المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم   تأليف الشيخ - التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم - جـ ٤

[منصور ناصف]

فهرس الكتاب

التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم

تأليف

الشيخ منصور علي ناصف

من علماء الأزهر الشريف

وعليه

غاية المأمول - شرح التاج الجامع للأصول

الجزء الرابع

الطبعة الخامسة

1413 هـ - 1993 م

جميع الحقوق محفوظة

دار إحياء التراث العربي

بيروت - لبنان

ص: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

‌كتاب فضائل القرآن

وفيه أربعة أبواب وخاتمة

‌الباب الأول في فضائل القرآن وحامليه ومعلميه

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً}

(1)

. وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا}

(2)

{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} {وَمَا فِي الأَرْضِ} {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»

(3)

. رَوَاهُ

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب فضائل القرآن الكريم. وفيه أربعة أبواب وخاتمة

الباب الأول في فضل القرآن وحامليه ومعلميه

(1)

قد جاءكم برهان من ربكم. هو النبي صلى الله عليه وسلم. وأنزلنا إليكم نورا مبينا. هو القرآن الكريم. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم.

(2)

أوحينا إليك روحًا من أمرنا. هو القرآن الذي تحيا به القلوب كما تحيا الأشباح بالأرواح، ولكن جعلناه أي القرآن نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا. اللهم اجعله نورًا وشافعًا لنا واهدنا به يا رحمن آمين.

(3)

لأنه صار خليفة الله وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافعًا لعباده. وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده.

ص: 3

الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرةِ

(1)

وَالَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ

(2)

رِيحُهَا طَيِّبٌ وطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِن الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمَهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا مُرٌّ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ

(3)

فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلى بُطْحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمِ بِاللَّهِ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ

(1)

البررة: جمع بار وهو المطيع. والسفرة: جمع سافر ككتبة وكاتب وهم الملائكة الذين يتولون القرآن في عالم الملكوت، قال تعالى {في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة} . فحافظ القرآن المتقن له العامل به في درجة تلك الملائكة الكرام، وأما الذي يقرؤه ويريد حفظه وهو شديد عليه فله أجران: أجر القراءة وأجر التعب في حفظه. وفي رواية: والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران. نسأل الله التوفيق للعمل به آمين.

(2)

الأترجة بضم فسكون فضم فتشديد. ثمرة حلوة الطعم طيبة الريح جميلة اللون، والتمرة: ثمرة النخل، والريحانة: كل بقلة طيبة الريح كالورد والياسمين والريحان، والحنظلة: ثمر نبات في البادية مر الطعم ولا ريح له ولكنه كثير الفوائد كما في القاموس. فحامل القرآن العامل به في درجة عالية وذكره حسن عند الله والناس، والمنافق الذي لا يقرأ القرآن خبيث الظاهر والباطن نسأل الله الهداية.

(3)

الصفة كالقفة: مكان مظلل في المسجد كانت تأوى إليه المساكين ويسمون ضيوف الإسلام وسيأتي حديثهم في الزهد إن شاء الله. وبطحان كقربان أو بفتح فكسر: مكان بضواحي المدينة، والعقيق: واد من أودية المدينة، والكوماوين: تثنية كوماء وهي الناقة العظيمة السنام، فحفظ آيتين من القرآن والعمل بهما أفضل عند الله من اكتساب ناقتين؛ لأنهما متاع يذهب ويفنى، وثواب القرآن باق ونامٍ بل آية واحدة خير من الدنيا وما فيها.

ص: 4

كُلُّنَا نُحِبُّ ذلِكَ، قَالَ:«فَلَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ»

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ

(2)

وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأُ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَة تَقْرَؤُهَا»

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ

(4)

فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدُهُ تَاجاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ

(1)

أي وأكثر من أربع خير من مثلهن من الإبل.

(2)

فالقارئ للقرآن أو المفسر له تنزل عليه السكينة وهي طمأنينة القلب بزيادة الإيمان. وتغشاه الرحمة وتحوط به الملائكة ويسمو ذكره في الملأ الأعلى. وتقدم الحديث بطوله في كتاب العلم.

(3)

فلصاحب القرآن درجات في الجنة بعدد ما يحفظ منه، وسيطلب منه في الجنة أن يقرأ ويرتل ليسمعوا منه، فما أرفع منزلته وما أعلى شأنه حينذاك. نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن آمين.

(4)

يا رب حله: من التحلية والزينة، فالقرآن يطلب من الله لصاحبه في الجنة التكريم ورفيع الدرجات فيلبسه الله تاج الكرامة فيستزيد ربه فيلبسه حلة الكرامة فيلتمس الرضا عنه حتى يقول الله تعالى له: اقرأ وارتق بقدر ما تقرأ، وأزيدك على كل آية حسنة.

ص: 5

فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهذَا»

(1)

.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ»

(2)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ ولامٌ حرفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»

(3)

.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أَعْطِي السَّائِلِينَ

(4)

وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ»

(5)

.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاسْتَظْهَرَهُ

(6)

فَأَحَلَّ حَلَالَهُ وحَرَّمَ حَرَامَهُ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ»

(7)

.

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ

(8)

وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ يَعْنِي الْقُرآنَ»

(9)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ» ، قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ:

(1)

لا شك أن درجة حافظ القرآن العامل به أعظم من درجة أبيه الذي لم يحفظ القرآن.

(2)

أي الخالي من الخير والسكان، فحامل القرآن مملوء بالخير ومغمور بالإحسان.

(3)

فلقارئ القرآن بكل حرف من كل كلمة يقرؤها حسنة مضاعفة.

(4)

فمن اشتغل بالقرآن والذكر عن مطلوبه أعطاه الله مناه وزاده؛ لأنه لما اشتغل بطاعة الله كفاه الله كل شيء. وفي رواية: من شغله القرآن عن ذكري ومسئلتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين.

(5)

فكلام مالك الملك ملك الكلام كله فثوابه أعظم من كل شيء.

(6)

أي حفظه عن ظهر قلب.

(7)

وربما شفعه الله في أكثر فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ومعلوم أن درجة الشفاعة أعلى درجة في القيامة لدلالتها على علو المكانة.

(8)

فما دام العبد في صلاة فالإحسان نازل عليه.

(9)

وفي رواية: إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه وهو القرآن.

ص: 6

«الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ»

(1)

.

• عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ رضي الله عنه قَالَ: مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيَ رضي الله عنه فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلا تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ: وَقَدْ فَعَلُوهَا؟

(2)

قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ» فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ

(3)

وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ

(4)

مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ

(5)

وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ

(6)

وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ

(7)

وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا} {قُرْآناً عَجَباً} {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ»

(8)

. رَوَى هذِهِ السَّبْعَةَ التِّرْمِذِيُّ

(9)

.

(1)

أي كلما أتم القرآن عاد لتلاوته من أوله، فالقرآن أفضل عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه تعالى بعد الفرائض التي افترضها عليه، وحكى عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه رأى ربه في المنام عدة مرات فقال: والله إن رأيته مرة أخرى لأسألنه أي شيء يقرب العبد إلى ربه. فرأى ربه جل شأنه فقال: يا رب بأي شيء يتقرب العبد إليك؟ قال: بتلاوة كلامي يا أحمد. قال: فهم المعنى أو لم يفهم يا رب؟ قال: فهم المعنى أو لم يفهم.

(2)

فعلوها أي هذه الخصلة وهي الخوض في الأحاديث.

(3)

ففيه أخبار السالفين وكثير من علامات الساعة الآتية كالدابة وطلوع الشمس من مغربها وأحوال القيامة وأهوالها.

(4)

هو الفصل أي الحكم الفارق بين الهدى والضلال.

(5)

أي لا تميل عن الحق باتباعه أو ما دامت تتبعه.

(6)

أي لا يختلط به غيره فيشتبه الأمر ويلتبس الحق بالباطل بل هو محفوظ بعناية الله تعالى قال تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} .

(7)

لا يخلق أي لا يبلى، فمع كثرة تلاوته وتكراره لا يبتذل ولا تسأمه النفوس.

(8)

خذها أي هذه المواعظ والحكم البالغة إليك أي ارجع بها معك أيها الأعور.

(9)

الأول والثاني بسندين صحيحين والثالث بسند حسن والباقي بأسانيد غربية.

ص: 7

• عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى قَرَأَ طه وَيس قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ والْأَرْضَ بِأَلفِ عَامٍ فَلَمَّا سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ الْقُرْآنَ قَالَتْ: طُوبى لِأُمَّةٍ يَنْزِلُ هذَا عَلَيْهَا، وَطُوبى لِأَجْوَافٍ تَحْمِلُ هذَا، وطُوبى لِأَلْسِنَةٍ تَتَكَلَّمُ بِهذَا»

(1)

. رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْمَصَابِيح.

‌التحذير من نسيان القرآن

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» .

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّياً مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا»

(2)

. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ

(3)

اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُو أَشَدُّ تَفَصِّياً مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ

(1)

طوبى: شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وفيها من كل الثمرات ومن كل فاكهة، وفيها خير كثير وهو المراد هنا، وفي هذا إشارة إلى علو شأن الأمة المحمدية نسأل الله تعالى أن يجعلنا من خيارها آمين.

التحذير من نسيان القرآن

(2)

الإبل المعقلة: الممسوكة بالعقال، والتفصي: التقلت والشراد، فصاحب الإبل المعقلة إن لازمها بقيت له وإن تركها ذهبت، كذلك صاحب القرآن إن تعاهده بالتلاوة مرة بعد أخرى بقى له وإلا ذهب عنه ونسيه فإنه أسرع ذهابًا من الإبل.

(3)

فلا ينبغي لمن نسي شيئًا من القرآن أن يقول نسيت كذا وكذا فإن النسيان هو الترك ولا يليق هذا بالقرآن ولأنه بتقدير الله تعالى فلا ينسبه لنفسه، بل الأدب أن يقول: أنسيت كذا وكذا.

ص: 8

صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَقْرأُ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: «يَرْحَمُه اللَّهُ قَدْ أَذْكَرَنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا»

(1)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْباً أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا»

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الباب الثاني في آداب القراءة

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}

(3)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَانَتْ مَدًّا

(4)

ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ بِالرَّحْمنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

(1)

أي نسي تلاوتها من تلك السورة ولكن قد سمعها الأصحاب وكتبها بعضهم فلا اعتراض، والنسيان وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في بعض التشريعات لحكم منها بيان الحكم كما تقدم في سجود السهو ولكنه يدرك لتقدير الله يحفظه، قال تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} .

(2)

ولأبي داود "ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم" أي فيه تشويه كبير كمرض الجذام. فنسيان القرآن أو شيء منه إثم عظيم إلا إذا كان معذورا كمرض فلا "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها". نسأل الله أن يوفقنا للقيام بحقه وأن يحشرنا في زمرة حامليه آمين والحمد لله رب العالمين.

الباب الثاني في آداب القراءة

(3)

أي تثبت في تلاوته وبيّن الكلمات والحروف مع التأني.

(4)

فقال كانت مدا: أي ذات مد فيما يمد وهو أنواع: أولها المد الطبيعي وهو ما اتصل به ألف أو ياء أو واو كاللام في بسم الله والميم في الرحمن والحاء في الرحيم وهذا يجب مده حركتين الواحدة منهما بقدر ضم الأصبع، وثانيها: المد المتصل وهو الذي اتصل بهمزة كجاء وشاء وكجيء، وهذا يمد بقدر أربع حركات على المشهور .. وثالثها: المنفصل وهو ما كان المد في كلمة والهمزة في كلمة أخرى كقوله تعالى {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} وقدر هذا حركتان أو أربع أو ست على تفاوت القراء فيه، ورابعها: المد اللازم وهو الذي اتصل بتشديد العامة =

ص: 9

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ يَقِفُ

(1)

، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ يَقِفُ وَكَانَ يَقْرَؤُهَا مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقَرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فِي مَسِيرٍ لَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ، قَالَ مُعَاوَيةُ: لَوْلَا خَوْفِي مِنَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيَّ

= والخاصة، وحاجه قومه قال: أتحاجوني في الله، وهذا يجب مده بقدر ست حركات، ولا شك أن القراءة بهذه الكيفية تكون بينة واضحة يفهمها كل سامع كحديث أبي داود والترمذي: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفًا حرفًا بحيث يسهل على السامع عدها، وهذا العلم مشهور عند أربابه بعلم التجويد وهو عندهم لازم للقراءة لقوله تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} حتى قال قائلهم:

والأخذ بالتجويد حتم لازم

من لم يجود القرآن آثم

لأنه به الإله أنزلا

وهكذا منه إلينا وصلا

وله عدة مؤلفات كالتحفة والجزرية رضي الله عن مؤلفيهما، وقد منّ الله عليّ بحفظهما والحمد لله.

(1)

أي وهكذا يقف على رأس كل آية ترويحًا للقارئ وبيانًا للسامع، فالوقف على رءوس الآي مندوب وهذا كمال وإلا فلو تلا بضع آيات في نفس واحد لصح وجاز.

(2)

أي بحذف ألف مالك، وهذه رواية أم سلمة وإلا فقد روى أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الأعلام كانوا يقرءون مالك يوم الدين وكله مشروع كما هو مشهور في علم القراءات.

(3)

بسند غريب.

(4)

فأبو موسى الأشعري رضي الله عنه كان حسن الصوت فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ليلا فلما قابله صباحًا قال له: لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك ليلا لسررت لقد أعطيت مزمار من مزامير آل داود أي لقد أعطيت لحنا من حسن صوت داود عليه السلام. وكان صوت داود في نهاية الحسن وكان يقرأ الزبور بسبعين لحنا وكان إذا قرأ بكى وبكّى كل من سمعه من إنس وجن وحيوان في بر أو بحر، وفي رواية: دخلت دار أبي موسى الأشعري فما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا ناي أحسن من صوته، والصنج كالشرط: آلة من نحاس كالطبقين يضرب بأحدهما على الآخر، والبربط كجعفر: آلة كالعود، والناي: المزمار، فلما سمع أبو موسى ذلك قال: لو علمت يا رسول الله أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا أي لحسنته وزينته لك تزيينا.

ص: 10

لَحَكَيْتُ لَكمْ قِرَاءَتَهُ

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيَ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ»

(2)

. رَوَاهُمَا الثَّلَاثَةُ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالْبُخَارِيِّ تَعْلِيقاً: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»

(3)

.

• عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْرَؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ»

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئاً وَيَنْظَرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئاً وَيَنْظُرُ في الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئاً وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ»

(5)

.

(1)

فرجع في قراءته أي ردد صوته بها وأظهر المد في مواضعه وأشبع الحروف به.

(2)

ما أذن الله لشيء أي ما استمع لشيء كاستماعه لحسن الصوت من نبي أي أو غيره من أهل القرآن الصالحين، والمراد إعطاء الأجر العظيم على حسن الصوت.

(3)

أي حسنوا القرآن بتحسين الصوت فإنه يزيد في بهائه وجلاله وينعش الأبدان والأرواح ويصل بمواعظه إلى أعماق القلوب. فتحسين الصوت بالقرآن مستحب ولو بالألحان المعروفة مع آداب القراءة المذكورة في علم التجويد، فإن زاد في الجلد أو الغن أو تركهما كان مكروها، وقيل كان حرامًا وأثم القارئ ووجب على السامع الإنكار إن كان الخروج ظاهرًا وإلا فلا.

(4)

اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم أي ما اتفقتم على معانيه فإذا اختلفتم فقوموا عنه أي انصرفوا لئلا يحصل التجادل والتخاصم، أو المراد اقرأوه ما دامت نفوسكم منشرحة له فإذا ملت وسئمت فاتركوا القراءة إجلالا للقرآن الكريم.

(5)

لا يجاوز حناجرهم: جمع حنجرة وهي الحلقوم، وفي الرواية الآتية: تراقيهم جمع ترقوة وهي عظمة النحر المجاورة للرقبة، والمراد لا يصل إلى قلوبهم، والرمية كعطية: الصيد، والمراد يفرون من الدين كالسهم الذي يصيب الصيد فيخرج منه بسرعة، ينظر: أي الرامي في النصل وهو حديد السهم، والقدح: السهم قبل أن يراش ويركب سهمه، والريش: الذي على السهم، ويتمارى: أي يشك في الفوق مدخل الوتر منه، والمعنى سيظهر في زمنكم قوم يكثرون من=

ص: 11

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(1)

. رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ

(2)

.

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَاصَ يَقْرَأُ ثُمَّ سَأَلَ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ»

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً حَتَّى قَالَ: «اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذلِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

= العبادة ولكن رياء وسمعة وهم بعيدون عن الدين كالسهم إذا نفذ من مرماه بسرعة، فينظر الرامي في النصل والقدح والريش فلا يرى فيها أثرا للإصابة. وهؤلاء هم الخوارج خرجوا على الناس بأحموقة ظهرت لهم في زمن عليّ رضي الله عنه فقاتلهم قتالا شديدًا، وهم فرقة من المسلمين ضلوا عن الهدى ولكن تجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم وشهادتهم نظرًا لظاهرهم. وسئل عنهم عليّ رضي الله عنه أهم كفار؟ فقال: من الكفر فروا، فقيل: منافقون؟ فقال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله بكرة وأصيلا، فقيل: من هم؟ فقال: قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا، نسأل الله التوفيق والهداية آمين.

(1)

حدثاء الأسنان: أي صغارها، سفهاء الأحلام: أي ضعفاء العقول، يقولون من خير قول البرية: أي من قول خير البرية صلى الله عليه وسلم، فقوم هذه صفتهم سيظهرون في آخر الزمان، يجب على الإمام أن يطلب منهم التوبة والرجوع إلى ما عليه المسلمون عدة مرات فإن تابوا وإلا قاتلهم فإن قتالهم جهاد لقوله في قتلهم: أجر لمن قتلهم يوم القيامة، ففيه وما قبله أن قراءة القرآن لا تكون إلا للإيمان به والعمل به لله تعالى.

(2)

ولكن البخاري وأبو داود هنا ومسلم في الزكاة.

(3)

على قاص أي قارئ، فاسترجع أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، كأنه رأى السؤال بالقرآن مصيبة فاسترجع لها وذكر الحديث. فقراءة القرآن وسؤال الناس بعدها وكذا من يقرأ وهو ماد يده للسؤال، ومن يقرأ في الطرق بنية السؤال كل هذا مذموم فإن القرآن أعظم شيء بيننا لأنه كلام الله فلا يكون عرضة لحطام الدنيا الفاني.

ص: 12

• وَعَنْهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي شَهْرٍ» قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفَضَلَ مِنْ ذلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي عِشْرِينَ» ، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسَ عَشرَةَ» ، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي عَشْرٍ» ، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ قَالَ: «اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ»

(1)

قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ فَمَا رَخَّصَ لِي

(2)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ»

(3)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنَ صَحِيحَيْنِ.

‌ينبغي استماع القرآن بتدبر وخشوع

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

(4)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ» ، قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنِّي أَشْتَهي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» ، قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} قَالَ: «كُفَّ أَوْ أَمْسِكْ» فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَان

(5)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

= أما قراءة القرآن في مكان محترم كالخيام التي تقام للأفراح والمآتم فلا بأس بها بشرط عدم المحرم وعدم التشويش على القارئ نسأل الله التوفيق.

(1)

وفي رواية: قال اختمه في سبع أي من الليالي.

(2)

لأن القراءة بالسرعة تكون خالية من التدبر.

(3)

أي لم يفهم الواجب عليه في القراءة من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ليال. فالأدب المطلوب من قارئ القرآن أن يكون طاهرًا وأن يكون جالسًا مستقبل القبلة وأن يجود القرآن وأن يتدبر في معانيه وأن يلاحظ أن الله ناظر إليه ويجيبه في كل كلمة وأن ينوى العمل بما فيه ما دام حيًّا نسأل الله التوفيق آمين.

ينبغي استماع القرآن بتدبر وخشوع

(4)

أي إذا قرئ القرآن في مجلس أنتم فيه فاستمعوا له وأنصتوا عن الكلام لعلكم ترحمون بالقرآن.

(5)

طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مسعود أن يسمعه شيئا من القرآن فقرأ عبد الله سورة =

ص: 13

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ}» قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: فَبَكَى

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌تنزل السكينة لقراءة القرآن

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَنَطَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّكِينَةَ وَالْهِدَايَةَ آمِينَ.

= النساء فلما وصل إلى تلك الآية بكى النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بالسكوت.

(1)

بكي أبي بن كعب لما علم أن الله ذكر اسمه للنبي صلى الله عليه وسلم. ففيه استحباب استماع القرآن من أهله المتقين له وعلى السامع الخشوع والإنصات والتفكر في معانيه والاتعاظ بما فيه من الحكم والمواعظ وذكر الماضين وأيام الله معهم. وبالإجمال الجالس في مجلس القرآن كأنه في مجلس الله تعالى يحاكيه ويناجيه.

تنزل السكينة لقراءة القرآن

(2)

الرجل الذي كان يقرأ هو أسيد بن حضير السابق في الفضائل، والشنطان: تثنية شنط وهو الحبل، وتلك السحابة هي السكينة نزلت للقراءة، والسكينة شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة سميت بذلك لأن القلب يصفو بها ويستنير ويسكن نسأل الله ذلك آمين.

ص: 14

‌الباب الثالث في فضائل السور

(1)

‌فضل الفاتحة والبقرة وآل عمران

(2)

• عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ قُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم}

(3)

» ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ» ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الْخُرُوجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ»

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ»

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُمُّ الْقُرْآنِ

(6)

وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضاً

(7)

مِنْ فَوْقِهِ

الباب الثالث في فضائل السور

فضل الفاتحة والبقرة وآل عمران

(1)

السور جمع سورة وهي قطعة من القرآن لها أول وآخر كالشيء المحدد بسور.

(2)

الفاتحة هي السورة التي افتتح القرآن بها ترتيبًا لا تزولا، والبقرة السورة التي ذكرت فيها البقرة في قوله {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} وآل عمران هي التي ذكر فيها آل عمران في قوله {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين".

(3)

ظاهره أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في كل وقت وعلى أي حال.

(4)

هي السبع المثاني أي هي السبع آيات التي تثني وتقرأ في كل ركعة في الصلاة، والقرآن العظيم الذي لا نظير له.

(5)

أي في قوله جل شأنه {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} ".

(6)

أم القرآن أي أصله لأنها أوله رتبة وتلاوة.

(7)

النقيض كالنقيع صوت كصوت فتح الباب، فرفع رأسه فقال: أي جبريل.

ص: 15

فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلا الْيَوْمَ

(1)

فَنَزَلَ مِنْه مَلَكٌ فَقَالَ: هذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلا الْيَوْمَ

(2)

فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ؛ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلا أُعْطِيتَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْرَؤوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لِأَصْحَابِهِ

(3)

اقْرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقْرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ

(4)

فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ

(5)

سُوَرَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ» وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ؛ قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ» إِلَى آخِرِهِ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثاً وَهُمْ ذُو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ

(6)

فَقَرَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ: «مَا مَعَكَ

(1)

فيه أن السماء لها عدة أبواب.

(2)

فيه أنه كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم غير جبريل من الملائكة، فما من قارئ يقرؤها بإخلاص إلا أعطاه الله ما فيهما. اللهم ارزقنا الإخلاص يا كريم يا رحمن يا رحيم آمين.

(3)

أي العاملين به بخلاف غيرهم فإنه عليهم، للحديث الذي تقدم في فضل الطهارة (والقرآن حجة لك أو عليك).

(4)

البقرة وآل عمران بيان للزهراوين تثنية زهراء تأنيث الأزهر وهو المضيء الشديد الضوء، والغمامتان تثنية غمامة وهي السحابة، والغيايتان تثنية غياية وهي ما يظل الإنسان، وفرقان تثنية فرقة وهي طائفة الطير الصافة لأجنحتها أي الباسطة لها، وسورة البقرة أخذها بركة وتركها حسرة في الدنيا والآخرة ولا تستطيعها البطلة أي السحرة، فيه أن البقرة تمنع السحر عن حاملها حفظا أو كتابة بإذن الله تعالى.

(5)

تقدمه أي القرآن أي تقدمه لعظمها نسأل الله أن نكون من أهلها آمين.

(6)

فاستقرأهم أي طلب من كلٍّ قراءة ما يحفظه من القرآن.

ص: 16

يَا فُلَانُ؟» قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ، قَالَ:«أَمَعَكَ سُورَةُ الْبقَرَةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ إِلا خَشْيَةَ أَلا أَقُومَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فاقْرَؤوهُ وَأَقْرِئُوا

(1)

فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوَ مِسْكاً يَفُوحُ بِرِيحِهِ كُلُّ مَكَانٍ، وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ وُكِئَ عَلَى مِسْكٍ»

(2)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ»

(3)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

‌فضل آية الكرسي وأواخر البقرة

(5)

• عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وقَالَ: «وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ»

(6)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

(1)

فاقرأوه أي لأنفسكم، وأقرئوا أي غيركم.

(2)

أي مليء بالمسك وربط عليه.

(3)

فيه وما قبله أن سورة البقرة لها شأن عظيم لأنها حوت من العلوم والشرعيات وأخبار السالفين والإلهيات ما لم يحوه غيرها.

(4)

الأول حسن والثاني صحيح.

فضل آية الكرسي وأواخر البقرة

(5)

آية الكرسي هي التي ذكر فيها لفظ الكرسي وهي في سورة البقرة آية 255 أولها: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وأواخر البقرة من أول آمن الرسول إلى آخرها.

(6)

أبا المنذر كنية أبي بن كعب، وإنما كانت آية الكرسي أعظم آية في الكتاب لأنها خاصة بالله تعالى وذكر أسمائه وصفاته العلية، وقوله: ليهنك العلم أي ليكن العلم هنيئًا لك ونافعًا لك ورافعًا لذكرك.

ص: 17

• عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ

(1)

فَكَانَتْ تَجِيءُ الْغُولُ فَتَأْخُذُ مِنْهُ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَاذْهَبْ فَإِذَا رَأَيْتهَا فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَ: فَأَخَذَهَا فَحَلَفَتْ أَلا تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» قَالَ: حَلَفَتْ أَلا تَعُودَ، قَالَ:«كَذَبَتْ وَهِيَ مُعاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ»

(2)

قَالَ: فَأَخَذَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَحَلَفَتْ أَلا تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» قَالَ: حَلَفَتْ أَلا تَعُودَ، فَقَالَ:«كَذَبَتْ وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ فَأخَذَهَا» فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِكِ حَتَّى أَذْهَبَ بِكِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي ذَاكِرَةٌ لَكَ شَيْئاً آيَةَ الْكُرْسِيِّ اقْرَأْهَا فِي بَيْتِكَ فَلَا يَقْرَبْكَ شَيْطَانٌ وَلَا غَيْرُهُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ، قَالَ:«صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ»

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ وَإِنَّ سَنَامَ

(4)

الْقُرْآن سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ»؛ هِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ.

(1)

سهرة - كرحمة - بيت صغير محفور في الأرض أو كرف أو طاق توضع فيه الأشياء، والغول: نوع من الجن والشياطين وجمعه غيلان.

(2)

أي هي كاذبة وستعود.

(3)

فآية الكرسي إذا قرئت بإخلاص في بيت صباحا حفظ من الشيطان طول اليوم، وإن قرئت مساء حفظ في تلك الليلة نسأل الله تمام الإخلاص.

(4)

السنام - كالطعام - أرفع عضو في جسم الجمل، فآية الكرسي أعظم آي القرآن. وقال عبد الله: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي. وقال سفيان: لأنها كلام الله وهو أعظم من كل المخلوقات. وقد ورد فيها أحاديث كثيرة منها: من قرأها عند خروجه من بيته كان في ضمان الله حتى يرجع، ومنها: من قرأها دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومنها: ما قرئت في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة. يا على علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها، ومنها: من قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات التي حوله، ومنها: سيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي. ومنها: أنه نزل جبريل على موسى عليهما السلام وقال له. ربك يقول لك من قرأ=

ص: 18

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ حم الْمُؤْمِنَ

(1)

إِلَى إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَآيةَ الْكُرْسِيِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ ضَعِيفَيْنِ.

• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ»

(2)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَاباً

(3)

قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقَرْبَهَا شَيْطَانٌ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

= عقب كل صلاة: اللهم إني أقدم إليك بين يدي كل نفس ولمحة وطرفة يطرف بها أهل السماوات وأهل الأرض وكل شيء هو في علمك كائن أو قد كان. أقدم إليك بين يدي ذلك كله الله لا إله إلا هو الحي القيوم إلى آخرها، فإن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ليس منها ساعة إلا ويصعد إلى الله منه فيها سبعون ألف ألف حسنة حتى ينفخ في الصور اهـ حاشية الصاوي في التفسير.

(1)

حم المؤمن هي السورة التي بعد سورة الزمر. وسميت حم المؤمن لقول الله فيها {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} ومراد الحديث الآيات الثلاث التي في أولها وهي {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} .

(2)

فمن قرأ الآيتين اللتين في آخر البقرة وهما {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} إلى آخر السورة في ليلة كفتاه ما أهمه للدنيا والآخرة أو كفتاه عن قراءة القرآن المطلوبة من حامله كل ليلة، والمدار على الإخلاص.

(3)

لعل المراد بالكتاب جنس الكتب التي نزلت على الرسل صلى الله عليهم وسلم لهداية الناس. فلا ينافي أسبقية كتابة المقادير على هذا كما سبق في الإيمان بالقدر: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. والتنصيص على خواتيم البقرة يدل على مزيد فضلها لما فيها من الاعتراف بأركان الإيمان والدعاء برفع الأثقال والعفو والغفران. نسأل الله العفو والعافية آمين.

ص: 19

‌فضل الإسراء والزمر

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ نَسْأَلُ اللَّهَ كَمَالَ الرِّفْعَةَ وَالْيَقِينِ آمِين.

‌فضل سورة الكهف

(2)

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةَ الدَّجَالِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ حَفِظَ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ» .

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» . وَفي نُسْخَةٍ: «أَضَاءَ لَهُ النُّورُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعتِيقِ»

(4)

. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

فضل سورة الإسراء والزمر

(1)

الإسراء هي التي قال الله تعالى في أولها {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} وتسمى سورة بني إسرائيل لقوله تعالى {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} والزمر: هي السورة التي قال الله فيها {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} بعد يس بسورتين، فقراءة النبي صلى الله عليه وسلم لهاتين السورتين قبل النوم دليل على فضلهما.

فضل سورة الكهف

(2)

هي السورة التي ذكر فيها الكهف في قوله تعالى " {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا} ".

(3)

فمن حفظ عشر آيات أو ثلاث آيات من أول الكهف وقرأها صباحًا ومساء حفظ من فتنة المسيح الدجال، وكذا من واظب على قراءة خواتيم الكهف من أول " {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} " إلى آخرها صباحًا ومساء، ولعل حكمة ذلك أن الكهف حصن عظيم لأنه بيت في الجبل، وقول الله تعالى في سد ذي القرنين {فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} .

(4)

البيت العتيق - أي القديم - هو الكعبة المكرمة لأنه أول بيت بني للعبادة، فيندب قراءتها في يوم الجمعة وكذا ليلتها لإدراك هذا الفضل ونص عليه الشافعي رضي الله عنه وأرضاه واحشرنا في زمرته آمين.

ص: 20

‌فضل سورة يس والدخان

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْباً وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ»

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

وَالْبَيْهَقِيُّ.

• عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَلْبُ الْقُرْآنِ يس لَا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ إِلا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، اقْرَؤوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ»

(4)

. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ»

(5)

. رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانَ فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ»

(6)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ حم الدَّخَانَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَلِلطَّبَرَانِيِّ: «مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانَ فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ أَوْ يَوْمِ جُمُعَةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ»

(7)

.

فضل سورة يس والدخان

(1)

سورة يس مشهورة، بين سورة فاطر والصافات، وأولها " {يس والقرآن الحكيم} " وسورة الدخان في الحواميم بين سورة الزخرف والأحقاف، وأولها " {حم والكتاب المبين} ".

(2)

فمن قرأ يس مرة واحدة بإخلاص أعطاه الله أجر قراءة القرآن عشر مرات بدون بس لاشتمالها على معان وأسرار كثيرة ليست في غيرها.

(3)

بسند ضعيف ولكنه في الفضائل.

(4)

تقدم بسط الكلام على قراءة القرآن على الأموات في كتاب الجنائز من كتاب الصلاة.

(5)

ظاهره: ذنوبه كلها. إلا حقوق العباد فإنه لا يبرأ منها الشخص إلا بأدائها أو بمساحة أصحابها، ولسورة يس دعاء وتلاوة بكيفية معلومة للخلاص من الشدائد، وقد جرب ذلك الصالحون سلفا وخلفا، وقالوا: ليس لتفريج الكروب أحسن منها. والمدار على الإخلاص وحسن التوكل وقوة اليقين.

(6)

والملائكة مطهرون فاستغفارهم مقبول.

(7)

ظاهره أن البيوت تتعدد بتعدد القراءة ولا حرج على فضل الله فإنه واسع الفضل عظيم العطاء، والله أعلم.

ص: 21

‌فضل سورة الفتح

(1)

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» . رَوَاهُ الْبُخَاريُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَلَفْظُهُ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً»

(2)

.

‌فضل المسبحات وسورة الحشر

(3)

• عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ وَيَقُولُ: «إِنَّ فِيهِنّ آيَةً خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ»

(4)

.

• عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعليمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ

(5)

وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ

فضل سورة الفتح

(1)

سورة الفتح هي التي بين سورة الحجرات وسورة محمد صلى الله عليه وسلم وأولها " {إنا فتحنا لك فتحًا مبينا} ".

(2)

وأوله لما نزلت {إنا فتحنا لك فتحًا مبينا} - إلى - {فوزا عظيما} مرجعه من الحديبية وهم في حزن وقد نحروا الهدى. قال صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت على آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا، والمراد بالآية الجنس وإلا فهي أكثر كما أنها أحسن من كل الدنيا لأن ثوابها باق وكل الدنيا فانية. نسأل الله التوفيق.

{فائدة} . عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا.

رواه البيهقي. قال المناوي رضي الله عنه وهذا لسر علمه الشارع وهو من الطب النبوي.

فضل المسبحات وسورة الحشر

(3)

سورة الحشر هي التي بين سورة المجادلة والممتحنة وأولها " {سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} " وسميت بذلك لقول الله تعالى فيها " {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم الأول الحشر} " الآية، والمسبحات هي السور التي في أولها سبحان وسبح لله ويسبح لله وهي خمس: الحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن.

(4)

هي مبهمة لتقرأ المسبحات كلهن كإبهام ليلة القدر وساعة الإجابة التي تقدم ذكرها في صلاة الجمعة. وقيل تلك الآية هي قوله تعالى " {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} ".

(5)

الآيات الثلاثة من آخر سورة الحشر هن: " {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم} " إلى آخر السورة.

ص: 22

حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ مَاتَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيداً وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(1)

. نَسْأَلُ اللَّهَ رَفِيعَ الْمَنْزِلَةِ آمِين وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌فضل سورة الملك

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ ثلَاثُونَ آيَةً تَشْفَعُ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ»

(2)

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ

(4)

وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لَا أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ تَبَارَكَ حَتَّى خَتَمَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنَجِّيَةُ تُنَجِّيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» .

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ

(5)

رَوَاهُمَا التِّرْمِذيُّ

(6)

نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

(1)

الأول بسند حسن والثاني بسند غريب ولكنه للترغيب.

فضل سورة الملك

(2)

فمن يحفظ " {تبارك الذي بيده الملك} " ويقرأها كل يوم أو كل ليلة فإنها تشفع له حتى يغفر له، وعدد آياتها ثلاثون آية.

(3)

عند حسن. نسأل الله حسن الحال.

(4)

الحياء - كبناء - هو الخيمة من صوف أو وبر أو شعر على عمود أو اثنين أو ثلاثة فإن زاد فهو بيت. فرجل مسافر نصب خباءه على قبر فسمع فيه من يقرأ تبارك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هي المانعة أي تمنع الشر عن تاليها وتنجيه من عذاب القبر، وإذا جازت قراءة القرآن من في قبره فأولى من الحي على القبر لأن الحي أفضل من الميت.

(5)

الم تنزيل: هي سورة السجدة التي بين سورة لقمان والأحزاب.

(6)

والأول بسند حسن والثاني ضعيف ولكنه للترغيب.

ص: 23

‌فضل سورة الزلزلة والكافرون والنصر

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتْ عَدَلَتْ لَهُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ عَدَلَتْ لَهُ بِرُبْعِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَدَلَتْ لَهُ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ»

(1)

.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: «هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا فُلَانُ» ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ، قَالَ:«أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ، قَالَ: بَلَى. قَالَ: «ثُلُثُ الْقُرْآنِ»

(2)

قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» ، قَالَ: بَلَى، قَالَ:«رُبُعُ الْقُرْآنِ» ، قَالَ:«أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ» ، قَالَ: بَلَى، قَالَ:«رُبُعِ الْقُرْآنِ» ، قَالَ:«أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا زُلْزِلَتْ» ، قَالَ: بَلَى، قَالَ:«رُبُعُ الْقُرْآنِ تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ»

(3)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيّ

(4)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

فضل سورة الزلزلة والكافرون والنصر

(1)

من قرأ " {إذا زلزلت} " عدلت له بنصف القرآن أي ساوي ثواب قراءتها ثواب قراءة نصف القرآن لأن ما في القرآن للدنيا والآخرة وما في الزلزلة للآخرة. وثواب "قل يا أيها الكافرون" يساوي ثواب ربع القرآن لأنها تأمر برفض الشرك وبعبادة الله تعالى. وسيأتي الكلام على "قل هو الله أحد".

(2)

أي معك ثلث القرآن، "وإذا جاء نصر الله" تعدل ربع القرآن لأنها أعلنت بالنصر والفتح وكثرة الداخلين في الدين.

(3)

أي سورة الزلزلة تعدل ربع القرآن، ولا يعارض ما تقدم من أنها تعدل نصفه فإن هذا يختلف باختلاف القارئين إتقانا وعدمه وإخلاصا وعدمه. وفيه أن من كان معه تلك السور فليس بفقير بل هو غني بها فما بالك بمن كان يحمل القرآن كله. لا شك أنه أغنى الناس بهذا الخير الكثير العظيم وهو القرآن فمن أعطيه وظن أن أحدًا أعطى خيرًا منه فقد صغر ما عظم الله تعالى.

(4)

الأول بسند غريب ولكنه مؤيد بالصحاح الآتية في "قل هو الله أحد"، والثاني بسند حسن. نسأل الله حسن الحال.

ص: 24

‌فضل قل هو الله أحد

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا

(1)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»

(2)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فهي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأُ فِي لَيْلةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، قَالَ:«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» ، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ

(4)

فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أَرَى هذَا خَبَراً جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ أَلَا إِنَّهَا

(5)

تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ

(6)

فَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا

فضل قل هو الله أحد

وتسمى الصمدية لقوله تعالى فيها "الله الصمد" وسورة الإخلاص لإخلاص التوحيد فيها.

(1)

يتقالها أي يستقلها لقصرها.

(2)

لأن علوم القرآن ثلاثة وهي: علم التوحيد، وعلم التشريع وعلى تهذيب النفوس والأخلاق، وعلى التوحيد كله في "قل هو الله أحد"، لحديث مسلم: إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء جمل قل هو الله أحد جزء من أجزاء القرآن.

(3)

فثواب قراءتها مرة واحدة كثواب قراءة القرآن في الكم لا في الكيف.

(4)

احشدوا أي اجتمعوا، فحشد من حشد أي اجتمع من اجتمع.

(5)

ألا إنها أي: "قل هو الله أحد".

(6)

بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أي جماعة للجهاد وأمّر عليهم رجلا منهم فكان يصلى بهم ويختم قراءته بقل هو الله أحد، فلا ذكروا هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم بسؤاله فسألوه فقال: إني أحبها لأنها صفة الرحمن. قال صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه لحبه تلك السورة.

ص: 25

ذُكِرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذلِكَ» ، فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَكَانَ كُلَّمَا أَمَّهُمْ فِي الصَّلَاةِ قَرَأَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ إِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا؛ إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِهَا فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُ وَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: «يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ مِمَّا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي أُحِبُّها فَقَالَ: «إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ»

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلْتُ مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ رَجُلاً يَقْرأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ» ، قُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: «الْجَنَةُ» .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ مَرَّةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مُحِيَ عَنْهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً إِلا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ»

(2)

. رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ

(3)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصَابَنَا طَشٌّ

(4)

وَظُلْمَةٌ فَانْتَظَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ

(1)

أي إن حبك لها كان سببا في كونك من أهل الجنة.

(2)

وللترمذي بهذا السند: من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة إذا كان يوم القيامة يقول له الرب يا عبدي ادخل على يمينك الجنة.

(3)

الأول صحيح والثاني حسن والثالث غريب ولكنه في الفضائل والله أعلم.

(4)

أي مطر.

ص: 26

صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ بِنَا فَخَرَجَ فَقَالَ: «قُلْ» ، قُلْتُ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ:«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثاً يَكْفِكَ كُلَّ شَيْءٍ»

(1)

. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الاِسْتِعَاذَةِ.

‌فضل المعوذتين

(2)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ

(3)

وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. رَوَاهُ الثَّلَاثَة.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنهقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ

(5)

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَقُودُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لِي: «يَا عُقْبَةُ أَلَا أَعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا» ؛ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ

(1)

فقراءة سورة الإخلاص والمعوّذتين صباحًا ومساء ثلاث مرات مع الإخلاص والتوكل على الله تعالى تكفيك كل شيء.

فضل المعوذتين

(2)

هما "قل أعوذ برب الفلق - وقل أعوذ برب الناس" وها بعد الصمدية آخر القرآن ترتيبًا.

(3)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أي مرض يقرأ على نفسه بالمعوذتين. ولفظ البخاري: بالمعوذات وهي الإخلاص والفلق والناس. وينفث أي ينفخ بقليل ريق في كفيه ثم يمسح بهما جسده رجاء الشفاء بالمعوذات فلما مرض مرضه الأخير كانت عائشة تقرأ وتمسح عليه بيده الشريفة.

(4)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه كل ليلة قرأ المعوذات ثم نفث في كفيه ثم مسح بهما جسمه كله من رأسه إلى قدمه ثلاث مرات تحصنا وتبركا بالمعوذات، فيستحب عمل هذا كل ليلة أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)

لم ير مثلهن قط لأنهن كلهن معوذات ومحصنات من شر كل شيء.

ص: 27

بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالْأَبْوَاءِ

(1)

إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَقُولُ: «يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا» ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ

(2)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

‌الباب الرابع في رجال القرآن ورواياته

(3)

• عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ أَنسَ بْنَ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ: أُبيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

الجحفة والأبواء مكانان في الطريق بين مكة والمدينة، والأبواء هو المكان الذي ماتت ودفنت به السيدة آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم وهي راجعة من المدينة رضي الله عنها وسنه صلى الله عليه وسلم أربع سنين.

(2)

فكان يقرأ بهما في الصلاة وهو إمام بالناس، فمن هذا وما تقدم في الفاتحة وآية الكرسي وخواتيم البقرة يتضح لك أن السادة الصوفية أخذوا ختم الصلاة من الكتاب العزيز والسنة الغراء جزاهم الله أحسن الجزاء وحشرنا في زمرتهم آمين. وتقدم التسبيح في الذكر عقب الصلاة من كتاب الصلاة وسيأتي الذكر الذي في أول ختم الصلاة في كتاب الذكر والدعاء إن شاء الله.

(تنبيه) هذا ما في أصولنا الخمسة من فضل بعض سور القرآن الكريم وإلا فكل سورة بل كل آية وكل كلمة من كتاب الله العزيز فضائلها لا تحصى ولا تعد وأسرارها جلت عن الحصر. نسأل الله أن يعلمنا من لدنه علما آمين والحمد لله رب العالمين.

الباب الرابع في رجال القرآن ورواياته

(3)

المراد برجال القرآن الأصحاب الذين اشتهروا بالتفرغ له والحفظ والإتقان كابن مسعود ومن معه رضي الله عنهم. والمراد بروايات القرآن حروفه ووجوهه التي نزل عليها كما يأتي: نزل القرآن على سبعة أحرف.

(4)

أبو زيد أحد أعمام أنس واسمه سعد بن عبيد الأرسى المشهور بسعد القاري، والحديث تقدم في فضل معاذ رضي الله عنهم.

ص: 28

وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، وزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِله غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلا أَعْلمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُنِيهِ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ

(2)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعاً وَسَبْعِينَ سُورَةً وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ. قَالَ شَقِيقٌ: وَمَا سَمِعْنَا مُخَالِفاً لَهُ فِي ذلِكَ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ هُنَا وَسَبَقَا لِمُسْلِمٍ فِي الْفَضَائِلِ.

(1)

أبو الدرداء هو عويمر بن مالك أو ابن عامر أو ابن ثعلبة الخزرجي، قال بعضهم: ذكر أبي الدرداء سهو من بعض الرواة وصوابه أبي بن كعب لذكره في كل الروايات، ولكن روى هذا الحديث الطبراني وذكر في أوله: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقال الأوس منا أربعة؛ من اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ، ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومن حمته الدبر عاصم بن ثابت، فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن؛ وذكروا هؤلاء أي دون الأوس وهذا بحسب ما فهمه أنس وإلا فقد حفظه من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعد وحذيفة وسالم وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن السائب والعبادلة الأربعة وهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود وتميم الداري وعقبة بن عامر وكذا حفظه من الأنصار غير من ذكروا في الحديثين عبادة بن الصامت ومجمع بن حارثة ومعاذ أبو حليمة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد، وكذا حفظه من النساء عائشة وحفصة وأم سلمة ولكن بعض هؤلاء كمل حفظه بعد موته صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم آمين.

(2)

هذا وما بعده تقدما في فضائل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ص: 29

‌نزل القرآن على سبعة أحرف

(1)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُني حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتنِيهَا فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ» ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ، فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهَا فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هَكَذَا أُنزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ لِي: «اقْرَأْ» فَقَرَأْتُ فَقَالَ: «هكَذَا أُنزِلَتْ، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»

(4)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ

(5)

فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَقَالَ:

نزل القرآن على سبعة أحرف

(1)

أي وجوه وقراءات.

(2)

الأحرف جمع حرف وهو اللغة أو القراءة، فالمعنى على الأول حتى انتهى إلى سبعة أحرف أي أوجه من اللغات، وعلى الثاني حتى انتهى إلى سبع قراءات رحمة بالناس.

قال ابن شهاب. بلغني أن تلك الأحرف السبعة إنما هي في الأمر الذي يكون واحدًا لا يختلف في حلال ولا حرام أي أن تلك القراءات تكون أحيانا في آية واحدة وفي كلمة واحدة ولكن لا يتغير معناها من حلال إلى حرام وعكسه، بل المعني باق كمالك يوم الدين وفي قراءة ملك يوم الدين، وكالصراط المستقيم بالكسر والضم والصاد والسين وكأنعمت عليهم بكسر الهاء وضمها والمعنى في الكل واحد وهكذا. ولهذا الفن علم مشهور يسمى علم القراءات له عدة مؤلفات أشهرها الشاطبية.

(3)

فكدت أن أعجل عليه أي أخاصمه وهو في الصلاة ولكني انتظرته حتى فرغ من الصلاة ثم لببته بردائه أي جمعته إلى عنقه وقبضت عليه كشأن الخصام ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

فأقرّ قراءتيهما ثم قال هكذا نزل فاقرأوا الميسور لكم مما سمعتموه مني رحمة بكم.

(5)

الأضاة كحصاة: غدير الماء.

ص: 30

«أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذلِكَ» ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذلِكَ» ، ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذلِكَ» ، ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَؤوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «يَا جِبْرِيلُ إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ مِنْهُمُ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلامُ وَالْجَارِيَةُ وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَاباً قَطُّ» قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ

(2)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَقَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ فَلَمَّا قَضَيَا الصَّلَاةَ دَخَلْنَا جَمِيعاً عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ هذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرتُهَا عَلَيْهِ وَدَخَلَ هذَا فَقَرَأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَآ فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَأْنُهُمَا فَسُقِطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ

(3)

فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ غَشِيَنِي ضَرَبَ فِي صَدْرِي فَفِضْتُ عَرَقاً وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عز وجل فَرَقاً

(4)

فَقَالَ لِي: «يَا أُبَيُّ أُرْسِلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَددْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَرَدَّ إِلَيَّ

(1)

فكل رواية قرأ بها قارئ فقد أصاب الحق النازل من عند الله تعالى.

(2)

فبطلب النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف عن الأمة نزل القرآن بعدَّة لغات وفقنا الله له آمين.

(3)

أي فندمت وحزنت ووقع في خاطري من تكذيب النبوة لتصويبه قراءة الرجلين ما لم يقع مثله في الإسلام والجاهلية.

(4)

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علاه من الندم ضرب في صدره فامتلأ جسمه عرقا، وفرقا أي خوفا من الله تعالى وحياء من النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 31

الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سْبَعَةِ أَحْرُفٍ فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا»

(1)

فَقُلْتُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌خاتمة في جمع القرآن في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ

(2)

فَإِذَا عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ

(3)

يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُمَرُ: هذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذلِكَ وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ

(4)

(1)

فلك بكل ردة رددتكها مسألة أي لك بكل دفعة من هذه المراجعات مسألة أجيبك فيها وهن ثلاث، اقرأه على حرف واقرأه على حرفين، واقرأه على سبعة، فدعا صلى الله عليه وسلم لأمته مرتين وأخّر الثالثة إلى يوم القيامة الذي يرغب فيه الخلق كلهم إليه أي يضطرون فيلجأون إليه صلى الله عليه وسلم فيلتمس من ربه جل شأنه الشفاعة العظمى فيجيبه، وهذه هي الدعوة المدخرة للخلائق كلهم في الآخرة، وفي هذه الرواية حذفت مرة من مرات المراجعة فلا معارضة بينها وبين ما قبلها واتضح مما تقدم أن هذه المراجعة أفادت شيئين التخفيف والدعوات للأمة وللخلائق كلهم في الآخرة والله أعلم.

خاتمة في جمع القرآن في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

(2)

اليمامة كالحمامة بلد بالحجاز فيه نخيل كثير ظهر منه مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وتبعه كثير فجرد له أبو بكر رضي الله عنه جيشًا فذهب فقاتله حتى قتل هو وأصحابه واستشهد في هذه المعركة من الأصحاب نحو سبعمائة ومنهم طائفة من القراء رضي الله عنهم.

(3)

قد استحر أي اشتد وكثر.

(4)

فأبو بكر اختار زيدا لجمع القرآن لأنه من رجاله المشهورين ولذكائه وغزارة علمه وشدة فطنته وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا وكان يرد على المكاتبات التي ترد على النبي صلى الله عليه وسلم حتى باللغة السريانية التي تعلمها لذلك رضي الله عنه.

ص: 32

وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلونَ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْر وَعُمَرَ رضي الله عنهما فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ

(1)

حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} ، الْآيَتَيْنِ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَياتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رضي الله عنهم.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانَ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ

(2)

فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلافَهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ

(3)

، فَقَالَ

(1)

العسب جمع عسيب: كقضيب وهو أصل جريد النخل المريض الخالي من الحوض، واللخاف جمع لخفة: وهي قطعة الحجر أو الخزف الرقيقة، وفي رواية: والرقاع جمع رقعة وهي قطعة الأديم، فلما مات كثير من القراء في وقعة اليمامة قال عمر لأبي بكر: إني أخاف على القرآن من موت القراء وإني أرى أن تأمر بكتابته. وبعد أخذ ورد ظهر لهما أن هذا فرض عيني فأحضر أبو بكر زيد بن ثابت وأمره بجمع القرآن فتوقف حتى أقنعه الشيخان ثم شرع في جمعه، وقد كان القرآن من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحين مفرقًا عند الأصحاب حفظًا وكتابة؛ عند بعضهم في العسب وعند بعضهم في الرقاع وعند آخرين في ألواح، كل واحد كتب ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فيما تيسر له؛ فقال زيد: من تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من القرآن فليأت به وكان زيد لا يكتفي منهم بالمكتوب ولا بالسماع حتى يستشهد شاهدين فضلا عن حفظه رضي الله عنه فجمع القرآن كله من تلك الأشياء ومن صدور الرجال وكتبه في صحف ووجد الآيتين من آخر سورة التوبة مع واحد من الأصحاب فقط وهو أبو خزيمة الأنصاري رضي الله عنه وبقيت هذه الصحف عند أبي بكر رضي الله عنه حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها حتى طلبها عثمان ونسخها في عدة مصاحف كما في الحديث الآتي.

(2)

إرمينية: مدينة عظيمة بين بلاد الروم وخلاط، وأذربيجان: إقليم واسع فيه مدن كثيرة أشهرها تبريز.

(3)

فإن أهل الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب وما سمعها أهل العراق الذين يقرأون بقراءة ابن مسعود فكان كل فريق يخطئ الآخر بل يكفّره.

ص: 33

حُذَيْفَةُ لَعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هذِهِ الْأُمَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ

(1)

.

(1)

فحذيفة رضي الله عنه جاء لعثمان وهو يجيش الجيوش من الشام والعراق لفتح إرمينية وأذربيجان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة فإنها تختلف في القرآن كاليهود والنصارى. فقال عثمان: وماذا ترى؟ قال أرى أن تجمع الناس على مصحف واحد فلا يكون بين المسلمين اختلاف. فأمر عثمان بإحضار الصحف التي كتبت في زمن أبي بكر من عند حفصة رضي الله عنهم فجيء بها وأحضر أربعة من خيار الأصحاب المهرة في القراءة والكتابة كلهم قرشيون إلا زيد بن ثابت فإنه أنصاري وأمرهم بكتابة المصحف من تلك الصحف. وروى أن عثمان رضي الله عنه قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت. قال: من أعرب الناس وأفصحهم؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال: فليمل سعيد وليكتب زيد بحضور إخوانهما ولكن اشترك معهم فضلا عمن ذكروا في الحديث جماعة منهم مالك بن أبي عامر جد الإمام مالك رضي الله عنه وعبد الله بن عباس وأبي بن كعب وأنس بن مالك وكثير بن أفلح رضي الله عنهم. وبالإجمال أنهم كتبوا المصحف بعلم الأصحاب كلهم وإجماعهم على ما كتبوه فيه على الترتيب الذي تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه مع جبريل عليه السلام في العام الأخير على وفق ترتيبه في اللوح المحفوظ فجاء سالمًا محفوظا بعناية الله تعالى القدير الحفيظ. قال تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وقد كتبوا منه سبعة مصاحف فأمسك عثمان رضي الله عنه بالمدينة واحدًا، وأرسل إلى مكة واحدا وإلى اليمن واحدا، وإلى البحرين واحدا، وإلى البصرة واحدا، وإلى الكوفة واحدا، وإلى دمشق الشام واحدا، وأمر بتحريق ما عداها منعًا للالتباس. رضي الله عن الأصحاب وجزاهم عن الأمة خير الجزاء آمين والحمد لله رب العالمين.

ص: 34

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ} فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: فَاخْتَلَفُوا فِي التَّابُوتِ وَالتَّابُوهِ فَقَالَ الْقُرَشِيُّونَ بِالْأَوَّل وَقَالَ زَيْدٌ بِالثَّانِي فَرَفَعُوا اخْتِلَافَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اكْتُبُوهُ بِالتَّابُوتِ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِالْقُرْآنِ آمِين.

عدد أحاديث كتاب فضائل القرآن خمسة وتسعون حديثًا فقط

ص: 35

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين

‌كتاب التفسير

(1)

‌الحذر من التفسير بالرأي

• عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأَيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

‌ما ورد في سورة الفاتحة

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ

(3)

وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ

(4)

، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب التفسير - الحذر من التفسير بالرأي

(1)

المراد بالتفسير في هذا الكتاب ما روته أصولنا الخمسة مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير وليس المراد تفسير الآيات والكليات كلهن فإن هذا مبسوط في كتب التفسير المشهورة.

(تنبيه) قسط كبير من أحاديث التفسير الآتية تقدم في عدة أبواب وجب ذكرها فيها لبيان الأحكام وستذكر ثانيًا في التفسير باعتبار أنها مفسرة لكلام الله تعالى فلا تكرار.

(2)

فمن تكلم في كتاب الله برأيه وهواه الذي لم يوافق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا العلماء فقد أخطأ الحق وضل ووجبت له النار لجرأته وافترائه على الله ورسوله، ولا سيما إذا كان يجهل علوم اللغة العربية فإنه مخطئ ولو أصاب لتكلمه بغير علم، قال تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} صدق الله العظيم.

ما ورد في سورة الفاتحة

(3)

المراد بالنصف مطلق الشطر وإلا فللعبد من أول اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها، ولله جل شأنه الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وإياك نعبد وإياك نستعين بين العبد وبين ربه تعالى.

(4)

أي وله ما طلبه بعينه إن كان في وقته وفي مصلحته وإلا بدله الله بما فيه مصلحته.

ص: 36

تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي

(1)

وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي

(2)

وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قَالَ: هذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الْيَهُودُ. وَالضَّالِّينَ النَّصَارَى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارى ضُلالٌ»

(3)

.

‌ما ورد في سورة البقرة

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}

(4)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ عز وجل التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ

(5)

وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ

(1)

أي ذكرني بكلمات التمجيد.

(2)

هذا بيني وبين عبدي أي فعلى العبد عبادة الله بإخلاص وعلى الله عونه فضلا منه وكرما.

(3)

فالضلال جمع ضال وهو المائل عن الحق. والمراد بهم النصارى والمغضوب عليهم هنا هم اليهود لقوله تعالى فيهم "فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين" نسأل الله رضاه آمين.

ما ورد في تفسير سورة البقرة

(4)

فالله تعالى قال للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خليفة هو آدم عليه السلام " {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} " قال تعالى: قضت حكمتي أني أخلقه، وإني أعلم ما لا تعلمون فخلق آدم عليه السلام ذلك الإنسان المبارك أبو البشر كله وأبو الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم.

(5)

التربة كالغرفة: الأرض لأنها ذات تراب. والمراد الأرض وما فيها من بحار وأنهار.

ص: 37

الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ

(1)

وَخَلَقَ آدَمَ عليه السلام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ»

(2)

.

رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(3)

وَأَحْمَدُ رضي الله عنهما.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً»

(4)

ثُمَّ قَالَ: «اذهَبْ فَسَلِّمَ عَلَى أُولئِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ وَهِيَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ

(5)

فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيّ

(6)

. وَلَفْظُهُ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ ونَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ

(7)

فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: إِنَّ هذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ قَالَ: يَا رَبِّ مَا هؤُلَاءِ؟ قَالَ: هؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمُرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ

(8)

.

(1)

أي خلقها وبثها في الأرض يوم الخميس.

(2)

فيه أن أول الأسبوع يوم السبت وآخره يوم الجمعة فهو عيد الأسبوع كما تقدم في باب الجمعة فالعبرة بالخواتيم ولذا خلق فيه آدم أبا البشر وأكرم الخلق الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأباح له جنته وأسجد له ملائكته ثم اجتباه ربه فهداه وقربه وناجاه صلى الله عليه وسلم، والسماوات أيضًا خلقت في يومين من هذا الأسبوع لقوله تعالى " {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} " أي في قدرها ولقوله تعالى " {فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها} "، كل هذا في قدر أسبوع واحد جل شأن ربنا وعلا.

(3)

أي في كتاب القيامة.

(4)

أي بذراع نفسه وعرضه سبعة أذرع به لحديث أحمد: كان طول آدم ستين ذراعًا في سبعة أذرع عرضا.

(5)

فالتحية بالسلام من لدن آدم عليه السلام.

(6)

ولكن البخاري في خلق آدم ومسلم في نعيم الجنة والترمذي في آخر التفسير.

(7)

لنفر منهم جالسين.

(8)

فلما بسط الله يمينه ظهرت صور لأرواح آدم وبنيه وعمر كل منهم مسطور بين عينيه.

ص: 38

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ»

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}

(2)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ

(3)

وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ»

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}

(5)

.

(1)

السهل والحزن والخبيث والطيب أي في الطباع، فالله تعالى أمر بعض الملائكة أن يأتيه بقطعة من الأرض من كل طباعها وألوانها ففعل كما أمره الله. قيل إن هذا هو عزرائيل عليه السلام فلذا اختصه الله بقبض الأرواح ثم أمر بالطينة فعجنت بأنواع المياه كحلو وحامض ومر فجاء بنو آدم مختلفي الألوان والطباع كأنواع الماء وكألوان الأرض وطباعها، فسبحان الخلاق العظيم.

(2)

وظللنا عليكم يا بني إسرائيل العام السحاب من حر الشمس وأنتم في أرض التيه، وأنزلنا عليكم فيها المن والسلوى وهما مطعومان أولهما كعسل النحل والثاني كالطير السماني، وقلنا كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تدخروا؛ فكفروا بالنعمة وادخروا فقطع عنهم وما ظلمونا بهذا ولكن ظلموا أنفسهم لأنهم حرموه.

(3)

لم يخبث الطعام أي لم يتلف بالحموضة. ولم يخنز اللحم أي لم يفسد بالنتن وذلك أنهم أمروا بالأكل وعدم الادخار فادخروا فاستحال إلى نتن وفساد.

(4)

تقدم هذا في النكاح.

(5)

فالله تعالى قال لبني إسرائيل بعد أن أنقذهم من التيه الذي مكثوا فيه أربعين سنة وهم مع يوشع بن نون عليه السلام وفتح لهم بيت المقدس: ادخلوا بابه سجدًا، أي ركعًا شكرًا لله على ذلك وتمتعوا بكل ما فيه وقولوا حطة أي أمرنا حطة أي حط عنا خطايانا نغفر لكم ذنوبكم بل ونزيد المحسنين فبدل الدين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم ودخلوا يزحفون على أستاههم أي ألياتهم وقالوا مستهزئين حطّة حبة في شعره. فأنزل الله عليهم رجزا أي عذابا من السماء بما كانوا يفسقون فهلك منهم في ساعة واحدة بالطاعون نحو سبعين ألفا، فهم في هذا بدلوا أمر الله فعلا وقولا فنزل بهم العذاب، والعبرة في هذا =

ص: 39

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابع سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ فَبَدَّلُوا وَقَالُوا حِطَّةٌ حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}

(1)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ تَقْرَؤونَهُ مَحْضاً لَمْ يُشَبْ

(2)

وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الاِعْتِصَامِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}

(4)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ

= وما قبله أن من خالف أمر ربه هلك وإن كان أشرف الناس فإن بني إسرائيل هؤلاء كانوا أفضل العالمين في زمنهم نسأل الله السلامة والهداية آمين.

(1)

فويل: هلاك شديد لأحبار اليهود الذين يغيرون كثيرًا من التوراة بأيديهم كصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم حبًا في إبقاء الرياسة لهم وفي جلب المال فهؤلاء لهم عذاب عظيم في الآخرة كشأن من يفترى الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

(2)

أي لم يختلط بشيء من التغيير والتبديل.

(3)

لا والله أي لا تسألوهم عن شيء والله ما رأينا أحدا منهم يسألكم عن شيء فأنتم أولى بعدم السؤال لأن شرعكم مع سلامته من التبديل فيه كل شيء للدنيا والأخرى.

(4)

قل من كان عدوًا لجبريل فليمت غيظا فإنه نزل عليك بأمر الله بالقرآن المصدق للكتب السالفة والهادي من الضلال والمبشر للمؤمنين بالجنة أي فلا عبرة بعداوة اليهود لجبريل عليه السلام، وسبب الآية أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم.

إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر، فأخبرنا من صاحبك قال: جبريل. قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان، فنزلت الآية.

ص: 40

بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ

(1)

فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ. فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدَ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟

(2)

قَالَ: «أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفاً» ، قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَرَأَ هذِهِ الْآيَةَ: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاَعةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ

(3)

، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ»، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ

(4)

وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ؟» فَقَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ:«أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ» ، فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذلِكَ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَال:«أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ» ، فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَانْتَقَصُوهُ، قَالَ: فَهذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَتَقَدَّمَ لِمُسْلِمٍ بَعْضُهُ فِي الْغُسْلِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَللَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}

(5)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى

(1)

أي يجنى ثمرها.

(2)

وفي رواية: وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ أي ما الذي يجذبه إلى أحدهما فيجيء شبيها به قال: أخبرني بهن جبريل آنفا أي هذه الساعة.

(3)

أي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيب الأطعمة وأهنؤها. وهل هذا الحوت هو المذكور في قوله تعالى "فالتقمه الحوت وهو مليم" أو غيره في الجنة؟ الله أعلم.

(4)

بهت جمع بهوت: وهو كثير الكذب والجدل الذي لا يرجع للحق. وتقدم فضل عبد الله بن سلام في الفضائل.

(5)

فلله تعالى الجهات كلها فأينما تولوا وجوهكم في الصلاة بأمره فهناك وجه الله أي قبلته التي رضيها =

ص: 41

راحِلَتِهِ تَطَوُّعاً أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ وَهُوَ جَاءٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ: {وَللَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الْآيَة. وَقَالَ: «أُنْزِلَتْ فِي هذَا»

(1)

.

• عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}

(2)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}

(4)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذلِكَ.

فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزعمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ

(5)

وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ وَلَداً»

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

=إن الله واسع فضله ورحمته، عليم بكل شيء. هذا قول الجلال رضي الله عنه. ومعناها على حديث ابن عمر فأينما تولوا وجوهكم في أسفاركم فتطوعوا فهناك وجه الله أي قبلته المشروعة، وعلى حديث عامر: فأينما تولوا وجوهكم لما ظننتموها قبلة في نحو الغيم فهناك وجه الله إن الله واسع عليم وهو اللطيف الخبير.

(1)

فللمسافر التطوع وهو متوجه إلى مقصده.

(2)

فمن اشتبهت عليه القبلة لظلمة أو غيم أو حبس مثلا اجتهد في القبلة وصل إلى الجهة التي ظنها القبلة وصحت صلاته للضرورة وإدراكا لفضيلة الوقت وكثرة الثواب.

(3)

الأول بسند صحيح والثاني بسند غريب.

(4)

أي قالت اليهود والنصاري ونحوه ممن يعتقد أن الملائكة بنات الله اتخذ الله ولدًا قال تعالى سبحانه تنزيها له عن الولد بل له ما في السموات والأرض خلقا وملكا وعبيدًا، والملكية تنافي الولادة. كل له قانتون طائعون.

(5)

هؤلاء طائفة كفروا بالبعث {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)} ، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} فرد الله زعمهم بقوله {بلى} سيبعثه وعدا عليه حقًّا.

(6)

إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا لقد أحصاهم وعدهم عدًا.

ص: 42

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} .

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ أَبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}

(1)

. وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ

(2)

وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ هذِ الْآيةُ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ وَلَفْظُهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أَسَارَى بَدْرٍ

(4)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقاً لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَّةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبَابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ

(6)

وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَاباً فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ.

(1)

وافقت ربي في ثلاث: أي قضايا. وفي رواية: وافقني ربي في ثلاث، والثلاث ليست قيدا بل وافقه في كثير كتحريم الخمر وكقضية الأسرى وكعدم الصلاة على المنافقين الآتية بل هي أكثر من خمس عشرة رضي الله عنه، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى. مقام إبراهيم الحجر الذي كان يقف عليه عند بناء الكعبة، أي لو جعلنا مقام إبراهيم بيننا وبين الكعبة حين الصلاة لكان حسنًا فأمرهم الله بذلاء إجابة لأمنية عمر رضي الله عنه.

(2)

فما كانت النسوة تحتجب عن مجالس الرجال كعادة العرب حتى تمناها عمر فنزلت آية الحجاب {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} .

(3)

سيأتي هذا إن شاء الله في سورة التحريم.

(4)

سيأتي هذا في سورة الأنفال إن شاء الله.

(5)

اذكر يا محمد إبراهيم وولده إسماعيل وهما يبغيان الكعبة ويقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم فلم يشغلهما العمل بالجسم عن ذكر الله تعالى.

(6)

المنطق - كمنبر - الحزام الذي يشد به الوسط عند الشغل، فأول من فعله هاجر أم إسماعيل التي وهبها ملك مصر لسارة امرأة إبراهيم عليه =

ص: 43

ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقاً

(1)

فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكَنَا بِهذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذلِكَ مِرَاراً

(2)

وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذاً لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ؛ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ:{رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} ، حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ؛ وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى

(3)

فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَ أَحَداً فَلَمْ تَرَى أَحَداً فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ

= فوهبتها سارة لإبراهيم فولدت له إسماعيل فغارت منها سارة وحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء، فقال إبراهيم لسارة: اثقبي أذنيها فتمنطقت بالحزام وجرت ذيلها وهي تعمل في البيت إشعارا بأنها خادمة لسارة لعله يزول ما عندها وتتركها. وقوله لتعفي أثرها أي لتمحوه عن سارة بظهورها بمظهر الخادم لتستميل خاطرها وتخفف منها الحقد والغيرة ولكنه لم يزل فأخذها إبراهيم وولدها إسماعيل الرضيع عليهم السلام حتى وضعهما عند البيت قبل بنائه تحت دوحة أي شجرة كبيرة ولم يكن هناك أحد ولا بنيت مكة المكرمة ثم عاد إلى بلده.

(1)

أي رجع إلى وطنه ببيت المقدس الذي فيه سارة.

(2)

قالت له ذلك مرارا. وفي رواية: نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة، فقالت له: من أمرك بهذا؟ قال: الله. قالت: حسبى الله، وقوله عند الثنية أي التي بأعلى مكة في طريق منى وعرفات، وقوله عند بيتك المحرم فيه أنه كان يعلم أن البيت الحرام هنا وأزاله عن وجه الأرض الطوفان، والمحرم الذي يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره وهو حرام من يوم خلق الله السموات والأرض ومحفوف بسبعة من الملائكة، وتمام الآية {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وهذه الآية في سورة إبراهيم عليه السلام.

(3)

فلما فرغ الماء عطشت فانقطع لبنها فعطش إسماعيل وصار يتلوى أي يتقلب من العطش. وفي رواية: يتلبط أي يتمرغ ويضرب في الأرض. وفي أخرى: يتلمظ أي يخرج لسانه فيبل به شفتيه وكان سنه حينئذ سنتين.

ص: 44

ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَداً فَلَمْ تَرَ أَحَداً فَفَعَلَتْ ذلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ

(1)

. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَذلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا»

(2)

، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتاً فَقَالَتْ صَهْ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضاً فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غُوَاثُ

(3)

فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ منَ الْمَاءِ فِس سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمزَمَ» أَوْ قَالَ: «لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيناً»

(4)

فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ

(5)

: لَا تَخافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ ههُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِيهِ هذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ. وَكَانَ الْبيْتُ مُرْتَفِعاً مِنَ الْأَرْض كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذلِكَ

(6)

حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ

(1)

الصفا والمروة جبلان بجوار البيت الحرام؛ فصعدت على الصفا أولا لعلها تجد من يغيثها بالماء فلم تجد فنزلت الوادي أي الطريق ورفعت الدرع أي القميص شمرته وسعت حتى صعدت المروة لعلها تجد من يغيثها فلم تجد فعادت إلى الصفا سبع مرات.

(2)

أي فمن هذا شرع السعي بين الصفا والمروة في النسك ذكرى لبلاء إسماعيل وأمه عليهم السلام وشكرا لله على نعمه.

(3)

غواث بالتثليث أي إغاثة، فلما صعدت على المروة في المرة الأخيرة سمعت صوتا كأنه يناديها فقالت لنفسها اسكتي وأنصتي فتحققت من صوت جهة ولدها فقالت سمعت وإن كان عندك طلبي فأغثني فذهبت لولدها فوجدت الماء ينبع بجواره بحفر جبريل عليه السلام بعقبه أو بجناحه، ففرحت وصارت تجمع التراب حوله كالحوض لئلا يتبعثر وتغرف في سقائها والماء يفور من العين.

(4)

أي لو لم تحوط على الماء لكان عينا تجرى ما دامت الدنيا.

(5)

فقال لها جبريل وهو في صورة رجل: لا تخافوا الضيعة أي الهلاك فإن هنا بيت الله سيبنيه غلامك هذا وأبوه عليهما السلام وأنتم أهل هذا البيت الله معكم وحافظكم. وفي رواية: لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله، وكان البيت حينئذ كالرابية أي مرتفعا عن الأرض. وفي رواية: كان مدرة حمراء أي بقعة حمراء.

(6)

فكانت كذلك أي بقيت هاجر ترضع ولدها وتشرب من ماء زمزم وهو يكفي عن الطعام والشراب حتى مر بهم جماعة من جرهم حي =

ص: 45

جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِراً عَائِفاً فَقَالُوا إِنَّ هذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَلكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَأَلْفَى ذلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْأُنْسَ» فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ

(1)

حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ

(2)

فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمُ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ

(3)

فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ

= من اليمن من ولد سام بن نوح عليه السلام جاءوا من طريق كداء أي أعلى مكة ثم نزلوا بأسفاها فنظروا طيرا يعوف ويحوم كأنه على ماء وهم يعلمون أن هذا المكان لا ماء فيه فأرسلوا جريا أو جريين أي رسولا أو اثنين لينظروا هل هناك ماء عند هذا الطير فرجعوا فأخبروهم بالماء.

(1)

فجاءوا لأم إسماعيل واستأذنوها في النزول بجوار الماء فأذنت لهم رغبة في الائتناس بهم ورحمتهم بالماء بشرط أن الماء لها فلا يأخذون منه إلا بإذنها. فقبلوا وجاءوا بأهليهم فنزلوا كلهم بجوارها رغبة في الماء وحسن الهواء، وقوله: فألفي ذلك أم إسماعيل أي وجد هذا الحي الجرهمي هاجر وهي في حال أنها تود الائتناس فطلبوا مجاورتها فأجابهم.

(2)

فلما كثر الجرهميون بتلك البقعة وشب الغلام إسماعيل وأدرك وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم أي صار نفيسا عندهم يرغبون فيه ويعجبون بأخلاقه زوجوه امرأة منهم اسمها عمارة بنت سعد، ولا يرد على هذا حديث الحاكم أول من نطق بالعربية إسماعيل لأن المراد أول من نطق بها من ولد إبراهيم أو أول من نطق بالعربية الفصحى وإلا فهي في ولد جرهم وقحطان وحمير من قبل هذا. وماتت هاجر عن تسعين سنة ودفنت بالحجر "جزء من الكعبة في الجهة الشمالية".

(3)

فجاء إبراهيم يطالع تركته أي يتفقد ما تركه هنا وهو إسماعيل وأمه، (وكان يأتي لزيارتهم كل شهر يركب البراق فيزورهم ويرجع لبيته بالشام في غدوة واحدة) فذهب لبيته فسأل امرأته عنه فقالت خرج يطلب لنا رزقا ثم سألها عن معيشتهم فشكت سوء الحال، فقال لها: إذا جاء زوجك فبلغيه سلامي وقولي له يغير عتبة بابه أي يطلق امرأته لعدم صبرها ورضاها فلما جاء إسماعيل وأخبرته قال لها ذاك أبي وقد أمرني بفراقك اذهبي لأهلك، فالعتبة كناية عن الزوجة بجامع الاستعلاء على كل منهما، وزيارة إبراهيم =

ص: 46

يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرَ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عليه السلام وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئاً فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكَ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ

(1)

فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ لَدَعا لَهُمْ فِيهِ» ، قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلا لَمْ يُوَافِقَاهُ،

= هذه كانت بعد المرة التي أمر فيها بذبح إسماعيل عليهما السلام فإن هذه كانت وهو صغير في حياة أمه رضي الله عنها. وسكوت الحديث عنها لا يدل على عدم وقوعها والله أعلم.

(1)

فبعد أن فارق إسماعيل الزوجة الأولى تزوج بامرأة أخرى من جرهم أيضا اسمها عاتكة أو بشامة أو سلمة بنت مهلهل وبعد مدة جاء لزيارتهم إبراهيم عليه السلام فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يطلب لنا الرزق فسألها عن حالهم ومعيشتهم فقالت نحن بخير وسعة والحمد لله، فسألها عن طعامهم وشرابهم فقالت اللحم والماء. فدعا لهم بالبركة فيهما فلا يمكن لأحد أن يعيش عليهما فقط إلا أهل مكة لدعوة إبراهيم عليه السلام، ولأبي جهم: ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه، ولم يكن بمكة حينئذ حبوب، وزوجة إسماعيل هذه طلبت من إبراهيم عليه السلام النزول للضيافة فأب ولكنه غسل رأسه ووجهه عندها ثم قال لها: إذا جاء زوجك فبلغيه السلام وقولي له يثبت عتبة بابه فإنها صلاح المنزل، ثم رجع إلى الشام بسلامة الله، فلما جاء إسماعيل عليه السلام أخبرته بما حصل، قال لها ذاك أبي وأنت العتبة أمرني بالمحافظة عليك، في هذا طلب زيارة الأقارب والتودد إليهم ولو بعدوا، وفيه أن الغيرة في النساء غريزة، فعلى رب البيت ملاطفتهن والعمل على ما لا يثيرها منعًا للنزاع والشقاق وإبقاء للود والوفاق.

ص: 47

قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عليه السلام وَمُرِيهِ يُثَبِّتْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ، قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثَبِّتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قَالَ: ذَاكَ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ؛ ثُمَّ لَبِثَ إِبْرَاهِيمُ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيباً مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَ كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ

(1)

؛ ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتاً وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا، قَال: فَعِنْدَ ذلِكَ رَفَعَا الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ بَيْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكَعْبَةَ وَاقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» ،

(1)

فبعد مدة جاء إبراهيم لولده إسماعيل عليهما السلام فوجده جالسًا تحت شجرة بقرب زمزم يسوى نيلا ليصيد بها فلما رآه إسماعيل قام إليه فتعانقا وتصافحا وقبل كل منهما الآخر، ثم قال إبراهيم: يا إسماعيل إن الله أمرني أن أبني بيتًا هنا وأشار إلى أكمة بفتحتين أي رابية من الأرض فهل تعينني؟ قال: نعم، فشرعا في البناء فكان إسماعيل يأتي بالحجارة من الجبل ويسويها ويبنى بها إبراهيم عليه السلام وهما يقولان:{ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} . فلما ارتفع البناء جاء إسماعيل بحجر عظيم فكان إبراهيم يقف عليه ويبني. وهذا الحجر يسمى مقام إبراهيم الآن في الحرم الشريف في داخل بناء وكان طول الكعبة ببناء إبراهيم تسعة أذرع وعرضها أي محيطها ثلاثين ذراعًا أي بذراعهم.

ص: 48

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:«لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ»

(1)

فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هذَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَرَاهُ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا}» الآيَةَ

(2)

. رَوَاهُما الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ» ، فَيقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً، فَذلِكَ قوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

فقريش لما أرادوا بناء الكعبة قبل البعث رأوا أن ما جمعوه من المال الحلال لا يفي ببنائها على قواعد إبراهيم فتركوا الجزء الشمالي (حجر إسماعيل) فقالت عائشة: ألا تبنيها على قواعد إبراهيم يا رسول الله؟ قال: لولا حدثان أي حداثة قومك بالكفر لفعلت ذلك، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في طوافه لا يستلم الركنين المجاورين للحجر، وتقدم في كتاب الحج الكلام على الكعبة والحجر الأسود والملتزم وزمزم في فضل الحرمين الشريفين.

(2)

لفظ الآية {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} فإذا حدثنا أهل الكتاب بشيء فإن وافق ما في شرعنا صدقناهم كموسى رسول الله وعيسى رسول الله، وإن خالفه كقول بعضهم عزير ابن الله وكقول بعضهم المسيح ابن الله، وإن الله ثالث ثلاثة كذبناهم، وإن قالوا بما لم يرد عندنا كالإخبار عن بعض ما مضى أو عن بعض ما يأتي لا نصدقهم ولا نكذبهم بل نقرأ تلك الآية فتسلم من القول بغير علم.

(3)

فالله تعالى يدعو نوحًا عليه السلام يوم القيامة فيقول له هل بلغت قومك الرسالة فيقول نعم يا رب فيسأل أمته فتقول ما جاءنا =

ص: 49

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةَ

(1)

فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْت الْمَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ قَدْ وَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ جَاءٍ فَقَال: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُرْآناً أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةَ

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}

(3)

. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ

(4)

.

= نذير فيقول الله لنوح عليه السلام هل لك شاهد على التبليغ؟ فيقول نعم يا رب محمد وأمته فيجاء بهم فيشهدون عليهم بأن نوحا قد بلغهم، فيقولون كيف يشهدون علينا مع تأخرهم عنا في الزمان؟ فتقول الأمة المحمدية يا رب علمنا من كلامك القديم وأنت أصدق القائلين أن هؤلاء كانوا مكذبين، فتطعن أمة نوح في شهادتهم إلا إذا زكاهم معصوم فيجيء محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أمتي عدول فتنفذ شهادتهم وذلك مني قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي عدولا {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أي الكفار {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} أي مزكيا لكم، وكأمة نوح غيرها من الأمم التي كذبت رسلها صلى الله عليهم وسلم، ويظهر أن تلك الشهادة لا تكون إلا من خيار الأمة المحمدية.

(1)

أي توجه نحو الكعبة.

(2)

فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى جهة بيت المقدس نحو سبعة عشر شهرًا وكان يتمنى أن يأمره الله باستقبال الكعبة فنزلت عليه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} أي نحن نعلم تردد وجهك نحو السماء تطلعًا للوحي الذي يأمرك باستقبال الكعبة فقد أمرناك بما تحب وفي أي جهة كنت فتوجه للكعبة. وتقدم هذا مبسوطًا في شروط الصلاة.

(3)

فبعض الأصحاب قالوا: يا رسول الله كيف بصلاة إخواننا الذين ماتوا قبل التوجه للكعبة فنزلت {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم لبيت القدس فإنها قبلة قديمة بأمر الله تعالى والله بالناس رءوف رحيم.

(4)

أي هنا في التفسير فلا ينافي أن مسلما رواها في موضع آخر وكذا يقال فيما يأتي والله أعلم.

ص: 50

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ} الْكِتَبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

(1)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ} {عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}

(2)

.

• عَنْ عُرْوَةَ رضي الله عنه قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْئاً وَمَا أُبَالِي أَلا أَطُوفَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ: بِئْسَمَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي

(3)

طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ

(4)

الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَلَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ فَأَعْجَبَهُ وَقَالَ: إِنَّ هذَا الْعِلْمُ. وَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِنَّمَا كَانَ مَنْ لَا يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولَ: إِنَّ هذَا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ (هذَا) فَأُرَاهَا نَزَلَتْ فِي هؤُلَاءِ وَهؤُلَاءِ

(5)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(6)

.

(1)

فأهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته التي في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، ولكن فريقا منهم يكتم ذلك حتى أن عمر رضي الله عنه سأل عبد الله بن سلام عن محمد صلى الله عليه وسلم فقال: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني بل أشد لأني لم أشك في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أما ولدى فربما أمه خانت به.

(2)

الصفا جمع صفاة وهي الصخرة الصماء، والمروة: الحجارة الصغار. والمراد هنا مكانان بجوار الحرم من الناحية الشرقية فهما من شعائر الدين فعلى من حج أو اعتمر أن يسعى بينهما سبع مرات.

(3)

فإن عروة بن أسماء أخت عائشة رضي الله عنهم.

(4)

مناة - كحصاة - اسم صنم حذاء قديد بطريق من طرق مكة إلى المدينة كانت تعبد في الجاهلية.

(5)

أي فيمن كانوا لا يطوفون بينهما قبل الإسلام، ومن قالوا أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالسعي بين الصفا والمروة.

(6)

ولكن البخاري والترمذي هنا وكلهم رووه في كتاب الحج.

ص: 51

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ وَقَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ}

(1)

». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} ، وَفاتِحَةُ آلِ عِمْرَانَ:{الم} {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}

(2)

. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي ثَلَاثِ سُورٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه»

(3)

. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

تقدم هذا في كتاب الحج.

(2)

فالاسم الأعظم في واحد من هاتين الآيتين أو في كل منهما.

(3)

في ثلاث سور أي في واحدة منهن أو في كل منهن، في البقرة وآل عمران أي في الآيتين المذكورتين في الحديث قبله أو آية البقرة هي آية الكرسي، وفي طه في قوله تعالى {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما} والدعاء بهذه الآيات أو بما تضمنته من الأسماء الحسنى وهي الرحمن الرحيم الحى القيوم وما في آية الكرسي قال المشايخ بالثانى، ولكن يلزم لمن أراد أن يدعو بها أن يتخلى أولا عن الأوصاف الذميمة ظاهرا وباطنا وأن يتحلى بالأخلاق الشرعية الكريمة ثم يصلى ركعتين وقبل الفجر أفضل ثم يتوب ويستغفر الله نحو مائة مرة ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم نحو مائة مرة ثم يدعو الله بتلك الأسماء والأفضل أن يضم إليها الله وهو وذو الجلال والإكرام لأنه نقل عن بعض أهل الكشف أن الاسم الأعظم هو، وعن بعضهم أنه ذو الجلال والإكرام ويقول بعضهم إن الاسم الأعظم الله؛ لأنه علم على الذات العلية ولم يتسم به سواه تعالى، فبعد الاستغفار مائة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مائة يقول أسألك يا الله يا هو، يا رحمن، يا رحيم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نحو ساعة أو بعدد حروفها بالجمل الذي هو 1903 ثلاثة وتسعمائة وألف فقط، أو بعدد حروفها فقط وهو تسع وثلاثون حرفا ثم يدعو الله بما يشاء فإن الله يستجيب له إن شاء الله تعالى.

ص: 52

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}

(1)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً وَقُلْتُ أُخْرَى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَهوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ» . وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ الْجَنَّةَ

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِهذِهِ الْأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}

(3)

يَتَّبِعُ بالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي لَهُ بِإِحْسَانٍ {ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ الرُّبَيِّعَ

(4)

عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَعَرَضُوا الْأَرْشَ فَأَبَوْا فَأَتَوْا

(1)

الأنداد الأضداد جمع ند وهو المثل، والمراد أن من الناس قوما يعبدون غير الله ويحبونه كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله لأنهم لا يعدلون عنه بحال من الأحوال بخلاف عباد الأنداد فإنهم في الشدة يلجأون إلى الله. قال تعالى فيهم {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا} .

(2)

فإذا وجبت النار لمن يعبد غير الله فإن الجنة تجب لمن يعبد الله جل شأنه.

(3)

يتبع أي يطلب ولى المقتول الدية بالمعروف من غير عنف وشدة ويؤدى له المعفو عنه الدية بإحسان من غير مطل ولا بخس، فمن اعتدى بعد ذلك وقتل بعد أخذ الدية فله عذاب أليم. وهذا أي العفو والدية رحمة بكم وتخفيف بالنسبة لمن كان قبلكم فإن أهل التوراة كتب عليهم القصاص وحرم عليهم العفو والدية، وأهل الإنجيل كتب عليهم العفو وحرم عليهم القصاص والدية، وخيرت هذه الأمة بين الثلاثة: القصاص والدية والعفو، رحمة بهم وتيسيرًا لهم.

(4)

فالربيع - بالتصغير - بنت النضر عمة أنس بن مالك. كسرت أي قلعت ثنية جارية امرأة شابة لا أمة فإنه لا قصاص بين حر ورقيق، فطلب أهلها القصاص وامتنع أهل الجانية فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كتاب الله القصاص، فقال أنس بن النضر أخو الربيع: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لا يقتص منها وبعد أخذ ورد عفا أهل المجنى عليها عن الجانية فلم يقتصوا منها كما رجا وتوقع أنس أخوها فذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وتقدم في كتاب الحدود.

ص: 53

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَوْا إِلا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» فَ رضي الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» . رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

(1)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وتَرَكَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(2)

.

• عَنْ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

كتب عليكم أي فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم لعلكم تتقون المعاصي وتوصفون بتقوى الله تعالى، وهل المراد التشبيه في صوم رمضان. قال به جماعة لحديث ابن أبي حاتم عن ابن عمر: صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم. وروى أن رمضان كتب على النصارى فكان يأتى في الحر الشديد والبرد الشديد فنقلوه إلى الفصل المعتدل وزادوا فيه عشرين يوما فضلوا بذلك ووصفوا بالضالين في سورة الفاتحة، أو المراد مطلق الصوم دون وقته وقدره كما روى أن آدم عليه السلام كان عليه أيام البيض، وكان على قوم موسى عليه السلام يوم عاشوراء.

(2)

وكذا رواه غيره وتقدم في كتاب الصوم والله أعلم.

(3)

فكانوا في أول الإسلام إذا أراد أحدهم أن يفطر رمضان ويفدى عن كل يوم فعل حتى نزلت {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فصار الصوم فرضًا عينيًا على كل مسلم إلا مريضًا أو مسافرا ونحوها ممن تقدم في الصوم فعلى هذا تكون آية وعلى الذين يطيقونه نسخت بالتى بعدها وعليه ابن عمر وكثير وقرأ ابن عباس وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين، وقال إنها لم تنسخ بل هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا، رواه البخاري.

ص: 54

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}

(1)

.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} {وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}

(2)

.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِماً فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ كَانَ صَائِماً فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا وَلَكِنِّي أَنْطَلِقُ أَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، وَجَاءَتِ امْرَأَتَهُ فَلَمَّا رَأْتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

(1)

أحل لكم ليلة الصيام أي كل ليلة فيه الرفث إلى نسائكم أي الإفضاء إليهن بالجماع. هن لباس لكم وأنتم لباس لهن فكل من الزوجين لصاحبه كاللباس يستره عن الفجور ويستره بالمعانقة قال القائل:

إذا ما الضجيع ثنى عطفها

تثنت فكانت عليه لباسا

(2)

فكانوا في أول الإسلام يحرم عليهم الجماع في رمضان ليلا ونهارا فوقع فيه بعض الصحب ليلا كعمر بن الخطاب وكعب بن مالك فخفف الله عنهم وأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن} كل ليلة إن شئتم {وابتغوا ما كتب الله لكم} أي اطلبوا ما قدره لكم وهو الولد، والمراد أن يكون الجماع بنية صالحة وهي إقناع النفس فلا تنظر للحرام، والولد الصالح لعبادة الله ولعمارة الأرض: نسأل الله التوفيق.

(3)

فكانت مدة الإفطار في أول الإسلام من الغروب إلى أن ينام الشخص، فجاء قيس بن صرمة الأنصارى بعد الغروب وطلب الطعام فلم يجد فذهبت امرأته فأحضرت له طعاما فلما جاءت به وجدته قد نام فقالت خيبة لك أي حرمانًا لك حيث نمت قبل الأكل فبات طاويًا وأصبح صائما وكان يعمل في زرعه فغشى عليه نصف النهار من الجوع فذكر هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فأباح لهم كل شيء في ليالى رمضان فلله وافر الحمد وجزيل الشكر.

(4)

هذا وما قبله وما بعده تقدم في الصوم أوسع من هذا.

ص: 55

• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْودِ أَهُمَا الْخَيْطَانِ؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ» ، ثُمَّ قَالَ:«لَا بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ»

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَحْرَمُوا أَتَوْا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا} الآية. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلا مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ بَابِهِ فَلَامُوهُ فَنَزَلَتِ الْآيَةَ

(2)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ فَإِنِ انْتَهَواْ فَلَا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}

(3)

.

• عَنْ نَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ لاِبْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَاماً وَتَعْتَمِرَ عَاماً وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلَاةِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ:{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} .

(1)

فعدى بن حاتم لما سمع حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود وضع عقالين أي حبلين أسود وأبيض تحت وسادته أي مخدته وكان ينظر إليهما فلا يميز الليل من النهار فلما أصبح ذكر هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك لعريض القفا أي أبله إنما هما سواد الليل وبياض النهار ولذا قال من الفجر والله أعلم.

(2)

فكانت الأنصار وكل العرب إلا قريشًا إذا حجوا أو اعتمروا ثم رجعوا إلى بيوتهم لا يدخلون من أبوابها بل يثقبون من ظهورها ثقبا فيدخلون ويخرجون منه ويزعمون أن هذا هو البر، فحج رجل ثم رجع فدخل من بابه فلاموه فنزل {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى} المحارم والشبهات {واتقوا الله} في تغيير أحكامه والاعتراض على أفعاله {لعلكم تفلحون} وتظفرون بخير الدنيا والآخرة.

(3)

وقاتلوهم أي أهل مكة حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون أي يصير الدين الله لا لغيره فإن انتهوا عن الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم.

ص: 56

قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ قَالَ: فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلاً فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا قَتَلُوهُ وَإِمَّا يُعَذِّبُوهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ

(1)

، قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيَ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ فَكَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنَهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}

(3)

، قَالَ حُذَيْفَةُ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَسْلَمَ النَّجِيبِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ

(5)

فَبَرَزَ لَنَا صَفٌّ عَظِيمٌ مِنْهُمْ وَخَرَجَ لَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ

(1)

أي شرك. وهذا كان في زمن الفتنة بين الحجاج وعبد الله بن الزبير حيث حاصره الحجاج بمكة سنة 73 ثلاث وسبعين هجرية بعد أن نشب القتال بينهما زمنًا، فكان ابن عمر بعيدا عن الطرفين لأنه المطلوب في الفتنة فلما سألوه تلك الأسئلة أجابهم بما ذكر. وفي رواية: أتاه رجلان فقالا: إن الناس صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج للجهاد؟ فقال: يمنعنى أن الله حرم دم أخى فقالا. ألم يقل الله {وقاتلوهم حتى لا تكن فتنة} فقال قاتلنا: حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون القتال حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله.

(2)

يظهر أن السائل كان من الخوارج الذين يوالون الشيخين ويخطئون عثمان وعليًا أما عثمان فلتأخره يوم أحد، وأما عليّ فلقبوله التحكيم بينه وبين معاوية فأجابه بذكر مزاياهما بقوله: أما عثمان رضي الله عنه فالله عفا عنه بقوله {ولقد عفا الله عنهم} وأما عليّ رضي الله عنه فابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه أي زوج ابنته وهذا بيته في وسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فهو أقرب الناس إليه صلى الله عليه وسلم منزلا ومنزلة. ومضمون الجواب أنه لا يصح الخوض في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بل المطلوب ذكر مناقبهم رضي الله عنهم أجمعين.

(3)

{وأنفقوا في سبيل الله} أي في الجهاد لإعلاء كلمة الله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} أي الهلاك بترك الغزو {وأحسنوا} أخلاقكم وأعمالكم {إن الله يحب المحسنين} .

(4)

سيفسرها حديث أبي أيوب الآتي.

(5)

أي نغزوهم ليدخلوا في الإسلام.

ص: 57

ابْنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: «يا أيها الناس إنكم تتأولون» هذِهِ الْآيَةَ هذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرَا: إِنَّ أَموَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ يَرُدُّ عَلَيْنَا قَوْلَنَا {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةَ عَلَى الْأَمْوَالِ وَإِصْلَاحِهَا وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصاً فِي سَبِيلِ الله حَتَّى اسْتُشْهِدَ وَدُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ

(1)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(2)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} فَقَالَ: حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِكَ هذَا

(3)

أَمَا تَجِدُ شَاةً؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ:«صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَاحْلِقْ رَأْسَكَ» . فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

فلما حدثهم أبو أيوب بهذا الحديث هامت نفسه للجهاد في سبيل الله وصبت روحه للقاء الله فما زال واقفا في صف القتال حتى فاضت روحه إلى لقاء الله تعالى ودفن هناك بأرض الروم رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين.

(2)

فمن كان منكم مريضًا ولبس ملابسه العادية في الإحرام أو به أذى في رأسه كقمل فحلق رأسه فعليه فدية وهي صيام ثلاثة أيام أو صدقة على ستة مساكين أو ذبح شاة للفقراء.

(3)

ما كنت أرى بفتح الهمزة بمعنى أعلم وبضمها بمعنى أظن أن الجهد أي الشقة قد وصلت بك إلى هذا الحد وأمره بالحلق والفدية تخفيفا عليه كما في الآية.

ص: 58

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}

(1)

.

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُنْزِلَتْ آيةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ

(2)

وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ عُكَاظُ

(3)

وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} أَيْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا

(4)

يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ ثُمَّ يَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا فَذلِكَ قَوْلُهُ:{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

(1)

فمن تمتع بالعمرة أي بمحظورات الإحرام بعد فراغه منها إلى الإحرام بالحج فعليه الهدى شاة يذبحها للفقراء بعد الإحرام بالحج وهو بمكة أو يوم النحر وهذا أفضل فإن لم يتيسر له هدي فعليه صيام عشرة أيام ثلاثة في الحج قبل يوم عرفة وسبعة إذا رجع إلى أهله، ذلك أن الحكم المذكور لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام أي الحرم الشريف بأن بعدوا عنه مرحلتين فأكثر فإن كان أهله بالحرم أو دون مرحلتين منه فلا شيء عليه وإن تمتع والله أعلم.

(2)

يحرمه أي التمتع، قال رجل أي وإن قال رجل ما شاء هو عثمان رضي الله عنه فإنه كان ينهى عنها.

(3)

عكاظ كغراب بالصرف عند الحجازيين وبعدمه عند بنى تميم، ومجنة كمذمة وذو المجاز: أسماء لأسواق كانت في الجاهلية وبقيت في الإسلام فكرهوا الاتجار فيها في مواسم الحج فنزلت {ليس عليكم جناح} أي إثم في أن تبتغوا فضلا من ربكم أي لا حرج عليكم في ذلك.

(4)

كانت قريش وأمثالها وهم بنو عامر وثقيف وخزاعة يقفون بالمزدلفة لأنها في الحرم ويقولون: نحن أهل الحرم فلا تخرج عنه. وكانوا يوصفون بالحمس جمع أحمس وهو الشديد الصلب لتصلبهم فيما هم عليه وكان كل العرب يقفون بعرفات فنزلت {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي قفوا بعرفة وأفيضوا منها كعمل الناس الأولين آدم وإبراهيم وغيرهما صلى الله عليهم وسلم.

ص: 59

«اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}

(2)

{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَجُّ عَرَفَاتٌ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ الْحَجُّ عَرَفَاتٌ أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثٌ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}

(4)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَبْغَضُ الرِّجَال إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ

(5)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

التنوين في حسنة للتعظيم فالحسنة العظيمة في الدنيا هي تمام العافية وواسع الرزق والعلم النافع والتوفيق، والحسنة في الآخرة هي الجنة، نسأل الله ذلك آمين.

(2)

واذكروا الله عند رمى الجمرات بالتكبير الذي ورد فيه في أيام معدودات هي أيام التشريق الثلاثة فمن تعجل في يومين ونزل بعد رمى اليوم الثاني منها فلا شيء عليه، ومن تأخر حتى رمى الجمرات في اليوم الثالث فلا شيء عليه لمن اتقى الله في حجه واتقوا الله في كل أحوالكم لأنكم سترجعون إليه فيجازيكم عليها.

(3)

أي إن أظهر أعمال الحج وأكثرها ثوابًا الوقوف بعرفة لأنهم يمثلون وقوفهم بين يدي الله تعالى في القيامة والله يتجلى فيه على عباده ويعتق منهم فيه من النار ما لا يعتق في غيره كما تقدم، ومن أدرك الوقوف بعرفة قبل فجر يوم العيد ولو ساعة فقد أدرك الحج، والإقامة بمنى ثلاثة أيام ومن اقتصر على يومين كفاه.

(4)

{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} ولا يعجبك في الآخرة لمخالفته لاعتقاده {ويشهد الله على ما في قلبه} أنه موافق لاعتقاده {وهو ألد الخصام} أي شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين هذا هو الأخنس بن شريق كان منافقًا حلو الكلام خبيث النية والأفعال.

(5)

فأبغض الناس عند الله شديد العداوة قوى الجدل والخصومة للمسلمين، وأما المؤمن فخصومته سريعة الزوال أو يسامح فلا يعادي أصلا.

ص: 60

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}

(1)

.

• عَنْ خَبَّابٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا فَجَلَس مُحْمَرًّا وَجْهُهُ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ فرْقَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ

(2)

وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَحَضَرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ

(3)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} نَسَخَتْهُمَا الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(4)

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْأَشْرِبَةِ.

(1)

بل ظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم من البلاء كما أصاب المؤمنين قبلكم فاصبروا إن أردتم إرضاء الله ورسوله والجنة فقد أصيبوا بأنواع البلاء حتى قالوا متى نصر الله ألا إن نصر الله للمؤمنين قريب.

(2)

فلما جاء خباب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على برده بجوار الكعبة وقال: يا رسول الله قد اشتد علينا اضطهاد الكفار وأذاهم فهل تدعو الله أن ينصرنا عليهم؟ فاعتدل النبي صلى الله عليه وسلم وعليه علامة الغضب فقال: هل أصابكم من البلاء كما أصاب المؤمنين السالفين؟ كان يؤتى بالرجل منهم فيطلب منه أن يرجع عن دينه فلا يرجع فينشرونه بالمنشار نصفين حتى يموت وهو على الدين الحنيف، وكان بعضهم يمشط جلده ولحمه بأمشاط الحديد ليرجع عن دينه فلا يرجع بل يموت عليه، فهل أصابكم أيها المسلمون من قريش كما أصاب هؤلاء؟ الجواب: لا، يعنى فاصبروا كما صبر الكرام السالفون رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(3)

ولكن أبو داود في الأسير والبخاري في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم هذا الحديث في كتاب النبوة.

(4)

الخمر كانت جائزة في صدر الإسلام، قال تعالى=

ص: 61

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُوَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ

(1)

فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ} فأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُوَاكِلُوهُنَّ وَيُشَارِبُوهُنَّ وَأَنْ يَكُونُوا مَعَهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَأَنْ يَفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئاً إِلا خَالَفَنَا فِيهِ فَجَاءَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ بِذلِكَ وَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ فَتَمَعَّرَ

(2)

وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهِمَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ فَأَسْرَسَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَقَاهُمَا فَعَلِمَا أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ مَنْ أَتعى امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا (مِنْ دُبُرِهَا) كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَنزَلَتْ: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ:«وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِيَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فنَزَلَتْ: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

= {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} ولكن وقع بسببها أمور مؤلمة فنزلت آيتا النساء والبقرة ولم تصرحا بتحريم الخمر وكان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيا. فنزلت آية المائدة مصرحة بتحريمها فنسخهما فلما سمعها عمر قال: انهينا. وسيأتي في المائدة الكلام عليها أوسع إن شاء الله.

(1)

بل يفردونها في بيت وحدها حتى ينتهي حيضها وتطهر.

(2)

فتمعر أي تغير وجهه من قولهما. فاليهود كانت تحمل المرأة وحدها إذا حاضت فنزل القرآن ينفي زعمهم ويأمر بمخالطتها في كل شيء إلا النكاح فهو حرام لأنه في زمن الحيض ربما ضر الرجل وإذا حملت المرأة ربما جاء الولد مشوهًا.

(3)

وتقدم للأصول الخمسة إلا البخاري في باب الحيض من كتاب الطهارة.

(4)

فكانت اليهود تزعم أن من جامع امرأته في فرجها من ورائها=

ص: 62

• عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَهَوِيَهَا وَهَوِيَتْهُ ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَ الْخُطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: يَا لُكَعُ أَكْرَمْتُكَ بِهَا وَزَوَّجْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا وَاللَّهِ لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَداً، قَالَ: فَعَلِمَ اللَّهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} الْآيَةَ فَلَمَّا سمِعَهَا مَعْقِلٌ قَالَ: سَمْعاً لِرَبِّي وَطَاعَةً ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}

(2)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه {وَالَّذِينَ

= جاء الولد أحول أي جاء في عينيه حول، وجاء عمر فقال يا رسول الله هلكت لأني حولت رحلى الليلة أي جامعت امرأتي في قبلها من خلف، والرحل كناية عن الزوجة لأن كلا منهما يركب فنزلت الآية تنفي زعم اليهود وتبيح النكاح من أي جهة ما دام في القبل ولذا قال صلى الله عليه وسلم أقبل وأدبر واجتنب الدبر والحيضة أي جامعها في القبل من أي جهة ولكن اجتنب وقت الحيض والدبر، ومعنى الآية نساؤكم حرث لكم أي محل حرثكم بوضع المني في القبل فيتخلق الولد بأمر الله تعالى كوضع البذر في الأرض فينبت الزرع إذا شاء الله جل شأنه وعلا أمره.

(1)

فبعد أن طلق الرجل امرأته تطليقة واحدة أحبها وأحبته فلما انقضت عدتها خطبها أناس وخطبها زوجها أيضًا، فقال له أخوها معقل: يا لكع أي يا لئيم أكرمتك وزوجتك أختي فطلقتها من غير ذنب يوجب الطلاق والله لا أرجعها لك أبدا. فعلم الله بالمحبة التي بين الزوجين فأمر أخاها بإرجاعها بقوله تعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} (أي لا تمنعوهن من الرجوع إلى أزواجهن){إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فدعا أخوها زوجها فقال: سمعًا وطاعة لربي أكرمك بإرجاعها لك. فزوجه بها رضي الله عنهم. ففيه أنه يحرم على الولى أن يمنع المرأة من الرجوع لزوجها إذا رغبا في الرجوع دفعًا للفتنة بينهما.

(2)

فمن مات عنها زوجها فإنه يجب عليها أن تتربص أي تعقد أربعة أشهر وعشرا إلا إذا كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل، وتقدم الكلام على العدة في النكاح واسعا.

ص: 63

يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَدْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا أَوْ تَدَعُهَا؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئاً مِنْهُ عَنْ مَكَانِهِ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} نُسِخَ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ وَنُسِخَ أَجَلُ الْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْراً

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الطَّلَاقِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} .

• عَنْ عَلَيَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ

(3)

: «اللَّهُمَّ امْلَأْ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَاراً كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ» .

(1)

فابن الزبير قال لعثمان رضي الله عنهما: إذا كانت آية {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم} نسخت بالآية التي نزلت بعدها وهي آية الكتاب فلأي شيء تكتبها، أو قال تتركها في المصحف؟ فقال: لا أغير شيئًا من القرآن عن مكانه.

(2)

قوله نسخ أي الحكم المفهوم من الآية وهو الوصية للزوجة واعتدادها سنة كاملة (فالوصية نسخت بآية الميراث وهي: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} والعدة سنة نسخت بآية {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} والنسخ لغة الإزالة، والنقل كنسخ الظل بالشمس وكنسخ الكتاب. واصطلاحًا بيان انتهاء الحكم، والنسخ قد يكون للفظ والحكم كآية {عشر رضعات معلومات يحرمن} نسخت بخمس معلومات يحرمن، وبقى حكمها دون تلاوتها. وقد يكون اللفظ دون الحكم كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. وقد يكون للحكم دون اللفظ كآية {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} وحكمة النسخ التخفيف عن العباد والرحمة بهم فإنه مثلا لو بقيت الوصية للزوجة لكان مظنة الهضم والإجحاف بها ولو بقيت عدة الوفاة سنة لشق هذا على الناس فقضت الحكمة برحمتهم والتخفيف عنهم، قال الله تعالى {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير".

(3)

يوم الأحزاب أي غزوة الأحزاب التي حفروا لها الخندق. اللهم املأ بيوتهم وقبورهم أي الكفار الذين جاءوا لقتالنا، فإنهم شغلونا عن الصلاة الوسطى وهي العصر حتى غابت الشمس.

ص: 64

• عَنْ أَبِي يُونسَ رضي الله عنه مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفاً فَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هذِهِ الْآيَةَ: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَآذِنِّي فَلَمَّا بَلَغْتُهَا أَعْلَمْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ

(1)

» وَقَالَتْ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ صَحِيحَيْنِ.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ:{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}

(3)

.

كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ فَيُصَلِّي بهمْ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ

(1)

ظاهر العطف يقتضى المغايرة فتكون الصلاة الوسطى غير العصر وهي الظهر عند عائشة وبعض الصحب لوقوعها ظاهرة وسط النهار ولكن صريح الحديث قبله أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر لتوسطها بين صلاتين قبلها وصلاتين بعدها وعليه الجمهور كما تقدم في أول كتاب الصلاة فارجع إليه إن شئت.

(2)

وقوموا لله قانتين أي مطيعين أو خاشعين ذليلين ساكتين بين يديه تعالى كما قال فأمرنا بالسكوت أي عن الكلام الدنيوي فإنه يبطل الصلاة كما تقدم في شروطها.

(3)

فإن خفتم أي من عدو أو سبع فصلوا رجالا أي مشاة جمع راجل خلاف الراكب أو ركبانا جمع راكب أي صلوا كيف أمكنكم مع استقبال أولا ولو بإيماء للركوع والسجود فإذا زال خوفكم فصلوا صلاة كاملة كما علمكم الله تعالى.

ص: 65

فَتَكُونُ كُلُّ طَائِفَةٍ قَدْ صَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ

(1)

فَإِن كَانَ خَوْفٌ أَشَدَّ مِنْ ذلِكَ صَلَّوْا رِجَالاً قِيَاماً عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَاناً مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْر مُسْتَقْبِلِيهَا

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}

(3)

.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا

(1)

فالإمام يقسمهم قسمين قسم يحرسهم وقسم يصلي معه ركعة ثم يفارقه ويذهب للحراسة ويتم صلاته وحده ويجيء القسم الذي كان يحرس فيجد الإمام ينتظره في الركعة الثانية فيصلي معه ركعة فإذا جلس الإمام قام فصلى الثانية فيكون الإمام وكل فرقة قد صلوا ركعتين صلاة السفر. وهذه الكيفية اختارها الحنفية، ومثل هذا لا يقوله ابن عمر إلا بتوقيف. وتقدمت صلاة الخوف واسعة في الصلاة.

(2)

هذا معنى الآية السالفة.

(3)

الله لا إله إلا هو الحى القيوم، الحي: أي دائم الحياة والبقاء بلا أول ولا آخر. القيوم: أي المبالغ في القيام بتدبير ملكه، لا تأخذه سنة: أي نعاس ولا نوم، والسنة: النوم بالعين فقط دون القلب كنوم الأنبياء، والنوم: فترة طبيعية تهجم على الشخص فتمنعه من الحركة والإدراك، وذكر النوم بعد النعاس للإيضاح. فالله تعالى لا ينام وإلا لاختل نظام الملك وفسد في الحال، له ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا وعبيدًا، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه أي لا أحد يشفع عنده لأحد إلا بأمره تعالى، يعلم ما بين أيديهم من أمور الدنيا وما خلفهم من أمور الآخرة أي كلها بخلاف العباد فإنهم لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء أن يعلمهم به بواسطة رسله أو بإلهام منه جل شأنه، قال تعالى: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} . اللهم علمنا من لدنك علما نافعا يا رحمن آمين، وسع كرسيه السموات والأرض أي أحاط علمه بهما، قال تعالى {وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا} أو نفس الكرسي الذي هو فوق السماء السابعة يحمله أربعة أملاك مشتمل على السموات والأرض مع عظمهن الهائل لحديث: ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس، فعظم المخلوق يدل بداهة على عظم الخالق جل شأنه {ولا يؤوده حفظهما} أي لا يثقله حفظ السموات والأرض بل هو سهل عليه وهو العلى فوق خلقه بالقهر، العظيم أي فوق كل عظيم.

ص: 66

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ

(1)

يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارُ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ

(2)

حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبْحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ

(3)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ في الْإِيمانِ وَابْنُ مَاجَهْ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}

(5)

.

(1)

إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام فلا يقع منه نوم ولا يجوز عليه النوم تعالى ربنا، يخفض القسط: أي الميزان ويرفعه بأعمال العباد الصاعدة إليه وأرزاقهم النازلة لهم، أو المراد يقتر الرزق على من يشاء ويبسطه لمن يشاء، أو المراد يخفض العاصي ويرفع الطائع بعدله جل شأنه وعلا.

(2)

فعمل النهار يرفع بعد صلاة العصر كل يوم، وعمل الليل يرفع بعد الصبح كل يوم، وهذا رفع تفصيلي وأما رفع الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس فهو إجمالي والمباحات لا ترفع فيه بل ترفع في التفصيلي.

(3)

حجابه النور. وفي رواية: النار أي ما يشبهها كالنور في حجب الأشياء، فالله تعالى محتجب لا محجوب. والسبحات: جمع سبحة كغرفات وغرفة وهي صفات الجلال والجمال سميت سبحات لأنه يسبح عند رؤيتها، والوجه الذات، فمعنى هذا أن الله تعالى لو أزال الحجاب المانع من رؤيته وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته.

(4)

أي لو كان الشك في قدرة الله تعالى متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به وأنا لم أشك فإبراهيم أولى بعدمه لأنه خليل الرحمن وهذا لقول الله تعالى: واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم لربه رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن بقدرتي على الإحياء؟ قال: بلى آمنت بقدرتك على كل شيء ولكني سألتك ليطمئن قلبي بالعيان، قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك أي قطعهن وامزج لحمهن بعضه ببعض ثم اجعل على كل جبل جزءًا منهن ثم ادعهن إليك يأتينك سعيًا أي سريعًا واعلم أن الله عزيز حكيم.

(5)

الإعصار: الريح الشديدة، أي لا يحب أحدكم الذي كبر سنه وله أولاد صغار وبستان يجود بأنواع الثمرات أن تتلفه الآفات لأنه أحوج ما يكون إليه الآن حتى الشاب=

ص: 67

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه يَوْماً لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فِيمَ تَرَوْنَ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيَ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ

(1)

.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَصْحَابَ نَخْلٍ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْقِنْوِ وَالْقِنْوَيْنِ فَيُعَلِّقُهُ بِالْمَسْجِدِ وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ

(2)

لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا جَاعَ أَتَى الْقِنْوَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَسْقُطُ مِنَ الْبُسْرِ والثَّمَرِ فَيَأْكُلُ وَكَانَ نَاسٌ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ يَأْتِي أَحَدُهُمْ بِالْقِنْوِ فِيهِ الشِّيصُ وَالْحَشَفُ وَبِالْقِنْوِ قَدِ انْكَسَرَ فَيُعَلِّقُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ} {تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} ،

= الخالي من الولد لا يحب ذلك لأنه إتلاف مال نامٍ وهذا تمثيل لنفقة المرائى في ذهابها وعدم نفعها في الآخرة وهو أحوج ما يكون لها.

(1)

فالآية مثل لشخص أطاع ربه طويلا بماله وبدنه ثم ضل فبدل حسناته بسيئات فإنه يكون أكثر الناس ندما في الآخرة لتضييعه ما هو أشد الناس حاجة إليه الآن، نسأل الله التوفيق آمين.

(2)

كان يقيم بالمسجد النبوى فقراء لا ملك ولا كسب لهم وهم أهل الصفة وكان للأنصار نخل فكانوا يأتون بالقنو والقنوين فيعلقونه في المسجد ليأكل منه أهل الصفة ولكن بعضهم يأتى بالقنو الذي انكسر على نخلة وبعضهم يأتي بالذي فيه الشيص والحشف أي رديء التمر، فنزلت الآية ومعناها باختصار: يا أيها المؤمنون أنفقوا من أحسن كسبكم ومن أحسن ما أخرج الله لكم من الأرض من حب وثمر ولا تنفقوا من ردئ المال فإنكم لا تقبلونه من غيركم إلا بتساهل وحياء فكيف تقدمونه لله تعالى الذي خلقكم وخلق لكم تلك النعم واعلموا أن الله غني عنكم وعن أعمالكم، حميد: أي محمود في كل حال، فصارت الأنصار بعد هذا تنفق من صالح أموالها.

ص: 68

قَالَ: لوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إِلا عَلَى إِغْمَاضٍ وَحَيَاءٍ، قَالَ فَكُنَّا بَعْدَ ذلِكَ يَأْتِي أَحَدُنَا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لِمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لِمَّةً، فَأَمَّا لِمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لِمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

(1)

»، ثُمَّ قَرَأَ:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

(2)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ

(3)

فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَعَادَ بِهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ فَعَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ شِدَّةِ الْجِبَالِ»، قَالُوا: يَا رَبِّ

(1)

اللمة كهمة: الخطرة بالقلب. فلابن آدم لمة من الشيطان ولمة من الملك؛ فلمة الشيطان وسوسته بالسوء، ولمة الملك الكريم وحيه بالخير، فمن شعر بهذه فليحمد الله، ومن أحس بالأولى فليتعوذ بالله من الشيطان فإنه يحفظه منه والظاهر أن المراد بالشيطان القرين وهذا الملك من طائفة مسخرة لهذا أو من الملازمين للإنسان كالكتبة ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم الشيطان يعدكم الفقر أي يخوفكم منه إن تصدقتم ويأمركم بالفحشاء أي بالبخل ومنع الزكاة عن مستحقيها والله يعدكم على الإنفاق مغفرة منه وفضلا أي رزقا واسعا خلفا من الإنفاق فإن الله واسع فضله عليم بخلقه، قال تعالى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} .

(2)

فالصدقة الجهرية ممدوحة إذا رافقها إخلاص لأنها قدوة حسنة ولكن الصدقة السرية أفضل وأكثر ثوابًا لخلوها عن الشوائب، وهذا في الصدقة المندوبة، أما المفروضة كالزكاة فإظهارها أفضل لئلا يتهم بمنعها وليكون قدوة حسنة.

(3)

تميد: أي تتحرك، فخلق الجبال فعاد بها عليها أي أمر بوضعها على الأرض فاستقرت فقالت الملائكة: يا رب هل في خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: الحديد، أي لأنه يقطع الحجر.

ص: 69

فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنَ الْجِبَالِ قَالَ: نَعَمْ الْحَديدُ، قَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: قَالَ: نَعَمْ النَّارُ

(1)

، قَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ الْمَاءِ

(2)

قَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ الرِّيحُ

(3)

، قَالُوا: يَا رَبِّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنَ الرِّيحِ، قَالَ: نَعَمْ ابْنُ آدَمَ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا عَنْ شِمَالِهِ

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ التَّفْسِيرِ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ» . واقْرؤوا إِنْ شِئْتُمْ {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}

(6)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ

(7)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

لأنها تؤثر في الحديد وتذيبه.

(2)

لأنه يطفئ النار ويميتها.

(3)

لأنه ينشف الماء.

(4)

فالمتصدق الذي يخفي صدقته أشد وأقوى عزيمة من كل شيء، وصدقته في دفع البلاء عنه وسرعة قبولها عند الله أقوى من كل شيء، وروى: إن الله تعالى ليضحك لعبده إذا مد يده بالصدقة.

(5)

فليس المسكين الذي يطلب اللقمة فيأخذها فيذهب لأنه ربما كان غنيًا ولكن المسكين الذي لا ملك ولا كسب له ولا يعرفه الناس ولا يسألهم، والمراد الحث على إعطاء المساكين المتعففين فهم أولى وأفضل.

(6)

يمحق الله الربا أي يذهب البركة منه ويربي الصدقات أي يزيدها وينميها ويضاعف ثوابها والله لا يحب كل كفار أثيم أي فاجر يحلل الربا.

(7)

فلما نزلت آيات الربا وهي {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس

} إلى {إن كنتم تعلمون} ، قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس في المسجد وحرم عليهم التجارة في الخمر لتحريم شربها.

ص: 70

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ} {مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

(1)

}.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آيةُ الرِّبَا

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {للَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(3)

اشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَوْهُ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكَمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» ، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ

(4)

فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ

(1)

{واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} يوم القيامة {ثم توفى فيه كل نفس ما كسبت} من خير وشر {وهم لا يظلمون} بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة.

(2)

أي آيات الربا التي هنا آخر ما نزل. وأخرج الطبري من طرق عن ابن عباس: آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} ويجمع بينهما بأن المراد آيات الربا الشاملة لآية {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} أو المراد آخر آية نزلت آية الربا أي في نوع الربا والله أعلم.

(3)

{لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} من السوء وخواطره يحاسبكم به الله أي في الآخرة فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير.

(4)

أي {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} ، وقوله: فلما اقترأها القوم أي قرأوها وذلت أي لهجت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها أي عقبها آمن الرسول الآية. وحاصل هذا كله أنه لما نزل قوله تعالى {لله ما في السموات وما في الأرض} الآية دخل في قلوب الأصحاب من الخوف والحزن شيء عظيم فجاءوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبركوا على الركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيقه كالصلاة والجهاد فقبلناه وقد نزلت عليك {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} ولا نطيقها. فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من العصيان كما عصى اليهود والنصارى وأمرهم أن يقولوا {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} فقالوها وكرروها فنزل {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون} . فلما هدأت نفوسهم واستسلمت لأمر الله تعالى أنزل الله تعالى ناسخًا لتلك الآية {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها =

ص: 71

وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَها اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ عز وجل:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا} ، قَالَ: نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} ، قَالَ: نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ، قَالَ: نَعَمْ، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ، قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

= لها ما كسبت} أي من الخير {وعليها ما اكتسبت} أي من الشر {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال الله تعالى {نعم قد فعلت ورفعت هذا} أي كما تقدم في كتاب الإيمان: إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه {ربنا ولا تحمل علينا إصرًا} أي أمرا ثقيلا {كما حملته على الذين من قبلنا} كقتل النفس في التوبة وربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة، قال الله تعالى "نعم قد فعلت} فإنه بدّل هذه الأمور بالأخف منها سبحانه وتعالى {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} من أي شيء، قال الله تعالى: نعم {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال الله تعالى نعم قد فعلت، وأعفو وأغفر لمن تاب إليّ {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} فكانت تلك الآية وخوف الأصحاب منها وشكواهم للنبي صلى الله عليه وسلم سببًا في هذه التخفيفات والرحمات التي لم تنلها أمة أخرى في أسلوب يشعر بالذلة والانكسار والاعتراف الله تعالى بهذه النعم الجزيلة العظيمة الشأن.

ص: 72

‌سورة آل عمران

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}

(2)

.

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتّبِعُون مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولئِكَ الّذِينَ سَمّى اللَّهَ فَاحْذَرُوهُمْ» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

وَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ فَعُرِفَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ وَقَال: إِنّمَا هَلكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلافِهِمْ فِي الْكِتَابِ

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْعِلْمِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي هذِهِ الْآيَةِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ

سورة آل عمران

(1)

سميت بهذا القول الله تعالى فيها {إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} .

(2)

{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات} أي واضحات الدلالة {هنَّ أُمُّ الكتاب} أي أصله المعتمد عليه في الأحكام {وأخر متشابهات} لا تفهم معانيها كأوائل السور {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي ميل عن الحق فيتبعون ما تشابه منه {ابتغاء} أي طاب {الفتنة} للجهال بوقوعهم في الشبهات والتلبيس {وابتغاء تأويله} أي تفسيره {وما يعلم تأويله إلا الله * والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} فالنبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: {فإذا رأيت الذين يتبعون المتشابه من القرآن فاجتنبوهم فإنهم فتنة} .

(3)

الاختلاف الممقوت في الكتاب ما كان عن جهل للرياء وحب الظهور والعلو وربما أدى إلى الكفر لحديث أبي داود: {المراء في القرآن كفر} وتقدم في آداب العلم بضع أحاديث في الشرح تذم الجدل والمراء. أما الجدل في القرآن بنية الوصول إلى فهم معانيه فجائز بل هو مطلوب.

ص: 73

وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}»

(1)

. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ إِلا مَرْيَمَ وَابْنَهَا وَاقْرؤوا إِنْ شِئْتُمْ {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}»

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنَبَيْهِ بِأُصْبُعِهِ حِينَ يُولَدُ غَيْرَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُهُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

• عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هذِهِ الْآيَةَ: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَقَالَ: اللَّهُمَّ هؤُلَاءِ أَهْلِي

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ

(4)

قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(5)

قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جِيءَ بِكِتابٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرقْلَ جَاءَ بِهِ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ

(1)

لهذا اتخذها السادة الصوفية في ختم الصلاة الكبير عقب كل صلاة.

(2)

فكل مولود من بني آدم يطعنه الشيطان في جنبه حين يولد ابتداء للتسلط عليه فيرفع صوته بالبكاء إلا مريم وولدها عيسى عليهما السلام فإن الشيطان طعنه فجاءت في الحجاب الذي كان عليه في بطن أمه وهو المشيمة، ومثل عيسى كل الأنبياء صلى الله عليهم وسلم فإنهم محفوظون من تسلط الشيطان عليهم، قال تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} .

(3)

فيه أن هؤلاء هم خواص أهل البيت رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين، وتقدم فضلهم في الفضائل على سعة.

(4)

أي مشافهة منه إليّ.

(5)

في المدة أي مدة صلح الحديبية التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش على ترك الحرب عشر سنين ففي آخر سنة ست هجرية بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي بكتاب إلى هرقل الملقب بقيصر عظيم الروم فسلمه دحية إلى عظيم بصرى واسمه الحارث الغساني فدفعه الحارث إلى هرقل فقال: هل هنا أحد من بلد هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم، وصادف هذا وجود أبي سفيان ورفقته في الشام للتجارة فأرسل لهم فجاءوا فصار يسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة ترجمانه بالضم والفتح الذي يفسر لغة بأخرى.

ص: 74

فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشِ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسباً مِنْ هذَا الرَّجُل الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنَا، فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ إِنّي سَائِلٌ هذَا عَنْ هذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإنْ كَذَبَنِي فَكَذّبُوهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكذَبْتُ

(1)

، ثُمَّ قالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ

(2)

قَالَ: هَلْ كَانَ فِي آبائِهِ مَلكٌ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ

(3)

، قَالَ: يَزيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: لَا بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيه سَخْطَةَ لَهُ؟ قُلْتُ: لَا

(4)

، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: تَكونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالاً يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ

(5)

، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ

(6)

؟ قُلْتُ: لَا. وَنَحْنُ مِنْهُ

فِي هذِهِ

(1)

أي والله لولا خوفي من إشاعة الكذب عليّ لكذبت.

(2)

كيف حسبه فيكم، الحسب: ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه وهذا يلزمه النسب الذي ورد في رواية: فقال هو فينا ذو حسب رفيع، وفي رواية: هو في حسب لا يفضل عليه أحد.

(3)

أشرف الناس هنا أكابر أهل الدنيا والضعفاء أصاغر أهلها.

(4)

سخطة له أي كراهة له قال لا.

(5)

السجال ككتاب بينه بقوله يصيب أي يكسب منا ونكسب منه، وقد كانت الحرب وقعت بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم في بدر فأصاب المسلمون من المشركين، وفي أحد فأصاب المشركون من المسلمين وفي الخندق فأصيب من الطائفتين فريق قليل.

(6)

فهل يغدر أي ينقض العهد، قال: لا. ثم أعقبه بقوله: ونحن الآن في عهد معه ولا ندري هل وفى أو غدر بنا ونحن غائبون، قال: وما تمكنت من انتقاصه إلا بهذه الكلمة.

ص: 75

الْمُدَّةِ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئاً غَيْرَ هذِهِ، قَالَ: فَهَلْ قَالِ هذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ وَكَذلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا

(1)

. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ فَقُلْتَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ

(2)

. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِب قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ

(3)

. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ

(4)

. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ

(5)

. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْوَبَيْنَهُ سِجَالاً يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ وَكَذلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ

(6)

. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ هذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ قَالَ هذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ

(1)

لينظر إليهم بالإجلال، قال تعالى عن قوم شعيب عليه السلام {ولولا رهطك لرجمناك} .

(2)

أي غالبًا، قال تعالى حكاية عن قول قوم نوح له {ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأي} .

(3)

فمن لم يكذب على الناس لم يكذب على الله بالأولى.

(4)

أي التي يدخل فيها وهي منشرحة.

(5)

فإنه يبدو صغيرًا ثم ينمو كما تقدم في الفرائض: الإسلام يزيد ولا ينقص.

(6)

قال تعالى {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} .

ص: 76

قِيلَ قَبْلَهُ. قَالَ

(1)

ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّه نَبِيٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ

(2)

وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قدَمَيَّ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ

(3)

: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ

(4)

و {قُلْ يأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}

(5)

. فَلَمَّا فَرَغَ

(1)

قال أي أبو سفيان ثم قال أي هرقل: بم يأمركم؟ قال: يأمرنا بالصلاة والزكاة وصلة الأرحام والعفاف قال: إن يكن قولك حقًّا فإنه نبي.

(2)

وكنت أعلم أنه خارج أي سيظهر في هذا الزمان ولكني ما كنت أظنه منكم يا معشر العرب. وفي رواية: أنه أخرج لهم سفطا (كسبب) علبة من ذهب عليها قفل من ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى آخر صورة فقالوا جميعًا هذه صورة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه صور الأنبياء وهذه صورة خاتمهم صلى الله عليهم وسلم، وقوله {وليبلغن ملكهـ ما تحت قدمي هاتين} أي أرض بيت المقدس وملك الروم كله وكان كذلك.

(3)

فقرأه أي بنفسه أو ترجمانه بأمره.

(4)

سلام على من اتبع الهدى هذا كقول موسى وهارون لفرعون: والسلام على من اتبع الهدى، أدعوك بدعاية الإسلام أي بالكلمة الداعية إليه وهي شهادة التوحيد، أسلم تسلم: أي ادخل في الإسلام تسلم من شر الدنيا والآخرة، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين لإيمانك بنبيك ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولأن إيمانك يترتب عليه إيمان رعيتك فإن توليت ولم تسلم فإن عليك إثم الأريسيين أي الزارعين وكل الرعية أو الأريسيين نسبة إلى عبد الله بن أريس رجل كانت النصارى تعظمه لأنه ابتدع في دين عيسى عليه السلام أمور كثيرة ليست منه.

(5)

يا أهل الكتاب اليهود والنصارى تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أي نعترف بها ونقوم بأمرها جميعًا وهي {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابا من دون الله} كما اتخذتم الأحبار والرهبان أربابا {فإن تولوا} أي أعرضوا عن الإسلام {فقولوا} لهم {اشهدوا بأنا مسلمون} .

ص: 77

مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ

(1)

وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ

(2)

فَمَا زِلْتُ مُوقِناً بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ آخِرَ الْأَبَدِ وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلكُكمْ، قَالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمْ فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الْجِهَادِ.

(1)

من عظماء الروم كراهة فيما ظهر لهم من ميل هرقل إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.

(2)

أبو كبشة كنية للحارث بن عبد العزي أبي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع كانوا ينتقصونه به، فلما خرج أبو سفيان من مجلس هرقل، قال أبو سفيان وأصحابه: لقد أمر، أي عظم شأن ابن أبي كبشة حتى إنه يخافه ملك بني الأصفر أي الروم.

(3)

فعاد هرقل إلى حمص الشام وجمع عظاء الروم في داره ثم قال لهم: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد الدائمين وثبات الملك دائمًا إن أردتم هذا فبايعوا محمدًا وآمنوا به فإني علمت من عدة أمور أن الأمة الدائمة هي الأمة المحمدية، فحاصوا حيصة الحمر الوحشية أي نفروا كالحمر الوحشية إلى الأبواب ليخرجوا منها كراهة في عرض الإسلام عليهم فوجدوها مغلقة فلما رأى هرقل جبنهم ذلك قال عليّ بهم أي أحضروهم ثم قال لهم: إني أردت بتلك المقالة أن أختبر تمسككم بدينكم فقد رأيت منكم ما أحب فسجدوا له كعادتهم سجودا بالجبهة أو تقبيلا للأرض بين يديه ثم انصرفوا راضين عنه، وفي البخاري في بدء الوحي ما معناه: أن هرقل في سنة صلح الحديبية انتقل إلى القدس لينظر جنوده هناك بعد أن انتصروا على فارس ولكنه نزل ضيفا عند أمير القدس وهو ابن الناطور، وكان هرقل حزاء أي كاهنا وماهرًا في علم النجوم فأصبح يوما كئيبا مهموما فسأله بطارقته وأمراء الدولة فقال لهم: رأيت في علم النجوم الليلة أن ملك الختان قد ظهر أي الذي يأمر بالختان فمن يختتن من هذه الأمم؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم وإن أردت إبادتهم فاكتب إلى أمراء مملكتك يقتلونهم فإنهم تحت حكمك فبينما هم يتشاورون في هذا إذ جاءهم رجل من قبل الحارث بن أبي شمر ملك غسان أحد ملوك العرب يخبر ذلك الرجل عن ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هرقل: انظروا هذا الرجل أمختتن هو؟ فنظروه فوجدوه مختتنا =

ص: 78

وَنَزَلَ لَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَتِ النَّصَارَى نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

(1)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيَ وُلاةً مِنَ النَّبِييِّنَ وَإِنَّ وَلِيِّي أَبِي وَخَلِيلِي وَخَلِيلُ رَبِّي

(2)

ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} {أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} {وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

(4)

. عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ

فأحضره هرقل وسأله عن العرب أيختتنون؟ قال: نعم، قال هرقل. هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، أي أن محمدًا الذي ظهر يدعى النبوة والرسالة على حق كما رأيت في علم النجوم الليلة، وكان لهرقل صاحب له في مدينة رومية محل الرياسة الدينية للروم اسمه ضفاطر وله إلمام تام بعلم النجوم فكتب له هرقل بما رأى في علم النجوم وما جاءه من ظهور محمد بالنبوة والرسالة ثم عاد هرقل إلى عاصمة ملكه حمص الشام فوافاه مكتوب ضفاطر يوافقه في ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقًّا، فكتب له هرقل يستدعية للحضور بحمص ثم جمع عظماء دولته وقواده ووزراءه في دسكرة أي قصر عظيم له يحوطه بيوت كثيرة ثم جلس هرقل في مكان عال وأشرف عليهم وعرض عليهم مبايعة محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به فنفروا منه فاستعطفهم وتركهم (هذا) ولم يثبت إيمان هرقل بل ثبت أنه قاتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا فأمر إيمانه موكول إلى الله تعالى.

(1)

فإن اليهودية والنصرانية بعد إبراهيم عليه السلام بزمن طويل لأن موسى عليه السلام بعد إبراهيم بألف سنة تقريبًا وعيسى عليه السلام بعده بنحو ألفي سنة.

(2)

إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

(3)

ولما قال أهل الكتاب نحن على دين إبراهيم فنحن أولى {به} منكم نزلت {إن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه} في زمانه {وهذا النبي} محمد صلى الله عليه وسلم. {والذين آمنوا} به {والله ولى المؤمنين} نعم الولي ربنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(4)

إن الذين يشترون أي يستبدلون {بعهد الله} إليهم في الإيمان وأداء الأمانة {ثمنًا قليلا} من الدنيا {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} أي لا حظ لهم فيها {ولا يكلمهم الله} غضبا عليهم {ولا ينظر إليهم} نظر رحمة {ولا يزكيهم} أي لا يطهرهم {ولهم عذاب أليم} .

ص: 79

يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمَ لِي، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» فَقُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَن اقْتَطَعَ حَقَّ امْرئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «وَإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ»

(2)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً

(3)

فِي السُّوقِ فَحَلَفَ لَقَدْ أُعْطِي فِيهَا مَا لَمْ يُعْطَهُ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} الآية.

• عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ وَفِي الْحُجْرَةِ فَجُرِحَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفَى فِي كَفِّهَا

(4)

فَادَّعَتْ عَلَى الْأُخْرَى فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ ذَكِّرُوهَا

(1)

فكان بين الأشعث الكندي وبين ابن عمه معدان خصومة في بئر كانت للأشعث تحت يد ابن عمه فجحدها فترافعا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال للأشعث: بينتك، أي الواجب بينتك فتثبت البئر لك وإلا فعليه اليمين أن البئر له، فقال الأشعث: حينئذ يحلف ويأخذ مالي فإنه لا بينة لي وهو لا يبالي باليمين فقال صلى الله عليه وسلم: من حلف على شيء ليأخذه وهو في يمينه فاجر أي متعمد للكذب لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان، ويمين الصبر ما ألزمها وجبس عليها.

(2)

أي وإن كان عودًا من شجر الأراك لافترائه وجرأته على اليمين.

(3)

السلعة هي المتاع المعروض للبيع وتقدم الحديث في كتاب البيوع.

(4)

فكانت امرأتان في حجرة في بيت تخرزان النعال فجرح كف إحداها ونفذ فيه الإشفى أي آلة الخرز فادعت على الأخرى أنها صنعت بها هذا فأنكرت فرفع أمرهما إلى ابن عباس فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعطى الناس ما يدعونه على غيرهم من غير بينة لضاعت أموال الناس ودماؤهم وحيث لا بينة لهذه فعلى صاحبتها اليمين أنها بريئة، ولكن ذكّروها بالله وأسمعوها الآية وخوّفوها من عذاب الله إن حلفت كاذبة ففعلوا معها ذلك فاعترفت أنها جرحت صاحبتها فذكر ابن عباس الحديث.

ص: 80

بِاللَّهِ» وَاقْرَؤوا عَلَيْهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أُنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيَ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بِيْرَحَا وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ فَلَما أُنْزِلَتْ: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إليَّ بَيْرُحَا وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ

(1)

اللَّهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «بَخْ ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.

زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا:

(1)

أبو طلحة اسمه زيد بن سهل الأنصاري، وبيرحا أحسن بستان يملكه، وذلك مال رابح بالموحدة أي ربحه وأجره عظيم، وفي رواية: ذلك مال رايح بالياء من الرواح ضد العدو، أي من شأنه الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير كان أولى، فالنبي صلى الله عليه وسلم فرح بعمله هذا وبشره بالخير العظيم ولكنه أرشده أن يقسمه بين أقاربه فهم أولى بمعروفه فقسمه بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين، وتقدم الحديث في باب الوقف من كتاب البيوع.

(2)

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا على ملة إبراهيم، فقالت اليهود كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال: كانت حلالا لإبراهيم فنحن نحلها فقالت اليهود: كل شيء نحرمه اليوم كان حراما على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا. فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم وتصديقا لمحمد صلى الله عليه وسلم كل الطعام كان حلا أي حلالا لبني إسرائيل أي أولاد يعقوب إلا ما حرمه على نفسه وهو لحوم الإبل وألبانها قبل نزول التوراة.

ص: 81

يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ: «اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً يُلَائِمُهُ إِلا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذلِكَ حَرَّمَهَا» ، قَالُوا: صَدَقْتَ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في الزهْدِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنَى مِنْكُمْ؟ قَالُوا: نُحَمِّمُهُمَا

(2)

وَنَضْرِبُهُمَا فَقَالَ: لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ فَقَالُوا: لَا نَجِدُ فِيهَا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَوَضَعَ مِدْراسُهَا الَّذِي يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ وَمَا وَرَاءِها وَلَا يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ فَنَزَعَ يَدَهُ عن آيَةِ الرَّجْمِ فَقَالَ: مَا هذِهِ؟ فَلَمَّا رَأَوْا ذلِكَ قَالُوا: هِيَ آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيباً مِنْ حَيْثُ مَوْضِعُ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَحْنِي عَلَيْهَا يَقِيَها الْحِجَارَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}

(3)

.

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ،

(1)

عرق النسا - كالعصا مرض في الرجل مرض به يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام فنذر إن شفاه الله منه لا يأكل أحب شيء إليه وهو لحوم الإبل وألبانها فشفاه الله فحرمها على نفسه وفاء بنذره.

(2)

قوله نحممهما من التحميم وهو تسويد الوجه، فاليهود جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة قد زنيا واعترفا بالزنا وشهد عليهما أربعة كما في أبي داود، فقال صلى الله عليه وسلم: ما تفعلون بالزاني والزانية في دينكم؟ قالوا: نسود وجوههما ونضربهما، قال: أليس عندكم الرجم؟ قالوا لا، قال عبد الله: كذبتم هاتوا التوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فجاء بها عبد الله بن صوريا ووضع يده على آية الرجم وصار يقرأ ما قبلها وما بعدها فرفع عبد الله بن سلام يده وقال: أليست هذه آية الرجم؟ فقالوا نعم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزانيين فرجما في موضع الجنائز وكان الزاني ينحني بجسمه على صاحبته ليحفظها من الحجارة.

(3)

فأول بيت أمر الله ببنائه في الأرض للعبادة بيت مكة المكرمة وهو الكعبة المباركة التي يطوف بها الناس.

ص: 82

قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصى» ، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ عَاماً»

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}

(2)

.

• عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنِ الْحَاجُّ؟ قَالَ: «الشُّعْثُ الثُّفْلُ» . فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: أَيُّ الْحجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْعَجُّ والثَّجُّ» . فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» ، قَالَ: تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

فأول مسجد بني في الأرض مسجد مكة ثم مسجد بيت المقدس وبينهما أربعون سنة؛ وهذا بناء أولى سابق على بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة وعلى بناء داود وسليمان عليها السلام لبيت المقدس وإلا فالمسافة بين إبراهيم وداود عليهما السلام أكثر من ألف سنة وتقدم الحديث في فضل المساجد.

(2)

فمن تيسرت حاله وسهل عليه الحج إلى بيت الله تعالى وجب عليه الحج لأنَّهُ أحد أركان الإسلام.

(3)

فالسبيل في الآية الزاد والراحلة، والمراد ما يوصله إلى البيت الحرام ورجعه إلى وطنه، وأفضل أعمال الحج وأظهرها العج وهو رفع الصوت بالتلبية والثج الذي هو نحر الهدى للعبادة. والحجاج هم الشعث جمع أشعث وهو المنتشر شعره. التفل: جمع أتفل وهو الأغبر ظاهره. والمراد أن الحاج الحقيقي هو المنهمك بالشعائر -، وذكر الله تعالى دون حظ نفسه وزينة ظاهره نسأل الله التوفيق.

(4)

تأتون بهم أي الأسرى في السلاسل حتَّى يعتنقوا الإسلام بعد أن كانوا كفارًا فيسعدوا، ومنه عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل وهم الأسرى الذين يسلمون فلهذا كانت الأمة المحمدية خير الناس للناس.

(5)

فأنتم أيتها الأمة المحمدية تختمون سبعين أمة من الأمم الإسلامية المشهورة كأمة عيسى وأمة موسى وأمة إبراهيم وهكذا ولكنكم أفضلها وأكرمها عند الله تعالى لأنكم أمة أفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم وسبق فضل الأمة المحمدية في كتاب الفضائل.

ص: 83

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَةَ وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ لِقَوْلِ اللَّهِ {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَاناً وَفُلَاناً وَفُلاناً» بَعْدَ مَا يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} الآية. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ اللَّهُمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِ اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ» فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَسْلَمُوا فَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ

(3)

.

وَلِلْبُخَارِيِّ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَ أَنْ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ

(4)

، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ

(1)

فالطائفتان بنو حارثة وهم من الأوس وبنو سلمة من الخزرج همتا بالفشل في الحرب ولكن الله ثبتهما وأيدهما بنصره فكان لهما وليا ونعم الولي ربنا، فلذا كانتا مسرورتين بهذه الآية التي هي قرآن يتلى أبد الآبدين.

(2)

ليس لك يا محمد من الأمر شيء بل الأمر كله لله، أي إلى أن يتوب عليهم بالإسلام أو يعذبهم فإنهم ظالمون بكفرهم.

(3)

فلانا وفلانا وفلانا هم المذكورون في هذه الرواية. وتاب الله عليهم فأسلموا.

(4)

الوليد هذا أخو خالد بن الوليد، وسلمة وعياش أولاد أعمام للوليد، أسلموا وكانوا بين أهليهم الكفار بمكة فكانوا يؤذونهم على الإسلام فلذا كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يدعو لهم بالنجاة من الكفار ويدعو على الكفار بقوله: اللهم اشدد وطأتك أي بأسك على كفار مضر واجعل حالهم شدة وفاقة كحال المصريين الثانية في أيام يوسف عليه السلام وقد استجاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فنزل بهم قحط لم يروا مثله.

ص: 84

وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» يَجْهَرُ بِذلِكَ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ

(1)

وَشُجَّ وَجْهُهُ شَجَّةً فِي جَبْهَتِهِ حَتَّى سَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هذَا بَنِبيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثاً نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ وَإِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ صَدَّقْتُهُ وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ صَدَقَ

(3)

قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْباً ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يُصَلِّي فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ»

(4)

، ثُمَّ قَرَأَ:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَآ أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

(5)

.

(1)

الرباعية كثمانية: هي السن التي بين الثنية والناب، وشج في جبهته من حلقة من المغفر الذي على رأسه دخلت في عظمه من وقع السيف عليها فسال الدم على وجهه صلى الله عليه وسلم.

(2)

لا منافاة بين هذا وما قبله فإنهما في غزوة أحد فحديث أنس قال: وهو يمسح الدم عن وجهه صلى الله عليه وسلم ثم شرع يدعو عليهم في الصلاة بعد هذا فنزلت الآية تأمره بالتسليم لله تعالى فهو الفاعل المختار.

(3)

أي والحال أنه صادق.

(4)

فأي شخص يرتكب ذنبا من حقوق الله ثم يقوم بنية التوبة فيتطهر ويصلى لله أي صلاة ثم يستغفر الله إلا غفر الله له لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} أي ذنبًا فاحشًا كالزنا {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} ، بأقل منه كالقبلة {ذَكَرُوا اللَّهَ} أي تذكروا الله فخافوه {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ} ؟ أي لا {يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} بل أقلعوا عنه {وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} .

(5)

{إِذْ تُصْعِدُونَ} أي تبعدون في الجبل هاربين {وَلَا تَلْوُونَ} أي لا تعرجون على أحد {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُم} أي من =

ص: 85

• عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ

(1)

يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنهما قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُط مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الْمُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ إِلاأَنْفُسُهُمْ أَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَرْغَبُهُ وَأَخْذَلُهُ لِلْحَقِّ

(2)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ وَمَا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلا يَمِيدُ تَحْتَ حَجَفَتِهِ مِنَ النُّعَاسِ فَذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ}

(3)

روَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: افْتُقِدَتْ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

أَخَذَهَا

(4)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ

= ورائكم بقوله: عليّ عباد الله على عباد الله {فَأَثَابَكُمْ} أي جازاكم {غَمًّا} أي بالهزيمة "بغم" أي بسبب غمكم للرسول صلى الله عليه وسلم بالمخالفة {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} من الغنيمة {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} من القتل والهزيمة.

(1)

الرجالة بالتشديد هم المشاة وكانوا خمسين رجلا رماة.

(2)

فالمنافقون أجبن الناس وأخذهم للحق وأشدهم طمعا في الغنيمة.

(3)

يميد أي يميل، والحجفة: محركة آلة من آلات الحرب. ففي غزوة أحد أشاع إبليس أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قتل ففر بعض المسلمين فتوجه لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ودعاهم فعادوا وقد دب فيهم الخوف فلما اصطفوا للقتال ألقى الله عليهم النوم برهة صغيرة فامتلأوا ثباتا وأمنا وشجاعة، ولكنهم لما فروا لم يثبت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل، فمن المهاجرين العشرة المبشرون بالجنة ومن الأنصار سعد بن معاذ وأسيد بن حضير والحباب بن المنذر والحارث بن الصمة وأبو دجانة وعاصم بن ثابت وسهل بن حنيف رضي الله عنهم.

(4)

ففي غزوة بدر فقدت من الغنيمة قطعة قطيفة فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، فأنزل الله تعالى {وما كان لنَبِيٍّ أن يغل} أي يخون في الغنيمة {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} يحمله فضيحة له ثم يوفي جزاه، وتقدم شيء من هذا في كتاب الإمارة وسيأتي الغلول في الجهاد إن شاء الله.

ص: 86

يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِراً؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْناً

(1)

، قَالَ:«أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَداً قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا اللَّهُ أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحاً»

(2)

. فَقَالَ: «يا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِيني فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ عز وجل: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ

(3)

، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ».

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: إِنَّا سَأَلْنَا عَنْ ذلِكَ فَأُخْبِرْنَا أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءتْ وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً

(4)

فَقَالَ: هَلْ تَسْتَزِيدُونَ شَيْئاً فَأَزِيدَكُمْ؟ قَالُوا: رَبَّنَا وَمَا نَسْتَزِيدُ وَنَحْنُ فِي الْجَنَّةِ نَسْرَحُ حَيْثُ شَئْنَا ثُمَّ اطَّلَعَ إِلَيْهِمُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: هَلْ تَسْتَزِيدُونَ شَيْئاً فَأَزِيدَكُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَمْ يُتْرَكُوا قَالُوا: تُعِيدُ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَامِنَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَنُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى.

(1)

ترك رحمه الله عدة بنات وترك عليه دينًا ثمانين وسقا.

(2)

أي بدون حجاب.

(3)

تمن عليّ أي اطلب ما تشاء أعطك، قال: ترجعني إلى الدنيا فأجاهد في سبيلك فأقتل مرة أخرى، قال تعالى:"قضت حكمتي أن أهل الدنيا إذا ماتوا لا يرجعون لها".

(4)

أي كشف الحجب عنهم وأمرهم أن يطلبوا ما يشتهون، فقالوا: يا رب ماذا نطلب ونحن نتمتع بكل شيء في الجنة؛ فأعاد عليهم مرة ثانية فلما رأوا أنهم لن يتركوا حتَّى يطلبوا شيئًا قالوا: يا رب إن كان لنا طلب فارجعنا إلى الدنيا لنقتل في سبيلك، فقال "لا رجعة لها" قالوا: تبلغ نبينا عنا السلام وتخبره بما نحن فيه، فأنزل الله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} .

ص: 87

وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَتُقْرِئُ نَبِيَّنَا السَّلَامَ وَتُخْبِرُهُ عَنَّا أَنَّا قَدْ رضينَا وَرضي عَنَّا رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيّ

(1)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ للَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}

(2)

.

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: يَا ابْنَ أُخْتِي لَمَّا أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا فَقَالَ: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلاً كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}

(4)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ»

(5)

يقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ

(1)

الأول حسن والثاني صحيح.

(2)

القرح: الجراح.

(3)

فبعد غزوة أحد وقتل من قتل من المسلمين وذهاب المشركين خاف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا للمسلمين على غفلة فأمر أبا بكر والزبير بن العوام وطائفة من الأصحاب أن يتبعوا المشركين فأجابوه وهم مجروحون ومتعبون ومحزونون مما أصابهم فنزلت فيهم {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية.

(4)

فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن المشركين يجمعون الجيوش لهم قال صلى الله عليه وسلم حسبنا الله ونعم الوكيل، أي يكفينا الله كل شيء، ونعم الوكيل: الله، ثم خرج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وصحبه إلى سوق بدر وكان موعدًا بينهم وبين المشركين للقتال فنزل الرعب بالمشركين حتَّى ملأ قلوبهم فلم يحضروا فباع المسلمون تجارتهم في سوق بدر وعادوا بربح عظيم، فكانت حسبنا الله ونعم الوكيل نصرًا لهم عظيما كما كانت لإبراهيم عليه السلام من النار حصنا منيعا، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل حال، وفي الحديث: إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.

(5)

أي بشدقيه، وتقدم هذا الحديث في أول كتاب الزكاة.

ص: 88

هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مَوْضِعَ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

(1)

اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ» {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا

(2)

فَنَزَلَتْ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ.

قَالَ مَرْوَانُ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ لَهُ لَئِنْ كَانَ كلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعذَّباً لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا لَكُمْ وَلِهذِهِ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} وَتَلَا {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ}

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

السوط آلة الضرب كالعصا، فقدره في الجنة خير من الدنيا وما فيها لأنها فانية، ونعيم الجنة دائم وخالد.

(2)

فلما كذبوا على الله ورسوله رد الله عليهم وفضح أمرهم وتوعدهم بالعذاب الأليم، نسأل الله الستر والسلامة آمين.

(3)

نزلت هاتان الآيتان في اليهود كما نزلت الثانية في المنافقين في الحديث قبل هذا فقد تتعدد أسباب الآية الواحدة.

ص: 89

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً

(1)

ثُمَّ رَقَدَ فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلى السَّمَاءِ فَقَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ} إِلَى آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءِ فِي الْهِجْرَةِ، وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ أَوَّلَ ظَعِينَةٍ هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

(1)

فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله أي زوجته ميمونة ساعة أي وقتا من الليل ثم نام حتَّى قام في ثلث الليل الآخَر فنظر إلى السماء فقرأ {إن في خلق السموات والأرض} إلى آخر السورة ثم استن أي استاك فتوضأ فأحسن الوضوء ثم صلى إحدى عشرة ركعة وهي أكثر الوتر الذي كان يصليه في آخر الليل فيكون وترة وتهجدا وكان يطيل في هذه الركعات حتَّى يقرب الفجر فإذا أذن الفجر صلى سنة الصبح ثم خرج فصلى بالجماعة وتقدم هذا في صلاة الليل.

(2)

فأم سلمة رضي الله عنها أول امرأة هاجرت إلى المدينة، فقالت: يا رسول الله لا نسمع الله ذكر النساء في الهجرة فنزلت {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} ؟ أي الذكور من الإناث وبالعكس {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)} ففيه إشعار بعلو مكانة أم سلمة حيث أجابها الله بسرعة رضي الله عنها. ونفعنا بها آمين.

ص: 90

‌سورة النساء

(1)

قَالَ عُرْوَةُ رضي الله عنه: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}

(2)

، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حجْرِ وَلِيِّهَا تُشْرِكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ ذلِكَ إِلا أَنْ يَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ

(3)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} . قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: نَزَلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ إِذا كَانَ فَقِيراً أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ

(4)

. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ فَي بَنِي سَلَمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا أَعْقِلُ شَيْئاً فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَرَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ

سورة النساء

(1)

سميت بذلك لكثرة ذكر النساء فيها كقوله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} .

(2)

{وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} ؟ أي إن خفتم ألا تعدلوا معهن وقد أردتم زواجهن فاتركوهن وتزوجوا بغيرهن.

(3)

وكان رجل تحته يتيمة ذات مال فتزوجها لمالها، فنزلت الآية لهذا وذاك، فيحرم على الولى أن يتزوج اليتيمة أو يزوجها لولده ونحوه إلا إذا عدل لها في الصداق وغيره.

(4)

فلوالى اليتيم أن يأكل من ماله بالمعروف أي بقدر عمله. ومن كان غنيا فتعفف عنه كان أحسن وأفضل، وتقدم هذا في الوصية.

(5)

تقدم هذا في كتاب الفرائض.

ص: 91

لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ} {أَوْ دَيْنٍ

(1)

} {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ} {أَوْ دَيْنٍ}

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَللِزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإنْ شَاؤُوا زَوَّجُوهَا وَإِنْ شَاؤُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ}

(4)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرِيُّ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخْوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نُسِخَتْ

(5)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

(1)

فللزوج من ميراث زوجته النصف إذا لم يكن لها ولد، فإن كان لها ولد ذكر أو أنثى ولو من غيره ففرضه الربع فقط وهذا بعد سداد الدين وتنفيذ الوصية.

(2)

وللزوجة من إرث زوجها الثمن إن كان له ولد ولو من غيرها وإلا فلها الربع بعد سداد الدين وتنفيذ الوصية.

(3)

فكان في صدر الإسلام الإرث كله للولد والوصية واجبة للأقربين والوالدين بما يراه ولدهما لقوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} فنسخ الله ذلك وأنزل آيات المواريث {يوصيكم الله في أولادكم} إلى آخرها.

(4)

{لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ} أي ذاتهن كرها {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} أي لا تمنعوهن من التزوج حتَّى تأخذوا مهورهن فإن هذا ظل لا يرضاه الله ورسوله.

(5)

نسخت: أي الوراثة بالأخوة والتحالف بتلك الآية، ثم نسخت بآيات المواريث أيضًا.

ص: 92

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أَوْطَاسٍ أَصَبْنَا نِسَاءً لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي الْمُشْرِكِينَ فَكَرِهَهُنَّ رِجَالٌ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ}

(1)

.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي النِّكاحِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً}

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» ، قَالُوا: وَمَا هُنَّ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحقِّ، وَأَكْلُ الرِّبا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيُّ: «الْكَبَائِرُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ» . زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ»

(4)

.

• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّها قَالَتْ: يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا يَغْزُو النِّسَاءُ وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

(1)

أصبنا نساء أي في السبي فكره بعض الناس التمتع بهن نظرا لأزواجهن المشركين فنزلت {والمحصنات} ؟ أي وحرمت عليكم المحصنات أي المتزوجات {من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} بالسبي فلكم وطؤهن بملك اليمين بعد الاستبراء.

(2)

الكبائر كل ذنب جعل له الشارع حدا كالقتل والسرقة والزنا. وقيل كل ما ورد عليه وعيد، وعن ابن عباس أنها تقرب إلى السبعمائة، فمن يجتنب الكبائر ويفعل الفرائض فإن الله يكفر عنه ذنوبه ويدخله المدخل الكريم وهو الجنة، نسأل الله الجنة آمين.

(3)

تقدم هذا الحديث وشرحه في أول كتاب الحدود.

(4)

قول الزور هو شهادة الزور، واليمين الغموس هي ما قصد بها الباطل. وتقدمت في كتاب النذور.

(5)

{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} في أمور الدنيا أو الدين ليبقى حبل الود بينكم {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} أي لهم ثواب عملهم من غزو وغيره {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} من طاعة الأزواج وتربية الأولاد {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} اللهم أفض علينا من فضلك الواسع يا رحمن آمين.

ص: 93

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ ليَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ» ، قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} ، قَالَ:«أَمْسِكْ» فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَاماً فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنَ الْخَمْرِ فَأَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنَّا

(2)

وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءَ

(3)

فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهَا رِجَالاً فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيمُّمِ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}

(5)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنهما.

(1)

فلما سمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هذه الآية بكى من هول ذلك اليوم، ومعنى الآية {فكيف إذا جئنا من كل أمة} من الأمم الكافرة {بشهيد} يشهد عليها بالكفر وهو نبيها {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} هؤلاء هم كفار قريش {يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} .

(2)

أي سكرنا منها فلما قاموا للصلاة وأمهم عليّ رضي الله عنه خلط في قراءته فنزلت {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} وهذا قبل تحريم الخمر.

(3)

ضاعت قلادة لأسماء كانت تلبسها عائشة أختها وهم في سفر.

(4)

فلما صلوا بغير وضوء أنزل الله التيمم في قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} .

(5)

فالله تعالى لا يغفر للمشرك ولا بد من خلوده في النار، وأما غيره فمغفور له إذا شاء الله.

ص: 94

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: خَاصَمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الزُّبَيْرَ فِي شرَاجِ الْحَرَّةِ

(1)

الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِلزُّبَيْرِ:«اسْقِ يَا زُبَيْرُ وَأَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ

(2)

فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «يَا زُبَيْرُ اسْقِ وَاحْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}

(3)

الآية. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيَ يَمْرَضُ إِلا خَيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بَحَّةٌ شَدِيدَةٌ

(4)

فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ

(5)

، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ فَرِيقٌ يَقُولُ اقْتُلْهُمْ وَفَرِيقٌ يَقُولُ لَا فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}

(6)

، وَقَالَ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الْخَبْثَ

(7)

كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ.

(1)

مسيل الماء من الجبل إلى السهل.

(2)

أي حكمتَ له بالسقي أولا لأنَّهُ ابن عمتك، فغضب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأمر الزبير بالسقي حتَّى يعم الماء الأرض لأن الماء يمر أولا على أرض الزبير، وتقدم هذا في الزرع من كتاب البيوع.

(3)

أي فوربك لا يثبت لهم الإيمان حتَّى يحكموك في قضاياهم ويرضوا بحكمك.

(4)

أي في مرض موته، والبحة: خشونة في الحلق وغلظ في الصوت.

(5)

أي في الجنة فعلمت أنه خُير فاختار الآخرة صلى الله عليه وسلم. وتقدم هذا في كتاب النبوة.

(6)

{فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم} أي بددهم بما كسبوا وفضحهم بما في سورة التوبة.

(7)

إنها أي المدينة تنفي الخبث أي القذر.

ص: 95

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رضي الله عنه: اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ. هذِهِ الْآيَةُ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَها شَيْءٌ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ وَلَفْظُهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} {الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ نَحْنُ فَعَلْنَا ذلِكَ كُلَّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} فَهذِهِ لِأُولئِكَ، فَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} الْآيَةَ فَالرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ وَلَا تَوْبَةَ لَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ: إِلا مَنْ نَدِمَ

(1)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَماً يَقُولُ: يَا رَبِّ هذَا قَتَلَنِي حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ

(2)

فَذَكَرُوا لاِبْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ فَتَلَا: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} فَقَالَ: وَمَا نُسِخَتْ هذِهِ الْآيةُ وَلَا بُدِّلَتْ وَأَنَّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

فابن عباس يرى أن آية {إلا من تاب} في مشركي قريش ترغيبًا لهم في الإسلام، وأما المسلم الذي عرف شرائع الإسلام إذا قتل مؤمنًا متعمدا فلا توبة له وهو خالد في النار لقوله تعالى {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} الآية ولكن كافة العلماء على خلافه وإلا من تاب على عمومها ومن يقتل مؤمنا متعمدا مقيدة بعموم قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وبالحديث الآتي في كتاب الذكر "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" وتلك الآية محمولة على المستحل للقتل أو هي للتهويل والتنفير من القتل وتقدم هذا واسعًا في أول كتاب الحدود.

(2)

فالمقتول يجيء يوم القيامة ودمه يسيل من عنقه وهو قابض على رأس القاتل حتَّى يوقفه بين يدي أحكم الحاكمين فيقول يا رب هذا قتلني فاحكم بيني وبينه، هنا يود القاتل أن يفدي نفسه ولو بملء الأرض ذهبا ولا ينفع تمنيه.

ص: 96

• وَعَنْهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ

(1)

فَقَامُوا فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ}

(2)

{وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً}

(3)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْلَى عَلَيْهِ {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ أَعْمَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي

(4)

فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّ نَاساً مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوادَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي السَّهْمُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}

(5)

الْآية. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

أي ليتخلص من القتل.

(2)

إذا ضربتم في سبيل الله أي سافرتم، فتبينوا. أي تثبتوا.

(3)

تمامها {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} .

(4)

أي تدق من ثقل فخذه صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي، ثم سرى عنه أي ارتفع الوحي عنه فأملاني {غير أولى الضرر} فالقاعد لا ينال درجة المجاهد إلا إذا كان ذا عذر كأعمى ومريض وتمنى الجهاد.

(5)

فبعض المسلمين كانوا مع المشركين في القتال فقتلوا فأنزل الله {إن الذين توفاهم الملائكة} عزرائيل وأعوانه وهم ستة: للمسلمين ثلاثة والكفار ثلاثة، {ظالمى أنفسهم} بخروجهم مع المشركين {قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} .

ص: 97

ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}

(1)

{فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمسْتَضْعَفِينَ. وَفِي رِوَايَةٍ. كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} .

• عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ رضي الله عنه إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عُمَرُ: عَجِبْتُ مِمصا عَجِبْتَ مِنْهُ فَذَكَرْتُ ذلِكَ لرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ} {وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}

(4)

{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً} .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ بَيْنَ ضَجْنَانَ وَعُسْفَانَ

(5)

، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ لِهؤُلَاءِ صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ

(1)

{لا يستطيعون حيلة} أي في الخروج من مكة لعجزهم وفقرهم {ولا يهتدون سبيلا} لا يعرفون طريق الهجرة للمدينة.

(2)

فابن عباس كان صغيرا وأمه كانت مستضعفة لأنها زوجة للعباس ولم يسلم إلا بعد فتح مكة فهما ممن عذرهم الله تعالى.

(3)

فالقصر رخصة لكل مسافر سفرا بعيدا، وتقدم هذا واسعا في قصر الصلاة من كتاب الصلاة.

(4)

{وإذا كنت} يا محمد حاضرا في أصحابك وخفتم العدو وأردتم الصلاة فقسمهم طائفتين طائفة منهم تحرس العدو والطائفة الأخرى تصلى معك ركعة ومعها أسلحتها ثم تصلى الثانية وحدها وتذهب للحراسة، وتأتي الطائفة الأخرى فتصلى معك ركعة ثم تنفرد بالثانية.

(5)

بين ضجنان كمرجان، وعسفان كقربان موضع بين مكة والمدينة.

ص: 98

إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَهِيَ الْعَصْرُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَصْحَابَهُ شَطْرَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِمْ وَتَقُومُ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَهُمْ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي الْآخَرُونَ وَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَأْخُذُ هؤُلَاءِ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ فَتَكُونُ لَهُمْ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَانِ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه قَالَ: سُرِقَ طَعَامٌ وَسِلَاحٌ لِعَمِّي رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ

(2)

فَأَخْبَرَنِي بذلِكَ فَسَأَلْنَا وَتَحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ فَقِيلَ لَنا إِنَّهُمْ بَنُو أُبْيَرِقٍ وَهُمْ بَشِيرٌ وَبِشْرٌ وَمُبَشِّرٌ وكَانَ بَشِيرٌ مُنَافِقاً يَهْجُو أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالشِّعْرِ وَينْسُبُهُ

لِغَيْرِهِ

(3)

وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ والْتَمَسْتُ مِنْهُ رَدَّ السِّلَاحِ فَقَطْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«سَآمُرُ فِي ذلِكَ»

(4)

، فَسَمِعَ بَنُو أُبَيْرِقٍ بِهذَا فَأَوْفَدُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُسَيْدَ بْنَ عُرْوَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَنُو أُبَيْرِقٍ مِنَّا أَهْلُ صَلَاحٍ وَإِسْلَامٍ يُرْمَوْنَ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، قَالَ قَتَادَةُ: فَكَلَّمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثَانِياً فَقَالَ: «رَمَيْتَ بِالسَّرِقَةِ أَهْلَ بَيْتٍ فِيهِمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبَتٍ»

(5)

فَرَجَعْتُ وتَمَنَّيْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَنِي عَمِّي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ لِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَلَمْ يَلْبَثْ» أَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ: {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}

(1)

فتكون لهم ركعة ركعة أي الجماعة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، وهذا إذا كان العدو في غير جهة القبلة، وتقدمت صلاة الخوف مبسوطة في كتاب الصلاة.

(2)

وكان في مشربة له فنقبت وأخذ السلاح ودرع وسيف وطعام وكان درمكا أي دقيق حنطة حواريا وكان طعام أهل اليسار بخلاف عامة الناس فكان طعامهم التمر والشعير.

(3)

يهجو الأصحاب أي يذمهم ويقول قاله فلان.

(4)

أي سأنظر فيه.

(5)

ثبت - كسبب - هو الحجة، ورجل ثبت - كعدل - حجة.

ص: 99

(بَنِي أُبَيْرِقٍ){وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ} (أَيْ مِمَّا قُلْتَ لِقَتَادَةَ) {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ

(1)

إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

(2)

فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}

(3)

. فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَاتُ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسِّلَاحِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكُنْتُ أَشُكُّ فِي إِسْلَامِ عَمِّي رِفَاعَةَ لِأَنَّهُ كَانَ شَيْخاً قَدْ عَصَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ بِالسِّلَاحِ قَالَ: يَا بْنَ أَخِي هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَعَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ صَحِيحاً. فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَاتُ لَحِقَ بَشِيرٌ بِالْمُشْرِكِينَ فَنَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ سُمَيَّةَ فَنَزَلَتْ: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} الآيَتَان

(4)

فَرَمَى حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ سُلَافَةَ هذِهِ بِأَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ فَأَخَذَتْ رَحْلَ بَشِيرٍ عَلَى رَأْسِهَا وَرَمَتْ بِهِ فِي الْأَبْطَحِ وَقَالَتْ: أَهْدَيْتَ لِي شِعْرَ حَسَّانَ ومَا كُنْتَ تَأْتِينِي بِخَيْرِ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ هذِهِ الْآيَةِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ}

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَ {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} شَقَّ ذلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَشَكَوْا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ كَفَّارَةٌ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا أَوِ النَّكْبَةِ

ص: 100

يُنْكَبُهَا». وَفِيَ رِوَايَةٍ: «هذِهِ مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ حَتَّى الْبِضَاعَةِ يَضَعُهَا فِي كُمِّ قَمِيصِهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا حَتَّى أَنَّ الْعَبْدَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ مِنَ الْكِيرِ»

(1)

. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} .

• عَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا

(3)

يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ فِي شَأْنِي مِنْ حِلَ فَنَزَلَته الْآيَةُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَأَجْعَلُ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَفَعَل فَنَزَلَته الْآيَةُ فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ

(4)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ}

(5)

.

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهَا: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا

(6)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو رضي الله عنهما: آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}

(7)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَالْأَوَّلُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

(1)

فكل شيء يصيب المسلم يخرح منه نقيا من الذنوب كما يخرج الذهب الأحمر من تحت الكير نظيفًا فالبلايا للمسلم كفارة لذنوبه إن كان مذنبا وإلا أعطى درجات.

(2)

الأول بسند غريب والأخيران بسندين حسنين.

(3)

أي في المحبة والمعاشرة.

(4)

تقدم هذا في كتاب النكاح.

(5)

الكلالة هو من مات ولم يترك أصلا ولا فرعًا بل ترك غيرهما.

(6)

كان عهد إلينا أي بينها لنا، الجد أي ميراثه، والكلالة أي ما هي؟ وتقدما بإيضاح في كتاب الفرائض.

(7)

لا منافات بين قول البراء وعبد الله بن عمرو، وابن عباس رضي الله عنهم فإن كلا أخبر بما فهمه، أو أن براءة آخر ما نزل=

ص: 101

‌سورة المائدة

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلَامَ دِيناً}

(2)

. صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ لِعُمَرَ رضي الله عنه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ عَلَيْنَا أُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} لَاتَّخَذْنَا ذلِكَ الْيَوْمَ عِيداً فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ أُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

(4)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلَ فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حِجْرِي راقِداً

= في شأن الحرب، والمائدة آخر ما نزل في غير الحرب، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} آخر ما نزل من السور القصيرة، وآية الكلالة آخر ما نزل في المواريث فلا ينافي ما تقدم في سورة البقرة آخر آية نزلت آية الربا وكذا {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} والله أعلم وعلمه أتم وأكمل.

سورة المائدة

(1)

سميت بذلك لقول عيسى عليه السلام: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء.

(2)

اليوم أكملت لكم دينكم ببيان أحكامه وأتممت عليكم نعمتي ورضيت أي اخترت لكم الإسلام دينا.

(3)

ولفظ البخاري: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة؟ واليهودي الذي سأل هو كعب الأحبار قبل إسلامه وقد أسلم في خلافة عمر رضي الله عنهما، - فنزول هذه الآية في عرفة التي هي أظهر معالم الحج وفي يوم جمعة الذي هو عيد الأسبوع معلنة بإكمال الدين وإتمام النعمة، واختيار أحسن الأديان جدير بأن يكون من أعظم الأعياد فلله مزيد الحمد ووافر الشكر.

(4)

الطيب: الطاهر؛ والصعيد: التراب والرمل أو كل ما كان من جنس الأرض، والحرج: الضيق والمشقة.

ص: 102

وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ، فَبِيَ الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَوْجَعَنِي

(1)

ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ، فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَتْ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} الْآيَةَ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ مَا أَنْتُمْ إِلا بَرَكَةٌ لَهُمْ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنِ الْمِقْدَادِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَيُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسى {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} وَلكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ.

فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

(3)

{وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً}

(4)

{أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ}

(5)

{ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ

(6)

فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ

(7)

وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ

(1)

القلادة: العقد الذي يلبس في الرقبة، وكان لأسماء واستعارته عائشة، والبيداء: مكان في الطريق بين مكة والمدينة، في رأسه في حجري: وضعه عليه أو على الفخذ، لكزة شديدة: أي دفعني بيده في صدري، وكذا كان يطعنها في خاصرتها، وقولها: فبي الموت: أي كأني في شدة الموت من الضرب وخوفي من استيقاظ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتقدم التيمم واسعًا في كتاب الطهارة.

(2)

هذا من الأنصار تشجيع وزيادة إخلاص للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمعها سرى عنه أي زال الهم عنه وفرح، ورواه أحمد وزاد: ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.

(3)

بمحاربة المسلمين.

(4)

بقطع الطرق.

(5)

فالقتل لمن قتل فقط، والقتل والصلب لمن قتل وأخذ المال، والقطع لمن أخذ المال فقط، والنفي والحبس ونحوهما لمن أخاف الناس فقط، والصلب ثلاثا بعد القتل أو قبله فيقتل وهو مصلوب زجرا للأشرار.

(6)

مرضوا ببطونهم فاستوخموها.

(7)

أي بالخروج إلى لقاح وهي إبل الصدقة.

ص: 103

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِقَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ

(1)

وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبو قِلَابَةَ: فَهؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً:

(2)

لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هذَا

(3)

وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَلا تُشْرِكَ بِي وَلَا أُدْخِلَكَ النَّارَ فَأَبَيْتَ إِلا الشِّرْكَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(4)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ}

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَمِينُ الرَّحْمنِ مَلْأَى سَحَّاءُ

(6)

لا يَغِيضُهَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلَقَ السَّموَاتِ

(1)

سمرت مخففة ومشددة أي كحلت بمسامير محماة بالنار حتَّى فقئت.

(2)

أي يوم القيامة.

(3)

أردت منك أي أمرتك بأهون من هذا وأنت في صلب آدم أي حينما أخذ العهد من بني آدم المذكور في قوله تعالى {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى} وسيأتي في تفسير الأعراف إن شاء الله.

(4)

ولكن مسلم في صفة القيامة والبخاري في بدء الخلق.

(5)

{وقالت اليهود} لما ضاقت حالهم بتكذيهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالا {يد الله مغلولة} ؟ أي مقبوضة عن إدرار الرزق علينا، قال تعالى دعاء عليهم {غُلت أيديهم} ؟ أي أمسكت عن فعل الخيرات {ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} .

(6)

سحاء: كثيرة السح وإدرار الأرزاق، لا يغيضها أي لا ينقصها مرور الأيام والليالي وإن طالت شيئًا، وتقدم هذا في كتاب الزكاة.

ص: 104

وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَالْبُخَارِيُّ فِي هُودٍ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئاً مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهُ يَقُولُ: {يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}

(1)

. قَالَ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ:

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ»

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ.

• عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا وَقَعَ فِيهِمُ النَّقْصُ كَانَ الرَّجُلُ يَرَى أَخَاهُ عَلَى الذَّنْبِ فَيَنْهَاهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ الْغَدُ لَمْ يَمْنَعْهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَخَلِيطَهُ فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْض» وَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنَ {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}

(3)

حَتَّى بَلَغَ {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} قَالَ: وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئاً فَجَلَسَ فَقَالَ: «لَا حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يدَي الظَّالِمِ فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً»

(4)

، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(5)

.

(1)

فلو كتم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شيئًا ما بلغ رسالة ربه مع أنه بلغها كلها بتمامها إلا ما اختصه الله به.

(2)

وقد حفظه الله تعالى في كل لحظة وفي كل حال من اغتيال الكفرة، قال البوصيري رضي الله عنه:

وقاية الله أغنت عن مضاعفة

من الدروع وعن عال من الأطم

(3)

تمامها {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)} فالكفار الذين لعنوا على لسان داود هم أصحاب أيلة فمسخوا قردة، والذين لعنوا على لسان عيسى عليه السلام هم أصحاب المائدة فمسخوا خنازير.

(4)

أي لا تنجوا حتَّى تأخذوا بيدى الظالم فتأطروه أي تقودوه إلى الحق، وهذا فيمن قدر عليه وإلا فعليه الإنكار باللسان ثم بالقلب كما تقدم في الإيمان: من رأى منكم منكرا

إلى آخره.

(5)

ولكن الترمذي هنا وأبو داود في كتاب السنة.

ص: 105

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}

(1)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا أَلَا نَخْتَصِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَهَانَا وَرَخَّصَ لَنَا بَعْدَ ذلِكَ أَنْ نَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ

(2)

ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا أَصَبْتُ اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ لِلنِّسَاءِ وَأَخَذَتْنِي شَهْوَتِي فَحَرَّمْتُ عَلَيَّ اللَّحْمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} {لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الْآيَتَانِ

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ

(4)

.

وَعَنْهَا أَنَّ أَبَاهَا كَانَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا أَرَى يَمِيناً أُرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا إِلا قَبِلْتُ رُخْصَةَ اللَّهِ وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ

(5)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

(6)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ

(1)

نزلت في قوم من الصحابة رضي الله عنهم أرادوا أن يبتعدوا عن النساء وأكل اللحوم والنوم على الفرش وأن يداوموا على الصيام والقيام.

(2)

ورخص لنا في زواج المرأة بالثوب أي ونحوه وهذا في نكاح المتعة، ثم قرأ عبد الله الآية، ففيه أنه كان يرى إباحة نكاح المتعة كابن عباس ولعله قبل أن يسمع الناسخ فلا سمعه رجع، وتقدم الكلام عليه في كتاب النكاح.

(3)

الآية الثانية {وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} .

(4)

فمن طلب منه فعل شيء فقال لا والله لا أفعله ثم شدد عليه ففعله فلا شيء عليه، وكقول شخص لآخر: أنت لا تفعل كذا؟ فقال: بلى والله أي أفعله ثم لم يفعله فلا شيء عليه لأنَّهُ لغو يمين.

(5)

فكان أَبُو بكر رضي الله عنه إذا حلف على شيء أمضاه فلما نزلت الكفارة كان إذا رأى خلاف يمينه خيرا حنث فيه وفعل ما ظنه خيرا.

(6)

فالخمر: ما خامر العقل وغطاه، والميسر: القمار، والأنصاب: الأصنام، والأزلام: القداح التي =

ص: 106

عُمَرَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ: الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، والْعَسَلِ، وَالْحِنْطةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ

(2)

فَنَزَلَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ فَنَزَلَتْ آيَةُ النِّسَاءِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ

(3)

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا

(4)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّننِ

(5)

.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: مَاتَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُهَا قَالَ بَعْضٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا

طَعِمُواْ

(6)

} الْآيَةَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

=كانوا يستقسمون بها، هذا كله رجس وخبيث من وسوسة الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون؛ لأن الخمر تضر العقل والميسر يبدد الأموال، وعبادة الأصنام شرك، والعمل بالأزلام تكذيب للقرآن الذي يقول {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} فهي لهذا حرام.

(1)

تقدم هذا في الكلام على الخمر من كتاب الطعام والشراب.

(2)

ولفظ أبي داود والنسائي بيانًا شافيا.

(3)

أي مع الآية قبلها.

(4)

فالخمر كانت حلالا لهم في صدر الإسلام ولكن وقع بسببها أمور مؤلمة فلم يحرمها القرآن دفعة واحدة رحمة بهم بل أشار بآية البقرة ثم وقعت أمور أخرى فلمح بآية النساء فابتهل عمر رضي الله عنه إلى ربه فنزلت آيات المائدة تحرمها بتاتًا، فقال عمر: انتهينا انتهينا يا رسول الله.

(5)

ولكن الترمذي هنا وصاحباه في الأشربة.

(6)

تمام الآية {إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} .

ص: 107

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتِهْزَاءً

(1)

، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: «لَا وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ»

(2)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشِّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً» قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَى الْأَصْحَابِ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ حَتَّى غَطَّوْا رُؤوسَهُمْ وَلَهُمْ حَنِينٌ،

(3)

فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: رضينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا فَقَامَ ذَاكَ الرَّجُلُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟

(4)

قَالَ: أَبُوكَ فُلَانٌ فَنَزَلَتْ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْماً مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»

(5)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ.

(1)

يسألون استهزاء وهذا لا يكون إلا من المنافقين فإن الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم كفر لا شك فيه.

(2)

أي فريضة الحج وتقدم هذا الحديث في كتاب الحج.

(3)

أي صوت بكاء.

(4)

ذاك الرجل هو عبد الله بن حذافة وكان إذا خاصم أحدا نسبه لغير أبيه فلما قال للنبي صلى الله عليه وسلم من أبي؟ قال أبوك حذافة، وتقدم هذا الحديث في كتاب النبوة.

(5)

هذا في سؤال للتعنت أولا حاجة إليه. فأعظم الناس ذنبًا من كان سببًا في تحريم شيء كان حلالا للناس لأنَّهُ كان سببًا في الضيق بعد السعة =

ص: 108

• عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هذِهِ الْآيَةَ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا ظَالِماً فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله بِعِقَابِ» .

(1)

وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ عَنْ {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الْآيَةَ. فَقَالَ: أَما وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيراً، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعاً وَهَوًى مُتَّبَعاً وَدُنْيا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ

(2)

وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّاماً الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» . رَوَاهُما التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(3)

.

(1)

فالناس إذا تركوا الظالم وهم قادرون عليه، أوشك أي قرب نزول العقاب عليهم، وهذا كقوله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} ، والآية يبينها الحديث الآتي: حتَّى إذا رأيت شحًا مطاعا إلى آخره.

(2)

شحًا مطاعا أي بخلا شديدًا في الناس، وهوى متبعا أي أهواء فاسدة شاعت فيهم، ودنيا مؤثرة أي قدموها على الآخرة، وإعجاب كل ذي رأى برأيه فلم يسمعوا نصحا ولا رشدا، فإذا رأيت هذه الأمور فشت في الناس فاتركهم واشتغل بما ينفعك لدنياك وأخراك واحرص على دينك فإنه سيأتي زمن كله فساد والمتمسك فيه بدينه كالقابض على النار ولمن يعمل فيه صالحًا أجر خمسين من الأصحاب الكرام وهذا لبعض من اصطفاهم الله في دنياهم وأبلوا فيها وانتفع الناس بهم في حياتهم وبعد مماتهم كالأئمة المجتهدين ورجال الطريق المشهورين رضي الله عنهم، ولكن الظاهر أن هذا ترغيب في التمسك بالدين إذا فسد الزمان وإلا فضل الصحابي لا يناله من بعده لما تقدم في كتاب الفضائل.

(3)

الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن ورواية الترمذي هنا وأبي داود في الأمر بالمعروف.

ص: 109

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَآئِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ»

(2)

. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الْبَحِيرَةُ هِيَ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ. وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. وَالْوَصِيلَةُ النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ بِأُنثَى ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى لَيْس بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ. وَالْحَامُ فَحْلُ الْإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ فَإِذَا قَضَاهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَاماً

(4)

مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصاً بِالذَّهَبِ فَأَحْلَفَهُمَا

(1)

ما جعل الله أي ما شرع الله بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حاميا ولكنه افتراء على الله من الكفار.

(2)

يجر قصبه أي أمعاءه في النار لأنَّهُ أول من سيب السوائب للأصنام فهي بدعة سيئة عليه وزرها إلى يوم القيامة لما سبق في العلم: من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

(3)

فكان المشركون يتقربون إلى الأصنام بهذه الأمور بعضهم بالسائبة وآخر بالوصيلة وبعضهم بالحامي وهكذا فأبطلها الشارع.

(4)

الجام الكأس والمراد هنا إناء من فضة محلى بذهب كالخوص، فتميم الداري قبل إسلامه وهو نصراني كان في الشام يتجر ومعه عدي بن بداء فقدم عليهما مولى للعاصي بن وائل السهمي اسمه بديل بتجارة ومعه ذلك الجام فمرض بديل فأوصى صاحبيه أن يوصلا ما معه إلى أسياده بني سهم ففعلا ولكنهما باعا الجام بألف درهم واقتسماها وأنكراه فلما أسلم تميم وقدم المدينة أظهر الجام ودفع لبني سهم خمسمائة درهم فطلبوا من عدي ما أخذه فأنكر فترافعوا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا فاستحلفوه خلف فنزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106)} إلى آخر الآيات الثلاث، فهذه الآيات تأمر بإشهاد اثنين عند الوصية فإن ظهرت خيانتهما شهد اثنان من أقرب الورثة وثبت لهما ما يدعونه، والكلام على الآيات مبسوط في التفسير.

ص: 110

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ فَقِيلَ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ عَدِيَ وَتَمِيمٍ فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ:{يِاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُنْزِلَتِ الْمَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ خُبْزاً وَلَحْماً وَأُمِرُوا أَلا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا لِغَدٍ فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِير»

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً»

(2)

. ثُمَّ قَالَ: «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ» . ثُمَّ قَالَ: «أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ

(3)

أَلَا وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، فَيُقَالُ: إِنَّ هؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ»

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْمَوْتَ عَلَى الْإِيمَانِ آمِين.

(1)

فقوم عيسى عليه السلام طلبوا منه إنزال مائدة من السماء تكون عيدا لهم وآية على صدقه. فقال عيسى عليه السلام {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)} فأنزل الله ملائكة تحمل مائدة فيها سبعة أرغفة وسبعة أحوات، ولعله زيادة على اللحم الذي في الحديث وأمروا بالأكل حتَّى يشبعوا ولا يدخروا فأكلوا وادخروا فخالفوا وخانوا فمسخهم الله تعالى.

(2)

غرلا جمع أغرل وهو الأقلف.

(3)

لأنَّهُ أول من عرى في ذات الله ما أرادوا إلقاءه في النار، وهذه لا تستلزم أفضليته على نبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم في كتاب النبوة.

(4)

هؤلاء هم قوم من جفاة الأعراب لا بصيرة لهم في الدين وارتدوا عنه بعد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والله أعلم. نسأل الله ثابت اليقين وكامل الإيمان آمين.

ص: 111

‌سورة الأنعام

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} .

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ وَلكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ}

(2)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ: {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}»

(3)

قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}» قَالَ: «هذَا أَهْوَنُ أَوْ هذَا أَيْسَرُ»

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي هذِهِ الْآيَةِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّهَا كَائِنَةٌ وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ»

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

سورة الأنعام

(1)

سميت بهذا الذكر الأنعام فيها كثيرة كقول الله تعالى {ومن الأنعام حمولة وفرشًا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} ، روي أنه لما نزلت سورة الأنعام نزل معها موكب من الملائكة سد الخافقين لهم دوي بالتسبيح، والأرض بهم ترتج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سبحان الله العظيم، وروى أنها نزلت ليلا بمكة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون إلى الله بالتسبيح.

(2)

أي من السماء كالحجارة والصيحة.

(3)

أي من الأرض كالخسف والإغراق.

(4)

أو يلبسكم شيعًا أي يخلطكم فرقا مختلفة الأهواء. ويذيق بعضكم بأس بعض أي يقاتل بعضكم بعضا، فقال صلى الله عليه وسلم هذا أهون أو أيسر لأن الفتن بين الخلق وعذاب بعضهم لبعض أهون من عذاب الله تعالى.

(5)

أي أنها ستقع لا محالة، ومنه حديث أحمد في هذه الآية: من أربع وكلهن واقع لا محالة، ولا منافاة بين هذه الأحاديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعوذ بالله من عذاب السماء والأرض العام فأجابه الله فلم يقع في حياته صلى الله عليه وسلم ولا بعد موته بخلاف الخاص منه فإنه وقع وعلمه الناس كثيرا كالبراكين التى =

ص: 112

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ غَبَرَةٌ

وَقَتَرَةٌ»

(2)

، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنّكَ وَعَدْتَنِي أَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزِيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} . ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟

(3)

فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِبْحٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤخَذُ بِقَوَائِمهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} شَقَّ ذلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ ذلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ {يبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .

(4)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ.

= تظهر من حين لآخر في بقاع الأرض وسيقع إلى قيام الساعة لهذين الحديثين ولما يأتي في علامات الساعة إن شاء الله، أما اختلاف الناس وقال بعضهم لبعض فذاك واقع من أيام أولاد آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة، قال تعالى {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} .

(1)

واذكر يا محمد {إذ قال إبراهيم لأبيه آزر} (ولقبه تارخ بالخاء والحاء أو هذا اسمه وآزر لقبه){أتتخذ أصناما آلهة} تعبدها {إني أراك وقومك في ضلال مبين} أي بين بعبادة الأصنام.

(2)

الغبرة والقترة كالفجرة غبار وظلمة وسواد.

(3)

أي انظر ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بذبيح يتقلب في دمه فيؤخذ فيلقى في النار هذا تمثيل لحال آزر. فللكافر النار ولو كان أصله أو فرعه نبيا ورسولا.

(4)

فالمراد بالظلم الشرك الجلى والخفى، وتقدم الشرك في كتاب النية والإخلاص.

ص: 113

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}

(1)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى»

(2)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}

(3)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ

(4)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

(5)

.

قَالَ مَسْرُوقٌ رضي الله عنه: كُنْتُ مُتَّكِئاً عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ:

(6)

مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} ، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} ، وَكُنْتُ مُتَّكِئاً فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} ، قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْ هذَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا ذَاكِ جِبْرِيلُ مَا رَأَيْتُهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُهْبِطاً مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»

(7)

.

وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً كَتَمَ شَيْئاً مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ

(1)

أي بالنبوة والرسالة.

(2)

فلا ينبغى لأحد ولو بلغ ما بلغ أن يفضل نفسه على يونس فإن درجة النبوة أعلى الدرجات فكيف بالرسالة، أو المراد لا ينبغي لأحد أن يفضل محمدا على يونس صلى الله عليهما وسلم وهذا قبل علمه بأنه أفضل الناس أو تواضع منه صلى الله عليه وسلم.

(3)

أولئك أي إبراهيم وإسحاق ومن ذكروا معهم، هؤلاء هم الذين هداهم الله واجتباهم فكانوا أعلاما لهداية الناس فاقتد بهم يا محمد أنت وأمتك.

(4)

فالأمر في اقتده للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته.

(5)

لا تدركه الأبصار أي لا ترى الأبصار مولانا جل شأنه أو لا تحيط به، وهو تعالى يدرك الأبصار أي رأها ويحيط بها، وهو اللطيف بخلقه الخبير بهم.

(6)

الفرية: كالقربة الكذب الشديد.

(7)

الظاهر أَنَّ هذه هي مرة الأفق المبين وهو بالبقيع في المدينة وقبلها المرة الأخرى عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء.

ص: 114

عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ:{يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} . وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّداً يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ وَاللَّهُ يَقُولُ {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ

(1)

.

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ

(2)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِسْرَاء وَالتِّرْمِذِيُّ فِي النَّجْمِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى أُنَاسٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ مَا نَقْتُلُ ولَا نَأْكُلُ مَا يَقْتُلُ اللَّهُ فَنَزَلَتْ: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} {وَإِن كُنْتُمْ} {بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ}

(4)

.

• عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ

(1)

الترمذى هنا ومسلم في الإسراء والبخاري في النجم.

(2)

وفى رواية: رأيت نورا. وقوله: أنى أي كيف أراه أي ما رأيته تعالى لأن النور شيء مخلوق والله تعالى ليس كمثله شيء، فصريح هذه النصوص أَن النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأى ربه فغيره من باب أولى. فالرؤية في الدنيا لم تقع لأحد، ولذا لما قال موسى عليه السلام {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)} وعلى هذا طائفة كبيرة من السلف والخلف، وقال ابن عباس والجمهور: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء، وسيأتى الكلام على هذا أوسع في سورة النجم إن شاء الله. وهذا كله في الدنيا أما في الآخرة فحاصلة للمؤمنين باتفاق لقوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} وللأحاديث الآتية في صفة الجنة من كتاب القيامة إن شاء الله تعالى.

(3)

إنا نأكل ما نقتل أي بالذبح ولا نأكل ما يقتل الله بأن مات وحده أي لأى شيء ذلك؟ فنزلت {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} أي عند الذبح {إن كنتم بآياته مؤمنين} إلى أن قال {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} بأن مات أو ذبح وذكر اسم الغير عليه {وإنه لفسق} أي الأكل منه {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} في تحليل الميتة {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وتقدم الكلام على الذبح والتسمية في كتاب الصيد والذبائح.

(4)

{وعلى الذين هادوا} =

ص: 115

لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهَا ثُمَّ بَاعُوهَا فَأَكَلُوهَا»

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَلْيَقْرَأُ هذِهِ الْآيَاتِ: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}

(3)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمعُونَ وَذلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا»

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَعْ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ: الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَوْ مِنْ مَغْرِبِهَا»

(5)

.

= اليهود {حرمنا كل ذي ظفر} وهو ما لم تفرق أصابعه كالإبل والنعام {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} وهي الثروب وشحم الكلى {إلا ما حملت ظهورهما} ما علق بها من الشحوم {أو الحوايا} جمع حاوية وهي الأمعاء {أو ما اختلط بعظم} وهو شحم الألية {ذلك جزيناهم بينهم وإنا لصادقون} كما مر في سورة النساء {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} .

(1)

فلما حرم الله عليهم تلك الشحوم جملوها أي أذابوها فباعوها فأكلوا ثمنها.

(2)

فهذه الآيات كانت في صحيفة مختوم عليها بختم النبي صلى الله عليه وسلم لأنها آيات محكمات كل ما فيهن مأمور به في كل الشرائع فلها مكانة ممتازة من بين الآيات، ولفظ الآية الأولى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} أي فقر {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} .

(3)

فإذا ظهر بعض آيات الساعة وهي طلوع الشمس من المغرب لا ينفع إيمان للكافر ولا توبة للعاصي.

(4)

أفاد الحديث أَن يوم يأتى بعض آيات ربك هو يوم طلوع الشمس من مغربها وصرح به حديث الترمذى القائل: يوم يأتي بعض آيات ربك طلوع الشمس من مغربها.

(5)

فثلاث من آيات الساعة إذا ظهرن كلهن لا ينفع الإيمان، المسيح الدجال وظهور الدابة التى تكلم الناس، وطلوع الشمس من مغربها وستأتي الثلاثة في كتاب علامات الساعة إن شاء الله.

ص: 116

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا فَإِنْ تَرَكَهَا أَوْ قَالَ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَة

(1)

» ثُمَّ قَرَأَ: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ صَحِيحَيْنِ.

‌سورة الأعراف

(2)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافاً تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ:

الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ

فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ

فَنَزَلَتْ: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}

(4)

{وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .

(1)

تقدم هذا الحديث في كتاب النية والإخلاص نسأل الله حسن النية وكامل الإخلاص آمين.

سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم

(2)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها: ونادى أصحاب الأعراف.

(3)

فكان أهل مكة يحرمون على أهل الآفاق أن يطوفوا في ملابسهم لدنسها بل يطوفون في ملابس قريش بأجرة، أو عراة فكانت المرأة الفقيرة تقول من يعيرني تطوافًا أي ثوبا تستر به عورتها تطوف به وتقول اليوم يبدو بعضه أو كله أي جسمها فما بدا منه فلا أبيحه لأحد، فنزلت {خذوا زينتكم} أي ملابسكم {عند كل مسجد} للصلاة أو الطواف فحرمت الصلاة والطواف بدون ستر.

(4)

{إنما حرم ربي الفواحش} أي الكبائر {ما ظهر منها وما بطن} أي سرها وجهرها {والإثم والبغي} على الناس {بغير الحق} أما قصاصا فلا.

ص: 117

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ فَلِذلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ فَلِذلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ»

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُنَادِي مُنادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْتَئِسُوا أَبَداً»

(2)

فَذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} {فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً}

(4)

.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الْأَنْصَارِ لَطَمَ وَجْهِي قَالَ: «ادْعُوهُ» فَدَعَوْهُ قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مَرَرْتُ

(1)

الغيرة: الغضب على من أراد مشاركتك فيما هو خاص بك، والمدحة: المدح، وتقدم هذا في كتاب النكاح.

(2)

فالحياة والصحة والشباب والنعيم صفات ثابتات خالدات لأهل الجنة.

(3)

التحقيق أَن المنازل في الجنة على قدر الأعمال وأما الجنة فعطاء من الله كما سيأتي.

(4)

الميقات هو الميعاد المذكور قبل هذا في قوله {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة} أي نكلمه بعد صيامها وهي شهر ذى القعدة {وأتممناها بعشر} من شهر ذى الحجة صامها موسى بتمامها {فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون: اخلفنى في قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، ولما جاء موسى لميقاتنا} أي للوعد الذي وعدناه أَن نكلمه فيه بجبل الطور {وكلمه ربه} بلا واسطة وسمع كلامه من كل جهة {قال رب أرني} نفسك {أنظر إليك قال لن تراني} أي لا تطيق رؤيتى {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل} أي كشف عن نور ذاته قدر نصف أنملة {جعله دكا} أي اندك في الأرض {وخر موسى صعقًا} أي غشى عليه من هول ما رأى {فلما أفاق} من غشيته {قال سبحانك تبت إليك} أي من سؤالي هذا {وأنا أوَّل المؤمنين} .

ص: 118

بِالْيَهُودِيِّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسى عَلَى الْبَشَرِ فَقُلْتُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ فَقَالَ: «لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ

(1)

فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(2)

فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ»

(3)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الْآيَةَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} . قَالَ حَمَّادٌ: هكَذَا وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ بِطَرَفِ إِبْهَامِهِ عَلَى أَنْمُلَةِ أُصْبُعِهِ الْيُمْنَى

(4)

، قَالَ: فَسَاخَ الْجَبَلُ وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ

(5)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}

(6)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ عز وجل الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي»

(7)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}

(8)

.

(1)

أي لا تفضلوني عليهم وهذا تواضع منه صلى الله عليه وسلم.

(2)

أي يموتون بالصعقة.

(3)

سبق هذا الحديث في كتاب النبوة.

(4)

فسليمان أحد رجال السند، يحكى إشارة حماد وهو يروى له الحديث بأن ما تجلى الله به من نوره على الجبل قدره أنملة الخنصر فاندك هذا الجبل العظيم وساخ في الأرض فكيف بنا إذا وقفنا بين يديه يوم القيامة وقد تجلى ربنا بغضب لم يغضب مثله قط.

(5)

بسندين صحيحين.

(6)

{ورحمتي وسعت} أي عمت {كل شيء} في الدنيا فهى عرض حاضر ينتفع به البر والفاجر {فسأكتبها} أي في الآخرة {للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} .

(7)

إن رحمتى غلبت أي سبقت غضبى فلا عقاب إلا بعد إنذار وإعذار جل شأن ربنا وعلا، وسبق هذا الحديث في كتاب الإيمان.

(8)

فالله تعالى أحضر آدم وبنيه واستخرج منهم الذرية أي الأرواح كلها ونصب لهم دلائل ربوبيته ومنحهم إدراكاوعقلا وقال لهم: ألست بربكم؟ =

ص: 119

سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ هذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ

(1)

فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: هؤُلَاءِ خَلَقْتُ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبو دَاوُدَ

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ

(3)

هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ

= قالوا بلى} أي أنت ربنا ثم أشهدهم على أنفسهم وأشهد ملائكته فقالوا جميعًا {شهدنا} ، وهذا لئلا يقولوا يوم القيامة {إنا كنا عن هذا غافلين} وروى أنهم لما اجتمعوا قال الله لهم اعلموا أنه لا إله غيرى وأنا ربكم لا رب لكم غيرى فلا تشركوا بي شيئًا فإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن، وإنى مرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدى وميثاقى ومنزل عليكم كتبًا فتكلموا جميعًا وقالوا شهدنا أنك ربنا لا رب لنا غيرك فأخذ بذلك مواثيقهم ثم كتب الله آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم فنظر إليهم آدم عليه السلام فرأى منهم الغنى والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال رب هلا سويت بينهم؟ فقال إنى أحب أن أشكر. فلما قررهم بتوحيده وأشهدهم على أنفسهم أعادهم إلى صلب آدم عليه السلام.

(1)

أي أمر بعض الملائكة بمسح ظهره أو تجلى عليه ربنا تعالى بما يعبر عنه بمسح ظهره.

(2)

ولكن أبو داود في القدر والترمذى هنا بسند صحيح، فظاهر هذا الحديث أن إحضارهم كان لبيان مآلهم في الآخرة وأنهم فريق للجنة وفريق للنار، وصريح الآية قبله أن الاجتماع كان لأخذ العهد عليهم، ولا تعارض بينهما فلعله أخذ العهد عليهم ثم أعقبه بمسح الظهر وبيان أهل الجنة وأهل النار، ويمكن أن يقال إن الاجتماع تعدد ولكنه بعيد عن سياق تفسير الحديث. للآية، وهذا الاجتماع كان بوادى نعمان بجنب عرفة أو بسرنديب بأرض الهند حيث هبط آدم عليه السلام، وقيل بين مكة والطائف، وقال عليّ رضي الله عنه أخذ العهد عليهم في الجنة وكتب في كتاب وأودع في الحجر الأسود الموضوع بالكعبة المشرفة.

(3)

النسمة هي الروح أو النفس.

ص: 120

مِنْهُمْ وَبِيصاً مِنْ نُورٍ

(1)

ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ» فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هؤُلَاءِ؟ قَالَ: «هؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ» ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هذَا؟ قَالَ: «هذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدَ»

(2)

فَقَالَ: رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمُرَهُ، قَالَ:«سِتِّينَ سَنَةً» ، قَالَ: أَيْ رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمَّا قُضِيَ عُمُرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: «أَوَ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً» ، قَالَ: أَوَ لَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ، قَالَ:«فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذرِّيَّتُهُ وَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا

(3)

وَفِي آخِرِ التَّفْسِيرِ وَزَادَ فِيهِ: «فَلَمَّا أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ قَالَ: إِنَّكَ عَجِلْتَ قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ قَالَ: بَلَى وَلكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، قَالَ: فَمِنْ يَوْمَئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ»

(4)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلَا لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

(5)

.

• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحارِثِ فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحارِثِ فَعَاشَ ذَلِكَ» . وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ

(6)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

(1)

الوبيص: البريق والنور.

(2)

وظهور النور بين عيني داود أكثر من غيره لا يستلزم أفضليته على الرسل عليهم السلام فإن المزية لا تقتضى الأفضلية.

(3)

بسند حسن.

(4)

فلما نسى آدم أنه أعطى من عمره لولده داود عليهما السلام أربعين سنة أمر الله تعالى عباده في المعاملة بينهم بالكتابة والإشهاد قال الله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد} .

(5)

{فلما آتاهما} أي آدم وحواء {صالحا} أي ولدا صالحا {جعلا له شركاء فيما آتاهما} بتسميته عبد الحارث وهو ليس عبدًا إلا لله تعالى.

(6)

فإذا كان إبليس لعنه الله قد لعب دورًا مع أبينا آدم أبي البشر عليه السلام وعاد إلى زوجته الطاهرة النقية أم البشر حواء عليها السلام فكيف لأولادها بالخلاص منه. نسأل الله الستر والتوفيق والرشد والهداية لأقوم طريق آمين.

ص: 121

‌سورة الأنفال

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ جِئْتُ بِسَيْفٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَهَبْ لِي هذَا السَّيْفَ فَقَالَ: «هذَا لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ» فَقُلْتُ عَسى أَنْ يُعْطَى هذَا مَنْ لَا يُبْلَى بَلَائِي فَجَاءَنِي الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّكَ سَأَلْتَنِي وَلَيْسَتْ لِي وَقَدْ صَارَتْ لِي وَهُوَ لَكَ»

(2)

، قَالَ: فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} الآيَة. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرِ ثلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ بِعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلا مُؤْمِنٌ

(3)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ

(4)

اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ

(5)

» فَأَخَذَ أَبو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: «حَسْبُكَ»

(6)

فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}

(7)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ

سورة الأنفال

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} .

(2)

فسعد بعد وقعة بدر طلب من النبي صلى الله عليه وسلم سيفا مخصوصا فأبى أن الغنائم ما كانت قسمت، فلما قسمت وجاء ذلك السيف في غنيمة النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه لسعد. واختلف الأصحاب في الغنيمة فقال شبانهم: إن الغنيمة لنا لأننا باشرنا القتال. وقال شيوخهم: كنا ردءًا لكم فنحن وأنتم سواء، فنزلت {يسألونك} يا محمد {عن الأنفال} أي الغنائم لمن هي {قل} لهم {الأنفال لله والرسول} يحكمان فيها فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم بالسوية.

(3)

طالوت هو المذكور في قوله تعالى {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} .

(4)

أي أسألك النصر الذي وعدتني به.

(5)

إن شئت أي هلاك هؤلاء المسلمين لم يعبدك أحد.

(6)

كفاك ذلك.

(7)

وكان كذلك فهزموا وقتل عظماؤهم وولى باقيهم كما أخبره الله تعالى.

ص: 122

وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ

(1)

: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّك

(2)

إِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ}

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْجِهَادِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَدْرٍ قِيلَ لَهُ عَلَيْكَ الْعِيرَ

(4)

لَيْسَ دُونَها شَيْءٌ، فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ لَا يَصْلُحُ لأَنَّ اللَّهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ. قَالَ:«صَدَقْتَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

• وَعَنْهُ {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}

(5)

قَالَ: «هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى رضي الله عنه: كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}» ثُمَّ

(1)

يصيح به ويدعوه.

(2)

أي دعاؤك له.

(3)

فحقق الله رجاء أبى بكر رضي الله عنه وأنزل {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} أي متتابعين يردف بعضهم بعضا.

(4)

أي اذهب إلى العير أي تجارة قريش فليس معها أحد فناداه العباس وهو مربوط في وثاقه مع الأسرى لا يصلح لك الذهاب للعير لأن الله وعدك العير أو النفير وقد فزت بالثاني، فقال صلى الله عليه وسلم: صدقت واكتفى بهذا.

(5)

فقوم من بنى عبد الدار بن قصى كانوا يقولون نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد توجهوا مع أبى جهل لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ببدر فقتلوا كلهم إلا مصعب بن عمير وسبيط بن حرملة فنزل فيهم {إن شر الدواب عند الله الصم} عن سماع الحق {البكم} عن النطق به {الذين لا يعقلون} شيئًا {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} .

ص: 123

قَالَ: «لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ» ثُمَّ قَالَ: «هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السَّبْعُ الْمَثَانِي

(1)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

(2)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَاباً أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ»

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(4)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَليْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

(5)

فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}

(6)

{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(7)

.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي» {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} . إذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة

(8)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

(1)

سبق هذا الحديث في فضائل القرآن.

(2)

اتقوا فتنة أي احذروا المعاصي التي هي سبب الفتنة أي العذاب الذي إذا نزل عم العاصى وغيره الذي ينكر عليه وهو قادر.

(3)

فكل إنسان يبعث على ما مات عليه من خير أو شر جزاء وفاقا.

(4)

ولكن مسلم في كتاب الجنة والنار.

(5)

هذا أي الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وسلم.

(6)

{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} يا محمد لأن العذاب يعم وما عذب الله أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنون من بينهم {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} حيث يقولون في طوافهم: غفرانك غفرانك، وقيل هم ضعفاء المؤمنين بينهم.

(7)

ولكن البخارى هنا ومسلم في صفة القيامة.

(8)

فما دام في الأمة طائفة تستغفر الله فلا ينزل عليهم عذاب يستأصلهم، أما العذاب الخاص كالمرض والحرب والفقر فواقع في كل جهة لعصياننا، قال تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} .

ص: 124

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ}

(1)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ»

(2)

.

وَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزِامٍ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ

(3)

مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَو صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ»

(4)

رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الْآيَةَ: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ} قَالَ: «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

(5)

أَلَا إِنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُ لَكُمُ الْأَرْضَ وَسَتُكْفَوْنَ الْمَؤْونَةَ فَلَا يَعْجِزَنَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} شَقَّ ذلِكَ عَلى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَلا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ فَجَاءَ التَّخْفِيفُ {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

فالكفار إذا انتهوا عن الكفر ودخلوا في الإسلام غفر الله لهم ما صنعوه في الكفر.

(2)

فالإسلام يغفر ما مضى في الكفر إذا أحسن المسلم.

(3)

أتحنث أي أتعبد.

(4)

فالعمل الصالح في الكفر يبقى لصاحبه إذا أسلم.

(5)

فالقوة المأمور بها في الآية هي الرمي بالسهام الذي هو أقوى آلات الحرب في زمنهم وإلا فالمطلوب عند قتال الكفار الاستعداد لهم بكل ما يمكن لإعلاء كلمة الله تعالى. وسبق في النكاح أن اللهو مذموم إلا مع الأهل تأليفًا لهم وإلا الرمي بالسهام وتمرين الفرس على الكر والفر استعدادا للجهاد فإنهن من الحق.

(6)

فلما نزلت الآية الأولى كلف المسلمون في الجهاد أن يقف الواحد منهم أمام العشرة من الكفرة، فشق هذا عليهم فخفف الله عنهم وأنزل الآية الثانية تأمرهم بأن يقف المسلم أمام اثنين من الكفرة ففرحوا بهذا التخفيف ولكن نقص قدره من صبرهم.

ص: 125

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هذِهِ الْأُسَارَى

(1)

»؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ

(2)

وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ

(3)

فَإِنَّ هؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا

(4)

فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قَالَ عُمَرُ

(5)

، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِلا تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا

(6)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ

(7)

» وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}

(8)

{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الْآيَاتِ الثَّلَاثَ

(9)

.

رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْجِهَادِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

وكانوا نحو سبعين أسيرا.

(2)

عقيل هذا هو ابن أبي طالب أخو الإمام عليّ وكان لم يسلم حينئذ وخرج لقتال النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس وابن عمه نوفل بن الحارث.

(3)

فلان هذا قريب لعمر.

(4)

أئمة الكفر وصناديدها جمع صنديد أي رؤساء الكفرة وعظماؤها.

(5)

وأمر مناديا فنادى في الناس إن من يفدى نفسه بعشرين أوقية من الذهب يطلق سراحه، فجاءوا بالفداء وأطلق سراحهم فأنزل الله عليه الآيات الآتية عتابا على هذا.

(6)

هذا كلام عمر من أول، فلما كان.

(7)

الإشارة لشجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم.

(8)

{ما كان لنبي أن يكون له أسرى} أي يفديهم {حتى يثخن في الأرض} أي يبالغ في قتل الكفار فتظهر شوكة الإسلام، وهذا في أوَّل الأمر فلما انتشر الإسلام وعلا شأنه خير في الأسرى، قال تعالى {فإما منا بعد وإما فداء} .

(9)

وثانيها {لولا كتاب من الله} الآتية، والثالثة {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبًا واتقوا الله إن الله غفور رحيم} .

ص: 126

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدِ سُودِ الرُّؤوسِ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا

(1)

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ صِحَّةَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ آمِين.

‌سورة التوبة

(3)

مدنية وهي مائة وتسع وعشرون آية

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي وَإِلَى بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينِ

(4)

فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذلِكَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ

(1)

فلم يحل تعاطى الغنائم لأحد من بني آدم إلا للأمة المحمدية، بل كان السالفون يجمعون الغنائم في مكان حتى تنزل نار من السماء فتأكلها.

(2)

{لولا كتاب من الله سبق} أي لولا حكمه الذي سبق في علمه بإحلال الغنائم لكم {لمسكم فيما أخذتم} من الفداء {عذاب عظيم} وهذا هو عذابهم الذي عرض قريبًا منهم كما تصوره النبي صلى الله عليه وسلم فبكى ولكنه عتاب له فقط لأخذهم الفداء الذي هو خلاف الأولى.

سورة التوبة

مدنية وهي مائة وتسع وعشرون آية

(3)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار} وتسمى سورة براءة لقوله تعالى {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} وتسمى سورة العذاب لأنها أمرت بنقض عهد المشركين وشهر السلاح عليهم حتى يدخلوا في الإسلام، وتسمى الفاضحة لأنها فضحت المنافقين بقوله {ومنهم من يلمزك في الصدقات} و {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)} . {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)} ونحو هذا.

(4)

من المثاني أي من السور القصيرة، وبراءة من المئين أي من السور الطويلة التي تربو آياتها على المائة.

ص: 127

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُولُ: «ضَعُوا هؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا» وَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: «ضَعُوا هذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا» وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَلِذلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

(3)

.

• عَنْ عَمْرو بْنِ الْأَحْوَصِ رضي الله عنه أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ

(4)

»؟ فَقَالَ النَّاسُ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا،

(1)

الطول: جمع طولى كأخر وأخرى، والسبع الطول: هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة، فلما نزلت الأنفال والتوبة بالمدينة وكانتا متشابهتين لأنهما في القتال والجهاد ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة البسملة بينهما قرنوا بينهما بدون ذكر البسملة، ولأنها نزلت بالسيف والعذاب، والبسملة أمان ورحمة. وقدموا الأنفال لسبقها في النزول.

(2)

بسند صحيح.

(3)

الأذان: الإعلام، ويوم الحج الأكبر يوم النحر لوقوع أكثر المناسك فيه كالرمى والذبح والحلق والطواف، ورسوله أي بريء من المشركين وعهودهم أيضا ولهذا بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًا في الحجة التي كان أميرها أبا بكر قبل حجة الوداع يؤذن في الناس يوم النحر لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان كما يأتي.

(4)

أي أكثر حرمة وتعظيما.

ص: 128

فِي بَلَدِكُمْ هذَا، فِي شَهْرِكُمْ هذَا. أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلا عَلَى نَفْسِهِ لَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ

(1)

وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ أَلَا إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلا مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ

(2)

أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِباً فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ

(3)

لَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوضُوعٌ كُلُّهُ

(4)

أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ دَمٍ وُضِعَ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ دَمُ الْحارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مُسْتَرْضَعاً فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ

(5)

عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ

(6)

فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فَرْشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ: «يَوْمُ النَّحْرِ

(7)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ

(1)

فجناية الولد لا يؤاخذ عليها الوالد وبالعكس {ولا تزر وازرة وزر أخرى} والكلمتان بيان لما قبلهما.

(2)

أي إلا ما أعطاه بطيب نفس أو المراد إلا ما تسبب فيه كالضمان في الإتلاف والقصاص في الحدود.

(3)

أي باطل يحرم دفعه وأخذه.

(4)

من هنا إلى آخره تقدم في كتاب الحج.

(5)

عوان جمع عانية وهي الأسير، فالمرأة مع زوجها كالأسير لا تفعل ولا تترك شيئا إلا بإذنه.

(6)

الفاحشة المبينة هي الزنا الذي استبان بالشهود أو الإقرار وهذا عليه الحد الذي سبق في الحدود، فيكون ما هنا منسوخا، أو إذا لم تصل الفاحشة للحاكم فللزوج سترها وتأديبها.

(7)

أما الحج الأصغر فالعمرة لقلة أعمالها بالنسبة للحج. نسأل الله إتمام الحج والعمرة آمين.

ص: 129

في الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ بِمِنًى أَلا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَلِيَ يُؤَذِّنُ بِبَراءَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظهُ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ

(1)

ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا فَبَيْنَا أَبُو بَكْرٍ فِي الطَّرِيقِ سَمِعَ رُغَاءَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَصْوَاءِ

(2)

فَخَرَجَ فَزِعاً فَظَنَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ فَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُنَادِيَ بِهؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ

(3)

فَانْطَلَقَا فَحجَّا فَقَامَ عَلِيٌّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى: ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَرِيئَةٌ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

(4)

، وَلَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا مُؤْمِنٌ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي فَإِذَا عَيِيَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى بِهَا.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً}

(5)

{فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .

سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ

(6)

؟ قَالَ: بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: أَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ

(1)

الآتية التي أولها ذمة الله ورسوله.

(2)

رغاء الناقة: صوتها.

(3)

وأمر أي النبي صلى الله عليه وسلم عليًا أن ينادي بهذه الكلمات زيادة على أن ينادي في الناس بسورة براءة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي أن يبلغ عنى سورة براءة إلا رجل من أهل بيتى، فأردف عليا لينادى براءة مع تلك الكلمات، وكذا ينادى بالكلمات أبو بكر ونوابه.

(4)

من كل مشرك نقض العهد كقريش ومخالفيهم ولهم الأمان إلى نهاية أربعة أشهر من شوال كمن ليس لهم عهد.

(5)

أي لم يعاونوه.

(6)

أي التي قبل حجة الوداع.

ص: 130

عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذَا

(1)

.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ

(2)

فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ». قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هذَا الْوَثَنَ» وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ}

(4)

. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ وَلكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئاً اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئاً حَرَّمُوهُ

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

(6)

.

{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرَعَ

(7)

».

• عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرَ بِالرُّبَذَةِ فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهذِهِ الْأَرْضِ؟ قَالَ: كُنَّا بِالشَّامِ، فَقَرَأْتُ:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الْآيَةَ

(1)

أي لا يحج بعد هذا العام مشرك.

(2)

وفي رواية: يتعاهد المسجد، وسبق هذا في فضل المساجد.

(3)

بسندين حسنين، نسأل الله حسن الحال آمين.

(4)

تمامها {والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} ومعنى الآية {اتخذوا} أي اليهود والنصارى {أحبارهم} وهم علماء اليهود {ورهبانهم} وهم عباد النصارى، {أربابا من دون الله} حيث اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله {و} كذا اتخذوا {المسيح ابن مريم} ربا {وما أمروا} في التوراة والإنجيل {إلا ليعبدوا إلها واحدة لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} .

(5)

أي من غير أن يكون في شرعهم وإلا لم يكن مذموما، وتعليقهم الصليب في أعناقهم كان من افتراء الرهبان.

(6)

الكنز هو ما بلغ النصاب ولم تؤد زكاته.

(7)

فالمال الذي لم يزك يمثل لصاحبه ثعبانا عظيما يعذبه، وسبقت هذه الآية وهذا الحديث مطولا في كتاب الزكاة.

ص: 131

قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هذِهِ فِينَا، مَا هِيَ إِلا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ

(1)

.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: هذَا قَبْلَ الزَّكَاةِ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْراً لِلْأَمْوَالِ

(2)

. رَوَى الثَّلَاثَةَ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُول اللَّهِ أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ فَقَالَ: «أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ وَقَلْبٌ شَاكِرٌ وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ

(4)

}.

• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ

(1)

فأبو ذر الغفارى كان بالشام وكان يقول إن هذه الآية فينا وفي أهل الكتاب، فقال معاوية: إن الآية في أهل الكتاب فقط نظرا للسياق قبلها. وكان معاوية أميرًا على الشام من قبل عثمان رضي الله عنهم فاشتد الخلاف بينه وبين أبي ذر وكان جمهور الناس مع أبى ذر فكتب معاوية لعثمان بهذا فاستدعى أبا ذر فحضر له بالمدينة فأقبل الناس عليه كثيرا، فقال له عثمان: لو أقمت في مكان قريبا منا لكان أحسن فاختار الربذة - مكان بقرب المدينة - فأقام بها.

(2)

قال ابن عمر هذا جوابا لأعرابي سأله عن الآية، والظاهر أن المراد من الآية قول أبي ذر عملا بعمومها رضي الله عن الجميع آمين.

(3)

فلما رأوا أن المال ربما كان شرًا سألوا عن خير المال فقال: اللسان الذاكر والقلب الشاكر والزوجة الصالحة فإنهن هناء الدنيا وسعادة الآخرة.

(4)

{إن عدة} أي عدد {الشهور} المعتبرة للسنة الهلالية {عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله} اللوح المحفوظ {يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} محرمة معظمة وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب {ذلك الدين القيم} أي المستقيم {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} أي لا تظلموها بالمعاصى فإنها فيها أعظم ذنبا، فالسنة الهلالية المعتبرة بظهور الهلال اثنا عشر شهرا وهي ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوما، والسنة القبطية الشمسية المعتبرة بدورة الشمس في الفلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم، وبسط هذا في علم الفلك.

ص: 132

ذو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ

(1)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا

(2)

} {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لِأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ

(3)

فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظنُّكَ باثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

(1)

سبق هذا الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر في كتاب الحج.

(2)

{إلا تنصروه} أي محمدًا صلى الله عليه وسلم {فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا} أي ألجأوه للخروج من مكة لما تآمروا على حبسه أو نفيه أو قتله {ثاني اثنين} أحد اثنين هو وأبو بكر {إذ هما في الغار} غار ثور {إذ يقول لصاحبه} أبي بكر حينما رأى المشركين وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا {لا تحزن إن الله معنا} بحفظه ونصه. {فأنزل الله سكينته عليه} وعلى صاحبه {وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا} دعوة الشرك {السفلى} أي المغلوبة، {وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} .

(3)

فإن المشركين اجتمعوا بدار الندوة يوم السبت للتآمر عليه صلى الله عليه وسلم وبعد أخذ ورد اتفقوا إذا جاء الليل يخرجون النبي صلى الله عليه وسلم من بيته ويقتلونه؛ فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأمر عليًّا فنام مكانه على فراشه ثم خرج صلى الله عليه وسلم وكان واعد أبا بكر أن يلقاه في غار ثور؛ فدخلاه فكمنا فيه فلما كان الليل دخل الكفار بيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوا عليا فأسفوا أشد الأسف وأرسلوا القافة في كل طريق يتتبعون الأثر، فسار فريق منهم يتتبع الأثر إلى الغار ثم وقف فقال: إلى هنا انقطع الأثر ولا أدري أين ذهب، فقال أحدهم: ادخلوا هذا الغار؛ فنظروا إليه فإذا نسيج العنكبوت على بابه والحمام على بيضه؛ فقالوا: إن عليه عنكبوتًا أقدم من ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم ولو دخله لتمزق وتكسر بيض الحمام؛ فوقفوا حيارى، وكان أبو بكر ينظرهم ويخافهم كما في الحديث فالله تعالى أعماهم وخذلهم وحفظ نبيه وصاحبه ونصرهم وبعنايته أحاطهم كما قال البوصيري رضي الله عنه:

وقاية الله أغنت عن مضاعفة

من الدروع وعن عال من الأطم

ص: 133

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ

(1)

}.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ وَقَالَ: «أَتَأَلَّفُهُمْ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِيءِ هذَا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

(3)

}.

• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكثَرَ مِنْهُ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هذَا. وَمَا فَعَلَ هذَا الْآخَرُ إِلا رِثَاءً فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ

(4)

ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ

(1)

هذا وصف لبعض المنافقين، الذي يلمزك أي يعيبك في قسم الصدقات فإن أعطى منها رضى وإلا كان ساخطًا.

(2)

فعليّ رضي الله عنه وهو باليمن أرسل للنبي صلى الله عليه وسلم ذهبا فقسمه بين أربعة من المؤلفة قلوبهم ليثبتوا على الإسلام وهم الأقرع بن حابس الحنظل وعيينة بن بدر الفزاري، وزيد الطائى النبهانى وعلقمة العامرى الكلابى؛ فقال ذو الخويصرة التميمى واسمه حرقوص بن زهير: ما عدلت يا محمد، فقال صلى الله عليه وسلم يخرج من ضئضئ هذا أي نسله قوم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية جاءت الخوارج من نسله.

(3)

فلما عاب المنافقون على المؤمنين وسخروا منهم رد الله عليهم وتوعدهم بالعذاب الأليم.

(4)

فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن عبد الله بن أبي منافق بل رأسهم من قوله تعالى في آيات الإفك {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} ولكنه صلى الله عليه وسلم ما كان يرد سائلا فلما سأله قميصه أعطاه فلما سأله الصلاة على أبيه صلى عليه وهنا ظهر فضل عمر وأضاء نوره ونزل القرآن كما رأى رضي الله عنه.

ص: 134

إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ»، قَالَ عُمَرُ: إنَّهُ مُنَافِقٌ، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ

(1)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

(2)

}.

• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي

(3)

فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ

(4)

فَتَلقَّانَا رِجَالٌ، شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذلِكَ النَّهْرِ فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ

(5)

قَالَا لِي: هذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهذَاكَ مَنْزِلُكَ. أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ

(6)

}

(1)

تمام الآية {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} .

(2)

فقوم آخرون من أهل المدينة {اعترفوا بذنوبهم} من التخلف عن غزو تبوك {خلطوا عملا صالحا} وهو جهادهم قبل هذا {وآخر سيئا} هو التخلف {عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} نزلت في قوم من الصحابة تخلفوا عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو فلما شعروا بذنوبهم حلفوا ليربطن أنفسهم ولا يطلقونها إلا إذا أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فلما حضر وعلم بهذا قال: وأنا والله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى أومره بذلك، فنزلت الآية فعذرهم وأطلقهم.

(3)

أتانى ملكان، فابتعثاني أي من نومى.

(4)

اللبن جمع لبنة وهي القطعة التي يبني بها.

(5)

أمروهم بالانغماس في نهر الحياة فانغمسوا فيه فصاروا في أحسن صورة.

(6)

المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء لظاهر سياق الآية أو المسجد النبوى للحديث الآتي ولا مانع من إرادتهما، فكل منهما بنى على التقوى.

ص: 135

{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ

(1)

}.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه: تَمَارَى رَجُلَانِ

(2)

فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«هُوَ مَسْجِدِي هذَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءٍ كانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

(4)

}.

• عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ

(5)

»، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبى أَنْ يَقُولَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

(1)

فيه - أي مسجد قباء - رجال يحبون أن يتطهروا وهم بنو عامر بن عوف. لما نزلت هذه الآية أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم في قباء فقال: إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئًا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. وفي رواية: نحن نتبع الحجارة بالماء، فقال: هو ذاك فعليكموه.

(2)

تمارى رجلان أي تجادلا.

(3)

هذه الآية هي {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} .

(4)

{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} أي لا ينبغي ولا يصح منهم الاستغفار للمشركين {ولو كانوا أولى قربي} أي ذوى قرابة لهم {من بعد ماتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} أي النار إن ماتوا على الكفر ولم ينطقوا بالشهادتين.

(5)

ولفظ البخارى: قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله.

ص: 136

«أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ

(1)

». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآيَةَ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ عَنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَخضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ

(2)

».

• عَنِ الْعَبَّاسِ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالَبٍ بَشَيْءٍ؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطَكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، قَالَ: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ منْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ

(3)

». وَفِي رِوَايَةٍ: «قَالَ نَعَمْ، وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ

(1)

وقصد النبي بهذا الاستغفار تأليفه للإسلام لعله يهتدى وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله لا يغفر له إن كان مشركا فإنه لا ينفع الاستغفار إلا مع الإيمان.

(2)

أصل الضحضاح: الماء القليل إلى نحو الكعبين، واستعير هنا للنار التى لا تغطى ظهر القدم.

(3)

كان يحوطك أي يصونك ويذب عنك، والدرك الأسفل من النار: قعرها، والغمرات: جمع غمرة وهي شدة الشيء ومزدحمه، من غميه الماء غطاه. فظاهر هذه الأحاديث الثلاثة أن أبا طالب مات على دين قومه. وقال جماعة إنه ناج في الآخرة لأنه ربى النبي صلى الله عليه وسلم وكان يحبه حبًا شديدًا أكثر من أولاده وكان يتوسم فيه قبل النبوة كل خير وبركة، فلما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث الناس على اتباعه، وكان يصونه ويذب عنه قريشًا حينما تعرضوا لأذاه وكان يؤيده في كل أموره ويصدقه في كل أحواله، وكلامه على هذا أصدق شاهد كقوله:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وكقوله:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينًا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقر منك عيونًا

ودعوتني وعلمت أنك صادق

ولقد صدقت وكنت ثم أمينًا

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير أديان البرية دينًا

ومن الدلائل على نجاته حديثا أبي سعيد والعباس هذان اللذان يثبتان له شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة بتخفيف العذاب عنه فإن الكفار لا يشفع لهم أحد لقوله تعالى حكاية عنهم {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} فلو لم يكن ناجيًا ما دخل في شفاعته صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله: إذا كان يوم القيامة شفعت لأبى وأمى وعمى أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية أي من الرضاع، رواه الطبرى وأبو نعيم وتمام الرازى،=

ص: 137

فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ». رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ

(1)

.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقَالَ: أَوَ لَيْسَ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ

(2)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ

(3)

.

• عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ إِلا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ

(4)

غَيْرَ أَنِّي قَدْ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَداً

=ويكفيه في إيمانه تصديقه بالقلب فإن الإيمان هو التصديق القلبى فقط والنطق باللسان ليس شرطًا إلا لإجراء الأحكام الدنيوية، وتعذيبه لعدم النطق والقيام بتلك الأحكام، قال ابن حجر في شرح الأربعين: إن لكل من الأئمة الأربعة قولا بأنه مؤمن عاص بترك النطق باللسان، ويجاب عن حديث سعيد بن المسيب الأول بأن الآية بل السورة كلها نزلت في المدينة آخرة وأبو طالب مات قبل هذا ببضع عشرة سنة فيكون التحقيق أن الآية نزلت تنعى المؤمنين عن الاستغفار لأقاربهم المشركين فإنه لا ينفعهم. وحديث عليّ الآتي يصرح بهذا. وإليك خطبة أبى طالب في الاحتفال زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها. آمين.

الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد {نسله} وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن أخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن رجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا. وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمل حائل، ومحمد ممن عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها ما آجله وعاجله كذا. وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم اه. فهذه الخطبة تعرب عما يكنه أبو طالب لمحمد صلى الله عليه وسلم من الإجلال والإعظام واعتقاد أنه أفضل الأولين والآخرين. نسأل الله القادر الأعلى الرؤوف الرحيم أن يغفر لنا وله وللمسلمين آمين والحمد لله رب العالمين اهـ. بتصرف من أسنى المطالب في نجاة أبى طالب لا بن دحلان الهاشمى شيخ العلماء بالحرم المكى سابقًا رضي الله عنه آمين.

(1)

البخارى روى الأول هنا والأخيرين في الفضائل، ومسلم روى الثلاثة في الإيمان.

(2)

والآية التى بعدها وهى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} .

(3)

الترمذى بسند حسن والحاكم بسند صحيح.

(4)

تبوك: مكان بطرف الشام جهة المدينة على أربع عشرة مرحلة منها كان غزوها في السنة التاسعة من الهجرة.

ص: 138

تَخَلَّفَ عَنْهُ إِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ

(1)

حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا وَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ.

فَغَزَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرَ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً وَمَفَازًا

(2)

وَاسْتَقْبَلَ عَدَداً كَثِيراً

(3)

فَجَلَا لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أَهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمُ الَّذِي يُرِيدُ

(4)

وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ

(5)

فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ يَظُنُّ أَنَّ ذلِكَ سَيَخْفَى مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ. وَكَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ

(6)

فَتَجَهَّزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئاً فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَردْتُ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَادِياً وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئاً ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ

(1)

عمر قريش: تجارتهم الآتية من الشام، وليلة العقبة: هي الليلة التى بايع النبي صلى الله عليه وسلم فيها الأنصار على الإسلام سرًّا عند العقبة بمنى في موسم الحج قبل الهجرة فبايعوه على الإسلام وأن يأووه وينصروه. وكانت بيعة العقبة هذه مرتين في سنتين، في الأولى كانت مع اثنى عشر وفي الثانية كانت مع سبعين من الأنصار فكانت سبب ظهور الإسلام ونصره فكان منهم كعب هذا والبراء وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم.

(2)

أي مفاوز برية طويلة قليلة الماء يخاف منها الهلاك.

(3)

أي من الأعداء.

(4)

لفظ البخارى ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها إلا تلك الغزوة فجلى للمسلمين أمرهم ليستعدوا لها.

(5)

بالإضافة وعدمها أي لا يحصرهم كتاب لكثرتهم.

(6)

أي أميل لأباشر جناها بنفسي.

ص: 139

وَلَمْ أَقْضِ شَيْئاً فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ وَيَا لَيْتَنِي فَعَلْتُ ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي فَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُحْزِنُنِي أَنِّي لَا أَرَى لِي أُسْوةً إِلا رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ

(1)

أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ

(2)

فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلا خَيْراً فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضَا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ

(3)

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَإذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ

(4)

» فَلَمَا بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَوَجَّه قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي

(5)

فَطَفِقْتُ أَتَذَكَرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَداً. وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ رَأْيٍ مِنْ أَهْلي. فَلَمَّا قيلَ لِي إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ قَادِماً زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبداً فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ

(6)

وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَادِماً وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ

(7)

فَجَاءَ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ

(8)

وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ حَتَّى جِئْتُ فَلَمَّا

(1)

مطعونا عليه به.

(2)

أي حبسه اختياله وإعجابه بنفسه ولباسه.

(3)

السراب: ما يرى في شدة الحر كأنه ماء وليس بماء، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يتحرك به السراب قال: كن أبا خيثمة، أي أنت أبو خيثمة فكان أبا خيثمة.

(4)

عابوه.

(5)

قافلا أي راجعًا، وبثي أي حزني، فطفقت أي صرت أفكر في الكذب لئلا يغضب على النبي صلى الله عليه وسلم.

(6)

أي عزمت على صدقي معه، وصبح قادما أي دخل صباحا.

(7)

حتى يسلموا عليه.

(8)

المخلفون هم الذين تخلفوا عن هذه الغزوة، جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم فاعتذروا له وحلفوا فقبل منهم.

ص: 140

سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَ» فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ

(1)

» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا وَلكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لِيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللَّهِ

(2)

وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا هذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ» ، فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْباً قَبْلَ هذَا لَقَدْ عَجَزْتَ فِي أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ فَقدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرْدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هذَا مَعِي مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ لقِيَهُ مَعَكَ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعَةِ الْعَامِرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ

(1)

اشتريت رواحلك الجهاد.

(2)

تجد على أي تغضب على بسببه إنى أرجو عقبى الله أي أن يعقبنى خيرا، وفي رواية عفو الله.

ص: 141

أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيباً مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ

(1)

فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ ذلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَعُدْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ. فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطيٌّ

(2)

مِنْ نَبَطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ وَكُنْتُ كَاتِباً فَقَرَأَتُهُ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ

(3)

فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا: وَهذِهِ أَيْضاً مِنَ الْبَلَاءِ فَتَيَامَمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهَا بِهَا

(4)

حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ

(5)

إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا بَلْ اعْتَزلْهَا فَلَا تَقْرَبَنَّهَا وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذلِكَ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هذَا الْأَمْرِ، قَالَ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ

(1)

أي أنظر إليه خفية.

(2)

النبط والنبيط والأنباط هم فلاحو العجم.

(3)

بلغنا أن صاحبك أن محمدا صلى الله عليه وسلم جفاك أي هجرك فلا تنبغي الإقامة معه بذل وإهانة وهاجر إلينا تجد السعة واليسار.

(4)

قرأتها أي الصحيفة، فتياممت أي قصدت، التنور أي النار، فسجرتها بها ألقيتها فيها فاحترقت.

(5)

أي تأخر جبريل عن النزول.

ص: 142

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالاً شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: «لَا وَلكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ» ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيءٍ وَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هذَا، قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالٍ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ: لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ لِي إِذَا اسْتَأْذنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، قَالَ: فَلَبَثْتُ بذلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِيَ عَنْ كَلَامِنَا ثُمَّ صَلَّيْتُ الْفَجْرَ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ مِنَّا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى سَلْعٍ

(1)

يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ فَخَرَرْتُ سَاجِداً

(2)

وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ فَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَساً وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى الْجَبَلَ فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ

(3)

فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبِشَارَتِهِ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ رضي الله عنه يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنِّئُونَنِي بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهرْوِلُ حَتَّى

(1)

أي صعد على جبل سلع بجوار المدينة.

(2)

سجدة الشكر فهي مشروعة كما تقدم.

(3)

ركض رجل إلى فرسًا أي ركبه وأسرع به إليّ وجاء رجل من أسلم نحوي وصعد الجبل فنادى يا كعب أبشر فكان صوته أسرع إلى من الفارس.

ص: 143

صَافَحَني وَهَنَّأَنِي وَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ فَكُنْتُ لَا أَنْسَاهَا لَهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ قَالَ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، فَقُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَا بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّ وجْهَهُ قِطْعَةُ قمَرٍ وَكنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ. فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ: «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» فَقُلْتُ: إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَلا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقاً مَا بَقِيتُ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هذَا أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي اللَّهُ بِهِ. وَاللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هذَا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ

(1)

} وَالْمُهَجِرِينَ وَالاْنصَرِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ

(2)

وَعَلَى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ

(3)

(1)

أي أدام توبته عليه، أو تاب عليه من إذنه للمتخلفين حتى يظهر المؤمن من غيره قال تعالى {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} .

(2)

وكذا تاب على الأنصار والمهاجرين الذين اتبعوه في ساعة العسرة أي خرجوا معه في غزوة تبوك لعسرها وشدتها في الحر الشديد والسفر البعيد وقلة الرواحل والزاد والماء حتى كان الرجلان يقتسمان التمرة، والعشرة يتناوبون البعير الواحد للركوب عليه. والذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة ثلاثون أو سبعون ألفًا بين راكب وماش، وكان هذا الجيش يسمى جيش العسرة، ولشدة هذه الغزوة وقع في قلوبهم وساوس وخواطر كادت تردي بهم كما قال تعالى:{من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم} .

(3)

أي {و} تاب {على الثلاثة الذين خلفوا} وهم كعب بن مالك وصاحباه {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} =

ص: 144

{حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}

ـ قَالَ كَعْبٌ: وَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَط بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا

(1)

فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ فِيهِمْ بِشَرِّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ، قَالَ:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

(2)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

. وَفِي رِوَايَةٍ: فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلَامَنَا فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الْأَمْرُ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلَا يُصَلِّيَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَمُوتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَكُونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَقِيَ الثُّلثُ الْآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مَعْنِيَّةً فِي أَمْرِي

(4)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ» قَالَتْ: أَفَلَا أُرْسِلُ إِلَيْهِ

= أي مع رحبها وسعتها فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه {وضاقت عليهم أنفسهم} أي قلوبهم همًّا وحزنًا التأخير توبتهم فلا سعة فيها لإنس {وظنوا} أي أيقنوا {ألا ملجأَ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم} وفقهم وقبل توبتهم {ليتوبوا إن الله هو التواب الراحيم} .

(1)

ألا أكون كذبته، بدل من صدقي أي ما أنعم الله علي بنعمة أعظم من عدم كذبي فأهلك مع الهالكين.

(2)

هاتان الآيتان في المتخلفين من المنافقين الذين لما عاد النبي صلى الله عليه وسلم وجاءوه فاعتذروا وحلفوا فقبل منهم النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى فنزلت الآيتان تكشفان عن بواطنهم، وأما المؤمنون المتخلفون فإنما كان تخلفهم لعذر شرعي.

(3)

ولكن البخاري في غزوة تبوك والترمذي هنا ومسلم في كتاب التوبة واللفظ له والرواية الآتية للبخاري هنا.

(4)

أي تذكرني بخير وتتمنى لي كل خير جزاهم الله خير الجزاء وحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 145

فَأُبَشِّرُهُ، قَالَ: إِذاً يَحْطِمَكُمُ النّاسُ فَيَمْنَعُونَكُمْ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ حَتّى إِذَا صَلّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَكَانَ إِذَا اسْتَبْشَرَ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ.

‌سورة يونس

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِداً يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكَمُوهُ» . قَالُوا: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَتُنْجِنَا مِنَ النَّارِ وَتُدْخِلْنَا الْجَنَةَ. قَالَ: «فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ

(2)

فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

(4)

} {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيوةِ الدُّنْيَا وَفِى الاْخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ: سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هذِهِ الآيَةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

سورة يونس

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا} .

(2)

أي المانع لهم من رؤية الله تعالى فيرونه.

(3)

فيكون المراد من الحسنى في الآية الجنة ومن الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم نسأل الله النظر إليه آمين.

(4)

الأولياء جمع ولي وهو المؤمن التقي الفاعل للواجبات التارك للمحرمات، سمي وليًا لأنه تولى الله بالعبادة فتولاه الله بالحفظ والرعاية، فهؤلاء الأولياء آمنون في الآخرة ولهم فيها رفيع الدرجات، ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

ص: 146

عَنْهَا قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ مُنْذُ أُنزِلَتْ، فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ» قَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْحَالِ آمِين.

‌سورة هود

(3)

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ

(4)

} {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .

سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ هذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ

(5)

وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

فبشراهم في الدنيا هي الرؤيا الصالحة أي المبشرة يراها المسلم لنفسه أو يراها الغير له وسيأتي كتاب الرؤيا واسعًا إن شاء الله.

(2)

فلما قال فرعون تلك الكلمة أخذ جبريل من حال أي طين البحر ودسه في فمه لئلا تدركه الرحمة لأنه طغى وبغى وتكبر وقال أنا ربكم الأعلى فجعله الله عبرة للأولين والآخرين. نسأل الله السلامة آمين.

سورة هود

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها: {وإلى عاد أخاهم هودا} .

(4)

{ألا إنهم} أي الكفار {يثنون صدورهم} أي يطوونها على ما في قلوبهم من الكفر {ليستخفوا منه} تعالى {ألا حين يستغشون ثيابهم} أي يتغطون بها كراهة أن يسمعوا القرآن فلا فائدة لهذا فإن الله {يعلم ما يسرون وما يعلنون} .

(5)

فكان ناس إذا أرادوا قضاء الحاجة استحيوا من كشف عوراتهم إلى السماء فانعطفوا ومالوا بصدورهم وإذا أرادوا الجماع استحيوا أيضًا من الإفضاء إلى السماء فغطوا رءوسهم استخفاء من الله تعالى فنزلت الآية تقول {يعلم ما يسرون وما يعلنون} ولا مانع من هذا وذاك.

ص: 147

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً

(1)

}.

• عَنْ أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: «كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ

(3)

فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا» يَقُولُ: يَا رَبِّ أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ فَيَقُولُ: سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ

(4)

وَأَمَّا الْآخَرُونَ أَوِ الْكُفَّارُ

(5)

فَيُنَادَى عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ هؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(6)

.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ

(7)

حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

فالله تعالى خلق السموات والأرض أي وما فيهما في ستة أيام أي في قدرها فخلق السموات في يومين والأرض في يومين والجبال والأقوات في يومين كما في سورة فصلت أول الأيام الأحد أو السبت كما تقدم في أول البقرة وكان عرشه قبلهما على الماء والماء على الهواء، فخلقهما وما فيهما لمصلحتكم ليبلوكم ليختبركم أيكم أحسن عملا.

(2)

أبو رزين هذا اسمه لقيط بن عامر، قال يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال في عماء أي كان جل شأنه في الأزل وليس معه شيء، ومن هذا قال شيخ الصوفية سيدي مصطفى البكري رضي الله عنه في بعض أوراده.

بعماء كنت به أزلا

بمحمد من جا بالبلج

فجاء البلج والنور من نور محمد صلى الله عليه وسلم.

(3)

ستره ولطفه ورحمته.

(4)

أي بيمينه فسؤال المؤمنين تقريرهم بذنوبهم فقط.

(5)

بيان للآخرين.

(6)

ولكن البخاري هنا ومسلم في التوبة.

(7)

أي يمهله لعله يتوب ويرجع وإلا أَخذه أخذ عزيز مقتدر.

ص: 148

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطاً لقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ

(1)

، وَلَوْ لِبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِي

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(3)

.

• عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ذلِكَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ

(4)

}، قَالَ الرَّجُلُ: أَلِي هذِهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» .

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذيُّ.

• عَنْ أَبِي الْيَسَرِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْراً

(5)

فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ فِي الْبَيْتِ تَمْراً أَطْيَبَ مِنْهُ فَدَخَلَتْ مَعِي فَمِلْتُ عَلَيْهَا فَقَبَّلْتُهَا فَسَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَلَا تُخْبِرْ أَحَداً وَتُبْ إِلَى اللَّهِ فَلَمْ أَصْبِرْ وَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَخَلَفْتَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هذَا حَتَّى تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلا تِلْكَ السَّاعَةَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» وَأَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلاً حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ

(6)

} الآيَةَ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَحُسْنَ الْحَالِ والْمآلِ آمِين.

(1)

وهو الله جل شأنه وهذا رد على قوله لقومه {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} .

(2)

ولم أنتظر جواب النسوة.

(3)

ولكن البخاري في بدء الخلق ومسلم في الإيمان.

(4)

ذلك الرجل هو أبو اليسر الآتي وقيل نبهان التمار وقيل غيرهما، وفي رواية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها أي قبلتها والتزمتها فافعل بي ما شئت فنزلت الآية و {طرفي النهار} الغداة والعشي والصلاة فيهما الصبح والظهر والعصر {وزلفا} أي أوقاتا من الليل المغرب والعشاء {إن الحسنات} من تلك الصلوات {يذهبن السيئات} ، فلما صلى الرجل بعد أن أذنب بتقبيل الأجنبية نزلت الآية تقول إن ذنبه غفر فقال الرجل هذه لي فقط فقال صلى الله عليه وسلم لكل من عمل بها.

(5)

تشتري مني تمرة.

(6)

إذا كان الرجل في الرواية الأولى هو أبا اليسر فتكون الروايتان واحدة وإلا فتكون أسباب النزول قد تعددت وهذا كثير نسأل الله الستر الجميل آمين.

ص: 149

‌سورة يوسف عليه السلام

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذلِكَ يَجْتَبِي كَرَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ} {عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

(2)

}.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ» . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نَسْأَلَكَ قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي» قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «فَخِيارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوُا

(4)

» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} . قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ» قَالَ عِكْرِمَةُ: هَيْتَ لَكَ بِالْحَوْرَانِيَّةِ هَلُمّ. وَقَالَ ابْنُ جَبَيْرٍ تَعَالَهْ

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

سورة يوسف

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لأنها كلها في يوسف وقرباه - صلى الله عليهم وسلم -.

(2)

{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} يختارك يا يوسف {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} علم تعبير الرؤيا {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} أي بالنبوة {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} بخلقه {حكيم} في صنعه بهم فيصطفي من يشاء من عباده.

(3)

فقد جمع يوسف مكارم الأخلاق مع حسن الباطن والظاهر ومع شرف النبوة ومجد الأصل لأنه ابن ثلاثة من الأنبياء - صلى الله عليهم وسلم -.

(4)

فخيار الناس من الأولين والآخرين أهل العلم العاملون به نسأل الله أن نكون منهم آمين.

(5)

{وَغَلَّقَتِ} أي زليخا امرأة العزيز {الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ} ليوسف {هَيْتَ لَكَ} أي هلم إلى {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} أي أعوذ بالله من هذا. فعكرمة يقول عن ابن عباس إن معنى هيت باللغة الحورانية هل. وقال سعيد بن جبير معناها =

ص: 150

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} .

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ قُرَيْشاً لَمَّا أَبْطَؤوا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْإِسْلَامِ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَصَابَهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ

(1)

حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِثْلَ الدُّخَانِ

(2)

قَالَ اللَّهُ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ

(3)

} قَالَ اللَّهُ: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَمَضَتِ الْبَطْشَةُ

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْن إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبثَ ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ لَأَجَبْتُ

(6)

» ثُمَّ قَرَأَ: {فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} قَالَ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إِذْ قَالَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ

(7)

} فَمَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ نَبِيًّا إِلا فِي ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ

(8)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

= تعاله بهاء السكت، وهي معربة عن القبطية أو عن السريانية أو عن العبرانية لغة الكنعانيين يوسف وأقاربه، والجمهور على أنها عربية، وعلى كل هي حث على الإقبال أي أقبل بسرعة، وهي فعل أو اسم أو فيها الأمران.

(1)

أي أهلكته.

(2)

من ضعف بصره من الجوع.

(3)

فلما نزل بهم ذلك قال أبو سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فدعاه فقرأ {يوم تأتي السماء بدخان مبين} ثم طلب منه فدعاه فعفا عنهم كما عفا يوسف عن زليخا فأجابه الله بقوله {إنا كاشفوا العذاب قليلا} .

(4)

مضى الدخان الذي ظهر من الجوع، ومضت البطشة أي يوم غزوة بدر.

(5)

ولكن البخاري هنا ومسلم في صفة القيامة.

(6)

هذا تواضع منه صلى الله عليه وسلم وإلا فهو أصبر الناس وأعقلهم.

(7)

قال لوط لقومه هذا لأنه لم يكن منهم بل هو ابن أخي إبراهيم عليهم السلام كانوا بالعراق ثم هاجروا إلى الشام فنزل إبراهيم بالقدس ونزل لوط بأرض مدائن لوط.

(8)

الذروة - كسدرة - الكثرة والمنعة.

ص: 151

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا

(1)

} {فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} .

قَالَ عُرْوَةُ رضي الله عنه لِعَائِشَةَ: أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالَتْ: كُذِّبُوا، قُلْتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، قَالَتْ: أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذلِكَ، فَقُلْتُ لَهَا: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا

(2)

، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذلِكَ بِرَبِّهَا، قُلْتُ: فَمَا هذِهِ الآيَةُ؟ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ

(3)

جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌سورة الرعد

(4)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} ، قَالَ: «الدَّقْلُ وَالْفَارِسِيُّ وَالْحُلْوُ وَالْحَامِضُ

(5)

».

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ

(1)

{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أي يئسوا وظنوا أنهم قد كذبوا بالتشديد فلا إيمان بهم وبالتخفيف أي ظن أممهم أنهم أخلفوا ما وعدوا به من النصر {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} إنجاءه {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} الكافرين.

(2)

أي من الله تعالى.

(3)

فيما وعدوهم من نصر الله لهم جاءهم نصر الله تعالى. اللهم انصرنا على من عادانا يا قوي يا متين آمين والحمد لله رب العالمين.

سورة الرعد

بسم الله الرحمن الرحيم

(4)

سميت بهذا لقول الله فيها {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} .

(5)

{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا} أي الزروع والثمار على بعض في الأكل، فالأرض واحدة وتسقى بماء واحد ويأتي البعض طيبًا والبعض رديئًا، فمن النخلة الواحدة يأتي الدقل (رديء التمر) والفارسي (طيبه) ومن الرمانة ونحوها يأتي الحلو والحامض وهذا من دلائل قدرته وأنه الفاعل المختار جل شأنه.

ص: 152

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟ قَالَ: «مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيفُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ

(1)

»، قَالُوا: فَمَا هذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: «زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ» ، قَالُوا: صَدَقْتَ. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

‌سورة إبراهيم عليه السلام

(2)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِنَاعٍ عَلَيْهِ رُطَبٌ

(3)

فَقَالَ: {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» : {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} قَالَ: «هِيَ الْحَنْظَلُ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ

(5)

فَذلِكَ

(1)

المخاريف جمع مخراف كمحاريب ومحراب، وأصله: ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، والمراد به هنا آلة يزجر بها الملك السحاب، فالرعد في قوله تعالى {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} ملك يسوق السحاب إلى المكان الذي يشاء الله أن يمطر فيه، والصوت الذي يسمع من الرعد حركة سوقه.

سورة إبراهيم عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

(2)

سميت بهذا لقول الله فيها {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} .

(3)

القناع: إناء من عسب النخل.

(4)

فالكلمة الطيبة وهي لا إله إلا الله كالشجرة الطيبة الثابتة في الأرض الذاهبة في السماء التي تثمر للناس كل حين ثمرًا طيبًا وهي النخلة. والكلمة الخبيثة وهي كلمة الكفر كالشجرة الخبيثة وهي الحنظل، اجتثت: استؤصلت من فوق الأرض ما لها من قرار ثابت، فكلمة التوحيد نافعة في الدنيا والأخرى. وكلمة الكفر: لا ولا، بل هي ضارة أكبر الإضرار.

(5)

أي يجب بهذا.

ص: 153

قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} قَالَ: «فِي الْقَبْرِ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ

(1)

»؟

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ

(2)

}.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ مَسْرُوقٍ رضي الله عنه قَالَ: تَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها هذِهِ الْآيَةَ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ

(3)

} قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ؟ قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ

(4)

. نَسْأَلُ اللَّهَ كَامِلَ الْإِسْلَامِ آمِين.

‌سورة الحجر

(5)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي تَفْسِيرِ هذِهِ الْآيَةَ: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} قَالَ: «إِذَا أُخْرِجَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُوا الْجَنَّةَ وَدَّ

(1)

فمعنى الآية أن الله يوفق المسلم للجواب على هذه الأسئلة في قبره، فيجيب على قولهم من ربك بقوله ربى الله، وعلى قولهم: ما دينك؟ بقوله: ديني هو الإسلام، وعلى قولهم: من نبيك؟ بقوله: نبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم هذا واسعًا في باب الجنائز من كتاب الصلاة.

(2)

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ} أي شكرها {كُفْرًا وَأَحَلُّوا} أنزلوا قومهم بإضلالهم إياهم {دَارَ الْبَوَارِ} الهلاك وهي {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} فهذه نزلت في كفار مكة فيا ويلهم.

(3)

يوم التبديل هو يوم القيامة فتبدل السماء والأرض بأرض جديدة بيضاء نقية، وفي لحظة التبديل تكون الخلائق على الصراط وسيأتي هذا واسعا في كتاب القيامة إن شاء الله.

(4)

ولكن الترمذي هنا ومسلم في صفة القيامة.

سورة الحجر

بسم الله الرحمن الرحيم

(5)

سميت بهذا لقول الله فيها {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} .

ص: 154

الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْإِيمَانِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ تُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِئَلا يَرَاهَا. وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضٌ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبْطَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ

(1)

}.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ

(2)

}.

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ عَلَى أُمَّتِي أَوْ قَالَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ» .

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى» ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ

(3)

}. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ

(5)

}.

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ

(6)

».

(1)

فالله يعلم المستقدم والمستأخر ويجازي كلا على عمله ونيته.

(2)

لها أي للنار، سبعة أبواب أي طباق لكل باب أي طبقة، جزء مقسوم أي معلوم، وباب منها لمن سل السيف على الأمة المحمدية أي أثار الفتن بينها.

(3)

أي المتفرسين، والفراسة نور يقذفه الله في قلب من يشاء فيرى به الأمور الخفية، ولعلم الفراسة قواعد وعلامات مدونة في مؤلفات لا بد منها الكثير من الناس، أما الخواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة المجتهدين ونحوهم فلا حاجة بهم إليها.

(4)

الأخيران بسندين غريبين والأول مسكوت عنه.

(5)

الحجر. واد بين الشام والمدينة وهو موطن ثمود الذين كذبوا صالحًا فهلكوا.

(6)

فإن لم تحزنوا على ما أصابهم فلا تدخلوا لئلا ينالكم شيء مما أصابهم.

ص: 155

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ أَرْضَ ثَمُودَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَلا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا

(1)

فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذلِكَ الْمَاءَ. روَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَمُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ وَزَادَ: وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ

(2)

}.

• عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ} قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّؤُوهُ أَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ

(4)

وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالى: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} قَالَ: عَنْ قَوْلِ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} . قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: الْيَقينُ الْمَوْتُ

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

لا يملأوا أسقيتهم.

(2)

السبع المثاني: هي الفاتحة لأنها تثني في الصلاة أو لأنها نزلت مرتين مرة بمكة وأخرى بالمدينة معها سبعون ألف ملك.

(3)

وتقدم فضل الفاتحة في فضائل القرآن، ومنه حديث سعيد بن المعلى.

(4)

بيان للتجزئة.

(5)

فاليقين في الآية هو الموت لأنه متيقن الوقوع.

ص: 156

‌سورة النحل

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ تَحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ صَلَاةِ السَّحَرِ وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلا وَيُسَبِّحُ اللَّهَ تِلْكَ السَّاعَةَ» ثُمَّ قَرَأَ: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ

(2)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ

(3)

}.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو: «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ

(4)

».

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} .

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْأُمَّةُ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ وَالْقَانِتُ الْمُطِيعُ

(5)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلاً وَمِنَ الْمُهَاجِرينَ سِتَّةٌ فِيهِمْ حَمْزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِمْ

(6)

، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْماً مِثْلَ هذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ،

سورة النحل

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} .

(2)

نص الآية {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} له ظل كالجبل والشجر {يتفيأ} أي يميل {ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} أي عن جانبيهما أول النهار وآخره {سُجَّدًا لِلَّهِ} خاضعين لما يراد منهم {وَهُمْ دَاخِرُونَ} أي ذليلون، وحيث إن كل شيء يسبح الله في تلك الساعة فنحن أولى لأننا أفضل خلق الله.

(3)

أول الآية {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} أنشأكم ولم تكونوا {ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} عند نهاية آجالكم {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي يعمر طويلا حتى يضعف جسمه وقواه.

(4)

تعوذ من أرذل العمر لئلا يثقل على الناس وتعليما للأمة.

(5)

فهذا بيان للأمة والقانت في الآية.

(6)

أي مثل الكفار بمن قتل من المسلمين بقطع أنف البعض وقطع أذن البعض وشق =

ص: 157

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كُفُّوا عَنِ الْقَوْمِ إِلا أَرْبَعَةً» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

‌سورة الإسراء

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ

(3)

}.

= بطن آخر وتقطيع كبده وهكذا، فقال الأنصار: إن عاد بيننا وبينهم حرب لنربين أي لنزيدن عليهم في التمثيل. وفي رواية: أنهم مثلوا بحمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم حزن حزنًا شديدا وقال: أما والله لئن ظفرني الله بهم الأمثلن بسبعين منهم مكانك، فلما فتحوا مكة وكان النصر للمسلمين أرادوا التمثيل بهم قصاصا منهم فنزلت الآية فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكف عنهم إلا أربعة، وكفر عن يمينه صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأربعة سيأتي ذكرهم في الباب الخامس من كتاب الجهاد إن شاء الله.

سورة الإسراء

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} .

(2)

وزاد في رواية وطه والأنبياء، وبنو إسرائيل سورة الإسراء، والعتاق جمع عتيق وهو ما بلغ النهاية في الجودة، والتلاد القديم ضد الطارف، فهذه السور في نهاية البلاغة والحسن ومن أوائل ما نزل وحفظهن عبد الله.

(3)

{سُبْحَانَ} تنزه ربنا تعالى {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} بيت المقدس بأرض الشام المباركة بالأنهار والأشجار والثمار {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} الدالة على وحدانية الله وعظيم قدرته {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أي السميع للأقوال البصير بالأحوال كلها.

ص: 158

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ به مُلْجَماً مُسْرَجاً فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هذَا فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، قَالَ: فَارْفَضَّ عَرَقاً

(1)

.

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ جِبْرِيلُ بِأَصْبُعِهِ فَخَرَقَ الْحَجَرَ وَشَدَّ به الْبُرَاقَ

(2)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدَيْنِ حَسَنَيْنِ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسى عليه السلام فَإِذَا رَجُلٌ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ

(3)

، وَلَقِيتُ عِيسى فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ

(4)

»، قَالَ: «وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ

(5)

»، قَالَ: «فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الْآخَرِ خَمْرٌ فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرَبْتُهُ فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ

(6)

أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(7)

.

وَلِلْبُخَارِيِّ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ به بِإِيلِيَاءَ

(8)

بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا وَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ:

(1)

فاستصعب عليه أي اضطرب ولعب بذنبه وأذنيه ولم يثبت للركوب عليه؛ فقال له جبريل: أتفعل هذا بمحمد صلى الله عليه وسلم فما ركبك أحد أكرم على الله منه، فاستحيا وتصبب عرقه وسال.

(2)

قال جبريل بأصبعه أي خرق بها الحجر (صخرة بيت المقدس) وربط به البراق حتى عادا من المناجاة فركبه النبي صلى الله عليه وسلم ثانيًا إلى مكة المكرمة.

(3)

مضطرب خفيف اللحم مع طول، رجل الرأس أي شعره بين الجعودة والسبوطة. وشنوءة: قبيلة معروفة بهذا الوصف.

(4)

ربعة: وسط القامة، أحمر: أي لونه مشرب بحمرة، والديماس: الحمام.

(5)

أي أنا أشبه به من كل أولاده صلى الله عليه وسلم.

(6)

أي إلى الفطرة ولو أخذت الخمر لغوت أمتك كلها وتقدمت هذه الأحاديث في كتاب النبوة.

(7)

رواية مسلم في المعراج وفي الشراب والترمذي هنا والرواية الآتية للبخاري هنا.

(8)

إيلياء بيت المقدس، ورؤيته صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الكرام كانت ببيت المقدس ليلة الإسراء قبل المعراج فإنه لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل بيت المقدس وجده مملوءا بالأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - فأذن جبريل وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم إمامًا إشارة إلى أنه أفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم ثم نصب له المعراج فرقي عليه مع جبريل عليه السلام إلى السماء كما تقدم في الإسراء في كتاب النبوة.

ص: 159

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمّتُكَ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْقْدِسِ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً * وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً

(2)

}.

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} الآيَتَانِ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ ذلِكَ؟» فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذلِكَ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ: ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ

(3)

؟ قَالَ: تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ ووَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ»، قَالَ: فَأَنْشَأَ الْمُسْلِمُونَ يَبْكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّها لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيَّةٌ، قَالَ: فَيُؤْخَذُ الْعَدَدُ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلا كُمِّلَتْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ

(4)

وَمَا مَثَلُكُمْ وَالْأُمَمِ إِلا كَمَثَلِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ أَوْ كَالشَّامَةِ

(1)

تقدم هذا الحديث في كتاب النبوة لمسلم رضي الله عنه.

(2)

{وما كنا معذبين} أحدا ولا مثيبينه {حَتَّى نَبْعَثَ} له {رَسُولًا} يبين له ما يجب عليه ولذا قال {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} المنعمين منهم بالترفه وهي النعمة ولذيذ الطعام ورفيع اللباس أمرنا هؤلاء على لسان رسلنا بالواجب عليهم {فَفَسَقُوا فِيهَا} خرجوا عن أمرنا وعصوه {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} بالعذاب {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} خربناها وأهلكناهم، فلهذا كان أهل الفترة ناجين وإن غيروا وبدلوا لأنهم لم يأتهم رسول من الله، وما ورد بتعذيب بعضهم فلمظالم ارتكبوها بينهم (أهل الفترة هم من بين الرسولين) كالعرب الموجودين بين موت إسماعيل ورسالة محمد - صلى الله عليهما وسلم -، فأهل الفترة ناجون وعلى هذا الجمهور، إلا إذا أردنا بالرسول أي رسول بلغتهم دعوته فإنهم لا ينجون إذا لم يتبعوه وعلى هذا جماعة.

(3)

أي ميز فريق أهل الجنة من فريق أهل النار حتى يؤمر كل بالدخول لداره.

(4)

بين يديها أي قبلها طائفة جاهلية وهم أهل الفترة فيؤخذ العدد منهم فإن تمت أي العدة المطلوبة=

ص: 160

فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ»، ثُمَّ قَالَ:«إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قَالَ:«إِنِّي لَأَرْجُو أَنَّ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قَالَ:«إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرُوا. قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي قَالَ الثُّلُثَيْنِ أَمْ لَا؟ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَجِّ وَالْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً

(2)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقِرَاءَةُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَجَ فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً

(3)

}. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: كَانَ ناسٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدونَ نَاساً مِنَ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَتَمَسَّكَ هؤُلَاءِ

بِدِينِهِمْ

(4)

.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

=وإلا كملت من المنافقين، وفضلا عن هذا فالأمة المحمدية قليلة بالنسبة للكفار كالرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير، فلا خوف على الأمة بل هي أكثر أهل الجنة إن شاء الله، والرقمة واحدة الرقمتين اللتين في قائمتي الدابة قدر الواحدة كالدرهم، والشامة بقعة صغيرة يخالف لونها بقية الجسم، ففيه أن أهل الفترة غير ناجين إلا إذا أريد ببعث النار ما يشمل من يعذب ولو للتطهير والله أعلم بحال خلقه في الأولى وفي الآخرة.

(1)

فيكون معني أمرنا مترفيها في الآية السابقة أكثرناهم.

(2)

فالله تعالى أعطى داود عليه السلام الزبور كتابا مزبورا أي مكتوبا وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها أحكام ولا حلال ولا حرام بل كلها مواعظ وعبر وتسبيح وتقديس وتحميد وثناء على الله تعالى، وخفف الله عليه القراءة أو القرآن فكان يتلوها قبل أن تسرج له الدابة.

(3)

قبلها {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أنهم آلهة {مِنْ دُونِهِ} كالملائكة والجن وعيسى وعزير {فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} أي له إلى غيركم {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} أي يدعونهم آلهة ويعبدونهم {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} أي يطلبون القرب منه بطاعتهم {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} أي أنتم أو هم {و} الحال أنهم {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} أي يحذره ويخافه كل أحد، نعوذ بالله منه.

(4)

وكان الأحرى بهم أن يتبعوا آلهتهم ويسلموا كما أسلموا.

ص: 161

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُريَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ

(1)

بِهِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} قَالَ: «يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعاً وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ منْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ فَيَنْطَلِقُ إِلَى

أَصْحَابِهِ

(2)

فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهذَا وَبَارِكْ لَنَا فِي هذَا حتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيقُولُ: أَبْشِرُوا لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ هذَا». قَالَ: «وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعاً عَلَى صُورَةِ آدَمَ

(3)

فَيُلْبَسُ تَاجاً فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هذَا»، اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهذَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، فَيَقُولُ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هذَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ

(4)

»، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ:

(1)

{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} عيانًا ليلة الإسراء {إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} أهل مكة الذين كذبوا بها وارتد بعضهم لما سمعها، فقال ابن عباس: هي رؤيا عين لا منام أو أن الإسراء كان بالجسم لا بالروح فقط، وإن كان لفظ رؤيا يقل في البصرية ويكثر في المنامية، والمرئي المحذوف هو المذكور في الآية {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} كما في رواية: هو ما أرى في طريقه إلى بيت المقدس، وكذا قال ابن عباس والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم طعام أهل النار. نسأل الله السلامة آمين.

(2)

الذين كانوا أصحابا له في الدنيا وهذه بشارة معجلة في الموقف للمؤمنين.

(3)

بل ورد أن ضرس الكافر يصير في النار كالجبل وقوله فيلبس تاجًا أي من أنواع لبس أهل النار.

(4)

صلاة الجميع أي الجماعة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار أي الحفظة في صلاة الفجر وتصعد ملائكة الليل ثم يعودون فيجتمعون في صلاة العصر، وبعدها تصعد ملائكة النهار كما سبق في أول كتاب الصلاة.

ص: 162

{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً

(1)

}. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ الْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً

(2)

}.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ هذِهِ الآيَةِ فَقَالَ: «هِيَ الشَّفَاعَةُ

(4)

».

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ وَمَا مِنْ نَبِيَ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلا تَحْتَ لِوَائِي، فَيَأْتِينِي النَّاسُ فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ» ، إِلَى أَنْ قَالَ: «فَأَخِرُّ سَاجِدا فَيُلْهِمُنِي اللَّهُ مِنَ الثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَقُلْ يُسْمَعْ لِقَوْلِكَ وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً

(5)

}».

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً

(6)

}. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ

(7)

.

(1)

{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي صلاة الفجر {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} أي تشهده هؤلاء الملائكة لتشهد للمصلين.

(2)

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} صل بالقرآن {نَافِلَةً لَكَ} فضيلة عن الفرائض الخمس {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} يقيمك في الآخرة مقاما يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة العظمى.

(3)

سبق هذا في الأذان في كتاب الصلاة.

(4)

أي العظمى التي تعم الناس كلهم.

(5)

هذا الحديث سيأتي بطوله في الشفاعة في كتاب القيامة إن شاء الله، وفيه وما قبله بيان المقام المحمود في الآية وأنه الشفاعة العظمى.

(6)

{وَقُلْ} يا محمد {رَبِّ أَدْخِلْنِي} المدينة {مُدْخَلَ صِدْقٍ} أي إدخالا مرضيًا {وَأَخْرِجْنِي} من مكة {مُخْرَجَ صِدْقٍ} لا ألتفت لها بقلبى {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قوة تنصرني بها.

(7)

الثالث بسند صحيح والأولان بسندين حسنين.

ص: 163

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتّونَ وَثَلَاثُمَائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} ـ {جَآءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ

(1)

}. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ

(2)

فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ سَأَلْتُمُوهُ، فَقَالُوا: لَا تسْأَلُوهُ فَإِنَّهُ يُسْمِعُكُمْ مَا تَكْرَهُونَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً

(3)

وَرَفَعَ رَأْسَهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحى إِلَيْهِ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ ثُمَّ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً

(4)

}.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا

(1)

النصب بضمتين الأصنام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطعنها بعود في يده ويقول {جَاءَ الْحَقُّ} الإسلام والقرآن {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} ذهب وهلك الشرك والشيطان {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} ذاهبًا لا ثبات له، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكسيرها كلها حتى كان فوق الكعبة صنم من نحاس لخزاعة فصعد إليه عليّ فرمى به فكسره، وسبق هذا في فضل الحرمين الشريفين.

(2)

الحرث النخل، والعسيب كالقضيب عصا من جريد النخل.

(3)

وقف برهة صغيرة حتى نزل عليه الوحي بقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الذي يحيا به البدن ما هو {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} من علمه الذي اختص به {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} بالنسبة لعلم الله تعالى، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم لهم موافقا لما في التوراة لأن التوراة سكتت عنه حيث قالت إن الروح مما انفرد الله بعلمه ولا يطلع عليه أحدا من عباده، وجمهور المتكلمين: على أن الروح جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، وقال مالك: هي صورة كصورة الجسم والله وحده العلم بحقيقة خلقه.

(4)

{وَنَحْشُرُهُمْ} الكفار ماشين {عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} سكن لهبها {زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} تلهبًا واشتعالا.

ص: 164

قَادِراً على أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ

(3)

: صِنْفاً مُشَاةً، وَصِنْفاً رُكْبَاناً، وَصِنْفاً عَلَى وُجُوهِهِمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَمَا إِنَّهُمْ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوكٍ

(4)

». وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالاً وَرُكْبَاناً وَعَلَى وُجُوهِهِمْ

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى} {تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يمُوسَى مَسْحُوراً

(6)

}.

• عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه أَنَّ يَهُودِيَّيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هذَا النَّبِيِّ نَسْأَلْهُ فَقَالَ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ

(1)

قال قتادة الراوي عن أنس: بلى وعزة ربنا، أي هو قادر على هذا وأعظم منه.

(2)

ولكن البخاري في الرقائق ومسلم في صفة القيامة واللفظ له.

(3)

أي على ثلاث حالات.

(4)

يتقون بوجوههم أي يتحفظون بها، من كل حدب أي مرتفع وشوك.

(5)

فبعض الناس يحشر ماشية أي يكون في الموقف ماشيا، وبعضهم يكون راكبا، وبعضهم يمشي على وجهه بحسب أعمالهم ودرجاتهم، وهل البعث أي السير من القبور إلى الموقف يكون هكذا؟ الظاهر نعم.

(6)

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ظاهرات دالة على الصدق وهي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والسنين، أما اليد والعصا فهما المذكورتان في قوله تعالى {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ} وفي قوله {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} وأما الطوفان فإنه الماء ملأ بيوتهم، فكانوا لا يستطيعون أن يوقدوا نارا أبدا، والجراد ظهر بكثرة حتى أكل زرعهم وحبوبهم، والقمل هو السوس أو القمل المعروف، والضفادع كثرت حتى ملأت بيوتهم وطعامهم وشرابهم، وأما الدم فإن مياههم قد انقلبت دمًا حتى كادوا يموتون عطشا، وهذه مذكورة في قوله تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} والطمس مسخ الأموال حجارة إجابة لقول موسى عليه السلام {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} والسنين هي المذكورة في قوله تعالى {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} .

ص: 165

فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَهَا كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ

(1)

فَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَمْشُو بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَانٍ فَيَقْتُلَهُ

(2)

، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً

(3)

، وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ

(4)

، وَعَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ خَاصَّةً لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ

(5)

». فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبيٌّ، قَالَ:«فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا؟» قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا اللَّهَ أَلا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحْيحٍ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِلَ سَبِيلًا

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

إن سمعها أي كلمة نبى كانت له أربعة أعين أي تكبر واستعلى علينا.

(2)

أي لا تنموا بشخص بريء إلى الحاكم فيضره.

(3)

أي لا ترموا شخصًا عفيفا بالزنا.

(4)

أي من صف القتال. وبيان هذه الكلمات تقدم في أول كتاب الحدود.

(5)

وعليكم - خصوص اليهود - ألا تعدوا: لا تعتدوا في يوم السبت باصطياد السمك فيه كما نهاكم الله تعالى، فما في هذا الحديث آيات بينات محكمات لازمات على كل إنسان للعمل بها، وهي مراد السائل فلا تنافي ما سبق في بيان الآية فإنهن آيات بينات معجزات لموسى عليه السلام، ودالة على صدقه لعلهم يؤمنون، ولهذا قبّل اليهوديان يدى النبي صلى الله عليه وسلم ورجليه واعترفا بنبوته، وقولهم إن داود عليه السلام دعا الله أن يبقى في ذريته نبى، هذا إلى ظهور محمد خاتم النبيين والمرسلين - صلى الله عليهم وسلم -، وفيه مشروعية تقبيل الأيدي والأرجل وسيأتي هذا واسعًا في كتاب الأدب إن شاء الله.

(6)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى بأصحابه جهر بالقراءة فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن أنزله وهو الله تعالى ومن جاء به وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: أنهم قالوا لا تجهر فتؤذى آلهتنا فنهجو إلهك =

ص: 166

‌سورة الكهف

(1)

مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلًا قَالَ: «أَلَا تُصَلُّونَ؟» قُلْتُ: إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا

(2)

فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ:{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً

(3)

}.

• عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفاً الْبَكَّالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ

(4)

حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مُوسى قَامَ خَطِيباً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ

(5)

= فأنزل الله الآية تأمره بالتوسط بقدر سماع الأصحاب؛ وهذا في صلاة الليل كالعشاءين والفجر، قال بعضهم: فلما أسلم عمر وحمزة جهروا كما يشاءون والله أعلى وأعلم.

سورة الكهف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا القول الله تعالى فيها {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} .

(2)

طرقه وفاطمة ليلا ذهب لهما في جوف الليل فوجدها نائمين فقال: أفلا تعبدون؟ فقال عليّ رضي الله عنه: إنما أرواحنا بيد الله فإذا شاء أن يوقظنا أيقظنا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساكت من رد عليّ عليه ثم صار يضرب فخذه بيده تعجبًا من رده ويقول {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} أي أكثر جدلا من كل شيء.

(3)

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} يوشع بن نون كان يخدمه ويأخذ العلم عنه {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} زمنًا أي سأسير حتى أصل إلى مجمع البحرين.

(4)

نوف البكالى من بني بكال ككتاب أو شداد: بطن من حمير كان يقول إن موسى صاحب الخضر هو موسى بن ميشا بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام، فقال ابن عباس لما بلغه ذلك: كذب عدو الله. هذا زجر وتنفير لا قدح في نوف لأنه مسلم وتابعي.

(5)

حتى إذا أفاضت العيون ورقت القلوب ولى.

ص: 167

فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ

(1)

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْداً بِمَجْمَعِ الْبَحَرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ مُوسى يَا رَبِّ فَكَيْفَ لِي به؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتاً فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ

(2)

فَأَخَذَ حُوتاً فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ وَمَعَهُ فَتَاةُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُؤُوسَهُمَا فَنَامَا

(3)

وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً، وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ

(4)

». وَفِي رِوَايَةٍ: فِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلا حَيي فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَائِهَا فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَل فَدَخَلَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسى نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالحُوتِ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ

{قَالَ} مُوسى {لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً

(5)

} قَالَ: وَلَمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ

عَجَباً

(6)

} قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَباً وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَباً

(7)

قَالَ مُوسى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ

(8)

} {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} قَالَ: رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتى انتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ

(9)

فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسى فَقَالَ

(1)

فلما لم يرد العلم الله بقوله الله أعلم عتب الله عليه بالآتي.

(2)

تسافر إلى مجمع البحرين ومعك حوت في مكتل (في قفة) فحيثما تغيب الحوت فهناك الخضر عليه السلام.

(3)

الصخرة التي عند مجمع البحرين ناما في ظلها.

(4)

السرب كالعرب: الشق الطويل. فالله أمسك الماء عن موضع دخوله فصار كالطاق عقد البناء.

(5)

أي تعبا.

(6)

أي سبيلا عجبا كالسرب.

(7)

كان عجبا لهما لأنه حوت مملح يحيا ويتسرب.

(8)

أي نطلب ونحب لأنه آية على المطلوب وهو الخضر عليه السلام.

(9)

مغطى به مستلقيًا على قفاه في جزيرة من جزائر البحر.

ص: 168

الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ

(1)

قَالَ: أَنَا مُوسَى قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً

(2)

} قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ

(3)

وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ، فَقَالَ مُوسَى:{سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أمْراً} فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً

(4)

} فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ

(5)

فَلمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوحاً مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدَتْ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقَتْهَا {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً

(6)

} قَالَ: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً

(7)

}

قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْياناً

(8)

» قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ مِنَ الْبَحْرِ نَقْرَةً قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلا مِثْلُ مَا نَقَصَ هذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هذَا الْبَحْرِ

(9)

ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ فَبَيْنَمَا

(1)

فسلم عليه موسى بعد أن كشف عن وجهه فقال الخضر: وأنى، أي كيف بأرضك السلام.

وفي رواية: وهل بأرضي من سلام؟ لأنهم لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم بغير السلام.

(2)

وفي رواية: قال ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدًا.

(3)

أي كله وهو علم الحقيقة وأنت أعطاك الله علما من الشريعة لا أعلمه كله، فلكل مزية خاصة به، وهذا لا يستلزم أفضلية الخضر على موسى عليهما السلام لأن موسى رسول من أولي العزم ونجيّ لله تعالى.

(4)

حتى أبدأك بذكره قبل سؤالك.

(5)

أي أجرة.

(6)

أي منكرًا عظيما، ومع هذا لم يدخلها الماء كرامة للخضر ورحمة بالمساكين أصحابها.

(7)

لا تكلفني مشقة في صحبتي لك بل عاملني بالعفو واليسر.

(8)

وكانت المراجعة في المرة الأولى على خرق السفينة نسيانًا.

(9)

فعلمهما بالنسبة لعلم الله تعالى كما أخذه العصفور من البحر.

ص: 169

هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَاماً يَلْعَبُ مَعَ الْغلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسى: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً

(1)

} {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} قَالَ: وَهذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى

(2)

، قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلْغَتْ مَنْ لَدُنِّي عُذْرًا

(3)

{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ

(4)

قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}، فَقَالَ مُوسى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قَالَ: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً

(5)

}، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا

(6)

». قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذ

(1)

منكرا عظيما، روى أن الخضر غضب من رد موسى عليه كثيرا فعاد فاقتلع كتف الصبى الأيسر وقشر اللحم عنه فإذا مكتوب فيه كافر لا يؤمن بالله أبدا فهدأ موسى عليه السلام.

(2)

وهذه أي كلمة الخضر أشد من الأولى لزيادة لك.

(3)

أي أعذرتني مرة بعد أخرى فلا اعتذار بعد هذا.

(4)

القرية هي أنطاكية، واستطعما أهلها طلبا منهم الطعام بضيافة فأبوا فسارا فرأيا جدارا مائلا يكاد يسقط على من يمر بجواره فأمر الخضر يده عليه فاعتدل (وكان ارتفاع الجدار مائة ذراع وعرضه خمسين وامتداده على الأرض خمسمائة).

(5)

بقية القصة (أما السفينة) التي خرقتها {فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} يسترزقون منها {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} كافر {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} سليمة {غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ} الذي قتلناه {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} فإنه طبع كافرا من نشأته {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أوصل للرحم فأبدلهما الله بنتًا تزوجت نبيا فولدت نبيا فهدى الله به أمة عظيمة {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} هو ذهب وفضة كما رواه الترمذي {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ} ما ذكر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار {عَنْ أَمْرِي} بل بأمر وإلهام من الله تعالى {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .

(6)

ولأبي داود: رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر لرأى من صاحبه العجب ولكنه قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني.

ص: 170

كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْباً وَكَانَ يَقْرَأُ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِراً وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(1)

.

• عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِراً

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْقَدَرِ وَزَادَ: «لَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَاناً وَكُفْراً

(3)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خَضْرَاءَ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُواْ يذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً

(5)

} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي السَّدِّ قَالَ: «يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَداً فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَأَشَدِّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعثَهُمْ عَلَى النَّاسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(1)

ولكن البخاري والترمذي هنا ومسلم في الفضائل.

(2)

فهو مستثنى مما تقدم في القدر كل مولود يولد على الفطرة أي الإسلام.

(3)

أي حملهما على البغي والكفر.

(4)

فما سمي الخضر خضرا إلا أن الفروة أي الأرض التي جلس عليها تحركت أي هشيمها وصارت خضراء فهذا لقبه واسمه بليا ومعناه بالعربية أحمد وكنيته أبو العباس، واسم أبيه ملكان، قال بعض العارفين. من عرف اسمه ولقبه وكنيته واسم أبيه مات على الإسلام، وكان أبوه من الملوك، وكان الخضر نبيًا أو وليًا وعليه الجمهور.

(5)

{قَالُوا} أي المجاورون ليأجوج ومأجوج بمنقطع بلاد الترك {يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} قبيلتان أعجميتان {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} بالنهب والسلب والظلم {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي مالا {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} يمنعهم من الوصول إلينا {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي} من المال وغيره {خَيْرٌ} من خرجكم {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} سدا حصينا، ووفقه الله فصنع سدا بينهم وبين الناس حفظوا من شرهم.

ص: 171

وَاسْتَثْنَى

(1)

فَيَرْجِعُونَ فَيَجِدُونَهُ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَسْتَقُونَ الْمِيَاهَ وَيَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ فِي السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدِّمَاءِ فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْراً وَعُلُوًّا

(2)

فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفاً فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَهْلِكُونَ

(3)

فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ تَسْمَنُ وَتَبْطَرُ وَتَشْكَرُ شَكْراً مِنْ لُحُومِهِمْ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ

صُنْعاً

(5)

}.

قَالَ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنهما: سَأَلْتُ أَبِي أَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ

(6)

؟ قَالَ: لَا هُمُ الْيهُودُ وَالنَّصَارَى أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ وَقَالُوا: لَا طَعَامَ فيها وَلَا شَرَابَ، وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِين يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الْخَاسِرِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالحَاكِمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ

(7)

» وَقَالَ: «اقْرَؤُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

بقوله إن شاء الله.

(2)

جبروتًا واستكبارا.

(3)

النغف - كسبب - دود يظهر في أنف الإبل والغنم فتهلك.

(4)

تسمن وتبطر وتشكر كلهن - كتفرح - أي تسمن من لحومهم، فإذا أراد الله وخرجوا في آخر الزمان طغوا وبغوا واستكبروا على الله فأهلكهم الله تعالى.

(5)

الأخسرون أعمالا هم اليهود والنصارى كما يأتي في الحديث.

(6)

الحرورية: طائفة من الخوارج ينسبون إلى حروراء قرية بقرب الكوفة، كان ابتداء ظهور الخوارج على على رضي الله عنه، منها بسبب أحموقة ظهرت لهم فضلوا بها.

فالآية في الرهبان وأصحاب الصوامع من اليهود والنصارى تعبدوا على غير أصل فابتدعوا فخسروا الأعمار والأعمال، وأما الحرورية فإنهم نقضوا العهد وبيعة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.

(7)

العظيم في الطول والجاه، السمين الأكول الشروب وهذا في الكافر فلا يزن في الآخرة جناح بعوضة وفي رواية: فيوزن بحبة فلا يزنها لقول الله تعالى {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} لأن الوزن يكون لأصحاب الأعمال الصالحة، والكفار فيها لا صالح لهم، أو لا نجعل لهم مقدارًا واعتبارا.

ص: 172

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ} {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً

(1)

}.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِليِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتُضِيءُ بِوَجْهِهِ كَأَنَّهَا كَوكَبٌ دُرِّيٌّ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعَمَا

(2)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ أَعْطُونَا شَيْئاً نَسْأَلُ عَنْهُ هذَا الرَّجُلَ فَقَالَ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَسأَلُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} قَالُوا: أُوتِينَا عِلْماً كَثِيراً التَّوْرَاةَ وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فَأُنْزِلَتْ: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً

(3)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْإِسْرَاءِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} .

• عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحداً فَلْيطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ. نَسْأَلُ اللَّهَ كَامِلَ التَّقْوَى وَحُسْنَ الْوَرَعِ آمِين.

(1)

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ} في علم الله {جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} الفردوس أعلى الجنة وأوسطها فهى منزل المؤمنين الصالحين {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} أي لا يطلبون التحول عنها، نسأل الله أن يجعلنا منهم.

(2)

عليون: مكان رفيع تحت العرش وليس هذا إلا الفردوس، فالرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة أي يطلع عليهم بوجهه فتضيء كالكوكب الدري، فما بالك به وأن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما أي زادا على الناس في كل نعيم.

(3)

{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ} أي ماؤه {مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} يكتب به كلمات الله {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} إذا كانت كلمات الله هكذا فأين التوراة بل أين الكتب المنزلة كلها جل شأن ربنا وعلا.

(4)

فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه فقط ولا يعطى ثوابا إلا للمخلصين=

ص: 173

‌سورة مريم رضي الله عنها

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى نَجْرَانَ فَقَالُوا لِي: أَلَسْتُمْ تَقْرَؤونَ يَا أُخْتَ هرُونَ وَقَدْ كَانَ بَيْنَ مُوسى وَعِيسى مَا كَانَ فَلَمْ أَدْرِ الْجَوَابَ فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «أَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الْأَدَبِ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ

(3)

حَتَّى يُوقَفَ عَلَى السُّور بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ

(4)

فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيَضْجَعُ فَيُذْبَحُ

(5)

ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ثُمَّ قَرَأَ:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} هؤُلاءِ فِي غَفْلَةٍ، أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

(6)

}». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: «فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ الْحَيَاةَ فِيهَا

= بل يكفيهم كل شيء للدنيا والأخرى لحديث "اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها. وتقدم أنواع الشرك وبيان الإخلاص وافيًا في كتاب النية والإخلاص.

سورة مريم عليها وعلى عيسى السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لذكر قصة مريم فيها، عليها وعلى ولدها عيسى رفيع السلام.

(2)

نجران: إقليم باليمن مشهور، فقولهم: يا أخت هارون أي المشهور في زمنهم بالصلاح والتقوى وإلا فليس لها أخ اسمه هارون.

(3)

في لونه سواد وبياض.

(4)

فيشرئبون، أي يرفعون رءوسهم فينظرون.

(5)

الذي يأتي بالموت في صورة الكبش جبريل، والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر، والذابح له يحيى بن زكريا عليهم السلام تفاؤلا بخلود الحياة بعد هذا.

(6)

{وَأَنْذِرْهُمْ} أهل مكة {يَوْمَ الْحَسْرَةِ} يوم يتحسرون =

ص: 174

وَالْبَقَاءَ لَمَاتُوا فَرَحاً، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى لِأَهْلِ النَّارِ الْحَيَاةَ فِيهَا وَالْبَقَاءَ لَمَاتُوا تَرَحاً أَيْ حُزْناً».

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً

(1)

}.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا عُرِجَ بِي رَأَيْتُ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا» فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلِكَ

(2)

}. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ السُّدِّيُّ: سَأَلْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فَحَدَّثَنِي أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَجِلِهِ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ ثُمَّ كَمَشْيهِ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

قَالَ خَبَّابٌ رضي الله عنه: كُنْتُ قَيْناً بِمَكَّةَ

(4)

فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ سَيْفاً فَجِئْتُ أَتقَاضَاهُ فَقَالَ: لَأَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَكْفرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ

= حسرة لا حسرة بعدها وهو يوم ذبح الموت {وَهُمْ} كفار مكة {فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وهذا الذبح وهذا النداء إذا استقر أهل الجنة فيها وأهل النار فيها وخرج منها العصاة الموحدون وبقى أهل النار الخالدون فيقال يا أهل الجنة: خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. فلو مات أحد من شدة الفرح لمات أهل الجنة ولو مات أحد من شدة الحزن لمات أهل النار، نعوذ بالله منها.

(1)

إدريس هذا لقبه لأنه كان كثير الدراسة فيما نزل عليه وهو ثلاثون صحيفة واسمه اخنوخ بن شيث ابن آدم عليهم السلام، وهو جد النوح لأنه ابن لمك بن متوشلخ بن إدريس عليهم رفيع السلام: والمكان العلى هو السماء الرابعة، وإدريس أول من خط بالقلم وخاط الثياب واتخذ السلاح وقاتل الكفار ونظر في علم النجوم والحساب.

(2)

{لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} من أمور الآخرة {وَمَا خَلْفَنَا} من أمور الدنيا {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} من هذا الوقت إلى قيام الساعة أي يعلم الله ذلك كله فلو أمرنا بالنزول إليك ما تأخرنا.

(3)

حضر الفرس شدة عدوه، والراكب في رجله الفارس وشدة الرجل عدوه.

(4)

قينا: أي حدادا، أصنع السيوف والمدى ونحوها.

ص: 175

ثُمَّ يَبْعَثَكَ قَالَ: فَذَرْنِي حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ فَسَوْفَ أُوتَى مَالاً وَوَلَداً فَأَقْضِيَكَ فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً

(1)

} {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً

(2)

} {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَما يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِّمَنِي وَتَكَذِّبَنِي وما يَنْبَغِي لَهُ. أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِي وَلَداً، وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً نَادَى جبْرِيلَ إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فَلَاناً فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ

(4)

فَذلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً

(5)

} وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْداً نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي قَدْ أَبْغَضْتُ فُلَاناً فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ

(6)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشيْخَانِ

(7)

.

(1)

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} وهو العاصى السهمي {وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} في الآخرة إن كانت؛ فرد الله عليه بقوله {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} بأنه سيعطى في الآخرة المال والولد {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} بإعطائه ذلك {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} تزيده بقوله هذا عذابا فوق عذاب كفره.

(2)

{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} لا يليق به ذلك {أَنْ} ما {كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} ذليلا خاضعًا في الآخرة حتى من زعموا أنهم أبناء الله كعزير وعيسى عليهما السلام {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} أي أحاط علمه بهم من كل الوجوه.

(3)

والله تعالى يقول {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} ، وسبق هذا في تفسير سورة البقرة.

(4)

فينادي أي جبريل في السماء بقوله: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء والأرض.

(5)

يحبهم ويحبب فيهم عباده، نسأل الله أن نكون منهم.

(6)

فمحبة الناس لبعض العباد وكذا بعضهم الآخرين من الله تعالى، نسأل الله كامل المودة.

(7)

ولكن الترمذي هنا وسيأتي في البر والأخلاق إن شاء الله تعالى.

ص: 176

‌سورة طه عليه الصلاة والسلام

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى لَيْلَةً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى أَنَاخَ فَعَرَّسَ ثُمَّ قَالَ: «يَا بِلَالُ اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ

(2)

» فَصَلَّى بِلَالٌ ثُمَّ تَسَانَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْفَجْرِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُمْ فَقَالَ: «أَيْ بِلَالُ» ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْتَادُوا» ، ثُمَّ أَنَاخَ فَتَوَضَّأَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ ثُمَّ صَلَّى مِثْلَ صَلَاتِهِ لِلْوَقْتِ» ثُمَّ قَالَ:«أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي

(4)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَاجَّ مُوسى آدَمَ

(5)

فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ قَالَ آدَمُ: يَا مُوسى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ

سورة طه عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى فيها {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} .

(2)

لما قفل أي رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر أسرى ليلة حتى أدركهم الكرى أي النوم أمرهم فنزلوا؛ ثم قال: يا بلال احفظ لنا الليل أي أيقظنا لصلاة الفجر، فاستند بلال إلى راحلته فنام وناموا حتى طلعت الشمس فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم، فقال يا بلال كيف قولك؟ فقال: يا رسول الله أنامني الذي أنامكم، فقال: اقتادوا رواحلكم إلى مكان آخر ثم نزلوا فتوضئوا ثم صلوا سنة الفجر ثم الفريضة ثم قرأ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} أي لتذكرني فيها.

(3)

بسند ضعيف ولكن تقدم في أعذار الصلاة للشيخين وأبي داود.

(4)

قال الله تعالى لموسى عليه السلام {وَاصْطَنَعْتُكَ} أي اخترتك {لِنَفْسِي} لتكون رسولا بيني وبين عبادي.

(5)

أي حاججه ولامه على الأكل من الشجرة وهذه المحاججة بين أرواحهما حينما كانا ببيت المقدس ينتظران النبي صلى الله عليه وسلم أو في السماء الله أعلم.

ص: 177

أَوْ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي

(1)

». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسى» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(2)

.

‌سورة الأنبياء صلى الله عليهم وسلم

(3)

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالُواْ يوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ

(4)

}.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيه الْكَافَرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ» .

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَعَدَ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكَيْنِ يَكْذِبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصونَنِي وأَشْتِمُهُمْ وَأَضْرِبُهُمْ، فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ:«يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافاً لا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ وَإنْ كَانَ عقَابُكَ إيّاهُمْ فُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلًا لَكَ وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ» فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَهْتِفُ

(5)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا تَقْرأُ كِتَابَ اللَّهَ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ

(1)

أو للشك، فحج آدم موسى أي غلبه بالحجة بقوله أتلومنى على أمر كتبه الله عليّ قبل أن يخلقنى أي وإذا قدر الله على مخلوق شيئًا فلا بد من وقوعه.

(2)

ولكن البخاري هنا ومسلم في القدر وتقدم هذا في الإيمان بالقدر والله أعلى وأعلم.

سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا لذكر طائفة من الأنبياء فيها كإبراهيم وداود وسليمان عليهم السلام.

(4)

{قَالُوا} أي الكفار في الآخرة {يَاوَيْلَنَا} يا هلاكنا أو هو واد شديد العذاب {إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} لأنفسنا بالكفر.

(5)

اقتص لهم منك الفضل: أي القدر الزائد، ويهتف بربه أي بدعوه بالعفو عنه =

ص: 178

الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ

(1)

، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلِهؤُلَاءِ شَيْئاً خَيْراً مِنْ مُفَارِقَتِهِمْ أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(2)

. وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.

‌سورة الحج

(3)

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثَ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ

(4)

يَشِيبُ الصَّغِيرُ {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} »، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفاً

(5)

»، ثُمَّ قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا

(6)

، فَقَالَ:«أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ

(1)

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} ذوات العدل {لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي فيه {فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} بنقص حسنة أو بزيادة سيئة {وَإِنْ كَانَ} العمل {مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} أي زنتها {أَتَيْنَا بِهَا} في ميزانه {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} عالمين بكل شيء.

(2)

بسندين غريبين. نسأل الله حسن التوفيق.

سورة الحج

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها لإبراهيم عليه السلام {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} أي مشاة {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} بعير مهزول {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} طريق بعيد.

(4)

أي يوم القيامة.

(5)

فإن منكم رجلا أي من المسلمين من كل أمة والباقي الكفار وهم بعث النار وفي رواية من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد.

(6)

فرحا بذلك.

ص: 179

أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(2)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ فَبَئُسَ الْقَوْمُ حَتَّى مَا أَبْدَوْا بِضَاحِكَةٍ» فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بِأَصْحَابِهِ قَالَ: «اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ إِلا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبَنِي إِبْلِيسَ» فَسُرِّيَ عَنِ الْقَوْمِ بَعْضُ الَّذِي يَجِدُونَ فَقَالَ: «اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ أَوح كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ

الدَّابَّةِ

(3)

».

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآُخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ

(4)

}.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَاماً وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ هذَا دِينٌ صَالِحٌ وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ هذَا دِينُ سَوْءٍ

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

فلا خوف على مؤمني الأمة المحمدية فإن بعث النار من غيرها، فضلا عن هذا فإنهم نصف أهل الجنة.

(2)

ولكن البخاري في بدء الخلق ومسلم في الإيمان والترمذي هنا.

(3)

فبئس القوم: من البؤس والحزن، ويأجوج ومأجوج بيان لخليقتين، ومن مات من بني آدم أي كافرًا أي لا تحزنوا فأهل النار من غيركم كثيرون كيأجوج ومأجوج والكفار من الإنس والجن والشياطين، فسرّى عن القوم أي زال حزنهم، وسبق بيان الشامة والرقمة في سورة الإسراء.

(4)

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} شك في عبادته كمن هو على حرف جبل لا ثبات له {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} في نفسه وأهله وماله {اطْمَأَنَّ بِهِ} رضي به {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} بلاء في أي شيء {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} رجع إلى كفره {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .

(5)

ظاهره أن هذا في بعض مهاجرى الأعراب، وقال بعضهم. هذا في المنافق إن صلحت دنياه أقام على عبادته أي ظاهرًا وإلا تركها وعاد لأصله، وعلى كل فالآية تذم من كان هذا وصفه والمطلوب التمسك بالدين والرضا بحكم الله تعالى في كل حال.

ص: 180

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ

(1)

}.

كَانَ أَبُو ذَرَ يُقْسِمُ إِنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ

(2)

.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُوَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(3)

، قَالَ قَيْسٌ: وَفيهِمْ نَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ} قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبيْدَة، وَشَيْبَةَ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ

جَبَّارٌ

(4)

».

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ

(1)

{هَذَانِ خَصْمَانِ} تثنية خصم وهو يقال للواحد والجمع والمراد هنا جماعة المؤمنين وهم على وصاحباه. وجماعة الكافرين وهم شيبة وصاحباه {اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} في دينه كل خصم يمدح دينه ويقدح في دين الآخر {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} يلبسونها فيها {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} الماء البالغ نهاية الحرار {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} يذاب بسببه ما في بطونهم من شحوم وغيرها {وَالْجُلُودُ} تشوي به {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} يضربون بها على رءوسهم نعوذ بالله من ذلك.

(2)

حمزة وصاحباه وهما على بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عمه وعتبة وصاحباه هما شيبة والوليد ففى يوم بدر اصطف الجيشان فبرز عتبة وطلب واحدًا من المسلمين فخرج له حمزة رضي الله عنه ثم برز شيبة فخرج له عبيدة، ثم برز الوليد فخرج له علي رضي الله عنه فقتل المسلمون من برزوا لهم من الكفار إلا عبيدة رضي الله عنه فإنه اختلف مع شيبة بضربتين فوقعت الضربة في ركبته فمال حمزة وعلى إليه فأعانه على قتل شيبة ولكنه استشهد من أثر تلك الضربة وهم راجعون رضي الله عنهم.

(3)

أنا أول من يجثو أي يجلس على ركبتيه يوم القيامة بين يدي ربي لطلب الخصومة مع هؤلاء الكفرة. وكفاهم توعدات الآية القرآنية.

(4)

فالعتيق في قوله تعالى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} القاهر لكل جبار لأن الله أعتقه من غلبتهم له ومعناه القديم أيضًا لأنه أول بيت وضع للناس.

ص: 181

لَيَهْلِكُنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ

(1)

} {الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ} ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(2)

. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌سورة المؤمنون

(3)

مكية وهي مائة وثمان عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ

(4)

} {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ

(5)

} {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ

(6)

} {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ

(7)

} {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ

(8)

} {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ سُمِعَ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النَّحْل فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ يَوْماً فَمَكَثْنَا سَاَعةَ فَسُرِّيَ عَنْهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْنَا

(1)

فلما أخرج الكفار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة، قال أبو بكر: حيث أخرجوا نبيهم فلا بد من هلاكهم فنزلت الآيتان تخبران بأن المسلمين ظلموا وأن الله قادر على نصرهم، فقال أبو بكر: قد علمت أن المسلمين سينصرون وقد كان ذلك.

(2)

الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن.

سورة المؤمنين

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا لبدئها بقول الله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} .

(4)

اللغو هو ما لا فائدة فيه الدنيا والآخرة.

(5)

يؤدونها لمستحقيها.

(6)

ما ملكت أيمانهم من السراري والإماء.

(7)

فمن طلب غير الحلال فهو العادي والتجاوز للحد الشرعي.

(8)

والذين هم يحافظون على الأمانات والعهود للخلق ولله تعالى.

ص: 182

وَلَا تَنْقُصْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا

(1)

وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا. ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: أُنْزِلَ عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ثُمَّ قَرَأَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حَتَّى خَتَمَ عَشْرَ آيَاتٍ

(2)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ وَكَانَ ابْنُهَا الْحارِثُ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَهْمٍ

غَرْبٍ

(3)

فَقَالَتْ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَارِثَةَ لَئِنْ كَانَ أَصَابَ خَيْراً احْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ وَإِلا اجْتَهَدْتُ فِي الدُّعَاءِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جَنَّةٌ فِي جَنَّةٍ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى

(4)

، وَالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ وَلَا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً

(6)

وَإنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ» فَقَالَ: {يأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ

(7)

}، قَالَ: وَذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبُّ يَا رَبُّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذلِكَ

(8)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ

(9)

.

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ

وَجِلَةٌ

(10)

} قُلْتُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ

(1)

وآثرنا: راعنا بفضلك أولا ولا تؤثر غيرنا علينا.

(2)

من أقامهن أي عمل بهن دخل الجنة من غير عذاب.

(3)

أي حاد لا يعلم من رماه فاستشهد إلى رحمة الله تعالى.

(4)

أي قسمته الجنة المالية.

(5)

بسندين صحيحين.

(6)

إن الله طيب أي منزه عن النقائص لا يقبل إلا طيبًا أي حلالا من الأموال وخالصا من الأعمال.

(7)

فشرط قبول العمل أكل الحلال، والآيتان بيان الأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.

(8)

وذكر أي النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أي الشخص يتجول شرقا وغربا وهو أشعث أغبر وسخ ومنتشر شعره منهمك في طاعة الله والتضرع إليه ولكن طعامه وشرابه ولباسه وتغذيته حرام فكيف يستجاب لذلك أي فلا يستجاب له.

(9)

ولكن الترمذي في تفسير البقرة.

(10)

فالذين يؤتون ما آتوا هم الصالحون الخاشعون الخائفون من ربهم.

ص: 183

ولكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَلا يُقْبَلَ مِنْهُمُ {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} ».

• عَنْ أَبِي سَعِيد الْخدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ

(1)

}، قَالَ:«تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعالِيَةُ حَتَّى تَبْلُغَ وَسْطَ رَأْسِهِ وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ» . رَوَاهُما التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

‌سورة النور

(3)

مدنية وهي ثنْتَانِ أو أربع وستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لِي فَقَابَلَتْنِي بِمَكَّةَ

(4)

لِيْلَةً فَقَالَتْ: هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ، فَقُلْتُ: يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقاً فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئاً حَتَّى نَزَلَتْ: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

(5)

}.

(1)

فالكلوح من شوي النار: انسلاخ الشفة العليا حتى تصل إلى وسط رأسه، وانسلاخ الشفة السفلى حتى تصل إلى سرته فيكون منظره من أفظع المناظر.

(2)

الأول مسكوت عنه والثاني بسند صحيح.

سورة النور

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب عمر رضي الله عنه إلى الكوفة: علموا نساءكم سورة النور، وقالت عائشة: لا تنزلوا النساء في الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل لما في سورة النور من كثير الآداب.

(3)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .

(4)

مرثد كمسكن، كان رجلا يذهب لمكة خفية فيحمل الأسرى فينقلهم للمدينة، بغى: زانية، هلم أي تعال.

(5)

{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ} لا يتزوج {إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} فلا يرغب فيهما إلا الزاني، {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} فلا يرغب فيها إلا واحد من هذين {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} لما فيه =

ص: 184

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَرْثَدُ لَا تَنْكِحْهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيّة قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ

(2)

، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ

(3)

»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلاً يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْبَيِّنَةَ وَإِلا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبْرَئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

(4)

} فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» ؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجِبَةٌ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرجِعُ

(5)

ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فمَضَتْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَبْصرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَينِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكَ بْنِ سَحْمَاءَ» فَجَاءَتْ بِهِ كَذلِكَ

(6)

؟.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

= من الطعن والتعرض للتهم والواجب التزوج بالعفيفات لحديث "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" وقيل هذا نسخ بقوله تعالى بعدها: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} .

(1)

أي مطولا بسند حسن.

(2)

قذف زوجته وهي خولة بنت عاصم أي بالزنا بشريك بن سحماء وهذا اسم أمه.

(3)

أي أحضر البينة أو عليك حد القذف في ظهرك.

(4)

أي يقول: أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنا، ثم يقول في المرة الخامسة: عليه لعنة الله إن كان من المكذبين.

(5)

قوله: فشهدت، أي أربع مرات إنه لمن الكاذبين، فلما كانت عند القولة الخامسة أوقفوها وذكروها أنها موجبة أي للعذاب الأليم فتلكأت ونكصت أي وقفت متحيرة ثم مضت في المرة الخامسة، وهي عليها غضب الله إن كان من الصادقين.

(6)

أبصروها أي خولة هذه فإن جاءت به أي الولد الذي في بطنها سابغ الأليتين أي عظيمهما خدلج الساقين غليظهما فهو لشريك صاحبها، فجاء الولد على هذا الوصف فقال صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله بأمره باللعان لكان لي ولها شأن بإقامة الحد عليها.

ص: 185

«لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . زَادَ فِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ قَضَى بِالْولَدِ لِلْمَرْأَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

(1)

ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ

(2)

}.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ

(3)

فَأَيَّتَهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا

(4)

فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلكَ وَقَفَلَ

(5)

وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ

(6)

فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ

(7)

فَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي وَهُمْ

(1)

وتقدم هذا وافيًا في اللعان من كتاب النكاح.

(2)

{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} أسوأ الكذب على عائشة بالزنا {عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} جماعة من المؤمنين وهم حسان بن ثابت ومسطح وحمنة بنت جحش ورأسهم عبد الله بن أبي {لَا تَحْسَبُوهُ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان {شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} يأجركم الله عليه وتظهر براءة عائشة وفضل أبيها في قرآن يتلى ما دام الليل والنهار {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} أي جزاء ما افتراه في الدنيا بحد القذف الذي أقيم عليهم {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في الآخرة بالنار الخالدة وهو عبد الله بن أبيّ بن سلول كما قالت عائشة فإنه هلك على كفره.

(3)

يخرج أي لسفر.

(4)

هي غزوة بني المصطلق وستأتي في الجهاد.

(5)

رجع.

(6)

أي وقضيت حاجتي.

(7)

أخرني عن الرجوع بسرعة البحث عليه.

ص: 186

يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافاً لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ

(1)

فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ

(2)

فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ

(3)

فَأَقمْتُ مَنْزِلِي

(4)

الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ

(5)

فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي. فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي. وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ

(6)

حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ

(7)

فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ

(8)

وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبَيَ ابْنَ

سَلُول

(9)

فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ شَهْراً

(10)

وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذلِكَ وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي

(11)

إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ:

(1)

فكانت النسوة حين ذاك خفيفات الجسم لأكلهن العلقة أي القليل من الطعام، والمراد إظهار عذر من حملوا هودجها.

(2)

بعد أن سار.

(3)

ليس بها أحد.

(4)

أي قصدت مكاني الذي كنت به.

(5)

فصفوان هذا كان يتأخر عن الجيش حتى يسير ثم ينظر مكانه فإن رأى شيئًا ضل أو سقط منهم أخذه وأدرك الجيش.

(6)

بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون.

(7)

فوطئ على يدها: وضع رجله على ركعة الراحلة فركبتها وقادها. حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة: أي في شدة الحر والشمس في نهاية ارتفاعها.

(8)

تسببوا في هلاكهم من قالوا بالإفك والقذف.

(9)

ابن سلول صفة ثانية لأنه اسم أمه.

(10)

مرضت شهرا.

(11)

ولكن دخلني وهم من عدم ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لي وأنا مريضة كعادته.

ص: 187

«كَيْفَ تِيكُمْ

(1)

» ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَهُوَ

مُتَبَرَّزُنَا

(2)

وَكُنَا لَا نَخْرُجُ إِلا لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وَذلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيباً مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ

(3)

فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحِ ابْنِ أُثَاثَةَ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

(4)

فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي وَقَدْ فرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْراً، قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ

(5)

أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَزْدَدْتُ مَرَضاً عَلَى مَ رضي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ:«كَيْفَ تِيكُمْ» فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ، قَالَتْ: وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا

(6)

، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَلَقَد تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ

(1)

كيف تيكم إشارة للأنثى أي كيف هذه المريضة؟ فتجيبه أم عائشة واسمها أم رومان كانت تمرضها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

فكان تبرزهم أي قضاء حاجتهم في مكان خارج المدينة اسمه المناصع.

(3)

وعادتنا كالعرب الأول في التبرز خارج البلدة.

(4)

أم مسطح اسمها سلمى بنت أنيس بن عبد المطلب بن عبد مناف.

(5)

عثرت في مرطها أي كسائها، فقالت: تعس مسطح أي هلك غضبًا عليه من خوضه مع الخائضين، فردت عليها عائشة، فقالت أم مسطح: أي هنتاه أي يا هذه أما سمعت ما قال؟ فأخبرتها فزاد مرضها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الذهاب لأبويها ثم ذهبت لهما.

(6)

وضيئة: حسنة جميلة، وكثرن عليها أي من القول حقًّا وباطلا وهذا شأن الضرائر وإلا فأمهات المؤمنين لم يقع منهن شيء وإن وقع من بعض قرباهن تشيعًا لهن.

ص: 188

لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ

(1)

حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ

(2)

فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلَكَ وَمَا نَعْلَمُ إِلا خَيْراً

(3)

، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ

(4)

وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِبَرَةَ فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟» قَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْراً أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَديثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ

(5)

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ فَقَالَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَتِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي

(6)

فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلا خَيْراً وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا

(7)

مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلا خَيْراً وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلا مَعِي»، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ

(8)

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ

(1)

أي لم ينقطع دمعي ولم أذق نومًا.

(2)

استلبث الوحي: تأخر نزوله، يستأمرها أي يستشيرها في أمر عائشة.

(3)

في نفسه أي النبي صلى الله عليه وسلم من محبته لعائشة، فقال: يا رسول الله: أمسك أهلك أو هم أهلك العفيفات وما نعلم فيهن والله إلا كل خير.

(4)

لم يقل عليّ هذا كراهة في عائشة أو كراهة في سلوكها وإنما أراد التفريج عن النبي صلى الله عليه وسلم مما اعتراه من الهم والقلق ولذا أحاله على جاريتها فإنها أعلم بها ولا تقول فيها إلا خيرا.

(5)

هل رأيت شيئًا يريبك من قول أهل الإفك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن - أي ما - رأيت عليها أمرا أغمصه أعيبه عليها إلا أنها أنثى صغيرة تنام عن العجين فتأتي الداجن أي الشاة التي في البيت فتأكله، فهذا عيبها إن كان عيبا، وبريرة هذه كانت تخدم عائشة فقط وتنتفع منها ثم اشترتها وأعتقها بعد ذلك وبقيت عندها تخدمها.

(6)

من يعذرني أي يقيم عذري وينصرني من رجل هو ابن سلول، بلغني أذاه أي طعنه في أهلى.

(7)

ذكروا رجلا أي بالسوء وهو صفوان.

(8)

هو سيد الأوس رضي الله عنهم.

ص: 189

فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ

(1)

وَكَانَ قَبْلَ ذلِكَ رَجُلاً صَالِحاً وَلكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقَتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ

(2)

فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا

وَسَكَتَ

(3)

قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا وَهُمَا يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكاءَ فَالِقٌ كَبِدِي. فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِبلَ قَبْلهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْراً لَا يُوحى إِلَيْهِ في شَأْنِي قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا

(4)

فَإِنْ كُنْتِ بِرَيئَةً فَسَيُبَرِّئكِ اللَّهُ. وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ عَلَيْهِ

(5)

» قَالَتْ: فَلَمَّا قَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً

(6)

فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لِأُمِّي:

(1)

هو سيد الخزرج رضي الله عنهم.

(2)

فسعد بن عبادة لما سمع قول سعد بن معاذ غلبته الحمية والأنفة إذ تولى سعد بن معاذ نصر النبي صلى الله عليه وسلم ويريد أن يتولى ذلك هو، فرد عليه بما قال؛ فقام ابن عم سعد بن معاذ وهو أسيد بن حضير فرد على سعد بن عبادة انتصارا لابن عمه.

(3)

وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته.

(4)

كناية عن قول أهل الإفك.

(5)

ألممت بذنب أي وقعت فيه بخلاف عادتك فاستغفري الله وتوبي إلى الله فإن الله يقبل توبة من أناب إليه.

(6)

قلص دمعي أي انقطع لأن الحزن إذا اشتد فقد الدمع لشدة حرارة المصيبة.

ص: 190

أُجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: مَا أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيراً مِنَ الْقُرْآنِ: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمُ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذلِكَ وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي

(1)

وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ

(2)

وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ، قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى

فِرَاشِي

(3)

وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَلكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْياً يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى وَلكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِن أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ

(5)

فَلَمَّا سُرِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَهُوَ يَضْحكُ فَكَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: «يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ عز وجل فَقَدْ بَرَّأَكِ» فَقَالتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ

(6)

، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلا اللَّهَ عز وجل فَأَنْزَلَ اللَّهُ:

{إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا

(7)

فَلَمَّا أَنْزَلَ

(1)

أي إن قلت إلى كما قالوا لتصدقني.

(2)

الصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه.

(3)

ثم تحولت عنهم وتوجهت للحائط ونمت على الفراش لاجئة لربي فقط.

(4)

أي ما فارق مجلسه.

(5)

فأخذه من البرحاء: شدة الوحي حتى إنه ليتساقط عرقه مثل الجمان أي الدر مع أننا في الشتاء، فلما سرى أي كشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصعد الوحي وهو يضحك كان أول ما قال: يا عائشة أما الله فقد برأك.

(6)

إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاجلسي بجواره على بشارته لك، فقالت: والله لا أقوم إليه دلالا منها على النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يكذب ما سمعه فيها اكتفاء بأخلاقها وتقواها.

(7)

قال بعضهم: الصواب أنها اثنتا عشرة آية أي بما نزل في أبي بكر رضي الله عنه إلى غفور رحيم.

ص: 191

اللَّهُ تَعَالَى هذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئاً أَبَداً بَعْدَمَا قَالَ فِي عَائِشَةَ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ

(1)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

(2)

}. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَداً. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ: «يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟» قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْراً، قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانتْ تُسَامِينِي

(3)

مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ وَطَفِقَتْ أُخْتَهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ

(4)

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

وَعَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذلِكَ وَتَلَا الْقُرْآنَ فَلَمَّا نَزَلَ أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ

(6)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ لَمَّا نَزَلَ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ

(7)

} شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا.

(1)

لأن مسطحا ابن خالة أبي بكر رضي الله عنهما.

(2)

{وَلَا يَأْتَلِ} لا يحلف {أُولُو الْفَضْلِ} الغني {مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا} على ألّا يؤتوا {أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} عنهم {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

(3)

أي تطلب من العلو والرفعة والخطوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب أو تعتقد أن لها مثل مكانتي عند النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

فأقيم عليها الحد وأثمت مع الآثمين.

(5)

ولكن البخاري والترمذي هنا ومسلم في التوبة.

(6)

الرجلان هما حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، والمرأة هي حمنة بنت جحش تكلموا بكلام أهل الإفك فلما نزلت براءة عائشة رضي الله عنها تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم آياتها على المنبر ثم أمر بإقامة حد القذف على هؤلاء ثم تابوا وصاروا من أحسن المسلمين رضي الله عنهم.

(7)

الخمر جمع خمار وهو ما تغطى به المرأة رأسها وعنقها وصدرها، والجيوب جمع جيب وهو طوق القميص وكانت عادة النساء سدل الخمر من=

ص: 192

وَفِي رِوَايَةٍ: أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيَ ابْنِ سَلُولَ جَارِيَتَانِ إِحْدَاهُمَا تُسَمَّى مُسَيْكَةَ وَالْأُخْرَى تُسَمَّى أُمَيْمَةَ فَكَانَ يُكْرِهُهُمَا عَلَى الزِّنَا فَشَكَتَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ: {وَلَا تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ} الْآيَةَ

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌سورة الفرقان

(2)

مكية وهي سبع وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً

(3)

}.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِراً عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ قتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبَّنَا

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

= خلف فتبقى الوجوه والأعناق والصدور بادية فأمرهم الله بستر تلك المواضع بقوله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فصارت كل امرأة تأخذ قطعة من كسائها أو إزارها فتختمر بها.

(1)

{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} أي إماءكم {عَلَى الْبِغَاءِ} أي الزنا {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} تعففا وهذا لأنه الواقع وإلا فالإكراه على الزنا حرام {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

سورة الفرقان مكية وهي سبع وسبعون آية

(2)

سميت بهذا لبدئها بقول الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} .

(3)

قبلها {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} في إبطال نبوتك {إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} الدامغ له {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} أي بيانًا، فما من سؤال أوردوه عليك إلا أجبناهم بأحسن رد. هؤلاء هم كفار مكة {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} يسحبون إليها وهم مقالوبون، رءوسهم ووجوههم في الأرض وبقية أجسامهم مرفوعة {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} عقابهم في أشر الأمكنة {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} أخطأ من كل الناس فإنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وعاندوه وعادوه والمؤمنين.

(4)

تقدم هذا في سورة الإسراء.

ص: 193

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ

خَلَقَكَ

(1)

»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلُ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعكَ

(2)

»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَن تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ

(3)

»، قَالَ: وَنَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقاً لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ

(4)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رضي الله عنه: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ فَرَحَلْتُ فِيهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} قَالَ: لا تَوْبَةَ لَهُ. وَعَنْ قَوْلِهِ: {لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ} قَالَ: كَانَتْ هذِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِي رِوَايَةِ: كَانَتْ هذِهِ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَلَفْظُهُ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا، فَتَلَوْتُ عَلَيْهِ آيَةَ الْفُرْقَانِ:{إِلاَّ مَن تَابَ} قَالَ: هذِهِ آيةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْها آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} الآيَةَ

(5)

.

(1)

فأعظم ذنب يرتكبه الإنسان أن يجعل لله ندا أي مثلا في الألوهية ويعبده لأن الله مالك الملك وعلى كل مخلوق توحيده وعبادته.

(2)

أي خوفا من الفقر وكانت عادة لبعض الكفرة في الجاهلية فنهاهم الله تعالى بقوله {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} فقر {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} والولد ليس قيدا بل كل قتل ذنب كبير.

(3)

ثم الزنا بحليلة أي امرأة جارك لأنه ظلم من جهتين من جهة أنه زنا ومن جهة أنه هتك لعرض الجار الذي أوصى الله ورسوله به.

(4)

تمام الآية {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} واحدا من الثلاثة {يَلْقَ أَثَامًا} عقابا {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} فمن يفعل شيئا من هذا يخلد في أشد العذاب.

(5)

فآية {إِلَّا مَنْ تَابَ} مكية نزلت بمكة لترغيب المشركين في الإسلام وأنه يغفر لهم ما مضى ثم نسختها آية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما فعنده أن من قتل مؤمنًا متعمدا لا توبة له ويخلد في النار، ولكن كل العملاء على خلافه لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وتقدم هذا وافيًا في سورة النساء وفي أول كتاب الحدود.

ص: 194

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: قَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ وقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَأَتَيْنا الْفَوَاحِشَ

(1)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ. فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

‌سورة الشعراء

(3)

مكية وهي مائة وست وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام يَرَى أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ الْغَبَرَةُ وَالْقَتَرَةُ

(4)

»، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَلا تُخْزِنِي

(1)

فلما نزلت {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} قال كفار مكة: قد فعلنا هذه الأمور فما فائدة الإسلام فنزلت {إِلَّا مَنْ تَابَ} منهم {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} بفعل الواجبات والبعد عن المحرمات {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} يمحو السيئات ويثبت مكانها الحسنات من عمل الصالحات، ولا يبعد تبديل كل سيئة مضت بحسنة، بمجرد الدخول في الإسلام والاستقامة.

(2)

خمس من الآيات قد مضين أي وقعن: الدخان المذكور في قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} والقمر المذكور في قوله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} والروم في قوله تعالى {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} والبطشة المذكورة في قوله تعالى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} وهو قتلهم ببدر، واللزام العذاب بما وقع لهم في بدر كذا قال عبد الله وفريق، وقال آخرون:{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أي سيكون العذاب ملازمًا لكم في الآخرة وهو النار الخالدة نعوذ بالله منها آمين.

سورة الشعراء

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا لقوله تعالى فيها {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} .

(4)

الغبرة والقترة سواء كالدخان.

ص: 195

يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَيَقولُ اللَّهُ: «إِنَّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ

(1)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ

(2)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزلَ اللَّهُ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ، قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، يَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أَغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً

(3)

، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُ: «يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعاً، يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكِ ضَرًّا وَلَا نَفْعاً إِنَّ لَكِ رَحِماً سَأَبُلُّهَا

بِبِلالِها

(4)

.

(1)

فشرط إنجاز الوعد الإيمان، وأبو إبراهيم لم يؤمن، وسبق الحديث في سورة الأنعام.

(2)

ابن جدعان اسمه عبد الله: جواد مشهور كانت له جفنة يأكل منها القائم والراكب لعظمها، وقوله: لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي كناية عن عدم إيمانه.

(3)

فلما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بإنذار أقاربه أولا ذهب فوقف على الصفا بجوار الحرم ثم قال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من النار الخالدة باعتناق الإسلام فإني لا أغني لا أدفع عنكم من عذاب الله شيئًا إن بقيتم على كفركم، ثم ترقى في القرابة فنادى بني عبد مناف ثم عمه العباس ثم عمته صفية أم الزبير ثم أنذر فاطمة ابنته أيضًا إشارة إلى أنه لا ينفع الإنسان إلا ما قدمت يداه {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} .

(4)

ببلاها: جمع بلل وهو ما بل الخلق كماء ولبن أبي سأصلها في دنياي بما يمكنني والله أعلم.

ص: 196

‌سورة النمل

(1)

مكية وهي بضع وتسعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ

(2)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسى فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ وَتَخْتُمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ: هَا هَا يَا مُؤْمِنُ وَيُقَالُ: هَا هَا يَا كَافِرُ وَيَقُولُ: هذَا يَا كَافِرُ وَهذَا يَا مُؤْمِنُ

(3)

».

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

سورة النمل

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .

(2)

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} حق العذاب أن ينزل عليهم أي الكفار {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} تقول لهم بالعربية {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} أي صاروا لا يؤمنون بالقرآن وما فيه من البعث واليوم الآخر.

(3)

الخوان: ما يوضع عليه ألوان الطعام للأكل عليه. وها ها أي خذ هذا يا مؤمن. فإذا دنت الساعة خرجت من الحرم دابة عظيمة طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب وهي الجساسة، لها أربع قوائم وريش وجناحان. وقيل في وصفها: رأس ثور، وعين خنزير، وأذن فيل، وقرن أيل، وعنق نعامة، وصدر أسد، ولون نمر، وذنب كبش، وخف بعير. وروي أن عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض وتنشق فتخرج الدابة من جهة الصفا ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما الصلاة والسلام تضرب المؤمن في مسجده بالعصا فتنكت نكتة بيضاء فتفشو حتى يضيء بها وجهه، وتكتب بين عينيه مؤمن. وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه فتفشو النكتة حتى يسود بها وجهه، وتكتب بين عينيه كافر ثم تقول لهم: أنت يا فلان من أهل الجنة، وأنت يا فلان من أهل النار، وهذه الدابة من الآيات الكبرى طلوع الشمس من مغربها وحيث ظهرت إحداها فالأخرى على أثرها وبظهورها لا ينفع إيمان ولا توبة ويرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه لا فائدة منهما، وهذه الدابة هي فصيل ناقة صالح =

ص: 197

‌سورة القصص

(1)

مكية وهي بضع وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ: «قُلْ لا إِلهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ

(2)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ

(3)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ.

= لأنه لما عقرت أمه هرب فانفتح له حجر فدخل فيه ثم انطبق عليه حتى يخرج بإذن الله تعالى الذي يحيي العظام وهي رميم. والله أعلم بما كان وما يكون.

سورة القصص

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لاشتمالها على قصص وأخبار مروية عن الله تعالى وتسمى سورة موسى عليه السلام وهذه السورة مكية إلا آية {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} أي إلى مكة المكرمة فإنها نزلت بالجحفة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار، فاطمأن قلبه صلى الله عليه وسلم وعلم أنه عائد إليها فائزا منصورا وكان كذلك، ومن هذا قال بعض العارفين ينبغي قراءة الآية عند توديع المسافر أو يقرؤها المسافر تفاؤلا بعودته سالما إن شاء الله تعالى.

(2)

قال لعمه أبي طالب أي وهو في حال النزع، وتقدم هذا وافيا في سورة التوبة.

(3)

فمن مات وهو يعتقد أنه لا إله إلا الله كان من أهل الجنة ولو عوقب على ترك واجب أو فعل محرم فمآله إلى الجنة إن شاء الله. ففيه أن أبا طالب ناج لأنه كان يعتقد التوحيد وعقابه سيكون على ترك النطق كما تقدم، نسأل الله أن يعمنا برحمته وإحسانه والله أعلى وأعلم.

ص: 198

‌سورة العنكبوت

(1)

مكية وهي تسع وتسعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَات فَذَكَرَ قِصَّةً فَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْبِرِّ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَاماً وَلَا أَشْرَبُ شَرَاباً حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ، قَالَ: فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا فَنَزَلَتِ الْآيَةُ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

(2)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ.

• عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قَالَ: «كَانُوا يَحْذِفونَ أَهْلَ الْأَرْضِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

سورة العنكبوت

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} .

(2)

فسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أسلم كرهت أمه إسلامه وصارت تحثه على الرجوع لدينه فما كان يعبأ بها فخلفت لا تتناول شيئًا حتى تموت أو يكفر سعد بدين محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا يشجرون فمها (يفتحونه بقوة) ويدخلون الطعام فيه وسعد مغتبط بدينه متغلغل فيه فنزلت الآيات {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} إيصاء ذا حسن {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .

(3)

فالمنكر في الآية في حق قوم لوط هو السخرية بالناس ورميهم بالحصى. قيل كانوا يجلسون على الطريق وبجوار كل منهم إناء فيه حصى فإذا مر عليهم إنسان حذفوه فمن أصابه منهم فهو أولى أن يفحش به ويغرمه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض بهذا ولم يؤمنوا بلوط ولم يرجعوا عن ظلمهم حتى أنزل الله عليهم العذاب فأبادهم وخرب ديارهم. قال تعالى {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} .

(4)

بسند حسن.

ص: 199

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

(1)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالله وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا» الآيَةَ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الاِعْتِصَامِ.

‌سورة الروم

(3)

مكية وهي ستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ يَنَّارِ بْنِ مُكْرَمٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} {فِي بِضْعِ سِنِينَ

(4)

} فَكَانَتْ فَارِسُ حِينَئِذٍ قَاهِرينَ لِلرُّومِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُمْ عَلَى فارِسَ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَذلِكَ قوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} وَكَانَتْ

(1)

تمام الآية {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وقوله {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} بأن امتنعوا عن الجزية فجادلوهم وحاربوهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

(2)

سبق هذا الحديث في سورة البقرة.

سورة الروم

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا لذكر الروم فيها. والروم أمة من الناس جدهم روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام سمي عيصو لأنه كان مع أخيه يعقوب في بطن فعند خروجهما تزاحما وأراد كل أن يخرج قبل أخيه فقال عيصو: إن لم أخرج قبلك وإلا خرجت من الجنب، فتأخر يعقوب شفقة على أمه فلذا كان أبا الأنبياء وكان عيصو أبا الجبارين.

(4)

{غُلِبَتِ الرُّومُ} وهم أهل كتاب غلبتها فارس وهم عباد الأوثان {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} التقى الجيشان ببصرى أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم ففرح كفار مكة وقالوا للمسلمين: سنغلبكم كما غلبت فارس الروم {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} والروم بعد غلبتهم هذه سيغلبون فارس في بضع سنين، فالتقى الجيشان في السنة السابعة وغلبت الروم فارس كما وعد الله تعالى.

ص: 200

قُرَيْشٌ تُحِبُّ ظهُورَ فَارِسَ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ وَلَا إِيمَانٍ بِبَعْثٍ فَلَمَّا نَزَلَتِ الآيَةُ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَصِيحُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ {الم} {غُلِبَتِ الرُّومُ} الآيَةَ قَالَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَبِي بَكْرٍ: فَذلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سَنِينَ أَفَلَا نُرَاهِنُكَ عَلَى ذلِكَ؟ قَالَ: بَلَى وَذلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَانَ وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: كَمْ نَجْعَلُ الْبِضْعَ ثَلَاثَ سِنِينَ إِلَى تِسْعِ سَنِينَ فَسَمِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَسَطاً نَنْتَهِي إِلَيْهِ قَالَ: فَسَمَّوْا بَيْنَهُمْ سِتَّ سِنِينَ فَمَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْنَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا دَخَلَتِ السَّنَةُ السَّابِعَةُ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ

(1)

فَعابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْمِيَةَ سِتِّ سِنِينَ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} قَالَ: وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ» . رَوَاهُما

التِّرْمِذِيُّ

(2)

. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنْصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ

(3)

». ثُمَّ يَقُولُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

فلما صاح أبو بكر بالآية قال المشركون له: زعم محمد أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين فهل تقامروننا وتراهنوننا على هذا؟ قال أبو بكر: نعم، وهذا قبل تحريم الرهان؛ فاتفق أبيّ بن خلف مع أبي بكر على كل منهما مائة ناقة إن غلبت فارس أخذها أبيّ وإن غلبت الروم أخذها أبو بكر فجعلوا الأجل ست سنين فمضت ولم يقع بينهما حرب فأخذ أبي الرهان؛ وفي السنة السابعة تحاربوا وغلبت الروم فارس ووافق هذا غزوة بدر فأخذ المائتين أبو بكر وكان القمار قد حرم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بها فعل أبو بكر رضي الله عنه.

(2)

الأول بسند صحيح والثاني بسند غريب.

(3)

فكل مولود يولد على الفطرة - الدين الحنيف - إلا أن أبويه يهودانه يجعلانه يهوديًا أو ينصرانه بالنصرانية أو يمجسانه بالمجوسية وسبق الحديث في الإيمان بالقدر، نسأل الله كامل الإيمان آمين.

ص: 201

‌سورة لقمان

(1)

مكية وهي أربع وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ فِي مِثْلِ ذلِكَ» أُنْزِلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ

(2)

} الآية. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ

(4)

».

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ» ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ

خَبِيرٌ

(5)

}. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

سورة لقمان

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لذكر لقمان فيها رضي الله عنه، والسورة مكية كلها إلا آيتين {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} إلى {سميع بصير} .

(2)

القينات الإماء المغنيات فلا يجوز شراؤهن ولا بيعهن وثمنهن حرام إن كان للغناء لأنه لهو مذموم بقوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} ما يلهي منه عما ينفع كالأضاحيك والخرافات والمعاني والمزامير {ليضل عن سبيل الله} طريق الإسلام {بغير علم ويتخذها هزوا} أي يهزأ بالآيات {أولئك لهم عذاب مهين} .

(3)

بسند غريب.

(4)

الحديث تقدم في سورة الأنعام. والظلم في الآية هو الشرك جليًا أو خفيًّا لقول لقمان لابنه وهو يعظه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} .

(5)

مفاتيح الغيب خمس أي الأمور التي استأثر الله بعلمها خمس مذكورة في قوله تعالى {إن الله عنده علم الساعة} متى تأتي {وينزل الغيث} المطر في وقت يعلمه {ويعلم ما في الأرحام} هل هو ذكر أو أنثى {وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا} =

ص: 202

‌سورة السجدة

(1)

مكية وهي ثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ هذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ هذِهِ الصَّلاةِ الَّتِي تُدْعَى العَتْمَةَ

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْراً بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ

(3)

»، ثمَّ قَرَأَ:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

=من خير أو شر {ما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} عليم بكل شيء خبير بباطنه كظاهره. وسبب نزول هذه الآية أن الحارث بن عمرو قال للنبي صلى الله عليه وسلم. متى الساعة، وأنا قد ألقيت الحب في الأرض فمتى تمطر السماء، وامرأتي حامل فهل حملها ذكر أو أنثى. وأي شيء أعمله غدًا، ولقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ فنزلت الآية.

سورة السجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا الذكر سجدة التلاوة فيها في قوله تعالى {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} .

(2)

فهذه الآية {تتجافى جنوبهم} ترتفع {عن المضاجع} مواضع النوم {يدعون ربهم خوفا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون} نزلت فيمن ينتظرون صلاة العشاء جماعة لمشقة الانتظار. وأولى من يجهدون أنفسهم ويقومون لصلاة الفجر جماعة فإنها صلاة مشهودة لقوله تعالى {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} .

(3)

ذخرًا منصوب بأعددت أي أعددت لعبادي الصالحين في الجنة نعيما عظيما ما رأته عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر وجملته مذخورا لهم هناك، بله ما أطلعتم عليه أي اتركوا ما رأيتموه في الدنيا فليس بشيء بجنب ما في الآخرة لقوله تعالى {فلا تعلم نفس} أي مخلوق {ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} وقيل هذا ترغيب في صلاة الليل فإنها ترضى الرب وتنور القلب. وفي الحديث: ما زال جبريل يوصيني بقيام الليل حتى علمت أن خيار أمتي لا ينامون، وتقدم الكلام عليها وافيًا في كتاب الصلاة، ولا مانع من إرادتهما فإن القرآن بحر زاخر.

ص: 203

• عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مُوسى عليه السلام سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَدْنَى مَنْزِلَةً؟ قَالَ: رَجُلٌ يَأْتِي بَعْدَ مَا يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: كَيْفَ أَدْخُلُ وَقَدْ نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ

(1)

، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ قَدْ رضيتُ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ هذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ، فَيَقُولُ: رضيتُ أَيْ رَبِّ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ هذَا وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهِ، فَيَقُولُ: رضيتُ أَيْ رَبِّ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَعَ هذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

(3)

}.

قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه فِي هذِهِ لآيَةِ: الْعَذَابُ الْأَدْنَى مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ أَو الدُّخَانُ

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صِفَةِ الْقِيَامَةِ.

(1)

التي أعدها الله لهم في الجنة.

(2)

فإذا كان هذا لمن هو أقل منزلة في الجنة فكيف بغيره وسيأتي هذا واسعًا في كتاب القيامة والجنة إن شاء الله.

(3)

{ولنذيقهم} الكفار {من العذاب الأدنى} في الدنيا بالجدب والقحط والأمراض والقتل والأسر وما يأتي في قول أبي {دون العذاب الأكبر} قبل عذاب الآخرة {لعلهم يرجعون} من بقي منهم إلى الإيمان.

(4)

سبق هذا في سورة الفرقان والله أعلم.

ص: 204

‌سورة الأحزاب

(1)

مدنية وهي ثلاث وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} مَا عُنِيَ بِذلِكَ

(2)

، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً يُصَلِّي فَخَطَرَ خَطْرَةً

(3)

فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ قَلباً مَعَكُمْ وَقَلْباً مَعَهُمْ

(4)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ هذِهِ الآيَةَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ

(5)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا فَإِنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ

(6)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

سورة الأحزاب

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لذكر قصة الأحزاب فيها.

(2)

أي ما معناه.

(3)

سها في صلاته بزيادة أو نقص، وسبق هذا في سجود السهو وأنه كان للتشريع.

(4)

قلبًا معكم أي المنافقين وقلبًا معهم أي المؤمنين فأنزل الله {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} أي ما خلق لرجل عقلين: وقال الجلال: نزلت ردا على بعض الكفار الذي قال: إن لي قلبين أعقل بكل منهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه وسلم.

(5)

فكان في صدر الإسلام جواز النسبة لغير الأب لولاية بينهما فأمرهم الله بالنسبة إلى الأب الحقيقي بقوله {ادعوهم لآبائهم هو أقسط} أعدل عند الله تعالى.

(6)

أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج الغزوة تبوك، فقال بعضهم: نستأذن آباءنا وأمهاتنا، فنزل قوله تعالى {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فيما دعاهم إليه ودعتهم أنفسهم إلى خلافه لأن أمره من الله وهو لخير الدنيا والآخرة فطاعته واجبة بخلاف أمر النفس فلا خير فيه، فلما نزلت الآية قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به أي أرحم به من نفسه=

ص: 205

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ عَمَّهُ

(1)

غابَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ قِتَالاً لِلْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ كَيْفَ أَصْنَعَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ

(2)

فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هؤلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا يَصْنَعُ هؤُلَاءِ الْأَصْحَابُ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ

(3)

وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ فَكُنَّا نَقُولُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ نَزَلَتْ: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً

(4)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلا مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ

(5)

}. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً فَلَا عَلَيْكِ أَلا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ

(6)

»، قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ،

= للدنيا والآخرة فأيما مؤمن مات وترك مالا فهو لورثته، فإن ترك دينًا أو ضياعًا عيالا فليأتني رب الدين أوفه والضائع من العيال أكفله. صلى الله عليه وسلم إنه رءوف رحيم.

(1)

أنس بن النضر.

(2)

انهزم أكثرهم.

(3)

أي بين ضربة بسيف.

(4)

{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} من الجهاد في سبيل الله والثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم {فمنهم من قضى نحبه} أي نذره بموته في الجهاد في سبيل الله كحمزة وصحبه {ومنهم من ينتظر} ذلك كعثمان وطلحة رضي الله عن الجميع {وما بدلوا تبديلا} ما بدلوا شيئًا من المهد ولا غيروه كالمنافقين.

(5)

فقدت آية من الصحف فوجدتها مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين خصوصية له، ولا يقال قد ثبت القرآن بالتواتر فكيف قبلها من خزيمة لأنا نقول إن زيدا كان يحفظها وسمعها عمر وأبيّ وجماعة من النبي صلى الله عليه وسلم وسبق هذا في فضائل القرآن.

(6)

لا بأس عليك في التأني حتى تستشيري أبويك.

ص: 206

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ قَالَ: {يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ} إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه رَبيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَجَلَلَهُمْ بِكِسَاءٍ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً

(2)

» قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمُرّ بِبَابِ فَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ يَقُولُ: «الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ البَيْتِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

(3)

}».

• عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلا لِلرِّجَالِ

(1)

الزوجات الطاهرات طلبن من النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده من زينة الدنيا، فأنزل الله الآيتين ونصهما {ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلا} أعطكن متعة الطلاق وأطلقكن من غير ضرار {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة} الجنة {فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيما} في الآخرة وهو النعيم الواسع في الجنة، فلما سمع ذلك أمهات المؤمنين قلن اخترن الله ورسوله، فأكرمهن الله تعالى بقوله {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)} .

(2)

فلما نزل قوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس} الإثم والدنس {أهل} يا أهل {البيت ويطهركم تطهيرا} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وعليًّا وغطاهم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فظاهره أن المراد بأهل بيته هؤلاء، وقال جماعة: المراد بهم هؤلاء وأمهات المؤمنين نظرًا السياق ولا مانع من إرادة الكل وتخصيصه فاطمة وولديها وزوجها المزيد فضلهم وسبق الحديث في فضائل أهل البيت رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(3)

فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأول الآية بذلك.

ص: 207

وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بَشِيْءٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

(1)

}. رَوَاهُمَا

التِّرْمِذِيُّ

(2)

. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَاتِماً شَيْئاً مِنَ الْوَحْيِ لَكَتَمَ هذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ

(3)

} {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ

(4)

} {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ

(5)

} {وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ

(6)

} الآيَةَ

(7)

وَلَمَّا تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ حَتَّى صَارَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَنَزَلَتْ: {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانٍ وَفُلَانٌ أَخُو فُلَانٍ

(8)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: نَزَلَتْ هَذِ الْآيَةُ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشِ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} قَالَ: فَكَاَتْ تَفُخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: زَوَّجَكَنَّ أَهْلُكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ

(9)

.

(1)

تمام الآية {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)} .

(2)

بسندين حسنين.

(3)

بالإسلام.

(4)

بالإعتاق وهو زيد بن حارثة كان من سبي الجاهلية فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه.

(5)

قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما جاءه يشكو زينب وزهوها عليه وهم بطلاقها.

(6)

الذي أخفاه هو ما أخبره الله به من أنها ستصير إحدى أمهات المؤمنين بعد طلاق زيد لها.

(7)

تمام الآية {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} لما طلقها وانتهت عدتها زوج الله النبي بها فدخل عليها بغير إذن ولا عقد ولا صداق خصوصية له صلى الله عليه وسلم {وَإِذْ لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)} فزواجه صلى الله عليه وسلم بها لبيان حل زوجة الدعى أي من تبناه.

(8)

فيقال فلان مولى أي تابع فلان، وفلان أخو فلان في الدين، وإذا على أبوه فيدعى له.

(9)

وحق لها ذلك فكانت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم جدى وجدك واحد وليس من نسائك من هي كذلك وزوجني بك الله والسفير جبريل عليه السلام.

ص: 208

5 عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قَالَتْ: خَطَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الآيَةَ

(1)

، قَالَتْ: فَلَمْ أَكُنْ أُحِلُّ لَهُ لَمْ أُهَاجِرْ كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ

(2)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاَّئِي وَهبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقُولُ: أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ

(4)

} قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ.

وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بعْدَ نُزُولِ هذِه الْآيَةِ: {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} قَالَتْ مُعَاذَةُ

(1)

{ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} مهورهن {وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} من الكفار بالسبي كصفية بنت حيي سيدة بني قريظة والنضير وكجويرية بنت الحارث الخزاعية {وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} بخلاف من لم تهاجر وهذا حينما كانت الهجرة واجبة قبل الفتح {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها} يطلب نكاحها بغير صداق {خالصة لك من دون المؤمنين} ، وهذه خاصة بك أي النكاح بلفظ الهبة بغير شهود وصداق ووليّ. واللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم أربع: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية، وأم شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم رضي الله عنهن.

(2)

فلم تكن أم هانئ من المهاجرات بل كانت من الطلقاء الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: أنتم الطلقاء أي عفوت عنكم.

(3)

بسندين صحيحين.

(4)

{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} أي تؤخر من تشاء من الزوجات عن نوبتها وتضم إليك من تشاء منهن {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} أي ومن طلبتها بعد عزلها من القسمة فلا جناح عليك في طلبها، والمراد لا قسمة عليك واجبة {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} فإذا علمن أنك مخير في أمرهن وقد قسمت وعدلت بينهن سررن وقنعن بما تعمل {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} من أمر النساء وغيره {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} .

ص: 209

فَقُلْتُ لَهَا: مَا كُنْتِ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ لَهُ إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ فَإِنِّي لَا أُوثِرُ عَلَيْكَ أَحَداً يَا رَسُولَ اللَّهِ

(1)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ فَأُرْسِلْتُ دَاعِياً عَلَى

الطَّعَامِ

(2)

فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَداً أَدْعُو فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحَداً أَدْعُوهُ، قَالَ:«ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ» وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ

(3)

فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فَتقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ

(4)

ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا ثَلَاثَةُ رَهْطٍ فِي الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَدِيدَ الْحَيَاءِ

(5)

فَخَرَجَ مُنْطَلِقاً نَحْوَ حُجَرَةِ عَائِشَةَ فَأُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَالْأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ

(6)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلاً إِلَى أَنْ قَالَ

(7)

فَأُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ

(8)

}

(1)

قالت عائشة بعد نزول هذه الآية: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، ومع هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن الزوجة في يومها أحيانا فكانت تأذن له إلا عائشة رضي الله عنهن كلهن.

(2)

أدخلت زينب على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة زفافها فصنع وليمة من الخبز واللحم وأرسل أنسا يدعو الناس.

(3)

بيت عائشة.

(4)

فتقرى أي تتبع وذهب لبيوت الزوجات حتى يخرج الجالسون.

(5)

فلم يأمرهم بالخروج.

(6)

أسكفة الباب: عتبته، فلما عاد ثانيًا ووضع رجله داخل العتبة والأخرى خارجها أرخى الستر بينه وبين أنس ثم قرأ آية الحجاب الآتية.

(7)

وفيه أن من أكلوا في وليمة زينب هذه كانوا قدر ثلاثمائة.

(8)

إلا أن يؤذن لكم في الدخول بالدعاء إلى طعام فتدخلوا.

ص: 210

{غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ

(1)

} {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ

(2)

} {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ

وَقُلُوبِهِنَّ

(3)

}.

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ

(4)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ رضي الله عنها لِحَاجَتِهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا فَرَآهَا عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي يَتَعَشَّى وَبِيَدِهِ عَرْقٌ فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ

(5)

».

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً

(6)

}.

• عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ

(1)

غير منتظرين إدراكهـ ووقت نضجه.

(2)

ولا تمكثوا مستأنسين لحديث من بعضكم لبعض.

(3)

{وإذا سألتموهن} أمهات المؤمنين {متاعا} حاجة {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} .

(4)

وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل ومعه أمهات المؤمنين وبعض أصحابه يأكلون معه فأصابت يد رجل منهم يد عائشة وهي تأكل فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية الحجاب، فعلى هذا تكون أسباب النزول قد تعددت، ولا عجب فهذا كثير.

(5)

العرق كالعقل عظم عليه اللحم، ففيه جواز خروج النساء للحاجة مع الاحتشام وسبق هذا في كتاب النكاح.

(6)

الصلاة من الله الرحمة والإحسان اللائقان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل صلاته عليه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة عليه استغفارهم ودعاؤهم له، وصلاة الناس وسلامهم على محمد صلى الله عليه وسلم بأي صيغة ولكن الأفضل في الصلاة بالآتي.

ص: 211

فَقَدْ عَرَفْنَاهُ

(1)

فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ

(2)

؟، قَالَ:«قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ في الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ

(3)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مُوسى عليه السلام كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيراً

(4)

مَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ

(5)

فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: مَا يَسْتَتِرُ هذَا السَّتْرَ إِلا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا

آفَةٌ

(6)

وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالوا فَخَلَا مُوسى عليه السلام يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ ثمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا فَعَدَا الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ

(7)

فَأَخَذَ مُوسى عَصَاهُ فَطَلَبَ الْحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ

ثَوْبِي حَجَرُ

(8)

حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْياناً أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقاً وَأَبْرَأَهُ مِمَّا كانُوا يَقُولُونَ وَقَامَ الْحَجَرُ

(1)

بما علمتنا في التشهد بقولك: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

(2)

ولأحمد وأبي داود والحاكم: يا رسول الله أما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلى عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد إلى آخره، وبه استدل الشافعي على وجوبها في التشهد الأخير.

(3)

وسبق هذا في الصلاة. وفي رواية: قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، وستأتي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الذكر والدعاء إن شاء الله.

(4)

شديد الحياء والتستر.

(5)

استحياء منه.

(6)

الأدرة - كالغرفة - عظم الخصيتين ومنه رجل آدر عظيم الخصيتين.

(7)

فرّ بثوبه.

(8)

دع ثوبي يا حجر.

ص: 212

فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْباً بِعَصَاهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَباً مِنْ أَثَرِ عَصَاهُ ثَلاثاً أَوْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً

(1)

فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَى فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌سورة سبأ

(3)

مكية وهي أربع وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ فَرْوَةَ الْمُرَادِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَأَذِنَ لِي فِي قِتَالِهِمْ وَأَمَرَنِي فَلَمَّا خَرَجْتُ سَأَلَ عَنِّي مَا فَعَلَ الْقُطَيْفِيُّ فَأُخْبِرَ بِمَسِيرِي فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «ادْعُ الْقَوْمَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَاقْبَلْ مِنْهُ وَمَنْ يُسْلِمْ فَلَا تَعْجَلْ حَتَّى أُحْدِثَ إِلَيْكَ

(4)

»، قَالَ: وَأَنْزلِ فِي سَبَأٍ مَا أُنْزِلَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا سَبَأٌ أَرْضٌ أَوِ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: «لَيْسَ

(1)

وطفق بالحجر ضربا: شرع يضربه بعصاه فصار بالحجر ندب بفتحتين أي أثر من ضربه ثلاث أو أربع أو خمس، فبنو إسرائيل كانوا يغتسلون عراة مع بعضهم وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده، فقالوا: ما يعمل ذلك إلا من عيب في جسمه، فكان يغتسل يومًا وحده وثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فتبعه موسى حتى وقف على ملأ من بني إسرائيل فأخذ موسى ثوبه وصار يضربه بعصاه فرأوا موسى وجسمه سليم من أحسن الناس فظهر افتراؤهم وبرأه الله من إفكهم كما قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا} مع نبيكم {كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا} ذا جاه عظيم.

(2)

ولكن الترمذي ومسلم في فضل موسى والبخاري في الغسل، نسأل الله كمال الطهارة آمين.

سورة سبأ

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا الذكر سبأ فيها.

(4)

حتى أكتب لك بما يعمل.

ص: 213

بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْعَرَبِ فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ

(1)

فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَغَسَّانٌ وَعَامِلَةُ وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا فَالْأَزْدُ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَحِمْيَرٌ وَمَذْحِجٌ وَأَنْمَارٌ وَكِنْدَةُ

(2)

» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا أَنْمَارٌ؟ قَالَ: «الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمٌ وَبَجِيلَةُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَاناً لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ

(4)

فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ

الْكَبِيرُ

(5)

فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ

(6)

فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُلْقيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ

(1)

فتيامن منهم ستة سكنوا في الجهة اليمنى وهي أرض اليمن، وتشاءم منهم أربعة أي سكنوا في الجهة الشمالية وهي أرض الشام.

(2)

وكل واحد من هؤلاء جاء منه بطون وقبائل؛ وأبوهم سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان.

(3)

بسند حسن، والذي أنزل في سبأ قوله تعالى {لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال} أي لقبيلة سبأ باليمن آية على قدرة الله تعالى وهي جنتان عن يمين واديهم وشماله وقيل لهم {كلوا من رزق ربكم واشكروا له} على نعمه ولكم {بلدة طيبة} ليس بها سباخ ولا بعوض ولا عقرب ولا حية ولا برغوث {ورب غفور} يغفر ذنوبكم ويستر عيوبكم {فأعرضوا} عن شكر ربهم وكفروا "فأرسلنا عليهم سيل العرم} الماء المخزون في واديهم بين الجبال داخل السد الذي بنته بلقيس فأغرق جنتهم وأموالهم {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط} مأكول مرِّ بشع {وأثل وشيء من سدر قليل} السدر شجر النبق، والمراد هنا رديئة وهو الضال. والأثل الطرفاء: شجر عظيم لا ثمر له {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} وفي هذه عبرة عظيمة لكل من ينعم الله عليه ولا يشكر نعمته بأنواع الحمد والشكر وأعمال البر كلها، نسأل الله خالص التوفيق.

(4)

إذا قضى الله الأمر أي إذا تكلم بالوحي ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا أي خاضعين طائعين الأمر الله تعالى؛ كأنه أي القول المسموع صوت سلسلة على صفوان حجر أملس.

(5)

فإذا فزع أي كشف عن قلوبهم الفزع قالوا أي بعض الملائكة لبعض: ماذا قال ربكم؟ فيقولون قال القول الحق وهو العلي الكبير.

(6)

هم الشياطين الراكبون بعضهم فوق بعض.

ص: 214

الْكَاهِنِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا

(1)

وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ هُنَا وَأَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَّةِ وَلَفْظُهُ: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفا

(2)

فَيَصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ فَإِذَا جَاءَهُمْ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: الْحَقَّ فَيقُولُونَ الْحَقَّ الْحَقَّ».

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية» ؟ قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلكِنْ رَبُّنَا عز وجل إِذَا قَضَى أَمْراً سَبَّحَ لَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ إِلَى هذِهِ السَّمَاءِ ثُمَّ سَأَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ أَهْلَ

السَّمَاءِ السَّابِعَةِ

(3)

مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَيَخْتَطِفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيُرْمَوْنَ فَيَقْذِفُونَهَا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ فَمَا جَاؤُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ وَيَزِيدُونَ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الطِّبِّ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَمَامَ الشِّفَاءِ آمِين.

(1)

فربما وقع الشهاب المضيء على من سمع الكلمة قبل إلقائها فأحرقه وربما ألقاها قبل أن ينزل عليه فتصل للكاهن فيكذب عليها كثيرا.

(2)

الحجر الأملس.

(3)

بعد أن أفاقوا مما غشيهم من الأمر الإلهي الذي ظنوه قيام الساعة.

(4)

معناهما واحد وسبق هذا في نفي مزاعم الجاهلية من كتاب الطب، نسأل الله تمام الشفاء للأشباح والقلوب والأرواح آمين.

ص: 215

‌سورة فاطر

(1)

مكية وهي خمس وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَنَّهُ قالَ فِي هذِهِ الآيةِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ

(2)

} قَالَ: «هؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ التَّوْفِيقِ آمِين.

سورة فاطر

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

وتسمى سورة الملائكة أيضا لقوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} .

(2)

{ثم أورثنا الكتاب} أعطينا القرآن الكريم {الذين اصطفينا من عبادنا} الذين اخترناهم من العباد ليهتدوا بهديه ويعملوا به وهم أمتك من حفظه منهم ومن لم يحفظه {فمنهم ظالم لنفسه} بالتقصير في العمل بالقرآن {ومنهم مقتصد} عامل به في أغلب الأوقات {ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} السابق العامل بالكتاب والمعلم له والمرشد والهادي إليه {ذلك} أي إيراث القرآن {هو الفضل الكبير} فالأقسام الثلاثة بمنزلة واحدة أي في الجنة وإلا فكل يعطى على قدر عمله فإن الدرجات بالأعمال والجنة بخالص فضل الله تعالى ولذا قال {جنات عدن} إقامة {يدخلونها} أي المقتصد وصاحباه {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} مرصعا بذهب {ولباسهم فيها حرير} وقيل الظالم لنفسه من غلبت سيئاته على حسناته، والمقتصد من غلبت حسناته على سيئاته والسابق الذي لم تقع منه سيئة أصلا، وقيل المقتصد: من تساوت حسناته وسيئاته، والسابق هو الذي رجحت حسناته، وفي الحديث: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.

(3)

بسند غريب. والله أعلى وأعلم.

ص: 216

‌سورة يس

(1)

مكية أو مدنية وهي ثنتان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ بَنُو سَلِمَةَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَرَادُوا النُّقْلَةَ إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ، فَلَمْ يَنْتَقِلُوا

(2)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ

(3)

.

• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذلِكَ قَوْلُهُ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

(4)

}». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

سورة يس

(1)

سميت بهذا لبدئها بقول الله تعالى {يس والقرآن الحكيم} .

(2)

فبنو سلمة كانت ديارهم بضواحي المدينة فأرادوا أن ينتقلوا بقرب المسجد النبوي فنزلت {إنا نحن نحيي الموتى} للبعث {ونكتب} في صحف الملائكة {ما قدموا} في دنياهم من خير وشر ليجازوا عليه {وآثارهم} خطواتهم للخيرات {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} ضبطناه في كتاب بيّن وهو اللوح المحفوظ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن خطواتكم تكتب، فلم يتحولوا.

(3)

وسبقت رواية الشيخين في فضل المساجد والسعي لها.

(4)

فإنها تسجد تحت العرش أي تنقاد لربها انقياد الساجدين وتسير حتى تصل إلى فلكها الرابع نصف الليل فصارت أبعد ما يكون من العرش فتسجد لربها وتستأذن في الطلوع من الشرق على عادتها فيؤذن لها فإذا جاء وقت الآية الكبرى وأرادت السجود والاستئذان فلا يؤذن لها بل يقال لها ارجعي من حيث جئت فتعود فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى {والشمس تجري لمستقر لها} وفي رواية: سألت رسول الله مع عن هذه الآية فقال: مستقرها تحت العرش، هذا ما قالوه. وفي النفس منه شيء فإن الشمس في السماء الرابعة والعرش أعظم مخلوق يعلو الملك والملكوت، ولكننا نؤمن بهذا ونفوض أمره إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

(5)

رواه البخاري هنا ورواه في بدء الخلق وهي التي هنا. والله أعلى وأعلم.

ص: 217

‌سورة الصافات

(1)

مكية وهي مائة واثنتان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ دَاعٍ دَعَا إِلَى شَيْءٍ إِلا كَانَ مَوْقُوفاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَازِماً بِهِ لَا يُفَارِقُهُ وَإِنْ دَعَا رَجُلٌ رَجُلًا» ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ

(2)

}.

• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} قَالَ: «حَامُ وَسَامُ وَيَافِثُ» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَامُ أَبُو الْعَرَبِ وَحَامُ أَبُو الْحَبَشِ وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ.

سورة الصافات

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بها لبدئها بقول الله تعالى {والصافات صفا} الملائكة تصف نفوسها للعبادة أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به.

(2)

فما من داع أي عابد دعا الناس إلى شيء يعبدونه إلا كان لازمًا له يوم القيامة وإن كان المعبود. رجلا لقوله تعالى {احشروا الذين ظلموا} أنفسهم بالشرك {وأزواجهم} قرناءهم من الشياطين أو نساءهم اللاتي على دينهم {وما كانوا يعبدون من دون الله} غيره الأوثان {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} دلوهم إلى طريق النار {وقفوهم إنهم مسئولون} عما قدموا في دنياهم ويقال لهم توبيخًا {ما لكم لا تناصرون} لا ينصر بعضكم بعضًا حالكم في الدنيا ويقال عنهم {بل هم اليوم مستسلمون} خاضعون ذليلون.

(3)

الأول بسند غريب والثاني بسند حسن.

(4)

هذا بيان لذرية نوح ونسلها في قوله تعالى {وجعلنا ذريته} أي نوح عليه السلام {هم الباقين} إلى نهاية الدنيا. فأولاده ثلاثة: سام، وحام، ويافث: فسام أبو العرب وفارس. وحام أبو الحبش والسودان ويافث أبو الروم والترك والخزر ويأجوج ومأجوج ونحوهم، وسام وأخواه أولاد نوح لصلبه ولكنه لأمر أغضبه دعا على حام بأن تختلف ذريته فكان لونها السواد وكانت عبيدًا لأولاد يافت وسام، ودعا لسام فكان من نسله الأنبياء الكرام، وكذا دعا ليافث فكان من نسله الملوك. ولكنه حنّ على حام بعد هذا فدعا له.

ص: 218

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ

(1)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ

(2)

» رَوَاهُ البُخَارِيُّ. قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قَالَ: «عِشْرُونَ أَلْفاً

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ.

‌سورة ص

(4)

مكية وهي ست أو ثمان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ وَجَاءَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ أَبِي طَالِبٍ مَجْلِسُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ

(5)

وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ فَقَالَ: «إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً تَدِينُ لهُمْ بِهَا الْعَرَبُ

(6)

وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ»، فَقَالَ: كَلِمَةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: «كَلِمَةً وَاحِدَةً يَا عَمِّ

(1)

أرسله الله إلى أهل نينوى بأرض الموصل فلم يؤمنوا فتوعدهم بالعذاب إلى أجل فلما لم ينزل بهم خرج غاضبًا منهم وركب البحر في سفينة فكادت تغرق بهم فساهموا فجاءت القرعة عليه فألقي بنفسه في البحر فالتقمه الحوت وبعد بضعة أيام ألقاه على الشاطئ حتى قوى جسمه ثم أمره الله بالعود إلى قومه فرجع لهم وبلغهم رسالة ربه {فآمنوا فمتعناهم إلى حين} .

(2)

الضمير في قوله: أنا، عائد على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا تواضع أو قبل علمه بأنه أفضل الناس، وتقدم في النبوة: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى.

(3)

فالذين أرسل إليهم يونس مائة ألف وعشرون ألفًا فأمنوا به صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

سورة ص

بسم الله الرحمن الرحيم

(4)

سميت بهذا لبدئها بقول الله تعالى فيها {ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق} .

(5)

كراهة فيه وخوفًا من أن يحمل أبا طالب على الإسلام.

(6)

أي تخضع وتذل لهم لأن النبوة في قريش.

ص: 219

يَقُولُوا لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ»، فَقَالُوا: إِلهاً وَاحِداً مَا سَمِعْنَا بِهذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذَا إِلا اخْتِلَاقٌ فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ: {ص} {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ

(1)

} {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ

(2)

} إِلَى قَوْلِهِ: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِى الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلَاقٌ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتاً مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ (رب هب .. من بعدي) فَرَدَّهُ خَاسِئاً

(4)

» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: احْتَبَسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ

(1)

{ص} علمه عند الله تعالى {والقرآن في الذكر} ذي البيان والشرف، والجواب محذوف أي ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة.

(2)

{بل الذين كفروا في عزة} حمية وتكبر عن الإيمان {وشقاق} خلاف وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} أمة عصت رسلها {فنادوا} حين نزول العذاب بهم {ولات حين مناص} وليس الحين حين فرار {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} رسول من أنفسهم وهو محمد وينذرهم البعث والنار بعده {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلهًا واحدا} حيث قال لهم: قولوا لا إله إلا الله {إن هذا لشيء عجاب} أي مجيب غريب {وانطلق الملأ منهم} بعد قيامهم من مجلس أبي طالب وسماعهم فيه من النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله {أن امشوا واصبروا على آلهتكم} يقول بعضهم لبعض امشوا واصبروا على عبادة آلهتكم {إن هذا الشيء يراد} أي بنا {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} ملة عيسى عليه السلام {إن هذا إلا اختلاق} أي ما هذا إلا كذب.

(3)

بسند حسن.

(4)

فعفريت تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فجأة ليشغله عنها ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قبض على رقبته وأراد أن يربطه بعمود في المسجد حتى ينظروا إليه في الصباح ولكنه تذكر دعوة سلمان فرماه ذليلا، ودعوة سليمان {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} فسخر الله له الريح تحمل جيشه كما يشاء والجن والشياطين في قطع الجبال واستخراج النحاس والحديد والرصاص وبناء القصور وغوص البحار لاستخراج الأحجار الكريمة فضلا عن ملكه للإنس والجن والطير وما في أرض الله تعالى، فلم يعط أحد كملكهـ عليه السلام، وليس طلبه هذا مفاخرة بالدنيا، بل معجزة له لأنه كان في زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك، فطلب ملكًا أكثر منهم فأعطاه الله تعالى. فإن معجزة كل نبي ما اشتهر في عصره.

ص: 220

حَتَّى كِدْنَا نَتَرَايَا عَيْنَ الشَّمْسِ فَخَرَجَ سَرِيعاً فَثَوِّبَ بِالصَّلَاةِ

(1)

فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ

(2)

فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ قَالَ لَنَا: «عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ» ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي

(3)

حَتَّى اسْتُثْقِلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تبارك وتعالى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَهَا ثَلَاثاً، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَتَجَلَّى لِيَ كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الْأَقْدَامِ إِلْى الْحَسَنَاتِ

(4)

وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ حِينَ الْكَرِيهَاتِ، قَالَ: فِيمَ؟ قُلْتُ: إِطْعَامِ الطَّعَامِ وَلِينِ الْكَلَامِ وَالصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ

(5)

قَالَ: سَلْ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ»، قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهَا حَقٌّ فَادَرْسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ شَيْئاً فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ

(7)

}. رَوَاهُ البُخَارِيُّ والتِّرْمِذِيُّ.

(1)

أي أقيمت.

(2)

خففها عن عادته.

(3)

وهو جالس أو بعد سلامه وهو في مكانه.

(4)

كسعي في مصالح الناس وعيادة المريض وتشييع الجنازة.

(5)

صلاة العشاء والصبح، وسبق هذا الحديث في أول الصلاة وفي باب الجماعة.

(6)

بسند صحيح.

(7)

{قل ما أسألكم عليه} على تبليغ الشرع {من أجر وما أنا من المتكلفين} المتقولين من تلقاء أنفسهم بل قولي عن جبريل عن الله تعالى والله أعلى وأعلى.

ص: 221

‌سورة الزمر

(1)

مكية إلا بضع آيات وهي خمس وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الْخُصُومَةُ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا

(2)

قَالَ: «نَعَمْ» ، فَقَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ إِذَنْ لَشَدِيدٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَاساً مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: انَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ

(4)

} وَنَزَلَ: {قُلْ يعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} {لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً

(5)

}. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ

(6)

: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} وَلَا يُبَالِي

(7)

.

سورة الزمر

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا} أي جماعات، وكل السورة مكية إلا {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} الآية فإنها مدنية وقيل والست الآيات بعدها مدنية أيضا وقيل آية {الله الذي نزل أحسن الحديث} مع آية {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} .

(2)

من الحروب وأهوال الدنيا.

(3)

بسند صحيح.

(4)

أي إلى قوله {إلا من تاب} فإنه الجواب لهم.

(5)

{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} بترك الطاعات وعمل الموبقات {لا تقنطوا} لا تيأسوا من {رحمة الله} فإنها تسع كل شيء {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} لمن تاب إليه وآمن وعمل صالحًا.

(6)

بسند حسن.

(7)

لأنه مالك الملك كله، فإذا أراد شيئًا كان ولا معقب لحكمه جل شأنه.

ص: 222

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنْ الْأَحْبَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ

(1)

أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّموَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَ رضينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ

(2)

فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقاً لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا» فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّموَاتِ عَلَى ذِهِ وَالْأَرْضَ عَلَى ذِهِ وَالْمَاءَ عَلَى ذِهِ وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهِ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهِ وَأَشَارَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ بِخِنْصَرِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الْإِبْهَام

(3)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

(4)

} {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

(5)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَلِلشَّيْخَيْنِ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّموَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ

(6)

».

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ يَا عَائِشَةُ

(7)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(8)

.

(1)

أي في التوراة.

(2)

المراد بالإصبع القدرة الإلهية. والثرى التراب الندى. والمراد الأرضون السبع كلهن حتى ثراها. وفي رواية والجبال على إصبع. والمراد أن الله تعالى يتجلى يوم القيامة على ملكه كله فيرفعه بيده كالكرة إذا رفعها الإنسان بيده إظهارا لانفراده بالألوهية والعظمة والقهر جل شأن ربنا وعلا ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الدنيا.

(3)

وأشار محمد بن الصلت أحد الرواة يبين أن المراد بالإشارة الأولى الخنصر وبالثانية البنصر وهكذا، وهذا تمثيل فقط وإلا فالله تعالى منزه عن الجارحة.

(4)

أي ما عرفوه حق معرفته وما عظموه حق تعظيمه وإلا ما كفروا وما عصوه جل شأن ربنا.

(5)

أي والأرضون كلهن والسموات كلهن في قبضته يوم القيامة سبحانه وتعالى عما يشركون.

(6)

لعل هذا بعض الحكمة المرادة من قبض السموات والأرضين.

(7)

وفي رواية: فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: على جسر جنهم وهو الصراط.

(8)

بسند صحيح.

ص: 223

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ

(1)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» ، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْماً؟ قَالَ: أَبَيْتُ

(2)

، قَال أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ: أَبَيْتُ وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلا عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ

(4)

»، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: فَكَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا» .

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصُّورِ فَقَالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ

(5)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(6)

.

(1)

{ونفخ في الصور} النفخة الأولى {فصعق} مات {من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والحور والولدان {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم} كل الخلائق الموتى {قيام ينظرون} ينتظرون ما يفعل بهم. ورد في الحديث أن الخلق كلهم يموتون إلا رؤساء الملائكة الأربعة فيأمر الله بموت إسرافيل وميكائيل ثم بموت عزرائيل ثم بموت جبريل فيقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقع ساجدًا يخفق بجناحيه ويبقى وجه ربنا تعالى.

(2)

أي أمتنع عن الجواب فإني لا أدريه ولكن ورد عن ابن عباس والحسن مرفوعًا: بين النفختين أربعون سنة يميت الله تعالى بها كل حي والأخرى يحيى الله تعالى بها كل ميت.

(3)

يبلى أي يفني كل جزء من الإنسان إلا عجب ذنبه، وهو الجزء الأخير من الصلب كحبة الخردل بين الأليتين. فيه أي منه يركب الخلق أي يبتدئ بناء الجسم منه عند النشأة الأخرى.

(4)

كيف أنعم أي أتنعم بالنعمة والمسرة والفرح وقد التقم إسرافيل الصور وينتظر الأمر بالنفخ فيه أي لا ينبغي الفرح بهذه الدنيا التي على وشك الزوال.

(5)

فالصور كالبوق الذي ينفخ فيه الجندي للعسكر.

(6)

بسندين حسنين. نسأل الله حسن الحال آمين.

ص: 224

‌سورة المؤمن

(1)

مكية وهي خمس وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ أَشَدِّ مَا صَنعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقاً شَدِيداً فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُم

(2)

}.

رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ

(3)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

سورة المؤمن

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا القول الله تعالى فيها {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} وتسمى سورة غافر لقوله تعالى فيها {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب} ، وهذه أولى الحواميم جمع حم وهي على مستور وسر محجوب استأثر الله به، وقال الصديق: الله في كل كتاب سر وسره في القرآن أوائل السور، وقد ورد فيها أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: الحواميم ديباج القرآن، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: لكل شيء ثمرة وإن ثمرة القرآن ذوات حم هي روضات حسان مخصبات متجاورات من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم، ومنها: لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم، ومنها: الحواميم سبع، وأبواب النار سبع: جهنم، والحطمة، ولظى، والسعير، وسقر، والهاوية، والجحيم. فكل حم تقف يوم القيامة على باب من هذه الأبواب فتقول: لا يدخل النار من كان يؤمن بي ويقرؤني.

(2)

عقبة بن أبي معيط هذا كان أمويا وقتل كافرًا بعد وقعة بدر بيوم واحد، فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه قد خنق النبي صلى الله عليه وسلم دفعه وقال {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} فكان خيرا من مؤمن آل فرعون الذي يكتم إيمانه.

(3)

{ادعوني} اعبدوني {أستجب لكم} أثبكم، وداخرين: ذليلين، فكل دعاء في القرآن فمعناه العبادة لهذا.

(4)

بسند صحيح.

ص: 225

‌سورة فصلت

(1)

مكية وهي ثلاث وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ

(2)

أَوْ ثَقِفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلٌ فِقْهُ

قُلُوبِهِمْ

(3)

، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ: قَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَزنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَزنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآيَةَ

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

‌سورة الشورى

(5)

مكية إلا أربع آيات

(6)

وهي ثلاث وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ

(7)

سورة فصلت

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى {كتاب فصلت آياته} ، وتسمى حم السجدة وسورة المصابيح لذكر آيتيهما فيها.

(2)

رجل من ثقيف اسمه عبد ياليل بن عمرو، والقرشيان: صفوان وربيعة ابنا أمية.

(3)

كبار الأجسام صغار المعقول والأفهام ولذا جهل اثنان منهم أن الله يسمع كل شيء.

(4)

{وما كنتم تستترون} عند عمل الفواحش من {أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم} عند استتاركم أن الله لا يعلم كثيرا ما كنتم تعملون {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} أهلككم {فأصبحتم من الخاسرين} نسأل الله السلامة آمين.

سورة الشورى

بسم الله الرحمن الرحيم

(5)

سميت بهذا لقوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم} وتسمى سورة حم عسق.

(6)

أولها {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} .

(7)

في كل يد كتاب مرئي أو هو كناية عن الفراغ من الحكم على العباد.

ص: 226

فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هذَانِ الْكِتَابَانِ؟» قُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا أَنْ تُخْبِرَنَا فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى: «هذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ

(1)

فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَداً». ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ: «هذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَداً» ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا، ثُمَّ قَالَ:«فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ» {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير

(2)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْقَدَرِ

(3)

.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ: «إِلا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ

(4)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سِتَّةٌ لَعَنْتُهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيَ كَانَ

(5)

: الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللهِ، وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ

(1)

أي أبانهم تماما، فأهل الجنة معلومون واحدا واحدا نسأل الله أن نكون منهم آمين.

(2)

فنبذهما أي رمي الكتابين وأشار بيديه كمن يصنع ذلك، ثم قال: فرغ ربكم من العباد أي حكم بينهم وجعلهم قسمين قسم للجنة وقسما للنار، نعوذ بالله منها ونسأله الجنة آمين.

(3)

بسند صحيح.

(4)

فسعيد فهم أن المراد بالقربى قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم فيشمل قريشًا كلهم ويكون الخطاب لجميع المكلفين، فقال ابن عباس: أسرعت وأخطأت فإن الخطاب لقريش، أي لا أسألكم على التبليغ أجرًا إلا أن توادوا النبي صلى الله عليه وسلم للقرابة التي بينكم وبينه أي أنا لا أطلب منك أجرا أصلا، وتقدم هذا في فضائل آل البيت رضي الله عنهم آمين.

(5)

لأنهم كفروا إن علوا ذلك واستحلوه.

ص: 227

لِيُعِزَّ بِذلِكَ مَنْ أَذَلَّ اللهُ وَيُذِلَّ مَنْ أَعَزَّ اللَّهُ، وَالْمُسْتَحِيلُ لِحُرُمِ اللَّهِ

(1)

، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ

(2)

، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي

(3)

».

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُصِيبُ عَبْداً نُكْتَةٌ

(4)

فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إِلا بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ» قَالَ وَقَرَأَ: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(5)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ

حَكِيمٌ

(6)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيَ إِلا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْياً أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(7)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ.

(1)

أي للمحرمات.

(2)

والظالم لأهل البيت وهو مستحل لظلمه بل كل ظلم حرام ولكنه لآل البيت أكبر.

(3)

والتارك لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستحل هذا.

(4)

النكتة كالنقطة والمراد هنا جرح صغير.

(5)

الأول في القدر بسند صحيح والثاني هنا بسند غريب.

(6)

{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا} إلا أن يوحى إليه وحيًا في المنام أو الإلهام {أو من وراء حجاب} أو إلا أن يكلمه من وراء حجاب ولا يراه كما وقع لموسى عليه السلام {أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} جبريل فيوحي للنبي بإذن الله ما أمره الله به {إنه عليٌّ} عن صفات المحدثين {حكيم} في صنعه بعباده جل وعلا.

(7)

فكل نبي أيده الله بمعجزات تكفي للإيمان به. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعطى من المعجزات كثيرا ولا سيما القرآن الذي يتلى ما دامت الدنيا وهو مملوء بالآيات البينات ومحفوظ بعناية الله تعالى، ولهذا كانت الأمة المحمدية أكثر الأمر. صلى الله على نبيها وسلم، نسأل الله أن نكون من خيارها آمين.

ص: 228

‌سورة الزخرف

(1)

مكية وهي تسع وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ» ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الْآيَةَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلَا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ

(2)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ

(4)

إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأْسُوا أَبَداً

(5)

» فَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ

(6)

.

سورة الزخرف

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى فيها {وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} الزخرف: الذهب والزينة.

(2)

أول الآية {وقالوا} المشركون {أآلهتنا خير أم هو} عيسى عليه السلام {ما ضربوه} هذا المثل {لك إلا جدلا} خصومة بالباطل {بل هم قوم خصمون} شديدو الخصومة، فلما نزل قوله تعالى {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} قالوا: رضينا أن تكون آلهتنا مع عيسى لأنه عبد من دون الله، وهذا جدل باطل، فإنهم يعلمون أن {ما} لغير العاقل، فخرج عيسى عليه السلام.

(3)

بسند صحيح.

(4)

أي في أهل الجنة.

(5)

لا ينالكم بؤس أبدا. وسيأتي وصف الجنة وافيًا في كتاب القيامة إن شاء الله.

(6)

ولكن الترمذي في سورة الزمر ومسلم في صفة الجنة، نسأل الله الفردوس الأعلى آمين.

ص: 229

‌سورة الدخان

(1)

مكية وهي سبع وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: إِنَّ قُرَيْشاً لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي

يُوسُفَ

(3)

فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} {يَغْشَى النَّاسَ} {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ

(4)

قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ» فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا فَنَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ بَابَانِ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَإِذا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ فَذلِكَ قَوْلُهُ: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ

(5)

}». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

سورة الدخان

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا القول الله تعالى فيها {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} .

(2)

أظهروا العصيان والبقاء على الشرك.

(3)

أعني سني القحط.

(4)

اطلب من الله المطر لقومك فامتنع صلى الله عليه وسلم أولا ثم حن عليهم ثانيًا فدعا لهم فنزل الغيث عليهم فأخصب عيشهم فعادوا لحالهم، وفي رواية: لا رأى النبي صلى الله عليه وسلم من كفار مكة إعراضًا مستمرًا عن الإسلام دعا عليهم بالقحط فأخذتهم سنة أهلكت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر أحدهم إلى السماء فيري كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد: إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم، فأنزل الله تعالى {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} إلى قوله {إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} .

(5)

{فما بكت عليهم} على قوم فرعون لما هلكوا {السماء والأرض وما كانوا منظرين} مؤخرين حتى يتوبوا، فمفهومه أن المسلم لما يموت يبكي عليه مصلاه من الأرض وأبوابه في السماء بل وتشهد له في الآخرة.

(6)

بسند غريب. نسأل الله الأنس في كل حال آمين.

ص: 230

‌سورة الجاثية

(1)

مكية وهي سبع وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ

(2)

». رَوَاهُ البُخَارِيُّ

(3)

.

‌سورة الأحقاف

(4)

مكية وهي خمس وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

كَانَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه اسْتَعْمَلَ عَلَى الْحِجَازِ مَرْوَانَ فَخَطَبَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيد بْنَ مُعَاوِيَةَ كَيْ يُبَايَعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئاً، فَقَالَ: خُذُوهُ فَدَخَلَ

سورة الجاثية

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {وترى كل أمة جاثية} على الركب يوم القيامة، وتسمى سورة الشريعة لقوله تعالى {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها} .

(2)

يؤذيني ابن آدم أي بلسانه كسبّ الدهر إذا أصابه مكروه بنحو قوله: بئس الدهر، وتبًّا له، وأنا الدهر. أي خالقه، بيدي الأمر كله حتى الليل والنهار، فمن سب الدهر لشيء آلمه فكأنه سب الله تعالى لأنه الخالق لكل شيء وهذا من وادي الآية القائلة {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} فإنهما يذمان من ينسب الأمور إلى الدهر وما الدهر إلا خلق من خلق الله تعالى.

(3)

وسيأتي في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى.

سورة الأحقاف

بسم الله الرحمن الرحيم

(4)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف} جمع حقف وهو التل من الرمل، والمراد هنا واد باليمن كانت فيه ديار عاد.

ص: 231

بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} الآيَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ إِلا أَنَّهُ أَنْزَلَ عُذْرِي

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكاً حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ

(2)

إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ، قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْماً أَوْ رِيحاً عُرِفَ فِي وَجْهِهِ

(3)

، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَ:«يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ» . عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيح وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقالُوا هذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا

(4)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

(1)

فمعاوية ولى على المدينة مروان وأمره أن يخطب الناس على المنبر ويحثهم على مبايعة يزيد ابنه إذا تنازل له أبوه عن الخلافة؛ ففعل فرد عليه عبد الرحمن بقوله: هرقلية إن أبا بكر والله ماجعها في أحد من ولده ولا أهل بيته، فقال مروان: خذوه، فالتجأ إلى بيت أخته عائشة فتركوه، فقال مروان: هذا الذي ذمه القرآن بقوله {والذي قال لوالديه أف لكما} أتضجر منكم {أتعداني أن أخرج} من قبري {وقد خلت القرون من قبلي} ولم تخرج من قبورها {وهما يستغيثان الله} يسألانه الغوث برجوعه ويقولان له {ويلك آمن} بالله وبالبعث {إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين} ما هذا القول إلا أكاذيب الأولين، وبعد الخطبة ذهب مروان لبيت عائشة فكلمها فيما حصل من أخيها فقالت له: كذبت والله ما نزل القرآن فينا بشيء إلا ببراءتي، ورأى مروان في الآية ضعيف فإن عبد الرحمن أسلم فكان من خيار المسلمين والآية في الكافر العاق لوالديه والله أعلم.

(2)

جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك.

(3)

التغير والكراهة.

(4)

القوم في الموضعين هم عاد قوم هود عليه السلام، والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى إلا لقرينة كما هنا فتكون عينها وكقوله تعالى {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ، فعاد أهلكوا ريح صرصر عاتية رأوها كسحاب لقوله تعالى {فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم} سحابًا عارضا في السماء سائرا نحوهم {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} قال تعالى {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} وهلكوا رجالا ونساء وأطفالا وأموالا وبقي هود ومن آمن به وهم أربعة آلاف، حوط حولهم بخط فكانت الريح لا تعدوه.

ص: 232

وَلِلشَّيْخَيْنِ

(1)

: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ

(2)

».

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم

مُّنذِرِينَ

(3)

}.

قَالَ عَلْقَمَةُ رضي الله عنه قُلْتُ لِابْنِ مَسْعُودٍ: هَلْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجِنِّ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ قَالَ: لَا وَلكِنْ قَدِ افْتَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ بِمَكَةَ فَقُلْنَا اغْتِيلَ أَوِ اسْتُطِيرَ

(4)

فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا إِذَا نَحْنُ بِهِ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ فَذَكَرُوا لَهُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَأَتَيْتُهُمْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ فَانْطَلَقَ فَأَوَانَا آثَارَهُمْ وَأَثَرَ نِيرَانِهِمْ

(5)

» وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: «كُلُّ عظْمٍ يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمَاً وَكُلُّ بَعَرَةٍ أَوْ رَوْثَةٍ عَلَفٌ لِدوابِّكُمْ

(6)

» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا

(7)

فَإِنَّهُمَا زَادُ إِخْوَانِكُمُ الْجنِّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(8)

.

(1)

سيأتي في الجهاد إن شاء الله.

(2)

الصبا كالعصا، وتسمى القبول وهي الريح التي تهب من جهة مطلع الشمس ونصر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، والدبور كالزبور التي تهب من جهة الغرب وبها هلكت عاد.

(3)

{وإذ صرفنا} أملنا {إليك نفرا من الجن} النفر والنفير من ثلاثة رجال إلى عشرة وكانوا هنا سبعة من جن نصيبين بلد باليمن {يستمعون القرآن} منك وأنت نازل بطن نخلة وعائد من الطائف بعد موت أبي طالب وخديجة رضي الله عنهما ولم يكن معه إلا تابعه زيد بن حارثة {فلما حضروه قالوا} بعضهم لبعض {أنصتوا فلما قضى} فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من القراءة {ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا} قرآنا {أنزل من بعد موسى} وكانوا يهودا فإن الجن فيهم اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وهم مكلفون كالإنس {مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله} محمدا صلى الله عليه وسلم {وآمنوا به يغفر} الله تعالى {لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} فأجابوا وأسلم منهم سبعون رضي الله عنهم.

(4)

اغتيل أو استطير أي هل اغتاله أحد أو طار به من بيننا شيء تلك الليلة فيظهر أن هذه غير مرة عوده من الطائف فإنه مكث فيهم شهرًا يدعوهم للإسلام فأبوا فعاد لمكة وسمعه نفر الجن في طريقه كما ورد في الآية.

(5)

وكانوا من جن الجزيرة.

(6)

يذكر اسم الله عليه حين ذبحه أو حين أكله أو حين رميه، والبعرة من ذي الظلف والخف كالإبل، والروثة من ذي الحافر كالحمار.

(7)

بهما أي العظم والفضلة بنوعيها فإنهما زاد إخوانكم فلا تنجسوهما.

(8)

بسند صحيح.

ص: 233

وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ قَالَ: آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ

(1)

. وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ لَا يُسْتَنْجَى بِهِمَا؟ قَالَ: «هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنَّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ

نَصِيبِينَ

(2)

وَنِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَلا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَة إِلا وَجَدُوا عَلَيْهِ طَعَاماً

(3)

». رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ.

‌سورة محمد صلى الله عليه وسلم

(4)

مدنية وهي تسع وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحِقْوِ الرَّحْمنِ فَقَالَ: مَهْ، قَالَتْ: هذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: أَلَا تَرضينَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَال فَذَاكِ

(7)

».

(1)

هذا في النفر الذي أخبر عنه القرآن. وأما جن الجزيرة فإنهم دعوه عندهم وبات عندهم وكان وحده.

(2)

لعلهم عادوا للنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى بعد إيمانهم.

(3)

إلا وجدوه أحسن ما كان، فينبغي وضع العظم في مكان طاهر وتركه يسيرًا قبل إلقائه مع الكناسة حتى يطعم منه مؤمنو الجن.

سورة محمد صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

(4)

سميت بهذا لقول الله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} وتسمى سورة القتال للامر بقتال الكفار فيها.

(5)

وفي رواية: مائة مرة إجابة لأمر الله تعالى. وسيأتي في كتاب الذكر صيغ استغفاره صلى الله عليه وسلم.

(6)

بسند صحيح.

(7)

الحقو الإزار والخصر. والمراد هنا شدة القرب، فلما تم حكم الله في خلقه قامت الرحم - القرابة - فاستجارت بربها، فقال: مه، أي ما مرادك؟ قالت: أقوم أمامك مقام المستجير، قال: يرضيك أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: نعم، قال: فهذا لك.

ص: 234

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ

(1)

: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ إِنْ تَوَلَّيْنَا اسْتُبْدِلُوا بِنَا ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَنَا

(2)

، قَالَ: وَكَانَ سَلْمَانُ بِجَنْب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِ

سَلْمَانَ

(3)

وَقَالَ: «هذَا وَأَصْحَابُهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ مَنُوطاً بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ

(4)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌سورة الفتح

(5)

مدنية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَرَ قَدَمَاهُ

(6)

فَقُلْتُ: لِمَ تَصْنَعُ هذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ:

(1)

وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} لعلكم إن أعرضتم عن الإيمان {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} كما كنتم في الجاهلية، والحديث رواه أحمد وفيه: أنها تتكلم بلسان طلق ذلق.

(2)

سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يقرأ {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} .

(3)

وفي رواية: على منكبه.

(4)

وفي رواية: لو كان الإيمان معلقًا بالثريا لناله رجال من فارس. وهذا حق فإن رجال الحديث وأساطينه ما كانوا إلا من فارس وقد ظهرت شمسهم في القرن الثالث فأضاءت مشارق الأرض ومغاربها رضي الله عنهم، وتقدم فضل فارس في الفضائل.

سورة الفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

(5)

سميت بهذا لبدئها بقول الله تعالى {إنا فتحنا لك فتحًا مبينا} .

(6)

تتشقق، وفي رواية: حتى تورمت قدماه.

ص: 235

«أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْداً شَكُوراً

(1)

»، فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِساً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ ثُمَّ رَكَعَ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ

(3)

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ» ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: هَنِيئاً مَرِيئاً يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا

(4)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ هذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: {يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَحِرْزاً لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظَ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ ولكِنْ يَعْفُوَ وَيَصْفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُناً عُمْياً وَآذاناً صُمًّا وَقُلُوباً غُلْفاً

(6)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً

(7)

}.

• عَنْ أَبِي وَائِلٍ رضي الله عنه قَالَ:

(1)

فغفران الله تعالى لي نعمة عظيمة يجب عليّ شكرها بالعبادة والتهجد.

(2)

فيه تصريح بزيادة جسمه الشريف صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ولكنها زيادة لم تجعله مطهمًا بل متناسبة مع قوامه صلى الله عليه وسلم.

(3)

حينما عادوا منها.

(4)

تمام الآية {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} .

(5)

بسند صحيح.

(6)

تقدم هذا في كتاب النبوة.

(7)

{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} سمرة من الطلح وهو الموز بالحديبية، وقعت المبايعة هناك بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم ألف وأربعمائة على قتال قريش وألا يفروا من الموت {فعلم} الله {ما في قلوبهم} الأصحاب من الصدق والوفاء {فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا} هو فتح خيبر بعد عودهم من=

ص: 236

كُنَّا بِصِفِّينَ

(1)

فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ، فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُشْرِكِينَ وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ

(2)

عَلَى البَاطِلِ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي

دِينِنَا

(3)

وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَداً فَرَجَعَ مُتَغَيِّظاً فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَداً فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ

(4)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الْحُدَيْبِيَةِ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ ثَمَانِينَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ مِنْ جَبِلِ التَّنْعِيمِ

= الحديبية، سبب تلك المبايعة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أرادوا عمرة فسافروا لملكة فمنعهم المشركون عند الحديبية فبعث النبي صلى الله عليه وسلم لهم رسولا يخبرهم أنهم جاءوا لعمل عمرة وما جاءوا لحرب؛ فقالوا لا يمكن دخولهم مكة، فبعث لهم عثمان رضي الله عنه فأخبرهم بمرادهم فصمموا على رأيهم بل واحتبسوا عثمان عندهم؛ فلا سمع بهذا النبي صلى الله عليه وسلم بايع المسلمين على حربهم فلما علم الكفار بهذا أرسلوا عثمان وعشرة من المسلمين كانوا بمكة بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

صفين موضع بجوار الفرات كانت فيه حرب بين معاوية وعليّ رضي الله عنهما فلا أشرف جيش معاوية على الهلاك اتفقوا على أن يرسلوا المصحف إلى عليّ رضي الله عنه ويطلبوا الصلح على كتاب الله فلما أرسلوا المصحف لعليّ رضي الله عنه قال: أنا أولى بالإجابة إذا دعيت للعمل بكتاب الله، فكره بعض الجند ونددوا على ذلك؛ فقال سهل ردا عليهم لا تكرهوا الصلح فإننا كرهناه يوم الحديبية وكانت عقباه خيرًا لنا وكان عمر وعلي أكثر الناس كراهة له رضي الله عنهم.

(2)

وهم أي المشركون.

(3)

الدنية أي الخصلة الدنية وهي المصالحة بهذه الشروط الدالة على

العجز وهي: لا يدخلون مكة إلا في العام القابل، ولا يمكثون أكثر من ثلاثة أيام، ولا يكون معهم سلاح إلا السيف والقوس ونحوها، ومن أتاه مسلمًا من المشركين رده إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وهذا كان شديدا على الأصحاب ولكن كانت عاقبته الخير.

(4)

تعلن بأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين سينصرون قريبًا على المشركين وسيفتحون مكة المكرمة وكان كذلك فكان وعد الله مفعولا.

ص: 237

عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ فَأُخِذُوا أَخْذاً فَأَعْتَقَهَمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى» قَالَ: لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

‌سورة الحجرات

(3)

مدنية وهي ثمان عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَقَالَ عُمَرُ: أَمِّرِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلا خِلافِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَتَمَارَيَا

(4)

حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

(5)

} {وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وهم بالحديبية في صلاة الصبح نزل عليهم من التنعيم ثمانون رجلا وأحاطوا بعسكر المسلمين فأخذوهم وذهبوا بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم فكان هذا سببًا للصلح بينهم.

(2)

فمن قال بها وقام بحقها فهو من المتقين. نسأل الله أن نكون منهم آمين.

سورة الحجرات

بسم الله الرحمن الرحيم

(3)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} وهذه أول سور المفصل لكثرة الفصل فيه بالسور أو لأنه محكم لا نسخ فيه.

(4)

تجادلا.

(5)

لا تفتاتوا على رسول الله حتى يقضى الله على لسانه ما يشاء.

ص: 238

أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما

(1)

رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ

(2)

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلا خِلَافِي، فَقَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الْآيَةَ

(3)

. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ

(4)

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ فِي بَيْتِهِ جَالِساً مُنَكِّساً رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: شَرٌّ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ

(5)

فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ

(6)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(7)

.

• عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: {إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ جَمْدِي زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ذَاكَ اللَّهُ

(8)

».

(1)

بيان للخيرين تثنية خير وهو كثير الخير.

(2)

بيانه في الرواية السالفة.

(3)

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إذا تكلمتم {فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إذا تكلم {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} إذا ناجيتموه {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} بل دون هذا إجلالا له {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فصار جماعة من الصحب يخفضون أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزل فيهم {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ} اختبر {اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} .

(4)

وكان خطيب الأنصار لفصاحته.

(5)

يريد بهذا نفسه لعلو صوته.

(6)

ونعمت البشارة هذه.

(7)

ولكن البخارى هنا ومسلم في الإيمان.

(8)

فظاهره أن الآية نزلت في هذا ولكن قال الجلال رضي الله عنه إنها نزلت في وفد جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة ولم يعلموه في أي حجرة من حجر نسائه فنادوه جميعًا كل منهم خلف حجرة بغلظة وجفاء فنزلت فيهم هذه الآية وبعدها {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم} فالواجب على كل مسلم الأدب في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان يزور قبره لأنه حي فيه ومجلس حديث النبي صلى الله عليه وسلم كجلسه.

ص: 239

قَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ: {وَآعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ

(1)

} قَالَ: هذَا نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم يُوحَى إِلَيْهِ وَخِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ لَوْ أَطَاعَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لعَنِتُوا فَكَيْفَ بِكُمُ الْيَوْمَ. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيَ

(3)

فَرَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِمَاراً وَانْطَلَقَ إِلَيْهِ مَعَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتِ الْأَرْضُ سَبَخَةً فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي

(4)

فَوَاللَّهِ لَقَدْ آذَاني نَتْنُ حِمَارِكَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَاللَّهِ لِحَمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْيَبُ رِيحاً مِنْكَ فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ وَغَضِبَ لِلْأَنْصَارِيِّ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْأَيْدِي وَالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا

(5)

}. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْجِهَادِ.

قَالَ أَبُو جُبَيْرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ: كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَكُونُ لَهُ الاِسْمَانِ وَالثَّلَاثَةَ فَيُدْعَى بِبَعْضِهِمَا فَعَسَى أَنْ يَكْرَهَ فَنَزَلَتْ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ

(6)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(7)

.

(1)

{لو يطيعكم في كثير من الأمر} الذي تخيرون فيه ونزل على رأيكم {لعنتم} أثمتم فإذا كان هذا في حال النبوة مع خيار الأمة فكيف بعدهم، فينبغي التأني في الأمور ومشاورة أهل الرأي فيها وتمحيصها قبل السير فيها لقول الله تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} .

(2)

الأول بسند حسن والثاني بسند صحيح.

(3)

ابن سلول وعرضت عليه الإسلام لأسلم.

(4)

أي لا تقربني.

(5)

وورد في سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب لعيادة سعد بن عبادة في بني الحارث فمرّ في طريقه على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ونزل عن دابته وقرأ عليهم القرآن وكان في المجلس عبد الله بن أبي بن سلول فرد على النبي صلى الله عليه وسلم ردا غير حسن فرد عليه عبد الله بن رواحة وانتصر للنبي صلى الله عليه وسلم فثار المجلس فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا أن يقتتلوا فسكتهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب لعيادة سعد بن عبادة فنزل {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} ترجع {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} الحق {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا} اعدلوا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .

(6)

أي لا يدع بعضكم بعضا بلقب يكرهه، ومنه قولهم: يا كلب، يا حمار، يا دون ونحوها.

(7)

بسند صحيح.

ص: 240

وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ بِلَفْظِ قَدِمَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا مِنَّا رَجُلٌ إِلا وَلَهُ اسْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا فُلَانُ» فَيَقُولُونَ مَهْ

(1)

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هذَا الاِسْمِ فَنَزَلَتِ الآيَةُ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ

(2)

وَتَعَاظمَهَا بِآبَائِها. فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ. وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى

(3)

}» الآيَةَ.

• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

‌سورة ق

(5)

مكية وهي خمس وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، فَيَضَعُ الرَّبُّ تبارك وتعالى قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ قَطٍ قَطٍ

(6)

» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

مه أي انكف يا رسول الله.

(2)

فخرها وكبرها.

(3)

{ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} آدم وحواء عليهما السلام {وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} الشعوب: جمع شعب ككعب وهو أعلى طبقات النسب. والقبائل: جمع قبيلة وهي دون الشعب، وبعدها العمائر. فالبطون، فالأفخاذ، فالفصائل، فالعشائر، وكل واحدة داخلة فيما قبلها، وذلك كفخذ العباس من بطن هاشم من عمارة قصي من قبيلة قريش من شعب كنانة، كنتم هكذا لتعارفوا لا لتتفاخروا فإنما الفخر بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ببواطنكم كظواهركم.

(4)

الأول بسند غريب والثاني بسند صحيح.

سورة ق مكية وهي خمس وأربعون آية

(5)

سميت بهذا لبدئها بقول الله تعالى {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وق علمه عند الله تعالى، وقيل جبل محيط بالأرض.

(6)

قط بالسكون والكسر مع التنوين وهذا كقوله تعالى {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ

_________

(*) إلا آية 38 فإنها مدنية.

ص: 241

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَحَاجَّتِ الْجَنَّةَ وَالنَّارُ

(1)

فَقَالَتِ النَّارُ: أَوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ

(2)

، قَالَ اللَّهُ عز وجل لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَلْؤُهَا

(3)

فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَطٍ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ عز وجل مِنْ خَلْقِهِ أَحَداً، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنْشِئُ لَهَا خَلْقاً

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ

(5)

كَمَا تَرَوْنَ هذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ

(6)

فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ

(7)

}. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ

(8)

}.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا

(9)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

=امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} فجهنم عظيمة جدا ولا تزال تقول هل من مزيد حتى يتجلى الله عليها بالقهر فتخضع وتذل وتقول قط قط أي حسبي فقد اكتفيت.

(1)

تخاصمتا بلسان الحال أو المقال.

(2)

السقط كسبب الساقط من أعين الناس لتواضعه وذله لربه تعالى.

(3)

وفي نسخة ولكل منكما ملؤها.

(4)

لم تعمل خيرا فتملأها، وفي رواية لمسلم: يبقى من الجنة ما شاء الله ثم ينشئ الله لها خلقًا مما يشاء. وفي رواية: لا يزال في الجنة فضل أي زائد فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة.

(5)

في الجنة إن شاء الله.

(6)

لا ينالكم ضيم وظلم في رؤيته برؤية البعض دون البعض وستأتي رؤية الله في كتاب القيامة.

(7)

فالتسبيح قبل طلوع الشمس بصلاة الصبح وقبل الغروب بصلاة العصر، وتقدم هذا في فضائل الصلاة.

(8)

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} بصلاة العشاءين {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} بصلاة النوافل عقب الفرائض كذا قال المفسرون.

(9)

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو التسبيح عقب الصلاة. وقد سبق في كتاب الصلاة والله أعلم.

ص: 242

‌سورة الذاريات

(1)

مكية وهي ستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

فَذَكَرْتُ عِنْدَهُ وَافِدَ عَادٍ فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِثْلَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَا وَافِدُ عَادٍ

(3)

»؟ قُلْتُ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ

(4)

إِنَّ عَاداً لَمَّا أَقْحَطَتْ بَعَثَتْ قَيْلًا

(5)

فَنَزَلَ عَلَى بَكْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ

(6)

فَسَقَاهُ الْخَمْرَ وَغَنَتْهُ الْجَرَادَتَانِ

(7)

ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ جِبَالَ مَهَرَةَ

(8)

فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ آتِكَ لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ وَلَا لِأَسِيرٍ فَأُدَادِيَهُ فَاسْقِ عَبْدَكَ مَا كُنْتَ مُسْقِيَهُ وَاسْقِ مَعَهُ بَكْرَ بْنَ مُعَاوَيَةَ

(9)

فَرُفِعَ لَهُ سَحَابَاتٌ فَقِيلَ لَهُ: اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ السَّوْدَاءَ فَقِيلَ لَهُ خُذْهَا رَمَاداً رَمْدَداً لَا تَذَرُ مِنْ عَادٍ أَحَداً

(10)

وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ إِلا قَدْرُ هذِهِ الْحَلْقَةِ يَعْني حَلْقَةَ الْخَاتَمِ ثُمَّ قَرَأَ: {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ

(11)

}. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الصِّنَاعَةِ وَالرِّوَايَةِ آمِين.

سورة الذاريات مكية وهي ستون آية

(1)

الذاريات هي الرياح التي تذرو الهشيم والتراب.

(2)

وفي رواية: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو العلاء بن الحضرمي (وكان واليًا عليهم) فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس وفيه رايات سود تخفق وبلال متقلد بسيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص في جيش.

(3)

النبي صلى الله عليه وسلم يعرفه ولكنه يريد أن يسمع عنه.

(4)

مثل سائر في العرب أي على الخبير بهذا سقطت.

(5)

بعثت رجلا اسمه قيل إلى الحرم يستسقى لهم.

(6)

بمكة المكرمة ومكث عنده شهرا.

(7)

جاريتان مشهورتان بحسن الصوت والغناء.

(8)

ليقف عليها ويطلب من الله السقيا. ومهرة كبقرة حي من العرب.

(9)

يشكر له حسن ضيافته له.

(10)

فظهرت له في السماء عدة سحابات وسمع منها من يقول له اختر إحداهن؛ فاختار السوداء فقيل له خذها رمادا رمددا أي متناهية في الشدة والحرارة وهذا للمبالغة كيوم أيوم وليل أليل.

(11)

{وفي عاد} وفي هلاكهم آية على وحدانيته جل شأنه {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} التي =

ص: 243

‌سورة الطور

(1)

مكية وهي تسع وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هذِهِ الآيَاتِ: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ

(2)

} {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ

(3)

} {أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ

(4)

} {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ

(5)

} كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ

(6)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ: «إِدْبَارَ النُّجُومِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ

(7)

». نَسْأَلُ اللَّهَ تَمَامَ التَّوْفِيقِ آمِين.

= لا تحمل مطرا ولا تلقح شجرا وهي الدبور {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ} نفس أو مال {أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} البالى المتفتت أو الرماد أو التراب المدقوق (هذا) فصادف طلب سقياهم هذا وهلاكهم إحقاق العذاب عليهم بتكذيب نبيهم هود عليه السلام، نسأل الله السلامة آمين.

سورة الطور مكية وهي تسع وأربعون آية

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى {وَالطُّورِ} الجبل الذي كلم الله عليه موسى {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} التوراة أو القرآن أو كل الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} السماء {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} المملوء {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} بمستحقيه {مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} عنه {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} تتحرك وتدور {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} فتصير هباء منثورا، وهذا في يوم القيامة.

(2)

من غير إله.

(3)

لأنفسهم ولا يعقل مخلوق بدون خالقه ولا معدوم بخلق.

(4)

{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ولا يقدر على هذا إلا الله الواحد القادر فلم لا يعبدونه ويؤمنون برسوله وبكتابه ولكنهم لا يوقنون به تعالى.

(5)

{خَزَائِنُ رَبِّكَ} من النبوة والرزق وغيرها فيخصون من شاءوا بما شاءوا {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} الجبارون.

(6)

مما تضمنته من الحجج البالغة.

(7)

هذا بيان لقوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} بكثرة التسبيح أو بصلاة العشاءين {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} عقب غروبها بالتسبيح، أو بصلاة الصبح فدخل فيه الركعتان قبل الصبح كما دخلت سنة المغرب في أدبار السجود.

ص: 244

‌سورة النجم

مكية وهي اثنتان وستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ الشَّيْبَانِيُّ رضي الله عنه: سَأَلْتُ زِرًّا

(1)

عَنْ قَوْلِهِ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى} {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ مَسْرُوقٌ رضي الله عنه لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: أَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ هذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَسَدَّ الْأُفُقَ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَمَرَّةً فِي جِيَادٍ

(4)

لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ذَرَ لَوْ أَدْرَكْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَسْأَلْتُهُ، فَقَالَ: عَمَّا كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ قَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: «نُوراً أَنى أَرَاهُ

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

سورة النجم مكية وهي اثنان وستون آية

(1)

هو ابن حبيش.

(2)

يتناثر منها تهاويل من الدر والياقوت، وللترمذي: رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في حلة من رفرف {سُنْدُسٍ} قد ملأ ما بين السماء والأرض.

(3)

فكل مرة كان جبريل يأتي في صورة دحية الكلبي أو غيره من الأصحاب إلا ليلة الإسراء فإنه رآه عند سدرة المنتهى في صورته الأصلية.

(4)

اسم مكان بمكة أو بحراء.

(5)

أي رأيت نورا فكيف أراه جل شأنه، وعبارة مسلم برفع لفظ نور أي المرئي إلى نور فكيف أراه أي ما رأيته، وبيان الآيات على هذه الروايات {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} أي قرب النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل وزاد قربه منه وهو على صورته الملكية {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أي قدر قوسين أو أقل ثم أفاق وسكن روعه {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} أوحى الله =

ص: 245

• عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ، قُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} قَالَ: وَيْحَكَ ذَاكَ إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ

(1)

وَقَالَ: أُرِيَهُ مَرَّتَيْنِ.

قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْباً رضي الله عنهم بِعَرَفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَكَبَّرَ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ

(2)

، فَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ

(3)

فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسى فَكَلَّمَ مُوسى مَرَّتَيْنِ وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَهُ. رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ قَوِيَ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ

(5)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

= تعالى لعبده جبريل ما أوحاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ما أنكر فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل الأصلية، وسبق شيء من هذا في تفسير سورة الأنعام "مرويات مسلم هنا في كتاب الإيمان".

(1)

فإذا تجلى بنوره الذي هو نور فلا يمكن المخلوق رؤيته وإلا احترق للحديث السابق في آية الكرسي: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ولكنه تعالى تجلى لمحمد صلى الله عليه وسلم بغير ذلك حتى رآه صلى الله عليه وسلم.

(2)

كبر برفع صوت وإخلاص حتى سمع صداه من الجبال.

(3)

فلا تزهو علينا بسؤالي لك.

(4)

الأول بسند حسن والثاني لا طعن فيه.

(5)

رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بفؤاده وبصره مرتين لقوله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ما رآه وهو الله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ} أي النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه {نَزْلَةً أُخْرَى} مرة أخرى في أول البعثة، وعلى هذا يكون معنى الآيات السالفة ما يأتي {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أي تجلى الله تعالى بالقرب على محمد صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى مكان لم يصل إليه مخلوق {فَأَوْحَى} أي الله تعالى {إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم من العلوم والمعارف والأسرار ما لا يعلمه إلا الله جل شأنه، فابن عباس وأنس وكعب يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وعلى هذا الجمهور. قال العارف البرعي رضي الله عنه:

وإن قابلت لفظة لن تراني

بما كذب الفؤاد فهمت معنى

فموسى خر مغشيًا عليه

وأحمد لم يكن ليزيغ ذهنا

وأولوا نصوص نفي الرؤية برؤية الإحاطة أو على تلك الحال التي قالها ابن عباس وقال جماعة: إن الرؤية في الدنيا لم تقع لأحد الأحاديث الأول، والله أعلم وعلمه أكمل.

ص: 246

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: لَمَّا بَلَغ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ: «انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقُ

(1)

»، قَالَ: فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَهَا ثَلَاثاً لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيًّا قَبْلَهُ: فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ خَمْساً، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ

(2)

مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} .

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: رَأَى رَفْرَفاً أَخْضَرَ قَدْ سدَّ الْأُفُقَ

(3)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الَّلاتَ وَالْعُزَّى كَانَ اللاَّتُ رَجُلاً يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ}

(5)

. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:

«إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمّ تَغْفِر جَمَّا

وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا»

(6)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(7)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ

(8)

.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ إِلّا رَجُلاً رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تَرَاب، وَسَجَدَ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذلِكَ قُتِلَ كَافِراً

(9)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

(1)

علة التسمية. وسدرة المنتهى شجرة عظيمة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، فيها من كل فاكهة وما من قصر في الجنة إلا وفيه غصن منها، وفيها آيات كثيرة.

(2)

المقحمات الذنوب العظيمة.

(3)

الرفرف هنا البساط العظيم الحديث الحاكم: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض.

(4)

قيل هذا الرجل عمرو بن لحي أو صرمة بن غنم كان يأت السمن والسويق عند صخرة ويطعمه الحاج فلما مات عبدوا ذلك الحجر إجلالا لهذا الرجل وسموه باسمه.

(5)

اللمم صغار الذنوب كالنظرة واللمسة والقبلة.

(6)

إن تغفر يا الله فاغفر جما أي غفرانا عظيما وأى عبد لك لا ألما وقع في اللمم، وهذا ليس إنشاء منه صلى الله عليه وسلم بل إنشاد لهذا البيت وهو لأمية بن الصلت فلا يعارض قوله تعالى {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} .

(7)

بسند صحيح.

(8)

أي سجد الحاضرون كلهم تبعا له صلى الله عليه وسلم المسلون منهم اقتداء به، والمشركون منهم لوهمهم أن السجود للات والعزى، أو لمعارضة المسلمين بالسجود لآلهتهم.

(9)

هو أمية بن خلف.

ص: 247

‌سورة القمر

مكية وهي خمس وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آيَةً

(1)

فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ فَنَزَلَتِ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} {وَإِن يَرَوْاْ آيَةً} {يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}

(2)

.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهُ رضي الله عنه: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى فَانْشَقَّ الْقَمَرُ فِلْقَتَينِ فِلْقَةٌ مِنْ وَرَاءَ الْجَبَلِ وَفِلْقَةٌ دُونَهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اشْهَدُوا» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ عَلَى هذَا الْجَبَلِ وَعَلَى هذَا الْجَبَلِ

(3)

، فَقَالُوا: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ سَحَرَنَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ

(4)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}

(5)

.

قَالَ قَتَادَةُ رضي الله عنه: أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هذِهِ الْأُمَّةِ.

سورة القمر مكية وهي خمس وخمسون آية

(1)

معجزة تدل على نبُوَّته.

(2)

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} قربت القيامة {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} انفلق فلقتين نزلت إحداهما على أبي قبيس والأخرى على قعيقعان جبلان بمكة {وَإِنْ يَرَوْا} كفار قريش {آيَةً} معجزة له صلى الله عليه وسلم: {يُعْرِضُوا} عنه {وَيَقُولُوا} له هذا {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} قوي دائم حيث تعدى إلى السماء.

(3)

أبي قبيس وقعيقعان السالفين.

(4)

أي اسألوا أهل الآفاق هل رأوا ذلك، فكفار قريش كانوا يظنون أن كل معجزة منه صلى الله عليه وسلم سحر فطلبوا آية سماوية واتفقوا على انشقاق القمر فتواعدوا في ليلة واجتمعوا فلما جاء الوقت قال صلى الله عليه وسلم: انظروا فنظروا جميعا فرأوا أن القمر انشق شقتين نزلت كل واحدة وحدها فقال صلى الله عليه وسلم اشهدوا، فقالوا لقد سحر الأرض والسماء إن هذا سحر مستمر.

(5)

{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} سفينة نوح {آيَةً} لمن يعتبر بها {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} معتبر يتعظ بها فإنها بقيت بالجودي - جبل بجزيرة العرب قرب الموصل - حتى رآها أوائل الأمة المحمدية.

ص: 248

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهوَ فِي قُبَّةٍ يَومَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ»

(1)

، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ

(2)

فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}

(3)

. رَوَاهُمَا البُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.

• وَعَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي الْقَدَرِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ

(5)

فَقَالَ: «أَبِهذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هذَا الْأَمْرِ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلا تَتَنَازَعُوا فِيهِ

(6)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْقَدَرِ.

(1)

إن تشأ هلاك جماعة المؤمنين هذه لا يعبدك أحد.

(2)

يقوم فيه.

(3)

وكان كذلك فهزموا وولوا على أدبارهم ذليلين.

(4)

في القدر بقولهم: إنه لا قدر؛ فنزلت {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} عذابها {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} خلقنا كل شيء بتقدير سابق عليه.

(5)

كأن في وجنتيه حبيبات زمان.

(6)

عزمت عليكم أي أمرتكم أمرا مؤكدا ألا تتنازعوا فيه بعد هذا فإنه سر مكتوم. وسبق هذا وافيًا في الإيمان بالقدر والله أعلى وأعلم.

ص: 249

‌سورة الرحمن

مكية وهي ثمان وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ: «لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُوداً مِنْكُمْ

(1)

كُنْتُ كَلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}

(2)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا

(3)

وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ

(4)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(5)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ

(6)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

سورة الرحمن مكية وهي ثمان وسبعون آية

(1)

كانوا أحسن ردا منكم لأنهم كانوا كلما قرأت عليهم {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا لا بشيء من نعمك يا ربنا نكذب فلك الحمد، ومعناها فبأي نعمة من نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان وتنكران، أي لا يمكن ذلك.

(2)

فكل إنسان خاف ربه واتقاه وخالف نفسه وهواه له جنتان أي بستانان ومن دونهما جنتان أيضا قيل إحداهما له والأخرى لزوجاته كعادة الأكابر في الدنيا.

(3)

قال ابن عباس. الجنتان بستانان في عرض الجنة كل بستان مسيرة مائة عام في وسط كل بستان دار من نور وليس منهما شيء إلا يهتز نعمة وخضرة قرارها ثابت وشجرها ثابت، وفيها من كل فاكهة لا مقطوعة ولا ممنوعة.

(4)

المراد بالوجه الذات، والمراد بالرداء صفة الجلال والعظمة كحديث "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري" وفي جنة عدن ظرف للقوم.

(5)

ولكن البخاري هنا ومسلم في الإيمان.

(6)

هذا من قوله تعالى {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} أي محبوسات فيهن وقصر طرفهن وأنفسهن على أزواجهن لا يبغين غيرهم بل متعشقات فيهم. نسأل الله رضاه والجنة آمين.

ص: 250

‌سورة الواقعة

(1)

مكية وهي سبع وتسعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً

(2)

يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ:{وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} ». رَوَاهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} قَالَ: «ارْتِفَاعُهَا كا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمَائَةِ عَامٍ» .

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً} قَالَ: «مِنَ الْمُنْشَآتِ الَّتِي كُنَّ فِي الدُّنْيَا عَجَائِزَ عُمْشاً رُمْصاً

(3)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ}

(5)

{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} {عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ}

(6)

. قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ

(7)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(8)

.

سورة الواقعة مكية وهي سبع وتسعون آية

(1)

سميت بهذا لقول الله تعالى {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} قامت القيامة {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} نفس تكذبها وتنفيها كما كان في الدنيا {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} خافضة لقوم بدخولهم النار ورافعة لقوم بدخولهم الجنة {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} زلزلت زلزالا شديدا {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} فتتت {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} كالغبار المنتشر.

(2)

الشجرة قيل هي طوبى.

(3)

{إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} الحور العين من غير ولادة، ونساء الدنيا أيضا لقوله من المنشآت التي كن في الدنيا عجائز، عمشا جمع عمشاء ضعيفة البصر، رمصا جمع رمصاء وهي وسخة العين.

(4)

بسندين غريبين.

(5)

حكمنا به على كل مخلوق فلا يستطيع أحد رده.

(6)

{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي بعاجزين {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ} أي نجعل {أَمْثَالَكُمْ} مكانك {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} من الصور كالقردة والخنازير.

(7)

لما فيهن من قصص الأنبياء وهلاك الأمم والعبر والمواعظ والآيات البينات والحجج الدامغات وذكر الموت والجنة والنار. وروي عن أبي على الشبوي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم؛ فقال يا رسول الله: روي عنك أنك قلت شيبتني هود، قال: نعم، قال: ما الذي شيبك منها؟ قال: قوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} .

(8)

بسند حسن.

ص: 251

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قَالَ: «شُكْرَكُمْ تَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا وَبِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(2)

وَلَفْظَ مُسْلِمٍ: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ قَالُوا هذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ

(3)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا

(4)

» فَنَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إِلَى {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}

(5)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

‌سورة الحديد

(6)

مدنية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَبِسُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ وَأَصْحَابُهُ إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ سَحَابُ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَدْرونَ هذَا؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هذَا الْعَنَان

(7)

هذِهِ رَوَايَا الْأَرْضِ

(8)

يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْكُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ

(9)

»، قَالَ:

(1)

{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكر رزقكم من المطر {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} سقيا الله لكم حيث تقولون: مطرنا بنجم كذا وكذا.

(2)

تقدم هذا في الاستسقاء وفي مزاعم الجاهلية ولفظ مسلم هذا في الإيمان.

(3)

هذا قول الشاكر وهو المؤمن.

(4)

هذا قول الكافر.

(5)

أولها {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} بمساقطها لغروبها، ولا زائدة {وَإِنَّهُ} القسم بها لقسم {لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ} المتلو عليكم {لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} مصون من التغيير والتبديل وهو المصحف {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} من الأحداث وهذا إخبار يراد به الإنشاء {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمين * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} القرآن {أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} متهاونون مكذبون {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} .

سورة الحديد مدنية وهي تسع وعشرون آية

(6)

سميت بهذا القول الله تعالى فيها {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} .

(7)

العنان كالسحاب وزنا ومعنى.

(8)

جمع راوية وهي ما تروى الأرض بالماء.

(9)

يسوقه أي العنان إلى قوم لا يدعونه أي لا يعبدونه.

ص: 252

«هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا سَقْفٌ مَحْفُوظٌ وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ

(1)

»، قَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ

(2)

». ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذلِكَ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«فَإِنَّ فَوْقَ ذلِكَ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى عَدَّدَ سَبْعَ سَمَواتٍ مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذلِكَ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«فَإِنَّ فَوْقَ ذلِكَ الْعَرْشَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ بُعْدُ مِثْلِ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ» . ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «فَإِنَّهَا الْأَرْضُ» . ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّذِي تَحْتَ ذلِكَ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «فَإِنَّ تَحْتَهَا الْأَرْضَ الْأُخْرَى بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى عَدَّدَ سَبْعَ أَرضينَ بَيْنَ كُلِّ أَرضينِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ»

(3)

.

ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ رَجُلًا بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ

(4)

» ثُمَّ قَرَأَ {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

(1)

الرفيع: الأمر الرفيع، وسقف محفوظ مصون، وموج مكفوف عن البعثرة والتلف أي لون السماء كون موج البحار.

(2)

أي بالسير المعتاد بالرواحل، وإلا فملائكة الرحمن تنزل إلى الأرض في طرفة عين.

(3)

صريح في أن السموات سبع طبقات منفصلات بعضهن فوق بعض وكذا الأرضون ولا بعد ولا غرابة فقدرة الله صالحة لكل شيء.

(4)

على عمله وقدرته فإن ربنا في كل مكان بعلمه وصفاته كقدرته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه جل شأنه.

(5)

{هُوَ الْأَوَّلُ} قبل كل شيء بلا بداية {وَالْآخِر} بعد كل شيء بلا نهاية {وَالظَّاهِرُ} بآثاره قال القائل:

ففي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد

{وَالْبَاطِنُ} عن إدراك الحواس، وقيل الظاهر فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء ولا مانع من إرادتهما {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .

(6)

بسند غريب.

ص: 253

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهذِهِ الآيَةِ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} إِلَا أَرْبَعُ سِنِينَ

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌سورة المجادلة

(2)

مدنية وهي ثنتان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْكُو إِلَيْهِ فَجَادَلَنِي فِيهِ وَقَالَ: «اتَّقي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمّكِ» فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى الْفَرْضِ

(3)

فَقَالَ: «يُعْتِقُ رَقَبَةً» . قَالَتْ: لَا يَجِدُ. قَالَ: «يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ. قَالَ: «فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً» . قَالَتْ: مَا عِنْدَهُ شَيْءٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ. قَالَتْ: فَأُتِيَ سَاعَتَئِذٍ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَالَ:

(1)

لما تيسرت الأمور للأصحاب ونالتهم رفاهية العيش فرح بعضهم وفتر عما كان عليه وأكثر من المزاح فعتب الله عليهم بقوله {أَلَمْ يَأْنِ} يحن {لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} القرآن {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} الزمن بينهم وبين أنبيائهم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} لم تلن لذكر الله {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.

سورة المجادلة مدنية وهي ثنتان وعشرون آية

(2)

سميت بهذا الذكر المجادلة فيها.

(3)

فلما أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن زوجها قال لها: أنت على كظهر أي، قال: حرمت عليه. فحلفت أنه ما ذكر طلاقا قال: حرمت عليه. وكان الظهار قبل هذا فرقة مؤبدة فرفعت رأسها إلى السماء وقالت أشكو إلى الله فاقتي فأنزل الله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} إلى الفرض أي إلى ما فرض الله من الكفارة وهي {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} إلى {سِتِّينَ مِسْكِينًا} فأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة ثم تعود لزوجها، فكانت هذه السيدة سببا في إبدال حكم الظهار.

ص: 254

«قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عَنْهُ بِهَا سِتِّينَ مِسْكِيناً وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(1)

.

قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: أَتَى يَهُودِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ

(2)

فرَدّ عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ هذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ سَلَمَ يَا نَبيّ اللَّهِ قَالَ: «لَا وَلكِنَّهُ قَالَ كَذَا وَكذا رُدُّوهُ عَلَيّ» فَرَدُّوهُ فَقَالَ: قُلْتُ السّامُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذلِكَ:«إِذَا سَلّم عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا عَلَيْكَ مَا قُلْتَ» قَالَ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ} {بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}

(3)

.

قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَمْا نَزَلَتْ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}

(4)

قَالَ لِيَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما تَرَى؟ دِيناراً؟» قُلْتُ: لا يُطِيقُونَهُ قَالَ: «فَنِصْفَ دِينارٍ» ؟ قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ. قَالَ: «فَكَمْ» ؟ قُلْتُ: شعِيرَةً، قَالَ:«إِنّكَ لزَهِيدٌ»

(5)

فَنَزَلَتْ: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الْآيَةَ. قَالَ: «فَبِي خفَّفَ اللَّهُ عَنْ هذِ الْأُمّةِ

(6)

». رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(7)

.

(1)

ولكن الترمذي لسلمة بن صخر بسند صحيح، وسبق الظهار وافيا في كتاب النكاح.

(2)

السام: الموت، وهو مراده.

(3)

{وَإِذَا جَاءُوكَ} أي اليهود {حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} بما لم يشرعه، وهو السام عليك.

(4)

{نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} أي أردتم مناجاته {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ} قبلها {صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

(5)

شعيرة أي وزن شعيرة ذهبا، قال إنك لزهيد أي قليل.

(6)

فبسبب شفقة علي رضي الله عنه وتقديره القليل خفف الله عن الأمة ونسخ وجوب الصدقة قبل المناجاة بقوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .

(7)

الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن.

ص: 255

‌سورة الحشر

(1)

مدنية وهي أربع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ

(2)

قَالَ: التَّوْبَةِ هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَداً مِنْهُمْ إِلا ذُكِرَ فِيهَا. قُلْتُ: سُورَةُ الْأَنْفَالِ

(3)

؟ قَالَ: نَزَلِتَ فِي بَدْرٍ. قُلْتُ: سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ ـ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ ـ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِي وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ

(6)

سورة الحشر مدنية وهي أربع وعشرون آية

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى فيها {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} فالحشر الأول إخراج اليهود من ديارهم، والحشر الثاني إخراج عمر إياهم من الجزيرة إلى الشام.

(2)

استفهام إنكاري.

(3)

ما سبب نزولها.

(4)

قبيلة من اليهود.

(5)

البويرة: موضع بقرب المدينة فيه نخل لبني النضير وكانوا عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخل المدينة على ألا يكونوا معه ولا عليه؛ فلما حصلت وقعة أُحد عاهدوا قريشًا على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره جبريل بذلك فذهب النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم فتحصنوا بحصونهم فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين ليلة وأمر بقطع نخلهم وتحريقه ليخرجوا من حصونهم فما خرجوا وقالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد فكيف بقطع النخل وتحريقه؛ فوقع في نفوس المسلمين شيء من هذا فأنزل إليه {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} نخلة {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} ، لا حرج عليكم في ذلك {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} اليهود في اعتراضهم عليكم، فلما طال حصارهم ووقع الرعب في قلوبهم طلبوا الصلح من النبي صلى الله عليه وسلم فصالحهم على الجلاء وليس لهم من مالهم إلا حمل بعير لكل أهل بيت كما يشاءون من أمتعتهم ولا يحملون شيئًا من السلاح فخرجوا من مدينتهم كلهم إلا أهل بيتين فلحقوا بخيبر ولم يسلم منهم أحد إلا سفيان بن عمير وسعد بن وهب فأحرزا مالهما.

(6)

لم يوجف: لم يسرع المسلمون عليه بخيل ولا ركاب إبل، فالفيء: الذي أتى بدون مشقة.

ص: 256

فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ تُسَمَّى أُمَّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ. وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ قَالَ: لَوْ قَرَأَتِيهِ لَوَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ:{وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ}

(2)

قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئاً، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذلِكَ مَا جَامَعْتُهَا

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعَتُمْ

(4)

فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ

(1)

الكراع: الخيل، فكانت أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقرباه من بني هاشم وبني المطلب ولليتامى الفقراء وللمساكين وابن السبيل كشأن كل فيء لقوله تعالى {وَمَا أَفَاءَ} ما رد {اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} كالصفراء ووادي القرى وأرض قريظة والنضير بقرب المدينة وفدك على ثلاثة أميال منها وينبع وقرى عرينة {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} بني هاشم وبني المطلب {وَالْيَتَامَى} الفقراء {وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فظاهر الآية أن التخميس للمال كله وليس مرادا بل المراد التخميس في خمس واحد كذا قال بعض الأئمة رضي الله عنهم.

(2)

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} من مال وعلم {فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

(3)

أي ما سكنت معي في بيت واحد، وسبق هذا في كتاب اللباس.

(4)

فالحديث مقيد للآية كقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} . {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وأما المنهي عنه فيجتنب كله.

ص: 257

أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالانْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِمْ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجَهْدُ

(2)

فَأَرْسلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئاً، فَقَالَ:«أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ» ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ

(3)

، فَذَهَب إِلى أَهْلِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئاً، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ

(4)

وَتَعَالَي فَأَطْفِيءَ السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا

(5)

اللَّيْلَةَ فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ أَوْ ضَحِكَ اللَّهُ عز وجل مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}

(6)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. نَسْأَلَ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى.

(1)

هذه بعض وصيته وهو في مرض الموت رضي الله عنه، وتقدم هذا في الفضائل.

(2)

رجل هو أبو هريرة، والجهد: الجوع الشديد.

(3)

هو أبو طلحة زيد بن سهل؛ وقوله لا تدخريه شيئًا أي أكرميه غاية جهدك.

(4)

أشغلهم عن طعامهم حتى يناموا فيبقى الطعام للضيف.

(5)

فإذا وضعت الطعام أمامنا فأطفئي السراج وأظهري أنك تصلحينه؛ فعملت وصار أبو طلحة يتظاهر بالأكل ولا يأكل حتى أكل الضيف وشبع، وبات أبو طلحة وزوجته وأولاده جياعا.

(6)

فلما أصبح أبو طلحة وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم قال له: لقد عجب أو ضحك ربك من صنعك أنت وامرأتك الليلة وتقبله قبولا حسنا وأنزل فيهما {وَيُؤْثِرُونَ} غيرهم {عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} حاجة إلى ما قدموه {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} نسأل الله السماحة آمين.

ص: 258

‌سورة الممتحنة

(1)

مدنية وهي ثلاث عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً

(2)

مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا»، فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا

(3)

حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِيَ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا

(4)

فَأَتَيْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم

(5)

: «مَا هذَا يَا حَاطِبُ؟» قَالَ: لَا تَعْجَلَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ

(6)

وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوالَهُمْ بِمَكَّةَ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي النَّسَبُ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَداً يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذلِكَ كُفْراً وَلَا ارْتِدَاداً عَنْ دِينِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عز وجل اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ

لَكُمْ

(7)

»، وَنَزَلَتْ فِيهِ:

سورة الممتحنة مدنية وهي ثلاث عشرة آية

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى فيها {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} .

(2)

روضة خاخ: موضع بين مكة والمدينة، ظعينة: امرأة في هودج اسمها سارة.

(3)

تعادي أي تتباعد وتسرع بنا الخيل.

(4)

شعرها المضفور.

(5)

بعد أن أحضره أمامه.

(6)

كنت من قريش بالحلف والولاء ولم أكن منهم نسبا.

(7)

الترجي بلعل راجع إلى عمر وإلا فهو محقق عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى مخاطبًا لأهل بدر الذين حضروا وقعتها "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" نسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم آمين.

ص: 259

{يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} الْآيَةَ

(1)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ

(2)

} {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ

(3)

}.

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهذِهِ الْآيَةِ: {يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ

(4)

} إِلَى {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فَمَنْ أَقَرَّ بِهذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ بَايَعْتُكِ ـ كَلاماً ـ وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايعُهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذلِكَ

(5)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

‌سورة الصف

(6)

مكية أو مدنية وهي أربع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه: قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ

(1)

تمامها {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} القرآن {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} .

(2)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاءته المرأة لتسلم، حلفها بقولها: والله ما خرجت من بغض زوجي وما خرجت إلا حبًا لله ولرسوله، رواه الترمذي.

(3)

فلا تحل مؤمنة لمشرك وبالعكس.

(4)

تمامها {عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} أي بولد ملقوط ينسبنه إلى الزوج {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قالت امرأة يا رسول الله: ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال: النياحة {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

(5)

فكانت مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم للنسوة بالكلام فقط بقوله للواحدة منهن: قد بايعتك على ذلك؛ وسبق بيعة الرجال للنبي صلى الله عليه وسلم في كتاب القضاء والإمارة.

سورة الصف مكية أو مدنية وهي أربع عشرة آية

(6)

سميت بهذا لقول الله تعالى فيها {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} .

ص: 260

أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

(1)

} {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ

(2)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ

(3)

} {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ

(4)

}.

• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ

(5)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌سورة الجمعة

(6)

مدنية وهي إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ رضي الله عنه حِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ فَتَلَاهَا فَلَمَّا بَلَغَ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هؤُلَاءِ

(1)

نزهه عما لا يليق به من في السموات ومن في الأرضين أي السموات والأرضون وكل شيء فيهن وهو العزيز في ملكه الحكيم في صنعه.

(2)

تمنيتم الجهاد فلما كنتم بأحد وليتم {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وتعدد الأسباب جائز وواقع، وأفضل الأعمال الإيمان والجهاد لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

(3)

خصه مع أن محمدا أشرف وأظهر لأنه المذكور في التوراة ولأنه المسمى به في السماء.

(4)

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} لما جاء أحمد الكفار بالآيات الدالة على صدقه {قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ما جئت به سحر بين وكفروا.

(5)

تقدم هذا وافيًا في كتاب النبوة.

سورة الجمعة مدنية وهي إحدى عشرة آية

(6)

سميت بهذا لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} .

ص: 261

الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِنَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

، قَالَ: وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فِينَا فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ هؤُلَاءِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالشَّيْخَانِ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَثَارَ النَّاسُ إِلا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا

(3)

}. رَوَاهُ الْبُخَارِي وَالتِّرْمِذِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌سورة المنافقون

(4)

مدنية وهي إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي

(5)

فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيَ ابْنَ سَلُولَ

(1)

حتى سأل ثلاثا.

(2)

من فارس، ومعنى الآية "وآخرين منهم" عطف على ما قبلها أي

وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم "وآخرين" الموجودين "منهم" والآتين منهم بعدهم "لما" لم "يلحقوا بهم" في الفضل والسبق للإسلام والشرف؛ فلما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم قال: فارس؛ لأنهم أقوى الناس إيمانا أي بعد الأصحاب رضي الله عنهم.

(3)

أقبلت عير أي تجارة قدم بها دحية الكلبي من الشام وفيها كل ما يحتاجون إليه كدقيق وزيت يتقدمها الطبل والمزمار فرحًا بها لأنها صادفت غلاء بالمدينة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فخرجوا ولم يبق إلا اثنا عشر وقيل ثلاثة عشر أو أربعة عشر أو أربعون، منهم أبو بكر وعمر وكبار الأصحاب، لهذا اختلف الأئمة في العدد الذي تنعقد به الجمعة؛ فأنزل الله تعالى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} خرجوا للتجارة {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وإنما خرجوا حال الخطبة لأنهم كانوا يصلون الجمعة قبلها كالعيد؛ فلما خرجوا ونزلت الآية قدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة وأخر الصلاة، وفي الحديث "لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا" نسأل الله التوفيق آمين.

سورة المنافقون مدنية وهي إحدى عشرة آية

(4)

سميت بهذا لأنها نزلت في المنافقين.

(5)

هو سعد بن عبادة أو عبد الله بن رواحة وكانوا في شدة وضنك في غزوة تبوك أو بني المصطلق وتشاجر رجل مهاجري مع رجل أنصارى وسيأتي اسمهما.

ص: 262

يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَقالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعْزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ

(1)

فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيَ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَّبَنِي، فَأَصَابَني هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ} إِلى قَوْله: {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ

(2)

».

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ

(3)

فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا

لَلْأَنْصَارِ

(4)

وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «مَا بَالُ دَعْوَى

الْجَاهِلِيَّةِ

(5)

» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ

(6)

فَسَمِعَ بِذلِكَ ابْنُ أُبيَ فَقَالَ: فَعَلوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ

(7)

فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولِ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هذَا الْمُنَافِقِ

(1)

يريد بالأعز نفسه وبالأذل الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

(2)

فصدق الله المؤمنين وكذب المنافقين بقوله {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} إلى أن قال {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .

(3)

ضربه بيده على أليته وهم في غزوة تبوك. والمهاجري اسمه جهجاه الغفاري، والأنصاري اسمه سنان الجهني.

(4)

أي أغيثوني.

(5)

لأي شيء يدعون دعوة الجاهلية.

(6)

دعوها أي كلمة الجاهلية وهي يا للأنصار فإنها منتنة خبيثة.

(7)

بل قال: والله ما مثلنا ومثل المهاجرين إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك.

ص: 263

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ

(1)

». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ رضي الله عنه قُلْنَا لِعَمَّارٍ: أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ مَعَ عَلِيَ رضي الله عنه لِأَهْلِ الشَّامِ أَرَأْياً رَأَيْتُمُوهُ فَإِنَّ الرَّأْيَ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ أَوْ عَهْداً عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(2)

فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ شَيْئاً لَمْ يَعْهِدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي اثْنَيْ عَشَرَ مُنَافِقاً

(3)

لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ

(4)

».

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ الْمَدِينَةِ هَاجَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثَتْ هذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ» . فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا مُنَافِقٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ

(5)

.

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ

(6)

تَعِيرُ إِلَى هذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هذِهِ مَرَّةً». رَوَى الثَّلَاثَةَ

(1)

فلما حصل ما حصل ونزل القرآن في المنافقين كان لعبد الله بن سلول ولد من خيار الأصحاب فتقلد سلاحه وجاء بأبيه وأوقفه أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: والله لا تبرح من مكانك حتى تقر أنك الذليل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العزيز فاعترف. رضي الله عن الأصحاب كلهم.

(2)

هو رأي من على وأصحابه وكانوا على حق رضي الله عنهم، بخلاف معاوية وصحبه فإنهم مجتهدون ولكنهم مخطئون رضي الله عن الجميع.

(3)

هم الذين قصدوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك حينما سلك طريق الثنية والقوم ببطن الوادي فأمر حذيفة أن يرجع لهم فلما أبصروه خافوا ورجعوا حتى خالطوا الناس. فقال صلى الله عليه وسلم لحذيفة: هل عرفتهم؟ قال: لا فإنهم كانوا متلثمين، فقال له: أخبرني جبريل بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم صباحًا إن شاء الله؛ فمن ثم كان حذيفة أعلم الناس بالمنافقين، وكان تقاة بينهم وبين المؤمنين.

(4)

دماميل تنبت في أكتافهم فتظهر من صدورهم فتقتلهم.

(5)

أي بتلك الريح كأنها من ريح عاد.

(6)

المترددة بينهما، تعير أي تتردد إلى هذه مرة وإلى تلك أخرى، كذلك المنافق مذبذب بين هؤلاء وهؤلاء وله عند كل فئة وجه يلائمهم.

ص: 264

مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْمُنَافِقِينَ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ رَبِّهِ أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يَفْعَلْ سَأَلَ الرَّجَعَةَ عِنْدَ الْمَوْت، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ اتَّقِ اللَّهَ إِنَّمَا يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ الْكُفَّارُ، قَالَ: سَأَتْلُوا عَلَيْكَ بِذلِكَ قُرْآناً: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} إِلى آخِرِ السُّورَةِ

(1)

، قَالَ: فَمَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ؟ قَالَ: إِذَا بَلَغَ الْمَالُ مَائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِداً، قَالَ: فَمَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالْبَعِيرُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ.

‌سورة التغابن

(2)

مدنية وهي ثمان عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هذِهِ الْآيَةِ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ

فَاحْذَرُوهُمْ

(3)

}، قَالَ: هؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ

(1)

تمام الآيات {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فابن عباس لهذا يقول: من قصر في الزكاة أو في الحج إذا جاءه الموت طلب الرجعة إلى الدنيا ولا يجاب في طلبه؛ وهل من قصر في فريضة يتمنى الرجعة، الظاهر نعم والله أعلم.

سورة التغابن مدنية وهي ثمان عشرة آية

(2)

سميت بهذا لقوله تعالى {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} يوم القيامة {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} يغبن المؤمنون الكافرين بأخذ منازلهم وأهليهم في الجنة لو آمنوا {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

(3)

أن تطيعوهم في التخلف عن الخيرات. تمام الآية {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} لهم ما يقع منهم {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لكم ويرحمكم.

ص: 265

وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

فَأَبى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ذلِكَ وَمَنَعُوهُمْ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَرُوا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ

(2)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صحِيحٍ.

‌سورة الطلاق

(3)

مدنية وهي ثنتا عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

فَتَغَيَّظَ فِيهِ

(4)

ثُمَّ قَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يَمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فِتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل

(5)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً

(6)

، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ

(7)

، قُلْتُ أَنَا: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ أَبِي سَلَمَةَ فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غلَامَهُ كُرَيْباً إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ

(1)

يهاجروا إليه.

(2)

فعفوا عنهم كما أمر الله تعالى؛ والمراد الحث على الصفح والعفو لاسيما مع الأهل والعشيرة فإنه أدعى إلى دوام الألفة والمودة.

سورة الطلاق مدنية وهي ثنتا عشرة آية

(3)

سميت بهذا لذكر الطلاق وبيان العدة فيها.

(4)

أي منه.

(5)

في قوله جل شأنه {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} ، المراد هو وأمته {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} أردتم ذلك {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} لأولها بأن يكون الطلاق في طهر لم تمس فيه وهذا رحمة بالمرأة في قصر المدة {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} احفظوها فربما تراجعونهن قبل انتهائها {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} أطيعوه في أمره ونهيه، وسبق هذا في النكاح.

(6)

بعد وفاته بأربعين ليلة.

(7)

عدة الوفاة.

ص: 266

سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا

(1)

.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌سورة التحريم

(2)

مدنية وهي ثنتا عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَمْكثُ عِنْدَهَا فَوَاطَيْتُ

(3)

أَنَا وَحَفْصَة عَلَى أَيَّتِنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ

(4)

إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، قَالَ:«لَا وَلكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذلِكِ أَحَداً» . رَوَاهُ الثلَاثةُ

(5)

.

(1)

سبق هذا وافيًا في باب المدة في النكاح.

سورة التحريم مدنية وهي ثنتا عشرة آية

(2)

سميت بهذا لذكر التحريم فيها.

(3)

فواطيت أي اتفقت.

(4)

مغافير جمع مغفور - كعصفور - وهو صمغ حلو الطعم كريه الريح ينضحة شجر يسمى العرفط، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على كل منهما قالت له: هل أكلت مغافير؟ قال: لا ولكني شربت عسلا عند زينب وقد حلفت لا أعود إلى شربه خوفا من الرائحة الكريهة ولكن اكتمي هذا، وفي رواية: إن صاحبة العسل هي حفصة بنت عمر رضي الله عنهما والتي دبرت الحيلة عائشة وسودة رضي الله عنهما.

(5)

ولكن مسلم في الطلاق وأبو داود في شراب العسل، وقال أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها (مارية القبطية التي أهداها له صلى الله عليه وسلم ملك مصر) فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} رواه النسائي والطبراني والضياء بسند صحيح، فصريح هذا أن الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم هي مارية، وعليه الخطابي ورجحه الحافظ بن حجر؛ وقال جماعة: هو العسل للحديثين الأولين وصححه ابن كثير ولو قيل بتعدد السبب لم يبعد فإن هذا كثير وعلى كل قد أحل الله له ما حرمه إذا كفر عن يمينه بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ} شرع {لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة المائدة {وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} قيل كفر بعتق رقبة وقيل لم يكفر لأنه مغفور له، فمن حرم شيئًا حل له بعد الكفارة، ومن قال لامرأته: أنت عليّ حرام، فإن نوى به طلاقًا وقع وإلا فعليه كفارة يمين فقط.

ص: 267

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ حَتَّى خَرَجْتُ فِي الْحَجِّ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ

(1)

فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ

(2)

فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةَ وَعَائِشَةُ قُلْتُ: وَاللَّهِ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هذَا مِنْ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، مَا ظَنَنْتَ عِلْمَهُ عِنْدِي فَاسْأَلْنِي عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَيَّرْتُكَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَاللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْراً حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقسَّمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ

(3)

قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ

(4)

إِذْا قَالَتِ امْرَأَتِي لَوْ وَضَعَتْ كَذَا وَكَذَا فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ وَلِمَا ههُنَا وَمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ فَقَالَتْ لِي: عَجَباً لَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ مَا ترِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنتَ وَإِنَّ ابْنَتَكَ

(5)

لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَترَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَغُرَّنَّكِ هذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا وَحُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا

(6)

قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا فَكَلَّمْتُهَا فَقَالَتْ: عَجَباً لَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذاً

(7)

كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ وَكَانَ لِي

(1)

عدل عن الطريق ودخل في شجر الأراك وتبرز.

(2)

تظاهرتا أي تعاونتا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال حفصة وعائشة: لإفراط غيرتهما حتى حرم ما أحل الله له.

(3)

أمرًا أي في الشورى، ولفظ الترمذي: كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم.

(4)

أتفكر فيه.

(5)

حفصة أم المؤمنين.

(6)

يريد عائشة رضي الله عنها.

(7)

أقنعتني بكلامها وزال غضبي.

ص: 268

صَاحِبٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ وَإِذَا غَابَ أَتَيْتُهُ بِالْخَبَرِ

(1)

وَكُنَّا نَتَخَوَّفُ مَلِكاً مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُرِيدُ السَّيْرَ إِلَيْنَا

(2)

وَقَدِ امْتَلَأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ فَإِذَا صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ فَقَالَ: اِفْتَحْ افْتَحْ، فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ، قَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذلِكَ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ، فَقُلْتُ: رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ فَأَخَذْتُ ثَوْبِي فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغَلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ

الدَّرَجَةِ

(3)

فَقُلْتُ لَهُ: قلْ هذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَذِنَ لِي، قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذَا الْحَدِيثَ فَلَمَّا بَلَغَتْ كَلَامَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ وَتَحْتَ رأْسِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظٌ مَصْبُوبٌ

(4)

وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ

(5)

فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمْ فِيهِ

(6)

وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ

(7)

صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ

(8)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

عبارة الترمذي: وكان منزلى بالعوالي في بني أمية وكان لي جار من الأنصار (اسمه عتبان بن مالك أو أوس بن خولي) كنا نتناوب النزول إلى النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما يأتيني بخبر الوحي وغيره وأنزل يوما فآتيه بمثل ذلك.

(2)

لحربنا.

(3)

بعجلة أي درجة وغلام أسود للنبي صلى الله عليه وسلم اسمه رباح جالس على رأس الدرجة.

(4)

مجموع، والقرظ ثمر العضاه وهي السنط يدبغ به.

(5)

الأهب بفتحتين وبضمهما جمع إهاب وهو جلد دبغ أم لا.

(6)

من زينة الدنيا ونعيمها.

(7)

فأنت أولى بذلك.

(8)

وزاد الترمذي قلت: يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدونه، قال: فاستوى جالسًا، وقال: أوفى شك أنت يا بن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، قال: وكان أقسم ألا يدخل على نسائه شهرًا فعاتبه الله في ذلك وجعل له كفارة اليمين، وفي رواية: فلما مضت تسع وعشرون دخل على نسائه.

ص: 269

• عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وس لم فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةَ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌سورة تبارك الذي بيده الملك

مكية وهي ثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

لَمْ يَرِدْ فِي أُصُولِنَا فِي تَفْسِيرِهَا شَيْءٌ

(2)

.

(1)

فلما ظهرت كل منهن بمظهر الغيرة الشديدة على النبي صلى الله عليه وسلم وتأذى بذلك قال لهن عمر: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فأنزل الله تعالى {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} مخلصات مطيعات {تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} صائمات {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة رضي الله عنها وهي في النزع؛ فقال: يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام، فقالت: يا رسول الله وهل تزوجت قبلي؟ قال: لا ولكن الله زوجني مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى عليه السلام، والله أعلم.

سورة تبارك مكية وهي ثلاثون آية

(2)

ولكن سبق ما ورد في فضلها في فضائل القرآن، ومنه إذا وضع الميت في قبره يؤتي من قبل رجليه فتقول رجلاه: ليس لكم عليه سبيل لأنه كان يقوم بسورة الملك، ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول لسانه: ليس لكم عليه سبيل لأنه كان يقرأ بي سورة الملك؛ ثم قال: هي المانعة من عذاب الله، وهي في التوراة سورة الملك من قرأ بها في ليلة فقد أكثر وأطنب أي من الخير، ومنها وددت أن تبارك الذي بيده الملك في قلب كل مؤمن والله أعلم.

ص: 270

‌سورة ن والقلم وما يسطرون

(1)

مكية وهي ثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ

(4)

لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ

(5)

أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ، كُلُّ عُتُلَ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ

(6)

».

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِثَاءٍ وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقاً وَاحِداً

(7)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

سورة ن مكية وهى ثنتان وخمسون آية

(1)

{ن} علمه عند الله تعالى {وَالْقَلَمِ} الذي كتب به الكائنات في اللوح المحفوظ أو كل قلم {وَمَا يَسْطُرُونَ} الملائكة الذين ينسخون المقادير من اللوح المحفوظ أو من يكتبون أعمال العباد {مَا أَنْتَ} يا محمد {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} رد على الكفار في زعمهم أنه مجنون.

(2)

أول ما خلق الله القلم أي بعد اللوح المحفوظ ثم أمره بكتابة المقادير إلى الأبد، فيه إشارة إلى أنه المراد من الآية.

(3)

بسند حسن.

(4)

متضعف بكسر العين أي متواضع وبفتحها يستضعفه الناس ويحتقرونه.

(5)

لو حلف يمينًا طمعا في إكرام الله له لأبره أو لو دعاه لأجابه.

(6)

عتل: فظ أو شديد الخصومة، جواظ: كثير اللحم، مستكبر: متعالٍ، وهذا إشارة لقوله تعالى في الوليد بن المغيرة {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} دعي في قريش ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة.

(7)

هذا كقوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} كناية عن شدة الأمر في الموقف أو عن كشف ساق جهنم أو عن ساق العرش أو يكشف عنهم الحجب الرؤية الله تعالى {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} امتحانًا لهم {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} الكفار والمنافقون بل تصير ظهورهم طبقا واحدا، وأما المؤمنون فيسجدون لربهم فيرضى عنهم وينزلهم رفيع الدرجات. نسأل الله ذلك آمين.

ص: 271

‌سورة الحاقة

(1)

مكية وهي ثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ

(2)

}.

قَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: كُنْتُ جَالِساً فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ

(3)

وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ إِذْ مَرَّتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرُوا إِلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هذِهِ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ هذَا السَّحَابُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَالْمُزْنُ» قَالُوا: وَالْمُزْنُ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَالْعنَانُ» قَالُوا: وَالْعَنَانُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ؟ فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي. قَالَ: «إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَالسَّمَاءُ الَّتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ حَتَّى عَدَّهُنَّ سَبْعَ سَمَواتٍ كَذلِكَ

(4)

». ثُمَّ قَالَ: «فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَمَا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ وَفَوْقَ ذلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ

(5)

فَوْقَ ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ ابلَى سَمَاءٍ وَاللَّهُ فَوْقَ ذلِكَ

(6)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

(7)

.

سورة الحاقة مكية وهي ثنتان وخمسون آية

(1)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى {الْحَاقَّةُ} القيامة التي يحق فيها ما أنكر من البعث والحساب والجزاء {مَا الْحَاقَّةُ} تعظيم لشأنها فهي أمر لا تحيط به العبارة ولا تحصره الإشارة.

(2)

{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ} أي الملائكة التي على أرجائها {يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} من الملائكة سيأتي وصفهم في الحديث.

(3)

البطحاء: المكان الواسع، والعصابة: الجماعة.

(4)

المراد بعد المسافة فلا ينافي ما تقدم في سورة الحديد.

(5)

أو عال أي ملائكة على صورة الأوعال جمع وعل ككتف وهو تيس الجبل، والأظلاف جمع ظلف وهو للحيوان كالظفر للإنسان، والركب جمع ركعة وهي مفصل الساق والفخذ.

(6)

فالله تعالى بعلمه وقدرته فوق خلقه كلهم الملك والملكوت، قال تعالى {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} .

(7)

أبو داود في السنة والترمذي هنا بسند حسن؛ نسأل الله حسن الحال آمين.

ص: 272

‌سورة المعارج

(1)

مكية وهي أربع وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ كَالْمُهْلِ قَالَ: «كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا قُرِّبَ إِلى وَجْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً} {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً

(4)

}.

أَتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَالاً فَأَعْطَى قَوْماً وَمَنَعَ آخَرِينَ فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا فَقَالَ: «إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعَ الرَّجُلَ وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي. أُعْطِي أَقْوَاماً لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَاماً إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» ، فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَمِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ. نَسْأَلُ اللَّهَ خَالِصَ التَّوْحِيدِ آمِين.

سورة المعارج مكية وهي أربع وأربعون آية

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} مصاعد الملائكة في السموات، جمع معرج وهو المصعد.

(2)

فروة الوجه: جلدته، والمهل: عكر الزيت ورديئه وهذا وصف شراب أهل النار. وقيل ذائب الفضة وهو المناسب لوصف السماء.

(3)

بسند غريب.

(4)

فالأصل في طبع الإنسان الهلع، أي إذا مسه الشر كان جزوعا: شديد الجزع قليل الصبر وإذا مسه الخير أي المال كان منوعا حريصا عليه مانعًا لحق الله تعالى.

ص: 273

‌سورة نوح عليه السلام

مكية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} {وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً} {وَلَا سُوَاعاً} {وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً

(1)

}.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: صَارَتِ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدَهُ أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ. وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانتْ لِهُذَيْلٍ. وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبني غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ

(2)

. وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ. وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرٍ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ

(3)

فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَان إِلَى قَوْمِهِمْ أَن انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ التِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَاباً وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا

(4)

فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُوَلئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهُ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِينَ.

سورة نوح مكية وهي تسع وعشرون آية

(1)

وقالوا أي رؤساء قوم نوح {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} أسماء أصنام لهم {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} من الناس بها بأن أمروهم بعبادتها.

(2)

وفي رواية: بالجرف.

(3)

فهذه الخمسة أسماء الرجال صالحين من قوم نوح.

(4)

إلى مجالسهم أي عليها أنصابا وسموها بأسمائهم ليجتهدوا في العبادة كلما رأوها ففعلوا؛ فلما مات هؤلاء سوّل الشيطان لخلفهم أن يعبدوها فعبدوها، ومن هنا انتشرت عبادة الأصنام.

ص: 274

‌سورة الجن

(1)

مكية وهي ثمان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ

عُكاظٍ

(2)

وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينَ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرجَعَتِ الشَّيَاطِينُ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالَ

(3)

: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلا مَا حَدَثَ

(4)

فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هذَا الَّذِي حَدَثَ، فَانْطلَقُوا يَنْظُرُونَ، فَالَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ سَمِعُوا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي الْفَجْرَ بِأَصْحَابِهِ بِنَخْلَةَ

(5)

فَتَسَمَّعُوا لَهُ فَقَالُوا هذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً} وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ: لَمَّا رَأَى الْجِنُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ فَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ فَعَجِبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ وَقَالُوا لِقَوْمِهِمْ: {لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً

(6)

}. نَسْأَلُ اللَّهَ كَمَالَ الطَّاعَةِ آمِين.

سورة الجن مكية وهي ثمان وعشرون آية

(1)

سميت بهذا الذكر الجن فيها.

(2)

عكاظ كغراب أشهر أسواق العرب وأعظمها في واد كثير النخل بين مكة والطائف.

(3)

أي إبليس بعد أن حدثوه بما رأوه.

(4)

في الأرض ولذا قال: فطوفوا مشارق الأرض ومغاربها.

(5)

نخلة موضع على ليلة من مكة وهو سائر إلى سوق عكاظ.

(6)

(وهذا بيان لما أوحى إليه من قول الجن){لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {يَدْعُوهُ} يعبده {كَادُوا} الجن السامعون لقراءته {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} جمع لبدة في ازدحامهم حرصا على سماع القراءة.

ص: 275

‌سورة المزمل

لَمْ يَرِدْ فِي الْأُصُولِ حَدِيثٌ فِيهَا.

‌سورة المدثر

مكية وهي خمس وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ رضي الله عنهما أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، فَقَالَ: لَا أُخْبِرُكَ إِلا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

، قَالَ: «جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ

(2)

عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِداً فَفَعَلُوا وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} {قُمْ فَأَنذِرْ} {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ

(3)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفاً ثُمَّ يَهْوِي كَذلِكَ فِيهِ أَبَداً

(4)

».

= وهذه غير المرة التي ورد فيها {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} فإنه كان فيها مع مولاه زيد فقط، وكذا غير المرة التي دعاه فيها الجن وبات عندهم فإنه كان وحده، وسبقتا في سورة الأحقاف، ولكن هذه المرة كان مع أصحابه وكانوا عامدين إلى سوق عكاظ. وقيل كان هذا في واد اسمه الحجون، وكان عدد الجن في هذه اثني عشر أي بعد سماع نفر منهم فاستدعوا الباقين، وقيل كان عددهم سبعين ألفًا وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم كلهم، والله أعلم بما كان وما يكون.

سورة المدثر مكية وهي خمس وخمسون آية

(1)

سبق هذا وشرحه وافيًا في كتاب النبوة.

(2)

فإذا هو أي جبريل عليه السلام.

(3)

{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ياأيها النبي الذي قال لأهله حينما رأى جبريل: دثروني لففوني بالثياب ليذهب روعي فدثروه حتى ذهب روعه {قُمْ فَأَنْذِرْ} خوف قومك النار إن لم يؤمنوا {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} عظمه عن إشراك المشركين بتوحيده وعبادته.

(4)

بيان لقوله تعالى {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} في الوليد بن المغيرة أي سأعذبه عذابا عظيما، أو سنكلفه بالصعود والهوى في ذلك الجبل دائما.

ص: 276

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ لِأُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: هَلْ يَعْلَمُ نَبِيُّكُمْ عَدَدَ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ؟ قَالُوا: لَا نَدْرِي حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ غُلِبَ أَصْحَابُكَ الْيَوْمَ، قَالَ:«وَبِمَ غُلِبُوا؟» قَالَ: سَأَلَهُمُ الْيَهُودُ فَقَالُوا لَا نَدْرِي حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا، قَالَ:«أَيُغْلَبُ قَوْمٌ سُئِلُوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ فَقَالُوا حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيّنَا، لكِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً، عَلَيَّ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ إِنِّي سَائِلهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الدَّرْمَكُ» ، فَلَمَّا جَاؤُوا قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: «هكَذَا وَهكَذَا فِي مَرَّةٍ عَشَرَةً وَفِي مَرَّةٍ تِسْعاً

(1)

»، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟» فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً ثمَّ قَالُوا: أَخْبِرْنَا يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْخُبْزُ مِنَ الدَّرْمَكِ

(2)

».

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي هذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: أَنَا أَهْلُ أَنْ أُتَّقَى فَمَنِ اتَّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِي إِلهاً فَأَنَا أَهْلُ أَنْ أُغْفِرَ لَهُ. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ

(3)

. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌سورة القيامة

(4)

مكية وهي أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ

(1)

أشار بأصابعه العشر مرة وبتسع منها مرة أخرى أي فعدد الخزنة تسعة عشر، قال تعالى {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} .

(2)

النوع النقي الجيد من الدقيق.

(3)

بأسانيد غريبة.

سورة القيامة مكية وهي أربعون آية

(4)

سميت بهذا لقول الله تعالى {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} التي تلوم نفسها وإن اجتهدت في طاعة الله.

ص: 277

لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ

(1)

فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَ اللَّهُ {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} تَوَعُّدٌ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً» ثُمَّ قَرَأَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ

(3)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا فَلْيَقلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ

(5)

. وَمَنْ قَرَأَ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا فَلْيَقُلْ بَلَى، وَمَنْ قَرَأَ {وَالْمُرْسَلَاتِ} فَبَلَغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ

(6)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الرُّكوعِ وَالسُّجُودِ والتِّرْمِذِيُّ.

(1)

أي سكت.

(2)

فكلمة أولى لك فأولى يراد بها التوعد والتهديد أي هذا وعيد من الله على وعيد لك يا أبا جهل، وقيل هي اسم فعل واللام للتبيين أي وليك ما تكره يا أبا جهل وقرب منك، وقيل أولى من الويل، أي الويل لك يوم تحيا والويل لك يوم تموت ويوم تبعث ويوم تدخل النار، والله أعلم.

(3)

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {نَاضِرَةٌ} حسنة مضيئة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يرون ربهم جل شأنه في الآخرة ولكنهم يتفاوتون فيها كما سيأتي في كتاب القيامة إن شاء الله.

(4)

بسند غريب.

(5)

فيكون مصدقا لله ومجيبًا له.

(6)

نسأل الله كمال الإيمان وتمام اليقين آمين.

ص: 278

‌سورة هل أتى

(1)

مدنية وهي إحدى وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً

(2)

}.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلَ خَيْرٌ

(3)

احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ

(4)

وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ

(5)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْقَدَرِ.

سورة هل أتى مدنية وهي إحدى وثلاثون آية

(1)

وتسمى سورة الإنسان وسورة الدهر لقوله تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} .

(2)

{وَمَا تَشَاءُونَ} سلوك سبيل الطاعة {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ذلك {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. (3) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} أعد للكافرين عذابا مؤلما.

(3)

ففي كل مؤمن خير وبركة، ولكن قوي الجسم والقلب أحب إلى الله لأنه أنشط وأجرأ وأمضى عزما في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أكثر عملا وأنفع للعباد.

(4)

فلا تكسل عن كل خير وتوكل على الله يبلغك الآمال لقوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .

(5)

اترك الأسف على ما أصابك وما فاتك فإنه يفتح بابًا لوسوسة الشيطان، وقل: هذا قدر الله وما شاء الله تعالى، فتكون راضيًا عن الله تعالى فيرضى عنك قال تعالى {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} .

ص: 279

‌سورة المرسلات

(1)

مكية وهي خمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ

(2)

إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَالْمُرْسَلَاتِ فَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ رضي الله عنه: «عَلَيْكُمُ اقْتُلوهَا فَذَهَبَتْ

(3)

» فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وَقِيتُمْ شَرَّهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. نَسْأَلُ اللَّهُ السَّلَامَةَ آمِين.

‌سورة عم يتساءلون

(4)

مكية وهي أربعون آية

لَمْ يَرِدْ فِي تَفْسِيرِهَا شَيْءٌ.

سورة المرسلات مكية وهي خمسون آية

(1)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} الرياح متتابعة كعرف الفرس يتلو بعضه بعضا {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} الرياح الشديدة {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} الرياح تنشر المطر {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} الملائكة تنزل بالوحي إلى الرسل لهداية الناس {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} للإعذار والإنذار {إِنَّمَا تُوعَدُونَ} يا كفار مكة {لَوَاقِعٌ} بكم لا محالة.

(2)

كأنا يمشيان فأويا إلى غار منى نزلت عليه هذه السورة فصار يعلمها العبد الله.

(3)

دخلت جحرها وسبق هذا في كتاب الصيد والذبائح وافيًا بعون الله تعالى.

سورة عم يتساءلون مكية وهي أربعون آية

(4)

وتسمى سورة النبأ العظيم لقوله تعالى {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} كفار قريش {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} وهو القرآن الدال على البعث وغيره {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} فالمؤمنون يثبتونه والكافرون ينكرونه {كَلَّا} ردع وتهديد {سَيَعْلَمُونَ} ما يحل بهم على إنكارهم {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} تأكيد لما قبله.

ص: 280

‌سورة النازعات

(1)

مكية وهي ست وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ: «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ

(2)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

‌سورة عبس

(3)

مكية وهي اثنتان وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ

سورة النازعات مكية وهي ست وأربعون آية

(1)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} الملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا شديدا {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} الملائكة التي تسل أرواح المؤمنين برفق {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} الملائكة التي تسبح وتنزل من السماء للأرض بأمر الله تعالى {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} الملائكة التي تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} الملائكة التي تنزل لتدبير أمور الدنيا بإذن الله وهم رؤساء الملائكة الأربعة: جبريل موكل بالرياح والجنود، وميكائل بالمطر والنبات، وعزرائيل بقبض الأرواح، وإسرافيل بالنفخ في السور، وجواب القسم محذوف أي لتبعثن يا كفار مكة.

(2)

فالنبي صلى الله عليه وسلم ضم الوسطى والسبابة وأشار بهما وقال: بعثت والساعة كهاتين أي أنا خاتم المرسلين وورائي تقوم القيامة، وستأتي علامات الساعة وافية في كتاب الفتن وعلامات الساعة إن شاء الله تعالى.

سورة عبس مكية وهي اثنتان وأربعون آية

(3)

وتسمى سورة السفرة، وسورة الأعمى لذكرهما فيها.

(4)

أم مكتوم كنية أمه واسمها عاتكة بنت عامر المخزومي، والأعمي اسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي وهو ابن خالة خديجة رضي الله عنهم.

ص: 281

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا تَقُولُ بِأْساً» فَيَقُولُ: لَا، فَفِي هذَا نَزَلَتْ:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَآءَهُ الأَعْمَى} الآيَاتُ

(1)

.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

وَعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ

(3)

وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ».

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَيُبْصِرُ بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ؟ قَال «يَا فُلَانَةُ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(5)

.

(1)

وقيل كان معه صناديد قريش كأبي جهل والعباس وأبي بن خلف والوليد بن المغيرة يتألفهم للإسلام رجاء أن يسلموا فيتبعهم بقية القوم ويعلو شأن الإسلام؛ فجاء الأعمى فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله؛ وكررها فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بهؤلاء الكفرة، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته فعاتبه الله بقوله {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} أي قطب وجهه وأعرض حينما جاءه الأعمى وشغله عن ذلك الأمر العظيم {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} يتطهر بما يسمع منك {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} يتعظ فتنفعه العظة {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} بدنياه {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} أي يتطهر بالإيمان {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى} الله {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} تتشاغل {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} لا تفعل ذلك فإن هذه الآيات عظة للخلق {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} أي ما ذكر فاتعظ به، نسأل الله حسن الذكرى.

(2)

بسند حسن.

(3)

فالسفرة: الكرام في الحديث هم الذين في قوله {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} وهم الملائكة الذين ينسخون القرآن من اللوح المحفوظ، وسبق هذا في فضائل القرآن.

(4)

فلما قال صلى الله عليه وسلم: تحشرون يوم القيامة حفاة، جمع حاف، عراة: جمع عار من الثياب، غرلا: جمع أغرل أي بقلفته التي قطعت في الختان، قالت امرأة: يا رسول الله ينظر الناس بعضهم عورة بعض، قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، أي لكل شخص في القيامة حال تشغله عن غيره أيًا كان فكل مشغول بنفسه فقط.

(5)

بسند حسن.

ص: 282

‌سورة التكوير

(1)

مكية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءِ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ

(2)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

‌سورة الانفطار

لَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِنَا.

‌سورة المطففين

(4)

مدنية وهي ست وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذنَيْهِ

(5)

». رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

سورة التكوير مكية وهي تسع وعشرون آية

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} لفت وذهب نورها وألقيت في البحر {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} ذهب نورها فسقطت على الأرض {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} سارت على الأرض فصارت هباء منبثا {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} تركت بلا راع لما دهاهم من الأمر العظيم وهو يوم القيامة.

(2)

لأن في هذه السور أهوالا عظيمة مما سيجرى في القيامة؛ نسأل الله اللطف.

(3)

بسند حسن.

سورة المطففين مدنية وهي ست وثلاثون آية

(4)

سميت بهذا لقوله تعالى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} أي منهم {يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} كالوا لهم أو وزنوا لهم ينقصون.

(5)

فيشتد الأمر ويعظم الهول في الموقف فيرشح العرق من أحدهم حتى يصل إلى الأذنين وقد يكون أقل أو أكثر بحسب عمل كل إنسان.

ص: 283

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطأَ خَطِيئَةً نَكَتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ

(1)

فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سَقَلَ قَلْبُهُ

(2)

وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ

(3)

}» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

‌سورة الانشقاق

(5)

مكية وهي خمس وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَحاسَبُ إِلّا هَلَكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} {يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} قَالَ: «ذَاكِ الْعرْضُ يُعْرَضُونَ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ

(6)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

نبتت في قلبه نقطة سوداء.

(2)

نظف وابيض ولمع.

(3)

غلب على قلوبهم وغطاها أثر عملهم السيء وهو السواد المسمى بالران، نسأل الله تمام الطهارة آمين.

(4)

بسند صحيح.

سورة الانشقاق مكية وهي خمس وعشرون آية

(5)

سميت بهذا لقوله تعالى {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} تصدعت من جوانبها فخرج منها غمام كالبياض، لقوله تعالى {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} سمعت وأطاعت ربها وحق لها ذلك {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} كما يمد الأديم وزيد فيها {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} من الموتى {وَتَخَلَّتْ} عنه {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} كل هذا يوم القيامة والجواب محذوف تقديره، علمت نفس بكل ما قدمت.

(6)

فالمراد من الآية عرض أعمال المؤمنين عليهم خيرا وشرا فيعترفون بها فيتجاوز الله عنهم كما سبق في سورة هود. وأما الحساب والمناقشة فيه فهلاك بنفس المناقشة أو بالنار.

ص: 284

‌سورة البروج

(1)

مكية وهي ثنتان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَمَا طَلعَتِ الشّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرَ إِلّا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَاماً أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَاماً يُعْلِّمُهُ فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ

(4)

فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَه فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ لَهُ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ

النَّاس

(5)

، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ السَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَراً فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ

سورة البروج مكية وهي ثنتان وعشرون آية

(1)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} جمع برج، وأصله الأمر الظاهر والقصر العالى لظهوره؛ والمراد هنا الطرق التي تسير الكواكب فيها، وبسط الكلام على هذا في علم الفلك {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} بيانها في الحديث الآتي والجواب {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} جمع خد وهو الشق في الأرض فيه النار {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} جلوس حولها على الكراسي {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} ينظرون تحريق المؤمنين بالنار إن لم يكفروا {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} .

(2)

سبق هذا في صلاة الجمعة.

(3)

بسند حسن.

(4)

فكان الراهب في أثناء طريقه للساحر.

(5)

في الطريق الذي يذهب إلى بيت الراهب.

ص: 285

فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ

(1)

أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِن ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ

(2)

وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ: مَا ههُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَداً إِنَّما يَشْفِي اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ فَجِيءَ بِالْغُلَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ وتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَداً إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبى فَدَعَا بِالْمِنْشَارِ فَوَضَعَهُ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْملِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَ شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ

(3)

فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ

(1)

أي بني، أي يا بني.

(2)

الأكمه: من ولد أعمى. والأبرص: المريض بالبرص.

(3)

سفينة صغيرة.

ص: 286

فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاقْذِفُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَ شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةَ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ. فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ

(1)

وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعِ ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِي وَضَعْهُ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلْتَنِي، فَفَعَلَ الْمَلِكُ كَمَا قَالَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ السَّهْم فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: قَدْ وَقَعَ بِكَ وَاللَّهِ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ

(2)

ففَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ

(3)

أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّاهُ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ هَمَسَ فَسُئِلَ عَنْ ذلِكَ فَقَالَ: «إِنَّ نَبِيًّا

(1)

في أرض مستوية ظاهرة. وروى أن الغلام دفن وظهرت جثته وأصبعه على صدغه كما كان حين مات وهذا في خلافة عمر رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

(2)

وفي رواية: فأقحموه فيها، ومعنى الألفاظ الثلاثة ارموه فيها. وروى أن الأخاديد التي وقعت ثلاثة: واحدة بنجران باليمن، والأخرى بالشام، والثالثة بفارس، حرق المؤمنون فيها على إيمانهم، وهذه غير نار العراق التي عملت لإبراهيم عليه السلام.

(3)

تأخرت ووقفت خوفا من النار وشفقة على ولدها، فقال لها الطفل بلسان فصيح: يا أمي اصبري على هذا البلاء وارمي بنفسك فإنك على الحق؛ فرمت بنفسها وطفلها ولم تكد تحس بالنار حتى كانت روحهما في الجنة كشأن كل من قتلوا بالنار على إيمانهم، وقيل قبضت أرواحهم قبل مس النار لهم فما شعروا إلا برحمة الله ونعيمه في الجنة، قال تعالى {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} فهؤلاء باعوا أرواحهم لله ولدينه فكانوا أعظم الشهداء رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم.

ص: 287

مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ أَعْجَبَ بِأُمَّتِهِ فَقَالَ: مَنْ يَقُومَ لِهؤُلَاءِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ خَيِّرْهُمْ بَيْنَ أَنْ أَنْتَقِمَ مِنْهُمْ وَبَيْنَ أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، فَاخْتَارَ النِّقْمَةَ فَسُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتُ فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفاً

(1)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

‌سورة والسماء والطارق

لَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ.

‌سورة الأعلى

(3)

مكية وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَا يُقْرِآنِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلالٌ وَسَعْدٌ

(4)

، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ

(5)

وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هذا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا

(6)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

(1)

همس أي حرك شفتيه كأنه يتعوذ مما حصل لتلك الأمة التي عجب نبيها من كفرها وعنادها فهلك منها سبعون ألفا لعله يؤمن باقيهم، ويحتمل أنه أعجب بكثرتها وإطاعتها، فعاقبهم الله بموت سبعين ألفًا منهم فماتوا في أسرع وقت وأحسن حال، وكان لهم بذلك رفيع الدرجات في الآخرة، هذا ولا زال في نفسي من هذا شيء. أسأل الله العفو والفهم والفتح آمين.

(2)

بسند حسن.

سورة الأعلى مكية وهي تسع عشرة آية

(3)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} أي نزه اسم ربك عن إطلاقه على غيره كما تنزهه عما لا يليق به {الْأَعْلَى} في المكانة فهو القاهر الغالب لما سواه.

(4)

عمار بن ياسر وبلال بن رباح وسعد بن أبي وقاص.

(5)

الولائد جمع وليدة وهي الأمة.

(6)

فبمجرد استقراره بالمدينة حفظت منه {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} وسور مثلها من المفصل. والله أعلم.

ص: 288

‌سورة الغاشية

(1)

مكية وهي ست وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ جابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ

(2)

فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ

(3)

}. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

‌سورة الفجر

(5)

مكية وهي ثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ فَقَالَ: «هِيَ الصَّلَاةُ بَعْضُهَا شَفْعٌ وَبَعْضُهَا وَتْرٌ

(6)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(7)

.

‌سورة البلد

لَم يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ.

سورة الغاشية مكية وهي ست وعشرون آية

(1)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قد أتاك حديث القيامة التي تغشي الخلائق بأهوالها، نسأل الله السلامة.

(2)

هذا في المشركين؛ وأما أهل الكتاب والمطلوب منهم الإسلام أو الجزية كما تقدم في الإيمان.

(3)

أي بمسلط، وهذا قبل الأمر بالجهاد.

(4)

بسند صحيح.

سورة الفجر مكية وهي ثلاثون آية

(5)

سميت بهذا لقول الله تعالى {وَالْفَجْرِ} فجر كل يوم أو فجر أول الحجة أو فجر يوم النحر {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} عشر ذي الحجة أو أواخر رمضان أو أوائل المحرم {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} الزوج والفرد، أو الصلاة للحديث الآتي، وجوابه محذوف أي لتبعثن يا كفار مكة.

(6)

الوتر: المغرب، والشفع باقيها.

(7)

بسند غريب.

ص: 289

‌سورة والشمس وضحاها

مكية وهي خمس عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ

(1)

وَالَّذِي عَقَرَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ

(2)

»، وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ

(3)

»، ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ وَقَالَ: «لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

‌سورة الليل

مكية وهي إحدى وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ

(5)

فَقَالَ: «مَا مِنْكمْ

سورة والشمس مكية وهي خمس عشرة آية

(1)

المذكورة في قوله تعالى {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ} صالحا عليه السلام {فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} أطبق العذاب عليهم {فَسَوَّاهَا} الدمدمة عمهم بها فلم ينج منها أحد.

(2)

العارم: الخبيث وأبو زمعة عمر الزبير بن العوام كان عزيزا في قريش.

(3)

أي لا ينبغي له ضرب زوجته إلا في الضرورة القصوى بأن وعظها فلم يفد ثم هجرها فلم يفد فله الضرب بعد ذلك كما سبق في النكاح.

(4)

فلا ينبغي الضحك من شيء يفعله الإنسان، كانوا يضحكون إذا وقعت من أحدهم ضرطة فنهاهم عن ذلك وإن كان ستر الضراط مطلوبًا فإنه من العورة.

سورة الليل مكية وهي إحدى وعشرون آية

(5)

بقيع الغرقد: مقبرة المدينة لكثرة شجر الغرقد فيها، وفي رواية: كنا في جنازة في البقيع فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عودا فجعل ينكت به الأرض وذكر الحديث.

ص: 290

مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ

(1)

»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، قَالَ:«اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَملِ أَهْلِ الْشَّقَاوَةِ» ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى

(2)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِلْيُسْرَى آمِين.

‌سورة الضحى

مكية وهي إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً فَجَاءَت

امْرَأَةٌ

(3)

فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانَكَ قَدْ تَرَكَكَ لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالضُّحَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى

(4)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غارٍ

(1)

أي كتب مكانه فيهما ولكن المسلم يرث مكان الكافر في الجنة وبالعكس كما سبق في التغابن.

(2)

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} حق الله في كل شيء {وَاتَّقَى} الله {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} لا إله إلا الله محمد رسول الله {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} نهيئه للجنة {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بحق الله {وَاسْتَغْنَى} عن ثوابه {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} للنار {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} سقط في النار وهلك فيها.

سورة الضحى مكية وهي إحدى عشرة آية

(3)

هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان وهي زوجة أبي لهب التي نزل فيها وامرأته حمالة الحطب، كما يأتي.

(4)

فلما مرض النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ثلاث ليال قالت تلك المرأة هذه الكلمة الشنيعة فرد الله تعالى عليها بقوله: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} غطى بظلامه كل شيء {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ما تركك وما أبغضك يا محمد بل أنت الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، وقيل تأخر الوحي خمسة عشر يوما فقال الكفار ودعه ربه وقلاه فرد الله عليهم بهذا.

ص: 291

فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ. وَفِي سَبِيله اللَّهِ مَا لَقِيتِ» . قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ، فَأَنْزلَ اللَّهُ:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ

(1)

.

‌سورة ألم نشرح

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أَيْ لِلْإِسْلَامِ

(2)

{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أيْ مَعَ ذلِكَ الْعُسْرِ يُسْراً آخَرَ كَقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ

(3)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

(1)

ولكن الترمذي هنا ومسلم في الجهاد، ولما نزلت هذه السورة كبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: الله أكبر، وروى: لا إله إلا الله والله أكبر، وروى بزيادة ولله الحمد فيسن التكبير بعدها وبعد كل سورة إلى سورة الناس والله أعلم.

سورة ألم نشرح مكية وهي ثمان آيات

(2)

وقيل للإيمان والنبوة والعلم والحكمة، وكلها نالها النبي صلى الله عليه وسلم {ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض} أثقل {ظهرك} وهذا كقوله تعالى:(ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك){ورفعنا لك ذكرك} بأن تذكر مع ذكرى في الأذان والإقامة والخطبة ونحوها.

(3)

فالعسر في الموضعين واحد لأنه معرفة واليسر فيهما اثنان لأنه نكرة للقاعدة المشهورة: المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عينا والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت غيرا كقوله: إلا إحدى الحسنيين فللمؤمن في التربص حسن الظفر وحسن الثواب وللحديث لن يغلب عسر - أي واحد - يسرين اثنين فيكون اليسر أكثر وأغلب نسأل الله اليسر في كل حال.

ص: 292

‌سورة التين

(1)

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}» فَقَرَأَ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} «فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

‌سورة اقرأ باسم ربك

(3)

مكية وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّداً يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَأَطَأْنَّ عَلَى عُنُقِهِ

(4)

فَبَلَغَ النَّبِيَّ رضي الله عنه فَقَالَ: «لَوْ فَعَلَهُ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَاناً» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ

(5)

قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَالَّلاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَأَتَى

سورة التين مكية وهي ثمان آيات

(1)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} المأكولين أو جبلان ينبتانهما بالشام {وَطُورِ سِينِينَ} الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، ومعنى سينين المبارك والحسن بالأشجار ذات الثمار {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} مكة المكرمة، لأمن الناس فيها. والجواب {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} .

(2)

تقدم هذا طويلا في سورة لا أقسم بيوم القيامة والله أعلم.

سورة اقرأ باسم ربك مكية وهي تسع عشرة آية

(3)

وتسمى سورة العلق وسورة القلم لقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وسبق في حديث بدء الوحي في النبوة أن هذه الآيات أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار.

(4)

بوضع رجله لعنه الله على عنق النبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

في صفة القيامة.

ص: 293

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقاً مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً» ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ دَنَا منِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْواً عُضْواً

(1)

»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} إِلَى قَوْلِهِ: {كَلاَّ لَا تُطِعْهُ} .

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هذَا أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هذَا؟ فَزَبَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(2)

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ

(3)

}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

(1)

فلو دنا من النبي صلى الله عليه وسلم: وهو يصلى لقطعته الملائكة.

(2)

انتهره وأغلظ له.

(3)

النادى المجلس والمراد أهله، والزبانية الملائكة الغلاظ الشداد، ونص الآيات التي نزلت في هذا الرجل الشقي {كلا} حقا {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} الرجوع من الغنى للفقر ومن العز للذل ومن الحياة للموت أي انزجر فلا مفر من ربك {أَرَأَيْتَ} للتعجب في المواضع الثلاثة {الَّذِي يَنْهَى} هو أبو جهل {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} هو محمد صلى الله عليه وسلم:{أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ} المنهى {عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ} الناهى النبي {وَتَوَلَّى} عن الإيمان به {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ما حصل منه وهو كافر شديد العناد وينهي أفضل الناس عن عبادة الله تعالى لا شك أنه سيجازى أشد الجزاء بأنواع العذاب {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} عما هو عليه {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} نفاجئه بالهلاك {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} بيان للناصية {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ} يا محمد {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} أي من ربك فلك الشرف الأعلى.

ص: 294

‌سورة القدر

مكية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيَ رضي الله عنهما بَعْدَ مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: سَوَّدْتَ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: لَا تُؤْنِّبْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى

مِنْبَرِهِ

(1)

فَسَاءَهُ ذلِكَ فَنَزَلَ: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي نَهَراً فِي الْجَنَّةِ

(2)

، وَنَزَلَتْ:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يَمْلِكُهَا بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ الْقَاسِمُ: فَعَدَدْنَاهَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ يَوْمٍ لَا يَزِيدُ يَوْمٌ وَلَا يَنْقُصُ

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

‌سورة لم يكن

(5)

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ رضي الله عنه قَالَ لِأَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ» قَالَ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ،

سورة القدر مكية وهي خمس آيات

(1)

أي في النوم يخطبون على منبره صلى الله عليه وسلم.

(2)

سيأتي الكلام على الكوثر في سورته، وسبق تفسير سورة القدر وكل ما ورد فيها في كتاب الصيام.

(3)

صوابه ألف شهر كالآية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أن بني أمية على منبره وساءه ذلك أعطاه الله الكوثر وأعطاه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر التي يملكها بنو أمية.

(4)

بسند غريب، نسأل الله العون في سفرنا وحضرنا.

سورة لم يكن مدنية وهي ثمان آيات

(5)

وتسمى سورة البينة لقوله تعالى فيها {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} .

ص: 295

فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنْ» ، قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَبَكَى

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْفَضَائِلِ.

‌سورة الزلزال

مدنية وهي تسع آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الْآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ: عَمِلَ يَوْمَ كَذَا، كَذَا وَكَذَا فَهذِهِ أَخْبَارُهَا

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحُمْرِ

(4)

فَقَالَ: «لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلا هذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ

(5)

» {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ

(6)

}. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنا وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ.

‌سورة العاديات والقارعة

لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا شَيْءٌ فِي أُصُولِنَا.

(1)

تقدم هذا في فضل أبيّ بن كعب في كتاب الفضائل رضي الله عنه.

سورة الزلزال مدنية وهي تسع آيات

(2)

فالتحديث بأخبارها أن تشهد في الآخرة على كل شخص بما عمل عليها.

(3)

بسند صحيح.

(4)

هل فيها زكاة.

(5)

المنفردة في معناها.

(6)

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} أي من يعمل خيرا كوزن نملة صغيرة فإنه يراه في الآخرة ويعطى أجره عليه {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وهذا كقوله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} نسأل الله أن يجعل حسابنا يسيرا وأن يعمنا بلطفه ورأفته ورحمته آمين.

ص: 296

‌سورة التكاثر

(1)

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} قَالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي

(2)

وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ

(3)

أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ.

قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: مَا زِلْنَا نَشُكُّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ حَتَّى نَزَلَتْ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ

(4)

}.

• عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّ النَّعِيمِ. نُسْأَلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ

(5)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يوْمَ القِيَامَة يَعْنِي الْعَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نَصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنَرْوِيكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ

(6)

».

رَوَى الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ

(7)

.

سورة التكاثر مكية وهي ثمان آيات

(1)

سميت بهذا لبدئها بقوله تعالى {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} شغلكم التفاخر بالأموال والأولاد والرجال {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} ألهاكم عن طاعة الله الحرص على الدنيا حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك {كَلَّا} ردع وزجر {سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} سوء عاقبة تفاخركم عند النزع ثم عند القبر {كَلَّا} حقا {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} عاقبة التفاخر ما اشتغلتم به {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} النار {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} تأكيد والكلمتان جواب لقسم محذوف أي والله لتنظرن النار رؤية عين {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} الذي تمتعتم به في دنياكم كصحة وأمن وفراغ، وفاخر ملبوس وأثاث، ولذيذ طعام وشراب، هل قمتم بحقه؟ وهل شكرتم الله عليه، نسأل الله التوفيق.

(2)

أحفظه وأنميه.

(3)

أبقيته لك في الآخرة.

(4)

فإنها مؤذنة بعذاب القبر.

(5)

فإذا كان طعامنا التمر والماء فكيف نسأل؟ قال: لابد من السؤال عنه.

(6)

فهل عرفت هذا وشكرتنا، وفي رواية: عن أي النعيم نسأل فإنما هما الأسودان والعدو حاضر وسيوفنا على عواتقنا، قال: إن ذلك سيكون.

(7)

الأول والثالث بسندين غريبين والثاني بسند حسن.

ص: 297

‌سورة العصر والهمزة والفيل وقريش والماعون

لَمْ يَرِدْ فِيهِنَّ شَيْءٌ فِي أُصُولِنَا.

‌سورة الكوثر

(1)

مكية وهي ثلاث آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ

(2)

أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوِّفاً، فَقُلْتُ: مَا هذَا يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: هذَا الْكَوْثَرُ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ قَوْلِهه تَعَالَى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذْ عَرَضَ لِي نَهَرٌ

(5)

حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُؤْلُوءَ، قُلْتُ لِلْمَلَكِ: مَا هذَا؟ قَالَ: هذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى طِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِسْكاً ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَرَأَيْتُ عِنْدَهَا نُوراً عَظِيمًا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَوْثَرُ

سورة الكوثر مكية وهي ثلاث آيات

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} الكوثر الخير العظيم وهو له صلى الله عليه وسلم بكل معناه كالإيمان والنبوة والرسالة والقرآن والجاه العظيم والمنزلة العليا في الآخرة، والكوثر ذلك النهر الآتي وهو من أفراد ما سبق فلا معارضة.

(2)

ودخلت الجنة.

(3)

وفي نسخة مجوف، واللؤلؤ معروف من الأحجار الكريمة.

(4)

فعلى حافتيه لؤلؤ ودر وذهب وقباب منها، للجلوس فيها والنظر إليه. ولمسلم: قال أنس: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة (أخذته حالة الوحي) ثم رفع رأسه متبسما؛ فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت عليّ سورة؛ فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخرها، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي، عليه خير كثير.

(5)

ظهر لي فرأيته.

(6)

بسند صحيح.

ص: 298

نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ

وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ

(1)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

‌سورة الكافرون

لَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ.

‌سورة إذا جاء نصر الله

مدنية وهي ثلاث آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» يَتَأَوَّلُ الْقرْآنَ

(2)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ

(3)

فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: لِمَ يَدْخُلُ هذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءُ مِثْلُهُ

(4)

، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ

(5)

فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ فَمَا رُئِيَتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلا لِيُرِيَهُمْ

(6)

، قَالَ:

(1)

مجراه أي أرضه التي يجري عليها الدر والياقوت يتخللهما طينة أطيب من المسك، وهذه الرواية أجمع وصف له. نسأل الله رؤيته والشرب منه في بحبوحة الجنة آمين، وهل هذا خاص به صلى الله عليه وسلم وبآل بيته، أو تشرب الناس كلهم منه اغترافًا من بحار كرمه وعطاياه التي عمت الخلائق كلهم في الدنيا والأخرى، ويظهر لي الثاني فيكون صلى الله عليه وسلم ماثلا في أذهان الناس بالعظمة السرمدية ما زالوا في شمس الحياة الأبدية.

سورة النصر مدنية وهي ثلاث آيات

(2)

يعمل بالقرآن القائل {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .

(3)

كبار من حضروا وقعة بدر في مجلس الشورى.

(4)

فوجد: أي غضب بعضهم وهو عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة، وقال لعمر: لأي شيء تدخل معنا ابن عباس وهو صغير السن ولنا أولاد مثله.

(5)

وقال لهم أيضا: إن له لسانًا سؤولا وقلبًا عقولا.

(6)

وفي نسخة: فما رئيت أي ما ظننت أنه دعاني معهم إلا ليريهم فضلي.

ص: 299

مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ لَهُ قَالَ: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَذلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً» ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلا مَا تَقُولُ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ

(2)

.

‌سورة أبي لهب

(3)

مكية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلِصِينَ

(4)

خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ «يَا صَبَاحَاهُ» فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ

(5)

فَقَالَ: «أَرَأَيْتمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِباً، قَالَ:«فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» ،

(1)

فالأمر بالاستغفار دليل على قرب أجله صلى الله عليه وسلم ولم يفهم هذا إلا ابن عباس وعمر لأنه معنى إشاري لا يصل إليه إلا نور البصيرة الثاقب، فكان صلى الله عليه وسلم بعد نزولها يكثر من قوله: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه.

(2)

وزاد: فكيف تلومونني على حب ما ترون، رضي الله عن الأصحاب أجمعين.

سورة أبي لهب مكية وهي خمس آيات

(3)

سميت بهذا لأنها نزلت في ذم أبي لهب أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم كان كافرا شديد العداء للنبي صلى الله عليه وسلم وكذا امرأته العوراء، وهلكا كافرين وكان هلاكه بعد بدر بسبع ليال بداء العدسة.

(4)

بيان لما قبله أو قراءة شاذة ونسخت.

(5)

فهتف أي نادى يا صباحاه، أصلها استغاثة أي غشينا الصباح فتأهبوا للعدو؛ والمراد احضروا لأمر هام فحضروا.

ص: 300

قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَك

(1)

مَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهذَا ثُمَّ قَامَ، فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ

(2)

}. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَرَأَى الْعَبَّاسُ رضي الله عنه فِي النَّوْمِ أَبَا لَهَبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي أَسْوَإِ حَالٍ، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْراً غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هذِهِ وَأَشَارَ إِلَى النّقْرَةِ الَّتِي تَحْتَ إِبْهَامِهِ بِإِعْتَاقِي ثُوَيْبَةَ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الرَّضَاعِ وَالنِّكَاحِ.

(1)

أي هلاكا لك.

(2)

ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت السورة تذم أبا لهب وهي {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أي هلكت يداه، والمراد الدعاء عليه بالهلاك {وَتَبَّ} أي قد هلك، ولما خوفه النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال: إن كان ما يقول ابن أخي حقًّا فإني أفتدي بمالي وولدي، فنزل {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} فماله وكسبه لا يدفعان عنه شيئا {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ} سيحترق في نار لها لهب شديد وكذا امرأته {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} التي تحمل الشوك وتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} في عنقها حبل من ليف تربط به الشوك الذي تحمله للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذا سيكون في عنقها وهي في النار حبل منها كالليف فضيحة وزيادة عذاب لها، وقال ابن عباس هو سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعًا تدخل من فيها وتخرج من دبرها ويكون سائرها في عنقها فتلت من حديد فتلا محكما في النار.

(3)

فالعباس رأى أخاه أبا لهب بعد موته في النوم بشر خيبة؛ فقال العباس له: ما حالك؟ قال: لم ألق بعدكم خيرا غير أني سقيت ماء في هذه وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والسبابة بسبب إعتاقي ثويبة التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام: وأشار بذلك إلى حقارة ما سقي من الماء في جهنم. وقال القرطبي: سقي نقطة من ماء جهنم بسبب ذلك. ففيه أن الكافر ينتفع بصالح عمله في الآخرة، وهذا مردود بقوله {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وأيضًا فهذه رؤيا منامية لا يثبت بها حكم شرعي، ويحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا من ذلك. والله أعلم.

ص: 301

‌سورة الإخلاص

(1)

مكية وهي أربع أو خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ

(2)

فأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {اللَّهُ الصَّمَدُ} «فَالصَّمَدُ الَّذِي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلا سَيَمُوتُ وَلَا شَيْءٌ يَمُوتُ إِلا سَيُورَثُ وَاللَّهُ عز وجل لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}» قَالَ: «لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عَدْلٌ

(3)

وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(4)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأَتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوّاً أَحَدٌ

(5)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

سورة الإخلاص مكية وهي أربع أو خمس آيات

(1)

سميت بهذا لأنها خلصت في صفاته خاصة، وتسمى سورة الصمد لذكره فيها.

(2)

وقيل السائل أحبار اليهود أو النصارى؛ قالوا: إن آلهتنا ثلاثمائة وستون ولم تقض حوائجنا فكيف بإله واحد، وقيل إنهم قالوا: ما صفة ربك هل هو من نحاس أو من زبرجد أو من ذهب أو كيف هو؟ فأنزل الله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في ذاته وصفاته وأفعاله {اللَّهُ الصَّمَدُ} المقصود في الحوائج دائما والذي لم يلد كما في الحديث.

(3)

العدل: المثل والنظير، والشبيه مثله، وقد يكون في بعض الوجوه.

(4)

بسند لا طعن فيه.

(5)

تقدم هذا الحديث مرتين، مرة في البقرة ومرة في سورة مريم، نسأل الله التوفيق.

ص: 302

‌سورة الفلق

(1)

مكية أو مدنية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

• عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هذَا فَإِن هذَا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ

(2)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

‌سورة الناس

لَمْ يَرِدْ فِي تَفْسِيرِهَا شَيْءٌ.

نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ الْجَمِيلَ وَالتَّوْفِيقَ الْكَامِلَ آمِين.

سورة الفلق مكية أو مدنية وهي خمس آيات

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} الصبح أو بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من حره {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} من شر كل ذي أذى {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} الليل إذا أظلم أو القمر إذا غاب {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} السواحر التي تنفخ في عقد الخيط {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} أظهر حسده وعمل بمقتضاه.

(2)

استعيذي بالله من شر هذا أي بقولك أعوذ بالله من شر هذا أو بقراءة المعوذتين فإنهما نزلتا للتحفظ بهما من السحر ومن كل شيء، فمن حافظ عليهما صباحا ومساء ثلاث مرات مع حسن النية والتوكل على الله تعالى حفظه الله من كل شيء. وسبق فضلهما في فضائل القرآن. والله أعلم.

ص: 303

‌كتاب الرؤيا والأمثال

(1)

وفيه فصول أربة وخاتمة

‌الفصل الأول في أقسام الرؤيا وما يقوله الرائي

(2)

• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ

جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ

(3)

». رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ» ، قَالَ: فَشَقَّ ذلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:«لكِن الْمُبَشِّرَاتُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «رُؤْيَا الْمُسْلِمِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ

(4)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين

كتاب الرؤيا والأمثال

(1)

الأمثال: جمع مثل والمراد بها هنا الأحاديث التي ضربت فيها الأمثال. وقد عقد الترمذي رضي الله عنه لها بابًا مستقلا، والرؤيا: ما يراه الشخص في نومه مما أفاضه الله على قلبه من أمور تدل على ما كان أو ما يكون كدلالة السحاب على الأمطار، ولكنها إذا كانت صالحة حضرها ملك كريم وإلا حضرها شيطان للحديث الآتي "الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان" والرؤيا المنامية بالقصر كحبلى ويقل فيها رؤية بعكس الرؤية البصرية.

(2)

أقسام الرؤيا تأتي في حديث أبي هريرة، وما يقوله الرائي يأتي في حديث أبي قتادة.

(3)

وفي رواية: من خمسة وأربعين جزءا، وفي أخرى من أربعين، وفي أخرى: من سبعين. وهذا التفاوت بحسب حال الرائي فرؤيا الفاسق تكون من سبعين، ورؤيا الصالح تكون من أربعين أي صدقها أكثر، ولكن أشهر الروايات جزء من ستة وأربعين فإن زمن الوحي الذي كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون سنة منها ستة أشهر بالرؤيا المنامية ونسبتها إلى ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين، فالرؤيا تدل على الغيب كما يدل عليه الوحي السماوي.

(4)

لكن المبشرات أي باقية وهي الرؤيا التي تبشر بخير أو تنبه من غفلة ومثلها الرؤيا المنذرة التي تنذر بشر فيستعد له بالصبر الجميل.

ص: 304

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهِ وَلْيَتَحَدَّثْ بِهَا

(1)

. وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فإِنَّهَا

لَا تَضُرُّهُ

(2)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ

(3)

وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثاً

(4)

». وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَخْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ

(5)

. فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُحَدِّثْ

بِهَا النَّاسَ

(6)

»، قَالَ: «وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ

(7)

».

(1)

فإذا رأى رؤيا يحبها لحسن ظاهرها كأن رأى أنه يصلي أو يعبد الله، أو لحسن تأويلها كنكاح بعض المحارم المعبر عنه بصلته وكالموت لبعض الناس المؤول بالانقطاع إلى الله فإنه يحمد الله على هذا ويقصها على عالم أو حبيب.

(2)

وإذا رأى ما يكره كأن وقع في نار أو سقط من عال أو طارت رأسه فإنه يبصق عن يساره ثلاثا ويتعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر هذه الرؤيا ثلاثا ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره لأن هذا سبب لحفظه من مكروه يترتب عليها كالصدقة سبب لحفظ المال ودفع البلاء عن صاحبها.

(3)

وأصدق الرؤيا إذا اقترب الزمان أي استوى زمن ليله ونهاره كوسط فصل الخريف ووسط فصل الربيع ووقت القيلولة والسحر لحديث: أصدق الرؤيا بالأسحار.

(4)

فإذا كان الشخص صادقًا في قوله صدقت رؤياه كثيرا، وقد قيل منام الصادقين علم اليقين، وللبخاري "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".

(5)

فأقسام الرؤيا ثلاثة: حديث النفس وهو أن يكون الشخص مهموما بأمر فيرى في نومه ما يتعلق به ولا عبرة بهذا، وتحزين من الشيطان وهو أن يرى في منامه شيئًا يحزنه وكثيرا ما يسمى هذا بالحلم، والثالثة المبشرة. وللبخاري "الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره".

(6)

فليصل إن كان نشيطًا وإلا بصق عن يساره وتعوذ ثلاثا وتحول إلى جنب آخر.

(7)

قال أبو هريرة: وأحب القيد (ربط الرجلين) لأنه ثبات في الدين ورسوخ فيه، وأكره الغل (الطوق في العنق) لأنه تحمل دين أو مظالم أو حكم عليه، فالقيد في النوم حسن والغل مكروه.

ص: 305

• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلا مَنْ يُحِبُّ

(1)

، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثاً

(2)

وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا

(3)

وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَداً فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعِلْمَ بِالتَّعْبِيرِ آمِين.

‌إذا قصت الرؤيا وقعت

• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا

(4)

»؟. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَزَادَ: وَيَقُولُ: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» .

• عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْليِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ يَتَحَدَّثْ بِهَا فَإِذَا تَحَدَّثَ بِهَا سَقَطَتْ» ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ «وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلا لَبِيباً أَوْ حَبِيباً

(5)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. وَلِابْنِ مَاجَهْ: «اعْتَبَرُوهَا بِأَسْمَائِهَا، وَكَنُّوهَا بِكُنَاهَا وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ

(6)

».

(1)

أو عالمًا بالتعبير.

(2)

إذلالا للشيطان الذي يوسوس في القلب جهة اليسار.

(3)

أي ثلاثا أيضًا فإن الله يحفظه إن شاء الله.

إذا قصت الرؤيا وقعت

(4)

هل رأى منكم أحد الليلة رؤيا فيذكرها لنعبرها له.

(5)

فالرؤيا كالشيء المعلق في الهواء

لا استقرار لها حتى تعبر، فإذا عبرها شخص وقعت كما عبر، وهي لأول عابر إذا عبرها أكثر من واحد وكان لها تأويلان فأكثر ولذا قال: ولا تحدث بها إلا لبيبًا أي عالما أو حبيبا.

(6)

فقد تعبر الرؤيا من الأسماء والكنى، كالهدى من رؤية الهدهد، والغربة من رؤية الغراب، وكالرفعة من اسم رافع، والهداية من اسم مهدي، والنصر من اسم منصور، والعلو من كنية أبي على، والخير والبركة من أبي الخير، والعقبي المحمودة من أم يعقوب والنصر من أم نصر وهكذا.

ص: 306

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ فَقَالَ: «لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ

(1)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ كَمَالَ الْإِسْلَامِ وَقُوَّةَ الْيَقِينِ آمِين.

(1)

كأن رأسي ضرب أي بسيف فقطع وتدحرج بعيدا فسميت نحوه؛ قال: لا تحدث بها فإنها تلاعب من الشيطان ولكن تعوذ بالله منها كما تقدم.

(فائدة) يلزم للمعبر أن يكون عارفا بشيء من كتاب الله تعالى كالعهد من الحبل في قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} وكالنجاة من السفينة في قوله تعالى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} وكالحج من الأذان في أشهره لقوله تعالى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالً} ، وكالنسوة من البيض في قوله تعالى {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} ، وكالمنافقين من الأخشاب لقوله تعالى فيهم {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} وكالظلمة من رؤية الأحجار لقوله تعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} وكالرفعة من سجود الكواكب، والسنين المخصبات من رؤية البقر السمان، والمجدبات من البقر العجاف الواردة في سورة يوسف عليه السلام ورؤيا صاحبيه في السجن ونحو ذلك، وكذا يلزم للمعبر شيء من السنة الغراء كالأحاديث الآتية وكذا يلزمه معرفة شيء من أمثلة العرب كقول إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام: غير أسكفة بابك؛ أي زوجتك، وكقول لقمان لابنه: بدل فراشك أي زوجتك، وكقول عيسى عليه السلام حينما دخل على مومسة يعظها: إنما يدخل الطبيب على المريض أي العالم على المذنب ليهديه. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: رأيت كأني أنا وأنت نرقى في درجة (نصعد سلما) فسبقتك بمرقاتين؛ فقال: يا رسول الله يقبضك الله إلى رحمته وأعيش بعدك سنتين ونصفا، فكان كذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت كأنه يتبعني غنم سود وتبعها غنم بيض؛ فقال أبو بكر: تتبعك العرب وتتبع العجم العرب، فكان كذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير ما يرى أحدكم في المنام أن يرى ربه أو نبيه أو يرى أبويه مسلمين، قالوا: يا رسول الله وهل يرى أحد ربه؟ قال: السلطان والسلطان هو الله تعالى. ومدار التعبير على التمثيل والتشبيه من الأمور المتناسبة في الرؤيا والنظر إلى الملائم منها دون سواه، وعلى المعبر أن يتفرس في الرأي وحرفته وما يلوح عليه ويعبر له من حاله كما كان يفعل ابن سيرين رضي الله عنه فقد جاءه رجل فقال: رأيت في منامي كأني أؤذن؛ فنظر إليه ثم قال: يسرق الأبعد وتقطع يده، ثم جاءه آخر فقال: رأيت في منامي كأني أؤذن؛ فنظر إليه فقال: تحج بيت الله الحرام؛ فكان في المجلس رجل فقال: كيف هذا يا ابن سيرين؟ الرؤيا واحدة والتعبير مختلف؛ فقال: نعم تفرست في وجه الأول الشر فأولت له من قوله تعالى {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} والثاني توسمت فيه الخير والصلاح=

ص: 307

‌يحرم الكذب في قص الرؤيا

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ

(1)

، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(2)

، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ

(3)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَهُ

(4)

». نَسْأَلُ اللَّهَ الصِّدْقَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.

‌الفصل الثاني فيما رآه النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً

(5)

أَقْبَلَ عَلَيْنَا يِوَجْهِهِ فَقَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ

(6)

» فَسَأَلَنا يَوْماً فَقَال: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟» قُلْنَا: لَا. قَالَ: «لكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي

= فعبرت له من قوله تعالى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} وينبغي للمعبر أن يقول حينما يسمع الرؤيا من رائيها خيرًا لنا وشرا لأعدائنا، وأن يعبرها بما يسره إن كانت تعطى ذلك وإلا قال خيرا وسكت، وعلم التعبير عزيز وهو إلهاميا أكثر منه اكتسابيًا، فمداره على التقوى لقوله تعالى {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} ولقوله تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} .

يحرم الكذب في قص الرؤيا

(1)

فمن قال: رأيت في منامي كذا وكذا وهو لم ير شيئا أو زاد فيما رآه حبس عن مقامه في الجنة حتى يعقد شعيرتين في بعضهما ولا يمكنه ذلك أبدا. كناية عن دوام عذابه.

(2)

الآنك: الرصاص المذاب بالنار أي الحار يصب في أذنيه اللتين كان يستمع بهما ممن لا يحب ذلك.

(3)

ولا يمكنه نفخ الروح فيها أبدا، كناية عن دوام تعذيبه.

(4)

فمن أفرى الفرى أي أكذب الكذب أن يقول: رأيت كذا وكذا وهو لم ير شيئًا لأنه كذب على الله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أي لا أحد أظلم منه.

الفصل الثاني فيما رآه النبي صلى الله عليه وسلم

(5)

المراد بها الصبح كما تقدم في: إذا قصت الرؤيا وقعت.

(6)

يعبرها بما شاء الله تعالى.

ص: 308

فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ

(1)

. فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ

(2)

يُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ

(3)

ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هذَا فَيَعُودُ فَيَضَعُ مِثْلَهُ

(4)

، فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ

(5)

وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ

(6)

أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ

(7)

فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ

(8)

، قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ

(9)

أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ تَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارٌ فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادُوا يَخْرُجُونَ

(10)

. فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمِ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسْطِ النَّهَرِ وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ

(11)

، فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا

(1)

أي المطهرة وهي الشام. وفي رواية: فانطلقا بي إلى السماء.

(2)

الكلوب بفتح فضم مع التشديد ويقال كلاب كتفاح هو الخطاف.

(3)

الشدق جانب الفم؛ والقفا مؤخر العنق.

(4)

فالرجل القائم بيده كلوب يضربه في شدق الجالس حتى يظهر في قفاه ثم ينزعه فيضربه في شدقه الآخر فإذا نزعه منه عاد شدقه الأول سليما كما كان فعادله فضربه وهكذا.

(5)

نائم على ظهره.

(6)

الفهر كالبئر حجر صغير.

(7)

فيشدخ أي يضرب، تدهده كتدحرج وزنًا ومعنى.

(8)

فالقائم على رأس النائم بيده حجر فيضرب به رأس النائم فينكسر ثم يتدحرج الحجر فإذا أتى به عاد رأسه سليما كما كان فعاد له فضربه وهكذا.

(9)

وفي رواية: نقب مثل التنور الذي يخبز فيه.

(10)

وفي رواية: حتى كادوا أن يخرجوا، أي مروا على إناء كبير فيه رجال ونساء عراة في ماء يغلى تحته نار إذا قوى لهبها غلي الماء وارتفع بمن فيه حتى كادوا يخرجون فإذا سكن عادوا في داخل الإناء وهكذا.

(11)

ومروا على نهر كالدم وفي وسطه رجل يسبح فيه وعلى شط النهر أي حافته رجل أمامه =

ص: 309

إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ

(1)

وَإِذَا رَجُلٌ قَريبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا فَصَعِدَا بِي فِي الشّجَرَةِ فَأَدْخَلَانِي دَاراً لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَاراً هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، فَقُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالَا: نَعَمْ. أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأَسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمْ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ

(2)

، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ: الْجَنَّةُ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا هذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ

(3)

وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهذَا مِيكَائِيلُ فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ

(4)

قَالَا: ذَاكَ مَنزِلُكَ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي، قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(5)

.

= حجارة فكلما أراد الرجل الذي في النهر أن يخرج رماه الذي على الشاطئ بحجر في فمه فرجع في وسط النهر كما كان وهكذا، فالله تعالى مثل لنبيه صلى الله عليه وسلم عذاب البرزخ للكذاب والذي لم يعمل بالقرآن والزناة وآكل الربا لعلهم ينزجرون.

(1)

الشجرة العظيمة هي سدرة المنتهى والشيخ الجالس بجوارها إبراهيم الخليل عليه السلام وحوله الأطفال الذين ماتوا دون البلوغ حتى يدخلوا مع أهليهم الجنة إن شاء الله.

(2)

ظاهره العموم لأولاد المسلمين والمشركين رواية البخاري هنا القائلة: وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين.

(3)

فالدار العالية التي هي أحسن وأفضل دار الشهداء رضي الله عنهم.

(4)

وفي رواية: مثل الراية البيضاء أي دار عظيمة وفخمة جدا تناسب مقامه صلى الله عليه وسلم.

(5)

البخاري رضي الله عنه روى هذا الحديث هنا ورواه في باب الجنائز وما هنا لفظه في الجنائز.

ص: 310

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ

(1)

» ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْباً

(2)

فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاس يَفْرِي فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنِ

(3)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ». قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا أَمَّا الرَّجُلُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَا تَنَوُّطُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هذَا الْأَمْرِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ التَّفْضِيلِ.

‌ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وعبره

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذلِكَ» . وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ. قَالُوا: مَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ

(6)

".

(1)

الذنوب: الدلو المتلئ ماء.

(2)

فاستحالت أي تحولت. غربا أي دلوًا عظيما من جلود البقر.

(3)

العبقري الكامل: الحاذق في عمله، والعطن: موضع بروك الإبل بعد شربها، والفرى: العمل الجيد، فأبو بكر أخذ الدلو من النبي صلى الله عليه وسلم فملأها للناس مرتين فتولى الخلافة بعده صلى الله عليه وسلم سنتين، وأما عمر فإنه لما تولى الخلافة انتشر الإسلام وقويت شوكته وكثرت الفتوحات حتى عمهم اليسار وقسموا المسك بالصاع رضي الله عنهم.

(4)

أي علق وربط به.

(5)

ومفاد الحديثين أن أبا بكر وعمر وعثمان ولاة أمر الدين بعده صلى الله عليه وسلم وكان كذلك، وعليّ رضي الله عنه وإن لم يذكر في هذا الحديث فهو منهم.

ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وعبره

(6)

فاللباس في المنام هو الدين لأن اللباس يحفظ صاحبه من الحر والبرد كالدين يحفظ من عذاب الدنيا والآخرة، فكمال اللباس وحسنه كمال في دينه، ونقصه وقدمه نقص في دينه.

ص: 311

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرَبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ» . فَقَالُوا: مَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ

(1)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي» . فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ

(2)

. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهْلَيِ إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ

(3)

وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفاً فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضاً بَقَراً

(4)

وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ

(5)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(1)

فشرب اللبن الحليب في النوم يدل على القرآن والتوحيد والعلم لأن اللبن طعام النشأة الأولى وعليه حياتها كالعلم حياة القلوب والأخلاق، بخلاف الرائب والمخيض فلا خير فيهما، ولبن ما لا يؤكل لحمه مال حرام وديون وهموم، وأما الجبن الرطب الذي بزبده فمال رابح وعمر طويل، وسبق هذان الحديثان في فضائل عمر رضي الله عنه.

(2)

يخرجان من بعدي أي تظهر شوكتهما ودعواهما النبوة بعده صلى الله عليه وسلم وكان كذلك فظهر أحدهما بصنعاء اليمن وهو الأسود العنسي الذي قتله فيروز الديلمي، وظهر الثاني باليمامة وهو مسيلمة الكذاب وقتلا بشر قتلة، فادعاء النبوة منهما حرام وتمويه باطل كالزينة بالذهب في يد الرجال.

(3)

وهلي: همي واعتقادي، هجر مدينة معروفة هي قاعدة البحرين، وتحققت رؤياه بالمدينة لأنها ذات نخل وقدرت لها السعادة الأزلية.

(4)

أي تنحر كما في حديث أحمد.

(5)

فأول السيف بالأصحاب بجامع التحصن والغنيمة بكل منهما وكذا البقر هم بعض الصحب الذين استشهدوا في أحد رضي الله عنهم، فرؤية بقرة ونحوها تنحر أو ماتت في مكان تدل على موت لبعض أهله.

ص: 312

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا

(1)

» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي كَبِّرْ فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَر

(2)

».

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(3)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبٍ ابْنِ طَابٍ فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ

(4)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

‌الفصل الثالث في الرؤى التي عبرها النبي صلى الله عليه وسلم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ وَوَسَطَ الرَّوْضةِ عَمُودٌ، فِي أَعْلَى الْعَمُودِ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لِي ارْقَهْ فَقُلْتُ لَا أَسْتَطِيعُ فَأَتَانِي وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي فَرَقِيتُ

(5)

فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهَا فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «تِلْكَ

(1)

أول هذا بأن وباء المدينة وهي الحمى نقلت إلى الجحفة ووجه ذلك أنه اشتق من السوداء السوء والداء وكان المتفشي في المدينة حينذاك الحمى فأولها بها وكان كذلك.

(2)

فيه أن المطلوب تقديم الأكبر وهذا إن استويا في الفضل وإلا قدم الأفضل.

(3)

ولكن مسلم هنا والبخاري في الوضوء.

(4)

أخذ الرفعة من لفظ رافع، والعاقبة من لفظ عقبة، وديننا قد طاب: كمل واستقر من لفظ رطب ابن طاب ويقال عذق ابن طاب وتمر ابن طاب لرجل من أهل المدينة، ففيه التعبير من الاسم، وفي حديث: المرأة السوداء التعبير من الاشتقاق، نسأل الله الفهم والفتح آمين.

الفصل الثالث في الرؤى التي عبرها النبي صلى الله عليه وسلم

(5)

الروضة أرض مخضرة ذات زهور، والعمود والعروة معروفان، والوصيف والمنصف: الخادم.

ص: 313

الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الْإِسْلَامِ وَذلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى لَا تَزَالُ مُسْتَمْسِكاً بِهَا حَتَّى تَمُوتَ

(1)

».

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ لَا أُهْوِي بِهَا

(2)

إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ بِي إِليْهِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ

(3)

». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ

(4)

.

• عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ رضي الله عنها قَالَتْ: رَأَيْتُ لَعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي النَّوْمِ عَيْناً تَجْرِي فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلَهُ يَجْرِي لَهُ

(5)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ

ظَلَّةً

(6)

تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِمْ

(7)

فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَرَى سَبَباً

(8)

وَاصِلاً مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَعَلَا ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ بِهِ ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلَأَعبُرَنَّهَا. قَالَ: «اعْبُرْهَا» قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا الظُّلَّةُ فظُلَّةُ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ وَلِينُهُ. وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ. وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَالحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعِليكَ اللَّهُ بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ

(1)

فالروضة: الإسلام وجميع ما يتعلق بالدين، والعمود: أركان الإسلام، والعروة الوثقى: الإيمان وشدة التمسك بالدين.

(2)

أي لا أشير بها.

(3)

فكونه في الجنة يطير حيث شاء دليل على تقواه وصلاحه.

(4)

ولكن البخاري هنا ومسلم في الفضائل.

(5)

عثمان هذا أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع ورؤيت هذه الرؤيا له بعد موته رضي الله عنه.

(6)

الظلة: السحابة، تنطف أي تقطر قليلا قليلا.

(7)

يأخذون بأكفهم.

(8)

السبب الحبل.

ص: 314

يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ

(1)

فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ: «أَصَبْتَ بَعْضاً وَأَخْطَأْتَ بَعْضاً

(2)

»، قَالَ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ، قَالَ:

«لَا تُقْسِمْ

(3)

». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

وَقَالَ رَجُلٌ

(4)

: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنّ مِيزَاناً نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ، وَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيْزَانُ، قَالَ: فَرَأَيْنَا الْكَرَاهِيَةِ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: سَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ صَدَّقَكَ وَلكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُهُ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غَيْرُ ذلِكَ

(7)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

(1)

الرجل الأول أبو بكر والثاني عمر والثالث عثمان رضي الله عنهم، وانقطاع السبب به ما ناله من الفتنة ولكنها لم تعقه عن المنزلة العليا.

(2)

قيل ما أخطأ فيه هو السمن وتأويله السنة الغراء.

(3)

لم يُبر قسمه النبي صلى الله عليه وسلم سترا لما سيقع بعده صلى الله عليه وسلم.

(4)

سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله وذكر ذلك.

(5)

معنى الرجحان الأفضلية؛ فأفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر فعمر رضي الله عن الجميع، وإنما ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لانحصار درجات الفضائل في ثلاثة، أو لما ظهر له من انحطاط أمر الأمة بعد عمر رضي الله عن الجميع.

(6)

بسند صحيح.

(7)

ورقة هذا قريب خديجة رضي الله عنها؛ ولما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار أول مرة فزع منه وعاد إلى خديجة فقال لها: زملوني بالملابس فزملوه حتى ذهب روعه ثم ذهبت به إلى ورقة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رآه؛ فقال: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى يا ليتني فيها جذعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك، إلى آخر ما سبق في حديث النبوة ثم توفي قبل أن يجيء الوحي بالرسالة فلما سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيته في ملابس بيضاء وهي لباس أهل الجنة، نسأل الله الجنة آمين.

ص: 315

‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في النوم

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ

(2)

وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

وَلِلشَّيْخَيْنِ: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي

(3)

».

‌الفصل الرابع في آداب النوم ودعائه

• عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ

(4)

وَقُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في النوم

(1)

من رآني في النوم فقد رآني رؤيا حقة لا أضغاث أحلام، فإن الشيطان لا يتمثل بي وفي رواية: لا يتخيل بي؛ أي لا يتشكل بشكله صلى الله عليه وسلم يقظة ولا مناما وإلا اشتبه الحق بالباطل فإن الشياطين فيهم قوة على التشكل بما يشاءون وتحكم عليهم الصورة أي إذا قتلت مات صاحبها بخلاف الملائكة فإنهم يتشكلون بالأشكال الشريفة الإنسان ولا تحكم عليهم الصورة فسبحان الخلاق العظيم.

(2)

بأن يسهل الله الهجرة فيراه في المدينة، أو المراد سيراه في الآخرة على الحوض وغيره فتكون رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام مبشرة بالموت على الإسلام وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم في المنام غير مرة فلله مزيد الحمد ووافر الشكر.

(3)

من رآني في نومه فقد رأى الحق أي رؤية الحق لا الباطل فإن الشيطان لا يتكونني أي لا يتكون كوني ولا يتصور بصورتي سواء رآه بصورته المعروفة أو لا، ولكن إذا رآه بصورته تكون دليلا على كمال إيمان الرائي وإن رآه بغيرها كأن رآه أسود اللون أو قصيرا أو ملابسه قصيرة أو رثة أو نحوها فإنه يكون من حال الرائي، نسأل الله كمال الإيمان آمين والحمد لله رب العالمين.

الفصل الرابع في آداب النوم ودعائه

(4)

إذا أتيت مضجعك أي موضع نومك، فتوضأ وضوء الصلاة أي ندبا فربما جاء الموت بغتة فتكون كامل الطهارة، ثم اضطجع على شقك أي جنبك الأيمن لأنه أنبه للقلب وأسرع في الاستيقاظ، فآداب النوم أن يكون على طهارة كاملة وأن يكون على جنبه الأيمن ومستقبل القبلة وأن يتوب إلى ربه وأن يدعو بدعاء من الأدعية الآتية وأن يقرأ سورة من كتاب الله تعالى.

ص: 316

أَمْرِي إِليْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلا إِلَيْك

(1)

، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ

(2)

فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ»، فَقُلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، قَالَ:«لَا وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» .

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ

(3)

ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا

(4)

». وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ

(5)

».

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ

(6)

ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا

(7)

. وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ

(8)

».

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام شَكَتْ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى

(9)

فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِماً

(10)

فَلَمْ تَجِدْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ فَجَاءَنَا

(11)

وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْتُ أَقُومُ فَقَالَ: «مَكَانَكَ» فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا أَوْ أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا ثَلَاثاً وَثَلاثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ.

فَهَذَا خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ

(12)

».

(1)

لا ملجأ أي لا مهرب، ولا منجا أي لا مخلص إلا إليك.

(2)

دين الإسلام، نسأل الله الموت عليه آمين.

(3)

أي الأيمن.

(4)

أموت أي الموت الصغير، وهو النوم، وأحبا منه بالاستيقاظ.

(5)

الإحياء للبعث والقيامة.

(6)

من المستقذرات والمؤذيات كحية وعقرب.

(7)

إن أمسكت نفسي أي توفيتها فارحمها، وإن أرسلتها أي رددتها لي فاحفظها.

(8)

وزاد الترمذي: فإذا استيقظ فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد عليّ روحي وأذن لي بذكره.

(9)

من تقرح كفها من إدارة الرحى.

(10)

أي جارية من جوارى السبي.

(11)

أي النبي صلى الله عليه وسلم.

(12)

فإن بركة الذكر تذهب عنكما التعب ويبقى لكما ثوابه وسبق هذا الحديث في النكاح.

ص: 317

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبَ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدَهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

(1)

. رَوَى هَذِهِ الْخَمْسَةَ الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةَ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا أَخَذَ أَحَدُنَا مَضْجَعَهُ أَنْ يَقُولَ «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّموَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ

(2)

وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى

(3)

وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ

(4)

اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ».

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنتَ تَوَفَّاهَا لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا إِنْ أَحْييْتَهَا فَاحْفَظْهَا وَإِنْ أَمَتَّهَا فاغْفِرْ لَها اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَسَمِعْتَ هذَا مِنْ عُمَرَ؟ قَالَ: مِنْ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ حِبَّانَ.

• عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ما مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِراً

فَيَتَعَارُّ مِنَ اللَّيْلِ

(5)

فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْراً مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ

(6)

».

(1)

فكان يقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين ثم ينفث في كفيه ثم يمسح بهما جسمه يبدأ برأسه ووجهه إلى رجليه ثلاثًا تحصنا بذلك؛ والمراد تعليم الأمة وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم محفوظ.

(2)

لفظ الترمذي ورب الأرضين.

(3)

أي عن نبتهما ليخرج.

(4)

قابض على أمره.

(5)

أي يستيقظ كأنه تعار من نومه.

(6)

ولفظ الترمذي: من أوى إلى فراشه طاهرا يذكر الله حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل سأل الله شيئًا من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه.

ص: 318

• عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ

(1)

: «اقْرَأُ قَلُ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ

(2)

».

• عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ

(3)

» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رَوَى الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

.

• عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ الْأَنْمَارِيِّ رضي الله عنه

(5)

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَاخْسَأْ شَيْطَانِي

(6)

وَفُكَّ رِهَانِي

(7)

. وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الْأَعْلَى

(8)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَنْدَ مَضْجَعِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ

(9)

اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدّ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ».

• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ وَإِلهَ كُلِّ شَيْءٍ أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ

(10)

». رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ.

(1)

حينما قال: يا رسول الله علمني شيئًا أقوله إذا أويت إلى فراشي.

(2)

أي فمن قرأها ثم مات في ليلته مات على التوحيد.

(3)

ولفظ الترمذي: يوم تجمع عبادك أو تبعث عبادك.

(4)

الثالث بسند صحيح.

(5)

الأنماري: ليس له إلا هذا الحديث.

(6)

اطرده عنى واحفظني منه وهو القرين الملازم لكل إنسان.

(7)

خلص رقبتي من كل حق عليّ.

(8)

الندي هو النادي: مجتمع القوم ولفظ الحاكم في الملأ الأعلى.

(9)

المغرم: الدين، والمأثم: الذنب.

(10)

ومليكه أي مالكه.

ص: 319

• عَنْ طَفْخَةَ بْنِ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مُضْطِجعٌ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ السَّحْرِ عَلَى بَطْنِي إِذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ ضِجْعَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ» فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

• عَنْ عَلِيَ بْنِ شَيْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجَارٌ

(2)

فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ

(3)

». وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اضْطَجَعَ مُضْطَجَعاً لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ إِلا كانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(4)

». رَوَى الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَقْرَأُ عِنْدَ نَوْمِهِ سُورَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكاً فَلَا يَقْرَبُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَهُبَّ مَتَى هَبَّ

(6)

» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(7)

.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

(8)

غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجَ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(9)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

(1)

من السحر أي من مرض السحر وهو الرئة فإن المريض بها يرتاح في نومه على بطنه؛ فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه ضجعة مبغوضة لله تعالى، وقيل إنها ضجعة الشياطين، فالنوم على الوجه مكروه إلا لعذر والمستحب النوم على الجنب الأيمن مستقبل القبلة ولا بأس بالنوم على الأيسر أو على الظهر لعدم النهى عنهما بل ورد نومه صلى الله عليه وسلم على ظهره كما سبق في آداب المساجد.

(2)

وفي نسخة حجاب.

(3)

العهد المذكور في قوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقيل من نام على سطح لا حاجز له فوقع فمات فدمه هدر لتعديه.

(4)

الترة بالكسر: الحسرة والندامة.

(5)

ولكن رواية الترمذي للأولين في كتاب الأدب.

(6)

أي حتى يستيقظ.

(7)

بسند حسن.

(8)

أي قال ذلك بلسانه وقلبه وتاب إلى ربه ظاهرا وباطنا غفر الله له إن شاء الله، ورمل عالج: جبال متواصلة مستطيلة واسعة جدًّا حتى قيل إنها تحيط بأكثر أرض العرب.

(9)

بسند حسن.

ص: 320

‌ما يقول إذا استيقظ

• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ

(1)

فَقَالَ حِينَ يَسْتَيْقِظُ: لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ولَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ثُمَّ دَعَا

(2)

اسْتُجِيبَ لَهُ. فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(3)

وَقَالَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ اللَّهُمَّ رِذْنِي عِلْماً وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَر اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدَهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَان» .

(4)

ما يقول إذا استيقظ

(1)

أي استيقظ.

(2)

زاد في رواية: ثم قال رب اغفر لي.

(3)

بسند صحيح، وللترمذي بسند صحيح، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام قال: اللهم باسمك أموت وأحيا؛ وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد ما أماتها وإليه النشور.

(4)

يعقد الشيطان أي يربط على قافية رأس أحدكم أي مؤخرها ثلاث عقد يضرب كل عقدة مكانها أي يقول عليها: يأتي عليك ليل طويل فارقد، وهذا ربط معنوي براد به الحجب عن الإدراك وعمل ما يمنع به الاستيقاظ، وكان في القافية لأنها محل الواهمة التي هي أسرع في إجابة الشيطان، فإن استيقظ الإنسان فذكر الله بأي ذكر انحلت عقدة فإن توضأ انحلت الثانية فإن صلى انحلت كلها فأصبح نشيطا طيب النفس، وإن لم يفعل شيئا أصبح خبيث النفس كسلان عن كل خير وهذا مخصوص بغير الصالحين، قال تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ =

ص: 321

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ:«ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ» أَوْ قَالَ «فِي أُذُنِهِ» .

(1)

رَوَاهُمَا لْبُخَارِيُّ فِي بِدْءِ الْخَلْقِ.

‌خاتمة في الأمثال

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ، واعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَاراً ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتاً ثُمَّ جَعلَ فِيهَا مَائِدَةً ثُمَّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النّاسَ إِلَى طَعَامِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَاللَّهُ هُوَ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنتَ يَا مُحَمَّدُ رَسُولٌ فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مَا فِيهَا» .

(2)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي وَخَرَجَ إِلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ

(3)

فَأَجْلَسَنِي وَخَطَّ عَلَيَّ خَطًّا

(4)

وَقَالَ: «لَا تَبْرَحْهُ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَداً»

= سلطان" وبغير من قرأ عند نومه سورة من كتاب الله لما سبق، ولحديث من قرأ عند النوم سورة من القرآن كانت له حرزًا من الشيطان.

(1)

بال الشيطان في أذنيه بولا حقيقيا كما سبق في كتاب الطعام أنهم يأكلون ويشربون وينكحون، أو المراد فعل به ما يشبه ذلك تثبيطا له عن القيام لطاعة الله وهذا لمن لم يتحصن قبل نومه كما سبق، نسأل الله الحفظ والتوفيق آمين.

خاتمة في الأمثال

(2)

فمن يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فإنه يكون أجاب الله ودخل بيته وأكل من مائدته أي فمن يعتنق الإسلام فماله مجاورة الله تعالى والنعيم الدائم في الجنة، نسأل الله رضاه والجنة آمين.

(تنبيه): مرويات الترمذي في هذه الخاتمة في باب الأمثال.

(3)

بعض ضواحها.

(4)

أي أحاطني بخط خطه بيده حفظًا لي.

ص: 322

ثُمَّ ذَهَبَ وَجَاءَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَدَخَلَ عَلَيَّ فِي خَطَى فَتَوَسَّدَ فَخِذِي

(1)

فَرَقَدَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَقَدَ نَفَخَ فَبَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ وَهوَ مُتَوَسِّدٌ فَخِذِي إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ اللَّهُ أَعْلَمُ مَا بِهِمْ مِنَ الْجَمَالِ فَانْتَهَوْا إِلَيَّ فَجَلَس طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا بَيْنَهُمْ: مَا رأَيْنَا عَبْداً قَطُّ أُوتِيَ مثْلَ مَا أُوتِيَ هذَا النَّبِيُّ

(2)

إِنَّ عَيْنَيْهِ تَنَامَانِ وَقَلْبَهُ يَقْظَانُ اضْرِبُوا لَهُ مَثلاً، مَثَلُ سَيِّدٍ بَنَى قَصْراً ثُمَّ جَعَلَ مَأْدبَةً فَدَعَا النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ. فَمَنْ أَجَابَه أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرِبَ مِنْ شَرَابِهِ وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُ عَاقَبَهُ أَوْ قَالَ عَذَّبَهُ ثُمَّ ارْتَفَعُوا وَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«سَمِعْتَ مَا قَالَ هؤُلَاءِ، وَهَلْ نَدْرِي مَنْ هؤُلَاءُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«هُمُ الْمَلَائِكَةُ فَتَدْرِي مَا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبُوا؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبُوا الرَّحْمنُ تبارك وتعالى بَنَى الْجَنَّةَ ودَعَا عِبَادَهُ فَمَنْ أَجَابَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُجِبهُ عَاقَبَهُ أَوْ عَذَّبَهُ» .

(3)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

(4)

• عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا» .

(5)

فَقَالَ عِيسى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنَا آمُرُهُمْ

(6)

فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ

(1)

وضع رأسه على فخذى.

(2)

من الجمال والجلال والإيمان واليقين والكمال.

(3)

هذا أخص من المثل السابق فإن صريح المثل هنا من لم يجب ربه عاقبه وعذبه، نسأل الله حسن الإجابة آمين.

(4)

بسند صحيح.

(5)

لعذر شرعى كمرض وإلا فالأنبياء أسرع الناس في تنفيذ أوامر الله تعالى.

(6)

ومعلوم أن يحيى وزكريا ولدا خالة صلى الله عليهما وسلم وهذه الخمس هي التوحيد، والصلاة، والصيام والصدقة وكثرة الذكر.

ص: 323

فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ

(1)

فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ.

أَوَّلُهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شيْئاً وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْداً مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَقَالَ هذِهِ دَارِي وَهذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذلِكَ.

(2)

وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ

(3)

، وَأَمَرَكُمْ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ مَثَلَ ذلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَأَمَرَكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ فَقَالَ أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ

(4)

. وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِراعاً حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذلِكَ الْعَبْدُ لَا يَحْرُزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى

(5)

. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ

(6)

وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ

(7)

فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبَقَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ

(1)

الشرف كغرف جمع شرفة كغرفة وهي الحلية التي على حائط المسجد.

(2)

لا يرضى أحد بهذا، كذلك لا ينبغي للعبد الذي خلقه ربه وأحاطه بنعمه ويمده بمدده دائما أن ينصرف إلى غيره وإلا كفر بربه وبنعمه عليه.

(3)

أي يقبل عليه في صلاته ما لم يلتفت.

(4)

أفديه أي أفدى عنقى بكل شيء فالزكاة والصدقة ينجيان من الهلاك كما يفدى الأسير نفسه بكل شيء، نسأل الله التوفيق آمين.

(5)

فكثرة الذكر تحفظ من الشرور ومن وساوس الشيطان.

(6)

أي للأمير، وقوله الهجرة هذا قبل فتح مكة كما سيأتي في الجهاد إن شاء الله.

(7)

والجماعة أي ولزوم جماعة المسلمين فإنه من فارقها قيد أي قدر شبر فقد نزع عروة الإسلام من عنقه حتى يعود.

ص: 324

فَإِنَّهُ مِنْ جُثَّا جَهَنَّمَ»

(1)

، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، قَالَ:«وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَالتَّوْفِيقَ آمِين.

عدد أحاديث كتاب الرؤيا ستون حديثاً فقط

(1)

ومن ادعى دعوى الجاهلية أي دعا إليها حمية وعصبية على حق أولا كقولهم لحادث شديد يا آل فلان، فإنه يكون من جثا جهنم جمع جثوة كغرف وغرفة ما يجمع فيها أو وقودها.

(2)

بسند صحيح.

ص: 325

‌كتاب الجهاد والغزوات

(1)

وفيه أبواب

‌الباب الأول في فضل الجهاد

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ} {عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ

(3)

أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ، قَالَ:«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاه»

(4)

قَالَ: «وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمنِ وَمِنْهُ تفجَّرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ البُخَارِيُّ هُنَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الجَنَّةِ.

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين

(1)

الجهاد: قتل الكفار لنصر الإسلام وإعلاء كلمة التوحيد، ويطلق على جهاد النفس والشيطان وهو أعظم الجهاد، والجهاد بالمعنى الأول فرض كفاية وقد يكون فرض عين إذا دخل الكفار بلادنا، وستأتي الغزوات إن شاء الله.

(2)

ومنه {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} .

(3)

حقًّا على الله: فضلا وكرما لا وجوبًا فإن الله لا يجب عليه شيء.

(4)

أراه بالضم: أي أظنه.

ص: 326

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَضَمَّنَ الَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يَخْرِجُهُ إِلا جِهَاداً فِي سَبِيلِي

(1)

وَإِيمَاناً بِي وَتَصْدِيقاً بِرُسُلِي فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ

(2)

فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ

(3)

تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَداً وَلكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلَا يَجِدُونَ سَعةً وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدَدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(4)

وَالبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَده لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ

(5)

فَأُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ فَأُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ». وَعَنْهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبيلِ اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ» ، فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً كُلُّ ذلِكَ يَقُولُ «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ» وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ

(6)

لَا يَفْتَرُ مِنْ صَلَاةٍ

(7)

وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبيلِ اللَّهِ».

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَابُ قَوْسٍ

(8)

فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ». وَقَالَ: «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ»

(9)

. رَوَاهُمَا الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ.

(1)

تضمّن أي تكفل الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه شيء إلا جهادا في سبيل الله، فجهادا مفعول له كإيمانا وتصديقا، وقوله على ضامن أي مضمون.

(2)

أي جرح يجرح.

(3)

ما تخلفت عن سرية - كعطية - أي جماعة تخرج للجهاد.

(4)

والترمذي والنسائي بعضه.

(5)

فيه تمنى القتل أربع مرات.

(6)

التالى لآيات الله.

(7)

لا يفتر من صلاة أي لا ينقطع عنها.

(8)

لقاب أي قدر قوس في الجنة خير مما في الدنيا لأنها فانية والآخرة باقية خالدة. فالقاب: القدر وقيل ما بين المقبض والطرف، والقوس من آلات الحرب.

(9)

الغدوة من أول النهار إلى الزوال. والروحة من الزوال إلى آخر النهار، وفي رواية:"الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها".

ص: 327

وَلِلْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: «وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ

لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا

(1)

ولَمَلأَتْهُ رِيحاً وَلَنصِيفُهَا

(2)

عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ» ، قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ

(3)

مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَلِلشَّيْخَيْنِ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةُ يُقَاتِلُ هذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ» .

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رضي بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَةُ» فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ:«وَأُخْرى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» ، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(4)

الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَلِأَبِي دَاوُدَ

(5)

: «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل

(6)

: رَجُلٌ خَرَجَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ

(7)

فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ

(8)

(1)

أي الجنة والأرض.

(2)

النصيف هنا الخمار على رأسها.

(3)

الشعب: الوادي بين جبلين، ويدع الناس من شره يمنعه عنهم.

(4)

إنما كان هذا للمجاهد لأنه ترك وطنه وأهله وماله وأحبابه وخرج غازيا في سبيل الله وعرض نفسه للقتل ابتغاء مرضاة الله تعالى.

(5)

بسند صالح.

(6)

أي مضمون على الله كعيشة راضية أي مرضية.

(7)

ذهب إليه لعبادة أو لتعلم علم أو تعليمه.

(8)

دخل بيته فسلم على من فيه كقوله تعالى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} أو بنية السلامة من الناس وأن يسلموا منه، ولأبي داود أيضا "قفلة كغزوة" أي أن أجر الغازي في انصرافه كأجره في ذهابه.

ص: 328

فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل».

وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ

(1)

تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلا تَمَّ أُجُورُهُمْ»

(2)

.

وَلِلْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيِّ والتِّرْمِذِيِّ: «مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ»

(3)

.

وَلِلتِّرْمِذِيِّ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ

(4)

وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَان جَهَنَّمَ».

وَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَدْرٍ: «وَمَا يُدْرِيكَ

(5)

لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». رَوَاهُ الثَّلَاثَةَ.

وَلِلشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ»

(6)

.

وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنِّسَائِيِّ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ»

(7)

.

وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ: «لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَداً» .

• عَنْ أُمِّ حَرَامٍ

(8)

رضي الله عنها قَالَتْ: أَتَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً فَقَالَ «عِنْدَنَا»

(9)

فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: «أُرِيتُ قَوْماً مِنْ أُمَّتِي

(1)

الغازية: جماعة من الجيش تغزو، والسرية كهدية: أربعمائة.

(2)

الإخفاق أن يغزوا فلا يغنموا شيئا، فأي جماعة غزت فسلت وغنمت فقد تعجلوا ثلثي الأجر فإن استشهدت فلها أجرها كاملا، وإن سلت فقط فلها ثلث الأجر إن شاء الله.

(3)

ولفظ الترمذي من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار.

(4)

وهذا مستحيل عادة فما علق عليه وهو تعذيب من بكى من خشية الله مستحيل.

(5)

خطاب لعمر رضي الله عنه لما قال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، لحاطب حينما كاتب المشركين، وسبق هذا في سورة الممتحنة.

(6)

كناية عن سرعة دخول الشهيد للجنة جعلنا الله منهم آمين.

(7)

أي نوع منه ولكن قال ابن المبارك رضي الله عنه: فنرى أن ذلك كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والجمهور على عمومه.

(8)

هي خالة أنس بن مالك من بني النجار أخوال عبد الله أبي النبي صلى الله عليه وسلم. وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيتا ينام فيه إلا عندها وعند أختها أم أنس لأنهم من أخواله رضي الله عن الجميع.

(9)

نام وقت القيلولة.

ص: 329

يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّة

(1)

، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: فإِنَّكِ مِنْهُمْ» ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ أَيْضاً وَهُوَ يَضْحَكُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ قَالَ فَتَزَوَّجَهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدُ

(2)

فَغَزَا بِهَا فِي الْبَحْرِ فَلَمَّا جَاءَتْ قُرِّبَتْ لَهَا بَغْلَةٌ فَرَكِبَتْهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَعَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَالْغَرِيقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ»

(4)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(5)

.

وَلِلْتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِي

(6)

: «مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فُوَاقَ نَاقَةٍ

(7)

وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».

وَلَهُمَا أَيْضاً

(8)

: «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ؟ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(9)

أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَتْلُوهُ؟ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِيهَا

(10)

أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النّاسِ؟ رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ»

(11)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ومُسْلِمٌ.

وَمَالَتْ نَفْسُ رَجُلٍ إِلَى الْعُزْلَةِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ

(1)

أي رأيت في نومى قوما من أمتي غزاة في سبيل الله يركبون هذا البحر كالملوك الجالسين على السرر لسعة حالهم وبسط الدنيا لهم؛ ففرح بهم النبي صلى الله عليه وسلم وضحك البقاء شعائر الدين قائمة بعده.

(2)

وفي رواية: وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فغزا بها في زمن معاوية فصرعت عن دابتها فماتت.

(3)

ففيه أن من كان مع الغزاة لخدمتهم أو خدمة دوابهم ومات يكون شهيدا.

(4)

المائد: الذي يدور رأسه من اضطراب البحر والسفينة فيقيء، له أجر الشهيد وإن لم يمت، والغريق وفي نسخة: والغرق له أجر شهيدين، ظاهره وإن لم يكن غازيا ولكن إذا كان سفره لطاعة كحج وطلب علم وصلة رحم وتجارة محتسبا.

(5)

بسند صالح.

(6)

بسند حسن.

(7)

قدر حلبها.

(8)

بسند صحيح.

(9)

يديم الجهاد إن تيسر له.

(10)

ويتلوه في الدرجة رجل اعتزل الناس في واد يرعى غنمه فيه ويؤدى فرائض الله عليه.

(11)

مع تيسر الإعطاء وإلا فلا.

ص: 330

مِنْ صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ سَبْعِينَ عَاماً. أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَيَدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ؟ أُغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(1)

.

‌الباب الثاني في الشهداء وفضلهم

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} {فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}

(2)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطِرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ»

(3)

. وَقَالَ «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ،

(1)

بسند حسن.

الفصل الثاني في الشهداء وفضلهم

(2)

قال مسروق: سألنا عبد الله عن هذا فقال: إنا سألنا فقيل لنا إن أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة أي مرة؛ فقال: هل تشتهون شيئًا؟ فقالوا: أي شيء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؛ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب تريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى؛ فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركهم، رواه مسلم والترمذي في التفسير وأبو داود ولفظه: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد، فقال الله تعالى "أنا أبلغهم عنكم" فأنزل الله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} الآيتين.

(3)

فلما أبعد الشوك عن طريق الناس لئلا يؤذيهم شكر الله له وأثنى عليه وقبل عمله وغفر له، فكيف بمن عمل للناس شيئًا ينتفعون به.

ص: 331

وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ

(1)

، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى». رَوَاهُ الشَّيْخَانَ والتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا تَعُدّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ:«إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ» . قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهيدٌ

(2)

، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهيدٌ

(3)

، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ»

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِلَى رَبَّنَا فِي الَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنَ الطَّاعُونِ، فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ: إِخْوَانُنَا قُتِلوا كَمَا قُتِلْنَا، وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ: إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا مِتْنَا، فَيَقُولُ رَبُّنَا: انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ وَمَعَهُمْ فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ»

(5)

.

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ فَذلِكَ الَّذِي يَرْفَعُ النَّاسُ أَعْيُنَهُمْ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هكَذَا» وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى وَقَعَتْ قَلَنْسُوَتُهُ، قَالَ: فَمَا أَدْرِي قَلَنسُوَةَ عُمَرَ أَمْ قَلَنْسُوَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، «وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَكَأَنَّمَا ضُرِبَ جِلْدُهُ بِشَوْكِ طَلْحٍ مِنَ الْجُبْنِ أَتَاهُ سَهْمُ غَرْبٍ

(6)

فَقتَلَهُ فَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الثَانِيَةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً

(1)

من وقعت عليه حائط ونحوها فمات، والمطعون والمبطون يأتي بيانهما.

(2)

كأن كان مع الغزاة يخدمهم برعى مواشيهم أو بسقي الماء أو بطهي الطعام ونحو ذلك.

(3)

بمرض بطنه أو عضو من أعضائه الباطنة.

(4)

وفي رواية: ومن ماتت في نفاسها، ومعنى شهيد أنه يشهده جمع عظيم من الملائكة في الموت وما بعده.

(5)

فيحشرون في زمرة الشهداء، وقد سبق في شرح كتاب العلم: إذا جاء الموت لطالب العلم وهو على هذه الحالة مات وهو شهيد، وفي رواية: من جاءه أجله وهو يطلب العلم لم يكن بينه وبين النبيين إلا درجة النبوة، فهذا صريح في أن أهل العلم شهداء، نسأل الله أن نكون منهم آمين.

(6)

سهم غرب بالإضافة والوصفية أي لا يدري من رماه.

ص: 332

لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ فَذلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ فَذلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ»

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ» .

وَلِلنَّسَائِيِّ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ كَيْفَ وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ خَيْرَ مَنْزِلٍ فَيَقُولُ: سَلْ وَتَمَنَّ، فَيَقُولُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ» . وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِي ذلِكَ»

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ»

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

(6)

.

(1)

فالتقيّ الذي يقاتل بكامل الشجاعة حتى يستشهد في أعلى درجة، والتقى الذي يقاتل ولكن بجبن وخوف حتى يستشهد في درجة ثانية، ومن خلط عملا صالحًا وآخر سيئًا وقاتل حتى استشهد فهو في درجة ثالثة، والمؤمن المرتكب الذي قاتل حتى استشهد في الدرجة الرابعة.

(2)

بسند حسن.

(3)

جملة يسره أن يرجع، خبر لما، والجملتان قبلها صفة لعبد.

(4)

فالقتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا حقوق العباد فلا بد من ردها أو مسامحة أصحابها في الدنيا وإلا أخذوها من حسناته في الآخرة إن كانت وإلا حطت عليه من سيئاتهم بقدرها؛ وقيل القتل في الغزو في البحر يكفر كل شيء.

(5)

فألم القتل على الشهيد سهل كألم القرصة.

(6)

بسند صحيح.

ص: 333

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ شَهِيدٌ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ

(1)

، وَعَبْدٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَجِبَ رَبُّنَا عز وجل

(3)

مِنْ رَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فَرَجَعَ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

.

• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ: قَطْرَةٍ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةِ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَمَّا الْأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ»

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَنَا إِنْ قُتِلْتُ؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ» . فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّبِيتِ

(7)

فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَمِلَ هذَا يَسِيراً وَأُجِرَ كَثِيراً»

(8)

.

وَقَالَ جَابِرٌ: جِيءَ بِأَبِي إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَذَهَبْتُ أَكْشِفُ وَجْهَهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقِيلَ ابْنَةُ عَمْروَ أَوْ أُخْتُ عَمْرو

(9)

فَقَالَ: «لِمَ تَبْكِي؟ أَوْ: لَا تَبْكِي مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ» . رَوَاهُمَا الشَّيخانِ.

(1)

عفيف عن الحرام ومتعفف عنه.

(2)

بسند حسن.

(3)

أي رضي عنه ورفع ذكره في الملأ الأعلى وأنزله رفيع المنازل.

(4)

بسند صالح.

(5)

الأثر المشي.

(6)

بسند حسن.

(7)

قبيل من الأنصار.

(8)

فيه شهادة له بالدرجة العظمى والمنزلة العليا على قتله في سبيل الله عقب إسلامه، ولفظ البخارى: جاء للنبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد (عليه سلاح الجهاد) فقال: يا رسول الله أقاتل وأسلم؟ قال: أسلم ثم قاتل؛ فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلا وأجر كثيرا.

(9)

هي أخت عبد الله عمة جابر رضي الله عنهم.

ص: 334

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ فِي الْجَنَّةِ؟

(1)

قَالَ: «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ

(2)

، وَالْوَئِيدُ فِي الْجَنَّةِ»

(3)

.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

.

‌الشهيد يشفع في خلق كثير

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ»

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

، وَلَفْظُهُ: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ، يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ

(7)

وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ

(8)

وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ». وَلِابْنِ مَاجَهْ «يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ العلَمَاءُ، ثُمَّ الشُّهَدَاءُ»

(9)

. نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ.

(1)

أي من مقطوع له بالجنة وإلا فأهلها كثيرون.

(2)

السقط والطفل ومن مات قبل بلوغه.

(3)

الموءود: الذي دفن حيًا وكان ذلك في الجاهلية، قال تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} .

(4)

بسند صالح. نسأل الله صلاح الحال في الحال والمال آمين.

الشهيد يشفع في خلق كثير

(5)

يأذن الله الشهيد فيشفع لكثير من أقاربه كأصوله وفروعه وحواشيه وزوجاته فيدخلون الجنة إن شاء الله.

(6)

بسند صحيح.

(7)

أي مع من يغفر لهم أولا أو في أول دفعة تسيل من دمه.

(8)

المراد ويعطى من الحور كثيرا وإلا فأقل أهل الجنة له سبعون حورية وزوجتان من نساء الدنيا.

(9)

فالأنبياء في الدرجة الأولى، ثم العلماء العاملون في الدرجة الثانية، ثم الشهداء في سبيل الله تعالى نسأل الله أن نكون منهم آمين.

ص: 335

‌فضل المرابط والحارس في سبيل الله

(1)

• عَنْ سَهْلِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ أَوْ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَنَمَا لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

(4)

. وَلَهُمَا

(5)

«رِبَاطُ يَوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ» .

• عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ الْمَيْتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ

(6)

إِلا الْمُرَابِطِ فَإِنَّهُ يَنْمُوَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فُتَّانِ الْقَبْرِ»

(7)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ

(8)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ

(9)

. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فضل المرابط والحارس في سبيل الله

(1)

المرابط هو الملازم للثغر ليحرس المسلمين من هجوم الكفار.

(2)

لفظ الترمذي وما فيها.

(3)

بسند حسن.

(4)

زاد وبقى جاريا إلى يوم القيامة.

(5)

بسند صحيح.

(6)

لفظ الترمذي: كل ميت وهي أحسن لإفادة العموم، فكل شخص يموت ينقطع عمله إلا المرابط فإن أجره يبقى دائما ناميًا، ومثله كل من عمل الناس عملا ينتفعون به كمعلم ووقف عقار أو أرض لاستغلالها، وسبق هذا في كتاب العلم وافيا.

(7)

فتان جمع فاتن ككفار وكافر، ولفظ الترمذى: ويأمن من فتنة القبر وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المجاهد من جاهد نفسه.

(8)

بسند صحيح.

(9)

بسند حسن. نسأل الله حسن الحال آمين.

ص: 336

‌فضل الإنفاق في سبيل الله تعالى

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابِ أَيْ فلَ هَلُمَّ»

(2)

. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَاكَ الَّذِي لَا تَوَى عَلَيْهِ

(3)

. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.

وَجَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ فَقَالَ: هذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمائَةِ نَاقَةٍ كُلُّها مَخْطُومَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: «الْغَزْوُ غَزْوَانِ فَأَمَّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ اللَّهِ وَأَطَاعَ الْإِمَامَ وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ

(4)

وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ

(5)

وَاجْتَنَبَ الْفَسَادَ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْههُ

(6)

أَجْرٌ كُلُّهُ، وَأَمَّا مَنْ غَزَا فَخْراً ورِيَاءً وَسُمْعَةً وَعَصَى الْإِمَامَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْكَفَافِ»

(7)

.

وَللِتِّرْمِذِيِّ

(8)

وَالنَّسَائِيِّ: «مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِمَائَةِ ضِعْفٍ» .

وَلِلتِّرْمِذِيِّ

(9)

: «أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(10)

، وَمَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(11)

أَوْ طَرُوقَهُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

(12)

. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ آمِين.

فضل الإنفاق في سبيل الله تعالى

(1)

فالنفقة في سبيل الله بسبعمائة وربما أعطى أكثر من هذا على قدر إخلاصه.

(2)

يا فلان تعال فادخل من هنا، وهذا زيادة تكريم له وإلا فالدخول لا يكون إلا من باب واحد.

(3)

لا بأس عليه وسبق هذا في الزكاة.

(4)

المختارة من ماله.

(5)

ساهل رفيقه وعامله باليسر.

(6)

نبهه: انتباهه.

(7)

بل يرجع بالإثم.

(8)

بسند حسن.

(9)

بسند صحيح.

(10)

كتقديم خيمة للمجاهدين.

(11)

كتقديم عبده أو خادمه لخدمة المجاهدين.

(12)

هي ما استحقت أن يطرقها الفحل من دواب الجهاد الإبل والبغال والحمير لزيادة قوتها.

ص: 337

‌فضل إعانة الغازي

• عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا»

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنِّي أُبْدِعَ بِي فاحْمِلْنِي»

(2)

، فَقَالَ: مَا عِنْدِي، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ:«مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» . رَوَاهُ الْأَرْبَعةُ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً إِلَى بَنِي لِحْيَانَ لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ

(3)

، ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ:«أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنهعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ

(4)

، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ

(5)

إِلا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذَ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ فَمَا ظَنُّكُمْ»

(6)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

فضل إعانة الغازي

(1)

فمن جهز غازيًا أي قدم له الأمور اللازمة للجهاد فكأنه غزا في سبيل الله تعالى، كمن يخلف الغازي أي يقوم بتدبير أموره حتى يعود، والمماثلة في أصل الأجر لا في قدره لحديث أبي سعيد الآتي.

(2)

أبدع بي أي هلكت دابتي فاحملني أي أعطني راحلة أركبها، وفي رواية: إن فتى من أسلم قال يا رسول الله: إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز به، قال: ائت فلانًا فإنه كان قد تجهز فمرض؛ فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول أعطني الذي تجهزت به، قال: يا فلانة أعطيه جهازى ولا تحبسي عنه شيئًا فوالله لا يبارك الله فيه، فأعطته.

(3)

فيه أن الجهاد فرض كفاية.

(4)

مبالغة في احترامهن.

(5)

بتقصيره في الواجب لهن أو بتعرضه لعرضهن.

(6)

أي لا يبقى من حسناته شيئًا، نسأل الله التوفيق آمين.

ص: 338

‌الباب الثالث في نية الجهاد وحكمه

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ

(1)

وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ

(2)

وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ

(3)

. فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ

(4)

بَلَغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ

(5)

.

وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ فَقَالَ: «لَا شَيْءَ لَهُ» . فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ: «لَا شَيْءَ لَهُ. إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصاً وابْتُغِيَ بِهه وَجْهُهُ»

(6)

. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

‌لا ثواب للأجير على الجهاد

• عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمُ الْأَمْصَارُ وَسَتَكُونَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ يُقْطَعُ عَلَيْكُمْ فِيهَا بُعُوثٌ فَيَكْرَهُ الرَّجُلُ مِنْكُمُ الْبَعْثَ فِيهَا فَيَتَخَلَّصُ مِنْ قَوْمِهِ ثُمَّ يَتَصَّفَحُ الْقَبَائِلَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ: مَنْ أَكْفِهِ بَعْثَ كَذَا، مَنْ أَكْفِهِ بَعْثَ كَذَا، وَذلِكَ الْأَجِيرُ إِلَى آخِرِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ»

(7)

.

الباب الثالث في نية الجهاد وحكمه

(1)

لأجل الغنيمة.

(2)

ليرتفع ذكره في الناس.

(3)

أي ليشتهر بالشجاعة.

(4)

أي تمناها من صميم قلبه.

(5)

وللترمذي: من سأل الله القتل في سبيله صادقا من قلبه أعطاه الله أجر الشهادة.

(6)

فلا ينال درجة الشهادة إلا من قاتل لإعلاء كلمة الله وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان قتاله خالصًا لله تعالى.

لا ثواب للأجير على الجهاد

(7)

سينتشر الإسلام شرقا وغربا ويضطر الأمير إلى جمع الجنود للجهاد وحفظ الثغور وسيعمل على =

ص: 339

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِلْغَازِي أَجْرُهُ وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجرُ الْغَازِي»

(1)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ رضي الله عنهما: يُقْسَمُ لِلْأَجِيرِ مِنَ الْمَغْنَمِ

(3)

، وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْس فَرَساً عَلَى النِّصْفِ فَبَلَغَ سَهْمُ الْفَرَسِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ فَأَخَذَ مِائَتَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِائَتَيْنِ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَجِيرِ.

‌الجهاد فرض كفاية

(5)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً}

(6)

{وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} .

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}

(7)

. {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ}

(8)

نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي

= كل بلد بعثا أي عددا معلوما بنسبتهم فيفر بعض الناس من قومه كراهة في الجهاد بلا أجرة ويعرض نفسه على قوم آخرين بالأجرة، فهذا ليس بشهيد وإن قتل في الجهاد، ومثله الموظفون كالضباط والجنود الذين يؤتى بهم من الأقاليم على نفقة الحكومة، فهؤلاء ليسوا بشهداء وإن قتلوا في الجهاد لأنهم يتقاضون أجرا وعلى نفقة الحكومة وإن كان لهم أجر السمع والطاعة للأمير.

(1)

فللغازي أجر واحد، وللمجهز أجران، وقيل للمؤجر على الغزو أجران: أجر ما بذل وأجر الغزو لأنه سبب فيه فتكون الإجارة على الغزو صحيحة، وعلى هذا جماعة، وقال آخرون ومنهم الشافعي: لا تجوز لأن الجهاد فرض عليه، والمراد بالجاعل المجهز.

(2)

بسندين صالحين.

(3)

فالأجير يسهم له إذا شهد الموقعة.

(4)

صاحبه أي الفرس مائتين من الدنانير فمن غزا على الفرس أخذ نصف الدنانير وصاحب الفرس أخذ النصف الآخر والله أعلم.

الجهاد فرض كفاية

(5)

أي إذا قام به فريق من الرجال الأحرار الأقوياء كفي، وسقط الطلب عن باقي الأمة كشأن كل فرض كفاية.

(6)

اخرجوا للجهاد نشاطا وغير نشاط وأقوياء وضعفاء وأغنياء وفقراء.

(7)

تمامها {ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئًا والله على كل شيء قدير} .

(8)

تمامها "ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطأ يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين".

ص: 340

بَعْدَهَا. {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً}

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ

(4)

خَلْفَ كَلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ. وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ

(5)

بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِراً وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ».

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

(6)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وأَبُو داوُدَ، وَزَادَ: «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ

(7)

حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ». وَلِمُسْلِمِ: «لَنْ يَبْرَحَ هذَا الدِّينُ قَائِماً يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»

(8)

.

(1)

الظاهر نسختهما الآية التي بعدها كما نسخت الآية الأولى، فلما كانت الآيات الثلاث توجب على كل مسلم الخروج للجهاد وهذا يشق على المسلمين لضياع معايشهم نسخها الله وخفف عنهم بقوله تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} جميعا (فلولا) هلا (نفر من كل فرقة) قبيلة (منهم طائفة) جماعة ومكث الباقون (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) من الغزو (لعلهم يحذرون) عقاب الله بامتثال أمره ونهيه فثبت بهذا أن الجهاد فرض كفاية.

(2)

بسند صالح.

(3)

لا هجرة بعد الفتح أي لا هجرة واجبة عليكم بعد الفتح أو لا هجرة من مكة لأنها صارت بلد إسلام فبعد فتحها لم يبق للهجرة ثواب عظيم لأنها صارت غير واجبة، ولكن بقي الثواب العظيم في الجهاد مع النية الصالحة، وإذا طلبكم الأمير للجهاد فاخرجوا لأن طاعته فرض.

(4)

على سبيل الكفاية.

(5)

صلاة الجنازة.

(6)

على الحق أي لأجله وهو الدين وهذه الطائفة هم أهل العلم عند البخاري، وقال أحمد: هم أهل الحديث وأتباعهم، وقال النووي: هي طائفة متفرقة في أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، ومنهم وعاظ، وأنواع أخرى تعمل في مصلحة الأمة، وهؤلاء مجتمعون أو متفرقون في أقطار الأرض كأن المراد طائفة تعمل لخير الدين وأهله، وفيه دليل على أن الإجماع حجة.

(7)

أي عاداهم حتى ينزل المسيح عليه السلام.

(8)

وفي رواية: لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهو الريح التي تهب من قبل اليمن فتأخذ =

ص: 341

‌لا حرج على المعذور

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ} .

(1)

• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي

(2)

ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ

(3)

فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ}

(4)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: «إِنَّ أَقْوَاماً بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلَا وَادِياً إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ»

(5)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَلَكَ وَالِدَانِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»

(6)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ لِيُجَاهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟» قَالَ:

= روح كل مؤمن ومؤمنة، وفي رواية: لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة، قال ابن المديني: أهل الغرب هم العرب لأن الغرب هو الدلو الكبير المشهور عند العرب، وفيه بشارة ببقاء الدين في جزيرة العرب إلى الساعة كما سبق في فضل المدينة في كتاب الحج "آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة" صلى الله على ساكنها وسلم.

لا حرج على المعذور

(1)

فالضعيف كالكبير؛ والمريض والفقير الذي لا يجد أدوات الجهاد لا ذنب عليهم في التخلف عن الجهاد بل لهم من أجر الجهاد إذا تمنوه ونصحوا الله ورسوله بعدم التثبيط عن الخروج.

(2)

وكانت خذ النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي فثقلت عليها من ثقل الوحي حتى خفت أن ترض فخذي أي تدق.

(3)

كشف عنه.

(4)

إلا المعذور.

(5)

فلما تخلفوا العذر ولكنهم يتمنون الجهاد أعطوا أجره على نيتهم.

(6)

أي جاهد في خدمتهما ولعله لم يكن لهما سواه.

ص: 342

أَبَوَايَ، فَقَالَ:«إِذِنَا لَكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«ارْجِعْ إِليْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلا فَبرَّهُمَا»

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

‌المبايعة على الجهاد

(2)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ نُبَايِعِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَوْتِ إِنَّمَا بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ.

وَسُئِلَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ صلى الله عليه وسلم: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ مُجَاشِعِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

(4)

أَنَا وَأَخِي، فَقُلْتُ: بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ:«مَضَتِ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا» ، قُلْتُ: عَلَامَ تُبَايِعُنَا؟ قَالَ: «عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ»

(5)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

‌تغزو النساء مع الرجال

(6)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ

(1)

هذا إذا كان جهاده تطوعا وإن كان فرضا عليه فلا حاجة لإذنهما إلا إذا لم يكن لها عائل سواه، وللنسائى: جاء جاهمة السلمي للنبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في الغزو؛ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. والله أعلم.

المبايعة على الجهاد

(2)

فالمبايعة عند إرادة الجهاد مستحبة لزيادة الثقة بينهم والطمأنينة فيقوي عزمهم.

(3)

وقال: كلا الحديثين صحيح قد بايعه قوم على ألا يفروا وبايعه آخرون على الموت كما بايعوه على الإسلام أو الهجرة في الحديث الآتي، وفي رواية: بايعوه على السمع والطاعة وألا ينازعوا الأمر أهله، والمراد من هذه الروايات أنهم تحت أمر النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت وعلى أي حال ولو داهمهم الموت.

(4)

بعد فتح مكة.

(5)

وزاد مسلم: والخير، وقد سبقت المبايعة في هذا الكتاب مرتين مرة في كتاب الإيمان ومرة في كتاب الإمارة والقضاء والله أعلم.

تغزو النساء مع الرجال

(6)

فإذا دعت إليهن الحاجة جاز خروجهن للجهاد.

ص: 343

بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا

(1)

تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ

(2)

ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا ثمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَعَهُ فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَسْقِي الْقَوْم

(3)

وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلَفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ فَأَصْنَعُ لَهمُ الطَّعَامَ وَأُدَاوي الْجَرْحَى وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌الهجرة إلى بلاد الإسلام مستحبة

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}

(5)

{وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}

(6)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ

(1)

الخلاخل في سوقهما، وسمي الخلخال خدمة بفتحتين لأنه ربما كان من سيور مركب فيها ذهب وفضة، والخدمة في الأصل: السير، والمخدم: موضع الخلخال من الساق.

(2)

تنقلان وفي نسخة تنقزان أي تقفزان لسرعة السير بالقرب المملوءة على ظهورهما لتسقيا الغزاة.

(3)

أي المجاهدين.

(4)

أخلفهم في رحالهم: أقوم مقامهم فيها وأعمل اللازم فأصنع الطعام وأداوي الجرحى وأقوم بخدمة المرضى، ففيه جواز خروج النسوة للجهاد مع الرجال وعمل ما يمكنهن عمله مساعدة للرجال، والله أعلم.

الهجرة إلى بلاد الإسلام مستحبة

(5)

مهاجرا كثيرا وسعة في الرزق.

(6)

فهذه الآية وإن نزلت في جندع بن ضمرة الليثي ولكنها عامة في كل من يترك بلاد الكفر ويهاجر إلى بلاد الإسلام ليكثر سوادهم ويجاهد معهم ويحضر جماعتهم ويتعلم من شرعهم ويتدين بأخلاقهم.

ص: 344

كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ

(2)

.

• عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهجْرَةُ حَتّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»

(3)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ

(4)

فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ

(5)

، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ

(6)

وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»

(7)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(8)

.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ:«ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا»

(9)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

(1)

نزل هذا الحديث في رجل من المسلمين كان يحب أم قيس وكانت ذات جمال ومال خطبها فرضيت بشرط أن يهاجر معها، فلما هاجرت أم قيس مع السابقين الأولين مرضاة الله ولرسوله هاجر تبعًا لها ورغبة في زواجه بها وأظهر أن هجرته لله ولرسوله فرد الحديث عليه بقوله "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى" فلا أجر على عمل إلا مع النية الصالحة وسبق الكلام على الحديث واسعًا في كتاب النية والإخلاص.

(2)

ولفظه لمسلم.

(3)

فالهجرة باقية إلى طلوع الشمس من مغربها، ولا ينافي ما سبق: لا هجرة بعد الفتح. فإن الذي انقطع هو الهجرة من مكة، أو فرض الهجرة، وأما ندبها فباق.

(4)

الثانية هي الهجرة للشام المباركة بالأنهار والثمار.

(5)

مكان هجرته وهو القدس الشريف لأنه الحرم الثالث. عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودًا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق، فقلت: يا رسول الله خر لي إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده وإن الله توكل لي بالشام وأهله، رواه أبو داود أطول من هذا.

(6)

أي ذاته.

(7)

تجمعهم وتسوقهم النار إلى البهائم وفيها قردة وخنازير.

(8)

بسندين صالحين.

(9)

يقال فيه كما قيل فيمن جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فلا تجوز الهجرة إلا بإذن الوالدين.

ص: 345

وَلِأَبِي دَاوُدَ

(1)

: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ»

(2)

.

وَلِلنَّسَائِيِّ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ»

(3)

وَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمَ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ

(4)

وَقَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَجَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ فَجَاءَ سَيَّدُهُ فَطَلَبَهُ فَاشْتَراهُ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ وَلَمْ يُبَايِعْ أَحَداً بَعْدُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبدٌ هُوَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي السِّيَرِ.

وَدَخَلَ سَلَمَةَ بْنُ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ

(5)

تَعَرَّبْتَ، قَالَ: لَا وَلكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌الباب الرابع في السفر والدواب وآلات الجهاد

• عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

(1)

في آخر كتاب الجهاد.

(2)

مبالغة في الفرار من بين المشركين ليخلص من شرهم فإن الإنسان يتطبع من طبع صاحبه وجاره ولا يشعر، كما قيل الطبع سراق.

(3)

فإنهم لا أمان لهم فكيف يركن إليهم ويجاورهم.

(4)

بنصف الدية لأنهم تسببوا في قتلهم بإقامتهم مع الكفار.

(5)

أي هل رجعت إلى الخلف لأنك تعربت وصيرت نفسك كالأعزاب بسكنك في البادية، قال: لم أرجع عن ديني وحالي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه أذن لي في البدو أي الإقامة فيه.

{فائدة} : ينبغي الخروج من المدن من حين لآخر إلى ضواحيها والرياض الخضراء ومجاري الماء، انتجاعا للراحة وطلبًا للهواء النقي، ورغبة في المناظر الطبيعية والخضرة والزهور فإنه يسترد صحته ويستزيد قوة في عقله وفكره، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن البداوة (الخروج للبدو) فقالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع) جمع تلعة وهي ما ارتفع من الأرض وما انحدر منها، والمراد مجاري الماء، فكان يجلس عليها وينظر إلى الماء والزرع والخضرة، رواه أبو داود ولمسلم معناه.

الباب الرابع في السفر والدواب وآلات الجهاد

(6)

لأنه يوم مبارك تقضي فيه الحوائج وترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى.

ص: 346

• عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكورِهَا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(1)

.

وَلِأَبِي دَاوُدَ

(2)

: «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ»

(3)

.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(4)

: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ»

(5)

.

• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تَسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُو»

(6)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

وَقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا

(7)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ

(8)

. فَإِذَا قَضَى أَحَدُكمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ»

(9)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلَا يَأْتِيَنَّ

(1)

بسند حسن.

(2)

بسند صالح.

(3)

فالسير بالليل أسهل وأسرع ولا سيما في فصل الصيف.

(4)

بسند صحيح.

(5)

فيكره للشخص أن يسافر وحده أو مع واحد بل لا بد أن يكونوا ثلاثة فأكثر فإنهم أقوى على دفع الضرر وعلى التعاون بينهم، وهذا في سفر مخيف كالسفر في الجبال والصحاري، بخلاف الطرق الآهلة، وينبغي أن يؤمروا واحدا منهم فإنه أدعى للألفة لحديث أبي داود: إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم.

(6)

فيكره السفر بالمصحف إلى أرض الكفار لئلا يهان ككتب المعلم الشرعي، ويكره بيعهما للكفار لهذا إلا إذا علم احترام بعضهم لذلك كالمستشرقين فلا، فإننا نسمع بإسلام بعضهم من آن لآخر.

(7)

فكانوا في سفرهم إذا صعدوا اشتغلوا بالتكبير وإذا انحدروا سبحوا.

(8)

سئل ابن الجوزى عن السفر فقال: لأن فيه فراق الأوطان والأحباب.

(9)

نهمته أي حاجته.

ص: 347

أَهْلَهُ طُرُوقاً

(1)

حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةَ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ»

(2)

. وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلاً وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً

(3)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.

‌توديع الغزاة واستقبالهم

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطْمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْجَيْشَ قَالَ: «أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكَمْ»

(4)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(5)

.

وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه لاِبْنِ جَعْفَرٍ: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: نَعَمْ فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ

(6)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ رضي الله عنه: ذَهَبْنَا نَتَلَقَّى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ

(7)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌فضل الخيل وصفاتها

(8)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}

(9)

{وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

(1)

على غفلة.

(2)

حتى تتنظف الزوجة لزوجها.

(3)

سبق هذا في كتاب النكاح.

توديع الغزاة واستقبالهم

(4)

أستودع الله دينكم أي أطلب منه حفظ دينكم، وأمانتكم: ما تركه المسافر من ولد وأهل ومال.

(5)

بسند صحيح.

(6)

فجعل ابن جعفر وابن عباس أحدهما أمامه والآخر خلفه وترك ابن الزبير شفقة على الدابة.

(7)

هي عقبة بطريق المدينة نحو الشام كانوا يودعون المسافر إليها ويستقبلونه عندها فيستحب توديع المسافر وكذا استقباله إيناسًا وتشجيعا له وإدخالا للسرور عليه، وستأتي في كتاب الذكر أدعية التوديع والسفر إن شاء الله تعالى.

فضل الخيل وصفاتها

(8)

ذكر ما ورد في الخيل وبيان صفاتها المحمودة.

(9)

{وأعدوا لهم} لقتال الكفار {ما استطعتم من قوة} هي الرمي بالسهام {ومن رباط الخيل} المدربة على السبق والكر والفر {ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم} من غيرهم كالمنافقين واليهود {لا تعلمونهم الله يعلمهم} .

ص: 348

• عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ»

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(2)

إِيمَاناً بِاللَّهِ وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِهِ فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ

(3)

وَرَوْثهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ والنَّسَائِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْلُ ثَلاثَةُ

(4)

هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْراً وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ

(5)

، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ

(6)

، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ

(7)

فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذلِكَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلا كُتِبَ لَهُ عَدَدُ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ

(8)

وَكُتِبَ لَهُ عَدَدُ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا سَنَاتٌ، وَلَا تَقْطَعُ طِوَلَهَا

(9)

فَاسْتَنَّتْ شَرَفاً أَوْ شَرَفَيْنِ

(10)

إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ

(11)

وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيهَا إِلا كَتَبَ اللَّهَ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ»

(12)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا أَبَا دَاوُدَ

(13)

.

(1)

الأجر في إعدادها للجهاد، والغنيمة من الجهاد عليها ومن نتاجها، وهما بيان للخير، ولأبي داود "لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها فإن أذنابها مذابها ومعارفها دفاؤها ونواصيها معقود فيها الخير".

(2)

لأجل الجهاد عليه حال كونه مؤمنًا بالله ومصدقا بوعده بالأجر العظيم.

(3)

مأكوله ومشروبه.

(4)

بالنسبة لنية أصحابها وأعمالهم.

(5)

نواء أي عداء.

(6)

والتي اقتناها محتسبًا وراعي مالها من علف وغيره واكتسب من ركوبه عليها ومن نتاجها فهي معاشه وستره.

(7)

للجهاد عليها.

(8)

المرج: الأرض الواسعة ذات النبات الكثير، والروضة: الأرض ذات الزهور.

(9)

حبلها.

(10)

عدت شوطا أو شوطين.

(11)

آثارها. خطواتها.

(12)

وأولى وأعظم إذا أراد أو تكلف سقيها.

(13)

ولفظه لمسلم في الزكاة وما يأتي في بيان صفاتها الممدوحة.

ص: 349

• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ الشِّكَالَ مِنَ الْخَيْلِ

(1)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُمْنُ الْخَيْلِ فِي شُقْرِهَا»

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنْ أَبِي وَهْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِكُلِّ كُمَيْتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ أَوْ أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ أَوْ أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ»

(4)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الْخَيْلِ الْأَدْهَمُ الْأَقْرَحُ الْأَرْثَمُ ثُمَّ الْأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ طَلْقُ الْيَمِينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمُ فَكُمَيْتٌ عَلَى هذِهِ الشِّيَةِ»

(5)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(6)

.

وَلِلنَّسائِيِّ: «مَا مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيَ إِلا يُؤْذَنُ لَهُ عِنْدَ كلِّ سَحَرٍ بِدَعْوَتَيْنِ

(7)

اللَّهُمَّ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي

(8)

مِنْ بَنِي آدَمَ وَجَعَلْتَنِي لَهُ فَاجْعَلْنِي أَحَبَّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ أَوْ مِنْ أَحَبِّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ». نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضى.

‌لا تحمل الحمر على الخيل

(9)

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةٌ فَرَكِبَهَا فَقَالَ عَلَيٌّ: لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ

(1)

قال أبو داود: الشكال أن يكون في اليد اليمني والرجل اليسرى بياض أو بالعكس.

(2)

شقر جمع أشقر كحمر وأحمر وزنًا ومعنى ذلك لخاصة فيها دون غيرها، وكذا يقال فيما يأتي.

(3)

بسند حسن.

(4)

الكميت مصغرا: ما في لونه سواد وحمرة، والأغر: ما في جبهته بياض، والمحجل: أبيض القوائم، والأشقر: الأحمر، والأدهم: الأسود من الدهمة وهي السواد.

(5)

الأقرح: ما بوجهه قرحة دون الغرة، والأرثم من الرثم - كعبد - ما بشفته العليا بياض، وطلق اليمين: ما ليس بها بياض مع وجوده في بقية القوائم، على هذه الشية - كعنب - أي الصفة، فهذه صفات الخيل الحسنة وقد عنى بها بعض أهل العلم ولا سيما صاحب القاموس المحيط.

(6)

بسند صحيح.

(7)

لعل المراد بالدعوتين كلتان: الأولى إلى له؛ والثانية إلى آخره.

(8)

منحتني من شئت من عبادك والله أعلم.

لا تحمل الحمر على الخيل

(9)

لنكاحها، يقال فيه لذي الحافر والظلف والسباع نزا الذكر على الأنثى نزاء ونزوا، وأنزاه ونزاه حمله عليه.

ص: 350

عَلَى الْخَيْلِ فَكَانَتْ لَنَا مِثْلُ هذِهِ

(1)

، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا يَفْعَلُ ذلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»

(2)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(3)

.

‌التحريش بين البهائم وضربها في وجهها ولعنها حرام

(4)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَمُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ

(7)

، فَقَالَ:«أَمَا بَلَغَكُمْ أَنِّي لَعَنْتُ مَنْ وَسَمَ الْبَهِيمَةَ فِي وَجْهِهَا أَوْ ضَرَبَهَا فِي وَجْهِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَسَمِعَ لَعْنَةً فَقَالَ: «مَا هذِهِ؟» قَالُوا: هذِهِ فُلَانَةُ لَعَنَتْ رَاحِلَتَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ضَعُوا عَنْهَا

(8)

فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ» فَوَضَعُوا عَنْهَا. قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا نَاقَةً وَرْقَاءَ

(9)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ، وَلَفْظُهُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا تَمْشِي فِي النَّاسِ ما يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ

(10)

.

(1)

أي البغلة فإن البغل ما تولد من فرس وحمار.

(2)

المصلحة العامة، فيكره حمل الحمار على نزو الفرس لتأتي ببغل فإن هذا يقلل الخيل مع أن منافعها أكثر من البغال والحمير.

(3)

ورواه الترمذي بلفظ آخر بسند صحيح.

التحريش بين البهائم وضربها في وجهها ولعنها حرام

(4)

التحريش: هو إغراء الحيوان وتهييج بعضه على بعض كما يفعله بعض الناس مع الكباش والديوك والكلاب وبعض الطيور.

(5)

نهي تحريم لأنه إضرار بدون فائدة.

(6)

بسند صالح.

(7)

الوسم: الكي بالنار، وهو في وجه الحيوان حرام كضربه في وجهه إلا إذا صال فيضرب حيث كان، ولكن يجوز الوسم في غير الوجه للتعريف كما سبق مع ضرب الوجه في كتاب اللباس.

(8)

أنزلوا رحلها عنها فإنها ملعونة أي استجيبت فيها الدعوة فلا يركبها أحد؛ أو قال هذا عقوبة لصاحبتها لئلا تعود للعن فإنه حرام، وفي رواية: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة.

(9)

في لونها سواد.

(10)

لا لأخذها ولا لركوبها كراهة فيما لعن.

ص: 351

‌لا يجوز الوتر والجرس

(1)

• عَنْ أَبِي بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَأَرْسَلَ رَسُولاً إِلَى النَّاسِ وَهُمْ فِي مَبِيتِهِمْ لَا تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلا قُطِعَتْ

(2)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلَا جَرَسٌ»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

‌يجوز تسمية الدواب

(4)

• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ مُعَاذٌ رضي الله عنه كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(6)

عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ

(7)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أنس رضي الله عنه قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بالْمَدِينَةِ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَساً لَنَا يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَقَالَ: «مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرَا»

(8)

. رَوَاهُ الْبُخَارِي وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَدْ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: نَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ

(9)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسَمِّي الْأُنْثَى مِنَ الْخَيْلِ فَرَساً

(10)

.

لا يجوز الوتر والجرس

(1)

الوتر: ما يشد بالقوس؛ والجرس: ما له صلصلة.

(2)

كانوا يقلدون الإبل بالأوتار خشية العين فأمرهم بقطعها لأنها لا ترد شيئًا أو ربما علقت بالأشجار فتخنق الإبل.

(3)

إلا إذا كان الكلب للحراسة أو للصيد وسبق الكلام على ذلك في الزروع وفي اللباس.

يجوز تسمية الدواب

(4)

ليتميز بعضها عن بعض.

(5)

اللحيف بالتصغير، وضبط اللحيف كرغيف لطول ذنبه كأنه يلحف به الأرض.

(6)

راكبًا خلفه.

(7)

بالتصغير من العفرة وهي حمرة يخالطها بياض.

(8)

واسع الخطأ: سريع السير وكان قبل هذا بطيئًا وسبق هذا في النبوة.

(9)

وكان له أخرى تسمى القصواء.

(10)

والجمع أفراس، الذكر والأنثى سواء، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرون فرسا لكل منها اسم يميزه عن غيره، منها اللزاز ومنها الميمون، وكان له بغلة تسمى دلدل. والله أعلم.

ص: 352

‌تجب مراعاة الدواب

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ

(2)

فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ

(3)

فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ»

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ

(5)

قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً»

(6)

.

وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَائِطاً لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ

(7)

فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ

(8)

فَسَكَت فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هذَا الْجَمَلُ؟» فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِيَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ»

(9)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(10)

.

تجب مراعاة الدواب

(1)

فالله تعالى خلق لكم الخيل والبغال والحمير لتركبوها وللزينة وكذا للحمل والنفع بالنسل وأكل لحوم الخيل وغير هذا مما يعلمه الله تعالى، كما خلق للركوب والزينة أيضا ما بهر العالم كالسكك الحديدية والمراكب البخارية والطائرات الهوائية فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.

(2)

في زمن كثرة المرعى.

(3)

الجدب وعدم النبات.

(4)

إذا وضعتم رحالكم ليلا أو نهارًا فاجتنبوا الطريق.

(5)

شديد الهزال.

(6)

المعجمة التي لا تنطق بحاجتها، فاركبوها صالحة أي قوية وكلوها صالحة سمينة.

(7)

الحائط: البستان، ذرفت عيناه: بكى.

(8)

ذفراه: مؤخر رأسه أو أصل ذنبه.

(9)

تتعبه بكثرة العمل، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البستان ورآه الجمل بكى فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه واستدعى صاحبه فلما حضر قال له: اتق الله في هذا الحيوان الأعجم فإنه شكا لي من الجوع وكثرة التشغيل.

(10)

بسندين صالحين.

ص: 353

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْباً فِي يَوْمٍ حَارَ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسانَهُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ.

‌آداب الركوب

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ}

(2)

{ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}

(3)

{وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}

(4)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي جَاءَ رَجُلٌ وَمَعَهُ حِمَارٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ مِنِّي إِلا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي» قَالَ: فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ لَكَ فَرَكِبَ»

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

. وَلِأَبِي دَاوُدَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَلالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا

(7)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتُقْبِلَ مِنْ سَفَرٍ اسْتُقْبِلَ بِنَا فَأَيُّنَا اسْتُقْبِلَ أَوَّلاً جَعَلَهُ أَمَامَهُ فَاسْتُقْبِلَ بِي فَجَعَلَنِي أَمَامَهُ ثُمَّ اسْتُقْبِلَ بِحَسَن أَوْ حُسَيْنٍ فَجَعَلَهُ خَلْفَهُ فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَإِنَّا لَكَذِلِكَ

(8)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.

(1)

فامرأة بغى أي زانية من بنى إسرائيل رأت في الحر الشديد كلبًا يطوف حول بئر من شدة العطش فنزعت بموقها أي خفها ماء فسقته فغفر الله لها بسبب رحمتها لهذا الكلب، والمراد الحث على الرفق بالحيوان ومراعاة ما يلزم له من علف وسقى ونحوها فإنه مسئول عنه كما تقدم: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والله أعلم.

آداب الركوب

(2)

ما تركبونه.

(3)

أي مطيقين فينبغي لكل من ركب شيئًا أن يقرأ هذه الآية.

(4)

لعائدون إليه للحساب والجزاء.

(5)

فصاحب الدابة أحق بصدرها إلا أن يجعله لآخر.

(6)

بسند حسن.

(7)

الجلالة من الحيوان هي التي تأكل الجلة أي البعر والعذرة، فركوبها مكروه لنتن رائحتها إذا عرقت كما يكره أكل لحمها لنتنه، وتقدم هذا وافيًا في كتاب الصيد.

(8)

أي واحدا أمامه وواحدا خلفه.

ص: 354

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: رَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِمَاراً عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ

(1)

وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ وَإِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ وَبَعْضُ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَدِيفٌ لَهُ فَعَثَرَتْ النَّاقَةُ فقُلْتُ: الْمَرْأَةَ

(2)

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا أُمُّكُمْ» فَنَزَلْتُ فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ

(3)

وَرَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَأَى الْمَدِينَةَ قَالَ: «آيِبُونَ

(4)

تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّايَ أَنْ تَتَّخِذُوا ظهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ

(6)

فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بِالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ»

(7)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَكُونُ إِبِلٌ لِلشَّيَاطِينِ وَبُيُوتٌ لِلشَّيَاطِينِ: فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيَاطِينِ فَقَدْ رَأَيْتُهَا يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ بِجَنِيبَاتٍ مَعَهُ

(8)

قَدْ أَسْمَنَهَا فَلَا يَعْلو بَعِيراً مِنْهَا وَيَمُرُّ بِأَخِيهِ قَدِ انْقُطِعَ بِهِ فَلَا يَحْمِلُهُ، وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ أَرَهَا». كَانَ سَعِيدٌ يَقُولُ: لَا أُرَاهَا إِلا هذِهِ الْأَقْفَاصَ الَّتِي تُسْتَرُ بِالدِّيبَاجِ

(9)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(10)

.

(1)

الإكاف ما يوضع على ظهر الحمار، والفدكية من صنع فدك: بلد على يومين من المدينة.

(2)

أنقذوها فاحفظوها.

(3)

أحكمت ربطه.

(4)

آيبون أي عائدون.

(5)

في كتاب اللباس، وللترمذي في الأدب: قدم النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء ومعه الحسن والحسين أحدها قدامه والآخر خلفه، ففي هذه جواز أركاب أكثر من واحد على الدابة إذا كانت تطيق، وفيه الرفق والعطف على الأطفال، وفيه تواضع عظيم من النبي صلى الله عليه وسلم وأن الإرداف لا يخل بالمروءة.

(6)

إياي: تحذير والمشهور فيه الخطاب، منابر: كالمنار في إطالة المكث عليها.

(7)

فإذا كان غير سائر فلا يجوز إطالة المكث على ظهر الدابة لأنه يضرها إلا لحاجة كخطبة لجمع كثير كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطبهم على راحلته في مشاعر الحج.

(8)

بجنيبات جمع جنيبة وهي الراحلة التي تقاد ولا تركب، وفي نسخة بنجيبات جمع نجيبة وهي الناقة المختارة، فإبل الشياطين: ما يقودها الرجل معه فلا يركبها ولا يركب عليها الضعيف بل يفعل هذا فخرًا ورياء فلذا كانت للشياطين.

(9)

وبيوت الشياطين لم تظهر في زمنه صلى الله عليه وسلم، قال سعيد بن أبي هند: لا أظنها إلا هذه الهوادج والمحامل المزخرفة بالديباج التي يتخذها المترفون في أسفارهم عزا واستكبار فلذا كانت بيوت الشياطين.

(10)

بسندين صالحين.

ص: 355

‌المسابقة على الدواب

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَابَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ فَأَرْسَلَهَا مِنَ الْحَفْيَاءِ

(2)

وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، فَقُلْتُ لِمُوسى: فَكَمْ كَانَ بَيْنَ ذلِكَ؟ قَالَ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ فَأَرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ أَمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ

(3)

، قُلْتُ: فَكَمْ بَيْنَ ذلِكَ؟ قَالَ: مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَنَس رضي الله عنه قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ

(4)

لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ فَقَالَ:«حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَلا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلا وَضَعَهُ»

(5)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ: «هذِهِ بِتِلْكِ السَّبْقَةِ»

(6)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا سَبَقَ إِلا فِي خُفَ أَوْ خَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ»

(8)

.

المسابقة على الدواب

(1)

المسابقة: جائزة وهي الغالبة في العدو والجرى في مسافة معلومة، وتجوز على مال معلوم لمن يسبق، وهذا من جهة الإمام أو واحد من الناس أو واحد منهما كقوله: إن سبقتك فلا شيء لي وإن سبقتني فلك على كذا، وإن كان المال منهما كقوله: إن سبقتني فلك عليّ كذا وإن سبقتك فلي عليك كذا فلا يجوز هذا إلا بمحلل يدخل بينهما ويكون على فرس معهما.

(2)

الخيل المضمرة: هي التي علفت حتى سمنت وقويت ثم قلل علفها ثم غشيت بالحلال حتى حميت وعرقت وجف عرقها فخف لحمها وقويت على الجري، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضمر الخيل: يسابق بها، والحفياء: مكان خارج المدينة كان سباق المضمرة منها إلى ثنية الوداع.

(3)

فكان سباق التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق.

(4)

العضباء: مشقوقة الأذن ولم تكن كذلك ولكن كان لقبًا لها كما كان له ناقة تسمى القصواء ولم يكن بأذنها شيء مع أن القصواء مقطوعة طرف الأذن.

(5)

فيه جواز المسابقة على الإبل.

(6)

فيه جواز المسابقة على الأرجل ولكن بدون مال.

(7)

بسند صالح.

(8)

السبق بسكون الباء مصدر سبقه وبالفتح ما يجعل السابق على سبقه وهو المراد هنا. والخف: المعير ونحوه، والحافر: =

ص: 356

• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ فِي الرِّهَانِ»

(1)

. رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

. نَسْأَلُ اللَّهَ الْهُدَى لِأَقْوَمِ طَرِيقٍ آمِين.

‌الرمي بالسهام

(3)

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ

(4)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمْ اللَّهُ

(5)

فَلَا يَعَجِزْ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ»

(6)

.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، أَوْ قَدْ عَصَى»

(7)

. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

= الفرس ونحوه، والنصل: حديد السهم والرمح. ومعناه لا يحل المال في المسابقة إلا إذا كانت على خيل أو إبل ونحوهما أو في الرمي بالسهام لأن هذا عدة للجهاد في سبيل الله وترغيب فيه ولأبي داود: سبق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل وفضل القرّح في الغاية، سبق وفضل بالتشديد فيهما، والقرح جمع قارح كركع وراكع: ما دخل في السنة الخامسة من الخيل.

(1)

الرهان: المراهنة والمخاطرة والمسابقة، والجلب والجنب بالتحريك فيهما، الجلب هنا أن يتبع فرسه برجل يحثها على سرعة الجري، والجنب: أن يجنب فرسًا إلى فرسه إذا فترت تحول إلى المجنوب، فالجلب والجنب لا يصحان في المسابقة لفوات الغرض منها.

(2)

الأول بسند حسن والثاني بسند صحيح.

الرمي بالسهام

(3)

الرمي بالسهام هو المناضلة والمغالبة بها، وتجوز على مال كقوله: إن أصبت الغرض أكثر منك فلي عليك كذا وإن أصبته أكثر مني فلك على كذا كما سبق في المسابقة.

(4)

قالها ثلاثا إشارة إلى أنه ليس شيء أحوج إلى المعالجة والتمرين للحرب من الرمي بالسهام وهذا بالنسبة لزمنهم وإلا فالمطلوب للجهاد في كل زمن ما يناسبه كما حدث اليوم من الطائرات في الهواء والغواصات في الماء ونحوها.

(5)

أي العدو فتغلبوه وتغنموه.

(6)

المراد الحض على كثرة التمرن في النضال.

(7)

ثم تركهـ رغبة عن السنة فليس منا أي متصلا بنا، أو قد عصى الإرشاد للكمال.

ص: 357

• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ

(1)

فَقَالَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِياً

(2)

ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَان»

(3)

فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ

(4)

، فَقَالَ:«مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟» قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ، قَالَ:«ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ»

(5)

.

وَفِي يَوْمِ بَدْرٍ حِينَ اصْطَفُّوا لِقِتَالِ قُرَيْشٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَكْثَبُوكَمْ فَعَلَيْكُمْ بِالرَّمْيِ»

(6)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَالْمُمِدَّ بِهِ»

(7)

. وَقَالَ: «ارْمُوا وَارْكَبُوا

(8)

وَلَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا».

وَلِلتِّرْمِذِيُّ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ لَهُ عَدْلُ مُحَرَّرٍ»

(9)

. نَسْأَلُ اللَّهَ تَمَامَ الْعُبُودِيَّةِ آمِين.

‌الاستنصار بالضعفاء

(10)

• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَى أَبِي أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ»

(11)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ والنَّسَائِيُّ.

(1)

من قبيلة أسلم يترامون بالنضال والسهام.

(2)

أباكم: إسماعيل عليه السلام.

(3)

في رواية: مع محجن بن الأدرع.

(4)

وهو المناضل لابن الأدرع.

(5)

المعية في حسن النية وقصد الخير للأمة بل هو صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم، قال تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} .

(6)

أكثبوكم أي قربوا منكم فعليكم أن ترموهم بالنبل فإنه يشردهم.

(7)

الذي يناوله النبل.

(8)

تمرنوا على الرمي وركوب الخيل للجهاد.

(9)

أي ثواب عتق رقبة والله أعلم.

الاستنصار بالضعفاء

(10)

أي مشروع ومطلوب.

(11)

أي بعبادتهم وإخلاصهم ودعائهم كلفظ النسائي القائل: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم.

ص: 358

• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ فَإِنَّمَا تَرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ»

(1)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ»

(3)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنهما وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ آمِين.

‌لا يستعان بالمشرك

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ

(4)

أَدْرَكَهُ رَجُلٌ يُذْكَرُ بِالْجُرْأَةِ وَالنَّجْدَةِ فَفَرِحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَقَالَ لِلنَّبَيِّ صلى الله عليه وسلم: جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ

(5)

فَقَالَ: «تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ: لَا، قَالَ:«فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَالْمَرَّةِ الْأُولَى ثمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَنَا بِالْبَيْدَاءِ فَقَال كَالْأَوَّلِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تُؤمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ:«انْطَلِقْ»

(6)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

(1)

وفي نسخة: ابغوا لي الضعفاء وهم المستضعفون لفقرهم ومسكنتهم أي أحضروهم لي أستعين بهم على ما أنا فيه فإن الله ينصرنا بهم لخلو قلوبهم من الدنيا وتواضعهم وشدة إخلاصهم وصفاء قلوبهم فأعمالهم زاكية ودعاؤهم مجاب، وفيه ما يفيد التوسل إلى الله بأحبابه فإنهم أولى من صالح العمل الذي سبق التوسل به لأصحاب الغار لأن العمل الصالح أثر من آثار الصالحين.

(2)

بسند صحيح.

(3)

فرب شخص قذر لا قيمة له عند الناس ولكنه لو طلب من ربه شيئًا لأجابه في الحال، نسأل الله التواضع آمين.

لا يستعان بمشرك

(4)

موضع على أربعة أميال من المدينة.

(5)

آخذ من الغنيمة.

(6)

فلما أسلم المشرك أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال معهم ولكنه حين كفره لم يستعن به في الجهاد، فلا يستعان بمشرك وعلى هذا جماعة، وقال آخرون: يجوز أن يستعان بالمشرك إن كان حسن الرأي وفيه إخلاص ودعت إليه الحاجة لحديث أنه صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، وهل يسهم له إذا حضر؟ قال بذلك جماعة، والجمهور على أنه يرضخ له فقط والله أعلم.

ص: 359

‌آلات الحرب

(1)

• عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنهما قَالَ: مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلا سِلَاحَهُ وَبَغْلَةً بَيْضَاءَ وَأَرْضاً بِخَيْبَرَ جَعَلَهَا صَدَقَةً

(2)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّسَائِيُّ.

‌الدرع والرمح

(3)

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ» فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ

(4)

فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاَعةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ»

(5)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ

(6)

: ظَاهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ أَوْ

(7)

لَبِسَ دِرْعَيْنِ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي»

(8)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.

آلات الحرب

(1)

التي كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت مشهورة لدى العرب.

(2)

بغلة بيضاء وهي دلدل التي أهداها له بعض الملوك، وأرضا بخيبر: هي أرض فدك جعلها صدقة على نسائه وآل بيته وفي سبيل الله، وفيه إبطال لعمل الجاهلية من وصيتهم عند موتهم بكسر السلاح وحرق المتاع وعقر الدواب.

الدرع والرمح

(3)

الدرع: كقميص من زرد الحديد يحفظ من السلاح، والرمح: عود من أجود أنواع الخشب في طرفه زج من حديد.

(4)

أي لابس درعه وهذا محل الشاهد.

(5)

سبق هذا في سورة الأنفال.

(6)

بسند حسن.

(7)

لبس أحدهما فوق الآخر تظاهرا وتعاونًا بهما وأو للشك.

(8)

تحت ظل رمحي من الغنيمة، وجعل الذل والضيم على من خالفني ممن رضي بالجزية مع بقائه على دينه، بل وعلى كل من خالفه صلى الله عليه وسلم.

ص: 360

‌السيف

قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَدْرَكَتْنَا الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِير الْعِضَاهِ

(1)

فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِيهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ هذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي» . فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ «اللَّهُ» . فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ

(2)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِضَّةً

(3)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(4)

.

‌البيضة والمغفر

(5)

• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ

(6)

وَكُسرَتْ رَبَاعِيَتُهُ

(7)

وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ

(8)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَقِيلَ لَهُ: إِنْ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ»

(9)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والبُخَارِيُّ.

السيف

(1)

كان هذا قبل نجد في غزوة غطفان وهم عائدون نزلوا ظهرا في واد كثير العضاه هي شجر أم غيلان وكل شجر عظيم له شوك.

(2)

فنام النبي صلى الله عليه وسلم تحت سمرة وهي شجرة الطلع فجاء أعرابي اسمه غورث فأخرج سيف النبي صلى الله عليه وسلم من غمده ورفعه في يده وقال للنبي صلى الله عليه وسلم حين استيقظ: من يمنعك مني الآن؟ فقال: الله؛ فشام السيف أي أدخله في غمده، وعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

قبيعة السيف: أي مقبضه على بالفضة. فيه جواز تحلية آلة الحرب بالفضة، والترمذي: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة.

(4)

بسند حسن.

البيضة والمغفر

(5)

البيضة والمغفر: كمنبر هما الخوذة المنسوجة من زرد الحديد تلبس تحت الطيلسان على الرأس في الجهاد لتحفظه من السلاح كخوذة رجال الحريق عندنا.

(6)

جرح وجنته ابن قميئة.

(7)

كسرها عتبة بن أبي وقاص.

(8)

كسرها عبد الله بن هشام.

(9)

فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة سنة ثمان وجلس في الحرم ونزع المغفر عن رأسه جاء رجل فقال: يا رسول الله إن عبد الله بن خطل =

ص: 361

‌اللواء والراية

(1)

سُئِلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنه عَنْ رَايَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «كَانَتْ سَوْدَاءَ مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةٍ»

(2)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(3)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

(5)

.

‌الباب الخامس في ملاك الجهاد

(6)

‌دعوة الملوك إلى الإسلام

(7)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِي وَإِلَى كلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(8)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ لِيَدْفَعَهُ إِلَى

= يستجير بالله وبالكعبة من القتل؛ فقال: اقتلوه؛ أي لأنه ارتد عن إسلامه وقتل مسلمًا كان يخدمه فقتلوه لردته وقتل المسلم؛ فيه أن الحرم لا يجير العاصي والله أعلم.

اللواء والراية

(1)

اللواء: هو العلم الكبير الذي يكون مع الأمير والجيش العظيم، والراية: العلم الصغير في الرمح يأوي إليها المجاهدون.

(2)

النمرة: بردة صوف فيها خطوط من سواد وبياض فيرى من بعد سوادها أكثر.

(3)

الأول بسند حسن والثاني بسند غريب.

(4)

ولأبي داود: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ولا تعارض فلعله كانت له عدة رايات.

(5)

بسند حسن.

الباب الخامس في ملاك الجهاد

(6)

الملاك بالكسر والفتح: ما يملك الشيء ويضبطه؛ والمراد هنا ذكر كثير من مقاصد الجهاد.

(7)

إنما كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام لأن بإسلامهم تسلم رعاياهم فكأنه يدعو أهل الأرض جميعا إلى الله تعالى.

(8)

أي صلاة الجنازة بعد موته، وقيل إنه هو قبل إسلامه سنة تسع منصرفه من تبوك.

ص: 362

كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لَا يَقْرَؤونَ كِتَاباً إِلا أَنْ يَكُونَ مَخْتُوماً فَاتَّخَذَ خَاتِماً مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(2)

.

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى يدعوه إلى الله، وأرسل المكتوب مع ابن حذافة وأمره أن يسلمه لعظيم البحرين: المنذر بن ساوي: لأنه كان تحت يد كسرى، فسلمه إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه بتمزيق ملكه، فسلط الله على كسرى ابنه شيرويه فمزق بطنه فقتله، كدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

وسبق في تفسير آل عمران صورة مكتوب النبي صلى الله عليه وسلم لعظيم الروم، وكان في الشام حينذاك، فاستدعى العرب وسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لهم: إن كان قولكم حقًّا فسيملك محمد موضع قدمى هاتين، وأما المقوقس فلما جاءه مكتوب النبي صلى الله عليه وسلم وضعه في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له لحفظه، ثم رد على النبي صلى الله عليه وسلم بمكتوب هاك نصه: بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك: أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وعلمت أن نبيًا قد بقي؛ وما كنت أظن إلا أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك الذي جاء بالجواب (وهو حاطب بن أبي بلتعة فإنه منحه مائتي دينار وخمسة أثواب) وبعثت لك بجاريتين مارية وسيرين لهما في القبط مكان عظيم مع جارية أخرى، وعشرين ثوبًا من قباطي مصر، وطيبًا وعودًا وندًا ومسكا، مع ألف مثقال من الذهب، ومع قدح من قوارير وبغلة للركوب (هي دلدل) وخصيا (أي عبدًا مخصيا يقال له مابور) وفرسا وهو اللزاز فإنه سأل حاطبا: ما الذي يحب صاحبك من الخيل؟ فقال له: الأشقر؛ وقد تركت عنده فرسا يقال له المرتجز، فانتخب له فرسا من خيل مصر الموصوفة فأسرج وألجم وهو المسمى بالميمون، وأهدى له أيضا عسلا من عسل بنها: قرية من قرى مصر؛ فأعجب به صلى الله عليه وسلم، وقال إن كان هذا عسلكم فهذا أحلى؛ ثم دعا فيه بالبركة اهـ. من تفسير الصاوي في سورة الأحزاب بتصرف يسير، ولم يذكر في الهدية طبيبا مع أنه مشهور على لسان أهل السير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رده وقال:"لا حاجة لنا بالطبيب نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" وهذا ليس ببعيد.

ص: 363

‌أصل الجهاد للدين

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ فَإِنِ انْتَهَواْ فَلَا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}

(1)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ

(2)

حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلا بِحَقَّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةَ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنَّ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَسْتَقْبلوا قِبْلَتَنَا وَأَنْ يَأْكُلوا ذَبِيحَتَنا وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَنَا فَإِذا فَعَلُوا ذلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا

(4)

لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وعلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(5)

.

• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إِلَى الْحُرَقَاتِ

(6)

فَذرُوا بِنَا

(7)

فَهَرَبُوا فَأَدْرَكْنَا رَجُلاً فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَضَرَبْنَاهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ فَذَكَرَتُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ لَكَ بِلَا إِلهَ» اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(8)

، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا مَخَافَةَ السِّلَاحِ، قَالَ:«أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ قَالَهَا أَمْ لَا مَنْ لَكَ بِلَا إِلهَ إِلا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلا يَوْمَئِذٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ

(9)

.

أصل الجهاد للدين

(1)

{وقاتلوهم} أي الكفار {حتى لا تكون فتنة} أي شرك {ويكون الدين لله} خالصًا له {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} .

(2)

أي المشركين.

(3)

إلا بحقه أي إلا عن حق الإسلام كإقامة حد الردة ونحو زنا وترك صلاة وزكاة وحق آدمي فلابد منها، وحسابه على الله فيما يبطنه.

(4)

أي كلمة التوحيد.

(5)

بسند صحيح.

(6)

قبائل من جهينة.

(7)

علموا بنا.

(8)

من يعينك على كلمة التوحيد إذا جاءت تجادل عن قائلها يوم القيامة.

(9)

ولكن أبو داود هنا ومسلم في الإيمان.

ص: 364

• عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: «لَا تَقْتُلْهُ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَطَعَ يَدِي، قَالَ:«لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ»

(1)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ

(2)

.

‌الدعوة قبل القتال

(3)

• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ

(4)

أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً

(5)

ثُمَّ قَالَ: «اغْزُو بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيداً

(6)

وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ

(7)

فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ

(1)

فإنه بمنزلتك أي في عصمة دمه قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته في إباحة الدم قبل أن يسلم؛ فمن نطق بكلمة التوحيد فقد عصم نفسه من كل شيء إذا قام بشعائر الدين.

(2)

ولكن أبو داود هنا والبخاري في غزوة بدر ومسلم في الإيمان والله أعلم.

الدعوة قبل القتال

(3)

فدعوة الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم واجبة لقوله تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ولما يأتي، ولئلا يكون للكفار حجة لا في الدنيا ولا في الآخرة.

(4)

الجيش: أربعة آلاف مجاهد، والسرية: أربعمائة كما يأتي.

(5)

أوصاه بتقوى الله، وأوصاه بالمسلمين خيرا.

(6)

لا تغلوا أي لا تخونوا في الغنيمة، ولا تغدروا: لا تنقضوا عهدا، ولا تمثلوا أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان ونحوها، ولا تقتلوا وليدا أي صبيًا وكذا الشيخ الكبير والمرأة لأنهم لا يقاتلون.

(7)

هي الإسلام والهجرة وإلا فالجزية.

ص: 365

وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا

(1)

فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

(2)

وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ

(3)

فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذلِكَ

(4)

وَلكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ

(5)

وَإِذَا حَاصَرتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمْ وَلكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا»

(6)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.

وَحَاصَرَ أَحَدُ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ قَصْراً مِنْ قُصُورِ فَارِسَ وَكَانَ الْأَمِيرُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَا تَنْهَدُ إِلَيْهِمْ

(7)

قَالَ: دَعُونِي أَدْعُهُمْ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو فَأَتَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ فَارِسِيٌّ وَالْعَرَبُ يُطِيعُونَنِي فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مِثْلُ الَّذِي لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا وَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلا دِينَكُمْ تَرَكْنَاكُمْ عَلَيْهِ وَأَعْطُونَا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، قَالَ: وَرَطَنَ إِلَيْهِمْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَأَنْتُمْ غَيْرُ مَحْمُودِينَ

(8)

وَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ

(9)

قَالُوا: مَا نَحْنُ بِالَّذِي يُعْطِي الْجِزْيَةَ وَلكِنَّا نُقَاتِلُكُمْ، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَلَا تَنْهَدُ إِلَيْهِمْ

(1)

عن ديارهم ويجاهدوا.

(2)

من الأعراب أهل البادية؛ وحكم الله فيهم أنه ليس لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا إذا جاهدوا.

(3)

فإن أبوا أي الإسلام فسلهم الجزية، لعل هذا قبل تخصيصها بأهل الكتاب الوارد في سورة التوبة.

(4)

فأرادوك أي طلبوا منك.

(5)

الذمة: العهد والإخفار: نقض العهد.

(6)

والمراد التحرز عن عهد الله وحكمه احترامًا لهما.

(7)

تأمر الجيش بالزحف عليهم.

(8)

قال هذه الكلمة لهم بالفارسية.

(9)

أعلمناكم به وقاتلناكم.

ص: 366

قَالَ: فَدَعَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَى مِثْلِ هذَا

(1)

ثُمَّ قَالَ: انْهَدُوا إِلَيْهِمْ قَالَ: فَنَهَدْنَا إِلَيْهِمْ فَفَتَحْنَا ذلِكَ الْقَصْرَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمراء الجيوش

(2)

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا»

(3)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا ولَا تَخْتَلِفَا»

(4)

. رَوَاهُ الشَّيخَانِ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ولَا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً

(5)

وَلَا طِفْلًا صَغِيراً ولَا امْرَأَةً

(6)

وَلَا تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

.

(1)

فيه طلب الدعوة ثلاثة أيام رحمة بهم لعلهم يسلمون.

وصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمراء

(2)

ومنه ما سبق في الدعوة قبل القتال.

(3)

في بعض أمره: أي في أمر من أعمال الولاية والإدارة قال: بشروا أي من قرب إسلامه، ومن تاب من العصاة بسعة رحمة الله وعظيم ثوابه لمن آمن وعمل صالحًا، ولا تنفروا بذكر أنواع التخويف والوعيد، ويسروا على الناس ولا تشددوا عليهم فإن هذا أدعى لمحبة الدين.

(4)

اتركا الخلاف واعملا على الوفاق فهو أدعى للنصر والنجاح.

(5)

إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل زيد بن الصمة الذي كان في جيش هوازن للرأي فقط وعمره يربو على مائة وعشرين سنة.

(6)

إلا إذا كانت مقاتلة أو والية عليهم أو لها رأي فيهم.

(7)

بسند صالح، نسأل الله صلاح الحال في الحال والمآل آمين.

ص: 367

‌تجوز الإغارة على الكفار بعد دعوتهم

(1)

• عَنِ ابْنِ عَوْنٍ رضي الله عنه قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّمَا كَانَ ذلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ

(2)

وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ

(3)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ

(4)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلاً وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْماً بِلَيْلٍ لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيِهمْ وَمَكَاتِلِهِمْ

(5)

فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ

(6)

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» . وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إِذَا غَزَا قَوْماً لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَاناً أَمْسَكَ وَإِلا أَغَارَ بَعْدَ الصُّبْحِ

(7)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ: فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ: «عَلَى الْفِطْرَةِ» فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَقَالَ: «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ»

(8)

. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْهَا آمِين.

تجوز الإغارة على الكفار بعد دعوتهم للإسلام

(1)

فيجوز الهجوم عليهم لقتالهم بعد أن بلغتهم دعوة الإسلام وأعرضوا عنه.

(2)

بنو المصطلق بطن شهير من خزاعة، غارون أي غافلون.

(3)

وكان هذا في سنة ست من الهجرة حين بلغه أنهم يجمعون لقتاله فخرج لهم صلى الله عليه وسلم ولقيهم على ماء لهم يسمي المريسيع فقتل الرجال وسبى النساء والذرية واستبقي من سهمه جويرية بنت الحارث رئيسهم فتزوج بها صلى الله عليه وسلم.

(4)

وقال أسامة: كان النبي صلى الله عليه وسلم عهد إليّ فقال: أغر على أبني صباحًا وحرق (ابني كحبلى مكان بفلسطين) رواه أبو داود.

(5)

مساحيهم جمع مسحاة وهي المجرفة كالفاس عندنا، ومكاتلهم جمع مكتل كالقفة الصغيرة عندنا؛ والمراد أدوات الزراعة.

(6)

الجيش لأنه مركب من خمس فرق: المقدمة، والمؤخرة، والميمنة، والميسرة، والقلب.

(7)

فإن الأذان علامة على إسلامهم.

(8)

على الفطرة أي الدين، خرجت من النار أي حفظت منها بالشهادتين، ولأصحاب السنن كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشًا أو سرية يقول لهم: إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم أذانًا فلا تقتلوا أحدا؛ لأن القتال للإسلام وتلك شعائر الإسلام؛ والله أعلم.

ص: 368

‌الساعة التي يطلب فيها القتال

(1)

• عَنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلَ النَّصْرُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْسَكَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَاتَلَ فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ أَمْسَكَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِذَا زَالَتْ قَاتَلَ حَتَّى الْعَصْرِ ثُمَّ أَمْسَكَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُم يُقَاتِلُ، وَيُقَالُ عِنْدَ ذلِكَ تَهِيجُ رِيَاحُ النَّصْرِ وَيَدْعُو الْمُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ

(2)

. وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ

(3)

.

‌الدعاء عند القتال مطلوب

(4)

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعافِيَةَ فإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا

(5)

وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ»

(6)

الساعة التي يطلب فيها القتال

(1)

على وجه الاستحسان.

(2)

المراد من هذا أنهم كانوا يتحينون الأوقات المناسبة للحرب ويتركونها في أوقات الصلاة وليأخذوا راحتهم وعدتهم للقتال وهذا واجب.

(3)

أصل العرصة: ساحة البيت، والبلد التي لا بناء ولا زرع فيها، سميت بهذا لأن الصبيان يعرصون أي يمرحون ويلعبون فيها، ومعنى الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتصر على قوم بقي في مكانه ثلاثة أيام ليستريحوا من عناء السفر والجهاد ولتظهر شوكتهم ولزيادة الأمان والسلام والإسلام. والله أعلم.

الدعاء عند القتال مطلوب

(4)

لأنه التجاء إلى الله في نصرهم وليس النصر إلا بيد الله وحده.

(5)

وتجلدوا فإن النصر مع الصبر.

(6)

فالجنة أقرب للمجاهدين من كل الناس.

ص: 369

ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ

(1)

اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

وَفِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ»

(2)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(3)

. وَلِأَبِي دَاوُدَ: «ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ» : الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً»

(4)

.

‌الثبات عند القتال واجب

(5)

قِيلَ لِلْبَرَاءِ رضي الله عنه: أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّراً لَيْسَ بِسِلْاحٍ

(6)

فَأَتُوْا قوْماً رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ

(7)

فَرَشَقُوهُمْ رَشْقاً مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ

(8)

فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ

(9)

ثُمَّ قَالَ:

أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ

أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

(1)

منزل ومجري وهازم منصوبة على النداء، والأحزاب: الكفار الذين تحزبوا على قتال النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

بك أحول: أحتال في دفع كيد العدو ومكره وشره، وبك أصول: أحمل على العدو وأغلبه وأستأصله.

(3)

بسند حسن.

(4)

النداء: الأذان، والبأس: القتال، والله أعلم.

الثبات عند القتال واجب

(5)

لأنه عدة المجاهد العظمى.

(6)

حسرا جمع حاسر أي ليس أحدهم متلبسا بسلاح لا درع ولا مغفر وفي رواية: ليس عليهم كثير سلاح.

(7)

أي يخطئ.

(8)

وفي رواية. كان ابن عمه هذا آخذا بركابه والعباس عمه آخذا بلجام البغلة.

(9)

أكثر من قوله: اللهم أنزل نصرك، وحاصل هذه الوقعة باختصار كما يأتي في غزوة حنين أن جيش المسلمين حين التقي بالمشركين وقامت الحرب =

ص: 370

ثمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُوءَيِّدُ هذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ»

(1)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «شَرُّ مَا فِي الرَّجُل شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعُ»

(2)

.

• عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّتِي يَحِبُّهَا اللَّهُ عز وجل فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيَبةِ

(3)

، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ الرِّيبَة. وَإِنَّ مِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يحِبُّ اللَّهُ: فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ اللِّقَاءِ

(4)

وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ

(5)

، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ عز وجل فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغيِ وَالْفَخْرِ»

(6)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ.

= لم يلبث المشركون أن انهزموا فأكب المسلمون على الغنائم فأحاط بهم الكفار ورشقوهم بالنبل ففروا، بعضهم مدبر وبعضهم لاجئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر العباس فنادى الأصحاب فأسرعوا إليه فصفهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم حملوا عليهم وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا ورب محمد، قال العباس: فرأيت حدهم كليلا وأمرهم مدبرا وانهزموا بعون الله تعالى القائل {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} .

(1)

سببه أنهم لما كانوا في غزوة خيبر قاتل رجل من المسلمين قتالا شديدا وأقمع الكفار، فأعجب به المسلمون، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه من أهل النار، فجرحه الكفار جرحًا بليغا فلما دخل الليل لم يصبر فقتل نفسه لأنه كان منافقًا؛ فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إني عبد الله ورسوله وذكر الحديث، ومنه العالم الفاسق والحاكم الجائر، نسأل الله حسن الخاتمة آمين.

(2)

فشر أوصاف الرجل شح أي بخل شديد إن استخرج منه الواجب أو تصدق أنزل به الهلع أي الجزع الشديد، وجبن خالع شديد كأنه يخلع فؤاده وقلبه، فمفهومه أن السخاء والجرأة خير أوصاف الرجل، بخلاف المرأة فهما فيها مذمومان لأنهما مظنة التبديد والتفريط في الأعراض.

(3)

في الشك وعلامات الشر.

(4)

عند الحرب فيه تشجيع لغيره.

(5)

لدلالته على السماحة وربما كان فيه تشجيع لغيره على الصدقة.

(6)

الظلم والتفاخر على المساكين، نسأل الله حسن الأخلاق آمين.

ص: 371

‌التورية والحرب خدعة

(1)

• عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزوهَا إِلا وَرَّى بِغَيْرِهَا

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَرْبُ خَدْعَةٌ»

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

‌الشعار في الحرب

(4)

• عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِن بُيِّتمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حَم لَا يُنْصَرُونَ»

(5)

. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(6)

.

• عَنِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ

(7)

.

وَعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدُ اللَّهِ وَشِعَارُ الْأَنْصَارِ عَبْدُ الرَّحْمنِ

(8)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(9)

.

التورية والحرب خدعة

(1)

فيه أن المعول عليه في الحرب استعمال الرأي والمكر والخديعة.

(2)

أي أظهر غيرها خوفًا من أن يعلم العدو فيستعد لهم.

(3)

خدعة كقرية أو كقربة أو كهمزة، فالحرب الحقيقي الناجح ما كان بخداع الكفار حيث أمكن بالكذب والدهاء إلا إذا كان فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز، وللترمذي: قال عبد الله بن عوف: عبأنا النبي صلى الله عليه وسلم ببدر ليلا أي جمع لها ليلا سترا على مراده والله أعلم.

الشعار في الحرب

(4)

الشعار - ككتاب - العلامة في الحرب والسفر يتعارفون بها.

(5)

أي إن جاء العدو لقتالكم ليلا واختلطتم به في الظلمة فليكن شعاركم حم فإنهم لا ينصرون، أو المراد اللهم لا ينصرون وهو خبر لا دعاء.

(6)

بسند صالح.

(7)

وفي شرح السنة يا منصور أمت نداء لكل واحد من المقاتلين وهو أمر بالموت؛ والمراد به التفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة.

(8)

فكانت كلمة عبد الله يراد بها كل مهاجر وكلمة عبد الرحمن يراد بها كل أنصاري.

(9)

بسندين صالحين.

ص: 372

‌لا تقتل النساء والصبيان

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ

(2)

.

وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ»

(3)

. رَوَاهُمَا الْأَرْبَعةَ.

قَالَ عَطِيَّةُ الْقُرْظِيُّ: عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبيلُهُ فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلِي

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

(5)

.

‌لا يعذب بالنار إلا الله

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْثٍ

(6)

فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَاناً وَفُلَاناً فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ فَلَمَّا أَرَدْنَا الْخُرُوجَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحِرِّقُوا فُلَاناً وَفُلَاناً وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلا اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا»

(7)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرهقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ

(8)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا التِّرْمِذِيَّ.

لا تقتل النساء والصبيان

(1)

وكذا الشيخ الهرم والأرقاء إلا إذا كان لهم رأي أو يقاتلون، وفي رواية: اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم أي غلمانهم الذين لم تنبت عانتهم.

(2)

أي نهي تحريم لأنهم لا يقاتلون ولأنهم غنيمة بالرق أو الفداء.

(3)

فحكمهم كحكمهم في البيات للضرورة.

(4)

سبق هذا في الوصية.

(5)

بسند صحيح.

لا يعذب بالنار إلا الله

(6)

في جيش وكان أميره حمزة بن عمرو الأسلمي.

(7)

هذا أمر نسخ بنهي عكس كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فلانًا وفلانًا هما هبار بن الأسود ونافع بن عبد عمرو من كفار قريش كانا يبالغان في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالتحريق بالنار حرام إلا إذا كان قصاصا فلا شيء فيه، وفي رواية: لا يعذب بالنار إلا رب النار.

(8)

فعتب الله عليه لتحريق النمل بالنار ولأنه حرق القرية كلها بسبب قرصة نملة واحدة.

ص: 373

‌المثلة حرام

(1)

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النّهْبَئ وَالْمُثْلَةِ

(2)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّيْدِ.

وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

‌الغدر حرام

(3)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَيُقَالُ هذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ»

(4)

.

رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

وَكَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ فَلَمَّا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةَ فَقَالُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْداً وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِي أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»

(5)

قَالَ: فَرَجَعَ مُعَاوِيَةَ بِالنَّاسِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُ الْأَخِيرِ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَشُدَّ عُقْدَةً وَلَا يَحُلُّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» .

• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»

(6)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(7)

.

المثلة حرام

(1)

المثلة: هي تشويه القتيل بقطع أنفه أو أذنه أو شفته ونحوها.

(2)

أي نهي تحريم ولو في حيوان لحديث البخاري في الصيد أيضا: لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان، فالإنسان أولى والله أعلم.

الغدر حرام

(3)

الغدر: نقض العهد الذي بينك وبين غيرك.

(4)

وفي رواية: لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به يقال هذه غدرة فلان أي هذه الراية لفضيحة فلان الذي نقض العهد وسيعذب عذابًا شديدا.

(5)

حتى يعلنهم بالحرب.

(6)

فمن خرج على جماعة المسلمين فليس على دين محمد صلى الله عليه وسلم.

(7)

ولكن مسلم في الإيمان والبخاري في الفتن، نسأل الله أن يحفظنا آمين.

ص: 374

‌الباب السادس في الغنائم والقسمة

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} {إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(2)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ

(3)

فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْن

(4)

وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْياناً وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا، وَلَا آخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَماً أَوْ خَلِفَاتٍ

(5)

وَهُوَ مُنْتَظِرٌ وِلَادَهَا قَالَ: فَغَزَا فَأَدْنَى مِنَ الْقَرْيَةِ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيباً مِنْ ذلِكَ

(6)

فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ فَقَالَ: فِيكُمْ غلُولُ

(7)

فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلَةٍ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْتُبَايِعْنِي قَبيلتكَ فَبَايَعَتْهُ فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ

الباب السادس في الغنائم والقسمة

(1)

أي ما ورد في حلها وبيان تقسيمها.

(2)

{واعلموا أنما غنمتم من شيء} أخذتموه من الكفار في غزوهم {فأن لله خمسه وللرسول} بأمر فيه بما يشاء {ولذي القربى} قربى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبنى المطلب {واليتامي} أطفال المسلمين الفقراء {والمساكين} فقراء المسلمين {وابن السبيل} المنقطع في سفره من المسلمين، فللنبي صلى الله عليه وسلم ولهذه الأصناف الأربعة خمس الغنيمة والأربعة الأخماس الباقية للمجاهدين لأن الحرب والغنيمة من مجهودهم {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} محمد صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} في يوم بدر {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم.

(3)

أراد أن يغزو، نبي قيل إنه يوشع بن نون عليه السلام.

(4)

لم يدخل بها.

(5)

حوامل من الإبل وكذا البقر وهو ينتظر ولادتها، فلم يسمح لهؤلاء بالجهاد لانشغالهم فلا ثبات لهم.

(6)

من القرية التي يريد فتحها.

(7)

أي خيانة.

ص: 375

الْبَقَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ

(1)

فَوَضَعُوهَا فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ

(2)

فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ

(3)

فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا»

(4)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَلَا تَزَالُ هذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ»

(5)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ»

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً إِلَى نَجْدٍ فَخَرَجْتُ فِيهَا فَأَصَبْنَا إِبِلاً وَغَنَماً فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيراً بَعِيراً

(7)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْجَيْشِ فَكَانَتْ سُهْمَانُ الْجَيْشِ كُلُّ وَاحِدٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً وَنَفَّلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيراً بَعِيراً فَكَانَ لِكُلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ فِي النَّفْلِ

(8)

لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْماً

(9)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

(1)

كانوا سرقوه من الغنيمة.

(2)

على الأرض.

(3)

وذلك علامة القبول.

(4)

أحلها لنا.

(5)

سبق هذا في العلم.

(6)

فالمعطى في كل شيء هو الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا ويقسم بيننا.

(7)

السهمان جمع سهم وهو النصيب بخلاف ما يرمي به فجمعه أسهم. ونفلنا أي زادنا بعيرا بعيرا هذه لجماعة مخصوصة كما في الرواية الآتية.

(8)

النفل هنا بالتحريك: الغنيمة.

(9)

وفي رواية: أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه، وهذه موضحة لرواية الكتاب، فللراجل سهم وللفارس ثلاثة لزيادة مؤنة الفرس على صاحبه، بخلاف الراجل أي المجاهد على رجليه فمؤنته قليلة، وللترمذي: قسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنيمة وعدل البعير بعشر شياه، والله أعلم.

ص: 376

‌النفل

(1)

• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخَذَ أَبِي مِنَ الْخُمْسِ سَيْفَاً فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَبْ لِي هذَا فَأَبى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ}

(2)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ مِنَ النَّفْلِ كَذَا وَكَذَا»

(3)

فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ فَلَمْ يَبْرَحُوهَا فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَتِ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءاً لَوِ انْهَزَمْتُمْ فِئْتمْ إِلَيْنَا

(4)

فَلَا تَذْهَبُونَ بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى، فَأَبى الْفِتْيَانُ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ}

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

النفل

(1)

النفل بالسكون، وقد يحرك: الزيادة، وربما يراد به الغنيمة ولا ينفل الأمير من الغنيمة أحدا حتى تخمس وتقسم ثم ينقل من شاء من الخمس الخاص به لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينقل من خمس الخمس الخاص به.

(2)

سبق هذا الحديث في سورة الأنفال؛ والمراد بالأنفال في الآية الغنيمة.

(3)

من النفل محركة أي زيادة على نصيبه.

(4)

ردءًا أي عونًا وسندا لكم لو انهزمتم رجعتم إلينا فحفظناكم.

(5)

وفي رواية: من جاء بأسير فله كذا ومن قتل قتيلا فله كذا، فلزم كبار الصحب الرايات والنبي صلى الله عليه وسلم لئلا يأتيه العدو على غفلة، فلما انتهت الوقعة وتنازعوا نزلت الآية فقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنيمة بينهم على السواء لاشتراكهم في الغزو جميعًا لإعلاء كلمة الدين.

ص: 377

‌التنفيل بعد التخميس

(1)

• عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَفِّلُ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ وَالثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ إِذَا قَفَلَ

(2)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(3)

وَالتِّرْمِذِيُّ.

‌الإمام يتولى خمس الغنيمة

(4)

• عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ وَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ الْبَعِيرِ

(5)

ثُمَّ قَالَ: «وَلَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هذَا إِلا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ»

(6)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(7)

وَالنَّسَائِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «آمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا خُمُس مَا غَنِمْتُمْ»

(8)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ طَوِيلاً.

التنفيل بعد التخميس

(1)

فلا ينفل الأمير أحدا إلا بعد أن يقسم الغنيمة إلى خمسة أقسام، للمجاهدين أربعة وللرسول ومن معه في الآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الخمس وينفل منه.

(2)

أي ربع ما يأخذه المجاهد بعد التخميس وثلثه أحيانا، إذا قفل أي رجع أو المراد ربع ما تغنمه السرية وثلثه، وفي رواية: نقل الربع في البدأة والثلث في الرجعة أي إذا نهضت سرية من الجيش إلى عدو وغنموه كان لهم منها الربع وللجيش الباقى وإذا فعلوا هذا وهم عائدون، كان لهم مما غنموه الثلث وللجيش الباقي.

(3)

بسند صالح.

الإمام يتولى خمس الغنيمة

(4)

فيصرفه في مصارفه، وهم المذكورون في الآية السالفة.

(5)

الوبرة: الشعرة، واحدة الوبر.

(6)

في مصالحكم لليتامي والمساكين وأبناء السبيل، وفي السلاح والخيل للجهاد في سبيل الله.

(7)

بسند صالح، وللطبراني: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قسم الغنيمة ضرب الخمس في خمسة ثم قرأ الآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} فجعل سهم الله وسهم رسوله واحدا، وسهم ذوي القربي مع الذي قبله في الخيل والسلاح أي بعد حاجة ذي القربي، فجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لهم لا يعطيه غيرهم ثم جعل الأربعة الأسهم الباقية، للفرس سهمان ولراكبه سهم وللراجل سهم.

(8)

وأربعة أخماس الغنيمة توزع على المجاهدين.

ص: 378

• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانَ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنا وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: «إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُوا هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ»

(1)

.

• وَعَنْهُ قَالَ: لَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لِأُمَ وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ

(2)

رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

‌الفيء

(3)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}

(4)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ

(5)

فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ

(6)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

أي كشيء واحد لأنهما كانا متحالفين ومتحابين في الجاهلية وزاد ذلك في الإسلام حتى إن قريشًا وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكوهم ولا يعاملوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأبوا أن يسلموه.

(2)

فلما أمر الله بخمس الخمس للقربي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لمؤمني بني هاشم وبنى المطلب لشدة الرابطة بينهما؛ فجاء عثمان من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل، وقالوا: أعطيت بني هاشم وبنى المطلب وتركتنا ونحن وهم من أصل واحد لأن هاشمًا والمطلب وعبد شمس ونوفلا أولاد عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، فكان خمس الخمس من الغنيمة لهما خالصا.

الفيء

(3)

أي ما هو وبيان مصرفه، فالفيء: المال الذي جاء من الكفار من غير مشقة ومصرفه كما في الآية.

(4)

فهو للنبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة لكل منهم خمس الخمس وله الباقي، كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الشافعي وجماعة، وقال الجمهور: إن الفيء كله للنبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

بنو النضير قرية على ميلين من المدينة فلم يسرعوا الركوب لها لا على خيل ولا إبل، بل مشوا لها وركب النبي صلى الله عليه وسلم على راحلة.

(6)

الكراع: الخيل.

ص: 379

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا وَأَقَمْتُمْ بِهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَخُمُسُهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ»

(1)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مَا أَنَا أَحَقُّ بِهذَا الْفَيْءِ مِنْكُمْ وَمَا أَحَدٌ مِنَّا بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ

(2)

إِلا أَنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَالرَّجُلُ وَقِدَمُهُ وَالرَّجُلُ وَبَلَاؤُهُ وَالرَّجُلُ وَعِيَالُهُ وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ

(3)

.

وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: حَاجَتَكَ

(4)

يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ فَقَالَ: عَطَاءُ الْمُحَرَّرِينَ

(5)

فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ مَا جَاءَهُ شَيْءٌ بَدَأَ بِهِمْ.

وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ الْفَيْءُ قَسَمَهُ فِي يَوْمِهِ فَأَعْطَى الآهِلَ حَظَّيْنِ وَأَعْطَى الْعَزَبَ حَظاً

(6)

. رَوَى الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْخَرَاجِ

(7)

.

‌صفايا النبي صلى الله عليه وسلم وما تركه

(8)

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثُ صَفَايَا: بَنُو النَّضِيرِ وَخَيْبَرُ وَفَدَكُ

(9)

فَأَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَكَانَتْ حُبْساً لِنَوَائِبِهِ

(10)

وَأَمَّا فَدَكَ فَكَانَتْ حُبْساً لِأَبْنَاءِ

(1)

فكل قرية عصت وقاتلتموها فغنمتم منها فهي لكم إلا الخمس فإنه لله ولرسوله ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل، وكل قرية دخلتموها من غير قتال فما يأتي منها فيء مصرفه مصرف الفيء.

(2)

فيه أن الإمام في الفيء كسائر الناس مع ملاحظة أن له كفايته وكفاية من يعولهم من غير إسراف.

(3)

قدمه أي في الإسلام، فينظر لهؤلاء أكثر من غيرهم.

(4)

اذكر حاجتك.

(5)

جمع محرر وهو العتيق، فإنهم يعطون من الفيء إن كانوا في حاجة.

(6)

الآهل: الذي له أهل أي زوجة، والعزب بفتحتين: الذي لا زوجة له.

(7)

بأسانيد صالحة.

صفايا النبي صلى الله عليه وسلم وما تركه

(8)

الصفايا جمع صفية كعطايا وعطية: وهي ما يصطفي ويختار، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصطفي من الغنيمة ما شاء قبل أن يقسمها زيادة على خمسه وليس هذا لأحد سواه من الأئمة بعده.

(9)

فدك: قرية بخيبر على ثلاث مراحل من المدينة، وبنو النضير على ميلين منها.

(10)

أي محبوسة لما ينوبه وينزل به من المهمات كالضيفان والرسل والسلاح والكراع.

ص: 380

السَّبِيلِ وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، جُزْأَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَجْزْءاً نَفَقةَ أَهْلِهِ فَمَا فَضَلَ مِنْهُمْ جَعَلَهُ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(1)

.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» . وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكاً شَيْئاً كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إِلا عَمِلْتُ بِه إِنِّي أَخْشَى إنْ تَرَكْتُ شَيْئاً أَنْ أَزِيغَ

(2)

. وَكَانَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَسْأَلُ مِيرَاثَهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ

(3)

. وَمِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيَ وَعَبَّاسٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا عَلَيٌّ وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكُ فَأَمْسَكَهُمَا عُمَرُ وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ

(4)

وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذلِكَ إِلَى الْيَوْمِ

(5)

.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَاراً، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ»

(6)

. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةُ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي بَيْتِي شَيْءٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفَ لِي فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ

(7)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(1)

بسند صالح.

(2)

ولفظ الترمذي: جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي، قالت: فما لي لا أرث أبي؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: لا نورث، ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان ينفق عليه. وفي رواية: فهجرته فلم تكلمه حتى ماتت رضي الله عنها.

(3)

هي غلة بني النضير من زرع وثمر.

(4)

تعروه أي تنزل به.

(5)

وفي رواية: إنما يأكل آل محمد من هذا المال.

(6)

تقدم هذا في آخر كتاب الفرائض.

(7)

فلما كان الشعير غير معلوم قدره كان المدد منه غير محدود كما سبق في النبوة، في تكثير الطعام (لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم) وفيه معرفة معيشة النبي صلى الله عليه وسلم نسأل الله الرضا آمين.

ص: 381

‌من قتل قتيلاً فله سلبه

(1)

• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ

(2)

فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينِ جَوْلَةٌ

(3)

فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ

(4)

فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائه فَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ

(5)

فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: أَمْرُ اللَّهِ

(6)

ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَس النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» ، قَالَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي

(7)

ثُمَّ جَلَسْتُ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَنِّةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: لَاهَا اللَّهِ إِذا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ منْ أُسُدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ

(8)

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ» قَالَ: فَأَعْطَانِي

(9)

فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً

(10)

فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ»

(11)

. رَوَاهُ الْأَرْبَعةُ. وَلِأَبِي دَاوُدَ: قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسْهُ

(12)

.

من قتل قتيلا فله سلبه

(1)

سلب القتيل ما معه من سلاح وثياب وغيرها، وقال الشافعي: هو أدوات الحرب فقط، وقال أحمد: هو كل شيء معه إلا دابته.

(2)

حنين: واد على ثلاثة أميال من مكة وكان غزوها في السنة الثامنة عقب فتح مكة.

(3)

جولة أي غلبة ثم انهزموا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه ولكنهم انتصروا بعد هذا انتصارا عزيزا وغنموا كثيرا.

(4)

صرعه فجلس عليه.

(5)

بين عنقه وكتفه.

(6)

لم انهزم الناس؟ قال: قضاء الله.

(7)

بينة ولو واحدا، من يشهد لي بأني قتلت ذلك الشرك الجبار.

(8)

لاها الله أي لا والله، وإذا بالألف والتنوين في كل الروايات ولكن أهل العربية يقولون: إن الصواب لاها الله ذا أي لا والله لا يكون ذا.

(9)

أي سلبه.

(10)

اشتريت به بستانا.

(11)

تأثلته أي تكلفت جمعه وجعلته أصل كل مال اقتنيته في الإسلام.

(12)

ففيهما أن السلب للقاتل ولا يدخل في الغنيمة التي تخمس بل هو كله للقاتل وإن كثر لأن أبا طلحة في غزوة حنين قتل عشرين كافرا وأخذ أسلاهم وحده رضي الله عنه.

ص: 382

‌الحربي لا يملك مال المسلم

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهَا الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ

(2)

فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(4)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ

(5)

.

‌يرضخ للمرأة والعبد

(6)

• عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ رضي الله عنه أَنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسٍ خِلَالٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمَاً مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ

(7)

. كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟

(8)

وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ وَعَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنِّسَاءِ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ

(9)

وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَا وَلَمْ يَكُنِ

الحربي لا يملك مال المسلم

(1)

فلو انتقل مال المسلم إلى دار الحرب بغصب أو سرقة أو فرار ونحوها ثم غلهم المسلمون وجاء في الغنيمة فهو لصاحبه مطلقًا لأنه أحق به، والحربي لا يملك شيئًا بالغلبة ونحوها وعلى هذا الشافعي، وقال الجمهور: هو لصاحبه إن ظهر قبل القسمة وإن ظهر بعدها فليس له إلا بالقيمة.

(2)

غلبهم المسلمون.

(3)

بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

وكان خالد أمير ذلك الجيش بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: أن رد هذا العبد كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم في حياته.

(5)

ولكن حديث البخاري قاصر على الفرس والله أعلم.

يرضخ للمرأة والعبد

(6)

الرضخ: العطاء القليل؛ فإذا حضر العبد والمرأة في الجهاد وعملا ما يناسبهما وحضرت الغنيمة فعلى الأمير أن يرضخ لهما أي يعطيهما قليلا من الغنيمة لَا كَسَهْمِ رجل مجاهد.

(7)

نجدة هذا من الخوارج ولولا خوف ابن عباس من وصفه بكتمان العمل ما كتب له.

(8)

أي كالمجاهد.

(9)

يعطين منها، والحذوة: العطية، ففيه جواز اختلاط النساء بالرجال للضرورة، ومعالجة المرأة الأجنبية للرجل الأجنبى للضرورة.

ص: 383

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ وَأَنْتَ لَا تَقْتُلْهُمْ

(1)

، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ فلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِن صَالِحٍ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ

(2)

، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ هُوَ لَنَا فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ

(3)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: كَتَبَ لَهُ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ يَقَعَ فِي أُحْمُوقَةٍ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ

(4)

ثُمَّ كَتَبَ لَهُ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ إِلا أَنْ يُحْذَيَا، وَقَالَ لَهُ فِي الْوِلْدَانِ: لَا تَقْتُلْهُمْ إِلا أَنْ تَعْلَمَ مِنْهُمْ مَا عَلِمَ صَاحِبُ مُوسى مِنَ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ

(5)

.

‌إعطاء المؤلفة قلوبهم

(6)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ نَاساً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ

(7)

(1)

إلا إذا قاتلوا أو في البيات كما سبق.

(2)

فلا يزول عنه حكم اليتيم إلا إذا صار رشيدًا عارفا بما عليه وما له، وأما اليتم فإنه يزول بإحدى علامات البلوغ السابقة في الوصية، وعلى هذا الجمهور.

(3)

سبق أن الخمس يتولاه الإمام ولكنه ينفق منه على المذكورين في آية الأنفال وأولاد النبي صلى الله عليه وسلم وقرباه لهم منه سهمان.

(4)

الأحموقة هي أن يرى رأي إخوانه الخوارج الذين يجهلون من الشرع كثيرا.

(5)

صاحب موسى هو الخضر علم الكفر من الغلام فقتله لأنه خلق مطبوعا على الكفر كما سبق في سورة الكهف، نسأل الله السلامة آمين.

إعطاء المؤلفة قلوبهم

(6)

المؤلفة مهم من اسم الواحد منهم ونيته ضعيفة أي في الإسلام أو كان يتوقع بإسلامه إسلام نظرائه وأتباعه وهؤلاء لهم سهم من الزكاة وسبق هذا فيها.

(7)

سيأتي ذكر ثلاثة منهم وهم: الأقرع، وعيينة، وعباس، ومنهم أبو سفيان وابنه معاوية، وحكيم بن حزام، والحارث بن الحارث بن كلدة، والحارث بن هشام، وسهل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، والعلاء الثقفي، ومالك بن عوف النصري.

ص: 384

فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشاً وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ

(1)

فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا ذَوُوا رَأَينَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئاً وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ

(2)

قَالُوا يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ يُعْطِي قُرَيْشاً وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ

(3)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ رضي الله عنه: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ

(4)

أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ»

(5)

فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رضينَا قَالَ: «فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً

(6)

فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ»

(7)

قَالُوا: سَنَصْبِرُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَنْصَارَ فَقَالَ: «أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟» فَقَالُوا: لَا إِلا ابْنَ أُخْتٍ لَنا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ»

(8)

فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشاً حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ

(9)

وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ

(10)

أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وادِياً وَسَلَكَ الْأَنْصَارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ

(11)

.

(1)

خيمة من جلد.

(2)

شبان لم يعرفوا الصواب.

(3)

قتالنا لهم قريب.

(4)

أطلب ألفتهم فيقوى إيمانهم.

(5)

إن الذي ترجعون به وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما رجعون به وهو المال.

(6)

الأثرة بالتحريك: استقلال الأمراء بالأموال دونكم.

(7)

فتظفروا رفيع الدرجات على عملكم وصبركم.

(8)

له ما لهم وعليه ما عليهم.

(9)

بقتل أقاربهم وفتح بلادهم.

(10)

فأسليهم بكثرة المال.

(11)

الوادى: المكان الواسع، والشعب: ما انفرج بين الجبلين أو الطريق في الجبل، والمراد بهذا إظهار كمال محبته صلى الله عليه وسلم هم لا متابعتهم.

ص: 385

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاساً فِي الْقِسْمَةِ

(1)

فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذلِكَ وَأَعْطَى أُنَاساً مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ

(2)

فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدُ فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ

(3)

قَالَ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(4)

فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ

(5)

ثمَّ قَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ هذَا فَصَبَر، قُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَهَا حَدِيثاً

(6)

.

رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْبُخارِيُّ هُنَا:

• عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعُيَيْنَةُ بْنَ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ كلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذلِكَ فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ

(7)

:

أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْـ

ـدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ

(8)

فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ

يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ

(9)

وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا

وَمَنْ تَخْفِضِ الْيوْمَ لَا يُرَفَعِ

(10)

قَالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(1)

أكثر من إعطائهم دون غيرهم.

(2)

هم من سبق ذكرهم وهم أشراف القوم وأعلاهم شأنا.

(3)

هو معتب بن قشير المنافق.

(4)

بقول ذلك المنافق.

(5)

الصرف: الدم، وصبغ أحمر يصبغ به الجلود.

(6)

لا جرم أي لابد أو لا محالة، لا أرفع للنبي صلى الله عليه وسلم كلامًا بعد هذا لأنه غضب وتأذى.

(7)

يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ويرجوه أن يساويه بإخوانه.

(8)

النهب: الغنيمة، والعبيد: اسم الفرس عباس، ولعل بين بمعنى دون.

(9)

بدر جد لعيينة.

(10)

أي ولست بأقل منهما ومن تخفضه اليوم لا يرفعه أحد فلا عزة إلا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ص: 386

‌الجزية

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

(2)

صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرٍ

(3)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ وَأَخَذَهَا عُمَرُ مِنْ فَارِسَ وَأَخَذَهَا عُثْمَانُ مِنَ الْفُرْسِ أَوِ الْبَرْبَرِ

(4)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَة بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ

(5)

وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ

الجزية

(1)

هي مال يؤخذ من أهل الذمة لإسكاننا إياهم في دارنا أو لحقن دمائهم وأموالهم أو لكفنا عن قتالهم.

(2)

{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} كإيمان الموحدين {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} كالخمر والميسر {ولا يدينون دين الحق} لا يتدينون بدين الإسلام {من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية} الخراج المضروب عليهم من جهة الإمام كل عام {عن يدوهم صاغرون} بأيديهم وهم منقادون لحكم الإسلام.

(3)

هجر بلد في جزيرة العرب، والمجوس: عبدة النار ولكن تؤخذ الجزية ممن له شبهة كتاب منهم كجوس هجر وغيرهم، ولأبي داود: أن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية، وللشافعي وغيره بسند حسن عن عليّ رضي الله عنه كان المجوس أهل كتاب يقرءونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال: إن آدم كان ينكح أولاده بناته؛ فأطاعوه وقتل من خالفه، فهم أهل كتاب ولكنهم بدلوه، وللبزار: قال عمر ما أدري كيف أصنع في أمر المجوس؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب أي في الجزية.

(4)

وفارس والفرس كلهم مجوس، فصريح هذا أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن لهم شبهة كتاب فقط، وعلى هذا الجمهور والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: تؤخذ من جميع الأعاجم ولو عبدة أوثان، وقال مالك: تؤخذ من كل الكفار إلا من ارتد فلابد من قتله.

(5)

في سنة الوفود، سنة تسع من الهجرة.

ص: 387

الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ

(1)

فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ

(2)

فَسَمِعَتِ الْأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ» قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ

(4)

فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»

(5)

.

• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الْأَمْصَارِ

(6)

يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ فَقَالَ: إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هذِهِ

(7)

قَالَ: نَعَمْ مَثلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسَ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأَسٌ وَجَنَاحَانِ وَرِجْلَانِ فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلَانِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ

(8)

فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الْآخَرُ نَهَضَته الرِّجْلَانِ وَالرَّأْسُ وَإِنْ شُدِخَ الرَّأَسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلَانِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ

(9)

فَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ وَالْجَنَاحُ الآخَرُ فَارِسُ فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى

(10)

قَال فَنَدَبَنَا عُمَرُ

(11)

وَأَمَّرَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا

(1)

صحابي مشهور.

(2)

بلد بنجد من أخصب بلاد الجزيرة وكان خراجها مائة ألف وهو أول خراج جاء النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

صلت معه.

(4)

فيه بشري هم ببلوغ آمالهم.

(5)

ترغبون فيها كغيركم تهلكون.

(6)

جمع فنو أي في جماعات الأمصار جمع مصر وهي المدينة العظيمة.

(7)

الهرمزان اسمه رستم كان قائدا لأحد جيوش فارس ولما رأى انتصار المسلمين على جيوشهم صالحهم ثم نقض العهد خاصره أبو موسى طويلا ثم سألهم الأمان على أن يحمل إلى عمر فأرسلوه إليه فأسلم فقربه عمر إليه واستشاره بقوله: إني أستشيرك في مغازي هذه التي أريدها نحوكم وهي فارس وأصبهان وأذربيجان؛ فضرب به المثل.

(8)

ونهضت الرأس.

(9)

فإن ضاع الرأس ضاع الكل.

(10)

يخرجوا لقتاله أولا.

(11)

أمرهم بالخروج فخرجوا وفيهم جمع من الصحب كالزبير وحذيفة وابن عمر رضي الله عنهم.

ص: 388

بِأَرْضِ الْعَدُوِّ خَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفاً

(1)

فَقَامَ تُرْجُمَانُهُمْ فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ

(2)

قَالَ: ما أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلَاءٍ شَدِيدٍ نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ وَنَعْبُدُ الشَّجرَ وَالْحَجَرَ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّموَاتِ وَرَبُّ الْأَ رضينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ

(3)

فَأَمَرَ نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ

(4)

وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا «أَنَّهُ مَنْ قتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ في نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ» . رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ فَجَاؤُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَقَنَ دَمَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ نَجْرَانَ

(6)

عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ نِصْفُهَا فِي صَفَرٍ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَارِيَةٍ

(7)

ثَلَاثِينَ دِرْعاً وَثَلَاثِينَ فَرَساً وَثَلَاثِينَ بَعِيراً وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السَّلَاحِ يَغْزُو بِهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا لَهُمْ إِنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ ذَاتُ غَدْرٍ

(8)

عَلَى أَلْا تُهْدَمَ لَهُمْ بِيعَةٌ وَلَا

(1)

أرض العدو هي نهاوند قابلهم فيها عامل كسرى وهو بندار أو ذو الجناحين بأربعين ألف مقاتل وأمداد وراءه نحو مائة ألف وعشرة آلاف.

(2)

المغيرة بن شعبة الصحابي المشهور.

(3)

زاد في رواية: أوسطها حسبا وأصدقنا حديثا.

(4)

هنا الشاهد فإن هؤلاء مجوس.

(5)

دومة: بلد أو قلعة بالشام بقرب تبوك وأكيدر دومة ملكها، واسمه عبد الملك الكندي كان نصرانيا فلما جيء به أسيرا صالحه النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية وبقي في ملكه.

(6)

وكانوا نصاري.

(7)

عطف على ألفي حلة، وعارية بيانها ما بعدها على الإضافة أو البدلية.

(8)

حرب وغدر.

ص: 389

يُخْرجُ لَهُمْ قَسٌّ وَلَا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ مَا لَمْ يحْدِثُوا حَدَثاً أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا

(1)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

• عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَاراً أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ

(3)

رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ

(4)

.

وَقِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنْ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ

(5)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

‌العشور

(6)

• عَنْ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورُ»

(7)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(8)

.

(1)

أو يحدثوا حدثا كالإخلال ببعض الشروط، فالنبي صلى الله عليه وسلم صالح نصارى نجران على ألفين من الحلل يؤدونها على دفعتين في العام وعلى أنه إذا نقض أهل اليمن العهد بينهم وبين المسلمين وقامت الحرب بينهم فعلى نصارى نجران أن يعيروا المسلمين بتلك العارية عونًا لهم على ناقض العهد وهي مضمونة لأصحابها إن تلفت.

(2)

بسندين صالحين.

(3)

الحالم: المحتلم أي البالغ بأحد العلامات السابقة في الوصية، والعدل بالفتح والكسر: المثل، والمعافر: ثياب باليمن؛ فالجزية واجبة على أهل الكتاب والمجوس إذلالا لهم وعونا للمسلمين.

(4)

بسند حسن.

(5)

ففيه أن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال المكلفين الأحرار دون غيرهم وأنها تؤخذ من الميسور عندهم كل إنسان على قدر حاله يسارا وإعسارا بتقدير العارفين بهم من أهل النظر والعدل والله أعلم.

العشور

(6)

العشور جمع عشر وهو واحد من عشرة.

(7)

فليس على المسلمين عشور ولكن على أهل الذمة، اليهود والنصارى والمجوس أن يدفعوا عشر تجارتهم أو قيمته للمسلمين نظير اتجارهم في بلادنا، وهذا لا يجب عليهم إلا إذا نص عليه مع عقد الجزية وإلا فلا، وعلى هذا الشافعي وجماعة، وقال الحنفية: لا تؤخذ منهم عشور في بلادنا إلا إذا أخذوا منا في بلادهم وإلا فلا، ولعل ما تأخذه الحكومة من الوارد إلى بلادنا (وهو الجمارك) من هذا وهل هو يساوي العشر أو لا.

(8)

بسند صالح.

ص: 390

‌الغلول حرام

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

(2)

ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

(3)

.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ فِي النَّارِفَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا»

(4)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَباً وَلَا وَرِقاً إِلا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ

(5)

فَتَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ وَادِي الْقُرَى وَقَدْ أُهْدِيَ لَهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ يُسَمَّى مِدْعَماً

(6)

فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابَهَ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئاً لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَاراً»

(7)

فَلَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشَراكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ»

(8)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ

(9)

.

وَمَاتَ رَجُلٌ يَومَ خَيْبَرَ مِنَ الْأَصْحَابِ فَبَلَغَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ» فَقَالَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيله اللَّهِ» ، فَفَتَّشُوا مَتَاعَهُ فَوَجَدُوا خَرَزاً مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ

(10)

.

الغلول حرام

(1)

الغلول: هو الخيانة في الغنيمة.

(2)

يحمله على رقبته وعلى ظهره فضيحة له، قال تعالى:{وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} .

(3)

بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة.

(4)

الثقل كسبب متاع المسافر. قد غلها: سرقها من الغنيمة.

(5)

كالمواشي والعقار والنخيل والأراضي.

(6)

أهداه له رفاعة بن زيد.

(7)

كان سرق شملة من الغانم قبل قسمتها.

(8)

أي إن بقيا عندي كانا نارا عليّ يوم القيامة.

(9)

ولكن أبو داود هنا والبخاري في خيبر ومسلم في الإيمان.

(10)

الخرز كمرض: عقد من جوهر ولؤلؤ ونحوهما.

ص: 391

• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعِياً ثُمَّ قَالَ: «انْطَلِقْ أَبَا مَسْعُودٍ لَا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ وَعَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنَ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ» قَالَ: إِذاً لَا أَنْطَلِقُ قَالَ: «إِذاً لَا أُكْرهُكَ»

(1)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

وَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَاناً قَدِ اسْتُشْهِدَ قَالَ: «كَلا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ بِعَبَاءَةٍ قَدْ غَلَّهَا» ثُمَّ قَالَ: «قُمْ يَا عُمَرُ فَنَادِ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا الْمُؤْمِنُونَ ثَلَاثاً»

(3)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ

(4)

.

‌عقوبة الغال

(5)

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ» قَالَ: فَوَجَدْنَا فِي مَتَاعِهِ مُصْحَفاً فَسَأَلْنَا سَالِماً عَنْهُ فَقَالَ: «بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بِثَمَنِهِ»

(6)

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(7)

.

• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ حَرَّقُوا مَتَاعَ الْغَالِّ وَضَرَبُوهُ

(8)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

(1)

سبق مثل هذا طويلا في الرشوة من كتاب الإمارة.

(2)

بسندين صالحين. ولأبي داود: من كتم غالا فإنه مثله أي من ستر على الغال فإنه كإثمه.

(3)

الذين لم يغلوا، وثلاثا معمول لناد أي ناد بها ثلاثا.

(4)

أي في الإيمان، وفي رواية: من فارق الروح منه الجسد وهو بريء من ثلاث: الكنز، وفي رواية: الكبر، والغلول، والدين. دخل الجنة، والله أعلم.

عقوبة الغال

(5)

أي في الدنيا وفي الآخرة النار نعوذ بالله منها.

(6)

في متاعه أي رجل قد غل فيحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف، وعلى هذا جماعة ويضرب إن كان من أهل ذلك وإلا أنب بما يراه الأمير بل ولا سهم له.

(7)

بسند غريب.

(8)

سئل البخاري عن هذا فقال إنه منكر، وروى في غير حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه الغال فلم يأمر فيه بتحريق ولا ضرب ومنه الأحاديث السالفة في باب الغلول، فيكون حكمه أخذ ما غله وتأديبه بما يراه فيه الإمام والله أعلم.

ص: 392

‌الأسرى

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً}

(2)

{يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ}

(3)

{وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ»

(4)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• وَعَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا

(5)

قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامةَ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ

(6)

فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»

(7)

؟ فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ

(8)

وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتَرَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ بَعْدَ الغَدِ فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ

الأسرى

(1)

أي ما ورد في الأسرى جمع أسير كقتلى وقتيل ويقال أساري كسكارى وهو ما أسر من المحاربين.

(2)

إيمانًا وإخلاصًا.

(3)

من الفداء بأن يضعفه لكم في الدنيا ويثيبكم عليه في الآخرة.

(4)

أي وكانوا في الدنيا في السلاسل حتى دخلوا في الإسلام وهم الأسرى الذين يسلمون أو المراد أسرى المسلمين في أيدي الكفار حتى يموتوا أو يقتلوا، وفي رواية: عجب الله من قوم يساقون إلى الجنة في السلاسل لأن الجنة سلعة غالية يتسابق العقلاء إليها بأرواحهم فكيف لهؤلاء يساقون لها في السلاسل.

(5)

أي فرسانا.

(6)

عمود من أعمدته لأنه لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمرو عثمان سجن بل أحدثه عليّ رضي الله عنهم، واليمامة: بلد من عروض البين وقيل من بادية الحجاز.

(7)

ما تظن أن أفعله بك.

(8)

أظن فيك الخير يا محمد فإنك لا تقتل إلا من يستحق القتل ولا تنعم إلا على من يشكرك وإن ترد المال فاطلب منه ما تشاء. وهذا كلام عظيم يدل على عظم قائله ولا شك فكلام الملوك ملك الكلام.

ص: 393

تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَطْلِقُوا ثَمَامَةَ» فَذَهَبَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلهَ إِلا اللَّهَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ. وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ

(1)

. وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ. وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(2)

وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ

(3)

قَالَ: لَا، وَلكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّة حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فُكُّوا الْعَانِيَ

(4)

وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ

(5)

وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ

(6)

وَعُودُوا الْمَرِيضَ»

(7)

. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالبُخَارِيُّ.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا

(8)

فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ وَرَدَّ الْبَيْعَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(9)

.

(1)

فلما كان ثمامة كافرًا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ودينه وبلده أبغض شيء عنده فلما أسلم صار النبي صلى الله عليه وسلم ودينه وبلده أحب شيء إليه، وهذا دليل على أنه اسم خالصًا لله تعالى.

(2)

بالخبر العظيم والمكان الرفيع عند الله تعالى على إسلامه وهداية قومه به لأنه سيدهم.

(3)

أي خرجت من دينك وكانوا يسمون من أسلم صابئًا مع أنه علم على جماعة من الكفار تعبد الكواكب.

(4)

العاني أي الخاضع الذليل وهم الأسير وجمعه عناة كغزاة ومنه الزوجة عانية لأنها خاضعة لزوجها. وفكاك الأسير واجب على الكفاية، وقال ابن إسحاق: من بيت المال.

(5)

إلى الولية أو إلى شفاعة أو استغاثة.

(6)

نديا، ووجوبا إن كان مضطرا.

(7)

ندبا إن كان مسلما وإلا جوازا.

(8)

فرق بينهما بيع أحدهما فأبطله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في ولد صغير بخلاف من صار يمنع نفسه من المضار.

(9)

بسند حسن ولفظه: من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة والله أعلم.

ص: 394

‌للأمير المن والفداء والقتل

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}

(2)

.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ هَبَطَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي أُسارَى بَدْرٍ: الْقَتْلَ أَوِ الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ قابِلَ مِثْلُهُمْ قَالُوا: الْفِدَاءَ وَيُقْتَلُ مِنَّا»

(3)

. عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

(4)

. رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِدَاءَ أَهلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ

(6)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

(7)

.

• عَنْ مَرْوَانَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ

(8)

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ

(9)

فَقَالَ لَهُمْ: «أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ»

(10)

فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَ

للأمير المن والفداء والقتل

(1)

فإذا انتهت الحرب وأسر الكفار فللأمير أن يفعل ما فيه المصلحة للمسلمين من: إطلاق سراح الكفار من غير شيء، أو على أخذ الفداء منهم، أو قتلهم للآية الآتية ولما يأتي من المن على هوازن وفداء أسرى بدر وقتل بني قريظة.

(2)

أول الآية {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} اضربوا رقابهم أي اقتلوهم {حتى إذا أثخنتموهم} أكثرتم من قتلهم {فشدوا الوثاق} أوثقوا الأسرى {فإما منا بعد} فلكم أن تمنوا عليهم بعد هذا بإطلاقهم من غير شيء {وإما فداء} ولكم أن تفادوهم بمال أو أسرى مسلمين.

(3)

وتخييرهم لا ينافي مشورتهم السابقة في سورة الأنفال، فإن المراد أخذ رأي الأصحاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من مشورتهم لقوله تعالى {وشاورهم في الأمر} .

(4)

أخذ أسيرين مسلمين من المشركين وأعطاهم أسيرا كان عنده.

(5)

الأول بسند حسن والثاني بسند صحيح.

(6)

فالفداء الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر على كل واحد من أسرى المشركين أربعمائة درهم وهو يساوي ألفًا ومائتي قرش مصري.

(7)

بسند موثق.

(8)

هوازن ومعهم بنو نصر وقبائل أخرى هم الذين كانوا يقاتلون في غزوة حنين بين عرفة والطائف بعد فتح مكة.

(9)

وكانت الغنائم في حنين من أنواع الأموال والسبايا أكثر من أن تحصى.

(10)

تأنّيت لعلهم يرجعون.

ص: 395

آخِرَهُمْ بِضْعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ

(1)

قَالُوا: إِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا

(2)

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هؤُلَاءِ قَدْ جَاؤُوا تَائِبِينَ

(3)

وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ مَنْ أَجَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَجَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهِ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ» فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذلِكَ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ

(4)

فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا

(5)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

‌إذا أسلم الرقيق لا يرد

(6)

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَبْدَانٌ

(7)

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَوَالِيهِمْ وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا خَرَجُوا إِلَيْكَ رَغْبَةً فِي دِينِكَ وَإِنَّمَا خَرَجُوا هَرَباً مِنَ الرِّقِّ فَقَالَ نَاسٌ: صَدَقُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «مَا أُرَاكُمْ

(8)

تَنْتَهُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهَ عَلَيْكُمْ مَنْ يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى هذَا»، وَأَبى أَنْ يَرُدَّهُمْ وَقَالَ:«هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ عز وجل»

(9)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ

(10)

.

(1)

رجع منه.

(2)

المسبى من الرجال والنساء.

(3)

من الشرك ومسلمين منقادين.

(4)

سمحنا رد سبيهم عليهم.

(5)

فردوا سبيهم لهم لأنهم اعتنقوا الإسلام. وأما الأموال والغنائم قسمت بين المجاهدين من قريش والمؤلفة قلوبهم دون الأنصار كما سبق.

إذا أسلم الرقيق لا يرد

(6)

الرقيق الذي جاء من دار الحرب للمسلمين.

(7)

أي أرقاء.

(8)

ما أراكم بضم الهمزة أي ما أظنكم وبفتحها أي ما أعلمكم.

(9)

فبخروجهم من دار الحرب ودخولهم في الإسلام صاروا أحرارا لا يجوز ردهم إلى مواليهم وإلا كان حلا على الكفر.

(10)

بسند صحيح.

ص: 396

‌إباحة الطعام في أرض العدو

(1)

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ أَصَبْتُ جِرَاباً مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي الْيَوْمَ أَحَداً مِنْ هذَا شَيْئاً قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَبَسِّماً

(2)

رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ

(3)

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُ وَلَا نَرْفَعُهُ

(4)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ أَنَّ جَيْشاً غَنِمُوا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً وَعَسَلاً فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمُ الْخُمُسَ

(5)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(6)

.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَمُرُّ بِقَوْمٍ فَلَا هُمْ يُضَيِّفُونَا وَلَا يُؤَدُّونَ مَا لَنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ

(7)

وَلَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ أَبَوْا إِلا أَنْ تَأْخُذُوا كَرْهاً فَخُذُوا»

(8)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(9)

.

‌هدية المشرك مردودة

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ هَدِيَّةَ كِسْرَى

(10)

وَأَنَّ الْملُوكَ أَهْدَوْا إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(11)

.

• عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً أَوْ نَاقَةً

إباحة الطعام في أرض العدو

(1)

ولا يدخل في القسمة.

(2)

فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأخذه منه.

(3)

ولفظه لمسلم.

(4)

أي للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه مباح لنا.

(5)

فما كان يأخذه المجاهدون من الطعام والفواكه لا يدخل في القسمة.

(6)

بسند صالح.

(7)

من حق الضيافة ولا نأخذ منهم لا بالثمن ولا كرها.

(8)

فإن أبوا الضيافة والبيع بالثمن فخذوا منهم ولو كرها، هذا في حال الضرورة مع مسلمين أو أهل ذمة أو أمان، أما الحربي فأخذ ماله جائز مطلقا بل هو أولى من طلب قتله.

(9)

بسند حسن.

هدية المشرك مردودة

(10)

لعله أحد ملوك كسرى التابعين له فإن المشهور أن كسرى نفسه مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفارس كان لهم شبه كتاب.

(11)

بسند صحيح.

ص: 397

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَسْلَمْتَ» ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: «فَإِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ»

(1)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

(2)

وَأَبُو دَاوُدَ.

‌يجوز إتلاف مال الكفار

(3)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ وَلَهَا يَقُولُ حَسَّان:

وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيَ

حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

(4)

وَفِيهَا نَزَلَتْ: {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}

(5)

. رَوَاهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

• عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةَ» وَكَانَ بَيْتاً فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ

(6)

فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَحْمَسَ

(7)

وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي

(8)

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيًّا» ؛ فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا

(9)

فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ:

(10)

يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ

(1)

زبد كعبد: العطاء والرفد، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية أهل الكتاب كالنجاشي والمقوقس حينما بعث له النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبًا مع حاطب بن أبي بلتعة فرد عليه بالمكتوب السابق بخلاف المشركين فلم يقبل هديتهم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يميل قلبه إليهم وليكون حاملا لهم على الإسلام والنهى للكراهة فقط.

(2)

بسند صحيح.

يجوز إتلاف مال الكفار

(3)

كتابيين أو حربيين إذا قضت الضرورة بذلك في الحرب.

(4)

البويرة: بساتين ونخيل

لبني النضير طائفة من اليهود من بنى لؤى نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين جاءوا لقتالهم فتحصنوا في حصونهم فحرقوا أموالهم ليخرجوا لهم.

(5)

وسبق هذا في تفسير سورة الحشر وسيأتي منه في الغزوات إن شاء الله.

(6)

خثعم: قبيلة باليمن كان لها بيت يسمى كعبة اليمانية أي الجهة اليمانية فيه صنم اسمه ذو الخلصة يعبدونه من دون الله تعالى.

(7)

أحمس قبيلة جرير المشهورة بالفروسية.

(8)

شعرت ببردها على قلبي.

(9)

الكعبة اليمانية والصنم الذي فيها.

(10)

وهو حصين بن ربيعة الأحمسي.

ص: 398

حَتَّى تَرَكْتَهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ

(1)

فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ

(2)

.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.

‌الصلح والهدنة

(3)

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبَيْتِ

(4)

صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثاً وَلَا يَدْخُلَهَا إِلا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ السَّيْفِ وَقِرَابِهِ

(5)

وَلَا يَخْرُجُ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يَمْنَعُ أَحَداً يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ قَالَ

(6)

لِعَلِيَ: «اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(7)

هذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ وَلكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا

(8)

فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمحَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرِنِي مَكَانَهَا» فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا وَكَتَبَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالُوا لِعَلِيَ: هذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ فَمُرْهُ فَلْيَخْرُجْ فَأَخْبَرَهُ بِذلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ فَخَرَجَ، رَوَاهُ الثَّلَاثَة.

• عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه أَنَّهُمُ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ وَعَلَى أَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ

(9)

.

(1)

بعد تحريقها وهدمها صارت كالجمل الأجرب الذي زال شعره وجلده فاسود.

(2)

دعا لهم بالبَركة خمس مرات جزاء على جهادهم بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

الصلح والهدنة

(3)

الهدنة كالغرفة: الصلح بين المسلمين وغيرهم إلى أجل.

(4)

لما منعه الكفار من دخول مكة هو وأصحابه وكانوا يريدون العمرة اصطلحوا بالحديبية.

(5)

بيان لجلبان السلاح.

(6)

الرسول صلى الله عليه وسلم.

(7)

وفي رواية: ما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم.

(8)

كلمة رسول الله.

(9)

العيبة: وعاء الثياب، ومكفوفة: مربوطة محكمة، ولا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة، بل ولا كلام فيما مضى ولكن قلوب صافية وأمن وسلام تام. وحاصل =

ص: 399

قَالَ جُبَيْرُ نُفَيرٍ رضي الله عنه: انْطَلَقْنَا إِلَى ذِي مِخْبَرٍ رضي الله عنه فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الْهُدْنَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحاً آمِناً وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ»

(1)

. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ

(2)

.

‌المسلم يؤمن من يشاء

(3)

• عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»

(4)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: جَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ»

(5)

.

• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ»

(6)

. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والبُخَارِيُّ.

= الشروط أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون هذا العام وأن يعودوا للعمرة العام القابل ولا يحملوا إلا جلبان السلاح ولا يأخذوا من تبعهم من أهل مكة ولا يأخذوا من تأخر من المسلمين ولا يمكثوا بمكة إلا ثلاثة أيام واصطلحوا على وضع الحرب بينهم عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم بعضا.

(1)

وتتفقون معهم على غزو بعض الأعداء، فيه أن الصلح جائز بل ومشروع بين الأفراد والجماعات منعًا للنزاع وحقنًا للدماء وسبق منه في كتاب الإمارة.

(2)

بسندين صالحين.

المسلم يؤمن من يشاء

(3)

فلكل مسلم ولو أنثى أن يعطى الأمان لأي حربي.

(4)

فأم هانئ واسمها فاختة شقيقة عليّ رضي الله عنهما أمنت جعدة بن زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومى فأراد عليّ أن يقتله فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بهذا فقال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، أجرنا من الجوار بالكسر بمعنى الإجارة من القتل.

(5)

الأحماء: جمع حمو وهو قريب الزوج.

(6)

فعهدهم واحد يعطيه أي شخص مسلم لأيّ إنسان أسلم ويحرم قتله بعد هذا؛ وعليه الجمهور والأئمة الأربعة، وللإمام أحمد: المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم.

ص: 400

‌الرسل لا تُقتل

(1)

• عَنْ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِرَسُولَيْ مُسَيْلَمَةَ

(2)

حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ: «مَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟» قَالَا: نَقُولُ كَمَا قَالَ قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا»

(3)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنهما.

‌الجاسوس يقتل

(4)

• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ

(5)

مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ مَعَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اطْلُبُوهُ فَاقْتُلُوهُ» قَالَ: فَقَتَلْتُهُ فَنَفَّلَنِي سَلَبَهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِهِ

(6)

وَكَانَ عَيْناً لِأَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ حَلِيفاً لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَمَرَّ بِحَلْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالَ:

الرسل لا تُقتل

(1)

الرسل: جمع رسول، والمراد به هنا رسول الكفار الذي يرسلونه بكلام أو كتاب الإمام المسلمين.

(2)

اللذين جاءا بكتابه للنبي صلى الله عليه وسلم وهما ابن النواحة ورفيقه.

(3)

لأن اعترافهما بما يقول مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة كفر في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعه من قتلهما أنهما رسولان وقتل الرسول حرام لأنه غندر، وسيأتي الكلام على من ادعى النبوة في كتاب الفتن، وفي أبي داود: أن عبد الله لقي ابن النواحة بعد هذا في السوق فذكر الحديث وقال له: أنت الآن لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه فهلك على كفره.

الجاسوس يقتل

(4)

الجاسوس هو من يرسله الكفار سرًا يتجسس على المسلمين ويتعرف أمورهم ويبلغها للكفار.

(5)

عينٌ فاعل أني فجلس أي ذلك العين ثم انصرف فأمر بقتله فقتله سلمة وأخذ سلبه، وسمي الجاسوس عينًا لأن عمله بعينه.

(6)

ولفظ الإمام أحمد: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله وكان ذميا.

ص: 401

«إِنَّ مِنْكُمْ رِجَالاً لَا نَكِلُهُمْ إِلَى إِيمَانِهِمْ مِنْهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ»

(1)

. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.

‌بعث العيون مطلوب

(2)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بُسَيْسَةَ عَيْناً يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ

(3)

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ

(4)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟» فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، قَالَهَا ثَلَاثاً وَيُجِيبُهُ الزُّبَيْرُ

(5)

، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِكُلِّ نَبِيَ حَوَارِيَّ وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

‌إخراج الكفار من جزيرة العرب

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ

(6)

فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعْهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ

(7)

أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ

(8)

، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(9)

، قَالَ: دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ

(10)

.

(1)

إلا إذا شهد له مسلم، فلما تبين أنه حليف لأحد الأنصار وشهد بعضهم بإسلامه تركوه فحسن إسلامه بعد هذا وهاجر إلى المدينة وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض، فيها أن الجاسوس يقتل ولو ذميا أو معاهدا، وقال بعضهم: تزول ذمته وعهده. والله أعلم.

بعث العيون مطلوب

(2)

فعلى الأمير أن يرسل عينًا واحدا أو أكثر إلى الكفار ليتعرف أمورهم ويأتي بأخبارهم.

(3)

العير قافلة التجارة قال تعالى: {ولما فصلت العير} وبسيسة بالتصغير ابن عمرو أو ابن بشر.

(4)

بسند صالح.

(5)

ففيهما طلب بعث العين للوقوف على أحوال الكفار وسبق هذا في فضل الزبير رضي الله عنه.

إخراج الكفار من جزيرة العرب

(6)

وفي رواية: حتى بلّ دمعه الحصى. مبالغة في كثرة بكائه.

(7)

وفي رواية. بكتف.

(8)

وفي رواية: فاختلفوا وكثر اللغط فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع.

(9)

أي هذي في كلامه.

(10)

الذي أنا فيه: هو المراقبة والتأهب للقاء الله تعالى خير من أمركم.

ص: 402

وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ

(1)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بيْنَما نَحْنُ في المَسْجِدِ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: انْطَلِقُوا إلى يَهُودَ فَخَرَجْنا معهُ حتَّى جِئْنا بَيْتَ المِدْراسِ

(2)

، فَقَالَ: أسْلِمُوا تَسْلَمُوا فقالوا: واعْلَمُوا أنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ ورَسولِهِ وإنِّي أُرِيدُ أنْ أُجْلِيَكُمْ مِن هذِهِ الْأَرْضَ فمَن يَجَدَ مِنكُم بِمَالِهِ شيئًا فَلْيَبِعْهُ

(3)

وإلَّا فاعْلَمُوا أنَّ الأرْضُ لِلَّهِ ورَسولِهِ

(4)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لأُخْرِجَنَّ اليهودَ والنَّصَارَى مِن جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا

(5)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا الْبُخَارِيُّ.

(1)

هي لا تتخذوا قبري وثنا، أو هي بعث أسامة بن زيد وسبق هذا في الفضائل.

(2)

العالم الذي يدرس لهم أو البيت الذي يدرسون فيه.

(3)

بما له أي بدل ماله شيئًا فليبعه.

(4)

أي قضت حكمته أن يورثها للمسلمين ففارقوها بسلام وإلا فالحسام، وهؤلاء اليهود بقايا تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير وكل يهود المدينة وتوابعهما.

(5)

وفي رواية: إن عشت إن شاء الله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، ولأبي داود والترمذي: لا تكون قبلتان في بلد واحد أي لا ينبغي إبقاء دينين في الجزيرة بل الواجب أن تكون كلها إسلاما ولم يتمكن أبو بكر من إخراج الكفار لقصر مدته واشتغاله بحرب المرتدين ولكن أخرجهم عمر رضي الله عنهم، سئل المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب فقال مكة والمدينة واليمين واليامة رواه البخاري، وقال سعيد بن عبد العزيز: جزيرة العرب ما بين وادي القرى إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر وسبق في فضل العرب والحجاز أوسع من هذا وحكمة قصر دينها على الإسلام نسأل الله الموت على الإسلام آمين.

ص: 403

‌اضطهاد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم

• عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعَبَةِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ

(1)

فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ

(2)

فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ مَنَعَةٌ لَطَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ

(3)

فَانْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ

(4)

فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثاً وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثاً، ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا سَمِعُوهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضَّحِكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» وَذَكَرَ السَّابِعَ

(5)

وَلَمْ أَحْفَظْهُ فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم

بِالْحَقِّ

(6)

لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ

(7)

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ

اضطهاد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم

(1)

الجزور الناقة، والسلا بالفتح والقصر ثقافة الجنين، وتسمى في الآدميات مشيمة.

(2)

هو عقبة بن أبي معيط الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم صبرا بعد رجوعه من بدر والقتل صبرا أن يوثق ثم يقتل.

(3)

المنعة بفتحات: العزة والقوة.

(4)

جويرية تصغير جارية أي شابة.

(5)

السابع هو عمارة بن الوليد.

(6)

هذا كلام الراوي وهو ابن مسعود رضي الله عنه.

(7)

صرعى جمع صريع كقتلى وقتيل وزنًا ومعنى، وقليب بدر: بئر قديمة هناك. فالذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قتلوا يوم بدر وجرت أجسامهم على الأرض حتى ألقوا في البئر خاسرين دنياهم وأخراهم.

ص: 404

الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ

(1)

إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقاً شَدِيداً فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَرَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ» الْآيَةَ

(2)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ

(3)

وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ

(4)

إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَا لِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ

(5)

فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ

(6)

فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ

(7)

وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ

(8)

لِتأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُم قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ

(9)

إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ

(10)

»، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ

(1)

في حجر إسماعيل بجوار الكعبة المشرفة.

(2)

سبق هذا الحديث في تفسير سورة المؤمن.

(3)

أي إيذاء كثيرا.

(4)

يوم وقف على العقبة بمنى ودعا الناس للإسلام فما أجابوه بل وآذوه فصار يومًا معروفا بيوم العقبة.

(5)

ياليل: صنم الثقيف بالطائف، والذي كلمه النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد ياليل أخو عبد كلال وهم أشراف ثقيف بالطائف فأبوا.

(6)

ويسمى قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد على يوم وليلة من مكة، والقرن: الجبل الصغير المنفصل من الكبير.

(7)

الذين ذهبت لهم.

(8)

الموكل بأمر الجبال.

(9)

أي مرني بما تشاء.

(10)

الأخشبان: جبلان بمكة أبو قبيس وما قابله، فالنبي صلى الله عليه وسلم في سنة عشر من المبعث في شوال بعد موت أبي طالب وخديجة رضي الله عنهما اشتد عليه وعلى المسلمين أذى الكفار فهاجر من هاجر وبقى النبي صلى الله عليه وسلم والمستضعفون فذهب لبني ثقيف بالطائف فعرض عليهم الإسلام رجاء أن يسلموا فيعاونوه على الكفار وعلى تبليغ رسالة ربه فأبوا بل وهزأوا به، ولما انصرف عائدا إلى مكة أغروا به عبيدهم وسفهاءهم وانتظروه في مضيق في الطريق وأوقعوا =

ص: 405

أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(1)

.

‌الباب السابع في الغزوات

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ

(2)

وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمَائَةٍ

(3)

وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ

(4)

». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ

(5)

.

• عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنهما فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ، فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَالَ: ذَاتُ الْعُسَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرِ

(6)

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

= به كل أذية حتى سالت الدماء من جسمه صلى الله عليه وسلم ثم تركوه ورجعوا ولم يكن معه إلا مولاه زيد بن حارثة فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قرن الثعالب نزل عليه جبريل ومعه ملك الجبال فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: إن الله بعثني إليك للانتقام من هؤلاء الذي آذوك فإن شئت أن أطبق عليهم الجبلين فعلت، فأطرق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ثم قال: لا، بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده، فقال له الملك: أنت كما سماك ربك رءوف رحيم، وسبق في تفسير الحجرات والمنافقين بعض ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين.

(1)

ولكن مسلم هنا والبخاري في بدء الخلق.

الباب السابع في الغزوات

(2)

فخير الرفقة في السفر أربعة لأنه لا يتم الأمن والأنس والمعاونة إلا بأربعة وإن كفي ثلاثة لما سبق والثلاثة ركب.

(3)

السرايا: جمع سرية وهي قطعة من الجيش تخرج فتغير على العدو وترجع، وخيرها من ثلاثمائة وبضعة عشر كعدة أهل بدر إلى أربعمائة إلى خمسمائة، سميت بهذا لأنها تسرى خفية.

(4)

بل إن غلبوا فلأمر آخر كالعجب بالكثرة، وزاد العسكري: وخير الطلائع أربعون، جمع طليعة وهي ما تسبق الجيش لتخبر أمر العدو.

(5)

بسند حسن.

(6)

لكن المعروف فيها العشيرة وهي ثالثة الغزوات لرواية البخاري: أول ما عزا النبي صلى الله عليه وسلم الأبواء: وتسمى ودان على ثلاثة وعشرين ميلا من الجحفة، ثم بواط: جبل من جبال جهينة بقرب ينبع، ثم العشيرة: قرية من بطن ينبع، وكانت الغزوة الأولى في صفر على رأس اثني عشر شهرا من الهجرة، والثانية في ربيع الأول، والثالثة في جمادى الأولى وكلهن في السنة الثانية من الهجرة ولم يقع في الثلاث حرب.

ص: 406

وَقَالَ بُرَيْدَةُ رضي الله عنه: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهُنَّ

(1)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌غزوة بدر

(2)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .

• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ وَمَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ

(3)

«اللَّهُمَّ انْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلكْ هذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تَعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ

(4)

وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ منَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ

(5)

}. فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالمَلَائِكَةِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ

(6)

.

• عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَداً لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ

(7)

أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

(8)

وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسى

(1)

وقيل في تسع منهن والله أعلم.

غزوة بدر

(2)

بدر: قرية في نصف الطريق بين مكة والمدينة وهي أقرب للمدينة، سميت باسم بئر هناك لرجل من جهينة اسمه بدر، أو نسبت إلى بدر بن النضر بن كنانة الذي نزلها، وقال الواقدي: كان شيوخ غفار يقولون بدر ماؤنا ومنزلنا وما ملكه أحد قبلنا.

(3)

بدعوه ويستغيث به بالكلمات الآتية ونحوها.

(4)

ضمه إلى صدره.

(5)

يردف بعضهم بعضا.

(6)

سبق للترمذي ومسلم في سورة الأنفال وللبخاري في اقتربت الساعة.

(7)

من كل ثمين يوزن.

(8)

أتى، أي المقداد فقال أي المقداد بن الأسود.

ص: 407

اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا وَلكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ»، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ قَوْلُهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

• وَعَنْهُ قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلٍ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْماً حَارًّا

(1)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاوَرَ

(2)

حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا

(3)

وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا

(4)

فَنَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْراً وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ

(5)

فِيهِمْ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ وَلكِنْ هذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فَإِذَا قَالَ ذلِكَ ضَرَبُوهُ فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أُخْبِرُكُمْ هذَا أَبُو سُفْيَانَ فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ قَالَ: مَا لِي عِلْمٌ بِهِ وَلكِنْ هذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُميَّةُ فِي النَّاسِ فَإِذَا قَالَ هذَا أَيْضاً

(1)

حتى صارت أجسامهم جيفا ذات نتن شديد.

(2)

أي مع أصحابه لما بلغه إقبال أبي سفيان من الشام بتجارة قريش هل يخرج لملاقاته أو لا، وقصده اختبار الأنصار لأنهم بايعوه على أن يحفظوه فقط ولم يبايعوه على قتال العدو؛ فسمع منهم السمع والطاعة في كل ما يريد من كلام المقداد السالف ومن كلام سعد هنا؛ ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وقوي عزمه وخرج ناشطًا لهم فانتصر عليهم والحمد لله.

(3)

لو أمرتنا أن نخوض بخيلنا البحار لأجبناك.

(4)

برك الغماد: موضع أو هو أقصى معمور الأرض، وضرب الأكباد كناية عن ركض الدابة برجليه اللتين تكونان على أكبادها، وهذا مبالغة في السمع والطاعة ولو أمرهم بقتال أهل الأرض كلهم.

(5)

جمع راوية وهي الراحلة التي تحمل الماء.

ص: 408

ضَرَبُوهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ انْصَرَفَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ

(1)

وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ

(2)

» وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ ههُنَا وَههُنَا قَالَ: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ

(3)

فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ فَخَرَّ مُسْتَلْقِياً فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذلِكَ أَجْمَعَ

(4)

فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ» ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ

(5)

. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

• عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ

(6)

فَقُذِفُوا فِي طَوِيَ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخَبَّثٍ

(7)

وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا

(1)

في نسخة لتضربونه.

(2)

أي موضع قتله، فما تجاوز أحد منهم موضعه الذي أشار له النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

حيزوم: اسم لفرس الملك الذي ضرب الكافر بالسوط، وفي الزمخشري: لما حل ميعاد ذهاب موسى إلى الطور أتاه جبريل على حيزوم - فرس الحياة - ليذهب به إلى الطور؛ فأبصره السامري لا يضع حافره على شيء إلا أخضر فقال: إن لهذا شأنا، فقبض قبضة من تربة موطئه فألقاها على الحلى المسبوكة فصارت عجلا جسدا له خوار.

(4)

ظهر أثر السوط على أنفه ووجهه كخط أخضر.

(5)

قتل من الكفار يوم بدر سبعون وأسر منهم سبعون منهم العباس وصهر النبي صلى الله عليه وسلم فشاور النبي صلى الله عليه وسلم الأسحاب في الأسرى فأشار عمر بقتلهم وأشار أبو بكر بأخذ الفداء منهم فعمل النبي صلى الله عليه وسلم برأيه وأخذوا الفداء أربعمائة درهم عن كل أسير وعاتبه الله على ذلك كما سبق في سورة الأنفال.

(6)

من عظمائهم الذين قتلوا فيها.

(7)

الطوى: البئر المبنية بالحجارة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بطرح هؤلاء في تلك البئر الخبيثة كان حفرها رجل من بني النجار فصارت قبرا لشر الكفار وأمر بطرح باقي السبعين في أماكن أخرى.

ص: 409

رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَتِبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا يَنْطَلِقُ إِلا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ

(1)

فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهمْ «يَا فُلانُ ابْنَ فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ

(2)

أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا

(3)

» فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا

(4)

فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ

(5)

». رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْر فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ سَبْعِينَ أَسِيراً وَسَبْعِينَ قَتِيلاً. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمٌ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ

(6)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌فضل أهل بدر وعددهم

• عَنْ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرِ فِيكُمْ؟ قَالَ: «مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ» أَوْ كَلِمةً نَحْوَهَا قَالَ: «وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْراً مِنَ الْمَلَائِكَةِ

(7)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ بِعِدَّةِ أَصْحَابِ طالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلا مُؤْمِنٌ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً

(8)

.

(1)

على طرف البئر التي فيها جثث الكفار.

(2)

رواية أحمد فيها التصريح بأسمائهم.

(3)

من الثواب والنصر.

(4)

من العذاب.

(5)

بل يسمعون مثلكم وقيل أحياهم الله فسمعوا هذا توبيخًا وحسرة وتحزينا.

(6)

أي نوب تارة لهؤلاء وتارة لغيرهم.

فضل أهل بدر وعددهم

(7)

أي من أفضل الملائكة.

(8)

وسبق في تفسير سورة الممتحنة قوله صلى الله عليه وسلم العمر لما أراد قتل حاطب ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم،=

ص: 410

• وَعَنْهُ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ

(1)

وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفاً عَلَى سِتِّينَ وَالْأَنْصَارُ نَيِّفاً وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ

(2)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

‌قتل أبي جهل

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ

(3)

»، فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ

(4)

فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَنتَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ

(5)

أَوْ قَالَ قَتَلَهُ قَوْمُهُ، فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي

(6)

.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَكَامِلَ الْيقِينَ آمِين.

=وطالوت: هو المذكور في قوله تعالى {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} إلى أن قال {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)} .

(1)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد قتالا أمر بأن يعرض عليه من يريد الجهاد فمن وجده صغيرا رده ومن وجده كبيرا يصلح للجهاد بأن بلغ خمس عشرة سنة أمر بخروجه، فلما عرض عليه البراء وابن عمر ردها لصغرهما.

(2)

النيف: كالقيم ويخفف ما بين العقدين، وسبق في الحديث الأول أنهم كانوا ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، ولابن سعد: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر كان المهاجرون منهم أربعة وسبعين وسائرهم من الأنصار تخلف منهم ثمانية لأعذار شرعية وضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم، منهم عثمان تخلف لمرض زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا منافاة فكل أخبر بما فهمه والله أعلم.

قتل أبي جهل

(3)

هل مات أولا لأنه كان شر الكفار وأخبثهم.

(4)

أي مات، وفي رواية. حتى برك على الأرض مهشما.

(5)

أي لا عار عليّ في قتلكم إياي.

(6)

أي لو قتلني غير أكار لكان أحب إلى وأعظم لشأني، والأكار: الزارع وكان ابنا عفراء من الأنصار أصحاب زرع ونخيل، وعفراء: اسم أمهما واسمهما معاذ ومعوذ رضي الله عنهم وحشرنا معهم آمين.

ص: 411

‌غزوة أحد

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

(2)

} {إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

(3)

} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشاً عَلَى الرُّمَاةِ

(4)

وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ

(5)

وَقَالَ: «لَا تَبْرَحُوا

(6)

إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا

فَلَا تُعِينُونَا

(7)

» فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ

(8)

يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ يَرْفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ

(9)

، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلا تَبْرَحُوا فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ

(10)

غزوة أحد

(1)

أحد: بضمتين، جبل بقرب المدينة من جهة الشام كانت فيه الوقعة المشهورة في شوال سنة ثلاث من الهجرة وكان المسلمون سبعمائة أو تسعمائة وفرسان أحدها مع النبي صلى الله عليه وسلم والآخر مع أبي بردة بن نيار، وكان الكفار ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فرس.

(2)

{وإذ غدوت من أهلك} من المدينة {تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال} توقفهم في مواقفهم من الميمنة والميسرة والمؤاخرة والقلب والمقدمة {والله سميع عليم} .

(3)

{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} وهما بنو سلمة وبنو حارثة جناحا العسكر همتا بالجبن والرجوع لما رجع عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وقالوا: علام نقتل أبناءنا وأولادنا لو نعلم قتالا لاتبعناكم {والله وليهما} ناصر لهاتين الطائفتين {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} .

(4)

أي بالنبل وكانوا خمسين رجلا.

(5)

أخا بني عمرو بن عوف أهل قباء.

(6)

حتى أرسل إليكم.

(7)

إن غلبناهم أو غلبونا فلا تحولوا عن مكانكم.

(8)

أي المشركات يسعين في الجبل كاشفات عن أرجلهن فارات مع رجالهن الذين انكسروا.

(9)

فلما هزم المشركون صار المسلمون يقولون: خذوا الغنيمة، هلموا إليها.

(10)

لما نصحهم رئيسهم عبد الله أبوا وقالوا: ليس هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبوا يجمعون الغنائم من رحال المشركين ولم يبق من الرماة إلا عبد الله وبضع معه فرأى فرسان المشركين وعلى رأسهم خالد بن الوليد خلو الجبل من الرماة فانقضوا عليهم فقتلوهم وانحلت صفوف المسلمين ودارت رحى الحرب بغير نظام =

ص: 412

فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً، وأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ

(1)

فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لَا تُجِيبُوهُ

(2)

» فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: «لَا تُجِيبُوهُ» فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ

(3)

: إِنَّ هؤُلَاءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِنُكَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلُ

(4)

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَجِيبُوهُ» ، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ

(5)

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَجِيبُوهُ» ، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ

(6)

». قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ

(7)

وَسَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي

(8)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْر فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(9)

لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(10)

لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَجِدُ. فَجَاهَدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ الْمُسْلِمُونَ وَأَبْرأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبِنَانِهِ

(11)

وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ

(12)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

= حتى كان المسلمون يقتل بعضهم بعضا ولا يشعرون، فقتل من المسلمين سبعون، منهم حمزة سيد الشهداء وللبخاري: قتل من المسلمون يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون في عهد أبي بكر في وقعة مسيلمة الكذاب.

(1)

وقف على مرتفع.

(2)

القائل النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

أبو سفيان لقومه.

(4)

زد علوا وأظهر دينك يا هبل (صنم كان بالكعبة).

(5)

العزى: اسم صنم لقريش، قال تعالى {أفرأيتم اللات والعزى} .

(6)

أي ناصرنا ولا سيما في العقبى إن شاء الله وإن كان مولى الخلق كلهم إبداعا وتدبيرا جل شأنه.

(7)

أي نوب، نوبة لك ونوبة لنا.

(8)

المثلة: كغرفة تشويه القتيل بجدع أنفه وأذنه ونحو ذلك.

(9)

وهو غزوة بدر فإنها أول غزوة دار فيها القتال.

(10)

أي قتال المشركين.

(11)

الشامة: هي الخال في الخد، والبنان: رءوس الأصابع.

(12)

وهو ممن مثل به المشركون.

ص: 413

• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ

(1)

فلَمَّا رَهِقُوهُ

(2)

قَالَ: «مَنْ يَرُدُّهُم عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضاً فَقَالَ كَالْأَوَّلِ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حتَّى قُتِلَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ

(3)

«مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: «هذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ

(4)

». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلَ وَلَا بَعْدُ

(5)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: نَثَلَ لِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي

(6)

».

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ

(7)

وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِياً شَدِيدَ النَّزْعِ

(8)

كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً

(9)

وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِمَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ: «انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ» وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ

(10)

فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِبْكَ

(1)

حين انهزم الناس وقرب الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن معه إلا قرشيان وسبعة من الأنصار.

(2)

قربوا منه.

(3)

أي القرشيين: ما أنصفنا أصحابنا الأنصار حتى تركناهم ينزلون الوغى وحدهم حتى فنوا.

(4)

يوم أحد صوابه يوم بدر، وابن عباس يرويه عن أبي بكر ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه الغبار.

(5)

الرجلان: هما جبريل وميكائيل كانا يحيطان به صلى الله عليه وسلم في أحد فبقي محفوظا.

(6)

نثل لي أي استخرج لي كنانته أي جعبته التي فيها النبل وقال: ارم المشركين مرضيًا عنك.

(7)

مجوب أي مترس، وحوط عليه بحجَفة له هي الترس من الجلد يتحفظ به المقاتل.

(8)

الجذب في القوس.

(9)

من كثرة رميه وشدته.

(10)

يرفع رأسه لينظر المشركين في الوغى.

ص: 414

سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ

(1)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَغْسِلُ الدَّمَ وَعَليٌّ رضي الله عنه يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَاداً ثُمَّ أَلْصَقتْهُ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ

(2)

.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ

(3)

وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ

(4)

}. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» .

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(5)

».

• عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: دَمِيَتْ إِصْبَعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ فَقَالَ:

هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ

وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ

رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ

(6)

.

• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ

(7)

(1)

أفديك بنفسي.

(2)

الحصير الذي كان في زمنهم من سعف أي خوص النخل.

(3)

وفي رواية: اشتد غضب الله على قوم فعلوا هذا بنبيهم ويشير إلى رباعيته.

(4)

سبق هذان الحديثان أولهما في كتاب الطب وثانيهما في تفسير آل عمران.

(5)

اشتد غضب الله على أي رجل يقتله أي رسول أو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. والذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم هو أبيّ بن خلف يوم أحد هجم على النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يمنعه الأصحاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوه ثم تناول النبي صلى الله عليه وسلم حربة من الحارث بن الصمة فضربه بها فقضت عليه وهلك.

(6)

روى الثاني منها البخاري.

(7)

زاد في رواية صلاته على الميت أو دعا لهم بدعاء صلاة الجنازة.

ص: 415

كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ

(1)

وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ

(2)

وَإِنَّ مَوْعِدَكُمْ الْحَوْضُ وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هذَا وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا

(3)

وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا

(4)

». رَوَاهُ الْبَخارِيُّ.

‌غزوة الخندق

(5)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ

(6)

} {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً

لَّمْ تَرَوْهَا

(7)

} {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً

(8)

}.

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ

(9)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ

(1)

أي سابقكم إلى الحوض كالمهيء له لأجلكم. ففيه إشارة إلى قرب وفاته صلى الله عليه وسلم.

(2)

أي بأعمالكم.

(3)

أي الإشراك كلكم.

(4)

ترغبوا فيها فتهلككم كما أهلكت الراغبين فيها، نسأل الله السلامة منها.

غزوة الخندق وهي الأحزاب

(5)

سميت بهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بتحزب الكفار على قتاله في المدينة استشار أصحابه فيما يصنعه فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة؛ فحفروا الخندق وكانت في شوال سنة أربع من الهجرة وكان عدد الكفار عشرة آلاف وعدد المسلمين ثلاثة آلاف.

(6)

هم الكفار الذين اجتمعوا على حرب المسلمين فصنعوا لهم الخندق.

(7)

وهم الملائكة.

(8)

بعدها {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} من أعلى الوادي وأسفله من الشرق والمغرب {وإذ زاغت الأبصار} مالت عن كل شيء إلى العدو من كل جانب. {وبلغت القلوب الحناجر} أعلى الحلقوم من شدة الخوف {وتظنون بالله الظنونا} المختلفة من النصر وعدمه {هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} من شدة الخوف إلى أن قال {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال} بالريح الباردة والملائكة {وكان الله قويا عزيزا} .

(9)

عرضه أي أمر بعرضه ليسمح له بالجهاد إن كان بالغًا وإلا فلا، وسبق هذا في شروط الصلاة وفي الوصية.

ص: 416

فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ

(1)

فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذلِكَ لَهُمْ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ

(2)

وَالْجُوعِ قَالَ:

اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ

(3)

فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ

(4)

فَقَالُوا مُجيبِينَ لَهُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ

بَيَاضَ بَطْنِهِ

(5)

وَهوَ يَقُولُ:

وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَا قَيْنَا

(6)

إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا

إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

(7)

وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ أَبَيْنا أَبَيْنَا. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ

(8)

فَجَاؤُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: هذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَقَالَ «أَنَا نَازِلٌ

(9)

» ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقاً

(10)

فَتَناوَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ فَعَادَ كَئِيباً أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ

(11)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ

(1)

في يوم شديد البرد.

(2)

النصب: التعب.

(3)

فلا عيش كامل ودائم إلا عيش الآخرة.

(4)

وفي رواية: اللهم لا عيش إلا عيش الآخره

فأكرم الأنصار والمهاجره

(5)

ستر التراب صدره الشريف لكثرته.

(6)

أي إن التقينا مع الكفار في الجهاد.

(7)

إن الألى، وفي رواية: الملا أي الأشراف؛ والمراد أن الكفار بنوا علينا وأبوا عن الإسلام إذا أرادوا فتنة وشركاخالفناهم.

(8)

كدية كغرفة: قطعة من الأرض صلبة.

(9)

أي إليها.

(10)

شيئًا لا مأكولا ولا مشروبا.

(11)

المعول: كمنبر، آلة لحفر الأرض فضربها فصارت كثيبا رملا أهيل أو أهيم أي سائلا.

ص: 417

عَادٌ بِالدَّبُورِ

(1)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ

(2)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ قَالَهَا ثَلَاثاً وَنَحْنُ نَسْكُتُ ثُمَّ قَالَ: «قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ» فَلَمَّا دَعَانِي بِاسْمِي لَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ فَقُمْتُ قَالَ: «اذْهَبْ فَأُتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهمْ عَلَيَّ

(3)

» فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي

ظَهْرَهُ بِالنَّارِ

(4)

فَوَضَعْتُ سَهْماً فِي كَبِدِ الْقَوْسِ

(5)

فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا تَذْعَرْهُمْ» وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ قُرِرْتُ

(6)

فَأَلْبَسَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا فَلَمْ أَزَلْ نَائِماً حَتَّى أَصْبَحْتُ فَقَالَ: «قُمْ يَا نَوْمَانُ

(7)

». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

‌غزوة بني النضير وقريظة

(8)

• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ اسْمُهُ

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب نصر بالصبا بالفتح، والقصر: ريح شرقية هبت على الكفار ليلا فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم وملأتهم ببرد ورعب شديدين فعادوا خائبين، وهلكت عاد بالدبور كالزبور وهي ريح غربية عقيمة {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} .

(2)

القر بالضم: برد شديد.

(3)

لا تفزعهم فيضروك وأنا أحزن عليك.

(4)

بدفئه بالنار.

(5)

في داخل القوس.

(6)

شعرت ببرد شديد.

(7)

أي يا نائم، فلما ذهب كأمر النبي صلى الله عليه وسلم كان في دفء حتى عاد ثم شعر بشدة البرد فغطاه النبي صلى الله عليه وسلم بعباءته حتى الفجر رضي الله عنهم أجمعين وحشرنا في زمرتهم آمين.

غزوة بني النضير وقريظة

(8)

بنو النضير: قبيلة من يهود خيبر على ميلين من المدينة، وبنو قريظة: قبيلة من يهود خيبر على ثلاثة أميال منها خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس، في ثلاثة آلاف رجل وستة وثلاثين فرسا.

ص: 418

ابْنُ الْعَرِقَةِ فِي الْأَكْحَلِ

(1)

فَضَرَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ

(2)

وَضَعَ السِّلَاحَ فَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ

(3)

فَقَال: وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَأَيْنَ؟» فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمُ

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(4)

فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَحَضَرَ فَقَالَ: «فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ

(5)

».

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا

(6)

. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذلِكَ

(7)

فَذُكِرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِداً مِنْهُمْ

(8)

. رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.

• وَعَنْهُ قَالَ: حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ

(9)

فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ

(10)

(1)

اسمه حبان بن العرقة اسم أمه لطيب ريحها، وقيل اسمه حبان بن قيس من بني لؤى رماه في الأكحل عرق في وسط الذراع في كل عضو منه شعبة إذا انقطع لم يرقأ الدم.

(2)

ودخل المدينة.

(3)

ورد أنه ظهر على فرس عليه عمامة سوداء قد أرخاها بين كتفيه وتحته قطيفة حمراء.

(4)

فتحصنوا في حصونهم فحاصرهم بضع عشرة ليلة أو خمسا وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم فرده إلى سعد فحكم فيهم بالقتل والأسر لأنهم كانوا في عهد مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهزوا فرصة غزوة الخندق ونقضوا العهد واتفقوا مع قريش وغطفان على حرب النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره جبريل بهذا وأمره بالخروج لهم فكانوا غنيمة باردة للمسلمين.

(5)

وقال أنس: كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا (منتشرًا في الهواء) في زقاق بني غنم (من بني النجار) موكب جبريل حين سار مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، رواه البخاري.

(6)

عملا بظاهر نهى النبي صلى الله عليه وسلم.

(7)

بل مراده لازمه وهو العجلة إلى بني قريظة.

(8)

لأنهم مجتهدون في إرضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

(9)

أي ثانيًا بنقض العهد السابق.

(10)

وهم رهط عبد الله بن سلام.

ص: 419

وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِيَ بِالْمَدِينَةِ

(1)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَرِيباً مِنْهُ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ قَالَ: «فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذرِّيَّةُ» . قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَقُطِعَ أَكْحَلُهُ أَوْ أَبْجَلُهُ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّارِ فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَتَرَكَهُ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَحَسَمَهُ أُخْرَى فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ» ، فَاسْتمْسَكَ عِرْقُهُ فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلوا عَلَى حُكْمِهِ فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَيُسْتَحْيِي نِسَاؤُهُمْ يَسْتَعِينُ بِهِنَّ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَصَبْتَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ» وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ

(2)

فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَتْلِهِمْ انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ رَاضِياً مَ رضيا عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

‌غزوة خيبر

(3)

• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ

(4)

غَداً رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدْوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم من أجلى يهود المدينة في حياته فكانت إسلاما خالصا.

(2)

أي المقاتلين منهم وقيل ستمائة ولعله بأتباعهم فلا معارضة والله أعلم.

غزوة خيبر

(3)

هي مدينة عظيمة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وهم رأس اليهود في الحجاز وكان غزوها في السنة السابعة بعد الحديبية الآتية بسنة.

(4)

سبق أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت سوداء، ولواءه أبيض مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ص: 420

أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ: فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأُتِيَ بِهِ

(1)

فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ

(2)

فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكُونُوا مِثْلَنا فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ

(3)

ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا قَدِمُوا خَيْبَرَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبُ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ

(4)

وَيَقُولُ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ

شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

(5)

إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

(6)

فَقَالَ عَلِيٌّ:

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ

(7)

كَلَيْثٍ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ

(8)

أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

(9)

ثُمَّ ضَرَبَ رَأَسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ

(10)

رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(1)

وفي رواية: فأرسلني إليه فجئت به أقوده أرمد.

(2)

قال علي: فوضع رأسي في حجره ثم بزق في ألية راحته فدلك بها عيني فما رمدت ولا صدعت أي ما مرضت بأحدهما. وفي رواية: قال: اللهم أذهب عنه الحر والقر فما اشتكيتهما إلى يومي هذا.

(3)

امض على حالك حتى تنزل بساحتهم.

(4)

يرفعه مرة ويضعه أخرى.

(5)

شاكي السلاح: حديده وقويه، والبطل: الشجاع، والمجرب: الذي لاقى الحروب فظهرت شجاعته.

(6)

أي تتلهب وتشتعل.

(7)

الحيدرة والحيدر: الأسد وكانت أمه فاطمة بنت أسد لما ولدته كان أبوه غائبا فسمته أسدا كاسم أبيها فلما حضر أبوه سماه عليا رضي الله عنه.

(8)

غابات جمع غابة وهي الشجر الملتف، وتطلق على عرين الأسد أي مأواه؛ وكريه المنظرة صفة لليث أي فيه بشاعة يخيف الناظر إليه.

(9)

السندرة: كيل واسع، والمراد أقتل الأعداء قتلا ذريعا.

(10)

ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر باللواء فرجع ولم يفتح حصنهم لمناعته وقوته =

ص: 421

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بزَغَتِ الشَّمْسُ

(1)

وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ

(2)

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرَ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» قَالَ: «فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً

(3)

». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.

• وَعَنْهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ قَرِيباً مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ

(4)

إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ

(5)

وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا

(6)

.

قَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ رضي الله عنهما: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هذِهِ الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ

= وكان يسمى القموص فلما كان الغد أرسل عمر فذهب فرجع ولم يفتح الحصن وقتل محمود بن مسلمة فقال صلى الله عليه وسلم: لأدفعن لوائي غدا إلى رجل يفتح الله عليه، فأرسل إلى عليّ وبصق في عينيه ودعا له ففتح الله عليه، وكان أول الفتح قتله لمرحب ملكهم.

(1)

طلعت.

(2)

المرور جمع مر وهو المجرف من الحديد فكانوا خارجين لأعمالهم ولم يعلموا بجيش المسلمين ولذا قالوا: هذا محمد والجيش.

(3)

أخذناها قهرا لا صلحا؛ وقيل فتح بعضها عنوة وبعضها صلحا.

(4)

قالها بوحي وإلهام.

(5)

قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى ألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن له الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة) ولهم ما حملت ركابهم وعلى ألا يكتموا شيئا وإلا فلا ذمة ولا عهد لهم بل هم هدر فكتموا مسكا لحيي بن أخطب فيه فقال صلى الله عليه وسلم: أين مسك حي بن أخطب؟ فقالوا: أذهبته الحروب والنفقات، ثم وجدوا المسك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية، وهذا لا ينافي أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح نفرًا منها على أن يتولوا أمر النخيل وزرع الأرض ولهم نصف ما يخرج منها، وأمر عليهم سواد بن غزية من بني النجار، وسبق هذا في الزرع في كتاب البيوع.

(6)

قيل جاءت في سهم دحية الكلبي صفية بنت حيي بن أخطب سيدة خيبر وبني قريظة والنضير وكانت عروسا فقتل زوجها، فجاء بها دحية وقال: يا رسول الله هذه صفية سيدة قومها ولا تصلح إلا لك، فقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم وأخذ غيرها فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها صداقها.

ص: 422

فَقَالَ النَّاسُ أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ

(1)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

‌غزوة ذات الرقاع

(2)

• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ

(3)

بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ

(4)

قَالَ: فَنَقَبِتْ أَقْدَامُنَا

(5)

فَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَقْدَامِنَا الْخَرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنَ الْخِرَقِ.

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنْ صَالِحٍ بْنِ خَوَّاتٍ

(6)

رضي الله عنه عَمَّنْ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وَجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِماً وَأَتَمُّوا لِأَنفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِساً وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ

(7)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّوَايَةِ آمِين.

(1)

فنفث فيه أي موضع الضرب ثلاث نفثات، والنفثة: النفخ بريق خفيف فبرأت إلى الآن. وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

غزوة ذات الرقاع

(2)

كانت بنخل وهو مكان على يومين من المدينة في واد يسمى شدخا به طوائف من بني فزارة، وأشجع وأنمار، وسميت بهذا لأنهم لفوا على أرجلهم الرقاع من شدة الحر والحفاء، وهي الغزوة السابعة من الغزوات التي وقع فيها قتال، فالأولى بدر، والثانية أحد، والثالثة الخندق، والرابعة قريظة والنضير، والخامسة بنو المصطلق الآتية، والسادسة خيبر، والسابعة ذات الرقاع.

(3)

من الأشعريين قبيلة أبي موسى الأشعري.

(4)

يركبه واحد زمنًا ثم يعقبه آخر فيركبه زمنًا وهكذا.

(5)

رق جلدها وقطعته الأرض من الحفاء.

(6)

ابن جبير الأنصاري التابعي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث.

(7)

فازت الأولى معه فضيلة الإحرام وحازت الثانية معه فضيلة السلام، وسبق هذا في صلاة الخوف من كتاب الصلاة، قال الإمامان مالك والشافعي رضي الله عنهما: هذا أحسن ما سمعنا في صلاة الخوف.

ص: 423

‌غزوة بني المصطلق

(1)

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْياً مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ فَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَاهُ فَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَلا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا وَهِيَ كَائِنَةٌ

(2)

». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

• عَنِ ابْنِ عَوْنٍ رضي الله عنه قَالَ: أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّون وَأَنعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ

(3)

وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

‌غزوة أنمار

(4)

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهاً قِبَلَ

الْمَشْرِقِ مُتَطَوِّعاً

(5)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

غزوة بني المصطلق

(1)

المصطلق: لقب لجذيمة بن سعد بطن من بني خزاعة وهم حي من الأزد سمي خزاعة لأنهم تخزعوا أي تخلفوا عن قومهم وأقاموا بمكة، وتسمى المريسيع: بئر أو ماء لخزاعة، على يوم من الفرع: كالقفل من أعمال المدينة وكانت في شعبان سنة خمس أو ست من الهجرة.

(2)

العزل: هو عزل المني عن المرأة لئلا تحمل وكانوا أرادوه خوفا من الاستيلاد المانع من البيع وهم يحبونه لتحصيل المال، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم تنزيها وسبق هذا وافيا في آداب الوقاع من كتاب النكاح.

(3)

فالنبي صلى الله عليه وسلم أغار عليهم على غفلة فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم ونساءهم لأنهم كانوا يجمعون الجيوش لحربه صلى الله عليه وسلم وسبق هذا في جواز الإغارة على الكفار.

غزوة أنمار

(4)

ويقال بني أنمار كأنصار: اسم قبيلة.

(5)

لم يذكر البخاري هذا إلا هذا فليس فيه ذكر قصة أنمار وإن كان فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معهم في هذه الغزوة والله أعلم.

ص: 424

‌غزوة الحديبية

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ

(2)

} تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ

(3)

{فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً

(4)

} {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: تَعُدُّون أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّة فَتْحاً وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً

(5)

وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا

(6)

ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا

(7)

فَتَرَكْنَاهَا قَلِيلاً ثُمَّ أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا

(8)

.

• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: «أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ»

وَكُنَّا أَلْفاً وَأَرْبَعَمِائَةٍ

(9)

«وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ

(10)

». رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ

(11)

.

غزوة الحديبية

(1)

الحديبية بالتخفيف والتشديد: بئر على مرحلة من مكة المكرمة وكانت غزوتها في ذي القعدة سنة ست من الهجرة النبوية، وكانوا يريدون العمرة فمنعهم المشركون واصطلحوا على الشروط التي مضت في الصلح ثم عادوا في العام القابل فاعتمروا.

(2)

بالحديبية تحت الشجرة وهي سمرة.

(3)

من الصدق والوفاء.

(4)

جزاهم فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية ومغانم كثيرة يأخذونها من خيبر وكان الله عزيزا حكيما.

(5)

لم يقل ألفًا وأربعمائة إشعارًا بأنهم كانوا منقسمين إلى المائة وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى.

(6)

أي حرفها.

(7)

توضأ ومضمض في إناء آخر تم دعا الله سرا ثم أمر بصب ما توضأ به في البئر.

(8)

أصدرتنا أي أرجعتنا وقد روينا ما شئنا نحن ودوابنا، وسبق هذا وافيًا في معجزاته صلى الله عليه وسلم.

(9)

فيه أفضلية أصحاب الشجرة على بقية الأصحاب، وعثمان وإن كان غائبا بمكة في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى في يده اليسرى وقال: هذه لعثمان فساوى أصحاب الشجرة رضي الله عنهم.

(10)

التي وقعت بيعة الرضوان تحتها وقال جابر هذا لأنه كف بصره في آخر حياته كما سبق في حديث حجة الوداع.

(11)

وتقدم في الصلح حديث شروط الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين كما تقدم من هذا في تفسير سورة الفتح، نسأل الله الفتح الواسع القريب آمين.

ص: 425

‌غزوة الفتح

(1)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ

(2)

} {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً

(3)

} {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا

(4)

}.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ عَلَى رَأْسِ ثَمَانٍ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ

(5)

أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذلِكَ قُرَيْشاً خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا

مَرَّ الظَّهْرَانِ

(6)

فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذلِكَ فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

غزوة الفتح

(1)

سميت بهذا لقوله تعالى {إذا جاء نصر الله والفتح} ولقوله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وهو في الحرم: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وسبق أنهم كانوا اصطلحوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على وضع الحرب عشر سنين فكيف جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدها بسنتين؟ الجواب: أن كفار قريش نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين {والفتح} هو فتح مكة المكرمة.

(3)

{يدخلون في دين الله} هو الإسلام {أفواجا} جماعات جماعات بعد أن كان يدخل فيه الناس واحدا واحدا، فبعد فتح مكة جاء للنبي صلى الله عليه وسلم العرب من أقطار الأرض يدخلون في الإسلام طائعين.

(4)

فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية، يكثر من قوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وشعر منها بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم وكانت وفاته بعدها بسنتين.

(5)

الكديد كالحديد: ماء بين عسفان وقديد. وعسفان: قرية كبيرة على مرحلتين من مكة، وقديد قريبة منها، وسبق هذا في الصوم.

(6)

موضع بقرب مكة.

ص: 426

فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا سَارَ

(1)

قَالَ لِلْعَبَّاسِ: احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخيْلِ حَتَّى ينْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ

(2)

فَحَبَسَهُ الْعبَّاسُ فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ

(3)

فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هذِهِ؟ قَالَ هذِهِ غِفَارٌ، قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارٍ

(4)

. ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ

(5)

فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ وَمَرَّتْ سُلَيْمٌ فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَالَ: مَنْ هذِهِ؟ قَالَ: هؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْملْحَمَةِ

(6)

الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ

(7)

فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ

(8)

ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَرَايَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ

(9)

فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: «أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟» قَالَ: مَا قَالَ قالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «كَذَبَ سَعْدٌ وَلكِنْ هذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ

(10)

وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ

(11)

» قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ

(1)

أي النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس وكان أظهر إسلامه حينئذ رضي الله عنه وسبق في الفضائل فضله هو والزبير وخالد.

(2)

حطم الخيل: ازدحامها وروي خطم الجبل أي أنف الجبل؛ والمراد إيقافه في مضيق حتى يرى الجيش كله واحدا واحدا.

(3)

الكتيبة كقبيلة من الكتب وهو الجمع قطعة من الجيش تجمعهم قرابة أو مخالفة.

(4)

أي ما كان بيني وبينهم حرب.

(5)

المعروف سعد هذيم بالإضافة.

(6)

كالقتلة وزنًا ومعنى.

(7)

يحل القتال في مكة وتقتل كفار قريش لاسيما عظماؤهم كأبي سفيان وصحبه.

(8)

الذمار بالذال: ما يحق على الرجل أن يحميه كقولهم: حامي الذمار؛ وقيل هذا سهو وصوابه الدمار أي الهلاك، ومراده استعطاف العباس ليحميه من القتل.

(9)

وأصحابه من المهاجرين وكانت الأنصار أكثر عددا منهم.

(10)

بعبادة الله وإظهار الإسلام فيها.

(11)

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على أبي سفيان قال أبو سفيان له: يا رسول الله أمرت بقتل قومك، قال: لا، فذكر له قول سعد السالف ثم ناشده الله والرحم أن يعفو عنهم ويرحمهم فقال: يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله قريشًا، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ راية الأنصار من سعد وأمر بإعطائها لولده قيس بن سعد رضي الله عنهم وأرضاهم.

ص: 427

صلى الله عليه وسلم أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ

(1)

وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ خَالَدَ بْنَ الوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كُدَا

(2)

فَقُتِلَ مِنْ خيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ: حُبَيْشُ بْنُ الْأَشْعَرَ

(3)

وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفَهْرِي

(4)

.

• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَداً؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ؟» ثُمَّ قَالَ: «لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمنَ» . قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: وَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالبٌ

(5)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى

(6)

وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ

(7)

وَبَطْنِ الْوَادِي فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاؤوا يُهَرْوِلُونَ

(1)

الحجون كالبتول: موضع بقرب مقبرة مكة.

(2)

كداء كسماء: الطريق الداخل مكة من أعلاها جهة مطلع الشمس ومنى وعرفات، وكدي كهدي: الطريق الداخل من أسفلها جهة مغرب الشمس، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل من أعلى مكة كما يأتي في حديث ابن عمر تفاؤلا بالعلو له دنيا وأخرى.

(3)

حبيش هذا أخو أم معبد التي مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته وسألها تمرًا أو لبنًا فلم يكن عندها شيء فاستأذنها في حلب شاة عندها فأذنت فمسح ضرعها وسمى الله فدرت فحلب وملأ الإناء فشرب أبو بكر والدليل والنبي صلى الله عليه وسلم ثم حلب ثانيا فلأه فشربوا ثانيا ثم حلب وملأه ثالثا وتركه عند أم معبد معجزة له صلى الله عليه وسلم؛ فلما جاء زوجها ورأى اللبن استغرب هذا فأخبرته ووصفت له النبي صلى الله عليه وسلم بأكمل وصف وأفصحة، فقال هذا نبي قريش وأقسم أنه لو رآه لآمن به ثم ذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وعادوا لمنزلهم وكانوا يؤرخون بيوم مرور الرجل المبارك.

(4)

روى أن جماعة خالد لقيت ناسًا من قريش فيهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو كانوا تجمعوا لقتال المسلمين بالخدمة: مكان بأسفل مكة أو جبل بجوارها فدار القتال بينهم وبين المسلمين فقتل منهم مسلمة الجهنى وقتل من المشركين ثلاثة عشر وانهزموا.

(5)

فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل بالحجون ومكث فيه أيام الفتح ولما سألوه عن داره قال: ورثها عقيل وطالب ولدا أبي طالب عمه صلى الله عليه وسلم وسبق هذا في النزول بالأبطح في كتاب الحج.

(6)

فجعل خالدا على الميمنة والزبير على الميسرة.

(7)

هم الحسر الذين لا دروع عليهم والرجالة.

ص: 428

فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ

(1)

؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَداً أَنْ تَحْصِدُوهُمْ حَصْداً وَأَخْفَى بِيَدِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ

(2)

وَقَالَ: مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا قَالَ: فَمَا أَشْرَفَ لَهُمْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ إِلا أَنَامُوهُ

(3)

وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّفَا

(4)

فَجَاءَتِ الْأَنْصَارِ فَأَطَافُوا بِالصَّفَا فَجَاءِ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ

(5)

بَعْدَ الْيَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ

(6)

» وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رأَفةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ

(7)

وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(8)

قَالَ: «قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأَفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ أَلَا فَمَا اسْمِي إِذَاً

(9)

أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ

(10)

هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ

(11)

» قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قُلْنَا ذلِكَ إِلا ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ

(12)

».

(1)

الأوباش: الخليط من قبائل شتى.

(2)

يشير إلى إبادتهم.

(3)

ما تعرض لهم أحد إلا قتلوه.

(4)

بعد أن دخلوا في اليوم الثاني وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وصعد الصفا كما وعدهم قبلها بيوم.

(5)

هلكت جماعة قريش واستؤصلت ويعبر عن الجماعة المجتمعة بالسواد والخضرة.

(6)

أبو سفيان رأس قريش وشيخها في كل أطوارها السالفة فلما فتحوا مكة وقتل منهم من قتل حل بأبي سفيان ما يهون الموت بجواره فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجبر من كسره ويرفع من شأنه، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

(7)

الرجل: النبي صلى الله عليه وسلم، والعشيرة: قريش، والقرية: مكة.

(8)

يخبره بقول بعض الأنصار.

(9)

قالها ثلاثا.

(10)

يشير إلى أنه أكمل الخلق وأفضلهم حيث اصطفاه الله لرسالة تبقى ما دامت الدنيا. قال حسان رضي الله عنه:

أغر عليه للنبوة خاتم

من الله من نور يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد

(11)

أي فحياتي ومماتي معكم.

(12)

فما قلنا ذلك إلا لشدة حرصنا على بقائك معنا، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم وعذرهم.

ص: 429

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْراً بَعْدَ هذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

(1)

». رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ

(2)

فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ وَفِيهَا صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنَ الْأَزْلَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ» ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ

(3)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفاً أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ فَمَكَثَ فِيهِ نَهَاراً طَوِيلاً

(4)

ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلالاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِماً فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ قَالَ: وَنَسِيتُ أَسْأَلُهُ كَمْ صَلَّى

(5)

. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

(1)

لا يقتل قرشي صبرا أي حبسا للقتل موثقا بالحبل، وذكر النووي أن معنى الحديث الإعلام بأن قريشًا يسلمون كلهم ولا يرتدون كما ارتد غيرهم فحورب وقتل صبرا.

(2)

النصب جمعه أنصاب وقيل هو جمع واحده نصاب وهي حجارة لهم يعبدونها ويذبحون لها، قيل هي الأصنام وقيل غيرها فإن الأصنام صور منقوشة والأنصاب بخلافها.

(3)

هذه غير المرة الآتية التي صلى فيها، وسبق هذا في فضل الحرمين من كتاب الحج.

(4)

زمنا طويلا من النهار يصلى ويدعو الله ويحمده ويشكره على هذا النصر المبين.

(5)

المكان الذي صلى فيه بين العمودين اليمانيين وصلى ركعتين وسبق هذا في الصلاة في الكعبة في فضل الحرمين من كتاب الحج، ورد أنه صلى الله عليه وسلم وقف على باب الكعبة بعد فتح مكة ثم قال:=

ص: 430

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْراً نَقْصُرُ الصَّلَاةَ

(1)

.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ

(2)

. رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

• عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا تُغْزى هذه بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

(3)

». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

‌غزوة حنين

(4)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً} {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} {ثُمَّ أَنَزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} {وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ

(5)

} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.

= يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، أي أطلقت سبيلكم وعفوت عنكم لله تعالى.

(1)

عشرا من الليالي، وروى عشرة أيام.

(2)

يصلي الرباعية مقصورة للسفر ولا معارضة بين الحديثين فإن حديث ابن عباس في فتح مكة وفيه دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيت بنت عمه أم هانئ فاغتسل عندها وصلى ثمان ركعات سنة الضحى، أما حديث أنس في حجة الوداع لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في يوم أربع من ذي الحجة وخرج في أربعة عشر منه.

(3)

أي غزوا دينيا على كفرها بل تبقى إسلاما حتى ينقرض الإسلام وكذا المدينة فإنهما آخر البلاد إسلام، نسأل الله الموت على الإسلام الكامل آمين.

غزوة حنين

(4)

حنين: واد بين مكة والطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات سمي باسم حنين بن قابئة، خرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم في ست من شوال بعد الفتح لما بلغه أن مالك بن عوف النصري جمع قبائل هوازن وبني نصر وثقيف وقصدوا محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين فكان عددهم أربعة آلاف، وعدد المسلمين اثني عشر ألفًا واشتبك الجيشان فكانت نهاية النصر للمسلمين.

(5)

واذكر يا محمد يوم غزوة حنين إذ أعجبتكم كثرتك وقلتم لن نغلب اليوم من قلة فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت أي مع رحبها وسعتها فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه من شدة الخوف ثم وليتم مدبرين أي =

ص: 431

• عَنِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَزِمْتُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نُفَارِقْهُ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرينَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكُضُ

(1)

بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِهَا أَكُفُّها لِئَلا تُسْرِعَ وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمُرَةِ

(2)

» فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ

(3)

قَالَ: فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةَ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا فَقَالُوا: يَا لَبَّيْكَ يَا لَبَّيْكَ فَاقْتَتَلُوا وَالْكُفَّارَ

(4)

وَالدَّعْوَةُ فِي الْأَنْصَارِ يَقُولُونَ: يَا مَعْشرَ الْأَنْصَارِ يا مَعْشَرَ الأَنْصارِ ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ ابْنِ الْخَزْرَجِ يَا بَنِي الْحَارِثِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قِتَالِهِمْ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ وَقَالَ: «هذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ

(5)

» ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ: «انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ» قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَمَاهُمْ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلاً وَأَمْرَهُمْ مُدْبراً. وَفِي رِوَايَةٍ: رَمَاهُمْ بِقُبْضَةٍ مِنَ التُّرَابِ وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ

(6)

» فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ

= منهزمين وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وعمه العباس وابن عمه أبو سفيان بن الحارث ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين فعادوا للنبي صلى الله عليه وسلم لما ناداهم العباس بأمره صلى الله عليه وسلم واصطفوا للقتال وأنزل الله جنودا لم تروها وهي ملائكة وعذب الذين كفروا بالقتل والأسر وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء منهم بدخولهم في الإسلام والله غفور رحيم.

(1)

يحرك رجليه بجنبيها لتسرع.

(2)

وكان العباس صيتا أي عالي الصوت حتى قيل إنه كان يقف على سلع جبل بجوار المدينة وينادي غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعونه والغابة من عوالي المدينة على ثمانية أميال من سلع.

(3)

المرادون بقوله تعالى: {لقد رضي الله على المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} .

(4)

أي مع الكفار.

(5)

اشتدت الحرب وإن كان أصل الوطيس التنور.

(6)

قبحت الوجوه وعميت العيون.

ص: 432

إِنْسَانٌ إِلا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَانْهَزَمُوا وَقُسِمَتْ عَنَائِمُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ

حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوَازِنُ

(1)

وَمَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلَافٍ وَالطُّلَقَاءُ

(2)

فَأَدْبَروا قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ» قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:«أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئاً، فَقَالُوا فِي ذلِكَ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْباً لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ». زَادَ فِي رِوَايَةٍ قَالَ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا للَّذِي يُحَاذِيهِ. رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ

(4)

.

‌غزوة أوطاس

(5)

• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ

(6)

قَالَ أَبُو مُوسى: وَبَعَثَنِي

(1)

التقى جيشهم مع المسلمين.

(2)

هم قريش الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

(3)

إذا اشتدت الحرب وارتفعت أصوات السلاح وعظم الخطب لجأنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت كالجبل الراسي بل كان إذا اشتد الأمر يتقدم نحو الأعداء وهو على بغلته التي هي أقل من الخيل في الكر والفر ويقول صلى الله عليه وسلم:

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

فكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأقوى الناس بقلبه وجسمه وباطنه وظاهره صلى الله عليه وسلم.

(4)

وسبق في هذه الغزوة بضع أحاديث منها في عنوان: الثبات عند القتال واجب، ومنها في الأسرى، ومنها في عنوان: الأمير المن والفداء والقتل، ومنها في إعطاء المؤلفة قلوبهم والله أعلم.

غزوة أوطاس

(5)

أوطاس واد في ديار هوازن اجتمع فيه الفارون من وقعة حنين وهم هوازن وثقيف تحت إمرة دريد بن الصمة فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في أثرهم جيشًا على رأسه أبو عامر الأشعري وابن أخيه أبو موسى الأشعري فهزموهم شر هزيمة.

(6)

الذي قتل دريدا ربيعة بن رفيع السلمي أو الزبير بن العوام.

ص: 433

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرَمَاهُ رَجُلٌ جُشْمِيٌّ بِسَهْمٍ فِي رُكْبَتِهِ

(1)

فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ فَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِيَ

(2)

أَلَا تَثْبُتُ فَكَفَّ

(3)

فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ ثُمَّ رَجَعْتُ لِأَبِي عَامِرٍ فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ قَالَ: فَانْزِعْ هذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ

(4)

قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي

(5)

وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ

(6)

فَمَكُثَ يَسِيراً ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ

(7)

فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ قلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ» فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيماً» . قَالَ أَبُو بُرْدَةَ

(8)

: إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى

(9)

. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

‌غزوة الطائف

(10)

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ

(1)

جشمي نسبة لبني جشم اسم قبيلة.

(2)

أي من الفرار.

(3)

أي وقف.

(4)

نزل الماء بكثرة من موضع نزع السهم.

(5)

هذا إشعار منه بقرب استشهاده رضي الله عنه.

(6)

أمرني علهم مكانه وقاتلناهم فكان الفتح بعون الله تعالى ثم عاد أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم بعد النصرة عليهم.

(7)

مرمل بلفظ المفعول مشددا ومخففا أي منسوج بالرمال وهي حبال الحصر قد أثرت بجسمه صلى الله عليه وسلم. لخفة الفراش أو لعدمه فإن بعضهم قال: المحفوظ من الروايات ما عليه فراش.

(8)

الراوي عن أبي موسى الأشعري.

(9)

إحدى الدعوتين لأبي عامر والأخرى لأبي موسى، وسبق هذا في فضل أبي عامر وأبي موسى في كتاب الفضائل.

غزوة الطائف

(10)

الطائف: بلد كبير كثير النخيل والأعناب وحوله عدة قرى في واد شرقي مكة على مرحلتين أو ثلاث منها وهي بلاد ثقيف، وسميت بهذا لأنها من الشام، فنقلها الله إلى الحجاز بدعوة إبراهيم عليه السلام.

ص: 434

شَيْئاً فَقَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(1)

» قَالَ أَصْحَابُهُ: تَرْجِعُ وَلَمْ تَفْتَحْهُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» فَغَدَوْا عَلَيْهِ فَأَصَابَهُمُ جِرَاحٌ فَقَالَ لَهَمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا قَافِلُونَ غَداً» قَالَ: فَأَعْجَبَهَمْ ذلِكَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

(2)

؟ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

‌غزوة تبوك

(3)

• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ

(4)

قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ: «أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ» قَالَ: «أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي

(5)

». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

= أو لأن جبريل طاف بها على البيت، أو لأنها محاطة بطائف أي بسور عظيم، ومعلوم أن أهلها كانوا يحاربون المسلمين في حنين وأوطاس السابقتين فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من حنين ساروا إلى الطائف وكانت ثقيف قد رموا حصنهم وعملوا استعدادهم لأن يمكثوا فيه ولو إلى سنة.

(1)

راجعون إن شاء الله.

(2)

فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون خمسة عشر أو سبعة عشر يوما أو أربعين يوما فلم ينالوا منهم شيئا بل أصاب المسلمين جراح من رميهم - وهم في أعلى السور - السهام وقِطَع الحديد المحماة بالنار على المسلمين وسهام المسلمين لا تصل إليهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلي فقال هم ثعلب في جُحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرجوع فأبوا، ثم عادوا فامتثلوا ورجعوا كما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلمت ثقيف بعد ذلك.

غزوة تبوك

(3)

تبوك: موضع بينه وبين الشام إحدى عشرة مرحلة، وتسمى غزوة العسرة لما وقع فيها من العسر في الماء والظهر والنفقة، وهذه كانت في شهر رجب سنة تسع، وكانت قبل حجة الوداع، وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم وسببها أن المسلمين بلغهم من الأنباط الذين يأتون من الشام إلى المدينة لبيع الدقيق والزيت ونحوهما أن الروم جمعت جيوشا من الروم وضمت إليهم لخم وجذام وغيرهم ممن ناصرهم من العرب، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوهم وأعلمهم بجهة غزوهم ليستعدوا لها فإنها كانت في حر شديد وسفر بعيد، وكان عثمان قد جهز عيرا إلى الشام فيها مائتا بعيره فحولها إلى سبيل الله، وقال: يا رسول الله هذه مائتا بعير في سبيل الله بأحلاسها وأقتابها ومائتا أوقية من الذهب وأفرغها أمام النبي صلى الله عليه وسلم فصار النبي صلى الله عليه وسلم ينكت فيها بعود كان بيده ويقول: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، وجاء عمر بمال كثير وجاء أبو بكر بنصف ماله وكذا الأنصار رضي الله عنهم أجمعين وجزاهم عن الدين وأهله خيرا.

(4)

هو سعد بن أبي وقاص.

(5)

سبق هذا في فضائل عليّ رضي الله عنه وأرضاه.

ص: 435

‌غزوة مؤتة بأرض الشام

(1)

• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُوتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ

(2)

»، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا فِي جَسَدِهِ بِضْعاً وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ

(3)

.

قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: نَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَيْداً وَجَعْفَراً وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْخَبَرُ فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ

(4)

حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ

(5)

.

• عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَاجَبَلَاهُ وَاكَذَا وَاكَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَال حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتُ شَيْئاً إِلا قِيلَ أنْتَ كَذلِكَ

(6)

؟ رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الْبُخَارِيُّ.

غزوة مؤتة بالشام

(1)

موتة بالضم وسكون الواو: بأرض الشام، كانت غزوتها في جمادى الآخرة سنة ثمان، وجعلتها بعد تبوك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معهم في تبوك.

(2)

فقال صلى الله عليه وسلم لهم قبل خروجهم إن قتل زيد بن حارثة الأمير جعفر بن أبي طالب، فإن قتل جعفر فالأمير عبد الله بن رواحة.

(3)

من طعنة برمح ورمية بسهم.

(4)

أي النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أخبره جبريل بقتلهم يخبر القوم بخبرهم وهو يبكي.

(5)

حتى أخذها سيف من سيوف الله هو خالد بن الوليد رضي الله عنه وفتح الله عليهم وانتصروا على الأعداء والحمد لله، لما جاء يعلى بن أمية بخبر من استشهدوا في هذه الغزوة قال له صلى الله عليه وسلم: إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرك، قال يا رسول الله أخبرني، فأخبره بخبرهم فقال والذي بعثك بالحق نبيا ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره، قال خالد بن الوليد: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية.

(6)

كان عبد الله بن رواحة قبل هذه الغزوة مرض مرضا شديدا حتى أغمي عليه، فكانت أخته عمرة تعدد مآثره وتبكيه، فلما أفاق قال لأخته ما قلت فيّ شيئا إلا أنَّبوني ووبَّخوني، أي فلا تنبغي النياحة فإنها حرام كما سبق في الجنائز. وفي مرضه هذا عاده النبي صلى الله عليه وسلم وهو مغمى عليه فقال: اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلا فاشفه. قال فوجد خفة، فقال كأن ملكا قد رفع مرزبة من حديد يقول (ردا على نياحة أخته) أأنتَ كذا؟ فلو قلت نعم لقمعني بها، وكان ابن رواحة أنصاريا خزرجيا=

ص: 436

‌خاتمة في البعوث

(1)

بعث عاصم وخبيب وأصحابهما

(2)

• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةَ عَيْناً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ

(3)

ذُكِرُوا لِحَيَ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ

(4)

فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوا فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا: هذَا تَمْرُ يَثْرِبَ

(5)

فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَجَأَ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى فَدْفَدٍ

(6)

فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ

(7)

وَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيْثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَلا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ

(8)

= وأحد السابقين وشاعرا مجيدا، فقد كان في عمرة القضاء بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو داخل مكة يخاطب المشركين بقوله:

خلوا بني الكفار عن سبيله

قد أنزل الرحمن في تنزيله

بأن خير القتل في سبيله

نحن قتلناكم على تأويله

كما قتلناكم على تنزيله

فقال عمر: يا ابن رواحة انقول الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه يا عمر فهذا أشد عليهم من رشق النبل. والله أعلم.

خاتمة في البعوث

(1)

البعوث جمع بعث وهو الفريق الذي كان يرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة، عينا أو مجاهدا، قليلا أو كثيرا فهو أعم من السرية التي يبلغ أقصاها أربعمائة، وفي القاموس: السرية من خمسة أنفس إلى أربعمائة، وقيل من مائة إلى خمسمائة وما زاد عليها يقال له منسر، فإن زاد على ثمانمائة سمي جيشا، فإن زاد على أربعة آلاف سم جحفلا، فإن زاد فجيش جرار اهـ شيخ الإسلام والله أعلم.

بعث عاصم وخبيب وأصحابهما

(2)

بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد بدر عشرة من الأنصار عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش منهم خبيب بن عدي وعبد الله بن طارق ومرثد بن أبي مرثد وزيد بن الدثنة وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو خال عاصم بن عمر بن الخطاب.

(3)

وبينهما مرحلتان.

(4)

تبعهم من بني لحيان نحو مائة شخص ماهر بالرماية.

(5)

فعرفوا أنه نوى تمر خبيب وصحبه.

(6)

الفدفد - كجعفر - الرابية العالية.

(7)

أي الكفار.

(8)

في عهده فإنهم لا عهد لهم لعدم =

ص: 437

اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا رَسُولَكَ فَرَمَوْهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِماً فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ

(1)

وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ

(2)

فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فَنَزُلُوا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهمْ بِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ فَأَبى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرُّوهُ وَعَالَجُوهُ فَلَمْ يَمْتَثِلْ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا لِأَهْلِ مَكَةَ

(3)

رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

=إيمانهم.

(1)

على ذلك الفدفد بمكان يسمى الرجيع في بلاد هذيل.

(2)

هو عبد الله بن طارق.

(3)

بقية الحديث: وكان خبيب قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر فاشتراه بنو الحارث فمكث عندهم زمنا أسيرا فكانت بنت الحارث تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وهو موثق في الحديد وليس بمكة يومئذ ثمرة فما كان إلا رزق رزقه الله تعالى، فلما أجمعوا على قتله خرجوا به من الحرم ليقتلوه خارجه فقال: دعوني أصل ركعتين فصلى ثم قال لهم: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت في عبادة ربي، فكان هو أول من سنّ الركعتين عند القتل، ثم قال اللهم أحصهم عددا. ثم قال:

ولست أبالى حين أُقتل مسلما

على أي شق كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع

الأوصال جمع وصل وهو العضو، والشلو - كالبئر - الجسد، ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، إلى رحمة الله ورضوانه، وأما زيد بن الدثنة فاشتراه صفوان بن أمية وقتله بأبيه الذي قتله زيد في بدر، وأما عاصم بن ثابت أمير هذه السرية فإنه كان قتل عظيما من قريش فلما سمعت بقتله أرسلت جماعة لتأخذ شيئا من جسده فيتشفوا فيه فأرسل الله على جسده مثل الظلة من الدبر فحمته منهم فلم يقدروا على أخذ شيء من جسمه، الدبر - كالشرط - الزنابير أو ذكور النحل. فكان كل من مال على جسمه ليأخذ منه شيئا طارت على وجهه فلدغته، قيل إن عاصما هذا كان أعطى الله عهدا ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك حفظه الله حيا وميتا، فظهر من هذه السرية كرامتان الأولى وجود الفاكهة في يد خبيب وهو موثق بالحديد يأكل منها وهذا في غير وقتها، وشهادة أعدائه بأنه من خير خلق الله، والفضل ما شهد به الأعداء. والثانية حفظ جسم عاصم من امتداد يد الأعداء إليه وهو جثة هامدة، ولا بعد ولا غرابة فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد باعوا أموالهم وأرواحهم في مرضاة الله ورسوله رضي الله عنهم آمين.

ص: 438

‌بعث القراء السبعين

(1)

• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ

(2)

اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوِّهِمْ

(3)

فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ

غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ

(4)

فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَنَت شَهْراً يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ

(5)

. قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأَنَا فِيهِمْ قُرْآنَاً ثُمَّ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا

فَرضي عَنَّا وَأَرْضَانَا

(6)

. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.

• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَالَهُ حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ

(7)

فِي سَبْعِينَ رَاكِباً إِلَى بَنِي عَامِرٍ، وَكَانَ رَئِيسُهُمْ قَبْلَ هذَا ـ وَهُوَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ ـ خَيَّرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ

(8)

فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ

(9)

أَو

بعث القراء السبعين

(1)

القراء: جماعة من الأنصار فقراء كانوا يكتسبون من جمع الحطب وبيعه نهارا ويحيون الليل بالصلاة وكثرة القراءة ولذا اشتهروا بالقراء رضي الله عنهم.

(2)

رعل كبئر، وذكوان كسكران بن ثعلبة، وعصية مصغرا ابن خفاف، والمراد بنو هؤلاء جزاهم الله بما صنعوا.

(3)

طلبوا منه المدد على عدوهم.

(4)

بئر معونة - كمثوبة -: موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان.

(5)

الذين قتلوا عاصما وأصحابه لأنهم متجاورون وجاء خبرهم وخبر القراء للنبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة، وما حزن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد كما حزن على القراء رضي الله عنهم.

(6)

فبعد بدر جاء رعل وذكوان وعصية للنبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه المساعدة على عدوهم فأمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بجماعة القراء السبعين وأمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي، فلما وصلوا إلى بئر معونة غدروا بهم فأحاطوا بهم فقال الفراء: اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك فأقرئه منا السلام، فأخبره جبريل عليه السلام بذلك، فقال: عليهم السلام؛ ثم نزلت فيهم تلك الكلمات فكانت قرآنا يتلى زمنا ثم نسخت تلاوتها وبقي المعنى، وصار النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على هؤلاء القوم كل يوم في صلاة الصبح بعد الركوع الثاني بقوله: اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف، اللهم عليك ببني لحيان وعضل والقارة ورعل وذكوان وعصية فإنهم عصوا الله ورسوله.

(7)

حرام هذا خال أنس بن مالك رضي الله عنهما.

(8)

حين قابل النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا.

(9)

أهل السهل كالسهم: سكان البوادي، وأهل المدر كالقمر: سكان البلاد، خليفتك أي بعدك.

ص: 439

أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلفٍ

(1)

فَأَبى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِراً» ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ حَرَامٌ وَمَعَهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَعْرَجُ. فَقَالَ حَرَامٌ لِصَاحِبَيْهِ لَمَّا دَنَوْا مِنْهُمْ: كونَا قَرِيباً مِنِّي حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ قَرِيباً مِنِّي وَإِنْ قَتلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ فَذَهَبَ لَهُمْ حَرَامٌ فَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَأُوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ قَالَ حَرَامٌ: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ

(2)

ثُمَّ لَحِقُوا بِمَنْ كَانُوا مَعَهُ فَقَتَلُوهُمْ إِلا رَجُلًا أَعْرَجَ كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ: إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَ رضي عَنَّا وَأَرْضَانَا

(3)

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

(4)

• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا صَبَأْنَا

(5)

فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِد

(1)

بدل من أهل غطفان، وألف أي فرس أشقر وألف أحمر، والمراد إن لم تقبل واحدة من هاتين غزوتك بجيش عظيم من غطفان فيه ألفا فارس على خيل شقر وحمر فضلا عن غيرهما.

(2)

فزت أي بالشهادة لأن الرمح نفذ من الجهة الأخرى، وقيل إن الذي طعنه هو عامر بن الطفيل.

(3)

وهل هؤلاء السبعون غير القراء السابقين الذين أرسلوا لرعل وذكوان أو هم القراء لرواية: فلما نزل الصحابة بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه بل عدا عليه فقتله، واستجاب الله دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم في عامر هذا فإنه كان بعد هذا عند امرأة فأصابه الطاعون فقال: غدة كغدة البكر (أي لا قيمة لهذا المرض) ائتوني بفرسي، فركبه وذهب لمنزله فمات قبل أن يصل إليه خاسرًا لدينه ودنياه والله أعلم.

بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

(4)

جذيمة كعظيمة هو ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة بن مدركة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم.

(5)

خرجنا من الشرك إلى دين الإسلام.

ص: 440

أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» مَرَّتَيْنِ

(1)

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

‌بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن رضي الله عنهما

• عَنْ أَبِي بُرْدَةَ

(2)

رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا مُوسى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ

(3)

وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ

(4)

ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا»

(1)

فالنبي صلى الله عليه وسلم في شوال عقب فتح مكة قبل خروجه لحنين أرسل سرية من الأنصار والمهاجرين عددهم ثلاثمائة وخمسون إلى بني جذيمة تحت إمرة خالد بن الوليد وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا فلا سبيل لأحد عليهم، فلما ذهبوا لهم وعرضوا عليهم الإسلام أجابوا ولكنهم لم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا بل قالوا: صبأنا؛ ففهم خالد أنهم لم يسلموا ولم يكتف إلا بالتصريح بالإسلام فقتلوا وأسروا، وفي يوم أمر أصحابه بقتل من معهم من الأسرى فتوقف ابن عمر وغالبهم عن قتلهم إلا بني سليم فقتلوا من في أيديهم، فلما علم بهذا النبي صلى الله عليه وسلم نقم على خالد وتبرأ إلى الله من فعله لعجلته وعدم التثبت في أمرهم، ولم ير عليه قودا لأنه تأول أنه كان مأمورا بقتالهم إلى أن يسلموا، ففيه أن الأمر المطلق لا يعم جميع الأحوال بل ينبغي التثبت والتبصر فربما كان الأمر خطأ كما وقع لسرية من الأنصار أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم تحت إمرة عبد الله بن حذافة السهمي فغضب منهم لأمر من الأمور، فقال أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى أي نعم علينا إطاعتك، قال: فاجمعوا حطبا وأوقدوا نارا، ففعلوا، فقال: ادخلوها، فهموا أن يدخلوها وجعل بعضهم يمسك بعضا أي يمنعهم ويقول فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا هكذا حتى خمدت النار فسكن غضبه، فتركهم، فلما رجعوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذكروا هذا له، فقال:"لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة"، أي لأهلكتهم لأنهم فعلوا ما نهوا عنه من قتل النفس، قال تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فيه أن التأويل الفاسد لا يطاع آمره ولا يعذر فاعله، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: الطاعة في المعروف أي في الأمر المعروف شرعا، رواه البخاري عقب بعثة خالد.

بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن رضي الله عنهما

(2)

هو عامر بن أبي موسى الأشعري.

(3)

واليين ومعلمين وجامعين للزكاة وهذا قبل حجة الوداع سنة عشر.

(4)

المخلاف كالمحراب: الكورة، والرستاق أي الإقليم، واليمن مخلافان عليا وسفلى فالعليا ما حاذى نجدا، والسفلى ما حاذى خليج العرب وهو بحر القلزم وكان أبو موسى واليًا على السفلى وكان معاذ واليًا على العليا.

ص: 441

فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيباً مِنْ صَاحِبِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيباً منْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ

(1)

فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ

(2)

: أَيُّمَ هذَا

(3)

قَالَ: هذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا

(4)

فَقَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْتِسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي

(5)

. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

‌بعث علي وخالد بن الوليد رضي الله عنهما إلى اليمن

• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ

(6)

قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذلِكَ مَكَانَهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيَ: «مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ» فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَبَ مَعَهُ فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ

(7)

.

(1)

غلت يداه في عنقه أي ربطتا فيه لئلا يتمكن من الهرب.

(2)

هذا اسم أبي موسى.

(3)

بفتح الياء وضمها وحذفت الألف من لفظ ما تخفيفا أي أي شيء هذا.

(4)

هذا من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب ثانيا، أي لا أقرأ وردي من القرآن مرة واحدة بل في عدة أوقات على حسب ما يتيسر لي ليلا أو نهارا.

(5)

أما معاذ فكان ينام أول الليل ويقوم آخره للتهجد والقرآن فيلتمس الثواب من نومه لراحة جسمه لعبادة ربه كما يلتمسه من قومته عابدًا لربه تعالى، فلم تشغلهم الولاية وعبؤها الثقيل عن طاعتهم لله تعالى ليلا ونهارا رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.

بعث عليّ وخالد بن الوليد رضي الله عنهما إلى اليمن

(6)

هذا بعد رجوعهم من الطائف وقسمة غنائم حنين بالجعرانة.

(7)

فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث خالدا إلى اليمن ثم عاد بأصحابه الذين كانوا معه ثم بعث عليًا مكانه وأمره أن يأخذ من أصحاب خالد من شاء منهم أن يعود فعاد البراء مع عليّ فغنم عدة أوراق من الذهب، وقال بريدة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًا إلى خالد ليقبض=

ص: 442

• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا

(1)

فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ

(2)

وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ

(3)

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا

مِنْ هؤُلَاءِ

(4)

فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَمَسَاءً» قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرٌ الْعَيْنَيْنِ

(5)

مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ

(6)

نَاشِزُ الْجَبْهَةِ

(7)

كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ

(8)

مُشَمَّرُ الْإِزَارِ

(9)

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ: «وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقي اللَّهَ» قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ

(10)

قَالَ: «لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلَ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ

(11)

وَلَا أَشُقَّ

= منه خمس الغنائم وكنت أبغض عليًّا لأني رأيته يغتسل من جارية من السبي، فقلت لخالد: ألا ترى إلى عليّ يغتسل؛ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك فقال: لا تبغض عليًّا فإن له في الخمس أكثر من ذلك. رواه البخاري، ويظهر أن الجارية كانت بكرًا فلم يستبرئها وإلا فعليّ رضي الله عنه لا يخفى عليه الحكم.

(1)

ذهيبة بالتصغير أي قطعة ذهب من غنائم اليمن أو من معدن هناك لم تصف من ترابها وهي ملفوفة في جلد مدبوغ بالقرظ.

(2)

ابن مهلهل الطائي النبهاني وقيل زيد الخيل لكرائم خيله وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير أسلم وحسن إسلامه.

(3)

الصواب أنه علقمة العامري وأما عامر بن الطفيل فقد هلك كافرا قبل هذا بخرّاج ظهر في أسفل أذنه من ضرب الطاعون إجابة لدعوته صلى الله عليه وسلم عليه لما غدر بأصحابه الذين ذهبوا له بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم كما سلف في بعث القراء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قصر الذهيبة على هؤلاء الأربعة يتألفهم بهذا.

(4)

أبهمه سترا عليه.

(5)

أي داخلهما.

(6)

بارز الوجنتين وهما ما ارتفع من الخدين.

(7)

أي مرتفعهما.

(8)

وهذه سيما الخوارج في التحليق بخلاف العرب حينذاك فإنهم كانوا يوفرون شعورهم وإلا فحلق شعر الرأس مباح.

(9)

هذا الرجل اسمه ذو الخويصرة التميمي أو نافع أو حرقوص بن زهير.

(10)

وقيل إن القائل لهذا عمر، ويمكن أنهما قالا ذلك معا.

(11)

وضبط أنقب من التنقيب وهو البحث والتفتيش.

ص: 443

بُطُونَهُمْ» قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفَ

(1)

فَقَالَ: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِيءِ هذَا

(2)

قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْباً لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ

(3)

يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» وَأَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمودَ

(4)

». رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ آمِين.

تم بتوفيق الله تعالى الجزء الرابع من كتاب التاج وعدد أحاديثه ألف وخمس وسبعون حديثا. نسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم آمين. ويليه إن شاء اللهُ تعالى الجزء الخامس وأوله كتاب الأخلاق. نسأل الله التوفيق لإتمامه آمين.

(1)

وروي مقفى أي مول قفاه وذاهب.

(2)

أي أصل هذا.

(3)

رطبا ألسنتهم به من كثرة التلاوة أو من تحسين أصواتهم به.

(4)

أستأصلهم كما استؤصلت ثمود، هؤلاء هم الخوارج وسبق بعض الكلام عنهم في فضل القرآن وسيأتي ذكرهم وافيًا في كتاب الفتن إن شاء الله.

{تنبيه} ما سبق من الغزوات والبعوث قليل بالنسبة لما وقع نظرًا لشروط الشيخين - في كتابيهما - السابقة في شرح الخطبة ولكنها مبسوطة في كتب السير والتواريخ.

ص: 444