآخر

(2)

.

وقال المالكية: ذلك إذا كانت غيبته، أو مرضه، قريبين، وإلاّ لم يلزمه، ولم يضمن

(3)

. القريبين اليومين والثلاثة.

وإن طالب الصحيح المريض، أو الحاضر الغائب أن يقيم مقامه من يعمل معه لزمه ذلك، لأنهما دخلا على أن يعملا فإذا تعذر عمل أحدهما بنفسه لزمه أن يقيم مقامه من يقوم بعمله، توفية لما يقتضيه العقد

(4)

.

(1)

كشاف القناع 3/ 528.

(2)

المصدر السابق.

(3)

الشرح الكبير للدردير 3/ 326.

(4)

كشاف القناع 3/ 528.

ص: 140

‌المبحث الثاني الشركة في المباحات

معناها:

أن يتفق اثنان أو أكثر على أن يعملوا في إحراز المباحات، كالاحتشاش والاحتطاب، والاصطياد في البراري أو من البحر؛ كإنشاء شركة أسماك ونحو ذلك، فما أحرزوه يكون شركة بينهم، وهي بهذا المعني من شركة الأبدان.

حكمها:

قال الحنابلة والمالكية: بجواز الشركة في المباحات

(1)

.

وقال الحنفية: لا تجوز الشركة فيها

(2)

.

الأدلة:

استدل الحنابلة والمالكية بحديث ابن مسعود وسعد وعمار السابق؛ حيث كانت غنائم بدر من قبيل المباحات، وذلك قبل أن يشرك الله بينهم.

واستدل الأحناف بأن الشركة تتضمن معنى الوكالة، والتوكيل في أخذ المال المباح باطل، لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه بدون أمره، فلا يصلح نائباً عنه، وإنما يثبت الملك لهما بالأخذ، وإحراز المباح، فإن أخذاه معاً فهو بينهما نصفان، لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئاً فهو للآخذ، وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله فللمعين أجر المثل بالغاً ما بلغ عند محمد، وعند أبي يوسف لا يجاوز نصف ثمن ذلك

(3)

.

(1)

المغني 5/ 6، المدونة 5/ 12/ 49.

(2)

فتح القدير 5/ 31 - 32.

(3)

فتح القدير 5/ 31 - 32.

ص: 141

جاء في المبسوط: «المباح لا يجوز أن يتملك بعقد الإجارة، وإنما يتملك بالإحراز»

(1)

.

الترجيح:

يترجح جواز الشركة في المباحات، لحديث سعد وعمار وابن مسعود، وسبق أن تم بيان صحة الاحتجاج به، ودلالته على المقصود، ولأنهما يشتركان في كسب مباح فصح، كما لو اشتركا في الخياطة والقصارة، وإذا قلنا المباح لا يملك بعقد الإجارة، فإنه سوف تتعطل كثير من مصالح المسلمين، لأنه ليس كل إنسان يستطيع أن يحرز المباح بنفسه، وإنما يحرزه بمن يؤجرهم على إحرازه، ولذا فإنه تجوز الشركة في المباحات، كما تجوز الإجارة على جمع المباح.

(1)

المبسوط 16/ 33.

ص: 142

‌الفصل الثالث شركات الأموال والأعمال

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: شركة المضاربة.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: في التعريف بشركة المضاربة، ومشروعيتها وأركانها، وشروطها.

المطلب الثاني: في أحكام شركة المضاربة.

المبحث الثاني: في شركة المفاوضة.

ص: 143

‌المبحث الأول شركة المضاربة

المطلب الأول: معناها في اللغة:

وهي مأخوذة من الضرب في الأرض، وهو السفر فيها للتجارة، قال تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (المزمل: 20).

والمضاربة أن تعطي إنساناً من مالك ما يتجر فيه على أن يكون الربح بينكما، أو يكون له سهم معلوم من الربح

(1)

، ويحتمل أن تكون من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم، وهي تسمية أهل العراق.

ويسميها أهل الحجاز القراض، قيل هي مشتقة من القرض بمعنى القطع، يقال قرض الفأر الثوب إذا قطعه، فكأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها إلى العامل، واقتطع له قطعة من الربح، وقيل اشتقاقها من المساواة والموازنة، يقال تقارض الشاعران إذا وازن كل واحد منهما الآخر بشعره، وههنا من العامل العمل ومن الآخر المال فتوازنا

(2)

.

معناها اصطلاحاً: «هي أن يدفع رجل ماله إلى آخر ليتجر له فيه، على أن ما يحصل من الربح يكون بينهما حسب ما يشترطانه»

(3)

.

فهذا النوع من الشركة تتمثل فيه الأموال والأعمال، لأن المال من جانب، والعمل من جانب آخر، والاشتراك بينهما يكون في الربح فقط، ويسمى دافع المال رب المال، ويسمى العامل المضارب أو المقارض.

(1)

لسان العرب، مادة: ضرب.

(2)

المغني 5/ 21 - 22.

(3)

المصدر السابق.

ص: 145

دليل مشروعيتها: من السنة:

ما رواه الإمام مالك، عن زيد بن أسلم عن أبيه، أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب، أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: أبناء أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضاً، فقال عمر: قد جعلته قراضاً، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله، أبنا عمر بن الخطاب، نصف ربح المال

(1)

.

وجه دلالة هذا الحديث: هو قول أحد جلساء عمر، لو جعلته قراضاً، وقول عمر رضي الله عنه، قد جعلته قراضاً، فهذان القولان يدلان على أن القراض كان معروفاً لدى الصحابة رضوان الله عليهم، وأنه كان جائزاً شرعا، تم تطبيقه في هذه الحادثة، حيث أخذ عمر رضي الله عنه رأس المال ونصف الربح، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف الربح، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.

(1)

الموطأ 2/ 687 وما بعدها، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/ 2/ 181.

ص: 146

2 -

ما رواه مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده أن عثمان بن عفان أعطاه مالاً قراضاً يعمل فيه، على أن الربح بينهما

(1)

.

وقد وردت آثار كثيرة عن جماعة من الصحابة تفيد جواز المضاربة، منها، ما أورده الشوكاني في نيل الأوطار، عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضارب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي. رواه الدار قطني، وأخرجه البيهقي، وقوى الحافظ اسناده

(2)

.

وعن عمر عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين أنه أعطى مال يتيم مضاربة، وأخرجه أيضاً البيهقي وابن أبي شيبة

(3)

.

الإجماع:

وقد أجمع المسلمون على جواز هذا النوع من المعاملة، نقله ابن المنذر

(4)

قال ابن حزم: «أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في الإسلام، وعمل به المسلمون عملاً متيقناً لا خلاف فيه»

(5)

. وفي بدائع الصنائع: وعلى هذا تعامل الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في سائر الأعصار من غير إنكار من أحد، وإجماع أهل كل عصر حجة

(6)

.

(1)

انظر: المصدرين السابقين.

(2)

نيل الأوطار 5/ 139، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/ 2/ 181.

(3)

نيل الأوطار 5/ 139.

(4)

الإجماع لابن المنذر، ص 58، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، طبع دار الكتب العلمية، بيروت.

(5)

المحلى 9/ 166.

(6)

بدائع الصنائع 6/ 79.

ص: 147

المعقول:

ولأن الحاجة ماسة إلى شرعها، فمن الناس من يملك المال ولا يحسن العمل بالاتجار فيه، ومن الناس من يحسن التجارة ولكن لا مال له، فكانت الحاجة ماسة إلى أن يستعين الأول في تنمية ماله، بعمل الثاني وخبرته فيه، فكان جوازها محققاً للمصلحة.

أركان المضاربة وشروطها:

أركان شركة المضاربة هي الأركان العامة للشركة، التي سبق أن تكلمنا عنها، وسنبحث هنا ما يحتاج إلى زيادة بحث من هذه الأركان.

أركان الشركة هي: العاقدان، والصيغة، والمحل.

العاقدان:

وهما رب المال والمضارب، ويشترط في رب المال أو من يعقد عنه أهلية التوكيل، ويشترط في المضارب أهلية الوكالة، وقد تناولنا أهلية عاقد الشركة فيما سبق.

وكما تجوز شركة المضاربة منفردة، وهي أن يكون رب المال واحداً والمضارب واحداً، يجوز أن يتعدد كل من الطرفين أو أحدهما.

الصيغة:

وهي الإيجاب والقبول، وتنعقد المضاربة بكل لفظ يدل عليها، كضاربتك أو قارضتك أو عاملتك أو نحو ذلك، ثم يوجد من الآخر ما يدل على قبوله، ولو قال رب المال ضاربتك بهذه النقود، وهي ألف ريال ثم أخذها المضارب، انعقدت المضاربة ولو لم يتلفظ بالقبول.

ص: 148

المحل:

ومحل شركة المضاربة يتكون من رأس المال والعمل، ورأس المال من رب المال، والعمل من المضارب، وقد سبق الكلام في رأس المال بما يكفي.

العمل:

المقصود من العمل هو التجارة من بيع وشراء، وما تستلزمه من عمل عرفاً، ويختلف باختلاف نوع التجارة التي يمارسها العامل.

والمضاربة بالنسبة لتصرف المضارب إما أن تكون مطلقة أو مقيدة، والمطلقة هي أن يدفع رب المال مضاربة من غير تعيين العمل أو المكان، أو تحديد صلاحيات المضارب بأي شرط من الشروط، وإنما يجعل الأمر موكولاً إليه.

والمقيدة: ما تتقيد بشيء مما تقدم.

وتصرف المضارب في المضاربة المطلقة على مراتب:

1 -

ما فوض فيه رب المال إلى رأي المضارب أن يعمله، كأن يقول اعمل فيها برأيك، فله التصرف بما يراه من المصلحة مما يحتمل أن يلحق بأعمال التجارة، كأن يخلط مال المضاربة بماله، وكذا المشاركة به وهو مذهب الحنابلة والحنفية والمالكية والثوري، لأنه قد يرى الخلط أو المشاركة أصلح له، فيدخل في قوله اعمل برأيك فيملكها

(1)

وقال الشافعية ليس له ذلك إلاّ بإذن رب المال

(2)

.

(1)

المغني 5/ 42، بداية المجتهد 2/ 200، الشرح الكبير للدردير 3/ 468 - 469، بدائع الصنائع 8/ 3616 - 3617 م الإمام، رد المحتار 4/ 669.

(2)

المجموع 14/ 214.

ص: 149

2 -

ما يجوز للمضارب أن يعمله من غير حاجة إلى التنصيص عليه، في المضاربة المطلقة، فله أن يتصرف بكل ما تتناوله التجارة عادة، من البيع والشراء، واستئجار البيوت وإعطاء الأجرة، والإيداع

(1)

، ونحو ذلك مما جرى العرف بأن للمضارب حق التصرف فيه، وهذا إذا لم ينص رب المال على منع المضارب منه.

3 -

ما ليس للمضارب أن يعمله إلاّ بإذن رب المال، كالاستدانة على مال المضاربة، وكالإقتراض من مالها، لأن القرض تبرع في الحال، ومال الغير لا يحتمل التبرع

(2)

.

ومثل أن يعطي المضارب مال المضاربة إلى آخر ليضارب به، فلا يجوز ذلك إلاّ بإذن رب المال، نص عليه أحمد في رواية الأثرم وحرب وعبد الله، ويكون العامل الأول وكيلاً لرب المال في ذلك، ولا يكفي لذلك قول رب المال للمضارب أعمل برأيك، لأن قوله أعمل برأيك يعني في كيفية المضاربة والبيع والشراء، وأنواع التجارة، وهذا يخرجه عن المضاربة، فلا يتناوله إذنه

(3)

.

وقيل: إنه إذا قال رب المال اعمل برأيك، أو بما أراك الله، جاز له دفعه مضاربة، لأنه قد يرى أن يدفعه إلى أبصر منه، وهو مذهب الحنفية

(4)

.

ولم يجز الشافعية للمضارب أن يضارب آخر ليشاركه في العمل والربح، وفي صحته بإذن رب المال خلاف عندهم

(5)

.

(1)

بدائع الصنائع 6/ 87، رد المحتار على الدر المختار 4/ 669.

(2)

بدائع الصنائع 6/ 90، رد المحتار على الدر المختار 4/ 669 كشاف القناع 3/ 518.

(3)

المغني 5/ 40، 42، الشرح الكبير للدردير 3/ 471.

(4)

بدائع الصنائع 8/ 3625 م الإمام، المغني 5/ 42.

(5)

فتح العزيز 12/ 41، مغني المحتاج 2/ 314.

ص: 150

أما المقيدة فعمل المضارب فيها غير مطلق، لأنه يجوز تقييد المضاربة بشروط مفيدة، لقوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم إلاّ شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.

وتفصيل هذا الموضوع يأتي في الشروط في المضاربة.

وكما أن أركان المضاربة هي أركان الشركة، فكذلك شروطها هي شروط الشركة، وقد ذكرناها هناك فلا نعيدها.

أما الشروط في المضاربة، وهي التي يشترطها المتعاقدان أو أحدهما في عقد المضاربة فمنها ما هو صحيح، ومنها ما هو فاسد.

فالصحيح هو الذي يقتضيه العقد أو يلائمه ولم يرد الشرع بتحريمه، مثل أن يشترط على العامل ألا يسافر بالمال أو لا يتجر إلاّ في بلد بعينه، أو نوع بعينه، غير نادر الوجود.

ويجب على المضارب تنفيذ الشروط الصحيحة التي يشترطها رب المال، فإن تعدى ما أمر به رب المال فإنه يرد المال وربحه ولا شيء له في نظير عمله كالغاصب، وهذا مذهب الحنابلة

(1)

، وقال المالكية: يضمن هلاك المال أو تلفه إلاّ الخسر، أما إذا نهاه عن شراء سلعة عينها له، فيضمن الخسر أيضا

(2)

. أما لو اضطر لعدم المندوحة لاقتحام ما نهي عنه فلا ضمان

(3)

الشروط الفاسدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: ما يؤدي إلى جهالة الربح: مثل أن يشترط للمضارب جزءاً من الربح مجهولاً، لم تصح المضاربة

(4)

، أو ربح نوع من أنواع التجارة التي يعمل فيها، أو

(1)

كشاف القناع 3/ 508.

(2)

الشرح الكبير للدردير 3/ 470.

(3)

بلغة السالك 2/ 250.

(4)

المغني 5/ 28 - 29.

ص: 151

ربح بعض المال دون البعض الآخر، أو ما يربح في هذا الشهر، أو يشترط جزءاً مجهولاً من الربح لأجنبي، فهذه شروط فاسدة يفسد بها العقد

(1)

، لأنها تفضي إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح، أو إلى فواته على أحدهما، ومن شرط المضاربة كون الربح معلوماً.

الثاني: ما ينافي مقتضى العقد: مثل أن يشترط لزوم المضاربة، أو لا يبيع إلاّ برأس المال، أو أقل، أو لا يبيع إلاّ ممن اشترى منه، أو أن يوليه ما يختاره من السلع، أو شرط على الشريك أو المضارب ضمان المال إن تلف بلا تفريط ولا تعد منه، أو شرط أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله، أو نحو ذلك، فهذه شروط فاسدة، لأنها تفوت المقصود من المضاربة، وهو الربح، أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الأصل.

الثالث: اشتراط ما ليس من مصلحة العقد: مثل أن يشترط على المضارب المضاربة له في مال آخر، أو يأخذه بضاعة، أو قرضاً، أو أن يخدمه في شيء بعينه، أو يشترط على المضارب أن ما يريد بيعه فهو الأحق بشرائه بثمنه.

فما يعود بجهالة الربح، أو احتمال انقطاعه يفسد المضاربة بلا نزاع

(2)

. ويترتب عليه فسخ المضاربة، لأن الفساد لمعني في العوض المعقود عليه فأفسد العقد، إلاّ أنه عند المالكية لا يترتب عليه فسخها، وإنما تستمر وللمضارب ربح مثل المال فيه

(3)

.

(1)

المصدر السابق، ص 31.

(2)

المغني 5/ 59، الإنصاف 5/ 424، بدائع الصنائع 8/ 3602 م الإمام، مغني المحتاج 2/ 313.

(3)

الشرح الكبير للدردير 3/ 465.

ص: 152

أما الشروط الفاسدة الأخرى فإنها لا تفسد المضاربة وإنما يفسد الشرط ويلغو دون العقد، وهو مذهب الحنفية والصحيح من مذهب الحنابلة

(1)

، وذكر القاضي وأبو الخطاب رواية أخرى:[أن شروط ما ينافي مقتضى العقد] تفسد العقد

(2)

، واحتج القائلون بعدم الفساد بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقالَتْ: كَاتَبْتُ أهْلِي علَى تِسْعِ أوَاقٍ، في كُلِّ عَامٍ وقِيَّةٌ، فأعِينِينِي، فَقُلتُ: إنْ أحَبَّ أهْلُكِ أنْ أعُدَّهَا لهمْ، ويَكونَ ولَاؤُكِ لي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلى أهْلِهَا، فَقالَتْ لهمْ فأبَوْا ذلكَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِندِهِمْ ورَسولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَقالَتْ: إنِّي قدْ عَرَضْتُ ذلكَ عليهم فأبَوْا إلَّا أنْ يَكونَ الوَلَاءُ لهمْ، فَسَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأخْبَرَتْ عَائِشَةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ: خُذِيهَا واشْتَرِطِي لهمُ الوَلَاءَ، فإنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم في النَّاسِ، فَحَمِدَ الله وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، ما بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا ليسَتْ في كِتَابِ الله، ما كانَ مِنْ شَرْطٍ ليسَ في كِتَابِ الله فَهو بَاطِلٌ، وإنْ كانَ مِئَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ الله أحَقُّ، وشَرْطُ الله أوْثَقُ، وإنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ. متفق عليه

(3)

.

فدل الحديث الشريف على أن الشروط التي تخالف مقتضى العقد، فاسدة بنفسها، غير مفسدة للعقد، ولأنه شرط لا يلائم المضاربة، وهو شرط بلا مقابل، ولا مصلحة فيه، وهو المنصوص عن الإمام أحمد في أظهر الروايتين عنه

(4)

، إلاّ أن الشافعية والمالكية قد زادوا في الشروط الفاسدة التي يفسد بها العقد ما إذا كانت هذه الشروط تنافي مقتضى العقد، أو تخل بمقصود الشركة كما يلي:

(1)

المغني 5/ 59، كشاف القناع 3/ 193، الإنصاف 5/ 424، بدائع الصنائع 8/ 3602 م الإمام.

(2)

المغني 5/ ص 60.

(3)

صحيح البخاري بشرحه فتح الباري 5/ 121، تيسير العلام 2/ 53.

(4)

المغني 5/ 59.

ص: 153

أ- كأن شرط رب المال على العامل الاحتراف بجانب التجارة، مثل لو قارضه ليشتري حنطة فيطحن ويعجن ويخبز ويبيع ذلك، أو يشتري غزلاً ينسجه ويبيعه، أو اشترط أن يخيط ثياب التجارة، أو يخرز جلودها، أو اشترط عليه أن يزرع، لا أن ينفق المال في الزرع من غير أن يعمل بيده، فسد القراض في هذه الصور عندهم، لأن العامل في هذه الصور ليس متجراً بل محترفاً، والاحتراف ليس من وظيفة المضارب

(1)

.

ب- كأن يضيق رب المال على العامل في التصرف: مثل أن يشترط عليه شراء متاع معين كهذه السيارة، أو هذا القطار، أو شرط عليه معاملة شخص بعينه كلا تبع إلا لمحمد، أو لا تشتري إلاّ من عمر، وذلك لإخلاله بالمقصود، لأن المتاع المعين قد لا يربح، والشخص المعين قد لا يعامله

(2)

.

وكاشتراط يده مع العامل في البيع أو الشراء، أو مشاورته، أو اشترط أميناً عليه، فهذا كله يفسد العقد لما فيه من التحجير على تصرفات المضارب، لأنه يخل بكمال التسليم إليه

(3)

.

أما اشتراط الاتجار فيما يندر وجوده كالخيل البلق، والياقوت الأحمر، والخز الأدكن، فقال الشافعية: يفسد العقد لأنه قد لا يجده، وقال المالكية: فاسد ولكن لا يترتب عليه فسخ العقد.

‌عمل رب المال مع المضارب:

ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والمالكية وبعض الحنابلة إلى أنه يشترط ابتداءً وبقاءً تسليم رأس المال إلى المضارب، بحيث لا يبقى لرب المال أو غيره يد

(1)

مغني المحتاج 2/ 311، الشرح الكبير للدردير 3/ 466، المدونة 5/ 12/ 89.

(2)

الشرح الكبير للدردير 3/ 467، مغني المحتاج 2/ 310 - 311، المغني 5/ 58.

(3)

مغني المحتاج 2/ 310 - 311، الشرح الكبير للدردير 3/ 466، المغني 5/ 57.

ص: 154

عليه مطلقاً، فلا تصح المضاربة إذا أعطى رأس المال لأمين آخر غير المضارب، وكذلك لا تصح إذا اشترط رب المال أن يعمل المضارب في رأس المال

(1)

، لأن هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، ولأن المضاربة مال من طرف وعمل من طرف آخر، فوجب تسليم المال إلى العامل حتى يقدر على التصرف فيه، فإذا أخل بشرط تسليم المال إلى المضارب كانت المضاربة فاسدة.

أما إذا لم يشترط عمل رب المال مع المضارب، ثم استعان المضارب برب المال، أو سلمه برضائه رأس المال، أو بعضه، جاز، لأنه من باب الاستعانة، فكما أن للمضارب حق الاستعانة بالأجنبي فله الحق في الاستعانة برب المال الذي هو أشفق على ماله من الأجنبي

(2)

.

ومذهب الحنابلة جواز اشتراط عمل رب المال مع المضارب، وقالوا: هو منصوص عن الإمام أحمد في رواية أبي الحارث

(3)

.

ولكن الذي فهمه القاضي أبو يعلى من كلام الإمام أحمد هو جواز عمل رب المال مع المضارب إذا لم يكن عمله مشروطاً، وهو ما ينبغي حمله عليه، لأن اشتراط عمل رب المال مع المضارب شرط ينافي مقتضى العقد، والإمام أحمد لا يقول بما ينافي مقتضى العقد.

‌توقيت المضاربة:

من القيود التي يمكن أن توضع في عقد المضاربة هو توقيتها بمدة معينة، وقد اختلف الفقهاء في جواز توقيت المضاربة، فذهب الحنابلة والحنفية إلى جواز

(1)

المغني 5/ 24.

(2)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 458، حاشية الشرواني وتحفة المحتاج 5/ 241، روضة الطالبين 5/ 118، الشرح الكبير للدردير 3/ 521، المغني 5/ 24، الإنصاف 5/ 432، المدونة 5/ 12/ 111.

(3)

المغني 5/ 24، الإنصاف 5/ 432.

ص: 155

توقيتها بمدة معينة كسنة أو سنتين، أو نحو ذلك، وتنتهي بانتهائها المضاربة

(1)

، وذلك بناءً على أنها تتضمن الوكالة، والوكالة تقبل التوقيت

(2)

.

وفائدة التوقيت هو انفساخ الشركة بانتهاء الوقت، إذا كان مالها حين انتهاء الوقت قد أصبح نقوداً، والتوقيت لا يمنع فسخ العقد قبل مضي الوقت، لأن المضاربة عقد غير لازم.

وذهب الشافعية والمالكية وابن حزم إلى أنه لا يجوز توقيتها، فإذا أقتت فسدت، لأن الربح ليس له وقت معلوم، ولأن تلك المدة قد لا يروج فيها شيء

(3)

، ولأن فيه تضييقاً على العامل يدخل عليه مزيد غرر، لأنه ربما بارت عنده سلع فيضطر عند بلوغ الأجل إلى بيعها فيلحقه في ذلك ضرر

(4)

.

الترجيح:

الراجح هو القول بجواز التوقيت؛ إذ ربما كان للعاقدين مصلحة فيه، وإذا انتهت المدة ووجدا من المصلحة امتداد العقد فإنهما يستأنفان عقده، كما أنه ليس ضرورياً أن تكون المضاربة رابحة، فهي معرضة للربح وللخسارة، وقولهم فيه غرر، غير مسلم، لأن التوقيت أبعد عن الغرر من عدم التوقيت.

والقول بأنه ربما يضطر عند بلوغ الأجل إلى بيعها فيلحقه في ذلك ضرر، يقال بأنه يحق له الانتظار إلى أوان أسواق السلع، ولكن ليس له المقايضة بسلعة أخرى باتفاق الأئمة الأربعة

(5)

.

(1)

المغني 5/ 58، رد المحتار على الدر المختار 4/ 670.

(2)

بدائع الصنائع 6/ 87.

(3)

حاشية الشرواني 5/ 343، 9/ 116.

(4)

بداية المجتهد 2/ 197.

(5)

المغني 5/ 12/ 128 - 129، وسيأتي بسط هذا الموضوع إن شاء الله.

ص: 156

‌المطلب الثاني: أحكام المضاربة.

‌الحكم الأول: الشركة في الربح، والخسارة على رب المال.

الحكم الثاني: المضارب حر في تصرفاته، إلاّ ما يتنافى ومصلة المضاربة.

الحكم الثالث: المضارب وكيل، وأمين.

الحكم الرابع: نفقة المضارب الخاصة به.

الحكم الأول: الشركة في الربح، والخسارة على رب المال

المضاربة عقد على الاشتراك في الربح، فرب المال يستحق الربح بماله، والمضارب يستحقه بعمله، والخسارة تكون على رأس المال في جميع الأحوال، فلا يصح أن يشترك العامل في الخسارة، «لعدم مشاركته له في رأس المال؛ إذ الرجوع في الخسران على رأس المال، وهو مختص بملك ربه، لا شيء للعامل فيه، فيكون نقصه في ماله دون غيره، وإنما يشتركان فيما يحصل من النماء، فأشبه المساقاة والمزارعة، فإن رب الأرض والشجر يشارك العامل فيما يحدث من الزرع والثمر، وإن تلف الشجر أو هلك شيء من الأرض بغرق أو غيره لم يكن على العامل شيء»

(1)

.

وتوزيع الأرباح يكون فيما زاد على رأس المال، فتوزع على المقدار الذي اتفق عليه عند العقد.

وإذا ربح المضارب ثم خسر فإنه يرد الوضيعة على الربح، وهذه المسألة لها أربع صور:

(1)

المغني 5/ 31 - 32.

ص: 157

1 -

ما يفوت من رأس المال قبل العمل فيه بسبب تلف أو ضياع، وهذا تنفسخ فيه المضاربة، ويكون رأس المال هو الباقي خاصة، ولا يجبر بالربح، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، والأظهر من مذهب الشافعية

(1)

.

واستدل الحنفية لذلك بأنه هلك قبل تمام العقد

(2)

واستدل الحنابلة بأنه مال هلك على جهته قبل التصرف، أشبه التالف قبل القبض، وفارق ما بعد القبض، لأنه دار في التجارة

(3)

.

واستدل الشافعية «بأن العقد لم يتأكد بالعمل»

(4)

.

وقال المالكية: ما يصيب رأس المال من تلف أو نقص أو خسارة متى كان في يد المضارب يجبر بالربح، سواء قبل العمل أم بعده

(5)

.

ومن المعلوم أن الجبر إذا بقي شيء من المال، أما لو ذهب جميعه، ثم رد رب المال بدله فإن الربح لا يجبره

(6)

.

الترجيح:

والراجح عندي هو مذهب الجمهور وهو أن ما تلف من رأس المال قبل العمل فيه لا يجبر بالربح، وذلك لأن الخسارة التي تجبر بالربح هي الخسارة الناتجة عن البيع والشراء وتصرف العامل في رأس المال، ثم إن القول بأنه يجبر بالربح ينتقض فيما لو تلف جميع رأس المال، فلو تلف رأس المال كله لا يمكن جبرانه بربح، فكذلك إذا تلف بعضه.

(1)

مغني المحتاج 2/ 319، المغني 5/ 32، كشاف القناع 3/ 518.

(2)

بدائع الصنائع 6/ 113، 8/ 3541 م الإمام.

(3)

كشاف القناع 3/ 518.

(4)

تحفة المحتاج 5/ 256.

(5)

المدونة 5/ 12، 99، الشرح الكبير للدردير 3/ 473، الخرشي 6/ 216، وقد تقدم بعض هذه الأحكام في فصل الربح والخسارة.

(6)

الخرشي 6/ 216.

ص: 158

2 -

أن يحصل ربح أو خسران قبل قبض رب المال لرأس ماله وقبل قسمة الربح، وفي هذه الحال يجبر الخسران بالربح اتفاقاً.

3 -

أن يظهر ربح فيقسم ويبقى رأس المال مع المضارب ليتجر فيه، ثم يحدث له بعد ذلك تلف أو خسران، وفي هذه الحالة يجبر هذا النقص بالربح فيسترد من العامل ما أخذ من الربح جبراً للنقص، ويحتسب ما أخذه رب المال من رأس المال وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة، وذلك لأن استقرار ملك العامل عندهم جميعاً لا يكون إلاّ بقبض رأس المال جميعه

(1)

.

وقال ابن حزم: «إذا اقتسما الربح فقد ملك كل واحد منهما ما صار له، فلا يسقط ملكه عنه، لأنهما على هذا تعاملا، وعلى أن يكون لكل واحد منهما حظ من الربح، فإذا اقتسماه فهو عقدهما المتفق على جوازه»

(2)

.

وهذا هو الأظهر عندي، للدليل الذي ذكره ابن حزم، لأنه لو استمرت هذه المضاربة خمسين سنة وهي تربح كل سنة، ثم في السنة الأخيرة حصل خسارة تستغرق أرباح السنين الماضية فمن غير المعقول أن ترد أرباح كل هذه السنين، والأئمة لم يوردوا نصوصاً من الكتاب والسنة تجعلنا نرجح رأيهم.

4 -

أن يحدث ربح فيقسم الربح، ويتسلم رب المال ماله، أو يتحاسبا حساباً كالتسليم، تتوقف بموجبه أعمال التجارة، ثم يرده إلى المضارب ليعمل به، أو يأذن له بالعمل فيه، فيصيبه التلف أو الخسران، وفي هذه الحال لا يجبر هذا النقص بما قسم من الربح قبل ذلك اتفاقا

(3)

، لأن ذاك عقد وهذا عقد آخر، فلا تجبر خسارة العقد الثاني من ربح العقد الأول.

(1)

المدونة 5/ 12/ 99، بدائع الصنائع 6/ 107، كشاف القناع 3/ 518، شرح منتهى الإرادات 2/ 333، تحفة المحتاج 5/ 256، المجموع 14/ 210.

(2)

المحلى 9/ 118.

(3)

رد المحتار 4/ 675، البحر الرائق 5/ 292 - 293، المدونة 5/ 12/ 99، المغني 5/ 51، مغني المحتاج 2/ 319.

ص: 159

أما ما يحدث باعتداء يستوجب الضمان، فلا يجبر بالربح، سواء كان الضامن المضارب أم غيره، ويكون الباقي بعد الجناية أو الأخذ هو رأس المال والربح لهذا الباقي

(1)

.

وإذا تبين للمضارب أن الشركة قد حققت أرباحاً، فليس له أخذ شيء من هذه الأرباح إلاّ بإذن رب المال

(2)

.

قال ابن قدامة: ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً

(3)

. وإنما لم يملك ذلك لأمور ثلاثة:

أحدها: أن الربح وقاية لرأس المال، فلا يأمن الخسران الذي يكون هذا الربح جابراً له، فيخرج بذلك عن أن يكون ربحاً.

الثاني: أن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه.

الثالث: أن ملكه عليه غير مستقر.

وإن أذن رب المال في أخذ شيء جاز، لأن الحق لهما لا يخرج عنهما

(4)

.

‌متى يملك المضارب حصته من الربح؟

إذا كان عقد المضاربة عقداً على الاشتراك في الربح، فإن الشركة لا تتحقق إلاّ بظهور الربح، وثبوت ملك العامل لحصته، وقد اختلف الفقهاء في ثبوت ملك العامل لحصته، أيكون بمجرد ظهور الربح؟ أم لا يثبت إلاّ بالقسمة؟

اتفقوا في الظهور واختلفوا في الاستقرار.

(1)

الشرح الكبير للدردير 3/ 472.

(2)

المغني 5/ 53.

(3)

المصدر السابق.

(4)

المصدر السابق.

ص: 160

فمذهب الحنفية، وظاهر مذهب الحنابلة، وإحدى الروايتين في مذهب الشافعية أن المضارب يملك حصته من ربح المضاربة منذ أن يظهر الربح ولو لم يقسم المال

(1)

. قال الحنابلة: ولكنه ملك غير مستقر، ولا يستقر إلاّ بقسمة الربح والمحاسبة التامة بين العامل ورب المال

(2)

، التي هي التصفية وينتج عنها تسليم رب المال ماله، لأن القسمة وحدها لا تكفي لاستقرار ملك العامل لحصته، لأنه ربما وجدت خسارة فتسترد تلك الأرباح.

ومذهب المالكية، وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة، وظاهر مذهب الشافعية أن ربح المضاربة لا يظهر إلاّ بتسليم رأس المال لرب المال كاملاً، وقسمة الربح بينه وبين المضارب، فإذا تحقق ذلك ثبت ملك المضارب لحصته مستقراً لازماً

(3)

.

أدلة المذهبين:

استدل أصحاب المذهب الأول: «بأن اشتراط جزء من الربح للمضارب شرط صحيح فيثبت مقتضاه، وهو أن يكون له جزء من الربح، فإذا وجد يجب أن يملكه بحكم الشرط، كما يملك المساقي حصته من الثمرة بظهورها، وقياساً على كل شرط صحيح في عقد، ولأن هذا الربح مملوك، فلابد له من مالك، ورب المال لا يملكه اتفاقاً، ولا تثبت أحكام الملك في حقه، فلزم أن يكون للمضارب، ولأنه يملك المطالبة بالقسمة»

(4)

.

(1)

بدائع الصنائع 6/ 102، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 465، المغني 5/ 47، كشاف القناع 3/ 520، مغني المحتاج 2/ 318، المجموع، 14/ 209، روضة الطالبين 5/ 136.

(2)

كشاف القناع 3/ 520.

(3)

المجموع 14/ 209، روضة الطالبين 5/ 136، المغني 5/ 47، الشرح الكبير للدردير 3/ 472.

(4)

المغني 5/ 48.

ص: 161

واستدل أصحاب المذهب الثاني: «بأنه لو ملك حصته من الربح لصار شريكاً لرب المال حتى إذا هلك شيء كان هالكاً من المالين، فلما لم يجعل التالف من المالين دل على أنه لم يملك منه شيئا»

(1)

.

الرد:

يرد على القائلين أن المضارب لا يملك الربح إلاّ بالقسمة، بأنه لا يوجد مانع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال، كنصيب رب المال من الربح، وقولهم لو ملك حصته من الربح لصار شريكاً حتى إذا هلك شيء كان هالكاً من المالين فيه نظر، لأن العبرة بالاستقرار لا بمجرد الملك، والاستقرار إنما يتم بالقسمة، وعلى هذا لا ما نع من أن تجبر الخسارة بالربح المشترك أولاً، ثم من رأس المال.

الترجيح:

الراجح عندي هو ثبوت ملك العامل لحصته من الربح بظهوره، لأن للمضارب حق المطالبة بالقسمة، ولا يكون ذلك إلاّ للمالك، يؤيده أنه حق يورث، ويتقدم به على سائر غرماء رب المال، ويغرمه المالك بإقدامه على إتلاف المال وربحه.

‌الحكم الثاني: المضارب حر في تصرفاته

الخارجة عن عقد المضاربة، وكذا المتعلقة بها، إلاّ ما يتنافى ومصلحة المضاربة، ويتفرع على هذا مسألتان:

الأولى: إذا ضارب لرجل هل يصح أن يضارب لآخر؟

إذا أخذ من إنسان مضاربة، ثم أراد أخذ مضاربة أخرى من آخر فأذن له الأول جاز، وإن لم يأذن له، ولم يكن عليه ضرر جاز أيضاً، لأنه لا يملك جميع

(1)

المجموع 14/ 209

ص: 162

منافعه، ما دام لا يؤثر على عقد المضاربة، وإن كان فيه ضرر على رب المال الأول ولم يأذن له، مثل أن يكون المال الثاني كثيراً متى اشتغل به انقطع عن بعض تصرفاته في المال الأول، لم يجز له ذلك، وهذا مذهب الحنابلة والمالكية

(1)

.

وقال الحنابلة: «إن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول»

(2)

، وهو من مفردات المذهب.

وقال الشافعية: «إن خلط المالان وجعلا مالاً واحداً فحينئذ يجوز أن يقارض الاثنان عاملاً واحداً، والربح بعد نصيب العامل بينهما بحسب مال كل منهما»

(3)

.

وقال الحنفية: (إذا دفع المضارب إلى غيره مضاربة، ولم يأذن له رب المال، لم يضمن بالدفع، ولا يتصرف المضارب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول لرب المال)

(4)

.

وقال أبو يوسف ومحمد: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح

(5)

، وقال زفر: يضمن بالدفع عمل أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف

(6)

.

واستدل أبو حنيفة: بأن الدفع قبل العمل إيداع، وبعده إبضاع، والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما

(7)

.

(1)

الإنصاف 5/ 437، المغني 5/ 43، المدونة 5/ 13، 106، مواهب الجليل 5/ 367، الشرح الكبير للدردير 3/ 473.

(2)

الإنصاف 5/ 437، المغني 5/ 43 هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وجزم به أكثرهم منهم صاحب الهداية، والخرقي.

(3)

مغني المحتاج 2/ 315، حاشيتي قليوبي وعميرة 3/ 55

(4)

فتح القدير 8/ 461.

(5)

المصدر السابق 8/ 461.

(6)

المصدر السابق.

(7)

المصدر السابق.

ص: 163

الترجيح:

الراجح هو مذهب الحنابلة والمالكية على التفصيل الذي ذكروه، لأن تصرفات المضارب خارج عقد المضاربة مملوكة له خاصة، ولا ولاية لرب المال عليه فيها، أما إذا وجد ضرر على الشركة بسبب عمله خارجها، أو وجد شرط ينص على أنه ليس له الحق من مزاولة العمل خارجها، أو من مزاولة نوع معين من الأعمال، كالأعمال التي يقوم بها في الشركة فإنه يجب الوفاء بهذا الشرط، ولا تجوز مخالفته، لقوله صلى الله عليه وسلم «المسلمون عند شروطهم» .

المسألة الثانية:

هل يصح أن يشتري المضارب أو رب المال لنفسه شيئاً من تجارة المضاربة؟ فرق الفقهاء في هذه المسألة بين ما إذا كان المشتري المضارب، أو رب المال.

فإذا كان المشتري هو المضارب فقد فرق الفقهاء بين ما إذا كان ظهر في المال ربح أم لا.

أولاً: إذا لم يظهر ربح، وكان المشتري من مال المضاربة هو المضارب صح على الصحيح من مذهب الحنابلة، نص عليه الإمام أحمد

(1)

، وهو مذهب المالكية، والحنفية، خلافاً لزفر

(2)

، وبه قال الثوري والأوزاعي، وإسحاق.

وقال أبو ثور البيع باطل، لأنه شريك

(3)

.

وقد استدل المجوزون: بأنه ملك لغيره، فصح شراؤه كشراء الوكيل من موكله، وإنما يكون شريكاً إذا ظهر ربح، لأنه إنما شارك في الربح دون أصل المال.

(1)

الشرح الكبير لأبي الفرج بن قدامة 5/ 162، الإنصاف 5/ 439.

(2)

بدائع الصنائع 8/ 3636 م الإمام، رد المحتار على الدر المختار 4/ 677، الشرح الكبير للدردير 3/ 470.

(3)

الشرح الكبير لأبي الفرج بن قدامة 5/ 162.

ص: 164

ثانياً: إذا ظهر ربح:

أ- كذلك يجوز للمضارب أن يشتري من مال المضاربة، وإن ظهر في المال ربح، وهو مذهب المالكية، والحنفية، وأحد قولين في مذهب الحنابلة

(1)

.

ب- ليس له أن يشتري من مال المضاربة إذا ظهر في المال ربح، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، لأنه حينئذ يشتري ماله بماله

(2)

.

أما رب المال:

فله أن يشتري من مال المضاربة شيئاً لنفسه، وهو مذهب الحنفية والمالكية والأوزاعي، وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة

(3)

، واشترط المالكية أن يكون القصد صحيحاً، وذلك بأن لا يتوصل به إلى أخذ شيء من الربح قبل المفاصلة، وبأن يشتري منه كما يشتري من الناس بغير محاباة

(4)

.

ومذهب الشافعية والحنابلة: أنه ليس له ذلك

(5)

.

وقد استدل أصحاب المذهب الأول: بأنه قد تعلق به حق المضارب فجاز شراؤه كما لو اشترى من مكاتبه

(6)

.

واستدل أصحاب المذهب الثاني: بأنه يؤدي إلى شراء ماله بماله كما لو اشترى ماله من وكيله

(7)

.

(1)

بدائع الصنائع 8/ 3636 م الإمام، رد المحتار على الدر المختار 4/ 677، الشرح الكبير للدردير 3/ 470، الإنصاف 5/ 439.

(2)

الإنصاف 5/ 439.

(3)

الشرح الكبير لأبي الفرج بن قدامة 5/ 161، رد المحتار 4/ 677، الإنصاف 5/ 439.

(4)

الشرح الكبير للدردير 3/ 470.

(5)

مغني المحتاج 2/ 315 - 316، روضة الطالبين 5/ 128، الإنصاف 5/ 439.

(6)

الشرح الكبير لابن قدامة 5/ 161.

(7)

مغني المحتاج 2/ 315، الشرح الكبير لابن قدامة 5/ 161.

ص: 165

وقد أجاب المانعون، على دليل المجيزين «بأنه ملكه فلم يصح شراؤه له كشرائه من وكيله، بخلاف السيد مع مكاتبه، فإن السيد لا يملك ما في يده، ولا تجب زكاته عليه، وله أخذ ما في يده شفعة منه»

(1)

.

الترجيح:

والظاهر المنع من الشراء قياساً، لكن يترجح عندي الجواز استحساناً للحاجة، بشرط التأكد من عدم الخيانة والمحاباة، سواء كان المشترى المضارب أم رب المال، وسواء ظهر ربح أم لا؛ إذ كثيراً ما يحتاج رب المال أو المضارب، إلى شراء شيء من سلع المضاربة وأقل المنافع التي يجنيانها هي قضاء حاجتهما بالشراء ما دام ذلك بثمنها من غير وضيعة ولا محاباه، ويصعب على النفس أن يكون للمرء متجر سواء أكان هو فيه - رب المال - أم المضارب فيتركه ويشتري من متجر آخر، لا سيما إذا أخذت المضاربة صفة الشخص الحكمي فإن هذا الاستحسان يكون أقوى.

ولا خوف من المحاباة، لأن الذي يبيع لرب المال هو العامل، أما إذا اشترى العامل لنفسه فيجب أن يكون هذا بعلم رب المال وموافقته.

‌الحكم الثالث: المضارب وكيل في التصرف وأمين في مال المضاربة

فلا يضمن مالها إذا تلف من غير تعد، ولا تقصير منه، ولا مخالفة لما اتفق عليه؛ فإذا انعقدت المضاربة انعقدت على الوكالة والأمانة، وكل ما يجوز لشريك العنان أن يفعله جاز للمضارب أن يعمله، وما منع منه الشريك فيمنع منه المضارب

(2)

.

(1)

الشرح الكبير لابن قدامة 5/ 161.

(2)

المغني 5/ 63.

ص: 166

وإذا تعدى المضارب، وفعل ما ليس له فعله، مثل أن استدان على مال المضاربة، أو اشترى شيئاً نهى عن شرائه، كما لو اشترى بمال المضاربة أغناماً وقد نهى عن شرائها، أو نحو ذلك، فهو ضامن، لأنه أمين ما لم يتعد، أو يخالف الشرط، فإذا خالف أو تعدى فهو ضامن، وهذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي هريرة وحكيم بن حزام وأبي قلابة ونافع وإياس والشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والشافعي واسحاق والحنفية

(1)

.

وقال مالك والصاوي من المالكية: لو خالف اضطرارا بأن مشى في الوادي الذي نهي عنه، أو سافر بالليل، أو في البحر اضطراراً لعدم المندوحة فلا ضمان ولو تلف

(2)

وعن علي رضي الله عنه لا ضمان على من شورك في الربح

(3)

.

‌الحكم الرابع: نفقة المضارب الخاصة به

تعرض الفقهاء رحمهم الله لنفقة المضارب الخاصة به، فيما إذا كان له الحق في الإنفاق على نفسه من مال المضاربة؟ ومتى؟ وكيف ذلك؟ والكلام في نفقة المضارب في مواضع:

أولاً: الآراء في وجوبها:

ذهب الحنابلة إلى أنه ليس للمضارب نفقة إلاّ بشرط، سواء أكانت تجارته في الحضر أم في السفر، وبهذا قال ابن سيرين وحماد ابن أبي سليمان

(4)

.

وقال ابن تيمية: أو عادة

(5)

.

(1)

المغني 5/ 63، رد المحتار 4/ 670، الشرح الصغير 3/ 964 للدردير طبع الإمارات العربية المتحدة.

(2)

بلغة السالك مع الشرح الصغير 3/ 964، طبع الإمارات العربية.

(3)

المغني 5/ 63.

(4)

المغني 5/ 35، كشاف القناع 3/ 516.

(5)

فتاوى ابن تيمية 30/ 90.

ص: 167

وقال مالك والحنفية: ينفق على نفسه من مال المضاربة سفراً ولا ينفق منه في الحضر

(1)

، وقد وضعوا لذلك شروطاً منها:

1 -

خروج المضارب من المصر الذي أخذ المال منه، وزاد المالكية: أو احتاج لأخذ ما يلزمه في السفر قبل شروعه فيه.

2 -

ألا يكون له بالبلد الذي سافر إليه زوجة قد بنى بها.

3 -

أن يكون سفره لغرض المضاربة.

4 -

وزاد المالكية: بأن يكون المال يحتمل الإنفاق، وذلك بأن يكون كثيراً عرفاً، أما اليسير فلا نفقة له فيه.

وقال اللخمي من المالكية: «إذا كان القراض يشغل العامل عن الوجوه التي يقتات منها. كما لو كانت له صنعه فعطلها لأجل القراض فله الإنفاق على نفسه من مال القراض حضراً»

(2)

.

وقال الشافعية: لا ينفق منه على نفسه حضراً جزماً، وكذلك سفراً في الأظهر، وقالوا لو شرط له النفقة في العقد فسد، والرواية الثانية: ينفق منه سفراً

(3)

.

الأدلة:

استدل القائلون بأنه ليس للمضارب نفقة إلاّ بالشرط، «بأن نفقته تخصه فكانت عليه، (كلو لم يكن مضارباً)، ولأنه دخل على أنه يستحق (جزءاً مسمى من الربح) فلا يكون له غيره، ولأنه لو استحق النفقة أفضى إلى أنه قد يختص بالربح إذا لم يربح سوي النفقة، فأما إن شرط له النفقة صح وله ذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون عند شروطهم»

(4)

.

(1)

بدائع الصنائع 8/ 3647 م الإمام، الشرح الكبير للدردير 3/ 474.

(2)

حاشية الدسوقي 3/ 474، الشرح الصغير 3/ 702، طبع الإمارات العربية.

(3)

مغني المحتاج 2/ 317، نهاية المحتاج 5/ 235، المجموع 14/ 209.

(4)

الشرح الكبير 5 لابن قدامة/ 163 - 164.

ص: 168

واستدل القائلون بأن للمضارب النفقة في السفر، بأن النفقة تجب بإزاء الاحتباس، والمضارب في المصر ساكن بالسكن الأصلي، وإذا سافر صار محبوساً بالمضاربة فيستحق النفقة فيه

(1)

.

واستدل الشافعية بأن النفقة قد تستغرق الربح فيلزم انفراده به، وقد تزيد عليه فليزم أخذه من رأس المال، وهو ينافي في مقتضى العقد

(2)

.

الترجيح:

الراجح عندي هو رأي القائلين بأنه ليس للمضارب نفقة إلاّ بشرط، أو عادة جارية، لأن اشتراط النفقة عند عقد المضاربة أبعد عن الغرر، وأسلم من حدوث المنازعة، أما إذا كان هناك عادة جارية وعرف صحيح للبلد بإثبات النفقة للمضارب، وكان هذا العرف مشهوراً، فإنه يجب الأخذ به، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، والقول بأن النفقة تجب بإزاء الاحتباس لا دليل عليه هنا.

كما أنه يجب التفريق بين نفقة المضارب الخاصة به، والنفقات التي تحتاجها الشركة، كأجر الحمال وإضاءة المتجر، فإن هذه النفقات تجب في مال الشركة.

ثانياً: في تفسير قدرها:

ذهب الحنابلة إلى أن له ما قدر من مأكول وملبوس ومركوب وغيره

(3)

.

وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة - عند إطلاق النفقة - أن له نفقته من طعام وشراب وركوب وسكن وحمام وفراش ينام عليه، وعلف دابته، وأجر الخادم إن كان يخدم مثله، والمعتاد من الفاكهة واللحم، وله الكسوة.

وقيد الحنابلة والمالكية الكسوة بما إذا كان سفره طويلاً

(4)

. أما ما يرجع إلى التداوي وصلاح البدن ففي ماله خاصة.

(1)

نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار 7/ 81، رد المحتار 4/ 676.

(2)

نهاية المحتاج 5/ 235.

(3)

المغني 5/ 35.

(4)

الشرح الكبير للدردير 3/ 474، المغني 5/ 35، بدائع الصنائع 8/ 3647.

ص: 169

واتفق الجمهور على أن قدر النفقة يكون بالمعروف، من غير إسراف، ولا تعد، ولا إضرار بالمال، فإن جاوز المعروف ضمن الفضل، وقد فسر المالكية المعروف، بأنه ما يتناسب مع حاله.

وفسره الحنابلة، بأنه ينفق على قدر ما كان ينفق على نفسه.

وفسره الحنفية، بأنه المعروف عند التجار

(1)

.

وأما الشافعية فقالوا: ينفق بالمعروف ما يزيد بسبب السفر، كالخف، والكراء، والسفرة

(2)

.

ومما سبق نرى أن الحنفية والمالكية، وكذلك الحنابلة -في حالة عدم التقدير- يتفقون على نوع النفقة، وعلى تقديرها بالعرف، ويشترطون عدم الإسراف أو التعدي أو الإضرار بهذه النفقة في المال، ويكاد يكون تفسير المالكية والحنابلة للعرف واحداً، وهو تقييده بما يتناسب مع حال المضارب، أو بقدر ما كان ينفق على نفسه، وهذا أظهر عندي من تفسير الحنفية له بعرف التجار، لأن عرف التجار يختلف من طائفة لأخرى.

ثالثًا: مم تحتسب النفقة؟

تحتسب النفقة من الربح إن كان في المال ربح

(3)

، فإن لم يكن فهي من رأس المال

(4)

، في مال القراض لا في ذمة ربه، فلو أنفق على نفسه من مال نفسه رجع به في مال القراض، فإن تلف فلا رجوع له على ربه، وكذا لو زادت النفقة على جميع المال فلا رجوع له على ربه بالزائد

(5)

.

(1)

السابق، والشرح الكبير للدردير 3/ 474، بدائع الصنائع 8/ 3647.

(2)

مغني المحتاج 2/ 317.

(3)

كشاف القناع 3/ 517، بدائع الصنائع 5/ 3650، الشرح الكبير للدردير 3/ 474.

(4)

بدائع الصنائع، الشرح الكبير للدردير.

(5)

الشرح الكبير للدردير 3/ 474.

ص: 170

‌المبحث الثاني شركة المفاوضة

المفاوضة والتفاوض في اللغة: «الاشتراك في الشيء»

(1)

.

اشتقاقها: مأخوذة من التفويض، فإن كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه في جميع مال التجارة، وقيل مأخوذة من معنى الانتشار، يقال فاض المال إذا انتشر واستفاض الخير يستفيض إذا شاع، فلما كان هذا العقد مبنياً على الانتشار والظهور في جميع التصرفات سمي مفاوضة

(2)

.

‌تعريفها:

عرفها المالكية والحنابلة بأنها: عقد شركة يفوض فيه كل واحد من الشريكين إلى صاحبه التصرف في غيبته وحضوره، شراءً وبيعاً ومضاربة وتوكيلاً (فيما يتفقان من مال الشركة) وابتياعاً في الذمة وارتهاناً وتقبلاً وضمان ما يرى من الأعمال، على ألاّ يدخلا فيها كسباً نادراً أو غرامة على أحدهما

(3)

.

قال صاحب الإنصاف الحنبلي: المفاوضة «أن يفوض كل واحد منهما إلى الآخر كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة في كل وقت ومكان على ما يرى»

(4)

.

شرح التعريف:

معناه أن الشريكين يتفق كل واحد منهما مع صاحبه على أن لكل أن يتصرف بحيث يكون لهما الجمع بين جميع أنواع الشركة الجائزة أو بعضها.

(1)

القاموس المحيط، تاج العروس: باب فوض.

(2)

المبسوط 11/ 152.

(3)

الشرح الكبير للدردير 3/ 316، بداية المجتهد 2/ 285، كشاف القناع 3/ 531.

(4)

الإنصاف 5/ 465.

ص: 171

فخرج بقول أن لا يدخلا فيها كسباً نادراً أو غرامة، مالو أدخلا فيها ما يحصل لهما من ميراث أو لقطة أو يجده أحدهما من ركاز.

أو يجب عليهما من غرامة كضمان غصب أو أرش جناية، فلو أدخلا فيها شيئاً من ذلك فإنها تكون شركة فاسدة، لما فيها من الغرر، لأن أحدهما قد يصيبه من الغرامة مالا يقدر الآخر على مشاركته في الوفاء به.

وعلى هذا فشركة المفاوضة لا تخرج عن شركة العنان عند غير المالكية والأعمال والوجوه والمضاربة

(1)

، وبما أن المالكية لا يجيزون شركة الوجوه إلاّ بالقيود التي ذكرناها عند الكلام عليها، فهي لا تدخل في المفاوضة عندهم إلاّ بتلك القيود، كما أن شركة العنان لا تدخل، لأن من شروط المفاوضة عند المالكية، إطلاق التصرف للشركاء، بينما العنان عندهم يشترط فيها نفي الاستبداد، كما سبق بيانه عند الكلام على شركة العنان. قال الدردير:(إن أطلقا التصرف، أي جعله كل لصاحبه. وإن ينوع فمفاوضة)

(2)

‌حكمها:

حكم شركة المفاوضة الصحة عند الحنابلة والمالكية بالمعنى الذي أوضحناه، وبالشروط التي ذكرناها، فإن خولفت هذه الشروط كانت باطلة. واستدل الحنابلة على جوازها -وهذا الدليل لا يمانع فيه المالكية- بأنها تجمع بين أنواع الشركات السابقة، أو بعضها، وكل من تلك الشركات جائزة على الانفراد، للأدلة التي ذكرناها عند الكلام على كل منها، فلما جازت منفردة جازت هذه الشركات مجتمعة.

(1)

بمعنى (أنها تستوعب هذه الأنواع) أي يمكن دخولها مجتمعة في المفاوضة عندهم.

(2)

الشرح الكبير 3/ 313، 316.

ص: 172

أما الحنفية فقد قدمنا تعريفها عندهم، وحكمها، ومناقشتهم في بعض ما ذكروا من الأحكام، والمفاوضة عند الحنفية الحقناها بشركة العنان لشبهها بها.

والصورة التي قال بها الحنابلة والمالكية صحيحة عند الأحناف، ولكنهم لا يسمونها مفاوضة، وإنما يسمونها بأسمائها المتعارفة. ويمكن أن يسموها مفاوضة ولكن يزيدون عليها شروطاً أخرى.

أما الشافعية: فيرون أن شركة المفاوضة غير جائزة، ويقصدون بهذا المفاوضة الممنوعة عند الجميع، وهي أن يدخلا فيها أروش الجنايات والغرامات ونحو ذلك، فالمفاوضة تصح عندهم متى اشترط مضمونها في العقد بشرط أن تؤول إلى الشركة الجائزة عندهم كالعنان والمضاربة، وبشرط أن لا يدخلوا فيها ضمان الغرامات كالغصب والإقرار وأروش الجنايات.

جاء في الأم للشافعي «إلاّ أن يعدا المفاوضة خلط المال والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به، وإذا تشارطا (على) هذا المعنى فالشركة صحيحة»

(1)

. لأنها عنان بلفظ المفاوضة.

وقال الشافعي رحمه الله: فيما إذا أدخلوا فيها غرامات لا أعلم القمار إلاّ هذا وأقل منه. غير أنه يبقى الكلام مع الشافعي فيما إذا رجعت إلى شركة الوجوه أو الأبدان، فإذا كان الراجح جواز الشركتين فلم لا تجوز المفاوضة إذا آلت إليهما.

‌رأس مال المفاوضة وأرباحها وخسائرها:

اتفق المالكية والحنابلة على أنه لا تشرط المساواة في رأس مال كل من الشركاء، كما اتفقوا على أن الخسارة على قد رأس مال كل شريك، أما الربح فقال المالكية: على قدر رأس مال كل شريك أيضاً، وقال الحنابلة: الربح على ما شرطا، من مساواة أو تفاضل

(2)

.

(1)

الأم 3/ 231.

(2)

سبق أن أو ضحنا رأس مال المفاوضة، عند الكلام محل الشركة، وتكلمنا على الأرباح والخسائر والأدلة فهيا، تحت شروط الشركة وأحكامها.

ص: 173

‌الباب الثالث فسخ الشركة وانقضائها

وفيه فصلان:

الفصل الأول: الأسباب الخاصة لفسخ الشركة وانقضائها

الفصل الثاني: الأسباب العامة لفسخ الشركة وانقضائها

ص: 175

الفصل الأول: الأسباب الخاصة لفسخ الشركة وانقضائها

ص: 177

‌الفصل الأول الأسباب الخاصة لفسخ الشركة وانقضائها

الانقضاء بمعنى انتهاء العقد، أي أن الرابطة العقدية وجدت لها نهاية، وهذا لا يعني انتهاء الواجبات.

وانقضاء الشركة يكون إما بأسباب خاصة بالشركاء، أو بأسباب عامة لا تختص بهم.

فالأسباب الخاصة بالشركاء والتي يمكن حل الشركة وفسخها بها هي ما يلي:

‌1 - اتفاق الشركاء على حل الشركة:

إذا اتفق الشركاء على حل الشركة فإنها تنفسخ في حقهم جميعاً، سواء كانت مدتها محدودة، أم كانت غير محدودة، لأن الشركاء هم الذين اتفقوا على إنشائها برضاهم، فلهم أن يتفقوا على فسخها.

‌2 - فسخ أحد الشركاء:

وفي معناه انسحابه من الشركة إذا كانت بين اثنين، أو عدم اتفاق الشركاء على الاستمرار في الشركة إذا كانوا ثلاثة فأكثر، بعد انسحاب أحدهم، وقد تكلمنا على هذا السبب في حكم الشركة فلا نعيده.

وحيث إن الشركة تتضمن الوكالة، فإن الوكالة تنقضي بالعزل، فإذا عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول، فلم يكن له أن يتصرف إلاّ في قدر نصيبه، وللعازل التصرف في الجميع، لأن المعزول لم يرجع عن إذنه بخلاف ما إذا فسخ أحدهما الشركة، فلا يتصرف كل إلاّ في قدر ماله

(1)

. وهذا إن نض المال.

(1)

كشاف القناع 3/ 506، المغني 5/ 21، المجموع 13/ 532، بدائع الصنائع 8/ 3662.

ص: 179

والذي يظهر من كلام الفقهاء أن العزل يقع على التصرف، وهو العمل في الشركة، وذلك لقولهم:«فلم يكن له أن يتصرف إلاّ في قدر نصيبه، وللعازل التصرف في الجميع»

(1)

وقولهم: «لأنها باقية في حقه، لأن شريكه لم يعزله، بخلاف ما إذا فسخ أحدهما الشركة فلا يتصرف كل إلاّ في قدر ماله»

(2)

.

‌ما يترتب على الفسخ:

إذا كانت أموال الشركة كلها من النقود فيتسلم كل من الشركاء رأس ماله ونصيبه من الأرباح.

وإذا كانت أموال الشركة قد أصبحت عروض تجارة من عقار أو منقول، أو غيرهما من العروض، فإن اتفق الشركاء على بيع العرض أو قسمه جاز ما اتفقوا عليه، لأن الحق لهم لا يعدوهم، وهذا في جميع أنواع الشركات باتفاق الفقهاء

(3)

.

وإن طلب أحد الشريكين البيع، وطلب الآخر القسمة، فلا تخلو الشركة إما أن تكون شركة مضاربة، أو غير مضاربة.

فإن كانت الشركة مضاربة وقد عمل المضارب وطلب أحدهما البيع وطلب الآخر القسمة، أجيب طالب البيع، فيستمر المضارب ببيع ممتلكاتها وتحويلها إلى نقود، ويحق له الانتظار إلى أوان أسواق السلع

(4)

، «وذكر القاضي وابن عقيل: أن المضارب لا ينعزل ما دام عرضاً، بل يملك التصرف حتى ينض رأس المال، وأن هذا ظاهر كلام الإمام أحمد، وصرح ابن عقيل أن العامل لا يملك الفسخ حتى

(1)

المغني 5/ 21.

(2)

المجموع 13/ 532.

(3)

المغني 5/ 21، المجموع 14/ 216، نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار 7/ 77، بدائع الصنائع 6/ 112، المدونة 5/ 12/ 128 - 129.

(4)

الشرح الكبير للدردير 3/ 478، الإنصاف 5/ 449.

ص: 180

ينض رأس المال، مراعاة لحق مالكه»

(1)

، ولكن ليس له الشراء أو المعاوضة بسلعة أخرى، وهذا باتفاق الفقهاء

(2)

ما عدا ابن حزم حيث قال: يجب أن يبيع السلع معجلاً - ربح أو خسر- ولا ينتظر إلى وقت رواج السلع

(3)

.

وفي المدونة للإمام مالك «وإن كان المقارض قد اشترى بالمال، أو تجهز بالمال يخرج به إلى سفر فليس لرب المال أن يرده. قال سحنون أرأيت إن اشترى العامل بالمال سلعة فنهيته عن العمل في القراض بعد ما اشترى فقلت له أردد علي مالي أيكون لي أن أجبره على بيع ما بقي في يده من السلع (قال ابن القاسم) ليس لك ذلك عند مالك، ولكن ينظر فيما في يديه من السلع فإن رأى السلطان وجه بيع باع، وإن لم ير وجه بيع أخر السلع حتى يرى وجه بيع، (قلت) (يعني سحنون) وما الذي تؤخر له السلع (قال) (قال ابن القاسم) السلع لها أسواق تشترى إليها في إبان شرائها وتحبس إلى إبان أسواقها فتباع في ذلك الإبان، مثل الضحايا تشترى قرب أيام النحر فيرفعها إلى أيام النحر رجاء نفاقها» .

وقد زاد المالكية على ما تقدم أنه إذا كان المضارب قد تجهز للسفر، للتجارة وتزود من مال المضاربة ولم ويضعن في السير، فليس لرب المال أن يرده، وليس للمضارب الفسخ، أما إن تزود من مال نفسه فله الفسخ، وليس لرب المال فسخه، إلاّ إذا دفع له عوضه

(4)

.

والذي يرجحه الباحث هو البيع مع الانتظار إلى وقت أسواق السلع، وتتعذر القسمة لأن نصيب المضارب في الربح، إلاّ إذا اتفق الطرفان على تقويم السلع وأخذ المضارب ما يقابل نصيبه منها.

(1)

الإنصاف 5/ 449.

(2)

المغني 5/ 21، المجموع 14/ 216، بدائع الصنائع 6/ 112، المدونة 5/ 12/ 128 - 129.

(3)

المحلى 9/ 119.

(4)

المدونة 5/ 12/ 128 - 129، حاشية الدسوقي 3/ 439 نشر دار الفكر.

ص: 181

أما إن كانت الشركة شركة عنان أو وجوه أو أبدان أو مفاوضة وفسخ أحدهما العقد، فطلب أحدهما القسم وطلب الآخر البيع، فقد اختلف الفقهاء في ذلك، وذهبوا إلى رأيين:

الرأي الأول: يجاب طالب البيع، فتستمر الشركة ببيع العروض وتحويلها إلى نقود، ثم يقسمان النقود قياساً على المضاربة، وهذا الرأي المشهور عند المالكية، وأحد القولين في مذهب الحنفية والحنابلة، قال القاضي أبو يعلى: إن هذا ظاهر كلام الإمام أحمد

(1)

.

الرأي الثاني: يجب قسم العروض بين الشركاء، ولا يلزم الانتظار إلى بيعها، وهذا مذهب الشافعية وأحد قولين في مذهب الحنفية والحنابلة، وبعض فقهاء المالكية

(2)

، وقالوا: يقسم كالمال الموروث.

وقد رد أصحاب هذا الرأي على استدلال أصحاب الرأي الأول بالقياس على المضاربة، فقالوا: إن حق العامل في الربح، ولا يظهر الربح إلاّ بالبيع، فاستحقه العامل، لتوقف حصوله عليه، وفي مسألتنا ما حصل من الربح يستدركه كل واحد منهما في نصيبه من المتاع، فلم يجبر على البيع

(3)

.

والذي يراه الباحث هو أنه إذا فسخ أحد الشريكين الشركة، وأموالها عروض، وطلب أحدهما القسم، وطلب الاخر البيع ينظر للأصلح من الأمرين، وهو غالباً البيع؛ إذ يصل إلى كل واحد منهما ماله نقداً، فيسهل عليه أن يتصرف بكافة التصرفات.

(1)

حاشية الرهوني 5/ 38، المغني 5/ 21، فتح القدير 5/ 34.

(2)

المجموع 13/ 232، المغني 5/ 21، فتح القدير 5/ 34.

(3)

المغني 5/ 21.

ص: 182

‌3 - موت أحد الشركاء:

إذا مات أحد الشركاء انفسخت الشركة في حقه، لأنها تعتمد الحياة، فإذا انتفى ذلك انتفت صحتها، لانتفاء ما تعتمد عليه وهو أهلية التصرف

(1)

، ولأن الشركة مبنية على الوكالة وبموته انتقل الحق إلى غيره وهم الورثة، فبطلت وكالته، وتوكيله

(2)

.

ولا فرق بين أن يكون الموت حقيقياً، أو حكمياً بأن قضي بلحاقه مرتداً، فإن لم يقض به توقف انقطاعها إجماعاً.

وإذا انفسخت الشركة في حق المتوفى بقيت قائمة في حق الشركاء الآخرين، فلهم أن يتفقوا على استمرارها أو حلها

(3)

.

ومذهب الإمام مالك وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة: أنه لا تنفسخ الشركة بالموت حتى يعلم الشركاء الآخرون، وقبل العلم يبقى لهم حق التصرف

(4)

.

ومذهب الحنفية والشافعية والحنابلة أنه لا يشترط للفسخ علم الشركاء بوفاة المتوفى منهم، بل تنفسخ ولو لم يعلموا بذلك، لأنه عزل حكمي

(5)

.

والذي يرجحه الباحث مذهب المالكية وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة، وهو عدم انفساخ الشركة بالوفاة قبل العلم بها، لأن انفساخ الشركة بدون علم

(1)

شرح منتهى الإرادات 2/ 305، درر الحكام 3/ 388، بدائع الصنائع 6/ 78.

(2)

تبيين الحقائق 3/ 323، بدائع الصنائع 6/ 78، فتح القدير 6/ 195.

(3)

مجلة الأحكام العدلية م 1352.

(4)

المدونة 5/ 12/ 130، الإنصاف 5/ 373.

(5)

بدائع الصنائع 6/ 78 - 112، رد المحتار على الدر المختار 3/ 351، الفتاوي الهندية 2/ 335، الإنصاف 5/ 373، نهاية المحتاج 5/ 11.

ص: 183

الشريك الحي بوفاة شريكه إضرار به، لأنه قد يتصرف قبل أن يبلغه الموت تصرفاً يضر به لو لم يكن شريكاً، والضرر ممنوع شرعا، وكما أنه لا تنفسخ الشركة بالفسخ من أحدهما حتى يعلم شريكه فكذلك حالة الوفاة.

‌ما يترتب على الفسخ بالوفاة:

إذا لم يتعلق بحصة الشريك المتوفى في الشركة وصية أو دين، ورغب الورثة الراشدون، أو ولي القصر، أو الموصى له إن كان معيناً في الاستمرار في الشركة مكان المتوفى فلهم ذلك، إذا قبل الشركاء الآخرون وهذا باتفاق الفقهاء

(1)

. فيما عدا شركة المضاربة عند الحنفية.

وقال الحنفية إذا توفي أحد الشركاء وهم ثلاثة فأكثر تنفسخ الشركة في حقه وتبقى قائمة في حق الباقين.

وقال الشيرازي: (وإن كان الوارث مولى عليه كان النظر فيه إلى وليه، فإن كان الحظ في الشركة لم يجز له أن يقاسمه، وإن كان الحظ في القسمة لم يجز له أن يقيم على الشركة

وسواء إن كان المال نقداً أو عرضاً فإن الشركة تجوز، لأن الشركة إنما لا تجوز ابتداءً على العروض، وهذا استدامه للشركة وليس بابتداء عقد

(2)

.

بقاء الورثة هل هو إتمام للشركة أم ابتداء لها؟

الكلام هنا في موضعين:

أولاً: الشركات غير شركة المضاربة:

قال الحنابلة والشافعية: بقاء الورثة في الشركة مكان مورثهم هو إتمام للشركة وليس بابتداء لها

(3)

، فلا تعتبر شروط الشركة من حضور المال، وكونه نقداً

(1)

المجموع 13/ 533، المغني 5/ 21، درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 368، كشاف القناع 3/ 506، المجموع 13/ 532 - 533، تحفة المحتاج 5/ 12، مغني المحتاج 2/ 215.

(2)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 368.

(2)

المجموع 13/ 533 - 534، المغني 5/ 21.

(3)

درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 368 ط ونشر دار عالم الكتب.

ص: 184

مضروباً، وبيان الربح ونحو ذلك مما تقدم، بل يكتفى بما سبق من توافرها عند ابتداء الشركة بين الشركاء قبل الوفاة.

ثانياً: شركة المضاربة:

أما المضاربة فلا تخلو من أن يكون مال الشركة بعد الوفاة نقوداً أو عروضاً.

أ- فإن كان نقوداً: وأراد الحي منهما استمرار المضاربة مع ورثة الميت جاز ذلك، سواء كان المتوفى رب المال أم المضارب، ويكون رأس المال هو رأس المال الأول مع حصة رب المال من الربح، أما حصة العامل من الربح فهي شركة له مشاعة، وهذه الإشاعة لا تمنع صحة العقد، لأن الشريك هو العامل، وذلك لا يمنع التصرف، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية

(1)

، وهو هنا ابتداء قراض جديد بدليل اعتبار حصة العامل شركة له يختص بها

(2)

.

ويرجح الباحث جواز ذلك، لأنه يجوز أن تتكون الشركة من عنان ومضاربة

(3)

.

ب- إذا كان المال عروضاً:

فأما أن يكون المتوفى رب المال، أو المضارب.

1 -

فإن كان المتوفى رب المال: وأراد ورثته استمرار المضارب في المضاربة بالبيع والشراء، وجميع تصرفات التجارة قبل تنضيضها، فيجوز ذلك عند المالكية والحنابلة، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وهو إتمام للقراض لا ابتداء له

(4)

.

(1)

كشاف القناع 3/ 522، تحفة المحتاج 5/ 257، المنتقى 5/ 174 - 175 جاء في المنتقى لا يبطل عقد القراض بوفاة رب المال .... وإن كان المال ناضاً ولكن يبقى ما أراد الورثة بقاءه.

(2)

المغني 5/ 55.

(3)

المصدر السابق.

(4)

المغني 5/ 55، المنتقى 5/ 174 - 175.

ص: 185

والصحيح من مذهب الشافعي وبه قال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: أنه لا يجوز ذلك

(1)

.

وقال الشيرازي من الشافعية: (وسواء كان المال نقوداً أو عروضاً، فإن الشركة تجوز، لأن الشركة إنما لم تجز ابتداءً على العروض، وهذا استدامة للشركة وليس بابتداء عقد)

(2)

.

وما جاء في الرسالة من أنه إذا مات رب المال وكان المال عروضاً وأرادوا إتمام العقد جاز هو ما ذكره صاحب المغني ونقله عن أحمد، وفي كشاف القناع أنه لا يجوز

(3)

، وقد ذكره ابن قدامة على أنه اختيار القاضي، فكأن صاحب الكشاف رجح رأي القاضي.

أدلة الفريقين:

استدل القائلون بالجواز: بأن هذا إتمام للقراض لا ابتداء له، ولأن العروض إنما منعت في المضاربة لأنه يحتاج عند المفاصلة إلى رد مثلها، أو قيمتها، وهذا غير موجود ههنا، لأن رأس المال الذي انعقد عليه العقد غير العروض وحكمه باق، بدليل أن حق العامل عند عدم استمرار المضاربة أن يبيع العروض ليسلم رأس المال وحصته من الربح لرب المال

(4)

.

واستدل المانعون وهم الشافعية وأبو يعلى: بأنه لا يجوز ذلك لأنه ابتداء قراض، وهو لا يصح على العروض، ولأن القراض قد بطل بالموت

(5)

.

(1)

المجموع 14/ 217، تحفة المحتاج 5/ 257، كشاف القناع 3/ 506.

(2)

المجموع 13/ 533 - 534.

(3)

/ 522.

(4)

المغني 5/ 55.

(5)

تحفة المحتاج 5/ 257.

ص: 186

قال ابن قدامة: «وهذا الوجه أقيس، لأن المال لو كان ناضاً كان ابتداء قراض»

(1)

.

ويلاحظ على الشافعية أنهم منعوا استمرار شركة المضاربة إذا كان المال أو بعضه عروضاً، بحجة أن المضاربة لا تصح بالعروض، مع أنهم جوزوا الاستمرار في أنواع الشركات الأخرى وإن كان مالها عروضاً، وقولهم إن القراض قد بطل بالموت، يرد عليه -كما هو ظاهر كلام الحنابلة- بأنه بطلان ليس باتاً بل موقوف على رضى وارث رب المال، فإن أراد بقاء العقد فإنه يستمر بالانعقاد الأول. بدليل قولهم إن رأس المال هو ما عقد عليه أولاً، لا العروض الموجودة حال الموت

2 -

ما إذا كان المتوفى هو العامل: وأراد رب المال ابتداء القراض مع الوارث أو وليه إذا كان المال ناضاً جاز، كما في حال إذا مات رب المال وذلك باتفاق الفقهاء

(2)

، وإن كان المال عروضاً لم يجز عند الشافعية والحنابلة، لأن القراض لا يجوز على العروض

(3)

. وقال الحنابلة إلاّ بأن تقوم العروض ويجعل رأس المال قيمتها يوم العقد الجديد، لأن الذي كان منه العمل قد مات، وذهب عمله، ولم يخلف أصلاً يبني عليه وارثه، بخلاف ما إذا مات رب المال، فإن المال المقارض عليه موجود، فأمكن استدامة العقد، وبناء الوارث عليه.

وقال المالكية: يجوز تقرير ورثة العامل على العروض إذا مات قبل نضوض المال. بل قالوا: إذا لم يكمل الورثة ما بدأه مورثهم فلا ربح لهم، وعليهم دفع المال وربحه لربه

(4)

.

(1)

المغني 5/ 55.

(2)

المغني 5/ 56، انظر الشركة بقيمة العروض في الفصل الثاني من الباب الأول.

(3)

المصادر السابقة.

(4)

الخرشي على خليل 6/ 223

ص: 187

والذي يظهر هو أن القول باستدامة الشركة مع ورثة المتوفى هو الأقرب للصواب، فهذه حالة دعت إليها المصلحة، واقتضى التيسير على الناس أن يعطى لها حكم خاص، وهو استمرار الشركة المنقضية على أي اعتبار فسرناها، سواء كان بابتداء عقد جديد مع استمرار الأوضاع السابقة فيما إذا كان المال نقوداً، أو كان باستمرار العقد القديم كما يقول الحنابلة والمالكية فيما إذا كان المال عروضاً، ويعتبر البقاء في هذه الحالة استحساناً لمصلحة الشركاء، ومن القواعد الفقهية (يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء)، لا سيما إذا كان الشرط المفقود لا تترتب على عدمه مفسدة، بل الواقع أن الذي يترتب هو المصلحة وتيسر المعاملات بين الناس.

ولا فرق في هذا الاستمرار بين أن يكون المتوفى شريكاً في رأس المال، أم هو رب المال في شركة المضاربة، وسواءً كانت أموال الشركة بعد الوفاة نقوداً أم عروضا على التفصيل السابق.

أما إذا كان المتوفى هو المضارب فإن الاستمرار متعذر لأن الأوضاع تختلف بين حال حياته وما بعد موته؛ إذ تخلفه ورثته فيما ترك من المال، لا في وظيفته في المضاربة، ولو عمل أحدهم فإن الربح يكون له خاصة، لأن العامل يستحق ربح ما عمل.

‌التصفية:

إذا لم يتفق الورثة أو وليهم مع الشركاء على الاستمرار في الشركة مكان مورثهم، فإن كان مال الشركة نقوداً اقتسموها، وإن كان عروضاً واتفقوا على تنضيضها جاز ذلك، ويقتسمون بعد أن تصبح نقوداً، وإن طلب أحدهم القسمة فللفقهاء فيها رأيان كما سبق في حالة الفسخ.

ص: 188

أما إذا كانت الشركة مضاربة، وكان الميت رب المال فللعامل العمل ببيع عروض المضاربة وتحويلها إلى نقود، من غير إذن الوارث، وله استيفاء الدين، لأنه إذا كان المتوفى رب المال لم يجز أن يترتب على وفاته بطلان حق ثبت للعامل، فيبقى العامل على عمله، وعلى شروط القراض، ولا يحق للورثة حينئذ انتزاع المال منه

(1)

.

وإذا كان المتوفي هو العامل:

فقال الحنابلة والشافعية: يحق لورثته تتميم عمل مورثهم إذا رضي رب المال بهم، فإن لم يرض بهم فله دفعه إلى الحاكم ليبيعه، لأن رب المال إنما رضي باجتهاد مورثهم

(2)

وقال الحنفية: إذا مات المضارب والمال عروض باعها وصيه بالاشتراك مع رب المال، وهو الصحيح، وإن لم يكن له وصي نصب القاضي له وصياً

(3)

إذا رضي رب المال.

والظاهر أن الورثة كالوصي، ما دام تصرفهم بالاشتراك مع رب المال لأنهم خلفاء الميت.

وقال المالكية: إن كان ورثة العامل أمناء على مثله عالمين بالعمل فيه، والحفظ له، فلهم الحق بتميم عمل مورثهم وهم على شرطه، لأن حق عمله فيه يكون لورثته، فليس لرب المال أن ينتزعه عن ورثته، فإن لم يكونوا أمناء على ذلك فلهم

(1)

حاشية الشرواني 5/ 257، تحفة المحتاج 5/ 257، المغني 5/ 55 - 56، المنتقى 5/ 174 - 175، بدائع الصنائع 8/ 3642 م الإمام.

(2)

المغني 5/ 55، تحفة المحتاج وحاشية الشرواني 5/ 257.

(3)

شرح المجلة لسليم رستم م 1428 ص 757.

ص: 189

أن يأتوا بأمين، فإن لم يكونوا أمناء، ولم يأتوا بأمين، وأرادوا ترك العمل، لم يكن لهم من ربحه شيء

(1)

.

4 -

جنون أحد أطراف الشركة جنوناً مطبقاً:

والقول في هذا السبب من أسباب فسخ الشركة، هو القول في المتوفى، حكماً، وخلافاً، واستلالاً، وترجيحاً.

ويستثنى من فسخ الشركة والمضاربة بالموت والجنون، وموت أو جنون ولي اليتيم، وناظر الوقف، فإنها لا تنفسخ بموتهما، ولا بجنونهما، لأنهما متصرفان لغيرهما

(2)

، ويقوم عن القاصر قيم آخر يتولى أمر الشركة.

أما الإغماء فقد نص الحنابلة والحنفية على أن الشركة لا تبطل به

(3)

.

وقال الشافعية: إن أيس من إفاقة المغمى عليه، أو زادت مدة إغمائه على ثلاثة أيام، التحق بالمجنون

(4)

.

‌5 - الحجر على أحد الشريكين:

‌أ- الحجر للسفه:

إذا حكم بالحجر على أحد الشريكين لسفهه فإن الشركة تنفسخ عند جمهور الفقهاء، أما إذا كان الشركاء ثلاثة فأكثر فإن الشركة تنفسخ بالنسبة للمحجور عليه، وتبقى مستمرة بالنسبة للشركاء الآخرين، ما لم يتفقوا على فسخها، وذلك لأن الشركة تصرف مستمر بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن شريكه، فإذا حجر عليه بطل التصرف بنوعيه.

وإذا أقيم على السفيه وصي، ورأى الاستمرار في الشركة، لأن فيها مصلحة للسفيه، فله ذلك، أخذاً من حكم الفقهاء في ولي الوارث إذا كان غير رشيد؛ إذ لا

(1)

المنتقى 5/ 175، مواهب الجليل 5/ 369.

(2)

الإنصاف 5/ 368، قواعد ابن رجب ق 61 ص 114.

(3)

الإنصاف، 5/ 369.

(4)

تحفة المحتاج 5/ 12.

ص: 190

فرق بين الوصي عن سفيه عقد الشركة، وبين الوصي عن سفيه هو وارث لمن عقد الشركة.

أما الإمام أبو حنفية فلا يقول بالحجر على السفيه إذا بلغ خمساً وعشرين سنة، لأنه يرى أن تصرفاته صحيحة نافذة فلا تنفسخ الشركة عنده، لأنه قد أصبح جداً، ولأن في منعه من التصرف ضرراً معنوياً يفوق ضرره المادي.

ولكن الذي يظهر هو أن مصلحة الشركاء ومصلحة الأمة تقتضي ألا تكون أموال الشركاء تحت تدبير سفيه لا يحسن التصرف، فالذي ينبغي هو فسخه من الشركة، إلاّ إذا عين له ولي رشيد وأجاز هذا الولي استمرار الشركة بمال المحجور عليه، وأجازه كذلك طالب الحجر عليه، فلهم ذلك كما قدمنا.

‌ب- الحجر للفلس:

إذا حكم بالحجر على المفلس وشمل الحجر حصته في الشركة، منع من التصرف في مقدار حصته منها، وذلك لتعلق حق الغرماء بهذا المال، لقضاء ديونهم منه، فيرتفع توكيله لبقية الشركاء في مقدار حصته، وعلى هذا يترتب فرز حصة المحجور عليه فتنفسخ الشركة في حقه، وتبقى قائمة في حق الشركاء الآخرين، إلاّ إذا عقدت بين اثنين هو أحدهما، فإنها تنفسخ من أصلها، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة

(1)

، والصاحبين من الحنفية، إلاّ أنهما أجازا تصرف المحجور عليه فيما ليس فيه ضرر بالغرماء

(2)

.

أما مذهب الإمام أبي حنفية: فهو عدم الحجر على المدين مفلساً أم غير مفلس

(3)

، وعلى رأيه لا تنفسخ الشركة.

(1)

المغني 4/ 365، مواهب الجليل 5/ 39، 34، المجموع 13/ 277، مغني المحتاج 2/ 146.

(2)

المبسوط 24/ 163، الدر المنتقى شرح الملتقى ص 345، شرح المجلة العدلية لسليم رستم باز م 999.

(3)

المبسوط 24/ 163.

ص: 191

ويستثنى من الحجر على المفلس ما إذا كانت شركة أبدان لا مال له فيها، فإنه حينئذ لا يحجر عليه، لأن الحجر يقع على المال، لا على البدن، وكذلك المضارب في شركة المضاربة.

‌6 - انتقال حصص الشركاء إلى واحد:

إذا انتقلت حصص الشركاء - بأي سبب من أسباب انتقال الملك- إلى أحدهم، أو إلى شخص آخر من غير الشركاء، فإنه بهذا الانتقال وتحول أموال الشركة من أشخاص إلى شخص واحد تنتهي الشركة، وتنفسخ ولم تبق شركة، لأن الشركة مبنية على التعدد، وهما اثنان فأكثر، فإذا انعدم هذا الركن انفسخت الشركة.

ص: 192

‌الفصل الثاني: الأسباب العامة لفسخ الشركة وانقضائها

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الأسباب العامة لفسخ الشركة وانقضائها.

المبحث الثاني: الضامن لمال الشركة بالهلاك.

ص: 193

‌المبحث الأول الأسباب العامة لفسخ الشركة وانقضائها

الأسباب العامة التي يمكن فسخ الشركة بها هي ما يلي:

‌1 - انتهاء مدة الشركة:

فإذا انتهت المدة المحددة للشركة عند من يقول بجواز التوقيت وهم الحنفية والحنابلة، انفسخت الشركة بدون أن يعلن الشركاء الفسخ، وذلك لأن الشركة مبنية على الوكالة، والوكالة مؤقتة، فما بعد الوقت ليس فيه وكالة، فليس فيه شركة، ولكن بشرط أن لا يكون في الفسخ بانتهاء الوقت ضرر على الشركاء، أو على المصلحة العامة، فإذا انتهى وقت الشركة ولم تنته أعمالها فيجوز أن يمتد نشاطها إلى انتهاء تصفيتها، ومن الجائز بعد انتهاء الوقت أن يتفق الشركاء على استمرار الشركة بتوقيت آخر، على رأي القائلين بجواز التوقيت، أو بدون توقيت على رأي الجميع.

‌2 - انتهاء العمل الذي قامت الشركة من أجله:

إذا اتفق الشركاء على شراء ثمرة بستان فلان وبيعها، أو على تقبل بناء مدرسة ما، فإنه ببيع الثمرة، وبتسليم مبنى المدرسة ينتهي عقد الشركة.

‌3 - هلاك مال الشركة:

إذا هلكت جميع أموال الشركة -ماعدا المضاربة- انفسخت، وذلك لزوال أحد أركانها، وهو المال، سواء كان الهلاك قبل التصرف أو بعده، باتفاق الفقهاء، وكذلك إذا هلك معظم مالها بحيث لا يمكن استغلال الباقي استغلالاً مجدياً.

ص: 195

أما إذا أمكن استمرار الشركة بالباقي، وكان هذا الهلاك بعد انعقاد الشركة، وترتب أثر العقد عليه، فإن الشركة تستمر بالباقي، ويكون الهالك على جميع الشركاء، كل بقدر حصته في رأس المال.

ص: 196

‌المبحث الثاني الضامن لمال الشركة بالهلاك

إذا هلكت أموال الشركاء أو هلك بعضها، فإن الضمان يكون على جميع الشركاء كل بقدر حصته في الشركة، إذا كان الهلاك بعد عقد الشركة، وترتب أثر العقد عليه. ويكون التالف على صاحبه إذا لم يترتب أثر العقد عليه، وبيان ذلك فيما يلي:

‌أولاً: الشركاء في غير شركة المضاربة:

قال الحنابلة: إذا عقدوا الشركة وعينوا الأموال وأحضروها، ثم هلك مال الشركة أو بعضه، كان الهالك على الشركاء جميعاً، كل بقدر حصته في الشركة

(1)

.

أما المالكية فيفرقون في ترتيب الضمان بالهلاك بين ذي التوفية وغيره من الأموال، (وذو التوفية) عندهم هو ما يكال أو يعد أو يوزن، أي ذوات الأمثال.

فما عدا ذا التوفية لا يشترط فيه الخلط، بل متى انعقدت الشركة ولزمت كان ضمان المالين منهما.

أما ما كان ذا توفية فإنه إذا هلك هلك على صاحبه، إلاّ إذا خلط حساً، أو حكماً، فإنه يكون من ضمان الشركاء جميعاً، والمراد بالخلط الحسي هو بحيث لا يتميز مال أحدهما عن مال الآخر، والمراد بالخلط الحكمي هو كون المالين في مكان واحد، ولو عند أحدهما، كأن يكون المالان في صرتين بمحل، وقفل عليه

(2)

.

وقال الحنفية والشافعية والظاهرية: إذا هلك مال الشركاء بعد الخلط، أو هلك المشترى بعد الشراء بالمال، فالهالك على جميع الشركاء، والخلط الذي يترتب

(1)

المغني 5/ 16 - 17.

(2)

حاشية الدسوقي 3/ 314 توزيع دار الفكر.

ص: 197

عليه اشتراك الشركاء في الضمان عند الحنفية والشافعية والظاهرية هو الخلط الذي لا يمكن معه تمييز مال أحد الشركاء من الآخر

(1)

.

والظاهر أنه إذا تعين مال الشركة، وانعقد العقد، سرت عليه أحكامها، ومنها الضمان عند الهلاك، والتعين يحصل بالإحضار.

‌ثانياً: المضاربة:

إذا تلف رأس مالها أو بعضه قبل التصرف فيه بطلت المضاربة، وترتب على هذا التلف فسخها، وهو مذهب الحنابلة والحنفية

(2)

.

وقال الشافعية: إذا هلك كله تبطل المضاربة، وإن هلك بعضه تبقى بما بقي من رأس المال، والمتبقي هو رأس المال فقط، وهو القول الأصح عندهم

(3)

.

وقال المالكية: إن هلك كله انفسخت المضاربة، سواء قبل التصرف أو بعده، وإن شاء رب المال استأنفها برأس مال جديد، وإن تلف بعضه لا تنفسخ، وجبر بالربح في الحالين

(4)

. يعني قبل التصرف أو بعده.

ويستثنى ما إذا كان التلف بجناية، فإنه لا يجبر بالربح، بل يرجع به على الجاني

(5)

.

ومذهب الحنفية والحنابلة

(6)

إن هلك رأس المال أو بعضه بعد التصرف لا تنفسخ المضاربة، لأنه دار في التجارة، وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية للربح

(7)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار 3/ 474، فتح العزيز 10/ 407، تحفة المحتاج 5/ 7، المحلى 8/ 545.

(2)

كشاف القناع 3/ 517 - 518، بدائع الصنائع 6/ 113.

(3)

مغني المحتاج 2/ 319.

(4)

الشرح الصغير 2/ 252.

(5)

المصدر السابق.

(6)

بدائع الصنائع 6/ 113، المغني 5/ 56.

(7)

كشاف القناع 3/ 518.

ص: 198

فإذا تلف مال المضاربة بعد الشراء وقبل نقد ثمن السلعة فالمضاربة باقية بحالها، لأن الموجب لفسخها هو التلف، ولم يوجد حين الشراء ولا قبله، والثمن على رب المال، لأن حقوق العقد متعلقة به، وإذا غرمه العامل فله الرجوع به على رب المال

(1)

.

وقال الإمام مالك: «يقال لرب المال إن أحببت فادفع الثمن وتكون السلعة قراضاً على حالها، وإن أبى (انفسخت و) لزم المقارض إذاً ثمنها، وكانت له»

(2)

، وقال الشافعية: إن هلك كله بطلت، وإن هلك بعضه بقيت وجبر التالف بالربح

(3)

.

والذي يظهر عندي أن رأي الإمام مالك هو أعدل الآراء، فالمضاربة إذا تلف جميع رأس مالها تنفسخ كالشركة، سواء اشترى المضارب سلعة لم ينقد ثمنها أم لا، لأنه ليس من العدالة إلزام رب المال بشيء لم يلتزمه، فلا يكلف دفع قيمة السلعة، والاستمرار في مضاربة جديد ما دام أن رأس المال قد تلف، إلاّ إذا رضي رب المال أن يدفع ثمن السلعة، ويكون عمله هذا قبولاً لاستمرار المضاربة.

وإذا دفع رب المال ثمن السلعة فهل يكون رأس مال المضاربة هو ثمن السلعة فقط أم هو ثمنها مع رأس المال التالف؟

قال الحنابلة والمالكية: رأس المال هو ثمن السلعة دون التالف، لأن الأول تلف قبل التصرف فيه، فلم يكن من رأس المال، كما لو تلف قبل الشراء

(4)

.

(1)

المصدر السابق.

(2)

المدونة 5/ 12/ 102.

(3)

مغني المحتاج 2/ 318.

(4)

المغني 5/ 56، المدونة 5/ 12/ 102.

ص: 199

وقال الحنفية: يكون رأس المال هو مجموع رأس المال التالف مع ثمن السلعة، جاء في بدائع الصنائع:«إذا كان مال المضاربة ألفا فاشترى بها جارية ولم ينقد الثمن حتى هلكت الألف، فالجارية على المضاربة، ويرجع على رب المال بالألف فيسلمها إلى البائع، وكذلك إن هلكت الثانية، والثالثة، والرابعة، وما بعد ذلك أبدا، حتى يسلم إلى البائع، ويكون ما دفعه أولاً وما غرمه كله من رأس المال»

(1)

.

ثمرة الخلاف:

وثمرة الخلاف هي جبر رأس المال من الربح أو قسمته على الشركاء، فعلى رأي الحنفية لا يكون ربح حتى يستعيد رب المال جميع ما دفعه للمضارب، وهو التالف، وما دارت التجارة فيه، وعلى رأي الحنابلة والمالكية ما زاد عن رأس المال الذي درات التجارة فيه فهو ربح يقسم على الشركاء.

(1)

بدائع الصنائع 6/ 113.

ص: 200

‌فهرس المراجع

‌أ- القرآن الكريم وعلومه:

1 -

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: لمحمد أمين الجكني الشنقيطي، مطبعة المدني، الطبعة الأولى سنة 1390 هـ - 1970 م.

2 -

تفسير القرآن العظيم: لعماد الدين أبي إسماعيل بن كثير القرش الدمشقي، الناشر المكتبة التجارية الكبرى بمصر.

3 -

الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، مطبعة دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية سنة 1353 هـ - 1935 م بالقاهر.

‌‌

‌ب- الحديث وعلومه:

1 -

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: لعبد الله بن عبد الرحمن آل بسام، مطبعة دار الفنون، الطبعة الثانية سنة 1386 هـ - 1966 م نشر مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة.

2 -

الدراية في تخريج أحاديث الهداية: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مطبعة الفجالة سنة 1384 هـ- 1964 م القاهرة، الناشر: عبد الله هاشم بالمدينة المنورة.

3 -

سبل السلام: لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، المطبعة الأميرية، سنة 1344 هـ- 1926 م بمصر، تحقيق محمد عبد العزيز الخولي، الناشر: جماعة: من العلماء.

4 -

سنن ابن ماجة: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجة، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، سنة 1373 هـ - 1953 م بمصر تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر الحلبي.

5 -

سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، مطبعة السعادة، الطبعة الثانية سنة 1369 هـ - 1950 م، بمصر تحقيق محمد محي الدين، الناشر: المكتبة التجارية.

6 -

سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، مطبعة الفجر الحديثة، الطبعة الأولى سنة 1386 هـ، بحمص سوريا.

ص: 201

7 -

صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المطبعة الكبرى الأميرية، الطبعة الأولى سنة 1300 هـ بمصر.

8 -

صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، مطبعة دار الطباعة العامرة.

9 -

عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب محمد شمس الحق، مع شرح بن قيم الجوزية، مصور من الطبعة الثانية، الناشر: محمد عبد الله صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

10 -

فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المطبعة الكبرى الأميرية، الطبعة الأولى سنة 1300 بمصر.

11 -

المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابوري، الناشر: مكتبة ومطابع النصر الحديثة بالرياض.

12 -

مسند الإمام أحمد: للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المطبعة الميمنية.

13 -

المنتقى شرح الموطأ: لسليمان بن خلف الباجي، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، سنة 1332 هـ بمصر.

14 -

المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود: لمحمود خطاب السبكي، مطبعة الاستقامة، الطبعة الأولى سنة 1351 هـ.

15 -

الموطأ: للإمام مالك بن أنس الأصبحي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية سنة 1370 هـ - 1951 م بالقاهرة.

16 -

نيل الأوطار: لمحمد بن علي الشوكاني، المطبعة الميرية سنة 1297 هـ بمصر.

‌ج- الفقه الحنفي:

1 -

الاختيار لتعليل المختار: لعبد الله بن محمود الموصلي، مخطوط.

2 -

البحر الرائق شرح كنز الدقائق: لزين الدين إبراهيم بن محمد بن نجيم، المطبعة العلمية، الطبعة الأولى سنة 1310 هـ بمصر.

ص: 202

3 -

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: لأبي بكر علاء الدين مسعود بن أحمد الكاساني، مطبعة الجمالية، سنة 1328 هـ-1910 م بمصر.

4 -

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، المطبعة الأميرية، الطبعة الأولى، سنة 1313 هـ بمصر.

5 -

الدر المنتقى شرح الملتقى: لعلاء الدين الحصكفي، مخطوط.

6 -

درر الحكام شرح مجلة الأحكام: لعلي حيدر، منشورات مكتبة النهضة بيروت - بغداد، مصور لمطبعة دار العلم للملايين ببيروت.

7 -

رد المحتار على الدر المختار، مع الدر المختار: لمحمد أمين بن عابدين، مطبعة الحلبي، الطبعة الثانية سنة 1386 هـ بمصر.

8 -

شرح المجلة العدلية: لسليم رستم اللبناني، المطبعة الأدبية، الطبعة الثانية سنة 1898 م ببيروت.

9 -

العناية شرح الهداية، بحاشية فتح القدير: لمحمد بن محمود البابرتي، مطبعة مصطفى محمد، بمصر، الناشر: المكتبة التجارية.

10 -

الفتاوى الهندية: لحسن الأوزجندي: المطبعة الأميرية، الطبعة الثانية، سنة 1300 هـ بمصر.

11 -

فتح القدير: لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، مطبعة مصطفى محمد، بمصر، الناشر: المكتبة التجارية.

12 -

المبسوط: لشمس الدين السرخسي، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، سنة 1324 هـ بمصر.

13 -

مجلة الأحكام العدلية: تأليف لجنة من العلماء، مطبعة الجوائب، الطبعة الأولى، سنة 1297 هـ بالقسطنطينية.

14 -

مرشد الحيران: محمد قدري باشا، المطبعة الكبرى الأميرية، الطبعة الأولى، سنة 1308 هـ بمصر.

ص: 203

15 -

نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار (تكملة فتح القدير) شمس الدين أحمد بن تورد المعروف بقاضي زاده.

16 -

الهداية شرح بداية المبتدي، بحاشية فتح القدير: لبرهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، مطبعة مصطفى محمد، بمصر، الناشر: المكتبة التجارية.

‌د- الفقه المالكي:

1 -

بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الحفيد، مطبعة صبيح، الطبعة الأولى، بمصر، الناشر: محمد على صبيح.

2 -

بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب مالك: للشيخ أحمد بن محمد الصاوي، ملتزم الطبع والنشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الأخيرة سنة 1372 هـ 1952 م بمصر.

3 -

التاج والإكليل، بحاشية مواهب الجليل: لمحمد بن يوسف العبدري المواق، مطبعة مكتبة النجاح، بطرابلس - ليبيا.

4 -

حاشية الدسوقي: لمحمد عرفة الدسوقي، المطبعة الأميرية، الطبعة الثالثة سنة 1319 هـ بمصر.

5 -

حاشية الرهوني على الزرقاني على متن خليل: لمحمد بن أحمد الرهوني، المطبعة الأميرية، الطبعة الأولى، سنة 1306 هـ بمصر.

6 -

الخرشي على مختصر خليل: لأبي عبد الله محمد الخرشي، المطبعة الأميرية، الطبعة الثانية سنة 1317 هـ.

7 -

الشرح الصغير، بحاشية بلغة السالك، لأحمد بن محمد بن أحمد الدردير، مطبعة الحلبي، الطبعة الأخيرة، سنة 1372 هـ - 1952 م بمصر، الناشر: الحلبي.

8 -

الشرح الكبير، بهامش حاشية الدسوقي: لأحمد بن محمد بن أحمد الدردير، مصور من طبعة التقدم العلمية، بمصر، سنة 1331 هـ.

9 -

العقد المنظم للحكام: لعبد الله بن سلمون.

ص: 204

10 -

مختصر خليل: لخليل ابن اسحق، دار الكتب العربية بمصر.

11 -

المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس الأصبحي، مصور مؤسسة الحلبي وشركاه لطبعة السعادة، سنة 1323 هـ.

12 -

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: لأبي عبد الله محمد بن محمد الحطاب، مصور مكتبة النجاح بطرابلس - ليبيا، لطبعة السعادة، الطبعة الأولى سنة 1359 هـ، الناشر: مكتبة النجاح.

‌هـ - الفقه الشافعي:

1 -

الأم: للإمام محمد بن إدريس الشافعي، شركة الطباعة الفنية سنة 1381 هـ بمصر.

2 -

تحفة المحتاج: لأحمد بن حجر الهيثمي، الميرية، الطبعة الأولى، سنة 1304 هـ بمكة المكرمة.

3 -

حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب: لسليمان بن محمد بن عمر البجيرمي، مخطوط.

4 -

حاشية الشرواني، بهامش تحفة المحتاج: لعبد الحميد الشرواني.

5 -

روضة الطالبين: لأبي زكريا يحي بن شرف النووي، المكتب الإسلامي بدمشق، نشر المكتب الإسلامي.

6 -

شرح البهجة: لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، المطبعة الميمنية بمصر.

7 -

فتح العزيز شرح الوجيز، بحاشية المجموع: لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي، مطبعة التضامن الأخوي، بمصر.

8 -

فتح الوهاب: لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، دار إحياء الكتب العربية.

9 -

متن المنهاج: لأبي زكريا محي الدين يحي بن شرف النووي، م مصطفى الحلبي - م سنة 1377 هـ بمصر، الناشر: مصطفى الحلبي.

10 -

المجموع (التكملة الثانية): لمحمد بخيت المطيعي، مطبعة الإمام، الناشر: زكريا يوسف.

ص: 205

11 -

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: لمحمد الشربيني الخطيب، مطبعة مصطفى الحلبي سنة 1377 هـ بمصر الناشر: مصطفى الحلبي.

12 -

المهذب: لأبي إسحاق الشيرازي.

13 -

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: لشمس الدين محمد الرملي، شركة مكتبة ومطبعة البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأخيرة، عام 1386 هـ- 1967 م.

‌و- الفقه الحنبلي:

1 -

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، مطبعة السنة المحمدية، الطبعة الأولى سنة 1386 هـ، بالقاهرة.

2 -

بدائع الفوائد: لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، المطبعة المنيرية، الطبعة الأولى بالقاهرة، مصور، الناشر: دار الكتاب العربي.

3 -

التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع: لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، المطبعة السلفية.

4 -

التوضيح: لشهاب الدين أحمد بن أحمد الشويكي المقدسي، مطبعة السنة المحمدية، الطبعة الأولى، 1371 هـ - 1952 م بالقاهرة.

5 -

الروض المربع: للشيخ منصور بن يونس البهوتي، مطبعة السلفية، الطبعة السادسة، سنة 1380 هـ بالقاهرة، الناشر: المكتبة السلفية.

6 -

الشرح الكبير، بحاشية المغني: لأبي الفرج عبد الرحمن بن قدامة، مصور، الناشر: دار الكتاب العربي.

7 -

شرح منتهى الإرادات: للشيخ منصور بن يونس البهوتي، مصور، نشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

8 -

الفروع: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، دار مصر للطباعة، الطبعة الثانية 1380 هـ -1961 م بمصر.

9 -

قواعد بن رجب: لأبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، مطبعة الصدق الخيرية، الطبعة الأولى، سنة 1352 هـ بمصر، الناشر: مكتبة الخانجي.

ص: 206

10 -

الكافي: لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، بدمشق، الناشر: المكتب الإسلامي.

11 -

كشاف القناع عن متن الاقناع: للشيخ منصور بن يونس البهوتي، الناشر: مكتبة النصر الحديثة بالرياض.

12 -

معونة أولى النهى في شرح المنتهى: للبهوتي، مخطوط بمكتبة الحرم.

13 -

المغني: لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، مطبعة الإمام.

14 -

مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهى: مصطفى الأسيوطي الرحيباني، طبع ونشر: المكتب الإسلامي بدمشق.

15 -

الهداية: لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، مطابع القصيم سنة 1390 هـ بالرياض.

‌ز- الفقه الظاهري:

1 -

المحلى: لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي، دار الاتحاد العربي، سنة 1389 هـ بمصر، الناشر: مكتبة الجمهورية.

‌ح- الفقه العام:

1 -

إعلام الموقعين: لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، مطبعة السعادة، سنة 1389 هـ بمصر، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، الناشر: دار الكتب العربية.

2 -

التشريع الإسلامي لغير المسلمين: لعبد الله مصطفى المراغي، المطبعة النموذجية، الناشر: مكتبة الآداب.

3 -

خطوط رئيسية في الاقتصاد الإسلامي: لمحمد أبو السعود، الطبعة الثانية، بالكويت، الناشر: مكتبة المنار الإسلامية.

4 -

الدينار الإسلامي في المتحف العراقي: لناصر السيد محمود النقشبندي، مطبعة الرابطة سنة 1372 هـ- 1353 هـ، ببغداد.

ص: 207

5 -

الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي: للدكتور عبد العزيز عزت الخياط، مطبعة جمعية عمال المطابع التعاونية، الطبعة الأولى سنة 1390 هـ 1971 م بعمان، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية.

6 -

الشركات في الفقه الإسلامي، مجموعة محاضرات: للشيخ على الخفيف.

7 -

الشركات، رسالة ماجستير من المعهد العالي للقضاء بالرياض: لسعود بن سعد بن دريب.

8 -

الفقه على المذاهب الأربعة: لعبد الرحمن الجزري.

9 -

كفل الفقيه الفاهم في أحكام قرطاس الدراهم: لأحمد رضا خان.

10 -

مجموع فتاوى ابن تيمية: لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الدمشقي، مطابع الرياض.

11 -

المعاملات المالية والأدبية: لعلي فكري، مطبعة الحلبي، الطبعة الأولى، بالقاهرة.

12 -

النقود العربية: المؤلف انستاس ماري الكرملي، المطبعة العصرية، سنة 1939 م بالقاهرة.

13 -

الورق النقدي: لعبد الله بن سليمان بن منيع، مطابع الرياض، الطبعة الأولى سنة 1391 هـ بالرياض.

14 -

الولاية على المال والتعامل بالدين: لعلي حسب الله، مطبعة الجبلاني سنة 1367 هـ بمصر.

‌ط- أصول الفقه:

1 -

روضة الناظر وجنة المناظر: لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن محمد ابن قدامة، مطبعة السلفية، سنة 1342 هـ، بالقاهرة.

2 -

المسودة: لآل تيمية، مطبعة المدني، سنة 1384 هـ بالقاهر.

3 -

الوسيط في أصول الفقه: للدكتور وهبة الزحيلي، الطبعة الثانية، المطبعة العلمية، بدمشق، سنة 1388 هـ - 1969 م.

ص: 208

‌ي- المعاجم:

1 -

تاج العروس: لأبي الفضل محمد بن محمد الزبيدي.

2 -

تهذيب اللغة: لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري.

3 -

دائرة المعارف الإسلامية: لجماعة من العلماء.

4 -

دائرة معارف القرن الرابع عشر: لمحمد فريد وجدي.

5 -

القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي.

6 -

لسان العرب: لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي.

7 -

متن اللغة: لأحمد رضا.

8 -

المخبر في اللغة: لحمد زكي عبد البر.

9 -

المصباح المنير: لأحمد بن محمد المقري.

10 -

المطلع على أبواب المقنع: لأبي عبد الله شمس الدين محمد أبي الفتح البعلي الحنبلي، طبع ونشر: المكتب الإسلامي بدمشق، الطبعة الأولى سنة 1385 هـ - 1965 م.

11 -

المعجم المفهرس لألفاظ الحديث: ألفه لفيف من المستشرقين.

12 -

معجم مقاييس اللغة.

‌ك- التراجم:

1 -

الأعلام: لخير الدين الزركلي.

2 -

تقريب التهذيب: لأحمد بن حجر العسقلاني.

3 -

تهذيب التهذيب: لأحمد بن حجر العسقلاني.

ص: 209

‌المؤلف في سطور

هو: أبو عمر صالح بن زابن المرزوقي البقمي

حصل على البكالوريوس من كلية الشريعة بمكة المكرمة في العام الدراسي 1390، كما حصل على الماجستير من نفس الكلية عام 1395 هـ، وحصل على الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة أم القرى عام 1403 هـ وحصل على درجة أستاذ مشارك، ثم درجة أستاذ.

‌الخبرات العلمية:

• رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية.

• رئيس قسم الدراسات العليا الشرعية.

• درّس الفقه، والقواعد الفقهية، والشركات، في كلية الشريعة بمكة المكرمة، والدراسات العليا الشرعية.

• درّس فقه النوازل والشركات في المسجد الحرام.

• ناقش عدداً كثيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه.

• شارك في أكثر من خمسين مؤتمراً وندوة، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.

‌عضوية المجالس واللجان العلمية:

شارك في عدد كثير من المجالس واللجان منها:

1 -

عضو المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.

2 -

عضو مجلس الشورى لدورتين منذ عام 1426 هـ إلى عام 1433 هـ.

3 -

الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي منذ 20/ 12/ 1419 هـ حتى 1/ محرم عام 1444 هـ.

ص: 215

4 -

رئيس تحرير مجلة (المجمع الفقهي الإسلامي) بالرابطة.

5 -

عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

6 -

رئيس اللجنة الشرعية لهيئة الإغاثة الإسلامية.

7 -

رئيس لجنة الفتوى برابطة العالم الإسلامي.

8 -

عضو لجنة الموسوعة الفقهية الاقتصادية بمجمع الفقه الإسلامي الدولي.

9 -

عضو لجنة التصنيف والرقابة للبنوك الإسلامية.

10 -

عضو الهيئة العالمية للاقتصاد الإسلامي.

‌مؤلفاته:

له مؤلفات كثيرة، منها:

1 -

شركات العقد في الشرع الإسلامي، وهي رسالة الماجستير، وهو هذا الكتاب.

2 -

شركة المساهمة في النظام السعودي دراسة مقابلة بالفقه الإسلامي. وهي رسالة الدكتوراه وقد طبعتها جامعة أم القرى عام 1406، ثم طبعتها شركة العبيكان عام 1440 هـ-2019 م، وقد أجرى المؤلف عليها تعديلات كثيرة، وذلك بعد صدور نظام الشركات السعودي عام 1437 هـ.

3 -

حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقترض بفوائد، نشر في العدد (21) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

4 -

حكم الإسهام في شركات القطاع العام التي يدخل الربا في نشاطها، نشر في العدد الأول من المجلد العاشر، من مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، إصدار معهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية.

5 -

حكم الاكتتاب أو المتاجرة في أسهم الشركات المختلطة، نشرته مكتبة العبيكان 1429 هـ.

ص: 216

- تجارة الذهب في أهم صورها وأحكامها، نشر في ج/ 1 من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي العدد (9).

7 -

حُسن وفاء الديون وعلاقته بالربط بتغيّر المستوى العام للأسعار، نشر في الجزء (3) عدد (8) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

8 -

الاتجار في العملات عبر وسائل الاتصال الحديثة وأشهر صور المضاربة المطبقة في الأسواق العالمية، نشر في العدد (39) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة.

9 -

موقف الشريعة الإسلامية من ربط القروض والديون بمستوى الأسعار، سبق نشره في العدد (32) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

10 -

ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو بعملة معينة أو بسلة من العملات، نشر في العدد (43) من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

11 -

حكم الأواني الذهبية والفضية وما مُوِّه بهما استعمالاً وبيعاً وشراءً واقتناءً، نشرته مكتبة الرشد.

12 -

حدود حرية الفكر في الشريعة الإسلامية، نشر في العدد (14) من مجلة المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة.

13 -

حكم بيع الحلي بجنسه، نشرته مكتبة الرشد.

14 -

المحرر في الإرهاب أسبابه وحلول عملية لمواجهته وجهود المملكة العربية السعودية في محاربته، تحت النشر.

15 -

من تجب عليه زكاة أسهم الشركات المساهمة، سبق نشره في العدد (68) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

16 -

تحرير القول في زكاة أسهم الشركات بالنظر إلى نوع نشاطها، سبق نشره في العدد (117) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

ص: 217

17 -

استثمار أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع يعود على مستحقيها، سبق نشره في العدد (56) من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

18 -

الشامل في زكاة الأسهم واستثمار أموال الزكاة، نشر في مكتبة الرشد.

19 -

ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو الفضة أو بسلة من العملات أو بمستوى الأسعار وحكمه شرعاً. وأصله 9 و 10 من المؤلفات السابقة مع بعض التعديلات والإضافات.

20 -

شركات التمويل الإسلامية العاملة في أمريكا دراسة وتقويم لنماذج منها. قدِّم هذا البحث على مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

ص: 218