الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
تأليف
الشيخ منصور علي ناصف
من علماء الأزهر الشريف
وعليه
غاية المأمول - شرح التاج الجامع للأصول
الجزء الخامس
الطبعة الخامسة
1413 هـ - 1993 م
جميع الحقوق محفوظة
دار إحياء التراث العربي
بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الرابع في الأخلاق والسمعيات
(1)
كتاب البر والأخلاق
(2)
وفيه ثلاثة أبواب وخاتمة
الباب الأول في أنواع البر
(3)
• عَنِ النَّوَّاس بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَاْلْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ
(4)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
كتاب البر والأخلاق
(1)
السمعيات: هي الأمور التي سمعناها عن الشارع من البعث والحشر وأحوال القيامة كالميزان والصراط والحوض والجنة والنار، وستأتي مبسوطة إن شاء الله.
(2)
الأخلاق جمع خلق وهو ما جبل عليه الإنسان من خير وشر، والمراد بيان الذميم منها والكريم فيجتنب الأول ويتصف بالثاني.
(3)
البر يكون بمعنى حسن الصحبة والعشرة، وبمعنى الطاعة، وبمعنى اللطف، وبمعنى الصلة والمبرة، فالبر اسم جامع لكل خير، كما أن الإثم اسم جامع لكل شر، قال الله تعالى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} .
(4)
فالإثم ما تردد في الصدر ولم يطمئن له القلب وكرهت أن يراه الناس، والبر: حسن الخلق، وأحسن ما قيل فيه: إنه فعل الواجبات والبعد عن المحرمات والبشاشة مع الناس والإحسان إليهم، وقال وابصة بن معبد: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله عن البر فقال: جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم، قال: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك، ومرماه كحديث الكتاب والله أعلم.
أعظمه بر الوالدين
(1)
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
(2)
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
(3)
} صَدَقَ اللهُ العظيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي
(4)
؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ «أَبُوكَ
(5)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ
(6)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ
(7)
» قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ» أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِماَ «ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ
(8)
» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَتْ أَسْمَاءُ رضي الله عنها: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ
أعظمه بر الوالدين
(1)
الوالدان تثنية والد وهو الأب والأم، والمراد الأب وإن علا ويلحق به الأعمام والعمات لما تقدم في الفضائل: إنما عم الرجل صنو أبيه، والأم وإن علت ويلحق بها الأخوال والخالات لما يأتي: الخالة بمنزلة الأم.
(2)
فالله تعالى ما قرن الإحسان إلى الوالدين بتوحيده إلا لأن حقهما عظيم على الولد لأنهما السبب في وجوده، ولما قاسياه في أمره.
(3)
فإذا نهى الله الولد عن التأفيف لأبويه وعن زجرهما بالكلام فأولى بالنهي الشتم والسب والطعن والضرب، فالمطلوب مخاطبتهما باللين واحترامهما وتعظيمهما، بل والإحسان إليهما بالميسور والدعاء لهما كما قال تعالى {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} .
(4)
أي من أولى بحسن العشرة والإحسان.
(5)
ذكر الأم ثلاث مرات ثم ذكر الأب بعدها لعظم حقها مما قاسته في حمله وإرضاعه ثلاثين شهرا وسهرها به واحتراق قلبها عليه حتى ربته.
(6)
أي الأقرب لك من الأصول والفروع والحواشي.
(7)
أي لصق بالرغام وهو التراب ذلا وهوانا، وقوله عند الكبر لشدة حاجتهما إلى إحسان الولد وإلا فعليه إرضاؤها في كل وقت إذا أمكنه ولم يكن حراما وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى.
(8)
لعقوقه لهما.
إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِيهَا فاَسْتَفْتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهاَ؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: «أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أَبَاكَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ، لَا يَسْأَلُ رَجُلٌ مَوْلَاه
(2)
» مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ فَيَمْنَعَهُ إِيَّاهُ إِلا دُعِيَ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَهُ شُجَاعاً أَقْرَعَ
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ قَالَ: «أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ
(5)
حَقٌّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ ابْنُ عُمَرَ وَحَمَلَهُ عَلَى حِماَرٍ كاَنَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطاَهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأُسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِيناَرٍ: أَصْلَحَكَ اللهاُ، إِنَّهُمُ الْأَعْرَابُ وَهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهاَ: إِنَّ أَبَا هذَا كَانَ وُدّاً لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
(8)
وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرَّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ
(9)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ وَكُنْتُ أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَأَمَرَنِي بِطَلَاقِها فَأَبَيْتُ فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «طَلِّقْها
(10)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(11)
.
(1)
فأسماء بنت أبي بكر أخت عائشة لأبيها وامرأة الزبير، جاءتها أمها وهي كافرة تلتمس منها شيئا فقالت أسماء: يا رسول الله أأصل أمي وهي كافرة؟ قال: نعم صليها، ففيه صلة الوالد ولو كان كافرا.
(2)
أي قريبه.
(3)
فمن لم يحسن إلى قريبه المضطر فإن ماله يمثل له يوم القيامة ثعبانا عظيما يعذبه والعذاب لا يكون إلا لترك واجب أو فعل حرام فتكون صلة الرحم واجبة.
(4)
بسند حسن.
(5)
قريبك الذي يقرب ممن ذكروا.
(6)
وروى بنصب الكلمات الأربع أي قلت قولا موافقًا للواقع، ورحما موصولة أي قرابة يجب وصلها ويحرم قطعها.
(7)
بسند صالح.
(8)
صاحبا ودودا له.
(9)
وفي رواية: إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولى أي بعد موته، فالإحسان إلى أصحاب الأب إحسان للأب لأنه سبب في الترحم عليه.
(10)
هذا خاص بعمر ونحوه لأن كراهته لها كانت لله لأمر يقتضي الكراهة، فلذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها مع محبته لها، وإلا فالزوج لا يطيع أحدا في طلاق امرأته إلا إذا كان هناك ما يقتضيه لما تقدم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
(11)
بسند صحيح.
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَويَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُما بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِما؟ قَالَ: «نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِماَ
(1)
وَالِاسْتِغْفاَرُ لَهُماَ وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِماَ مِنْ بَعْدِهِماَ
(2)
وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلا بِهِماَ
(3)
وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِماَ
(4)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ
(5)
.
• عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لَحْمًا بِالْجِعْرَانَةِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ
أَحْمِلُ عَظْمَ الْجَزُورِ
(6)
إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ حَتَّى دَنَتْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ إِلَيْهَا فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَنْ هِيَ؟ فَقَالُوا: هذِهِ أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ
(7)
، آَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(8)
.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقاَلَ: إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا قاَلَ أَبُو الدَّرْدَاء: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ
(9)
».
• عَنْ عَبْدِ اللهاِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ وَسُخْطُ الرَّبِّ فِي سُخْطِ الْوَالِدِ
(10)
».
• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ
(11)
». وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْباً عَظِيماً فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمّ» ؟ قَالَ: لَا، قاَلَ:«هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ» ؟ قَالَ: نَعَمْ قاَلَ: «فَبِرَّهَا
(12)
». رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(13)
.
(1)
الدعاء لهما ومنه صلاة الجنازة.
(2)
إمضاء وصيتهما.
(3)
كالأعمام والعمات وكالأخوال والحالات.
(4)
لفظ البيهقي: وصلة رحمهما التي لا رحم لك إلا من قبلهما؛ فقال: ما أكثر هذا وأطيبه يا رسول الله، قال: فاعمل به فإنه يصل إليهما.
(5)
بسند صالح.
(6)
البعير ذكرا أو أنثى.
(7)
هي حليمة السعدية رضي الله عنها.
(8)
بسند صالح.
(9)
المراد الحث على إكرامها إجابة طلبها إن كانت محقة فيه.
(10)
فرضاء الله وسخطه على الولد تابع لرضاء الوالد الذي رضاه وسخطه لله.
(11)
في طلب إرضائها وإكرامها مثلا لا في الميراث.
(12)
عظم بر الأم والخالة حتى صار من مكفرات الذنوب العظيمة.
(13)
بأسانيد صحيحة.
ومنه بر الأبناء
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَسَنَ بْنَ عَلِيّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّيْمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قاَلَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ
(1)
. رَوَاهُ البُخَارِيَّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى ثُمَّ يَضُمُّهُماَ ثُمَّ يَقُولُ: «الَّلهُمَّ ارْحَمْهُما فَإِنِّي أَرْحَمُهُما
(2)
». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قاَلَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتُقَبِّلُونَ الصِّبيْانَ فَماَ نُقَبِّلُهُمْ
(3)
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهاُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ
(4)
». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَعَنْهاَ قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهاَ ابْنَتاَنِ تَسْأَلُنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَة فَأَعْطَيْتُهاَ فَقَسَمَتْهاَ بَيْنَ ابْنَتَيْهاً
(5)
ثمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ فَقاَلَ: «مَنْ بُلِيَ مِنْ هذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ
(6)
فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ». رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى يُدْرِكاَ دَخَلتُ أَنَا وَهُوَ الجَنَّةَّ كَهاَتَيْنِ
(7)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ
ومنه بر الأبناء
(1)
فمن لا يرحم عباد الله لا يرحمه الله تعالى.
(2)
فيه عظيم الملاطفة بالأطفال.
(3)
ولفظ مسلم: فقال نعم؛ قال: لكنا ما نقبل.
(4)
أو أملك بفتح الهمزتين والواو عطف على محذوف أي هل تقول ذلك ولا أملك الرحمة لقلبك بل الله يهبها لك إن شاء، ففيه أن العطف على الأولاد من الرحمة المحمودة وأن تركه من القسوة المشئومة، نسأل الله الرحمة آمين.
(5)
فالمرأة مع شدة جوعها لم تطعم من التمرة شيئًا بل قسمتها بين بنتيها رحمة بهما وشفقة عليهما.
(6)
واحدة أو أكثر له أو لغيره.
(7)
من عال أي قام بأمرهن، جاريتين أي بنتين، حتى يدركا فتستغنيان عنه بالكسب أو الزواج دخل الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثلاثُ أَخَوَاتٍ أَوَ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ
(1)
وَاتَّقَى الله فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْها وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْها أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ
(2)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
.
• عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهما قَالَ: زَعَمَتِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ
(4)
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مُحْتَضِنٌ أَحَدَ ابْنَيِ ابْنَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ لَتُبَخِّلُونَ وَتُجَبِّنُونَ وَتُجَهِّلُونَ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ رَيْحاَنِ اللهِ
(5)
».
• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بصَاعٍ
(6)
».
• عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نُحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ
(7)
»، رَوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ.
(1)
أي عشرتهن.
(2)
لم يئدها أي لم يدفنها حية كعادة الجاهلية الشنيعة، ولم يؤثر ولده أي الذكر عليها بل يحسن إلى الأولاد في حياته على السواء.
(3)
بسند صالح.
(4)
بيان للمرأة الصالحة، وزعمت أي قالت.
(5)
إنكم أي أيها الأولاد، لتبخلون أي الآباء فبسببهم يصير الوالد بخيلا حرصا على بقاء ماله لهم، وتجبنون أي يصير الوالد جبانا فلا يقتحم الشدائد كالخروج للجهاد حرصا على حياته لأولاده وكذا يجهل الوالد بميله عن الحق أحيانا بسبب الأولاد، فالولد مبخلة مجبنة مجهلة بل وفتنة، قال تعالى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} والعاقل لا يشغله شيء عن الله تعالى.
(6)
لقرب ولده فهو أولى بمعروفة والأدب له وللناس.
(7)
والأدب الحسن أن يعلمه كيف يأكل وكيف يشرب وكيف يعامل الناس وكيف يسعى لعيشه بينهم ويحسن عشرتهم ويعلمه الواجب عليه لربه ولخلقه فيدخل في هذا تعليمه بما يناسب الزمان والمكان مع المحافظة على الدين والتوفيق بيد الله تعالى يهبه لمن يشاء.
تجب صلة الرحم ويحرم قطعها
(1)
قَالَ اللهاُ تَعاَلَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} .
• عَنْ أَبِي أَيُّوبَ
(2)
رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهاِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجِنَّةَّ فَقاَلَ الْقَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ
(3)
فَقاَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرَبٌ مَالَهُ، تَعْبُدُ الله لَا تشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ
(4)
ذَرْهَا كأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَاءَلَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ
(6)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحُمُه وَصَلَها
(7)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرَّحِمَ شِجَنَةٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَقَالَ اللهاُ مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ
(8)
. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ
تجب صلة الرحم ويحرم قطعها
(1)
المراد بالرحم القرابة وهي أعم مما تقدم فتشمل الأصول والفروع والحواشي قريبة أو بعيدة وإن كان الوعيد الآتي على قطعها لا يتنزل إلا على قطع من وجبت له النفقة كالأصول والفروع.
(2)
هو خالد بن زيد الأنصاري وقيل هو السائل.
(3)
استفهام كرر للتأكيد، وفيه معنى التعجب ولذا قال رسول الله له له أرب وحاجة يسأل عنها فلم التعجب.
(4)
أي تحسن إلى أقاربك بما تيسر لك على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة ونحوها.
(5)
ذرها أي الراحلة تسير وكان السائل أخذ بزمامها فأوقفها والنبي صلى الله عليه وسلم على ظهرها.
(6)
البسط: الزيادة، والنسأ: التأخير، والأثر: الأجل، فمن أراد السعة في رزقه والزيادة في عمره فليحسن إلى أقاربه، وكانت صلة الرحم سببا في بسط الرزق لقوله تعالى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)} والمراد بزيادة العمر البركة فيه، فيوفق للأعمال الصالحة في سبعين سنة مثلا أكثر من عمل مائة وخمسين سنة.
(7)
فالمكافئ وهو من يعطى نظير ما أخذه لا يسمى واصلا بل الواصل هو من يعطى من قطعه الحديث "ثلاثة من مكارم الأخلاق عند الله: أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك".
(8)
الشجن واحد الشجون وهي طرق الأودية ومنه: الحديث ذو شجون أي يدخل بعضه في بعض،=
الله خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ
(1)
» قَالَتِ الرَّحِمُ: هذَا مَقاَمُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ
(2)
قَالَ: نَعَمْ أَمَا تَ رضينَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى ياَ ربِّ قَالَ: فَهُوَ لَكِ» قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ» {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَماَ قُلْتَ فَكَأَنَّماَ تُسِفّهُمُ الْمَلَّ
(3)
وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ الله ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلِكَ
(4)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ
(5)
تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ». رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ.
• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنةَّ قَاطِعُ رَحِمٍ
(6)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَكَبَرِ الْكَبَائرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ
(7)
». رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أنا الله وأنا
=والشجنة: عروق الشجر المشتبكة في بعضها، وهنا الرحم شجنة من الرحمن أي مشتقة من اسم الرحمن تعالى فمن وصلها وصله الله بلطفه وإحسانه.
(1)
قضاه وأتمه.
(2)
قالت الرحم بلسان الحال أو المقال هذا أي قيامي هذا مقام المستجير بك من القطيعة فأجابها الله بما ذكر، وتقدم هذا في سورة محمد صلى الله عليه وسلم في التفسير.
(3)
الرماد: الحار تشبيه بما يلحقهم من الألم بما ينال آكل الرماد الحار لإساءتهم إلى من أحسن إليهم.
(4)
ظهير أي ناصر ومعين.
(5)
أي تستجير بربها وربه.
(6)
إن استحله مع علمه بتحريمه، أو لا يدخلها مع السابقين، أو هذا زجر وتنفير.
(7)
أن يسب الرجل والديه أي يتسبب في سبهما، وإنما كان سبهما من أكبر الكبائر لأنه عقوق وإساءة وكفران لحقهما الذي هو الإعظام والإكبار وتمام الإحسان.
الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بنته
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(2)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صَلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْماَلِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(4)
، نَسْأَلُ الله التَّوْفِيقَ آمِين.
ومنه بر الأتباع
(5)
• عَنْ عُباَدَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ رضي الله عنهم قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلبُ الْعِلْمَ فِي هذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا
(6)
فَكاَنَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيَناَ أَباَ الْيَسَرِ صَاحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ
(7)
وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعاَفِرِيٌّ
(8)
وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعاَفِرِيٌّ فَقُلْتُ لَهُ أَنَا: ياَ عَمِّي لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلَامِكَ وَأَعْطَيْتَهُ مَعاَفِرِيَّكَ وَأَخَذْتَ مَعاَفِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ فَكَانَ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ
(9)
فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: الَّلهُمَّ باَرِكْ فِيهِ ياَ ابْنَ أَخِي بَصُرَ عَيْناَيَ هَاتاَنِ وَسَمِعَ أُذُناَيَ هَاتاَنِ
(10)
وَوَعَاهُ قَلْبِي هذَا وَأَشَارَ إِلَي مَنَاطِ قَلْبِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ
(11)
» وَكَانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْياَ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ
(1)
أي قطعته.
(2)
بسند صحيح.
(3)
فصلة الرحم توجب محبة الأهل وسعة الرزق وطول العمر، نسأل الله التوفيق.
(4)
بسند صحيح.
ومنه بر الأتباع
(5)
الأتباع: جمع تابع كالمملوك والخادم والأجير، فالإحسان إليهم والرأفة بهم مطلوبان لضعفهم ومسكنتهم.
(6)
وهم أهل المدينة رضي الله عنهم.
(7)
رزمة من ورق مكتوب فيه.
(8)
البردة: شملة مخططة أو كساء مربع تلبسه الأعراب، والمعافري: نوع من الثياب يصنع بقرية تسمى معافر.
(9)
فإن الحلة عند العرب ثوبان من جنس واحد.
(10)
تأكيد في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم بدون واسطة.
(11)
أطعموهم أي الأتباع من طعامكم وألبسوهم من لباسكم، وهذا للكمال وإلا فالواجب على السيد معاملة الأتباع بما جرت به عادتهم زمانا ومكانا وهذا بإجماع.
يَأْخُذَ مِنْ حَسَناَتِي يَوْمَ القِياَمَةِ
(1)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فِي قِصَّةٍ لِأَبِي الْيَسَرِ.
• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنْ خَلْفِي
(2)
: اعْلَمْ أَباَ مَسْعُودٍ مَرَّتَيْنِ للَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ قَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَعَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ
(3)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ لَهُ
يَوْمَ الْقِيامَةِ حَدًّا
(4)
».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ فَصَمَتَ فَأَعَادَ الْكَلَامَ فَصَمَتَ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ: «فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً
(5)
»، رَوَى هذِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي ذَرّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَاءَمَكُمْ مِنْ مَمْلْوكِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُ مِمَّا تَكْتَسُونَ وَمَنْ لَمْ يُلَائْمكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى
(7)
».
• عَنْ رَافِعِ بْنِ مَكِيثٍ
(8)
رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُسْنُ الْمَلَكَةِ يُمْنٌ وَسُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ
(9)
» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
(10)
.
• عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(1)
أن أعطيته اسم كان وخبرها أهون عليّ، فعطائي له في دنياي أسهل من أخذ حسناتي في الآخرة.
(2)
ينادي بالآتي.
(3)
أي أحرقتك وليس عتقه واجبا عليه لهذا ولكنه أعتقه أملا في العفو عنه وفي إرضاء الله ورسوله {إن الحسنات يذهبن السيئات} .
(4)
ولفظ الترمذي "من قذف مملوكه بريئًا مما قال له أقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال".
(5)
المراد التكثير دون التحديد، وإنما طلب العفو عنه كثيرا أملا في رحمة الله تعالى "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
(6)
الأولان بسندين صحيحين والثالث بسند حسن.
(7)
فمن ارتاحت نفوسكم إليه فأبقوه وأحسنوا إليه وإلا فبدلوه بغيره ولا تعذبوا عباد الله فإن الله ينتصر لهم.
(8)
ليس له إلا هذا الحديث.
(9)
حسن الملكة - بفتحات - الصنيع مع الأتباع يمن وبركة لأنه إذا أحسن إليهم أحبوه وأخلصوا له وأتقنوا أعمالهم فنما ماله وحسن حاله بخلاف الحمق معهم فإنه تعب وخسران، وربما أدى إلى الهلاك لحديث الترمذي: لا يدخل الجنة سيء الملكة.
(10)
بسندين صالحين.
«ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ: رِفْقٌ بِالضَّعِيفِ
(1)
وَشَفَقَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَمْلُوكِ».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بِغمَّا لِأَحَدِهِمْ
(2)
أَنْ يُطِيعَ رَبَّهُ وَيُؤَدِّيَ حَقَّ سَيِّدِهِ».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ
(3)
».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالْصَّلَوَاتِ الخَمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
(4)
»، رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
ومنه رحمة اليتيم والأرملة
(6)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} {وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلَا تَنْهَرْ} {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هكَذَا وَقَالَ بِإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى
(7)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَلِمُسْلِمٍ: «كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِه
(8)
(1)
رحمة بالضعيف كالكبير والمريض ومن شواه الفقر.
(2)
أي الأتباع.
(3)
فذكر الله مستجيرا به كقوله: اتركني بالله، أو كفى بالله فارفعوا أيديكم إجلالا لاسم الله تعالى.
(4)
تقدم هذا في الجماعة من كتاب الصلاة.
(5)
الأول والرابع بسندين حسنين والثاني بسند صحيح، وتقدم في العتق من هذا كثير، نسأل الله أن يجيرنا وأحبابنا من النار آمين.
ومنه رحمة اليتيم والأرملة
(6)
اليتيم من فقد أباه قبل أن يبلغ، ومن فقد أمه فقط فهو لطيم، ومن فقدهما فهو قطيع، والإحسان الثلاثة مطلوب، وتقدمت علامات البلوغ في الوصية من كتاب الفرائض، والأرملة: التي لا زوج لها سواء كانت تزوجت أم لا من الإرمال وهو الفقر.
(7)
وقال أي أشار وفرج بين السبابة والوسطى، فكافل اليتيم وهو من يقوم بتربيته حتى يستغنى عنه برشده أو موته أو زواجه إن كان أنثى له درجة عظيمة في الجنة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم.
(8)
له بأن كان ولد ولده أو قريبه أو لغيره بأن كان ابنا لأجنبي.
أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
• عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعاءُ الْخَدَّيْنِ
(1)
كَهَاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوْمَأَ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا
(2)
ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَبَضَ يَتِيمًا مِنَ بَيْنِ مُسْلِمَيْنِ
(5)
إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ الْبَتَّةَ إِلا أَنْ يَعْمَلَ ذَنْباً لَا يُغْفَرُ لَهُ
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
.
• عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ الَّليْلَ
(8)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِينَ.
ومنه حقوق الجار
(9)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى
(10)
} {وَالْجَارِ الْجُنُبِ
(11)
} {وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ
(12)
} {وَابْنَ السَّبِيلِ
(13)
} {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
(14)
}.
(1)
متغيرة لون الخدين من المشقة والضنك.
(2)
صارت أيما لا زوج لها.
(3)
بانوا أي كبروا واستغنوا عنها، أو ماتوا إلى رحمة الله، فمن لم تتزوج حتى ربت يتاماها لها درجة عظيمة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
بسند صالح.
(5)
يتيما أبواه كانا مسلمين.
(6)
هو الشرك؛ قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .
(7)
بسند ضعيف.
(8)
المسكين: هو الفقير ذو العاهة أو الهرم الفقير، فمن يعول أرملة أو مسكينا لله تعالى فأجره كأجر المجاهد أو كالذي يصوم الدهر ويقوم الليل.
ومنه حقوق الجار
(9)
الجار: هو المجاور لك في السكن أو في الصناعة أو في التجارة أو في الزراعة.
(10)
القريب منك فيما سبق أو في النسب.
(11)
البعيد عنك في الجوار إلى من يسمع النداء قاله عليّ رضي الله عنه، وقالت عائشة: حق الجوار أربعون دارا من كل جانب.
(12)
الرفيق في السفر وقيل الزوج.
(13)
المنقطع في سفره.
(14)
من الأرقاء تمام الآية {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)} أي تيّاها يتكبر على أقاربه وجيرانه.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ
(1)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
وَعَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهمَا أُهْدِى؟ قَالَ إلَى أَقْرَبِهِما مِنْكِ بَابًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: إِنَّ لي جَارَيْنِ «أَيِّهِمَا أَبْدَأُ قَالَ: بِأَدْنَاهُمَا بَاباً
(2)
».
• عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ» قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ
(3)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلفْظُهُ:«لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَّ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقِهُ» .
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَبَختَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَذُبِحَ فِي بَيْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما شَاةٌ فَقَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِي الْيَهُودِيِّ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ
(5)
». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
، وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَيَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وفَعَلَ وَفَعَلَ
(7)
» فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ: «ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئاً تَكْرَهُهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(8)
.
(1)
أي يجعل له نصيبًا من الميراث.
(2)
لأنه يرى ما يدخل في بيت جاره فيتشوق له، فإكرام الجار مؤكد بكل ممكن من الستر عليه ومساعدته بالمال أو بالرأي أو بالجاه والسلام عليه عند اللقاء والبشاشة، وللطبراني: الجيران ثلاثة: جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق جار مسلم له رحم، له حق الجوار والإسلام والرحم.
(3)
لا يؤمن أي من استحل أذية الجار، أو هذا للزجر، أو لا يؤمن إيمانا كاملا من يخاف جاره بوائقه: جمع بائقة وهي الغائلة والشر.
(4)
فإذا طبخت لحما فأكثر مرقه وأتحف الجيران بالثريد فإنه عند الله عظيم.
(5)
فيه إكرام الجار ولو فاسقا ولو كافرا.
(6)
بسند حسن.
(7)
كناية عن لعن الناس وسخطهم على الجار المؤذي؛ فلما رأى ذلك قال لجاره: ارجع لبيتك فلن أضرك.
(8)
بسند صالح.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ
(1)
: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حقوق المسلم على المسلم
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ
(2)
» قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ
(3)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ: «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ بِالْمَعْرُوف يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ وَيجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطسَ وَيَعُودُهُ إِذَا مَرضَ وَيَتَّبِعُ جَنَازَتَهُ إِذَا مَاتَ وَيُجبُّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
(4)
» نَسْأَلُ اللَّهَ مَوَدَّةَ خَلْقِهِ آمِين.
الرحمة واجبة لخلق اللَّه تعالى
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ
(6)
(1)
بسند حسن. نسأل الله التوفيق آمين.
حقوق المسلم على المسلم
(2)
على سبيل الكمال لقوله الآتي: بالمعروف إلا إجابة الداعي فإنها واجبة أحيانا كما تقدم في الوليمة في النكاح وإلا النصح لمن طلبه فإنه واجب وسيأتي.
(3)
بعض هذه سبقت في عيادة المريض من باب الجنائز، وبعضها سيأتي في الأدب إن شاء الله تعالى.
(4)
وسيأتي "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" فلو قام المسلمون بهذه الأخلاق وتعاونوا وتحاببوا لعلا أمرهم وسما شأنهم وملكوا رقاب أهل الأرض جميعا. نسأل الله التوفيق آمين.
الرحمة واجبة لخلق الله تعالى
(5)
فعلى الشخص رحمة المضطر بما يمكنه على ما تقتضيه حاله كإطعام جائع وكسوة عريان وإنقاذ مشرف على الهلاك ودفع ظالم عنه وإرشاد حيران وتعليم سائل عن أصل الدين ونحوها رحمة بعباد الله تعالى.
(6)
ولفظ مسلم "إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السموات والأرض كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض" والمراد التعظيم فكل جزء يسع السموات والأرضين.
فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا
(1)
فَمِنْ ذلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمُ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّاحمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ
(4)
».
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ صَاحِبَ هذِهِ الْحُجْرَةِ
(5)
يَقُولُ: لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلا مِنْ شَقِيُ. وَجَاءَ شَيْخٌ كَبِيرٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا
(6)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(7)
.
• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنه الْمُنْكَرِ» .
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ
مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ
(8)
»، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(9)
.
(1)
وفي رواية: أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم.
(2)
وفي رواية: فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، وأنه يكملها يوم القيامة مائة رحمة بالرحمة التي في الدنيا. كأنها تكون كلها لأهل الجنة، قال الله تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء} أي في الدنيا {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} أي في الآخرة.
(3)
وفي رواية: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله تعالى.
(4)
ولفظ الترمذي "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وهو الله تعالى.
(5)
الإشارة للروضة الشريفة.
(6)
ليس منا أي ليس على طريقتنا الكاملة من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا بتعظيمه واحترامه.
(7)
الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن والثالث بسند غريب.
(8)
فمن أكرم شخصًا لكبر سنه سخر الله له من يكرمه في شيخوخته جزاء وفاقا.
(9)
بسندين حسنين.
• عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِمُسْلِمٍ:«الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ» .
• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ
كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَخِيهِ حَبْلاً وَهُوَ نَائمٌ فَاسْتيْقظَ فَفَزِعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمُزَاحِ
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهاَ فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ
(5)
يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ
(6)
» فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفرَ لَهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ
(7)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقْتُ لِحَاجَتِي
(1)
التواد والتراحم والتعاطف ألفاظ قريبة المعنى وهو أن يرحم بعضهم بعضا ويعطف بعضهم على بعض ويتوادون بما يجلب الألفة والمحبة كالتزاور والتهادي، فهذه أوصاف كاملي الإيمان وهم كجسد واحد إن مرض منه عضو تألم له سائر الأعضاء.
(2)
فكما أن البناء لا يقوم إلا بتماسك أجزائه كذلك المؤمنون لا يظهر أمرهم ولا يقوى شأنهم إلا بتعاونهم واتفاقهم، ففيه وما قبله الحث على التعاون والتحابب فهما أصل النجاح ورأس السعادة الدنيا والأخرى.
(3)
أي يخوفه ولو مازحا لأنه إيذاء حرام.
(4)
بسند صالح.
(5)
يخرج لسانه من شدة العطش.
(6)
الثرى كالهومى: التراب، الندى.
(7)
ذات الكبد الرطبة هو الحيوان الحي، فكل إحسان ورحمة بخلق الله تعالى ولو كان حيوانًا أعجم يؤجر الشخص عليه من الله تعالى، وسبق هذا في الهبات في كتاب البيوع.
فَرَأَيْتُ حُمَّرَةً
(1)
مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْتُ فَرْخَيْهاَ فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تُعَرِّشُ
(2)
فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهاَ
(3)
» وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هذِهِ» ؟ قُلْنَا: نَحْنُ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ
(4)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ وَنَسْأَلهُ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ آمِين.
الباب الثاني في أنواع الإثم
(5)
أعظمه الظلم وإضرار الخلق
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ
(6)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(7)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقّ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرضينَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أرضينَ
(8)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَحْمَدُ.
(1)
نوع من العصافير.
(2)
حزنًا على أخذ فرخيها.
(3)
رحمة بها وبهما وسبق في الأسرى من كتاب الجهاد "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة".
(4)
وتقدم في كتاب الجهاد: لا يعذب بالنار إلا رب النار، والله أعلم.
الباب الثاني في أنواع الإثم أعظمه الظلم وإضرار الخلق
(5)
هو المقابل للباب الأول في أنواع البر.
(6)
أي يرجئ عقابهم إلى يوم تنفتح فيه الأبصار بدون إغماض العظم هوله.
(7)
أي يحيط بالظالمين من ظلمهم ظلمات تجعلهم في حيرة حينما يسمى المؤمنون في أنوارهم فرحين مستبشرين.
{تنبيه} : مرويات البخاري هنا في الظلم في الزروع.
(8)
فمن ظلم أحدا في شيء من الأرض فإنه يوضع كالطوق في عنقه من سبع أرضين يوم القيامة فضيحة وعذابًا له.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَحَدٍ
(1)
مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَلا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتٍ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ
(2)
مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(3)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلَم ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي هُريْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هذَا، وَقَذَفَ هذَا، وَأَكَلَ مَالَ هذَا، وَسَفَكَ دَمَ هذَا، وضَرَبَ هذَا، فَيُعْطَى هذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ
(5)
فَإِنْ فَنيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ
(6)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى
(1)
وفي رواية "من كانت عنده مظلمة (بكسر اللام وفتحها) لأحد في عرض أو مال فليتحلله منه في الدنيا" أي يسأله أن يجعله في حل منه أي يبرئه منه أي أو يرد له حقه قبل أن يأتي يوم لا شيء فيه إلا صالح العمل فيأخذ منه بقدر حقه وإلا حط عليه من سيئات المظلوم؛ وسيأتي توضيحه في حديث أبي هريرة.
(2)
أي إلى الهلاك.
(3)
سبق هذا طويلا في كتاب العلم.
(4)
الشح: هو شدة البخل والحرص على الدنيا أي اجتنبوه واحذروه فإنه حمل السالفين على سفك الدماء واستحلال الحرام فهلكوا في الدنيا والأخرى.
(5)
فالمفلس من ذهبت حسناته في الآخرة لمن ظلمهم في دنياه.
(6)
فبعد أن كان نصيبه من النار مثلا زمنًا قليلا كعشر سنين صار طويلا كثلاثين سنة.
أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيامَةِ حَتَّى يُقادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ
(1)
» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخَذَ مَالِي
(2)
قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ» : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الإِيمَانِ.
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرَ أَنْ يَعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوَبةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْاخِرَةِ مِثْلَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(5)
.
وَمَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ رضي الله عنهما بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ وَصُبَّ عَلَى رُؤوسِهِمُ الزَّيْتُ
(6)
فَقَالَ: «مَا هذَا؟» قِيلَ: يُعَذَّبُونَ فِي الْخَرَاجِ
(7)
فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا ـ أَوْ هِرَ ـ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْها وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا ترَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا
(8)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(1)
فلا بد من وصول الحقوق إلى أصحابها ونصر المظلوم ولو كان حيوانًا أعجم حتى يقتاد للشاة الجلحاء التي لا قرن لها من الشاة القرناء تحقيقًا وإظهارًا لعدل الله تعالى في خلقه.
(2)
ظلمًا وعدوانا.
(3)
فالصائل في النار وإن قتل في دنياه لأنه تسبب في قتل نفسه، وأما من يدافع عن ماله أو نفسه أو عرضه إن قتل الصائل فلا شيء عليه، وإن قتل فهو شهيد لما سبق في الزروع "من قتل دون ماله فهو شهيد إلى آخره".
(4)
البغي: الظلم والتكبر، فالباغي وقاطع رحمه أحق بتعجيل العقوبة في الدنيا فضلا عن عذاب الآخرة لعظيم أضرارهما.
(5)
بسند صحيح.
(6)
أي الساخن بالنار.
(7)
لأجل دفعه.
(8)
فامرأة مسلمة إسرائيلية أو حميرية عذبت في النار بسبب أنها حبست هرا أو هرة حتى ماتت فلا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من حشرات الأرض، فالإنسان يعذب على ظلم الحيوان.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ
(1)
»: رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ
(2)
».
وَدَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنهما فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
(3)
فَسَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ
(4)
فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي حَيَاةً مَا حَدَّثْتُكَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» وَفِي روَايَةٍ: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ» فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَا كُنُتَ حَدَّثْتَنِي هذَا قَبْلَ الْيَوْمِ قَالَ: مَا حَدَّثْتكَ
(5)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئ أَوْ مَمْلوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(7)
.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاؤوا فَلا تَظْلِمُوا
(8)
».
• عَنْ أَبِي صِرْمَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ
(9)
».
(1)
فتخويف المسلم بأي شيء حرام وتلعنه الملائكة وإن كان هازلا وإن كان أقرب الناس إليه.
(2)
ينزع في يده أي يرمي بها فتصيب فيهلك الرامي، وروى ينزغ بالغين أي يغريه.
(3)
معقل بن يسار صحابي مشهور، وعبيد الله كان أميرا للبصرة من قبل معاوية رضي الله عنهم.
(4)
عن مسألة ينتفع بها في دنياه لاسيما وهو أمير.
(5)
سبق هذا في كتاب الإمارة.
(6)
فمن خبب أي أفسد زوجة على زوجها أو عبدا على سيده أو ولدا على والده مثلا فليس على دين محمد صلى الله عليه وسلم لأنه إفساد وظلم لخلق الله تعالى.
(7)
بسند حسن.
(8)
فالإمعة والإمع (بكسر ففتح مع التشديد ويجوز فتح الهمزة): الرجل الذي لا رأي له بل يتبع غيره في الخير والشر وهذا مذموم.
(9)
فمن أضر بالعباد أضره الله ومن شدد عليهم شدد الله عليه في الحساب والعقاب.
• عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِناً أَوْ مَكَرَ بِه
(1)
». رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ
(2)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ
(3)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(4)
.
أظلم الناس من يظلم نفسه
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظيمُ.
• عَنِ الْحَسَنِ رضي الله عنه حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي هذَا الْمَسْجِدِ وَمَا نَسِينَا مُنْذ حَدَّثَنَا وَمَا نَخْشى أَنْ يَكونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّيناً فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ
(6)
» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة
(7)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي آخِرِ بَدْءِ الْخَلْقِ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالسَّلامَةَ آمِين.
(1)
ومن مكر بمؤمن أو أضر به في أي شيء فعليه لعنة الله وعليه عقابه.
(2)
الأولان بسندين حسنين والثالث بسند غريب.
(3)
السدرة: شجرة النبق، فمن قطع سدرة ألقي على رأسه في النار، وهذا في سدر الحرمين وكل شجرة يستظل الناس بها من الشمس والمطر ويأنس بها ابن السبيل لأنه أضر بالناس في شيء لا يملكه بخلاف ما إذا قطعها من ملكه لحاجة فلا؛ ولهذا سأل أبو ثور الشافعي عن قطع السدر فقال: لا بأس به.
(4)
مسند أبي داود فيه اضطراب وسند النسائي صحيح والله أعلم.
أظلم الناس من يظلم نفسه
(5)
من يظلم نفسه أي بأي ضرر يعود عليها في الدنيا أو الأخرى لأن نفس الإنسان أقرب إليه من كل شيء فإذا ظلمها كان لغيرها أظلم ولأن نفس الإنسان ليست ملكا له يتصرف فيها كما يشاء بل هي ملك لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بما أذن الله به جل شأنه.
(6)
فجزع: نفد صبره، فما رقأ: أي ما انقطع الدم فمات.
(7)
كان ذلك في أول الأمر، أو لأنه استحل ذلك، ولعله تغليظ للزجر عن مثله، وسبق في أول الحدود: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا. الحديث والله أعلم.
ومنه النميمة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
(2)
}.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بالْحدِيثِ ثمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ
(5)
إِلا ثَلَاثَة مَجَالِسَ؛ سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ أَوْ فَرْجٌ حَرَامٌ أَوِ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقَ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ هَمَّامٍ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلاً يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه
(8)
فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة رضي الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ
(9)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهؤُلَاءِ بِوَجْهٍ
(10)
»، رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ.
ومنه النميمة
(1)
النميمة: هي السعي بين الناس بالكلام أي نقل كلام بعضهم لبعض على وجه الإفساد بينهم وهي من كبائر الذنوب ولو كان صادقا فيما نقله كأن سمع شخصًا يذم آخر في غيبته فنقل ما سمعه له بدون زيادة، وقيل في هذا لغز: ما قولك في صدق يؤدي إلى النار وكذب يؤدي إلى الجنة. الجواب الأول: النميمة، والثاني: الكلام لإصلاح المتخاصمين ولو بكذب ليؤلف بينهم فإنه مطلوب كما يأتي.
(2)
أول الآية {ولا تطع كل حلاف} كثير الحلف بالباطل {مهين} حقير {هماز} عياب للناس {مشاء بنميم} ساع بالإفساد {مناع للخير} بخيل بالمال عن الحقوق {معتد أثيم} ظالم آثم.
(3)
لا ينبغي إفشاء هذا الحديث إلا بإذن من قائله.
(4)
بسند حسن.
(5)
أي تحسن وتكمل بالأمانة، فلا يجوز نقل ما دار فيها وإلا كان نميمة إلا إذا كان لا يؤذي أحدا.
(6)
فمن سمع في مجلس أنهم يقصدون أحدا بسوء كقتل أو زنا أو أخذ مال بغير حق وجب إفشاؤه دفعا للمفسدة ووجب تبليغ من يقصد بالسوء ليأخذ حذره.
(7)
بسند حسن.
(8)
يبلغه ما يقال عنه في المجالس.
(9)
من قت الحديث: نمه على وجه الإفساد، ولفظ مسلم: لا يدخل الجنة نمام أي إن استحلها أو مع السابقين.
(10)
ولفظ البخاري: تجدون من شر الناس يوم القيامة ذا الوجهين أي الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها ويظهر لها أنه معها ومخالف لغيرها وهذا وصف المنافقين في قوله تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} .
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقةُ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقاَلَةُ بَيْنَ النَّاسِ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ عمَّارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
.
ومنه الغيبة
(6)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ
(7)
وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ، قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ
(8)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاّ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا
(1)
احذروا الإفساد بين الناس فإنه يذهب الدين كما تذهب الموسى الشعر، أو المراد عداوة الناس وبغضهم.
(2)
في الرقائق بسند صحيح.
(3)
القالة بين الناس التي تفرقهم كأنه من عضه الذبيحة فرق أعضاءها.
(4)
فكما كان له لسانان في الدنيا يكون له لسانان من نار يعذبانه في الآخرة، نسأل الله السلامة.
(5)
بسند صالح.
ومنه الغيبة
(6)
الغيبة: هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره ولو كان فيه، إلا إذا كان على جهة التعريف كقولك: أتعرف فلانًا؟ فيقول: لا، فتقول الأعمى أو الأعور أو الأعرج مثلا، والغيبة حرام بل هي من الكبائر في حق أهل الفضل الذين هم قدوة صالحة للناس فإن غيبتهم تزهد الناس في الأخذ عنهم.
(7)
{ولا يغتب بعضكم بعضا} أي لا يذكره بما يكره {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} لا يحسن ولا يجوز {فكرهتموه} فاغتيابه في حياته كأكل لحمه بعد مماته وقد كرهتهم الثاني فاكرهوا الأول واجتنبوه لعلكم تفلحون.
(8)
أي رميته بالبهتان وهو الباطل.
تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ
(1)
»، قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَاناً
(2)
فَقَالَ: «مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَاناً وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا
(3)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئاً فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ
(4)
»، رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَكَبَرِ الْكَبَائرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقَ
(6)
وَمِنَ الْكَبَائرِ السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ
(7)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا عُرِجَ بِي
(8)
مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ: مَنْ هؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكلونَ لحُوم النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ».
• عَنِ الْمُسْتوْرِدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْلَةً فَإِنَّ الله يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ كُسِيَ ثَوْباً بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الله يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ
(9)
وَمَنْ قَامَ برَجُلٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ
(1)
كذا وكذا أي يكفيك من عيوبها قصرها، فقال: إنك قلت كلمة لو تجسم ذنبها ووضع في البحر لسود ماءه وأنتنه.
(2)
أي حقرته.
(3)
أي لا أحب أن أذكر أحدا بسوء ولو أعطيت من الدنيا كثيرا.
(4)
ففيه نهي عن الغيبة وعن استماعها فإنها تغير القلب، ومنه القارئ والسامع شريكان في الأجر، والمغتاب والسامع شريكان في الإثم.
(5)
الأول بسند صحيح.
(6)
استطالة المرء أي إطالة لسانه في حق أخيه من أكبر الكبائر، لعله زجر وتنفير عن ذكر الناس بسوء كحديث: إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق.
(7)
كقول شخص لآخر: يا خبيث فأجابه: أنت خبيث ولئيم، وأما المجازاة الشرعية نسبة بسبة لقوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} .
(8)
ففي ليلة المعراج مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يخدشون لحوم وجوههم وصدورهم بأظفارهم التي هي من نحاس، فسأل جبريل عنهم فقال: هؤلاء الذين كانوا يغتابون الناس في الدنيا، أي يعذبون بمثل هذا في المدة البرزخية.
(9)
فمن وقع في أحد واغتابه عند عدوّ له فأطعمه أو كساه لذلك فإنه يطعم ويكسى مثله من النار يوم القيامة.
فَإِنَّ الله يَقُومُ بهِ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِياَءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ
(2)
.
لا غيبة في فاسق
(3)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(4)
فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعشِيرَةِ» أَوِ ابْنُ الْعَشِيرَةِ
(5)
فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ الَّذِي قُلتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلَامَ، قَالَ: «أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقاَءَ فُحْشِهِ
(6)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَة.
وَعَنْهَا قَالَت قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَظنُّ فُلَاناً وَفُلَاناً يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِناَ شَيْئاَ
(7)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كلُّ أُمَّتِي مُعاَفًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِالَّليْلِ عَمَلاً ثمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ فَيَقُولُ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ
(8)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(1)
ومن قام يتظاهر بالفضل والصلاح بسبب رجل من أهل المال أو الجاه أي عنده لينال منه حظًا دنيويا عذبه الله وشهر به لكذبه وتمويهه، أو المراد منه قام برجل أي عظمه ووصفه بالتقوى والصلاح لينال من وراء هذا ما يبتغيه من مال وغيره عذبه الله وشهر به في الآخرة لكذبه وافترائه على الله تعالى.
(2)
بأسانيد صالحة.
لا غيبة في فاسق
(3)
الفاسق: هو الخارج عن طاعة الله المتجاهر بالمعاصي، فتجوز غيبته ليحذره الناس أو بقصد أن يبلغه فينزجر.
(4)
هذا الرجل هو مخرمة بن نوفل أو عيينة بن حصن السابق في المؤلفة قلوبهم.
(5)
أو للشك وهذه كلمة ذم عند العرب.
(6)
أو للشك، فالنبي صلى الله عليه وسلم لاطف هذا المنافق قطعًا للسانه ومداراة له، كحديث: أمرت بالمداراة كما أمرت بالفرائض، ولأبي داود: إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم.
(7)
فلانا وفلانا: رجلان من المنافقين، وهذا ليس من الظن المنهي عنه وهو ظن السوء بل هو تحذير من الاتصاف بوصفهما.
(8)
فكل مسلم معفو عنه مرحوم إلا المتجاهر بالمعاصي ومنه من يذنب ولا يراه أحد ثم يخبر الناس بما فعل فإن الجهر بالمعصية ذنب آخر وكذا التكلم بها لأنه يكون قدوة سيئة.
وَجَاءَ أَعْرَابيٌّ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَتَى رَاحِلَتَهُ فَأَطْلَقَهاَ ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ نَادَى اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّداً وَلَا تُشْرِكْ فِي رَحْمَتِنَا أَحَداً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَقُولُونَ
(1)
هُوَ أَضَلُّ أَمْ بَعِيرُهُ؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ»؟ قَالوا: بَلَى
(2)
رَوَاهُ الخَمْسَةُ
(3)
.
التصدق بالعرض حسن
(4)
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَجْلَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَمْضَمَ» قَالُوا: وَمَنْ أَبُو ضَمْضَمَ؟ قَالَ: «رَجُلٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي جَعَلْتُ عِ رضي لِمَنْ شَتَمَنِي
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
.
(1)
وفي رواية: أتظنون.
(2)
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعله كالحيوان بل أضل لأنه طلب الرحمة لنفسه وللنبي صلى الله عليه وسلم دون خلق الله كلهم، فقد تحجر رحمة الله التي وسعت كل شيء، وفي رواية: قال له صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعا يا أخا العرب، ففي هذه الأحاديث جواز الغيبة في أهل الفساد والجهل لغرض شرعي كالتحذير من مثل هذه الأوصاف ولكي يسمعوا فينزجروا. والله أعلم.
(3)
ولفظه لأبي داود.
التصدق بالعرض حسن
(4)
فإذا قال الشخص في كل صباح: اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك، كان عاملا بقوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} .
(5)
وفي رواية. اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك أي فليس لي على أحد طلب الانتصار، وهذا نهاية السماحة ومكارم الأخلاق، نسأل الله ذلك آمين.
(6)
بسند صالح.
ومنه ظن السوء والحقد والحسد
(1)
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكمْ وَالظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ
(3)
وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا
(4)
وَلَا تَنَافَسُوا
(5)
وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا
(6)
وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَاناً
(7)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ
أَوْ قَالَ الْعُشْبَ
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
• عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْاُّمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلكِنْ
ومنه ظن السوء والحقد والحسد
(1)
هذا عطف على قولنا السابق الغيبة، أي من أنواع الإثم وسيئ الأخلاق ظن السوء والحقد والحسد.
والحقد: إضمار العداوة، وأما الحسد فيكون بمعنى تمني مثل ما عند الغير ويسمى غبطة وهو محمود وسبق في كتاب العلم حديثه وهو: لا حسد إلا في اثنتين، ويكون الحسد بمعنى تمنى زوال النعمة عن الغير وهو مذموم لأنه حرص قلبي واعتراض على حكم الله وهو المراد هنا.
(2)
إن بعض الظن إثم أي موقع في الإثم والذنب وهو ظن السوء بالمؤمنين بخلافه بالفساق منهم فيما يظهر منهم فلا إثم فيه، ولا تجسسوا أي لا تبحثوا عن عورات المسلمين وعيوبهم فإنه مدعاة لظن السوء المظلم للقلب.
(3)
أي كالكذب في القول وإثمه كإثمه.
(4)
تحسسوا وما بعده كلهن بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، والتحسس والتجسس بمعنى واحد أو الأول الاستماع لحديث القوم، والتجسس: البحث عن عوارتهم.
(5)
التنافس والتحاسد واحد وهو المسابقة على الدنيا حرصا عليها، وقد تكون المنافسة في الخير كقوله تعالى {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} .
(6)
لا تفعلوا ما يوجب البغض والتدابر.
(7)
وكونوا يا عباد الله كالإخوة في النسب في التعاون والتحابب بينهم.
(8)
العشب: الكلأ الرطب، وهذا لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود فيزيد نعمة على نعمة ويزيد الحاسد خسرانا نعوذ بالله منه آمين.
تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أُنَبِّئكُمْ بِما يُثْبِتُ ذَاكُمْ لَكُمْ افْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الرَّقَائِقِ.
ومنه تتبع العورات
• عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تغْتَابُوا الْمُسْلمينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهمْ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ في بَيْتِهِ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
وَلَفْظُهُ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ
(3)
لَا تؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُم وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحُهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ»، وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْماً إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ الله مِنُكِ
(4)
.
• عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْت
أَنْ تُفْسِدَهُمْ
(5)
» فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءَ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ
(6)
».
ومنه تتبع العورات
(1)
فمن يبحث عن عورات المسلمين ويفشيها فإن الله يفضحه ويكشف ستره جزاء وفاقا.
(2)
بسند حسن.
(3)
لم يصل إليه الإيمان.
(4)
فالمؤمن أعلى مكانة وأعظم حرمة عند الله من الكعبة ذات الحرمة الرفيعة، والمكانة العظيمة، والمزايا العديدة، فكيف تستباح حرمة المؤمن بعد هذا، نسأل الله التوفيق.
(5)
فإنه إن جاهرهم بكل ما يسمع ربما أداهم إلى المجاهرة بالمعاصي والاستزادة منها.
(6)
فلا تنبغي معاملتهم بالتهمة وظن السوء فربما أفسدهم.
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: هذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْراً فَقَالَ: إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ وَلكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ
(1)
، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ
(2)
.
ومنه الكبر والاختيال
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
(4)
} {وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
(5)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ
(6)
كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ لَوْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ
(7)
أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْل النَّارِ كلُّ عُتُلَ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ
(8)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
والمراد الحث على التغافل وعدم البحث عن خلق الله لا سيما الحاكم وهذا لا يمنع من البحث عن الأشرار وتتبعهم لتأديهم وكسر شوكتهم عن الناس.
(2)
بأسانيد صالحة.
ومنه الكبر والاختيال
(3)
الكبر: هو التكبر والتعالى على الناس وأن يرى نفسه خيرا منهم لفضيلة يراها في نفسه: كمال وعلم وجاه وصلاح، وهو مرض قلبي يهلك صاحبه لأنه يوجب غضب الله وسخط الناس نعوذ بالله من ذلك، والأجدر بالشخص التواضع فربما من كان يراه دونه عند الله خير من ملء الأرض مثله، والاختيال التبختر في المشي كبرا وتيهًا وعجبا، وهذا جهل وحماقة، والأجدر بالشخص أن يكون كقوله تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} .
(4)
أي لا تمل وجهك عنهم تكبرا.
(5)
مرحا: أي اختيالا، إن الله لا يحب كل مختال: أي متبختر في مشيه فخور على الناس.
(6)
أي بأغلبهم.
(7)
هم كل ضعيف الحال لا البدن متضاعف، وفي رواية: متضعف أي متواضع أو يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله وصغر شأنه في الدنيا، لو أقسم على الله يمينًا طمعا في كرمه لأبره، أو لو دعاه لأجابه لعظم شأنه عنده لأنه عبده فقط.
(8)
العقل: الغليظ الجافي، والجواظ الجموح المنوع للخير، أو المختال، والمستكبر: المتكبر، وللترمذي: ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار، على كل قريب هين سهل، ولأبي داود: لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري أي الفظ الغليظ القلب، نسأل الله التواضع وحسن الأخلاق.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِى فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِداً مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ
(1)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(2)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ
(3)
وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءٍ
(4)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُل يحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً وَنَعْلُهُ حَسَناً قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ
(5)
»، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَّكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
فالكبرياء والعظمة صفتان مختصتان بالله جل شأنه لا ينبغي المخلوق أن يدعيهما كما أن رداء الشخص وإزاره لا يشاركه فيهما أحد، فمن زعم أنهما صفة له ألقاه الله في النار لأنه تعدى حده من العبودية والتذلل والتواضع، ولابن عساكر: إياكم والكبر فإن إبليس حمله الكبير على ألا يسجد لآدم، وإياكم والحرص فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة، وإياكم والحسد فإن ابني آدم إنما قتل أحدها صاحبه حسدا فهو أصل كل خطيئة.
(2)
ولكن مسلم هنا وأبو داود في اللباس.
(3)
لا يدخل النار أي نار الخلود للحديث الآتي في كتاب القيامة: يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان كذا قال بعضهم وقال آخرون: لا يدخل النار اكتفاء بما ناله في الدنيا والقبر وعرصات القيامة والحمد لله الرحمن الرحيم.
(4)
أي مع السابقين أو هذا للزجر والتنفير عن هذه الألفاظ الخبيثة.
(5)
فحسن اللباس تجمل والله يحب المتجملين، إنما الكبر بطر الحق أي إنكاره ورده على قائله ترفعا وتكبرا، وغمط الناس أي احتقارهم، وفي رواية: وغمص الناس أي تعييبهم.
(6)
مرويات مسلم هنا في كتاب الإيمان.
(7)
الشيخ الزاني أي الكبير في السن لأنه أجدر بالطاعة لا بالعصيان، والملك أي السلطان الكذاب لأن الذي يحمل على الكذب غالبًا دفع مضرة أو جلب منفعة والملك في غني عن هذا، وعائل أي فقير مستكبر فإن الأجدر به التواضع ليعطف الناس عليه.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ
(1)
فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
(2)
فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولِسَ
(3)
تَعْلوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ
(4)
يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ
(5)
».
• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: تَقُولُونَ لِي: فِيَّ التِّيهُ
(6)
وَقَدْ رَكِبْتُ الْحِمَارَ وَلَبِسْتُ الشَّمْلَةَ وَحَلَبْتُ الشَّاةَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَعَلَ هذَا فَلَيْس فِيهِ مِنَ الْكِبْرِ شَيءٌ
(7)
».
• عَنْ سَلَمةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ
(8)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(9)
.
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولِ الله إِنِّي رَجُلٌ حُبِّبَ إِلَيَّ الْجَمَالُ وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى حَتَّى مَا أُحِبَّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ بِشِرَاكِ نَعْلِي أَوْ بِشِسْعِ نَعْلِي
(10)
أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذلِكَ؟ قَالَ: «لَا وَلَكِنِ الْكِبْرُ مِنْ بَطَرِ الْحَقِّ
وَغَمْطِ النَّاسِ
(11)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ في اللِّبَاسِ.
(1)
الذر: النمل الأحمر الصغير جمع ذرة وسئل عنها ثعلب فقال إن مائة نملة منها وزن حبة.
(2)
أينما كانوا.
(3)
شديد العذاب.
(4)
قال أبو البقاء: جمع النار على أنيار حملا على نيران كأرياح حملا على رياح.
(5)
بدل من عصارة أهل النار وهي سائل القيح والصديد من أبدانهم.
(6)
أي فيك تيه وتكبر.
(7)
فمن يفعل صغير الأمور كحلب الشاة وغسل الملابس وخياطتها وكنس البيت ونحوها مما يفعله النساء عادة فليس بمتكبر.
(8)
يذهب بنفسه أي يعلو ويتكبر ويحتقر الناس ولو لم يكن معه أحد حتى يحشر مع الجبارين، نعوذ بالله من ذلك ونسأله التواضع.
(9)
الأول في الرقائق بسند صحيح والثاني بسند صحيح والثالث بسند حسن والأخيران هنا.
(10)
أو للشك فيما قال.
(11)
سبق هذا في شرح حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والله أعلم.
ومنه الإطراء في المدح
(1)
• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ
(2)
فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ يَقُولُهُ مِرَارًا
(4)
إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيْقُلْ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ وَلَا يُزَكِّى عَلَى الله أَحَدًا
(5)
. رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
وَجَاءَ رَجُلٌ فَأَثْنَى عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فِي وَجْهِهِ فَأَخَذَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ تُرَاباً فَحَثاَ فِي وَجْهِهِ
(6)
» وَقَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا لَقِيتمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ
(7)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَجَاءَ وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا فَقَالَ: «السَّيِّدُ اللَّهُ
(8)
» قَالُوا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلاً وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً
(9)
فَقَالَ: «قولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَان
(10)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.
ومنه الإطراء في المدح
(1)
أي المبالغة فيه.
(2)
يبالغ في مدحه.
(3)
فإن كثرة المدح ربما تغريه، وأو للشك.
(4)
أي كرر قوله مرارا.
(5)
فإن كان لابد من المدح فليقل إني أظنه كذا وكذا لما يراه منه، ولا يزكي على الله أحدا أي لا يقطع على عاقبته ولا على ما في ضميره فإنه لا يعلم ذلك إلا الله تعالى، فهذه تنهي عن المدح في الوجه وهو محمول على المجازفة والزيادة فيه، أو على من يخاف عليه الإعجاب ونحوه، أما كامل الإيمان فلا خوف من مدحه في وجهه لأنه يزيد في صلاحه ويكون قدوة صالحة لغيره لحديث وفد بني عامر الآتي ولما سبق في الفضائل من مدح النبي صلى الله عليه وسلم لكثير من الأصحاب ولحديث الطبراني والحاكم: إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه.
(6)
رماه في وجهه.
(7)
هذا حمل للحديث على ظاهره وعليه جماعة، وقال آخرون: معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا، وهذا في قوم اتخذوا المدح عادة وبضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه، أما من يمدح على فعل حسن وخلق كريم بدون شيء فلا يسمى مداحا.
(8)
أي على الإطلاق فلا ينافي ما سبق في النبوة: أنا سيد ولد آدم.
(9)
أي عطاء.
(10)
أي قولوا بعض ما ترون ولا يتخذنكم الشيطان كالجري في مدحي إلى حد لا يجوز والله أعلم.
ومنه السب والقذف
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ للأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا
(2)
أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أَبِي ذَرّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مِنْهْمُا مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اثْنتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمَا كُفْرٌ
(6)
: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ
(7)
وَالنِّيَاهَةُ عَلَى الْميِّتِ
(8)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ
(9)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
ومنه السب والقذف
(1)
السب والقذف والشتم بمعنى وهو توجيه الكلام لشخص آخر بما يعيبه ويؤلمه ولو كان فيه.
(2)
باء: رجع بها. أي كلمة يا كافر.
(3)
فمن قال لأخيه المسلم يا كافر أو يا فاسق ونحوها صار المقول له فاسقًا إن كان القائل صادقًا وإلا فسق القائل.
(4)
السباب: الشتم بالألفاظ الشديدة، فسوق أي خروج عن طاعة الله ورسوله، وقتاله كفر أي إن استحله، أو كفر لغوي بمعنى ستر الحق بالباطل وعبر به للزجر - (تنبيه: مرويات مسلم في الإيمان).
(5)
فالشخصان اللذان تشاتما إنهما على البادئ منهما لأنه السبب إلا إذا زاد الثاني في السب فيكون إثم الزائد عليه. ويجب على من تشاتما أن يتوبا ويرجعا إلى الله عقب ذلك لعله يغفر لها وحبذا لو اصطلحا وانصرنا على صفاء فيرجعان بالفلاح ويرجع الشيطان بالخيبة والخسران.
(6)
فعلهما لهاتين كفعل الكفار، أو كفر بحق الإسلام.
(7)
كقوله لست ابن أبيك أو أنت ابن زنا ونحوهما.
(8)
سبق الكلام مبسوطًا عليها في الجنائز.
(9)
وزاد أبو داود قال مالك إذا قال ذلك عجبًا بنفسه وتصاغرًا للناس فهو أشدهم هلاكا لذلك، وأما إن قاله تحزنًا على تساهل الناس في دينهم فلا بأس به.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ وَلَا تَقَعُوا فِيهِ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
، نَسْأَلُ اللَّهَ حِفْظَ الِّلسَانِ آمِين.
ومنه اللعن والفحش
(3)
• عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ
(4)
رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِناً فَهُوَ كَقَتْلِهِ
(5)
وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِناً بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ
(6)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشاً وَلَا لَعَّاناً وَلَا سَبَّاباً كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ
(7)
، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الَّلعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَداءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(8)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّاناً
(9)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
إذا مات صاحبكم أي المؤمن الذي كنتم تصاحبونه في الدنيا فاتركوه ولا تذكروه بسوء فإنه أفضى إلى ما قدمه، وغيبة الميت أقبح وأشد لأنه يتألم كالحي ولأن استحلاله لا يمكن بخلاف الحي وكذا يتألم أقاربه الأحياء لحديث الترمذي: لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء والله أعلم.
(2)
بسند صالح.
ومنه اللعن والفحش
(3)
اللعن كقوله: لعنه الله أي طرده من رحمته وهو حرام ولو لغير إنسان، والفحش القبح في القول.
(4)
وكان من أصحاب الشجرة رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم آمين.
(5)
في التحريم أو العقاب.
(6)
في العقاب أو التحريم، أو هذا تغليظ للزجر عنه، وسبق هذا الحديث في كتاب الأَيمان والنذور.
(7)
عند المعتبة كالمعمعة أي عند الغضب، ما له استفهام، ترب جبينه وفي نسخة تربت جبينه أي لصقت بالتراب ولحقه الذل والهوان، وهذا دعاء عليه أولا يراد بها ذلك.
(8)
فمن تعود اللعن فإنه لا ينال درجة الشهيد ولا الشفيع في الآخرة.
(9)
الصديق هو المؤمن الكامل لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} .
• وَعَنْهُ قِيلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
(1)
قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّاناً وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ الله وَلَا بِغَضَبِ الله وَلَا بِالنَّارِ
(2)
». وَنَازَعَتِ الرِّيحُ رَجُلاً رِدَاءهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
فَلَعَنَهَا فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَلْعَنْها فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئاً لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ» ، رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئاً صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَها ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهاَ دُونَهاَ ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِيناً وَشِمَالاً فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغاً رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً وَإِلا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهاَ
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا الَّلعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيء
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْأَخْلاقِ آمِين.
ومنه احتقار المسلم وهجره
(9)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ
(10)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
(1)
فيهلكهم الله جميعًا فلا ينافي ما سبق من دعائه على بعضهم.
(2)
ولا بغضب الله كقوله: عليك غضب الله، ولا بالنار كقوله لك النار أي فربما أجيبت الدعوة.
(3)
كانت الريح شديدة فكانت ترفع رداءه عن جسمه.
(4)
الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن.
(5)
فيه تنفير شديد عن اللعن.
(6)
بسند صالح.
(7)
البذيء: سفيه اللسان.
(8)
بسند حسن.
ومنه احتقار المسلم وهجره
(9)
الاحتقار المذموم هو الاحتقار لوصف قهرِي كمرض وفقر ومسكنة أما احتقاره لفعله القبيح كتجاهره بالمعاصي وتكبره على الناس فلا، وهجر المسلم فوق ثلاثة أيام حرام إِلا الله تعالى فلا.
(10)
السخرية: الازدراء والاحتقار، وسبب نزول الآية أن وفد بني تميم سخروا من فقراء المسلمين =
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا
(1)
وُلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ
(2)
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ
(3)
التَّقْوَى ههُناَ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
(4)
بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ
(5)
كلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ
(6)
» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
(8)
يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً إِلا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ
(9)
فَيُقاَلُ: أَنْظِرُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا
(10)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي
= كصهيب وبلال فنزل قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ} رجال منكم {مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} عند الله تعالى.
(1)
التناجش: هو الزيادة في ثمن المبيع ليغرّ المشتري وهو حرام للإضرار بالمشتري.
(2)
بأن يبيع شيئًا لمن اشترى مثله من آخر بثمن أقل وهو حرام للإضرار بالبائع الأول إلا إذا كان فيه غبن بالمشتري.
(3)
لا يخذله بترك نصره على ظالم مثلا ولا يحتقره ولو في نفسه.
(4)
أي التقوى المحبوبة لله هي ما كانت في القلب بالإيمان بالله وخشيته ومراقبته ولا عبرة بحسن الظاهر مع خلو القلب لما سبق في كتاب النية والإخلاص: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
(5)
فشر الشر وأعظمه تحقير المسلم فهو ذنب كبير.
(6)
دمه أي إراقة دمه أي قتله حرام وأكل ماله والتكلم في عرضه حرام.
(7)
فرب شخص أشعث أي وسخ الشعر والملابس يتقذره الناس ويطردونه ولكنه لو طلب من ربه شيئًا لأجابه في الحال أي فلا ينبغي احتقار أحد لفقره وضعفه فربما كان عند الله من المقربين.
(8)
أي أبواب الرحمات.
(9)
الشحناء كالبغضاء: الحقد والعداوة.
(10)
أخروا هذين المتخاصمين عن المغفرة حتى يصطلحا.
كُلِّ جُمْعَةٍ مَرَّتَيْنِ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا عَبْداً بَيْنَهُ وَبَيْنُ أَخِيهِ شَحْناَءُ فَيُقاَلُ اتْرُكُوا أَوْ أَرْكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَفِيئاَ
(1)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي أَيُوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ
ثَلَاث لَياَلٍ
(2)
يَلْتَقِياَنِ فَيُعْرِضُ هذَا وَيُعْرِضُ هذَا وَخَيْرُهُماَ الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ
(3)
» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنَّ يَهْجُرَ مُؤْمِناً فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ رَد عليه السلام فَقَدِ اشْتَرَكاَ فِي الْأَجْرِ
(4)
وَإِنْ لَمْ يَرْدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ باَءَ بِالإِثْمِ وَخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِنَ الْهِجْرَةِ
(5)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَهاَ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارِ
(6)
».
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها اعَتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيّ وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ
(7)
فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيْنَبَ: «أَعْطِيهاَ بَعِيرًا» فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ
(8)
.
وَهَجَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَلَدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ، رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَبُو دَاوُدَ
(9)
.
(1)
أركوا أي أخروا هذين حتى يرجعا عن العداوة ويصطلحا.
(2)
يلقاه فلا يسلم عليه كعادته.
(3)
أفضلهما وأقربهما من الله الذي يبدأ بالسلام، والصلح من باب أولى.
(4)
وإن كان البادئ أفضلهما.
(5)
فيه أن السلام يقطع الهجر ويرفع الإثم بل وله الأجر كما سبق.
(6)
فمات أي على تلك الحال من غير توبة دخل النار، وفي رواية: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ففيهما أن الهجر حرام وأنه موجب للنار ولعله للتغليظ أو لأصل أو فرع.
(7)
بعير زائد عن مركوبها وكانوا حينذاك في سفر.
(8)
لرميها صفية أم المؤمنين باليهودية وهذا من غلبة الغيرة عليها رضي الله عنهن كلهن.
(9)
الثالث في السنة والثلاثة الباقية هنا بأسانيد صالحة وللبخاري: هجرت عائشة ابن الزبير زمنًا حتى أصلح بينهما المسور وعبد الرحمن بن الأسود رضي الله عنهم، ففي هذه الأحاديث أن الهجر ثلاثة أيام حرام إلا لشيء يغضب الله ورسوله فإنه يجوز كهجر النبي صلى الله عليه وسلم لزينب هنا وكهجره لثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو وأمر أصحابه بهجرهم ومر هذا في تفسير التوبة وكهجر ابن عمر لولده إلى الممات رضي الله عنهم أجمعين والله أمر.
ومنه الجدل والمراء
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيم.
• عَنِ السَّائِبِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ وَيَذْكُرُونِي
(3)
، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِهِ قُلْتُ: صَدَقْتِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي كُنْتَ شَرِيكِي فَنِعْمَ الشَّرِيكُ، كُنْتَ لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَنَس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ باَطِلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ
(6)
، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهاَ وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَفْظُهُ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ
(8)
».
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُمَارِ أَخَاكَ وَلَا تُمَازِحْهُ
(9)
وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدَةً فَتخْلِفَهُ
(10)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَفَى بِكَ إِثْمًا أَلا تَزَالَ مُخاَصِماً
(11)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(12)
.
ومنه الجدل والمراء
(1)
الجدل والمراء بمعنى وهو المجادلة والمغالبة وهو مذموم لأنه ينبت العداوة بينهما.
(2)
أي وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه فهو من الطباع الكامنة في النفس.
(3)
السائب هنا هو ابن أبي السائب كان شريكا للنبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا فحضر عنده فصار الحاضرون يذكرونه بحسن الأخلاق.
(4)
أي لا تخالف ولا تمانع ولا تجادل ولا تخاصم فهو يصف النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الأخلاق والسهولة في المعاملة.
(5)
بسند صالح.
(6)
بخلاف الكذب للإصلاح كالكذب للمتخاصمين ليصلح بينهما وكالكذب بين الضرائر للتأليف وسيأتي قريبا إن شاء الله، وربض الدار: الفضاء المحوط بها حولها.
(7)
بسند حسن.
(8)
فما أجمل حسن الخلق نسأل الله إياه.
(9)
فإن المراء يجلب الحقد والعداوة، والمزاح يذهب الهيبة إذا كثر.
(10)
لأن خلف الوعد من صفات المنافقين إلا لعذر فلا.
(11)
فكثرة الخصام ذنب كبير.
(12)
الأول بسند حسن والثاني بسند غريب ولكنه للترهيب، وسبق في هذا عدة أحاديث في شرح كتاب العلم والله أعلم.
ومنه البخل وسوء الخلق
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خَبٌّ وَلَا مَنَّانٌ وَلَا بَخِيلٌ
(3)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعاَنِ فِي مُؤْمِنٍ: الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ
(4)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خَبٌّ لَئِيمٌ
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
وَأَبُو دَاوُدَ.
ومنه البخل وسوء الخلق
(1)
البخل في الشرع: منع الواجب الزكاة، وعند العرب منع السائل مما يفضل عنده، والسالم من البخل غانم وسعيد لقوله تعالى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وسوء الخلق: كل وصف ذميم ولكن أشنعه الحماقة فإنها داء لا دواء له كما قال القائل:
لكل داء دواء يستطب به
…
إلا الحماقة أعيت من يداويها
(2)
{وَأَنْفِقُوا} أي في الزكاة {مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا} أي هلا أو بمعنى التمني {أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي أتصدق بالزكاة {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} بالحج إلى بيت الله الحرام فما قصر أحد في الزكاة أو في الحج إلا سأل الرجعة عند الموت؛ كذا قاله ابن عباس. وسبق هذا في تفسير سورة المنافقون.
(3)
الحب بالفتح والكسر: الخداع المفسد بين الناس وهو النمام الذي سبق، والمنان: هو الذي يمن على من أعطاه وهو مذموم لقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} ، والبخيل المانع للزكاة، وكذا من يمنع فضله عن المضطر إليه، فهؤلاء لا يدخلون الجنة إن استحلوا ذلك، أو هذا للزجر، أولا يدخلونها مع السابقين.
(4)
فلا يجتمعان مع الإيمان لشرفه وخستهما الإضرارها بخلق الله تعالى، والمؤمن مصدر لكل خير كالنخلة ينتفع بكل أجزائها.
(5)
الأول بسند حسن والثاني بسند غريب.
(6)
الغر كالهِر: الغافل عن الشر. كريم الفعل، والفاجر مفسد خبيث.
(7)
بسند حسن، نسأل الله حسن الحال في الحال والمآل آمين.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَقاَرَبُ الزَّمَانُ
(1)
وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ
(2)
وَيُلْقَى الشُّحُّ
(3)
وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ»، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ
(4)
»، رَوَاهُ الثلَاثَةُ.
يحرم الكذب إلا في ثلاث
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
(6)
} وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَذِبُونَ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحْدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ
(7)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(8)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ
(9)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(10)
.
• عَنْ سُفْياَنَ بْنِ أُسَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَبُرَتْ
(1)
أي في الشر حتى يشبه أوله آخره، أو في غلبة الفساد على أهله، أو في قصر أعمارهم، أو في قلة البركة فيه فتكون السنة كشهر، والشهر جمعة، والجمعة كيوم، واليوم كساعة، والساعة كاحتراق الخوصة.
(2)
بالطاعات لاشتغالهم بالدنيا، وفي رواية: وينقص العلم أي النافع.
(3)
أي يطرح في قلوب الناس فيهلكهم، ولأبي داود في آخر الزكاة: إياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا.
(4)
الهرج كثرة سفك الدماء وكل هذا واقع في زماننا الآن، نسأل الله السلامة والتوفيق آمين.
يحرم الكذب إلا في ثلاث
(5)
فالكذب حرام إلا في المواضع الثلاثة الآتية، والكذب: الإخبار عن شيء بخلاف ما يعلم فيه وهو قبيح بل أقبح من المتكلم في شيء على جهل المنهي عنه في قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} .
(6)
أي بالقرآن؛ ويقولون إنه من كلام البشر.
(7)
ويل: واد في النار شديد العذاب، أو معناه الهلاك لمن يكذب فيضحك القوم، وروي. فيضحك القوم على الفاعلية، وتكرير الويل لزيادة الوعيد.
(8)
بسند صحيح.
(9)
فالتكلم بكل ما يسمعه ذنب عظيم لأن الصدق في الناس قليل.
(10)
في مقدمة كتابه الصحيح.
خِياَنَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَالإِمَامُ أَحْمَدُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا كَانَ حَلِفٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَذِبِ
(3)
وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُحَدِّثُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْكَذْبَةِ فَماَ يَزَالُ في نَفْسِهِ
(4)
حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهاَ تَوْبَةً.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَباَعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ مِيلًا مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ بِهِ
(5)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَة رضي الله عنها وَكَانَتْ مِنَ الْمُهاَجِرَاتِ الْأُوَلِ الاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهاَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا
(7)
» قاَلَتْ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا
(8)
. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلا فِي ثَلَاثٍ؛ كَانَ يَقُولُ: «لَا أَعُدُّهُ كَاذِباً: الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ
(1)
فالكذب مع من يصدقك أكبر خيانة لأنه تمويه واستهزاء وإضلال للسامع.
(2)
بسند ضعيف.
(3)
فكان أبغض شيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكذب في اليمين لأنه تضليل واستخفاف باسم الله تعالى.
(4)
أي شيء منه.
(5)
المراد بالملك الجنس فيشمل الحفظة والكرام الكاتبين، والميل: مسافة قدرها أربعة آلاف ذراع، ففي هذه الأحاديث أن الكذب حرام ولو كان هازلا وعليه العقاب بالنار.
(6)
بسندين حسنين.
(7)
أي ينقل عن كل من المتخاصمين لخصمه كلاما حسنا ولو كان كل منهما يطعن في الآخر وكذا يقول المصلح من نفسه كلاما يؤلف بينهما ولو كذب في هذا، ولا يسمى كاذبة بل هو محسن ومصلح ومأجور على هذا.
(8)
الحرب، فللقائد أن يكذب في الخطة التي ينوبها لئلا يتصل خبرهم بالأعداء، ويقاس عليه كل حاكم ما دامت وجهته الخير والإصلاح لعباد الله تعالى، والذي يصلح بين المتخاصمين فردين أو قبيلتين أو أمتين، له أن يقول ما يشاء فيما يراه طريقًا للتوفيق بينهما، وحديث الزوج لزوجته وكذا حديثها لزوجها فله أن يكذب معها أحيانًا كقوله لها: أنت أحب الناس إليّ إذا قالت له: إنك تحب ضرتي، أو أهلك أكثر مني، وكذا إذا طلبت منه شيئا ليس ميسورا له فإنه يعدها مسايرة وإرضاء لها.
يَقُولُ الْقَوْلَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ إِلا الْإِصْلَاحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ فِي الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهاَ
(1)
».
ومنه النفاق
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً
(3)
}.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُناَفِقِ ثَلَاثٌ
(4)
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ
(5)
وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ
(6)
وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ
(7)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ مُناَفِقًا خَالِصًا
(8)
وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ
(1)
وإنما جاز الكذب وهو حرام في هذه الأمور لأهميتها، فإن الجيش حصن الأمة فإذا انكسر ذهبت وضاعت، والخصام والشقاق أس كل مصيبة وبلاء، والوفاق أصل كل خير وفلاح، والأسرة الزوجية هي الأفراد التي تتكون منها الأمة فإذا نشأ الأولاد بين أبوين لا نزاع بينهما بل يتبادلان الإجلال والمودة فإنها تنشأ غالبا ذرية طيبة ونباتا حسنا يكون دعامة قوية في أمة تعيش في هناء وسعادة، وهل يقاس على هذه الأمور في جواز الكذب شدائد قد تعرض للإنسان في دنياه كظالم يريد التعدي على نفس أو عرض أو مال وأمكن الخلاص منه بالكذب الظاهر. نعم لأن الحامل على الكذب في الحديث الضرورة وهذه أقصاها فهي داخلة في القاعدة المشهورة: الضرورات تبيح المحظورات، والله أعلم.
ومنه النفاق
(2)
النفاق من النفق وهو السرب في الأرض، والنفاق في الشرع: إخفاء الكفر وإظهار الإسلام، قال الله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ} بإظهار الإسلام وإخفاء الكفر ليدفعوا عنهم عقابه الدنيوي {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} مجازيهم على ذلك بافتضاحهم في الدنيا وشديد عقابهم في الآخرة {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} مترددين بين الكفر والإسلام {لَا إِلَى هَؤُلَاءِ} الكفار {وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} المؤمنين {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} .
(3)
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ} المكان {الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} يدفع عنهم العذاب في الآخرة.
[تنبيه] مرويات مسلم هنا في الإيمان.
(4)
فعلامة المنافق ثلاث خصال زاد في رواية: وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم.
(5)
من غير ضرورة.
(6)
من غير عذر شرعي.
(7)
وإذ اؤتمن على مال أو عرض أو كلام خانه.
(8)
كامل النفاق.
خلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفاَقٍ حَتَّى يَدَعَهاَ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ
(1)
وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ
(2)
»، رَوَاهُماَ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُناَفِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعاَئرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هذِهِ مَرَّةً وإِلَى هذِهِ مَرَّةً
(3)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحاَبٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهاَ تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الْإِيماَنِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ
(4)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ
(5)
.
عَنْأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْناَ السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّناَ
فَلَيْسَ مِنَّا
(6)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(1)
هي الثالثة السابقة.
(2)
أي زاد في الشر. فمن تعود هذه الخصال وصارت طبيعة له فهو منافق، بخلاف المؤمن العاصي فإنه إن فعلها مرة تركها أخرى، وإن أصر عليها زمنا تركها في زمن آخر وإن وجدت فيه خصلة منها لم توجد فيه أخرى ولا يمكن أن يجتمع الإيمان معها بل نوره يذهبها.
(3)
فصفة المنافق في تردده بين الكفار والمؤمنين كالشاة العائرة أي المترددة بين الغنمين إلى هذه الطائفة مرة وإلى تلك مرة أخرى، فالمنافق لا ثبات له.
(4)
فمن يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون به يجب الإنكار عليهم بالفعل فمن لم يقدر فبالقول فمن لم يقدر فبقلبه أي يجب أن يكرهه بقلبه وهذه أضعف الإيمان.
(5)
ولكن الأول في كتاب المنافقين.
(6)
معلوم أن المنافقين من أعداء المسلمين وهم أول الغاشين للمسلمين فهم ليسوا من الأمة، وكذا من يحمل على الأمة ويغشها ولو من المسلمين فليس منهم إن استحل ذلك أو ليس من الكاملين، نسأل الله السلامة آمين.
العصبية من وصف الجاهلية
(1)
• عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ
(2)
».
• عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَصَبِيَّةُ؟ قَالَ: أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ
(3)
.
• عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «خَيْرُكُمُ الْمُدَافِعُ عَنْ عَشِيرَتِهِ مَا لَمْ يَأْثَمْ
(4)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَصَرَ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِي رُدِّيَ فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ
(5)
»، رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَبُو دَاوُدَ
(6)
، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يُحِبُّ وَيَرْضَى آمِين.
العصبية من وصف الجاهلية
(1)
العصبية من العصبة وهم الأقارب من جهة الأب، والعصبى: الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم وينصرهم أيا كانوا ولو على باطل.
(2)
ليس منا من دعا إلى عصبية أي ليس على ديننا إن استحل ذلك أو ليس على طريقتنا الكاملة كما تقدم.
(3)
وهذا هو النوع المذموم من العصبية، أما الإعانة على الحق فهي مشروعة، للنصوص الكثيرة.
(4)
ما لم يتجاوز الحد في الدفاع.
(5)
فمن ينصر قومه على الباطل فقد وقع في الإثم وهلك كالبعير الذي تردي ووقع في البئر فصار ينزع بذنبه لإخراجه ولا يمكن، بل الواجب على المسلم إذا رأى من قومه أو غيرهم دعوة العصبية أن ينهاهم وينصحهم فإن امتثلوا فله أجره كاملا وإلا فله أجر النهي عن المنكر والله أعلم.
(6)
بأسانيد صالحة إلا حديث سراقة فإنه ضعيف والله أعلم.
الباب الثالث: في مكارم الأخلاق
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
(2)
}.
أعظمها كظم الغيظ وعدم الغضب
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
(4)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
عَنْأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ
(5)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ» ؟ قُلْناَ: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ
(6)
، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ وَلكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئاً
(7)
»، قَالَ:«فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ» ؟ قُلْنَا:
[في الباب الثالث في مكارم الأخلاق]
(1)
مكارم الأخلاق: هي الصفات المحبوبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ككظم الغيظ والصبر والعفو ونصر السلم والشفاعة له والصدق والحياء والتواضع والكرم والسخاء والوفاء بالوعد والشكر والحذر من الله وحسن الظن بالله والناس والنصح والدلالة على الخير والعدل بين الناس والاهتمام بأمر المسلمين ومحبة الصالحين، وستأتي إن شاء الله تعالى، وهذه لا شك سبب في محبة الله ورسوله للعبد وسبب لسعادته في الدنيا والأخرى، نسأل الله حسن الأخلاق آمين.
(2)
إن الله عليم بكم خبير ببواطنكم، والله تعالى لم يعط وصف الكرم إلا للتقي وهو الفاعل للمأمورات البتعد عن المنهيات.
(3)
إنما كان كظم الغيظ أعظم المكارم لأنه لا يقدر عليه إلا الشديد على نفسة القوى في دينه.
(4)
هذا وصف المتقين الذين أعدت لهم الجنة في قوله تعالى قبلها: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} في اليسر والعسر {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} الكافّين عن إمضائه مع القدرة {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} الذين لا يعاقبون من ظلمهم {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} بهذه الأفعال أي يثيبهم عليها.
(5)
الصرعة بضم فتح كهمزة ولمزة أصله الذي يصرع الناس كثيرًا ويرميهم في الأرض لشدته، ولكن المراد به هنا من يمسك نفسه في الغضب.
(6)
أولا يعيش له ولد فهو دائما يرتب أولاده.
(7)
لم يمت أحد من أولاده في حياته.
الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، قَالَ: «لَيْسَ بِذلِكَ وَلكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ
(1)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجِنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ
(2)
فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ
(3)
يَنْظرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قاَدِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ الْعِينِ شَاءَ
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئًا وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعِيهِ، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ
(7)
»، فَرَدَّدَ ذلِكَ مِرَارًا كُلُّ ذِّلِكَ يَقُولُ: لَا تَغْضَبْ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: صَنَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصِ فِيهِ
(1)
كانوا يفهمون أن الرقوب هو الذي لا ولد له؛ فقال صلى الله عليه وسلم: الرقوب هو الذي لم يمت له ولد في حياته كما كانوا يفهمون أن الصرعة هو الذي لا يغلبه أحد لشدته فقال صلى الله عليه وسلم: الصرعة هو الذي يملك نفسه عند الغضب.
(2)
في الجنة أي قريبًا منها أو ربضها فلا ينافي ما سبق في فضل الجمعة من أنه خلق خارجها.
(3)
أي حوله ينظر إليه.
(4)
فلما رآه أجوف أي له جوف وخالي الباطن عرف أنه مخلوق لا يملك نفسه عن الشهوات لحاجته إلى سد جوفه، فيكون ضعيفًا عنها بطبعه كقوله تعالى {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ولكن الله بحكمته ورحمته وضع فيه عقلا وأنزل عليه شرعا ليتحفظ بهما {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} .
(5)
ينفذه من الإنقاذ أو التنفيذ، وفي رواية: من كظم غيظه وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمنا وإيمانا، ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعا كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج (أي شخص) لله توجه الله تاج الملك.
(6)
بسند حسن.
(7)
فرجل اسمه جارية بن قدامة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني ولا تكثر عليّ في الوصية لعلى أحفظها، قال: لا تغضب؛ فأعاد السؤال، فقال لا تغضب ثلاث مرات إشارة إلى أن في ترك الغضب خيرا كثيرا، الغضب: فوران دم القلب لإرادة الانتقام، وهذا طبع جبلي في الإنسان إذا وجد سببه فلا يمكن دفعه كالضحك والبكاء إذا وجد سببهما، فكيف ينهاه الحديث عن طبعه وما لا طاقة له به، الجواب: أن المراد بقوله لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تفعل ما يقتضيه بل إذا غضبت فأمسك نفسك وهذا هو الشجاع السالف في الحديث الأول والثاني.
فَتَنَزَّهَ عَنْهَ قَوْمٌ فَبَلَغَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا باَلُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنعُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(1)
.
وَعَنْهاَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ «مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ كذَا» وَلكِنْ يَقُولُ: «مَا باَلُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا
(2)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْحِلْمِ وَمَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ آمِين.
ومنها الصبر والعفو وتحمل الأذى
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ
(4)
}. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا
(1)
ولكن مسلم في الفضائل ولفظه: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخص فيه (أي فعل الأيسر) فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه فبلغه ذلك فغضب حتى بان الغضب في وجهه فقام خطيبا فقال ما بال رجال إلى آخر الحديث. ففيه أنه كان إذا غضب من شيء لا ينكر ولا يعاتب واحدا بعينه بل بعنوان الجمع رحمة بهم فلا يقابل أحدا بمكروه، قال الحافظ: الشيء والقوم في الحديث غير معلومين، وفيه الحث على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التعمق في العبادة وذم التنزه عن المباح، وسبق هذا الحديث في أخلاقه في النبوة.
(2)
ففيه وما قبله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب ولكن الله تعالى كما سبق في اللباس لما دخل على عائشة فوجد في البيت ستارة عليها صور فغضب ومزقها، وكما سبق في النبوة: وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل، وهذا هو الغضب المحمود الدال على كمال الإيمان كما سبق في الإيمان: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان، أسأل الله أن يمنحنا كمال الإيمان واليقين آمين.
ومنها الصبر والعفو وتحمل الأذى
(3)
أي من مكارم الأخلاق الصبر والعفو وتحمل الأذى، والصبر: إمساك النفس عند المكروه خوفا من الله وأملا في رضاه، والعفو: هو الصفح والتجاوز، قال تعالى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وقال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} قيل في معناها: تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.
(4)
{وَلَمَنْ صَبَرَ} أمسك نفسه فلم ينتصر {وَغَفَرَ} عفا وصفح فلم يبق في قلبه شيء {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} معزوماتها أي المطلوبات الشرعية، فالصبر والصفح من عظيم الأمور ولا يطيقهما إلا أعاظم الناس.
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
(1)
}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعاَفِيهِمْ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
(4)
: وَاللَّهِ إِنَّهاَ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بها وَجْهُ اللَّهِ قُلْتُ: أَمَا لَأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحاَبِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيْهِ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قَالَ: «أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَصَبَرَ
(5)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(1)
أي إنما يعطى الصابرون في الآخرة أجرهم بغير حساب أي لا يهتدي إليه حاسب ولا يعرفه لكثرته وعظمه، وقال تعالى {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} الكلمة الحسنى لهم أن جعلهم الله أمة للناس يهتدون بهم.
(2)
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} من بني إسرائيل {أَئِمَّةً يَهْدُونَ} الناس {بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} على دنيهم وعلى البلاء من عدوهم {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} والصبر ثلاثة أقسام: صبر على البلايا وحرارتها، وصبر على الفرائض ومشاقها، وصبر على الشهوات ولذاتها، والأخيران أفضل وأكمل لأنهما جهاد دائم، بخلاف الأول فإنه يعرض ويزول، وعلى كل فالصبر أفضل خلق وأجمله، وقال عليّ رضي الله عنه: الصبر مطية لا تكبو وسيف لا ينبو، وقال عمر رضي الله عنه لرجل: إن صبرت مضى أمر الله وكنت مأجورا. وإن جزعت مضى أمر الله وكنت مأزورا، قال القائل:
لا تيأسن وإن طالت مطالبة
…
إذا استعفت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
…
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
(3)
إنهم أي المشركين يجعلون لله ندا أي مثلا يعبدونه وهو الأصنام، وبعضهم يقول اتخذ الرحمن ولدا والله تعالى منزه عن الشريك والولد ومع هذا يرزقهم ويعافيهم كرما وحلما منه جل شأنه، فلنا بربنا تعالى القدوة العليا كما في الحديث: تخلقوا بأخلاق الله تعالى.
(4)
اسمه معتب بن قشير المنافق.
(5)
أي وله صلى الله عليه وسلم به قدوة بل أولى لعظم درجاته وبقدرها يكون البلاء، وما أوذي به موسى هو المذكور في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} وما قالوه في موسى تعييبا له هو ما سبق في آخر سورة الأحزاب من قولهم: إنه قدر، أو قول قارون للمومسة: =
وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أُعْطِي أَحَدٌ عَطاَءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ
(1)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخاَلِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ
(2)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزّاً وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسُبُّ أَباَ بَكْرٍ رضي الله عنه بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلَيَّ ياَ رَسُولَ اللَّهِ
(4)
؟ فَقاَلَ: «نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّماَءِ يُكَذِّبُهُ بِماَ قَالَ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ
(5)
فَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
= قولي إن موسى راودني عن نفسي فكان هذا سببًا لخسف قارون، أو اتهامهم موسى بقتل هارون فأحياه الله فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام.
(1)
فالصبر خير عطاء وأحسنه في الدنيا والأخرى وسبق هذا طويلا في التعفف في الزكاة.
(2)
فالمخالط للناس الصابر على أذاهم القائم بأمر دينه خير من المعتزل لأنه في جهاد وله درجة عظيمة على صبره وربما جرى على يديه خير لهم، وهذا إذا أمكنه مع حفظ دينه وإلا فالعزلة أفضل، وقد اعتزل الإمام مالك رضي الله عنه في آخر حياته حتى ما كان يخرج للجماعة فسئل عن ذلك فقال: ليس كل ما يعلم يقال، رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين.
(3)
وفي رواية: العفو لا تزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله، والتواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يغنكم الله عز وجل.
(4)
أي هل غضبت عليّ يا رسول الله لما رددت عليه.
(5)
أي صعد الملك وحضر شيطان.
(6)
حاصله أنه كان بين أبي بكر ورجل آخر نزاع فسب هذا الرجل أبا بكر فسكت ثم سبه ثانية فسكت ثم سبه الثالثة فرد عليه أبو بكر وانتصر لنفسه فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: غضبت يا رسول الله من ردى عليه في المرة الثالثة، فقال: كان هنا ملك يرد عنك ويكذبه فلما رددت ذهب الملك وحضر الشيطان وما كان ينبغي لنبي أن يجلس في مجلس فيه شيطان، ففيه أن من ترك الانتصار لله تكفل الله بأمره ورد عنه وحفظه وأجزل له العطاء.
(7)
بسند صحيح، نسأل الله صحة القول والفعل آمين.
دواء الغضب
• عَنْ سُلَيْماَنَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ أَحَدُهُماَ تَحْمَرُّ عَيْناَهُ
وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ
(1)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمةً لَوْ قَالَهاَ لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ
(2)
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطاَنِ الرَّجِيمِ
(3)
» فَقَالَ: وَهَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أَبُي ذَرًّ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَناَ: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكمْ وَهُوَ قَائمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ
(5)
.
• عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ
(6)
وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ
(7)
وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْماَءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكمْ فَلْيَتَوَضَّأْ
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(9)
، نَسْألُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.
دواء الغضب
(1)
عروق في الرقبة.
(2)
من حرارة الغضب.
(3)
فذهب إليه من سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال: وهل أنا مجنون، فهمًا منه أن التعوذ لا يقوله إلا المجنون. وهذا منافق أو من جفاة الأعراب الذين لا يفهمون أن الغضب من نزغات الشيطان وكثرة التعوذ تذهبه.
(4)
ذلك لأن القائم متهيء للبطش والانتقام، والقاعد دونه في هذا، والمضطجع ممنوع منهما، فأمر الغضبان بالجلوس فالاضطجاع لئلا تبدر منه بادرة يندم عليها بعد ذلك.
(5)
بسند صحيح.
(6)
من أثر وسوسته.
(7)
فيه أنه من الجن لقوله تعالى {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} .
(8)
كوضوء الصلاة، ففي هذه الأحاديث أن دواء الغضب إما كثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإما الجلوس أو الاضطجاع، وإما التحول من مكان لآخر لحديث بذلك، وإما الوضوء وهو أفضلها.
(9)
بسند صالح.
ومنها نصر المسلم وستره والذب عنه
(1)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَلْينْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ
(2)
ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ
(3)
وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْياَ مَوْءُودَةً
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُناَفِقٍ
(6)
بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِياَمَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ
(7)
يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ
(8)
».
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا
(9)
في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ عِرْضِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ
ومنها نصر المسلم وستره والذب عنه
(1)
وهذه من حقوق المسلم على المسلم بل نصر المسلم وستره واجبان.
(2)
سببه أن غلاما من المهاجرين اقتتل مع غلام من الأنصار فنادى المهاجر يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار، فجرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا إن هذه دعوى الجاهلية، قالوا: لا يا رسول الله إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر (ضربه على عجيزته) قال: فلا بأس ولينصر الرجل أخاه
…
إلى آخره.
(3)
من هلاكه وغضب الله ورسوله.
(4)
بدفع الظالم عنه وحفظه منه.
(5)
سببه أنه كان لعقبة رضي الله عنه جيران يشربون الخمر فنهاهم رجل كاتب العقبة فلم ينتهوا فكلم عقبة في أمرهم وقال: سأدعو لهم الشرط (أعوان السلطان) فقال عقبة له: دعهم، ثم كلمه مرة أخرى فقال: ويحك دعهم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى عورة فسترها (عريانا فكساه أو مسلما يعصى على خلاف عادته فنهاه وستر عليه) كان كمن أحيا موءودة (أي أخرجها من قبرها قبل موتها) فالساتر دفع عنه الفضيحة بين الناس التي هي كالموت فكأنه أحياه كالذي أحيا الموءودة من قبرها.
(6)
أي مغتاب.
(7)
قذفه وسبه بما يعيبه.
(8)
بإرضاء خصمه من حسناته أو أخذه من سيئاته كما سبق.
(9)
بترك إعانته ونصره.
إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ
(1)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(2)
.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ
(3)
رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ أَبِي هُريْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ فَإِنْ رَأَى بِهِ أَذًى فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ
(6)
".
ومنها الشفاعة
(7)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً
(8)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْياَنِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ صَاحِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْناَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ
(9)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
(1)
شامل لمواطن الدنيا ومواقف الآخرة.
(2)
بسندين صالحين.
(3)
أي رد الغيبة عنه لله تعالى.
(4)
الضيعة: ما يضيع الإنسان بضياعه كالصناعة والتجارة والزراعة، فالمؤمن يحوط أخاه ويذب عنه ويحافظ على ماله ولو غائبا كما أنه مرآة له يسأله عن حاله ليخبره بما يراه فيه فإن الإنسان ربما تخفى عليه بعض عيوبه فيسترشد إليها من خيار أصحابه كما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لحذيفة رضي الله عنه: هل ترى فيّ شيئًا من علامات النفاق، فيقول: لا والله يا أمير المؤمنين.
(5)
بسند صالح.
(6)
الأذى كالهوى: المستقذر وكل مكروه، نسأل الله السلامة آمين.
ومنها الشفاعة
(7)
الشفاعة هي التوسط لدى شخص في إيصال خير لآخر، هذا هو الكثير وقد يكون التوسط في شر هذه الآية الشريفة.
(8)
{مَنْ يَشْفَعْ} بين الناس {شَفَاعَةً حَسَنَةً} موافقة للشرع {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} يؤجر بسببها {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} مخالفة للشرع {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي نصيب {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} مقتدرًا يجازي كل إنسان بما عمله.
(9)
ولفظ أبي داود: اشفعوا إلي لتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء. أي ساعدوه بكلمة لي على طلابه فإنكم تؤجرون =
• عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا فَإِنِّي أُرِيدُ الْأَمْرَ فَأُؤَخِّرُهُ كَيْماَ تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا
(1)
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
ومنها الصدق
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ
(3)
}.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ
(4)
وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً
(5)
وَإيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عَنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا
(6)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنْ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ
(7)
»، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيَ وَالْبَيْهقِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
= وما أراده الله سيكون فتندب الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم كأصحاب الحقوق والجاه إلا في أمر لا يجوز تركه أو في حد بلغ الحاكم.
(1)
فكان معاوية رضي الله عنه يؤخر حاجة بعض الناس حتى يشفع الشافعون فيؤجرون والله أعلم.
ومنها الصدق
(2)
الصدق: هو الإخبار على وفق ما يعلم.
(3)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} بترك المحرمات وفعل الواجبات {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} في الأيمان والعهود والأقوال.
(4)
عليكم بالصدق أي الزموه في كل أحوالكم فإنه يهدى إلى كل خير للدنيا والآخرة.
(5)
الصديق: هو من تعود الصدق.
(6)
الفجور: هو الانبعاث في المعاصي، فمن تعود الصدق صار من الأبرار الصديقين، ومن تعود الكذب صار من الفجار الكذابين، قال الله تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} تالله إن الصدق جميل ومليح والكذب شين وقبيح قال القائل:
الصدق في أقوالنا أقوى لنا
…
والكذب في أفعالنا أفعى لنا
وحسبنا فيه قول الله جل شأنه {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} .
(7)
المعاريض جمع معراض كمفاتيح ومفتاح من التعريض خلاف التصريح من القول: وهو اللفظ =
يجوز المزاح
(1)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي
(2)
فَقَالَ: «إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدٍ نَاقَةٍ» قَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ
(3)
؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلا النُّوقُ
(4)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ياَ ذَا الْأُذُنَيْنِ
(5)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• وَعَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيُخَالِطُناَ حَتَّى يَقُولَ لأَخِ لِي صَغِيرٍ: «ياَ أَباَ عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ
(7)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
= الذي له معنيان قريب وبعيد، ويراد البعيد؛ لأنه عرض عن القريب إلى البعيد، والمندوحة من الندح: وهو الأرض الواسعة. ففي المعاريض غنية وفسحة عن الكذب وهذه هي التورية فيمكن للإنسان استعمالها ولو غير مضطر لهذا الحديث ولما سبق في حديث سويد بن حنظلة في: اليمين على نية المستحلف من كتاب الأيمان والنذور، ومن هذا أن الحجاج قال لبعض الصحابة ما تقول فيّ. قال: أنت القاسط العادل. فقال الحاضرون: قد أثنى عليك. فقال لا: إنما أراد بها قول الله تعالى {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} . ومن هذا ما دب بين أهل العلم في القرن الثاني هل القرآن مخلوق أولا وكان أمير المؤمنين من الفريق الأول فسألوا الشافعي فأشار بأصابعه الأربع وقال هذه كلها مخلوقة وهو يريد الأصابع وهم يريدون الكتب السماوية التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وسبق في الأيمان أن الإمام النووي قال بجواز التورية في كل وقت إلا أمام الحاكم أو نائبه اللذين هما على حق فإنها لا تجوز بل تحرم.
يجوز المزاح
(1)
المزاح بالكسر الصدر وبالضم الاسم وهو المداعبة بالكلام للمؤانسة والسرور.
(2)
اعطنى دابة أركبها.
(3)
فهما منه أن ولد الناقة هو الصغير كما هو التعارف بينهم.
(4)
فلو تأمل في لفظ ولد الناقة ما رد وكان التعبير به للمزاح.
(5)
المراد به المزاح والملاطفة، وفيه حث على حسن الاستماع للقول فإنه يكفي للاستماع أذن واحدة فكيف بأذنين.
(6)
بسندين صحيحين.
(7)
النغير تصغير نغر - كصرد - وهو البلبل أو فرخ الطائر كان يلعب به أخو أنس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ملاطفة ومداعبة له، وفيه جواز تكنية الصغير.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُناَ، قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلا حَقًّا
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ومنها الوفاء بالوعد
(3)
قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} .
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ رضي الله عنه قَالَ: باَيَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ
(4)
فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهاَ فِي مَكَانِهِ فَنسِيتُ ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلًاثٍ
(5)
فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ فَقَالَ: «ياَ فَتَى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ أَناَ ههُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ
(6)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ وَلَمْ يَجِئْ لِلْمِيعاَدِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
(8)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(9)
.
(1)
وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة عجوز: لا يدخل الجنة عجوز فحزنت تلك كثيرا وعادت للاستفهام منه صلى الله عليه وسلم فقال: أما سمعت قول الله تعالى {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} ؛ فعلمت أن قصده الملاطفة. وقال عوف بن مالك: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم صغيرة فسلمت فرد عليّ وقال ادخل؛ فقلت: كلى يا رسول الله؟ قال: كلك فدخلت. رواه أبو داود والبخاري وهذا مزاح من الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذه الأحاديث جواز المزاح بشرط أن يكون صدقا وحقًا لا كذبا ولا باطلا وأن يكون قليلا وإلا فلا لأنه مظنة العداوة وذهاب الهيبة كما سبق في الجدل: لا تمار أخاك ولا تمازحه.
(2)
بسند صحيح.
ومنها الوفاء بالوعد
(3)
الوفاء بالوعد علامة المؤمنين وخلف الوعد علامة المنافقين.
(4)
من ثمن ذلك البيع.
(5)
من الليالي.
(6)
انتظره النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال لا لبقية الثمن بل للوفاء بالوعد الذي كان أحرص عليه من كل شيء.
(7)
بسند صالح.
(8)
ولم يجيء للميعاد لعذر كنسيان ومرض فلا إثم عليه، ومفهومه أنه إن وعد ونوى عدم الوفاء فعليه الإثم وعلى هذا بعضهم، فالوفاء عند هؤلاء واجب والخلف حرام، وقال الجمهور: إن الوفاء ليس بواجب بل مستحب فقط والخلف مكروه إلا إذا قصد بصاحبه الأذى فإنه حرام، وهذا إذا كان الوعد على غير حرام فإن كان على حرام وجب إخلافه ابتعادا من الحرام.
(9)
بسند صالح.
ومنه الرفق والتأني
(1)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ياَ عَائِشَةُ إِنَّ رَفِيقٌ يحِبُّ الرِّفْقَ وَيْعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى العُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى سِوَاهُ
(2)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
وَعَنْهاَ أَنَّهاَ سْئِلَتْ عَنِ الْبَدَاوَةِ
(3)
فَقَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْدُو إِلَى هذِهِ التِّلَاعِ
(4)
وَإِنَّهُ أَرَادَ الْبَدَاوَةَ مَرَّةً فَأرْسَلَ إِليَّ نَاقَةَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ مُحَرَّمَةً
(5)
ثُمَّ قَالَ لِي: «ياَ عَائِشَةُ ارْفُقِي فَإِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا زَانَهُ وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلا شَانَهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ
(6)
وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.
• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلا في عَمَلِ الْاخِرَةِ
(7)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
(8)
.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطاَنِ
(9)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(10)
وَالْبَيْهَقِيُّ، نَسألُ اللَّهَ اللُّطْفَ وَالرَّحْمَةَ آمِين.
ومنها الرفق والتأني
(1)
الرفق: هو لين الجانب القول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف، والتأني: التمهل وعدم العجلة.
(2)
إن الله رفيق أي لطيف يحب الرفق، أي يأمر به ويحث عليه ويعطى عليه في الدنيا محبة الناس وفى الآخرة عظيم الدرجات.
(3)
البداوة بالفتح والكسر الخروج للبادية للإقامة أو للتريض.
(4)
التلاع جمع تلعة: وهو مجرى الماء من مرتفع إلى منخفض.
(5)
أي لم تركب للآن، فلما أرادت الخروج للبادية مع النبي أركبها على ناقة لم تستعمل في الركوب ثم قال لها ارفقي بها فإن الرفق في كل شيء يزينه ولا نزع من شيء إلا كان شينا وقبيحا.
(6)
أي العظيم.
(7)
التؤدة كالهمزة أي التأني حسن وجميل في كل شيء إلا في أعمال الآخرة لقوله تعالى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ، ولأن في تأخير الخيرات عوارض وآفات.
(8)
بسند صحيح.
(9)
الأناة - كالقناة - التأني، من الله أي من صفات الله، فإنه خلق الكون في ستة أيام وكان قادرا على خلقه في لحظة لتعليم عباده ذلك التأني المحبوب الذي فيه كل خير، والعجلة من الشيطان أي وصفه ويحبها لأنها مظنة الخطأ بل الإضرار والشر. نسأل الله الرفق والتأني آمين.
(10)
بسند غريب.
ومنها الحياء
(1)
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَياَءُ لَا يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ» فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنَ الْحَياَءِ وَقاَرًا وَإِنَّ مِنَ الْحَياَءِ سَكِينَةً
(2)
فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ
(3)
، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعاَتِبُ فِي الْحَياَء يَقُولُ: إِنَّكَ تَسْتَحِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُول قَدْ أَضَرَّ بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ فَإِنَّ الْحَياَءَ مِنَ الْإِيماَنِ
(4)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ
(5)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياَءِ
(6)
» قُلْنا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ
(7)
وَلَكِنْ الِاسْتِحْياَءُ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياَءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى
(8)
وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى
(9)
وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى
(10)
وَمَنْ أَرادَ الْاخِرَةَ
ومنها الحياء
(1)
الحياء: هو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب ويذم عليه، والحياء شرعا: خلق يبعث على ترك القبيح وفعل المليح، وهو قريب من حديث عبد الله الآتي.
(2)
فقال بشير بن كعب التابعي الجليل: مكتوب في الحكمة - هي هنا العلم الذي يبحث فيه عن أحوال حقائق الموجودات، وقيل العلم المتقن الوافي، نسأل الله إياه - إن من الحياء وقارا أي حلما ورزانة، وسكينة أي دعة وسكونا، فالحياء معدن لهذه الصفات الجميلة.
(3)
فلا ينبغي معارضة كلام النبوة بكلام آخر فإنه جوامع الكلم.
(4)
يعاتب بكسر التاء أي شخصًا آخر، أو بفتحها أي يلام على شدة حيائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الحياء من كمال الإيمان.
(5)
فإذا لم يكن في الشخص حياء فإنه أهل لكل شر، وهذا تهديد كقوله تعالى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} والله أعلم.
(6)
وفي رواية: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: استحيوا من الله حق الحياء.
(7)
ليس الحياء كما تفهمون من أنه الانكماش والانكسار.
(8)
ما وعاء الرأس هو الحواس من بصر وسمع ولسان.
(9)
وما حواه البطن هو الطعوم والفرج.
(10)
البلى بالكسر والقصر: بلاء الجسم وفناؤه.
تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا
(1)
فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَقَدِ اسْتَحْياَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياَءِ
(2)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكُمِ
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَياَءُ مِنَ الْإِيماَنِ وَالْإِيماَنُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفاَءُ والجَفاءِ فِي النَّارِ
(4)
».
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَياَءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتاَنِ مِنَ الْإِيماَنِ وَالْبَذَاءُ وَالْبَياَنُ شُعْبَتاَنِ مِنَ النِّفاَقِ
(5)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
، واللَّهُ أَعْلَمُ.
ومنها التواضع
(7)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْاباَءِ
(8)
مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفاَجِرٌ شَقِيٌّ
(9)
أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّماَ هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلانِ
(10)
(1)
المحرمة: كلبس الذهب والحرير الخالص للرجال، أما الحلال فلا، لقوله تعالى {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} .
(2)
ومضمون الحديث: أن الحياء الكامل ترك المنهيات وفعل المأمورات وتذكر الموت والآخرة.
(3)
بسند صحيح.
(4)
البذاء كسماء: السفه وفحش القول، والجفاء: قسوة القلب وغلظة، وفي رواية: ما كان الفحش في شيء إلا شأنه وما كان الحياء في شيء إلا زانه.
(5)
فالحياء والعى أي ضعف اللسان وقلة كلامه، شعبتان أي فرعان من الإيمان، والبذاء والبيان أي الفصاحة في القول الذي لم يوافقه العمل فرعان من النفاق.
(6)
الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن.
نسأل الله حسن الحال في الحال والمآل آمين.
ومنها التواضع
(7)
التواضع من الضعة: وهي الذل والهوان، والمراد به هنا الخشوع لله تعالى ولين الجانب للعباد وقبول الحق ممن قاله أيا كان، وهو نعمة لا يحسد الشخص عليها بل هو موجب للرفعة والاصطفاء لقوله في الحديث السابق في العفو: وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، ولما ورد في الحديث القدسي: قال الله تعالى "نظرت إلى قلوب الخلائق أجمع فلم أجد قلبًا أشد تواضعًا من موسى فلهذا اصطفيته وكلمته".
(8)
عبية بضم فكسر مع التشديد: الكبر والتعظم.
(9)
فالناس قسمان مؤمن وفاجر والسعيد الأول ولا عبرة بالآباء والأجداد وما كانوا عليه ولا بالدنيا وزخرفها ومظاهرها.
(10)
الجعلان بالكسر جمع جعل - كصرد - وهي دويبة صغيرة سوداء توجد كثيرا في مراح البقر والجواميس وتجمع الروث وتدخره وتموت بريح الورد وكل طيب.
الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهاَ النَّتْنَ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(1)
.
• عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ
(2)
رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ
(3)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهاَ ثَلَاثاً
(4)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(5)
.
حسن الخلق خلق اللَّه الأعظم
(6)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
(7)
. وَقَالَ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
(1)
بسند صحيح.
(2)
بكسر الأول فيهما.
(3)
فالله تعالى أمر عباده على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتواضعوا فلا يظلم بعضهم بعضا ولا يتكبر بعضهم على بعض فإن الألفة تقع بينهم.
(4)
المتنطع: هو المتعمق المجاوز للحد في قوله وفعله. وللطبراني والبيهقي: إن من التواضع لله تعالى الرضا بالدون من شرف المجالس (أي الرضا بالجلوس مع أقل منه، أو الرضا بالجلوس في طرف المجلس) ولأبي نعيم: تواضعوا وجالسوا المساكين تكونوا من كبراء الله وتخرجوا من الكبر، نسأل الله السلامة منه كما نسأله التواضع الذي يرضيه آمين.
(5)
مسلم روى الأول في صفة الجنة والثاني في العلم، وأبو داود روى الأول هنا والثاني في كتاب السنة والله أعلم.
حسن الخلق خلق الله الأعظم
(6)
هذا العنوان لفظ حديث للطبراني رضي الله عنه، فأعظم أخلاق الله وأظهرها وأجملها حسن الخلق وذلك كالحلم والصبر والستر وتحمل الأذى كما سبق في تفسير سورة هود "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" وكما سبق في تفسير البقرة قال الله تعالى "كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمنى ولم يكن له ذلك" وكما سبق في الصبر هنا "ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى" وكحديث "إن الله ستير يحب الستيرين" وكحديث "إن الله عفو يحب العفو" ونحو هذا كثير وسبق في أول الأخلاق أن أحسن ما قيل في حسن الخلق البعد عن المحرمات وأداء الواجبات والبشاشة مع الناس والإحسان إليهم، وقال ابن المبارك: هو بسط الوجه وكف الأذى وبذل الندى. بسط الوجه أي بشاشته مع الناس، وكف الأذى أي عنهم، وبذل الندى أي الإحسان إليهم بما حباك الله من علم أو مال أو جاه.
(7)
هذا خطاب بأسلوب تعدد تأكيده من ربنا مالك الملك في كتابه الكريم الدائم للنبي صلى الله عليه وسلم وامتداح له في وجهه بأنه على خلق عظيم، وكان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن أي كما قال من كل فعل حميد، ووصف جميل، وخلق كريم.
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
(1)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
(2)
، صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ مِنْ خلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفاَحِشَ الْبَذِيءَ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائم الْقَائمِ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ»
(6)
وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: «الْفَمُ وَالْفَرْجُ»
(7)
.
(1)
خذ العفو أي اليسر من أخلاق الناس، وأمر بالعرف أي المعروف للشارع، وأعرض عن الجاهلين فلا تقابلهم بسفههم، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن هذه الآية فقال: تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك.
(2)
قبل هذه الآية {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} أي لا أحد أحسن منه، فمن يجتنب المنكرات ويعمل الصالحات ويدعو الناس إلى معرفة الله وعبادته فذاك له رفيع الدرجات لأنه صار خليفة الأنبياء {ولا تستوى الحسنة ولا السيئة} أي لا تتساوي بل الحسنة فضيلة رفيعة، والسيئة نقيصة ذميمة "ادفع بالتي هي أحسن" ادفع السيئة بالخلة الحسنى كالغضب بالصبر، والجهل بالحلم، والإساءة بالعفو {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فيصير عدوك بهذا كالقريب الصديق في محبته لك {وما يلقاها} لا يعطى هذه الخصال {إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} أي مكان عظيم عند الله تعالى نسأل الله حسن الأخلاق آمين.
(3)
بسند صحيح.
(4)
فالمؤمن يدرك بحسن خلقه درجة الصائم أي دائم
الصيام، والقائم أي قائم الليل في طاعة الله تعالى، وذلك لأن الصائم القائم يجاهد نفسه فقط، وصاحب الخلق الحسن يجاهد نفوسا كثيرة مختلفة الطبائع والألوان والمشارب والأفهام والعقول والإدراك.
(5)
بأسانيد صحيحة.
(6)
فهما أعظم الأسباب في دخول الجنة واكتساب رفيع المنازل فيها.
(7)
الفم أي ما يدخل فيه ويخرج منه الطعوم الحرام والقول الحرام، والفرج أي الزنا به، وفي الحديث: إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد أي الماء الذي تجمد من شدة البرد.
• عَنْ أَبِي ذَرّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُماَ كُنْتَ
(1)
وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهاَ
(2)
وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتبسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ
(3)
وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ
(4)
وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ
(5)
وإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ
(6)
وَإِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ
(7)
» رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالبُخَارِيُّ وَلَفْظهُ: «إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا» .
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ
(9)
وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ
(10)
وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ
(11)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
(1)
أي في الخلوة والجلوة والعسر واليسر والمنشط والمكره.
(2)
فإذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة أي بتوبة فإنها تمحوها {إن الحسنات يذهبن السيئات} .
(3)
لأن البشاشة في وجه أخيك المؤمن تسره، ومن أفضل الأعمال إدخال السرور على المسلم.
(4)
لأنهما نصيحة وهي أعظم ما يهدى للمسلم.
(5)
وإرشاد الحيران إلى طريقه صدقة، وبصرك أي تبصيرك وهدايتك لردئ البصر أي ضعيفه صدقة لك، فهذا نوع مما قبله وهو الإرشاد إلا أن الأول إرشاد حيران لطريقه وهذا إرشاد أعمى الطريقه، وفي الحديث: من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة.
(6)
إماطة أي إزالة الشوك ونحوه مما يؤذي الناس عن طريقهم صدقة لأنه دفع للأذى عنهم.
(7)
فإفراغك في دلو أخيك الماء وكذا بذله لأي مخلوق حسنة عظيمة.
(8)
الأولان بسندين صحيحين والثالث بسند حسن.
(9)
أي كل شيء حسن تسديه لعباد الله فهو لك صدقة أي لك عليه أجر الصدقة لأنه بذل لما منحك الله.
(10)
طلق بفتح فسكون أي متهلل مبتسم.
(11)
ولفظ مسلم: لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وسبق في كتاب الإيمان: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا حَلِيمَ إِلا ذُو عَثْرَةٍ
(1)
وَلَا حَكِيمَ إِلا ذُو تَجْرِبَةٍ
(2)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(3)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِياَمَةِ
(4)
أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِياَمَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ
(5)
وَالْمُتَفَيْهِقُونَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْناَ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَماَ الْمُتَفيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُونَ
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
.
• عَنْ عَلِيّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهاَ وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ
(8)
وَأَطْعَمَ الطَّعاَمَ وَأَدَامَ الصِّياَمَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِالَّليْلِ وَالنَّاسُ نِياَمٌ
(9)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ
(10)
.
• عَنْ زَارِعٍ الْقَيْسِيِّ
(11)
رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُنْذِرِ الْأَشَجِّ: «إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحبُّهُماَ اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ»
(12)
(1)
فلا حليم كامل إلا من وقع في خطأ وزلل فخجل وأحب وتمنى أن من رآه يستره ويعفو عنه، فإذا رأى من فرط منه شيء بعد هذا بادر إلى ستره والعفو عنه.
(2)
الحكيم هنا هو العالم المتيقظ المنتبه، وقيل المتقن للعلم الحافظ له، فلا حكيم كامل إلا من جرب الأمور نفسها وضرها وفاسدها وصالحها، فيرى الصواب فيما يأتي مما جر به فيما مضى ويكون أهلا للشورى ونصح الناس، والحلم والحكمة أظهر مكارم الأخلاق وأجملها فلذا وضع هذا الحديث هنا.
(3)
بأسانيد صحيحة.
(4)
في الموقف وعند الميزان والحوض وفي الجنة.
(5)
الثرثارون جمع ثرثار. وهو كثير الكلام، والمتشدقون جمع متشدق: وهو من يتطاول بلسانه على الناس.
(6)
المتكبرون نوع واللذان قبله نوع آخر.
(7)
بسند حسن.
(8)
أي ألانه للناس.
(9)
أي تهجد لله ليلا، أو حافظ هي العشاءين والفجر.
(10)
بسند صحيح.
(11)
زارع هذا كان في وفد عبد القيس.
(12)
فلما جاء وفد عبد القيس للنبي صلى الله عليه وسلم نزلوا عن رواحلهم مسرعين وقصدوا النبي صلى الله عليه وسلم فصاروا يقبلون يده ورجله، ولكن المنذر بن الحارث المشهور بأشج عبد القيس وكان رئيس هذا الوفد لما نزل عن راحلته فتح عيبة له وأخرج منها ملابس بيضاء فلبسها ثم ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم خاشعًا متواضعًا بتأن ووقار فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فيك خصلتين يحبهما الله، وهما الحلم والأناة، وها هنا بمعنى التأني وعدم العجلة كما ظهر من المنذر وإلا فالحلم إمساك النفس عند الغضب والصفح، والأناة. التأني.
قَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَناَ أَتَخلَّقُ بِهِماَ أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِماَ؟ قَالَ: «بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِماَ» ، قَالَ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُماَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(1)
.
بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
سُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ
(3)
قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا ثمَّ قَامَ فَقُمْناَ فَنَطَرْناَ إِلَى أَعْرَابِيَ قَدْ أَدْرَكَهُ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ وَكَانَ رِدَاءً خَشِنًا
(4)
فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيَريَّ هذَيْنِ
(5)
فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُ لِي مِنْ مَالِكَ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
(6)
لَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِنْ جَبْذَتِكَ الَّتِي جَبَذْتَنِي»
(7)
(1)
ولكن أبو داود في قبلة الرجل والترمذي هنا بسند صحيح، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كاد الحليم أن يكون نبيا، رواه الخطيب، وقال رسول الله: كان أيوب أحلم الناس وأصبر الناس وأكظمهم لغيظه، رواه الحكيم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحليم سيد في الدنيا وسيد في الآخرة. رواه الخطيب والله أعلم.
بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
وسبق في كتاب النبوة أخلاقه صلى الله عليه وسلم على سعة.
(3)
وفي رواية: فإذا سمع الأذان خرج أي كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه، المهنة بالفتح والكسر: الخدمة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته يشارك أهله في عمل البيت كطبخ وكنس وحلب ناقة وشاة ووضع علف لهما وخياطة ثوب ونعل ونحوها رفقًا بأهل بيته وتواضعًا وقدوة حسنة لأمته.
(4)
فجبذه أي جذب طرف الرداء الخشن فأثر في رقبة النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمر الجلد من شدة الجذبة، وهذا من جفوة الأعراب وخشونتهم وعدم تهذيب أخلاقهم، أو كان هذا الرجل من المؤلفة قلوبهم.
(5)
أي أعطني مالا مما عندك على هذين البعيرين.
(6)
أي لا أحمل لك من مالي وأستغفر الله إن كان الأمر على خلاف ذلك، والواو هنا في أحسن مواضعها لأن حذفها يوهم نفي الاستغفار كقولهم: لا وشفاك الله.
(7)
حتى تمكنني من أن أعمل بك كما عملت بي ليبين له الحكم وإلا فهو من شأنه صلى الله عليه وسلم العفو والصفح.
فَكلُّ ذِّلِكَ يَقُولُ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لَا أُقِيدُكَهَا فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْل الْأَعْرابِيِّ أَقْبَلْناَ إِلَيْهِ سِرَاعًا
(1)
فَالْتَفَتَ إِلَيْناَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «عَزَمْتُ عَلَى مَنْ سَمِعَ كَلَامِي أَلا يَبْرَحَ مَكَانَهُ حَتَّى آذَنَ لَهُ»
(2)
ثُمَّ دَعَا رَجُلاً فَقَالَ لَهُ: «اْحمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هذَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيراً وَعَلَى الْاخَرِ تَمْرًا»
(3)
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ: «انْصَرِفُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالشَّيْخَانِ
(4)
، نَسّأَلُ اللَّهَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ آمِين.
ومنها الهدي الصالح
(5)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
(6)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(7)
،
(1)
للبطش به.
(2)
عزمت أي أمرت أمرا مؤكدا.
(3)
أمر رجلا أن يعطيه حمل بعير من الشعير وحمل بعير آخر من التمر كطلبه فقد أحسن صلى الله عليه وسلم إلى من أساء إليه وزاد في الإحسان، ففي هذين الحديثين أعظم مثل وأجمعه وأجمله لأنه في الأول بين لنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته من اللطف والتواضع والرحمة بخلق الله تعالى فلم يظهر لأهله منه صلى الله عليه وسلم كبر ولا علو بل كان كما قال الله له {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} والحديث الثاني بين لنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في الهيئة الاجتماعية مع خلق الله تعالى من كظم الغيظ والصبر وتحمل الأذى والحلم على الجاهل وترك مجازاته والصفح عن المسيء بل والإحسان إليه بأكبر إحسان كما قال الله تعالى له {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} ومن أراد البسط من أخلاقه صلى الله عليه وسلم فلينظر باب "كان" في الجامع الصغير للسيوطي رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرته آمين.
(4)
ولكن أبو داود هنا والبخاري في اللباس ومسلم في الزكاة.
ومنها الهدي الصالح
(5)
الهدي الصالح: هو الطريق المحمود المذكور في قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والملة الحنيفية التي أمرنا بها في قوله تعالى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} .
(6)
السمت الصالح: حسن المنظر والهيئة كهيئة أهل الدين. والاقتصاد: سلوك القصد في الأمر والدخول فيه برفق وحال يمكنه الدوام عليه قولا كان أو فعلا.
(7)
بسند حسن. وفي رواية للطبراني: جزء من خمسة وأربعين، وفي أخرى: جزء من سبعين جزءا =
وَلَفْظُهُ: «السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النبُوَّةِ» .
ومنها السخاء والكرم
(1)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ
(2)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ «لَا» ، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الجنَّةِ قَريبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ
(4)
، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ
(5)
وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ
(7)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهاَ رَجَاءَ ثَوَابِهاَ وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا أَلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهاَ
= من النبوة، أي من أخلاق النبوة. فهذه الخصال كانت في الأنبياء فهي أوصاف سنية وأحلاق مرضية فعلى كل مؤمن أن يقتدى بهم وأن يتصف بها فإنها مجلبة لرضاء الله ورسوله والناس أجمعين.
ومنها السخاء والكرم
(1)
السخاء والكرم والجود بمعنى: وهو التفضل على الغير بما منحك الله من غير عوض وإن كان في السخاء رقة ولين.
(2)
كان أحسن الناس خلقا، وأجود الناس كفا، وأشجعهم قلبا وجسما صلى الله عليه وسلم.
(3)
وسبقا في أخلاقه صلى الله عليه وسلم في كتاب النبوة.
(4)
قربه من الله والناس محبتهما له، وقربه من الجنة كونه من أهلها.
(5)
ففي الحديث ترغيب وترهيب شديدان إلا إذا أردنا بالسخاء ما يشمل إخراج الزكاة وبالبخل ما يشمل منها وإلا كان الأول موجبا للجنة والثاني موجبا للنار.
(6)
لأن عبادة العابد لنفسه وسخاء الكريم للناس فهو النفع المتعدي وهو الفضيلة التي اختص الله بها من أحبه من عباده، نسأل الله أن نكون منهم آمين.
(7)
بسند ضعيف للترمذي.
الْجَنَّةَ
(1)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ هَدَى زُقَاقاً كَانَ لَهُ مِثْلُ عِتْقِ رَقَبةٍ
(2)
»، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ صِحَّةَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ آمِين.
ومنها الشُكر على المعروف
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ}
(4)
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
، وَلَفْظهُ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ
(7)
».
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنه فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ
(8)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(1)
سبق هذا الحديث في الحث على الصدقة في كتاب الزكاة.
(2)
منيحة لبن مقدارا منه كرطل أو هي الشاة التي يمنحها الموسر الفقير ينتفع بها ثم يردها إليه، ومنيحة الورق قرض الدراهم مثلا، والهدى للزقاق إرشاد الجيران أو الأعمى إلى طريقه نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل آمين.
ومنها شكر المعروف
(3)
أي شكر صانع المعروف ورب النعم بل شكر النعم واجب جزاء على إحسانه وحفظا للنعم واستزادة منها قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وقال ابن عطاء الله في الحكم رضي الله عنه: من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.
(4)
فما جزاء الإحسان إلا إحسان يناسبه، ومنه النعيم في الآخرة على الطاعة في الدنيا وإن كانت نعمة من الله تعالى فله وافر الحمد ومزيد الشكر.
(5)
فبأي نعمة من نعم ربكما أيها الإنس والجن تكذبان؟ أي لا ينبغي التكذيب بشيء منها.
(6)
بسند صحيح.
(7)
فمن قصر في شكر من جرت النعمة على يديه من العباد وهو مظنة المنة والعتاب كان لله تعالى أشد تقصيرًا لسعة حلمه تعالى.
(8)
فمن أهدى له شيء من آخر فوجد ما يكافئه به فليقدمه له جزاء على صنيعه ومن لم يجد شيئًا فليدع =
وَابْنُ حِبَّانَ
(1)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ
(2)
أَتَاهُ الْمُهاَجِرُونَ فَقَالُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْناَ قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْناَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
(3)
لَقَدْ كَفَوْناَ الْمَؤُونَةَ وَأَشْرَكُوناَ فِي الْمَهْنَإِ
(4)
حَتَّى لَقَدْ خِفْناَ أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ
(5)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّناَءِ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
= له بخير فإن فعل فقد شكر النعمة وإلا كان كافرا بها.
(1)
بسند صحيح.
(2)
وبها المهاجرون والأنصار.
(3)
وهم الأنصار أحسنوا مواساة المهاجرين وبذلوا لهم كثيرا مع قلة حالهم.
(4)
فإن المهاجرين تركوا أموالهم في بلادهم فتلقاهم الأنصار على الرحب والسعة وأرادوا إشراكهم في أموالهم فأبى المهاجرون إلا أن يقوموا بأمر الزراعة ويقتاتوا منها معهم وكذا أشركوهم في المهنأ محل الهناء والسرور وهو النساء فإن من كان تحته امرأتان طلق إحداهما وتزوجها المهاجري.
(5)
بدعائكم لهم فيتساوى البذل والدعاء.
(6)
في الرقائق بسند صحيح.
(7)
لأنه طلب من الله أن يكافئه نيابة عنه لعجزه ولا شك أن مكافأة الله أعظم من مكافأة العبد، وسبق في الحث على الصدقة في الزكاة: ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأْتموه، فعلى كل شخص ساعده إنسان آخر بمال أو بعلم أو بجاه أو أي شيء أن يكافئه بما يناسب إن تيسر وإلا دعا له بخير والله يتولى جزاءه، نسأل الله حسن الجزاء آمين.
الحذر من اللَّه والناس
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ}
(2)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
(3)
.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ
(5)
» رَوَاهُ الثَلَاثَةُ
(6)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً
(7)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ الْغَفْوَاءِ الْخُزَاعِي رضي الله عنه قَالَ: دَعَانِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَنِي بِمَالٍ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يَقْسِمُهُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ
(9)
الحذر من الله والناس
(1)
الحذر: هو التيقظ والاحتراس والاحتياط للأمور في المستقبل.
(2)
أي يخوفكم من غضبه وعقوبته إن لازمتم العصيان ولم ترجعوا إليه {والله رؤوف بالعباد} يقبل توبتهم ويرحمهم إن رجعوا إليه.
(3)
{يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} من العزم على الخير والشر {فَاحْذَرُوهُ} وخافوه إن طويتم على شر {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لمن يحذره {حَلِيمٌ} بتأخير العذاب عن مستحقه لعله يرجع إليه.
(4)
فالله تعالى بحلمه يمهل الظالم لعله يرجع فإذا جاء وقت عقابه أهلكه، وسبق هذا في تفسير سورة هود عليه السلام.
(5)
سببه أن أبا غرة الشاعر أسر يوم بدر فعاهده النبي صلى الله عليه وسلم ألا يحرض عليه ولا يهجوه فقال: نعم، فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم سراحه فلحق بقومه وعاد إلى التحريض والهجاء ثم أسر في غزوة أحد فسأل المن عليه فقال صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. فالمؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى على غفلة من جهة واحدة مرتين.
(6)
ولكن أبو داود والبخاري هنا ومسلم في الزهد.
(7)
فالراحلة القوية السهلة السريعة السير نادرة الوجود في الإبل كذلك الكامل في الناس النافع لهم الصادق فيهم القائم بأمر دنياه وأخراه على ما يرام قليل الوجود، أي فالحذر مطلوب.
(8)
ولكن مسلم في آخر الفضائل والبخاري في الرقائق والترمذي في الأمثال.
(9)
يتألفهم ويواسي فقراءهم بذلك.
فَقَالَ: «الْتَمِسْ صَاحِبًا فَجَاءَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ» فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ ترِيدُ الْخُرُوجَ وَتَلْتَمِسُ صَاحِبًا، قُلْتُ: قَالَ: فَأَناَ لَكَ صَاحِبٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: قَدْ وَجَدْتُ صَاحِبًا، فَقَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ: «إِذَا هَبَطْتَ بِلَادَ قَوْمِهِ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْقاَئِلُ أَخُوكَ الْبِكْرِيُّ فَلَا تَأْمَنْهُ
(1)
» فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالْأَبْوَاءِ
(2)
قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ حَاجَة إِلَى قَوْمِي بِوَدَّانَ
(3)
فَتَلْبَثُ لِي
(4)
قُلْتُ رَاشِدًا فَلَمَّا وَلَّى تَذَكَّرْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَدَدْتُ عَلَى بَعِيرِي أُوضِعُهُ حَتَّى خَرَجْتُ
(5)
حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالْأَصَافِرِ
(6)
إِذَا هُوَ يُعاَرِضُنِي فِي رَهْطٍ
(7)
فَأَوْضَعْتُ فَسَبَقْتُهُ فَلمَّا رَآنِي قَدْ فُتُّهُ انْصَرَفُوا وَجَاءنِي فَقَالَ: قَدْ كَانَتْ لِي إِلَى قَوْمِي حَاجَةٌ قُلْتُ: أَجَلَ وَمَضَيْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَدَفَعْتُ الْماَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ
(8)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(9)
، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(1)
البكري بالكسر: أول ولد الأبوين وهذا مثل مشهور في العرب، والمراد أخوك الشقيق يخاف منه فلا تأمن من الناس إلا القليل جدا الذي جربته مرارا وهذا بيت القصيد من الحديث.
(2)
الأبواء كالأبواب: بلد بجوار جبل بين مكة والمدينة.
(3)
بلد جامع بجوار الجحفة فيها قومه وهو يريد إعلامهم بالمال الذي مع صاحبه.
(4)
تنتظرني هنا.
(5)
أسرعت ببعيري حتى خرجت من الأبواء.
(6)
الأصافر جمع أصفر وهي ثنايا سلكها النبي صلى الله عليه وسلم طريقه إلى بدر.
(7)
من قومه لأخذ المال منى فأسرعت براحلتي فسبقتهم، وهذا الذي ظهر من عمرو الضمري كان في أول إسلامه وإلا فقد كان أخيرا من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم.
(8)
كما أمرني النبي صلى الله عليه وسلم، في هذه النصوص طلب الحذر والتيقظ في أمور الدنيا والآخرة ليسلم ويسعد ويغنم، نسأل الله ذلك من فضله وكرمه آمين.
(9)
بسند صالح.
حسن الظن باللَّه والناس
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل: أَناَ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
، نَسْأَلُ اللَّهَ الظَّنَّ الْحَسَنَ وَكَامِلَ التَّوَكُّلِ آمِين.
كمال الدين في النصيحة
(6)
• عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ
(7)
»، قَالُوا: لِمَنْ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَأَئمَّةِ
حسن الظن بالله والناس
(1)
حسن الظن بالله تعالى أن تظن أنه سيعفو عنك ويرحمك بواسع رحمته وأنت على طاعته فلا ينافي الحذر منه إذا كنت عاصيا فإنه يحمل على الخوف ويدفع للطاعة، وحسن الظن بالناس أن تظن أنهم على خير وهدى من ربهم فيما بينهم وبينه بل ربما كانوا عند الله أحسن منك، وهذا في المسلمين المستورين أما أهل العصيان والأهواء الفاسدة الظاهرون لنا فلا يأتي فيهم حسن الظن بل من كمال الإيمان بغضهم كما سبق: من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان، والحذر المطلوب هو في المعاملة مع الناس بعدًا عن الخلاف والشقاق وطلبا للسلامة والوفاق.
(2)
فالله تعالى يعامل عبده كما يظنه العبد فيه.
(3)
سيأتي في كتاب الأذكار والأدعية إن شاء الله تعالى.
(4)
فتحسين الظن بالله من حسن العبادة لأنه ظن بربه ما هو أهله، قال تعالى:{هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} وحسن الظن بالناس يحفظه من بغضهم وحسدهم فلذا كان عبادة، كما أن سوء الظن بهم معصية، أما سوء الظن بالله تعالى فكفر نعوذ بالله من ذلك.
(5)
بسند صالح.
كمال الدين في النصيحة
(6)
النصيحة من النصح وهو الخلوص، يقال: نصح العسل إذا خلصه من شمعه، والنصيحة شرعا إرادة الخير للمنصوح وإرشاده إليه.
(7)
إن كمال الدين وأفضل أعماله وأظهرها في النصيحة، وكررها لعظم شأنها والترغيب فيها كما سبق في كتاب الحج حديث: الحج عرفة.
الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ
(1)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ
(2)
.
• عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: باَيَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَأَنْ أَنْصَحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، قَالَ «فَكَانَ جَرِيرٌ إِذَا باَعَ أَوِ اشْتَرَى قَالَ
(3)
: «أَمَا إِنَّ الَّذِي أَخَذْناَ مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَ فاَخْتَرْ» ، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ
(4)
.
المستشار أمين
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
(6)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْتَشَارُ مُؤَتَمنُ»
(7)
، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(8)
.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ» ، زَادَ فِي روَايَةٍ:«وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ»
(9)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
(10)
. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الرِّاوَيَةِ وَكَمَالَ الدِّرَايَةِ آمِين.
(1)
وفي رواية وأئمة المؤمنين وعامتهم، ومعنى النصح لله أن ينصح في اعتقاد وحدانيته وكل كمال له تعالى، وفي إخلاص النية في عبادته، والنصح للرسول صلى الله عليه وسلم أن ينصح في اعتقاد نبوته وبذل الطاقة في إجابته، والنصح لكتاب الله تعالى أن ينصح في الإيمان به والعمل بما فيه، والنصح للأئمة أي الولاة إرشادهم للصواب إذا دعت الحال وأمكنه ذلك، والنصح للعامة هدايتهم وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
(2)
وسبق هذا الحديث في كمال الإيمان من كتاب الإسلام والإيمان.
(3)
أي لمن بايعه مبالغة في النصح.
(4)
ولفظه وما قبله لأبي داود، وسبق هذا أيضا في البيعة التي تقدمت مرتين: مرة في الإيمان ومرة في كتاب الإمارة والقضاء، نسأَل الله أن يلهمنا الإخلاص في النصح لعباده آمين.
المستشار أمين
(5)
المستشار هو الذي طلب منه الرأي، والشورى بالضم والقصر، ويقال مشْوَرة - كمفخرة - مشورة بفتح فضم.
(6)
فالله تعالى أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعقل الخلق بأن يستشير أصحابه في كل أمر هام يريده، فتكون الأمة مأمورة بهذا من باب أولى.
(7)
أي صار أمينًا فيما سئل عنه فإن كان يعلم المصلحة قال بها وإلا أحاله على من يعلم إن كان يعرفه وإلا اعتذر، فإن علم الصواب وأرشده إلى غيره كان خائنًا.
(8)
بسند حسن.
(9)
لأنه لما عرض أمره إليه صار أمينا عليه فإذا أشار بغير ما يراه رشدا فقد خان أخاه المسلم.
(10)
بسند صحيح.
(فائدة) تتأَكد المشورة في الأمور الهامة فإن العواقب =
الدال على الخير كفاعله
(1)
• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ
(2)
رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي
(3)
قَالَ: «لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكَ عَلَيْهِ
(4)
وَلكِنِ ائْتِ فُلَانًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَحْمِلَكَ» فَأَتَاهُ فَحَمَلَهُ
(5)
فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فاَعِلِهِ
(6)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ
(7)
، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الدرجات العلا في حوائج الناس
(8)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْياَ
= لا يدريها إلا الله تعالى، والمستشير في أمر من الأمور إنما يضم عقول الناس إليه لمعاونته عليه كما تنضم الجماعة على الأمر العظيم بأجسامهم فيذللونه، وليس الواحد كالجماعة فإنهم أقرب للصواب وأبعد عن الخطإ والخيبة كما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد. نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.
الدال على الخير كفاعله
(1)
هذا من حديث للإمام أحمد والضياء ولفظه: "الدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان".
(2)
اسمه عقبة بن عمرو.
(3)
انقطع بي السبيل لموت الراحلة أو ضعفها فأَعطني ما أركبه.
(4)
ليس عندي ما أحملك عليه.
(5)
أعطاه راحلة يركبها.
(6)
فمن دل على خير كعلم ومال وعمل صالح له أجر كأجر فاعله في الكم والكيف لأن الثواب على الأعمال من فضل الله يهبه لمن يشاء على ما صدر منه، وقال النووي: له ثواب كثواب الفاعل ولا يلزم التساوي، فالمتسبب في أي خير له ثواب كثواب فاعله على ما يشاؤه مولانا جل شأنه، ويظهر من هذا أن معلمى القرآن والهداة المرشدين والعلماء العاملين ولا سيما المؤلفون منهم أكثر الناس أجرا لكثرة دلالتهم على الخير وبقائها ما دامت آثارهم، وسبق في كتاب العلم في خاتمته: يبقى أثر العلم خالدا. نسأل الله أن نكون من الدالين على الخير لله تعالى آمين.
(7)
ولكن أبو داود هنا والثلاثة في العلم.
الدرجات العلا في حوائج الناس
(8)
فالمنازل العالية في الآخرة لمن كان يساعد الناس في دنياه بالمال أو بالعلم أو بالجاه لأن الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله والحديث السابق في الاعتكاف القائل: من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها (أي قضاها) كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ولا يأتي.
نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كرَبِ يَوْمِ الْقيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْياَ وَالْاخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ
(1)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ سَائِلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«وَتَصُومُ رَمَضَانَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَأَلْتَ وَلِلسَّائِلِ حَقٌّ
(2)
إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْنَا أَنْ نَصِلَكَ فَأَعْطَاهُ ثَوْبًا وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا
(3)
إِلا كَانَ فِي حِفْظِ اللَّهِ مَا دَامَ مِنْهُ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الرَّقَائِقِ
(4)
.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ» ، قَالُوا: بَلَى ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ
(5)
فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(7)
، وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
(1)
فمن أخره عمله السيئ في الآخرة لم ينفعه نسبه العالي في الدنيا، قال تعالى {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} وسبق هذا الحديث في كتاب العلم.
(2)
حق مطلق بما أراق من ماء وجهه.
(3)
الله تعالى.
(4)
بسند حسن.
(5)
إصلاح المتخاصمين.
(6)
زاد الترمذي: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.
(7)
بسند صحيح، وسبق هذا في كتاب الإمارة والقضاء في الصلح، نسأل الله إصلاح الحال آمين.
العدل أساس الملك
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
(2)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحاَبَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعاَ عَلَيْهِ وَتَفرَّقاَ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفاَضَتْ عَيْنَاهُ
(3)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا أَباَ دَاوُدَ.
• عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هذَا. كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالُ
(4)
وَإِنِّي خَلَقْتُ
العدل أساس الملك
(1)
العدل: هو القصد في الأمور والإنصاف والمساواة بين الناس، وهذا هو المراد فلا تقوم دعائم الملك ولا ينتظم أمره ويلتئم شمله إلا بالعدل كما قيل: فبالعدل أسست الممالك، وبالعدل قامت السموات والأرضون، ويقال: عدل عن الطريق عدولا: مال عنه، ويقال: عدل يعدل من باب تعب: جار وظلم وليس مرادا هنا.
(2)
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} هو التوحيد والإنصاف وعدم الظلم "والإحسان" أداء الفرائض بإتقان وأن تعبد الله كأنك تراه أو كأنه يراك {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} إعطاء القريب "وينهى عن الفحشاء" هو الزنا {وَالْمُنْكَرِ} كل منكر شرعا من الكفر والمعاصي "والبغي" ظلم الناس وخصه بالذكر كالفحشاء مع دخولهما في المنكر اهتماما بهما {يَعِظُكُمْ} بما ذكر من المأمورات والمنهيات {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون، قال ابن مسعود رضي الله عنه: وهذه أجمع آية في القرآن للخير والشر.
(3)
سبق هذا الحديث مرتين مرة في باب المساجد ومرة فيما يجب على الأمير للرعية في كتاب الإمارة والقضاء.
(4)
أي وقال ربي كل مال أعطيته لعمدي من طريق مشروع فهو له حلال كمنحة من ذي سلطان وهدية من بعض الناس وصناعة وزراعة ووظيفة ونحوها فلا تحرّموا من أنفسكم، كالبحيرة والسائبة والوصيلة.
عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ
(1)
وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ
(2)
وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ
(3)
وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سْلْطَانًا. وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَاياَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
(4)
وَقَالَ إِنَّماَ بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ
(5)
وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْماَءُ تَقْرَؤُهُ ناَئماً وَيَقْظاَنَ
(6)
وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشاً
(7)
فَقُلْتُ: «رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً
(8)
»، قَالَ اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا أَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ
(9)
، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ
(10)
، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، قَالَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: «ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ
(11)
»، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيَالٍ
(12)
. قَالَ وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: «الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ
(13)
الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلا خَانَهُ
(14)
، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلا وَهُوَ يُخاَدِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ
(15)
». وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ
(16)
، وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ
(17)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ.
(1)
على الفطرة مستعدين لقبول الهداية.
(2)
ذهبت بهم للباطل.
(3)
من الأنعام البحيرة.
(4)
نظر إلى أهل الأرض فغضب عليهم غضبًا شديدا قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا فريقًا على الكتاب الأول ولم يغيروه.
(5)
لأبتليك هل تقوم بحق الرسالة أولا، وأبتلى بك الناس هل يؤمنون بك أو يكفرون.
(6)
لا يغسله الماء لأنه ليس في صحف بل محفوظ في الصدور يقرأ في كل حال.
(7)
بإسماعهم القرآن الذي يكون عليهم كالصواعق.
(8)
يشدخوه فيتركوه مكسورا كالخبزة.
(9)
نعنك عليهم.
(10)
من مدة السماء.
(11)
مقسط أي عادل من قوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وليست من قسط بمعنى جار في قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} .
(12)
فقير ذو عيال يكد عليهم من غير شكوى ولا سؤال.
(13)
الضعيف الرأي: الذي لا عقل له وهو في الناس تابعهم أينما كانوا لا يسعى لدنيا ولا دين.
(14)
لا يخفي: أي لا يظهر له شيء وإن قل إلا خانه، فالخفاء من الأضداد.
(15)
أي يضمر الخداع والخيانة دائما.
(16)
شك من الراوي وكلاهما قبيح وموجب للنار.
(17)
فالشنظير هو الفحاش قولا وفعلا نعوذ بالله من وصف أهل النار ونسأله أوصاف أهل الجنة آمين.
خاتمة في المحبة
(1)
ملاك الدين في محبة اللَّه ورسوله
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
(3)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيماَنِ
(4)
»: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا
(5)
، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ تَعَالَى
(6)
، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَماَ يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
(7)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا أَباَ دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيماَنَ
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(9)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ
(10)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
خاتمة في المحبة
(1)
المحبة المطلوبة شرعا والتي يؤجر عليها الإنسان هي محبة الله ورسوله ومحبة المؤمنين ولا سيما الصالحون منهم فإن من أحب قوما حشر معهم.
(2)
فعماد الدين على محبة الله ورسوله لأن العبد إذا أحب الله ورسوله ابتعد عن المنهيات وسارع إلى المأمورات والخيرات، بل تفاني في كل ما يرضي الله ورسوله، نسأل الله التوفيق لذلك.
(3)
قل يا محمد: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وينزلكم رفيع الدرجات {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ} لمن اتبعني {رَحِيمٌ} به.
(4)
ذاق طعم الإيمان الكامل.
(5)
فيؤثر ما يرضيهما على كل شيء حتى على حظ نفسه.
(6)
فتكون محبته للمؤمن لله لأنه عبد الله.
(7)
أي يكره الكفر كما يكره الوقوع في النار، وسبق هذا في أوصاف الإيمان الكامل.
(8)
وزاد الترمذي: وأنكح لله أي زوج أي شخص لله، فمن كان حبه أي للمؤمنين لله لا لعلة، وبغضه للفاسقين لله أي لكراهة الله لهم وأعطى المستحق لله ومنع غيره لله أي فمن كان فعله وتركه وحركاته وسكناته لله فقد كمل إيمانه، نسأل الله الإيمان الكامل آمين.
(9)
بسند حسن.
(10)
لأنه فني عن نفسه وصار ربانيا في كل ما يصدر عنه وهذه نهاية القرب من الله تعالى، نسأل الله من فضله آمين.
من أحب الله أحبه الله والعباد
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ
(2)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُناَدِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ آمِين.
من أحب الله أحبه الله والعباد
(1)
فالمؤمنون الصالحون يجعل الرحمن تعالى التواد والتحابب بينهم فيصيرون على تباين أشباحهم كقلب رجل واحد وكذا يحبهم الله ورسوله ما أسعدهم بذلك، نسأل الله محبة ترضيه آمين.
(2)
أي جبريل.
(3)
محبة الله لعبده رضاه عنه وهدايته له وعنايته به وإنعامه عليه بمحبة الناس له في الدنيا ورفيع الدرجات في الآخرة، وبغضه لعبده سخطه عليه وكراهة الخلق له في الدنيا وشدة عقابه في الآخرة، ومحبة الملائكة للعبد استغفارهم له وثناؤهم عليه، وبغضهم له عدم استغفارهم له وعدم ثنائهم عليه، ومحبة الناس للعبد عطفهم وثناؤهم عليه، وبغضهم للعبد كراهتهم له وذمه، وفيه أن محبة الناس للعبد أو بغضهم له من محبة الله أو بغضه كما قيل ألسنة الخلق أقلام الحق.
(4)
فإذا أثنى الناس على عبد لأعماله الصالحة التي عملها لله تعالى فلا ضرر عليه بل هذه من البشرى التي عجلت له في دنياه المذكورة في قوله تعالى {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} نسأل الله أن نكون منهم آمين.
من أحب قوماً حشر معهم
(1)
قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ}
(2)
{فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ}
(3)
{وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ}
(4)
(5)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ
(6)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ
(7)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتُ لَهاَ» ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهاَ مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ
(8)
»، زَادَ فِي رِوَايَةٍ فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذلِكَ قَالَ: «نَعَمْ» ، فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا
(9)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
من أحب قوما حشر معهم
(1)
فمن أحب الكفار أو الأشرار حشر معهم؛ ومن أحب المؤمنين أو الصالحين حشر معهم لأنه ما أحبهم إلا لأنه من شاكلتهم وطويتهم.
(2)
في أمره ونهيه.
(3)
أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق وتصديق الأنبياء.
(4)
غير هؤلاء المذكورين.
(5)
رفقاء في الجنة أي وما أحسن مرافقة هؤلاء يتمتع بزيارتهم ورؤيتهم ومجالستهم في الجنة وإن كان لكل درجات بقدر عمله، أما الجنة ومرافقة هؤلاء فمن فضل الله تعالى كما قال في الآية بعدها {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} .
(6)
جاء رجل هو أعرابي، ولم يلحق بهم، وفي رواية: ولما يلحق بهم أي ولم يعمل من الصالحات كعملهم.
(7)
في مواقف القيامة والجنة وكل شيء إن عمل كعملهم أو قريبًا منه، وقيل مطلقا لحديث أبي داود: يا رسول الله الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله، فقال رسول اللهم: المرء مع من أحب، وزاد الترمذي: وله ما اكتسب أي زيادة على ما ناله من حب الصالحين، وفيه أن حب الله ورسوله أرفع الطاعات وأعلى درجات الأصفياء ومن عمل القلب الذي أجره أعظم من أجر عمل الجوارح، نسأل الله قلبا طاهرا خالصًا ومحبة صافية آمين.
(8)
قال أنس: بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد فلقينا رجلا عند سدة - أي باب المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها، قال: فكأن الرجل استكان أي خشع، قال: يا رسول الله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، قال: فأنت مع من أحببت.
(9)
ففي هذه النصوص الحث على محبة الصالحين والأخيار رجاء اللحاق بهم والخلاص من النار، نسأل الله محبة الصالحين آمين.
محبة الصالحين وزيارتهم ومجالستهم غنيمة كبرى
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ خِيَارُهُمْ فِي الْجاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا
(1)
وَالْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَماَ تَعاَرَفَ مِنْهاَ ائْتَلَفَ وَمَا تَناَكَرَ مِنْهاَ اخْتَلَفَ
(2)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ
(3)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخُالِلُ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ
(6)
».
• عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ
(7)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(8)
.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: كَانَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ
(9)
: ياَ رَسُولَ اللَّهِ
محبة الصالحين وزيارتهم ومجالستهم غنيمة عظمى
(1)
فكما أن معادن الأرض من نحاس ورصاص وذهب وفضة تختلف بطبعها وصفتها وقيمتها كذلك الناس تختلف في الطباع والصفات والشيم والعقول، ولكن خيارهم في الأول والآخر المتفقهون في الدين فهو منبع الخير والسعادة.
(2)
والأرواح أنواع مختلفة وجموع مجتمعة فما اتفقت صفاتها وتشابهت ائتلفت وما لم تتفق صفاتها اختلفت وتباينت، فالمحبة والبغض بين الناس من تلائم الأرواح وعدمه حتى قيل: إن الطيور على أشكالها تقع.
(3)
ولكن مسلم وأبو داود هنا والبخاري في بدء الخلق.
(4)
فالشخص يتطبع بطبع صاحبه فإن الطبع سرّاق ويتغلب على التطبع والاختيار. ولذا قيل:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
…
فكل قرين بالمقارن يقتدى
(5)
بسند حسن.
(6)
فعلى المؤمن أن يختار لصحبته مؤمنًا تقيًا فإنه ينتفع بصلاحه ونصحه ورشده وهديه وتقواه وعلمه إن كان عالما، وبيركته ودعائه أينما حل أو غاب وربما شفع له في الآخرة.
(7)
والترمذي: إذا آخي الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو فإنه أوصل للمودة.
(8)
بسندين صحيحين.
(9)
أي الجالس مع النبي صلى الله عليه وسلم.
إِنِّي لَأُحِبُّ هذَا، قَالَ:«أَعْلَمْتَهُ» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:«أَعْلِمْهُ» ، فَلَحِقَهُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ فَقَالَ: «أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّماَ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَناَفِخِ الْكِيرِ
(2)
فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَا أَنْ يُحْذِيَكَ
(3)
وَإِمَّا أَنْ تَبْتاَعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً
(4)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «زَارَ رَجُلٌ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا
(6)
فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هذِهِ الْقَرْيةِ، قَالَ: «هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهاَ؟
(7)
قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عز وجل قَالَ: فَإِنِّي رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَماَ أَحْبَبْتَهُ فِيهِ
(8)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْت مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا
(9)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
(1)
وهو الله تعالى الذي وضع بينهما الألفة والمحبة، في مصاحبة المؤمن التقي خير كثير للدنيا والأخرى.
(2)
نافخ الكير هو الحداد الذي ينفخ على النار بالكير لصنع ما يعمل من الحديد.
(3)
أي يعطيك.
(4)
فمن يجالس حامل المسك فإنه ينتفع منه قطعا إما بالشراء وإما بالعطاء وإما بشم الرائحة الحسنة وفيه أن المسك طاهر يباع ويشترى وينتفع به فيما يناسبه، ومن يجالس الحداد إما أن تحترق ثيابه بالشرر الذي يتطاير منه وإما أن يشم منه الرائحة الخبيثة، كذلك مجالسة الأشرار تضر قطعا، بخلاف مجالسة الصالحين أهل الورع والعلم والخير والمروءة ومكارم الأخلاق فإنها تنفع من وجوه كثيرة للدنيا والآخرة.
(5)
ولكن مسلم وأبو داود هنا والبخاري في البيع.
(6)
أوقف الله على طريقه ملكا.
(7)
أي تقوم بإصلاحها وإتمامها لمن لك عليه ولاية كتابع وقريب لك، من ربَّ اليتيم قام بأمره، ورب الضيعة أصلحها.
(8)
فلما أراد الرجل زيارة صاحبه في الله تعالى أوقف الله له في طريقه ملكا فسأله ثم أخبره بأن الله أحبه لحبه ذلك المؤمن في الله تعالى.
(9)
فمن سار لعيادة مريض أو زيارة أخ له في الله تعالى ناداه ملك من قبل الله تعالى أيها الرجل الطيب الفعال، شكر الله مسعاك وأجزل لك العطاء في الجنة، نسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه آمين.
المتحابون في ظل العرش يوم القيامة
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «أين المتحابون بجلالي
(2)
الْيوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء
(3)
».
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُناَسًا مَا هُمْ بِأَنْبِياَءَ وَلَا شُهَدَاءَ يغَبْطُهُمُ الْأَنْبِياَءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ من اللَّهِ تَعَالَى» ، قَالُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُناَ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ
(4)
عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتعَاَطَوْنَهاَ
(5)
فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ لَعَلَى نورٍ
(6)
لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
، نَسألُ اللَّهَ كَماَلَ الْأَمْنِ وَالْإِيماَنِ وَالْيَقِينِ آمِين.
المتحابون في ظل العرش يوم القيامة
(1)
ففي يوم القيامة والناس في شدة الهول المذكور بعضه في قوله تعالى {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} يكون المتحابون في الله في رعاية الله وكنفه وفي مقامات التكريم على منابر النور فما أسعدهم بذلك.
(2)
لعظمتي وجلالي.
(3)
هذا ترغيب عظيم في المحبة لله تعالى، وسبق في باب المساجد وفي كتاب الإمارة والقضاء حديث: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وعد منهم رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه أي على الحب في الله وتفرقا عليه.
(4)
أي بمحبة الله ورحمته، أو الروح القرآن لقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} أي تحابوا في الله بسبب العمل بالقرآن.
(5)
أي بغير معاملة دنيوية ولا قرابة بينهم بل تحابوا لله وفي الله تعالى.
(6)
إن وجوههم لنور أي ذات نور، وإنهم لعلى نور أي على منابر من نور.
(7)
في الرهن في البيع بسند صالح. ولعل ذكره في البيع إشارة إلى أن الحب النافع ما كان له دون المال والجاه والدنيا، ومن المتحابين في الله: من يجتمعون على شيخ يعلمهم العلم الشرعي محبة في العلم وأملا في العمل به الله تعالى كمن يسعون لطلب العلم في المساجد ونحوها عن الأئمة وغيرهم، فهم ينالون فضيلة السعي للعلم الذي هو سعى في طريق الجنة، وفضيلة طالب العلم الذي هو في عداد الشهداء، وفضيلة تعمير =
التوسط في الحب مطلوب
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ
(2)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا
(3)
عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا. وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
عدد أحاديث كتاب البر والأخلاق مائتان وخمسة وسبعون حديثًا فقط.
= بيوت الله الدال على كمال الإيمان، وفضيلة انتظار الصلاة الذي هو كمال الرباط، وفضيلة زيارة الله التي تستوجب إكرام الله تعالى، وفضيلة المحبة في الله التي نحن بصددها، ومن المتحابين في الله تعالى: من يأخذون العهد على شيخ من مشايخ الطرق المشهورين بالعلم والتقوى والورع أملا في القرب من الله تعالى لا طمعا في الدنيا ولا تزلفا لأهلها، فهؤلاء بلا شك من المتحابين في الله تعالى ولهم رفيع الدرجات في الآخرة جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم آمين والحمد لله رب العالمين.
التوسط في الحب مطلوب
(1)
فالحب الشديد لإنسان أو غيره يعمى العين عن النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن سماع العذل فيه، فلا يراه إلا حسنا وربما كان فيه أكبر ضرر. فالاقتصاد في الحب حفيظه وجماله.
(2)
بسند حسن.
(3)
برفق أي حبا وسطا.
(4)
فلا تبغض البغض الشديد لعله يصير في يوم حبيبا فتنتفع به ويحل الوفاق محل الشقاق، كما لا ينبغي الحب الشديد الذي يشغله عن شأنه وربما يفضي إليه بكل أسراره فعسى أن ينقلب عدوا فيكون أدرى وأقوى في المضرة، وهذا كله في غير محبة الله ورسوله أما محبة الله ورسوله فلا حرج فيها بل كلما زادت محبة الله ورسوله كلما فني العبد عن نفسه وشهواتها وعن الدنيا ولذاتها فاستنار باطنه وأشرق ظاهره وصار عبدا ربانيا في كل أحواله يسبح في آيات الله تارة ويغوص في لجج الملكوت تارة أخرى وهو حاضر مع الله شاهد لجلال الله غريق في جمال الله لا يغيب قلبه ولا يغفل لبه وعقله بل يرى في هذا كفره كما قال قائلهم:
ولو خطرت لي في سواك إرادة .. على خاطري يوما حكمت بردتي
ونظرا لكوننا لم نصل إلى هذا الميدان، بل لم نعرج في واديه، وقف القلم عن الخوض فيه، تنزها عن القول بالظن، وحبا في القول عن علم، ولكننا نسأل الله تعالى ونرجوه أن يصل بنا إلى ميدانه، وأن يلبسنا من لباسه، وأن يذيقنا من كأسه، نسأل الله أن يعلمنا من لدنه علما، فذلك فضل الله الذي يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم آمين والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأذكار والأدعية والاستغفار والتوبة
(1)
وفيه خمسة أبواب وخاتمة
الباب الأول: في فضائل الذكر والذاكرين
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
(3)
. وَقَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}
(4)
.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}
(5)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل أَناَ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي
(6)
. وَأَناَ مَعَهُ حِينَ يَذكُرُنِي
(7)
. فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي
(8)
كتاب الأذكار والأدعية والاستغفار والتوبة
(1)
هذا كتاب يذكر فيه ما ورد في الأصول من أنواع الذكر والدعاء المطلقين وغير المطلقين، وكذا يذكر فيه أسماء الله الحسنى واسم الله الأعظم وما ورد من التعوذات والاستغفار والتوبة وفضلها وما ورد في سعة رحمة الله تعالى كما ستراه إن شاء الله.
(2)
وكذا فضائل مجالس الذكر التي هي أشرف المجالس.
(3)
أي اذكروا الله في كل أوقاتكم وسبحوه في أول النهار وفي آخره وفي المساء وفي الصباح.
(4)
{فَاذْكُرُونِي} بالصلاة وغيرها. {أَذْكُرْكُمْ} في الملأ الأعلى وأمنحكم عظيم الجزاء {وَاشْكُرُوا لِي} بالطاعة وحمد النعمه {وَلَا تَكْفُرُونِ} بالعصيان وجحد النعم.
(5)
يوصف الشخص بكثرة الذكر إذا كان الغالب على أحواله ذكر الله تعالى وطاعته.
(6)
فمن ظن بالله الغفران وهو يستغفره فإنه يغفر له، ومن ظن بالله الإجابة وهو يدعوه فإنه يجيبه، ومن ظن بالله القبول وهو على طاعته فإنه يقبله لأنه فعل ما أمر به وظن بربه ما وعد به وما هو أهله.
(7)
ليست معية مكان بل معية رحمة وعناية وإحسان.
(8)
فمن ذكر الله خاليا من الناس أثنى الله عليه وأجزل له العطاء.
وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإِ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإِ خَيْرٍ مِنْهُ
(1)
وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتاَنِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَان وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكُرِ
(3)
. فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَناَدَوْا هَلمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ
(4)
. قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْياً
(5)
قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي
(6)
قاَلُوا يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَك وَيُمَجِّدُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي فَيَقُولونَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ. قَالَ: فَيقُولُ كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِباَدَة وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ فَمَا يَسْأَلونِي قَالَ يَقُولونَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ. قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ: يَقُولونَ لَا وَاللَّهِ ياَ رَبِّ مَا رأَوْهاَ. قَالَ يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنْهُمْ رَأَوْهَا. قَالَ يَقُولونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهاَ حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهاَ طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهاَ رَغْبَةً، قَالَ فَمَّمِ يَتَعَوَّذُونَ، قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ، قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا. قَالَ يَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا يَقُولُ «فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا» قَالَ يَقُولُونَ
(1)
وفي رواية: خير منهم وهم الملأ الأعلى في المباهاة الآتية.
(2)
ليس المراد بالشبر والذراع والباع والمشي والهرولة الأمور المحسوسة وإنما المراد بها إذا تقرب العبد إلى ربه بقليل الطاعة أقبل الله عليه كثيرا، وكلما زاد العبد في الطاعة زاد إقبال الله عليه بكل خير الدنيا والآخرة فإقبال الله على العبد أشد من إقبال العبد عليه، وعطاء الله للعبد أعظم من عمله، نسأل الله القيام بواجب العبودية آمين.
(3)
أي مجالس الذكر والمراد مجالس العبادة بأنواعها فإنها كلها في طاعة الله تعالى.
(4)
احضروا إلى هذا المجلس فإنه مرغوبكم ومطلوبكم.
(5)
فيلتفون حولهم بتلهف وكثرة حتى يصل جمع الملائكة إلى سماء الدنيا فرحًا بهؤلاء الذاكرين.
(6)
لفظ مسلم: فإذا تفرق الذاكرون عرج الملائكة وصعدوا إلى السماء فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك.
«لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهاَ فِرَارًا وَأَشَدَّ مِنْهاَ مَخاَفَةً» . قَالَ فَيَقولُ «فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ
(1)
». يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّماَ جَاء لِحَاجَةٍ. قَالَ: «هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْبَيتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ
(4)
وَهُو عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقاَبٍ
(5)
وَكتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطاَنِ يَوْمَهُ ذلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّه وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطاَياَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ
(6)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ: «مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يْحيي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ
(7)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكرُونَ اللَّهَ عز وجل إِلا حَفتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ
(1)
زاد مسلم قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول الله قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا.
(2)
أي يسعد من جالسهم بسببهم، ولفظ مسلم: رب فيهم فلان عبد خطّاء إنما مرّ فجلس معهم فيقول الله وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم أي يسعد بهم جليسهم ولو مرة إذا شاء الله ذلك.
(3)
ولفظ البخاري: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت، فالشخص المتلبس بذكر الله كالحي والغافل عن الذكر كالميت وبين الحي والميت فرق عظيم.
(4)
وزاد الترمذي: يحيى ويميت.
(5)
كان ثوابها كثواب عتق عشر رقاب.
(6)
المراد به التكثير، وعبارة الترمذي: وإن كانت أكثر من زبد البحر، وزبد البحر: رغوته التي تعلوه.
(7)
يقال فيه كما قيل في حديث: من دل على خير فله مثل أجر فاعله السابق في كتاب الأخلاق.
وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ
(1)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ» ، قاَلُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ
(2)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قالَ: خَرَجَ مُعَاوَيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ» ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ: «آللِّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ
(3)
»؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَلَ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي
(4)
» وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلَقْةٍ مِن أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ» ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا للإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ: «آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ» قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَخلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ
(5)
» رَوى الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
سبق هذا في كتاب الأخلاق وفي كتاب العلم.
(2)
لأنهم انفردوا عن إخوانهم الذين ماتوا قبلهم أو انفردوا عن الناس بكثرة الذكر.
(3)
أي والله ما أجلسكم إلا ذكر الله تعالى؟
(4)
فمع قرب منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أخا أم حبيبة أم المؤمنين، ولكونه ممن كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن كان تحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قليلا.
(5)
فظهر من هذه الأحاديث أن الاجتماع على طاعة الله مشروع بل من أفضل القربات إلى الله تعالى لأنه موجب ثناء الله عليهم ومفاخرته بهم عند الملائكة وما أعلاها شأنا وأعظمها قدرا حيث كانت بين الله والملأ الأعلى، فضلا عن غفران ذنوبهم وجعلهم من أهل الجنة دار الأمان والسلام، دار التكريم والنعيم، والمراد بمجالس الطاعة مجالس العبادة بأنواعها كالاجتماع في فرائض الصلوات بل هو أعظم للحديث القدسي الآتي في كتاب الزهد: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وكالاجتماع القراءة القرآن أو تفسيره أو لتلاوة الحديث أو درسه أو لتدريس الفقه أو التصوف أو الأخلاق لأنها لب الشرع، أو قصص الأنبياء أو أخبار السالفين التي وردت في القرآن لأثرها العظيم في ترقيق القلوب، ومن أظهر مجالس العبادة مجالس الذكر الصحيح المعلومة عند رجال الطريق، ومجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كقراءة الدلائل المشهورة للجزولي رحمه الله ورضي عنه فإنهما عمل بأوامر القرآن العزيز، نسأل الله العمل به آمين.
• عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيْدِيِّ رضي الله عنه وَكَانَ مِنْ كتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ» ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكَرُناَ بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْناَ مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْواجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعاَتِ نَسِيناَ كَثيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ إِنْ لوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْر لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكمْ وَفِي طُرُفِكمْ وَلكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
(1)
». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الرَّقَائِقِ وَلَفْظ الأَخِيرِ: «لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكمُ الْمَلَائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ وَلكِنْ يَا حَنْظَلَة سَاعَةً وَسَاعَةً وَسَاعَةً» .
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مجْلِسًا لَمْ يَذْكرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلا كَان عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ
(2)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلا
(1)
عافسنا: عالجنا، والضيعات جمع ضيعة وهي العقار، والحرفة: كالزراعة والتجارة والصناعة سميت بهذا لأنه يضيع بتركها، وصدر الحديث أن حنظلة الأسيدي لقي أبا بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول! قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عنده واشتغلنا بالأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقي مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله أي صار كالمنافقين لأنه يكون معك في مقام الخوف والمراقبة وذكر الآخرة وأحوالها فإذا عاد لأولاده وأمواله اشتغل بها ونسى ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هذا نفاقًا بل اشتغالا بالأهل والأولاد لا يضر لأنه لم يمنعه من فرائض الله تعالى ولكن والله لو تدومون على الحال التي تكونون عليها عندي وفي الذكر والتفكر في أحوال الآخرة والمراقبة الله تعالى لصافحتكم الملائكة في كل وقت وفي كل حال ولكن يا حنظلة اجعل ساعة لربك وساعة لجسمك وساعة لمعاشك وساعة لأهلك وأولادك فإنه لا غنى لك في دنياك عن هذه، وبالاحتساب فيها تؤجر أجرا كبيرا.
(2)
ترة بكسر ففتح أي حسرة وندامة، وهذا ظاهر أن حمل الذكر على الفريضة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر اسمه وإلا كان ترهيبًا فقط.
فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجّتُنِبَتِ الْكَبَائرُ
(1)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرياَضِ الْجَنَّةِ فاَرْتَعُوا» قَالُوا: وَمَا رِياَضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «حَلَقُ الذِّكْرِ
(2)
».
وَقَالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْياَنِهِ
(3)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ
(4)
وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
(5)
».
وَقَالَ رَجُلٌ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ
(6)
».
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكمْ وَأَزْكَاهَا عَنْدَ مَلِيِككمْ
(7)
، وأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكمْ، وَخَيْرٍ لكمْ مِنْ إِنْفاَقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
(8)
وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ» قَالُوا: بَلَى ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» .
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبُيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنَ الْغَازِي فِي سَبيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً
(9)
».
(1)
له أي لقوله، حتى تفضى أي تصل إلى العرش فتشهد وتشفع لقائلها وتجاب في مطلوبها إذا كان قائلها بعيدا عن الكبائر.
(2)
حلق بفتحتين جمع حلقة بالسكون ويجوز الفتح كقصبة وقصب، والمعنى إذا مررتم بمجالس الذكر فاجلسوا فيها فإنها سبب في دخول الجنة، وسبق في فضل المساجد حديث: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: المساجد.
(3)
في كل أوقاته التي تسمح بالذكر.
(4)
بل هي أفضل كلة قالها عبد من عباد الله.
(5)
إنما كانت دعاء لأنها شكر على النعم والشكر يستلزم المزيد فكأن الحامد يدعو بالزيادة.
(6)
أي أن الأعمال الصالحة كثيرة عليّ فدلني على شيء سهل أتمسك به دائما، قال: أكثر من ذكر الله فيه كل خير للدنيا والآخرة.
(7)
وهو الله تعالى.
(8)
هو الفضة.
(9)
وقال معاذ بن جبل: ليس شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله تعالى، ففي هذه الأحاديث أن الذكر أفضل من كل شيء حتى من الصدقة والجهاد،=
• عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلهًا وَاحِدًا أَحَدًا صَمَدًا لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ» .
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُعَلَّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ
(1)
» قَالَ: «قُلْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ، رَوَى هذِهِ الْعَشْرَةَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
أسماء الله الحسنى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
(3)
(4)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ حَفِظَهاَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ
(5)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
= وهذا للترغيب فيه، وإلا فالصدقة الواجبة كالزكاة أفضل لأنها ركن الإسلام، والجهاد أفضل لأنه بذل الروح في مرضاة الله تعالى.
(1)
تأكيد في المغفرة له لأنه مغفور له ومن العشرة المبشرين بالجنة.
(2)
الثلاثة الأخيرة بأسانيد غريبة، والأولان بسندين صحيحين، والخمسة الباقية بأسانيد حسنة نسأل الله حسن الحال والتوفيق لذكره آمين.
أسماء الله الحسنى
(3)
أي سموه واذكروه واعبدوه بها.
(4)
سيأتي بيانها إن شاء الله.
(5)
وفي رواية: إن لله تسعة وتسعين اسما: مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، أي من حفظها وذكر الله بها واستحضر =
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة
(1)
: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ
(2)
الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
(3)
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
(4)
= معناها واستشعر آثارها من الرجاء والخوف والخشية دخل الجنة إن شاء الله وهذا هو مراد الحديث لا حصر أسماء الله تعالى في هذه الأسماء للحديث الآخر: أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، ولأن كمالات الله من صفات وأسماء لا نهاية لها ولكنه تعالى ما كلفنا إلا بما في وسعنا وطاقتنا {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فله مزيد الحمد ووافر الشكر.
(1)
التسعة والتسعون المذكورون في الرواية الآتية غير لفظ هو في الموضعين فإنه في الأول للحال والشأن كأن السامع قال ما تلك الأسماء، قال: هو الله إلى آخره وفي الثاني بدل من الضمير في الخبر وقيل لفظ هو من الأسماء الحسنى وسيأتي الكلام عليه في الاسم الأعظم إن شاء الله تعالى.
(2)
الله علم على الذات العلية الواجب الوجود دائما، وقال بعضهم: إنه الاسم الأعظم وفيه مؤلفات خاصة لابن عطاء الله وغيره، والرحمن النعم بجلائل النعم، والرحيم المنعم بدقائق النعم لأن زيادة المبني تدل على زيادة المعنى، فهما من الرحمة بمعنى مريد الإحسان أو محسن بالفعل، والأمران واقعان، فهما صفة ذات على الأول وصفة فعل على الثاني.
(3)
الملك ذو الملك أو المتصرف في ملكه بالإيجاد والإعدام ونحوهما فهو صفة ذات على الأول وصفة فعل على الثاني أي صفة نشأ عنها الفعل والتأثير - القدوس - بالضم أشهر من الفتح أي المطهر والمنزه عن سمات النقص والحدوث بل هو مبرأ عن أن يدركه حس أو يتصوره خيال أو يحيط به عقل فهو من أسماء التنزيه، - السلام - أي ذو السلام من كل نقص وآفة في ذاته وصفاته وأفعاله، أو معطى السلامة والأمن لمن يشاء، أو ذو السلام على المؤمنين في الجنة لقوله تعالى {سلام قولا من رب رحيم} فهو صفة ذات على الأول وصفة فعل على الثاني - المؤمن - المصدق لرسله يخلق المعجزات لهم، أو المعطى الأمان أو المانح السكينة لمن يشاء، نسأله الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان آمين المهيمن - من هيمن الطائر نشر جناحيه على فراخه زيادة في صيانتهم وحفظهم، والله المهيمن أي الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ فهو العالم الشاهد لا يغيب عنه مثقال ذرة.
(4)
- العزيز - هو الغالب فمرجعه للقدرة المتعالية عن المعارضة، أو القوى الشديد أو عديم المثال فهو من أسماء التنزيه - الجبار - هو المصلح لأمور عباده المتكفل بمصالحهم، أو المتعالى عن أن يناله كيد كائد فهو من أسماء الأفعال على الأول ومن أسماء التنزيه على الثاني - المتكبر - هو من يرى غيره بالنسبة إليه رؤية مالك لعبيده وهو على إطلاقه لا يتصور إلا الله تعالى وهذا من أسماء الذات.
الْخَالِقُ الْباَرِئُ الْمُصَوِّرُ
(1)
الْغَفَّارُ الْقَهَّارُ الْوَهَّابُ الرَّزَّاق
(2)
الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ الْقاَبِضُ الْباَسِطُ
(3)
الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ
(4)
السَّمِيعُ
(5)
الْبَصِيرُ الْحكَمُ الْعَدْلُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
(1)
ألفاظ مترادفة على معنى واحد وهو الإيجاد من العدم والإبداع كما شاء، وقيل - الخالق - الموجد للمخلوقات من غير أصل - والبارئ - الموجد لها من أصلٍ، من البرء وهو خلوص الشيء من غيره تفصيًا منه كبرء المريض من مرضه والمدين من دينه - والمصور - المبدع لصور الأشياء لكل شيء صورة تميزه عن غيره، فالخالق الموجد للإيجاد الأول، والباري المحدث له فظهر، والمصور الذي سوّاه فكساه صورة تناسبه، قال تعالى {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى} فالثلاثة على الترتيب الواقعي والاثنان الأخيران كالتفصيل للأول.
(2)
- الغفار - كثير الغفر وستر القبائح على العباد بدون مؤاخذة فضلا منه تعالى - القهار - الذي كل مخلوق في قبضته ومسخر لقضائه ومقهور بقدرته - الوهاب - كثير النعم دائم العطاء والهبات. الرزاق: خالق الأرزاق وأسبابها كلها ومفيضها على عباده، وما قبله إلى الخالق من أسماء الأفعال.
(3)
- الفتاح - الحاكم بين العباد، أو الناصر لمن شاء، أو من يفتح خزائن رحمته لعباده، قال تعالى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} فهو اسم ذات على الأول واسم فعل على ما بعده - العليم - الذي علم ما كان وما يكون أولا وآخرا ظاهرا وباطنًا في الملك والملكوت لأنه خلق الأشياء كلها، قال تعالى {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فالعلم صفة كشف للذات العملية - القابض الباسط - مضيق الرزق على من شاء وموسعه على من شاء، أو قابض الأرواح من الأشباح لموتها وناشرها بالأشباح لحياتها، أو قابض للقلوب بإضلالها وباسط لها بهداها ورشدها، فهما من صفات الأفعال.
(4)
- الخافض الرافع - من يخفض القسط ويرفعه، أو من يخفض الكفار والفجار بالخزي والذل والصغار وعذاب النار، ويرفع الأبرار بالإجلال في دار السلام. - المعز المذل - المعز لمن شاء بتوفيقه للفعل المليح، والمذل لمن شاء بهديه للقبيح فهو المعز لمن شاء إعزازه والمذل لمن شاء إذلاله، فهما من صفات الأفعال.
(5)
- السميع - الذي يسمع كل شيء من الأصوات وغيرها بدون حاسة - البصير - الذي يبصر كل شيء ولو صوتًا بدون حاسة، قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} فهما صفتان ينكشف بهما كل شيء انكشافا تاما كصفة المعلم - الحكم - الحاكم الذي لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه فمرجعه للقول الفاصل بين الحق والباطل والبر والفاجر المجازي كل نفس بما عملت. - العدل - مصدر وصف به للمبالغة أي العادل المبالغ في العدل، فهو من صفات الأفعال - اللطيف - بأوليائه الخبير بهم أو اللطيف العالم بخفيات الأمور ودقائقها، والخبير: العليم ببواطن الأشياء فهما من صفات الكشف، أو اللطيف العالم بالخفيات المتعالى عن أن يحس فهو من صفات التنزيه.
الْحَلِيمُ
(1)
الْعَظِيمُ الْغَفُورُ الشَّكُورُ الْعَلِيُّ
(2)
الْكَبِيرُ الْحَفِيظُ الْمُقِيتُ الْحَسيبُ الْجَلُيلُ الْكَرِيمُ
(3)
الرَّقِيبُ الْمُجِيبُ الْوَاسِعُ الْحَكِيمُ الْوَدُودُ الْمَجِيدُ الْباَعِثُ الشَّهِيدُ الْحَقُّ الْوَكِيلُ الْقَوِيُّ الْمَتِينُ
(4)
(1)
- الحليم - الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله على استعجال عقوبة، فمرجعه التنزيه عن العجلة - العظيم - البالغ أقصى مراتب العظمة فلا يتصوره عقل ولا تحيط بكنهه بصيرة فمرجعه التنزية والتعالي عن إحاطة العقول بكنه ذاته جل شأنه وعلا - الغفور - كثير الغفران - الشكور - الذي يعطى الجزيل على العمل القليل فهما من صفات الأفعال.
(2)
- العلي - البالغ في علو الرتبة بلا نهاية فما من شيء إلا وهو منحط عنه تعالى فهو من الأسماء الإضافية - الكبير - في كل شيء لأنه أزلي وغني على الإطلاق أو الكبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول فهو من أسماء التنزيه - الحفيظ - الذي يحفظ الأشياء من الزوال والاختلال ما شاء ذلك ويحفظ على العباد أعمالهم حتى يجزيهم عليها بفضله - المقيت - خالق الأفوات بدنية وروحانية وموصلها للأشباح والأرواح فهو وما قبله من صفات الأفعال - الحسيب - الكافي لعبده من أحسبني أي كفاني وحسبي الله أي كافيني، أو الذي يحاسب الخلق يوم القيامة فهو صفة فعل على الأول والثاني إن جعلت المحاسبة مكافأة وإن جعلت معاتبة وتعدادا للأعمال كان مرجعه للقول - الجليل - المتصف بصفات الجلال فهو من صفات التنزيه كالقدوس. قال الرازي رضي الله عنه: الفرق بينه وبين الكبير والعظيم أن الكبير الكامل في الذات والجليل الكامل في الصفات والعظيم الكامل فيهما.
(3)
- الكريم - المتفضل المعطى من غير سؤال ولا عوض، واللطيف في المعتاب، والمقدس عن النقائض، وكريم الفعال والخلال، فهو في الكثير صفة فعل - الرقيب - الذي يراقب الأشياء ويلاحظها فلا يغيب عنه مثقال ذرة - المجيب - الذي يجيب الداعي إذا دعاه قال تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} - الواسع - المحيط بكل شيء علما، أو الجواد الذي عمت رحمته كل مؤمن وكافر وكل بر وفاجر، أو الغني الكامل. وقال بعض العارفين: الواسع من لا نهاية لبرهانه ولا غاية لسلطانه ولا حد لذاته وأسمائه وصفاته جل شأنه وعلا - الحكيم - ذو الحكمة وهي كمال العلم وإحسان الفعل وإتقانه أو هو صفة مبالغة في الحاكم فهو على هذا مرجعه للقول وعلى ما قبله مركب من صفة ذات وصفة فعل - الودود - مبالغة في الواد أي الذي يحب الخير لكل خلقه ويحسن إليهم في كل الأحوال ولا سيما أولياؤه فهو من صفات الذات والأفعال - المجيد - الماجد البالغ في المجد والشرف أو الرفيع العظيم القدر، أو الجزيل في العطاء فهو صفة تنزيه أو صفة فعل.
(4)
- الباعث - باعث الرسل للأمم وباعث الهمم للترقى في ساحات التوحيد، وباعث من في القبور، فهو من صفات الأفعال. - الشهيد - من الشهود والحضور أي العالم بكل مخلوق الحاضر معه في كل مكان وزمان قال تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} أو من يشهد على خلقه.
الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ الْمُحْصِي الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ
(1)
الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْوَاجِدُ الْماَجِدُ الْوَاحِدُ
(2)
الصَّمَدُ الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ الْمُقَدِّمُ الْمُؤَخِّرُ
(3)
الْأَوَّلُ الْاخرُ الظَّاهِرُ الْباَطِنُ الْوَالِي الْمُتَعَالِي
(4)
= يوم القيامة فمرجعه على هذا القول وعلى الأول للعالم - الحق - أي الثابت الذي لا يتحول، أو المظهر للحق أو الموجد للشيء كما تقتضيه الحكمة، فهو صفة ذات على الأول وصفة فعل على ما بعده - الوكيل - القائم بأمور عباده وتسخير ما يحتاجون إليه، أو الموكول إليه تدبير الخلائق فهو صفة فعل - القوى المتين القوى ذو القدرة التامة البالغة للكمال، والمتين البالغ في الشدة من المتانة وهي شدة الشيء واستحكامه فمرجعهما لكمال القدرة وشدتها.
(1)
- الولي - المحب الناصر المتولى أمر خلقه - الحميد - المحمود المستحق لكل ثناء لأنه الموصوف بكل كمال المولى لكل نوال فهما من صفات الذات والأفعال - المحصي - الذي أحصى بعلمه كل شيء، أو القادر الذي لا يشذ عنه شي فهو صفة ذات أو صفة فعل - المبدئ المعيد - الذي أظهر الأشياء من العدم والذي يعيدها بعد العدم قال تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} .
(2)
- المحيى المميت - الذي خلق الحياة في كل حي وخلق الموت في كل من أماته قال تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} فهذان واللذان قبلهما من أسماء الأفعال - الحي - ذو الحياة الدائمة، وهذه صفة قائمة بذاته تصحح له الاتصاف بكل صفة - القيوم - القائم بنفسه والمقيم لغيره ذاتا وتدبيرا - الواجد - الذي يجد كل ما أراده فلا يعوزه شيء، أو الغني المطلق - الماجد - من المجد والشرف كالمجيد ولكنه أبلغ منه - الواحد - الذي لا ينقسم بحال فهو واحد بذاته وصفاته وأفعاله، وفي نسخة زيادة الأحد وهو قريب من الواحد جل وعلا.
(3)
- الصمد - السيد الذي يصمد ويفزع إليه في الشدائد أو الذي لا يَطعَم، أو المنزه عن الآفات، أو الباقي الذي لا يزول فهو من أسماء الذات أو التنزيه - القادر المقتدر - ذو القدرة البالغة إلا أن المقتدر أبلغ لزيادة المبني - المقدم المؤخر - الذي يقدم بعض الأشياء على بعض في الوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها، أو في الشرف والقربة كتقديم الأنبياء والصالحين على من عداهم، أو في المكان كتقديم أجساد علوية على سفلية، أو في الزمان كتقديم أطوار وقرون بعضها على بعض كما قضت حكمته العلية، فهما من أسماء الأفعال.
(4)
- الأول - القديم السابق على كل شيء - الآخر - الباقى وحده بعد فناء كل شيء، فهو أول بلا بداية وآخر بلا نهاية - الظاهر - الجلى وجوده بآياته الباهرة - الباطن - الخفي بكنه ذاته عن نظر الخلائق إليه، - الظاهر - فليس فوقه شيء والباطن فليس دونه شيء فهذه الأربعة من أسماء الذات - الوالى - الذي تولى كل شيء وملكه فمرجعه للقدرة - المتعالى - المرتفع عن النقائص البالغ في العلاء قال تعالى:{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} فمرجعه للتنزيه.
الْبَرُّ التَّوَّابُ الْمُنْتَقِمُ الْعفُوُّ الرَّؤوفُ
(1)
مَالِكُ الْمُلِك ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
(2)
الْمُقْسِطُ الْجِامِعُ الْغَنِيُّ الْمُغْنِي الْماَنِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ
(3)
النُّورُ الْهاَدِي الْبَدِيعُ الْباَقِي الْوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُورُ
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(5)
.
(1)
- البر - المحسن العظيم - التواب - الذي وفق المذنبين للتوبة وقبلها منهم - المنتقم - المعاقب للظلمة والعصاة الشاردين - العفو - الذي يمحو السيئات عمن تاب إليه فهو أبلغ من الغفور لأن الغفر الستر الرءوف - شديد الرأفة والرحمة فهو أبلغ من الرحمن الرحيم، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} .
(2)
- مالك الملك - الذي يجري الأمور فيه كما يشاء لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه - ذو الجلال والإكرام - الذي لا شرف ولا كمال إلا له وحده ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه تعالى.
(3)
- المقسط - العادل الذي ينصف المظلومين ويكسر شوكة الظالمين - الجامع - المؤلف بين شتات حقائق مختلفة وجامع الناس ليوم القصاص {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} فهذه التسعة من صفات الأفعال - الغني - المستغني بذاته وأسمائه وصفاته عن كل ما عداه المفتقر إليه كل ما سواه فهو من صفات التنزيه - المغني - الذي يغني بفضله من شاء من عباده. - المانع - الذي يدفع أسباب الهلاك والنقصان عن أبدان وأموال وأديان - الضار النافع - وصفان بتمام القدرة فلا ضر ولا نفع ولا شر ولا خير إلا وهو بإرادته، قال تعالى {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ، ولكن الأدب أن ينسب الشر للعبد والخير لله، قال تعالى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} .
(4)
- النور - الظاهر بنفسه المظهر لغيره - الهادى - الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى وأحب من شاء فهداه للخير - البديع - المبدع الذي يأتي بما لم يسبق إليه، أو الذي لا نظير له بوجه من الوجوه فهذه الأسماء السبعة من صفات الأفعال إلا البديع بالمعنى الثاني من صفات التنزيه - الباقي - الدائم الوجود فلا يناله فناء - الوارث - الباقي بعد فناء الموجودات فتبقي بيده الأملاك بعد فناء الملاك كما كانت قبل خلقهم - الرشيد - المرشد لعباده أو الذي تجرى تدابيره لغايتها على سنن السداد بلا استشارة ولا إرشاد - الصبور - الذي لا يعاجل بالقصاص من عصاه، أو الذي لا يسرع بشيء قبل أوانه، وهذا أعم من سابقه، ولهذه الأسماء الرفيعة معان وأسرار لا يعلمها إلا الله تعالى ومن ارتضاهم من عباده. ولها مؤلفات خاصة بها، نسأل الله من فضله الرضا آمين.
(5)
بسند غريب للترمذي، ولغيره بسند صحيح، نسأل الله صحة القول والفعل آمين.
الاسم الأعظم
(1)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ
(2)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
• عَنْ أَسْماَءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْايَتَيْنِ» {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وَفَاتِحَةُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
(4)
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجْلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلهَ إِلا أَنتَ الْمَنَّان بَدِيعَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ ياَ ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ ياَ حَيُّ ياَ قَيُّومُ
(6)
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَىَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(7)
.
الاسم الأعظم
(1)
ظاهره أن أسماء الله متفاوتة وأن بعضها أعظم من بعض بمعنى أن ثواب الدعاء بها أكثر وأن الدعاء بها أقرب للإجابة وإن كانت الأسماء الحسنى كلها عظيمة لدلالتها على الذات العلية.
(تنبيه): مرويات أبي داود في هذا الكتاب في موضعين: الأول في قيام الليل من كتاب الصلاة، والثاني بعد آداب النوم في كتاب الأدب.
(2)
إذا توفرت الشروط من طهارة الظاهر والباطن وأكل الحلال وحسن النية والتوكل على الله تعالى.
(3)
بسند حسن.
(4)
سبق الكلام على هذا مبسوطًا في تفسير سورة البقرة.
(5)
بسند صحيح.
(6)
المنان: كثير المنة والعطاء، وبديع السموات والأرض: موجدهما على غير مثال سابق.
(7)
بسند غريب ولكنه في فضائل الأعمال.
(فائدة): لفظ هو مذكور في حديث أسماء مرتين وسبق في حديث الأسماء أيضا مرتين ولهذا عده =
الباب الثاني: في فضل التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
(1)
.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ}
(2)
وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا. وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}
(3)
وَجَعَلَ الظُّلُمَتِ وَالنُّورَ
(4)
{ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}
(5)
، صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كلِمَتاَنِ خَفِيفَتاَنِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتاَنِ فِي المِيزَانِ
(6)
حَبِيبَتاَنِ إِلَى الرَّحْمن: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيم
(7)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِياَضِ الْجَنَّةِ فاَرْتَعُوا» ،
= بعضهم من الأسماء الحسنى بل قال بعضهم إنه الاسم الأعظم ولا يقال إذا عد من الأسماء زادت على التسعة والتسعين لأنا نقول إنه لا ضرر في هذا فلم يقصد من الحديث الحصر كما سبق لأنه ورد في غير الرواية السابقة أسماء كالمنان وبديع السموات والأرض في الحديث الأخير هنا، بل وفي رواية للحاكم وأبي نعيم زيادة الحنان والمنان والفرد والكافي والنصير والجميل والصادق والمحيط والوتر والفاطر والسلام والمليك والمدبر وذو الطول وذو المعارج والخلاق وذو الفضل العظيم، وفي رواية لابن ماجه: زيادة أسماء وهي الأبد والسامع والمبين والبرهان، فهذه كلها تفيد أن أسماء الله كثيرة ولكن أصح ما ورد فيها رواية الكتاب وهي التي اشتهرت في الأمة، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.
الباب الثاني في فضل التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل
(1)
" سبح لله" نزهه أي ذكره وعبده بعبارات التنزيه كل "ما في السموات والأرض" بل وهما وهو العزيز الحكيم" في صنعه وفعله.
(2)
فما من شيء موجود إلا وهو يسبح الله تعالى وبحمده بقوله: سبحان الله وبحمده فأعظم وأظهر شعار في عبادة الخلائق لله تعالى: التسبيح والتحميد.
(3)
عظم الحمد لربنا تعالى حتى حمد نفسه بنفسه ولنا به تعالى قدوة حسنة فله الحمد بقدر فضله وإحسانه وله الشكر بقدر علمه وكماله.
(4)
خلق كل ظلمة وكل نور.
(5)
أي مع قيام هذا البرهان يسوون غيره به في العبادة بعبادتهم الأوثان.
(6)
ميزان الحسنات في الآخرة.
(7)
فالكلمتان إحداهما: سبحان الله وبحمده وثانيهما: سبحان الله العظيم.
قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِياَضُ الْجنَّةِ؟ قَالَ: «الْمَسَاجِدُ» ، قُلْتُ: وَمَا الرَّتْعُ؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ
(1)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُناَ أَلْفَ حَسَنَةٍ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ وَيُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ
(2)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ
(3)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبْ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ» ؟ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ عز وجل مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ
(5)
».
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّة
(6)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
(1)
سبق هذا في فضائل المساجد من كتاب الصلاة.
(2)
فلكل تسبيحة عشر حسنات فمائة في عشر بألف حسنة، وحط الخطيئات من فضل الله تعالى.
(3)
أي أحب إليّ من الدنيا وما فيها لأنها فانية وثواب تلك الكلمات باق وهي الباقيات الصالحات في قوله تعالى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} .
(4)
أنزه الله وأنا متلبس بحمده وشكره.
(5)
فالله تعالى ما اختار لملائكته التسبيح بهذه الكلمة إلا لأنها عظيمة لأنهم عباده المقربون، وجنده الكاملون.
(6)
أي شجرة عظيمة جدًّا على شكل النخلة فإن ما في الدنيا من مطعوم ومشروب وملبوس ومنكوح ومركوب أسماء فقط لا تداني مسمياتها ما في الجنة فإنه اللذيذ الكامل والشهى الحقيقي، قال تعالى:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} .
أَقرِئْ أُمَّتكَ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرَبِة
(1)
عَذْبَةُ الْماَءِ وَأَنَّهاَ قِيعَانٌ
(2)
وَأَنَّ غِرَاسَهَا: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكَبَرُ
(3)
».
• عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ: «قُولوا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ مَنْ قَالهاَ مَرَّةً كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ قَالَهاَ عَشْرًا كُتِبَتْ لَهُ مِائَةً وَمَنْ قَالَهاَ مِائَةَ كُتِبَتْ لَهُ أَلْفاً وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ وَمَنِ اسْتَغْفَرَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ
(4)
» رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
عد التسبيح وأصل السبحة
(6)
• عَنْ يُسَيْرَةَ
(7)
رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُنَّ
(8)
أَنْ يُرَاعِينَ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ
(9)
وَأَنْ يَعْقِدْنَ بِالْأَناَمِلِ
(10)
فإِنَّهُنَّ مَسْؤولَاتٌ مُسْتنْطَقَاتٌ
(11)
.
(1)
كما ورد: ترابها الزعفران وحصباؤها المرجان.
(2)
جمع قاع وهو المستوى من الأرض السهل.
(3)
فأثمان أشجارها تلك الكلمات وغيرها من أنواع الأذكار والصالحات وإن كانت الجنة فيها أنواع الأشجار والثمرات من قبل.
(4)
فمن تاب إلى الله قبله الله تعالى.
(5)
الأول بسند صحيح والأخيران بسندن حسنين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من صباح يصبح العباد فيه إلا ومناد ينادي سبحان الملك القدوس" رواه الترمذي، نسأل الله صحة الرواية آمين.
عد التسبيح وأصل السبحة
(6)
فعد كلمات التسبيح ونحوه مطلوب لمعرفة ما يقوله والسبحة أسهل في العد من غيرها.
(7)
يسيرة بالتصغير بنت ياسر صحابية من الأنصار أو المهاجرات.
(8)
أي النسوة.
(9)
التقديس: قول سبحان الملك القدوس أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح، والتهليل: من قولهم هليل الرجل وعلل إذا قال: لا إله إلا الله، وهذا على عادة العرب إذا تكررت الكلمة على ألسنهم اختصروها كقولهم حوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحيعل إذا قال: حي على الصلاة، وبسمل إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
(10)
يعددن عليها كلمات التسبيح ونحوه.
(11)
فإنهن أي الأنامل سيسألن يوم القيامة في أي شيء استعملن وسينطقن بكل شيء فاستعمالهن في عد ألفاظ العبادة أشرف وأفضل.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ بِيَمِينِهِ
(1)
رَوَاهُمَا أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
• عَنْ جُوَيْرِيَةَ
(3)
رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا
(4)
ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فاَرقْتكِ عَلَيْها» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِماَ قُلْتِ مُنْذ الْيَوْمِ، لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضاَ نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمدَادَ كَلِمَاتِهِ
(5)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ
(6)
وَبَيْنَ يَدَيْهاَ نَوًى أَوْ حَصًى تسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: «أُخْبِرْكِ بِماَ هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هذَا أَوَ أَفْضَلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ بَيْنَ ذلِكَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ
(7)
وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذلِكَ
(8)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذلِكَ وَلَا إِله إِلا اللَّهُ مِثْلُ ذلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ مِثْلُ ذلِكَ
(9)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ.
(1)
أي بعد كلمات التسبيح ونحوها على أصابع يده اليمنى أو على أنامل الأصابع.
(2)
الأول بسند صالح والثاني بسند حسن.
(3)
جويرية هذه كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية تصغير جارية بنت الحارث زوجة النبي.
(4)
مصلاها الذي صلت فيه الصبح.
(5)
عدد خلقه أي مخلوقاته، ورضا نفسه أي أسبحه كثيرا حتى يرضي ربنا تعالى، وزنة عرشه أي كثيرا بحيث لو جسم لوزن العرش، ومداد كلماته أي كثيرًا حتى يوازي مداد كلمات الله تعالى {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} وهذه هي الكلمات الأربع، ولا شك أن الواحدة منهن أكثر عددا من سبحان الله فقط، فتكون الحسنات عليها بقدر عددها.
(6)
امرأة من محارمه أو زوجاته الطاهرات رضي الله عنهن، وأمامها نوي تمر أو حصي تسبح به أي تعد عليه التسبيح.
(7)
أي ما سيخلقه في المستقبل إلى نهاية الدنيا.
(8)
والله أكبر بمثل هذا وهو عدد مخلوقات السماء والأرض وما بينهما وما سيخلقه الله تعالى، وكذا يقال في الباقي بعده.
(9)
فهذه الأحاديث تفيد أن العبادة بألفاظ ذات أعداد كثيرة أفضل، وأن عد التسبيح ونحوه مستحب=
لا حول ولا قوة إلا بالله من كنوز الجنة
(1)
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي عَقَبَةٍ أَوْ قَال فِي ثَنِيَّةٍ
(2)
فَلَمَّا علَا عَلَيْهاَ رَجُلٌ نَادَى فَرَفَعَ صَوْتَهُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبِرُ قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا
(3)
» ثُمَّ قَالَ: «ياَ أَبَا مُوسى أَوْ ياَ عَبْدَ اللَّهِ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ
(4)
»؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ
(5)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ
(6)
• عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَخْدِمُهُ قَالَ: فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ صَلَّيْتُ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ
(7)
وَقَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى باَبٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ
(8)
».
= لمعرفة العدد المطلوب كما سبق في الذكر عقب الصلاة من كتاب الصلاة وكما يأتي في الذكر والتسبيح عقب الصلاة، ومن هذا اتخذوا السبحة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر العد على النوى فالسبحة أولى فهي جائزة بل مستحبة لأنها أسهل وأضبط للعد من غيرها والله أعلم.
لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة
(1)
فثواب الدعاء بها عظيم كبير نفيس في الجنة، كالشيء النفيس الذي يكز تحت الأرض حرصًا عليه لعزته.
(2)
العقبة والثنية: الطريق في الجبل.
(3)
فكانوا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وكلما مروا على عقبة رفع رجل منهم صوته بقوله: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم الذي تعبدونه ليس بأصم ولا غائبا بل هو حاضر معك وسامع لأقوالكم فاخفضوا صوتكم بعبادته.
(4)
كلمة عظيمة جدا كأنها من كنز الجنة.
(5)
لا حول أي لا تحول عن المعصية ولا قوة على الطاعة إلا بعون الله تعالى، فضمونها التسليم والاعتراف لله بأنه وحده الفاعل المختار.
(6)
بسند حسن.
(7)
القائل ذلك هو قيس بن سعد الذي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ولعله كان مضطجعًا حين ضربه النبي صلى الله عليه وسلم.
(8)
فهي كالباب الموصل للجنة لمن يكثر منها وهي كالكنز أيضا.
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ رضي الله عنه: مَا نَهَضَ مَلَكٌ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ فَإِنَّهاَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» .
وَقَالَ مَكْحُولٌ رضي الله عنه: «فَمَنْ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ وَلَا مَنْجَا مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ
(2)
كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعِينَ باَباً مِنَ الضُّرِّ أَدْناَهُنَّ الْفَقْرُ
(3)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(4)
.
الذكر والتسبيح عقب الصلاة
(5)
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثاَنِي رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكلَّمَ
(6)
لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ
(7)
وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ يَوْمَهُ ذلِكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطَانِ
(8)
وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلا الشِّرْكُ بِاللَّهِ تَعَالَى
(9)
».
• عَنْ عُمَارَةَ بْنِ شُبَيْبٍ السَّبَإِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ
(1)
فلم يصعد ملك من الأرض إلى السماء إلا بذكرها تبركاوعونا بها، وهذا وقول مكحول الآتي لا يكونان بالرأي فهما في حكم المرفوع والله أعلم.
(2)
لا منجا أي لا ملجأ يحفظ من عذاب الله إلا الله.
(3)
والمدار في هذا ومثله على حسن النية والتوكل على الله تعالى فهو الفاعل المختار وهذه أسباب ظاهرية فقط، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
(4)
والأول بسند صحيح والله أعلم.
الذكر والتسبيح عقب الصلاة
(5)
هذا قليل من كثير سبق في الفصل الثالث في الذكر والدعاء عقب الصلاة من كتاب الصلاة.
(6)
أي بكلام دنيوي فلا ينافي ما سبق في الصلاة في ذلك الفصل من تعقيب السلام بقوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام، فإنه أنسب بالسلام.
(7)
عظيمة الكيف والقدر وكذا السيئات للحديث التالي: عشر حسنات موجبات أي للجنة.
(8)
بإرادة الله تعالى.
(9)
فكل ذنب يقع مغفورا له إذا شاء الله تعالى إلا إذا كفر نعوذ بالله من هذا.
لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ عَلَى أَثَرِ الْمَغْرِبِ
(1)
بَعَثَ اللَّهُ مَسْلَحَةً يَحْفَظونَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ
(2)
وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهاَ عَشْرَ حَسَنَاتٍ مُوجِبَاتٍ
(3)
وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ مُوبِقاَتٍ
(4)
وَكَانَتْ لَهُ بِعَدْلِ عَشْرِ رِقاَبٍ مُؤْمِنَاتٍ
(5)
»، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتاَنِ لَا يُحاَفِظُ عَلَيْهِماَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِماَ قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا
(7)
فَذلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ
(8)
وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ
(9)
وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجعهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ» فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ
(10)
، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِماَ قَلِيلٌ؟ قَالَ: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ
(11)
وَيَأْتيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهاَ
(12)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(13)
.
(1)
عقب صلاته وإن قدم عليه كلمات السلام السابقة والاستغفار، والمراد قبل كلام دنيوي.
(2)
المسلحة كمرحمة أصلها القوم المسلحون لحفظ الثغور، والمراد هنا جمع من الملائكة يحفظونه إلى الصباح.
(3)
أي للجنة.
(4)
أي مهلكات.
(5)
وكان ثوابها كثواب عتق عشر رقاب مؤمنات.
(6)
الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن ومن هذا اتخذها الصوفية رضي الله عنهم في ختم الصلاة الكبير صباحا ومساء.
(7)
وهذا لا ينافي تكرير كل منها ثلاثا وثلاثين السابق في حديث: ذهب أهل الدثور بالأجور في الذكر عقب الصلاة.
(8)
مجموع قوله عقب الفرائض الخمس.
(9)
بالتضعيف الذي هو جعل الحسنة عشرا والقول عقب الصلاة هو الخصلة الأولى وما يقوله عند النوم هو الخصلة الثانية.
(10)
بعدها على يده.
(11)
أي الذكر المذكور في الخلة الأولى.
(12)
وفي نسخة: حاجة، وقوله يقولها أي الكلمات المذكورة في الخلة الثانية.
(13)
بسند صحيح.
التسبيح والذكر في الصباح والمساء
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}
(2)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا البُخَارِيَّ.
• عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِكَلِماَتٍ أَقُولهُنَّ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ قَالَ: «قلِ الَّلهُمَّ فاَطِرِ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهاَدَةِ رَبَّ كلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ
(3)
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطاَنِ وَشِرْكِهِ
(4)
» قَالَ: «قلْهاَ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ» .
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: «الَّلهُمَّ بِكَ أَصْبَحْناَ وَبِكَ أَمْسَيْناَ وَبِكَ نَحْياَ وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ
(5)
وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: «الَّلهُمَّ بِكَ أَمْسَيْناَ وَبِكَ نَحْياَ وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ» .
• عَنْ ثَوْباَنَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: رضيناَ بِاللَّهِ رَبّاً
(6)
وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، إِلا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرضيهُ
(7)
».
التسبيح والذكر في الصباح والمساء
(1)
فهذه الكلمات الآتية يستحب قولها صباحا ومساء في أي وقت ولكن الأفضل أن تكون عقب الصبح وعقب المغرب فإن العبادة والدعاء عقب الفرائض أقرب إلى القبول وأرجى في الإجابة.
(2)
فالتنزيه والتقديس واجبان لله على عباده في الصباح والمساء والظهر والعشاء فإن هذه أحوال وأغيار كونية تحمل نعما جديدة على عباده، وأفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم: الفرائض الخمس في أوقاتها.
(3)
يا رب كل شيء ويا مالكه.
(4)
زاد الترمذي وأن أقترف على نفس سوءا أو أجرّه إلى مسلم.
(5)
القيام من القبور للسؤال والجزاء.
(6)
هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: رضيت والأول أفضل إذا أراد عموم المسلمين.
(7)
فضلا منه وكرما، فلا رضى بالله وبحكمه رضي الله عنه وأعطاه حتى رضى، رضينا بالله وبحكمه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: الَّلهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ بِأَنَّكَ
(1)
أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ إِلا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ فِي يَوْمِهِ ذلِكَ مِنْ ذَنْبٍ
(2)
وَإِنْ قاَلَهاَ حِينَ يُمْسِي غُفِرَ لَهُ مَا أَصَابَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ
(3)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ لَناَ فَأَدْرَكْنَاهُ
(4)
فَقَالَ: «قُلْ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا» ، ثُمَّ قَالَ:«قلْ فَلَمْ أَقلْ شَيْئًا» ، ثُمَّ قَالَ:«قُلْ» ، فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
(5)
».
• عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْماَنَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ
(6)
» قَالَ: فَأَصَابَ أَبَان الْفاَلِجُ
(7)
فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ عَنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْماَنَ
(1)
وفي نسخة بأنك أنت الله.
(2)
أيا كان الذنب، وهذا ترغيب في تلك الشهادة وإلا فهذا ونحوه لا يصل إلى الكبائر ولا حقوق العباد.
(3)
وفي رواية أخرى لأبي داود من قال تلك الشهادة مرة أعتق الله ربعه من النار، ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه، ومن قالها ثلاثًا أعتق الله ثلاثة أرباعه، ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار أي إن اجتنب الكبائر وظُلم العباد كما سبق.
(4)
كانوا في سفر.
(5)
فإنها تكفيك من كل شيء وسبق في فضائل القرآن ما ورد في فضل هذه السور.
(6)
لفظ الترمذي: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء.
(7)
الفالج بفتح لامه: استرخاء لأحد شقي البدن بسبب انصباب خلط بلغمي يفسد نظام البدن، نسأل الله السلامة آمين.
وَلا كَذَبَ عُثْماَنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلكِنِ الْيَوْمُ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهاَ
(1)
رَوَى هذِهِ السنَّه أَصْحَابُ السُّنَنِ
(2)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمْسى قاَلَ: «أَمْسَيْناَ وَأَمْسى الْمُلكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَسُوءِ الْكِبَرِ
(3)
رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ» وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذلِكَ أَيْضًا «أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلكُ لِلَّهِ» ، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا البُخَارِيَّ.
وَلِمُسْلِمٍ: كَانَ يَقُولُ «لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ
(4)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَّامِ الْبَيَاضِي
(5)
رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ
(6)
فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ».
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: «الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْياَ وَالْاخِرَةِ الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعاَفِيَةِ فِي دِينِي وَدُنْياَيَ وَأَهْلِي وَمَالِي لَّلهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي
(7)
الَّلهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فِوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي
(8)
».
(1)
هذه وأمثالها من الطب الروحاني الذي لا يعلم سره إلا الله تعالى ومن ارتضاهم من عباده.
(2)
بأسانيد صحيحة إلا الثالث فبسند حسن ولا الرابع فبسند غريب للترمذي وبسند صالح لأبي داود.
(3)
هو أرذل العمر الذي يرجع الشخص إلى حال الطفولية فيحتاج إلى من يتولاه في كل شيء.
(4)
عبده محمد صلى الله عليه وسلم، وجنده أصحابه وأولياؤه، والأحزاب: الكفار الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
(5)
نسبة لبني بياضة بطن من الأنصار.
(6)
وسمعت من بعض أهل العلم زيادة: أو بأحد من خلقك.
(7)
جمع روعة وهي الفزعة.
(8)
وهو الخسف، والمراد الحفظ الكامل الشامل لكل جهة.
• عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَسَرَّ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
(1)
فَقُلِ الَّلهُمْ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذلِكَ ثُمَّ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهاَ
(2)
وإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كَذَلِكَ فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي يَوْمِكَ كتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهاَ
(3)
».
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءُ رضي الله عنه: «مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفاَهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ صَادِقًا كَانَ بِهاَ أَوْ كَاذِبًا
(4)
».
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ بَعْضَ بَناَتِهِ فَيَقُولُ: «قُولِي حِينَ تصْبِحِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ لَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ مَا شاَءَ اللَّهُ كَان وَمَا لَمْ يَشَأ لَمْ يَكنْ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، فَإِنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسيَ حفِظَ حتَّى يُصْبِحَ
(5)
».
• عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ إِلَى وَكَذَلِكَ تخْرَجُونَ
(6)
أَدْرَكَ مَا فاَتَهُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ وَمَنْ قاَلَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فاَتهُ فِي لَيْلتِهِ
(7)
».
(1)
وفي رواية: قبل أن تكلم أحدا.
(2)
الجوار بالكسر من الإجارة والحفظ من النار، بخلاف أؤجرني في مصيبتي فهو من الأجر، وبخلافه من الجوار بالفم الذي هو في المجاورة، وفي نسخة بدل الجوار هنا جواز وهو البراءة التي يحملها الشخص في طريقه فلا يمنعه من المرور أحد.
(3)
إن عملت على ذلك.
(4)
صادقا أي متيقنًا بها ومخلصًا في قولها، أو كاذبًا في قولها بلسانه مع غيبة قلبه كفاه الله ما أهمه وفاء بوعده، ومثل هذا لا يقال بالرأى بل بتوقيف من الشارع.
(5)
والمدار على قوة اليقين وحسن التوكل على الله تعالى.
(6)
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)} فالكل ثلاث آيات من سورة الروم.
(7)
لأنه سبح الله وحمده بآيات قرآنية تستغرق الأزمنة كلها والأمكنة جميعها، والمدار على الإخلاص والفضل بيد الله تعالى، ومن هذا اتضح أن ختم الصلاة الكبير الذي رتبه السادة الصوفية واعتادوا التعبد به مأخوذ من القرآن الكريم كالفاتحة وآية الكرسي =
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بُنِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: ياَ أَبَتِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَدْعُو كُلَّ غَدَاةٍ «الَّلهُمَّ عَافِنِي في بَدَنِي الَّلهُمَّ عَافِني فِي سَمْعِي الَّلهُمَّ عَافِنِي فِي بَصَرِي لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ» تُعِيدُهَا ثَلَاثًا حِينَ تُصْبِحُ وَثَلَاثًا حِينَ تُمْسِي فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِنَّ فَأَناَ أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنَّ بِسْنَّتِهِ
(1)
رَوَى هذِهِ السَّبْعَةَ أَبُو دَاوُدَ
(2)
.
الباب الثالث: في الدعاء
(3)
فضل الدعاء
(4)
• عَنِ النُّعْماَنِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثمَّ قَرَأَ» : {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
(5)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكَرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْحاكِمُ
(8)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ»
(9)
.
= وخواتيم البقرة والتوبة وآية {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} وسورة الإخلاص والمعوذتين ومن السنة الصحيحة التي تقدمت هنا وفي الذكر عقب الصلاة الذي تقدم في كتاب الصلاة، والتوفيق بيد الله تعالى يمنحه لمن يشاء من عباده.
(1)
أي اعمل بسنته.
(2)
بأسانيد صالحة، نسأل الله صلاح الحال في الحال والمآل آمين والحمد لله رب العالمين.
الباب الثالث في الدعاء
(3)
في بيانه وفضله ومزاياه وآدابه، أما معناه: فهو العبادة وهو الكثير في القرآن كما في الحديث الأول، ويطلق الدعاء على الطلب كما في بقية الأحاديث الآتية وهو المراد هنا.
(4)
الدعاء هو: الالتجاء إلى الله تعالى في دفع المكروه وطلب المحبوب وهو أفضل أنواع العبادة لأنه مخها وخالصها ويلطف القضاء ويرد البلاء، والإكثار منه موجب للإجابة ومحبة الله تعالى.
(5)
فالدعاء في الآية مفسر بالعبادة وسبق هذا في سورة غافر.
(6)
بسند صحيح.
(7)
لإشعاره بالعجز والافتقار إليه تعالى والاعتراف له تعالى بأنه وحده الفاعل المختار جل شأنه وعلا.
(8)
بسند صحيح.
(9)
المخ يطلق على الرأس، =
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّه يَغْضَبْ عَلَيْهِ
(1)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ
(2)
».
• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلا آتاَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهاَ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ»
(3)
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ:«اللَّهُ أَكْثَرُ»
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ باَبُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يُعْطَى أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعافِيَةَ
(5)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ للَّهِ بِالدُّعَاءِ
(6)
».
= وعلى الودك والدسم الذي في رأس الذبيحة وعظامها وهو أصفاها وأعظمها في التغذية، وعلى الخالص من كل شيء، وإنما كان الدعاء مخ العبادة لأن كل عابد لله ربما غاب قلبه إلا الداعي فإنه حاضر مع الله بقوله وظاهره وباطنه فهو في هذه الحال عبد الله بكل جوارحه وهذه أسعد أحوال الإنسان وأشرفها.
(1)
لأنه نسيه تعالى وانصرف لغيره، قال القائل:
لا تسألن بُنَيَّ آدم حاجة
…
وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
…
وبُنَيَّ آدم حين يسأل يغضب
(2)
وهذا كحديث الإمام أحمد: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
(3)
فالله تعالى بفضله يجيب الداعي بعين مطلوبه إن كان في مصلحته وإلا صرف عنه مثله بدفع مضرات أو تكفير سيئات وإلا ادخره له في الآخرة ما لم يدع بإثم كأن يدعو على شخص ظلمًا وعدوانًا، أو بقطيعة رحم كأن يدعو على أصل أو فرع أو قريب فلا إجابة في واحدة منهما لأنه خاطئ في دعائه.
(4)
وأعظم من كل شيء وأكثر إجابة من دعائكم.
(5)
من الإثم بمحوه والعفو عنه، والعافية للجسم، وكانت أحب إلى الله لأنها لخير الدنيا والآخرة.
(6)
فبكثرة الدعاء والتفويض إلى الله تعالى بالاسترجاع والحوقلة ونحوهما يخف ما نزل من البلاء ويرضى به فيرضى الله عنه، ونفعه مما لم ينزل تخفيفه وتلطيفه كما في معنى حديث: ينزل البلاء فتلقاه الصدقة فيتعالجان (أي يريد البلاء أن ينزل فتمنعه الصدقة) حتى ينزل البلاء قطعًا صغيرة.
• عَنْ سَلْماَنَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلا الْبِرُّ
(1)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ
(2)
وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ
(3)
»، رَوَى هذِهِ الثَّماَنِيَةَ التِّرْمِذِيُّ
(4)
.
آداب الدعاء
(5)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هذَا الْمُصَلَّى يَسْتسْقِي فَدَعَا وَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقبْلَةَ
(6)
.
وَقَالَ أَبُو مُوسى رضي الله عنه: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ
(7)
، رَوَاهُماَ البُخَارِيُّ.
• عَنْ سَلْماَنَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُماَ صِفْرًا
(8)
».
(1)
فالبر والإحسان إلى قريب ونحوه يزيد في العمر حقيقة أو يحمل فيه البركة كما سبق في أنواع البر من كتاب الأخلاق، والدعاء برد القضاء كما سبق قبله.
(2)
لأنه واسع الرحمة والفضل فمن شأنه الإحسان والتفضل.
(3)
من الله تعالى بتعجيل طلبه فهو حاضر مع الله كل لحظة لأخذ مطلوبه، ونفحات الله لا تنقطع دائما وأبدا بل ورد: أن له تعالى في كل نفس ستمائة ألف فرَج قريب، اللهم أدركنا بفرج عظيم قريب يعمنا والمسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.
(4)
الأول والثالث بسندين غريبين والسابع في القدر بسند حسن والله أعلم.
آداب الدعاء
(5)
هي استقبال القبلة لأنها أشرف الجهات وجهة العبادة، ورفع يديه ومسح الوجه بهما بعد الدعاء، والبدء بحمد الله تعالى وتسبيحه والثناء عليه كذكر الباقيات الصالحات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أوله وآخره والعزم في الطلب، والإلحاح في الدعاء دائمًا، والإيقان بالإجابة إذا توفرت شروط الدعاء التي أعظمها أكل الحلال والبعد عن المحرمات وفعل الواجبات وغيرها مما يأتي.
(6)
خرج بالناس إلى المصلى يصلون صلاة الاستسقاء ويطلبون من الله السقيا ونزول المطر، وسبق في كتاب الصلاة صلاة الاستسقاء.
(7)
وقال أنس: حتى رأيت بياض إبطيه أي بياض جلد الإبطين لسعة كمه، أو الضوء الذي بين عضديه وجنبيه، وعلى كل فصريحهما رفع اليدين في الدعاء.
(8)
يستحي من عبده أي يعامله معاملة المستحي، فلا يرد يديه صفرًا أي خائبتين بل يجيبه إن كان في مصلحته.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدَّهُماَ حَتَّى يَمْسَحَ بهِماَ وَجْهَهُ
(1)
.
• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَناَ أَدْعُو بِإِصْبَعَيَّ فَقَالَ: «أَحِّدْ أَحِّدْ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ
(2)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلاثَةَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَسْترُوا الْجُدُرَ
(4)
مَنْ يَنْظُرُ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّماَ يَنْظُرُ فِي النَّارِ
(5)
سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا فَإِذَا فَرَغْتمْ فَامْسَحُوا بِهاَ وُجُوهَكُمْ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَجِلَ هذَا ثْمَّ دَعَاهُ» فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ليَدْعُ بَعْدُ بِماَ شَاءَ
(8)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(9)
.
وَدَخَلَ رَجْلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَجِلْتَ أَيُّهاَ الْمُصَلِّي
(10)
إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهْ» قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذلِكَ
(1)
تبركا بما حل فيهما من رحمة الله تعالى.
(2)
وأنا أدعو وأشير بإصبعى السبابة والوسطى؛ فقال: أحد أحد، وأشار بالسبابة أي أشر بها لتكون موحدًا بقولك وفعلك، ولهذا قال بعضهم: تستحب الإشارة بالسبابة في الاستغفار فقط؛ ولكن الذي انحط كلامهم عليه هو بسط الكفين في الدعاء مطلقًا للحديث الآتي.
(3)
الثاني بسند ضعيف والآخران بسندين حسنين.
(4)
لأنه إسراف ومن عادة المتكبرين فهو حرام إلا لحاجة كدفع برد وحر شديدين فلا، نحو الستائر التي توضع على النوافذ كالأبواب والشبابيك.
(5)
المراد بالكتاب: الجواب الذي كتبه لغيره والذي جاءه من غيره لأنه غالبا من الأسرار التي تضن بها النفوس، وحمله على العموم أولى.
(6)
سلوا الله ببطون أكفكم كمن يأخذ شيئا، وهذا في طلب المحبوب بخلاف طلب صرف المكروه فإنه يجعل ظهر كفيه إلى السماء تفاؤلا في المأول بحصول المأمول وفي الثاني بدفع المحذور.
(7)
بسند ضعيف.
(8)
الحمد بأي صيغة ولكن ما جاء في القرآن أفضل كأول الفاتحة والأنعام، والثناء بأي عبارة وأحسنها: الباقيات الصالحات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة وأحسنها الوارد الآتي.
(9)
بسند صحيح.
(10)
بترك آداب الدعاء: وهي الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فحَمِد اللَّهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَيُهاَ الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ
(1)
».
وَقاَلَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه: كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّناَءِ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَلْ تُعْطَهُ سَلْ تُعْطَهُ»
(2)
، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ الَّلهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ
(4)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي
(5)
»، رَوَاهُماَ الْأَرْبَعَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ
(6)
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
(8)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى
(1)
لأنه بدأ بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
ففي هذه الأحاديث أن الحمد والثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الدعاء من آكد الآداب للدعاء: بل هي الركن العظيم في الإجابة، قال يوسف عليه السلام:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .
(3)
الأول بسند حسن والثاني بسند صحيح.
(4)
فعلى المسلم أن يطلب حاجته من الله بعزم وحزم فإن الله هو الفاعل المختار القادر على كل شيء.
(5)
فاستبطاء الإجابة والعجلة بها خروج عن الأدب وتحكم على الله تعالى فإن الله يجيب الداعي في دعوته إذا توفرت الشروط بما يراه صالحا له وفي الوقت الذي يشاؤه فقد أجاب موسى عليه السلام بقوله تعالى {قد أجيبت دعوتكم فاستقيما} بعد زمن طويل قيل أربعين سنة، وأجاب يوسف عليه السلام في قوله {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} بعد موته بعدة قرون، وفي هذا يقول ابن عطاء الله في الحكم رضي الله عنه: لا يكن تأخير العطاء موجبا ليأسك، فهو قد ضمن لك الإجابة بما يريد وفي الوقت الذي يريد جل شأنه.
(6)
ادعوا الله وأنتم بحال تستحقون الإجابة فيها من القيام بطاعة الله تعالى واليقين بأنه يجيب الداعي.
(7)
غافل عن الله: مشغول بغيره بل يجيب عبده الحاضر معه فهو أولى من الغائب.
(8)
بسند غريب للترمذي وصحيح للحاكم.
أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكْم وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهاَ عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(2)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطيعَةِ رَحِمٍ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنِ ابْنِ لِسَعْدٍ
(4)
رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَناَ أَقُولُ الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهاَ وَبَهْجَتَهاَ وَكَذَا وَكَذَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَسَلَاسِلِهاَ وَأَغْلَالِهاَ وَكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: ياَ بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ
(5)
فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّة أُعْطِيتَهاَ وَمَا فِيهاَ مِنَ الْخَيْرِ وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهاَ وَمَا فِيها مِنَ الشَّرِّ».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلَاثاً وَيَسْتَغْفِرَ ثَلَاثاً
(6)
، رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ أَحَداً فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ
(8)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ
(9)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(10)
.
(1)
فلا تدعوا على شيء مما ذكر فربما تصادفون ساعة إجابة فيستجيب الله لكم. وفي رواية: فيستجاب لكم.
(2)
ولكن أبو داود هنا ومسلم في غزوة بواط.
(3)
سبق هذا في فضل الدعاء.
(4)
هو ابن أبي وقاص ولم يذكر اسم ولده هذا.
(5)
يبالغون ويتجاوزون الحد في طلب الشيء الواحد كقول ابن سعد هذا رضي الله عنهما ولا منافاة بين هذا وحديث: إن الله يحب الملحين في الدعاء؛ لأن المراد به الدأب فيه والمداومة عليه لأنه أكرم شيء على الله تعالى.
(6)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الدعوة ثلاثا كقوله: {اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} .
(7)
بسندين صالحين.
(8)
فينبغي لمن أراد أن يدعو لأحد أن يبدأ بنفسه ليكون أخلص وأجمع في الدعاء وأرجى الإجابة، قال تعالى {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
(9)
فليس من الكمال في الدعاء أن يكون انتصارا بل الكمال هو التفويض إلى الله تعالى والعفو عن المسيء، قال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} .
(10)
الأول بسند صحيح والثاني بسند ضعيف، ومن آداب الدعاء أيضا ختمه بالصلاة على النبي لحديث: لا تجعلوني كقدح الراكب بل =
الدعاء المقبول
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّناَ تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْياَ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْاخِرُ يَقُولُ: «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ
(2)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُون الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ
(3)
الْاخِرِ فَإِنَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ».
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟
(4)
قَالَ: «جَوْفَ اللَّيْلِ الْاخِرَ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوباَتِ
(5)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
= اجعلوني في أول كل دعاء وفي آخره، وبالتأمين لطلبه عقب الدعاء في الفاتحة، والحمد لله رب العالمين لقوله تعالى {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} اللهم تقبل منا ووفقنا لما يرضيك يا رحمن يا رحيم آمين.
الدعاء المقبول
(1)
أي المرجو قبوله وإجابته أكثر، وهذا باعتبار الزمان كالأحاديث الثلاثة الأول، أو باعتبار الحال الأربعة التي بعدها، أو باعتبار الوصف كالباقي، وهذا كله اعتبار ثانوي بالنظر لشروط الدعاء التي هي طهارة الباطن والظاهر وفعل الواجبات والبعد عن المحرمات وأكل الحلال بالنسبة للزمان بألا يكون مطعمه حرامًا كالربا والسرقة وأكل مال اليتيم والغش في المعاملة الحديث: إن أردت أن تستجاب دعوتك فأطب طعمتك، وكذا هو ثانوي بالنسبة لآداب الدعاء السالفة، فالدعاء يجب أن يراعى فيه الشروط فالآداب فالزمان أو الحال أو الوصف والقبول بيد الله وحده.
(2)
سبق هذا في الوصف في قيام الليل من كتاب الصلاة.
(3)
أي في ثلثه الآخر وهو يعبد الله.
(4)
أي أقرب للإجابة.
(5)
عقب كل فريضة من الفرائض الخمس.
(6)
الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن، ومن هذا ما سبق في الأذان والإقامة من كتاب الصلاة: الدعاء لا يرد بين الأذان وإقامة.
(7)
سبق هذا في السجود من كتاب الصلاة.
• عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَباَ الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ
(1)
وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحجَّ الْعَامَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فاَدْعُ اللَّه لَناَ بخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ عِنْدَ رأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّماَ دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْر قَالَ الْملَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ»
(2)
قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَباَ الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ
(3)
: «إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغاَئِبٍ
(4)
».
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لِي وَقَالَ: «لَا تَنْسَنَا ياَ أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ» فَقَالَ عُمَرُ: كَلِمَةٌ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِيَ بِهاَ الدُّنْياَ
(5)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ لْوَالِدِ
(6)
، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ
(7)
، وَدَعْوَةُ الْمَظُلومِ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائمُ حَتَّى يُفْطِرَ
(9)
، وَالْإِمَامُ الْعاَدِلُ
(10)
، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهاَ اللَّهُ فَوْقَ الْغَماَمِ
(11)
وَيَفْتَحُ لَهاَ أَبْوَابَ السَّمَاءِ
(12)
(1)
قدمت الشام أي دمشق فأتيت أبا الدرداء وكان صفوان هذا متزوجًا بالدرداء بنته رضي الله عنهم.
(2)
فدعوة المسلم لأخيه في النسب أو في الإسلام في غيبته مستجابة لأن عند رأس الداعي ملكا موكلا بالتأمين كلما دعا لأخيه بخير قال آمين، وأدعو لك بمثل ذلك ولا شك أن تأمين الملائكة مقبول لأنهم عباد مطهرون.
(3)
بسند صالح.
(4)
لبعده عن الرياء والسمعة ولإخلاصه وصدق نيته.
(5)
سبق هذا في التوسل من كتاب الصلاة.
(6)
فدعوة الوالد أبًا أو أمًا لولده أو عليه وهو محق فيها أسرع في الإجابة لما للوالد من الحق العظيم، وكذا دعوة الولد لوالده لما بينهما من الرحمة والحنان فيلزمها الإخلاص غالبا.
(7)
من أحسن إليه أو مطلقا لأنه متعب ومجهود إن كان سفره طاعة.
(8)
بسند حسن.
(9)
لأنه متلبس بعبادة الله تعالى.
(10)
لأنه سوط الله يقوم به من يشاء بكسر شوكة الظلمة والمجرمين والأخذ بيد الضعفاء والمساكين فنفعه لخلق الله عظيم وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعباده.
(11)
الغمام: السحاب.
(12)
فتقف بين يدي الله تعالى تستغيث به على من ظلمها فيجيبها الله بما ذكر.
وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».
• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعْوَةُ «ذِي النُّونِ» إِذْ دَعَا وَهُوْ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهاَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»
(1)
، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
(3)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكلِّ نَبِيَ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهاَ فاَسْتُجِيبَتْ فَجَعَلْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: «لِكُلِّ نَبِيَ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي
(5)
وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا
(6)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّماَ أَناَ بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ
(1)
ذو النون: هو يونس بن متى عليه السلام المذكور في قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ} نضيق {عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} .
(2)
والأول بسند حسن، نسأل الله حسن الحال آمين.
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
(3)
فدعوته العظيمة مدخرة لأمته في الآخرة فلا ينافي أنه أجيب في عدة دعوات في دنياه كدعائه بالنصر في يوم بدر، قال تعالى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} وكدعائه بالمطر وهو على المنبر إجابة لطلب الأعرابي فنزل المطر في الحال كما سبق في الاستسقاء في الصلاة وغير هذين كثير.
(4)
أي للعصاة منهم للحديث الآتي في الشفاعة "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" وهل تنالهم قبل دخولهم النار فلا يدخلونها، أو بعد دخولهم وقبل استيفاء المدة التي حكم بها عليهم، ويجوز الأمران: هذا لفريق وذالك لآخر.
(5)
أي في الآخرة.
(6)
وهذا سبق في شفقته صلى الله عليه وسلم على الأمة من كتاب النبوة.
جَلَدْتُهُ فَاجْعلْهاَ لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تقَرِّبُهُ بها إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(2)
.
جوامع الدعاء
(3)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الَّلهُمَّ رَبَّناَ آتِناَ فِي الدُّنْياَ حَسَنَةً وَفِي الْاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِناَ عَذَابَ النَّارِ
(4)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ
(5)
فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلهُ إِيَّاهُ» قَالَ: نعَمْ كنْتُ أَقُولُ: الَّلهُمَّ مَا كُنْتَ مُعاَقِبِي بِهِ فِي الْاخِرَةِ فَعَجْلْهُ لِي فِي الدُّنْياَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أَفَلَا قُلْتَ: الّلهُمَّ آتِناَ فِي الدُّنْياَ حَسَنَةً وَفِي الْاخِرَةِ حَسَنةً وَقِناَ عَذَابَ النَّارِ» قَالَ: فَدَعَا اللَّه لَهُ فَشَفَاهُ
(6)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ
(1)
وفي رواية عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما؛ فلما خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئًا ما أصابه هذان (أي لم يصب هذين شيء من خيرك الذي عم الناس كلهم) قال: وما ذاك؟ قالت لعنتهما وسبتهما، قال: أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: لا، قلت: اللهم إنما أنا بشر (أغضب وأسخط أحيانا) فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا، فالنبي صلى الله عليه وسلم خاف أن يحصل منه في حال غضبه أذى لغير مستحقه من المسلمين فعاهد ربه أن يعوضه به درجة وقربة في الآخرة، فهذه الأخلاق منه صلى الله عليه وسلم لأمته نهاية الشفقة والرحمة جعلنا الله من خيار الأمة.
(2)
واللفظ لمسلم في كتاب البر.
جوامع الدعاء
(3)
فهذه الأدعية الآتية كل دعاء منها يقال له جامع الدعاء أي شامل لخيري الدنيا والآخرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يدعو بجوامع الدعاء ويدع ما سواه، رواه أبو داود.
(4)
قال الحسن رضي الله عنه: في الدنيا حسنة هي العلم والعبادة، وفي الآخرة حسنة هي الجنة ففيها خير الدنيا والآخرة، وقيل فيها غير ذلك.
(5)
خفت أي هزل فصار مثل الفرخ وهو ولد الطائر.
(6)
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له فشفاه الله، ففيه أن الله تعالى لو عامل الناس بعملهم لهلكوا ولكنه حليم رءوف رحيم، قال تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} =
كَانَ يَدْعُو بِهذا الدُّعَاءِ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطاَياَيَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذلِكَ عِنْدِي
(1)
الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وأَنْتَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالْتُّقَى وَالْعَفاَفَ وَالْغِنَى»
(2)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الَّلهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي
(3)
وَأَصْلِحْ لِي دُنْياَيَ الَّتِي فِيهاَ مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهاَ مَعاَدِي
(4)
وَاجْعَلِ الْحَياَةَ زياَدَةً لِي فِي كلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرَ
(5)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: جَاءَتْ فَاطِمَة عليها السلام إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلهُ خَادِمًا
(6)
فَقَالَ لَهاَ: «قُولِي الَّلهُمَّ رَبَّ السَّموَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرشِ الْعَظِيمِ
(7)
رَبَّناَ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ
(8)
فاَلِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى أَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّ كلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِناَصِيَتِهِ
(9)
أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْاخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْباَطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَىْءٌ
(10)
اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغَنِني مِنَ الْفَقْرِ
(11)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
ولفظ مسلم: اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، وهذا منه صلى الله عليه وسلم تواضع وتعليم للأمة وإلا فهو أكمل الخلق على الإطلاق.
(2)
العفاف للنفس والفرج، والغني بالنفس وبالمال، ففيه خير الدنيا والآخرة.
(3)
أي ملاك أمرى.
(4)
ففيه خير الدنيا والآخرة.
(5)
من شرور الدنيا والآخرة.
(6)
يطلق الخادم على الذكر والأنثى ولكنها كانت تطلب جارية من السبي الذي جاءه كما في رواية.
(7)
رب منصوب على النداء في المواضع الأربعة.
(8)
منزل وفالق منصوبان على النداء أيضا.
(9)
أي مالكه وإن كان أصل الناصية مقدم الرأس.
(10)
فالوجود الحقيقي أولا وآخرا وظاهرا وباطنا لله وحده ووجود العالم سواه مستعار منه تعالى.
(11)
اللهم اقض عنا الدين وأغننا في الدنيا واغفر لنا يا رحمن آمين.
• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ قَالَ: «قُلْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعاَلَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلُا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» قَالَ: فَهؤُلَاءِ لِرَبِّي فَماَ لِي قَالَ: «قلِ الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي»
(1)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» ، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو يَقُولُ: «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ
(2)
وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ رَبِّ اجْعَلْنِي شَكَّارًا لَكَ ذَكَّارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ
(3)
مِطْوَاعًا لَكَ مُخْبِتًا إِلَيْكَ
(4)
أَوَّاهًا مُنِيبًا
(5)
رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي
(6)
وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاهْدِ قَلْبِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(8)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَلَّماَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَناَ مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَناَ وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُناَ بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تَهَوِّن بِهِ عَلَيْناَ مُصِيبَاتِ الدُّنْياَ
(1)
وفي رواية: قال: قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك، اللهم أسعدنا في الدنيا والآخرة يا الله يا رحمن يا حنان يا منان ياذا الجلال والإكرام آمين.
(2)
الجمل الثلاث قريبة المعنى وهو النصر على الأعداء.
(3)
كثير الشكر والذكر والرهبة وهي الخوف، ولفظ أبي داود: اللهم اجعلني لك شاكرا لك ذاكرا لك راهبا.
(4)
مطواعا كثير الإطاعة، مخبتا خاشعا متواضعا من المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم.
(5)
كثير الرجوع إلى الله {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)} .
(6)
خطيئتي قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} .
(7)
السخيمة كضغينة: الحقد والغل.
(8)
بسند صحيح.
وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصاَرِناَ وَقُوَّتِناَ مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا
(1)
وَاجْعَلْ ثَأْرَناَ عَلَى مَنْ ظَلَمَناَ
(2)
وَانْصُرْناَ عَلَى مَنْ عَادَاناَ، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْياَ أَكْبَرَ هَمِّناَ وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُناَ».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِماَ عَلَّمْتَنِي وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي وَزِدْنِي عِلْمًا، الْحَمْدُ لِلَّه عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ»
(3)
.
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ رضي الله عنه لِأُمِّ سَلَمَةَ: ياَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ «ياَ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرُ دُعَائِكَ بِهذَا قَالَ: «ياَ أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدِمِيٌّ إِلا وَقَلْبُهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَناَمَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ
(4)
».
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ عَافِنِي فِي جَسَدِي وَعَافِنِي فِي بَصَرِي وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنِّي
(5)
لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعاَلَمِينَ».
وَعَنْهاَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تحِبُّ الْعَفْوَ فاَعْفُ عَنِّي
(6)
».
• عَنِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عز وجل قَالَ: «سَلِ اللَّهَ الْعاَفِيَةَ» فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثمَّ سَأَلْتُهُ ثاَنِيًا فَقَالَ لِي: «ياَ عَبَّاسُ ياَ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ: سَلُوا اللَّهَ الْعاَفِيَةَ فِي الدُّنْياَ وَالْاخِرَةِ
(7)
».
(1)
واجعله أي المذكور من الأسماع وما معها أي متعنا بما ذكر طول حياتنا وانفعنا بآثارها بعد الممات.
(2)
قاصرا عليه.
(3)
وصفهم من الكفر والفجور والشرور والمعاصي.
(4)
أقام على الهدى وإن شاء أزاغ عنه.
(5)
أي متعني به إلى الممات وبأثره بعد الممات.
(6)
عن ذنوبي بمحوها.
(7)
العافية في الدنيا هي المعافاة من الأمراض والأسقام، والعافية في الآخرة: من الذنوب والأوزار.
وَسَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «سَلْ رَبَّكَ الْعاَفِيَةَ وَالْمُعاَفاَةَ فِي الدُّنْياَ وَالْاخِرَةِ» ثمَّ سَأَلَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ ثمَّ سَأَلَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ ثُمَّ قَالَ: «إِذَا أُعْطِيتَ الْعاَفِيةَ فِي الدُّنْياَ وَأُعْطِيتَهاَ فِي الْاخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ» .
وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ عَامَ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: «اسْأَلوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعاَفِيَةِ»
(1)
.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْهُ قُلْناَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ بِدْعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ: إِلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذلِكَ كلَّهُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَنَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ
(2)
وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبلَاغُ
(3)
وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ».
• عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُناَ أَنْ نَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّباَتَ فِي الْأَمْرِ وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ
(4)
وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعِمْتَكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا وَقَلْبًا سَلِيمًا
(5)
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ».
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَملَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْماَءِ الْباَرِدِ» قَالَ: وَكَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ دَاوُدَ يُحَدِّثُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ أَعْبَدَ الْبَشَرِ» .
(1)
العفو عن الأوزار، والعافية من الأسقام، فأحسن عطاء بعد اليقين: العفو والعافية، وفي رواية: ما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية.
(2)
في هذه الدعوة كل شيء للدنيا والآخرة.
(3)
أنت المعين في كل شيء وعليك بلوغ الآمال كلها.
(4)
الرشد التقوى.
(5)
من الأمراض الباطنة كالحقد والكبر والحسد.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبَّه عِنْدَكَ
(1)
، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فاَجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيما تحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فاَجْعَلْهُ لِي قُوَّةً فِيمَا تُحِبُّ».
• عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: عَلَّمَني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قلِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَرِيرَتِي خَيْرًا مِنْ عَلَانِيَتِي وَاجْعَلْ عَلَانِيَتِي صَالِحَةً، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ صَالِحِ مَا تُؤْتِي النَّاسَ مِنَ الْماَلِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ غَيْرِ الضَّالِّ وَلَا الْمُضِلِّ
(2)
»، رَوَى التِّرْمِذِيُّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ
(3)
.
ما ورد في كلمات الاستعاذة
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ}
(4)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهُدٍ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقاَءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ
(5)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ
(6)
وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ
(1)
وهو العبد الصالح.
(2)
صفة للأهل والولد أي أسألك من الأهل والولد الصالحين دون الضالين المضلين منهم، اللهم نسألك ذلك فتقبل منا إنك أنت السميع العليم آمين والحمد لله رب العالمين.
(3)
الأخير والثامن بسندين غريبين، وخالفنا الاصطلاح من تأخير الغريب الثامن لأنه من وادي ما قبله، والخامس والسادس بسندين صحيحين والباقي بأسانيد حسنة نسأل الله حسن الحال في الحال والمال آمين.
ما ورد في كلمات الاستعاذة
(4)
{رب أعوذ بك} يا رب أعتصم بك {من همزات الشياطين} من وسوستهم {وأعوذ بك رب أن يحضرون} في أموري لأنهم لا يحضرون إلا بالسوء.
(5)
جهد البلاء: شدته التي يختار عليها الموت، ودرك الشقاء. إدراك الشقاء، وسوء القضاء في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل، وقد يكون بسوء الخاتمة نعوذ بالله من كل هذا.
(6)
الهم: الاهتمام بالمستقبل حرصا عليه، والحزن على الماضي: مما أصاب أو مما فات.
وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»
(1)
.
• عَنْ عَائِشةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ
(2)
وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ
(3)
وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغْنَى
(4)
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ
(5)
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ
(6)
الَّلهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَاياَيَ بِماَءِ الثَّلْجِ وَالْبرَدِ وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطاَياَ كَماَ نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبيضَ مِنَ الدَّنَسِ وَباَعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطاَياَيَ كَماَ باَعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»، رَوَاهُماَ الخَمْسَةُ.
• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قاَلَ: تَعَوَّذوا بكَلِماَتٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذ بِهِنَّ: «الَّلهُمَّ إِني أَعُوذ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ
(7)
وَأَعُوذ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَأَعُوذ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَي أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْياَ وَعَذَابِ الْقْبرِ
(8)
رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(9)
.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: لَا أَقُولُ لَكمْ إِلا كَماَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، الَّلهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهاَ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا
(10)
أَنْتَ وَلِيُّهاَ وَمَوْلَاهَا، الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمِ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ
(1)
وضلع الدين كثرته ولم يجد له سدادا حتى أماله كالضلع المعرج، وغلبة الرجال انتصار الأعداء.
(2)
والهرم: أقصى الكبر وأرذل العمر الذي سلف، والمأثم: ارتكاب الآثام، والمغرم: ارتكاب الديون. والكسل: هو التثاقل عن الشيء مع القدرة عليه والداعية إليه.
(3)
فتنة القبر: هي الفتانات عند السؤال وعذابه، وسبق الكلام عليه في الجنائز من كتاب الصلاة، وفتنة النار: ما يوجبها، نعوذ بالله من ذلك كله.
(4)
بالمال قال تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغنى} .
(5)
أي الشديد للحديث: كاد الفقر أن يكون كفرا.
(6)
سيأتي الكلام عليه في كتاب الفتن.
(7)
الجبن ضد الشجاعة عن المطلوب كالجهاد، والبخل ضد الكرم والضن بالواجب كالزكاة.
(8)
فتنة الدنيا هي النساء والمال والجاه.
(9)
وفي رواية أبي داود والنسائي عن عمر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: من الجبن والبخل وسوء العمر وفتنة الصدر (الموت على غير توبة) وعذاب القبر.
(10)
أي طهرها.
وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهاَ»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا البُخَارِيَّ.
وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهِ اللَّهَ قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: «الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ»
(1)
.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ
(2)
وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ
(3)
وَجَمِيعِ سَخَطِكَ»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هذَا الدُّعَاءَ كَماَ يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقولُ: «الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْياَ وَالْمَماَتِ
(4)
».
• عَنْ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِكَتِفَيَّ فَقَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِييِّ
(5)
»، رَوَاهُماَ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(6)
.
(1)
ما عملت إن كان شرا فظاهرا وإن كان طاعة فمما يصحبه من العجب ونحوه، ومن شر ما لم أعمل بحفظي منه في المستقبل أو مما عمله غيري لئلا يصيبني منه قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} .
(2)
التي يخلفها المرض.
(3)
فجاءة بضم فمد وفجأة كبغتة وزنا ومعنى.
(4)
فتنة الممات ما يعرض عند الموت وفي القبر، وفتنة المحيا كل ما يعرض للإنسان في حياته فيشمل الشر والبلاء في النفس والأولاد والأموال، وكل شيء بتقدير الله وإنما أمر الإنسان بالتعوذ من الفتنة ليخف عليه البلاء ويعظم أجره قال الله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} .
(فائدة) حكمة البلاء الاختبار والامتحان فيظهر قوى الإيمان بالصبر والتجلد والالتجاء إلى الله تعالى والتوكل عليه فينال رفيع الدرجات قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وقال تعالى في الحديث القدسي: "ما خلقت الخلق لأربح عليهم ولكني خلقتهم ليربحوا على" نسأله التوفيق لما يحب ويرضاه آمين والحمد لله رب العالمين.
(5)
شر السمع الاستماع لما يجوز شرعا، وشر البصر النظر لما لا يجوز، وشر اللسان التكلم بما لا يجوز، وشر القلب العيوب الباطنة كالكبر والعجب والحقد والحسد وإضمار السوء ونحوها، وشر المنى الزنا واللواط والاستمناء باليد منه أو من غيره.
(6)
بسندين حسنين.
• عَنْ أَبِي الْيَسَرِ
(1)
رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ
(2)
وَأَعُوذ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي
(3)
وَأَعُوذُ بِكَ منَ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ
(4)
وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ
(5)
وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا وَأَعُوذَ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغاً
(6)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ
(7)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ الشِّقاَقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ
(8)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ
(9)
وَأَعُوذ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهاَ بِئْسَ الْبِطَانَةُ
(10)
».
(1)
أبو اليسر اسمه كعب بن عمرو الأنصاري السلمي له صحبة مشهورة.
(2)
من الموت تحت شيء يقع عليه كحائط.
(3)
من الموت بسقوط من مكان عال كالجبل أو بسقوط في نحو بئر.
(4)
إنما استعاذ من الموت بواحد من هذه مع أنها شهادة كما سبق في الشهداء في الجهاد لأنها أشنع الميقات وميتة السوء المذكورة في حديث: صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
(5)
بفتنته عند موته.
(6)
من لدغ عقرب ونحوه فإنها من ميتة السوء.
(فائدة) روى الطبراني في الصغير أن النبي صلى الله عليه وسلم لدغته عقرب وهو يصلي فلما فرغ قال: لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها (على اللدغة) ويقرأ قل ياأيها الكافرون، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وهذه من الطب الروحاني إذا كانت بحسن نية ويقين وتوكل على الله تعالى من قلب طاهر صاف خالص لله تعالى لأنه تعالى هو الشافي وحده عند تلك الأسباب.
(7)
من الفقر أي فقر النفس وفقر المال الشديد، والقلة في أنواع البر وأفعال الخير، والذلة الحاصلة عن المعاصي والتذلل والمسكنة للأغنياء وأهل الجاه بخلافها لله فهي مطلوبة، وأعوذ بك من أن أظلم أحدا من الناس أو يظلمني منهم أحد.
(8)
الشقاق: مخالفة الحق كقوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} والنفاق: إظهار الإسلام وإخفاء الكفر، وسوء الأخلاق أعم مما قبله.
(9)
أصله ما يلازم صاحبه في المضجع والفراش والمراد به هنا وصف الفقر.
(10)
البطانة أصلها ضد الظهارة في الثوب، والمراد هنا ما يضمره الإنسان من الشرور.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِني أَعُوذ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَسَيِّئِ الْأَسْقَامِ
(1)
» رَوَى هذِهِ الخَمْسَةُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(2)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ نَائمَةً إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمْعاَفَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَماَ أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(4)
وَالنَّسَائِيُّ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ
(5)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الحَالِ آمِين.
الباب الرابع: في أدعية مخصوصة
دعوات المكروب
(6)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقَولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ
(7)
لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ اْعَظِيمِ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّموَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ
(8)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
البرص: مرض يبيض منه الجلد، والجنون: زوال العقل الذي هو منشأ الفضائل والكمالات، والجذام: علة يذهب معها شعور الأعضاء بالتقرح وربما انتهى إلى تأكلها وسقوطها، وسيئ الأسقام كالسل والاستسقاء والمرض المزمن وهذا أعم ما قبله، نعوذ بالله من كل هذه.
(2)
بأسانيد صالحة لأبي داود وصحيحة للنسائي.
(3)
فيه الاعتراف بالعجز عن الثناء والشكر لله تعالى وهو نهاية الشكر له تعالى.
(4)
بسند حسن.
(5)
جمع هوى وهو الميل الفاسد وهذا الحديث أجمع دعوة نسأل الله حسن الأخلاق والأعمال والأقوال آمين والحمد لله رب العالمين.
الباب الرابع في أدعية مخصوصة
(6)
فإذا وقع الشخص في كرب وتلا دعوة من هذه الأدعية الآتية فإن الله يفرج عنه بفضله وكرمه كوعد نبيه صلى الله عليه وسلم.
(7)
ولفظ الترمذي: العلي الحليم.
(8)
وصف العرش بالكرم لنسبته إلى أكرم الأكرمين، أو لأن الرحمة تنزل منه، وهذا ثناء نكرر فيه اسم الرب الذي هو من التربية لأن =
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تِكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ
(2)
.
وَقَالَتْ أَسْماَءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رضي الله عنها قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلا أُعَلِّمُكِ كَلِماَتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْب
(3)
اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِك بِهِ شَيْئًا
(4)
».
• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ: «الَّلهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ
(5)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(6)
.
• عَنْ مُعاَذِ بْنِ جَبَل رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو يَقُولُ: «الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَماَمَ النِّعْمَةِ» فَقَالَ: «أَيُّ شَيْءٍ تَماَمُ النِّعْمَةِ» ؟ قَالَ: «دَعْوَةٌ أَرْجُو بِهاَ الْخَيْرَ» قَالَ: «فَإِنَّ مِنْ تَماَمِ النِّعْمَةِ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالْفَوْزَ مِنَ النَّارِ
(7)
» وَسَمِعَ رَجُلًا وَهُوَ يَقُولُ ياَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَقَالَ: «اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ وَسَمِعَ رَجُلًا وَهُو يَقُولُ: الَّلهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ فَقَالَ: «سَأَلْتَ اللَّهَ الْبلَاءَ فَسَلْهُ الْعاَفِيَةَ
(8)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: «ياَ حَيُّ ياَ قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ
(9)
».
= مقتضاها العطف وكشف الكرب، وكذا تكرر فيه العظيم البالغ في العظمة والرحمة والإحسان وكل وصف جليل فمقتضاه العطف وكشف الكروب، وناهيك باسمه الحليم جل شأنه الجامع لكل جلال وجمال، فالمكروب يتلو هذا الثناء عدة مرات ثم يدعو الله بكشف كربه، أو يثني به على الله تعالى بنية كشف كربه اعتمادا على علمه تعالى بالخفايا والأسرار الحديث السالف في فضائل القرآن: من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين.
(1)
أي يا الله إني أستغيث برحمتك الواسعة فحطني بها دائما وأصلح لي أموري كلها للدنيا والدين.
(2)
بسند صحيح.
(3)
أو للشك.
(4)
أي ألجأ إلى الله تعالى في كل أموري دون سواه ولا يجيب المضطر إلا هو تعالى.
(5)
يا الله نسألك أن تدفع شرورهم وتصد صدورهم وتحول بيننا وبينهم وتحفظنا من كل شيء.
(6)
بسندين صحيحين.
(7)
وكمالها. رضوان الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم، اللهم أتمم علينا نعمتك يا رحمن يا رحيم يا عظيم.
(8)
فيه النهي عن طلب الصبر إلا إذا كان في بلاء ولم يملك نفسه فإنه التجاء إلى الله تعالى.
(9)
إذا كربه أي أهمه أمر قال يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلِظُّوا بِباَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
(1)
».
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَهَمَّهُ الْأَمْرُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقاَلَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: «ياَ حَيُّ ياَ قَيُّومُ
(2)
»، رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
دعاء السفر والرجوع منه
(4)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ
(5)
قَالَ: «الَّلهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ
(6)
الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاَءِ السَّفَرِ
(7)
وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ
(8)
وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْماَلِ
(9)
الَّلهُمَّ اطْوِ لَناَ الْأَرْضَ وَهَوِّنْ علَيْناَ السَّفَرَ».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَناَ هذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّناَ لَمُنْقَلِبُونَ
(10)
الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِناَ هذَا الْبرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى الَّلهُمَّ هَوِّن عَلَيْناَ سَفَرَناَ هذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ الَّلهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ الَّلهُمَّ
(1)
فإذا وقعتم في أمر عظيم فأكثروا من يا ذا الجلال والإكرام فإنه يكشف ما بكم.
(2)
فكل كلمة من هذه الكلمات الواردة في هذه الأحاديث تنفع في تفريج الكروب إذا كانت من قلب خالص بحسن نية وتوكل على الله تعالى، نسأل الله أن يجعلنا عبيدا له في جميع الحالات آمين والحمد لله رب العالمين.
(3)
الثاني والثالث بسندين غريبين، والأول والرابع بسندين حسنين والله أعلم.
دعاء السفر والرجوع منه
(4)
فيستحب لمن أراد السفر أن يقول هذه الكلمات الآتية عند خروجه للسفر فهي كالحرز والحصن له حتى يعود إن شاء الله تعالى.
(5)
أي خرج من بلده وسار في طريقه.
(6)
الصاحب في السفر: الرفيق والمعين فيه، والخليفة في الأمل: الذي يتولاهم في غيبتي، ونعم الصاحب والخليفة ربنا تعالى.
(7)
مشقته وشدته.
(8)
الرجوع من سفره كئيبًا حزينا لإضراره في سفره أو عدم قضاء حاجته.
(9)
بإصابته في شيء منها، وزاد مسلم والترمذي: والحور بعد الكور، أي الشر بعد الخير.
(10)
مقرنين أي مطيقين، المنقلبون أي عائدون.
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْماَلِ وَالْأَهْلِ»، وَإِذَا رَجَعَ قاَلَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ «آيِبُونَ تَائِبُونَ
(1)
عَابِدُونَ لِرَبِّناَ حَامِدُونَ»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا البُخَارِيَّ
(2)
.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ رضي الله عنه: شَهِدْتُ عَلِيّاً رضي الله عنه أُتيَ بِدَابَّتِهِ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا
(3)
فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ سُبْحَانَ سُبْحَانَ الَّذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإنَّا إِلَى رَبَّنَا لمُنْقَلِبُونَ ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ لِلّهِ ثَلاثَاً واللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فاَغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرْ الدُّنُوبَ إِلا أَنْتَ ثُمَّ ضَحِكَ قُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَىْءٍ ضَحِكْتَ ياَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ لَيعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنُوبِي إِنَّهُ لَا يغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(4)
وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا قَفَلَ مِنَ الْجُيُوشِ أَوِ السَّرَاياَ أَوِ الْحَج أَوِ الْعُمْرَةِ إِذَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا
(5)
ثمَّ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تاَئِبُونَ عَابِدُونَ سَاجدُونَ لِرَبِّناَ حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْاحْزَابَ وَحْدَهُ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1)
أي راجعون من سفرنا تائبون إلى الله تعالى.
(2)
روايات مسلم هنا في الحج ومرويات أبي داود هنا في الجهاد.
(3)
كررها ثلاثا.
(4)
بسند صحيح، وما يأتي دعاء الرجوع من السفر وكذا ما رواه عليّ بن ربيعة عن عليّ رضي الله عنهم يصلح في العودة من السفر.
(5)
إذا أوفى علا وارتفع على ثنية: طريق في الجبل أو فدفد - كجعفر - مكان مرتفع غليظ أو أرض لا شيء فيها أو ذات حصى، كبر ثلاثا وذكر الله بالآتي ليكون أعون لهم والله أعلم.
دعاء الوداع
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا: ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَماَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَدِّعُناَ فَيَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُ اللَّهِ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ
(2)
. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي قاَلَ: «زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى
(4)
» قَالَ: زِدْنِي قَالَ: «وَغَفَرَ ذَنْبَكَ» قَالَ: زدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ: «وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُماَ كُنْتَ
(5)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ السَّفَرَ فَأَوْصِنِي قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ
(7)
» فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ: «الَّلهُمَّ اطْوِ لَهُ الْأَرْضَ
(8)
وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
دعاء النزول في أي منزل
(9)
• عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَزَل مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِماَتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلِك
(10)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(11)
.
دعاء الوداع
(1)
فيستحب توديع المسافر، ويستحب لمن ودعه أن يدعو له بما في الحديث الأول، ويوصيه بما في الحديثين اللذين بعده، بل ويزيده بما يراه نصحًا له فذلك من حق المسلم على أخيه.
(2)
أي أطلب من الله أن يحفظ دينك وما تركته من ولد وأهل ومال وخواتيم أعمالك، وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودع جيشا قال لهم ذلك.
(3)
سبق هذا في الباب الرابع من كتاب الجهاد كما سبق فيه آداب الركوب ومراعاة الدواب.
(4)
وفقك لها فصارت لازمة لك كالزاد المسافر.
(5)
هذه أجمع دعوة، اللهم يسر لنا الخير حيث كنا يا حي يا قيوم آمين.
(6)
بسند حسن.
(7)
مكان عال.
(8)
في نسخة: اللهم اطو له البعد. والله أعلم.
دعاء النزول في أي منزل
(9)
فلكل منزل ولكل مكان سكان لا يعلمهم إلا خالقهم جل وعلا.
(10)
يقولها مرات بقلب خالص ونية حسنة وتوكل على الله تعالى فإن الله يحفظه حتى يرتحل إن شاء الله.
(11)
بسند صحيح.
• عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ الَّليْلُ قَالَ: «ياَ أَرْضُ؛ رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ
(1)
وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِي الْبلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَد
(2)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(3)
.
دعاء القيام من المجلس
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطهُ
(6)
فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلِكَ سُبْحَانَكَ الَّلهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلا غُفِرَ لَهُ مَا كانَ في مَجْلِسِهِ ذلِكَ»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(7)
، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ أَسْتْغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَى قاَلَ: «كَفَّارَةٌ لِماَ يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ
(8)
».
(1)
الأسود: الحية العظيمة، فذكر الحية والعقرب بعده تعميم بعد تخصيص.
(2)
كل والد وكل ولد أو الوالد: إبليس، وما ولد: أولاده، نعوذ بالله منهم، فقد اشتمل هذا الدعاء على شيء جامع وهو التعوذ بكل كلمات الله من كل شيء يؤذي ويضر وهذا سره، والفاعل المختار هو الله وحده.
(3)
بسند صالح لأبي داود وصحيح للنسائي.
دعاء القيام من المجلس
(4)
أي قل: سبحان الله وبحمده قبل أن تقوم من مجلسك وبعد أن تهب من نومك.
(5)
{ومن الليل فسبحه} بالعبادة وصلاة العشاءين، {وإدبار} عقب غروب {النجوم} سبحه أيضا بصلاة الفجر والصبح فتكون عابدًا لربك في أول الليل وآخره، نسأل الله التوفيق آمين.
(6)
اللغط بفتحتين: أصله ارتفاع الأصوات واختلاطها والمراد هنا الكلام.
(7)
بسند صحيح، ورواه أبو داود في الأدب.
(8)
فقولي هذا كفارة لما وقع في المجلس، فيندب ندبا مؤكدا لكل من أراد أن يقوم من مجلسه أن يدعو بهذا ولو كان مجلسه خيرا لقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كلمات=
القول عند صياح الديكة ونهيق الحمار
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاجَ الدِّيَكَةِ فاَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهاَ رَأَتْ مَلَكًا
(1)
وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهاَ رَأَتْ شَيْطَانًا
(2)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
= لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. فقد اشتمل هذا الدعاء على أنواع من العبادة وهي تسبيح وتحميد وشهادة له بالوحدانية واستغفار وتوبة. وهذا سره والله أعلم.
(فائدة) كل دعاء من هذه الأدعية فيه أسرار تناسب ما طلب له فإن تفكرنا فيها وعقلنا منها شيئا فمن فضل الله ورحمته الواسعة وعلينا حمده وشكره وإلا فنؤمن بها ونعمل بها ولنا فائدتها للدنيا والأخرى إن شاء الله تعالى، نسأله العلم والعمل واليقين وحسن التوكل عليه تعالي آمين والحمد لله رب العالمين.
القول عند صياح الديكة ونهيق الحمار ونباح الكلاب
(1)
الديكة جمع ديك: وهو ذكر الدجاج يصيح إذا رأى ملكا من ملائكة الله تعالى فينبغي الدعاء والتضرع إلى الله تعالى رجاء تأمينهم واستغفارهم وشهادتهم له بذلك.
(2)
وفي رواية: إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمر بالليل فتعوذوا بالله فإنهن يرين ما لا ترون، أي من الشياطين والآفات والنوازل النازلة من السماء، فتعوذوا بالله من الشيطان ومن كل شيء فإنه يحفظكم إن شاء الله.
(3)
وهذه إعانة على طاعة الله تعالى ومن كان هكذا فإنه يكرم ولا ينبغي سبه ولا إهانته بجوع وغيره، وإيقاظه للصلاة بصياحه، وجرت العادة أنه يصرخ عدة مرات متتابعات عند الفجر وعند الزوال وبعضها يصرخ في جميع الأوقات فطرة فطرها الله عليها، وقيل تسمع ديكا في الملأ الأعلى فتصبح لصياحه ولكن لا يجوز اعتماد صياحه في الأوقات إلا إذا جرب عدة مرات فأصابه، والله أعلم.
دعاء الخروج من البيت ودخوله
(1)
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ
(2)
قَالَ: «باسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ
(3)
أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْناَ»
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقاَلَ: بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوةَ إِلا بِاللَّهِ» ، قَالَ: «يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ
(5)
فَيَتَنَحَّى لَهُ الشَّيْطَانُ
(6)
فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ»، رَوَاهُماَ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(7)
.
• عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخرَجِ
(8)
بِاسْمِ اللَّهِ وَلَجَنَا وَبِاسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّناَ تَوَكَّلْناَ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ
(9)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.
دعاء الخروج من البيت ودخوله
(1)
فينبغي لمن خرج من بيته أن يتعوذ من الشيطان ثم يذكر هذا الدعاء ثم يقرأ آية الكرسي كما سبق في فضلها، وكذا من دخل بيته يتعوذ ويسمى قبل فتح الباب فإذا دخل تلا الدعاء الآتي ثم سلم على أهله.
(2)
وفي رواية: قالت: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء ثم ذكر الدعاء الآتي.
(3)
أي عن المهدي.
(4)
أي نعوذ بك من أن نضر أحدًا أو يضرنا أحد.
(5)
هديت إلى الحق والرشد، وكفيت كل شيء، وحفظت من كل شيء.
(6)
وفي رواية: فتتنحى له الشياطين.
(7)
بسندين صالحين.
(8)
ولج أي دخل، والولج بكسر لامه كالوعد أي خير الدخول والخروج.
(9)
يقرأ السلام على أهل بيته، قال تعالى {فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} وسيأتي الكلام على السلام وأنواع التحية في كتاب الأدب واسعًا إن شاء الله تعالى.
الدعاء في المطر والريح والرعد
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
(1)
تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ
(2)
فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى الرِّيحَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ
(3)
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّها وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ
(4)
».
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى ناَشِئًا
(5)
فِي أُفقِ السَّمَاءِ تَرَكَ الْعَمَلَ وإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ
(6)
ثمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِكَ مِنْ شَرِّهَا» فَأَنْ مُطِرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّباً هَنِيئًا
(7)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(8)
.
• عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَناَ مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَحَسَرَ ثَوْبَهُ عَنْهُ حَتَّى أَصَابَهُ فَسَأَلْناَهُ قَالَ «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ
(9)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ:
الدعاء في الريح والمطر والرعد
(1)
من رحمته.
(2)
تأتي بالرحمة وهو السحاب الذي يحمل المطر، قال تعالى {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)} وتأتي بالعذاب كما سبق في تفسير سورتي الأحقاف والذاريات.
(3)
من مطر ورحمة وإنبات.
(4)
من شدة وقحط وهلاك.
(5)
وفي رواية: شيئا وهو الغيم والسحاب.
(6)
خوفا من أن يكون كسحاب عادٍ الذي قال الله فيه {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} .
(7)
اجعله مطرًا نافعًا للأرض ومن فيها.
(8)
وسبق من هذا عدة أحاديث في صلاة الاستسقاء من كتاب الصلاة.
(9)
فلما نزل المطر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت أو الخيمة إن كان في سفر. وحسر ثوبه عنه: كشفه عن يديه ورجليه، وربما كشف رأسه لينزل المطر على بعض جسمه الشريف فسألوه عن هذا فقال: لأنه قريب عهد بربه، أي رحمة قريبة العهد بخلق الله لها فنتبرك بها. وسبق هذا في الاستسقاء.
«اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْناَ بِغَضَبِكَ وَلَا تهْلِكْناَ بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذلِكَ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بسَنَدٍ غَرِيبٍ، اللَّهُمَّ آمِنْ غُرْبَتَناَ وَآنِسْ وَحْدَتَناَ آمِين.
الدعاء لرؤية الهلال
(2)
• عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيماَنِ
(3)
وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
• عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: هلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ
(5)
، «هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا» وَجَاءَ بِشَهْرٍ كَذَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
.
(1)
فيندب لمن سمع صوت الرعد أو الصواعق التي تنزل من السماء في عصف الريح أن يقول ذلك عدة مرات، والله أعلم.
الدعاء لرؤية الهلال
(2)
فيستحب للإنسان إذا رأى الهلال في أول الشهر أن يقول هذا الدعاء الآتي في الحديثين ثلاث مرات، والأفضل إذا وقع بصره عليه أن يحول وجهه عنه ثم يقول الدعاء لرواية أبي داود: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال صرف وجهه عنه.
(3)
اليمن: الخير والبركة.
(4)
أي فأنت مخلوق لله مثلى، لا إله تعبد كما زعم بعض الكفرة.
(5)
أي هلال أتى بالخير والبركة والرشد والهداية، وهذا خبر يراد به الإنشاء أي اللهم اجعله هلال خير ورشد ورحمة وسعة وإحسان على عبادك.
(6)
بسند مرسل وهو ما سقط منه الصحابي ولعله هنا أبو قتادة، قال صاحب البيقونية:
ومرسل منه الصحابي سقط
…
وقل غريب ما روي راو فقط
نسأل الله حسن الرواية آمين.
الدعاء لرؤية الباكورة من الثمر
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَخَذَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ باَرِكْ لَناَ فِي ثِماَرِناَ وَباَرِكْ لَناَ فِي مَدِينَتِنَا وَباَرِكْ لَناَ فِي صاَعِنَا وَمُدِّناَ
(2)
اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَأَنَا أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ ثمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذلِكَ الثَّمَرَ
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(4)
، نَسْأَلُ اللَّهَ الْبَرَكَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ آمِين.
دعاء منَع الفزع والأرق
(5)
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا فَزِعَ أَحَدُكمْ فِي النَّوْمِ فَلْيقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يحْضُرُونِ فَإِنَّهاَ لَنْ تَضُرَّهُ
(6)
»، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَمْرٍو يُعَلمُهاَ مَنْ بَلَغَ مِنْ ولَدِهِ وَمَنْ لَمْ يَبْلغْ مِنْهُمْ كَتَبَهاَ فِي صَكَ وَعَلَّقَهاَ فِي عُنُقِهِ
(7)
، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(8)
.
الدعاء لرؤية الباكورة من الثمر
(1)
الباكورة من الثمر: هي أول الفاكهة كالبلح والعنب والرمان ونحوها مما يكون عادة في الحدائق والبساتين، ولكن المراد العموم فيشمل البطيخ والشمام والعجور والبرتقال والطلح (الموز) ونحوها من كل فاكهة صيف وشتاء لأنها نعمة جديدة ينبغي حمد الله عليها والدعاء بالزيادة منها.
(2)
هذه الكلمات الثلاث هي التي ينبغي لنا قولها دون ما بعدها.
(3)
ثم يطلب أصغر ولد يراه حينئذ فيعطيه ذلك تنزها عنه لكثرة النظر إليه وتفريحًا للأطفال فيستحب عمل ذلك إن شاء الله تعالى.
(4)
بسند صحيح.
دعاء منع الفزع والأرق
(5)
الفزع: الخوف، والأرق: عدم النوم.
(6)
فإنها أي الشياطين لا تضره وسوستها فإن غالب الخوف والفزع وأضغاث الأحلام من الشياطين، وينفع منها تلاوة هذه الكلمات قبل النوم، وأما إذا كانت تلك الأمور ناشئة من خلط في المزاج أو مرض بالجسم ولا سيما المعدة والرأس، فالدواء عند الأطباء والشفاء من الله تعالى.
(7)
فكان عبد الله بن عمرو الراوي رضي الله عنهما يأمر الكبير من أولاده بتلاوتها قبل نومه ويكتبها في شيء ويعلقها على الصغير منهم.
(8)
بسند حسن.
وَشَكَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَامُ اللَّيْلَ مِنَ الْأَرَقِ، فَقَالَ: «إِذًا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظَلَّتْ
(1)
وَرَبَّ الْأَ رضينَ وَمَا أَفَلَّتْ
(2)
وَرَبَّ الشَّياَطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ كُلِّهِمْ جَمِيعًا أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ أَوْ أَنْ يَبْغِيَ عَلَيَّ، عَزَّ جَارُكَ
(3)
وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ ولَا إِلهَ غَيْرُكَ وَلَا إِلهَ إِلا أَنْتَ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاللَّهُ أعْلَمُ.
دعاء قضاء الدين
(4)
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ ثَبِيرٍ دَيْنًا أَدْاهُ اللَّهُ عَنْكَ
(5)
قُلِ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ
(6)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: «ياَ أَباَ أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ» ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«أفَلَا أُعلَّمُكَ كَلَامًا إِذَا قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ» ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ
(1)
مما تحتها.
(2)
ما حملته فوقها.
(3)
صار عزيزًا من لجأ إليك وتوكل عليك، نسألك اللهم حسن اليقين والتوكل عليك آمين.
(دعاء قضاء الدين)
(4)
فمن كان عليه دين ودعا بهذا الدعاء عقب كل صلاة مع نية الأداء والسعي فيه فإن الله يساعده على سداده في القريب العاجل إن شاء الله تعالى.
(5)
ثبير كأمير: جبل باليمن وقيل بقرب مكة وفي رواية: صبر ككتف. جبل لطئ.
(6)
ففيه طلب الكفاية من الحلال والغني عن الناس فيلزمه سداد الدين وهذا سره.
(7)
بسند حسن.
وَأَعُوذ بِكَ وَأَعُوذَ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ»، قَالَ: فَفَعْلْتُ ذلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي
(1)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ آمِين.
الدعاء لرؤية المبتلى
(2)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ رَأَى مُبْتَلًى فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلَا لَمْ يُصِبْهُ ذلِكَ الْبَلَاءُ
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ والتَّوْفِيقَ آمِين.
دعاء المريض
(4)
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّهُماَ شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ صَدَّقَهُ رَبُّهُ فَقَالَ: لَا إِلهَ إِلا أَنَا وَأَناَ أَكْبَرُ. وَإِذَا قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ قَالَ: لَا إِلهَ إِلا أَنَا وَحْدِي. وَإِذَا قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ اللَّهُ: لَا إِلهَ إِلا أَناَ وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي. وَإِذَا قاَلَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ قَالَ: لَا إِلهَ إِلا أَناَ لِيَ الْمُلْكُ وَلِيَ الْحَمْدُ. وَإِذَا قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ
(1)
فتلاوة هذا صباحًا ومساء تنفع لسداد الدين، وكذا في الحديث قبله والدار على قوة اليقين والإخلاص وحسن التوكل على الله تعالى.
الدعاء لرؤية المبتلى
(2)
فمن رأى شخصًا به أي بلاء في جسمه أو عقله وقرأ هذا الدعاء فإن الله يحفظه منه مدة حياته ولكن لا يسمع المريض فإنه يؤلمه ذلك.
(3)
والحديث رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ: من رأى صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا إلا عوفي من ذلك البلاء كائنا ما كان ما عاش. نسأل الله السلامة والتوفيق آمين.
(دعاء المريض)
(4)
فينبغي لمن مرض أن يكرر هذا عدة مرات فإنه توحيد خالص.
قَالَ: لَا إِلهَ إِلا أَناَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِي»، وَكَانَ يَقُولُ: «مَنْ قاَلَهاَ فِي مَرَضِهِ ثمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعمْهُ النَّار
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
الذكر عند دخول السوق
(2)
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيُر وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ بَدَلَ «وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَبَنَى لهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِي
(4)
. نَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذ بِهِ مِنَ النَّارِ آمِين.
دعاء الحفظ
(5)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءهُ عَليٌّ رضي الله عنه فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ياَ رَسُولَ اللَّهِ تَفَلَّتَ هذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي فَماَ أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ
(6)
(1)
الظاهر أنه يقول هذه الكلمات بتمامها ولا يترك ألفاظ الإجابة، والأفضل أن يقوله كل يوم وكل ليلة فإنه إن مات في مرضه هذا لا تمسه النار إن شاء الله تعالى. نسأل الله السلامة منها آمين.
(الذكر عند دخول السوق)
(2)
السوق: محل البيع والشراء وهو مرتع الغش والكذب والخداع والخيانة وفيه بنصب إبليس رايته، وسبق في فضل المساجد: أبغض البقاع إلى الله الأسواق. وأحب البقاع إلى الله المساجد. فلذا عظم الذكر فيها كثيرًا.
(3)
ويجوز أن يمنح الله كل ذلك لمن يشاء من عباده ففضله عظيم وإحسانه أعظم جل شأنه وعلا.
(4)
بسند غريب نسأل الله الأمن والأمان في غربتنا ووحدتنا آمين والحمد لله رب العالمين.
(دعاء الحفظ)
(5)
فهذا دعاء ينفع لحفظ القرآن والحديث وغيرها إن شاء الله تعالى.
(6)
فرّ مني بعض آياته فلا أقدر على ضبطها.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ياَ أَباَ الْحَسَنِ أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ وَيُثَبِّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ» ، قَالَ: أَجَلْ ياَ رَسُولَ اللَّهِ فَعَلِّمْنِي
(1)
، قَالَ «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثلثِ اللَّيْلِ الْاخِرِ
(2)
فَإِنَّهاَ سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ
(3)
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا
(4)
فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعاَتٍ تَقْرأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِفاَتِحَةِ الْكِتَابِ وَسورَةِ يس وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفاَتِحَةِ الْكِتَابِ وَحم الدُّخَانِ وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ
(5)
وَفِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِفاَتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَباَرَكَ الْمُفَصَّلِ
(6)
فَإِذَا فَرَغتَ منَ التَّشَهُّدِ
(7)
فَاحْمَدِ اللَّهَ وَأَحْسِنِ الثَّناَءَ عَلَى اللَّهِ وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى سَائرِ النَّبِيِّينَ وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالْإِيماَنِ ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذلِكَ
(8)
:
(1)
نعم يا رسول الله علمني.
(2)
فقم فيه.
(3)
حينما قالوا له: {يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} .
(4)
أي ليلة الجمعة.
(5)
التي بين سورتي لقمان والأحزاب.
(6)
تبارك الذي بيده الملك التي في المفصل وهو القسم الذي يبتدئ من سورة الحجرات إلى الآخر، وهذا احتراز من سورة تبارك الذي نزل الفرقان على عبده المجاورة لسورة النور.
(7)
أي وقبل السلام فاحمد الله واذكره وادعه بالآتي، أو المراد إذا سلمت، وهذا هو الظاهر أن الدعاء يستجاب عقب الصلاة، ولأنه في صلاة ما دام في مصلاه، والملائكة تصلى عليه وتؤمِّن على دعائه ما دام في مصلاه الذي صلى فيه.
(8)
ويحسن أن يقول في هذا الحمد والثناء والاستغفار: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله، عدد كمال الله وكما يليق بكماله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه النبيين والمرسلين عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك ما دام ملك الله تعالى، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، اللهم ارحمني بترك المعاصي إلى آخر الدعاء.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعاَصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُ رضيكَ عَنِّي اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ
(1)
أَسْأَلُكَ ياَ أللَّهُ ياَ رَحْمنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَماَ عَلَّمْتَنِي وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُ رضيكَ عَنِّي اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ أَسْأَلُكَ ياَ اللَّهُ ياَ رَحْمنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي وَأَنْ تُعْمِلَ بِهِ بَدَنِي
(2)
لِأَنَّهُ لَا يُعِيننِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ وَلَا يُؤْتِيهِ إِلا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، ياَ أَباَ الْحَسَنِ
(3)
فَافْعَلْ ذلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْسَ أَوْ سَبْعَ تُجاَبُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ
(4)
»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ عَلِيٌّ إِلا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا حَتَّى جَاء عَلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ ذِّلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ: ياَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ فِيمَا خَلَا
(5)
لَا آخُذُ إِلا أَرْبَعَ آياَتٍ أَوْ نَحْوَهُنَّ وَإِذَا قَرَأْتُهُنَّ عَلَى نَفْسِي تَفَلَّتْنَ
(6)
وَأَناَ الْيَوْمَ أَتَعَلَّمُ أَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ نَحْوَهَا وَإِذَا قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَكَأنَّمَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنَيَّ وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَإِذَا رَدَدْتُهُ تَفَلَّتَ وَأَنَا الْيَوْمَ أَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ فَإِذَا تَحَدَّثْتُ بِهاَ لَمْ أَخْرِمْ مِنْهاَ حَرْفًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذِّلِكَ: «مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ياَ أَباَ الْحَسَنِ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
(1)
التي لا يصل إليها أحد.
(2)
بتوفيق للأعمال الصالحة.
(3)
كنية لعليّ رضي الله عنه.
(4)
أي ما خيب مؤمنا فعله بقلب خالص لله تعالى.
(5)
أي مضى.
(6)
لا آخذ أي لا أحفظ إلا أربع آيات وإذا أردت قراءتهن أنسيتهن.
(7)
أي أنت مؤمن وحق رب الكعبة.
(8)
بسند حسن، والله أعلم.
{فائدة} : في دعاء الحاجة وصلاتها فمن كانت له حاجة إلى الله أو عند أحد من عباده فليقم في ليلة الجمعة في آخر الليل فليتوضأ وليصل ركعتين بنية الحاجة، ثم يستغفر الله بأى صيغة مائة مرة، ثم يصلي =
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}
(2)
صَدَقَ اللَّهُ مَوْلَاناَ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قاَلُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
(3)
قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَماَ صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْراهيمَ وَباَرِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ
= على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة مائة مرة ثم يثني على الله تعالى بالباقيات الصالحات وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر نحو خمس عشرة مرة، ثم يقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم نحو مائة مرة، ثم يقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا همًّا إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين؛ وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، ثم يدعو ربه بما يشاء، وسبق هذا في آخر الصلوات المسنونة بعنوان (صلاة الحاجة) من كتاب الصلاة، والتوفيق بيد الله وحده.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
وضعناها عقب الدعاء لأنها دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم وللشخص المصلى، بل هي من الدعاء المقبول لأنها دعوة غائب لغائب، وللمصلي أجر عظيم عليها كما يأتي، والكلام هنا على ما ورد في فضلها وما ورد في صيغها في أصولية الخمسة.
(2)
فالله تعالى يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أي يرحمه رحمة مقرونة بالتعظيم والملائكة أيضا يطلبون له من الله التعظيم والتبجيل بما يليق به صلى الله عليه وسلم وأنتم أيها المؤمنون صلوا وسلموا عليه بأى صيغة مما يأتي وغيرها، وحكمة صلاة الملائكة والمؤمنين عليه تشريفهم بذلك واقتداء بالله تعالى ومكافأة لبعض حقوقه على الخلق فإنه الواسطة العظمى في كل نعمة وصلت لهم، وفي الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم دوام الرفعة والكمال له فإنه ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه، وظاهر الآية أن الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم واجبان على المؤمنين وهذا باتفاق العلماء، ولكنهم اختلفوا في وقتهما، فعند الشافعي واجبان في التشهد الأخير من كل فرض لأنهما دعاء وهو بآخر الصلاة أليق، وعند مالك تجبان في العمر مرة واحدة وعند غيرهما تجبان في كل مجلس مرة، وقيل تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه الشريف لما يأتي:"البخيل الذي يسمع اسمي ولا يصلى عليّ" صلى الله عليه وسلم عليه ألف ألف مرة ما دام ملك الله تعالى.
(3)
فنعمل بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} .
وَأَزْوَاجِهِ وَذرِّيَّتِهِ كَماَ باَرَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
(1)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ
(2)
.
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً، إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْناَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ
(3)
فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَماَ باَرَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
(4)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
وَلِلْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَماَ صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا باَرَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْناَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ. هذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ
(5)
فَكَيْفَ نصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَماَ صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَباَرِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَماَ باَرَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ
(6)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتاَلَ بِالْمِكْياَلِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ
(7)
فَلْيقُلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
(1)
أزواجه أي زوجاته صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين، وذريته: أولاده صلى الله عليه وسلم، والنسل الشريف من فاطمة الزهراء، وهي جدتي رضي الله عنها ولى بذلك الشرف الأعلى إذا ذكرت الأنساب.
(2)
مرويات أبي داود هنا في التشهد من كتاب الصلاة.
(3)
بقولنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته كما علمتنا في تشهد الصلاة.
(4)
آل محمد صلى الله عليه وسلم هم أقاربه المؤمنون أو كل تقي من أمته.
(5)
أي قد عرفناه.
(6)
أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأجوبة متفاوتة إيذانًا بأن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأي أسلوب صحيحة ومقبولة.
(7)
المشهور نصبه على الاختصاص ويجوز جره بدلا من الضمير قبله، وظاهره أن هذه الصلاة أكثر وأوفر ثوابًا وأجرًا من غيرها، ولعله لجمعها الأزواج الطاهرات والذرية وأهل البيت رضي الله عنهم أجمعين، وإن كانوا داخلين في الآل في الروايات التي قبلها ولكن لا يخلو التصريح من مزاياه.
وَذرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَماَ صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(1)
.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا
(2)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ
(3)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يَصَلِّ عَلَيَّ
(4)
وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ
(5)
وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فعلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ
(6)
».
• عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثاَ اللَّيْلِ
(7)
قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهاَ النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهاَ الرَّادِفَةُ
(8)
جَاءَ الْمَوْتُ بِماَ فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِماَ فِيهِ»، قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي
(9)
قَالَ: «مَا شِئْتَ» ، قُلْتُ: الرُّبُعَ
(10)
قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: النِّصْفَ قَالَ: «مَا شِئْتَ
(1)
بسند صحيح وإلى هنا انتهى الكلام على ما ورد في أصولنا من أساليبها المتفاوتة وما يأتي فهو في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
ولا يقال إن غير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات في التضعيف هكذا الحسنة بعشر أمثالها فلا مزية لها على غيرها؛ لأنّا نقول لا يلزم من التساوي في الكم أي العدد التساوي في الكيف أي القدر فربما ساوت الحسنة الواحدة هنا ألفًا في غيرها وحسبنا المشاكلة في قوله صلى الله عليه وسلم: عشرا. فلها معناها.
(3)
عظم أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جدا حتى صارت كأحد أركان الإسلام وهي الزكاة في أن التارك لما يسمى بخيلا.
(4)
أي نزل الذل والهوان بمن سمع اسمه صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه.
(5)
لعدم اجتهاده بصالح الأعمال فيه.
(6)
لعدم قيامه بما يرضيهما.
(7)
وجاء الثلث الأخير وهذا في بعض الأحيان.
(8)
الراجفة: النفخة الأولى التي بها يرجف كل شيء، والرادفة: النفخة الثانية.
(9)
في مجالسي الخاصة بي للعبادة أو المراد نافلته التي يصليها ليلا.
(10)
الربع: أي أصلى عليك ربع مجلسي.
فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْن قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّها
(1)
قَالَ: «إِذنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ
(2)
»، رَوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ فِي يَوْمَ الْقِياَمَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَسَبَقَ بِضْعُ أَحَادِيثَ فِيهاَ فِي باَبِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
(1)
أجمل مجالسي كلها في الصلاة عليك يا رسول الله.
(2)
فصارت كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفيلة بأمور الدنيا والآخرة، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك آمين والحمد لله رب العالمين.
(3)
ولكن الثالث في صفة القيامة، والثاني بسند حسن، والأول والثالث بسندين صحيحين.
(4)
فأكثر الناس صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أولاهم بشفاعته وأقربهم المجلسه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا الصلاة عليّ فإن صلاتكم عليّ مغفرة لذنوبكم، رواه ابن عساكر عن الحسن بن على رضي الله عنهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من الصلاة عليّ في يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لن يصلي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها. رواه ابن ماجه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من الصلاة عليّ في يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا وشافعا يوم القيامة. رواه البيهقي بسند حسن، وسبق نبذة منها في آخر صلاة الجمعة من كتاب الصلاة. وروى أن بعض البلاد الإسلامية كانت تشرب من بئر فغاض ماؤه يومًا وكاد العطش يهلكهم فضج الناس وكثر اللغط والعويل ولا سيما الشيوخ والأطفال فجاءت امرأة من ضعفاء الناس فجلست على حافة البئر وتضرعت إلى الله تعالى ففار الماء حتى فاض وروى الناس كلهم وعمهم الفرح والسرور؛ فلما سمع بهذا عالم جليل في البلدة وهو الشيخ الجزولي رضي الله عنه ذهب لتلك المرأة في بيتها وأقسم عليها لابد أن تخبره بأي شيء وصلت إلى تلك المنزلة؟ فقالت: بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فتضرع إلى الله تعالى أن يوفقه لمؤلف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تسير بذكره الركبان وكان كذلك، ففتح الله عليه ووفقه لتأليف دلائل الخيرات هذه التي اشتهرت في جميع الأقطار الإسلامية وانتفع بها من عباد الله ما لا يعلمهم إلا الله تعالى، جزاه الله خير الجزاء وحشرنا في زمرته آمين. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلى على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم وفقنا لكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم آمين والحمد لله رب العالمين.
الباب الخامس: في الاستغفار والتوبة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً}
(2)
.
• عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفاَرِ أَنْ تَقُولَ
(3)
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَناَ عَبْدُكَ وَأَناَ عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ
(4)
أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمْتَكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي
(5)
فاَغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ»، قَالَ: وَمَنْ قاَلَهاَ مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَن يُمْسِىَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
(6)
وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهاَ فَماَتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا مُسْلِمًا.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً
(7)
»، رَوَاهُ البُخَارِيَّ.
• عَنِ الأغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغاَنُ عَلَى قَلْبِي
(8)
وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
الباب الخامس في الاستغفار والتوبة
(1)
أي في بيان ألفاظ الاستغفار وفضله، والاستغفار: طلب المغفرة بأي لفظ كان كقوله: رب اغفر لي، ولكن أحسنها ما يأتي في حديث شداد وزيد.
(2)
فكثرة الاستغفار والرجوع إلى الله تعالى سبب في إسعاد الإنسان بالأولاد والأموال ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
(3)
ولفظ أحمد والنسائي: أن سبب الاستغفار أن يقول العبد أي أعلى ألفاظه وأكثرها ثوابًا: اللهم أنت ربي؛ لاشتماله على الاعتراف لله بالنعمة والتوحيد والانفراد بالخلق والغفران والاعتراف بالعجز والتقصير وطلب الغفران.
(4)
فأنا قائم بما عاهدتك وواعدتك عليه من الإيمان وإخلاص العبادة لك بقدر استطاعتي.
(5)
اعترف لك بالنعمة وأعترف بذنبي.
(6)
قال أي النبي صلى الله عليه وسلم: من قالها صباحًا موقنًا بثوابها مخلصًا في قولها فمات في يومه قبل أن يذنب دخل الجنة بدون عذاب.
(7)
إلى مائة وأكثر كما يأتي.
(8)
أي يعلوه غين وغيم وهو غين أنوار لا غين أغيار.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمِ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ
(1)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ
(2)
».
• عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مرَّةً
(3)
».
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ، «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(4)
»، رَوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ أَبِي ذَرّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فِيماَ رَوَى عَنِ اللَّهِ تبارك وتعالى
(6)
أَنَّهُ قَالَ: «ياَ عِباَدِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي
(7)
وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظاَلَمُوا
(8)
، ياَ عِباَدِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فاَسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ
(9)
، ياَ عِباَدِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فاَسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ
(10)
، ياَ عِباَدِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فاَسْتكْسُونِي أَكْسُكُمْ
(11)
، ياَ عِباَدِي إِنَّكُمْ تخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
(1)
لأن العفو والغفران لا يتجلى أثرهما إلا على المذنبين فلابد من وجودهم فيلجأون إلى الله فيعفو عنهم.
(2)
سبق هذا في الذكر عقب الصلاة.
(3)
فلا إصرار على الذنب إذا كان يستغفر الله ويتوب إليه مع الندم على ما حصل والعزم على عدم العود إليه وإن تكرر منه الذنب.
(4)
وهذا تعليم للأمة وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
(5)
الأولان بسندين صالحين والثالث بسند صحيح.
(6)
فهو حديث قدسي.
(7)
تنزهت عنه، فهو مستحيل عليه تعالى لأنه مجاوزة الحد وليس فوق الله تعالى من يحد ويرسم له حتى تسمى مجاوزته ظلما، وقيل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه إما بنقص أو زيادة أو بعدول عن وقته أو مكانه، والحامل عليه الجهل وهو مستحيل على الله تعالى.
(8)
بتخفيف الظاء وتشديدها أي لا يظل بعضكم.
(9)
فلا هداية إلا من الله تعالى فاطلبوها منه يمنحكم إياها.
(10)
فالمطعوم بيد الله تعالى خلقًا وملكا فاطلبوه منه تعالى.
(11)
اطلبوا مني ملابسك وما يقيكم الحر والبرد فهو بيدي فقط.
فاَسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ
(1)
، ياَ عِباَدِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي
(2)
، ياَ عِباَدِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا
(3)
، ياَ عِباَدِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، ياَ عِباَدِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ
(4)
فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ
(5)
مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَماَ يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ
(6)
، ياَ عِبَادِي إِنَّماَ هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الرَّقاَئِقِ.
(1)
فالخطأ من شأنكم والعفو شيمتي وصفتي، فاطلبوه مني أمنحكم إياه، وهذا بيت القصيد هنا، اللهم اعف عنا يا رحمن يا رحيم يا عفو يا رءوف يا كريم يا ذا الفضل العظيم آمين.
(2)
فالله تعالى عزيز ومقدس عن أن يصل إليه شيء، وعظيم وكامل في كل شيء، والجملتان اللتان بعد هذه البيان لها.
(3)
فالإنس والجن كلهم لو كانت قلوبهم ملأى بالتقوى كقلب محمد صلى الله عليه وسلم وما زادوا في ملك الله شيئًا لأنه كامل في ذاته كما لو كانت قلوبهم كقلب إبليس اللعين ما نقصوا من ملك الله شيئا، فطاعتهم لهم وعصيانهم عليهم فقط.
(4)
في مكان واحد وإن كان أصل الصعيد وجه الأرض.
(5)
وفي رواية: كل واحد مسألته وهي أولى لتشمل الجن إلا إذا قلنا الإنسان من ناس إذا تحرك فإنه يشمله.
(6)
المخيط كالمنبر: آلة الخياطة وهي الإبرة، وهذا تمثيل للتقريب إلى الأفهام وإلا فالبحر محدود والمخيط ينقصه وفضل الله ليس بمحدود فلا ينفد بل لا ينقص لأن خزائن الله الكلام إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
(7)
إنما هي أي حالكم معي أحصى أعمالكم وأحفظها لكم فمن وجد خيرًا في أعماله فليحمد الله الذي وفقه للخير ومن وجد شرًا فيها فلا يلومن إلا نفسه لأنه عمله وكسبه، قال الله تعالى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} .
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغفْاَرَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمَ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
التوبة وفضلها
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}
(3)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «للَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فاَنْفَلَتَتْ مِنْهُ
(4)
وَعَلَمْهاَ طَعاَمُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهاَ
(1)
من حيث لا يخطر بباله، وملازمة الاستغفار عند كل ذنب أو في غالب الأوقات، ففي كثرته المخرج من كل ضيق والفرج من كل هم وسعة الرزق لأنه لما أناب إلى ربه واشتغل به كفاه كل شيء، قال تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} وقيل أقل الإكثار مائة في الصباح ومائة في المساء، ومن هذا جعل بعض الصوفية رضي الله عنهم على المريد في أول أمره وردا في الصباح والمساء وهو الاستغفار مائة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مائة، ولا إله إلا الله ثلاثمائة على الأقل وهذا من لب العبادات فإن الاستغفار نظافة الظاهر والباطن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جمال الظاهر والباطن، والجلالة دخول في الحضرة العلية، نسأل الله التوفيق الذي يرضيه آمين والحمد لله رب العالمين.
التوبة وفضلها
(2)
التوبة: هي الرجوع إلى الله تعالى، وشروطها ثلاثة: الإقلاع عن الذنب أي البعد عنه، والندم على ما حصل، والعزم على ألا يعود إليه أبدا وإن كان الذنب يتعلق بآدمي فإنه يزاد عليها شرط رابع وهو رد الحقوق إلى أصحابها أو استسماحهم منها تفصيلا عند الجمهور وإجمالا عند السادة المالكية وهذا أستر وأجمل، وليس الزنا مما يحتاج إلى مسامحة فربما جلبت المسامحة مفاسد كثيرة ويكفي أن يتوب إلى الله تعالى ويستر على نفسه كما تقدم في الحدود.
(3)
{توبة نصوحا} صادقة بالأسف على ما وقع منه وعزمه على ألا يعود له، ويشترط في التوبة أيضا أن تكون قبل الغرغرة، والتوبة أهم أركان الإسلام، وهي أول مقامات سالكي طريق الآخرة نسأل الله التوبة الكاملة الصادقة آمين.
(4)
الفلاة المفازة التي ليس بها أحد، فانفلتت منه: شردت فضاعت منه.
فَأَتَى شَجَرَةً فاَضْطَجَعَ فِي ظِلِّهاَ قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْناَ هُوَ كَذلِكَ إِذَا هُوَ بِهاَ قاَئمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا
(1)
» ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَناَ رَبُّكَ» أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ
(2)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يا أيُّها النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وقت التوبة
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ}
(6)
{وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}
(7)
.
(1)
أي زمامها الذي تقاد به.
(2)
فالله تعالى أشد فرحا بعبده إذا تاب إليه من رجل كان مسافرا وحده فضاعت منه راحلته بطعامه وشرابه فبحث عنها حتى تعب وأيس منها فوجد شجرة فنام تحتها برهة فاستيقظ فوجد راحلته فأخذ بزمامها وأراد أن يحمد الله بقوله: أنت ربي وأنا عبدك؛ فأخطأ فقال: أنت عبدي وأنا ربك.
(3)
بالاستغفار السابق في حديث زيد أو في حديث ابن عمر أو نحوهما.
(4)
كل بني آدم خطّاء، فيه استعداد للخطأ كقوله تعالى:{إن الإنسان لفي خسر} وخيرهم وأجلّهم إلى الله كثير التوبة عند كل هفوة، قال الله تعالى {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وبالله التوفيق.
وقت التوبة
(5)
فالتوبة مقبولة في كل وقت إلا إذا جاءت الغرغرة وعلامات الموت، وإلا إذا طلعت الشمس من مغربها فلا تقبل التوبة عند واحدة منهما لا يأتي.
(6)
{وليست التوبة} نافعة {للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت} وأخذ في النزع {قال} عند مشاهدة ما يحل به {إني تبت الآن} .
(7)
{ولا الذين يموتون وهم كفار} أي وليست التوبة مقبولة من الكفار إذا أسلموا عند الموت فلا تنفعهم بل لهم العذاب الأليم ومن هذا قوله تعالى عن فرعون {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} أي لا يقبل إيمانك الآن لأنه ليس لله تعالى وقد ادعيت الربوبية واضطهدت رسولك والمسلمين.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّه يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(2)
.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهاَرِ وَيَبْسُط يَدَهُ بِالنَّهاَرِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهاَ
(3)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تاَبَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهاَ تاَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
(4)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ منْ مَغْرِبِهاَ فَإِذَا طَلَعَتْ آمَنَ النَّاسُ كلُّهُمْ أَجْمَعُونَ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيماَنُهاَ لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيماَنِهاَ خَيْرًا
(5)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ
(6)
.
• عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ فَقُلْتُ: هَلْ حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْهَوَى شَيْئًا؟
(7)
قَالَ: نَعَمْ كُنَّا معَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَادَاهُ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ جَافٌّ جِلْفٌ كَانَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ بِصَوْتٍ جهْوَرِيَ: ياَ مُحَمَّدُ ياَ مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَهْ إِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا
(8)
فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوًا مِنْ صَوْتِهِ: «هَاؤُمُ»
(9)
، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»
(10)
، قَالَ زِرٌّ: فَمَاَ بَرِحَ
(1)
فإذا جاءت الغرغرة بلغت روحه الحلقوم ولم يكن عقله ثابتًا فلا تقبل توبة العاصي ولا إيمان الكافر.
(2)
بسند حسن.
(3)
وطلوع الشمس من مغربها من الآيات الكبرى في آخر الزمان بعد نزول عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وسيأتي في علامات الساعة إن شاء الله.
(4)
عفا عنه وقبله.
(5)
سبق هذا في تفسير سورة الأنعام.
(6)
ولكن مسلم في الإيمان والبخاري في الرقائق وأبو داود في أمارات الساعة.
(7)
في الحب المشروع.
(8)
كف عن هذا النداء فإنك نهيت عنه بقوله تعالى {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} وتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل يا نبي الله أو يا رسول الله بصوت هادئ.
(9)
أجابه بصوت عال كصوته: سمعت نداءك فسل.
(10)
سبق هذا في آخر كتاب الأخلاق برواية الأصول الثلاثة.
صَفْوَانُ يُحَدِّثُنِي حَتَّى حَدَّثَنِي أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ بِالْمَغْرِبِ باَبًا عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَاَمًا لِلتَّوْبَةِ
(1)
لَا يُغْلَقُ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ
(2)
وَذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
يقبل الله توبة عبده وإن أسرف
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}
(5)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا
(7)
فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي»، فَقَالَ تبارك وتعالى: (أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب
(8)
)، ثُمَّ عَادَ فَأذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ
(9)
اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقاَلَ تبارك وتعالى:(عَبِدْي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ)، ثُمَّ عَادَ فَأذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: (أذنب عبدي
(1)
بابًا واسعًا جدا للتوبة.
(2)
كناية عن قبول التوبة في كل وقت حتى تطلع الشمس من مغربها.
(3)
بسند صحيح، والله أعلم.
يقبل الله توبة العبد وإن أسرف
(4)
فكل شخص تاب ورجع إلى ربه يقبله الله تعالى سواء كان كافرا وأسلم أو عاصيًا ورجع إلى طاعة ربه فإنه بعباده رءوف رحيم.
(5)
فالله تعالى وعد عباده بأنه يغفر لكل مذنب إذا شاء ويدخله الجنة بفضله تعالى إلا المشركين فإن ذنبهم عظيم لا يغفر؛ لأن الله تعالى يخلقهم ويرزقهم ويعافيهم وهم يعبدون غيره، تنزه ربنا عما يقولون.
(6)
فالله تعالى يقبل التوبة ويعفو عن السيئات لمن تاب ورجع إليه وأناب.
(7)
أي عبد من عباد الله.
(8)
يعاقب عليه.
(9)
يا رب.
ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب)، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ
(1)
».
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ إِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ
(2)
لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ ياَ رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ
(3)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
(4)
رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ
(5)
فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ»
(6)
فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَأَتاَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ
(7)
فَقَالَ: «نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ» انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهاَ أُناَسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاَعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهاَ أَرْضُ سَوْءٍ
(8)
(1)
فلما علم الله من عبده أنه لا يعلم له ربا إلا الله تعالى ولا يغفر الذنوب إلا الله وهو دائم على الاعتراف بذلك غفر الله له كل ذنوبه، وفيه أنه لو تكررت الذنوب ولو من غير حصر وتاب عقب كل ذنب قبله الله بل وأحبه لكثرة توبته، قال تعالى {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وكذا لو تاب مرة واحدة بعد جميع الذنوب قبله الله وعفا عنه لأنه أولى من الكافر الذي يقبله الله إذا أسلم. وفيه أن التوبة فرض عين على كل شخص أذنب في الحال لئلا يفاجئه الموت فتفوته.
(2)
قضى عليه بالعذاب.
(3)
فرجل من السالفين لم يعمل خيرًا قط فلما حضره الموت أوصى أهله أن يحرقوه بعد موته ويذروا نصفه في البر ونصفه الآخر في البحر فنفذوا وصيته فجمعه الله وأحياه وقال له: لم فعلت هذا؟ قال: خشية منك يا رب؛ فغفر الله له لأنه خاف ربه عند موته ففعل بنفسه ما يراه فوق كل عقاب، وهذا مقيد بمشيئة الله تعالى {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .
(4)
من الأمم السابقة.
(5)
من عباد النصارى جاهل بالشرع الشريف.
(6)
بريد السائل نفسه.
(7)
لا يحول بينك وبين التوبة شيء فهي مقبولة، وفيه دليل على أن الله يقبل توبة القاتل ولو عمدا وهذا بإجماع السلف والخلف إلا ابن عباس كما سبق في الحدود.
(8)
فيه أنه ينبغي مفارقة الأرض التي عصا فيها ولعله كان واجبًا في شرعهم.
فاَنْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيق
(1)
أَتاَهُ الْمَوْتُ
(2)
فاَخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ
(3)
فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تاَئِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
(4)
وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَأَتاَهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيَ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ
(5)
فَقَالَ: «قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَ رضينِ فَإِلَى أَيِّهِماَ كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ فَقاَسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ
(6)
فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ»
(7)
، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ
(8)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حَدِيثًا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مَرَّاتٍ
(9)
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ
(10)
فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطاهَا سِتِّينَ دِيناَرًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهاَ مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ
(11)
وَبَكَتْ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ لَا، وَلكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ وَمَا حَمَلِني عَلَيْهِ إِلا الْحَاجَةُ فَقَالَ: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هذَا وَمَا فَعَلْتُهُ، اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ
(12)
وَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَعْصِي اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا فَماَتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى باَبِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ
(13)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(14)
.
(1)
كان في نصف الطريق الذي بين البلدين.
(2)
حضرته الوفاة.
(3)
المكلفون بتشييع كل إنسان حين موته.
(4)
فهو لنا ونحن أولى به.
(5)
حكما بينهم فسمع من كل فريق دعواه. قيل إن هذا: هو جبريل عليه السلام فحكم بينهم بما ذكر.
(6)
الذهاب لها وهي أرض العابدين، ولمسلم: أنه لما سمع هذا الحكم - ناء بصدره - نهض بجسمه ليقرب من القرية الصالحة، وروى أن الله تعالى أوحى إلى هذه أن تباعدي وهذه أن تقربي قيل فوجدوه زائدا عن نصف الطريق بشبر واحد فتولته ملائكة الرحمة.
(7)
فلما سمع المذنب فتوى العالم وهجر بلده وسافر إلى عباد الله تائبًا إلى الله تعالى قبله الله بواسع رحمته جل وعلا وتنزه عن مشابهة الورى.
(8)
ولكن مسلم هنا والبخاري في بدء الخلق.
(9)
كرره في عدة مجالس لينتشر في عباد الله ترغيبًا في سعة رحمة الله تعالى.
(10)
ليس هذا بذي الكفل المذكور في سورة الأنعام فإنه رسول معصوم.
(11)
اضطربت وبكت خوفا وخشية من الله تعالى.
(12)
فهي أي الدنانير خالصة لك ولن أمسك بسوء.
(13)
فلما خاف ربه ومنع هواه وجاهد نفسه في هذا المقام العظيم وتاب وأناب إلى الله، قبله الله وغفر له وإن لم يعمل صالحا كالرجلين اللذين في الحديث قبله، نسأل الله أن يحشرنا في زمرة الصالحين آمين والحمد لله رب العالمين.
(14)
في الرقائق بسند حسن.
خاتمة في سعة رحمة الله تعالى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
(1)
فَسَأَكْتُبُهَا
(2)
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُم بِئَايَتِنَا يُؤْمِنُونَ
(3)
. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ يعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ}
(4)
{لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}
(5)
{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتاَبِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي»
(7)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوَبَةِ
(8)
مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ. وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ
(9)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تصِيبَهُ» .
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهاَ رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائمِ وَالْهَوَامِّ فَبهِاَ يَتَعَاَطَفُونَ وَبِهاَ يَتَرَاحَمُونَ وَبِهاَ تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ
خاتمة في سعة رحمة الله تعالى
(1)
عمت كل شيء في دار الدنيا فإنها عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر.
(2)
أي أخصها.
(3)
جزاء على إيمانهم وما قدموه في دنياهم.
(4)
بكثرة العصيان.
(5)
لا تيأسوا منها.
(6)
إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب إليه ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم.
(7)
وفي رواية تقدمت في الإيمان بالقدر من كتاب الإيمان: إن رحمتي سبقت غضبى، فالرحمة وهي الإحسان الإلهي سابق على كل شيء وأوسع من كل شيء.
(8)
من غير نظر للرحمة.
(9)
من غير نظر للعقاب.
تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهاَ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1)
»، رَوى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عز وجل إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً فَيَقُولُ: هذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً
(4)
».
• عَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا قَالَ: «وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ
(5)
وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَلا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ أَوْ كَماَ قَالَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْياَ إِلا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(6)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ.
• عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْيٍ
(7)
فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي
(8)
إِذَا وَجِدَتْ صَبِيّاً فِي السَّبْي
(1)
فلله سبحانه وتعالى مائة رحمة جعل منها في الأرض رحمة واحدة فبها ترحم الخلائق بعضها بعضا من إنس وجن ووحش وطير وهوام فإذا جاءت القيامة أكمل بهذه الرحمة المائة وجعلها لعباده المؤمنين، وفي رواية لمسلم: إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة واحدة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة.
(2)
ولكن مسلم والترمذي هنا، والبخاري روى الأول في بدء الخلق والثاني في الرقائق والباقي في الأدب.
(3)
أي فداؤك منها عوضا عنك، وفي رواية: يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى أي يضع مثلها عليهم بكفرهم وذنوبهم فيدخلهم النار لا بذنوب المسلمين، قال تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} .
(4)
هذا وما قبله تشريف ورفع شأنٍ للمسلم وهذا هو التغابن الذي سبق في سورة التغابن وهو أن يرث الكافر المسلم بأخذ مكانه في النار لو كان كافرا ويرث المسلم الكافر بأخذ منزلته وما فيها في الجنة لو كان مسلما نسأل الله الجنة بمنه وفضله.
(5)
أي يحلف على ألا أغفر لذلك الرجل فإني قد غفرت له وأحبطت عمل القائل، فلا ينبغي الافتيات على الله في شيء ولا القول بالجنة أو النار لأحد فإنه لا يعلم الغيب إلا الله والعبرة بالخواتيم، نسأل الله حسن الخاتمة.
(6)
فيه بشارة للمسلمين المستورين؛ نسأل الله الستر في الدارين آمين والحمد لله رب العالمين.
(7)
أسرى فيهم رجال ونساء.
(8)
تسعى بتلهف كأنها تبحث عن شيء ضاع منها.
أخَذَتهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنهاَ وَأَرْضَعَتْهُ
(1)
، فَقَالَ لَناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَتَرَوْنَ هذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ» ؟ قُلْناَ: لَا وَاللَّهِ
(2)
وَهِيَ تَقْدِرُ أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِهِ بِوَلَدِهَا
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ
(4)
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهاَ أَوْ أَغْفِرُ
(5)
وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مُنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باَعاً وَمَنْ أَتاَنِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً
(6)
وَمَنْ لَقِيَنِي بِقْرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِك بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُباَلِي
(8)
، ياَ ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُباَلِي، ياَ ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقْرَابِ الْأَرْضِ خَطاَياَ ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهاَ مَغْفِرَةً
(9)
»، نَسْأَلُ اللَّهَ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ آمِين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
عدد أحاديث كتاب الأذكار والأدعية والاستغفار ثلاثة عشر ومائتان 213 فقط.
(1)
لأن ولدها كان ضائعا منها.
(2)
بل المرأة تشفق على ولدها من النسيم إذا هب عليه.
(3)
فلا أحد من خلق الله أشفق على الإنسان من أمه لأنه فلذة كبدها وقلبها والله تعالى أشفق على عباده من الأم على ولدها لأنها تحفظه من المضار الحاضرة فقط والله تعالى يحفظه من المضار الحاضرة والآجلة بل ويرشده إلى سعادته في الدنيا والأخرى فما أرفعنا وما أسعدنا إذا كنا له عبيدا موحدين له بكل جوارحنا ما دامت فينا حياة.
(4)
وأضاعف لمن أشاء بسبب إتقانه وإخلاصه في أعماله وعبادة الله تعالى.
(5)
لمن شئنا المغفرة له.
(6)
سبق هذا في أول كتاب الأذكار.
(7)
قراب الأرض بكسر وضم: ما يقرب من ملئها.
(8)
ما كان فيك من الذنوب والعيوب.
(9)
قال الله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} جل شأن ربنا وعلا وتنزه عن مشابهة الورى وله الحمد في الأولى والأخرى ما دام ملكه خالدا مخلدا أبدا آمين والحمد لله رب العالمين.
كتاب الزهد والرقائق
(1)
وفيه سبعة فصول وخاتمة
الفصل الأول: في التحذير من الدنيا
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}
(3)
. وَقَالَ تَعَاَلَى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ}
(4)
. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
(5)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْياَ كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ
(6)
»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ
كتاب الزهد والرقائق وفيه سبعة فصول وخاتمة
(1)
الزهد: هو ترك الشيء والإعراض عنه، والمراد هنا الزهد في الدنيا من مال وجاه ومنصب، ولكن الزهد الواجب ترك ما يضر في الآخرة، والورع: ترك ما يخشى ضرره في الآخرة، وقيل الورع: الأخذ بالحلال المحض ولو بتبسط، والزهد: الأخذ منه بقدر الحاجة، والرقائق: جمع رقيقة وهي ما ترقق القلب وتؤثر فيه: آية قرآنية أو حديث أو موعظة خطيب أو آية كونية حيوان عجيب الخلقة أو رؤية الجبال الشاهقة أو البحار الزاخرة أو رؤية مبتلى ونحو ذلك مما يجلب الخوف والخشية من الله تعالى ويظهر أثر ذلك بقشعريرة الجلد ودمع العين، قال تعالى {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} وسيأتي في الحديث: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع.
(2)
المراد بالدنيا هنا كل ما يشغل عن الله تعالى مما تهواه وتسعى له النفوس، قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} .
(3)
لمن ركن إليها ونسى الآخرة.
(4)
{وما الحياة الدنيا في الآخرة} أي بجنب حياة الآخرة "إلا متاع" أي شيء قليل يتمتع به ويذهب، وأما الآخرة فهي الباقية، قال تعالى {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} .
(5)
فتنة أي لكم شاغلة عن أمور الآخرة والله عنده أجر عظيم فلا تفوتوه بالاشتغال بالأموال والأولاد.
(6)
كأنك غريب أي كشخص في غربة لحاجة فإذا انتهت سارع في العود إلى وطنه، بل كن في الدنيا كالمار في الطريق بل عد نفسك في الموتى، والمراد الإسراع بالأعمال الصالحة شوقا إلى الآخرة فهي الحياة الدائمة.
فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّباَحَ
(1)
وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ وَخذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَياَتِكَ لِمَوْتِكَ
(2)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نِعْمَتاَنِ مَغْبُونٌ فِيهِماَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ
(3)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ رضي الله عنه بِمَالٍ مِنَ الْبحْرَيْنِ وَانْتَظَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ
(4)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ: «وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكمْ وَلكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْياَ عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَماَ تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكمْ كَماَ أَهْلَكَتْهُمْ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلِمُسْلِمٍ رضي الله عنه «إِنَّ الدّنْياَ حُلْوَةٌ خَضُرَةٌ
(6)
وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهاَ فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلونَ فَاتَّقُوا الدُّنْياَ وَاتَّقُوا النِّسَاءَ
(7)
فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاء».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدُّنْياَ سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكاَفِرِ
(8)
».
• عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه قَالَ: كنْتُ مَعَ الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيْتَةِ
(9)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَرَوْنَ هذِهِ هَانَتْ علَى أَهْلِهاَ حِينَ أَلْقَوْهَا» ، قَالُوا: مِنْ هَواَنِهاَ أَلْقَوْهَا ياَ رَسُولَ اللَّهِ
(10)
قَالَ: «فاَلدُّنْياَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هذِهِ عَلَى أَهْلِهاَ» ، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
فربما كان الموت أقرب منه.
(2)
فاغتم صالح العمل في الصحة قبل المرض وفي الحياة قبل الموت.
(3)
الغبن كالنقص وزنا ومعنى وبالتحريك ضعف الرأي، فصحة البدن والفراغ من الأشغال نعمتان عظيمتان إذا لم يستعملهما صاحبهما في طاعة الله فقد غبن نفسه ولا رأي له وخسر خسرانا مبينا.
(4)
سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل أبا عبيدة إلى البحرين ليأتي بجزيتها فذهب وجاء بها فعلت الأنصار بقدومه فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح اجتمعت حوله الأنصار فنظر لهم وذكر الحديث.
(5)
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخاف على أمته من الفقر فإنه لا يضرها ولكنه يخاف من الدنيا فإنها تهلك أهلها قال تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} .
(6)
كالفاكهة الشهية.
(7)
احذروها.
(8)
فالدنيا كالسجن للمؤمن لمنعه نفسه مما تشتهيه من المحرمات بخلاف الكافر، وأيضا الدنيا للمؤمن كالسجن بالنسبة لما أعده الله له في الجنة من النعيم الواسع الخالد، والدنيا كالجنة للكافر بالنسبة لما له في الآخرة من العذاب الأليم الخالد.
(9)
الشاة الميتة.
(10)
من حقارتها وقذارتها ألقوها يا رسول الله.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْياَ تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهاَ شَرْبَةَ مَاءٍ
(1)
».
• عَنْ مُسْتَوْرِدٍ أَخِي بَنِي فِهْرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا الدُّنْياَ فِي الْاخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِماَذَا يَرْجِعُ
(2)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا إِنَّ الدُّنْياَ مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ
(3)
».
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْياَ لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا إِضَاعَةِ الْماَلِ وَلكِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْياَ أَلا تَكُونَ بِماَ فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ مِمَّا فِي يَدَي اللَّهِ وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهاَ أَرْغَبَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيتْ لَكَ
(4)
».
• عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْماَلُ
(5)
».
(1)
فلو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح أصغر ذبابة ما سقى الكافر منها شربة ماء، فتمنعه منها بالكثير دليل على أنها لا تساوي شيئا. نسأل الله السلامة منها آمين.
(2)
فالدنيا بجنب الآخرة كما يحمله الإصبع من البحر.
(3)
هكذا لفظ الرواية برفع اللفظين ولكن رواه ابن ماجه والطبراني بنصبهما وهو مشهور اللغة العربية، والمعنى الدنيا وما فيها ملعون أي متروكة مبعدة عن الله وعباده إلا ذكر الله أي عبادته وما والاه كخيل للجهاد ونعم لقرى الضيف ولا أهل العلم الشرعي المقرون بالعمل والإخلاص فهو محبوب لله.
(4)
فليس الزهيد تحريم الحلال من مطعوم وملبوس ونحوهما، ولا إضاعة المال كرميه في بحر أو تركه حتى يتلف، ولكن حقيقة الزهد أن تكون واثقًا بما عند الله أكثر مما في جيبك لأنه معرض للضياع وما عند الله لك في قرار مكين، وأن تكون في المصيبة إذا نزلت بك أو بعشيرتك أرغب فيها من عدم نزولها لأنه تمام الرضا بحكم الله تعالى، وهذا أعلى مراتب الزهد فلا ينافي ما سبق في أول الكتاب، وسمي زهدا لأنه رغبة عما في يده ووثوق بالله وحكمه، وإلى هنا انتهى التحذير من الدنيا وذمها، وما يأتي في ذم المال والتحذير منه.
(5)
فهو الفتنة العظمى لأنه سبيل للمفاسد كلها ولا سيما مع الشباب، قال القائل:
إن الشباب والفراغ والجده
…
مفسدة للمرء أي مفسده
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْياَ
(1)
»، رَوَى هذِهِ السِّتَّةَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا مَنْ أَعْطاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَنَفَخَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِماَلَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهْ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا
(3)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِياَنِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثاَلِثًا وَلَا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ
(4)
وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ
(5)
».
وَخَطَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما عَلَى مِنْبَرِ مَكَّةَ فَقاَلَ: أَيُّهاَ النَّاسُ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلْانَ مِنْ ذَهَبٍ
(6)
أَحَبَّ إِلَيْهِ ثاَنِيًا، وَلَوْ أُعْطِىَ ثاَنِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثاَلِثًا، وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ»، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إنْ أُعْطِىَ رضي وَأَنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ
(7)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِي أَلا تَمُرَّ بِي ثَلَاثُ لَياَلٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلا شَيْئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ
(8)
»، رَوَاهُماَ البُخَارِيُّ.
(1)
الضيعة: مرتزق الإنسان كتجارة وصناعة وزراعة والنهي عنها بالنسبة لمن يكثر منها فتضله وإلا فالسعي مطلوب بل والاقتصاد محبوب، قال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} .
(2)
الرابع بسند غريب والثالث والسادس بسندين حسنين والباقي بأسانيد صحيحة.
(3)
فأصحاب الأموال الكثيرة في الدنيا أقل ثوابا ودرجات في الآخرة إلا من زكى أمواله وصرفها في وجوه البر والإحسان فله رفيع الدرجات.
(4)
كناية عن الموت لاستلزامه الامتلاء أي لا يشبع من الدنيا حتى يموت وإلا فللتراب بين الزراعين شأن عظيم.
(5)
ورجع إليه.
(6)
وفي رواية: ملأي من ذهب.
(7)
القطيفة: دثار له خمل، والخميصة: كساء أسود مربع، والمراد هلك من يسعى للدنيا ويحرص عليها وينسى الواجب عليه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وكل مشغول بشيء منهمك فيه فهو عبد لله، نسأله الحرية من الدنيا والعبودية لله تعالى.
(8)
فلو كان لي ذهب كجبل أحد وأنفقته بسرعة في مرضاة الله تعالى لسرني ذلك إلا شيئًا قليلا أبقيه للحقوق.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ طُولِ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةِ الْماَلِ
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَان وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} . قَالَ «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي وَهَلْ لَكَ منْ مَالِكَ إِلا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ
(2)
أَوْ أَكَلتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: «يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّماَ لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فاَقْتَنَى
(3)
وَمَا سِوَى ذلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتاَرِكُهُ لِلنَّاسِ
(4)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّكمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ» ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: «فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ
(5)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
(6)
: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ» ، قِيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الْأَرْضِ؟ قَالَ: «زَهْرَةُ الدُّنْياَ
(7)
»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَصَمَتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، ثمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِيِنِه، فَقَالَ:«أَيْنَ السَّائِلُ» ؟ قَالَ: أَناَ
(8)
، قَالَ: «لَا يَأْتِي الْخَيْرُ إِلا بِالْخَيْرِ إِنَّ هذَا الْماَلَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ
(9)
يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ
(10)
(1)
فالشخص إذا كبر يضعف قلبه في كل شيء إلا في طول العمر وكثرة المال، وما أحسنه لو صرفهما في مرضاة الله تعالى.
(تنبيه) مرويات مسلم هنا في الزكاة.
(2)
ادخرت في الآخرة.
(3)
فالباقي للإنسان من ماله هو ما صرفه في وجوه الخير فهو المدخر له عند الله وكذا ما أنفقه على نفسه وأهله إن احتسبه عند الله تعالى.
(4)
أي ورثته.
(5)
فمآل المال الذي يجمعه الإنسان قسمان: قسم له وقسم لوارثه، فالقسم الذي أنفقه في وجوه البر في حياته هو الباقي له إلى الآخرة، وما مات عنه فهو قسم وارثه ولا ثواب له فيه، اللهم إلا إذا احتسب ما تركه لعباد الله تعالى فإنه لا شك يؤجر عليه.
(6)
وهو يخطب الناس يوما.
(7)
وزينتها من الذهب والفضة والحيوان والأشجار والزروع.
(8)
قال أبو سعيد: فحمدنا ذلك الرجل لتسببه في إسماعنا هذا الحديث.
(9)
الجدول: وهو النهر الصغير، والمراد الماء.
(10)
يقتل حبطا بفتحات انتفاخا من كثرة الأكل، أو يلم أي يقرب من الهلاك.
إِلا آكِلَةَ الْخَضِرَةِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتاَهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فاَجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ
(1)
ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ
(2)
وَإِنَّ هذَا الْماَلَ حُلْوةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقَّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ
(3)
وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
البناء لغير حاجة مذموم
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتًا يُكِنُّنِي مِنَ الْمَطَرَ وَيُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ مَا أَعَانَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى
(4)
.
• وَعَنْهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ وَلَا غَرَسْتُ نَخْلَةً مُنْذُ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(5)
، رَوَاهُماَ الْبُخَارِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَناَ أُطَيِّنُ حَائِطًا لِي أَناَ وَأُمِّي
(6)
فَقَالَ: «مَا هذَا ياَ عَبْدَ اللَّهِ» ؟ قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ شَيْءٌ أُصْلِحُهُ، قَالَ:«الْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذلِكَ»
(7)
.
(1)
آكلة الخضرة: الحيوانات التي ترعى نبت الربيع، امتدت خاصرتاها: امتلأ بطنها.
(2)
فالمال حلو كنبت الربيع ولكنه يهلك أو يقرب من الهلاك إلا بعض الناس فإنه يسلم منه كبهيمة الأنعام التي أكلت المرعى حتى امتلأ بطنها فضربتها الشمس فاجترت أي أخرجت ما في كرشها فمضغته ثانيًا فسهل خروجه ثم ثلطت أي ألقت ما في بطنها من السرقين رقيقا ثم بالت فسلمت من الهلاك.
(3)
من أخذه بحقه من طريق الحلال ووضعه في حقه بإخراج زكاته وصرفه في أنواع الخير فنعم العون له على الأجر ورضوان الله تعالى، والترمذي: إن هذا المال خضرة حلوة من أصابه بحقه - من طريق الحلال مع القناعة - بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت له نفسه من مال الله ورسوله - - كثير المال ولم يعمل بحقه - ليس له يوم القيامة إلا النار. نسأل الله صالح الأعمال والأقوال والأموال آمين والحمد لله رب العالمين.
البناء لغير حاجة مذموم
(4)
فابن عمر رضي الله عنهما بنى لنفسه بيتًا يحفظه من البرد والمطر في الشتاء ومن الحر في الصيف ولم يساعده في بنائه أحد لعدم اهتمامه بالبناء، وهذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
اللبنة: هي الطوبة التي يبني بها، فابن عمر لم يبن شيئا ولم يغرس شجرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم زهدا في الدنيا وما فيها.
(6)
أرمه وأصلحه بالطين.
(7)
الموت أسرع من فساده الذي تتوقعه وتخافه.
• وَعَنْهُ قَالَ: مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا لَنَا قَدْ وَهِيَ
(1)
فَقَالَ: «مَا هذَا» ؟ فَقُلْنَا: خُصٌّ لَناَ نُصْلِحُهُ، فَقَالَ: «مَا أَرَى الْأَمْرَ إِلا أَعْجَلَ مِنْ ذلِكَ
(2)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى قُبَّةً مُشْرِفَةً
(4)
فَقَالَ: «مَا هذِهِ» ؟ قَالُوا: لِفُلَان الْأَنْصَارِيِّ فَسَكَتَ وَحَمَلَهاَ فِي نَفْسِهِ حَتَّى إِذَا جَاءَ صَاحِبُهاَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْرَضَ عَنْهُ، صَنَعَ ذلكَ مِرَارًا حَتَّى عَرَفَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ فِيهِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُ فَشَكَا ذِّلِكَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الْقُبَّةِ فَرَجَعَ فَهَدَمَهَا حَتَّى سَوَّاهَا بِالْأَرْضِ فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَرَهَا فَسَأَلَ فَقَالُوا: رَأَى صَاحِبُهاَ إِعْرَاضَكَ عَنْهُ فَهَدَمَهَا فَقَالَ: «أَمَا إِنَّ كُلَّ بِناَءٍ وَباَلٌ عَلَى صَاحِبِهِ إِلا مَا لَا، إِلا مَا لَا، يَعْنِي مَا لَا بُدَّ مِنْهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «النَّفَقَةُ كُلُّهاَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا الْبِنَاءَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ» .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْبِنَاءُ كلُّهُ وَباَلٌ، قِيلَ لَهُ: أَرَأيْتَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ
(6)
، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(7)
.
(1)
الخص بالضم: بيت من قصب أو خشب يأوي فيه حافظ البستان والزرع، قد وهى أي تخرق واسترخي رباطه.
(2)
أسرع من خراب هذا الخص، والمراد الحث على الزهد في الدنيا والعمل للآخرة.
(3)
بسندين صحيحين.
(4)
أي عالية مرتفعة.
(5)
بسند صالح.
(6)
وللطبراني في الأوسط: إذا أراد الله بعبد سوءا أنفق ماله في البنيان، وهذا كله في بناء لم تمس الحاجة إليه ولا سيما إذا كان فخرا ورياء وعلوا واستكبارا فهو وبال وعليه السؤال والعقاب، وكذا إطالة البناء وإعلاؤه مذموم لما سبق في الإيمان: وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ولحديث ابن أبي الدنيا:"إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا فاسق إلى أين تذهب" وهذا بالنسبة لزمانهم، أما إذا كان البناء وإعلاؤه لحاجة إليه للسكن أو للاستغلال والارتزاق بما جرت به عادة خيار الناس زمانا ومكانا فلا شيء فيه بل ربما كان فيه الأجر إذا احتسبه كالمباحات من أكل وشرب ولباس وسعى على عيال إذا احتسبها، وكذا إذا كان البناء قرية كمسجد ومدرسة ومأوى للضيوف والمساكين فهو في سبيل الله تعالى بلا شك والله أعلم.
(7)
الأول بسند حسن والله أعلى وأعلم.
الغنى في القناعة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى}
(2)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثرةِ الْعَرَضِ وَلكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ»
(3)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْماَلِ وَالْخَلْقِ
(4)
فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَلا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكمْ»
(5)
، رَوَى الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَأْخُذ عَنِّي هؤُلَاءِ الْكَلِماَتِ فَيَعْمَلَ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمَ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ، قُلْتُ: أَناَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ
(6)
،
الغنى في القناعة
(1)
القناعة: هي الرضا بالميسور واليأس مما في أيدي الناس توكلا على الله تعالى.
(2)
{ووجدك عائلا} فقيرا {فأغنى} قنعك بما يسر لك من الغنيمة وغيرها.
(3)
فليس الغنى بكثرة الأعراض والأموال فربما كان كثيرها وهو فقير النفس حريص على جمع المال ولكن الغنى الحقيقي الذي فيه راحة الجسم والقلب هو غنى النفس ورضاها بما قسم الله تعالى.
(4)
الشكل والصورة والأولاد.
(5)
فلا ينبغي للشخص أن ينظر إلى من هو أحسن منه جمالا أو ولدا أو مالا فإنه يحزنه وينسيه حمد الله وشكره، قال تعالى {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} بل الأدب أن ينظر إلى من هو أقل منه في ذلك فهو أدعى لتعظيم النعمة وشكرها، وهذا في أمور الدنيا، أما في الأعمال الصالحة فالمطلوب النظر إلى من هو أعلا منه أملا في اللحاق به لحديث:"خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا: من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله عليه ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به" وأما من نظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته فإنه لا يكتب شاكرا ولا صابرا، بل يكون ملوما محسورا.
(6)
اجتنب المحرمات وافعل الواجبات تكن من العابدين.
وَارْضَ بِماَ قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكنْ أَغْنَى النَّاسِ
(1)
، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا
(2)
، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا
(3)
، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ
(5)
.
• عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحاَلَةَ فَثلُثٌ لِطعاَمِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ
(6)
».
• عَنْ عُثْماَنَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٌ يَسْكنُهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ، وَجِلْفُ الْخبْزِ وَالْماَءِ
(7)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(8)
.
• عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْصِنٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ
(1)
فمن رضي بما قسم الله له استغنى عن الأمير والخفير والكبير والصغير واكتسب الراحة والشرف.
(2)
كامل الإيمان.
(3)
كامل الإسلام ولا شك أن الكامل من أحدهما يلزمه الآخر.
(4)
المنهي عنه في الضحك هو القهقهة دون التبسم فإنه كان من شيم النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
بسند حسن.
(6)
أكلات بضمتين: جمع أكلة بالضم وهي اللقمة، فأي إناء يملأ شره سهل؛ لأنه إتلاف قليل بخلاف البطن فإن في ملئه تخمة تضر وتؤدي إلى الثقل وكثرة النوم وقلة العبادة، ويكفي الإنسان لقمات تقيم ظهره فإن كان لابد من كثرة الأكل فليكن أثلاثا ثلثا لطعامه وثلثا لشرابه وثلثا للنفسه، وتجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة، ففي قلة الأكل خفة الجسم، وصفاء الدم، ونشاط للعبادة، وتنوير للباطن، وإنبات للحكم.
(7)
جلف الخبز: يابسه، وجلفه: كسره فإذا تيسر للإنسان بيت يستره عن الناس ويحفظه شتاء وصيفا، وثوب يقيه المضار ويستر عورته، وخبز يقوته وماء يرويه ويتطهر به فلا حق له في طلب سواها فإن فيها كرامته إلى الممات وعليه حمد الله وشكره، اللهم وفقنا لشكر نعمتك يا رحمن يا كريم آمين. وما أحسن قول القائل.
خبز وماء وظل .... هو النعيم الأجل
جحدت نعمة ربي
…
إن قلت إني مقل
(8)
بسندين صحيحين.
مِنْكمْ آمِنًا فِي سَرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّماَ حِيزَتْ لَهُ الدُّنْياَ»
(1)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
إياك والحرص وطول الأمل
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابّاً فِي اثْنَتَيْنِ فِي حُبِّ الدُّنْياَ وَطُولِ الْأَمَلَ»
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِبُّ مَعَهُ اثْنَتاَنِ: الْحِرْصُ عَلَى الْماَلِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمَرِ»
(5)
، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا ذِئْباَنِ جَائِعاَنِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفسَدَ لَهاَ مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْماَلِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ
(7)
.
(1)
أي فمن أصبح آمنا في نفسه ليس مطلوبا للهلاك بعافية في جسمه وعنده قوت يومه فكأنما ملك الدنيا وعليه حمد الله وشكره.
إياك والحرص وطول الأمل
(2)
الحرص على الشيء: شدة حبه والتمسك به وأكثره في المال والجاه والعمر، والأمل: ما يؤمله الإنسان ويرجوه. ويسعى له من أي شيء ولكن أظهره في طول العمر وزيادة المال وانتشار الجاه والسلطان، وإنما كانا مذمومين لأنهما يشغلان عن الله تعالى في الغالب والكثير وإلا فنعم الرفيق المال في أيدي الصالحين، والأمل: هو الباعث على كل سعي للدنيا والآخرة فلولا الآمال لخربت الدنيا، نسأل الله أن يكون حرصنا ومالنا وعمرنا وعملنا فيما يرضيه آمين.
(3)
اترك الكفار يأكلوا ويتمتعوا بدنياهم ويشغلهم الأمل عن الأخذ بالإيمان وطاعة الله تعالى فسوف يعلمون إذا حضروا في القيامة وحل بهم العقاب أننا على الحق وهم على الباطل.
(4)
فكل شخص إذا كبر في السن ضعفت كل قواه إلا قلبه فلا يزال شابا قويا في حب المال وطول العمر.
(5)
بل يكبر ابن آدم ويضعف، وحبه لكثرة المال وطول العمر يزيد ويقوي.
(6)
الشرف: العلو في الدنيا، فالحرص على المال والشرف أكثر إفسادا لدين الإنسان من الذئاب الجائعة إذا أرسلت في الأغنام.
(7)
بسند صحيح.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطًّا مُرَبَّعًا وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقاَلَ: «هذَا الْإِنْسَانُ وَهذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ
(1)
وَهذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هذَا وَإِنْ أَخْطَأَهُ هذَا نَهَشَهُ هذَا
(2)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هذَا ابْنُ آدَمَ وَهذَا أَجَلُهُ» وَوَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ قَفَاهُ ثمَّ بَسَطَهُ فَقَالَ: «وَثَمَّ أَمَلُهُ وَثَمَّ أَمَلُهُ وَثَمَّ أَمَلُهُ
(3)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَناَياَ وَقَعَ فِي الْهَرَمِ
(4)
».
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجَلًا قَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ
(5)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً
(7)
».
(1)
أو للشك.
(2)
الأعراض التي تنزل بالإنسان في دنياه كالمرض والفقر والهموم، وهذا الشكل المقابل مثال الإنسان يحيط به أجله ويزيد عليه أمله وتنهشه الأعراض الدنيوية، والنهش. لدغ ذوات السم، وعبر به عن إصابة الأعراض مبالغة في الأخذ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[الأجل]ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[الإنسان]ـــــــــــــ/ـــ/ــــــ/ـــــــــ/ــــــــــ/ـــــــــ/ــــــ/ـــــ[الهرم///]ــــــــــــــــــــــــــ[الأمل]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[الأعراض]ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(3)
وضع النبي صلى الله عليه وسلم يد نفسه عند قفاه ثم بسطها وقال هناك أمله وكررها إشارة إلى أنه أطول من الأجل بكثير.
(4)
أصل المنية الموت، والمراد هنا ما ينتاب الإنسان في دنياه من هموم كالأمراض وغيرها وهي كثيرة ولابد من إصابة الإنسان بها ولو فرضنا خلوصه منها أدركه الهرم الذي لا دواء له.
(5)
نسأل الله طول العمر وحسن العمل لنا وللمسلمين آمين.
(6)
بأسانيد صحيحة.
(7)
فمن أطال الله عمره إلى ستين سنة فقد أعذره أي أزال عذره فلا اعتذار له كقوله: لو مدلي في الأجل =
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: «ارْتَحَلَتِ الدُّنْياَ مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُماَ بَنُونَ فَكونُوا مِنْ أَبْناَءِ الْاخِرَةِ وَلَا تَكونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْياَ فَكُلُّ أُمَ يَتْبَعُهاَ وَلَدُهَا وَالْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ
(1)
»، رَوَاهُماَ الْبُخَارِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.
الفصل الثاني: في فضل الفقر والفقراء
(2)
• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ نَفَرٍ
(3)
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اطْرُدْ هؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْناَ
(4)
وَكنْتُ أَناَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ
= لفعلت ما أمرني به لأن هذا نهاية أعمار الأمة المحمدية غالبا كما سبق في الجنائز: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك، ولأبي يعلى: معترك المنايا بين ستين وسبعين.
(1)
ففي دار الدنيا يعمل الناس ما يشاءون ولا محاسب لهم فإذا جاءت الآخرة قام الحساب عليهم ولا يمكنهم أي عمل وما أحسن قول القائل رضي الله عنه:
إذا هبت رياحك فاغتنمها
…
فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها
…
فما تدرى السكون متى يكون
إذا ظفرت يداك فلا تقصر
…
فإن الدهر عادته يخون
نسأل الله التوفيق لصالح العمل آمين.
الفصل الثاني في فضل الفقر والفقراء
(2)
الفقر: قلة المال أو عدمه، والفقراء: جمع فقير وهو من لا ملك له ولا كسب أوله ولكن لا يكفيه، ومن محاسن ما رأيت في كتب التوحيد المطولة أن رجلا من العلماء العارفين بالله خطر بباله عدة أسئلة منها ما حقيقة التوحيد وما حقيقة الفقر، وسأل أهل العلم الموجودين في زمانه فما أجابوه فاغتم لذلك ونام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه فقال مالك يا فلان مهمومًا؟ فقال: يا رسول الله خطرت لي أسئلة وسألت عنها أهل العلم فما أجابني أحد فحزنت لذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: سل ما شئت، فقال: يا رسول الله ما حقيقة التوحيد؟ فقال: ما خطر ببالك فهو هالك والله تعالى بخلاف ذلك، ثم قال: يا رسول الله ما حقيقة الفقر فقال: ألا تملك شيئا ولا يملكك شيء، أي تلاحظ أن ما بيدك ملك لله لا لك ولكنه وديعة عندك تتصرف فيه تصرف الأمين ولك أجره، ولا يملكك شيء أي تكن عبدًا لشيء بل كن عبدًا لله تعالى في كل حال، نسأل الله ذلك.
(3)
ستة أشخاص.
(4)
يقال أجترأ على القول: أسرع بالهجوم عليه.
وَرَجُلَانِ نَسِيتُ أُسَمِّيهِماَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللَّهُ وَحَدَّثَ نَفْسَهُ
(1)
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
(2)
مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(3)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ:«انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ» قاَلَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ:«انْظرُ مَاذَا تَقُولُ» ، قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: «إِنْ كنْتَ تُحِبُّنِي فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفاَفًا
(4)
فَإِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهاَهُ».
(1)
بإجابة المشركين من طرد فقراء الأصحاب هؤلاء.
(2)
رؤية وجهه في الآخرة أو يخلصون له في الأعمال.
(3)
في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وروى أن الأقرع بن حابس وعتبة بن حصن الفزاري وعباس بن مرداس جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم فوجدوه مع ناس من فقراء المسلمين كعمار بن ياسر وصهيب وبلال فحقروم وقالوا: يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وأبعدت هؤلاء عنك لجالسناك وأخذنا عنك فإن رائحة جبابهم تؤذينا وكانت من صوف ولمداومة لبسها كانت رائحتها كريهة فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بطارد المؤمنين، قالوا: لا نحب أن نجلس مع هؤلاء الأعبد فإن وفود العرب تأتيك ونستحي أن ترانا مع هؤلاء، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا: اجعل لنا منك مجلسا لا يكون فيه هؤلاء الأعبد فإذا قمنا فأجلسهم معك كما تشاء فرضى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أملا في إسلامهم وإسلام قبائلهم، فقالوا: اكتب لنا بذلك كتابًا، فأمر عليًا بالكتابة فشرع عليّ رضي الله عنه يكتب لهم بذلك كتابًا فنزل جبريل بقوله {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الآية فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يد على فألقاها ثم دعا هؤلاء الفقراء فأقبل عليهم وهو يقرأ: كتب ربكم على نفسه الرحمة. فكان بعد هذا يجلس مع هؤلاء الفقراء ثم يقوم ويتركهم، فأنزل الله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ، فكان بعد هذا لا يقوم من مجلسه حتى يقوم هؤلاء الفقراء رضي الله عنهم فانظر بعد هذا كيف منزلة الفقراء عند الله تعالى حشرنا الله في زمرتهم آمين.
(4)
التجفاف كعمران: ما يوضع على ظهر الفرس ليقيه الجراح وليجفف رطوبة العرق وغيرها، والمراد إن كنت تحبني صادقا من قلبك فانتظر الفقر، فإنه أسرع إلى من يحبني من السيل إلى مجراه، وهذا لينال درجة الفقر زيادة على درجة محبته صلى الله عليه وسلم فيعظم أجره.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّيِ لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذهَباً
(1)
قُلْتُ: لَا ياَ رَبِّ وَلكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا أَوْ قاَلَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هذَا
(2)
فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعَتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ
(4)
ذُو حَظَ مِنَ الصَّلَاةِ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطاَعَهُ فِي السِّرِّ وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ
(5)
لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا فَصَبَرَ عَلَى ذلِكَ ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ
(6)
فَقَالَ: عُجِّلَتْ مَنِيَتُهُ قَلَّتْ بَوَاكِيهِ قَلَّ تُرَاثُهُ
(7)
، رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ الثَّلَاثَةَ
(8)
».
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ جَالِسٍ عِنْدَهُ: «مَا رَأْيُكَ فِي هذَا» ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَح
(9)
وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفعَ
(10)
فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا رَأْيُكَ فِي هذَا» ؟ فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ هذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَراءِ الْمُسْلِمِينَ هذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَلا يُنْكَحَ
(1)
جبال مكة ذهبا.
(2)
شك في مدة الجوع أي: أو قال أجوع ثلاثا.
(3)
فلم يرض صلى الله عليه وسلم بكثرة المال واختار قلته لأنه أهدأ وأحسن وقدوة صالحة، وفي هذا قال البوصيري رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين:
وراودته الجبال الشم من ذهب
…
عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته
…
إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
…
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
(4)
كالحال أصله ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس، والمراد أنه قليل الأهل والأولاد.
(5)
منسيًا ليس مذكورا.
(6)
ثم نفض النبي صلى الله عليه وسلم يده إشارة إلى خلاص ذلك الرجل من الدنيا بموته.
(7)
قل من يبكي عليه وقل ما تركه من المال، فأغبط المؤمنين عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل خفيف الأهل والولد والمال ليس مشهورا في الناس ولكنه يحسن عبادة ربه ويخلص فيها حتى يخرج من دنياه بسلام.
(8)
بأسانيد حسنة.
(9)
لو طلب بنت أي رجل يتزوج بها لأجابه لغناه.
(10)
ولو توسط لأي شخص عند عظيم لقبل شفاعته وأجابه.
وَإِنْ شَفَعَ أَلا يُشَفَّعَ
(1)
وَإِنْ قَالَ أَلا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هذَا
(2)
».
• عَنْ مِرْدَاسِ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فاَلْأَوَّلُ وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ لَا يُباَلِيهِمُ اللَّهُ باَلةً
(3)
»، رَوَاهُماَ الْبُخَارِيُّ.
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: أَلَسْنَا مِنْ فقَرَاءِ الْمُهاَجِرِينَ؟ فَقَالَ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهاَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِياَءِ، قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ
(4)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا
(5)
»، وَلِلتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ:«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «طُوبى لِمَنْ هُدِي إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنِع
(6)
».
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ
(7)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
فلا يجيب طلبه أحد من الناس لفقره وهوانه عليهم.
(2)
انظر هذا وزِنْه، فإنه لم يقل هذا خير من عشرة أو مائة أو ألف مثله بل قال من ملء الأرض من مثله، ما ذاك إلا لفقره وانكسار قلبه وحضوره مع ربه في أكثر الأوقات.
(3)
أو للشك وحفالة وحثالة بالفاء والثاء بمعنى وهي في التمر رديئه وما يبقى بعد الأكل منه، وحثالة الشعير: قشره أو رديئه الذي يسقط عند غربلته، فخيار الناس وصالحوهم من كل قرن يموتون أولا فأولا ويبقي أسافل الناس وسقطهم لا يبالي بهم ربنا تعالى ولا ينظر إليهم نظرة واحدة بل يتركهم في أي واد يهلكون، ومن هذا: إنما يعجل بخياركم.
(4)
فمن رزقه الله بيتًا يكنه ويستره، وزوجة يأوي إليها وتؤنسه، وخادمًا يقف أمامه ويخدمه فهو رفيع الكرامة كالملوك، فعليه حمد الله وشكره خالق النعم وربها ومانحها.
(5)
القوت: ما يسد الرمق، فما طلبه النبي صلى الله عليه وسلم لأولاده وزوجاته إلا لعلمه أنه خير لهم.
(6)
الكفاف كالعفاف: ما يكف الحاجات ويدفع الضرورات، وسبقت هذه في فضل التعفف من كتاب الزكاة.
(7)
اطلعت في الجنة أي كشف لي عنها في اليقظة كما سبق في صلاة الكسوف أو ليلة الإسراء أو في النوم فرأيت أكثر المنازل فيها للفقراء، واطلعت في جهنم فرأيت أكثر منازلها للنساء.
• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قُمْتُ عَلَى باَبِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّة مَنْ دَخَلَهاَ الْمَسَاكِينُ
(1)
وَإِذَا أَصْحَابَ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ إِلا أَصْحَابُ النَّارِ
(2)
فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ» وَقُمْتُ عَلَى باَبِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهاَ النِّسَاءُ
(3)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغنِيَائهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ»
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، ياَ عَائِشَةُ لَا تَرُدِّي الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ياَ عَائِشَةُ أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ فَإِنَّ اللَّهُ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
(5)
.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ياَ عَائِشَةُ إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدّنْياَ كَزَادِ الرَّاكِبِ وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تَرْقَعِيهِ»
(6)
،
(1)
هذا تمثيل وإلا فالدخول بالأشباح لا يكون إلا في الآخرة.
(2)
أصحاب الأموال والمناصب والحظ والجاه في الدنيا محبوسون للسؤال والحساب ومن يستحقون النار بكفرهم أو عصيانهم دخلوها.
(3)
أكثر أهل النار النساء هذا أولا وبعد تطهيرهن يدخلن الجنة لأنهن زوجات لأهلها وقيل الكثرة في النار من نساء الدنيا والكثرة في الجنة من نساء الجنة أي الحور العين لرواية مسلم: أقل ساكني الجنة النساء.
(4)
وفي رواية: فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة، فقراء المهاجرين مع أغنيائهم كغيرهم مع أغنيائهم.
(5)
المراد بهؤلاء المساكين الفقراء الأتقياء الراضون عن الله تعالى الخاضعون لجلال الله المنكسرة قلوبهم هيبة وخشية من الله تعالى، نسأل الله أن يحملنا منهم آمين وأن يحشرنا في زمرتهم آمين.
(6)
فلا تعدى ثوبا خلقا وتتركيه حتى ترقعيه وتلبسيه مرة أو مرات فإنه يكسر النفس ويحزن الشيطان وسبب في التواضع ورضاء الله تعالى، واحذرى مجالسة الأغنياء فإنها تقسي القلب وتنسي الرب جل شأنه، فانظر معي أيها المسلم إلى فضل الفقر وكيف خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم حينما همّ بطردهم أحيانا في الحديث الأول وانظر إلى وعد النبي بملازمة الفقراء لمن حلف أنه يحبه صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني، وانظر إلى اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لعدم الغني بالمال في الحديث الثالث، وانظر إلى غبطه صلى الله عليه وسلم للفقير في الحديث الرابع، وانظر إلى تفضيله الفقير الواحد على ملء =
رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(1)
.
الفصل الثالث: في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعاَمِ بُرَ ثَلَاثَ لَياَلٍ تِباَعًا حَتَّى قُبِضَ
(2)
.
وَعَنْهاَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذو كَبِدٍ إِلا شَطْرٌ مِنْ شَعِيرٍ فِي شَعِيرٍ فِي رَفَ لِي فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ
(3)
، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ، مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتاَبِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ
(4)
.
وَلِمُسْلمٍ: لَقَدْ مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا شَبعَ مِنْ خْبْزٍ وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ
(5)
.
وَعَنْهاَ قَالَتْ: كَانَ يَأْتِي عَلَيْناَ الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِي بَيْتِناَ ناَرًا إِنَّماَ هُوَ التَّمْرُ وَالْماَءُ إِلا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ
(6)
.
وَعَنْهاَ أَنَّهاَ قَالَتْ لْعُرْوَةَ:
= الأرض من الأغنياء في الحديث الخامس، وانظر إلى أسبقيتهم في دخول الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام في الحديث العاشر، وانظر إلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الحادي عشر أن يكون مسكينا حيا وميتا وأنه يحشر في زمرة المساكين، وفي الحديث: إن في الجنة غرفا يري باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لا يدخلها إلا نبي فقير أو مؤمن فقير، وليست هذه المزايا للفقراء لفقرهم فقط بل لصبرهم وتقواهم وصالح أعمالهم وتواضعهم الذي سببه الفقر غالبا فلا ينافي أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر والله أعلم.
(1)
الثاني والثالث بسندين غريبين والأول بسند صحيح ولكنه روي الثالث في كتاب اللباس.
الفصل الثالث في معيشة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
(2)
فما شبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة من طعام البر ثلاث ليال متوالية حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
الرف ما يوضع عليه الطعام، وذو كبد هو الحيوان، ففني أي نقد وفرغ.
(4)
وشعيرهم لم يكن كشعيرنا بل شعيرهم كحب الأرز الصغير، وهو يباع في محلات الأدوية عندنا الآن للتداوي به من بعض الأمراض.
(5)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك للإيثار ولكراهة الشبع وللتشريع وإلا فقد كان يمكنه التوسع لما سبق أنه عرض عليه بطحاء مكة ذهبا فأبي صلى الله عليه وسلم ولحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد.
(6)
فكان يمضى الشهر وأكثر وما يوقدون نارًا في بيوتهم لعدم ما يخبزونه وما يطبخونه، وكان طعامهم التمر والماء.
ياَ ابْنَ أُخْتِي إِنْ كنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْياَتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ فَقُلْتُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْماَءُ
(1)
إِلا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَهُمْ مَناَئحُ كَانُوا يَمْنَحُونَ مِنْهاَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَسْقِيناَهُ
(2)
، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه وَخَبَّازُهُ قَائِّمٌ فَقَالَ: كُلُوا فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ
(3)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنِ النُّعْماَنِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَلَسْتُمْ فِي طَعاَمٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ
(4)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبِيتُ اللَّياَلِي الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا وَأَهْلَهُ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً وَكانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ
(5)
.
• عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْناَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُوعَ وَرَفَعْناَ عَنْ بُطُونِناَ عَنْ حَجَرٍ هُجَرٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَجَرَيْنِ
(6)
.
• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ
(1)
التمر والماء بيان للأسودين بتغليب أشهرهما وهو التمر على الماء، والمراد بسواده عدم بياضه، وإذا اقترن شيئان سميا باسم أشهرهما.
(2)
كانت لهم منائح جمع منيحة وهي ذات اللبن من راحلة وشاة كانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها.
(3)
الخباز هو طاهي الطعام، والمرقق الخبز الواسع الرقيق، والسميط ما نزع صوفه وشوى بالنار وهو أكل المترفين.
(4)
الدقل كسبب: رديء التمر ويابسه.
(5)
طاويا وأهله أي مع أهله على الجوع.
(6)
فبعض الأصحاب شكوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الجوع وكشفوا له عن بطونهم وكل قد ربط على بطنه حجرا فكشف لهم صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقد ربط عليها حجرين. فربط الحجر على البطن يقوى الصلب ويبرد حرارة الجوع وفي هذا قال البوصيري رضي الله عنه وحشرنا في زمرته:
وشب من سغب أحشاءه وطوى
…
تحت الحجارة كشحا مترف الأدم
ثَوْباَنِ مُمَشَّقاَنِ مِنْ كَتَّانِ
(1)
فَتَمَخَّطَ فِي أَحَدِهماَ ثمَّ قَالَ: بَخٍ بَخٍ يَتَمَخَّط أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْكَتَّانِ
(2)
لَقَدْ رَأَيْتُني وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيماَ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مِنَ الْجُوعِ مَغْشِيَا عَلَيَّ فَيَجِيءُ الْجَائي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي يَرَى أَنَّ بِيَ الْجُنُونَ وَمَا بِي جُنُونٌ وَمَا هُوَ إِلا الْجُوعُ
(3)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْناَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْناَ لَكَ (أَيْ فِرَاشًا لَيِّنًا) فَقَالَ: مَا لِي وَمَا لِلدُّنْياَ مَا أَنَا فِي الدُّنْياَ إِلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهاَ
(4)
»، رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ
(6)
رضي الله عنه قاَلَ: إِنِّي أَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَقَدْ رَأَيْتناَ نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا لَناَ طَعاَمٌ إِلا الْحُبْلَةُ وَهذَا السَّمُرُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَناَ لَيَضَعُ كَماَ تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ يُعَزِّرُونَنِي فِي الدِّينِ لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي
(7)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالبُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَاعَةٍ لَا يَخْرُجُ فِيهاَ وَلَا يَلْقاَهُ فِيهاَ أَحَدٌ
(8)
فَأَتاَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ ياَ أَباَ بَكْرٍ» فَقَالَ: خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ
(9)
فَلَمْ
(1)
من كتان ممشقان أي مرققان ومصبوغان بالمشق كالحمل نوع يصبغ به.
(2)
بخ بخ كلمة تقال عند الرضا والفرح والإعجاب بالشيء.
(3)
هذه حال من الجوع ليس فوقها حال ولكنهم صبروا أملا في رضاء الله ورسوله عنهم حتى بلغوا أرفع المنازل في الدنيا وأسماها في الأخرى.
(4)
هذا أحسن مثل وأجمله في المرور على الدنيا إلى الآخرة وفقنا الله لصالح العمل آمين.
(5)
الثاني بسند غريب والباقي بأسانيد صحيحة.
(6)
هو ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم وهو من بني زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
الحبلة: ثمر السلم أو العضاه، والسمر: شجر، والمراد أنه أول من غزا ورمى بسهمه في سبيل الله تعالى وكانوا سبعة ولا يجدون ما يأكلونه إلا ورق شجر البادية وثمره الذي لا يؤكل حتى كان الواحد منهم يتبرز غائطا يابسًا لا يمسك في بعضه كبعر الشاة وروث الحيوان ثم بعد هذا أصبحت بنو أسد تلومني في أمر الدين فلو صدقوا لخبت وضاع سعيي.
(8)
يظهر أنها كانت ساعة قيلولة.
(9)
وأسلم عليه وأتشرف به صلى الله عليه وسلم.
يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ ياَ عُمَرُ» ؟ قَالَ: الْجُوعُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ««وَأَناَ قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذلِكَ فاَنْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهاَنِ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ فَلَمْ يَجِدُوهُ
(1)
» فَقاَلُوا لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ
(2)
فَقَالَتِ انْطَلَقَ يَسْتعْذِبُ لَناَ الْماَءَ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهاَ فَوَضَعَهاَ
(3)
ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيفْدِيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ
(4)
ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا
(5)
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلِهِ فَجَاءَ بِقِنْوٍ فَوَضَعَهُ
(6)
فَقَالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَناَ مِنْ رُطَبِهِ
(7)
» فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخَيَّرُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ
(8)
فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذلِكَ الْماَءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيم الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِياَمَةِ ظِلٌّ باَرِدٌ وَرُطَبٌ وَمَاءٌ باَرِدٌ» فاَنْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعاَمًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرَ
(9)
فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقاً أَوْ جَدْياً
(10)
» فَأَتَاهُمْ بِهَا فَأَكَلُوا فَقَال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ لَكَ خَادِمٌ طيِّبٌ» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:«فَإِذَا أَتاَناَ سَبْيٌ فَأْتِناَ» فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُماَ ثاَلِثٌ
(11)
فَأَتاَهُ أَبُو الْهْيثَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اخْتَرْ مِنْهُماَ» فَقَالَ: ياَ نَبِيَّ اللهِ اخْتَرْ لِي فَقاَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ خذْ هذَا فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا»
(12)
فاَنْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى أَمرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: مَا أَنْتَ بِباَلِغِ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُعْتِقَهُ
(13)
فَقَالَ: هُوَ
(1)
كثير الشياه والنخيل ومن أهل اليسار.
(2)
أي زوجك.
(3)
يستعذب الماء يأتينا بماء عذب، زعبها أي يحملها.
(4)
يلتزمه أي يعانقه، ويفديه أي يقول له أفديك بأبي وأمي.
(5)
يجلسون عليه.
(6)
القنو: غصن النخلة عليه الرطب.
(7)
جمعت لنا رطبه.
(8)
أردت أن تختاروا منه بأنفسكم.
(9)
أي ذات لبن.
(10)
العناق: أنثى المعز قبل إتمامها سنة، والجدى. ذكر المعز قبل السنة أيضا.
(11)
برقيقين فقط.
(12)
أوص امرأتك عليه.
(13)
فلا تكون عاملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا أعتقته.
عَتِيقٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً إِلا وَلَهُ بِطاَنَتاَنِ
(1)
بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهاَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَبِطاَنَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَباَلًا
(2)
وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وَقِيَ
(3)
».
• وَعَنْهُ أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ فَأَعْطَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةً تَمْرَةً
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ
(5)
وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِط بِلَالٍ».
وَقِيلَ لِسَهْلٍ رضي الله عنه: أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ الْحُوَّارَي
(6)
فَقَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ فَقِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَناَخِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا كَانَتْ لَناَ مَناَخِلُ» قِيلَ: فَكَيْفَ كنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي الشَّعِيرِ قَالَ: «كُنَّا نَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ ثُمَّ نُثَرِّيهِ فَنَعْجِنُهُ
(7)
» رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(8)
، نَسْأَلُ اللَّهَ تَماَمَ الْقَناَعَةِ وَالرِّضَا آمِين.
(1)
خليفة: هو الرسول، قال الله تعالى {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} .
(2)
لا تقصر في الشر والفساد فعلا وإيحاء.
(3)
ومن يتحفظ من حاشية السوء فإن الله يحفظه.
(4)
لكثرة القوم وقلة التمر والزاد.
(5)
هذا أولا حينما كان الإسلام غريبًا والمسلمون قليلين وإلا فقد بلغ بعد ذلك من العز نهايته.
(6)
الخبز النقي أي الصافي، الحوّاري أي الأبيض كالخبز من دقيق البر ونحوه، والحوارى بضم فتشديد فقصر: لب الدقيق الأبيض.
(7)
نثرِّيه - كنزكيه - أي نبله بالماء فنعجنه ونخبزه، وفيه أن المناخل لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولكنها حدثت بعده فهي من المحدثات والبدع المباحة كشأن ما حدث لتحسين المطعومات والملبوسات ونحوها.
(8)
الأول والرابع بسندين صحيحين.
أهل الصفة
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: آللَّهَ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ
(2)
إِنْ كنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ
(3)
وَإِنْ كنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ
(4)
فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلا لِيُشْبِعَنِي فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ
(5)
ثمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتاَبِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلا لِيُشْبِعَنِي فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقاَسِمِ صلى الله عليه وسلم فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي
(6)
ثُمَّ قَالَ: «ياَ أَباَ هِرَ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ
(7)
» فَمَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فاَسْتَأْذَنَ فَأَذَنَ لِي فَدَخَلْتُ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هذا اللَّبَنُ» ؟ قاَلُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ
(8)
، قَالَ: «أَباَ هِرَ
(9)
»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«الْحقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فاَدْعُهُمْ لِي» ، قَالَ: «وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا عَلَى أَحَدٍ إِذَا أَتتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهاَ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهاَ شَيْئًا
(10)
وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهاَ وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا فَسَاءَنِي ذلِكَ فَقُلْتُ وَمَا هذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ
(11)
كنْتُ أَحَقَّ أَناَ أَنْ أُصِيبَ مِنْ هذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً
أهل الصفة
(1)
الصفة: موضع مظلل بالمسجد، وأهل الصفة: قوم من فقراء المسلمين لا مال ولا منازل لهم بل كانوا يأوون إلى مكان مظلل في المسجد ليلا ونهارا ولا يذهبون لأحد ولا يسألون أحدا تحت رعاية النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
لفظ الإمام أحمد: والله الذي لا إله إلا هو.
(3)
ألصق بطني بالأرض من شدة الجوع.
(4)
من منازلهم إلى المسجد.
(5)
لم يدعني للطعام.
(6)
من شدة الجوع.
(7)
سر معي فتبعته حتى دخل بيته صلى الله عليه وسلم.
(8)
أو للشك.
(9)
يا أبا هريرة.
(10)
لأن الصدقة حرام عليه. كما سبق في الزكاة.
(11)
لقلة هذا اللبن وكثرة أهل الصفة حتى قيل إن عددهم أحيانا كان يصل إلى السبعين.
أَتَقَوَّى بِهاَ فَإِذَا جَاؤوا أَمَرَنِي فَأُعْطِيهِمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هذَا اللَّبَنِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بُدٌّ
(1)
فَأَتَيْتُهُمُ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فاَسْتَأْذَنُوا فَأَذِن لَهُمْ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ
(2)
، قَالَ:«ياَ أَباَ هِرَ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«خُذْ فَأَعْطِهِمْ» فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى
(3)
ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: «ياَ أَباَ هِرَ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«بَقِيتُ أَناَ وَأَنْتَ» ، قُلْتُ: صَدَقْتَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«اقْعُدْ فاَشْرَبْ» فَقَعَدْنُ فَشَرِبْتُ فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ فَماَ زَالَ يَقُولُ «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا
(4)
، قَالَ:«فَأَرِنِي» فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ
(5)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.
• عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قاَمَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْخَصَاصَةِ
(6)
وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى يَقُولَ الْأَعْرَابُ هؤُلَاءِ مَجَانِينُ
(7)
أَوْ مَجَانُونَ فَإِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكمْ عِنْدَ اللَّهِ لَأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فاَقَةً وَحَاجَةً
(8)
»، قَالَ فَضَالَةُ: وَأَناَ يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
(1)
فلا مفر لي من طاعته صلى الله عليه وسلم في دعوة أهل الصفة.
(2)
فدخلوا بيت النبي صلى الله عليه وسلم وجلسوا.
(3)
أي أعطيه لرجل آخر فيشرب حتى يروى وهكذا.
(4)
شربت وامتلأت حتى لم يبق موضع للبن في جسمي.
(5)
فحمد الله على البركة في هذا اللبن وظهور هذه المعجزة العظيمة في لبن غايته ثلاثة أرطال يكفي أكثر من عشرة في أشد الجوع ويبقى منه ولكن هي البركة في الأولى والآخرة والمعجزة فيها أظهر وأجلى، نسأل الله التوفيق والبركة في كل شيء آمين.
(6)
الخصاصة. شدة الجوع، قال الله تعالى في الأنصار {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} .
(7)
حتى يقول الأعراب الذين لا يعرفونهم هؤلاء مجانين أو مجانون وهذه لغة شاذة كشياطون في جمع شيطان.
(8)
هذا ترغيب عظيم في الفقر والحاجة إذا صبر ورضي بحكم الله تعالى والتوفيق بيد الله وحده.
حفظ اللسان فرض
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهاَ فِي النَّارِ أَبْعدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهاَ بَأْسًا يَهْوِي بِهاَ سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهاَ باَلًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهاَ دَرَجَاتٍ
(4)
وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهاَ باَلًا يَهْوِي بِهاَ فِي جَهَنّمَ
(5)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهاَ رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقاَهُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهاَ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقاَهُ
(6)
».
حفظ اللسان فرض
(1)
فحفظ اللسان من قبيح الكلام فرض عيني على كل إنسان لأن ضرره عظيم، قال بعضهم: إن اللسان حية مسكنها الفم، وقال ابن مسعود: ليس شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان، وقد قيل في الصمت السلامة وفي التكلم الندامة، وفي الحديث: من صمت نجا، وما أحسن ما قيل:
احفظ لسانك أيها الإنسان
…
لا يلدغنك إنه ثعبان
(2)
ما يتبين ما فيها أي لا يتدبر فيها وما يترتب عليها.
(3)
يمكث يهوى في النار بسببها سبعين عاما.
(4)
لا يلقي لها بالا: أي لا يفكر فيها بقلبه ولكنها مما يرضاه الله يرفعه الله بها درجات.
(5)
من سخط الله أي مما يسخطه الله من قبيح الكلام.
(6)
فالكلمة التي تجلب غضب الله إلى يوم القيامة: هي الكلمة العظيمة الأثر والضرر كالطعن في عرض مؤمن أو مؤمنة، وككلمة عند رجل فيمن تحت ولايته من زوجة وولد وتابع ومرءوس، ومثلها بل أعظم الكلمة في رجل من أهل الفضل والدين الذين هم قدوة صالحة للناس لأنها تزهد فيهم، والكلمة التي فيها رضوان الله إلى يوم القيامة هي الكلمة العظيمة ككلمة شفاعة عند ذي سلطان أنجت من الهلاك قوما أو فتحت له باب خير، وكأمر بالمعروف أو نهي عن المنكر هدى قوما من أودية الضلال، ومن هذا يتضح أن الوعاظ والهداة =
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ
(1)
» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ
(2)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ حَدّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصمُ بِهِ، قَالَ: «قُلْ رَبَي اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ
(4)
»، قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخاَفُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نفْسِهِ ثُمَّ قاَلَ: «هذَا»
(5)
.
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ»
(6)
.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنْ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي»
(7)
.
= المرشدين من العلماء ورجال الطريق القائمين بأمر الدين والداعين إليه في أعلى درجات الرضوان، قال الله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} نسأل الله التوفيق والإخلاص آمين.
(1)
فمن كان وصفه التكلم بالخير أو السكوت كان كامل الإيمان ومحبوبًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
(2)
ما بين الرجلين هو الفرج، وما بين اللحيين هو اللسان، واللحيان: تثنية لحى وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى، فمن يحفظ فرجه ولسانه فإن النبي صلى الله عليه وسلم يضمن له الجنة.
(3)
وعبارة الترمذي: من وقاه الله شر ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة، نسأل الله الجنة ورضاه لنا وللمسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.
(4)
أعتصم أي أتمسك به فينفعني قال: كن موحدا دائما وافعل الواجبات وابتعد عن المحرمات فإنك تسعد في دنياك وأخراك، قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)} .
(5)
فأخوف شيء على الإنسان لسانه فإنه إذا أطلقه أوقعه في المهالك كلها كالغيبة والنميمة وشهادة الزور والكذب والطعن في الأعراض والطعن في الأنساب ونحو ذلك.
(6)
ما النجاة: أي ما طريق النجاة؟ قال: احفظ لسانك وكن دائما تائبًا وآيبًا إلى ربك ولتكن دائما في السعي لمعاشك أو في مصلحة أحد من العباد، أو في بيتك لراحة جسمك وواجب أهلك، أو في مسجد من مساجد الله لعبادة ربك أو مشتغلا بالعلم الشرعي فإنه نعم الرفيق.
(7)
فكثرة الكلام في غير طاعة الله تعالى تقسى القلب وتصيره أبعد القلوب عن الله تعالى.
• عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»
(1)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كلَّهاَ تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّاَ نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا»
(2)
.
• عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ»
(3)
.
• عَنْ وَاثِلَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيرْحَمَهُ اللَّهُ وَبَبْتَلِيَكَ
(4)
»، رَوَى هذِهِ السَّبْعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يحِبُّ وَيَرْضى آمِين.
(1)
فكل كلام ابن آدم سيسأل عنه إلا كلاما في طاعة الله تعالى كعبادة وإرشاد ونصح للعباد فهي له ذخائر.
(2)
تكفر اللسان أي تذل وتخضع له بالقول نصحا وتحذيرا كقولها: اتق الله فينا فإننا تبع لك استقامة واعوجاجا، نسأل الله السلامة منه.
(3)
فتعيير المسلم بما ارتكبه وتاب منه لا يجوز وربما وقع المعير فيه قبل مماته، أما إذا لم يتب فلا شيء في تعنيفه وتعييره تشديدا في النهي عنه.
(4)
فلا تظهر الشماتة والفرح لمن يعاديك إذا نزلت به بلية وإلا عافاه الله وابتلاك، ولا بأس من فرحك في نفسك للخلاص من ضرره وشره.
(5)
الخامس بسند غريب والأول بسند صحيح والباقي بأسانيد حسنة.
(فائدة): ما أحسن شرعنا وما أرحمه بنا وما أجمله لنا حيث نهانا عن قبيح الكلام ورديء الصفات بأساليب شتى تارة بعنوان الكذب وتارة بعنوان الغيبة وتارة بعنوان النميمة وتارة باليمين الفاجرة وتارة بشهادة الزور وتارة بالقذف وتارة بالطعن وتارة بالتعيير وتارة بإظهار الشماتة. وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه: لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئًا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر. صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم وكرم، كل هذا ليتحفظ الشخص عن الذميم والقبيح وليتصف بالجميل والمليح فيكون عبدا ربانيا كاملا في ذاته وصفاته سعيدا بسعادة الأبد الخالدة، اللهم أسعدنا يا رحمن يا ذا الجلال والإكرام آمين والحمد لله رب العالمين.
السلامة في العزلة
(1)
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعاَبِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ
(2)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمَ يَتْبَعُ بِهاَ شَعَفَ الْجباَلِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ
(3)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّهُ أعْلَمُ.
كمال الإيمان في ترك ما لا بأس به
(4)
• عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ الْبَأْسُ
(5)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
(6)
.
السلامة في العزلة عن الناس
(1)
فمن ابتعد عن الناس سلم من شرهم وسلموا من شره وما أحسن قول القائل:
لقاء الناس ليس يفيد شيئا
…
سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا
…
لأخذ العلم أو إصلاح حال
(2)
الشعب كالحمل: الوادي بين جبلين أو الطريق في الجبل، فخير الناس بعد المجاهدين من يعتزل عن الناس ويعبد ربه خاليا وحده.
(3)
شعف الجبال: أعاليها، ومواقع القطر: منابت المرعي، والغنم مثال فقط وإلا فالمراد أن أحسن عيشة للمسلم ما كان في عزلة عن الناس رعاية غنم أو بقر أو إبل أو نحوها أو زراعة أو صناعة أو وظيفة أو غيرها فيمنع شره عن الناس ويبتعد عن شرهم، وأوجب ما يكون هذا في زمن الفتن، نسأل الله السلامة منها آمين.
كمال الإيمان في ترك ما لا بأس به
(4)
البأس: الشدة والضرر، فكمال الإيمان في ترك ما لا يعني الإنسان ولو كان خاليًا من الضرر فتكون أعماله وحركاته كلها مفيدة كالشجرة المثمرة بكل أغصانها.
(5)
وفي رواية: حذرا مما به بأس، فالتقوى ترك ما لا ضرر فيه خوفا من الوقوع في الضرر، وهذا كحديث: من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وذلك كالمزاح.
(6)
بسند حسن الترمذي وصحيح للحاكم.
• عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنْ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(2)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ رَجُلٌ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَلَا تَدْرِي فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيماَ لَا يَعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بِماَ لَا يَنْقُصُهُ
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّخَاءَ وَالسَّمَاحَةَ آمِين.
الأجر العظيم في الصبر على حكم الله تعالى
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّة مِنْ أَهْلِ الدُّنْياَ ثمَّ احْتَسَبَهُ إِلا الْجَنَّة
(6)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ، وَمَثَلُ الْكاَفِرِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ لَا تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ
(7)
»،
(1)
ولا يهم الإنسان إلا سعيه لدنياه أو عمله الصالح لأخراه.
(2)
بسند صحيح للحاكم.
(3)
منع صلى الله عليه وسلم من الكلام من بشره بالجنة خشية من أن يكون تكلم بما لا يعنيه أو بخل بشيء قليل، وهذا تنفير عن هذين وإلا فهما لا يمنعان من الجنة إلا إذا كان البخل بزكاة، وفيه نهي عن القول بالجنة لأحد كما سبق إلا على وجه الرجاء تأدبًا مع الله تعالى وتنزها عن القول بالظن فإنه أكذب الحديث، نسأل الله الصدق في الأقوال والأفعال آمين والحمد لله رب العالمين.
الأجر العظيم في الصبر على حكم الله تعالى
(4)
أي والرضا به فما جزاء من يحبك ويرضى عنك إلا الرضا عنه.
(5)
صدر الآية (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان - في صالح الأعمال - رضي الله عنهم ورضوا عنه) إلى آخرها وهذه آية في سورة التوبة رقم 100.
(6)
الصفي: هو الحبيب الذي صدق في وده حتى صفا، فمن مات صفيه فخزن واحتسبه عند الله عوضه الله الجنة، ومثله كل من يحرق القلب ولو أجنبيا.
(7)
وفي رواية: ومثل المنافق كشجرة الأرز بسكون الراء وفتحها شجر معروف صلب أو هو شجر=
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(1)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ
(2)
».
• عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِياَءُ ثمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ
(3)
فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ
(4)
».
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ الْوَجَعَ عَلَى أَحَدٍ أَشَدَّ مِنْهُ عَلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(5)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوَبةَ فِي الدُّنْياَ
(6)
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(7)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رضي فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ
(8)
».
• عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضاَهُ بِماَ قَضَى اللَّهُ لَهُ، وَمِنْ
= الصنوبر، وفي رواية: مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع (العود اللين منه) تفيئها. تميلها الريح مرة وتعدلها أخرى، والمراد أن المؤمن كثير البلاء في دنياه بخلاف الكافر والمنافق.
(1)
ولكن مسلم في صفة القيامة والبخاري في الطب.
(2)
في نفسه وولده بالأمراض أو موت الأولاد، وماله بنقصه أو إتلافه حتى يلقي الله طاهرا من الذنوب، وهذه حكمة كثرة البلاء وقد يكون لرفع درجات من لا ذنوب لهم كالأنبياء والأولياء في الحديث الآتي.
(3)
دينه صلبًا أي قويا، وفي دينه رقة أي ضعف.
(4)
فأعظم الناس بلاء الرسل فالأنبياء فمن يليهم في الدرجة والقرب من الله تعالى كالأولياء والخيار من الناس والأتقياء ليعظم أجرهم.
(5)
فلما كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأعظمهم شأنا ومقاما عند الله تعالى كان بلاؤه أعظم من بلاء غيره ومرضه أشد من مرض غيره ليعظم أجره عن غيره.
(6)
بهمومها وبلائها فتطهره أولا فأولا.
(7)
فيعاقبه فيها وعقابها أشد وأعظم.
(8)
فسخطه على حكم الله تعالى وما قدره له من خير أو شر شقاء عظيم كأنه نسب لله الجهل أو الجور مع أن الله لا يفعل إلا ما فيه المصلحة.
شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ، وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ سُخْطهُ بِماَ قَضَى اللَّهُ لَهُ
(1)
».
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافَيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَي أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْياَ بِالْمقَارِيضِ
(2)
»، رَوَى التِّرْمِذِيُّ هذِهِ السَّبْعَةَ
(3)
.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ
(4)
»، فَقُلْناَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ، قَالَ:«إِنَّكمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكمْ أَنْ تُبْتَلَوْا» ، قَالَ: فاَبْتُلِينَا حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلا سِرّاً
(5)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهاَ فِي الدُّنْياَ وَيجْزَى بِهاَ فِي الْاخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهاَ لِلَّهِ فِي الدُّنْياَ حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْاخِرَةِ لَمْ يَكنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزى بِهاَ
(6)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ
(7)
.
(1)
عدم رضاه بما اختار الله له.
(2)
فلا يودون هذا إلا لما شاهدوه من عظيم الثواب والعطاء لأهل البلاء.
(3)
الأخير بسند غريب والثلاثة الأول بأسانيد صحيحة والباقي بأسانيد حسنة.
(4)
أي كم شخصا دخل في الإسلام ويتكلم به.
(5)
وهذا في أول الأمر قبل كثرة الإسلام وعزة أهله.
(6)
فما عمله الكافر في دنياه لله تعالى يجازي عليه في الدنيا بدفع بلاء دنيوي أو زيادة مال أو ولد أو جاه أو منصب حتى إذا مات لم يبق معه إلا سيئاته لأن نفع الأعمال الصالحة في الآخرة مشروط بالموت على الإيمان وهذا باتفاق العلماء، قال الله تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} وأما المؤمن فإن الله يكافئه على أعماله الصالحة في دنياه بما يراه في مصلحته من دفع شر أو جلب خير ويجازيه أيضا عليها في الآخرة برفيع الدرجات جل شأن ربنا وعلا فليس بعد هذا فضل ولا إحسان ولا عطاء فله مزيد الحمد ووافر الشكر سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك يا واسع يا عليم يا ذا الفضل العظيم.
(7)
ولكن الأول في الإيمان والثاني في صفة القيامة.
(تنبيه): سبق من هذا نبذة في باب الجنائز من كتاب الصلاة ونبذة أخرى في كتاب الطب النبوي.
الفصل الرابع: في القضاء والقدر
(1)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وَعُظَ بِغَيْرِهِ
(2)
فَسَمِعَهُ رَجُلٌ فَأَتَى حُذَيْفَةَ فَأَخْبَرَهُ بِذلِكَ وَقَالَ: كَيْفَ يَشْقَى رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَتَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ
(3)
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنتاَنِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهاَ مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهاَ وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهاَ وَعِظاَمَهاَ
(4)
، ثُمَّ قَالَ: ياَ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ
(5)
وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: ياَ رَبِّ أَجَلُهُ
(6)
فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: ياَ رَبِّ رِزْقُهُ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ
(8)
، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ،
الفصل الرابع في القضاء والقدر
(1)
القضاء: الحكم والبيان، والقدر: التقدير وهو تحديد الله للأشياء في الأزل قبل وجودها بحسب علمه وإرادته كما سبق في الإيمان بالقدر من كتاب الإيمان، والمراد هنا بيان ما يقضى على الإنسان من حين نشأته إلى نهايته في الدار الباقية وأن كل شيء قد قضى وقدر وجف به القلم فلا تغيير إلا ما شاء الله تعالى.
(2)
فالسعيد كتبت سعادته وهو في بطن أمه والشقي كتبت شقاوته وهو في بطن أمه كما كتب رزقه وأجله ونوعه.
(3)
لا تعجب من ذلك.
(4)
وهذا بعد تمام الطور الأول وهو حال المنوية ودخولها في الطور الثاني وهو حال العلقية، وفي رواية: يدخل الملك على النطفة بعد أن تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، ولا تنافي بينهما فإن لكل نطفة ملكا يراعيها من حين استقرارها في الرحم كما يأتي في حديث أنس.
(5)
يخبره بما في علمه من أحد الأمرين فيكتبه الملك.
(6)
أي ما أجله.
(7)
فتظهر تلك الصحيفة من حال الغيب إلى حال الشهود فيطلع الله عليها من شاء من الملائكة الموكلين بأحواله ليقوم كل بعمله المأمور به.
(8)
فيقول أي حين استقرار النطفة في الرحم: يا رب هذه نطفة، فإذا صارت علقة قال: يا رب هذه علقة؛ كأنه يراعيها ويؤذن عنها وقتًا بعد وقت كما كلفه الله تعالى.
أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا قَالَ الْمَلَكُ: أَيْ رَبِّ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَماَ الرِّزْقُ، فَماَ الْأَجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكتُ بِهِ
(2)
فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهاَ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ
(3)
» قاَلُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ نَعْمَلُ أَفَلَا نَتكِلُ
(4)
، قَالَ:«اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِماَ خُلِقَ لَهُ» ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} الْآيَتَيْنِ
(5)
، رَوَاهُ الْأَربَعَةُ.
قِيلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ بَيِّنْ لَناَ دِينَناَ كَأَنَّا خُلِقْناَ الْآن
(6)
فَفَيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ أَفِيماَ جَفَّتْ بِهِ الْأَفْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقاَدِيرُ أَمْ فِيماَ نَسْتقْبِلُ
(7)
، قَالَ:«لَا، بَلْ فِيماَ جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقاَدِيرُ» ، قاَلَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: «كلُّ عامِلٍ مِيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظْهُ: قَالَ عُمَرُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ فِيهِ أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ أَوْ فِيماَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَقَالَ: «فِيماَ قَدْ فرِغَ مِنْهُ ياَ ابْنَ الْخَطَّابِ كُلٌّ مُيَسَّرٌ. أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعاَدَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعاَدَةِ
(8)
وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقاَءِ
(9)
».
(1)
وبيان ذلك أن الله تعالى وكل بالرحم ملكا فإذا استقرت فيه النطفة قال الملك: يا رب هذه النطفة مخلقة أو غير مخلقة؛ فإن قيل له غير مخلقة قذفها فنزلت من الرحم، وإن قيل مخلقة تولاها فإذا صارت علقة أمره الله بتصويرها تصويرًا أوليًا ثم يستفهم عن وصفها من ذكورة أو أنوثة وشقاوة أو سعادة وما رزقها وما أجلها فيعلمه الله بذلك فيكتبه في صحيفة تكون مرجعًا لملائكة الأعمال كل هذا وهو في ظلمات الأرحام فسبحان اللطيف الخبير.
(2)
أي في الأرض.
(3)
لبعض الملائكة وهو في بطن أمه.
(4)
وتترك العمل.
(5)
فأما من أعطى حق الله للمساكين واتقي الله وصدق بالحسنى - بالكلمة الحسني - وهي لا إله إلا الله، فاعتقدها وقال بها وعمل بفروعها فسنيسره أي نهيئه لليسرى وهي الجنة، وأما من بخل بحق الله واستغنى عن ثوابه وكذب بالحسنى - بلا إله إلا الله - فسنيسره للعسرى وهي النار نعوذ بالله منها.
(6)
فلم ندر شيئا إلى الآن.
(7)
فأحوالنا وأعمالنا قدرت وكتبت علينا قبل ذلك أم لم تقدر علينا إلا بعد وقوعها وظهورها في الوجود.
(8)
يهيأ لعملها.
(9)
يهيأ لعمله.
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه
(1)
قَالَ: إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ
(2)
أَتَياَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ
(3)
أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى أَوْ فِيماَ يَسْتَقْبِلُونَ بِهِ فَقَالَ: «لَا بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَتَصْدِيقُ ذلِكَ فِي كِتاَبِ اللَّهِ عز وجل {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}
(4)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَلَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَباَحٍ
(5)
فَقُلْتُ: ياَ أَباَ مُحَمَّدٍ إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ فِي الْقَدَرِ
(6)
، قَالَ: ياَ بُنَيَّ أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فاَقْرَإِ الزُّخْرُفَ فَقَرَأْتُ {حم} . {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} . {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} . {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا أُمُّ الْكِتَابِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ كِتَابٌ كَتَبَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فِيهِ إِنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَفِيهِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ، قَالَ عَطَاءٌ: فَلَقِيتُ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ صَاحِبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ: مَا كَانَ وَصِيَّةُ أَبِيكَ بعْدَ الْمَوْتِ
(7)
؟ قَالَ: دَعَانِي أَبِي فَقَالَ لِي ياَ بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ واعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَتَؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَإِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هذَا دَخَلْتَ النَّارَ، إِنِّي سَمِعْتُ
(1)
قال مشايخنا رضي الله عنهم: إن الدعاء يستجاب عند ذكر اسم عمران بن حصين لكثرة بلائه وصبره ورضاه ولعل هذا مزية له، نسأل الله أن يشرح صدورنا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه آمين.
(2)
من قبيلة مزينة.
(3)
يجهدون أنفسهم فيه.
(4)
هداها إلى ما قدر لها من شر وخير كما قضت بذلك الحكمة العلية، قال الله تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} خلق الأشياء فسواها بحال تناسبها {والذي قدر فهدى} قدر ما شاء ثم هدى الخلق إليه.
(5)
من كبار علماء التابعين وفي الدرجة الأولى من المحدثين.
(6)
بعض أهل البصرة يقولون: لا قدر وإن الأمر مستأنف.
(7)
تقابل عطاء أيضا مع الوليد بن عبادة ذلك الصحابي الجليل ليستوثق منه مما سمعه من أبيه في القدر رضي الله عنهم.
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فقاَلَ: اكْتُبْ، قاَلَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائنٌ إِلَى الْأَبَدِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(1)
وَأَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزٍ الدَّيْلَمِيُّ: أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَكانَ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ إِيَّاهُمْ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ
(2)
وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ، ثمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَماَنِ فَقَالَ ذلِكَ، ثمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ ذلِكَ
(3)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
(1)
بسند غريب.
(2)
فلو عذب الله عباده كلهم ما كان ظالما لهم لأن الظلم مستحيل عليه تعالى كما سبق في حديث "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" في التوبة من كتاب الأذكار، ولو رحمهم لكانت رحمته فضلا منه تعالى فإنه لا يجب عليه شيء لعباده لأنه المالك لهم على الإطلاق وللمالك التصرف في ملكه كما يشاء بخلاف ما يملكه العبد فإنه ملك صوري فقط والواقع أنه وديعة تحت يده ينتفع به ويتصرف فيه تصرف الأمين كما قال القائل رضي الله عنه:
وما المال والأهلون إلا ودائع
…
ولا بد يوما أن ترد الودائع
(3)
فعبد الله الديلمي رضي الله عنه وقع في نفسه شيء من جهة القدر كوسوسة شياطين الجن والإنس بقولهم: إن الأمور ليست مقدرة قبل وجودها وإذا قلنا بتقديرها فالمقدر لها هو الله تعالى، وإذا كان الله تعالى هو الذي قدر الأمور كلها ومنها الشر على عباده فكيف يعاقبهم أفلا يكون ظلما فتقابل مع أبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود وحذيفة وزيد بن ثابت وسألهم عن القدر فأجابوه بأنه ثابت في الكتاب والسنة وأن الإيمان به فرض عيني على كل مسلم والله تعالى هو الملك المطلق والفاعل المختار فلا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون جل شأن ربنا وعلا.
(تنبيه): مرويات أبي داود هنا في لزوم السنة.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذلِكَ النُّورِ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْإِيماَنِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
لا ينبغي التنازع في القدر
(2)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَتَناَزَعُ فِي الْقَدَرِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى كَأنَّماَ فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ
(3)
فَقاَلَ: «أَبِهذَا أُمِرْتمْ أَمْ بِهذا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّماَ هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَناَزَعُوا فِي هذَا الْأَمْرِ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلا تَناَزَعُوا فِيهِ
(4)
».
• عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرَّهِ
(5)
وَحَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَأَنَّ
(1)
فالله تعالى خلق الخلق أولا وهم في عالم الذر في ظلمة أي حياري لا يعرفون الهدي فأفاض عليهم من نوره وهداه، فمن أصابه ذلك اهتدى، ومن أخطأه ضل عن الهدى كما سبق في باب التوبة "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم" قال صلى الله عليه وسلم: فلذلك أقول جف القلم على علم الله، أي انتهى تقدير الأمور كما في علم الله تعالى فلا تغيير ولا تبديل، نسأل الله التوفيق والهداية لعمل أهل السعادة آمين والحمد لله رب العالمين.
لا ينبغي التنازع في القدر
(2)
فإنه يجلب الوسوسة والشك في أصل العقيدة، بل هو من الأسرار الغامضة التي لا يمكن الوصول إليها كما قال أمير المؤمنين على رضي الله عنه لمن سأله عن القدر قال: بحر عميق فلا تغوصوه، وسر مكتوم فلا تلجوه، وسبق في كتاب الإيمان طائفة عظيمة من الأحاديث في القضاء والقدر.
(3)
من شدة الغضب.
(4)
أقسمت عليكم ألا تتكلموا فيه فإنه يهلككم كما أهلك من تكلموا فيه قبلكم.
(5)
لأنه ركن من أركان الإيمان كما سبق في كتاب الإسلام والإيمان.
مَا أَخْطأَهُ لَمْ يَكُن لِيُصِيبَهُ
(1)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سِتَّةٌ لَعَنْتُهُمْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيَ كَانَ: الزَّائِدُ فِي كِتاَبِ اللَّهِ
(3)
، وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ
(4)
، وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ لِيُعِزَّ بِذلِكَ مَنْ أَذَلَّ اللَّهُ وَيُذلَّ مَنْ أَعَزَّ اللَّهُ
(5)
، وَالْمُسْتَحِلُّ لِحَرَمِ اللَّهِ
(6)
، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ
(7)
، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي
(8)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: نَسْأَلُ اللَّهَ صِحَّةَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ آمِين.
الآجال والأرزاق محدودة
(9)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
(10)
}.
قاَلَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها: اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَبِي أَبِي سُفْياَنَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِاجَالٍ مَضْرُوَبةٍ وَآثاَرٍ مَوْطُوءَةٍ
(11)
(1)
فالمقسوم للشخص لا بد أن يصل إليه، وما لم يكن له لا يمكن أن يصل إليه كما قيل: لو هرب الإنسان من رزقه لأدركه رزقه كما يدركه الموت وما أحسن ما قيل:
لا تعجلن فليس الرزق بالعجل
…
الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرزق يطلبنا
…
لكنه خلق الإنسان من عجل
(2)
بسندين غريبين ولكنهما مؤيدان بكثير من الصحاح في هذا.
(3)
الذي زاد فيه ما ليس منه أو تأوله بما لا يصح فيه.
(4)
هذا بيت القصيد هنا.
(5)
الظالم لعباد الله الذي يرفع الفاسقين ويضع الصالحين.
(6)
حرم مكة، بفعله فيه ما يحرم فعله.
(7)
الظالم لأهل البيت رضي الله عنهم وخصهم مع دخولهم فيما سبق لعظم حقهم على الأمة.
(8)
المعرض عن شريعتي فلم يعمل بها، نسأل الله التوفيق والعمل الذي يرضيه آمين.
الآجال والأرزاق محدودة
(9)
بل وكل شيء محدود أي مقدر في الأزل فلا يزاد فيه ولا ينقص، منه ولا يتقدم ولا يتأخر، ولا يتغير منه شيء، وهذا بالنسبة لعلم الله تعالى وأم الكتاب فلا ينافي أنه يقع تغيير في بعض الصحف لقوله تعالى {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} .
(10)
فإذا جاء أجلهم: موعد هلاكهم، وقع بهم فلا يتأخرون عنه لحظة ولا يتقدمون عليه.
(11)
وفي رواية: وآثار مبلوغة أي أمور لا بد منها، وفي رواية: وأيام معدودة.
وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهاَ قَبْلَ حِلِّهِ وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهاَ شَيْئًا بَعْدَ حَلِّهِ
(1)
وَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعاَفِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا لَكِ»، فَقَالَ رَجُلٌ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لهُمْ نَسْلًا
(2)
وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ رضي الله عنه قُلْتُ لِلْحَسَنِ
(4)
: ياَ أَباَ سَعِيدٍ أَخْبِرْنِي عَنْ آدَمَ عليه السلام أَلِلسَّمَاءِ خُلِقَ أَمْ لِلأَرْضِ؟ قَالَ: بَلْ لِلأَرْضِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوِ اعْتَصَمَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الشَّجَرَةِ؟ قاَلَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ
(5)
، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاَتِنِينَ، إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحْيمِ» قَالَ: إِنَّ الشَّياَطِينَ لَا يَفْتِنُونَ بِضَلَالَتِهِمْ إِلا مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَحِيمَ
(6)
، وَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} قَالَ: خَلَقَ هؤُلَاءِ لِهذِهِ
(7)
وَهؤُلَاءِ لِهذِهِ
(8)
، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ.
القلوب في قبضة الرحمن
(9)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «ياَ مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلِبي
(1)
لا يقدم الله شيئًا منها عن وقته ولا يؤخره عن وقته، فصرفها عن الدعاء بزيادة العمر لأنه مقدر فلا يزيد ولا ينقص وأرشدها إلى الدعاء بالعافية لأنه دعاء وعبادة مأمور به كبقية العبادات.
(2)
أو للشك.
(3)
فمن مسخوا من بني إسرائيل لم يعيشوا بعد ثلاثة أيام بل ماتوا قبلها، والقردة والخنازير الموجودة الآن ليست من نسلهم بل كانت قبل ذلك.
(4)
الحسن البصري من أشهر علماء التابعين.
(5)
حيث خلق للأرض، ونزوله عليها متوقف على الأكل من الشجرة فكان لابد من أكله منها حكما ماضيا وقضاء مبرما.
(6)
فلا يفتنون أحدا إلا من حكم عليه بالنار.
(7)
أي الجنة.
(8)
أي النار نعوذ بالله منها ونسأله رضاه والجنة آمين.
القلوب في قبضة الرحمن
(9)
خصها - مع أن كل شيء في قبضة الله تعالى - لأنها أفضل عضو في الجسم إذا تلف مات صاحبه فهو كالقطب من الرحا وكالملك من الرعية إذا صلح صلح الجسم كله وإذا فسد فسد الجسم كله، وهي محل نظر=
عَلَى دِيِنكَ»، فَقُلْناَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِماَ جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخاَفُ عَلَيْناَ؟ قاَلَ: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهاَ كَيْفَ يَشَاءُ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهاَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعَ الرَّحْمنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يَصْرِفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ
(2)
»، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ آمِين.
ما ورد في أطفال الكفار
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيْنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَماَ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَة جَمْعاَءَ
(4)
هَلْ تُحِسُّونَ فِيهاَ مِنْ جَدْعَاءَ
(5)
». ثمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتمْ {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
(6)
}، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
وَسَبَقَ فِي كِتاَبِ الرُّؤْياَ فِي آخِرِ شَرْحِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مَا نَصُّهُ:
= الله تعالى من خلقه كما روى في الحديث القدسي، قال الله تعالى:"ما وسعني عرشي ولا فرشي ولا سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن" فهو محل الإفاضات والتجليات الربانية، لهذا كان قلب المؤمن أفضل وأكرم نقطة في الملك والملكوت، نسأل الله قلبًا طاهرًا صافيًا آيبا إليه يرضيه آمين.
(1)
فهل تخاف علينا من الزيغ إلى الباطل، قال نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله أي في قبضته وقدرته يقلبها كيف يشاء من ضلال إلى هدى ومن هدي إلى ضلال {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} فينبغي الإكثار من هذا الدعاء ومن الآية القرآنية كما ينبغي ملاحظة القلب من آنٍ لآخر وتفتيشه وتطهيره من العيوب القلبية، وملؤه بكل نية من نيات الخير.
(2)
يقلبه كما يشاء جل شأن ربنا وعلا وتنزه عن مشابهة الورى.
ما ورد في أطفال الكافرين
(3)
المراد بالأطفال الذين ماتوا قبل البلوغ والتكليف هل هم في الجنة أو في النار أولا ولا، بل في منزلة بينهما.
(4)
كاملة الخلقة لجميع أعضائها.
(5)
أي ناقصة قالوا لا قال كذلك الطفل يولد على الفطرة والدين الحنيف، وسبق هذا الحديث في الإيمان بالقدر من كتاب الإسلام والإيمان.
(6)
فمقتضاه أن هؤلاء الأطفال لا يخرجون عن الفطرة والدين الحنيف إلا إذا بلغوا وتمسكوا بما عودهم عليه آباؤهم من الكفر بالله تعالى، فما داموا أطفالا فهم في حكم أولاد المسلمين.
وَالرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينِ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطّرَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ
(1)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِماَ كَانُوا
عَامِلِينَ
(2)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَة.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ صَبِيٌّ فَقُلْتُ: طُوبى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ لَا تَدْرِينَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ فَخَلَقَ لِهذِهِ أَهْلًا وَلِهذِهِ أَهْلًا، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهاَ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آباَئهِمْ وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهاَ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آباَئهِمْ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْهاَ قَالَتْ قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ ذَارَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: «هُمْ مِنْ آبَائهِمْ
(4)
» فَقُلْتُ: بَلَا عَمَلٍ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «مِنْ آباَئهِمْ» قُلْتُ: بِلَا عَمَلٍ قاَلَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِماَ كَانُوا عَامِلِينَ
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.
(1)
فهم مع إبراهيم الخليل عليه السلام في الجنة.
(2)
لو بلغوا وتوفرت فيهم شروط التكليف وهي سلامة الحواس.
(3)
ولم يعلمنا الله تعالى بأهل الجنة ولا بأهل النار، ولا علم لنا إلا ما علمنا الله تعالى أي لا يعلم مصيرهم إلا الله تعالى.
(4)
أي ما حكمهم، أهم في الجنة أم في النار؟ قال هم من آبائهم فلهم حكمهم.
(5)
لو بلغوا وكلفوا، فهم مع آبائهم في النار، فظاهر هذا الحديث الأخير أن أطفال الكفار في النار تبعا لآبائهم وعلى هذا الأكثرون، وظاهر اللذين قبله أن مصيرهم لا يعلمه إلا الله تعالى، وظاهر الحديثين الأولين أنهم من أهل الجنة وإليه ذهب المحققون، وهو الأقرب لسعة رحمة الله التي وسعت كل شيء وما كان الله ليعذب قوما إلا بعد إنذارهم وإعذارهم وعصيانهم، والأطفال لم يكلفوا فلا إنذار ولا عصيان فهم في رحمة الله تعالى، وعلى هذا قيل: سيكونون خدما لأهل الجنة مع الولدان الذين يخلقهم الله لخدمة أهل الجنة والله أعلم. نسأله العفو وواسع الرحمة آمين والحمد لله رب العالمين.
ما ورد في أهل الفترة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً
(2)
}.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فِي النَّارِ» فَلَمَّا قَفَّى
(3)
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَبِي وَأَباَكَ فِي النَّارِ
(4)
».
• عَنْ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ
(5)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(6)
.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَماَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ
(7)
وَإِذَا أَقْبُرٌ
(8)
سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ: «مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِهِ الْأَقْبُرِ» ؟
ما ورد في أهل الفترة
(1)
أهل الفترة هم من بين الرسولين كالذين بين إسماعيل ومحمد صلى الله عليهما وسلم، والذين بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم.
(2)
وما كنا معذبين قوما إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل وإقامة الحجة عليهم بما يقطع عذرهم، اهـ طبري رضي الله عنه، وقال الصاوي رضي الله عنه: وما كنا معذبين ولا مثيبين أحدا على الأعمال حتى نبعث إليه رسولا؛ لأن شرط صحة العبادة ووجوبها بلوغ الدعوة فمن لم تبلغه الدعوة لا تجب عليه عبادة ولا تصح منه، ومثله من لم تتوفر فيه شروط التكليف كالمعتوه وفاقد الحواس لعدم العقل والإدراك، وهل المراد بالرسول رسول خاص لهم أو مطلق رسول، قال بهذا فريق وقال بالأول الأشاعرة والجمهور.
(3)
أي ذهب.
(4)
الرجل الذي سأل هو حصين أبو عمران بن حصين، أو هو أبو رزين لقيط بن عامر، فقال صلى الله عليه وسلم: لما ذهب السائل إن أبي وأباك في النار، فأبو النبي صلى الله عليه وسلم الوالد له الذي مات في الفترة هو عبد الله رحمه الله ورضي عنه وهو ناج عند الجمهور، ويحتمل أن المراد بأبيه عمه أبو طالب وسبق الكلام عليه في تفسير سورة التوبة وأن فريقا من المحققين قالوا بنجاته، فالأولى حمل الأب هنا على أبي لهب لأنه المقطوع له بالنار والله أعلم.
(5)
الوأد: دفن البنت الصغيرة وهي حية خشية الفقر أو العار، وكانت من عوائد الجاهلية الممقوتة، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة وأدت بنتها قال: الوائدة والموءودة في النار، وليست الموءودة في النار تعذيبا لها بل لأمها، أو تعذب تبعًا لأمها، وقيل الوائدة القابلة، لرضاها بالوأد أو فعلها له، والموءودة أم البنت.
(6)
الثاني بسند صالح والأول صحيح لقول الشارح أخرجه مسلم.
(7)
شردت فنفرت فكاد يسقط من فوقها النبي صلى الله عليه وسلم لرؤيتها لعذاب القبر الذي يراه كل مخلوق إلا المكلفين، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم له معجزة.
(8)
أقبر جمع لقبر كأعبد جمع لعبد وإن كان المشهور في جمعه قبورا.
فَقَالَ رَجُلٌ: أَناَ، قَالَ:«فَمَتَى مَاتَ هؤُلَاءِ» ؟ قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ الْأُمَّةَّ الْمُحَمَّدِيَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا
(1)
فَلَوْلَا أَلا تَدَافَنُوا اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ الَّذِي أسْمَعُ مِنْهُ
(2)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
(3)
، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ آمِين.
الأعمال بالخواتيم
(4)
• عَنْ سَهْلَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَعْظمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ
(5)
فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ فَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْل النَّارِ
(1)
بالسؤال والفتنة والعقاب.
(2)
فلولا خوفي عليكم من امتناعكم عن دفن موتاكم في القبور إذا رأيتم العذاب فيها لدعوت الله أن يطلعكم على عذاب القبور الذي أراه وبقية الحديث؛ ثم أقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، قال تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
(3)
ولكن مسلم في كتاب الجنة، فظاهر هذه النصوص أن أهل الفترة غير ناجين وأنهم مكلفون بالإيمان الذي سمعوا به عن الرسول الذي قبلهم كما سبق في تفسير الآية على أن المراد مطلق رسول وعلى هذا جماعة، وقال الجمهور: إن أهل الفترة ناجون وإن غيروا وبدلوا وعبدوا الأصنام؛ لأن المراد بالآية حتى نبعث رسولا لهم، وما ورد من تعذيب أهل الشرك في هذه النصوص وغيرها فليس على التوحيد والإيمان بل لقبائح ومظالم ارتكبوها كما سبق في تفسير سورة المائدة: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب، ولقول أبي هريرة الوارد في تفسير الطبري: إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى الذين ماتوا في الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين جاءهم الإسلام وقد خرفوا ثم أرسل لهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون: كيف ولم يأتنا رسول، وايم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، وهذا هو الأقرب لسعة رحمة الله والكرم الإلهي، وسيأتي في وصف الجنة أنه سيبقى فيها أمكنة كثيرة واسعة في خلق الله لها خلقا جديدا يسكنهم ذلك الباقي والله أعلم بحقيقة خلقه وخفايا ملكه من أوله إلى آخره فسبحان العليم الحكيم الرءوف الرحيم.
الأعمال بالخواتيم
(4)
الخواتيم: جمع خاتمة وهي الأعمال التي يختم بها عمل الإنسان عند موته فالعبرة في الأعمال بخواتيمها.
(5)
رجلا اسمه قزمان كنعمان من أعظم المسلمين غناء وكفاية عنهم.
فَلْيَنْظرْ إِلَى هذَا» فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ
(1)
وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى جُرِحَ
فاَسْتَعْجَل الْمَوْتَ
(2)
فَجَعَلَ ذُباَبَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ
(3)
فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْرِعًا
(4)
فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ
(5)
فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ» ؟ قَالَ: قُلْتَ عَلَى فُلَانٍ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ» وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ عَلَى ذلِكَ
(6)
فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذلِكَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
(7)
وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّماَ الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ
(8)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهِ كِتاَباَنِ
(9)
فَقَالَ: ا «أَتَدْرُونَ مَا هذَانِ الْكِتَاباَنِ» ؟ فَقُلْناَ: لَا ياَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِلا أَنْ تُخْبِرَناَ فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى
(10)
: «هذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعاَلَمينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آباَئهِمْ وَقَباَئِلِهِمْ» ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ
(11)
فَلَا يُزادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِماَلِهِ:«هذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعاَلَمِينَ فِيهِ أَسْماَءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آباَئهِمْ وَقَباَئِلِهِمْ» ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا
(1)
هو أكثم بن الجون.
(2)
ولم يصبر لحكم الله تعالى.
(3)
فوضع طرف السيف في صدره وتحامل عليه بجسمه حتى خرج من بين كتفيه فقتل نفسه مستحلا ذلك.
(4)
فأقبل الرجل هو أكثم السابق.
(5)
قد صدق تنبؤك بالغيب.
(6)
على الإسلام.
(7)
إن العبد ليعمل عمل أهل النار فيما يظهر للناس وهو فيما سبق له في علم الله من أهل الجنة.
(8)
ففيه أنه لا ينبغي الاعتبار بالأعمال سواء كانت صالحات أو سيئات فإنها أمارات فقط وليست بموجبات فإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في السابقة، نسأل الله حسن الخاتمة آمين.
(9)
هذا تمثيل للمعلوم المحقق وتصوير له بصورة المحسوس الذي يقبض عليه باليد ويشار إليه بالإشارة الحسية كأن الله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أهل الجنة وأهل النار تمام الاطلاع فحدث عنهم بهذا الحديث.
(10)
رفعها وأشار بها.
(11)
أتى في الوصف على آخرهم.
فَقَالَ أَصْحَابُهُ: فَفِيمَ الْعَمَلُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «سَدِّدُوا وَقاَرِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ
(1)
» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُماَ
(2)
ثُمَّ قاَلَ: «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ
(3)
».
• عَنْ أَنَس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ
(4)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْقَدَرِ بِسَنَدَيْنِ صَحِيحَيْنِ، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ آمِين.
تجب المبادرة بالعمل الصالح
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «باَدِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصُبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْياَ
(6)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «باَدِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْراً مُنَسْياً
(7)
،
(1)
أي قبل ذلك العمل الأخير.
(2)
أشار بيديه كأنه يطرح منهما شيئا.
(3)
فرغ ربكم من الحكم على العباد، فهم فريق في الجنة ومنهم فريق في النار.
(4)
وفي رواية: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله، قالوا: يا رسول الله وما عسله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يموت عليه، نسأل الله التوفيق للعمل الصالح والموت على الإيمان الكامل آمين والحمد لله رب العالمين.
تجب المبادرة بالعمل الصالح
(5)
فالمبادرة بصالح الأعمال واجبة قبل فوات وقتها بالاشتغال بالأموال أو الأولاد أو المرض أو الهرم أو الموت.
(6)
بادروا بصالح الأعمال وقوع فتن كظلام الليل تترك الناس حياري وينقلب الشخص من الإيمان إلى الكفر وعكسه في اليوم الواحد لفظاعتها، ويبيع الشخص دينه بعرض من الدنيا أي بقليل منها، والعرض ما عرض لك من حطام الدنيا.
(7)
بلفظ المفعول أي نسيتموه ولكنه يأتي فجأة، أو بلفظ الفاعل أي ينسيكم كل شيء أي فلا تنتظرون إلا واحدًا من هذه الأمور.
أَوْ غِنًى مُطْغِيًا
(1)
، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا
(2)
، أَوْ هَرَمًا مُفَنْدِّا
(3)
، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا
(4)
، أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَر
(5)
، أَوِ السَّاعَةَ فاَلسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
(7)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «باَدِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتّاً: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهاَ، أَوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أَوِ الدَّابَةَ
(8)
، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ
(9)
، أَوْ أَمْرَ الْعاَمَّةِ
(10)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.
الخوف من الله تعالى
(11)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
(12)
}.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتمْ كَثِيرًا
(13)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
أي يطغيكم.
(2)
للصحة والمزاج والجسم.
(3)
موقعًا في الكلام المحرف، من الإفناد أو التفنيد، وأصل الفند بالتحريك الكذب، والكلام الذي ليس بمضبوط.
(4)
أي مسرعا يأتي فجأة.
(5)
بل هو أعظم الشرور.
(6)
أشد وأصعب من كل شيء.
(7)
بسند صحيح.
(8)
وستأتي هذه في علامات الساعة إن شاء الله تعالى.
(9)
الأمر الشاغل له عن غيره وفي رواية وخويصة أحدكم وهو الموت يخصه دون غيره.
(10)
وهي القيامة التي تعم الناس أو الفتنة التي تعمى وتصم عن كل شيء؛ والمراد الحث على الأعمال الصالحة قبل طروء واحد من هذه الأمور، وللطبراني والبيهقي: بادروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها أي لا يلحق صاحبها وللطبراني وابن عدي: باكروا في طلب الرزق والحوائج فإن الغدو بركة ونجاح نسأل الله كمال النجاح في كل شيء يرضيه آمين.
الخوف من الله تعالى
(11)
فالحذر والخوف من غضب الله وعقابه واجب فإنه أحفظ للنفس وأغضب للشيطان وأقرب لمحبة الله تعالى قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وهذا لا ينافي تغليب الرجاء على الخوف إذا حضره الموت لما سبق في الجنائز لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى وقال قطب الأقطاب سيدي أحمد الدردير رضي الله عنه وحشرنا في زمرته آمين.
وغلب الخوف على الرجاء
…
وسر لمولاك بلا تنائي
(12)
ومنه قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} فالخوف موجب لكمال الإيمان لأنه ينشأ من مراقبة الله تعالى واستشعار عظمته وجلاله نسأل الله الخوف والخشية آمين.
(13)
فلو يعلم الناس ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من أهوال الموت والقبر وما بعدهما لقل ضحكهم وكثر بكاؤهم.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمكَارِهِ
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْجَنَّة أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذلِك
(2)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلونَ الدُّنْياَ بِالدِّينِ
(3)
يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ وَأَلْسِنَتَهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئاَبِ
(4)
يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: أَبِي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُوَلئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا
(5)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَكُونَ أَحدٍ يموتُ أَلا نَدِمَ
(6)
» قَالوا: وَمَا نَدَامَتُهُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَلا يَكُونَ ازْدَادَ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَلا يَكُونَ نَزَعَ
(7)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(1)
الشهوات ما تشتهيها النفوس وتستلذها من المحرمات كالزنا وشرب الخمر، والملاهي، فهذه كالحجاب حول النار فمن ارتكبها فقد تسبب في دخول النار، والمكاره ما تكرهه النفوس من التكاليف الشرعية ومكارم الأخلاق كالصبر وكظم الغيظ والعفو عن السيء والإحسان إليه، فهذه كالحجاب حول الجنة فمن قام بها فقد سبب لنفسه الجنة، ولفظ مسلم والترمذي: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.
(2)
الشراك سير النعل الذي يكون بين الأصابع، ويطلق على كل سير يحفظ الرجل من الأرض فالجنة أقرب للإنسان إذا أطاع ربه من شراك نعله، والنار كذلك إذا عصاه، فلا يقربن من شر وإن قل فلعله يكون سببًا في النار، ولا يزهدن في خير وإن قل فلعله يكون سببا في الجنة، نسأل الله الجنة آمين.
(3)
يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، وهذا من ختله إذا خدعه.
(4)
فظاهرهم حسن وكلامهم حلو ولكن في قلوبهم أسوأ النيات وأخبثها.
(5)
فهل هؤلاء يستخفون بالله إلى هذا الحد، وعزته ليسلطن عليهم فتنة تتركهم حيارى لا يهتدون، وفي رواية: إن الله قال لقد خلقت خلقًا ألستهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر فبي حلفت لأتيحنهم (أسلط عليهم) فتنة تدع الحليم منهم حيرانا، نسأل الله السلامة.
(6)
حينما يرى جزاء عمله خيرا أو شرا.
(7)
أي رجع عن عصيانه، ففيه ترهيب من السيئات وإن قلت وترغيب في الازدياد من الطاعات وإن كثرت وعظمت فعطاء الله عليها أكثر وأعظم.
«مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ
(1)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ
(2)
وَلَا يَجْتَمِعُ غُباَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَان جَهَنَّمَ
(3)
».
• عَنْ هَانِئٍ
(4)
قَالَ: كَانَ عُثْماَن رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هذا فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَناَزلِ الْاخِرَةِ فَإِنْ نَجاَ مِنْهُ فَماَ بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَماَ بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ
(5)
».
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ
(6)
أَطَّتِ السَّماَءُ وَحَقَّ لَهاَ أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهاَ مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدٌ لِلَّهِ
(7)
، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتَمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ
(8)
(1)
فمن خاف عدوه سافر ليلا فبلغ موطنه فاستراح وأمن واطمأن، كذلك من خاف ربه وعقابه فبادر بصالح الأعمال فاز برضوان الله ودخل جنته، تلك السلعة الثمينة الغالية والمنزلة السامية.
(2)
وعود اللبن في ضرعه مستحيل، فكذلك دخول النار لمن بكى من خشية الله تعالى مستحيل، قال تعالى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} .
(3)
وكذا من جاهد في سبيل الله لا يدخل النار وظاهره في الأمرين الإطلاق، ويحتمل تقييده بعدم العصيان بعدهما.
(4)
هو مولى لعثمان رضي الله عنهما.
(5)
حق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان ينظر ما يجري في القبور من أهوال وعجائب تذوب منها الجبال وتشيب منها الأطفال، وقد مضى في الجنائز من كتاب الصلاة سؤال القبر وعذابه وسيأتي منه طائفة في الرقائق إن شاء الله تعالى.
(6)
من أحوال وأهوال الدنيا والآخرة وعجائب الملك والملكوت.
(7)
أطيط الرحل: صوته الذي يسمع منه من ثقل ما عليه، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها، وأطيط السماء صوتها من كثرة الملائكة فوقها، قال تعالى {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} .
(8)
الصعدات: جمع صعيد أو صعدة كغرفة وهي فناء الدار وممر الناس أمامها، فلو تعلمون ما أعلم لكثر بكاؤكم وتركتم النساء وخرجتم من المنازل تجأرون وتستغيثون إلى الله أن ينجيكم مما رأيتموه من أمور الغيب.
لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ
(1)
»، رَوَى هذِهِ السِّتَّةَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
التوكل على الله تعالى
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
(4)
}.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّكمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَماَ ترْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِماَصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهاَ وَأَتَوَكَّلُ أَوْ
(1)
كنت أود أني كنت خلقت شجرة فتقطع وتذهب وتصير في خبر كان، فهذه من النبي صلى الله عليه وسلم كلمة كبيرة تدل على أن ما يراه من المغيبات عنا عظيم يتمنى الموت والفناء من رؤيته، نسأل الله السلامة آمين والحمد لله رب العالمين.
(2)
الرابع بسند صحيح والباقي بأسانيد حسنة، نسأل الله حسن الحال آمين والحمد لله رب العالمين على كل حال.
التوكل على الله تعالى
(3)
التوكل على الله تعالى هو الاعتماد عليه وتفويض الأمور كلها إليه تعالى بقلبه اعتمادا على أنه الكفيل بأمور عباده والقادر على كل شيء مع السعي في الأسباب الذي أمر الله به عباده وجرت به العادة كاللبس لدفع الحر والبرد. والأكل والشرب لدفع الجوع والعطش. والنكاح لمن أراد الولد. والحرث وإلقاء البذر لمن أراد الزرع. والغرس لمن أراد الشجر والثمر. والصناعة والتجارة ونحو ذلك من طرق الكسب المعلومة.
(4)
فمن يتوكل على الله ويسعى في الأسباب فإن الله يسخر له كل شيء ويكفيه مطلوبه.
(5)
سبق هذا مع طائفة من الأحاديث في آخر كتاب الطب النبوى.
(6)
الخماص ككتاب جمع خميص وهو ضامر البطن الجائع، والبطان: ككتاب جمع بطين وهو عظيم البطن الشبعان، والمعنى لو صدق توكلكم على الله في سعيكم لفتح لكم أبواب فضله وسخر لكم أرزاقكم كما سخر لأضعف الحيوان - وهو الطير - التي تخرج من أوكارها صباحا وهي جياع ثم تعود مساء وهي ممتلئة البطون، وفي رواية: لرزقكم كما يرزق الطير، وفيه دلالة على السعي للكسب حيث شبههم بالطير التي تخرج من أوكارها صباحا للسعي في طلب أرزاقها ثم تعود وهي ملأي البطون بإلهام من الله تعالى.
(7)
بسند صحيح.
أُطْلِقُهاَ وَأَتَوَكَّلُ قَالَ: «اعْقِلْهاَ وَتَوَكَّلْ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ كِتاَبِهِ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فاَقَةٌ فَأَنْزَلَهاَ بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاَقَتُهُ وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فاَقَةٌ فَأَنْزَلَهاَ بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ أَوْ أَجَلٍ عَاجِلٍ
(2)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَحَدُهُماَ يَأْتِي النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم
(3)
وَالْاخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(4)
فَقَال: «لعَلَّكَ تُرْزَق بِهِ» .
وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنْ اكْتُبِي لِي كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ: سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مَؤُونَةَ
(5)
النَّاسِ وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ
(6)
وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(7)
، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْيَقِينِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ آمين.
(1)
فرجل قدم على النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته فنزل عنها وأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعلقها وأتوكل على الله أو أتركها من غير عقال توكلا على الله تعالى؟ قال: اعقلها وتوكل، ففيه أن الأخذ في الأسباب مطلوب مع التوكل ولا ينافيه لأن التوكل محله القلب والأسباب بالجسم والجوارح.
(2)
سبق هذا في باب التعفف من كتاب الزكاة.
(3)
أي يلازمه لأخذ العلم والهدى عنه.
(4)
بأنه لا يسعى فقال لعلك ترزق به، وهذه وقعة خاصة فلا يترك السعي اعتمادا عليها، ولا ينبغي للساعي أن يمن على من يعوله فلعله يرزق بهم إلا من قبيل إقامة الحجة عليهم إذا أنكروا.
(5)
فمن فعل ما يرضي الله تعالى ولو غضب الناس كفاه الله شر الناس وحفظه منهم.
(6)
ومن فعل ما يغضب الله تعالى إرضاء للناس تركه الله لهم فيهلك في كل واد.
(7)
والأولان بسندن صحيحين.
الفصل الخامس: في الرقائق
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ
آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ
(2)
وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ
(3)
وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ
(4)
فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ
(5)
وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ
(6)
وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهاَ وَرِجْلَهُ التِي
يَمْشِي بِهاَ
(7)
وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ
(8)
وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَناَ فاَعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَناَ أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ
(9)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ
(10)
.
الفصل الخامس في الرقائق
(1)
الرقائق جمع رقيق أو رقيقة كما سبق في أول كتاب الزهد.
(2)
الولي هو المؤمن التقي لقول الله تعالى {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} فلما تولى الله بحسن عبادته تولاه الله بلطفه ورعايته. فمن يعادي وليًا ويؤذيه فإن الله ينذره بشديد الغضب والهلاك يوم القيامة كما يفعل المحارب بعدوه إذا انتصر عليه.
(3)
من صلاة وزكاة وحج وصيام فإن الركعة من فرض الصلاة لا يعد لها من نقلها إلا سبعون كما سبق في عنوان يكمل الفرض من التطوع في كتاب الصلاة، واليوم من رمضان إذا أفطره لا يدرك ثوابه وإن صام الدهر كله كما سبق في الصوم، والله تعالى ما افترض الفرائض إلا لأنه يحب أن يراها من عبده وقتا بعد آخر.
(4)
بالنوافل مع الفرائض حتى يعظم حبي له.
(5)
فلا يسمع إلا ما يرضي ربه تعالي كقرآن وذكر ودعاء.
(6)
فلا يبصر إلا ما يرضي ربه تعالى كنظره في عجائب المخلوقات ومصحف وكتب علم.
(7)
فلا يحركها إلا في طاعة الله تعالى وما يرضيه وزاد أحمد والبيهقي: وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به.
(8)
فإذا صار الشخص عبدا لله في كل أحواله: في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته كان عبدا ربانيا أينما طلب ربه وجده وأينما سأله أعطاه، وزاد الطبراني: ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة.
(9)
فما ترددت رسلي في شيء أريد فعله كترديدي إياهم في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت لشدته وأنا أكره إساءته بالموت الذي هو بطبعه أشد وأصعب شيء على النفس، ونسب التردد إليه لأن تردد الملائكة عن أمره تعالى، وفيه إيذان بعظيم كرامة المؤمن ورفعة قدره عند الله تعالى نسأل الله التوفيق وكامل الإيمان آمين، ولا غرابة في هذا التردد فقد سبق في كتاب النبوة في فضل موسى عليه السلام ما وقع من تردد ملك الموت بين موسى وبين ربه تعالى.
(10)
بسند فيه خالد بن مخلد الكوفي تكلم فيه غير واحد بل قال=
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهاَ، قَالَ حَمَّادٌ رضي الله عنه
(1)
: فَذَكَرَ لَناَ مِنْ طِيبِ رِيِحهَا وَالْمِسْكَ
(2)
وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عز وجل ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ
(3)
قَالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ، قَالَ حَمَّادٌ: وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهاَ وَذَكَرَ لَعْنًا وَيَقُولُ أَهْلُ السَّماَءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ قاَلَ فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ
(4)
قَالَ: وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هكَذَا
(5)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْناَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَناَزَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فاَنْتَهَيَنْاَ إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْناَ حَوْلَهُ كَأَنَّماَ عَلَى رُؤُوسِناَ الطَّيْرُ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «اسْتَعِيذوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ
(6)
» وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحاَبُهُ وَهُوَ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعاَلِهِمْ
(7)
يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُوُل: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينكَ؟ فَيَقُولُ:
= بعضهم: إن هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الجامع الصحيح، ولكن قال الحافظ: إن للحديث طرقا بدل مجموعها على أن له أصلا وذكر له عدة طرق كلها ضعيفة إلا ما خرجه الطبرني مختصرا عن حذيفة فإنه بسند حسن، نسأل الله حسن الحال في الحال والمآل آمين.
(1)
الراوي عن بديل عن ابن شقيق عن أبي هريرة.
(2)
ذكر لهم أنها تكون أطيب من المسك.
(3)
وهو سدرة المنتهى التي ينتهي إليها كل مخلوق إلا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فإنه تجاوزها إلى ما شاء الله تعالى.
(4)
إلى سجين ويحتمل أن المراد بالأجل إلى آخر الدنيا.
(5)
الريطة: ثوب رقيق أو الملاءة.
(تنبيه) سبق في باب الجنائز من كتاب الصلاة طائفة من نوع هذه الأحاديث للدلالة على سؤال القبر وعذابه.
(6)
ذكر القبر للغالب وإلا فالغريق ومن مات في جبل أو بئر أو فلاة وحده ولم يدفنه أحد يسأل أيضا.
(7)
أصوات حركاتهم في انصرافهم من الدفن.
دِينِي الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ هذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ
(1)
؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولَانِ: وَمَا يُدْرِيكَ
(2)
؟ فَيَقُولُ: قَرأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} فَيُناَدِي مُناَدٍ مِنَ السَّماَءِ أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ باَبًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهاَ وَطِيبِهاَ وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهِ مَدَّ بَصَرِهِ
(3)
. وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْمُناَفِقَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَعَادَتْ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي
(4)
فَيَقُولَانِ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهُ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: مَا هذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي قَالَ: فَيُناَدِي مُناَدٍ مِنَ السَّماءِ أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لهُ باَبًا إِلَى النَّارِ قَالَ: فَيأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهاَ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفُ فِيهِ أَضْلَاعُهُ ثُمَّ يُقَيَّضُ
(5)
لَهُ أَعْمى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهاَ جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا فَيَضْرِبُهُ بِهاَ ضَرْبَةً يَسْمُعُهاَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تَرَابًا ثُمَّ تُعاَدُ فِيهِ الرُّوحُ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
وَالنَّسَائِيُّ.
(1)
وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
بالذي أجبت به.
(3)
بوسع قبره حتى يكون بقدر ما يبصر، وفي رواية لمسلم: فيفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون، فيصير القبر كروضة من الجنة فيه من فرشها ولباسها، وروح وريحان من جنة نعيم، وهذا نعيم للروح فقط وإلا فالجسم يفنى ويبلى.
(4)
هاه هاه بسكون الهاء فيهما كلمة يقولها المتحير الذي لا يدري ما يقول.
(5)
أي يسخر الله له من الزبانية أعمى أبكم لئلا يشفق عليه ومعه مرزبة بتشديد الباء وتخفيفها وهي مطرقة من حديد لو ضرب بها جبلا لصار ترابا، فإذا ضربه مرة واحدة سمعها كل شيء إلا الإنس والجن وصار رمادا ومات ثم يحييه الله تعالى لهذا العذاب ثانيا وهكذا، فسؤال القبر يدور على ثلاثة أمور: السؤال عن الله تعالى والسؤال عن الدين والسؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم وفقنا لأحسن جواب يا رحمن يا كريم يا حنان يا منان يا ذا الجلال والإكرام آمين.
(6)
في لزوم السنة بسند حسن.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قاَلَ أَحَدُكُمْ
(1)
أَتاَهُ مَلَكَانِ أَسْودَانِ أَزْرَقاَنِ يُقاَلُ لِأَحَدِهِماَ الْمُنْكَرُ وَالْاخَرُ النَّكِيرُ
(2)
» فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هذَا الرَّجُلِ
(3)
؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تقُولُ هذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ وَيُقاَلُ لَهُ: نَمْ فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجعِهِ ذلِكَ
(4)
وَإِنْ كَانَ مُناَفِقًا قاَلَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لَا أَدْرِي
(5)
فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذلِكَ فَيُقاَلُ للأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ فِيهاَ أَضْلَاعُهُ فَلَا يَزَالُ فِيهاَ مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ
(6)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ حَافِظَيْنِ رَفَعاَ إِلَى اللَّهِ مَا حَفِظَا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهاَرٍ فَيَجِدُ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ وَفِي آخِرِ الصَّحِيفَةِ خَيْرًا إِلا قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي مَا بَيْنَ طَرَفَيِ الصَّحِيفَةِ
(7)
»،
(1)
أو للشك.
(2)
هذا وصف ملائكة السؤال للكفار والمنافقين، وأما للمؤمن فإنهما يدخلان عليه بهيئة حسنة للغاية حتى قال بعضهم: لو لم يلق المؤمن في قبره إلا ما يراه في الملكين الكريمين من حسن الهيئة والملاطفة لكفاه ذلك.
(3)
في هذه الرواية اختصار وإلا فالسؤال عن الله تعالى والدين والرسول كما سبق في الذي قبله.
(4)
لم يسمحوا له بإخبار أهله بما هو فيه من السرور ابتلاء لأهل الدنيا الذين قضى الله عليهم بعدم رؤية ما بعد الموت حتى يموتوا قال الله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} .
(5)
سمعت الناس أي المسلمين يقولون شيئا في الدين فقلت مثله موافقة لهم وتحفظا منهم ولكني لا أومن به ولذا قال في الجواب لا أدري.
(6)
فلا يزال معذبا بالضرب بمقامع الحديد وغيرها حتى تقوم الساعة، والكافر لا يجيب كما سبق.
(7)
سبق في أول الصلاة حديث: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكته بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، فمضمونه أن حفظة النهار تنزل في الفجر وترتفع في العصر، فيثبتون في أول صحفهم =
رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَنَائزِ
(1)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتِ الْاخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْياَ وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْياَ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يأْتِهِ مِنَ الدُّنْياَ إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ
(2)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهاَ سَدَّدَ وَقاَرَبَ فاَرْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ياَ ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِباَدَتِي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ
(4)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائمِ الصَّابِرِ
(6)
»
= صلاة الصبح وفي آخرها صلاة العصر، وملائكة الليل تثبت في صحفها صلاة العصر في أولها وصلاة الصبح في آخرها، ففيه بشارة للمسلم المحافظ على الصلاة بأن الله يغفر له نسأل الله ذلك آمين.
(1)
والأول بسند حسن.
(2)
فمن كان اهتمامه واشتغاله بالدنيا ونسي الآخرة شتت الله عليه أموره وجعل الفقر بين عينيه ولم يأته من دنياه إلا ما قدر له، قال الله تعالى:{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} ، ومن كان همه واشتغاله بالآخرة أكثر جمع الله أموره وجمله بالقناعة وبارك له في رزقه قال تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} .
(3)
الشرة كالهرة: النشاط، والفترة عدم النشاط، فإن كان صاحب الشرة والفترة اعتدل وتوسط في أموره للدنيا والأخرى فارجو له الخير وإن زاد في أموره فلا، ومنه حديث: بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمه الله تعالى. وهذا لأن ما يوجب الإشارة يكون في الغالب مدخولا أي ليس خالصا لله تعالى.
(4)
فمن تفرغ لعبادة الله كفاه الله كل شيء قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ، وفي الحديث الشريف: اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
(5)
الثالث بسند حسن والثاني بسند صحيح.
(6)
فالمفطر الشاكر لنعم الله تعالى بمنزلة الصائم الصابر، فشكره كصبر الصائم على صومه، والشكر المبالغة في الثناء على الله تعالى، بل والاعتراف بالعجز عن شكره كقوله صلى الله عليه وسلم: وهو ساجد: سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. وروى أن الله تعالى قال لداود عليه السلام: اشكرني يا داود على نعمي قال: يا رب كيف لي بشكرك وتوفيقك لي على الشكر نعمة جديدة منك علي فكيف لي بشكرها قال الله: الآن شكرتني، وقيل كمال الشكر استعمال النعم كلها فيما يرضيه تعالى جسمانية أو روحانية أو مالية نسأل الله التوفيق.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(1)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا
(2)
فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ» : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ
(3)
احْفَظ اللَّهِ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ
(4)
إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ
(5)
وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ
(6)
وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمُعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ
(7)
.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيَ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «دَعْ مَا يَرِيُبكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ فَإنَّ اصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإنِّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ
(9)
». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ
(10)
.
• عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأَمَانِيَّ
(11)
»،
(1)
بسند صحيح.
(2)
على بغلة له.
(3)
احفظ أوامره ونواهيه بحفظك ومن تبعك من كل شيء.
(4)
أي أمامك فأينما دعوته وجدته وفي رواية: احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
(5)
لأن كل شيء بيده تعالى فإن كان المسئول عند الله فقط كالتوفيق والهداية والعلم فاطلبه من الله تعالى، وإن كان المسئول عند الناس كالأمور الدنيوية فاطلب من الله أن يسخر قلوبهم لك ثم سلمهم بعد ذلك.
(6)
لأنه القادر على كل شيء.
(7)
فكل الخلائق لا يمسونك بأي شيء خيرا أو شرا أرادوه لك إلا إذا قدره الله لك، فاطلب الأمور بعزة وتوكل في سعيك على الله تعالى فإن القدر لك لابد يأتيك.
(8)
بسند حسن.
(9)
يريبك بفتح الياء أشهر من ضمها، وهذا من الريب وهو الشك أي اترك ما تشك في كونه حسنا أو قبيحا أو حلالا أو حراما قولا أو فعلا إلى ما تتيقن حله وحسنه فإن الصدق في كل شيء تطمئن له النفس ويسكن له القلب والكذب يقلق ويضطرب منه القلب، ومنه ما سبق في أول البيوع: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.
(10)
بسند صحيح.
(11)
الكيس كقيم: العاقل وقد كاس يكيس كيسا إذا تبصر في الأمور وتفكر في عواقبها، والعاجز: الجاهل الأحمق الذي لم يفكر في عواقب الأمور، فالكيس من حاسب نفسه فقهرها وألزمها حدود الله تعالى وعمل للآخرة، والأحمق من ترك نفسه في هواها من المحرمات وتمنى على الله أن يعفو عنه، فهو مع تفريطه لا يعتذر إلى ربه الذي قال: كيف أجود برحمتي على من بخل بطاعتي. قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخف=
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ
(1)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ لِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرّاً لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلا اللَّهُ تَعَالَى وَالَّذِي أَعْطَاهُ
(2)
»، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ فَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فَقَامَ أَحَدُهُمْ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُوا آياَتِي
(3)
، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ
(4)
، وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ: الشَّيْخُ الزَّانِي
(5)
، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ
(6)
، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(8)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُصَلاهُ
(9)
فَرَأَى ناَسًا كأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ
(10)
فَقَالَ: «أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِ «رَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتُ
(11)
فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلا تَكَلَّمَ فِيهِ» فَيَقُولُ: «أَناَ بَيْتُ الْغُرْبَةِ وَأَناَ بَيْتُ الْوَحْدَةِ وَأَناَ بَيْتُ التُّرَابِ وَأَناَ بَيْتُ الدُّودِ
(12)
»، فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا
(13)
أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ فَإِذَا وَلِيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنُيعِي بِكَ، قَالَ: فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ
= الحساب في الآخرة على من حاسب نفسه في الدنيا، وقال ميمون: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين الطعم والملبس. نسأل الله التوفيق آمين.
(1)
بسند صحيح.
(2)
لأنه أعطاه سرا لما سألهم بالله تعالى.
(3)
مما يعدل به أي يقابل به من المال، يتملقنى أي يتحبب إليّ في الود والدعاء من الملق وهو الزيادة في التودد.
(4)
بالنصر على الأعداء.
(5)
الكبير في السن لأنه أدعى لزجره.
(6)
المختال: التكبر لأن فقره ادعى لتواضعه.
(7)
كثير الظل لنفسه أو للناس لأن غناه أدعى لشكره.
(8)
بسند صحيح.
(9)
مكان الصلاة.
(10)
من الكثر وهو ظهور الأسنان من الضحك.
(11)
هاذم اللذات الدنيوية أي قاطعها وهو الموت.
(12)
الذي ينشأ من أجساد الموتى فيأكلها.
(13)
أتيت مكانا رحبا أي واسعا وأهلا.
وَيُفْتَحُ لَهُ باَبٌ إِلَى الْجَنَّةِ
(1)
، وَإِذَا دُفِنَ الْعبْدُ الْفاَجِرُ أَوِ الْكَافِرُ
(2)
فَقَالَ لَهُ الْقَبْرُ: لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهلًا أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ فَإِذَا وَلِيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ، قَالَ فَيَلْتَئمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ
(3)
، قاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بِأَصَابِعِهِ
(4)
فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بِعْضٍ قاَلَ: وَيُقَيِّضُ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا (ثعْباَنًا) لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهاَ نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنْياَ فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ
(5)
»، قاَلَ: وَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّماَ الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِياَضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ
(6)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(7)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ وَأَمِنَ النَّاسُ بوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ
(8)
»، فَقَالَ رَجُلٌ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هذَا الْيَوْمَ فِي النَّاسِ لَكَثِيرٌ، قاَلَ:«وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ مِنْ بَعْدِي» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
(9)
، وَاللَّهُ أعْلَمُ.
دخول الجنة بفضل الله تعالى
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قاَرِبُوا وَسَدِّدُوا
(10)
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ
(1)
فيملأ قبره منها روحا وريحانا وكل ما يشتهي تنعما لروحه إلى يوم تبعث.
(2)
أو للشك والمراد الكافر والفاجر والمنافق.
(3)
فيلتئم القبر عليه فتعصره أضلاعه حتى تتصل ببعضها.
(4)
أشار بها.
(5)
حتى يقوم من قبره إلى الحساب في الآخرة، نسأل الله السلامة.
(6)
فالقبر قطعة من النار للكافرين والمنافقين والفاسقين، والقبر روضة من الجنة للمؤمنين المتقين، فاتضح من هذا أن في القبر نعيما أو عقابا ولكن لا يراه المكلفون من الإنس والجن في دنياهم زيادة ابتلاء لهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يراه كما سبق وكذا بقية الخلق غير الثقلين نسأل الله السلامة من عقابه آمين.
(7)
بسند حسن.
(8)
بوائقه جمع بائقة وهي الداهية، فمن كان يأكل الحلال ويعمل بالشرع المحمدي ولم يؤذ أحدا فهو من أهل الجنة.
(9)
بسند ضعيف والله أعلم.
دخول الجنة بفضل الله تعالى
(10)
سدوا من السداد وهو الصواب، وقاربوا من المقاربة وهي التوسط في العمل.
أَحَدٌ مِنْكمْ بِعَمَلِهِ»، قاَلُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْتَ؟ قاَلَ: «وَلَا أَناَ إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا «يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَلَا يُجِيُرهُ مِنَ النَّارِ وَلَا أَنَا إِلا بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
(1)
».
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَدِّدُوا وَقاَرِبُوا وَأَبْشِرُوا
(2)
فإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ»، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قاَلَ: «وَلَا أَناَ إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ
(3)
». رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذ بِهِ مِنَ النَّارِ آمِين.
رفع الأمانة
(4)
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ رَأيْتُ أحَدَهُما وَأَناَ أَنْتَظِرُ الْاخَرَ، حَدَّثَناَ أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ
(5)
ثمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ
(1)
فليس أحد ينجيه من النار عمله ولا يدخله الجنة حتى ولا النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يعمه الله بفضله ورحمته.
(2)
اقصدوا صواب العمل وتوسطوا فيه وأبشروا عليه بالخير العظيم.
(3)
فأحب العمل عند الله ما دام وإن كان قليلا وسبق هذا في كتاب الإسلام والإيمان، فاتضح من هذا أن دخول الجنة بخالص فضل الله تعالى ولا يستحقها أحد بعمله وإن عبد الله من أول الدنيا إلى آخرها لأن عمله ينتهي ونعيم الجنة خالد لا ينتهي ولأن الأعمال توفيق وعناية من الله تعالى ولأن الجنة سلعة الله الغالية التي لا يقدر على ثمنها أحد، ولا يرد قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} وقوله تعالى {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ونحوها مما يدل على أن الجنة بالأعمال لأن المراد منها أن الأعمال والهداية سبب في الجنة وليست بموجبة لها كما في هذه الأحاديث، وقيل: إن الأعمال للمنازل في الجنة ودخولها بمحض فضل الله تعالى كما روي: ادخلوها بفضل الله واقتسموها بأعمالكم نسأل الله الجنة من فضله آمين.
رفع الأمانة
(4)
الأمانة ضد الخيانة أو هي التكاليف، أي بيان نزول الأمانة في الناس ورفعها منهم حتى يكون الأمين كالعدوم أو معدوما، والأمين من تأمنه على العرض والنفس والمال.
(5)
الجذر بالفتح والكسر: الأصل. فنزول الأمانة الحديث الأول ورفعها الحديث الثاني.
ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ
(1)
وحَدَّثَناَ عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثلَ أَثَرِ الْوَكْتِ
(2)
» ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ
(3)
كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ
(4)
فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمانَةَ فَيُقَالُ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ ما أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِي قَلبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيماَنٍ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُباَلِي أُيُّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامُ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيّاً أَوْ يَهُودِيّاً رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَماَ كُنْتُ أُبَايِعُ إِلا فُلَانًا وَفُلَانًا
(5)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فاَنْتَظِرِ السَّاعَةَ» ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتهاَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فاَنْتَظِرِ السَّاعَةَ
(7)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ آمِين.
(1)
فالأمانة فيهم من الفطرة وبالكسب من الشريعة.
(2)
الوكت كالوعد السواد اليسير كالنقطة.
(3)
المجل كالمطل: النفاخات التي تظهر في الأيدي من كثرة العمل بنحو الفأس.
(4)
فالأمانة تزول من القلوب شيئا فشيئا فإذا زال جزء أول منها خلفه في القلب ظلمة كالسواد، فإذا زال جزء آخر خلفه في القلب كالمجل أو كأثر جمر صغير نزل على رجلك ثم طار فتراه منتبرا أي مرتفعا وليس فيه شيء.
(5)
بايعت من البيع والشراء فقد مضى زمن الأمانة الذي كنت أعامل فيه أي إنسان إن كان مسلما أنصفني إسلامه وإلا أنصفني ساعيه أي وليه الذي أقيم عليه أو الذي يتولى أخذ الجزية منه ولكن الآن لا أعامل إلا أفرادا قليلة لعدم الأمانة وقلة الثقة بالناس، فإذا كان هذا في زمن الصحب والسلف الصالح فكيف بنا الآن، وما أحسن قول القائل:
سألت الناس عن خل وفي
…
فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بذيل حر
…
فإن الحر في الدنيا قليل
(6)
ولكن مسلم في الإيمان.
(7)
المراد بالأمانة والأمر هنا الولاية العامة وفروعها كالخلافة والإمارة والقضاء والحكم بين الناس، فإذا وكلت هذه الأمور إلى غير أهل الدين والعلم والرأي فانتظر الساعة فإنها على وشك الظهور، فإن هؤلاء من الأمة كالقطب من الرحى وكالقلب من الجسم وكالملك من الرعية بصلاحهم تصلح الأمة وبفسادهم تفسد وتهلك، نسأل الله أن يولى المصلحين كما نسأله السلامة لنا ولجميع المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.
الفصل السادس: في فضل الصدقة
(1)
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّياَلِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ
(2)
فاَلْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ: «مَنْ هذَا» ؟ قُلْتُ: أَبُو ذَرَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: «تَعاَلَهْ» ، فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ:«إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ إِلا مَنْ أَعْطاَهُ اللَّهُ خَيْرًا» فَنَفَحَ فِيهِ
(3)
يَمِينَهُ وَشِماَلَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ: «اجْلِسْ ههُناَ» فَأَجْلَسَنِي فِي قاَعٍ
(4)
حَوْلَهُ حِجَارَةٌ فَقاَلَ: «اجْلُسْ ههُناَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ» فاَنْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى لَا أَرَاهُ
(5)
فَلَبِثَ عَنِّي فَأَطَالَ اللُّبْثَ
(6)
ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ يَقُولُ: «وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى» فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ فَقُلْتُ: ياَ نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ مَنْ تُكُلِّمَ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا
(7)
قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ
(8)
فَقَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ: ياَ جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قاَلَ: نَعَمْ قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قاَلَ: نَعَمْ قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قاَلَ: نَعَمْ وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ
(9)
».
الفصل السادس في فضل الصدقة
(1)
سبق فضل الصدقة بتوسع في كتاب الزكاة ولكني وجدت هذه الأحاديث هنا في البخاري ورأيتها في مسلم في كتاب الزكاة فوضعها هنا بعنوان فضل الصدقة ليكون التاج جامعًا للأصول.
(2)
متسترا عنه.
(3)
فنفح فيه: ضرب يديه فيه بالعطاء.
(4)
القاع: المستوى من الأرض.
(5)
الحرة كالجرة: أرض ذات حجارة سود خارج المدينة المنورة وهي بين حرتين.
(6)
غاب فطال غيابه.
(7)
أي يكلمك.
(8)
ظهر لي فكلمني في هذه الحرة.
(9)
فيه أن من مات على كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو من أهل الجنة بدون عذاب إن كان قائما بفروع الشريعة ولو قصر أو عصى وتاب إلى ربه، وبعد التطوير في النار إن لم يتب، وربما عفا الله عنه، قال صاحب الجوهرة رضي الله عنه:
ومن يمت ولم يتب من ذنبه
…
فأمره مفوض لربه
• وَعَنْهُ قاَلَ: كنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: «ياَ أَباَ ذَرَ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قاَلَ:«مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا ذَاكَ عِنْدِي ذَهَبٌ أَمْسَى ثاَلِثَةً عِنْدِي مِنْهُ دِيناَرٌ إِلا دِيناَرًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ إِلا أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ» هكَذَا حَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ
(1)
وَهكَذَا عَنْ يَمِينِهِ وَهكَذَا عَنْ شِماَلِهِ ثُمَّ مَشَيْنَا قاَلَ: «ياَ أَباَ ذَرَ حَتَّى آتِيَكَ
(2)
» فاَنْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي قاَلَ: فَسَمِعْتُ لَغَطًا وَصَوْتًا فَقُلْتُ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُرِضَ لَهُ
(3)
فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَّبِعَهُ ثمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ «لَا تَبْرَحْ مَكانَكَ حَتَّى آتِيَكَ» فَلَمَّا جَاءَ ذَكَرْتُ لَهِ الَّذِي سَمِعْتُ
(4)
فَقَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتاَنِي فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ خُلِقَ كلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثلاثِمَائةِ مَفْصِلِ
(5)
فَمَنْ كَبَرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا أَوْ شَوْكَةً عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ
(6)
وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَة السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَصَدَّقُوا فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيَهاَ
(8)
لَوْ جِئْتَناَ بِهاَ بِالْأَمْسِ قَبِلْتُهاَ مِنْكَ فَأَمَّا الْانَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهاَ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهاَ».
(1)
أشار بين يديه كمن يعطى.
(2)
امكث هنا حتى آتيك.
(3)
حدث له شيء يؤذيه.
(4)
أي سمعت من يكلمك.
(5)
مفصل كمسجد: هو العضو هنا وإن كان أصله ملتقى العظمين وفي بدن كل إنسان ثلاثمائة وستون عضوا بعدد أيام السنة تقريبا.
(6)
أزال عن طريق الناس كل ما يؤذيهم.
(7)
وزاد في رواية. ويجزي عن ذلك ركعتان يركعهما في الضحى وسبق بضعة أحاديث من هذا في صلاة الضحى من كتاب الصلاة.
(8)
الذي عرضت عليه.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْماَلُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهاَ مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهاَرًا
(1)
»، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمَثَالَ الْأُسْطوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
(2)
، فَيَجِيَءُ الْقاَتِلُ فَيَقُولُ: فِي هذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقاَطِعُ فَيَقُولُ: فِي هذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِق فَيَقُولُ: في هذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ
(4)
فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهاَ فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تَصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ
(5)
قَالَ: لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهاَ فِي يَدِ غَنِيَ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيَ قاَلَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِيَ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهاَ فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيَ وَعَلَى سَارِقٍ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتَكَ فَقَدْ قُبِلَتْ
(6)
أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهاَ تَسْتَعِفُّ بِهاَ عَنْ زِناَها
(7)
وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ
(8)
وَلَعَلَّ السَّارِقَ
(1)
مروجًا أي رياضا.
(2)
الأفلاذ جمع فلذ ككتف؛ وفلذ جمع فلذة كقربة وهي قطعة من طول الكبد الذي هو من أطيب الجزور، والأسطوان جمع أسطوانة وهي السارية أي العمود.
(3)
ففي آخر الزمان تخرج الأرض خيراتها من زروع وثمار وأنهار وتخرج كنوزها من ذهب وفضة فينظر الناس لها ويتركونها لكثرتها، والمراد الحث على الصدقة قبل أن يأتي هذا الوقت الذي يخرج فيه الرجل بزكاة ماله أو صدقته فلا يجد من يقبلها منه، وقيل إن ذلك الزمن بعد نزول عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
(4)
قال رجل من بني إسرائيل: والله لأنصدقن الليلة بصدقة على أول من ألقاه.
(5)
أي على صدقة عليها حيث كان مرادا لك فإنك لا تريد إلا الجميل الذي فيه المصلحة للعباد.
(6)
فأتى في منامه فقيل له إن صدقتك قبلت.
(7)
تمتنع عن الزنا بسبب صدقتك.
(8)
لعل هذا البخيل يعتبر فيتعود الإنفاق.
يَسْتَعِفُّ بِهاَ عَنْ سَرِقَتِهِ
(1)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِماَ جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ
(2)
مِنْ ثُدَيِّهماَ إِلَى تَرَاقِيهِمَا
(3)
إِذَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَعَفِّي أَثَرَهُ
(4)
وإِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ
(5)
وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ وَانْضَمَّتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا» قَالَ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «فَيَجْهَدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ
(6)
»، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ.
• عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ رضي الله عنهما
(7)
قَالَ: أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا
(8)
فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ فَعَلِمَ بِذلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ فَقَالَ: «لِمَ ضَرَبْتهُ» ؟ فَقَالَ: يُعْطِي طَعاَمِي بِغَيْرِ إِذْنِي فَقَالَ: «الْأَجْرُ بَيْنَكُماَ
(9)
».
• عَنْ أَسْمَاءَ
(10)
رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(1)
يمتنع بسبب هذه الصدقة عن السرقة اعتقادا منه بأن الله يرزق من غير طريق الحرام بل يرزق الشخص من حيث لا يحتسب، فمضمون هذا أن الله تعالى قبل صدقة هذا الرجل وإن لم تصادف أهلها جزاء على نيته وفعله، ولتلك الحكم العالية السامية، ففيه أن بذل الصدقة مطلوب في كل زمان ومكان فإن الخلق كلهم عيال الله والمثيب عليها هو الله تعالى والله أعلم.
(2)
وفي نسخة عليهما جنتان تثنية جنة بالضم وهي الدرع.
(3)
الثديّ جمع ثدى، والتراقي جمع ترقوة وهي عظم الخلق.
(4)
حتى تطمس أثر مشيه من طولها.
(5)
انقبضت عليه.
(6)
هذا الحديث روي بعدة روايات للشيخين ووقع فيها بعض أخطاء ولكن هذه أصح الروايات، والحديث ضرب مثلا للبخيل والتصدق، فمثلهما مثل رجلين عليهما درعان قصيران ضيقان من الحديد، فإذا هم المتصدق بصدقة اتسع درعه وطال حتى يجر على الأرض، والمراد انشرح صدره ففرح لها بكل جوارحه فأخرجها وهو مملوء بالإخلاص فتقبلها الرحمن بيمينه، وإذا هم البخيل بصدقة انقبضت عليه درعه وانضمت حلقاته إلى بعضها وانضمت يداه إلى عنقه فلم يقدر على إخراجها، والمراد غلب عليه الشح فماتت جوارحه عن فعل الخير، قال تعالى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} نسأل الله السماحة آمين.
(7)
عمير كان عبدا لآبي اللحم أي الذي لا يأكله أو الذي أبى إعطاءه واسمه عبد الله أو خلف الغفاري صحابي واستشهد في حنين.
(8)
من التقديد وهو الشق طولا.
(9)
أي لكما أجران للعبد أجر الإعطاء وللسيد أجر الصدقة لأنها كسبه كما سبق في الزكاة: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك.
(10)
هي أسماء بنت أبي بكر الصديق وأخت عائشة لأبيها رضي الله عنهم.
«انْضَحي» أَوِ أَنْفِقِي وَلَا تَحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا توعِي فَيُوَعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ
(1)
».
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي إِبِلِهِ فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ وَكَانَ رَاكِبًا فَنَزَلَ فَقَالَ لِأَبِيهِ: نَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَناَزَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» ، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ مُسْلِمٌ.
الفصل السابع: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
(3)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهاَبٍ رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ
(1)
النفح والنضح والإنفاق بمعنى، والإحصاء: حصر الشيء وعده، والإيماء: وضعه في الوعاء، والمراد الحث على الإنفاق والصدقة وترك الادخار وإلا أحصى الله وأوعى عليه أي منعه فضله ورزقه، وقالت عائشة رضي الله عنها: ذبحنا شاة فأعطينا منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قلنا: ما بقي إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها، رواه الترمذي بسند صحيح، نسأل الله التوفيق والسعة والبذل فيما يرضيه آمين.
الفصل السابع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(2)
المعروف ما عرف في الشرع أي ما عرفه الناس بأنه محبوب للشارع مفروضًا كان أو مسنونا أو مستحبا. والمنكر: ما ينكره الشارع محرمًا كان أو مكروها كالنظر للأجنبية، والكلام الآتي في بيان درجات الأمر والنهي وفي عقاب من يأمر وينهى ولا يأتمر ولا ينتهي وأن الناس إذا قدروا على النهي ولم ينهوا نزل العذاب فعمهم كلهم، ويجب على الآمر الناهي أن يسلك طريق اللطف فإنه أسلم وأنجح، قال الله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ويجب الأمر والنهي بشروط وهي أن يتحقق أو يظن الفائدة من أمره أو نهيه، وألا يناله ضرر ولو بالكلام وإلا فلا يجب ولكن يبقى مستحبًا لمن شاء.
(3)
فالله تعالى رتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على خيريهم وأفضليتهم على كل الناس، ما ذاك إلا لأن الأمر والنهي في المنزلة العليا من الشرائع لأنهما باب الإرشاد إلى الله وطريق الهداية العظمى.
مَرْوَانٌ
(1)
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ: قَدْ ترِكَ مَا هُناَلِكَ
(2)
فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذلِكَ أَضْعَفُ الْإِيماَنِ
(3)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ
(4)
وَأَصْحاَبٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهاَ تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ
(5)
فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الْإِيماَنِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ
(6)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيماَنِ.
وَقِيلَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْماَنَ فَتُكَلِّمَهُ فَقاَلَ: أَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلا أُسْمِعُكُمْ
(7)
وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبيَنْهُ مَا دُونَ أَنْ أفْتَحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ
(8)
وَلَا أَقُولُ لِأَحَدٍ يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهاَ كَماَ يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى
(9)
فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ:
(1)
وكان واليًا على المدينة من قبل معاوية.
(2)
أي تقديم الصلاة على الخطبة.
(3)
وسبق هذا في كتاب الإيمان.
(4)
جمع حواري وهو الناصر.
(5)
ثم إنها أي الحال تأتي من بعدهم، خلوف: جمع خلف بسكون اللام وهو الشر بخلاف الخلف بفتحها فهو الصالح، فهؤلاء الخلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون.
(6)
ففي هذا وما قبله أن درجات الجهاد في الأمر والنهي ثلاثة، فأعلاها وأفضلها ما كان باليد ثم باللسان لمن لم يقدر على اليد ثم بالقلب لمن لم يقدر على القول باللسان {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} والإنكار بالقلب أن يقول في نفسه: يا رب هذا منكر لا يرضيك ولا أرضاه.
(7)
قيل لأسامة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما دبت الفتنة بين المسلمين في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنهم.
(8)
أمرا هو الإنكار جهرا خوفا من الفتنة.
(9)
الاندلاق: الخروج، والأقتاب: جمع قتب، كحمل وأحمال وهي الأمعاء.
ياَ فُلَان مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تِأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ: بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ
(1)
» رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ
(2)
.
وَلِأَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ أَوْ أَمِيرٍ جَائرٍ
(4)
».
• عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: «يأيُّهاَ النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَأُونَ هذِهِ الآيةَ وَتَضَعُونَهَا في غَيْرِ مَوَاضِعِهَا «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكمْ
(5)
لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعْمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ
(6)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(7)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ
(8)
فَيَقُولُ ياَ هذَا اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقاَهُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذلِكَ
(9)
أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ
(10)
فَلَمَّا فَعَلَوا ذلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ
(11)
» ثمَّ قاَلَ «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
(1)
فبعض الناس يلقي في النار فتسقط أمعاؤه من بطنه ويدور حوها لاتصال طرفها ببطنه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك قد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: نعم ولكني ما كنت اعمل بأمرى ونهيي، فهذه حال الواعظين بألسنتهم ولكنهم لا يتعظون، نسأل الله الستر والتوفيق لما يحب ويرضى آمين.
(2)
ولكن مسلم في كتاب الزهد.
(3)
بسند حسن.
(4)
أو للشك، فأفضل الجهاد كلمة حق عند حاكم ظالم تنهاه عن ظلمه أو تهديه لرشده، وسبق هذا في كتاب الإمارة.
(5)
منصوب بعليكم لأنه من أسماء الأفعال، أي الزموا إصلاح أنفسكم لا يضركم ضلال غيركم إذا اهتديم فهذه كقوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فلا تنافي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(6)
فإذا رأى الناس ظالما ولم يمنعوه عن ظلمه وهم قادرون عليه أنزل الله عليهم كلهم العذاب.
(7)
بسند صحيح، ورواية الترمذي لهذا وما بعده في تفسير سورة المائدة وسبق فيها بعض أحاديث ليست هنا.
(8)
المتلبس بالشر.
(9)
ما رآه في الشر.
(10)
وكان اللازم أن يجتنبه لعصيانه.
(11)
يقال ضرب اللبن بعضه ببعض إذا خلطه، أي سود قلوب الطائعين بسكوتهم من العاصين ورضاهم عنهم واختلاطهم بهم.
عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ اعَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ». {كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} ثُمَّ قاَلَ: «كلا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطِرَّنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا
(1)
وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا
(2)
أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونَ فِي قَوْمٍ يَعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلَا يُغَيِّرُوا إِلا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا
(5)
».
• عَنِ الْعُرْسِ الْكِنْدِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهاَ فَ رضيهاَ كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا
(6)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا خَفِيَتِ الْخَطِيئَةُ لَا تَضُرُّ إِلا صَاحِبَهاَ وَإِذَا ظَهَرَتْ فَلَمْ تُغَيَّرْ ضَرَّتِ الْعَامَّةَ
(8)
» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
(9)
.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
(1)
لتعطفنه على الحق عطفا.
(2)
لتحبسنه على الحق حبسا.
(3)
اللعن: الطرد من رحمة الله تعالى وكان مسخا لأصحاب السبت، نعوذ بالله من ذلك.
(4)
بسند حسن.
{تنبيه} : مرويات الترمذي هنا وما يأتي في كتاب الفتن.
(5)
ففي هذه النصوص أنه يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقادرين عليه وإلا عوقب الجميع.
(6)
فمن رضي بالمعصية ولو كان غائبًا عنها كان ذنبه كذنب فاعلها لأنه حارب ربه ورضي بما يغضب الله تعالى، ومن أبغضها ولو كان حاضرا لها فلا شيء عليه فإذا أنكر كان له أجر النهى عنها.
(7)
بسندين صالحين.
(8)
ولذا يجب على من بلي بشيء أن يستتر لئلا يضر عباد الله تعالى كحديث: إذا بليتم فاستروا.
(9)
بسند حسن.
وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ يَبْعَثُ عَلَيْكمْ عِقاَبًا مِنْهُ ثمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكمْ
(1)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ
(2)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَماَ نَحْنُ حَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إِذْ ذُكِرَتِ الْفِتْنَة فَقاَلَ: إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَمَاناَتُهُمْ
(3)
وَكَانُوا هكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذلِكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ
(4)
وَخُذْ بِماَ تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ
(5)
وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يُحِبُّ وَيَرْضى آمِين.
(1)
فعدم الأمر والنهي سيء العاقبة وهي عدم إجابة الدعاء وعموم العذاب وهذان واقعان بنا الآن فلا دعاء يجاب والعذاب بيننا بقتال بعضنا لبعض، وهذا من ترك الشرع والخروج عليه ولا سيما النساء، وقسوة القلوب من الحكام والأغنياء، بل والطامة الكبرى أن صارت أيدي الأجانب على المسلمين في بقاع الأرض إلا قليلا ممن أنجى الله منهم، نسأل الله أن يتوب علينا ويوفقنا لما فيه رضاه آمين.
(2)
بسند حسن.
(3)
مرجت عهودهم. فسدت، وخفت أماناتهم أي قلت، وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه أي اختلط أمرهم والتبس فلا يعرف الأمين من الخائن ولا البر من الفاجر.
(4)
أي دع الكلام في أحوال الناس لئلا يؤذوك.
(5)
اعمل بالمعروف شرعا واترك المنكر شرعا.
(6)
عليك بأمر خاصة نفسك أي اشتغل بما يخصك لدينك ودنياك، ومن هذا ما سبق في تفسير سورة المائدة: بل ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام، فمضمون هذه النصوص أنه إذا فسد أهل الزمان وصاروا هكذا فقل خيارهم وكثر أشرارهم وسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم الفائدة، وربما ناله منهم أذى ولكن يبقى مستحبا كما سبق، وهذا لا ينافي أنه يجب على الخطباء والوعاظ والمرشدين المعينين من قبل الحكومة القيام بوظائفهم كما كلفوا بها إطاعة لأمر الولاة وتوفية لأعمالهم المأجورة. ويثابون عليها إذا أخلصوا واحتسبوا لله، فإن الثواب وإن كان من فضل الله ولكن بسبب الأعمال والإخلاص فيها، نسأل الله كامل الإخلاص في الأقوال والأفعال آمين.
خاتمة في أنباء بعض السابقين
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً
(2)
}.
قصة الأبرص والأقرع والأعمى
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمى، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يبْتَلِيَهُمْ
(4)
» فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذْرَنِي النَّاسُ
(5)
» فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، قَالَ:«فَأَيُّ الْماَلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ» ؟ قَالَ: «الْإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ، شَكَّ إِسْحَاقُ فِي الْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ» ، قاَلَ أَحَدُهُماَ الْإِبِلُ وَقاَلَ الْاخَرُ الْبَقَرُ، قَالَ: فَأُعْطِيَ ناَقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ: «باَرَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا
(6)
»، قاَلَ: فَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقاَلَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ
(7)
» قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْماَلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قاَلَ: الْبَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا فَقَالَ: «باَرَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا
(8)
»، قَالَ: فَأَتَى الْأَعْمى فَقاَلَ:
خاتمة في أنباء بعض السابقين
(1)
ففي ذكر ذلك عبر وعظات وتسلية وقدوة صالحة.
(2)
{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} من الرسل والأمم، وقد أعطيناك من لدنا قرآنًا جامعا عظيما، نسأل الله العلم والعمل به آمين.
قصة الأبرص والأقرع والأعمى
(3)
الأبرص: الذي به البرص، والأقرع: الذي ذهب شعر رأسه، والأعمى: فاقد حاسة الإبصار.
(4)
أي يختبرهم.
(5)
وهو داء البرص.
(6)
فأسلمه الملك ناقة عشراء بضم ففتح ممدودا وهي التي حملت من عشرة شهور وهذه أنفس الإبل ودعا له بالبركة فيها.
(7)
وهو القرع.
(8)
فأعطاه بقرة حاملا وقال له: بارك الله لك فيها.
أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قاَلَ: أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ، قاَلَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قاَلَ: فَأَيُّ الْماَلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قاَلَ: الْغَنَمُ، فَأُعْطِىَ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هذَا، فَكَانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الْإِبِلِ وَلِهذا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ وَلِهذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ
(1)
، قاَلَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ
(2)
فَقاَلَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْجِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلا بِاللَّهِ ثَمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْماَلَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقاَلَ:
الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ فَقاَلَ لَهُ
(3)
كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقاَلَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هذَا الْماَلَ كَابِرًا عَنْ كاَبِرٍ
(4)
فَقَالَ: «إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ
(5)
» قاَلَ: «وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقاَلَ لَهُ مِثْلَ مَا قاَلَ لِهذَا وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هذَا
(6)
» فَقاَلَ: إِنْ كُنْتَ كاَذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ
(7)
، قَالَ: «وَأَتَى الْأَعْمى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ
(8)
» فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْجِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ
(9)
أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهاَ فِي سَفَرِي فَقاَلَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ
(1)
وولد هذا أي الشاة، وأما أنتج ونتج فمن الألفاظ التي على صورة المجهول أي كثر النتاج من البقرة والناقة والشاة حتى صار لكلٍ واد كامل.
(2)
فبعد مضي مدة وصار لكل منهم واد من المال تمثل الملك بصورة الأبرص وهيئته حينما كان مريضا وجاءه يسأله بالله أن يعطيه بعيرا يركبه إلى وطنه فأبي وأعرض بجانبه.
(3)
فقال الملك له.
(4)
عن أب كبير ورثه عن أب كبير وهكذا.
(5)
دعا عليه بالرجوع لما كان عليه أولا فصار أبرص في هيئة يقذرها الناس لكفره بالنعمة وعدم شكر الله عليها.
(6)
أي كرد الأبرص على هذا السائل.
(7)
فعاد لأصله أقرع في هيئة يقذرها الناس لكفره بالنعمة وعدم شكرها.
(8)
أي الأعمى حينما كان أعمى.
(9)
لا يبلغني أملى إلا الله ثم أستعين بك.
شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ
(1)
، فَقَالَ: «أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّماَ ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رضي عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ
(2)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا وَالْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.
الذين تكلموا في المهد
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلا ثَلَاثَةٌ
(4)
عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَاُلُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقاَلَ أُجِيبُهاَ أَوْ أُصَلِّي، فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى ترِيَهُ وُجُوه الْمُومِسَاتِ» وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ
(5)
فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فَأَبى فَأَتَتْ رَاعيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهاَ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَكَسَّرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقاَلَ: مَنْ أَبُوكَ ياَ غُلَامُ؟ فَقَالَ: الرَّاعِي، فَقَالُوا: أَنَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «لَا إِلا مِنْ طِينٍ
(6)
»، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ، ترْضِعُ ابْنَهاَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهاَ رَجُلٌ رَاكِبٌ
(1)
لا أشق عليك برد ما تأخذه أو تطلبه من مالى لله تعالى.
(2)
أي رضي الله عنك وسخط على صاحبيك وهما الأبرص والأقرع اللذان لم يشكرا نعمة الله ولم يرحمها هذا السائل المسكين الذي سألها بالله تعالى الذي تكرم عليهما بالشفاء وتلك الأموال العظيمة الكثيرة، في هذه القصة أكبر عبرة لمن كان في قلة وفقر وأنعم الله عليه بالأولاد أو الأموال أو الجاه والمنصب فإنه يجب أن لا يغفل عن الحال الأولى فيكثر من حمد الله وشكره ويحن ويعطف على عباد الله المساكين نسأل الله التوفيق لشكره آمين والحمد لله رب العالمين.
الذين تكلموا في المهد
(3)
المهد كالمطل: ما يمهد للصبي ويهيأ له من الفراش ليربي فيه وجمعه مهاد وكان كلامهم في المهد معجزة لهم ككلام الأنبياء الذين تكلموا هنا وكرامة لغيرهم.
(4)
هذا قبل أن يعلمه الله بغيرهم وإلا فهم أكثر كما سيأتي إن شاء الله.
(5)
الصومعة: البناء المحدودب أعلاه، والمومسات: الزانيات.
(6)
فجريج هذا كان من رهبان النصارى يتعبد في صومعته فجاءته أمه وهو يصلى فنادته فتردد هل أقطع صلاتي وأجيبها أو أبقي في صلاتي ثم رجع البقاء في صلاته فلم يجب أمه فدعت عليه برميه بالزنا، ولو كان جريج عالمًا لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته أي لأنها نافلة وبر الوالدين واجب، فجاءته زانية =
ذُو شَارَةٍ
(1)
فَقَالَتِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهاَ وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ وَقاَلَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهاَ يَمُصُّهُ، قاَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَمُصُّ أُصْبُعَهُ
(2)
ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقاَلَتِ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هذِهِ
(3)
فَتَرَكَ ثَدْيَهاَ فقاَلَ: اللَّهُمَّ اجْعَلِني مِثْلَهاَ، فَقاَلَتْ لَهُ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقاَلَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَة وَهذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ لَهاَ سَرَقَتْ زَنَتْ وَلَمْ تَفْعَلْ
(4)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(5)
وَأَحْمَدُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمْ يَتَكَلْم فِي الْمَهْدِ إِلا عِيسَى وَشَاهِدُ يُوسُفَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَابْنُ مَاشِطَةِ فِرْعَوْنَ
(6)
»، رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَتَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ الْقِصَصِ
= فطلبت منه أن يواقعها فأبى خوفا من الله تعالى، فذهبت لراعي غنم فواقعها فحملت فولدت غلاما فسألوها فقالت من جريج العابد، فجاءوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى وتضرع إلى ربه أن يبرئه ثم ذهب للغلام على كتف الزانية فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: فلان الراعي، فصاروا يعتذرون له وقالوا: هل نبنى لك صومعتك من ذهب أدبا لنا وإرضاء لك؟ قال: لا، إلا من طين كما كانت. ففيه دليل على جواز الكرامة من الأولياء ووقوعها بطلبهم واختيارهم كما هو مذهب أهل الحق، وأقوى دليل على هذا ما حصل على يد صاحب سليمان عليه السلام بقوله:{آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} .
(1)
صاحب هيئة وشكل حسن يشار إليه.
(2)
يعمل كعمل الصبي.
(3)
لأن الناس يضربونها ويسبونها.
(4)
وفي رواية: سرقت زنيت بالخطاب لها ولم تفعل شيئا من هذا لأنها بريئة، فالطفل الأول نطق ببراءة جريج كرامة له، ولتقواه أنجاه الله. والطفل الثاني نطق بغبط تلك المرأة المهانة براءة وكرامة لها.
(5)
ولكن في بدء الخلق.
(6)
وهذه تزيد على الرواية التي قبلها بشاهد يوسف عليه السلام وإن الماشطة فيكون الكل خمسة بل أوصلها بعضهم إلى أربعة عشر جمعها السيوطي رضي الله عنه في قوله:
تكلم في المهد النبي محمد
…
ويحيى وعيسى والخليل ومريم
ومبري جريج ثم شاهد يوسف
…
وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
وطفل عليه مرّ بالأمة التي
…
يقال لها تزني ولا تتكلم
وماشطة في عهد فرعون طفلها
…
وفي زمن الهادي المبارك يختم
وزد لهم نوحا ويوسف بعده
…
ويتلوهم موسى الكليم المعظم
فِي مَوَاضِعِهاَ فَقِصَّة إِبْرَاهِيمَ وَوَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عليهم السلام تَقَدَّمَتْ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ وَقِصَّةُ وَافِدِ عَادٍ سَبَقَتْ فِي الذَّارِياَتِ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ فِي تَفْسِيرِ {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} وَقِصَّةُ ذِي الْكِفْلِ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْأَذْكاَرِ وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْغاَرِ
= ولنتكلم على ما في هذا النظم بالترتيب مستعينين بالله تعالى فنقول: أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فروي أنه لما خرج من بطن أمه رفع رأسه فقال: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وأما يحيى فروي أنه قال لعيسى عليهما السلام: أشهد أنك عبد الله ورسوله، وأما عيسى عليه السلام فكلامه ما قص الله علينا بقوله:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} ، وأما الخليل عليه السلام فروى أنه لما سقط من بطن أمه استوى قائما فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وأما مريم فكلامها في قوله تعالى إجابة لزكريا عليهما السلام لما قال لها:{أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ومبري جريج هو الثاني في الحديث الأول، وأما شاهد يوسف فكلامه ما ذكره الله عنه بقوله {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وأما طفل الأخدود فقد سبقت قصته في تفسير سورة البروج وأما الطفل الذي مر عليه بالأمة فهر الثالث في الحديث الأول، وأما طفل ماشطة بنت فرعون فإن أمه كانت مؤمنة بالله تعالى فبينما هي في وقت تمشط بنت فرعون سقط من يدها المشط فقالت: باسم الله تعس فرعون فقالت بنت فرعون أولك رب غير أبي؟ قالت: ربي وربكم الله تعالى، قالت: أفأخبر بهذا أبي؟ قالت: نعم، فأخبرته فطلب منها الرجوع إلى دينه فأبت، فأمر بأن تحمى لها بقرة من نحاس وترمى فيها فلما شرعوا في رميها تأخرت وطفلها معها؛ فقال لها: يا أماه قعي ولا تتأخرى فإنك على الحق، وأما المبارك فإنه طفل جاء به رجل من أهل اليمامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: من أنا يا غلام؟ قال: أنت رسول الله، قال: بارك الله فيك فسمي مبارك اليمامة، وأما نوح عليه السلام فإن أمه لما وضعته في الغار خوفا عليه وأرادت الانصراف قالت: وا نوحاه؛ فقال لها: لا تخافي أحدا يا أماه فإن الذي خلقني يحفظني، وأما موسى عليه السلام فإن أمه لما ولدته وجاءت جواسيس فرعون الذين كانوا يذبحون الأبناء خافت أمه عليه فوضعته في التنور فجاءت أخته وأوقدت التنور من غير أن تعلم أن موسى فيه فبحث الجواسيس في البيت فلم يروا شيئًا فخرجوا فجاءت أم موسى إلى التنور فوجدته مسجورا بالنار: فقالت ما نفعني الحذر أحرقتم ولدي؛ فناداها موسى: لا تخافي ولا تحزني فإن الله تعالى حفظني، فأدخلت يدها فأخرجته سالما بحفظ الله تعالى، ولم نقف على ما تكلم به يوسف عليه السلام.
فِي كِتَابِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ
(1)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ رَجُلًا أَنْ يُسْلِفَهُ أَلفَ دِينَارٍ فَدَفَعَهاَ إِلَيْهِ فَلَمَّا حَلَّ أَجَلُهاَ خَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ فَرَمَى بِهاَ فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْماَلَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(2)
، نَسْأَلُ اللَّهَ الْيقِينَ وَحُسْنَ الثِّقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى آمِين.
(1)
وكذا تقدمت قصة من قتل تسعة وتسعين نفسًا في التوبة من كتاب الأذكار، وقصة توبة كعب بن مالك في سورة التوبة، وقصة الإفك لعائشة في سورة النور. نور الله بواطننا وبصائرنا آمين.
(2)
فيما يستخرج من البحر في الزكاة ورواه أيضا في باب الكفالة في البيوع بأبسط من هذا ومعناه أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، قال: كفى بالله شهيدا، قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت؛ فدفعها إليه إلى أجل مسمى فلما حل الأجل خرج المدين إلى البحر يلتمس مركبا توصله إلى الدائن ليدفع له الدنانير فلم يجد وكان الدائن يخرج إلى الساحل يسأل عنه ويقول: اللهم اخلفني فإنما أعطيت لك؛ فأخذ المدين خشبة فنقرها فوضع فيها ألف دينار وصحيفة كتب فيها من فلان إلى فلان إني دفعت مالك إلى وكيل توكل بي؛ ثم حبك الخشبة لئلا يدخلها الماء ثم أتى بها إلى البحر فقال. اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني شهيدا وكفيلا فقلت. كفى بك شهيدا وكفيلا فرضي بك وبحثت فلم أجد مركبا تحملني إليه؛ ورمي الخشبة في البحر ثم انصرف فخرج الدائن ينظر مركبا جاءت بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فنشرها فوجد فيها المال والصحيفة وحضر المدين بعد هذا للدائن فأخبره بأنه أخذ المال وانصرفا على الإخاء والصفاء، ففي هذا الحديث عبر لمن فكر واعتبر نسأل الله العظة والعبرة آمين.
إبليس وجنوده
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظرُوا إِلَيْهِ كلُّكمْ فَذكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ
(4)
».
إبليس وجنوده
(1)
قيل إن إبليس نوع من الملائكة لقوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} لأن ظاهره أن المستثنى من جنس المستثنى منه، وقيل إنه من الجن بل أبوه لقوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} وهذا هو الأقرب للواقع لأن الملائكة خلقوا من النور والجن من النار كقوله تعالى {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} وللحديث الآتي في خاتمة كتاب الأدب إن شاء الله واستثناؤه من الملائكة في الآية الأولى لأنه كان بينهم ومجاور الشيء له حكمه ولأنهم مكلفون مثلنا لقولهم في سورة الأحقاف {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} فظهر من هذا أن إبليس والجان مخلوق واحد، منهم المؤمنون والكافرون إلا أن إبليس اسم للعاتي المتمرد نعوذ بالله منه.
(2)
إن الشيطان لكم عدو من وقت أبيكم الأول آدم عليه السلام فاتخذوه عدوا بعدم إطاعته، إنما يدعو حزبه وأعوانه ليكونوا في السعير: النار الشديدة.
(3)
سبق هذا في آداب المساجد.
(4)
فلا يفتن أهل الجزيرة بعبادة الأوثان كما كانوا قبل الإسلام ولكن في الدس وإشعال نار العداوة بينهم، وإبليس والشيطان والعفريت بمعنى واحد وهو العاتي التمرد من الجن نعوذ بالله منه.
{تنبيه} : مرويات مسلم هنا كلها في صفة القيامة.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْماَءِ ثمَّ يَبْعَثُ سَرَاياَهُ
(1)
فَأَدْناَهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ قنْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكذَا فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، ثَمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ
(2)
قَالَ: فَيُدْنِيهِ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ
(3)
».
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِي لَيْلًا فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ
(4)
فَقاَلَ: «مَا لَكِ ياَ عَائِشَةُ أَغِرْتِ» ؟ قُلْتُ: وَمَا لِيَ لَا يَغاَرُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ، فَقاَلَ:«أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ» ؟ قاَلَتْ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَوَ مَعِي شَيْطَانٌ؟ قاَلَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قاَلَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: وَمَعَكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قاَلَ: «نَعَمْ» وَلكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَم
(5)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْكمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِن الْجِنِّ» ، قاَلُوا: وَإِيَّاكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ قاَلَ: «وَإِيَّايَ إِلا أَنَّ اللَّهَ أَعانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلا بِخَيْر
(6)
»، رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ مُسْلِمٌ فِي صِفَةِ الْقِيَامَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ آمِين.
(1)
ينصب سريره على وجه الماء في البحر ليكون بعيدا عن رجم الناس له بالحوقلة والاستعاذة ثم يبعث سراياه جمع سرية وهي قطعة من الجيش والمراد جنوده وأعوانه وأولاده للفتنة.
(2)
ما تركته أي فلافًا حتى طلق امرأته.
(3)
فيقربه منه ويدنيه لأن الطلاق مبغوض لله وفيه فتن كثيرة.
(4)
من أثر الغيرة.
(5)
أي فأسلم وأنجو منه، أو حتى أسلم شيطاني وصار مسلما فلا يوسوس لي بشر، وهذا أقرب لحديث البيهقي: فضلت على آدم بخصلتين كان شيطاني كافرا فأعاني الله عليه حتى أسلم وكن أزواجي عونًا لي. وكان شيطان آدم كافرا وكانت زوجته عونا على خطيئته.
(6)
هذا كالذي قبله ومؤيد للقول بأن الشياطين من الجن، وفي رواية: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة أي جنس الملائكة فيعم الكتبة والحفظة ولكن الظاهر أنه غير هذين وأنه هو الموحي بالخير فقط صاحب اللمة في حديث: إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة. السابق في تفسير {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} في تفسير سورة البقرة والله أعلم وعلمه أتم وأكمل=
...............................................................
مباحث قيمة
اتضح مما تقدم أن الشيطان يتسلط على ابن آدم بالإغواء وهذا باتفاق، وهل يتسلط عليه بالإضرار أيضًا؟ قال المعتزلة: ليس له ذلك لقوله تعالى عنه "وما كان لي عليك من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي" وقال أهل السنة: إنه قد يتسلط عليه بالهلاك والإضرار في جسمه وعقله، وهذا ثابت بالكتاب والسنة والواقع المشاهد، أما الكتاب فقوله تعالى {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} أي كالذي مسه الشيطان وصرعه فصار يتخبط يمينًا وشمالًا كالمجنون، وقوله تعالى {من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} ، وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: فناء أمتي بالطعن والطاعون وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة، رواه أحمد والطبراني أي من أسباب هلاكها الطعن بالخراب ونحوها في الجهاد ونحوه والطاعون الذي هو ضرب الجن لبعض الناس والميت بأحدها شهيد، ومنها ما سبق في الاستحاضة لما قالت حمنة بنت جحش: يا رسول الله إني استحاض حيضة كثيرة شديدة، قال: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان أي ضربة من ضرباته، ومنها قوله: ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه عليهما السلام وسبق هذا في ذكر عيسى في النبوة. ومنها قوله ما في الاعتكاف السابق: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، ومنها ما سبق في الطب: أن امرأة سوداء كانت تصرع وتتكشف أحيانا فاستغاثت بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها فلا تتكشف فدعا لها، ومنها ما رواه الإمام أحمد عن أم أبان بنت الوازع عن أبيها عن جدها قالت: انطلق جدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابن له أو ابن أخت له فقال: يا رسول الله إن هذا مجنون أتيتك به لتدعو الله له، قال قربه مني واجعل ظهره لي؛ قال: ففعل فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظهره ويقول: اخرج عدو الله؛ فصار المريض ينظر نظره الصحيح لا نظره الأول، ثم حول وجهه نحوه ودعا بماء فسح به وجهه ودعا له، قال جدي: فلم يكن في الوفد بعد هذا أفضل ولا أحسن منه، وللإمام أحمد أيضًا عن يعلى بن مرة قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة في سفر فلا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة ومعها صي لها فقالت: يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء فإنه يصرع في اليوم أكثر من مرة، قال: ناولينيه؛ فأعطته له ففتح فه فنفث فيه ثلاثة وقال: باسم الله أنا عبد الله اخسأ عدوَّ الله. وفي بعض الروايات: اخرج عدو الله أنا رسول الله ثم أعطاء للمرأة وقال تنتظريننا هنا ونحن راجعون فتخبرينا بما فعل، قال تعالى: فذهبنا ثم عدنا إلى هذا المكان فوجدناها ومعها ثلاث شياه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ما فعل صبيك؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما رأينا منه شيئًا إلى هذه الساعة وخذ من هذه الشياه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انزل فخذ منها واحدة ورد لها البقية. فهذه سبعة أحاديث صريحة في تسلط الشيطان على الإنسان بالأذى نعوذ بالله منه، وأما الواقع من هذا فكثير ومشاهد حتى إن عبد الله بن الإمام أحمد رضي الله عنهما سأل والده كما في آكام المرجان فقال: يا والدي إن قوما يقولون إن الجني لا يدخل بدن المصروع من الإنس؛ فقال:
...............................................................
يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه، من هذا وضع الحق واستبان فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والرجوع إلى الحق فضيلة وغنيمة.
سبب المس وعلاجه
قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد: الصرع نوعان: نوع من الأرواح الخبيثة الأرضية، ونوع من الأخلاط الرديئة أي أو المرض أو الحزن الذي أثر في القوة الفكرة وهذا ما يتكلم الأطباء في سببه وعلاجه، وأما الأول فسببه غالبًا خراب الباطن من نور الإيمان والأذكار والتعوذات النبوية فتجد الروح الخبيثة ذلك البدن أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فتحل فيه فتؤذيه، ومع هذا فالمنظور من الخبيث فعل الشر مع كل مخلوق أينما حل كالحية والعقرب يلدغان من غير سبب، نسأل الله السلامة آمين. وأما علاجه فيكون بمقابلة الأرواح الشريفة العلوية الخيرة لتلك الأرواح الخبيثة فتدافع آثارها وتعارضها تبطلها، وعلى المريض أن يلجأ إلى ربه ويكثر من التعوذ بصيغة من التعوذات السالفة في كتاب الأذكار، وأن يكثر من قوله {رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} وأما المعالج فإنه يجب أن يكون قوى الإيمان حسن التوكل على الله تعالى ويسلك في طريق محاربته ما راه قاهرًا له فربما
طرد المارد بمجرد الأمر كما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديثين السالفين بقوله: اخرج يا عدو الله، وكما وقع من الإمام أحمد فإنه كان جالسا في مسجده إذ جاءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل فقال: إن في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع وقد أرسلني إليك لتدعو الله لها بالعافية فأعطاه الإمام أحمد نعلين من الخشب وقال: اذهب إلى دار أمير المؤمنين واجلس عند رأس الجارية وقل للجني قال لك أحمد: أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو تصفع بهذه النعل سبعين، فذهب الرجل ومعه النعل إلى الجارية وجلس عند رأسها وقال كما قال له الإمام أحمد؛ فقال المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة لأحمد، لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه، إنه أطاع الله ومن أطاع الله أطاعه كل شيء ثم خرج من الجارية فهدأت ورزقت أولادًا، فلما مات الإمام عاد لها المارد فاستدعى لها الأمير صاحبها من أصحاب أحمد خضر ومعه ذلك النعل وقال للمارد: اخرج وإلا ضربتك بهذه النعل؟ فقال المارد: لا أطيعك ولا أخرج أما أحمد بن حنبل فإنه أطاع الله فأمرنا بطاعته، ا هـ من آكام المرجان بتصرف، وكان بعض خيار العلماء رضي الله عنهم يعالج بآية الكرسي والمعوذتين وآية {أم حسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} ، وبعضهم كان يعالج بالبسملة والفاتحة ويظهر أن أقواها تأثيرًا آية الكرسي لقول الجنية لأبي أيوب الأنصاري السابق في فضل آية الكرسي: اقرأ آية الكرسي في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره، ويمكن العلاج بتلاوة الآيات التي وردت في فضلها الأحاديث وهي الفاتحة وآية الكرسي وأواخر البقرة، {قل اللهم مالك الملك} الآيتان، و {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} الآيتان، و {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} إلى آخر سورة الحشر، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص والمعوذتان، والمدار على قوة العزيمة من المعالج والالتجاء وحسن التوكل على الله تعالى فإنه وحده هو الشافي، نسأل الله كمال الإيمان وتمام الشفاء آمين.
الملائكة الكرام
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ
(2)
}.
وَقَالَ تَعَالَى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
(3)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَعاَقَبُونَ فِيكمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهاَرِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ باَتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِباَدِي، فَيَقُولُونَ: تَرَكْناَهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْناَهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَسَبَقَ فِي الصَّلَاةِ.
الملائكة الكرام
(1)
الملائكة: أجسام نورانية لطيفة صمدانية لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتناسلون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وليسوا بمكلفين بشيء ولكنهم جبلوا على عبادة الله تعالى، مسكنهم السموات العلى ولا ينزل منهم إلى الأرض إلا من أمروا بالنزول كالحفظة والكتبة وملائكة التصريف، والملائكة والجن فيهم القدرة على التشكل كما يشاءون، إلا أن الفرق بينهما أن الملك لا يتشكل إلا بالأشكال الشريفة كالإنسان ولا تحكم عليه الصورة لو قتلت بخلاف الجني فيهما.
(2)
جنود ربك هم الملائكة، وهم في القوة وعظم الخلقة والكثرة إلى حد لا يعلمه إلا الله تعالى، وما هي أي سقر إلا ذكرى للبشر.
(3)
أول الآية {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} اذكر يا محمد ملكين كريمين قاعدين عن يمين الإنسان وشماله يتلقيان عنه أعماله ويكتبانها فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أي حافظ حاضر معه، وهذان هما الكاتبان، ومع كل إنسان كاتبان يلازمانه حتى يموت، الذي على اليمين يكتب الحسنات والذي على الشمال يكتب السيئات وهو تحت إمرة ملك اليمين.
(4)
هؤلاء هم الحفظة وهم فرقتان فرقة لليل تنزل من العصر وتبقى معه إلى الفجر وتصعد إلى السماء، والأخرى للنهار تنزل من الفجر وتبقى معه إلى العصر وتصعد إلى السماء، وسبق هذا الحديث في أول كتاب الصلاة وهؤلاء الحفظة هم المذكورون في قوله تعالى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ، فالحفظة والكتبة بنص القرآن فمن أنكرهما كفر لإنكاره القرآن.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالضِّياَءُ وَالْبَيْهَقِيُّ
(2)
.
عدد أحاديث كتاب الزهد 210 مائتان وعشرة
نسأل اللَّه العظيم أن تكون خالصة لوجهه الكريم وأن ينفع بها النفع العميم إنه على ما يشاء قدير آمين والحمد للَّه رب العالمين.
(1)
بالفرس الجواد كما في خبر آخر، فما بالك بطوله وعظم جثته وإن كان المراد التكثير لا التحديد، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مملوءا بالأسرار والعلوم، ولكنه كان يحدث الناس بما يؤذن به وبما تطيقه عقولهم بعدًا للشك عنهم.
(2)
رواه أبو داود في لزوم السنة بسند صحيح. عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به - هكذا أشار بيده فوق أنفه - رواه البخاري، فالمؤمن يخاف من ذنوبه كما يخاف من جبل يقع عليه، وأما الكافر أو الفاسق فإنه يرى أعظم الذنوب كذبابة مرت على وجهه فدفعها بأقل شيء، فالفاجر لا يبالي بأي ذنب، وأما كامل الإيمان فإنه يخاف من ذنوبه ويخشى الله تعالى، نسأل الله الخوف والخشية آمين والحمد لله رب العالمين.
كتاب الأدب
(1)
وفيه سبعة فصول وخاتمة
الفصل الأول: في الاستئذان
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا
(3)
} ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قاَلَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ فَأَتاَناَ أَبُو مُوسى فَزِعًا، قُلْناَ: مَا شَأْنُكَ؟ قاَلَ: إِنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ آتِيَهُ فَأَتَيْتُ باَبَهُ فَسَلَّمْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَحَدٌ فَرَجَعْتُ (ثمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَذَهَبْتُ) فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا؟ قُلْتُ: إِنِّي أَتَيْتُكَ فَسَلَّمْتُ عَلَى باَبِكَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ فَرَجَعْتُ، وَقَدْ قاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» ، فَقاَلَ عُمَرُ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ وَإِلا أَوْجَعْتُكَ
(4)
، فَقَالَ أُبِيُّ ابْنُ كَعْبٍ: لَا يَقُومُ مَعَهُ
إِلا أَصْغَرُ الْقَوْمِ
(5)
، قاَلَ أَبُو سَعِيدٍ
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأدب وفيه سبعة فصول وخاتمة
الفصل الأول في الاستئذان
(1)
الأدب: عمل ما يحمد قولا أو فعلا، وقيل الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك، وقيل الوقوف مع المستحسنات وهي متقاربة المعنى.
(2)
في بيان الاستئذان وهو طلب الإذن وبيان عدده.
(3)
تستأنسوا: تستأذنوا وتسلموا على أهلها، فإن أذن لكم فادخلوها وإلا فلا.
(4)
أقم البينة على هذا الحديث ولو شاهدا واحدا وإلا أوجعتك بالضرب.
(5)
فيشهد بهذا الحديث عند عمر رضي الله عنهم.
قُلْتُ: أَناَ الْأَصْغَرُ، قاَلَ: فاَذْهَبْ بِهِ فَقُمْتُ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هذَا، وَفِي رِوَايَةٍ فَجَاءَهُ أُبَيٌّ فَشَهِدَ بِذلِكَ وَقاَلَ: ياَ ابْنَ الْخَطَّابِ لَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
(1)
قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّماَ سَمِعْتُ شَيْئًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ» . رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
وَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَقاَلَ: أَأَلِجُ؟ فَقاَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ: «اخْرُجْ إِلَى هذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقُلْ لَهُ قُلِ السَّلَامُ عَلَيْكمْ أَأَدْخُلُ» ، فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقاَلَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ
(2)
، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
وَقاَلَ عُمَرُ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي
(4)
.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَهاَهُمْ أَنْ يَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلًا فَطَرَقَ رَجُلَانِ بَعْدَ النَّهْيِ فَوَجَدَ كُلٌّ مِنْهُماَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا
(5)
، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قاَلَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي
(7)
فَدَقَقْتُ الْباَبَ فَقَالَ: «مَنْ ذَا» ؟ فَقُلْتُ: أَناَ، فَقاَلَ: «أَناَ أَناَ كَأَنَّهُ كَرِهَهَا
(8)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
وَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقاَمَ عَلَى الْباَبِ مُسْتَقْبِلَ الْباَبِ فَخَرَجَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقاَلَ: «هكَذَا عَنْكَ وَهكَذَا فَإِنَّماَ الِاسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ
(9)
».
(1)
أي لا تشتد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم نجوم الهداية.
(2)
ففيه أن المشروع السلام قبل الاستئذان، وظاهر الآية العكس ولعلهما جائزان.
(3)
بسند حسن.
(4)
في هذه النصوص أن الإنسان لو ذهب إلى شخص في بيته يستأذن فإن أذن له دخل وإن لم يرد عليه أحد يستأذن ثانيا فإن أذن له وإلا استأذن ثالثا فإن أذن له وإلا فليرجع كما لو قيل له أولا: لا تدخل.
(5)
نهاهم أن يطرقوا النساء ليلا أي يحضروا من السفر بغير إعلام للزوجات لئلا يظهر لهم ما يكرهونه ولتستعد الزوجات، وسبق هذا في حقوق الزوجة على زوجها من كتاب النكاح.
(6)
الأول بسند حسن والثاني بسند صحيح.
(7)
سبق هذا في معجزاته صلى الله عليه وسلم من كتاب النبوة.
(8)
كرهها لأنها لم تبين من الباب والمطلوب بيانه بذكر الاسم ولا بأس بقوله أنا فلان كما أنه لا بأس من ذكر ما يعرف به إذا لم يكن منه بد وإن كان فيه تعظيم كأن يكنى نفسه أو يقول أنا الشيخ أو أنا المفتى ونحو ذلك.
(9)
شرع الاستئذان في الدخول لئلا يقع النظر على عورة أهل البيت ولئلا يطلع على أحوالهم.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى باَبَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبلِ الْباَبَ مِنْ تِلْقاَءِ وَجْهِهِ وَلكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ
(1)
، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(2)
.
الإذن لمنع النظر
(3)
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي باَبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
مِدْرَى
(4)
يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ فَقاَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّماَ جَعَلَ اللَّهُ الْإِذْنَ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقاَمَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَص فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ
(5)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُهُ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ.
• عَنِ الْعِرْباَضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قاَلَ: نَزَلْناَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ وَكَانَ صَاحِبُ خَيْبَرَ مَارِدًا مُنْكَرًا
(7)
فَجَاءَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقاَلَ: ياَ مُحَمَّدُ أَلَكمْ أَنْ تَذْبَحُوا حُمُرَناَ
(8)
وَتَأْكلُوا ثَمَرَناَ وَتَضْرِبُوا نِسَاءَناَ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:«ياَ ابْنَ عَوْفٍ ارْكَبْ فَرَسَكَ ثمَّ ناَدِ أَلَا إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ إِلا لِمُؤْمِنٍ وَأَنِ اجْتَمِعُوا لِلصَّلَاةِ» فاَجْتَمَعُوا فَصَلَّى بِهِمُ
(1)
فالأدب ممن يستأذن أن يقف بركن الباب ويطرقه وإذا قيل له: من بالباب؟ يذكر اسمه واضحا.
(2)
بسندين صالحين والله أعلم.
الإذن لمنع النظر
(3)
إنما شرع الله الإذن قبل الدخول لمنع نظر الداخل عما في البيت وأهله.
(4)
المدرى: حديدة يسرح بها الشعر.
(5)
المشقص كمنبر نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل وهو الحكم بن أمية يريد النظر في البيت قام النبي صلى الله عليه وسلم وفى يده نصل سهم وحاول أن يطعنه على غفلة ولكنه ذهب.
(6)
وفي رواية: إذا دعى أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك إذن له أي فمع الرسول لا حاجة إلى الإذن فإنه إذن وزيادة.
(7)
أي عاتيا جبارا.
(8)
هذا كان قبل النهى عن أكل الحمر وأصابهم جوع شديد.
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ قاَمَ فَقاَلَ: «أَيَحْسِبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ
(1)
قَدْ يَظنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يحَرِّمْ شَيْئًا إِلا مَا فِي هذَا الْقُرْآنِ. أَلَا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْياَءَ إِنَّهاَ لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكَثَرُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتاَب إِلا بِإِذْنٍ
(2)
وَلَا ضَرْبَ نَسَائهِمْ وَلَا أَكْلَ ثِماَرِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمُ الَّذِي عَلَيْهِمْ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْجِزْيَةِ
(3)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قاَلَ: قاَلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذْنكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ الْحِجَابُ وَأَنْ تَسْتَمِعَ سَوَادِي حَتَّى أَنْهاَكَ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْأَدَبِ آمِين.
يهدر دم الناظر بغير إذن
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤوا عَيْنَهُ
(6)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• وَعَنْهُ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُناَحٍ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَشَفَ سِتْرًا فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ فَقَدْ أَتَى حَدّاً لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ
(8)
(1)
السرير المزين بأنواع الحلل.
(2)
محل الشاهد فأهل الكتاب إذا قاموا بما عليهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
(3)
بسند صالح.
(4)
السواد: الشخص والمراد هنا السر والمساررة أي فإذا رفع لك الحجاب وسمعت مساررتي فهذا إذن لك حتى أنهاك، وفيه اعتماد العلامة في الإذن لبعض الناس.
يهدر دم الناظر بغير إذن
(5)
فلا قصاص على من ضربه في عينه لأنه تعدى بالنظر الذي لا يجوز له.
(6)
الظاهر أن الجائز الضرب في العين فقط لأن التعدي بها ولو أصاب غيرها خطأ لا شيء عليه.
(7)
الحصاة مثل وإلا فله ضربه في عينه بأى شيء.
(8)
فقد أتى حدا أي ذنبا يوجب حدا يناسبه وهو فقأ العين.
لَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ اسْتَقْبَلَهُ رَجْلٌ فَفَقَأَ عَيْنَهُ مَا غَيَّرْتُ عَلَيْهِ
(1)
وَإِنْ مَرَّ الرَّجُلُ عَلَى باَبٍ لَا سِتْرَ لَهُ غَيْرِ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ إِنَّماَ الْخَطِيئَة عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ
(2)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
، نَسْأَلُ اللَّهَ كَامِلَ الْأَدَبِ آمِين.
يجوز النظر للحاجة
(4)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ أُمَ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحِجَامَةِ فَأَمَرَ أَباَ طَيِّبَةَ أَنْ يَحْجُمَهاَ قاَلَ: «حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ
(5)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى فاَطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهاَ قَالَ
(6)
: «وَعَلَى فاَطِمَةَ ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهاَ
(7)
لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهاَ وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهاَ لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهاَ» فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا تَلْقَى قاَلَ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّماَ هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ
(8)
، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ فِي اللِّباَسِ
(9)
.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قاَلَتْ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
ما أنكرت عليه.
(2)
فتحريم النظر إذا لم يكن تقصير من أهل البيت فإن قصروا كأن جلسوا في محل مكشوف أو في بيت بدون باب وستر فلا شيء على الناظر لتقصيرهم والله أعلم.
(3)
بسند ضعيف ولكنه مؤيد بما قبله والله أعلم.
يجوز النظر للحاجة
(4)
فيجوز للأجنبي أن ينظر للمرأة الأجنبية بقدر الحاجة، كنظر الطبيب إلى محل المرض إذا لم تكن طبيبة ماهرة وكالنظر إلى الوجه في المعاملة والشهادة، وكالنظر إلى الوجه والكفين ممن يريد التّزوج بها، وكالنظر إلى الأمة ممن يريد شراءها.
(5)
أبو طيبة مولى بنى حارثة. واسمه نافع أو ميسرة حجم أم سلمة لمرض بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والراوي يظن أنه كان أخاها من الرضاع أو كان صغيرًا لم يبلغ، ولا مانع لو كان أجنبيا بالغًا لأنه للضرورة.
(6)
أي أنس.
(7)
قنعت به رأسها غطته.
(8)
إنما هو أي من استحييت منه أبوك وعبدك فلا شيء في نظرهما لك، ففيه جواز نظر المرأَة لعبدها وبالعكس ويخلو بها ويسافر معها ونظره لها كنظر المحارم أي لما عدا ما بين السرة والركبة، وعلى هذا بعض الصحب والتابعين وأكثر السلف، وقال الجمهور: إن المملوك الأجنبي لصحة زواجه بها بعد عنقه.
(9)
بسندين صالحين.
وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةٌ فأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْناَ بِالْحِجَابِ فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «احْتَجِباَ مِنْهُ» فقُلْناَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُناَ وَلَا يَعْرِفُناَ فَقاَلَ: «أَفَعَميْاَوَانِ أَنْتُماَ أَلَسْتُماَ تُبْصِرَانِهِ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
• عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِلنِّسَاءِ
(2)
: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ
(3)
» عَلَيْكُنَّ بِحاَفاَتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْصَقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهاَ لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لصُوقِهاَ بِهِ».
وَقاَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ
(4)
رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ.
حديث في الحمام
(5)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ
(6)
، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ
(7)
،
(1)
منعهما النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس في مجلس ابن أم مكتوم الأعمى لتحريم نظر المرأة إلى الرجل ولو كان أعمى، فيحرم نظر الرجل للمرأة الأجنبية ولو كانت عمياء وبالعكس لوجود الميل بين النوعين.
(2)
وهو خارج من المسجد وقد اختلط النساء بالرجال في الطريق.
(3)
أي تتوسطنه في السير إذا كان فيه رجال.
(4)
ومثله القعود والاضطجاع لأنه مظنة الاختلاط بل مدعاة له، ففيه أنه لا يجوز للشخص أن يدخل المحل الذي اختلط فيه النساء بالرجال كبعض محلات البيع المشهورة عندنا في مصر، وكبعض الأفراح، وأولى المراسح والملاهى فدخولها حرام من عدة جهات، نسأل الله السلامة آمين والحمد لله رب العالمين: وسبق الكلام على النظر واسعا في كتاب النكاح والله أعلم.
حديث في الحمام
(5)
سبق الكلام على آداب الحمام في الغسل من كتاب الطهارة ولكنى رأيت هذا الحديث في الأدب فرأيت وضعه هنا ليكون التاج جامعا للأصول.
(6)
يستر عورته لأن كشف العورة حرام وفى مسند الإمام أبى حنيفة مرفوعًا: لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدخل الحمام إلا بمئزر ومن لم يستر عورته من الناس كان في لعنة الله والملائكة والخلق أجمعين.
(7)
لأنهن مظنة كشف العورة ولا سيما من ترى فيها جمالا لتعجب بنفسها، بل سمعت أنهن في مصرنا الآن لا يستترن في الحمامات =
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهاَ بِالْخَمْرِ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْحَالِ آمِين.
الفصل الثاني: في السلام
(2)
قاَلَ اللَّهَ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ
(3)
} إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلّ شَىْء حَسِيباً
(4)
. وَقاَلَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
(5)
}، وَقَالَ تَعَالَى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ
(6)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا
(7)
أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا
= لفهمهن أن الستر لا يكون إلا لعيب في جسمها، ولكن سبق في الحمام في الغسل: إلا مريضة أو نفساء، ولكن يجب عليها الستر أو تنحاز في خلوة.
(1)
وإن لم يشرب لأنه رضاء بالمنكر والرضا به معصية فيكون شريكهم فتعمهم اللعنة والنقمة والواجب الإنكار بالفعل أو باللسان أو بالقلب كما سبق في الزهد والله أعلم.
الفصل الثاني في السلام
(2)
في فضله، ولفظه، وعلى من، وكيف الرد على أهل الكتاب، وتبليغ السلام ورده، وغير ذلك.
(3)
{وإذا حييتم بتحية} بأن قال لكم قائل السلام عليكم {فحيوا بأحسن منها} بقولكم: عليكم السلام ورحمة الله وبركانه {أو ردوها} بأن تقولوا كما قال، فالواجب الرد بالمثل أو بالزيادة وهو أفضل.
(4)
أي محاسبا فيجازي عليه ومنه السلام ورده.
(5)
الرسل: الملائكة جاءوا لإبراهيم يبشرونه بإسحاق ويعقوب بعده فقالوا حينما دخلوا عليه. نقرئك سلاما، قال سلام عليكم؛ وبعد قليل جاءهم بعجل مشوى يأكلون منه فلم يأكلوا وقالوا: نحن رسل ربك.
(6)
سلام بالقول على أهل الجنة يأتيهم حينا بعد حين من رب رحيم، وقال تعالى {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام} وسبق في تفسير أول البقرة: أن آدم عليه السلام حيا الملائكة بالسلام، ففي هذه النصوص أن السلام هو التحية المباركة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى:{فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} .
(7)
لا تؤمنوا إيمانا كاملا حتى يحب بعضكم بعضا وحتى يحب لأخيه كما يحب لنفسه.
السَّلَامَ بَيْنَكمْ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ
(1)
.
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَشْرٌ
(2)
»، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقاَلَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقاَلَ: «عِشْرُونَ
(3)
»، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكاَتُهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: «ثَلَاثُونَ
(4)
».
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ تَعَالَى مَنْ بَدَأَهُمْ بالسَّلَامِ
(5)
» رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اعْبُدُوا الرَّحْمنَ وَأَطْعِمُوا الطَّعاَمَ وَأَفشُوا السَّلَامَ
(7)
تَدْخلوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السلام قبل الكلام والسلام على الأهل
(8)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ
(9)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَدْعُوا أَحَدًا إِلَى الطَّعاَمِ حَتَّى يُسَلِّمَ
(10)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ
(11)
.
(1)
ولكن مسلم في كتاب الإيمان.
(2)
له عشر حسنات على قوله السلام عليكم.
(3)
له عشرون حسنة لأنه زاد عن الأول ورحمة الله.
(4)
وهذه نهاية ألفاظ السلام وأكلها، والرد كذلك وإن كان ثوابه أكثر لأنه فرض كما يأتي.
(5)
فأقرب الناس إلى الله تعالى من بدأ الناس بالسلام.
(6)
الأول بسند صحيح والثاني بسند حسن ولفظ الترمذى فيه قيل: يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ السلام؟ فقال أولاها بالله تعالى.
(7)
عوّدوا أنفسكم ذلك فإنكم تكونون من أهل الجنة إن شاء الله تعالى، نسأل الله الجنة آمين.
السلام قبل الكلام والسلام على الأهل
(8)
أي ما ورد فيهما.
(9)
فالسلام مقدم على الكلام لأن السلام أمان ولا كلام إلا بعد الأمان.
(10)
لأن السلام في الرتبة الأولى من الكلام.
(11)
وقال فيه محمد بن زاذان وهو منكر الحديث وفيه عنبسة بن عبد الرحمن وهو ضعيف.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْماَشِي وَالْماَشِي عَلَى الْقاَعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ
(1)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَة.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قاَلَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ياَ بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُون بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ
(2)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْحالِ آمِين.
السلام على الصبيان والنساء
(3)
• عَنْ سَيَّارٍ رضي الله عنه قَالَ: كنْتُ أَمْشِي مَعَ ثاَبِتٍ الْبُناَنيِّ فَمَرَّ بِصِبْياَنٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ
(4)
وَقَالَ: كنْتُ أَمْشِي مَعَ أَنَسٍ رضي الله عنه فَمَرَّ بِصِبْياَنٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَحَدَّثَ أَنَسٌ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ
(5)
رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
وَقاَلَ أَنَسٌ رضي الله عنه: انْتَهَى إِلَيْناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَناَ غلَامٌ فِي الْغِلْماَنِ
(6)
فَسَلَّمَ عَلَيْناَ ثمَّ أَخَذَ بِيَدِي أَوْ أُذُنِي فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِي جِدَارٍ أَوْ قاَلَ إِلَى جِدَارٍ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ
(7)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ
(8)
.
قَالَتْ أَسْماَءُ بِنتُ يَزِيدَ رضي الله عنها: مَرَّ عَلَيْناَ
(1)
وزاد في رواية: والصغير على الكبير، وهذا خبر يراد به الأمر أي ليسلم الصغير على الكبير لأنه من توقيره، وليس الجمع القليل على الكثير لأن حقهم أعظم، وأولى أن يبدأ بالسلام الراكب على الماشى لئلا يتكبر فيتواضع، كما يبدأ الماشي على القاعد لشبهه بالداخل على غيره، فالمفضول بنوع ما يبدأ الفاضل بالسلام أي الأولى ذلك وإلا فلو بدأ الفاضل لكفى.
(2)
فينبغى لمن دخل على أهله أن يسلم عليهم فإن ذلك بركة عليهم، قال الله تعالى {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)} والله أعلم.
السلام على الصبيان والنساء
(3)
أي مشروع ومطلوب.
(4)
ثابت البناني من كبار علماء التابعين ومن خيار الزاهدين رضي الله عنه.
(5)
فالسلام على الصبيان مشروع لطرح رداء الكبر وللتحلي بالتواضع ولتدريب الصبيان على آداب الشريعة.
(6)
ألعب معهم.
(7)
أو للشك في الموضعين، وفيه من تواضعه صلى الله عليه وسلم ورفقه بالصبيان ما لا يخفى.
(8)
بسند صالح.
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ
(1)
فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ وَأَشَارَ عَبْدُ اْلحَمِيدِ بِيَدِهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
.
تبليغ السلام
(4)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ، قاَلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ياَ عَائِشَةُ هذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ» قاَلَتْ قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، نَرَى ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا لَا تَرَى
(5)
رَوَاهُ الْأَرْبَعَة.
• عَنْ غَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّا جُلوسٌ بِباَبِ الْحَسَنِ رضي الله عنه إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقاَلَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قاَلَ: بَعَثَنِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقاَلَ: «إِيتِهِ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ» قاَلَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي يُقْرِئكَ السَّلَامَ فَقاَلَ: «عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ آمِين.
(1)
العصبة: الجماعة.
(2)
بسند حسن.
(3)
ولفظه: مرّ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا، فيه جواز التسليم على النساء الأجنبيات وجواز تسليمهن على الرجال بطريق القياس وهذا عند أمن الفتنة، وقال المالكية: يجوز على العجوز دون الشابة سدا للذريعة أما المحارم فلا خلاف في مشروعية السلام عليهن ومنهن والله أعلم.
تبليغ السلام
(4)
فالسلام على لسان الغير يكفى.
(5)
وهو جبريل عليه السلام فقد ردت عليه السلام وهى لا تراه. وكفاها ذلك.
(6)
فيجب رد السلام على الغائب وينبغي أن يشرك المبلغ كقوله: عليك وعليه السلام، ومن السلام على لسان الغير ما جاء في مكتوب فيجب رده على لسان الغير أو بطريق الكتابة والله أعلم.
ما يكره في السلام
(1)
• عَنْ أَبِي جُرَيَ الْهُجَيْمِيِّ
(2)
رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ فَقاَلَ: «لَا تَقلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى
(3)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(4)
، وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ ثمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ:«إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَلْيَقلِ السَّلَامُ عَلَيْكمْ وَرَحْمَة اللَّهِ» .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عليه السلام
(5)
رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ
(6)
وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ليْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِناَ، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ وَلا بِالاكفِّ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
ما يكره في السلام
(1)
أي بيان ما يكره في السلام.
(2)
جريّ الهجيمى بالتصغير فيهما نسبة إلى الهجيم بن عمرو بن تميم، واسمه جابر بن سليم.
(3)
فعليك السلام تحية الموتى في كلام كثير من العرب كقول بعضهم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحما
وكقول من رثى عمر رضي الله عنه:
عليك سلام من أمير وباركت
…
يد الله في ذاك الأديم الممزق
(4)
بسند صحيح.
(5)
لأنه في حال لا تسمح بالرد ويقال عليه كل مشتغل بشيء كصلاة وقراءة وذكر وطهارة ومن يكلم إنسانا ومن هو في صنعته أو زراعته فلا يجب عليهم الرد لأن إلقاء السلام عليهم مكروه وكذا السلام على من يأكل مكروه إلا من الجائع فإنه يسلم ليطلب للأكل.
(6)
بسند صحيح.
(7)
فلو سلم باللسان وقرنه بإشارة اليد فلا شيء فيه لأن المكروه الإشارة فقط كعمل أهل الكتاب، ومثلها ما جرت به عادتهم من قولهم نهارك سعيد أو ليلتك سعيدة بخلاف صباح الخير ومساء الخير ولكنهما لا يقومان مقام السلام فاتضح من هذا أن السلام بالإشارة فقط والسلام على المشتغل بشيء ولفظ عليك السلام كلها مكروهة فلا يجب الرد والله أعلم وعلمه أتم وأكمل.
السلام على أهل الكتاب
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبْدَؤوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فاَضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ
(2)
» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقاَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَهْلَ الْكِتاَبِ يُسَلمُونَ عَلَيْناَ فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قاَلَ: «قولوا وَعَلَيْكُمْ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكمُ الْيَهُودُ فَإِنَّماَ يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ وَعَلَيْكَ
(3)
» رَوَاهُ الثَّلَاثَة.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا ياَ عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الرِّفْقَ فِي الَأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قاَلوا؟ قال: «فَقَدَ قُلْتُ وَعَلَيْكمْ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فَسَمِعَتْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْ ياَ عَائِشَةُ
(4)
فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} الْايَة
(5)
.
السلام على أهل الكتاب
(1)
أي ما ورد في السلام منهم وعليهم.
(2)
إذا ازدحمت الطريق وإلا فلا.
(3)
والسام الموت فلهذا إذا علمنا أنهم يقولون السام عليكم أو لم نعلم ما قالوا فنرد عليهم بقولنا وعليكم أي الموت أيضا فإنه مكتوب على الناس كلهم، أو المراد وعليكم ما تستحقون من الذم أما إذا سمعنا قولهم السلام عليكم وجب علينا الرد عليهم لأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
(4)
كفى عن هذا القول الشديد.
(5)
وفى رواية: قد سمعت فرددت عليهم وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا وسبق سبب نزول هذه الآية في تفسير سورة المجادلة، ويكره إلقاء السلام عليهم للحديث الأول: لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، ولأن في السلام إعزازا للمسلم عليه ولا يجوز إعزازهم، وقال النووى: ابتداؤهم بالسلام حرام وهذا ما لم تدع له ضرورة كمداراتهم ودفع شرهم وإلا جاز والله أعلم.
• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِمَجْلِسٍ وَفِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ
فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ
(1)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِماَ يُحِبُّ وَيَرْضَى آمِين.
حكم السلام ورده
(2)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَمْسٌ تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعاَطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِياَدَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّباَعُ الْجَنَائزِ
(3)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يجْزِئُ عَنِ الْجَماَعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيجْزِئُ عَنِ الْجُلوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا انْتهَى أَحَدُكمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَت الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْاخِرَةِ
(6)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(7)
.
لا سلام على أهل الأهواء
(8)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تسَلِّمُوا عَلَى مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَلَا
(1)
فيستحب إلقاء السلام على المجلس الذي فيه مسلم وغيره تغليبا للمسلم والله أعلم.
حكم السلام ورده
(2)
فابتداء السلام سنة عين من الواحد وسنة كفاية من الجماعة، والرد فرض عين على الواحد وفرض كفاية على الجماعة فيسقط الطلب بالسلام والرد من واحد، كشأن فروض الكفاية ولكن لا يؤجر إلا من سلم وكذا من رد.
(3)
سبق هذا في عيادة المريض من باب الجنائز في الصلاة.
(4)
هذا كان السلام من الجماعة سنة كناية والرد من الجماعة فرض كفاية، ولكن لو سلم الجماعة كلهم كان أفضل كما لو رد الجماعة كلهم فينالون الثواب.
(5)
بسند صالح.
(6)
فيستحب السلام على الحاضرين إذا قدم عليهم وإذا أراد فراقهم.
(7)
بسند حسن، نسأل الله حسن الحال آمين.
لا سلام على أهل الأهواء
(8)
فلا يشرع السلام على فاسق وفاجر ومبتدع ونحوهم وبالأولى الكافر فإن قطع هؤلاء مطلوب وبغضهم محبوب ما داموا في أهوائهم لما سبق في الإيمان: من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان=
تعُودُوهُمْ إِذَا مَرِضُوا وَلَا تصَلُّوا عَلَيْهِمْ إِذَا مَاتُوا
(1)
»، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ هكَذا وَالْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا وَلكِنْ وَصَلَهُ فِي الْأَدَبِ، وَسَبَقَ فِي تَفْسِير سُورَةِ التَّوّبَةِ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ: وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِناَ
(2)
.
• عَنْ عَمَّارِ بْنِ ياَسِرٍ رضي الله عنه قاَلَ: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَدَايَ فَخَلَّقُونِي بِزَعْفَرَان فَغَدَوْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ وَقاَلَ: «اذْهَبْ فاَغْسِلْ عَنْكَ هذَا
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَّةِ
(4)
.
وَمَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْباَنِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ
(5)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي اللِّباَسِ
(6)
.
الكتابة وآدابها
(7)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
(8)
.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْبِئًا عَنْ كِتَابِ سُلَيْماَنَ عليه السلام لِبِلْقِيسَ مَلِكَةِ سَبَإِ: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ
(1)
هذا للزجر أو إذا استحلو الخمر.
(2)
سبق هذا بطوله في سورة التوبة.
(3)
لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم السلام عليه لأنه لطخ يديه بالزعفران الذي هو طيب النساء وقد نهينا عن التشبه بالنساء، ولعله كان هناك غيره يقوم مقامه وإلا إذا تعين للتداوى فلا شيء فيه.
(4)
بسند صالح.
(5)
لعل لون الحمرة هذا كان من صبغ خاص بالنسبة كزعفران ونحوه وإلا فليس الأحمر جائز للرجال كما سبق في كتاب اللباس.
(6)
بسند حسن.
الكتابية وآدابها
(7)
إن تعلّم الكتاب والسنة بل وأى على من العلوم يتوقف على معرفة القراءة والكتابة كما أن المراسلات بين الناس وتبادل الصالح معهم أكثرها بالكتابة، فالقراءة والكتابة مكملتان للبشر بل لازمتان له للتدرج في طريق الرقى الإنساني.
(8)
ومنه قوله تعالى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} .
خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ كَتَبَ فِيهَا مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ
(1)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي سُفْياَنَ رضي الله عنه أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تجَّارًا بِالشَّامِ فَأَتَوْهُ ثمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ
(2)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ زَيْدِ بْنه ثاَبِتٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَاتِبٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ضَعِ الْقَلَمَ عَلَى أُذُنِكَ فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلِي
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ إِلا كِتَابًا عَلَيْهِ خَاتمٌ فاَصْطَنَعَ خَاتَمًا، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَياَضِهِ فِي كَفِّهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
(1)
سبق هذا الحديث في أنباء بعض السابقين في خاتمة كتاب الزهد.
(2)
وكانوا تجارة بالضم والتشديد كفجار، وبالكسر والتخفيف كرماح، وسبق هذا الحديث مطولا في تفسير سورة آل عمران، ففى هذا الحديث واللذين قبله أنه ينبغي للكاتب أن يبدأ بنفسه ليظهر الكاتب للقارئ من أول الأمر.
(3)
لأن القلم لسان ثان يترجم عن القلب، والأذن محل الاستماع في وضع القلم على الأذن ربط للحواس وجمع لها فيكون أقوى وأذكر لها؛ ومن آداب الكتابة تتريب المكتوب بعد كتابته لما روى: تربوا صحفكم فإنه أنجح لها؛ ومنه ما حدث الآن من ورق النشاف المعروف.
(4)
بسند ضعيف لوجود عنبسة ومحمد بن زاذان في سنده، وقول ابن الجوزي: إنه موضوع مردود لأن ابن عساكر خرجه من حديث أنس بسند خال من هذين.
(5)
فختم الكتاب أوثق وأقوى في نسبته إلى مرسله، وسبق هذا الحديث للأصول الخمسة في كتاب اللباس.
من تعلم لغة قوم أمن من شرهم
• عَنْ زَيْدِ بْنِ ثاَبِتٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ
(1)
، قَالَ:«إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنْ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ» ، قَالَ: فَماَ مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ
(2)
فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ
(3)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَاللَّهُ أعْلَى وَأَعْلَمُ.
الفصل الثالث: في أنواع التحية
منها القيام لأهل الفضل
(4)
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ فَقاَلَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكمْ» أَوْ قاَلَ «خَيْرِكمْ» فَقَعَدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» ، قاَلَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ فَقَالَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ بِماَ حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ أَقْمَرَ
(6)
فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ الْمَسْجدِ قاَلَ للأَنْصَارِ «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ
(7)
».
من تعلم لغة قوم أمن من شرهم
(1)
أي كتابتهم التي يتداولونها بينهم.
(2)
أي كتاب يهود وهى كتابتهم ولغتهم التى كانت سريانية لقوله: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية.
(3)
فالنبي صلى الله عليه وسلم خاف شرهم إلا إذا تعلموا لغتهم فتعلمها زيد بن ثابت في نصف شهر، ففيه أن تعلم لغات الأمم الأخرى مطلوب للأمن من شرهم وللتعارف بهم ولتبادل المصالح معهم وللتعاون بهم، ولا سيما إذ دعت الحال لإرسال علماء لهم يعلمونهم الإسلام فإن معرفة لغاتهم حينئذ تكون واجبة من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والله أعلم.
الفصل الثالث في أنواع التحية
(4)
منها القيام لقدوم أهل الفضل من علم أو صلاح أو شرف أو جاه لأنه يزيد في كمالهم ويحمل الناس على الاتصاف بوصفهم وموجب للألفة بينهم.
(5)
سبق هذا الحديث في غزوة بني قريظة والنضير في كتاب الجهاد.
(6)
أي أبيض.
(7)
فلما قرب سعد من المسجد الذي صنعه الأصحاب =
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلا وَهَدْيًا بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ فاَطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا فَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قاَمَ إِلَيْهاَ فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَقَبَّلَهاَ
(1)
وَأَجْلَسَهاَ فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهاَ قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهاَ
(2)
رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(3)
.
• عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْر وَابْنه عَامِرٍ فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ وَجَلَسَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
، وَلَفْظُهُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ
(5)
».
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا
(6)
فَقُمْناَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضهاَ بُعْضًا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ
(7)
.
= للصلاة فيه قال صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم إجلالا وتوقيرا له، أو لتعينوه على النزول لأنه مريض، قال بعضهم بهذا، وقال آخرون بالأول ويؤيده النصوص الكثيرة السابقة في فضل سعد بن معاذ رضي الله عنه ولا مانع من إرادة المعنيين.
(1)
بين عينيها أو رأسها.
(2)
فقبلته في عضو من جسمه والظاهر أنه اليد الشريفة لأنه الأقرب، ففيه تصريح بالقيام من النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة حينما كانت تدخل عليه إجلالا وإكراما لها وكذا كانت تقوم له صلى الله عليه وسلم ويقرها عليه.
(3)
بسند حسن.
(4)
بسند حسن.
(5)
فمن أحب أن يقوم له الرجال فليهيئ له منزلا من النار أي فقد تسبب لنفسه في النار، فظاهره النهى عن القيام للقادم، وقال الحافظ: ليس فيه ذلك إنما الذي فيه زجر عن محبة القيام له، وقيل المراد به النهى عن قيام الرجال وهو جالس كعادة بعض الجبابرة، وقيل النهي لمن يخشى عليه من الكبر بخلاف الكامل فالقيام له مطلوب وقبل النهي عن القيام منزل على القادم فلا ينافى طلبه من الجالسين.
(6)
معتمدا عليها لمرض كان به.
(7)
حديث أبي داود ضعيف لأنه مضطرب السند كذا قاله الطبرى وحديث ابن ماجه فيه أبو غالب قال بعضهم إنه منكر وقال النسائي ضعيف فالحديث وإن صرح بالنهى عن القيام ولكنه لا يحتج به.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ شخصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ
(1)
مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِماَ يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذلِكَ
(2)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ نَسْأَلُ اللَّهَ الصِّحَّةَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ آمِين.
ومنها إنزال الناس منازلهم
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ
(4)
الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
(5)
} لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ آتَكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
(6)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهاَ مَرَّ بِهاَ سَائِلٌ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَة وَمَرَّ بِهاَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِياَبٌ وَهَيْئَةٌ
(1)
أي الأصحاب.
(2)
فكان الأصحاب لا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليهم لما يعلمونه من كراهته للقيام، وحاصل المقام أن جماعة من أهل العلم قالوا بكراهة القيام للقادم لظاهر هذه الأحاديث الثلاثة، وقال الجمهور: إن هذا مردود لأن حديث أبى أمامة لا يحتج به كما سبق، وحديث أبى مجلز ليس صريحا لهم كما سبق أيضا، وحديث أنس يمكن تأويله بأن هذا كان من النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في التواضع، وخوفًا على الأمة من زيادة تعظيمه فربما جرهم إلى ما وقع فيه بعض اليهود والنصارى الذين قال الله فيهم {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} وربما جرهم إلى عمل الأعاجم من السجود لرؤسائهم كما سبق في حديث قيس بن سعد في حقوق الزوج على امرأته من كتاب النكاح، بل قال الجمهور: إن القيام لأهل الفضل مستحب للحديثين الأولين والعمل السلف والخلف على القيام من غير نكير، وهذا هو الحق فإن الله تعالى قال في الهدى للحرم {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} ، فإذا كان تعظيم الهدى من التقوى وكمال الإيمان فأولى تعظيم المؤمن الذي هو أفضل من الحرم بل أفضل من الكعبة كما قال ابن عمر رضي الله عنه يخاطب الكعبة: ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك، والله أعلم؛ نسأل الله التوفيق والهداية لأقوم طريق آمين.
ومنها إنزال الناس منازلهم
(3)
فالمطلوب النظر إلى كل شخص من حاله الذي هو فيه فيضعه في قلبه كما هو ويعامله كما هو نزولا على حكم الله له.
(4)
جمع خليفة، أي يخلف بعضكم بعضا فيها.
(5)
بالإيمان والعلم والجاه والمال والأولاد ليختبركم بذلك.
(6)
إن ربك سريع العقاب من عصاه وإنه لغفور رحيم بالمؤمنين.
فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهاَ فِي ذلِكَ فَقاَلَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْزِلوا النَّاسَ مَناَزِلَهُمْ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(2)
.
• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ
(3)
، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغاَلِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ
(4)
، وَإِكْرَامِ ذِي السُّلْطاَنِ الْمُقْسِطِ
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
ومنها المصافحة
(6)
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ رضي الله عنه قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَكَانَتِ الْمُصَافَحَة فِي أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قاَلَ: نَعَمْ
(7)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَان فَيَتَصَافَحَانِ إِلا غُفِرَ لَهُماَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(9)
.
(1)
فلما كان الأول بحال تناسبه الكسرة وتكفيه أمرت له بها، ولما كان الثاني تظهر عليه الوجاهة كأنه غنى قوم افتقر أمرت بإجلاسه وإكرامه فسألوها فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنزلوا الناس منازلهم؛ أي راعوا أقدارهم ومراتبهم وتفضيل بعضهم على بعض في المجالس وفى القيام ونحو ذلك.
(2)
ولكن أبو داود هنا ومسلم في خطبة كتابه.
(3)
أي من شاب في الإسلام بتوقيره واحترامه والشفقة عليه.
(4)
الغالى في القرآن: المجاوز الحد في تتبع ما خفى منه واشتبه عليه وفى قراءته، والجافي عنه: التارك لتلاوته والعمل به.
(5)
الحاكم العادل، فمن إجلال الله وتعظيمه توفير الكبير في الإسلام، وحافظ القرآن العامل به والعالم أولى، والحاكم العادل لمكانتهم عند الله والناس والله أعلم.
ومنها المصافحة
(6)
المصافحة: وضع اليد في اليد عند المقابلة، وهى من تمام التحية ومكفرة للذنوب وموجبة للألفة والمحبة وهى سنة مجمع عليها عند اللقاء إلا مع المرأة الأجنبية والأمرد الحسن.
(7)
فكان الأصحاب يتصافحون عند المقابلة كما كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
(8)
فهذه مكفرة للصغائر.
(9)
بسند حسن.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِماَنِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَاهُ غُفِرَ لَهُماَ
(1)
»،
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ السُّنِّيِّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قاَلَ: لَمَّا جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ جَاءَكمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ جَاءَ بِالْمُصَافَحَةِ
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
.
• وَعَنْهُ قاَلَ: قَالَ رَجُلٌ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قاَلَ: «لَا
(5)
» قَالَ: أَفَيلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟
قَالَ: لَا
(6)
قَالَ: أَفَيَأْخُذ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» .
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ، وَلَا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُهُ
(7)
وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيس لَهُ
(8)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ تَماَمِ التَّحِيَّةِ الْأَخْذ بِالْيَدِ» ، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(9)
، نَسْأَلُ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَيْدِيناَ جَمِيعًا آمِين.
(1)
فيكون المستحب من المسلمين عند تلاقيهما: السلام، فالمصافحة، فالحمد، فطلب المغفرة، كقوله: اللهم اغفر لي ولك أو غفر الله لي ولك.
(2)
بسند صالح.
(3)
فأهل اليمن أسبق الناس في المصافحة فضلا عن طلب الشارع لها.
(4)
بسند صالح.
(5)
أينحني له بجسمه أو رأسه كما يفعل بعض الناس في التحية؟ قال: لا يجوز.
(6)
أيعانقه ويقبله قال: لا؛ لأنها لا تكون إلا لخواص الأصحاب عقب اللقاء بعد زمن طويل أو لتهنئة بعيد ونحوه.
(7)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صافحه إنسان لا يسحب النبي صلى الله عليه وسلم يده منه أولا، وكذا لا يحول وجهه حتى يحول ذلك الإنسان وجهه عنه زيادة في الإقبال والتودد.
(8)
بل كان صلى الله عليه وسلم بين أصحابه الكرام في نهاية الأدب والحياء رحمة وتعليما للأمة صلى الله عليه وسلم.
(9)
الأخيران بسندين غريبين والأول بسند حسن.
ومنها المعانقة
(1)
قِيلَ لِابِي ذَرَ رضي الله عنه: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَافِحُكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ قاَلَ: مَا لَقِيتُهُ قَطُّ إِلا صَافَحَنِي وَبَعَثَ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَمْ أَكنُ فِي أَهْلِي فَلَمَّا جِئْتُ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ
(2)
فَالْتَزَمَنِي فَكَانَتْ تِلْكَ أَجْوَدَ وَأَجْوَدَ
(3)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ
(4)
.
وَقاَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رضي الله عنه الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي فَأَتاَهُ فَقَرَعَ الْباَبَ فَقاَمَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُرْياَنًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ
(5)
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْياَنًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ فاَعْتَنَقَهُ وَقبَّلَهُ
(6)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
ومنها تقبيل اليد والرجل
(7)
• عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: قاَلَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِناَ إِلَى هذَا النَّبِيِّ
(8)
فَقَالَ صَاحِبُهُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ إِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ فَأَتَياَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ومنها المعانقة
(1)
المعانقة: هي أخذ الشخص بين يديه وضمه لصدره، وهى أطفأ لحرارة الشوق بين الحبيبين إذا التقيا بعد طول عهد أو في نحو الأعياد لزيادة السرور.
(2)
وكان له صلى الله عليه وسلم سرير من ساج وهو خشب من أعظم الأشجار ينبت بالهند فقط ولعله المشهور عندنا بخشب الزان؛ وسرير من جريد النخل كعادة أهل المدينة وأهل مصر من قديم.
(3)
فالتزمني أي عانقنى فكانت تلك الفعلة أحسن عندى من المصافحة لما أفاض عليّ من جسده وروحه وأسراره صلى الله عليه وسلم.
(4)
بسند صالح.
(5)
ولبس ثوبه وهو ذاهب لمقابلته شوقا إليه لأنه كان في سفر.
(6)
والله ما رأيته عريانا قبل هذا الوقت ولا بعده فاعتنقه وقبله بين عينيه، ففيهما تصريح بالمعانقة منه صلى الله عليه وسلم فهى لهذا جائزة إذا دعا شوق إليها. والله أعلم.
ومنها تقبيل اليد والرجل
(7)
فتقبيل اليد جائز لإشعاره بالتعظيم والتبجيل بل هو مستحب لذى جاه أو سلطان أو مال أو فضل وعلم أو تقوى وصلاح لنفعهم للناس ويؤجر عليه لأنه من قوله صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن والحاكم العادل الذي سبق في إنزال الناس منازلهم ويتأكد إذا كان طريقا لدفع شر الأشرار والجبابرة لحديث: أمرت بالمداراة كما أمرت بالفرائض.
(8)
هو محمد صلى الله عليه وسلم.
فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّناَتٍ
(1)
فَقاَلَ: «لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ وَلَا تَسْحَرُوا وَلَا تَأكُلُوا الرِّباَ وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَة وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةَ الْيَهُودِ أَلا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» قَالَ: فَقَبَّلوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ فَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ قَالَ: «فَماَ يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي» قَالُوا: إِنَّ دَاوُدَ عليه السلام دَعَا رَبَّهُ أَلا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إنْ تَبِعْناَكَ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ
(2)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد
(3)
.
• عَنْ أُمِّ أَباَنَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ رضي الله عنهم وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ
(4)
قَالَ: لَمَّا قَدِمْناَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَباَدَرُ مِنْ رَوَاحِلِناَ
(5)
فَنقَبِّلُ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَهُ وَانْتَظَر الْمُنْذِرُ الْأَشَجُّ حَتَّى أَتَى عَيْبَتَهُ فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ
(6)
ثمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُماَ اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» قاَلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِماَ أَمْ جَبَلَنِي اللَّهُ عَلَيْهِماَ قاَلَ: «بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيُهِماَ» قاَلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُماَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
(7)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(8)
.
(1)
واضحات لازمات على كل إنسان أن يعمل بها في كل شرع وفى كل زمان.
(2)
سبق هذا الحديث في سورة الإسراء.
(3)
رواه الترمذى في تفسير الإسراء ورواه هنا أيضا وقال في كليهما حسن صحيح.
(4)
الذين جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أربعة عشر رجلا.
(5)
ننزل عنها مسرعين.
(6)
العيبة: وعاء الملابس كالخرج في مصرنا.
(7)
والأشج اسمه المنذر بن الحارث العبدى سمى الأشج لجرح كان بوجهه وكان رأس الوفد فلما وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسرع القوم عن رواحلهم وذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم وصاروا يقبلون يده ورجله ولكن المنذر نزل عن راحلته ولبس ملابس نظيفة بيضاء وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم بسكينة وخشوع فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأدب والخشوع قال: إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله وهما الخشوع والتأني والسكينة، فحمد الله على ذلك، وسبق هذا مختصرا في حسن الخلق من كتاب البر والأخلاق، ففى هذا وما قبله أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر فعل من قبلوا يده صلى الله عليه وسلم ورجله وهو لا يقر على باطل فصار التقبيل جائزا وقد علمت أنه يستحب لغرض شريف والله أعلم.
(8)
بسند صحيح.
ومنها قبلة الجسد وبين العينين
• عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ وَيُضْحِكُهُمْ لِمُزَاحٍ كَانَ فِيهِ
(1)
فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ فَقَالَ: أَصْبِرْنِي ياَ رَسُولَ اللَّهَ قَالَ: اصْطَبِرْ قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَمِيصِهِ فاَحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ وَقاَلَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هذَا ياَ رَسُولَ اللَّهِ
(2)
.
• عَنْ الشَّعْبِيِّ رضي الله عنه قاَلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَقَّى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِب فاَلْتَزَمَهُ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ
(3)
، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(4)
، نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْقَبُولِ آمِين.
ومنها مرحباً بفلان
(5)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِفاَطِمَةَ عليها السلام: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي» .
وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ رضي الله عنها: جِئْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَرْحَبًا ياَ أُمَّ هَانِئٍ
(6)
»، رَوَاهُماَ الْبُخَارِيُّ
ومنها قبلة الجسد وبين العينين
(1)
المزاح بالضم: الاسم وبالكسر الصدر.
(2)
أصبرني يا رسول الله أي اصطبر وقدنى منك، قال: اصطبر أي استوف القصاص؛ فكشف له النبي صلى الله عليه وسلم عن جسمه فمال أسيد عليه وصار يقبل ويمرغ وجهه على جسد النبي صلى الله عليه وسلم تبركا به ويقول هذا مرادى يا رسول الله.
(3)
فكان جعفر بن أبى طالب غائبًا في سفر فلما حضر تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم فعانقه وقبله بين عينيه.
(4)
بسندين صالحين، ففى هذه الأحاديث أن التقبيل للتبجيل والاحترام يكون في اليد والرجل، والتقبيل للشفقة يكون في الرأس وبين العينين كحديث جعفر هذا وحديث مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة السابق في القيام لأهل الفضل، وقد يكون في الفم للذرية والأطفال كتقبيل النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين السابق في الرحمة من كتاب البر والأخلاق، وأما التقبيل للشهوة كتقبيل الزوجة فقد يكون في الخد وقد يكون في الفم حسبما تميل النفس له وتشتهي والله أعلم.
ومنها مرحبا بفلان
(5)
أي لاقيت رحبًا وسعة.
(6)
أم هانئ: هي فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها.
وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أُبِي جَهْلٍ رضي الله عنه: جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهاَجِرِ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ومنها لبيك وسعديك
(2)
• عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ الْفِهْرِيِّ
(3)
رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ معَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا فَسِرْناَ فِي يَوْمٍ قَائظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَنَزَلْناَ تَحْتَ ظِلِّ الشَّجَرِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لَأْمَتِي
(4)
وَرَكِبْتُ فَرَسِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي فسْطَاطِهِ
(5)
فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَدْ حَانَ الرَّوَاحُ
(6)
فَقَالَ: «أَجَلْ» ثمَّ قاَلَ: «قمْ ياَ بِلَالُ قمْ ياَ بِلَالُ» فثاَرَ مِنْ تَحْتِ شَجَرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَائرٍ
(7)
فَقَالَ: لَبِّيْكَ وَسَعْدَيكَ وَأَناَ فِدَاؤُكَ فَقَالَ: «أَسْرِجْ لِيَ الْفَرَسَ» فَأَخْرَجَ سَرْجًا دَقَّناَهُ مِنْ لِيفٍ
(8)
لَيْسَ فِيهِماَ أَشَرٌ وَلَا بَطَرٌ
(9)
فَرَكِبَ وَرَكِبْناَ.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قاَلَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ياَ أَباَ ذَرَ» فَقُلتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَأَناَ فِدَاكَ أَوْ فِدَاؤُكَ
(10)
. رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ.
(1)
قاله صلى الله عليه وسلم حينما قدم عكرمة عليه بالمدينة مهاجرا تحية له، فهذه مما تعوده العرب في التحية كقولهم أهلا وسهلا أي أتيت أهلا ونزلت منزلا سهلا والله أعلم.
لبيك وسعديك
(2)
لبيك من ألب ولب بالمكان: أقام به أي أنا أجيبك إجابة بعد إجابة، وسعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد، وهاتان الكلمتان لم يستعملا إلا بلفظ التثنية لإفادة التكرير، والمراد بهما إدخال السرور على المخاطب وإظهار التفانى في إجابته.
(3)
أبو عبد الرحمن القرشي الفهرى صحابى وليس له إلا هذا الحديث.
(4)
أي درعى.
(5)
الفسطاط: الخيمة في السفر دون السرادق.
(6)
الرواح السير في آخر النهار بخلاف العدو فإنه في أول النهار.
(7)
قام من تحت شجرة مسرعا.
(8)
جانباه من ليف النخل.
(9)
الأشر والبطر بفتحتين بمعنى وهو كفر النعمة، فمع حقارة السرج الحمد والشكر وإجلال النعم.
(10)
وسبق لفظ لبيك وسعديك في كثير من الأحاديث والله أعلم.
ومنها فداك أبي وأمي
(1)
• عَنْ عَليَ رضي الله عنه قاَلَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفَدِّي أَحَدًا غَيْرَ سَعْدٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي
(2)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أباَهُ وَأُمَّهُ لِأَحَدٍ إِلا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصِ قاَلَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، ارْمِ أَيُّهاَ الْغُلَامُ الْحَزَوَّرُ
(3)
.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَدَيْناَكَ بِآباَئِناَ وَأَمَّهاَتِناَ
(4)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.
ومنها حفظك الله
(5)
• عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَطِشُوا فاَنْطَلَقَ سَرْعَان النَّاسِ
(6)
فَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَقَالَ: «حَفِظَكَ اللَّهُ بِماَ حَفِطْتَ بِهِ نَبِيَّكَ
(7)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(8)
، نَسْأَلُ اللَّهَ كَماَلَ حِفْظِهِ للأَرْوَاحِ وَالْأَشْباَحِ آمِين.
ومنها فداك أبى وأمى
(1)
فداك بالكسر اسم وبالفتح فعل أي أفديك بأبى وأمى وأختار حياتك عليهما.
(2)
أي ارم الأعداء بسهامك فأبي وأمي لك فداء.
(3)
الشديد المقارب للبلوغ.
(4)
فهذه الكلمة مما تعودتها العرب في زيادة التنظيم والتبجيل والإخلاص والله أعلم.
ومنها حفظك الله
(5)
فمن ألفاظ التعظيم الموجبة لزيادة الألفة والمحبة قول الشخص لمن يكلمه حفظك الله أي حرسك من كل مكروه، ومنها رعاك الله أي أحاطك برعايته.
(6)
سرعان الناس بفتح السين والراء وروى بسكونها: المسرعون بالخروج والانتشار لأى سبب.
(7)
أي بقدر جهدك في حفظ نبيك صلى الله عليه وسلم.
(8)
ولكن أبو داود هنا ومسلم في الصلاة مطولا.
ومنها أضحك اللَّه سنك
(1)
• عَنْ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قاَلَ: ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرِ أَوْ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ
(2)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
وَابْنُ مَاجَهْ.
الفصل الرابع: في آداب المجالس
(4)
قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ
(5)
} وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ
فَانشُزُواْ
(6)
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَتٍ
(7)
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(8)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرْقاَتِ» ، «قاَلوا ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا لَناَ بُدٌّ مِنْ مَجاَلِسِناَ نَتَحَدَّثُ فِيهاَ» قَال:«فَإِذَا أَتَيْتَمْ إِلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ»
ومنها أضحك الله سنك
(1)
السن واحدة الأسنان التى تظهر في الفم حين الضحك.
(2)
أي أدام الله فرحك وأكثر سرورك وعبر عن هذا بالضحك لأنه يلزم الفرح والسرور.
(3)
بسند صالح نسأل الله صلاح الحال في الحال والمآل آمين والحمد لله رب العالمين.
الفصل الرابع في آداب المجالس
(4)
أي وآداب الجلوس وحق الجلوس في الطريق وهي غض البصر ورد السلام وكف الأذى عن الناس، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغيرها، وقد جمعها بعضهم من كل الأحاديث الواردة فيها فقال:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق
…
من قول خير الناس إنسانا
أفش السلام وأحسن في الكلام وشمت
…
عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث
…
لهفان أرشد سبيلا واهد حيرانا
للعرف مُرْ وانه عن نكر وكف أذى
…
وغض طرف وأكثر ذكر مولانا
(5)
تفسحوا في المجالس أي توسعوا فيها ليجلس من جاءكم فافسحوا يفسح الله لكم في الجنة.
(6)
وإذا قيل انشروا قوموا لفعل خير كالصلاة وغيرها فانشروا وأطيعوا.
(7)
يرفع الله الذين آمنوا وأطاعوا كما أمروا، ويرفع الذين أوتوا العلم درجات في الجنة.
(8)
فيجازيكم عليه.
قاَلوا وَمَا حَقُّهُ؟ قاَلَ: «غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ
(1)
».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يُقيمُ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمَّ يَجْلِسُ فِيهِ
(2)
وَلكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا»، رَوَاهُماَ الْأَرْبَعَةُ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قاَمَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قاَمَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بهِ
(4)
» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا إِذَا أَتَيْناَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ أَحَدُناَ حَيْثُ يَنْتَهِي
(5)
، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(6)
.
• وَعَنْهُ قاَلَ: كاَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا عَلَى وَسَادَةٍ عَلَى يَسَارِهِ
(7)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِه حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ
(9)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(10)
.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ احْتَبَى بِيَدَيْهِ
(11)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(12)
وَالْبَزَّارُ.
(1)
إياكم والجلوس في الطرق أي احذروا الجلوس على حافات الطرق فإنها مظنة الذنوب قالوا يا رسول الله لا بد لنا من ذلك فإنها مجالسنا نتجاذب فيها أطراف الحديث قال حينئذ: قوموا بحق الطريق. قالوا ما هو فذكر الحديث وهو حجة لمن قال إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
(2)
النهي للتحريم فيحرم إقامة شخص وإجلاس آخر مكانه فإن هذا إذلال له ولكن توسعوا لمن جاءكم.
(3)
هذا منه ورع وإلا فلو قام شخص لآخر تعظيما واحتراما له ليجلس مجلس إجابة لرجائه فلا شيء فيه.
(4)
فمن قام من مجلسه على نية العود له ثم رجع فهو له ويحرم جلوس الغير فيه، ومن هذا من تعود مكانا خاصا في جماعة أو في مجلس على أو قرآن أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر فهو أحق به.
(5)
في طرف المجلس فلا يزاحم أحدا.
(6)
بسند حسن.
(7)
متكئا على يساره على وسادة.
(8)
بسند حسن.
(9)
فبعد صلاة الفجر كان يجلس متربعا ويستمر في مجلسه يحدث أصحابه ويحدثونه عن عوائدهم قبل الإسلام حتى تطلع الشمس بيضاء نقية لا صفرة فيها.
(10)
بسند صالح.
(11)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يجلس محتبيا أي على أليتيه مع نصب ركبتيه وضم فخذيه إلى بطنه بيديه.
(12)
بسند ضعيف.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ
إِلا بِإِذْنِهماَ
(1)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
، وَلِلتِّرْمِذِيِّ
(3)
: «لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ
(4)
.
التحلق وسعة المجلس
(5)
• عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ وَهُمْ حَلِقٌ فَقاَلَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ
(6)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(7)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَيْرُ المَجَالِسِ أَوْسَعُهَا
(8)
. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(9)
• عَنْ أَبِي مِجْلَزَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَلَسَ وَسْط حَلْقَةٍ فَقاَلَ حُذَيْفَةُ: مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ أَوْ لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ
(10)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(11)
وَأَبُو دَاوُدَ. نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَ الْأَدَبِ آمِين.
(1)
وفى رواية: لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما فإن هذا يؤذيهما للضيق أو لتناج بينهما، أما إذا كان بينهما فرجة فإنه يجلس بغير إذن سدا للفرجة.
(2)
بسند حسن.
(3)
بسند صحيح.
(4)
هذا قيد للكلمتين قبله، فالرجل في بيته ومحل ولايته أولى بإمامة الصلاة وكذا لا يجلس أحد في مجلسه الخاص به إلا بإذنه والله أعلم.
التحلق وسعة المجلس
(5)
فيستحب للجماعة أن يجلسوا متحلقين أي مستديرين وأن يوسعوا الحلقة بقدر ما يحضرون بالظن والتخمين فإن هذا أحمر وأوجه.
(6)
عزين جمع عزة وهى الحلقة من الناس وحلق بفتحتين وبكسر ففتح جمع حلقة فقال مالى أراكم عزين أي جماعات متفرقة، فهذا منه صلى الله عليه وسلم نهى عن التفريق وحث على الاجتماع.
(7)
ولكن أبو داود هنا ومسلم في الصلاة.
(8)
بالنسبة لغيرها لأن الضيق قد ينشأ عنه ضرر.
(9)
بسند صالح.
(10)
الحلقة بالسكون وقد تفتح. ووسط بسكون السين في متفرق الأجزاء كالقوم وبفتحها في متصل الأجزاء كالدار والرأس، وإنما كان ملعونا لأنه خالف المأمور به وهو الجلوس حيث ينتهى، وربما تخطى رقاب الجالسين، وربما حال بين الوجوه فحجب بعضهم عن بعض فيتضررون بمقعده وسطهم أما إذا كانوا لا يتضررون به لفضل أو صلاح فلا شيء عليه.
(11)
بسند صحيح ولفظ الترمذى عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة =
الجلسة المكروهة
• عَنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَناَ جَالِسٌ هكَذَا قَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي فَقَالَ: «أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
(1)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو الْقاَسِمِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَحَدُكمْ فِي الْفَيْءِ فَقَلَصَ عَنْهُ فَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ
(2)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(3)
، نَسْأَلُ اللَّهَ الْأَدَبَ فِي كلِّ حَالٍ آمِين.
التناجي
(4)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كُنْتمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْناَنِ دُونَ صَاحِبِهِماَ فَإِنَّ
ذلِكَ يُحْزِنُهُ
(5)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَة.
الجلسة المكروهة
(1)
إلية اليد: هي اللحمة التى في أصل الإبهام والخنصر من الكف، فلا ينبغى للشخص أن يتكئ على إلية يده أو يديه خلف ظهره فإنها جلسة المتكبرين المغضوب عليهم من الله ورسوله والمؤمنين، بل الجلسة المحمودة هي الافتراش كجلسة الصلاة أو التربع أو الاحتباء، ولا بأس من الاتكاء على وسادة تحت يمينه أو يسراه.
(2)
فإذا كان الشخص في ظل فتحول الظل عنه فصار بعضه في الظل وبعضه في الشمس فليتحول إلى مكان كله ظل أو شمس فإن تلك جلسة الشيطان، وأيضًا ربما فسد مزاجه من هذين العاملين المتضادين وهما الحرارة والبرودة.
(3)
بسندين صالحين.
التناجي
(4)
التناجي: هو التحدث سرا.
(5)
لأنه يظن أن كلامهما في شأنه أو أنهما يكرهانه فلم يطلعاه على كلامهما، أما إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس من أن يتناجى اثنان دون الباقي لحديث: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، ولا بأس من التناجي بإذن الثالث فإنه أهدأ له.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِرّاً فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا وَلَقَدْ سَأَلَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ فَماَ أَخْبَرْتهاَ بهِ
(1)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(2)
.
العطاس وتشميت العاطس
(3)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ
(4)
فَشَمَّتَ أَحَدَهُما وَلَمْ يُشَمِّتِ الْاخَرَ
(5)
فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ وَعَطَسْتُ أَناَ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي قاَلَ: «إِنَّ هذَا حَمِدَ اللَّهَ وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهِ
(6)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قاَلَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهاَ صَوْتَهُ
(7)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(8)
.
• عَنْ أَبِي أَيّوبَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كلِّ حَالٍ وَلْيَقُلِ الَّذِي يَرُدُّ عَلَيْهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَقُلْ هُوَ يَهْدِيكمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ باَلَكمْ
(9)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
(1)
قيل كان هذا السر يختص ببعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وإلا لو كان علمًا لما كتمه أنس رضي الله عنه، ففيه أن كتم السر واجب لأنه أمانة يجب حفظها إلا إذا أذن صاحبه فيه أو في بعضه أو نقله بغير ذكر اسم صاحبه فلا بأس في شيء من ذلك.
(2)
ولكن البخارى هنا ومسلم في الفضائل.
العطاس وتشميت العاطس
(3)
العطاس بالضم: دفع الأذى عن الدماغ الذي فيه قوة التفكير ومنشأ الأعصاب بالتى هي معدن الحواس، فشرع الحمد من العاطس في مقابلة تلك النعمة، والتشميت أصله: إزالة الشماتة؛ والمراد هنا الدعاء بالرحمة والبركة لمن حمد الله بعد العطاس.
(4)
هما عامر بن الطفيل وابن أخيه، وهو الذي حمد الله تعالى.
(5)
فشمت أحدهما بقوله يرحمك الله وترك الآخر.
(6)
فمن لم يحمد الله لا ينبغى تشميته بل يذكر بحمد الله فإن حمد الله شمته وإلا فلا.
(7)
أي خفض صوته بالعطسة، ولفظ أبي داود: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه سترا لما عساه أن يظهر من فمه وأنفه كما هي العادة.
(8)
بسند صحيح.
(9)
هذا فيه بيان حمد العطاس وتشميته ورده على من شمته فهو أكل حديث هنا. وظاهره أن الحمد عقب العطاس وتشميت الحامد واجبان، وبه قال بعضهم.
وَعَطَسَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَجُلٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، قاَلَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَناَ أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ هكَذَا عَلَّمَناَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ عَلَّمَناَ أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كلِّ حَالٍ،
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(1)
.
• عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ
(2)
: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَقُلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَناَ وَلَكُمْ
(3)
»، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(4)
.
عدد التشميت
(5)
• عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «يَرْحَمُكَ اللَّهُ» ثمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ مَزْكُومٌ
(6)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ إِلا الْبُخَارِيَّ.
(1)
بسند ضعيف ولكنه مؤيد بالصحاح هنا.
(2)
سببه أنهم كانوا في سفر فعطس رجل فقال: السلام عليكم، فقال سالم: عليك وعلى أمك؛ فكأن الرجل وجد في نفسه فقال: أما إنى لم أقل إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الحديث.
(3)
ففيه مع حديث أبى أيوب السابق أن الوارد في الحمد صيغتان وفى الرد على المشمت صيغتان.
(4)
بسند صالح لأبى داود، وللبخارى في الأدب عن عليّ رضي الله عنه قال: من قال عند عطسة سمعها الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبدا، وهذا حكمه الرفع لأن مثله لا يقال من قبل الرأى، ويؤيده ما رواه الطبراني عن عليّ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من بادر العاطس بالحمد لله عوفى من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبدا، وللطبرانى أيضا: إذا عطس رجل فقال: الحمد لله؛ قال الملك: رب العالمين، فإن قال: رب العالمين قال الملك: يرحمك الله، وعن أم سلمة قالت: عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يرحمك الله، وعطس آخر فقال: الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرا طيبًا مباركًا فيه؛ فقال: ارتفع هذا على ذاك تسع عشرة درجة. رواه أبو جعفر الطبرى في التهذيب والله أعلم، نسأل الله أن يهذب أخلاقنا آمين.
عدد التشميت
(5)
عدد التشميت المشروع ثلاث مرات فقط.
(6)
به زكام وهو مرض ينشأ من المبرد، وعلامته إفراز رطوبة من الأنف وكثرة العطاس=
• وَعَنْهُ قاَلَ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَناَ شَاهِدٌ فَقَالَ لَهُ: «يَرْحَمُكَ اللَّهُ» ثمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فَقَالَ: «هذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ رِفاَعَةَ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَشْمِيتُ الْعاَطِسِ ثَلَاثٌ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُشَمِّتَهُ فَشَمِّتْهِ وَإِنْ شِئْتَ فَكُفَّ
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا فَماَ زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ
(5)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
تشميت الذمي
(6)
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعاَطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكمُ اللَّهُ فَيَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ باَلَكُمْ
(7)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
(8)
.
إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤُب
(9)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التثاَؤْبَ
(1)
وهل شمته بعد الأولى أولا؟.
(2)
بسند صحيح.
(3)
ولفظ الترمذى: يشمت العاطس ثلاثًا فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا.
(4)
بسند صالح.
(5)
فالتشميت المطلوب شرعا ثلاث مرات فإن زاد عطاسه عليها فلا تشميت لأنه مريض بالزكام وهذا ومثله من الصحابي في حكم المرفوع فإنه لا يقال من قبل الرأى. نسأل الله تمام الشفاء للأشباح والأرواح آمين والحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات كلها.
تشميت الذمي
(6)
أي ما ورد فيه.
(7)
فإذا عطس الذمي وحمد الله تعالى فلا بأس أن يشمته المسلم بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم.
(8)
بسند صحيح.
إن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب
(9)
فالعطاس يحبه الله لأنه ينشأ من خفة البدن الداعية للنشاط في الخير وما يرضى الله تعالى. والتثاؤب مكروه لأنه ينشأ من غلية امتلاء البدن الداعية للكسل عن العبادة وكل خير.
فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقّاً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ
(1)
وَأَمَّا التَّثاَؤُبُ فَإِنَّماَ هُوَ مِنَ
الشَّيْطاَنِ
(2)
فَإِذَا تَثاَءَبَ أَحَدُكمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ
(3)
فَإِنَّ أَحَدَكمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَان
(4)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثاَءَبَ أَحَدُكمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» ، وَفِي روَايَةٍ: «إِذَا تَثاَءَبَ أَحَدُكمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَاهَا
(5)
فَإِنَّمَا ذلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثاَبِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعُطَاسُ وَالنُّعَاسُ وَالتَّثَاؤُبُ فِي الصَّلاةِ وَالْحَيْضُ وَالْقَيْءُ وَالرُّعَافُ مِنَ الشَّيْطَانِ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1)
ظاهره أن التشميت فرض عين وعليه جمهور أهل الظاهر؛ وقال الحنفية وجمهور الحنابلة: إنه فرض كفاية ولكن جمهور الشافعية على أنه مستحب على الكفاية، وهذا إذا كان العاطس مسلمًا وحمد الله تعالى وإلا فلا شيء من هذا.
(2)
الذي يزين للنفس شهواتها من كثرة المآكل والمشارب ونحوها.
(3)
بوضع يده على فمه أو بتطبيق الشفتين الذي هو الكظم الآتي.
(4)
فرحًا بتثاؤبه.
(5)
هاها حكاية صوت التثاؤب.
(6)
ولفظه: إذا قال آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه.
(7)
فالثلاثة الأول في الصلاة من الشيطان ليشغله عن الخشوع والإخلاص في عبادة الله تعالى، والحيض والرعاف والقيء سببهما غالبًا الشيطان لأنها إيذاء وتنجيس يبعد عن عبادة الله تعالى. نسأل الله تمام الحفظ والتوفيق آمين.
الفصل الخامس: في الأسامي
(1)
أحب الأسماء إلى الله تعالى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ
(2)
}.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ بِأسْماَئِكُمْ وَأسْمَاءِ آباَئِكُمْ فَأَحْسِنُوا أسْمَاءَكمْ
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(4)
.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّ اللَّهَ يَدْعُو النَّاسَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ بأُمَّهاَتِهِمْ سَتْرًا مِنْهُ عَلَى عِباَدِهِ
(5)
، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ
(6)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشعيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِياَءِ
(7)
وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ وَأَصْدَقهاَ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ
(8)
وَأَقْبَحُهاَ حَرْبٌ وَمُرَّةُ
(9)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
(10)
: وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
الفصل الخامس: الأسامي
(1)
أي ما ورد في الأسامي جمع لأسماء الذي هو جمع اسم.
(2)
ادعوهم أي الأتباع لآبائهم بأسمائهم وأسماء آبائهم هو أقسط، أي اعدل عند الله أي محبوب له، فإن لم تعلموا آباءهم فهم إخوانكم في الدين ومواليكم كقولك أخونا فلان ومولانا فلان، وسبق سبب نزول هذه الآية في تفسير سورة الأحزاب.
(3)
أي أسماء أولادكم وأقاربكم وأتباعكم.
(4)
بسند فيه انقطاع ولكن تؤيده الآية.
(5)
ولا تعارض بينهما فإن الأول في صحيح النسب والثاني في غيره، أو الأول في طائفة والثاني في أخرى.
(6)
تفاؤلا بأن يكون المسمى بأحدهما عبدًا لله لا لغيره كدنيا وشيطان.
(7)
تفاؤلا بأن يكونوا على سيرتهم وتبركا بذكر أسمائهم.
(8)
لأن حارثًا بمعني كاسب، وهمامًا بمعني من به هم وكل إنسان لا يخلو من كسب وهم بل عدة هموم.
(9)
لما في حرب من البشاعة ولما في مر من المرارة.
(10)
بسند صالح للأول وصحيح للثاني. فاتضح مما سبق أن الأسماء المحبوبة ثلاثة أقسام، فأفضلها وأعلاها عبد الله وعبد الرحمن ونحوهما مما أضيف إلى اسم من أسماء الذات العملية كعبد الرحيم وعبد الملك =
لا تجوز الكنية بأبي القاسم
(1)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قاَلَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقاَسِمَ فَقَالُوا: لَا نُكْنِيهِ حَتَّى نَسْألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكنْيَتِي
(2)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: ناَدَى رَجُلٌ فَقَالَ: ياَ أَباَ الْقاَسِمِ فاَلْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ
(3)
إِنَّماَ دَعَوْتُ فُلَانًا فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَسَمَّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ فَأسْماَهُ الْقاَسِمَ فَقاَلُوا: لَا نُكَنِّيكَ بِأبِي الْقاَسِمِ وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا
(4)
فَأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ فَقاَلَ: «أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمنِ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَتَكَنَّى بِكُنْيَتِي وَمَنْ تَكَنَّى بِكنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّى بِاسْمِي
(6)
».
= وعبد السلام، وأوسطها أسماء الأنبياء كمحمد وأحمد وبقية أسمائه صلى الله عليه وسلم وأسماء إخوانه المرسلين والنبيين صلى الله عليهم وسلم، وأصدقها ما كان وصفًا في الإنسان كحارث وهمام، وسيأتي بيان الأسماء المنهي عنها إن شاء الله، والله أعلم.
لا تجوز الكنية بأبي القاسم
(1)
لأن معناها وهو الذي يقسم بين العباد ما يوحى إليه من ربه وينزل الناس منازلهم التي يستحقونها في الفضل والشرف، ويقسم بينهم الغنائم، خاص به صلى الله عليه وسلم فتبقى له إجلالا وتوقيرا للحديث الأول: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي.
(2)
سموا بأي اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم لأولادكم وأقاربكم إلا القاسم فلا تسموا به ولا تكتنوا به.
(3)
لم أقصدك بالنداء.
(4)
لا نقر عينك بهذه الكنية.
(5)
فظاهر هذه الأحاديث أنه يحرم التكني بأبي القاسم مطلقا وعلى هذا جماعة، وقال الجمهور: إن هذا كان في حياته صلى الله عليه وسلم بخلافه بعده فلا شيء فيه لعدم الالتباس ولحديث على الآتي. وقالت طائفة أخرى: إن النهي للتنزيه فقط أدبًا بالنسبة للحضرة المحمدية، وقال آخرون: إن المنهي عنه الجمع بين اسمه محمد وأبي القاسم دون أحدهما للحديث الآتي.
(6)
ولفظ الترمذي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته ويسمي محمدًا أبا القاسم.
وَقاَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا وَأُكَنِّيهِ بِكنْيَتِكَ قَالَ: «نعَمْ» قَالَ: فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي
(1)
، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
الأسماء المنهي عنها
(3)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَخْنَى الْأَسْماَءِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ
تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ
(4)
»، رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ وَزَادَ مُسْلِمٌ:«لَا مَالِكَ إِلا اللَّهُ تَعَالَى» .
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَغْيِظ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إِلا اللَّهُ تَعَالَى
(5)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ
(6)
»: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وَلَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا وَلَا رَباَحًا وَلَا نَجيحًا وَلَا أَفْلَحَ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَلَا يَكُون فَيَقُولُ لَا
(7)
(1)
وفعلا ولد له من خولة بنت جعفر الحنفية ولد فسماه محمدًا وكناه أبا القاسم رضي الله عنهم أجمعين.
(2)
بسندين صحيحين. نسأل الله كمال الصحة آمين.
الأسماء المنهي عنها
(3)
نهي تحريم كما في الحديثين الأولين ونهي كراهة كما في الآتي بعدهما.
(4)
أخنى الأسماء وفي رواية: أخنع، وفي لفظ مسلم الآتي أغيظ وأخبث وكلها بمعنى أي أذل وأبغض الأسماء إلى الله يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك، وفي نسخة يملك الأملاك أي سمى نفسه أو أحدًا من أولاده أو غيرهم ملك الأملاك جمع ملك بكسر اللام وفتحها، فتحرم التسمية بهذا ونحوه كرب الأرباب وسلطان السلاطين وأحكم الحاكمين فإن هذا خاص بالله تعالى فلا ينبغي لغيره أن يشاركه فيه.
(5)
فهذه حكمة التحريم.
(6)
أحب الكلام أي كلام البشر في عبادة ربهم تعالى أربع كلمات لحديث: أفضل الذكر بعد كتاب الله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهي الباقيات الصالحات في الآية القرآنية.
(7)
لا تسمين غلامك أو ولدك أو غيرها يسارا أو رباحا من الربح أو نجيحا من النجح والظفر أو أفلح من الفلاح ومثلها نافع وبركة الآتيان لئلا يتطير بعض الناس إذا سأل عنه ولم يكن موجودا.
إِنَّماَ هُنَّ أَرْبَعٌ فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ
(1)
» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفْلَحَ وَبِيَسَارٍ وَبِناَفِعٍ وَبِنَحْوِ ذلِكَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ عَنْهاَ فَلَمْ يَقلْ شَيْئًا حَتَّى قُبِضَ
(2)
وَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثمَّ تَرَكَهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُه:«إِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْهَى أُمَّتِي أَنْ يُسَمُّوا ناَفِعًا وَأَفْلَحَ وَبَرَكَةَ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا جَاءَ يَقُولُ أَثَمَّ بَرَكَةُ فَيَقُولُونَ: لَا» .
تسمية المولود وتحنيكه بتمر
(3)
• عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِي، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَّمَّى» ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
(4)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَهَبْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ وُلِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عباءَةٍ يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ
(5)
(1)
هذا كلام الراوي أي أروي لكم أربعا فلا تزيدن عليها.
(2)
يعلى من المعلو، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهي عن التسمية بهذه الأسماء ونحوها مما في معناها لبشاعة الجواب إذا سئل عن المسمي بأحدها ولم يكن موجودا أو لعدم التشاؤم من بعض الناس، ثم سكت عن ذلك حتى قبض صلى الله عليه وسلم، وكذا عمر رضي الله عنه أراد أن ينهي عن ذلك ثم سكت، فالتسمية بهذه الأسماء ونحوها مكروهة فقط والله أعلم.
تسمية المولود وتحنيكهـ بتمر
(3)
فتجب تسمية المولود، ووقتها من حين ولادته إلى اليوم السابع، ويسن أن يحنكهـ بتمر عقب ولادته رجل صالح وأن يختار له اسما حسنا.
(4)
سبق هذان الحديثان في العقيقة من كتاب الصيد والذبائح كما سبق فيها الكلام مبسوطا في تسمية المولود والأذان في أذنه ونحو هذا.
(5)
يطليه بالهناء بالكسر والمد وهو القطران لإصلاح جسمه.
فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ» ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ تَمَرَاتٍ فَأَلْقاَهُنَّ فِي فِيهِ فَلَاكَهُنَّ
(1)
ثُمَّ فَغَرَ فَا الصَّبِيِّ فَمَجَّهُ فِي فِيهِ
(2)
فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهُ
(3)
فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «حِبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ
(4)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتى بِالصِّبْياَن فَيُبركُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ
(5)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
تغيير الاسم القبيح باسم حسن
(6)
• عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ» ؟ قاَلَ: حَزْنٌ قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ» قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْماً سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَة فِيناَ بَعْدَهُ
(7)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قاَلَ: إِنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ تُسَمَّى عَاصِيَةً فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيلَةً
(8)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاَءٍ رضي الله عنهم قَالَ: سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ
(1)
من اللوك وهو المضغ.
(2)
فتح فم الصبي ومج فيه ممضوغ التمر.
(3)
يحرك لسانه لطلبه محبة فيه.
(4)
حب بالكسر أي محبوب الأنصار التمر، وسمي ذلك الصبي عبد الله.
(5)
يحنكهم بتمر حين يولدون رجاء بركته صلى الله عليه وسلم وليكون الحلو أول طعامهم، وقوله ويبرك عليهم أي يدعو لهم بقوله: بارك الله فيك صلى الله عليه وسلم.
يستحب تغيير الاسم القبيح إلى اسم حسن
(6)
فيستحب إبدال الاسم القبيح بأحسن منه لبشاعة القبيح وكذا يستحب إبدال ما يفيد التزكية كبيرة من البر وهو الإحسان والخير، ومثله صالح وطائع وتقي ونحوها مما يشعر بالتزكية لئلا تغتر به نفس المسمى.
(7)
الحزن ضد السهل وما غلظ من الأرض، فجد سعيد وهو حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي من المهاجرين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل؛ لحسنه وقبح الأول. فقال لا أغير اسمًا سمانيه أبي، وزاد أحمد وأبو داود: فقال: لا، السهل يوطأ ويمتهن وهذا مراد لهم من الاسم قال ابن المسيب فبعد هذه الكلمة من جدي لا زالت فينا الصعوبة أي فيما تريده أو في أخلاقنا ولكنها أفضت بسعيد إلى الصعوبة والتشديد في الدين والغضب في الله تعالى.
(8)
لحسن جميلة وقبح عاصية وإن كان مرادهم منه حسنا وهو التفاؤل بأن تكون عاصية وآبية عن كل شر وقبيح.
فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ
(1)
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ هذَا الِاسْمِ وَسُمِّيتُ بَرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ» فَقاَلوا: بِمَ نسَمِّيهاَ؟ قَالَ: «سَمُّوهَا زَيْنَبَ
(2)
».
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قاَلَ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةٌ اسْمُهاَ بَرَّةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُوَيْرِيَةَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقاَلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ
(3)
، رَوَاهُماَ الثَّلَاثَة.
• عَنْ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيَ رضي الله عنه
(4)
أَنَّ رَجُلًا يُسَمَّى أَصْرَمَ كَانَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اسْمُكَ» ؟ قَالَ: أنَا أَصْرَمُ قَالَ: «بَلْ أَنْتَ زُرْعَةُ
(5)
».
• عَنْ شُرَبْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ
(6)
فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقاَلَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ اْلحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ
(7)
فَلِمَ تُكَنَّى أَباَ الْحَكَمِ فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَ رضي كِلَا الْفَرِيقَيْنِ» فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَحْسَنَ هذَا فَماَ لَكَ مِنَ الْوَلَدِ» قاَلَ: لِي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قاَلَ: «فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ» ؟ قاَلَ: قُلْتُ شُرَيْحٌ قاَلَ: «فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ
(8)
».
(1)
وهي من فضليات النساء وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أمها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
(2)
وكذا كانت زينب بنت جحش اسمها برة فأبدله النبي صلى الله عليه وسلم زينب لما في لفظ برة من التزكية، وزينب من زنبت المرأة سمنت تفاؤلا بأن تعيش وتسمن أو من الزيب وهو شجر حسن المنظر طيب الريح تفاؤلا بأن تعيش وتكون كذلك.
(3)
لما فيه من البشاعة بخروجه من البر.
(4)
الأخدري أصله الحمار الوحش وكان اسمًا لأبي أسامة الذي لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث.
(5)
زرعة من الزرع وهو مستحسن بخلاف أصرم فإنه من الصرم وهو القطع لأنه ينبئ بانقطاع البركة والخير.
(6)
سمعهم أي النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
الحكم بفتحتين الحاكم الذي لا يرد حكمه فمنه يبتدئ الحكم وإليه يرجع الحكم، فلا يجوز إطلاقه على غيره ولو في كنية لأنه يوهم الاشتراك في وصف من أوصاف الذات العلية.
(8)
فيه أن الأولى التكنى بأكبر الأولاد، وقد حلت بركة النبي صلى الله عليه وسلم على شريح هذا فصار في العلم والفضل في الرتبة الأولى ومن أكابر أصحاب على رضي الله عنه، وقد ولاه القضاء وكان له رأي صائب، فكان يفتي في زمن الصحابة ويأخذون بفتواه بل رد على بعضهم رضي الله عن الجميع وحشرنا في زمرتهم آمين.
وَقَالَ مَسْرُوقٌ: لَقِيتُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقاَلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ قاَلَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْأَجْدَعُ شَيْطَانٌ
(1)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُد
(2)
.
وَغَيَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْمَ العَاصِ وَعَزِيزٍ وَعَتَلَةَ وَشَيْطاَنٍ وَالْحَكَمِ وَغرَابٍ وَحُباَبٍ
(3)
وَشِهاَبٍ فَسَمَّاهُ هِشَامًا
(4)
وَسَمَّى حَرْبًا سَلْمًا وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمَّاهَا خَضِرَةَ
(5)
وَشُعَبَ الضَّلَالَةِ سَمَّاهَا شُعَبَ الْهُدَى
(6)
وَبَنِي الزِّنْيَةِ وَبَنِي مُغْوِيَةَ سَمَّاهُماَ بَنِي الرِّشْدَةِ
(7)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(8)
.
اللقب والكنية
(9)
• عَنْ أَبِي جَبِيرَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه قَالَ: فِيناَ فِي بَنِي سَلِمَةَ نَزَلَتْ هذِهِ الْايَة فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلا وَلَهُ اسْماَنِ أَوْ ثَلَاثَةٌ
(10)
فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ياَ فُلَان» فَيَقُولونَ: مَهْ ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هذَا الِاسْمِ
(11)
فَنَزَلَتْ
(1)
اسم شيطان من الشياطين فلا تنبغي التسمية به.
(2)
بأسانيد صالحة وشاركه النسائي في حديث شريح.
(3)
فغير اسم العاصي لإشعاره بالعصيان ولعله غيره بمطيع، وغير اسم عزيز لأنه من أسمائه تعالى ولعله غيره بعبد الله، وغير عقلة لإشعاره بالغلظة والشدة ولعله غيره بسهل، وغير شيطان لإشعاره بالتمرد، وغير الحكم لما سبق، وغير غرابا لإشعاره بالبعد ولأنه اسم أخبث الطيور لأكله الجيف وبحثه عن النجاسات وغير حبابا لأنه اسم شيطان ويقع على الحية أو على نوع منها.
(4)
فتكره التسمية بشهاب إلا إذا أضيف للدين كقوله شهاب الدين فلا كراهة.
(5)
عفرة أي لا تنبت سماها خضرة تفاؤلا بإنباتها.
(6)
أرضًا كان اسمها شعب الضلالة فسماها شعب الهدى.
(7)
فقوم كانوا يسمون بني الزنية أي الزنا وآخرون كانوا يسمون بني مغوية أي زانية فسماها النبي صلى الله عليه وسلم بني الرشدة أي الرشيدة، والحكمة في الكل أن النبي صلى الله عليه وسلم غير الاسم القبيح لإنسان أو أرض أو غيرها إلى اسم حسن فالمستحب ذلك.
(8)
وقال تركت أسانيدها للاختصار والله أعلم.
اللقب والكنية
(9)
قال علماء العربية: العلم إن أشعر بمدح أو ذم فهو اللقب، وإن لم يشعر بشيء من هذا فإن صدر بأب أو ابن فهو السكنية، وإلا فهو الاسم فأقسام العلم ثلاثة.
(10)
أو للتنويع.
(11)
مه أي اكفف عن هذا الاسم فإنه يغضبه.
{وَلَا تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ
(1)
}، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قاَلَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيَ رضي الله عنه إِلَيْهِ لَأَبُو تَرَابٍ وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهاَ وَمَا سَمَّاهُ أَباَ ترَابٍ إِلا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(3)
غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ فاَضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ فِي الْمَسْجِدِ فَتَبِعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُ مُضْطَجِعًا وَقَدِ امْتَلَأَ ظَهْرُهُ تَرَابًا فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: «اجْلِسْ ياَ أَباَ ترَابٍ
(4)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(5)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَلِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكَنَّى أَباَ عُمَيْرٍ وَكَانَ لَهُ
نُغَرٌ يَلْعَبُ بِهِ
(6)
فَمَاتَ فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَآهُ حَزِينًا فَقَالَ: «مَا شَأْنهُ» ؟ قَالُوا: مَاتَ نغَرُهُ، فَقَالَ: «ياَ أَباَ عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ
(7)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ
(8)
.
وَقاَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: ياَ رَسُولَ اللَّهِ كلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى، قاَلَ: «فاَكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ فَكَانَتْ تُكَنَّى بِأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ
(9)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.
(1)
{ولا تنابزوا بالألقاب} أي لا يدع بعضكم بعضا بلقب يكرهه ومنه: يا فاسق، يا فاجر، يا كافر، يا ضال، يا مضل " {بئس الاسم} " المذكور " {الفسوق بعد الإيمان} " فهذا القول من المؤمن للمؤمن فسوق وخروج عن الإيمان إلا من تاب واستسمحه.
(2)
بسند حسن.
(3)
لهذا كان يفرح بها وسبب التكنية بها ما يأتي.
(4)
فعليّ رضي الله عنه وقع بينه وبين فاطمة الزهراء زوجته شيء فغضبت فخاف أن يبدر منه شيء لا يليق بحضرتها فخرج حسما للنزاع حتى يذهب الغضب فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فاطمة فقالت: أغضبني فخرج، فأرسل إنسانا يبحث عنه فذهب فجاء فقال: هو في المسجد؛ فذهب له النبي صلى الله عليه وسلم فوجده نائمًا وعلى ظهره تراب فصار النبي صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: قم يا أبا تراب؛ فصارت أحب الكنى إليه وكان له أخرى وهي أبو الحسن لولده الحسن رضي الله عنهم أجمعين.
(5)
ولكن البخاري هنا ومسلم في الفضائل.
(6)
النغر بضم ففتح. طائر صغير يشبه العصفور، وأبو عمير كنية لأخي أنس لأمه واسمه عبد الله.
(7)
النغير: تصغير نغر الذي كان يلعب به؛ فيه جواز تكنية الصغير ولعله كان مرادهم بالتكنية التعظيم.
(8)
ولفظه لأبي داود.
(9)
عبد الله لم يكن ولدها فإنها لم تلد ولكنه ولد أختها أسماء وهو ابن الزبير رضي الله عنهم، ففيه جواز تكنية من لا ولد له كما جازت تكنية الصغير ولا يعد كذبا والله أعلم.
يجوز النداء بالترخيم
(1)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قاَلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ياَ عَائِشُ هذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئكِ السَّلَامَ» قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
(2)
.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قاَلَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ياَ أَباَ هِرَ
(3)
»، رَوَاهُماَ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِي الثَّقَلِ
(4)
وَأَنْجَشَةُ غلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسُوقُ بِهِنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ياَ أَنْجَشَ رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ
(5)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ، نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ الْعِلْمَ النَّافِعَ آمِين.
يجوز النداء بالترخيم
(1)
الترخيم: هو حذف آخر لفظ المنادي، قال ابن مالك رضي الله عنه:
ترخيما احذف آخر المنادي
…
كياسعا فيمن دعا سعادا
ولعل حكمته إظهار التودد.
(2)
يا عائش بحذف التاء وفتح الشين وضمها للترخيم.
(3)
بكسر الهاء أو بفتحها بنقل اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير فهو نقص في اللفظ وزيادة في المعنى.
(4)
الثقل كسبب متاع المسافر.
(5)
يا أنجش بحذف التاء وضم الشين وفتحها للترخيم فكان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان له عبد أسود اسمه أنجشة وكان حسن الصوت فكان يحدو للإبل فتسرع في السير فتألمت النسوة الراكبات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنجش لا تعجل بسوق النساء فإنهن كالقوارير في سرعة الانفعال والتأثر، والله أعلم.
الفصل السادس: في الشعر والغناء ونحوهما
(1)
الشعر في أصله لا ينبغي
(2)
قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ
(3)
}.
وَقاَلَ تَعَالَى: {وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ
(4)
} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ
(5)
إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ
(6)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَانْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكِمْ قَيْحًا خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا
(7)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
الفصل السادس في الشعر والغناء ونحوهما
(1)
أي فيما ورد في الشعر والغناء والحداء ونحوها كاللعب بالنرد والحمام واللعب المباح.
(2)
الشعر: الكلام المقفي الموزون قصدا، فخرج ما قيل بغير قصد فلا يسمى شعرا وهو في أصله مكروه ولا ينبغي لأنه مظنة التفاخر والضلال وربما جر إلى ذلك كهجو من لا يجوز هجوه ومدح من لا يجوز مدحه، وروي عن الشافعي رضي الله عنه:
ولولا الشعر بالعلماء يزرى
…
لكنت اليوم أشعر من لبيد
وعلى هذا بعضهم، وقال الجمهور: إن الشعر في أصله مباح فهو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فحسنه يتنزل عليه حديث أبي بن كعب الآتي: إن من الشعر حكمة، وقبيحه يتنزل عليه حديث ابن عمر الآتي: بل يكون شرا من الداء العضال.
(3)
وما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الشعر وما ينبغي له أن يأتيكم به لأنه كلام البشر وما الذي أتاكم به إلا عظة وعبرة وقرآن مبين للأحكام وكل شيء.
(4)
في شعرهم فيقولون به ويروونه عنهم، والراوي والمروي عنه مذموم.
(5)
في كل واد من أودية الكلام وفنونه يهيمون فيه فيجاوزون الحد مدحا وذمًا وهم يكذبون فهم مذمومون من عدة جهات.
(6)
{إلا الذين آمنوا وعملو الصالحات} من الشعراء " {وذكروا الله كثيرا} " فلم يشغلهم الشعر عن الذكر " {وانتصروا من بعد ما ظلموا} " كهجو المسلمين للمشركين بعد أن هجوهم فلا شيء عليهم لقوله تعالى " {وجزاء سيئة سيئة مثلها} " وبقية الآية " {وسيعلم الذين ظلموا} " من الشعراء وغيرهم " {أي منقلب ينقلبون} " أي سيعلمون مصيرهم بعد مماتهم.
(7)
وامتلاء الجوف بالقيح مسمم له ومميت فهو حرام بل من الكبائر=
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ
(1)
إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ
(2)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خُذوا الشَّيْطَانَ أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ
(3)
»، لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْمًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
النبي صلى الله عليه وسلم قاله متمثلاً
(4)
• عَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ
(5)
فَقَالَ:
هَلْ أَنْتِ إِلا إِصْبَعٌ دَمِيتِ
…
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
(6)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ بِشَىْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ قَاَلَتْ: كَانَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَيَتَمَثَّلُ وَيَقُولُ: وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تزَوِّدِ
(7)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ باَطِلٌ
(9)
، وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ
(10)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
= فيكون امتلاء الجوف بالشعر أعظم وأكبر، وهذا في المذموم منه، وفي رواية: لأن يمتلئ جوف الرجل قيحًا يَريه أي يفسده خير من أن يمتلئ شعرا.
(1)
العرج كالفرج: اسم مكان.
(2)
أي الشعر.
(3)
أو للشك وسماه شيطانا لأنه كان كافرا أو كان الغالب عليه الشعر أو كان شعره من المذموم والله أعلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم قاله متمثلا
(4)
أي بقول عبد الله بن رواحة لا إنشادا منه صلى الله عليه وسلم.
(5)
فعثر أي سقط وسال دم إصبعه.
(6)
فما أنت بشيء إلا بقليل دم في سبيل الله تعالى.
(7)
أي من لم تطلب منه.
(8)
بسند صحيح.
(9)
لبيد - كعبيد - ابن ربيعة بن عامر العامري الصحابي من فحول الشعراء أنشد شعرًا وفيه: * ألا كل شيء ما خلا الله باطل * أي كل شيء فإن وزائل إلا الله تعالى، فهذه أصدق ما قاله شاعر لأنها كقوله تعالى " {كل من عليها فإن} " وتمام البيت: وكل نعيم لا محالة زائل.
(10)
أمية هذا كان من عظماء شعراء الجاهلية وكان غواصًا على المعاني معنيًا بالحقائق وكان أكثر شعره في التوحيد وكاد أن يسلم فيه لأنه أدرك أول الإسلام ولكنه لم يوفق له وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحسن شعره كما سيأتي في حديث عمرو بن الشريد في إنشاد الشعر بين يديه صلى الله عليه وسلم.
إن من الشعر حكمة
(1)
• عَنْ أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً
(2)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاء أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ
(3)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا
(4)
»، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا.
• عَنْ برَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا، وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالًا
(5)
».
قَالَ صَعْصَعةُ
(6)
: أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا فَالرَّجُلُ يَكون عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَبْيَنُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ
(7)
فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا قَوْلهُ إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا فَالْعاَلِمُ يَتَكَلَّفُ إِلَى عِلْمِهِ مَا لَا يَعْلَمُ فَيُجَهِّلُهُ ذلِك
(8)
، وَأَمَّا قَوْلهُ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا فَهِيَ الْمَوْعِظَة وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظ بِهاَ النَّاسُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عِيَالًا فَعَرْضكَ حَدِيثَكَ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِن شَأنِهِ أوْ لَا يُرِيدُهُ
(9)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(10)
، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.
إن من الشعر حكمة
(1)
الحكمة هي القول الصادق المطابق للحق، وقيل القول الواقي من الجهل والسفه.
(2)
فبعض الشعر يكون حكمة كشعر في علم شرعي وكشعر في مواعظ وأمثال تنتفع به الناس، وهذا يطلب إنشاده وتعلمه.
(3)
حتى أعجب منه السامعون.
(4)
كأن معناه أن يبلغ في بيانه وفصاحته إذا مدح إنسانا صرف القلوب إليه حتى يصدق فيه، وإذا ذمه صرف القلوب إليه حتى يصدق فيه فكأنه سحر السامعين ببيانه.
(5)
عيالا بالكسر وروي عيلا بفتح فسكون.
(6)
هو ابن صوحان تابعي كبير وثقة فصيح.
(7)
أفصح منه.
(8)
أي قوله جهلا، وقيل هو أن يتعلم ما لا حاجة إليه كالنجوم وعلوم الأوائل ويدع ما يحتاج إليه في دينه.
(9)
قوله عيالا أو عيلا: فكلامك لمن لا يرغب فيه أو لمن لا شأن له به كخوضك في فنون العلم وضروب الأدب مع مزارع أو صانع كأنك لم تهتد لمن هو أهل لكلامك.
(10)
بسندين صالحين.
إنشاد الشعر بحضور النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَخَالَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ
(2)
» وَهُوَ ابْنُ رَوَاحَةَ قَالَ
(3)
رضي الله عنه:
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ
…
إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
(4)
أَرَاناَ الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقلوبْنَا
…
بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
(5)
يَبِيتُ يجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ
…
إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ
(6)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه إِنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: نَشَدْتكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولَ اللَّهِ
(7)
اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
(8)
»، قاَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ.
• وَعَنْهُ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَكَيْفَ بِنَسَبِي» فَقُلْتُ: لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَماَ تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ
(9)
.
وَقاَلَ عُرْوَةُ رضي الله عنه: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَا تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(10)
، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الشَّيْخَانِ
(11)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبرًا فِي الْمَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قائمًا يُفاخِرُ أَوْ يُنافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(12)
وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ
إنشاد الشعر بحضور النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
وهو يسمعه ويقره، بل طلبه كما سيأتي.
(2)
الرفث: الفحش.
(3)
في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
يتلو القرآن حين انشقاق الفجر بصلاة الصبح.
(5)
العمى: الضلال.
(6)
يكثر من التهجد والناس نيام.
(7)
أي دافع عنه وذم المشركين كما ذموه صلى الله عليه وسلم.
(8)
هو جبريل عليه السلام.
(9)
سبق هذا مع كثير في فضائل حسان بن ثابت، وفي رواية اهجهم أو قال هاجهم، أي ذم الكفار وجبريل معك.
(10)
أي يدافع عنه.
(11)
ولكن البخاري هنا ومسلم في الفضائل.
(12)
يدافع عنه بذم المشركين بأبيات من الشعر.
مَا يُفاَخِرُ أَوْ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(1)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِي وَيَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
…
الْيَوْم نَضْرِبْكمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
(2)
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
…
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
(3)
فَقالَ لَهُ عُمَرُ: ياَ بْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ الشِّعْرَ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَلِّ عَنْهُ ياَ عُمَرُ فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ
(4)
».
وَقالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رضي الله عنه جَالَسْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مَائَةِ مَرَّةٍ فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَناَشَدُونَ الشِّعْرَ
(5)
وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْياَءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ
(6)
وَهُوَ سَاكِتٌ وَرَبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ
(7)
، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(8)
.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ الشِّرِيدِ رضي الله عنهما عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَدِفْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(9)
فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قاَلَ: هِيهِ فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقاَلَ: «هِيهِ» ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقالَ: «هِيهِ» حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ
(10)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
بسند صحيح.
(2)
سبيله أي النبي صلى الله عليه وسلم، على تنزيله أي القرآن.
(3)
الهام: الرأس.
(4)
اتركهـ يا عمر فإن هذه الكلمات تؤلمهم أكثر من رشق النبل فيهم. وسبقت هذه الأبيات في غزوة مؤتة بتغيير والكل وارد، فهذا الحديث وإن كان صحيحًا ولكنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخل مكة في عمرة القضاء كان بين يديه كعب بن مالك وهذا أصح لأن عبد الله بن رواحة مات قبل ذلك في غزوة مؤتة رضي الله عنهم أجمعين.
(5)
أي الشعر الحق ومنه هجو المشركين.
(6)
من عوائدهم الذميمة.
(7)
موافقة وملاطفة لهم.
(8)
بسندين صحيحين.
(9)
أي ركبت خلفه يوما.
(10)
هيه بكسر فسكون فكسر أي قل؛ وهيه الثانية بمعنى زد، وإنما أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع من شعر أمية لأنه كان متينا وكان أكثره في التوحيد كما سبق: كاد أمية أن يسلم، ففي هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشعر متمثلا بقول الغير وحاكيًا عنه وسمع الشعر من أصحابه بل وأمر بعضهم بهجو المشركين وكان هجاؤهم بالأشعار. والله أعلم.
التشدق بالكلام مذموم والتجوز فيه ممدوح
(1)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الذَّي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ تَخَلُّلَ الْباَقِرَةِ بِلِسَانِهَا
(2)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الْكَلَامُ لِيَسْبِي بِهِ قلوبَ الرِّجَالِ أَوِ النَّاسِ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا
(4)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(5)
.
وَقاَلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ
(6)
فَخَطَبا فَعَجِبَ النَّاسُ
(7)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْبَياَنِ لَسْحْراً أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَياَنِ لسِحْرٌ
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ
(9)
.
وَقامَ رَجُلٌ فَأَكْثَرَ الْقوْلَ
(10)
فَقالَ عَمْرُو بْنُ الْعاصِ: لَوْ قَصَدَ فِي قَوْلِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ
(11)
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَقَدْ رَأَيْتُ أَوْ أُمِرْتُ أَنْ أَتَجَوَّزَ فِي الْقَوْلِ فَإِنَّ الْجَوَازَ هُوَ خَيْرٌ
(12)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.
التشدق بالكلام مذموم والتجوز فيه ممدوح
(1)
فالتعمق في الكلام والتوسع فيه مذموم بخلاف الاختصار على قدر الحاجة فهو المطلوب.
(2)
الباقرة والبقرة واحدة البقر وهي تلف الكلأ بلسانها في شدقيها، فالله تعالى يكره المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته الذي يتعمق فيه حتى يظهر لسانه يدور في فمه كلسان البقرة لأنه من حب الظهور.
(3)
بسند حسن.
(4)
فمن تعلم فضل الكلام وما يتكلفة زائدا عن الحاجة ليستميل به قلوب الناس إليه لم يقبل الله منه في الآخرة صرفا ولا عدلا أي توبة ولا فدية، أو لا نفلا ولا فرضا.
(5)
بسند صالح.
(6)
الرجلان هما الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم.
(7)
لبيانهما وفصاحتهما.
(8)
أي أن بعض الكلام كالسحر في استمالة القلوب إليه أو في العجز عن الإتيان بمثله، وهذا مذموم إذا كان باطلا وإلا فلا.
(9)
ولكن أبو داود هنا والبخاري في الطب.
(10)
قام رجل فتكلم في أمر فأطال فيه الكلام.
(11)
لو توسط في الكلام لكان أحسن.
(12)
أو للشك أي لقد أمرني ربي أن أقتصر في الكلام على قدر الحاجة فإن الاقتصار خير لأنه يوفر الوقت ويريح السامعين، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب الاختصار في الكلام ويكره التشدق والمبالغة فيه لأنه مظنة الرياء والتعالى وحب الظهور وهذا إذا كان تصنعًا وتكلفا، أما إذا كان بالطبع والجبلة فلا شيء فيه، وكذا إذا كان مطلوبا كمن يخطب =
الحداء والغناء
(1)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ غلَامٌ لَهُ أَسْوَدُ
(2)
يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَهُ يَحْدُو فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ يا أَبْحَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(4)
.
وَقَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيَّ صَبِيحَةَ بُنِيَ بِي
(5)
فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِياَتٌ يَضْرِبْنَ بِدُفَ لَهُنَّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائي يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قاَلَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقاَلَ: دَعِي هذِهِ وَقُولِي الَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ
(6)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْغِناءَ يُنْبِتُ النِّفاقَ فِي الْقَلْبِ
(7)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ أَبِي الدُّنْياَ
(8)
.
= في قوم ينبغي أن يختار لهم مما يناسبهم من أحسن الكلام وأبلغه لعله يصل إلى قلوبهم فيأخذ بمجامعها ويستقر في سويدائها كما ينبغي أن يحضر قواه كلها مع قلبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب علا صوته واحمرت عيناه كأنه منذر جيش ولأن الكلام إذا كان من القلب وصل إلى القلب وإذا كان من اللسان لم يجاوز الآذان. نسأل الله التوفيق في القول والفعل آمين.
الحداء والغناء
(1)
الحداء بالضم والكسر: سوق الإبل والغناء لها.
(2)
حبشي حسن الصوت.
(3)
فكان هذا العبد يسوق الإبل وعليها بعض أمهات المؤمنين وأم أنس وهي أم سليم ويغنيها بصوته الحسن فأسرعت الإبل فتألمت النسوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أنجشة تمهل بسوق الإبل وخفض من صوتك لراحة النسوة فإنهن كالقوارير لا يتحملن لأن الإبل إذا غنى لها بصوت حسن طربت وهامت وقطعت المسافة الطويلة بدون ملل ولا سآمة، القوارير هنا: الزجاج.
(4)
ولكن البخارى هنا ومسلم في الفضائل.
(5)
صبيحة عرسي.
(6)
سبق هذا الحديث في إعلان النكاح واللهو فيه.
(7)
فالغناء ينبت النفاق في القلب ويكون حرامًا إذا كان غالبًا عليه أو كان في هوى مذموم وإلا جاز كما سبق. ومن الجائز ما يتناشده الحجاج في البيت والركن والمقام وعرفه ومنى والمشعر الحرام، وما يتناشدونه في مجالس الذكر في كلمة التوحيد أو تصببًا في الحضرة المحمدية كمؤلف البرعي المشهور ونحوه مما يزيد في وجدهم ومحبتهم لله ولرسوله فهو من الممدوح على رأي بعضهم.
(8)
ولفظه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، والذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ
(1)
وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ، فِي مِثْلِ ذلِكَ نَزَلَتْ» {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} الْايَة
(2)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ
(3)
.
اللعب بالنرد والحمام حرام
(4)
قاَلَ اللَّهُ تَعاَلَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
(5)
وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّما صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
(6)
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
(7)
».
(1)
القينات جمع قينة وهي الجارية التي تغني.
(2)
بقية الآية {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} فظاهر ذلك أن التجارة في القينات وبيعهن وشراءهن وثمنهن حرام إذا كن للغناء لإضلال الناس عن الدين، فإن كان للخدمة فلا شيء في اقتنائهن.
(3)
سبق هذا في تفسير سورة لقمان والله أعلم.
اللعب بالنرد والحمام حرام
(4)
النرد: لعب معروف ويسمى الكعاب والنردشير، واللعب بالحمام هذا المقامرة عليه وكالحمام كل حيوان كالديك والشاة، فالمقامرة عليها وإغراؤها على بعضها للغلبة حرام، وحكمة ذلك إضرار الحيوان وأكل الأموال بالباطل والإلهاء عن ذكر الله تعالى، أما اقتناء الحمام للتناسل أو لأكل لحمه أو لبيضه أو لحمل الرسائل فلا شيء فيه، واقتناؤه للتطير به مكروه.
(5)
المراد به القمار.
(6)
ولفظ أبي داود: فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه، أي كأنما أكله وهو حرام لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} فيكون اللعب بالنردشير حرامًا لأنه من الميسر، ومنه ما ظهر الآن وهو (اليانصيب) فالتعامل به حرام لأنه بيع شيء غير معلوم وغير مقدور على تسليمه وشرط صحة البيع أن يكون معلومًا مقدورا على تسليمه، فضلا عن هذا فهو مدعاة للتكاسل عن طلب الكسب المطلوب شرعا.
(7)
وعصيان الله ورسوله حرام فيكون اللعب بالنرد حراما، وظاهرهما ولو لم يكن بمال، لأن التمويل فيه على ما يخرجه الكعبان أي الحصا ونحوه فهو كالأزلام. وعلى هذا الجمهور والشافعي،=
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَتبَعُ حَمَامَةً فَقالَ: شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً
(1)
، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(2)
وَابْنُ مَاجَهْ.
اللعب المباح
(3)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ يَوْمَ عِيدٍ عِنْدِي يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا قاَلَ: تَشْتَهِينَ أَنْ تَنْظرِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَأَقاَمَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ: دُونَكُمْ ياَ بَنِي أَرْفِدَةَ
(4)
حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قاَلَ: حَسْبُكِ، قُلْتُ: نَعَمْ، قاَلَ: فاَذْهَبِي
(5)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِيَنةَ لَعِبَتِ الْحَبَشَةُ بِجِرَابِهِمْ فَرَحًا بِقُدُومِهِ
(6)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَرُبَّما دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي الْجَوَارِي فَإِذَا دَخَلَ خَرَجْنَ وَإِذَا خَرَجَ دَخَلْنَ
(8)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ.
= وقال إسحاق المروزي: يكره ولا يحرم، واللعب بالشطرنج حرام أيضا، وعليه الجمهور والأئمة الثلاثة لحديث: ملعون من لعب بالشطرنج والناظر إليها كالآكل لحم الخنزير. وقال الشافعي وبعض التابعين: إنه مكروه وليس بحرام، ولعل القائلين بعدم تحريما يريدون إذا كان لعبهما على غير مال والله أعلم.
(1)
إنما سماه شيطانًا لمباعدته عن الحق واشتغاله بما لا يعنيه، وسماها شيطانة لأنها أورثته الغفلة عن ذكر الله تعالى.
(2)
بسندين صالحين.
اللعب المباح
(3)
المراد به ما جرت به العادة في أعيادهم وأفراحهم بشرط ألا يشتمل على محرم ولا يلهي عن فرض من فروض الله، وألا يشتمل على ما يؤذى ولو بالتوقع، كضرب رصاص في الهواء، بخلاف ضرب نار بغير رصاص، ومن اللعب المباح البرجاس في بعض الجهات بل هو مطلوب لأنه تدريب على الجهاد كما تقدم في المسابقة على الدواب في الجهاد.
(4)
أرفدة كأعمدة: جد لبعض الحبشة، أي الزموا لعبكم أيها السودان لتنظره السيدة عائشة رضي الله عنها.
(5)
سبق هذا الحديث في صلاة العيدين من كتاب الصلاة.
(6)
ففي هذين جواز اللعب بما جرت به العادة.
(7)
بسند صالح.
(8)
الجواري: جمع جارية وهي الشابة الصغيرة لا المملوكة، فكان لعائشة صور بنات تلعب بهن مع بنات الأنصار، فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة خرجن وإذا خرج دخلن حياء وهيبة منه صلى الله عليه وسلم.
وَعَنْهاَ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ عَلَيْها مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَبْيَرَ وَفِي سَهْوَتِها سِتْرٌ
(1)
فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَكَشَفَتْهُ عَنْ بَنَاتٍ لِعاَئِشَةَ لُعَبٍ
(2)
فَقَالَ: «مَا هذَا ياَ عَائِشَةُ» ؟ قَالَتْ: بَناَتِي
(3)
وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَناحَانِ مِنْ رِقاعٍ فَقَالَ: «مَا هذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ» ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ قَالَ: وَمَا هذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: جَناَحَانِ قاَلَ: «فَرَسٌ لَهُ جَناَحَانِ» قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْماَنَ خَيْلًا لَهاَ أَجْنِحَةٌ قاَلَتْ فَضَحكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ
(4)
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْهاَ قَالَتْ: قَدِمْناَ الْمَدِينَةَ فَنَزلْناَ فِي بَنِي الْحارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
(6)
فَوَاللَّهِ إِنَّنِي لَعَلَى أُرْجُوحَةٍ بَيْنَ عَذْقَيْنِ
(7)
فَجَاءَتْنِي أُمِّي فَأْنْزَلَتْنِي وَلِى جُمَيْمَةٌ
(8)
. وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتاً فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيرِ وَالبرَكَةِ عَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَسَلَّمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي فَلَمْ يَرْعْنِي إِلا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى
(9)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ
(10)
، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.
(1)
السهوة: بيت صغير منحدر في الأرض قليلا أو هو الرف والطاق توضع فيه الأشياء.
(2)
لعب جمع لعبة وهي بيان لبنات وتسميها الجواري العرائس.
(3)
ففيه وما قبله جواز الصور واللعب بهن للأطفال والجواري ويصح بيعها وشراؤها، ففيه تسلية وتدريب لهن على تربية الذرية والأطفال، ويكون هذا مستثنى من تحريم اتخاذ الصور السالف في كتاب اللباس.
(4)
فيه من ملاطفة الضعاف ما لا يخفى.
(5)
بسند صالح.
(6)
في ضواحي المدينة.
(7)
الأرجوحة كعصفورة: خشبة يلعب عليها الصبيان والجواري يوضع وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها فيرتفع طرف وينزل آخر وهكذا، والأرجوحة أيضا خشبة يشد طرفاها بحبل في شيء عال ثم يركب عليها وتحرك وهذا هو الظاهر هنا وهي أنواع مشهورة عندنا في مصر (بالمرجيحة والمراجيح وأشهر ما تكون في الأعياد) فهي جائزة للأطفال ومن الألعاب المشهورة للرياضة والتفريح ولا سيما لأهل الأمصار والمدن.
(8)
الجميمة: تصغير الجمة وهي الشعر النازل إلى الأذنين أي صار شعري هكذا بعد أن كان ذهب من المرض.
(9)
وسبق هذا واسعًا في فضائل عائشة.
(10)
ولكن أبو داود هنا والبخاري في النكاح.
الفصل السابع: في ألفاظ من الأدب
(1)
منها قولهم أما بعد
(2)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ رَمَضَانَ فَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثمَّ قاَلَ «أَمَّا بَعْدُ
(3)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَة.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: قاَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيناَ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قاَلَ أَمَّا بَعْدُ
(4)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قاَلَتْ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشِيَّةً فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثمَّ قاَلَ: أَمَّا بَعْدُ فَماَ باَلُ رِجَالٍ يَشْتَرِطونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتاَبِ اللَّهِ
(5)
، رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
ومنها قولهم زعموا
(6)
دَخَلَتْ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها عَلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَقاَلَتْ:
ياَ رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي
(7)
أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَجَرْناَ
الفصل السابع في ذكر ألفاظ من الأدب
(1)
وردت كثيرا في كلام العرب.
(2)
فمنها قولهم: أما بعد في الكلام، ولفظ بعد مبني على الضم لأنه من الظروف المقطوعة عن الإضافة.
(3)
سبق هذا طويلا في قيام رمضان من كتاب الصوم.
(4)
سبق هذا في فضائل آل البيت رضي الله عنهم من كتاب الفضائل.
(5)
تقدم هذا طويلا في المكاتبة في العتق من كتاب الفرائض والوصايا والعتق، بل وسبقت في أكثر من هذه، فكان صلى الله عليه وسلم يستعملها كثيرا في خطبه ومكاتباته للملوك، فينبغي استعمالها في الكلام اقتداء به صلى الله عليه وسلم فهي مؤذنة بأهمية ما بعدها وهي فصل الخطاب لأهل البراعة والبلاغة، نسأل الله التوفيق آمين.
ومنها قولهم زعموا
(6)
زعموا: من الزعم بالفتح والضم وهو أصلا يقال فيما لا تعلم حقيقته، وفي المثل زعموا مطية الكذب، ويطلق على القول فقط ومنه قول أم هانئ الآتي، ويطلق على الكذب كقوله تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} .
(7)
هو عليّ رضي الله عنه وهو شقيقها ولكنها مرت بذلك استجلابا للعطف والشفقة.
مَنْ أَجَرْتِ ياَ أُمَّ هَانِئٍ
(1)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
• عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجْلِ زَعَمُوا
(2)
»، رَوَاهُ وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.
ومنها قولهم ويلك أو ويحك
(4)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقاَلَ: «ارْكَبْهاَ» قاَلَ: إِنَّهاَ بَدَنةٌ قاَلَ: «ارْكَبهَا» قاَلَ: إِنَّهاَ بَدَنَةٌ قَالَ: «ارْكَبْهاَ وَيْلَكَ
(5)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَسَبَقَ فِي الْحُدَاءِ «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ
(6)
»، نَسْأَلُ اللَّهَ الرِّفْقَ والرَّحْمَة آمِين.
ومنها قولهم تربت يمينك
(7)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ:
(1)
ذلك الرجل هو الحارث بن هشام أو عبد الله بن ربيعة أو زهير بن أبي أمية، والمعنى أن هذا الرجل قد استجار بأم هانئ فأجارته أي أمنته من القتل فسمع بذلك على رضي الله عنه فقال: لابد من قتله؛ فسمت بهذا أم هانئ فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أجرنا من أجرت أي أمنا من أعطيتيه الأمان، وسبق هذا في الجهاد بعنوان: المسلم يؤمن من يشاء.
(2)
أي بئس مقالة الشخص في أمر غير متثبت فيه زعموا كذا، فهذا نهى عن القول بالظن والتخمين، نسأل الله الصدق في القول والفعل آمين.
(3)
بسند صالح، نسأل الله صلاح الحال آمين.
ومنها قولهم ويلك أو ويحك
(4)
الويل: الهلاك أو كلمة عذاب وهي منصوبة بفعل من معناها أي ألزمك الله ويلك، وقد لا يراد معناها كما في الحديث الآتي إنما المراد بها التأديب والزجر عن المراجعة.
(5)
سبق هذا في الهدى للحرم.
(6)
ويح: كلمة رحمة منصوبة بفعل مضمر والتقدير ألزمك الله ويحك ومثلها ويس في قوله صلى الله عليه وسلم: لعائشة: ويس هاتين الركبتين، نسأل الله واسع رحمته آمين.
ومنها قولهم تربت يمينك
(7)
معناها أصلا افتقرت يدك ولصقت بالتراب ولكن لا يراد بها الدعاء عليه بذلك إنما يراد بها التحريض على الفعل أو المبالغة في المدح كقولهم للشاعر: قاتله الله لقد أجاد.
وَاللَّهِ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَمْ يُرْضِعْني وَلكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَخِيهِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ
(1)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ومنها قول الإنسان لآخر اخسأَ
(2)
قاَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لِأَهْل النَّارِ
(3)
{اخْسَؤواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ
(4)
}.
• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِابْنِ صَائِدٍ: «قَدْ خَبَأُتُ لَكَ خَبِيئًا» فَماَ هُوَ؟ قاَلَ: الدُّخُّ قاَلَ: اخْسَأْ
(5)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.
لا يقل السيد عبدي ولا يقل المملوك ربي
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نَسائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ وَلكِنْ لِيُقلْ
(6)
غُلامِي وَجَارِيَتِي وَفَتاَيَ وَفَتاَتِي»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَلَفْظُهُ: لَا يَقُولَنَّ الْمَمْلُوك رَبِّي وَرَبَّتِي وَلْيُقلِ الْمَاَلِكُ فَتاَيَ وَفَتاَتِي وَلْيَقُلِ الْمَمْلُوكُ سيِّدي وَسَيِّدَتِي فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبّ اللَّهُ تَعَالَى
(7)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكمْ اسْقِ رَبَّكَ
(1)
فإنه عمك أي من الرضاع تربت يمينك إن لم تفعلى والله أعلم.
ومنها قول الإنسان لآخر اخسأ
(2)
اخسأ: كلمة زجر وإبعاد لمن قال أو فعل ما يغضب الله تعالى.
(3)
حينما قالوا: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قومًا ضالين.
(4)
اسكتوا سكوت ذل وهوان ولا تعودوا للكلام.
(5)
وفي نسخة ابن صياد الذي ادعى النبوة وسيأتي ذكره في الفتن؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أضمر له في صدره الشريف يوم تأتي السماء بدخان مبين فأراد النطق بالدخان ولكنه لم يتمكن لما سمع اخسأ وأصله يقال للكلب ثم صار يطلق على كل بغيض. والله أعلم.
لا يقل السيد عبدي ولا يقل المملوك ربي
(6)
بدل عبدي وأمتي.
(7)
النهي في هذه الأحاديث للتنزيه، فيكره قول السيد عبدي وأمتي كما يكره من المملوك أن يقول ربي وربتي فإن حقيقة العبودية والربوبية لله وحده، والأدب أن يقول السيد غلامي وفتاي، وجاريتي، وفتاتي. وأن يقول المملوك: سيدي، وسيدتي، ومولاي، ومولاتي.
أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكمْ رَبِّي وَلْيقُلْ سَيِّدِي مَوْلَايَ وَلَا يَقُلْ أَحدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ فَتاَيَ فَتاَتِي غلَامِي»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(1)
.
• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُولُوا لِلمُناَفِقِ سَيِّدًا فَإِنَّهُ إِن يَك سيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عز وجل
(2)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
لا تسبوا الدهر
(3)
• عَنْ أَبِي هَرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
(4)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَناَ الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنّهاَرَ
(5)
»، رَوَاهُماَ الثَّلَاثَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ ياَ خَيْبَةَ لدَّهْرِ فَلَا يَقُولَنَّ أَحدُكمْ ياَ خَيْبَةَ الدَّهْرِ فإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ
(6)
أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَاَرَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضتُهُماَ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ
(8)
، نَسْأَلُ اللَّهُ حُسْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ آمِين.
(1)
ولكن مسلم هنا والبخاري في العتق.
(2)
وفي بعض النسخ سيد، فمن قال للمنافق يا سيد وهو لا يستحقه بوجه من الوجوه وهو يعلم بنفاقه فقد أسخط الله عليه لأنه عظم من لا يستحق التعظيم، وقيل لا تقولوا للمنافق سيدا فإنه إن كان سيدكم وهو منافق فحالكم دون حاله والله لا يرضى لكم ذلك، وهذا لا ينافي مداراة أهل الشر ولكن يبتعد عن تسويدهم لاسيما وقد روى أن جماعة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت سيدنا؛ قال: السيد الله أي السيد على الإطلاق هو الله تعالى، نسأل الله الأدب.
لا تسبوا الدهر
(3)
الدهر: الزمن ومرور الأيام والليالي وحركات الكواكب والأفلاك.
(4)
وأنا الدهر أي خالق الدهر بيدى الليل والنهار إيجادا وإبقاء وإعداما.
(5)
فمن سب الدهر فقد سب الله تعالى لأنه فعله، ومن سب فعل شخص فقد سب ذلك الشخص لأن حسن الفعل وقبحه عائد إلى فاعله.
(6)
فيحرم قوله: يا خيبة الدهر، ويا سنة سوداء، وقاتل الله هذا الزمان ونحو ذلك.
(7)
أي أعدمتهما.
(8)
ولفظه: لا تسبوا الدهر فإن الله تعالى قال أنا الدهر، الأيام والليالي إلى أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك، وهذا كله رد على جماعة من الكفرة وهم الدهرية الذين ينكرون=
لا تقل خبثت نفسي ولا تسموا العنب كرما
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكمْ خَبُثَتْ نَفْسِي وَلكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي
(1)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلمُ
(2)
".
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ الْكَرْمُ فَإِنَّماَ الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ
(3)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأُصُولُ الثَّلَاثَة
(4)
.
لا تقل ما شاء اللَّه وشاء فلان
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُولوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلكِنْ قُولوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ
(5)
».
• عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ قاَلَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَثَرَتْ دَابَّتُهُ فَقُلْتُ:
تَعِسَ الشَّيْطَانُ
(6)
فَقاَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ
= الصانع وهو الله تعالى ويعتقدون أن في كل ثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه وقد تكرر هذا العالم مرات لا تتناهى، وينسبون كل شيء من إيجاد وإعدام وغيرهما إلى الدهر فيسبونه ويذمونه وما الدهر إلا خلق من خلق الله تعالى له أول وآخر فسبحان من لا أول له ولا آخر والله أعلم.
لا تقل خبثت نفسي ولا تسموا العنب كرما
(1)
لقس بمعنى خبث ولكن لقس أحسن من لفظ خبث لبشاعته، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعجبه اللفظ الحسن ويتفاءل به ويكره القبيح ويغيره، فالنهي للتنزيه والقول به مكروه.
(2)
الكرم كسبب وكشرط وصف للذكر والأنثى مفردا وغيره بمعنى كريم وهو وصف بالمصدر للمبالغة كرجل عدل أي عادل عظيم.
(3)
فالأحق باسم الكرم قلب المؤمن، والنهي للتنزيه فإطلاق الكرم على العنب مكروه وهذا رد لما كان عليه العرب من إطلاق الكرم على العنب وعلى شجره وعلى الخمرة المتخذة منه وتعليم لهم بأن الأولى بهذا الاسم قلب المؤمن.
(4)
وفي رواية لمسلم: لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة وهي شجر العنب، وزاد أبو داود: ولكن قولوا حدائق الأعناب والله أعلم.
لا تقل ما شاء الله وشاء فلان
(5)
إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشاء فلان لأن الواو للجمع والتشريك، ولكن الأدب أن يقول ما شاء الله ثم ما شاء فلان لأن لفظ ثم للتراخي فإرادة العبد متأخرة عن إرادة الله تعالى، قال الله تعالى {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} .
(6)
أي ذل وهلك.
فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذلِكَ تَعاَظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبتِ وَيَقُولُ بِقُوَّتِي
(1)
وَلكِنْ قلْ بِاسْمِ اللَّهِ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكونَ مِثْلَ الذُّباَبِ
(2)
» رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
خاتمة في خلق الأشياء
• عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ: ياَ بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ نَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيماَنِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأْكَ لَمْ يَكنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعاَلَى الْقَلَمُ
(3)
» فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقاَلَ: رَبِّ وَمَاذا أَكْتُبُ؟ قَالَ: «اكْتُبْ مَقَادِيرَ كلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» ، ياَ بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هذَا فَلَيْسَ مِنِّي» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلْتُ ناَقَتِي بِالْباَبِ فَأَتاَهُ
(1)
حدث هذا أو نحوه بقوتي.
(2)
صار في نهاية الصغر والذل نعوذ بالله منه ونسأل الله السلامة آمين.
خاتمة في خلق الأشياء
(3)
فأول خلق الله تعالى القلم الإلهي ثم اللوح ثم أمره الله أن يكتب فيه كما شاء الله تعالى.
(4)
سبق هذا في الإيمان بالقدر من كتاب الإسلام والإيمان، فأول خلق الله تعالى القبر أي بعد النور المحمدي صلى الله عليه وسلم، قال جابر رضي الله عنه: يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء فقال: يا جابر إن الله قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله؛ ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم، ولا جنة، ولا نار، ولا ملك، ولا سماء، ولا أرض، ولا شمس ولا قمر، ولا جني، ولا إنسي. فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش. ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله تعالى، ومن الثالث نور ألسنتهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، كذا في المواهب. قال الزرقاني في شرحها: ولم يذكر الرابع من هذا الجزء، فليراجع مصنف عبد الرزاق، وقد رواه البيهقي أيضا رضي الله عنهم أجمعين.
ناَسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقاَلَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى ياَ بَنِي تَمِيمٍ
(1)
قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَناَ فَأَعْطِناَ مَرَّتَيْنِ
(2)
ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ ناَسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقاَلَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى ياَ أَهْلَ الْيَمَنِ إِذ لمْ يَقْلَلْهاَ بنُو تَمِيمٍ قاَلوا: قَدْ قَبِلْناَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ قاَلوا: جِئْناَكَ لِنَسْأَلَكَ عَنْ هذَا الْأَمْرِ
(3)
قاَلَ: كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماَءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كلَّ شَيْءٍ
(4)
وَخَلَقَ السَّمَواتِ وَالْأَرْضَ فَنَادَى مُناَدٍ: ذَهَبَتْ ناَقَتُكَ ياَ ابْنَ الْحُصَيْنِ فاَنْطَلَقْتُ فَإِذَا هي يُقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ
(5)
.
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: قَامَ فِيناَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَقاَمًا فَأُخْبَرَناَ عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَناَزِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَناَزِلَهُمْ حَفِظَ ذلِكَ مَنْ حَفِظه وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، رَوَاهُماَ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خُلِقَتِ الْملَائِكَةُ مِنْ نُورٍ
(6)
وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ
مَارِجٍ مِنْ نَارٍ
(7)
وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى»: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ
(8)
}، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحَمَدُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَحَمِدَ اللَّهِ بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ ياَ آدَمُ اذْهَبْ إِلَى أُولئِكَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى مَلَإِ مِنْهُمْ جُلُوسٍ فَقلِ السَّلَامُ عَلَيْكَمْ
(9)
» قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقاَلَ: إِنَّ هذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُماَ شِئْتَ قَالَ: اخْتَرَّتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلتاَ يَدَيَّ رَبِّي يَمِينٌ
(1)
أي على الإسلام من رضوان الله والجنة وواسع النعيم.
(2)
لفهمهم أن البشرى على الأمور الدنيوية وحطامها الزائل.
(3)
أي هذا الكون قبل خلقه.
(4)
وكتب في الذكر أي محله وهو اللوح المحفوظ {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} .
(5)
في مكان أبعد من مكان رؤية السراب وهو ما يرى في شدة الحر كأنه ماء وليس بماء.
(6)
كما سبق في حديث جابر الذي في الشرح.
(7)
الجان أبو الجن وهو إبليس خلق من مارج من نار هو لهبها الخالص من الدخان.
(8)
وخلق آدم من التراب ومن الطين بعد عجنه ومن صلصال كالفخار أي بعد تصويره وتجفيفه وقبل نفخ الروح فيه فسبحان الخلاق العظيم.
(9)
فذهب فقال السلام عليكم.
مُبَارَكَةٌ ثمَّ بَسَطَهاَ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذرِّيَّتُهُ فَقاَلَ: أَيْ رَبِّ مَا هؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هؤُلَاءِ ذرِّيَّتُكَ فَإِذَا كلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمُرُهُ بَيْنَ عَيْنيْهِ
(1)
فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ أَوْ مِنْ أَضْوَئهِمْ قاَلَ: ياَ رَبِّ مَنْ هذَا؟ قاَلَ: هذَا ابْنُكَ دَاوُدُ قَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ: ياَ رَبِّ زِدْهُ فِي عُمُرِهِ قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ قَالَ: أَيْ رَبِّ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عمُرِي سِتِّينَ سَنَةً قاَلَ: أَنْتَ وَذَاكَ
(2)
قَالَ: ثُمَّ اسْكِنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ
(3)
ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهاَ فَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ قَالَ: فَأَتاَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ
(4)
فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ قَدْ كتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ قَالَ: بَلَى وَلكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذرِّيَّتُهُ وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذرِّيَّتُهُ
(5)
قَالَ: فَمِنْ يَوْمَئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ
(6)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ التَّفْسِيرِ بِسَنَدٍ حَسَن.
طبقات بني آدم
(7)
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضةٍ قَبَضَهاَ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ جَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْن وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَبَيْنَ ذلِكَ
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(9)
.
(1)
إلى هنا سبق في أول سورة البقرة من كتاب التفسير.
(2)
قد أمضيته لك.
(3)
أي آدم عليه وعلى أولاده مزيد الصلاة والسلام.
(4)
يريد قبض روحه.
(5)
بيان للجحد قال الله تعالى {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} .
(6)
في المعاملة بين بني آدم تفاديا عن الشقاق وحبا في الوفاق، قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} نسأل الله التوفيق لكامل التقوى آمين.
طبقات بني آدم
(7)
أي بيان تفاوتهم في الصفات الظاهرة والشيم الباطنة وبيان خيرهم وشرهم في هذا.
(8)
فاختلاف الناس في الصفات والغرائز من أصل الخلقة لحكم ظهر للناس بعضها ومولانا العليم الحكيم يعلمها كلها.
(9)
أبو داود في القدر وسبق في التفسير في أول سورة البقرة للترمذي بسند صحيح.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا صَلَاةَ الْعَصْرِ ثمَّ قَام خَطِيبًا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكون إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلا أَخْبَرَناَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ وَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا
(1)
، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا
(2)
، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْياَ مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا
(3)
، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا
(4)
أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمُ الْبَطِيءَ الْغَضَبِ
سَرِيعَ الْفَىْءِ
(5)
وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَىْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ
(6)
أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الفَيءِ أَلا وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الغَضَبِ سَرِيعُ الفَيْءِ
(7)
أَلا وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الغَضَبِ بَطِيءُ الْفَىْءِ
(8)
أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ حَسَنَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ
(9)
وَمِنْهُمْ سَيِّءُ الْقَضَاءِ حَسَنُ الطَّلَبِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمُ السَّيِّءَ الْقَضَاءِ السَّيِّءَ الطَّلَبِ أَلَا وَخَيْرُهُمُ الْحَسَنُ الْقَضَاءِ الْحَسَنُ الطَّلَبِ، وَمِنْهُمْ حَسَنُ الْقَضَاءِ سَيِّءُ الطَّلَبِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ، أَلَا وشَرُّهُمْ سَيِّءُ الْقَضَاءِ سَيِّءُ الطَّلَبِ
(10)
أَلَا وَإنَّ الْغَضَبَ
(1)
اللهم اجعلنا منهم يا كريم يا رحمن.
(2)
هؤلاء كانوا بطبعهم كفارا فداموا على طبعهم حتى ماتوا.
(3)
هؤلاء كان إيمانهم ظاهرا ومدخولا فيه وإلا فما ضاع منهم شيء، قال الله تعالى {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} .
(4)
لقضاء الإيمان له في أم الكتاب.
(5)
أي الرجوع، فلا يغضب بسرعة وإذا غضب عاد للصلح بسرعة وهذا خير الناس.
(6)
فتلك أي الصفة المذمومة وهي سرعة الغضب تتلاشي بتلك الصفة المحمودة وهي سرعة الفيء فيكون في تلك السجايا كفافا.
(7)
لكمال عقله وصفاء باطنه ولبه.
(8)
وهذه أقبح الصفات لقبح حماقته التي لا تقبل التداوي كما قال رضي الله عنه.
لكل داء دواء يستطب به
…
إلا الحماقة أعيت من يداويها
(9)
سهل في دفع ما عليه وطلب ماله.
(10)
لدلالته على سوء الأخلاق وظلمة الباطن وخلوه من نور الإيمان.
جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَم
(1)
أَمَا رَأَيْتمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفاَخِ أَوْدَاجِهِ فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيءٍ مِنْ ذلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ، قَالَ: وَجَعَلْنَا نَلْتَفِتُ إِلَى الشَّمْسِ هَلْ بَقِيَ مِنْهاَ شَيْءٌ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْياَ فِيمَا مَضَى مِنْهاَ إِلا كَماَ بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هذَا فيمَا مَضَى مِنْهُ
(2)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْفِتَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
عدد أحاديث كتاب الأدب 197 سبعة وتسعون ومائة فقط.
(1)
كأنه جمرة من نار لأنه من نفخ الشيطان ووسوسته فيه وهو من النار فكل آثاره كذلك.
(2)
قال أبو سعيد: فصرنا ننظر إلى الشمس وقد أشرفت على الغروب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بقي من الدنيا إلا كما بقي من يومكم هذا. أي ما بقي من الدنيا إلا قليل. نسأل الله السلامة منها آمين والحمد لله رب العالمين.
كتاب الفتن وعلامات الساعة
(1)
وفيه سبعة أبواب وخاتمة
الباب الأول: في التحذير من الفتن
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: «لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرَ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَاجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذِهِ وَعَقَدَ سُفْياَنُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً
(3)
» قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ
(4)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَة.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَيْقَظ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْخَزَائِنِ
(5)
وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ
(6)
مَنْ يُوقِظ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ
(7)
رُبَّ كاَسِيةٍ فِي الدُّنْياَ عَارِيَةٍ فِي الْاخِرةِ
(8)
»،
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين
كتاب الفتن وعلامات الساعة
(1)
الفتن: جمع فتنة وهي المحنة والشدة والعذاب وكل مكروه فإن كانت من الله كالأمراض فهي لحكمة وممدوحة، وإن كانت من الإنسان في مذمومة، وعلامات الساعة: الأمارات التي تتقدم القيامة للدلالة على قربها.
(2)
احذروا ذنوبًا وشقاقًا فإن أثرها سيء ويعم الجميع، نسأل الله السلامة.
(3)
فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج وهو السد الذي بناه ذو القرنين عند مطلع الشمس مثل هذه وفسرها سفيان بن عيينة بشكل تسعين بأن وضع طرف السبابة في أصلها وضمها، والمراد ظهر لي قليل من الفتن التي تعم كل الناس.
(4)
الفجور والفسوق.
(5)
التي سيغنمها المسلمون من خزائن فارس والروم.
(6)
التي ستنتشر في المسلمين وابتدأت بقتل عثمان رضي الله عنه كما سيأتي.
(7)
يريد أمهات المؤمنين ليعبدن الله تعالى.
(8)
فكثير من ذوى اليسار المتجملين بأنواع الثياب في الدنيا يكونون في الآخرة عرايا ذليلين لعدم العمل الصالح، نسأل الله التوفيق.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قاَلَتْ: عَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَناَمِهِ
(1)
فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ هذَا الْبَيْتَ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبيْتِ
(2)
حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ
(3)
خُسِفَ بِهِمْ» فَقُلْناَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ فَقاَلَ: نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ
(4)
يَهْلِكونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعْثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ
(5)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أصَابَ الْعذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ
(6)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(7)
.
• عَنْ أبِي هرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ
(8)
وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ
(9)
وَيُلْقَى الشُّحُّ
(10)
وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» قاَلُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ؟ قاَلَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ
(11)
».
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقاَعِدُ فِيهاَ خَيْرٌ مِنَ الْقاَئمِ
(12)
وَالْقاَئمُ فِيهاَ خَيْرٌ مِنَ الْماَشِي وَالْماَشِي فِيهاَ خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي منْ تَشَرَّفَ لَهاَ تَسْتَشْرِفْهُ
(13)
فَمَنْ وَجَدَ فِيهاَ مَلْجَأً أَوْ مَعاَذًا فَلْيعُذْبِهِ
(14)
»، رَوَاهُماَ الْأَرْبَعَةُ.
(1)
عبث: تحرك جسمه أو بعضه.
(2)
بسبب رجل قرشي قد تحصن بالكعبة.
(3)
البيداء: الفلاة.
(4)
المستبصر: المستبين للأمر القاصد له، والمجبور: المكره.
(5)
بيانه في الحديث الذي بعده.
(6)
فإذا نزل بقوم عذاب عم الصالح والطالح ولكنهم يبعثون في الآخرة كل على حسب عمله، وللصالح أجر ما أصابه في دنياه.
(7)
ولكن البخاري هنا ومسلم في صفة الجنة.
(8)
تقل البركة منه حتَّى تكون السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم الساعة، والساعة كاحتراق السعفة أي الخوصة.
(9)
أي الصالح، وفي رواية: وينقص العمر أي النافع وها متلازمان.
(10)
الشح والبخل يعظم في قلوب أهل الدنيا.
(11)
وكل هذا واقع الآن نسأل الله السلامة آمين.
(12)
لأن القاعد بعيد عن الفتنة والقائم على استعداد لاقتحامها وكذا القول فيما بعد.
(13)
من تطلع لها صرعته فيها.
(14)
الملجأ والمعاذ بالفتح والضم: الحصن، فمن وجد حصنًا يتحفظ به من الفتنة فليعتصم به.
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهاَ سَتَكونُ فِتَنٌ أَلَا ثُمَّ تَكون فِتْتَةٌ
(1)
الْقاَعِدُ فِيهاَ خَيْرٌ مِنَ الْماَشِي فِيهاَ وَالْماَشِي فِيهاَ خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهاَ أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِهاَ
(2)
وَمَنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِهاَ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ
(3)
»، فَقَالَ رَجُلٌ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ تَكنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ، قاَلَ: «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاَعَ النَّجَاءَ
(4)
اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ
(5)
»، فَقاَلَ رَجُلٌ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أُكْرِهْتُ وَانْطُلِقَ بِي إِلَى الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِئُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي، قاَلَ:«يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُون مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي قاَلَ: «كُنْ كاَبْنِ آدمَ الْقاَئِلِ (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباَسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِاقْتُلَكَ)» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ
(6)
: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِماَنِ بِسَيْفَيْهِماَ فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» قِيلَ: فَهذَا الْقَاتِلُ
(7)
فَماَ باَلُ الْمَقْتُولِ قاَلَ: «إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» ، رَوَاهُ الثَّلَاثَة.
وَلِمُسْلِمٍ: «إِذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُماَ عَلَى أَخِيهِ السِّلَاحَ فَهُماَ عَلَى جُرُفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُماَ صَاحِبَهُ
دَخَلَاهَا جَمِيعًا
(8)
».
وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ: «إِنَّهاَ سَتَكُونُ فِتْنَةٌ
(1)
تعم المسلمين.
(2)
فليلزم رعيها وليجتنب الفتنة وأهلها.
(3)
يشتغل بزرعها ويترك الناس.
(4)
ثم ليفر الناس بسرعة من أهل الفتنة.
(5)
هل بمعنى قد.
(6)
أبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث الثقفي، وسببه أنه رأى الحسن البصري سائرا متقلدا بسلاحه فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليّ رضي الله عنه حينما دبت الفتنة بينه وبين بعض الصحابة الذين انضموا لعائشة في وقعة الجمل التي ستأتي فذكر أبو بكرة الحديث.
(7)
أي أمره ظاهر في استحقاقه للنار.
(8)
جرف جهنم أي حافتها.
تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ
(1)
قَتْلَاهَا فِي النَّارِ اللِّسَانُ فِيهاَ أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ».
وَلِأَبِي دَاوُدَ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا
(2)
».
• عَنْ ثَوْباَنَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ
(3)
فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهاَ وَمَغاَرِبَهاَ وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَبَلْغُ مُلْكُهاَ مَا زُوِيَ لِي مِنْهاَ وأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ
(4)
وَإنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتَي أَلاَّ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ
(5)
وَأَلاَّ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنِّي إذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَلا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعاَمَّةٍ وَأَلا أُسَلِّطَ عَلَيْهمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَليْهِمْ مَنْ بِأَقْطاَرِهَا أَوْ مَنْ بَيْنَ أَقْطاَرِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا
(6)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَزَادَا: «وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ
(7)
وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهاَ إِلَى يَوْمِ الْقِياَمَةِ
(8)
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ قَباَئِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ
(9)
وَحَتَّى تَعْبُدَ قَباَئِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثاَنَ
(10)
وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ
(11)
وَأَناَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي
(1)
تستأصلهم هلاكًا من استنظفت الشيء أخذته.
(2)
واهًا أي حسرة لمن باشر الفتنة وسعى فيها ولكن السعيد من تجنب الفتن والسعيد من ابتلى فصبر، فالمطلوب تجنب الفتن فعلا وقولا.
(3)
قبضها وجمعها.
(4)
الأحمر: الذهب وهو أكثر كنز الروم، والأبيض: الفضة وهو أكثر كنز فارس أي أعطاني ربي هاتين المملكتين وقريبًا يدخلان في الإسلام ودخلا في خلافة عمر رضي الله عنه.
(5)
بقحط يهلك الأمة كلها.
(6)
بإهلاكهم لبعضهم، وبيضة الدار: وسطها ومعظمها؛ ولأبي داود في الملاحم: لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين سيفا منها وسيفا من عدوها، الحمد لله.
(7)
الداعين إلى البدع والفجور.
(8)
إن لم يكن في بلد يكون في آخر وهكذا.
(9)
وقع هذا في زمن أبي بكر رضي الله عنه.
(10)
لم نسمع بهذا للآن ولعل المراد بها الدينار والدرهم.
(11)
سيأتي ذكرهم في الباب الرابع.
وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ
(1)
».
• عَنْ أَبِي مُوسى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْفِتْنَةِ: «كَسِّرُوا فِيهاَ قِسِيَّكُمْ وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتاَرَكُمْ
(2)
وَالْزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ وَكونوا كَابْنِ آدَمَ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
وَأَبُو دَاوُدَ، وَقِيلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ فِي الْفِتْنَةِ؟ قاَلَ: «رَجُلٌ» فِي مَاشِيَتِهِ يُؤَدِّي حَقَّهاَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ وَرَجُلٌ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ يُخِيفُ الْعَدُوَّ وَيُخِيفُونَهُ
(4)
.
وَقاَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنَبِغي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفُسَهُ؟ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِماَ لَا يُطِيقُ
(5)
».
ولَمَّا طَلَبَ عَلِيٌّ مِنْ أَهْباَنَ بْنِ صَيْفِيَ الْغِفاَرِيِّ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ أَنِ اتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ
(6)
فقَدِ اتَّخَذْتُهُ فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ بِهِ مَعَكَ فَتَرَكَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنهم، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(7)
، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ آمِين.
الإخبار بالفتن وأنواعها
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قاَلَ: قاَمَ فِيناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقاَمًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكون فِي مَقاَمِهِ ذلِكَ إِلَى قِياَمِ السَّاعَةِ إِلا حَدَّثَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحاَبِي هؤُلَاءِ وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فأْذكُرُهُ كَماَ يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفهُ، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ
(8)
.
(1)
سبق هذا في كتاب الإمارة.
(2)
القسي: جمع قوس. والأوتار: جمع وتر كسبب ما يشد في القوس.
(3)
بسند صحيح.
(4)
يرابط على الثغور بيننا وبين الكفار.
(5)
أي يتعرض للأمور التي لا يطيقها.
(6)
المراد عدم الخروج مع أحد في الفتنة.
(7)
بأسانيد حسنة.
الإخبار بالفتن وأنواعها
(8)
ولكن مسلم وأبو داود هنا والبخاري في بدء الخلق.
• وَعَنْهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيماَ بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَمَا بِي إِلا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي
(1)
وَلكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا فِي مَجْلِسٍ عَنِ الْفِتَنِ فَعَدَّهَا وَقاَلَ: «منْهُنَّ ثَلَاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِياَحِ الصَّيْفِ مِنْهاَ صِغاَرٌ وَمِنْهاَ كِباَرٌ» ، قاَلَ حُذَيْفَةٌ: فَذَهَبَ أُولئِكَ الرَّهْط كُلُّهُمْ غَيْرِي.
• وَعَنْهُ قاَلَ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِماَ هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فَماَ مِنْه شَيْءٌ إِلا قَدْ سَأَلْتُهُ إِلا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ.
• عَنْ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ رضي الله عنه
(2)
قاَلَ: صَلَّى بِناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَناَ حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ فَنَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَناَ حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَناَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ
(3)
فَأَخْبَرَناَ بِماَ كَانَ وَبِماَ هُوَ كَائِنٌ فَأَعْلَمُناَ أَحْفَظُناَ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ» فَقِيلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَكُونُ ذلِكَ قاَلَ: «الْهَرْجُ
(4)
، الْقاَتِلُ وَالْمقْتُولُ فِي النَّارِ».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَلا تُمْطَرُوا وَلكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيئًا
(5)
» رَوَى هذِهِ رضي الله عنها الخَمْسَةُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَللَّهِ مَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَصْحَابِي أَمْ تَناسَوْا، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَائِدِ فِتْنَةٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدُّنْياَ يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ فَصَاعِدًا إِلا سَمَّاهُ
(1)
أي فلا أذيعه كما اختصه بعلم المنافقين.
(2)
ولقبه أبو زيد.
(3)
أي قاربت الغروب، وهذا غالبًا في العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4)
أي ذلك الهرج وهو كثرة الفتن والقتل؛ نسأل الله السلامة آمين.
(5)
فليست السنة والقحط والفتن عدم المطر ولكن القحط والفتن عدم الإنبات.
لَنَا بِاسْمِهِ وَاسْم أَبِيهِ وَاسْم قَبيلَتِهِ
(1)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَكونُ فِي هذِهِ الْأُمَّةِ أَرْبَعُ فِتَنٍ في آخِرهَا الْفَنَاءُ
(2)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ فَقَالَ قاَئِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلاسِ؟ قَالَ: هِيَ هَرَبٌ وَحَرَبٌ
(3)
ثُمَّ فِتْنة السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنْهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي
(4)
وَإِنَّمَا أَوْلِيَائي الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ
(5)
ثُمَّ فِتْنةُ الدُّهَيْماَءِ
(6)
لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ إِلا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَماَدَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فيهاَ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاط إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاط نِفاَقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذلِكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ
(7)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكُمْ
(8)
.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ
(9)
وَيَرِثَ دُنْيَاكمْ شِرَارُكُمْ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
(1)
أي وصفه وصفًا مفصلًا واضحًا.
(2)
أربع فتن أي عظيمة، والطبراني: تكون أربع فتن: الأولى يستحل فيها الدم، والثانية يستحل فيها الدم والمال، والثالثة يستحل فيها الدم والمال والفرج، والرابعة الدجال.
(3)
هرب كسبب أي يفر بعضهم من بعض لشدة العداوة بينهم، وحرب كسبب نهب مال الناس وتركهم لا شيء عندهم.
(4)
فهو من أهل البيت ولكن ليس فعله كفعلهم.
(5)
ثم يصطلحون على بيعة رجل ولكن لا يثبت الصلح ولا يدوم كشيء وضع على معوج كالضلع لا يثبت.
(6)
الدهيماء: تصغير دهماء وهي الفتنة العظيمة السوداء العمياء، نسأل الله السلامة آمين.
(7)
الفسطاط بالضم والكسر: الخيمة والمدينة؛ والمراد هنا الجماعة من الناس، ففي آخر هذه ينقسم الناس إلى قسمين إلى أهل إيمان، وإلى أهل نفاق ولا يلبثان أن يظهر الدجال قاتله الله، وهذه الفتن الثلاث لا تنافي الأربع في الحديث الذي قبله فإن الرابعة فيه بعد الدجال ولذا قال في آخرها فناء الناس.
(8)
بسند صحيح.
(9)
تتقاتلوا بها، وسبق في خطبة يوم النحر من كتاب الحج: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، نسأل الله الستر والسلامة آمين.
الباب الثاني: في الانضمام إلى الجماعة
(1)
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرَ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهذَا الْخَيرِ فَهَلْ بَعْدَ هذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ» ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» ، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرَ؟ قَالَ: «نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفوهُ فِيهاَ» ، قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِناَ وَيَتَكَلَّمُونَ بألْسِنَتِناَ» قُلْتُ: فَماَ تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَماَعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَماَعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ: «فاَعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّها وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذلِكَ
(2)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَنَا: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا
(3)
» قَالوا: فَماَ تَأْمُرُناَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّه حَقَّكُمْ
(4)
».
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيَ رضي الله عنه: شَكَوْناَ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ
(5)
فَقَالَ: اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبُّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم
(6)
رَوَاهُماَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(الباب الثاني في الانضمام إلى الجماعة)
(1)
المراد بالجماعة أهل الدين العاملون به، وسبق الكلام عليهم في عنوان "الجهاد فرض كفاية" من كتاب الجهاد فيجب الانضمام إلى أهل الدين في كل وقت، فإنه يسير بسيرهم ويتحصن بهم ويحشر في زمنهم إن شاء الله تعالى.
(2)
سبق هذا الحديث في كتاب الإمارة والقضاء.
(3)
من الأمراء.
(4)
واطلبوا منه تعالى أن يسخر قلوبهم لكم.
(5)
ابن يوسف الثقفي: الأمير المشهور بالظلم.
(6)
وللطبراني: أمس خير من اليوم واليوم خير من غد، وكذلك حتَّى تقوم الساعة. وشرية الزمن =
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتَ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً
(1)
فإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبيلُ مَنْ هَلَكَ
(2)
وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا» قُلْتُ: أَمِمَّا بَقِيَ أَوْ مِمَّا مَضَى قاَلَ: مِمَّا مَضَى
(3)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ فَارَقَ الْجَماَعةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِه
(4)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ وَأَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَسْتَأْثِرُونَ بِهذَا الْفَىْءِ
(5)
» قُلْتُ: أَمَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ أَضَعُ سَيْفِي عَلَى عَاتِقِي ثُمَّ أَضْرِبُ بِهِ حَتَّى أَلْقاَكَ، قَالَ: أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذِّلِكَ؟ تَصْبِرُ حَتَّى تَلْقاَنِي رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ.
وَخَطَبَ عُمَرُ رضي الله عنه بِالْجابِيَةِ
(6)
فَقَالَ: أَيُّهاَ النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقاَمِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيناَ فَقاَلَ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَخْلَفُ وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ. أَلَا لَا يَخْلَوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثاَلِثَهُماَ الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجماَعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ
(7)
وَهُوَ منَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ. مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجماَعةَ
(8)
مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيْئَتُهُ فَذلِكُمُ الْمُؤْمنُ».
وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَرأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَيْناَ أُمَرَاءُ يَمْنَعُونَا
= بالنسبة لأهله فإن الشر من الناس لا من الزمن، فكل يوم خير مما بعده أي غالبًا فلا ينافي أن أيام عمر بن عبد العزيز كانت خير أيام الأمويين الذين قبله والذين بعده رضي الله عن الجميع.
(1)
تستقيم حال الإسلام إلى تلك المدة.
(2)
فإن خرجوا عن طريق الاستقامة هلكوا كمن سبقهم.
(3)
فإن داموا على الاستقامة بعد خمس وثلاثين دامت دولتهم إلى سبعين، وابتداؤها من فتح مكة إلى نهاية خلافة الخلفاء الراشدين، وإن كان من الهجرة إلى خروج أهل الأمصار على عثمان، وفي ست وثلاثين كانت وقعة الجمال، وفي سبع وثلاثين كانت وقعة صفين.
(4)
فمن فارق الجماعة قيد: أي قدر شبر فقد خرج من الإسلام، وأصل الربقة: الطوق في عنق الدابة، وسبق كثير من هذا في كتاب الإمارة والقضاء.
(5)
بمال الدولة.
(6)
اسم مكان.
(7)
أقرب لوسوسته من الاثنين والجماعة.
(8)
بحبوحة الجنة: وسطها.
حَقَّنَا وَيَسْأَلونَا حَقَّهُمْ فَقَالَ: «اسْمَعُوا وَاطِيعُوا فإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكمْ مَا حُمْلُتْم» ، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(1)
.
متى ابتدأت الفتنة ومن أين تأتي
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْفِتَنَ، فَقَالَ قَوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْناَهُ، فَقاَلَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنةَ الرَّجْلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ
(2)
قَالوا: أَجَلْ قَالَ: تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَة وَلكِنْ أَيُّكمْ سَمِعَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ حُذَيْفَة: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ
(3)
فَقُلتُ: أَنَا، قَالَ: أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ
(4)
قلتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقلوبِ كَالْحَصِيبِ عُودًا عُودًا
(5)
فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهاَ نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْداءُ
(6)
وَأَيُّ قَلبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ
(7)
عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفاَ فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّموَاتُ وَالْارْضُ وَالْاخَرُ أَسْوَدُ مُرْباَدًّا كَالْكُوزِ مُجخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ
(8)
قاَلَ حُذَيْفَةُ: وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا باَبا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قاَلَ عُمَرُ: أَكَسْرًا لَا أَباَ لَكَ، فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ
(1)
بسندين صحيحين.
متى ابتدأت الفتنة ومن أين تأتي
(2)
وحديثها: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر والنهي، وسبق هذا في كتاب الصور.
(3)
سكتوا أو أطرقوا.
(4)
كلمة مدح أي كان أبوك عبدا لله وأنجب ولدًا لله تعالى.
(5)
فالفتن إذا نزلت في أي زمن لصقت بعرض القلوب أي جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم.
(6)
نبتت فيه نقطة سوداء.
(7)
فتصير القلوب على قلبين.
(8)
ويصير الآخَر أسود مربادًّا أي ممزوجًا بياضه بسواد كالكوز منكوسًا لا يعرف خيرا ولا شرا سوى هواه.
يُعاَدُ، قُلْتُ: لَا بَلْ يُكْسَرُ وَحَدَّثتُهُ أَنَّ ذلِكَ الْبابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ، حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ
(1)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَناَ مَرْوان قاَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ لْمَصْدُوقَ يَقُولُ: هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَي غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ
(3)
فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ
(4)
قاَلَ عَمْرُ بْنُ يَحْيَى: فَكنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي
(5)
إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مَلَكوا بِالشَّامِ فَإِذَا رَآهُمْ غِلْماَنًا أَحْدَاثًا قَالَ لَناَ: عَسَى هؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ، قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ
(6)
. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَحْمدُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقِ يَقُولُ: أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ ههُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ
(7)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
وحدثته حديثًا حقًّا لا غلط فيه أن ذلك الباب الذي بينكم وبين الفتن رجل يقتل أو يموت وهو عمر رضي الله عنه الذي انكسر بموته باب الفتن وتولى عثمان رضي الله عنه فابتدأت وعظمت واشتعلت نارها بموته وهكذا ستبقي مرة بالحسام ومرة بالكلام ما دامت الدنيا، قال الله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} .
(2)
ولفظه لمسلم في الإيمان.
(3)
جماعة أحداث السن من قريش؛ ولفظ أحمد: إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش.
(4)
كأن أبا هريرة كان يعرفهم وكان يتكتم ذلك خوفًا من بني أمية وكان هذا من الجراب المكتوم عنده الذي قال فيه عندي جراب من المعلم لو كشفته لقطعتم مني هذا الحلقوم.
(5)
وهو سعيد بن عمرو الراوي لهذا الحديث.
(6)
عسى بنو مروان أن يكونوا من العلمة السفهاء التي على يدها هلاك الأمة، وهذا أقرب للواقع فقد روى الطبراني وغيره أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، ولمسلم: يهلك أمتي هذا الحي من قريش (بنو أمية) قالوا؛ فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم؛ أي لنجوا منهم، ومعلوم أن يزيد بن معاوية الذي هو من بني أمية هو الذي أمر بقتل الحسين رضي الله عنه وأبوه معاوية قاتل عليًا على الخلافة رضي الله عنهم وفي جواز لعن يزيد هذا خلاف، واتفقوا على جواز لعن من قتل الحسين أو أمر به أو رضي به.
(7)
ولمسلم: إن الفتنة تجيء من هاهنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان أي جنس الشيطان الذي يقترن بطلوع الشمس فيقع سجود الساجدين لها حينئذ للشيطان كما سبق في الأوقات النهي عن النافلة فيها، وظاهره الشرق كله من جنوبه إلى شماله فيعم نجدا والعراق وما وراءهما.
وَعنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ باَرِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا للَّهُمَّ باَرِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قاَلُوا: وَفِي نَجْدِناَ قاَلَ: «اللَّهُمَّ باَرِكْ لناَ فِي شَأْمِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» قالوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَفِي نَجْدِناَ فَأَظُنُّهُ قاَلَ فِي الثَّالِثَةِ: هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَلْفِتَنُ وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْن الشَّيْطَانِ
(1)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِ عَائِشَةَ فَقَالَ: «رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ ههُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْن الشَّيْطَانِ يَعْنِي الْمشْرِقَ
(2)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الباب الثالث: في الخوارج والمارقة من الدين
(3)
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ
(4)
فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ ابْنِ بَدْرٍ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا مِنْ هؤُلَاءِ
(5)
فَبَلَغَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّماَءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَباَحًا وَمَسَاءً فَقاَمَ رَجخُلٌ غَائرُ الْعَيْنَيْنِ
(6)
مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ ناَشِزُ
(7)
(1)
أي تظهر منها الفتن التي يشعلها الشيطان، ولم يدع لهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لأن أغلبهم حينذاك كانوا كفارًا وليضعفوا عن الشر الموضوع جهتهم.
(2)
فاتضح من هذا أن الفتنة ابتدات في المسلمين من بني أمية الذين كانوا يحيطون بعثمان رضي الله عنه وأظهروا له تمام الإخلاص فولى بعضهم أمراء في الجهات واستبطن آخرين منهم فجعلهم أهل مشورته وأفضى إليهم بسره ثم بعد ذلك اشتعلت نارها في وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهرت الخوارج، هذه كلها كانت في نجد والعراق وما وراءها من الشرق كما أخبر النَّبِيّ رضي الله عنه فتلك معجزات ظاهرات باهرات صلى الله على صاحبها وسلم.
(الباب الثالث في الخوارج والمارقة من الدين)
(3)
أي في ذكرهم وبيان صفاتهم وحكمهم، فهم قوم يظهر عليهم التمسك بالدين ولكنهم ليسوا على شيء منه يبغضون المؤمنين ويودون الكافرين.
(4)
بقطعة ذهب لم تصف من ترابها موضوعة في جلد مدبوغ بالقرظ وكانوا حينئذ بالجعرانة بعد انصرافهم من حنين.
(5)
ذلك الرجل قريب عهد بالإسلام وضيف الإيمان.
(6)
عيناه داخلتان في محاجرهما.
(7)
مرتفع الوجنتين وعالي الجبهة.
الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَة مَحْلُوقُ الرَأْسِ مُشَمَّرُ الإزَارِ
(1)
» فَقاَلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ: «وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ» قاَلَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ فَقاَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقهُ فَقَالَ: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصْلِّي» قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلَ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍ
(2)
فَقَالَ: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هذَا
(3)
قَوْمٌ يَتْلونَ كِتاَبَ اللَّهِ رَطْبًا
(4)
لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ
(5)
قَالَ أَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتَهُمْ لَأَقْتُلنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ
(6)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إِلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَزَبْدِ الْخَيْلِ وَعَلْقَمَةَ فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: أَيُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَيَدَعُناَ
(7)
، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ لِأَ تَأَلَّفَهُمْ فجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتْينِ غَائرُ الْعْيَنْينِ ناَتِيُّ الْجَبِينِ محْلُوقُ الرَّأْسِ» فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَمَنْ يُطِعِ اللَّه إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي» ، ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فاَسْتَأْذَنَ أَحَدُ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئي هذَا قَوْمًا يَقْرأُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ وَيَدْعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ
(8)
يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَماَ يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(9)
.
(1)
غزير شعر اللحية وحالف رأسه بخلاف العرب حينذاك فإنهم كانوا يبقون شعورهم ويفرقونها.
(2)
ثم ينظر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا الرجل وهو مول قفاه ذاهبًا.
(3)
من أصله وجنسه.
(4)
يكثرون من تلاوته فلا تزال ألسنتهم رطبة به.
(5)
لا يجاوز حناجرهم: لا يصل إلى تراقيهم وأول إلى قلوبهم.
(6)
سبق هذا في آداب القراءة.
(7)
الصناديد جمع صنديد. وهو السيد في قومه.
(8)
فهؤلاء يودون الكفار ويبغضون أهل الإسلام.
(9)
مرويات البخاري هنا في بعث خالد وفي باب من ترك قتال الخوارج للتألف وفي فضل القرآن. ومرويات مسلم في الزكاة واللفظ في الكل له.
• وَعَنْهُ قَالَ: بَيْنا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا
(1)
أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنَقهُ، قَالَ: «دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرأُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجاَوِزُ تَرَاقِيهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَماَ يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ
(2)
ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ
(3)
ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فيهِ شَيْءٌ
(4)
ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ
(5)
سَبَقَ الْفَرْثَ
وَالدَّم
(6)
آيتُهُمْ رَجُلٌ أَسُوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ
(7)
يخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ
النَّاسِ
(8)
»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هذَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قاَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِهذَا الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ
(9)
فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي نَعَتَ
(10)
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
بالجعرانة بعد منصرفهم من حنين.
(2)
الفصل: حديد السهم.
(3)
الرصاف: مدخل النصل من السهم.
(4)
النضى كغنى: القدح الذي يرمى به عن القوس.
(5)
القذذ: جمع قذة: وهي ريش السهم.
(6)
سبق أي جاوز السهم الفرث والدم من الصيد، والمراد أن هؤلاء بعيدون عن الإسلام كما جاوز السهم مرماه فليس في شيء منه علامة إصابة.
(7)
فعلامة هؤلاء أن فيهم رجلا أسود إحدى عضديه كثدي المرأة أو قال مثل البضعة أي قطعة اللحم التي تتدردر أي تتحرك وتضطرب.
(8)
وفي رواية: يخرجون على خير فرقة من الناس، وقد خرجوا على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ونقضوا بيعته حينما كان معاوية يقاتلهم فقاتلهم عليّ رضي الله عنه وهزمهم شر هزيمة.
(9)
أي وهو قتيل.
(10)
قصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وظهرت معجزته كالشمس في رابعة النهار.
قتال الخوارج فرض عين
(1)
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ سَيَكُون بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرأُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ
(2)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ
(3)
وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ
(4)
هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبى لِمَنْ قَتلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَىْءٍ مَنْ قاَتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ»، قاَلُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا سِيمَاهُمْ؟ قاَلَ: «التِّحْلِيقُ
(5)
».
• عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه
(6)
أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ عَلَى عَلِيَ رضي الله عنه
(7)
قَالُوا: لَا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ، قَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقَ أُرِيدَ بِهاَ باَطِلٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَ ناَسًا إِني لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يُجَاوِزُ حَلْقهُمْ مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ مِنْهُمْ أَسْوَدُ إِحْدَى يَدَيْهِ طُبْىُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَة ثَدْيٍ فَلَمَّا قَتَلَهُمْ
عَلِيٌّ وَجَدُوهُ
(8)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِي رضي الله عنه وَكَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِي
قتال الخوارج فرض عين
(1)
لم يقاتلهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع ظهور بعضهم له للتألف.
(2)
الخلق: الناس، والخليقة البهائم، وقيل هما بمعنى وهو جميع الخلائق.
(3)
أي القول كله.
(4)
لا يرجعون إلى الدين حتَّى يرجع السهم إلى محله في القوس، وهذا محال فرجوعهم للدين محال.
(5)
فعلا منهم تحليق رؤوسهم بخلاف العرب حينذاك فإنهم كانوا يتركون شعورهم ويفرقونها.
(6)
عبيد الله هذا كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
الحرورية نسبة لبلد بقرب الكوفة تسمى حروراء وهم من الخوارج خرجوا على أمير المؤمنين رضي الله عنه عنه حينما قبل التحكيم بينه وبين معاوية ووكل عنه أبا موسى الأشعري فقالوا لا حكم إلا لله فرد عليهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله: كلمة حق أريد بها باطل.
(8)
فيهم رجل أسود في مكان إحدى يديه لحمة بارزة كضرع الشاة أو كحلمة الثدي فلما قتل الخوارج وجد أصحاب على في القتلى رجلًا =
سَارَ مَعَ عَلِيَ رضي الله عنه إِلَى الْخَوَارِجِ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قَرَاءَتِهِمْ بَشَيْءٍ وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ يَقْرأُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجاَوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِي يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِىَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم لَا تَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ
(1)
وَآيَةُ ذلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ
(2)
فَتَذهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ وَتَتْرُكُونَ هؤُلَاءِ يَخْلفُونكُمْ فِي ذرَارِيِّكمْ وَأَمْوَالِكمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكوا الدَّمَ الْحَرَامَ وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ
(3)
فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ»، قَالَ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ فَسِرْناَ فَنَزَلْناَ مَنْزِلًا حَتَّى مَرَرْناَ عَلَى قَنْطَرَة فعلَمَّا الْتقَيْناَ وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ، فَقاَلَ لَهُمْ: أَلْفُوا الرِّمَاحَ وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهاَ
(4)
فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَماَ ناَشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحهِمْ
(5)
وَسَلُّوا السُّيُوفَ وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ
(6)
فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَا
= فيه هذا الوصف، وهذه الصفة في كل الأحاديث كانت في رجل واحد من الخوارج أو في كل جماعة منهم رجل على هذه الصفة كل محتمل والله أعلم.
(1)
لو يعلم الجيش الذي يقاتل هؤلاء ماله عند الله في الآخرة لترك العمل اكتفاء بذلك.
(2)
فعلامة هؤلاء الخوارج أن فيهم رجلا ليس له ذراع وله عضد على رأسه مثل حلمه الثدي عليه شعرات بيض.
(3)
أغاروا على مواشي الناس السائمة فنهبوها.
(4)
فقال لهم على رضي الله عنه ألقوا الرماح وأخرجوا السيوف من أغمادها فإني أخاف أن يطلبوا منكم الصلح ويستحلفوكم بالله كما حصل في غزوة حروراء.
(5)
رموا بها عن بعد منهم.
(6)
داهموهم بالرماح ثم بالسيوف فأنزلوهم بالأرض صرعى وأبادوهم جميعًا، فقادهم تدبيرهم إلى تدميرهم.
أُصِيبَ مِنْ جَيْشِنَا إِلا رَجُلَانِ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ
(1)
فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَامَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى ناَسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قاَلَ: أَخِّرُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا عَلِى الْأَرْضَ فَكَبْرَ عَلِيٌّ ثُمَّ قاَلَ: صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ فَقاَمَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْماَنِيُّ فَقَالَ: ياَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آللَّهَ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ لَسَمِعْتَ هذَا الْحدِيثَ مِنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: إِى وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ
(2)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
كلمة عن وقعة الجمل
(3)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِياَدٍ الْأَسَدِيِّ رضي الله عنه قاَلَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَة إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ ياَسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيَ إِلَى الْكوفَةِ يَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ
(4)
فَصَعِدَ الْحَسَنُ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ فاَجْتَمَعْناَ فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنْ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَوَاللَّهِ إِنَّهاَ لَزَوْجَة نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْياَ وَالْاخِرَةِ وَلكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ بِهاَ لِيَعْلَمَ
إِيَّاهُ تطِيعُونَ أَمْ هِيَ
(5)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(1)
أي ناقص الذراع الذي مر وصفه.
(2)
الله منصوب بنزع الخافض أي أسألك بالله هل سمعت هذا من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال نعم والله - ثلاث مرات ليؤكد ذلك للحاضرين ويظهر لهم تلك المعجزة الباهرة.
كلمة عن وقعة الجمل
(3)
هذه وأمثالها مبسوطة في كتب السير والتاريخ، ولكني مضطر إلى نقل ما في أصولنا منها كما حملناه على عاتقنا والله المستعان.
(4)
يحثان الناس على الخروج مع علي رضي الله عنه.
(5)
فالله تعالى ابتلاكم بها ليظهر منكم من يطيعها ومن يطيع الله تعالى، وإطاعته في إطاعة عبده ووليه على رضي الله عنه، وبيان هذا باختصار لما استشهد عثمان وتولى بعده على رضي الله عنهما وهو يعلم أن الثورة على عثمان كان سببها تولية أقاربه فعزلهم على رضي الله عنه عملا على رغبة المسلمين في الأقطار فتحركت عواطف بني أمية وأشاعوا في الناس أن القاتل لعثمان هو علي (أي أنه تراخى في نصرته وكان يمكنه ذلك مع أن عليًا عمل كل ما يمكنه في حفظ عثمان رضي الله عنه ولكن قدر الله غالب على كل شيء) =
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ لَمَّا بَلَغَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَارِسَ مَلَّكوا
ابْنَةَ كِسْرَى
(1)
، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوَا أَمْرَهمُ امْرَأَةً
(2)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(3)
.
قاَلَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكون فَتِيَّةً
…
تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
(4)
حتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا
…
وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
(5)
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ
…
مَكرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
(6)
= وألبوا عليه بعض الأصحاب فانضم لهم طلحة والزبير بعد مبايعتهما لعلي رضي الله عنهم وخطبت عائشة بمكة وحضت الناس على الأخذ بدم عثمان فاجتمع من أهل مكة والمدينة وما حولها ثلاثة آلاف مقاتل وساروا إلى البصرة لاستنفار الناس وعلى رأسهم عائشة على جمل اسمه عسكر اشتراه لها يعلى بن أمية بمائتي دينار فساروا حتَّى نزلوا بمياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت أي ماء هذا قالوا الحوأب فقالت إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب، وفي رواية: أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج حتَّى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة وتنجو بعد ما كادت، أي تهلك، وسمع بذلك على رضي الله عنه فخرج من المدينة ومعه تسعمائة راكب فرارًا من الفتنة وقصد الكوفة فسمع بجيش عائشة وراءه فاستنفر أهل الكوفة فخرج منهم طائفة معه والتقوا بجيش عائشة فكسروهم شر كسرة واستشهد طلحة إلى رحمة الله فوقف على جثته علي رضي الله عنه وصار يبكي لهذه الفتنة التي أخرجتهم من ديارهم إلى هلاكهم، وأما الزبير فإنه حين وقف الصفان ظهر على رضي الله عنه بينهما ونادى الزبير فجاءه فقال له: أستحلفك بالله أتذكر أني كنت أسير مع النَّبِيّ وقد قابلتنا فنظر لي ولك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم فسألته فقال تقاتله وأنت له ظالم قال نعم وسأرجع إلى وطني وفعلا. رجع ونام في طريقه تحت شجرة وعلق سيفه فجاء شخص فقطع رقبته وهو نائم ثم جاء لعلى وبشره فأنّبه علي وذمه وقال له بشر قاتل الزبير بالنار، وأما عائشة فإن جملها قد كسرت رجله وكادت تسقط على الأرض فأدركها علي رضي الله عنه وقال: حافظوا على أمكم وأكرموها وأمر بإرجاعها إلى وطنها بسلامة الله تعالى.
(1)
بعد موت أبيها.
(2)
فهم أبو بكرة أن جيش عائشة لن يفلح فلم يخرج معهم.
(3)
وسبق هذا في كتاب الإمارة.
(4)
تظهر أولا جميلة تغر الجاهلين.
(5)
فإذا اشتعلت نارها صارت كالعجوز لا يرغب فيها أحد.
(6)
شاب شعرها وتغير لونها فلا يشمها ولا يقبلها أحد لقبحها، هكذا الحرب في أولها محبوبة وفي آخرها مبغوضة؛ نسأل الله السلامة منها آمين.
الباب الرابع: في الذين ادعوا النبوة
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ
(2)
» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ ثَوْباَنَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثاَنَ وَإِنَّهُ سَيَكُون فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نِبيَّ بَعْدِي
(3)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(4)
.
مسيلمة والعنسي الكذابان
• عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِيَ مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ
(5)
فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثاَبِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ
(6)
وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(الباب الرابع في الذين ادعوا النبوة)
(1)
أي في عددهم.
(2)
دجالون: جمع دجال من الدجل وهو المكر والتلبيس والتمويه، وللإمام أحمد: سبعة وعشرون منهم أربعة نسوة كلهم يزعم أنه رسول الله. ولفظ أبي داود: لا تقوم الساعة حتَّى يخرج ثلاثون كذابا دجالا كلهم يكذب على الله وعلى رسوله. قال إبراهيم لعبيدة السلماني: أترى المختار الثقفي منهم؟ قال: إنه من الرءوس.
(3)
وحديث: قريب من ثلاثين لا ينافي حديث ثلاثون كذابون فإن هذا يجبر الكسر، أو أن الزائد على سبعة وعشرين لم يدعوا النبوة وإن كانوا دجالين، وقد وجد من هؤلاء خلق كثيرون في الأعصار وأهلكهم الله تعالى، منهم العنسي اليمني، ومسيلمة، وابن صياد. وهؤلاء ظهروا في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهلكوا، ومنهم المختار الثقفي والمسيح الدجال سيظهر ويهلك.
(4)
سبق هذا في الإخبار بالمتن؛ نسأل الله السلامة منها آمين.
مسيلمة والعنسي الكذابان
(5)
قدم مسيلمة مع ناس كثيرين من قومه بني حنيفة ونزل في المدينة في دار بنت الحارث بن كريز التي كانت تحته.
(6)
خطيب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ
(1)
وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ وَإِنِّي لَأَراكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ
(2)
وَهذَا ثاَبِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي» ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ أَباَ هُرَيْرَةَ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَناَ ناَئمٌ رأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُماَ فَنَفَختُهُماَ فَطَارَا فَأَوَّلْهُمُا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي
(3)
أَحَدُهُماَ الْعَنْسِيُّ وَالْاخَرُ مُسَيْلِمَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَناَ بَيْنَهُمَا صَاحِبُ صَنْعَاءَ وَصَاحِبُ الْيَماَمَةِ
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(5)
.
ذكر ابن صياد
(6)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ
(7)
وَقَدْ قاَرَبَ يَوْمَئِذٍ الُحُلَمْ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّي
(1)
لن تتجاوز حكم الله عليك.
(2)
وهو المنام الآني.
(3)
يظهران بعد ظهوري.
(4)
صاحب صنعاء اليمن: وهو الأسود العنسي الذي قتله فيروز الديلمي، وصاحب اليمامة: هو مسيلمة الكذاب الذي قتله وحشي الذي قتل حمزة رضي الله عنه وقال: لعل الله يغفر لي ما ارتكبته في قتل حمزة سيد الشهداء.
(5)
ولكن البخاري في وفد بني حنيفة وسبق هذا في كتاب الرؤيا.
وذكر ابن صياد
(6)
واسمه أيضًا صاف بن صائد ويقال: ابن صياد كشداد ولد بالمدينة وكان دجالًا كبيرًا وماكرًا عظيمًا، ولم يظهر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إن كان هو المسيح الدجال أو غيره ولكنه من أكبر الدجالين.
(7)
الأطم: البناء المرتفع والحصن. ومغالة: بطن من الأنصار أو حي من قضاعة.
رَسُولُ اللَّهِ»؟ فَنَظَرَ إِليْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ
(1)
ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
وَقَالُ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ثُمَّ قاَلَ لهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَاذَا تَرَى
(3)
قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ
(4)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ
(5)
» ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا
(6)
» فَقَالَ: هُوَ الدُّخُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ذَرْنِي ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقهُ فَقاَلَ لَهُ: إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكنُهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ
(7)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَانْطَلَقَ بَعْدَ ذلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهاَ ابْنُ صَيَّادٍ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّقِي بجُذُوعِ النَّخْلِ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ
(8)
وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشٍ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهاَ زَمْزَمَةٌ
(9)
فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِهِاَ: ياَ صَافِ هذَا مُحَمَّدٌ فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَهُ
(10)
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمِدينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ؟ فَقَالَ هُوَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رُسُولُ اللَّهِ؟ فقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ
(1)
أي العرب فقط ولست برسول إلى غيرهم كما زعمه اليهود.
(2)
تركه وسار معه حتَّى اعترف بكذبه.
(3)
من أخبار الغيب.
(4)
خبر بعضه صادق وبعضه كاذب أي ما أراه يصدق بعضه دون بعض.
(5)
أي هذا خبر مخلط فهو من شيطان.
(6)
وأضمر في نفسه {يوم تأتي السماء بدخان مبين} .
(7)
إن كان هذا هو المسيح الدجال فلا يمكنك قتله وإلا فلا خير لك في قتله.
(8)
صار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يتوارى في النخل فيخدع ابن صياد فيسمع منه شيئًا على حين غفلة منه.
(9)
صوت خفي لا يكاد يفهم.
(10)
أي ابن صياد.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ وَمَا تَرَى» ؟ قَالَ: أَرى صَادِقَيْنِ أَوْ كَاذِبَيْنِ وَصَادِقًا، فَقاَلَ: «لُيِس عَلَيْهِ دَعُوهُ
(1)
».
• وَعَنْهُ قاَلَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ فَنَزَلْناَ مَنْزِلًا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَناَ وَهُوَ فاَسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ
(2)
قَالَ: وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجرَةِ
(3)
فَفَعَلَ قَالَ: فَرُفِعَتْ لَناَ غَنَمٌ فاَنْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسَ فَقَالَ: اشْرَبْ أَباَ سَعِيدٍ فَقُلْتُ: إِنَّ الْحْرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنَ حَارٌّ مَا بِي إِلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ آخُذَ عَنْ يَدِهِ
(4)
فَقَالَ: ياَ أَباَ سَعِيد لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِيَ النَّاسُ
(5)
ياَ أَباَ سَعِيدٍ مَنْ خَفَيِ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا خَفَيِ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ
(6)
أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فِي الدَّجَّالِ) هُوَ كَافِرٌ وَأَناَ مُسْلِمٌ، أَوَ لَيْسَ قَدْ قاَلَ هُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ، أَوَ لَيْسَ قَدْ قاَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ
(7)
وَأَناَ أُرِيدُ مَكَّةَ، قاَلَ أَبُو سَعِيدٍ: حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ ثُمَّ قاَلَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ الْانَ، قاَلَ قُلْتُ لَهُ: تَبًّا لَكَ سَائرَ الْيَوْمِ
(8)
، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
أي يأتيني خبران صادقان وواحد كاذب، أو كاذبان وواحد صادق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتركوه فقد خلط عليه أمره من توالى الشياطين عليه.
(2)
وقع في نفسي خوف منه مما يشاع عليه أنه الدجال وهو يزعم أنه رسول الله.
(3)
أي متاعك.
(4)
فظهرت لنا غنم على بعد فجاء بقدح كبير فيه لبن فعرضه علي فأبيت وأظهرت له أن امتناعي لشدة الحر ولكني في الواقع كرهت اللبن من يده.
(5)
مما ينسبونه إلي.
(6)
أي إن خفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم على الناس فلا يخفى عليكم أيها الأنصار.
(7)
وفي رواية: وقد ولدت بالمدينة.
(8)
قال ابن صياد: والله إني لأعرف الدجال ومولده وأين هو الآن.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَمْشِي فَلَقِيَ ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طرُقِ الْمَدِينَةِ فَقاَلَ لَهُ قَوْلًا أَغْضَبَهُ فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ
(1)
فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا فَقاَلَتْ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَرَدْتَ مِنَ صَائِدٍ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّماَ يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهاَ
(2)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: لَقِيتُهُ مَرَّةً أُخْرَى وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُهُ
(3)
فَقُلْتُ: مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، قُلْتُ: لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ، قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ خَلَقَهَا فِي عَصَاكَ هذِهِ قَالَ: فَنَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ
(4)
، قَالَ: فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِي حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَأَنَا وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَدَّثْتُهاَ فَقَالَتْ: مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ إِنَّ أُوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
• عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم يَحْلِفُ باللَّهِ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ هُوَ الدَّجَّالُ، فَقُلْتُ: أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْهُ
(5)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، نسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالتَّوْفِيقَ آمِين.
(1)
كبر جسم ابن صائد حتَّى ملأ الطريق.
(2)
إنما يظهر للناس بسبب غضبة شديدة.
(3)
ورمت وارتفعت.
(4)
النخير: صوت الأنف من الحيوان وأظهره في الحمير.
(5)
وكان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال هو ابن صياد، رواه أبو داود، فظاهر هذه النصوص الأربعة أن ابن صياد هو المسيح الدجال، ولكن التحقيق أنه غيره فإن ابن صياد كان مسلمًا ظاهرًا والمسيح الدجال كافر، وابن صياد كان يدعي أنه رسول الله، والمسيح يدعي أنه إله العالمين، وابن صياد له أولاد، والدجال عقيم لا ولد له، وابن صياد من المدينة وكان يقيم بها ويحج بيت الله الحرام في مكة، والدجال ممنوع من دخول مكة والمدينة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
في ثقيف كذاب ومبير
(1)
• عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما مَصْلوبًا عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ
(2)
فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ وَكَرَّرَهَا ثَلَاثًا
(3)
، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هذَا وَكَرَّرَهَا ثَلَاثًا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ
(4)
أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ، ثُمَّ نَفَذَ ابْنُ عُمَرَ
(5)
فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ فَأُلْقِىَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكرٍ رضي الله عنهما فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ قَالَ فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيك حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي، قَالَ فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتَيَّ
(6)
فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا
(7)
فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِينِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ قَالَتْ: رَأَيْتُكُ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدْ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُوُلُ لَهُ يَا بْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَأَمَّا الْاخَرُ فَنِطاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ
(8)
أَمَا
في ثقيف كذاب ومبير
(1)
الكذاب: الدجال الخلاط، والمبير: المؤذي الجبار المهلك.
(2)
عبد الله بن الزبير بعد موت معاوية بايعه أهل الحجاز على الخلافة، وبايع يزيد بن معاوية. أهل الشام والعراق فلما قوي أمره أرسل جيشًا إلى المدينة ومكة وعلى رأسه الحجاج الثقفي فغلب عليهم وقتل ابن الزبير وصلبه على جذع نخلة في طريق الخارج من مكة إلى المدينة.
(3)
فيه استحباب تكرير السلام على الموتى.
(4)
كان ابن الزبير يصوم الدهر ويحيي الليل ويكثر من الإحسان وقراءة القرآن وربما قرأ القرآن في تهجده رضي الله عنه.
(5)
أي سار.
(6)
هاتو نعلى لألبسهما.
(7)
يتوذف: أي يسرع ويتبختر.
(8)
النطاق: ما تشده المرأة على وسطها فوق الثياب لئلا تعثر في ملابسها ولئلا تعوقها عن العمل، وأول ما اتخذه أم إسماعيل عليهما السلام.
إِن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا
(1)
فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْناهُ
(2)
وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلا إِيَّاهُ
(3)
قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
الباب الخامس: في الملاحم
(4)
غزو الترك والحبشة
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تقاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ
(6)
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ
(7)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ فِي الْجِهَادِ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ هُنَا وَالنَّسَائيِّ فِي الْجِهَادِ: «دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ
(8)
».
(1)
في ثقيف أي في بني ثقيف كذاب ومبير تريد أسماء رضي الله عنهما بهذا كسر أنف الحجاج وإذلاله ولذا قام وتركها.
(2)
وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي قد تنبأ وتبعه ناس حتَّى أهلكه الله تعالى.
(3)
وأما المبير فلا أظنه إلا أنت لكثرة إضراره بالناس وإهراقة الدماء. قال الترمذي: المبير الحجاج بن يوسف الثقفى فإنهم أحصوا من قتلهم صبرًا فكان عددهم مائة ألف وعشرين ألفًا فما بالك بغيرهم. نسأل الله الرحمة لنا ولهم وللمسلمين آمين.
الباب الخامس في الملاحم
(4)
الملاحم جمع ملحمة: وهي الموقعة العظيمة بين المسلمين والكفار، بخلاف الفتنه فبين المسلمين مع بعضهم.
(5)
الترك بنو قنطوراء: وهم جيل من الناس، والحبشة: جيل من السودان نسبة لحبش بن كوش بن حام بن نوح عليه السلام، في لونهم السواد ويسكنون في الأقطار الجنوبية حذاء اليمن يفصل بينهم بحر القلزم.
(6)
ذلف جمع أذلف: وهو قصير الأنف منبطحه، والمجان جمع مجن: وهو الترس، والمطرقة أي المجلدة طبقة فوق طبقة أي كان وجوههم في الاستدارة وكثرة لها بالمجان المطرقة، وهذا وصف لنوع من الترك وإلا فمعظمهم من أحسن الناس.
(7)
وفي رواية: يلبسون الشعر ويمشون في الشعر؛ أي يعملون من الشعر حبالا ويصنعون منها الملابس والنعال، أو أن شعورهم كثيفة طويلة إذا أسدلوها غطتهم كاللباس والنعال.
(8)
أما الحبشة ومن جاورهم في الجهة الجنوبية فليعد بلادهم ومشقة السفر إليها في فلوات ومهامه =
وَلِأَبِي دَاوُدَ: «اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ إِلا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ
(1)
».
غزو الهند والعجم
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَ الْهِنْدِ فَإِنْ أَدْرَكْتُها أُنْفِقُ فِيهَا نَفْسِي وَمَالِي وَإِنْ قُتِلْتُ كُنْتُ أَفْضَلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ
(2)
.
وَفِي رِوَايَةٍ: عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ: عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام، رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ فِي الْجِهَادِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَة حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَِرْمَانَ مِنَ الْأَعَاجِمِ
(3)
حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الْأُنُوفِ صِغَارَ الْأَعْيُنِ كَأَنْ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي النُّبُوَّةِ.
= وقفار مع قلة الماء، وأما الترك ومن جاورهم في الجهات الشمالية فلبعد بلادهم وتفرقها في الجزر والبحار وشدة البرد، وهذا بالنسبة للزمان الأول أما الآن فقد سهلت المواصلات في كل جهة فحكم هذه البلاد القريبة لا سيما إذا قاموا على المسلمين فقتالهم فرض عين.
(1)
سبق هذا في فضل الحرمين الشريفين والله أعلم.
غزو الهند والعجم
(2)
المحرر من رق الكفر إلى حرية الإسلام.
(3)
خوزا: بلاد الأهواز وتستر، وكرمان ما بين خراسان وبحر الهند، والمراد الممالك الشرقية كنيسابور، والسند، وبلاد ما وراء النهر، والهند، والصين ونحوها. وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحت هذه الممالك في صدر الإسلام بل معظمها في زمن الأصحاب الكرام رضي الله عنهم وجزاهم عن الإسلام وأهله خيرا. آمين.
قتال الروم وملجأ المسلمين الغوطة والبصرة
(1)
• عَنْ ذِي مِخْبَرٍ رضي الله عنه
(2)
وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْهُدْنَةِ
(3)
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ ثُمَّ تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجِ ذِي تُلُولٍ
(4)
» فَيَرْفَعُ رَجُل مِنْ أَهْلِ النصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ
(5)
فَعِنْدَ ذلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ وَيَثُورُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَسْلِحَتِهِمْ فَيَقْتَتِلُونَ فَيُكْرِمُ اللَّهُ تِلْكَ الْعِصَابَةَ بِالشَّهَادَةِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
(6)
.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ
(7)
إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائنِ الشامِ
(8)
.
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَةَ عِنْدَ نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ دِجْلَةُ يَكُونُ عَلَيْهِ جِسْرٌ يَكْثُرُ أَهْلُهَا وَتَكُونُ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ
(9)
» فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ جَاءَ بَنُو قَنْطُورَاءَ
(10)
عِرَاضُ الْوُجُوهِ صِغَارُ الْأَعْيُنِ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فَيَتَفَرَّقُ أَهْلُهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَالْبَرِّيَّةَ وَهَلَكُوا
(11)
وَفِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَفَرُوا
(12)
قتال الروم وملجأ المسلمين الغوطة والبصرة
(1)
الغوطة: بلد كثير المياه والأشجار بقرب دمشق، والبصرة: مدينة مشهورة على نهر دجلة بأرض العراق.
(2)
هو ابن أخي النجاشي وخادم النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
التي تكون بين المسلمين وبين الروم.
(4)
أي مكان واسع فيه تُلُول ونبات كثير.
(5)
يكسر الصليب.
(6)
بسند صحيح.
(7)
فحصن المسلمين العظيم يوم الملحمة العظمى الغوطة.
(8)
سميت دمشق لأن الذي بناها هو دمشاق بن نمرود بن كنعان وكان ممن آمن بإبراهيم عليه السلام.
(9)
وفي نسخة المهاجرين.
(10)
قنطوراء بالمد والقصر: اسم لأبي الترك، وقيل بنت من نسل إبراهيم عليه السلام فتزوجت بأحد أولاد يافث وجاء من نسلها الترك.
(11)
فهذه الفرقة تركت الجهاد واشتغلت بمواشيها في البرية حتَّى هلكت.
(12)
يأخذون الأمان من بني قنطوراء ونزلوا على حكمهم وكفروا.
وَفِرْقَةٌ يَجْعَلُونَ ذَرَارِيَّهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَهُمْ وَهُمُ الشُّهَدَاءُ
(1)
.
• عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلةُ إِلَى
قَصْعَتِهَا
(2)
»، فَقَالَ قائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ
(3)
وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهابَةَ مِنْكُمْ
(4)
وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوهْنُ؟ قالَ: حُبُّ الدُّنْيا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ
(5)
، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ أَبُو دَاوُدَ
(6)
.
مسجد العشار في الأبلة
(7)
• عَنْ صَالِحِ بْنِ دِرْهَمٍ رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقْنا حَاجِّينَ فَقابَلَنا رَجُلٌ فَقَالَ: إِلَى جَنْبِكُمْ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَها الْأُبُلَّةُ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قالَ: مَنْ يَضْمَنُ لِيَ مِنْكمْ أَنْ يُصَلِّي لِي فِي مَسْجِدِ الْعشَّارِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَيَقُولُ هذِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ
(8)
فَإِنِّي سَمِعْتُ خَلِيليِ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ مَسْجِدِ الْعَشَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهَدَاءَ لَا يَقُومُ مَعَ شُهَدَاءِ بَدْرٍ غَيْرُهُمْ
(9)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْشُرَنا مَعَهُمْ آمِين.
(1)
وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإن هذه وقعت كما أخبر الرسول الأمين في سنة 656 ست وخمسين وستمائة.
(2)
ستجتمع فرق الكفر ويدعو بعضهم بعضا لكسر شوكة المسلمين وسلب ما في أيديهم، وهذا واقع الآن.
(3)
غثاء السيل: ما يحمله من زبد وقذى ووسخ، فهذا لدناءة المسلمين وحقارتهم وقلة شجاعتهم.
(4)
أي الخوف منك لعدم تقوى الله تعالى.
(5)
الوهن كالوعد: الضعف، وسببه حب الدنيا وكرامة الموت.
(6)
بأسانيد صالحة. والله أعلم.
مسجد العشار في الأبلة
(7)
الأبلة كنبوة: بلد بقرب البصرة من جانبها البحري، ومسجد العشار مشهور يتبرك بالصلاة فيه.
(8)
المراد أنه يصلى ركعتين أو أكثر نفلا لله تعالى وبعد الصلاة يقول: اللهم اجعل ثواب ذلك لأبي هريرة ولا غرابة في هذا فللإنسان أن يعمل عملا صالحًا من صلاة وصدقة وقرآن ونحوها من صالحات النوافل ويجعل ثوابه لمن يشاء حيًا أو ميتًا.
(9)
قال أبو داود: هذا المسجد بقرب نهر الفرات. والله أعلم.
عمران بيت المقدس خراب يثرب
(1)
• عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابِ يَثْرِبَ وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَفَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ثُمَّ ضرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ ههُنَا أَوْ كَماَ أَنَّكَ قاَعِدٌ
(2)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(3)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى وَفَتْحُ الْقُسْطنْطِينِيَّةِ وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ ـ أَيِ الْعُظْمَى ـ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ وَيَخْرُجُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ
(5)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَالِحٍ.
فتح القسطنطينية
(6)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَة حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ
(7)
» فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا
عمران بيت المقدس خراب يثرب
(1)
عمران بيت المقدس بالرجال والعقار والأموال أي وقت عمرانه تخرب يثرب أي المدينة المنورة صلى الله على ساكنها وسلم.
(2)
وقيل المراد بعمران بيت المقدس أي بعد خرابه في آخر الزمان فإنه بعمره الكفار وتخرب يثرب، أو المراد بعمرانه ماله في العمارة.
(3)
بسند صالح.
(4)
بسند حسن وفي رواية للترمذي: فتح القسطنطينية مع قيام الساعة.
(5)
هذا إخبار عن ملاحم عظمى ستأتي في آخر الزمان كفتح المدينة أي القسطنطينية الذي سيأتي الكلام عليه إن شاء الله.
فتح القسطنطينية
(6)
هذا فتح آخر في آخر الزمان لأنَّهُ يعقبه ظهور الدجال.
(7)
الأعماق؛ موضع بطرف المدينة، ودابق: موضع سوق المدينة.
تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقاَتِلْهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقاَتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا
(1)
وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلَ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ
(2)
وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنِطينِيَّةَ
(3)
فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَان: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكمْ فِي أَهْلِيكمْ فَيَخْرُجُونَ وَذلِكَ باَطِلٌ
(4)
فَإِذَا جَاؤوا الشَّامَ خَرَجَ فَبَيْنَما هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّهُمْ
(5)
فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذوبُ الْمِلْحُ فِي الْماَءِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَا نذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ
(6)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلْ سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهاَ فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهاَ فِي الْبَحْرِ» قَالُوا: نَعَمْ ياَ رَسُولَ اللَّهِ
(7)
قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ
(8)
فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقاَتِلوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ قاَلوا: لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا الَّذِي فِي الْبَحْرِ ثمَّ يَقُولوا الثَّانِيَةَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيَسْقُطُ جَانِبُها الْاخَرُ ثُمَّ يَقُولوا الثَّالِثَةَ لَا إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيُفَرَّجُ لَهُمْ فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
(1)
فينهزم ثلث أي من المسلمين ولا تقبل توبتهم.
(2)
لصبرهم حتَّى استشهدوا.
(3)
وفي نسخة: فيفتحون قسطنطينية أي يطاردون الروم حتَّى يصلوا إليها ويدخلوها.
(4)
فيخرجون من القسطنطينية وذلك أي دخول المسيح في أهليهم باطل.
(5)
صلى بهم إمامًا أو أمَّ جماعة الدجال لإهلاكهم؛ والتحقيق أنه قصد جماعة المسلمين ليصلي معهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(6)
عدو الله الدجال، فيريهم أي يظهر عيسى عليه السلام للناس دم الدجال على حربته ليتحققوا من هلاكه.
(7)
هي القسطنطينية والله أعلم.
(8)
من أكراد الشام المسلمين، وقال بعضهم المعروف المشهور من بني إسماعيل وهو ما يدل عليه سياق الحديث لأن المراد لا تقوم الساعة حتَّى تفتحوا القسطنطينية.
الروح حينذاك كثير ولكن الغلبة للمسلمين
• عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ الْقُرَشِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعاَصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَئِنْ قُلْتَ ذلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا
(1)
إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ
(2)
وَأَسْرَعُهُمْ إِفاَقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ
(3)
وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ
(4)
وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِين وَضَعِيفٍ وَيَتِيمٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلوكِ
(5)
».
• عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ فَأَتَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ
(6)
عَلَيْهِمْ ثِياَبُ الصُّوفِ فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكَمَةٍ
(7)
فَإِنَّهُمْ لَقِيَامٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ، قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي ائْتِهِمْ فَقُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لا يَغْتَالُونَهُ ثُمَّ قَلْتُ لَعَلَّهُ نَجِيٌّ مَعَهُمْ
(8)
فَأَتَيْتُهُمْ فَقْمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كِلَماتٍ أَعُدُّهُنَّ فِي يَدِي، قَالَ: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثمَّ فاَرِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ
(9)
» ثمَّ تغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ
(10)
، قَالَ فَقَالَ نَافِعٌ: ياَ جَابِرُ لَا نُرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ
(11)
، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
الروم حينذاك كثير ولكن الغلبة للمسلمين
(1)
فيهم أي في الروم وهذا قول عمرو بن العاص.
(2)
أحلم الناس في الفتنة.
(3)
فإذا نكبوا قاموا وأفاقوا، وفي رواية: وأصبر الناس عند مصيبة.
(4)
أسرعهم رجوعا على عدوهم للانتصار منه.
(5)
فلا يقبلون منهم هضما وضيما، قال بعضهم وهذه كانت فيهم في الزمن الأول وإلا فهم الآن شر الناس، ولكن الواقع أن أظهر هذه الصفات فيهم فإنهم أم منظمة دون أهل المشرق.
(6)
مغرب المدينة.
(7)
أي مكان مرتفع.
(8)
أي يكلمهم سرا.
(9)
جزيرة العرب أي ما بقي منها، وفارس والروم فتحتا في زمن الأصحاب.
(10)
أي يهلكهـ.
(11)
وهذه كلها فتوحات ستكون قبل الدجال قاتله الله وحفظنا منه آمين.
الباب السادس: في علامات الساعة
(1)
• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ هكَذَا وَيُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فَيَمُدُّهُمَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطى
(2)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَتَى تَقُومُ السَّاعَة؟ وَعِنْدَهُ غُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَأَنْ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ يَعِشْ هذَا الْغُلَامُ فَعَسَى أَلا يُدْرِكهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعُة
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: ياَ لَيْتَنِي مَكَانَهُ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تضِئُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى
(6)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ
الباب السادس في علامات الساعة
(1)
في ذكر الأمارات التي تدل على قرب القيامة، وأما علمها بالتحديد فعند الله تعالى، قال الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} .
(2)
وللترمذي: بعثت في نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه هذه، أي كما سبقت الوسطى السبابة والمراد أن بين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبين الساعة زمنا يسيرا كما بين الأصبعين في الطول.
(3)
ولكن مسلم هنا والبخاري في الرقائق.
(4)
يحتمل أن المراد بالساعة ساعة السائل أي موته، ويحتمل أن هذا الغلام لا يبلغ الهرم ولا يعمر ولا يؤخر، والله أعلم.
(5)
لما يرى من عدم الدين ومن المحن والبلاء، ولمسلم: لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر وليس به إلا البلاء.
(6)
بصري كقربى: مدينة بالشام تسمى حوران على ثلاث مراحل من دمشق، وهذه النار غير التي تحشر الناس إلى المحشر، وحديث البخاري فيها: أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وغير النار اليمنية وحديثها هكذا "ستخرج نار من حضرموت أو من نحو حضر موت قبل يوم القيامة تحشر الناس قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال عليكم بالشام" رواه الترمذي بسند صحيح.
أَلْياَتُ نِسَاءِ دَوحسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ ـ وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ ـ
(1)
». رَوَاهُ الشيْخَانِ.
وَلِمُسْلِمٍ: لَا يَذهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالَتْ عَائِشَة: ياَ رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} أَنَّ ذلِكَ تاَمًّا
(2)
، قَالَ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمانٍ فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبائهِمْ
(3)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا
(4)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» ، قَالَ: فَيَجِئُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي مِثْلِ هذَا قُطِعَتْ يَدِي، وَيَجِئُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هذَا قَتَلْتُ، وَيَجِئُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هذَا قَطعْتُ رَحِمِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا
(5)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَا وَمُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ.
• عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتّاً بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ: مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقْعَاصِ الْغَنَمِ
(6)
ثُمَّ اسْتِفَاضَة الْماَلِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ
(1)
تبالة: موضع باليمن وليست تبالة التي يضرب بها المثل في قولهم: أهون عليه من تبالة؛ فإن هذه بالطائف.
(2)
أي ظهوره على كل الأديان دائمًا؛ قال سيكون حينًا كما يشاء الله.
(3)
فهذا أعم ما قبله.
(4)
وفي رواية: عن جبل من ذهب، والفرات نهر مشهور بالعراق، في آخر الزمن يظهر منه ذهب كثير. ولمسلم: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلّي أكون أنا الذي أنجو.
(5)
فالفرات ليس قيدا بل كل بقعة فيها كنوز ستظهرها للناس ولا يرغبون فيها لكثرة الفتن والهموم.
(6)
الموتان كبطلان: دود صغير يظهر في رءوس الغنم فيهلكها. وقيل كثرة الموت.
سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبْيَنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْناَ عَشَرَ أَلْفًا
(1)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْغَزْوِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَة حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ
(2)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّياَلِي حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ جَهْجَاهُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهاَرُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ جَهْجَاهٌ
(3)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِيلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ تَكُونُ بَيْنَهُماَ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتهُما وَاحِدَةٌ
(4)
» وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولَ اللَّهِ
(5)
وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ
(6)
وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ
(7)
وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْماَلُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْماَلِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا أَرَبَ لِي بِهِ
(8)
وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولَ ياَ لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهاَ فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ
(1)
بنو الأصفر: الروم، والغاية: العلم والراية.
(2)
قحطان: مدينة باليمن؛ فلا تقوم الساعة حتى يظهر رجل يتصرف في الناس كما يتصرف الراعي في المواشي ولعله الجهجاه الآتي.
(3)
فلا تذهب الدنيا حتى يتأمر على الناس رجل خسيس الأصل اسمه جهجاه.
(4)
الفئتان: عليّ وجماعته، ومعاوية وجماعته رضي الله عنهم كل منهما تدعو إلى الإسلام والحق، فمعاوية أظهر أنه يقاتل للأخذ بدم عثمان، وعلي رضي الله عنه للدفاع عن نفسه ولأنهم خرجوا عليه وهو الإمام الحق وكل مجتهد رضي الله عنهم.
(5)
سبق هذا.
(6)
بيوت أهله وهم العلماء العاملون.
(7)
وقد كثرت حتى قيل إنها وقعت واستمرت في بلد من بلاد الروم ثلاثة عشر شهرا.
(8)
ولعل هذا كالحديث السابق يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب يكون في زمن عيسى عليه السلام أو بعده بقليل.
آمَنُوا أَجْمَعُونَ فَذلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيماَنُهاَ لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيماَنِهاَ خَيْرًا وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُماَ بَيْنَهُماَ فَلَا يَتَبَايَعاَنِهِ وَلَا يَطْوِياَنِهِ
(1)
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ
(2)
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ
(3)
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطعَمُهَا
(4)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
• عَنْ حُذَيْفَةَ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ:«مَا تَذْكُرُونَ» ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ:«إِنَّهاَ لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهاَ عَشْرَ آياتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ
(5)
وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
(6)
وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ
(7)
وَآخِرُ ذلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ
(8)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
(1)
نشر الرجلان الثوب بينهما ليشتريه أحدهما فتقوم الساعة قبل ذلك، وللحاكم: تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع حتى تملأ السماء ثم ينادي مناد يا أيها الناس ثلاثًا يقول في الثالثة: أتى أمر الله قال: والذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب بينهما فما يطويانه حتى تقوم الساعة.
(2)
بلبن ناقته فلا يشربه وقد قامت الساعة.
(3)
وهو يليط أي يصلح حوضه بالطين ليسقي منه مواشيه فتقوم الساعة قبل سقيم.
(4)
أي تقوم قبل أن يضع لقمته في فمه أو قبل مضغها أو قبل ابتلاعها، والمراد من هذا كله أن الساعة تأتي فجأة، قال تعالى {لا تأتيكم إلا بغتة} .
(5)
المراد بالدخان ما يظهر قبل الساعة يأخذ بأنفاس الكافرين ويكون للمؤمنين كهيئة الزكام ويمكث في الأرض أربعين يوما، والدجال سيأتي ذكره، والدابة سبقت في تفسير سورة النمل.
(6)
خروج يأجوج ومأجوج وزول عيسى عليه السلام سيأتي قريبًا.
(7)
في كل جهة من هذه الثلاث يقع خسف على التوالي.
(8)
وفي رواية: وآخر ذلك تخرج نار من اليمن من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، ولفظ الترمذي: فتبيت معهم حيث باتوا وتقبل معهم حيث قالوا، وفي رواية: الآخر ريح تلقى الناس في البحر.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ ياَ مُسْلِمُ ياَ عَبْدَ اللَّهِ هذا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ
(1)
إِلا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ
(2)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَبْلُغُ الْمَسَاكِنُ إِهَابَ أَوْ يَهَابَ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يحاَصرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلَاحٌ
(4)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَماَ بَدَا غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَباَءِ
(5)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقاَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ
(6)
كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الْأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ
(7)
الْجَبَلِ إِنَّ الدِّينَ بَدَا غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَباَءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنتِي
(8)
».
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أُحَدِّثُكمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدِي قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ
(9)
وَيَفْشُوَ الزِّنَى وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ
(10)
وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ
(1)
ونطق الحجر والشجر لمسلم كرامة له ودليل على أن الإسلام دين الله المحبوب.
(2)
الغرقد: شجر معروف له شوك ينبت بأرض بيت المقدس وهناك مقتل اليهود والدجال، وإضافته إليهم لأدنى ملابسة.
(3)
إهاب: مكان على أميال من المدينة.
(4)
سلاح: مكان بأسفل خيبر، فالمسلمون سيحاصرون في المدينة ويفرون إليها لخراب البلاد الإسلامية وسيقلون حتى يكون أبعد ثغورهم سلاح.
(5)
فالإسلام بدأ غريبًا أي في قلة من أهله ومسكنة لهم وسيعود في آخر الزمان كما بدأ.
(6)
ليجتمع وينضم إليه.
(7)
الأروية: أنتى الوعول جمع وعل وهو التيس الجبلي.
(8)
الذين يرشدون الناس إلى العمل بالشريعة المحمدية.
(9)
رفع العلم بموت أهله وعدم من يخلفهم فيظهر الجهل.
(10)
وهذان واقعان الآن فقد كثر الزنا وشرب الخمر بل صارت محلات الخمر بإذن من الحكومة. نسأل الله السلامة آمين.
لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ
(1)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإِنْسَ وَحَتَّى تُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ زَشِرَاك نَعْلِهِ وَتخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهَلُهُ مِنْ بَعْدِهِ
(2)
». رَوَى هذِهِ الثَّلاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَوْمًا: «أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هذِهِ الشَّمْسُ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِنَّ هذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً فَلَا تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهاَ ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَة مِنْ مَطْلِعِهَا ثمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلَا تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يُقاَلَ لَهاَ ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهاَ شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهاَ ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ؟ ذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيماَنُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيماَنِهاَ خَيْرًا
(4)
»،
(1)
حتى يكون الرجل الواحد وليًا على خمسين امرأة، وروى البخاري هذه الكلمة في الزكاة بلفظ أربعين امرأة، ولا معارضة بينهما فإن المراد قلة الرجال وكثرة النساء لهلاك الرجال بالفتن.
(2)
فالناس في آخر الزمان تتغير حتى تنكر عليهم السباع والجمادات وجوارحهم، أو المراد في آخر الزمان يكرم الله المتمسك بالدين حتى تكلمه السباع وعلاقة سوطه وبعض جوارحه بما صنعت امرأته في غيبته كرامة لهم على تمسكهم بالدين الذي هو كالقبض على الجمر.
(3)
الثاني بسند صحيح والثالث بسند حسن وسبق الأول للشيخين في فضل المدينة صلى الله على ساكنها وسلم.
(4)
فالشمس كل يوم إذا غربت تخر ساجدة لله تحت العرش وتسبح الله تعالى حتى يأذن لها بالرجوع إلى مطلعها فتعود فتطلع منه فإذا جاء آخر الزمان وغربت وسجدت لله تعالى كعادتها أمرها بأن تعود فتطلع من مغربها فتعود فتطلع من المغرب وهذا حين إغلاق باب التوبة وحينئذ لا ينفع الكافر إيمانه ولا العاصي توبته، ولا غرابة في قوله: تخر ساجدة تحت العرش فإن الشمس وكل الكواكب في السموات، والسموات=
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(1)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْاياَتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهاَ وَخُرُوجُ الدَّابَةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيُّهُماَ مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا
(2)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَزَادَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ وَأَظُنُ أَوَّلَهُماَ خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهاَ.
وَلِمُسْلِمٍ فِي الْإِيماَنِ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ فَلَا تَدَعُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيماَنٍ إِلا قَبَضَتْهُ» ، وَلِلشَّيْخَيْنِ:«لَا تَقُومُ السَّاعةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ» .
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِالدُّنْياَ
لُكَعَ بَنْ لُكَعٍ
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
=والأفلاك التي فوقها كلهن تحت العرش فهو أعلى المخلوقات وإنما عبر بذلك لشدة قربها من الله حينئذ قرب خشوع وتذلل وهيبة، آمنا بالله وبكل ما أنزله علينا فهمناه أولا، قال تعالى {آمنا به كل من عند ربنا} .
(1)
ولكن مسلم في الإيمان والبخاري في التفسير.
(2)
فأول الآيات طلوع الشمس وخروج الدابة أي الآيات غير المألوفة، وإلا فبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ونزول عيسى عليه السلام، وظهور المسيح الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج قبل هذين.
(3)
وفي رواية: لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله، الله.
(4)
اللكع بضم فتح أصله اللئيم، والمراد هنا الكافر، فالمسلمون يموتون قبل الساعة بتلك الريح اليمنية على فرشهم رحمة وتكريمًا لهم ولا يبقى إلا الكفار وعليهم تقوم الساعة.
{تنبيه} : قد أجهدت نفسي كثيرا في علامات الساعة لكي أعثر فيها على ما يفيد ترتيبها في الوقوع الخارجي فأسطرها بحسبه ولكني لم أفز بذلك إلا أن أولها مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وآخرها خروج الدابة فموت المسلمين بالريح اليمنية. والله أعلم وعلمه أتم وأكمل.
فضل العبادة في آخر الزمان
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى أُنَاسٍ جُلوسٍ فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ قَالَ فَسَكَتُوا فَقَالَ ذلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» فَقَالَ رَجُلٌ: بَلَى ياَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبِرْناَ بِخَيْرِناَ مِنْ شَرِّناَ قَالَ: «خَيْرُكم مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ» .
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النِّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ
(1)
، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَك
(4)
ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ بِعُشْر مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا
(5)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ
(6)
، نَسْأَلُ اللَّهَ الْأَمْنَ فِي الْغُرْبَةِ آمِين.
فضل العبادة في آخر الزمان
(1)
المتمسك بدينه في آخر الزمان كالقابض على النار.
(2)
الثاني بسند غريب والأول بسند صحيح.
(3)
الهرج: كثرة الفتن والقتل.
(4)
لكثرة العلم ونور النبوة وأهل الخير والدين حينذاك.
(5)
لكثرة الفتن وأهل الشرور فيكفي قليل الدين.
(6)
ولكن يؤيده ما سبق في تفسير: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} في تفسير المائدة من قوله صلى الله عليه وسلم: سيأتي زمان للعامل فيه مثل أجر خمسين منكم، نسأل الله التوفيق آمين.
حلول الخسف والمسخ وأنواع البلاء بكثرة العصيان
(1)
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ هذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ» ، قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالْحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخَبَثُ
(2)
.
• عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي هذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقذْفٌ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: «إِذَا ظَهَرَتِ الْفَيْنَاتُ وَالْمَعاَزِفُ وَشُرِبَت الْخُمُورُ
(3)
».
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بهاَ الْبلَاءُ» ، فَقِيلَ: وَمَا هُنَّ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمغْنَمُ دُوَلًا
(4)
وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا
(5)
وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ
(6)
وَعَقَّ أُمَّهُ وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَباَهُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ زَعَيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَة شَرِّهِ وَشُرِبتِ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاتُّخِذَتِ القَيْنَاتُ والْمَعَازِفُ وَلَعَنَ آخِرُ هذِهِ
حلول الخسف والمسخ وأنواع البلاء بكثرة العصيان
(1)
الخسف: هو انكساف الأرض بمن عليها، قال الله تعالى {فخسفنا به} بقارون {وبداره الأرض} وهذا واقع الآن كثيرًا ولا سيما في الجهات الشمالية ويسمونه بانفجار البراكين، والمسخ: تحويل صورة الإنسان إلى صورة القردة والخنازير، قال تعالى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} فإذا تمادت الأمة في طغيانها حل بها أنواع البلاء، قال الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} .
(2)
القذف:
الرمي بالحجارة، قال تعالى {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} .
(3)
القينات: المغنيات، والمعازف: آلات اللهو، فإذا كثرت هذه الأمور في الأمة ونسيت الله تعالى نزل بها أنواع البلاء.
(4)
أي إذا صار مال الدولة لقوم دون غيرهم.
(5)
والأمانة منها أي عدها الذي هي تحت يده غنيمة فخانها وأكلها، والزكاة مغرما أي عدها صاحب المال غرامة فلم يخرجها، زاد في رواية: وتعلم لغير الدين.
(6)
أي في كل شيء وهذا هو المذموم لأنه يصير إمعة ومأمومًا لها؛ وفي الحديث: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، بخلاف ترك المرأة تدبر أمر بيتها كما تشاء فلا شيء فيه.
الْأُمَّةِ أَوْلَهاَ فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ أَوْ خَسْفًا أَوْ مَسْخًا
(1)
».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَشَتْ أُمْتِي الْمُطَيْطَا وَخَدَمَهَا أَبْناَءُ الْمُلُوكِ أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ سُلِّطَ شِرَارُهَا عَلَى خِيَارِهَا
(2)
»، رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «ياَ أَنَسُ إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا
(4)
وَإِنَّ مِصْرًا مِنْهاَ يُقَالُ لَهاَ الْبَصْرَةُ أَوِ الْبُصَيْرَةُ فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِهاَ أَوْ دَخَلْتَهَا
(5)
فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكِلَاءَهَا وَسوقَهَا وَباَبَ أُمَرَائهَا
(6)
وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهاَ خَسْفٌ وَقَذفٌ وَرَجْفٌ
(7)
وَقَوْمٌ يَبُيتُونَ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَلَاحِمِ
(9)
.
(1)
ولعل الريح الحمراء هي الريح التي أهلكت عادًا في قوله تعالى {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)} وهذه الخصال كلها في الأمة الآن والخسف نسمع به من آن لآخر، والعذاب واقع فيها بالقحط في بعض الجهات والفتنة الطاحنة فيها كلها {وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} .
(2)
المطيطا بالقصر والتصغير: مشية فيها تبختر وهذه من المصغرات التي لم نسمع لها مكبر، فإذا مشت الأمة متبخترة كمشي نسائنا وشباننا الآن واستخدمت أبناء فارس والروم (كالكمريرات) التي عندنا الآن ارتفعت شرارها على خيارها فأذلوهم. نسأل الله السلامة آمين.
(3)
بأسانيد غريبة.
(4)
يتخذون أمصارا.
(5)
أو للتنويع لا للشك.
(6)
السباخ: جمع سبخة وهي الأرض ذات الملح، وكلاء ككتاب: موضع بالبصرة.
(7)
القذف: ريح شديدة، أو رمي بالحجارة، والرجفة: الزلزلة الشديدة.
(8)
لكثرة طغيانهم كما سبق أو لتكذيبهم بالقدر كما قاله بعضهم.
(9)
بسند رجاله رجال الصحيح والله أعلى وأعلم.
الباب السابع في الخليفة المهدي رضي الله عنه
(1)
• عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ رضي الله عنهم وَأَنَا مَعَهُماَ عَلَى أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها وَسَأَلَاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يَخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيْبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ
(2)
فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ» فَقُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا
(3)
قَالَ: «يَخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلكِنْهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفُوَانَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهذَا الجيْشِ الْاتِي لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ
(4)
، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةَ
(5)
.
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَكُون اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ
(6)
فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ فَيُباَيِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ فَيُخْسفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ
الباب السابع في الخليفة المهدي رضي الله عنه
(1)
اشتهر بين العلماء سلفًا وخلفًا أنه في آخر الزمان لابد من ظهور رجل من أهل البيت يسمى المهدي يستولى على الممالك الإسلامية ويتبعه المسلمون ويعدل بينهم ويؤيد الدين، وبعده يظهر الدجال وينزل عيسى عليه السلام فيقتله أو يتعاون عيسى مع الهدى على قتله، وقد روي أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة وخرجها أكابر المحدثين كأبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والطبراني، وأبي يعلى، والبزار، والإمام أحمد، والحاكم رضي الله عنهم أجمعين، ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدي كلها كابن خلدون وغيره؛ وما روي من حديث: لا مهدي إلا عيسى بن مريم. فضعيف كما قاله البيهقي والحاكم وغيرها.
(2)
يتحصن بالكعبة رجل فيأتيه جيش لقتاله.
(3)
لهذا الجيش.
(4)
حقًّا ليس هو هذا الجيش لأنه لم يخسف به وما سمعنا بجيش خسف به للآن ولو وقع لاشتهر أمره كأصحاب الفيل.
(5)
في كتاب الفتن إلا أبا داود فإنه رواه في كتاب المهدى جزمًا منه بأن هذا الجيش الذي يخسف به هو الذي يأتي لقتال المهدي رضي الله عنه ويؤيد هذا ما بعده.
(6)
رجل هو المهدي يهرب إلى مكة كراهة في الإمارة والخلافة.
بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينةِ
(1)
فَإِذَا رأَى النَّاسُ ذلِكَ أَتاَهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ
(2)
» ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُريْشٍ أُخْوَالهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ
(3)
فَيَقْسِمُ الْماَلَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم وَيُلْقِى الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ
(4)
فيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
.
• عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَلا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْناَ: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: الْعَجَمُ يَمْنَعُونَ ذَاكَ
(6)
، ثُمَّ قاَلَ: يُوشِكْ أَهْلُ الشَّامِ أَلا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْىٌ قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً
(7)
ثُمَّ قاَلَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا لَا يَعُدُّهُ عَدًّا
(8)
»، قُلْتُ لِأَبِي نَضْرَةَ: أَتَرَى أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ قَالَ: لَا.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ خُلَفائِكُمْ خَلِيفَةٌ يَحْثُو الْماَلَ حَثْيًا لَا يَعْدُّهُ عَدّاً
(9)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ قَالَ: خَشِينَا أَنْ يكُونَ بَعْدَ نَبِّينَا حَدَثٌ فَسَأَلْنَا نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي
(1)
يأتي لقتاله جيش من الشام فيخسف به بالبيداء (أرض واسعة ملساء).
(2)
عصائب أهل العراق: خيارهم، وأبدال الشام: أولياؤه وعباده، ولأحمد بسند صحيح: الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا.
(3)
فيظهر رجل قرشي فيستعين بأخواله بني كلب فيجيشون جيشا لقتال المهدي فينتصر المهدي عليهم ويضم جيشه من بني كلب مالا عظيما.
(4)
فيقسم المهدي بالعدل ويعمل بالشرع بين الناس ويحثهم عليه حتى لا يكون العمل إلا بالكتاب والسنة، يقال ضرب الحق بجرانه أي قرّ أمره واستقام، وضرب البعير بجرانه: مد عنقه على الأرض ليستريح.
(5)
بسند رجاله رجال الصحيح.
(6)
إليهم أي منهم.
(7)
ثم سكت جابر زمنا يسيرا.
(8)
أي يعطى مالا كثيرا من غير عد ولا وزن.
(9)
هذا هو المهدي رضي الله عنه بدليل الحديث الآتي وذلك لكثرة الغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه وبذله الخير لكل الناس.
الْمَهْدِيَّ يَخْرُجُ يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا
(1)
»، قَالَ قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: «سِنِينَ، قَالَ: فَيَجِئُ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ ياَ مَهْدِيُّ أَعْطِنِي قَالَ: فيَحْثِى لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلًا مِنِّي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلَمًا وَجَوْرًا
(3)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَهْدِيُّ مِنَّي أَجَلَى الْجَبْهَةِ
(5)
أَقْنَى الْأَنْفِ
(6)
يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظلْمًا وَجَوْرًا وَيَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ
(7)
».
• عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ
(8)
»، رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ
(9)
.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه قَالَ وَقَدْ نَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ: إِنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسُمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ فِي الْخُلقِ وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ
(10)
.
(1)
الشك من أحد الرواة، وأقربها سبع سنين لحديث أم سلمة السابق وحديث أبي سعيد الآتي.
(2)
بسند حسن.
(3)
فالمهدى اسمه محمد واسم أبيه عبد الله، وفي رواية: لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.
(4)
بسند صحيح.
(5)
منحسر الشعر عن مقدم رأسه.
(6)
طويله مع حدب وسطه ودقة أرنبته.
(7)
وفي رواية: أو تسعًا؛ وفي أخرى: يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة.
(8)
فهو من نسل عليّ وابنه الحسن رضي الله عنهما، وحديث: المهدى من ولد العباس عمي. غريب وضعيف جدا.
(9)
بسندين صحيحين.
(10)
الرجل هو المهدى الذي يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في الأفعال والأخلاق ولا يشبهه في كل الصورة، فللروياني وأبي نعيم والديلمي والطبراني "المهدى رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري، اللون عربي والجسم إسرائيلي (فيه طول) يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض"، وللطبراني: يلتفت المهدى وقد نزل عيسى بن مريم عليه السلام كأنه يقطر من شعره الماء فيقول له المهدي: تقدم صل بالناس؛ فيقول: إنما أقيمت لك الصلاة؛ فيصلي خلف رجل من ولدي: وهو المهدي رضي الله عنه.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ
(1)
» يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ حَرَّاثٍ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ مَنْصُورٌ يُوَطِّئُ أَوْ يُمَكِّنُ لِالِ مُحَمَّدٍ
(2)
كَمَا مَكَّنَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نَصْرُهُ أَوْ إِجَابَتُهُ
(3)
، رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ، وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
لا تزال طائفة على الحق إلى قرب الساعة
• عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلهُمْ حتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَمُسْلِمٌ
(5)
.
وَزَادَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعالَ صَلِّ لَناَ فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ
(6)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكَمْ مَنْصُورُونَ وَمُصِيبُونَ وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ
(7)
فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِياَرَكُمْ وَأَغْنِياَؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأُمُورُكمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكمْ مِنْ بَطْنِهَا
(8)
»
(1)
من البلاد التي وراء النهر كبخاري وسمرقند.
(2)
أو الشك.
(3)
في آخر الزمان سيخرج رجل صالح من وراء النهر اسمه الحارث معه جيش عظيم يقوده رجل عظيم اسمه منصور يهيئ ذلك الرجل لذرية محمد أي يعد الجيش والذخائر والأموال لنصر خليفة يظهر أنه المهدي كما هيأ الأصحاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويجب على كل مؤمن أن ينصر ذلك الجيش وهذا الخليفة فإنهما على الحق والله أعلم.
لا تزال طائفة على الحق إلى قرب الساعة
(4)
إلى قرب قيام الساعة ومن هؤلاء المهدي رضي الله عنه.
(5)
الترمذي هنا وأبو داود في الجهاد ومسلم في الإيمان.
(6)
إكرام الله لهذه الأمة وأميرهم هو المهدي حينذاك.
(7)
مع أئمة الحق والعدل والهدي.
(8)
فالحياة خير لكم من الممات.
وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِياَؤُكُمْ بخَلَاءَكمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(1)
، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الدجال الآن في جزيرة موثق بالحديد
(2)
• عَنْ فاَطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ
(3)
رضي الله عنه قَالَتْ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلي ظَهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: «لِيَلْزَمْ كلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاهُ
(4)
» ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ لَمِ جَمَعْتُكمْ» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعْتُكمْ لَأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ أَرْفَأُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ
(5)
حِينَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ
(6)
السَّفَينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ
(7)
فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ: أَناَ الجَسَّاسَةُ
(8)
قاَلُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ قاَلَتْ: أَيُّهاَ الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هذَا الرَّجُلِ
(1)
الثاني بسند غريب والأول بسند صحيح.
الدجال الآن في جزيرة وهو موثق بالحديد
(2)
سيأتي وصفه في صلب الأحاديث بما فيه الكفاية.
(3)
وكانت من المهاجرات الأول وزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد بعد ما تأيمت من زوجها الأول.
(4)
امكثوا كما أنتم.
(5)
التجأوا إليها.
(6)
أقرب: جمع قارب وهو سفينة صغيرة تكون بجوار الكبيرة يركبونها في قضاء حوائجهم، وهذا جمع سماعي وإلا فالقياس قوارب.
(7)
بيان لأهلب.
(8)
سميت جساسة لتجسسها الأخبار للدجال، وقيل إنها التي تخرج في آخر الزمان في قوله تعالى {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)} .
فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ قَالَ: فَلَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً
(1)
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ
(2)
، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي
(3)
فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ، قَالُوا: نَحْنُ أُناَسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ
(4)
فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفأَنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هذِهِ فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ فَقُلْنَا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ قُلْنَا وَمَا الُجَسَّاسَة قَالَتِ اعْمِدُوا إِلَى هذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكمْ بِالْأَشْوَاقِ فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بِيْسَانَ
(5)
، قُلْناَ: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلناَ لَهُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ
أَلْا يُثْمِرَ
(6)
، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ
(7)
، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَال: هَلْ فِيهاَ مَاءٌ؟ قَالوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ
(8)
، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ
(9)
، قَالوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعْينِ مَاءٌ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْناَ لَهُ: نَعَمْ
(1)
فرقنا أي خفنا.
(2)
يداه موثقتان في عنقه بالحديد ورجلاه من ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.
(3)
أي وصلتم إلى هنا.
(4)
هاج وجاوز حده.
(5)
بيسان: قرية بالشام ذات نخيل.
(6)
أي في آخر الزمان.
(7)
وفي رواية: بحيرة طبرية وهي بحر صغير معروف بالشام وطبرية: قصبة الأردن؛ ومنها الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المحدث المشهور رضي الله عنه.
(8)
عن قريب ينضب ماؤها ويذهب في آخر الزمان.
(9)
زغر كعمر: بلد معروف بالجانب القبلي من الشام.
هِيَ كَثِيرَةُ الْماَءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائهَا، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمْيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ
(1)
، قاَلَ: أَقاَتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَليهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ: قَدْ كَانَ ذلِكَ
(2)
؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ. وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ
(3)
وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرُ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعُ قَرْيَّةً إِلا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتاَهُمَا كُلَّما أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا
(4)
يَصُدُّنِي عَنْهَا وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرِّسُونَهَا
(5)
، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ: «هذِهِ طَيْبةُ هذِهِ طَيْبةُ هذِهِ طَيْبَةُ يَعْنِي الْمَدِينَةَ
(6)
أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذلِكَ
(7)
، فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أَحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ» ثُمَّ قاَلَ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ
(8)
لَا بَل مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ
(9)
»، قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: حَدَّثَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ فِلِسْطِينَ رَكِبُوا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَجَالَتْ بِهِمْ حَتَّى قَذَفَتْهُمْ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائرِ الْبَحْرِ
(1)
نبي الأميين هو محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي صلى الله عليه وسلم.
(2)
قاتلهم وانتصر عليهم.
(3)
أي الدجال.
(4)
خارجًا من غمده.
(5)
نقب أي طريق.
(6)
قالت: أي فاطمة بنت قيس وطعن النبي صلى الله عليه وسلم بمخصرته - كمكنسة - ما يتكأ عليها كعصا.
(7)
هل: أي قد.
(8)
هذا رد ونفي لفهم تميم وصحبه أن الجزيرة جهة مغرب الشمس.
(9)
هذا كله تأكيد بأن الجزيرة جهة المشرق وأن الدجال حتما سيخرج من المشرق والله أعلم.
فَإِذَا هُمْ بِدَابَّةٍ لَبَّاسَةٍ ناَشِرَةٍ شَعْرَهَا
(1)
، فَقَالُوا: مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: فَأَخْبِرِينَا، قَالَتْ: لَا أُخْبِرُكُمْ وَلَا أَسْتَخْبِرُكُمْ وَلكِنِ ائْتُوا أَقْصَى الْقَرْيَةِ فَإِنَّ ثَمَّ مَنْ يُخْبِرُكُمْ وَيَسْتَخْبِرُكمْ فَأَتَيْنَا أَقْصَى الْقَرْيَةِ
(2)
فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ بِسِلْسِلَةٍ فَقَالَ: أَخبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ، قُلْناَ: مَلْأَى تَدَفَّقُ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنِ الْبُحَيْرَةِ، قُلْناَ: مَلْأَى تَدَفَّقُ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ النَّبِيِّ هَلْ بُعِثَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أُخْبِرُونِي كَيْفَ النَّاسُ إِليْهِ، قُلْنَا: سِرَاعٌ
(3)
، قَالَ: فَنَزَا نَزْوَةً حَتَّى كَادَ
(4)
، قُلْنَا: فَمَا أَنْتَ؟ قَالَ إِنَّهُ الدَّجَّالُ وَإِنهُ يَدْخُلُ الْأَمْصَارَ كُلَّهَا إِلا طَيْبَةَ، وَطَيْبَة الْمَدِينَة
(5)
، صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَاكِنِهَا وَسَلَّمَ.
يظهر الدجال من المشرق فيتبعه ناس كثيرون
• عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبِهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّياَلِسَةُ
(6)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمشْرِقِ يُقاَلُ لَهَا خُرَاسَانَ يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ
(7)
».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لَا يَرُدُّهَا شَىْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيِيَاءَ
(8)
»، رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ
(9)
.
(1)
لباسة على من رآها فلا يدري ما هي.
(2)
لا ينافي ما سبق لاحتمال أن الدير في أقصى القرية.
(3)
إليه أي أسرعوا في إجابته.
(4)
وثب وغضب حتى كاد يخرج من وثاقه.
(5)
وكذا لا يدخل مكة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والله أعلى.
يظهر الدجال من المشرق فيتبعه ناس كثيرون
(6)
أصبهان بالباء والفاء وبفتح الهمزة وكسرها: بلد معروف من بلاد الأرفاض، والطيالسة: جمع طيلسان وهو ثوب معروف.
(7)
خراسان وأصبهان: بلدان مشهوران بالممالك الشرقية في بلاد العجم شرقي الخليج الفارسي بحذاء المدينة تماما ولكن خراسان أبعد فهي بقرب بلاد ما وراء النهر.
(8)
الظاهر أن هذه رايات الدجال قاتله الله.
(9)
الثاني بسند غريب والأول بسند حسن.
• عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجّالِ فِي الجِبَالِ قاَلَتْ أُمُّ شَرِيكٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ» قَالَ: هُمْ قَلِيلٌ
(1)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
أوصاف المسيح الدجال الذي هو أكبر فتنة
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيَ إِلا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» .
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيَ إِلا أَنْذَرَ أُمْتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر أَيْ كَافِرٌ يَقْرَأُهَ كُلُّ مُسْلِمٍ
(2)
»، رَوَاهُمَا الْأَرْبَعَةُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَناَ نَائمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً
(3)
» قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قاَلُوا: ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ
جَعْدُ الرَّأْسِ
(4)
أَعْوَرُ الْعَيْنِ كَأَنْ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ
(5)
قاَلُوا: هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ
(6)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(7)
.
(1)
فأول ظهور الدجال من تلك البقاع الشرقية ثم يتوجه إلى جزيرة العرب ثم يقصد مكة والمدينة ثم تحوله الملائكة إلى فلسطين ثم يهلك ببلد يسمى لدًّا والله أعلم.
أوصاف المسيح الدجال الذي هو أكبر فتنة
أظهر أوصاف الدجال أنه أفحج الرجلين معيب العينين مكتوب بين عينيه كافر والله تعالى ليس كذلك ولا يرى في الدنيا فضلا عن هذا فليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
(2)
الأعور الكذاب: هو المسيح الدجال، وفي رواية: يقرأه كل من كره عمله.
(3)
آدم أسمر، سبط الشعر: مسترسله يقطر الماء من رأسه.
(4)
أحمر اللون شعر رأسه أجعد كشعر الحبشة.
(5)
أعور العين اليمنى كأنها حبة عنب بارزة لرواية أخرى للبخاري: أعور عين اليمنى، وللترمذي: إن الدجال أعور عينه اليمنى كأنها عنبة طافية.
(6)
ابن قطن اسمه عبد العزى مات في الجاهلية.
(7)
البخاري هنا ومسلم في الإيمان.
وَلِمُسْلِمٍ: الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى
(1)
جُفاَلُ الشَّعَرِ
(2)
مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ ناَرٌ
(3)
.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ
(4)
جَعْدٌ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِناَتِئَةٍ وَلَا جَحْرَاءَ
(5)
فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ.
• عَنِ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه قَالَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّجَّالِ مَا سَأَلْتُهُ وَإِنَّهُ قاَلَ لِي: «مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ» ، قُلْتُ: لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهَرَ مَاءٍ، قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذلِكَ
(6)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَأَنَا أَعْلَمُ بِماَ مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهَرَانِ يَجْرِيَانِ أَحَدُهُمَا رأْىَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ
(7)
وَالْاخَرُ رَأْىَ الْعَيْنِ ناَرٌ تَأَجَّجُ
(8)
فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهَرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاءٌ باَرِدٌ
(9)
وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ عَلَيْهاَ ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ
(10)
» مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَأْهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَناَرًا فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً فَنَارٌ تُحْرِقُ وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ نَارًا فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ» ، رَوَاهُمَا الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَصَفَ لَناَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ سَيْدْرِكُهُ مَنْ قَدْ رَآنِي أَوْ سَمِعَ كَلَامِي
(1)
فهي معيبة أيضا.
(2)
أي كثيره.
(3)
في الواقع ونفس الأمر.
(4)
منفرج الرجلين في المشي.
(5)
ليست مرتفعة ولا غوراء وهذه هي اليسرى فهو خاسر العينين.
(6)
هو أهون على الله من أن يجعل ذلك آية على صدقه لا سيما وفيه آية ظاهرة على كذبه وهي العور والله تعالى منزه عن ذلك بل برؤيته يزداد المؤمنون إيمانًا كما يأتي فيمن يقتله.
(7)
رأي العين أي في رأي العين.
(8)
أي تشتعل.
(9)
وفي نسخة: فأما أدركه أحد.
(10)
أي جلدة تغشى البصر، وقوله: ممسوح العين أي اليسرى ولهذا سمي المسيح الدجال.
قَالوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ قلوبُنَا يَوْمَئِذٍ أَمِثْلَهَا الْيَوْمَ؟ قَالَ: أَوْ خَيْرٌ
(1)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَمُسْلِمٍ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرأُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأْ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِماَ يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ
(2)
.
• عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ وَأَبِي قَتاَدَةَ رضي الله عنهما قَالُوا: كُنَّا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ فَنَأْتِي عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ فَقَالَ ذَاتَ يَوْم
(3)
: إِنَّكمْ لَتُجَاوِزُونِي إِلَى رِجَالٍ مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي وَلَا أَعْلَمَ بِحَدِيثِهِ مِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا بَيْنَ خَلْقُ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَمْكُثُ أَبُو الدَّجَّالِ وَأُمُّهُ ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَهُمَا وَلَدٌ ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَعْوَرُ أَضَرُّ شَيْءٍ وَأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً، تَناَمُ عَيْناَهُ وَلَا يَناَمُ قَلْبُهُ» ، ثُمَّ نَعَتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ فَقَالَ: «أَبُوهُ طوَالٌ ضَرْبُ اللَّحْمِ كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ
(5)
وَأُمُّهُ فِرْضَاحِيَّةٌ طَوِيلَةُ الْيَدَيْنِ
(6)
» فَقَالَ أَبُو بَكْرَةً فَسَمِعْنَا بِمَوْلُودٍ فِي الْيَهُوِدِ بِالْمَدِينَةِ فَذَهَبْتُ أَناَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ حَتَّى دخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ فَإِذَا نَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا فَقُلْنَا: هَلْ لَكُمَا وَلَدٌ فَقَالَا: مَكَثْنَا ثَلَاثِينَ عَامًا لا يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ ثُمَّ وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ أَضَرُّ شَيْءٍ وَأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً، تَنَامُ
(1)
أي بل خير وهذا لفريق كامل الإيمان، ولفظ الترمذي: قال مثلها أو خير.
(2)
فمن سمع بالدجال فليبتعد عنه فإن بعض الناس إذا رآه افتتن به مما يحيط به من الشبهات، والضلالات، وأثر السحر، والشعبذة كنار وجنة. وقتل بعض الناس وإحيائه وغير ذلك؛ نسأل الله السلامة آمين.
(3)
قال أي هشام بن عامر يعترض عليهما في مجاوزته إلى عمران بن حصين رضي الله عنهم.
(4)
فليس بين آدم وقيام الساعة فتنة أعظم من الدجال قاتله الله.
(5)
طويل الجسم مملوءه عظيم الأنف.
(6)
طويلة اليدين فرضاحية أي ضخمة.
عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ قَالَ: فَخَرَجْناَ مِنْ عِنْدِهِمَا فَإِذَا هُوَ مُنْجَدِلٌ فِي الشَّمْسِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ
(1)
وَلَهُ هَمْهَمَةٌ فَكَشَفَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ: مَا قُلْتُما قُلْنَا: وَهَلْ سَمِعْتَ مَا قُلْنَا قَالَ: نَعَمْ تَنَامُ عَيْناَيَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي
(2)
، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ آمِين.
الدجال يدخل كل بلد إلا مكة والمدينة
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلا سَيَطَؤْهُ الدَّجَّالُ إِلا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلا عَلَيْهِ الْملَائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا
(4)
فَيَنْزِلُ بِالسَّبْخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهاَ كُلُّ كَافِرٍ
وَمُناَفِق
(5)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: «يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقاَبَ الْمَدِينَةِ فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْر النَّاسِ
(6)
فَيَقُولُ لَهُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ
(7)
فَيَقُولُونَ: لَا،
(1)
منجدل في الشمس: مطروح فيها، وعليه ثوب قطيفة، وله همهمة أي صوت غير مفهوم.
(2)
وهذا لا ينافي خبر تميم الداري أنه في جزيرة لاحتمال انتقاله من المدينة إلى الدير في تلك الجزيرة.
(3)
في ذكر ابن صياد بسند حسن.
الدجال يدخل كل بلد إلا مكة والمدينة
(4)
الأنقاب والنقاب: جمع نقب وهو الطريق وأصله الطريق بين جبلين، والمراد هنا طرق مكة والمدينة.
(5)
فكل بلد يدخله الدجال إلا مكة والمدينة فإن على طرقهما ملائكة تحرسهما منه فإذا منعوه نزل بالسبخة فتضطرب المدينة ثلاث مرات فيخرج إليه كل كافر ومنافق، وللشيخين: لا يدخل المدينة رعب المسيح، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان، وللترمذي والبخاري: لا يدخل المدينة الطاعون ولا الدجال إن شاء الله.
(6)
أو للشك.
(7)
أي أمر الألوهية.
قَالَ: فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اْلآنَ
(1)
قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ
(2)
»، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَلَقْاهُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ
(3)
» فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إِلَى هذَا الَّذِي خَرَجَ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَ تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا
(4)
فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ فَيَقُولُونَ اقْتُلُوهُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ
(5)
قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الدَّجَّالِ فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ: يَا أَيّهَا النَّاسُ هذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَيأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ
(6)
» فَيَقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ
(7)
فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْباً فَيَقُولُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي» قَالَ: فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ
(8)
قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ
(9)
ثمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قمْ فَيَسْتَوِي قاَئمًا ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِي فَيَقُولُ لَهُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلا بَصِيرَةً ثُمَّ يَقولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأحَدٍ مِنَ النَّاسِ
(10)
قَالَ: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحهُ فَيُجْعَلُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيُهِ سَبيلاً قَالَ: فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ فَيَحْسِبُ
(1)
فيقول المقتول بعد حياته: والله إني أعرف بك الآن من كل وقت وأنت الدجال. وقيل إن هذا هو الخضر عليه السلام، وبيان هذا واضحًا في الرواية الآتية.
(2)
أي لا يقدر عليه.
(3)
جمع مسلحة وهم القوم ذوو السلاح.
(4)
أي الدجال.
(5)
بغير أمره.
(6)
يمد على بطنه.
(7)
شجوه: اضربوه فيضرب على ظهره كثيرا.
(8)
فلا نؤمن بك.
(9)
ينشر من رأسه حتى يصير قطعتين والمنشار بالهمز وبالتخفيف. وروي بالنون، وهذه أمور ظاهرية من أثر سحر وشعبذة وإلا فمن مات في دنياه لا يحيا فيها ثانيا اللهم إلا معجزة كمعجزة عيسى عليه السلام ولكن لا تطول.
(10)
أي مثل هذا، وهذا قول المؤمن الذي قام بعد نشره.
النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(1)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
يمكث الدجال في الأرض أربعين يوماً ثم ينزل عيسى صلى الله عليه وسلم فيقتله بالشام
• عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ
(2)
فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلِكَ فِينَا
(3)
فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ» ؟ قُلْنَا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقاَلَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ
(4)
إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ
(5)
وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
(6)
إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ
(7)
عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنِ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ
(8)
إِنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ
(9)
فَعاثَ يَمِينًا وَعَاثَ
(10)
شِمَالاً ياَ عِباَدَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ وَسَائْرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» ، قُلْنَا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ
(1)
حقًّا لا جهاد في الله أعظم من ذلك ولا شهادة أرقى من شهادته، نسأل الله أن نكون من شهداء العلم النافع لعباد الله إلى يوم الدين آمين والحمد لله رب العالمين.
يمكث الدجال في الأرض أربعين يومًا ثم ينزل عيسى عليه السلام فيقتله
(2)
خفض أي حقر فيه، ورفع أي عظم شأنه وفتنته.
(3)
أثر الحزن من فتنة الدجال.
(4)
أخاف عليكم من غيره أكثر.
(5)
إن ظهر وأنا فيكم فإني أحاججه وأبطل أمره وحدي.
(6)
فكل شخص يدافع عن نفسه والله معكم.
(7)
شديد جعودة الشعر.
(8)
هن عشر آيات كما سبق في فضل سورة الكهف: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال.
(9)
سيقدم على العرب من طريق بين الشام والعراق.
(10)
فعاث أي أفسد.
فَذلِكَ الْيَوْمُ الَّذي كَسَنَةٍ أَتَكْفِيناَ فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ
(1)
» قُلْنَا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ: «كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ
(2)
فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ
(3)
ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
(4)
وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةَ فَيقُولُ لَهَا: أَخْرجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ
(5)
ثُمَّ يَدْعُو رَجُلاً مُمْتَلِئًا شَبابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطعَهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطعَهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ
(6)
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ
(7)
، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنَحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأْ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللَّؤْلَؤِ
(8)
(1)
ففي كل أربعة وعشرين ساعة يصلون خمس صلوات متفرقات في أزمنة بقدر اليوم العادي.
(2)
كسرعة المطر بالريح الشديدة.
(3)
ذرا جمع ذروة وهي أعلى الشيء، والضروع جمع ضرع وهو محل اللبن في الماشية، أي إذا أجابه قوم أمر السماء فأمطرتهم والأرض فأنبتتهم وعادت مواشيهم من مرعاها أحسن ما تكون في أجسامها وألبانها محنة وابتلاء لهم.
(4)
ثم يمر الدجال بقوم آخرين فيدعوهم إلى الإيمان به فلا يجيبونه فينزل المحل والقحط بهم فيصبحون لا شيء عندهم.
(5)
اليعاسيب جمع يعسوب: وهو أمير النحل المطاع فيهم أي ثم يمر الدجال بالبقعة الخراب فيقول لها أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تسير وراءه كما تتبع النحل يعسوبها.
(6)
أي من قطع بالسيف وقام، ولعل هذا هو السابق في حديث أبي سعيد الذي يقول حينما يحيا: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم وهو الخضر عليه السلام، وهذه كلها ضلالات وتمويهات في أعين الناس من أثر السحر والشعبذة التي وصل فيها إلى ما لم يصل إليه غيره نعوذ بالله منه.
(7)
فينزل عيسى عليه السلام شرقي دمشق عند المنارة البيضاء ولعلها التي بالجامع الأعظم بدمشق الشام بين مهرودتين أي عليه حلتان لونهما كصبغ الورس والزعفران.
(8)
أي ينزل عيسى عليه السلام في غاية النظافة كالذي خرج من حمام يقطر الماء من رأسه وينحدر منه كحبات اللؤلؤ.
فَلَا يَحِلُّ لِكافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ
(1)
فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِباَبِ لُدَ فَيَقْتُلُهُ
(2)
ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ
(3)
فَبَيْنَماَ هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ
(4)
لِأَحَدٍ بِقِتاَلِهِمْ فَحَرِّزْ
(5)
عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيقُولونَ لَقدْ كَانَ
بِهذِهِ مَرَّةً مَاءٌ
(6)
وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسى وَأَصْحَابُهُ
(7)
فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَي كَمْوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
(8)
ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ
(9)
فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ
(1)
فنفس عيسى عليه السلام يمتد إلى نهاية بصره وكلما شمه كافر مات في الحال.
(2)
لد - كبد -. جبل بالشام أو قرية من قرى بيت المقدس أي فيذهب عيسى عليه السلام للمسيح الدجال فيوافقه عند باب لد فيقتله، ولمسلم والترمذي: يأتي الدجال من قبل المشرق همته المدينة حتى ينزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك.
(3)
منه أي من الدجال فيمسح عيسى عن وجوههم ما عليها من أثر الجهاد ضد الدجال، وهذا مبالغة في إكرامهم.
(4)
وفي رواية: لا يدى لأحد بقتالهم.
(5)
أي حصن هؤلاء المؤمنين بجبل الطور فإنه قد ظهر عباد لي لا يقدر عليهم أحد من الخلق وهم يأجوج ومأجوج.
(6)
كان بهذه أي بحيرة طبرية ماء، فمن كثرتهم لا يدرون أن أولهم هو الذي شربها، وزاد في رواية: ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر - كالقمر .. وهو جبل بيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هل فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما (نشاب جمع نشابة وهى السهم) فيزعمون أنهم قهروا من في الأرض والسماء قاتلهم الله.
(7)
يضرعون إلى الله تعالى أن يهلكهم.
(8)
النغف - كسبب -: دود يظهر في أنوف الإبل والغنم، وفرسى جمع فريس كقتلى وقتيل.
(9)
بعد أن كانوا متحصنين فوق جبل الطور من هؤلاء الكفرة، ولم يهلكوا بنفس عيسى عليه السلام محنة للمؤمنين ولأن القضاء بإهلاك هؤلاء الكفرة كان بذلك الدود.
فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْناقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسهلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَقَةِ
(1)
ثُمَّ يُقاَلُ لِأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ
(2)
فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بقِحْفِها
(3)
وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتَكْفِي الْفِئامَ مِنَ النَّاسِ
(4)
وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ
(5)
، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَما هُمْ كَذلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آباطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ
(6)
وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهارَجُونَ فِيهاَ تَهاَرُجَ الْحُمُرِ فَعليْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ
(7)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ.
(1)
فيرسل الله مطرًا شديدًا لا تحفظ منه الخيام ولا البناء فيغسل الأرض حتى تصير كالمرآة.
(2)
يأمر الله الأرض فتخرج خيراتها من زروع وثمار وكنوز.
(3)
تأكل الجماعة من الرمانة الواحدة ويستظلون بقشرتها.
(4)
ويبارك في الرسل أي الماشية التي ترسل للمرعى حتى إن لبن الناقة يكفي الجماعة من الناس.
(5)
ولعل هذا هو الزمن الذي تقيء فيه الأرض أفلاذ أكبادها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، ولعل هذا هو الزمن الذي يمر فيه الرجل بصدقته من الذهب فلا يجد من يقبلها، ولعل هذا هو الزمن الذي لا يهم الرجل فيه إلا من يقبل صدقته كما سبق كل هذا.
(6)
هذه هي الريح اليمنية السابقة.
(7)
الهرج كالفرج: الجماع من هرج زوجته جامعها، فتكثر الشرور حتى يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما تفعل الحمير، وهؤلاء هم الأشرار وعليهم تقوم الساعة. نسأل الله السلامة والتوفيق آمين.
خاتمة ـ ينزل عيسى عليه السلام فيمكث في الأرض زمنا ثم يتوفى إلى رحمة اللَّه ورضوانه
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ
(1)
» وَيَفِيضُ الْمالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ «وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ
(3)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَحْمَدُ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ وَلَتُترَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْقَى عَلَيْهَا
(4)
وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ
(5)
».
خاتمة - ينزل عيسى عليه السلام فيمكث في الأرض زمنًا ثم يتوفى إلى رحمة الله ورضوانه
(1)
حكما أي حاكما، مقسطا أي عادلا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيكسر الصليب بقتل حامليه، ويقتل الخنزير بتحريم اقتنائه وأكله وإباحة قتله، ويضع الجزية يبطلها فلا يقبل إلا الإسلام.
(2)
فما من أهل الكتاب إنسان إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام قبل موته ويوم القيامة سيشهد عيسى عليهم، ولا يقال كيف يرفع عيسى عليه السلام إلى السماء وقد خلق مطبوعًا على صفات لا تتفق مع معيشته في السماء لأنا نقول إن الله تعالى سلبه صفات البشرية وجمله بصفات الملكية فصار في السماء كالملائكة في كل شيء فإذا أراد الله وأنزله إلى الأرض ألبسه صفات البشرية والله على كل شيء قدير.
(3)
سبق أنه الخليفة الذي ينزل عيسى عليه السلام في زمنه وهو المهدي رضي الله عنه، وفي حديث أحمد: فإذا هم بعيسى فيقال تقدم يا روح الله فيقول ليتقدم إمامكم فليصل بكم.
(4)
القلاص جمع قلوص: وهي الناقة الشابة أي يزهد الناس فيها لكثرة الأموال.
(5)
وليطلبن عيسى الناس لأخذ المال فلا يقبله أحد لكثرته، ولهذا ستزول العداوة بين الناس.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكثُ أَرْبَعِينَ لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا
(1)
فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ
(2)
فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ»، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى عليه السلام نَبِيٌّ وَإِنَّهُ نازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ: رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَياَضِ
(3)
بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ
(4)
كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ
(5)
فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإسْلَامِ فَيَدُقُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الجِزْيَةَ ويُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلا الإسْلَامَ
(6)
وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ» (ثُمَّ تَقَعُ الأمَنَةُ عَلَى الأرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الأُسْدُ مَعَ الإبِلِ وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ
(7)
وَتَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ) فَيَمْكُثُ عِيسَى فِي الأرِضِ أَرْبَعِينَ سَنَةَ ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ
(8)
، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالإمَامُ أَحْمَدُ
(9)
.
(1)
الأول هو المعتمد لحديث تميم الداري السابق: فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة.
(2)
كان مشهورا بجمال الطلعة والنظافة وحسن الهيئة.
(3)
لونه أبيض مشرب بحمرة وجسمه وسط بين الطول والعرض.
(4)
عليه ثوبان فيهما صفرة، فالممصر من الثياب ما فيه صفرة خفيفة كما سبق في حديث النواس: بين مهرودتين.
(5)
كناية عن تمام النظافة والنضارة.
(6)
فيبطل اليهودية والنصرانية وأولى عبادة الأوثان ويدعو إلى الإسلام.
(7)
فيصطلح المتعاديان في زمنه لامتلائه بالخير والعدل والأمن والإيمان، والكلمات التي بين قوسين للحاكم والإمام أحمد.
(8)
وأربعون سنة هنا لا ينافيها ظاهر ما سبق: ثم يمكث الناس سبع سنين لاحتمال أن الأربعين مدة مكثه في الأرض قبل الرفع وبعده فكأن عمره قبل رفعه ثلاث وثلاثون سنة ثم ينزل فيعيش سبع سنين، قيل ويتزوج فيها، ويحتمل أنه يمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة لأن تلك الرواية ليست نصًا في مكثه سبع سنين.
(9)
بسند صحيح.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رضي الله عنه: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَة مُحَمَّدٍ وَصِفَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ وَيُدْفَنُ عِيسَى مَعَ مُحَمَّدٍ
(1)
صلى الله عليه وسلم، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
عدد أحاديث كتاب الفتن 170 سبعون ومائة فقط.
نسأل اللَّه أن تكون خالصة لوجهه الكريم آمين والحمد للَّه رب العالمين
(1)
وقد بقي في الروضة الشريفة التي فيها جسم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه موضع قبر فيظهر أنه لعيسى عليه السلام والله أعلم.
{فائدة} اتضح مما سبق أن المهدي المنتظر من هذه الأمة، وأن الدجال سيظهر في آخر الزمان، وأن عيسى عليه السلام سينزل ويقتله، وعلى هذا أهل السنة سلفًا وخلفًا، وقال بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم إن هذا كله مردود بقوله تعالى:{وخاتم النبيين} وبحديث: لا نبي بعدي، ولإجماع المسلمين على أن شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مؤبد إلى يوم القيامة وهذا استدلال فاسد فإن عيسى عليه السلام لا ينزل بشرع بنسخ شرعنا بل سيحكم بشرعنا ويحيى ما هجره الناس منه، ويصلى وراء المهدى الذي اسمه محمد بن عبد الله كما سبق، قال الحافظ في فتح الباري: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى عليه السلام سينزل ويصلى خلفه، وقال الحافظ أيضًا: الصحيح أن عيسى رفع إلى السماء وهو حي، وقال الشوكاني في رسالته المسماة بالتوضيح في تواتر ما جاء في الأحاديث في المهدي والدجال والمسيح: وقد ورد في نزول عيسى عليه السلام تسعة وعشرون حديثًا تم سردها، وقال بعد ذلك وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع، فتقرر بجميع ما سقناه أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة، وهذا يكفي لمن كان عنده ذرة من إيمان وقليل من إنصاف والله أعلى وأعلم.
{الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} والله الهادي إلى سواء السبيل والصراط المستقيم، أسأله أن يوفقنا لما فيه رضاه آمين والحمد لله رب العالمين.
كتاب القيامة والجنة والنار
(1)
النفخ في الصور
قَالَ اللَّهُ تَعَالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الصُّورُ؟ قاَلَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(3)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُحُ
(4)
»، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا
(5)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ إِلَى أَنْ قَالَ: «ثُمَّ يُنْفَخُ فِي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
ك تاب القيامة والجنة والنار
(1)
القيامة وما يجري فيها كالبعث والحشر وأهوال القيامة والحساب والميزان والصراط والجنة وأوصافها وما فيها والنار وأوصافها. نسأل الله السلامة منها كما نسأل رضاه والجنة آمين.
النفخ في الصور
أي عدد النفخ في الصور ومدة الزمن بين النفختين، والصور كهيئة البوق الذي يزمر به.
(2)
{ونفخ في الصور} النفخة الأولى {فصعق} مات {من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} كالحور والولدان {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم} جميع الخلائق الموتى {قيام ينظرون} ينتظرون ما يفعل بهم.
(3)
بسند حسن.
(4)
فكيف أترفه وأتنعم وصاحب الصور وهو إسرافيل قد وضعه في فمه وانتظر متى يأمره الله فينفخ فيه أي لا ينبغي التنعم بالدنيا وهي قريبة الزوال.
(5)
فهذه الكلمات تنفع في الشدائد إذا قيلت بإخلاص نسأل الله الإخلاص.
الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا
(1)
» وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ فَيَصْعَقُ
(2)
وَيَصْعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُرْسِلُ أَوْ يُنْزِل اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَو الظِّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ
(3)
ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِياَمٌ يَنْظرُونَ ثُمَّ يُقَالُ: ياَ أيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولُونَ ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ فَيُقَالُ: مِنْ كمْ؟ فَيُقَالُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ قاَلَ: فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا وَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ
(4)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ: «أَبَيْتُ
(5)
قَالُوا أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ: أَبَيْتُ ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السِّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلا يَبْلَى إِلا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(6)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(7)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلا عَجْبَ الذَّنَبِ
(8)
مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ
(9)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
(1)
الليت - كالجيد: صفحة العنق وجانبه أي فلا يسمع الصور أحد إلا اضطرب ومات فاسترخى رأسه.
(2)
يلوط حوضه يصلحه بالطين فيصعق ويموت.
(3)
أو للشك والأشبه الأول فإنه ينزل مطر كمني الرجال فتنبت منه الأجساد.
(4)
والمأمور بإخراج بعث النار هو آدم عليه السلام كما سبق في تفسير سورة الحج.
(5)
لا أدري.
(6)
فعجب الذنب وهو العظم الآخر من سلسلة الظهر لا يبلى ولا يفنى ويبتدئ إنبات الجسم عليه في الآخرة.
(7)
ولكن مسلم هنا والبخاري في التفسير.
(8)
هذا في الغالب وإلا فكثير من الناس لا تأكل الأرض أجسامهم كالأنبياء والشهداء.
(9)
ومنه يركب في الآخرة، وظاهره أن الجسم يبتدئ تكوينه من عجب الذنب في النشأة الأولى وهو في الرحم قال الله تعالى:{كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين} .
البعث والحشر
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} . وَقالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ
(2)
}. وَقَالَ تَعَالَى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ الْنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
(3)
}.
وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
(4)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ
(5)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ:
البعث والحشر
(1)
البعث: قيام الخلائق من قبورها في الآخرة بعد موتها، والحشر: اجتماع الناس في الموقف للسؤال والحساب واستيفاء الجزاء.
(2)
قال منكر والبعث: من يحيي العظام وهي رميم؟ أي بالية قال تعالى قل لهم يحييها من خلقها أولا مع العلم بأن الإعادة أسهل من الإنشاء والإبداع وروى أن كافرا أخذ عظما رميا ففتته وقال للنبي صلى الله عليه وسلم أترى يحيي الله هذا بعد ما بلى ورم؟ فقال: نعم، ويدخلك النار.
(3)
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} غاية اجتهادهم {لا يبعث الله من يموت} قال تعالى: {بلى} سيبعثهم {وعدًا عليه حقًّا} أي وعدًا حقًّا لابد منه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك.
(4)
{يوم يخرجون من الأجداث} القبور {سراعًا} إلى المحشر {كأنهم إلى نصب يوفضون} كأنهم إلى علم يسرعون إليه {خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة} تغشاهم الذلة والهوان {ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون} وهذا كله في الكفرة الذين ينكرون البعث ويقولون: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين وغاب عنهم أن الله أعدل العادلين فلابد من بعث الناس ليقتص للمظلومين ولا سيما أحبابه كالأنبياء الذين قتلوا بغير حق ظلمًا وعدوانا فيأخذون حقوقهم ويرجع الحق إلى نصابه تحقيقًا للعدل الإلهى.
(5)
فمن مات على خير بعث على حال سارة حسنة، ومن مات على شر بعث بحال شنيعة نسأل الله السلامة.
«يأيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُزْلاً كَمَا بَدَأْناَ أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام أَلَا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ
(1)
» فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقاَلُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدكَ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ
(2)
وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تُغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ: فَيُقَالُ لِي: إِنَّهُمْ لَمْ يزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذ فَارَقْتَهُمْ
(3)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ قَالَ: «ياَ عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدَّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
(4)
»، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ
(6)
رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ
(7)
وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ
(8)
وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا
(9)
وَتَصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا
(10)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(1)
يؤمر بهم إلى النار على مرأى مني.
(2)
هو عيسى عليه السلام.
(3)
سبق هذا الحديث في آخر سورة المائدة.
(4)
فالخلائق يحشرون في الآخرة لا شيء معهم ولم ينقص منهم شيء كقلفة وأصبع كانت قطعت في الدنيا بل يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم وعرايا إلا الأنبياء ومن قرب من درجتهم تكريمًا لهم لقوله سابقًا: وأن أول من يكسى في الآخرة إبراهيم عليه السلام.
(5)
ولكن البخارى في بدء الخلق ومسلم هنا.
(6)
ثلاث فرق كقوله تعالى {كنا طرائق قددا} فرقًا مختلفة الأهواء.
(7)
في السعي على أقدامهم وهذه هي الفرقة الأولى.
(8)
هذه هي الفرقة الثانية.
(9)
في قيلولة الظهيرة.
(10)
فالناس في الحشر متفاوتون فرقة تمشي على أقدامها وأخرى تركب الإبل=
• عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالاً وَرُكْباَنًا وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
الحشر على أرض جديدة
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
(3)
وَبَرَزُواْ للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
(4)
}.
قَالَ مَسْرُوقٌ رضي الله عنه: تَلَتْ عَائِشَةُ هذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ؟ قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ
(5)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بِيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقيَ، قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ: لَيْسَ فِيهاَ مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ
(6)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَكُونُ الْأَرْضُ
= وفرقة تسوقهم النار إلى حيث يشاء الله، وهذا إخبار عن حشر يكون قبيل الساعة في الدنيا كما سبق في علامات الساعة وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
(1)
فبعض الناس يحشر في القيامة ماشيًا وبعضهم يحشر راكبًا وبعضهم يحشر على وجهه وهو الكافر الذي سبق في تفسير سورة الإسراء والفرقان. نسأل الله الفضل والإكرام آمين.
الحشر على أرض جديدة
(2)
فسيحشر الناس على أرض جديدة بيضاء نقية لم تقع عليها معصية قط، وأما أرضنا هذه فستحشر وتسأل عما فعمل عليها وتشهد الصالحين وعلى العاصين.
(3)
فستبدل الأرض بأرض جديدة، أو تتغير من حال إلى حال كما سيأتي في حديث أبي سعد، وكذا تبدل السماء بسماء أخرى وهى العرش كما يأتي، وأما السموات فستطوى وتكون محشورة مع الخلائق، قال تعالى:{يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} .
(4)
خرجت الخلائق من قبورها ووقفت على أرض المحشر بين يدي ربها الواحد القهار نسأله واسع اللطف آمين.
(5)
تلت هذه الآية وهى {يوم تبدل الأرض غير الأرض} ثم قالت يا رسول الله أن يكون الناس في لحظة التبديل؟ قال: على الصراط.
(6)
عفراء: ليس بياضها خالصًا، كقرصة خبز نقي: قال سهل أحد الرواة أو غيره: ليس فيها علامة سكنى ولا ملك لأحد.
يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً
(1)
يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ
(2)
كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلاً لِأَهْلِ الْجَنَّةِ
(3)
»، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «بَلَى» ، قاَلَ: تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً ـ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قاَلَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ» ؟ قَالَ: «إِدَامُهُمْ بَالَامٌ وَنُونٌ» ، قاَلُوا: وَمَا هذَا؟ قَالَ: «ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا
(4)
»، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ
(5)
نَسْأَلُ اللَّهَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ آمِين.
كلام اللَّه جل شأنه يوم القيامة
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
(6)
} الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ
(7)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(8)
.
(1)
فأرض الدنيا تكون في الآخرة خبزة واحدة أي كعجينة توضع في الحفرة بعد إيقاد النار فيها.
(2)
يقلبها من هاهنا إلى هاهنا.
(3)
يأكلون منها في الموقف قبل دخول الجنة، فالله تعالى سيغير طبع أرض الدنيا إلى هذه الحال، وللطبراني: تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدمية، وقال عكرمة: تبدل الأرض مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب ولا يعاقبون بالجوع في طول الموقف، فظاهره أن هذا الوصف لأرض الدنيا بعد تبديلها ويكون هذا هو المراد من التبديل.
(4)
فالبالام: الثور باللغة العبرانية، والنون: الحوت، فكثير من أهل الجنة سيأكلون من زائدة كبد الثور والحوت، ولعل ذلك أول طعام أهل الجنة كما سبق في تفسير: من كان عدوا لجبريل، في سورة البقرة.
(5)
ولكن البخاري في الرقائق ومسلم هنا والله أعلم.
كلام الله جل شأنه يوم القيامة
(6)
{لمن الملك اليوم} يقول ذلك جل شأنه فلا يجيبه أحد فيجيب نفسه بقوله: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} .
(7)
يقبض ويطوى ويأخذ كلهن بمعنى واحد يجمعهن ويرفعهن ويبدلهن، فالله تعالى بعد فناء خلقه يقبض الأرض والسموات ثم يقول لنفسه: أنا الملك أي المالك لهذا الكون فأين ملوك الأرض الذين كانوا عليها.
(8)
البخاري في الرقائق ومسلم هنا.
• وَعَنْهُ قاَلَ: قاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَطْوِي اللَّهُ عز وجل السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى» ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ، ثُمَّ يَطْوِي الْأَ رضينَ بِشِمَالِهِ» ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ» .
• وَعَنْهُ وَهُوَ يَحْكِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَأْخُذُ اللَّهُ عز وجل سَمَوَاتِهِ بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا اللَّهُ وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا أَنَا الْمَلِكُ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِهِ حَتَّى خِفْتُ سُقُوطَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَعْلَمُ.
أهوال القيامة
(2)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ
(3)
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
(4)
وَتَرَى النَّاسَ سُكَرَى وَمَا هُم بِسُكَرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ
(5)
} لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ
(6)
تَعْرُجُ الْمَلَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً
(7)
.
(1)
وسبق هذا واسعًا في تفسير سورة الزمر.
أهوال القيامة
(2)
أي ذكر بعض أهوالها وإلا فأهوالها لا يعلمها إلا الله تعالى.
(3)
تغفل عن رضيعها.
(4)
قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام، وهذه الزلزلة هي الحركة الشديدة قبل الساعة فيكون الذهول والوضع على ظاهره، أو هذا فرض وتمثيل لأهوال الموقف وشدته.
(5)
دعا داع بالعذاب للكافرين وهو النضر بن الحارث الذي قال: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)} .
(6)
وهذا العذاب واقع بهم من الله ذي المعارج وهي مصاعد الملائكة في السموات.
(7)
تصعد الملائكة وجبريل إليه أي إلى مهبط أمره تعالى في العالم العلوي ويقع العذاب بالكفار في يوم مقداره خمسين ألف سنة بالنسبة لهم لما يرونه من الشدائد والأهوال، بخلاف المؤمن فإنه يمر عليه كصلاة فريضة في الدنيا نسأل الله واسع اللطف آمين.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا
(1)
وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلَغَ آذانَهُمْ
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ: يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنَّصَافِ أُذُنَيْهِ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ: سمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ
(3)
فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقُوَيْهِ
(4)
» وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ
(5)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
ينزل فيها سبعين ذراعا، أو المراد كثرة العرق.
(2)
هذا لبعض الناس كما يأتي.
(3)
قال سليم بن عامر أحد الرواة: فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين والظاهر الأول لأنه لو كان ميل الاكتحال لاحترقت الناس من حر الشمس فإنها الآن في السماء الرابعة ولا تطيقها الناس، كأن الشمس حينذاك تكون محشورة مع الخلائق.
(4)
خاصرتيه.
(5)
فحينما تقف الناس في القيامة حفاة عراة في شدة الزحام والشمس قريبة من رءوسهم بين يدي الله تعالى وقد تجلى بالغضب العظيم. يتصبب العرق بكثرة من الناس حتى ينزل في الأرض كثيرا ويعلوها كثيرا ولكن يحيط بكل إنسان على قدر عمله فيكون إلى كعبي بعضهم وإلى ركبتي بعضهم وإلى وسط بعضهم وإلى فم أقوام وإلى آذان آخرين نسأل الله واسع لطفه آمين. والحمد لله رب العالمين على كل حال.
محاسبة اللَّه لعباده
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً
(1)
}. وَقَالَ تَعاَلَى: {إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ
(2)
.
• عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا سَيُكلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِياَمَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ
(3)
» فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلا النَّارَ تِلقَاءَ وَجْهِهِ
(4)
فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ ثَمْرَةٍ
(5)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي النَّجْوَى
(6)
قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ
(7)
» فَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ وَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيقُولُ:
نَعَمْ فَيُقَرِّرُهُ
(8)
ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ
(9)
ثُمَّ يُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ
(10)
وَأَمَّا الْكُفَّارُ
(11)
فَيُنَادَى عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ: هؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
محاسبة الله لعباده
(1)
الحساب اليسير: هو العرض الآتي في حديثي عائشة وابن عمر.
(2)
أي سترجع الخلائق إلى الله تعالى في الآخرة ويحاسبهم على كل شيء.
(3)
هذا صريح في أن الله تعالى سيسأل الناس كلهم بنفسه بدون واسطة، وكان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يعظ الناس بهذا الحديث فقال له رجل يا أمير المؤمنين كيف يحاسب الله الناس كلهم في وقت واحد قال كما يرزقهم في آن واحد يسألهم في آن واحد.
(4)
الظاهر أن هذا في الكافرين والمنافقين.
(5)
أي تحفظوا منها بفعل الخير ولو قليلا.
(6)
أصلها المحادثة سرًا، والمراد هنا مناجاة الله لعبده المؤمن في الآخرة.
(7)
ستره ولطفه.
(8)
كذا وكذا أي من الذنوب، فيقرره أي بذنوبه.
(9)
فيه بشرى للمسلم المستور.
(10)
أي بيمينه، فسؤال المؤمنين تقريرهم بذنوبهم. نسأل الله كامل الإيمان.
(11)
وكذا المنافقون.
الظَّالِمِينَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(1)
.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحاَسَبُ يَوْمَ الْقِياَمَةِ إِلا هَلَكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} فَقَالَ: «إِنَّماَ ذلِكَ الْعَرْضُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا عُذِّبَ
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:» يُجَاءُ بِالْكاَفِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذلِكَ
(4)
، رَوَاهُ الشَّيْخاَنِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِياَمَةِ آدَمُ فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ
(5)
» فَيُقَالُ: هذَا أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ: «أَخَرِجْ مِنْ كُلِّ مَائَةٍ تَسْعَةً وَتِسْعِينَ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا قَالَ: «إِنَّ أُمَّتِي فِي الْأُمَمِ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ
فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ
(6)
» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قاَلَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ
(1)
ولكن مسلم في التوبة والبخاري في التوحيد، وسبق في تفسير سورة هود.
(2)
فاستقصاء الحساب ومناقشته لا يكونان إلا لمن يعذبون، وأما الحساب اليسير فهو عرض الأعمال على المؤمن فيقر بها فيغفر الله له كما سبق في حديث النجوى نسأل الله أن نكون منهم آمين.
(3)
مرويات البخاري هنا في الرقائق.
(4)
تفتدي به: أي من النار، قد سئلت أيسر من ذلك وهو الإسلام فلم تدخل فيه ومنه قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)} .
(5)
ترفع رءوسها لتسمع ما يقال له وما يجيب به نسأل الله اللطف لجميع المسلمين آمين.
(6)
بيانه في ما بعده، والمراد قلة أهل الجنة بالنسبة لأهل النار فلا تعارض بين هذا وما يأتي.
تِسْعَمائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهاَ
(1)
وَتَرَى النَّاسَ سُكاَرَى وَمَا هُمْ بِسُكاَرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فاَشْتَدَّ ذلِكَ عَلَيْهِمْ
(2)
» فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا ذلِكَ الرَّجُلُ
(3)
قَالَ: «أَبْشِرُوا فَإنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ وَمِنْكُمْ رَجُلٌ
(4)
» ثُمَّ قاَلَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ: فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثَمَّ قاَلَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّة إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الْأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْاسْوَدِ أَوِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: «هَلْ تضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ» قَالُوا: لَا، قَالَ:«فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا
(6)
» قَالَ: فَيَلْقَى اللَّهُ الْعْبدَ فَيَقُولُ: «أَيْ فلُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ
(7)
وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ
(8)
» فَيَقُولُ: بَلَى قاَلَ فَيَقُولُ:
«أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ
(9)
» فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: «فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَماَ نَسِيتَنِي
(10)
»
(1)
أي لو كان هناك حامل وصغير لحمل الوضع والشيب من شدة الكرب وعظيم الهول.
(2)
على المسلمين.
(3)
وما نحن في واحد من الألف.
(4)
فإن اسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبرها أي فإن الحال من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد وفي رواية: إن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم واحد.
(5)
الرقمة - كالزحمة -: نقطة سوداء كالدرهم؛ وللحمار والبغل لكل منهما رقمتان في ذراعيه وسبق هذا الحديث في تفسير سورة الحج.
(6)
هل تضارون: بالتشديد وعدمه أي هل ينالكم ضرر ومشقة بسبب زحام أو غيره في رؤية الشمس ظهرًا ليس في السماء سحاب، وهل ينالكم شيء من ذلك في رؤية القمر ليلة البدر أي ليلة أربع عشرة، قالوا: لا، قال: سترون ربكم في الآخرة كذلك أي بكل راحة وسهولة.
(7)
أجعلك سيدًا.
(8)
تعلو على عبادى وتكون عليهم رئيسا.
(9)
ستأتي هنا بين يدي.
(10)
ويأمر به إلى النار.
ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي
(1)
ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذلِكَ
(2)
فَيَقُول: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُولُ: ههُناَ إِذًا
(3)
قَالَ: ثُمَّ يُقالُ لَهُ: الْانَ نَبْعَثُ شَاهِدَنا عَلَيْكَ وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ
(4)
وَذلِكَ الْمُناَفِقُ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولهُ أَعْلَمُ قاَلَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ: يَا رَبَّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ
(5)
قَالَ يَقُولُ: بَلَى قاَلَ فَيَقُولُ: «فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي قاَلَ» فَيَقُولُ: «كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا» قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ
(6)
فَيُقاَلُ لِأَرْكاَنِهِ انْطِقِي قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمالِهِ قَالَ: ثُمَّ يُخَلِّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُناَضِلُ
(7)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُجَاءُ بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ بَذَجٌ
(8)
» فْيُوقَفُ بَيْنَ يَدَي اللَّهِ فَيَقُولُ لَهُ: أَعْطَيْتُكَ وَخَوَّلْتُكَ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ
(9)
فَماَذَا صَنَعْتَ فَيَقُولُ: ياَ رَبِّ
(1)
وهذان من الكافرين الذين أعطاهم الله في الدنيا كثيرا فلم يشكروه بل حاربوا الله ونسوه فنسيهم أولئك هم الفاسقون.
(2)
كما قال للذين قبله.
(3)
أي قف حتى تسمع من يكذبك.
(4)
ليزيل عذره من قبل نفسه بشهادة أعضائه عليه بنفاقه.
(5)
وتعاملني بالعدل وهذا ما أضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
(6)
فلا يقدر على النطق.
(7)
بعدًا لكن وسحقًا: أي هلاكا فكنت أدافع عنكن، وهذا كالذي قبله في المنافقين الذين قال الله فيهم {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)} .
(8)
بذج - كسبب -: ولد الشاة الصغير.
(9)
أوسعت عليك في النعم فصرت ذا مال وخدم وحشم.
جَمَعْتُه وَثَمَّرْتُهُ فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ فَأَرْجِعْنِي آتِكَ بِهِ
(1)
فَيَقُولُ لَهُ: أَرِني مَا قَدَّمْتَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ جَمَعْتُهُ وَثَمَّرْتُهُ فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ فَأَرْجِعْنِي آتِكَ بِهِ فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يُقَدِّمْ خَيْرًا فَيُمْضَي بِهِ إِلَى النَّارِ
(2)
.
• عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ عَمَلِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ
(3)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(4)
.
• عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَنْ يُعْجِزَ اللَّهُ هذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ
(5)
».
• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لَأَرْجُو أَلا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهاَ أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ ذلِكَ الْيَوْمِ قَالَ: خَمْسُمِائَةٍ سَنَةٍ
(6)
»، رَوَاهُماَ أَبُو دَاوُدَ
(7)
.
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلفًا وَثَلَاثَ حَثَيَا مِنْ حَثَياَتِهِ
(8)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
(1)
أقدمه في مرضاتك.
(2)
فيظهر للناس أن الله وسع عليه في النعم ولم يشكره ولم يعمل ما يرضيه فيأمر به إلى النار، فاتضح مما سبق أن لكل إنسان سؤالا خاصا يناسبه زيادة على سؤاله عما يأتي في حديث أبي برزة الأسلمي.
(3)
وفي رواية: لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس وذكر هذه.
(4)
الأول بسند غريب والثاني بسند صحيح.
(5)
بل سيعينها الله على الوقوف يوم القيامة.
ونصف يوم هو يوم القيامة، قال الله تعالى {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)} وهذا الحديث رواه الطبراني وزاد فيه يعني خمسمائة سنة.
(6)
أي إني أرجو ألا تتأخر أمتي عن اللحوق بالسابقين إلى الجنة بسبب وقوفها في الآخرة نصف يوم، ورجاؤه صلى الله عليه وسلم محقق، ويظهر لي أن هذا وما قبله من متشابه الأحاديث فعلهما عند الله تعالى.
(7)
الأول بسند صالح والثاني بسند جيد.
(8)
وكذا وعدني ربي ثلاث حثيات أي دفعات بيده جل شأنه وعلا أمره وعظم فضله، وهل هؤلاء هم السابقون في خاتمة كتاب الطب في حديث ابن عباس ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، الظاهر أن هؤلاء غيرهم لأنهم أكثر منهم بكثير، نسأل الله العظيم الكريم أن يجعلنا منهم آمين والحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات كلها.
القصاص
(1)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهاَ فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِيناَرٌ وَلَا دِرْهَمٌ
(2)
» مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَناَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكنْ لَهُ حَسَناَتٌ أُخِذَ مَنْ سَيِّئاَتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا كانَتْ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَجَاءَهُ فاَسْتَحَلَّه قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ ثَمَّ دِيناَرٌ وَلَا دِرْهَمٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَناَتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَناَتِهِ وَإِنَّ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَناَتٌ حَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئاَتِهِمْ
(3)
.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِم مِنْ بَعْضٍ مَظاَلِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْياَ
(4)
حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْياَ
(5)
» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الرَّقَائِقِ.
القصاص
(1)
هو أن يأخذ الله تعالى للمظلوم حقه من ظالمه، ولا يكون في الآخرة إلا الحسنات فتؤخذ الحقوق منها، وهذا في المكلفين وهم الجن والإنس وإن كان عدل الله تعالى سيقوم على كل مخلوق حتى على الشاة القرناء كما سبق في الظل من كتاب الأخلاق: لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
(2)
ثمَّ أي في الآخرة، دينار ولا درهم بل هناك الحسنات فقط ومنها تؤدى الحقوق.
(3)
فمن كان عليه حق لأخيه المسلم فليرده له إن تيسر وإلا فليطلب منه أن يسامحه في الدنيا قبل يوم القيامة الذي ليس فيه إلا صالح العمل فيأخذ منه المظلوم إن وفى له وإلا طرحت من سيئاته على ظالمه، وهذا الحق مالى أو عرضي بالكلام كالغيبة وتكفي المسامحة إجمالا عند بعض الأئمة، أما الزنا فلا تكفي فيه إلا التوبة إلى الله تعالى دون الاستحلال فإنه يجلب مفاسد كثيرة وسبق هذا في باب الظلم من كتاب الأخلاق.
(4)
ظاهره أن القصاص بين المؤمنين على تلك القنطرة.
(5)
فالواحد من أهل الجنة أعرف بمنزله فيها أكثر من معرفته لمنزله في الدنيا {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده} نسأل الله كامل الهدى آمين.
استلام صحف الأعمال
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ
(2)
} إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَقٍ حِسَابِيَهْ
(3)
فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ
(4)
فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ
(5)
كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِى الاْيَّامِ الْخَالِيَةِ
(6)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَبِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يلَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ
(7)
مَآ أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ هَلَكَ عَنّى سُلْطَنِيَهْ
(8)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ
(9)
، صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِياَمَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ
(10)
فأَمَّا عَرْضَتاَنِ فَجِدَالٌ وَمَعاَذِيرُ فَعِنْدَ ذلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِماَلِهِ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
استلام صحف الأعمال
(1)
فبينما الناس في الموقف وانتهى سؤالهم إذ طارت الصحف من تحت العرش فجاءت كل صحيفة لصاحبها فالسعيد يأخذها بيمينه، والشقي يأخذها بشماله أو من وراء ظهره، نسأل الله الهداية آمين.
(2)
فيقول لجماعته إظهارًا لسروره: خذوا اقرأوا كتابيه.
(3)
إني تيقنت أن الله سيحاسبني.
(4)
أي مرضية.
(5)
قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع.
(6)
ويقال لهم {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} أي الماضية في الدنيا.
(7)
يا ليتها أي الموتة في الدنيا كانت القاضية أي القاطعة لحياتي فلا أبعث فأرى هذا.
(8)
ذهبت قوتى وحجتى.
(9)
خذوه يا أهل النار فغلوه اجمعوا يديه إلى عنقه في الأغلال ثم ألقوه في الجحيم ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا فأدخلوه فيها بعد إلقائه في النار، زيادة تعذيب له لأنه كان لا يؤمن بالله العظيم.
(10)
فعرض الناس على الله وقوفهم بين يديه، قال تعالى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)} وهذا الموقف له أحوال نظرا لما يجرى فيه؛ فالحال الأولى وقوف الخلائق وهم سكوت، قال تعالى {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا} ، وهذه هي أشق الأحوال عليهم حتى يتمنوا الانصراف ولو إلى النار فإذا التجأوا إلى الرسل وشفع النبي محمد صلى الله عليه وسلم لهم عند الله تعالى قبل الله شفاعته وشرع في محاسبة الخلائق وهذه حال ثانية =
الميزان
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهاَ ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ فَقَالَ لَهاَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا يُبْكِيكِ» ؟ فَقاَلَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ فَهَلْ تَذْكرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِياَمَةِ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلَ، وَعِنْدَ الْكِتاَبِ
(3)
حِينَ يُقاَلُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتاَبِيَهْ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقعُ كِتاَبُهُ أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شماَلِهِ أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ
(4)
، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وَضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ
(5)
» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(6)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِياَمَةِ فَقَالَ: «أَناَ فاَعِلٌ» قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَينَ أَطْلُبُكَ رضي الله عنه قَالَ: «اطْلْبنِي أَوَّلَ مَا تَطْلبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ» قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: «فاَطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ» قُلْتُ: فَإِنْ
= وهكذا من حال إلى حال حتى ينتهوا إلى الجنة أو النار، فأحوال الموقف كثيرة ولكن أظهرها الأولى والثانية وأخذ الصحف والميزان والصراط، أو المراد بالثلاث هنا جدال ومناقشة ومحاججة ومعاذير وأخذ الصحف والله أعلم.
الميزان
(1)
ففي القيامة ميزان توزن فيه صحائف الأعمال أو نفس الأعمال بعد أن تجسم الصالحات بأجسام نورانية والسيئات بأجسام ظلمانية وله كفتان إحداهما للحسنات والأخرى للسيئات أو الميزان كناية عن تقدير الأعمال وتحديد الجزاء عليها، فكل جائز.
(2)
القسط: ذوات العدل {ليوم القيامة} أي فيه {فلا تظلم نفس شيئا} من نقص حسنة أو زيادة سيئة {وإن كان} أي العمل {مثقال حبة} زنتها {من خردل أتينا بها} أي بموزونها {وكفى بنا حاسبين} محصين لكل شيء.
(3)
أخذ الكتب وهي الصحف.
(4)
وفي نسخة: أم في شماله من وراء ظهره.
(5)
أي فوقها، فإنها على ما يظهر بين الموقف والجنة.
(6)
بسند صالح.
لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ قاَلَ: «فاَطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هذِهِ الثَّلَاثَ الْمَوَاطِنَ
(1)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخْلِصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ
(2)
فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلا كلُّ سِجِلَ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ
(3)
» ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ: لَا ياَ رَبِّ فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ: لَا ياَ رَبِّ فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَناَ حَسَنَةً فَإِنَّهُ لَا ظلُمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فتُخْرَجُ بِطَانَةٌ فِيهاَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولهُ فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ: ياَ رَبِّ مَا هذهِ الْبِطَانَة مَعَ هذِهِ السِّجِلاَّتِ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ قاَلَ: فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَانَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَت السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَانَةُ
(4)
فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
.
الصراط جسر على النار
(6)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
(7)
: «ثُمَّ يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلَا يَتكَلَّمُ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ إِلا الرُّسُلُ وَكَلَامُ
(1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم في الموقف يكون تارة عند الميزان وتارة عند الحوض وأخرى عند الصراط، نسأل الله أن نحظى به في تلك المواقف كلها آمين.
(2)
سيوقفه على رءوس الأشهاد.
(3)
تنشر عليه أي تعرض عليه صحائف كثيرة واسعة مملوءة بالسيئات.
(4)
خفت وذهبت سجلات السيئات وثقلت البطاقة بكلمة التوحيد، قال تعالى {فأما من ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} ولعل هذا في مذنب خاص كان يخلص في ذكر كلمة التوحيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله إلى جميع خلقه صلى الله عليه وسلم.
(5)
بسندين حسنين والثاني في كتاب الإيمان، نسأل الله كمال الإيمان آمين.
الصراط جسر على النار
(6)
فالصراط كقنطرة على النار بعد أن ينتهي الناس من الموقف يؤمرون بالمرور عليه فأهل النار يقعون فيها، وأهل الجنة يمرون عليه إليها ولكن ينال بعضهم منه شدائد، نسأل الله السلامة آمين.
(7)
في الحديث الطويل الآتي في إخراج الموحدين من النار.
الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(1)
.
وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الشَّفاَعَةِ: وَنَبِيُّكُمْ قَائمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: «رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ ناَجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ
(2)
وَسَيأْتِي فِي شَفَاعَةِ غَيْرِ الرُّسُلِ
(3)
فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكالَرِّيح وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ
(4)
فَنَاجٍ مُسْلِمٌ وَمَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي ناَرِ جَهَنَّمَ
(5)
».
• عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «شِعاَرُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصِّرَاطِ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
الحوض المورود
(7)
• عَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكلِّ نَبِيَ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً
(8)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(9)
.
(1)
ولكن هذه القطعة من لفظ البخاري والآتي لفظ مسلم.
(2)
فمنهم من تخدشه الكلاليب ولكن ينجو ويسلم ومنهم من تلقيه في النار.
(3)
في عنوان "يشفع النبيون والمؤمنون بإذن الله تعالى".
(4)
فيمر المؤمنون على الصراط وهم متفاوتون في المرور عليه فبعضهم يمر كطرف العين أي حركاتها وبعضهم كسرعة البرق وبعضهم كالريح وبعضهم كالطير وبعضهم كأجاويد الخيل جمع أجواد الذي هو جمع جواد وهو المطي الجيد في الجري، وبعضهم كراكبي الركاب أي الإبل واحدتها راحلة من غير لفظها.
(5)
وسيأتي أيضا في هذا الحديث ثم يضرب الجسر على جهنم، قالوا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: دحض مزلة، أي أملس ناعم لا تستقر عليه الأقدام بل تزل فيه وتقع، فيه خطاطيف وكلاليب وسيأتى وصفه أكثر من هذا إن شاء الله تعالى.
(6)
بسند غريب ولكنه مؤيد بالصحاح الآتية فإنه مذكور فيها والله أعلم.
الحوض المورود
(7)
أي ما ورد فيه وفي سعته وعرضه وصفة مشروبه، والحوض كبحيرة في الموقف ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل تشرب منه الأمة قبل دخول الجنة، ولكل نبي حوض تشرب منه أمته.
(8)
فلكل نبي حوض ويفخر بكثرة الأتباع التي ترده ولكن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم سيكون أكثرهم أتباعا.
(9)
بسند غريب.
{تنبيه} : مرويات البخاري في الحوض والكوثر في كتاب الرقائق ومرويات مسلم في الفضائل.
• عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثمَّ انْصَرَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَناَ شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ
(1)
وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْانَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مفَاتِيحَ خَزَائنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفاَتِيحَ الْأَرْضِ
(2)
وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْركُوا بَعْدِي وَلكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهاَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ: وَتَقْتَتِلُوا فَتَهْلِكوا كَماَ هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ عُقْبَةُ: فَكاَنَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَر
(3)
.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَناَ فَرَطُكمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثمَّ يُحاَلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي
(4)
فَيُقاَلُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيْرَ بَعْدِي
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: بَيْناَ أَناَ قاَئمٌ
(6)
إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْباَرِهِمُ الْقَهْقَرَي فَلَا أُرَاهُ يَخْلصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ
(7)
.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنه: كنَّا مَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلْناَ مَنْزِلاً فَقَالَ: «مَا أَنْتمْ جُزْءٌ مِنْ مَائَةِ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّنْ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ» قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ: «كُنَّا سَبْعَمِائَةٍ أَوْ ثَمَانَمِائَةٍ
(8)
»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، نَسْأَلُ اللَّهَ الشُّرْبَ مِنَ الْحَوْضِ آمِين.
(1)
أي على أعمالكم في الآخرة فهو صلى الله عليه وسلم مع أمته في الدنيا والآخرة بل وفي البرزخ أيضا لحديث البزار بسند جيد: حياتي خير لكم ووفاتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله تعالى عليه وما رأيت من شر استغفرت الله تعالى لكم.
(2)
بما غنموه من فارس والروم.
(3)
فكانت أي وقفته على المنبر آخر ما رأيته عليه.
(4)
أي من أمتي.
(5)
أي ارتد عن دينه.
(6)
بينا أنا قائم أي على الحوض إذا جماعة تأتي.
(7)
السارحة في المرعى بلا راع.
(8)
فالثمانمائة لا تساوى جزءا من مائة ألف جزء ممن يردون الحوض وذلك حق فإن الأمة المحمدية =
صفة الحوض وشرابه
(1)
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنْ أَمَامَكُمْ حَوْضًا بَيْنَ جَرْباَءَ وَأَذْرُحَ
(2)
»، رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ.
• عَنْ حَارِثَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَوْضُ كَماَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعاَءَ» .
• عَنْ أَنَس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَماَ بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعاَءَ مِنَ الْيَمَنِ وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَباَرُيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّماَءِ
(3)
»، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ.
وَلِلْبُخَارِيَّ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيُضِ مِنَ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا» .
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ قاَلَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَانِيَتُهُ أَكَثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّماَءِ وَكَوَاكِبِهاَ، أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهاَ لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ
(4)
يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَاباَنِ مِنَ الْجَنَّةِ
(5)
عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ
(6)
مَاؤُهُ أَشَدُّ بَياَضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ ثَوْباَنَ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ
(7)
» فَسْئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقاَلَ: «مِنْ مَقُاَمِي إِلَى عَمَّانَ»
= لا يعلم عددها إلا الله تعالى، ففي هذه الأحاديث أن الحوض ثابت لا شك فيه بل هو موجود الآن لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة: وإني والله لأنظر إلى حوضى الآن، نسأل الله الشرب منه آمين والحمد لله رب العالمين.
صفة الحوض وشرابه
(1)
قدر عرضه وطوله وصفة مشروبه وأباريقه.
(2)
وفي رواية: أمامكم حوض كما بين جربى وأذرح (وهما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال) فيه أباريق كنجوم السماء.
(3)
أيلة كقرية: مدينة بالشام على ساحل البحر بقرب دمشق في غربيها، وصنعاء: عاصمة اليمن.
(4)
أي إلى الأبد، وآنية الجنة أي هي آنية الجنة.
(5)
أي يصب فيه ميزابان من الجنة.
(6)
عمان كشداد: قرية من قرى فلسطين.
(7)
أمنع الناس عنه حتى يسيل على اليمنيين، والمراد إكرامهم وإلا فهو يكفي العباد كلهم فإن أوانيه أكثر من نجوم السماء، وقوله: عقر الحوض أي موضع الشاربين منه.
وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: «أَشَدُّ بَياَضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ بَغُتُّ فِيهِ مِيزَاباَن
(1)
يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدُهُماَ مِنْ ذَهَبٍ وَالْاخَرُ مِنْ وَرِقٍ
(2)
».
• عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ الْحَبَشُيِّ
(3)
رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَحُمِلْتُ عَلَى الْبَرِيد فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قُلْتُ: ياَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ رُكُوبُ الْبَرِيدِ
(4)
فَقَالَ: يَا أَباَ سَلاَّمٍ مَا أَرْدْتُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ وَلكِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ فِي شَأَنِ الْحَوْضِ فَأَحَبَبْتُ أَنْ تُشَافِهَنِي بِهِ
(5)
قَالَ أَبُو سَلاَّمٍ: حَدَّثَنِي ثَوْباَنُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ الْبَلْقاَءِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَياَضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَكاَوِيبُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّماَءِ
(6)
مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهاَجِرِينَ الشُّعْثُ رُؤوسًا الدُّنسُ ثِياَبًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّماَتِ وَلَا تُفْتَحُ
لَهُمْ أَبْوَابٌ السُّدَدِ
(7)
» قَالَ عُمَرُ: «لكِنِّي نَكَحْتُ الْمُتَنَعِّماَتِ وَفُتِحَ لِيَ السُّدَدُ وَنَكَحْتُ فاَطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا جَرَمَ أَنِّي لَا أَغْسِلُ رَأْسِي حَتَّى يَشْعَثَ وَلَا أَغْسِلُ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخَ
(8)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(9)
، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.
(1)
يغت أي يصب فيه ميزابان.
(2)
وللترمذي عن ابن عمر: حوضي كما بين الكوفة إلى الحجر الأسود، وسبق في سبع أحاديث وصفه طولا وعرضًا بمسافات مختلفة وهذا لا يوجب اضطرابا في الأحاديث لأنها لم تكن عن صحابي واحد بل عن جماعة من الأصحاب سمع كل منهم حديثا بمسافة يعرفها لم يسمعه الآخر ولأنه ليس في القليل منع الكثير، والمراد سعة الحوض من غير تحديد والله أعلم.
(3)
اسمه ممطور وهو شامي من ثقات التابعين رضي الله عنهم.
(4)
يظهر أنه كان كبيرا يشق عليه السفر.
(5)
تسمعه لي مشافهة.
(6)
أكاويبه جمع كوبة: وهو إناء لا عروة له يشرب منه ويسمى (الكباية) والبلقاء: إقليم بجنوب فلسطين بالشام.
(7)
السدد جمع سدة: وهي أبواب الأمراء والحكام.
(8)
قال عمر أي ابن عبد العزير أعدل وأتقى الأمراء بعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
(9)
بسند غريب ولكنه مؤيد بالصحاح التي قبله.
الكوثر
(1)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَغْفَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِغْفَاءَةً
(2)
فَرَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَإِمَّا قاَلَ لَهُمْ وَإِمَّا قَالُوا لَهُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ضَحِكْتَ فَقَالَ: إِنَّهُ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا
(3)
سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحْيمِ {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حَتَّى خَتَمَهَا فَلَمَّا قَرَأَهَا قاَلَ: «هَلْ تَدْوُرنَ مَا الْكَوْثَرُ» قاَلُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قاَلَ: فَإِنَّهُ نَهَرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عز وجل فِي الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِياَمَةِ
(4)
آِنَتُهُ عَدَدَ الْكَوَاكِبِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
(5)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَناَ أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ
(6)
إذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَامَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قلْتُ: مَا هذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: هذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطاَكَ رَبُّكَ فَإِذَا طِينُهُ أَوْ صِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَر
(7)
»، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَتاَهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْياَقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ
(8)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
الكوثر
(1)
أي ما ورد فيه.
(2)
نام نومة خفيفة وهي حالة الوحي غالبا.
(3)
أي قريبا.
(4)
أي يتفرع عنه حوض ترده أمتي يوم القيامة باعتبار أن الحوض يصب فيه ميزابان من الجنة كما سبق.
(5)
بسند صحيح.
(6)
في ليلة المعراج.
(7)
خالص شديد الرائحة الحسنة.
(8)
ولا منافاة بين هذا وما قبله فإن الحافة من الذهب لا تمنع قباب الدر فوقها، وسبق شرح هذا مع بضع أحاديث في تفسير سورة الكوثر، نسأل الله الشرب منه في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم آمين والحمد الله رب العالمين.
الشفاعة ثابتة
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الْكفَّارِ {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ
(3)
}.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
(4)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
(5)
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «شَفاَعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائرِ مِنْ أُمَّتِي» قاَلَ مُحَمَّدُ ابْنُ عَلِيَ فَقَالَ لِي جَابِرٌ: ياَ مُحَمَّدٌ مَنْ لَمْ يَكنْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائُرِ فَماَ لَهُ وَلِلشَّفاَعَةِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
(6)
.
الشفاعة ثابتة
(1)
فالشفاعة ثابتة وواقعة لأنها جائزة عقلا وواجبة شرعا بالكتاب والسنة الآتيين وبإجماع أهل السنة سلفا وخلفا، خلافا للخوارج وبعض المعتزلة لتعلقهم بمذهبهم في تخليد المذنبين في النار تمسكا بقوله تعالى {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} وقوله تعالى {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} وهم مخطئون في هذا فإن هاتين الآيتين في الكفار، والشفاعة خمسة أقسام: الأولى الشفاعة العظمى وهي لجميع الخلائق بإراحتهم من هول الموقف وتعجيل الحساب ونحوه، والثانية في إدخال قوم الجنة بغير حساب، كما سبق في حديث الترمذى: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب الخ، والثالثة في زيادة الدرجات في الجنة لبعض أهلها، والرابعة في قوم استوجبوا النار بذنوبهم فلا يدخلونها، والخامسة في إخراج بعض المذنبين من النار، والأولى والثانية خاصتان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
فلا أحد يشفع عنده تعالى إلا بإذنه في الشفاعة.
(3)
{فما لنا من شافعين} يشفعون لنا كالملائكة والنبيين والمؤمنين {ولا صديق حميم} يهمه أمرنا، وهذا من الكفار حينما يرون أن غيرهم نجا بالشفاعة.
(4)
{ولا يشفعون} أي الشافعون {إلا لمن ارتضى} الله له الشفاعة {وهم من خشيته مشفقون} خائفون، وحكمة الشفاعة تكريم الشافعين ورفع شأنهم على رءوس الأشهاد وإفاضة الكرم الإلهي على المشفوع لهم والله أعلم.
شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم
(5)
فيشفع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء وفي قوم في النار فيخرجهم منها ويدخلهم الجنة وفي قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
(6)
بسند حسن.
• عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتاَنِي آتٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّي
(1)
فَخَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفاَعَةِ فاَخْتَرْتُ الشَّفاَعَةَ وَهِيَ لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا
(2)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ
(4)
وَأَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِياَءِ تَبَعًا».
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَجْمَعُ اللَّهُ تبارك وتعالى النَّاسَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ
(5)
» فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُون: ياَ أَباَناَ اسْتَفْتِحْ لَناَ الْجَنَّةَ
(6)
فَيَقُولُ: «وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ
(7)
قَالَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ إِنَّماَ كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ
(8)
اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ
(9)
فَيَقُولُ عِيَسى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ
(10)
وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِماَلًا
(11)
فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ قَالَ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أُيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ
(1)
ملك من عند الله تعالى، والظاهر: أنه جبريل عليه السلام.
(2)
الشفاعة للعصاة والمذنبين من المسلمين الذين ماتوا بغير توبة.
(3)
بسند لا مطعن فيه.
(4)
في فتح أبوابها، وفي إدخال بعض العصاة فيها كما يأتي إن شاء الله.
(5)
تقرب منهم فيرونها.
(6)
أطلب فتحها لنتنسم منها الرحمات.
(7)
فيذهبون إليه.
(8)
من وراء حجاب وسيأتي في الحديث الذي بعده اعتذاره وموسى وعيسى صلى الله عليهم وسلم.
(9)
فيذهبون إليه.
(10)
في طلب الشفاعة فيشفع إلى الله فيجيبه الله تعالى ويجرى القضاء بين العباد بالحساب وأخذ الصحف والميزان ونحو ذلك مما يكون في الموقف.
(11)
تقوم الأمانة والرحم في صورة شخصين فتقفان على حافتي الصراط تشهدان لمن قام بحقهما وعلى من لم يقم بحقهما وذلك لعظم أمرهما، نسأل الله التوفيق.
وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيح ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالَ
(1)
تَجْرِي بِهِمْ أَعْماَلُهُمْ
(2)
وَنَبِيُّكُمْ قَائمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْماَلُ الْعِباَدِ
(3)
حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلا زَحْفًا
(4)
قَالَ: وَفِي
حَافَتَي الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ
(5)
مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِه إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا
(6)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ فِي الْإِيماَنِ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَناَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ وَمَا مِنْ نَبِيَ يَوْمَئِذٍ آدَمٌ فَمَنْ سِوَاهُ إِلا تَحْتَ لِوَائي وَأَناَ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ قَالَ: فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُوناَ فاَشْفَعْ لَناَ إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ: إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أُهْبِطتُ مِنْهُ إِلَى الْأَرْضِ
(7)
، وَلكِنِ ائْتُوا نُوحًا فَيَأْتُونَ نُوحًا عليه السلام فَيَقُولُ: إِنِّي دَعَوْتُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا
(8)
وَلكِنِ اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَيأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَيَقُولُ: إِنِّي كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ
(9)
» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْهاَ كَذْبَةٌ إِلا مَا حِلٌ بِهاَ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى
(10)
: وَلكِنِ ائْتُوا مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى عليه السلام
(1)
أي عدوهم وسرعة جزيهم.
(2)
فهذه الحال في المرور على الصراط من السرعة وعدمها ناشئة من أعمال الناس.
(3)
غاية لتجرى أي تجري بهم أعمالهم حتى يجيء بعض الناس فلا يستطيع المرور إلا زحفا.
(4)
على إلييه.
(5)
كلاليب جمع كلوب وهو حديدة معوجة الرأس.
(6)
فمن ألقى فيها لا يبلغ قعرها إلا بعد سبعين سنة.
(7)
الذنب هو الأكل من الشجرة المذكور في القرآن.
(8)
الدعوة هي قوله {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} .
(9)
الثلاث كذبات سبقت في فضائل إبراهيم في خاتمة كتاب النبوة.
(10)
مدافع بها عن دين الله تعالى.
فَيَقُولُ: إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا
(1)
وَلكِنِ ائْتُوا عِيسَى عليه السلام فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: إِنِّي عُبِدْتُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونَنِي فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ قَالَ أَنَسٌ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَآخُذُ بِحَلْقَةِ باَبِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهاَ
(2)
» فَيُقاَلُ: مَنْ هذَا؟ فَيُقاَلُ: مُحَمَّدٌ فَيَفْتَحُونَ لِي وَيُرَحِّبُونَ فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا فَأَخِرُّ سَاجِدًا
(3)
فَيُلْهِمُنِي اللَّهُ مِنَ الثَّناَءِ وَالْحَمدِ
(4)
فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تَعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَقُلْ يسْمَعْ لِقَوْلِكَ
(5)
وَهُوَ الْمَقاَمُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} »، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ رضي الله عنه قَالَ: انْطَلَقْناَ وَمَعَناَ ثاَبِتٌ الْبُناَنِيُّ شَفِيعاً إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما فَانْتَهَيْناَ إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي الضُّحَى فَاسْتَأْذَنَ لَناَ ثَابِتٌ فَدَخَلْناَ عَلَيْهِ فَأَجْلَسَ ثاَبِتًا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ لَهُ: ياَ أَباَ حَمْزَةَ إِنَّ إِخْوَانَكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصُرَةِ جَاؤوا يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفاَعَةِ قاَلَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِياَمَةِ مَاجَ النَّاسُ
بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
(7)
فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: اشْفَعْ لِذُّرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهاَ
(8)
وَلكِنْ عَلَيْكُمْ بِإبْرَاهِيمَ عليه السلام فَإنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلكِنْ عَلَيْكُمُ بِمُوسَى عليه السلام فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيُؤْتَى مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهاَ وَلكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيَسى عليه السلام فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيُؤْتَى عِيَسى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا
(1)
هي المذكورة في قوله تعالى {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)} ولكنه تاب فقبله ربه، قال تعالى {وقتلت نفسًا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا} .
(2)
أضرب بها الباب فيسمع لها أصوات، وليس لأنس في هذا الحديث إلا هذه الكلمة.
(3)
لله تعالى.
(4)
ما يليق بالذات العلية.
(5)
فيطلب من الله أن يرحم عباده وأن يحكم بينهم فيجيبه الله تعالى.
(6)
في التفسير بسند حسن.
(7)
اضطربوا واختلطوا وتحيروا من شدة الهول.
(8)
أي للشفاعة، وهذا منه ومن إخوانه تواضع ولعلمهم أن المقام المحمود خاص بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وَلكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَأُوتَى فَأَقُولُ: أَناَ لَهاَ فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْانَ يُلْهِمُنِيهِ اللَّهُ
(1)
ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقاَلُ لِي: ياَ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ
(2)
فَأَقُولُ: ياَ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي
(3)
فَيُقاَلُ: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقاَلُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيماَنٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهاَ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقاَلُ لِي: ياَ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّع فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقاَلُ لِي: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقاَلُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيماَنٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْهاَ
(4)
فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ إِلَى رَبِّي فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقاَلُ لِي: ياَ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ: ياَ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقاَلُ لِي: انْطَلِقْ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقاَلِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيماَنٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ.
هذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَنْبَأَناَ بِهِ فَخَرَجْناَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ
(5)
قُلْناَ لَوْ مِلْناَ إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْناَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ
(6)
قَالَ: فَدَخَلْناَ عَلَيْهِ فَسَلَّمْناَ عَلَيْهِ فَقُلْناَ: ياَ أَباَ سَعِيدٍ جِئْناَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَبِي حَمْزَةَ فَلَمْ نَسْمَعْ مِثْلَ حَدِيثِهِ فِي الشَّفَاعَةِ قَالَ: هِيهِ
(7)
فْحَدَّثْناَهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: هِيهِ
(1)
عليه أي الحمد، يلهمنيه الله أي الحمد.
(2)
تقبل شفاعتك.
(3)
أسألك الرحمة لأمتي، قال الداودي: هنا وقفة لأن التجاء الخلق إلى آدم وأولي العزم بعده يدل على أنهم يطلبون الشفاعة لفصل القضاء أي لإراحة الناس وإجراء الحساب ونحوه عليهم كما يأتي في حديث أنس بعد هذا الحديث.
(4)
ومعلوم أن حب الخردل أقل وأصغر من حب البر والشعير، والمراد من كان عنده مثقال حبة خردل زيادة على إيمانه.
(5)
بظاهر الصحراء وأعلاها المرتفع منها.
(6)
متوار فيها خوفًا من الحجاج الظالم.
(7)
هات الحديث أي أسمعنيه، وأبو سعيد كنية للحسن البصري وهو من أكابر علماء التابعين، وأبو حمزة كنية أنس بن مالك رضي الله عنهم.
قُلْناَ: مَا زَادَناَ قَالَ: قَدْ حَدَّثَنَا بِهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ
(1)
وَلَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ بِهِ
فَتَتَّكلوا قُلْناَ لَهُ: حَدِّثْناَ فَضَحِكَ وَقَالَ: خَلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ مَا ذَكَرْتُ لَكُمْ هذَا إِلا وَأَناَ أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ قَالَ
(2)
: ثمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقاَلُ لِي: ياَ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ: ياَ رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ أَوْ لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ وَلكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِياَئي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِياَئِي
(3)
لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قاَلَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
(4)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الإِيماَنِ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ
(5)
فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْناَ عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَناَ مِنْ مَكاَنِناَ هذَا قَالَ فَيَأْتُونَ آدَمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُوُلُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْخَلْقِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُريحَناَ مِنْ مَكاَنِناَ هذَا
(6)
فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهاَ
(7)
وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ
(8)
قَالَ: فَيَأْتُونَ نُوحًا صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: لَسْتُ
(1)
مجتمع القوة والحفظ.
(2)
أي الحسن يتمم الحديث.
(3)
سلطانى وقهرى.
(4)
مع تتمتها وهي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5)
وفي رواية: فيلهمون لذلك.
(6)
ظاهر في أنهم يلتمسون الشفاعة لإراحة الناس وإجراء الحساب ونحوه.
(7)
فيستحي من ربه نظرًا لخطيئته.
(8)
أي من أولي العزم، وإلا فإدريس عليه السلام الذي هو جد لنوح كان رسولا لقوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} وآدم عليه السلام كان رسولا لأولاده يعلمهم الإيمان وطاعة الله تعالى وما يلزمهم لدنياهم وأخراهم لما سبق في حديث الترمذي: ما من نبى: آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وكذا ولده شيث عليه السلام خلفه في ذلك، وحديث أبي ذر الطويل ينص على رسالة آدم وإدريس صلى الله عليهم وسلم.
هُناَكُمْ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ وَلَكِنَ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: لَسْتُ هِناَكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهاَ وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ قاَلَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناَكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهاَ وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدًا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي فَإِذَا أَناَ رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ
(1)
فَيُقاَلُ: ياَ مُحَمَّدُ قُلْ تُسْمَعْ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ رَبِّي ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدّاً فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ
(2)
ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقاَلُ لِي: ارْفَعْ ياَ مُحَمَّدُ قلْ تسْمَعْ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدّاً فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ قَالَ: فَلَا أَدْرِيِ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ فَأَقُولُ: ياَ رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ
(3)
»، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ
مِنْهاَ نَهْسَةً
(5)
فَقَالَ: «أَناَ سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ وَهَلْ
(1)
صريح في أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يرى ربه في الموقف وسيأتي ما يؤيده.
(2)
قوله: فيحد لي حدا كمن تركوا الحج، وقوله في الآتي فيحد لي جدا كمن تركوا الصوم وهكذا.
(3)
أي دل القرآن على خلوده في النار وهم الكفار.
(4)
ولفظه لمسلم في الإيمان وروى البخاري نصفه الأخير في الرقائق، وفي رواية لهم: يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يسمون الجهنميين أي من طهروا في جهنم.
(5)
أخذ بمقدم أسنانه مما عليها من اللحم.
تَدْرُونَ بِماَ ذَاكَ يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِياَمَةِ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ
(1)
وَتَدْنُو الشَّمْسُ
(2)
فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ فَيقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: ياَ آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهاَنِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي
(3)
اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: ياَ نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الْأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَناَ إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَناَ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهاَ عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَذَكَرَ كَذَباَتِهِ، نَفْسِي نُفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: ياَ مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ
(1)
يسمعون من يدعوهم، ومن ينظر إليهم يراهم كلهم لاستواء المكان الذين هم عليه.
(2)
تكون بينها وبينهم كميل كما سبق.
(3)
نهاني ربي عن الأكل من الشجرة فعصيته بالأكل منها فلا أسأله إلا نجاة نفسي فقط.
رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهاَ، نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى
عِيسَى صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: ياَ عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقاَهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فاَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا
(1)
نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونِي فَيَقُولُونَ: ياَ مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الْأَنْبِياَءِ وَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحاَمِدِهِ وَحُسْنِ الثَّناَءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلي ثُمَّ قاَلَ: ياَ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: ياَ ربِّ أُمَّتِي أُمَّتِي
(2)
فَيُقَالُ: ياَ مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْباَبِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكاَءُ النَّاسِ فِيماَ سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَماَ بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ كَماَ بَيْنَ مَكَّةَ
وَبُصْرَى
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
(1)
سبق ذكر ذنبه بقوله: إني عبدت من دون الله وإن كان لم يأمر بذلك؛ بل هو ساخط عليه أشد السخط.
(2)
ما سبق من الداودي يقال هنا.
(3)
هجر كقمر: بلد بقرب المدينة يذكر فيصرف وهو الأكثر ويؤنث فيمنع من الصرف وإليها تنسب القلال الهجرية، وبصرى كحبلى: بلد بالشام، ومصراع الباب: شطره وجنبه؛ فاتساع الباب من أبواب الجنة كما بين مكة وهجر. نسأل الله رضاه والجنة آمين.
يشفع النبيون والمؤمنون بإذن الله تعالى
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً
(2)
}.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَهْطٍ بِإيلِياَءَ فَقاَلَ رَجُلٌ مِنهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفاَعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَميمٍ» قَيلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ سِوَاكَ؟ قَالَ: «سِوَايَ فَلَمَّا قاَمَ قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالُوا: هذَا ابْنُ أَبِي الْجَدْعَاءِ
(3)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَشْفَعُ لِلْفِئَامِ وَمِنْهُمُ مَنْ يَشْفَعُ لِلْقَبِيلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلْعُصْبَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلرَّجُلِ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّة
(4)
».
• عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَشْفَعُ عُثْماَنُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمَ
الْقِياَمَةِ فِي مِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ
(5)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
يشفع النبيون والمؤمنون بإذن الله تعالى
(1)
وكذا يشفع الله تعالى والملائكة كما يأتي في الحديث الطويل إن شاء الله تعالى، والشفاعة: هي الالتجاء إلى الله تعالى في أن يعفو عن بعض عصاة الموحدين ويدخلهم الجنة أو في إكرام بعض المؤمنين كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المؤمنين فيدخلون الجنة بغير حساب؛ نسأل الله أن نكون منهم آمين. والشفاعة وإن كانت من فضل الله تعالى على الشافع ولكن لعل سببها كثرة نفع الناس ولو بالتصميم على نفعهم ومحبة الخير والدعاء لهم ما استطاع، نسأل الله من فضله العميم.
(2)
فلا تنفع الشفاعة أحدا إلا لمن أذن له الرحمن ورضى له قولا بأن كان قوله واعتقاده لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
من هذا? أي الذي ذكر في الحديث، قالوا: ابن أبي الجدعاء واسمه عبد الله ولم يعرف له إلا هذا الحديث.
(4)
الفئام: الجماعة الكثيرة، والقبيلة: أقل منها، والعصبة: أقل من القبيلة، فكل واحد يشفع بقدر مكانته عند الله تعالى.
(5)
لأنه ثالث الخلفاء وبذل من ماله كثيرا في سبيل الله تعالى وتزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتلى أكثر من غيره رضي الله عنهم.
(6)
الثاني بسند حسن والأول بسند صحيح.
• عَنْ عُثْماَنَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: الْأَنْبِياَءُ ثُمَّ الْعُلَماَءُ ثُمَّ الشُّهَدَاءُ
(1)
»، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدِريِّ رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا قاَلُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّناَ يَوْمَ الْقِياَمَةِ؟ قاَلَ: «نَعَمْ» ثُمَّ قاَلَ: «هَلْ تُضاَرُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْس مَعَها سَحَابٌ
(2)
وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهاَ سَحَابٌ» قاَلُوا: لَا ياَ رَسُولَ اللَّهِ قاَلَ: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تبارك وتعالى يَوْمَ الْقِياَمَةِ إِلا كَماَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِماَ
(3)
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِياَمَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ
(4)
فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ سبحانه وتعالى مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ
(5)
حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرَ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الُكِتاَبِ
(6)
فَتُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقاَلُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قاَلُوا: كنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فيقال لهم: فَماَذَا تَبْغُونَ فيقولون: عَطِشْناَ ياَ رَبَّناَ فاَسْقِناَ فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهاَ سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُها بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ
(7)
ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قاَلُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقاَلُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقاَلُ
(1)
سبق هذا وما قبله في الشهداء وفضلهم من كتاب الجهاد.
(2)
تضارون بضم التاء وتشديد الراء وتخفيفها فالمعنى على التشديد هل تضرون غيركم في حال الرؤية بزحمة أو مخالفة أو غيرها لخفائه كما تجهدون أنفسكم لرؤية الهلال في أول الشهر، والمعنى على التخفيف هل ينالكم في رؤيته ضير وضرر أي سترون ربكم كما ترون الشمس ظهرا في حال محو السماء من الغمام وكما ترون القمر في ليلة البدر التمام.
(3)
أي سترون ربكم رؤية محققة بغاية السهولة والراحة.
(4)
وفي رواية: لتتبع بالتشديد والتخفيف، ولفظ البخاري: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون.
(5)
الأنصاب: الأصنام أو هي ما نصب للعبادة ولم يكن كصورة الأدمي.
(6)
أي بقاياهم.
(7)
فيشار لهم أي إلى النار حتى تظهر لهم من بعد السراب يتراءى للظمآن كأنه ماء فإذا وصلوا إليها وجدوها نارًا يتحطم لهبها فسقطوا فيها.
لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ فَيَقُولُونَ: عَطِشْناَ ياَ رَبَّناَ فاَسْقِناَ قَالَ: فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلاَّ تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهاَ سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهاَ بَعْضاً فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بَرَ وَفاَجِرٍ أَتاَهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سبحانه وتعالى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهاَ
(1)
قَالَ: فَماَذَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قاَلُوا: ياَ رَبَّنَا فاَرَقْناَ النَّاسَ فِي الدُّنْياَ أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ
(2)
فَيَقُولُ: أَناَ رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ
(3)
فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهاَ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقاَءً وَرِياَءً إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّماَ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفاَهُ
(4)
ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةِ
(5)
فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ
(6)
وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ
(7)
فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ» قِيلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: «دَحْضٌ مَزَلَّةٌ
(8)
فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ
(9)
وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ
(10)
(1)
تجلى لهم بصورة غير التي يعرفونها أو ملك من قبل الله تعالى.
(2)
هذا تضرع إلى الله في كشف الشدة عنهم فإنهم لزموا طاعته في الدنيا وفارقوا من لم يكونوا على طاعته وهم أحوج إليهم لمساعدتهم في دنياهم كما حصل الفقراء المهاجرين والمؤمنين في الدنيا.
(3)
أي عن دينه ويرجع عنه لشدة الهول.
(4)
يكشف عن ساق: هذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر كقولهم قامت الحرب على ساقها، والمراد هنا كشف الشدة؛ ومنه قوله تعالى {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} الآية.
(5)
تجلى لهم بصفات الألوهية الحقة.
(6)
يوضع الصراط على النار، قال أبو سعيد: بلغنا أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف وورد أن مسافته ألف سنة صعودا وألف سنة هبوطا وألف سنة استواء وهذا لبعض الناس فهو يكون لكل واحد بقدر عمله.
(7)
يحضر وقتها فيأذن الله فيها.
(8)
معناهما واحد وهو الشيء الذي لا تستقر فيه الأقدام.
(9)
خطاطيف جمع خطاف، وكلاليب جمع كلوب، وهو والخطاف: حديدة معوجة الرأس.
(10)
وفيه نبت ذو شوك كالسعدان الذي تأكله الإبل.
فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكاَلرِّيح وَكاَلطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكاَبِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي ناَرِ جَهَنَّمَ
(1)
حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّار فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ
(2)
يَقُولُونَ: رَبَّناَ كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتَمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ
(3)
ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّناَ مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ
(4)
فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ
(5)
فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّناَ لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقاَلَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَم نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا
(6)
» وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهذَا الْحَدُيثِ فَاقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
(7)
} {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} فيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: «شَفَعَتِ المَلائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ
(1)
فناج مسلم أي منهم من ينجو سالما، ومخدوش مرسل أي مجروح مطلق من القيد، ومكدوس في النار: مدفوع فيها، نسأل الله السلامة آمين.
(2)
فإذا خلص المؤمنون واطمأنوا تذكروا إخوانهم المؤمنين الذين هم في النار فناشدوا ربهم أشد مناشدة أي طلبوا منه بإلحاح أن يقبل شفاعتهم في هؤلاء فيجيبهم الله تعالى ويأذن لهم في إخراجهم من النار جل شأن ربنا وفضله.
(3)
كان بعضهم واقفًا في النار إلى نصف ساقيه وبعضهم إلى ركبتيه كل بقدر عمله.
(4)
من طلبنا الشفاعة لهم.
(5)
مثقال دينار من خير: زائدًا على الإيمان لأنه لا يتجزأ فإنه التصديق الباطني بخلاف أعمال الخير فإنها كثيرة وتزيد وتنقص.
(6)
لم نترك فيها أهل خير.
(7)
الذرة أصغر النمل.
وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهاَ قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ
(1)
قَدْ عَادُوا حُمَمًا
(2)
فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الحَيَاةِ فَيَخْرُجُونَ كَماَ تَخْرُجُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ
(3)
أَلَا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضُرُ وَمَا يَكونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ
(4)
فَقَالُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ كنْتَ تَرْعَى بِالْباَدِيَةِ
(5)
قَالَ: فَيَحْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤ فِي رِقَابِهِمُ الْخَواتِمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ
(6)
ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلوا الْجَنَّةَ فَماَ رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّناَ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هذَا فَيَقُولُونَ: ياَ رَبَّناَ أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هذَا فَيَقُولُ: رِضَايَ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا
(7)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(8)
، فَلِلَّهِ مَزِيدُ الْحَمْدِ وَوَافِرُ الشُّكْرِ.
(1)
فإذا انتهى الخلق من الشفاعة قال الله تعالى "ما بقي إلا أرحم الراحمين" ثم يقبض على جماعة من أهل النار لا خير فيهم إلا الإيمان فيلقيهم في نهر الحياة الذي هو في أول طرق الجنة، وهنا يتجلى الفيض الإلهي والكرم الرباني فإن هذه القبضة لها ما لها من الكثرة فهي أكثر بكثير ممن شفع لهم الشافعون فلا تدخل تحت عد ولا حصر جل شأن ربنا وفضله، وتعالى إحسانه وكرمه.
(2)
جمع حممة وهي القطعة من الفحم.
(3)
الحبة بالكسر: بذر ما ينبت وحده، وما يستنبته الناس فبالفتح والأول سريع الإنبات أي تنبت أجسامهم بسرعة كما تنبت حبة البقل في محمول السيل أي الغيث.
(4)
ألا تنظرون إلى لون النباتة يكون في الظل أبيض وفي الشمس يكون مائلا إلى الصفرة والخضرة.
(5)
لمعرفتك بحال النبات.
(6)
فلم يكن لهم سوى الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك شعارهم عند أهل الجنة.
(7)
لكم رضاي فلا سخط بعده أبدا، سبحانك ما أعظمك ما أكرمك سبحانك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
(8)
ولفظه لمسلم في الإيمان، نسأل الله كمال الإيمان آمين.
سعة الكرم الإلهي وإخراج الموحدين من النار
• عَنْ أَبِي هُرَيُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ياَ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّناَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» ؟ قَالُوا: لَا ياَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهاَ سَحَابٌ» ، قالُوا: لَا ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذلِكَ، يَجمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ
(1)
وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ
الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ
(2)
وَتَبْقَى هذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ
(3)
فَيَقُولُ: أَناَ رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّناَ فَإِذَا جَاءَ رَبُّناَ عَرَفْنَاهُ
(4)
فَيَأْتِيهمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَناَ رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّناَ فَيَتَّبِعُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاط بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَناَ وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ
(5)
وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ
(6)
وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ
(7)
هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلا اللَّهُ تَخْطفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ
سعة الكرم الإلهي وإخراج الموحدين من النار
(1)
لفظ الشمس الأول معمول ليعبد والثاني معمول ليتبع وكذا القول في الجملة التي بعدها.
(2)
جمع طاغوت وهو كل ما عبد من دون الله تعالى.
(3)
التي يعرفونه بها في الدنيا.
(4)
وهذه محنة للمؤمنين.
(5)
أي يمر عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أول من يمر عليه على العموم وبعده الرسل فالأنبياء - صلى الله عليهم وسلم -، ثم يجيء وقت مرور الأمر فأولهم الأمة المحمدية.
(6)
ودعوى الرسل أي كلامهم على الصراط، وكذا المؤمنون: اللهم سلم سلم.
(7)
وهذا لا ينافي ما سبق من أنها في نفس الصراط لجواز أن تكون في النار وفي الصراط.
وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى
(1)
حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْملَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَقُولُ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ مِنَ ابْنِ آدَمَ إِلا أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ
(2)
فَيُخْرَجُون مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحِشُوا
(3)
فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ
(4)
ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ
(5)
وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ
(6)
فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا
(7)
فَيَدْعُو اللَّهَ مَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ
(8)
ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: «هَلْ عَسَيْتُ إنْ فَعَلْتُ ذلِكَ بِكَ أنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ» فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللَّهُ
(9)
فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ فَإِذَا أَقْبلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ
(10)
ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدِّمْنِي إِلَى باَبِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ
(1)
قوله بأعمالهم بسبب سوء أعمالهم، وبعمله بسبب عمله، ومنهم المجازي أي من يجازي بصعوبة المرور ثم ينجي من الإنجاء ومن التنجية أي ينجيه ربه تعالى.
(2)
أثر السجود هي الأعضاء التي كانت تلصق بالأرض حين السجود في الدنيا وهي الجبهة والكفان والركبتان والقدمان.
(3)
أي احترقوا وصاروا كالفحم.
(4)
محمولة من طين وغثاء.
(5)
أي انتهت أعمال العباد من الموقف واستقر أهل الجنة فيها وأهل النار فيها وإلا فالله تعالى لا يشغله شأن عن شأن.
(6)
لفظ البخاري: ويبقي رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة قيل إن هذا الرجل اسمه جهينة وعند دخوله الجنة يقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين، أي لم يبق في النار من الموحدين أحد.
(7)
أهلكني ريحها المنتن ولهبها، والأشهر في اللغة ذكاها لأن الممدود سرعة الفهم.
(8)
ليعرف وجهه من النار.
(9)
لو أجبتك تكتفي ولا تسأل ثانيًا، قال: لا أسأل ويعطي العهود والمواثيق بذلك.
(10)
لتحيره إذا رأى الجنة ولا يجرؤ على طلبها.
لَا تَسْأَلُنِي غَيْرَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ وَيْلَكَ، ياَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ
(1)
فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ
(2)
فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى باَبِ الْجَنَّةِ فَإِذَا قَامَ عَلَى باَبِ الْجَنَّةِ انْفَقَهَتْ لَهُ الْجَنَّةُ
(3)
فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّة فَيَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ وَيْلَكَ ياَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ تبارك وتعالى مِنْهُ
(4)
فَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ مِنْهُ قَالَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِذَا دَخَلَهاَ قاَلَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ
(5)
فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا
(6)
حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ
(7)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ
(8)
، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسًا حِينَ حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِهذَا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: ذلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلا قَوْلَهُ: ذلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ.
(1)
ما أكثر نقضك للعهد، لم يغضب الرحمن عليه من تكرر نقضه للعهد، لعلمه بنفاد صبره وطمعه في رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء فكان ربه عند ظنه جل شأنه وعلا.
(2)
ذلك وهو قربك للجنة.
(3)
انفتحت واتسعت فظهر حسنها وجمالها.
(4)
المراد بالضحك لازمه وهو الرضا وإرادة الإحسان وإلا فمولانا تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
(5)
اطلب ما تشاء.
(6)
اطلب من كذا ومن كذا من أنواع نعيم الجنة التي لم يعرفها ولم يسمع بها.
(7)
طلب من أنواع النعيم وأعطى منها مطلوبه.
(8)
ولا تعارض بينهما لاحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالقليل أولا فأخبر به ثم أعلم بالكثير فأخبر به وسمعه أبو سعيد فقط، فانظر أيها القارئ اللبيب وتأمل معي في هذا الكرم الإلهي العظيم الواسع الذي لا يقدر عليه إلا رب العالمين الذي وسع إحسانه وحده وكرمه البر والفاجر من خلقه. جل شأن ربنا وعلا، وحق علينا له دائما كل حمد وثناء.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ،
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ
(1)
وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقاَلَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيماَنٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَاة فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَماَ تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالبُخَارِيُّ فِي الرَّقاَئِقِ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهاَ فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهاَ وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَتْهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهمْ ضَبَائِرَ ضَباَئِرَ
(2)
فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ: ياَ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفُيضُوا عَلَيْهِمْ
(3)
فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرينَ: كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ بِالْباَدِيَةِ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً
(4)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فَلِرَبِّنَا كلُّ حَمْدٍ وَكُلُّ شُكْرٍ.
(1)
فيه أن الجنة برحمة الله من خالص فضله، وسبق هذا في كتاب الزهد.
(2)
فأماتتهم إماتة. ظاهره أن العصاة إذا ألقوا في النار ماتوا موتة واستمروا على هذا حتى تنتهي مدتهم ويخرجوا لئلا يشعروا بطول التعذيب بخلاف الكفار والمنافقين، وقوله: ضبائر ضبائر أي جماعات متفرقة.
(3)
فيفيضون عليهم من ماء الجنة الذي هو من نهر الحياة.
(4)
فمن مات وهو موقن بكلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان في حياته بعيدا عن العمل بالشرع فإنه يحكم عليه بالنار بقدر عصيانه فيدخلها ولكن قبل استيفاء المدة تناله شفاعة الشافعين الذين يختارهم الله له حينما يشاء الله تعالى ولكن تعجل الشفاعة لكثير الخير قبل قليله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافنى في مقام أي من ذكرني في زمن من الأزمان أو خافني في حال من الأحوال. رواه الترمذي، نسأل الله الخوف والخشية والتوفيق لدوام ذكره آمين.
صفة الجنة وخدمها
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
(2)
} لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ
(3)
وَفَكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ
(4)
وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَآء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
(5)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً
(6)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ
(7)
وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ
(8)
صفة الجنة وخدمها
(1)
أي ذكر خدم الجنة وذكر شيء قليل من صفاتها، وسيأتي منه كثير إن شاء الله، وأما صفاتها كلها فلا يعلمها إلا خالقها جل شأنه وعلا.
(2)
{يطوف عليهم} على أهل الجنة الخدمة {ولدان مخلدون} على هيئة الأولاد لا يهرمون {بأكواب} جمع كوبة وهي قدح لا عروة له {وأباريق} جمع إبريق وهو إناء له عروة وخرطوم {وكأس من معين} خمر تجري من منبع لا ينقطع.
(3)
لا يحصل لهم من شربها صداع ولا غيبوبة.
(4)
يتخيرون أي يختارون ويحبون.
(5)
ولهم للاستمتاع {حور عين} نساء حسان العيون سوادها شديد وبياضها شديد {كأمثال اللؤلؤ المكنون} المصون {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} ما يؤثم من الكلام {إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} إلا السلام الذي يقال بينهم، ويأتيهم حينًا بعد حين من الله تعالى، قال تعالى {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وقال تعالى {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} شجر نبق لا شوك فيه {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} شجر موز مملوء بالثمر من أسفله إلى أعلاه {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} دائم {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} جار دائما {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} لا مقطوعة في زمن ولا ممنوعة بثمن {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} على السرر وغيرها {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} أنشأنا الحور العين بغير ولادة {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} كلما أتاهن الأزواج وجدوهن عذارى بلا توجع {عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} عربا جمع عروب: وهي المتحببة إلى زوجها عشقًا له، أترابا: جمع ترب أي مستويات في السن {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} أنشأناهن وجعلناهن لأصحاب اليمين وهم {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} جماعة من هؤلاء وهؤلاء نسأل الله أن نكون منهم آمين.
(6)
{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} أي الحال في الجنة {رَأَيْتَ نَعِيمًا} لا يوصف {وَمُلْكًا كَبِيرًا} واسمًا لا غاية له.
(7)
فوقهم ثياب خضر من سندس وإستبرق.
(8)
وحلاهم ربهم بأنواع الحلى الفاخر.
وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ
(1)
» ثُمَّ قَرَأ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقاَبُ قَوْسِ أَحَدِكَمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ
(3)
»، رَوَاهُ الخَمْسَةُ.
• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
(4)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، نَسْأَلُ اللَّهَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ آمِين.
بناء الجنة وخصباؤها وترابها
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ الْخَلْقُ؟ قَالَ: «مِنَ الْماَءِ» قُلْنَا: الْجَنَّة مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: «لَبنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ
(6)
وَحَصْباَؤُهَا اللُّؤْلْؤُ وَالْياَقُوتُ وَتُرْبَتُهاَ الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهاَ يَنْعَمُ وَلَا يَبْؤُسُ
(7)
وَيُخَلَّدُ
(1)
ذخرا أي مذخورا لأهل الجنة، بله أي اترك ما رأيته في الدنيا فليس بشيء بالنسبة لما في الجنة.
(2)
مسلم هنا والآخران في التفسير. وسبق هذا في سورة السجدة.
(3)
سبق هذا في فضل الجهاد.
(4)
السوط: ما يضرب به، فقدر السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها لأنها فانية والجنة باقية خالدة. نسأل الله رضاه والجنة آمين.
بناء الجنة وحصباؤها وترابها
(5)
فبناؤها قطعة من فضة وقطعة من ذهب، وملاطها المسك، وترابها الزعفران، وحصباؤها الياقوت والمرجان.
(6)
اللبنة: هي القطعة التي يبنى بها، والملاط بالكسر: ما يوضع بين أجزاء البناء كالطين، والأذفر: شديد الرائحة.
(7)
لا يناله بأس ولا شدة.
وَلَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِياَبُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ
(1)
» ثمَّ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعاَدِلُ، وَالصَّائمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهاَ فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّماَءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ
(2)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
طبقات الجنة وأبوابها ودرجاتها
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} . وَقَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} . وَقَالَ تَعاَلَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} ، وَقَالَ تَعاَلَى:{عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} ، صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ ثَماَنِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهاَ باَبٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلهُ إِلاَّ الصَّائمُونَ
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(1)
فلا يهرمون.
(2)
سبق هذا في كتاب الأذكار.
طبقات الجنة وأبوابها ودرجاتها
(3)
فطبقات الجنة كثيرة والمذكور منها هنا جنة المأوى وجنة عدن وجنة النعيم ودار السلام وجنة الفردوس وهي أعلاهن، وفي كل طبقة من هذه عدة طبقات لقوله تعالى في تلك الآيات {جَنَّاتُ النَّعِيمِ} {جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ}. ولحديث أم حارثة حينما مات ولدها يوم بدر وجاءت تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيه فقال لها: أجنة واحدة هي: إنها جنان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى.
(4)
سبق هذا في كتاب الصوم.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «باَبُ أُمَّتِي الَّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الْجَنَّةَ عَرْضُهُ مَسِيرَةُ الرَّاكِبِ الْجَوَادِ ثَلَاثًا ثُمَّ إِنَّهُمْ لَيَضْغَطُونَ عَلَيْهِ حَتَّى تَكاَدُ مَناَكِبُهُمْ تَزُولُ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عُباَدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ مِائَة دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَماَ بَيْنَ السَّماَءِ وَالْأَرْضِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهاَرُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ
(2)
وَمِنْ فَوْقِهَا يَكونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ
(3)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ
(4)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ» .
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ لَوح أَنَّ الْعاَلَمِينَ اجْتَمَعُوا فِي إِحْدَاهُنَّ لَوَ سِعَتْهُمْ
(5)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} قَالَ: «ارْتِفاَعُهاَ لَكَماَ بَيْنَ السَّماَءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ
(6)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(7)
. نَسْأَلُ اللَّهَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ آمِين.
(1)
فباب الأمة المحمدية عرضه يسير الراكب فيه ثلاثًا ومع هذا ستنالهم زحمة وهم داخلون، وفي هذا وما قبله أن للجنان عدة أبواب؛ باب الريان، وباب الصلاة، وباب الصدقة، وذكر الثمانية في حديث سهل هنا وفي حديث عمر في كتاب الطهارة لا ينافي أنها أكثر من ذلك كما سبق ذكرها في فضائل الصوم.
(2)
التي ستأتي في أنهار الجنة.
(3)
اللهم إنا نسألك الفردوس بحق وجهك الكريم وبحق عرش العظيم آمين والحمد لله رب العالمين.
(4)
ولكن الترمذي هنا والبخاري في الجهاد.
(5)
هذه قريبة مما قبلها، فإن مساحة مسيرة مائة سنة شيء كثير، والمراد من هذه الروايات كثرة درجات الجنة.
(6)
هذه كرواية عبادة السابقة، فالفرش في الدرجات وبين الدرجات كما بين السماء والأرض أي مسيرة خمسمائة سنة.
(7)
الأخيران بسندين غريبين والأول بسند حسن، نسأل الله حسن الحال في الحال والمآل آمين.
أنهار الجنة وعيونها
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ
(1)
}. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ
(2)
}. وَقَالَ تَعَالَى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ
(3)
}، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ
(4)
} {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
(5)
} {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ
(6)
} {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى
(7)
}.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهاَرِ الْجَنَّةِ
(8)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكَوْثَرِ فَقَالَ: «ذَاكَ نَهَرٌ أَعْطاَنِيهِ اللَّهُ عز وجل فِي الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَياَضًا مِن اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِيهِ طَيْرٌ أَعْناَقُهاَ كَأَعْناَقِ الْجُزُرِ» ، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ هذِهِ لَناَعَمِةٌ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكَلَتُهاَ أَنْعَمُ مِنْهاَ
(9)
».
أنهار الجنة وعيونها
(1)
{مَثَلُ} أي صفة {الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} ما نقصّ عليكم {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ} مأكولها دائم {وَظِلُّهَا} دائم لا تنسخه شمس لعدمها في الجنة {تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا} هذه الجنة عاقبة من اتقوا الشرك وهم المسلمون {وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} .
(2)
{فِيهِمَا} أي في الجنتين المذكورتين قبل {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} أي دائما.
(3)
فوارتان يفور الماء منهما بلا انقطاع.
(4)
غير متغير بخلاف ماء الدنيا فإنه يتغير لأي شيء يصيبه.
(5)
بخلاف لبن الدنيا فإنه يتغير بأقل شيء بل وبمرور زمن قليل.
(6)
لذيذ للشاربين بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند شربها.
(7)
خالصا بخلاف عسل الدنيا فإنه يخرج من بطون نحله يخالطه شمع وغيره.
(8)
فسيحان: نهر أذنة، وجيحان: نهر المصيصة وكلاهما بأرض الأرمن، والفرات بالعراق، والنيل بمصر، ومعنى أنها من أنهار الجنة أنها تسقي المسلمين الذين سيكونون في الجنة، أو أن بعض مائها من أنهار الجنة، أو أن البركة التي فيها من أنهار الجنة وكل ممكن وجائز وسهل على قدرة الله تعالى.
(9)
إنها لناعمة أي شهية لذيذة، وأكلتها أنعم منها أي أبهى منظرا منها.
• عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْماَءِ وَبَحْرَ اْلعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ ثُمَّ تَشَقَّقُ الْأَنْهَارُ بَعْدُ
(1)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
.
أشجار الجنة وفاكهتها
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ
(3)
} فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ
(4)
فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ
(5)
فِيهِمَا مِن كُلّ فَكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ
(6)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ
(7)
. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
(8)
} وَفَكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ
(9)
.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامِ لَا يَقْطَعُهَا» .
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا
(10)
»، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ
(1)
ظاهره أن هذه أصول أنهار الجنة ومنها يتفرع كل الأنهار.
(2)
والأول بسند حسن والثاني بسند صحيح.
أشجار الجنة وفاكهتها
(3)
فلكل شخص خاف قيامه بين يدي ربه فترك معصيته وأطاعه له جنتان.
(4)
بأي نعمة من نعم ربكما تكذبان ولا تشكران أي لا يصح ذلك.
(5)
ذواتا أفنان جمع فنن وهو غصن الشجرة.
(6)
فيهما من كل فاكهة زوجان أي نوعان كرطب ويابس.
(7)
فيهما فاكهة ونخل ورمان والفاكهة أعم من النخل والرمان.
(8)
سدر مخضود: شجر نبق لا شوك فيه، وطلح منضود: شجر موز مملوء بالتمر، وظل ممدود أي دائم، وماء مسكوب أي جار دائما.
(9)
سبقت هذه في صفة الجنة.
(10)
في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد أي الفرس الجيد المضمر السريع السير، في ظلها أي تحت أغصانها وإلا فليس في الجنة شمس ولا حر ولا برد بل أنوار تتلألأ، والمراد الإخبار بعظمها =
وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ أَسْماَءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى: «يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّ الْفَتَنِ مِنْهاَ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهاَ مِائَةُ رَاكِبٍ فِيهاَ فَرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَالُ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. اللَّهُمَّ حَسِّنْ لَناَ الْحَالَ وَأَسْعِدْناَ فِي الدَّارَيْنِ ياَ رَحْمنُ آمِين.
غرف أهل الجنة
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ
الْمِيعَادَ
(2)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَماَ تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغاَبِرَ فِي الْأُفُقِ
(3)
مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: ياَ رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَناَزِلُ الْأَنْبِياَءِ لَا يَبْلُغُهاَ غَيْرُهُمْ قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِين
(4)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
= فتدل على عظيم قدرة الله تعالى فيكون إيمانًا بالغيب يستلزم كثرة الثواب، وهذه شجرة طوبى ومع علوها تتدلى لمن يريد الاقتطاف من ثمرها.
(1)
أي قلال هجر كما سبق في حديث الإسراء فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كآذان الفيول، وفراش الذهب: حيوان من ذهب ذو ألوان عجيبة يطير حول السدرة ويقف على أغصانها وهو بعض بيان لقوله تعالى {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} فشجرة طوبي وسدرة المنتهى: شجرتان عظيمتان دالتان على عظيم قدرة الله تعالى. والله أعلم.
غرف أهل الجنة
(2)
تجري من تحتها الأنهار أي من تحت الغرف الفوقانية والتحتانية وعد الله المؤمنين ذلك لا يخلف الله وعده.
(3)
الغابر في الأفق أي الذاهب في الأفق الشرقي أو الغربي.
(4)
فبعض أهل الجنة سينظرون إلى قوم في غرف عالية كأنها الكواكب علوًّا وإضاءة بسبب قوة إيمانهم وصالح أعمالهم فظنوا أنها منازل الأنبياء التي لا يبلغها غيرهم، فقال صلى الله عليه وسلم: بلى يبلغها غيرهم وهم المؤمنون الصالحون، نسأل الله أن نكون منهم آمين.
• عَنْ عَلِيّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظهُورُهَا مِنْ بُطُونِهاَ وَبُطُونُهاَ مِنْ ظُهُورِهَا فَقاَمَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ» فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ «هِيَ لِمَنْ أَطاَبَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعاَمَ وَأَدَامَ الصِّياَمَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِياَمٌ
(1)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ غَرِيبٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَماَمَ الْأُنْسِ فِي الْوِحْدَةِ وَالْغُرْبَةِ آمِين.
خيام الجنة
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(2)
}.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةَ
(3)
عَرْضُهاَ سِتُّونَ مِيلاً فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهاَ أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الْاخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهاَ سِتُّونَ مِيلاً
(4)
لِلمُؤْمِنِ فِيهاَ أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا
(5)
»، رَوَاهُماَ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ نَكونَ مِنْ أَهْلِهاَ آمِين.
(1)
أطاب الكلام أي ألانه مع الناس، وأطعم الطعام أي لله ولو مع بيته، وأدام الصيام ولو بصيام ثلاثة من كل شهر فإنها كصيام الدهر، وصلى لله والناس نيام أي صلاة العشاءين والفجر في أوقاتها، نسأل الله التوفيق آمين والحمد لله رب العالمين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله، رواه مسلم هنا، ومعنى الحديث سيأتي في الأمة قوم يحبون النبي صلى الله عليه وسلم أشد الحب ويود أحدهم لو رآه صلى الله عليه وسلم ولو ضاع ماله وهلك أهله، نسأل الله كامل محبته آمين.
خيام الجنة
(2)
حور مقصورات في الخيام أي مستورات فيها، وهذه الخيام من لؤلؤ كما يأتي.
(3)
الخيمة أصلها بيت مربع من بيوت الأعراب.
(4)
ظاهره وما قبله أن طول الخيمة وعرضها واحد.
(5)
فللمؤمن في الجنة خيمة أي بيت من لؤلؤة واحدة طوله وعرضه ستون ميلا في كل زاوية أي ناحية وجانب منه زوجات للمؤمن لا يرى بعضهن بعضا لبعد المسافة بين زواياه.
(6)
ولكن البخاري في التفسير. والله أعلم.
أسواق الجنة
(1)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّماَلِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِياَبِهِمْ
(2)
فِيِزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَماَلا فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْالِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَماَلاً» فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَناَ حُسْنًا وَجَماَلاً فَيَقُولُونَ: وَأَنْتمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتمْ بَعْدَناَ حُسْنًا وَجَماَلاً
(3)
، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنه أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقاَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ فَقاَلَ سَعِيدٌ: أَفِيهاَ سُوقٌ؟ قَالَ: نَعَمْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوهَا نَزَلُوا فِيهاَ
بِفَضْلِ أَعْماَلِهِمْ
(4)
ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْياَ فَيَزُورُونَ رَبَّهُمْ
(5)
وَيُبْرِزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدَّى لَهُمْ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِياَضِ الْجَنَّةِ
(6)
فَتُوضَعُ لَهُمْ مَناَبِرُ مِنْ نُورٍ وَمَناَبِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَمَناَبِرُ مِنْ ياَقُوتٍ وَمَنَابِرُ مِنْ إزَبَرْجَدٍ وَمَناَبِرُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَناَبِرُ مِنْ فِضَّةٍ وَيَجْلِسُ أَدْناَهُمْ وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيءٍ عَلَى كُثْباَن الْمِسْكِ وَالْكاَفُورِ وَمَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِي بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِسًا
(7)
» قَالَ
أسواق الجنة
(1)
السوق يذكر ويؤنث - وهو أفصح - مجتمع الناس لتبادل المصالح بينهم، وسوق الجنة: اجتماع أهلها في مكان وقد حفت بهم الملائكة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر يتجلى عليهم ربهم برؤيته ويكرمهم بمؤانسته ثم يأخذون ما يشتهون بلا شراء ويرجعون بغاية الحسن والجمال نسأل الله الجنة آمين.
(2)
تنثر عليهم أنواع العطر.
(3)
فتزداد المودة والمحبة بينهم أكثر من حالها بين العاشق والمعشوق.
(4)
أخذوا منازلهم ودرجاتهم بأعمالهم، وأما دخول الجنة فبفضل الله تعالى كما سبق في كتاب الزهد.
(5)
تأذن الله لهم بزيارته كل يوم جمعة أي بعد مرور زمن كالأسبوع وإلا فلا ليل في الآخرة.
(6)
يكشف الحجب عنهم حتى يروه جل شأنه.
(7)
يجلس أدنى أهل الجنة على كثبان المسك والكافور أي تلالها ولا يرون أن أصحاب المنابر أفضل منهم.
أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ نَرَى رَبَّناَ قَالَ: «نَعَمْ هَلْ تَتَماَرَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» قُلْناَ: لَا، قَالَ: «كَذلِكَ لَا تُماَرُونَ فِي رُؤُيَةِ رَبِّكُمْ
(1)
وَلَا يَبْقَى فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ رَجُلٌ إِلا حَاصَرَهُ اللَّهُ مُحَاصَرَةً
(2)
حَتَّى يَقُولَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ ياَ فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ أَتَذْكرُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا
(3)
فَيُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدَّارَتِهِ فِي الدُّنْياَ
(4)
فَيَقُولُ: ياَ رَبِّ أَفَلمْ تَغْفِرْ لِي فَيَقُولُ: بَلَى
(5)
فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هذِهِ فَبَيْنَماَ هُمْ عَلَى ذلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا مِثْلِ رِيحِهِ شَيْئًا قَطُّ» وَيَقُولُ رَبُّناَ تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأتى سوقا قد حفت به الملائكة لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب
(6)
فَيَحْمِلُ لَناَ مَا اشْتَهَيْناَ لَيْسَ يُباَعُ فِيهاَ وَلَا يُشْتَرَى
(7)
وَفِي ذلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالَ: فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ ذُو الْمَنْزِلَةِ الْمُرْتَفِعَةِ فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِئٍ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَخَيَّلَ إِلَيْهِ مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ وَذلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا
(8)
ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَناَزِلِناَ فَيَلْقاَناَ أَزْوَاجُناَ فَيَقُلْنَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَماَلِ أَفْضَلَ مِمَّا
(1)
تتمارون أي تشكون، كذلك لا تمارون في رؤية ربكم أي لا تشكون فيها.
(2)
من الحصر وهو الإحاطة الخاصة: أي حادثه في أمره فقط وما قدمه في دنياه فبيانه ما بعده.
(3)
وفي نسخة: يوم قلت كذا وكذا.
(4)
غدارته بفتح فتشديد أي غدرته، من الغدر ضد الوفاء.
(5)
أي غفرت لك.
(6)
في هذا السوق ما لم تنظره العيون ولم تسمع به الآذان ولم يخطر على قلب مخلوق.
(7)
ليس في السوق بيع وشراء بل من أحب شيئا أخذه.
(8)
وفي هذا السوق يقبل الرجل ذو المكانة الرفيعة وعليه الملابس الفاخرة فيلقاه من هو أقل منه فيمهره ما يرى عليه من اللباس فيقفان فيتحدثان وقبل نهاية حديثهما يظهر له أن عليه ملابس أفخر من ملابس ذي المنزلة الرفيعة فيمتلئ فرحا ولا يحزن.
فاَرَقْتَناَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: إِنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّناَ الْجَبَّارَ وَبِحَقِّناَ أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْناَ
(1)
.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا فِيهاَ شِرَاءٌ وَلَا بَيْعٌ إِلا الصُّوَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهاَ
(2)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(3)
نَسْأَلُ اللَّهَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ آمِين.
الزرع والخيل في الجنة لمن يشاء
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْباَدِيَةِ
(4)
أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَسْتَأْذِنُ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقاَلَ اللَّهُ لَهُ: أَوَ لَسْتَ فِيماَ شِئْتَ
(5)
قَالَ: «بَلَى وَلكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَباَدَرَ الطَّرْفَ نَباَتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْويرُهُ أَمْثاَلَ الْجِباَلِ» فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شئ، فَقاَلَ الْأَعْرَابِيُّ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجِدُ هذَا إِلا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيّاً فَإِنَّهُمْ أَصْحاَبُ زَرْعٍ فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعِ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(6)
، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ.
(1)
لقد جالسنا اليوم ربنا الجبار الذي يجبر كسر عباده ويرفع شأنهم فيحق لنا أن نعود لكم بجمال باهر نسأل الله ذلك.
(2)
وكذا إذا اشتهت المرأة صورة كانت فيها، فيظهر من هذا أن نساء الدنيا يحضرن هذا السوق، وهل يحضرن مجلس ربهن فيرونه ويحادثهن، الظاهر نعم لعموم النصوص، وفضل الله واسع؛ ولعلهن ينصرفن قبل الرجال لقوله السابق: فيلقانا أزواجنا فيكون ذلك أدعى وأقوى للشوق والمحبة نسأل الله كامل محبته آمين.
(3)
بسندين غريبين والله أعلى وأعلم.
الزرع والخيل في الجنة لمن يشاء
(4)
هو الأعرابي الآتي.
(5)
أي متمتعا بكل ما تشتهي.
(6)
فرجل من أهل الجنة يقول: يا رب أحب أن أزرع فأذن لي فيقول الله له: ألم تكن متمتعا بكل ما تشتهي؟ فيقول: نعم يا رب، ولكني أحب الزرع فيأذن الله تعالى له فيلقي البذر ففي طرفة عين ينبت ويستوى ويتم أمره ويحصد ويصير أكوامًا كالجبال فيقول الله تعالى: تمتع يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء، فقال أعرابي كان جالسا: يا رسول الله هذا قرشي أو أنصارى فإنهم أصحاب زرع بخلافنا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم من سمة كرم الله ولطفه بعباده حتى يجيبهم في كل شيء جل شأن ربنا وعلا.
• عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَيْلٍ قَالَ: «إِنِ اللَّهُ أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ فَلَا تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهاَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ ياَقُوتَةٍ حَمْرَاءَ لَهُ جَناَحَانِ يِطِيرُ بِكَ في الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ
(1)
» قَالَ: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقاَلَ: ياَ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ إِبِلٍ قَالَ: فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ، قَالَ: «إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ يَكُنْ لَكَ فِيهاَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ
(2)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدِريِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي
(3)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(4)
.
أوصاف أهل الجنة
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ
(6)
} وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَبِلِينَ
(7)
لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ
(8)
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ
(9)
} هُمْ وَأَزْوجُهُمْ
(1)
إلا كان لك ذلك.
(2)
فللواحد من أهل الجنة كل ما يشاء.
(3)
فإذا اشتهى شخص من أهل الجنة ولدًا كان حمله ووضعه وكماله في ساعة واحدة، زاد في رواية: ولكن لا يشتهي، وفي رواية: إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد أي فإن التناسل والتكليف محلهما في الدنيا والله أعلم.
(4)
الأول بسند مسكوت عنه والثاني بسند حسن.
أوصاف أهل الجنة
(5)
أظهر الأوصاف الآتية للرجال وإن كانت النساء تشاركهم في الصفات الآتية كلها ولكن لكل نوع درجته ومكانته وسيأتي وصف نساء الجنة.
(6)
{في جنات} بساتين {وعيون} تجرى فيها
ويقال لهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} أي مع سلام وأمن من كل فزع وخوف.
(7)
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} أي حقد حال كونهم {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} لدوران الأسرة بهم.
(8)
{لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} أي تعب {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} بل هم مخلدون فيها أبدا.
(9)
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ} عما فيه أهل النار بما يتلذذون به كافتضاض الأبكار {فَاكِهُونَ} ناعمون بكل ما يحبون.
فِى ظِلَلٍ عَلَى الاْرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ
(1)
لَهُمْ فِيهَا فَكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ
(2)
سَلَامٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ
(3)
صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لَا يَفْنَى شَباَبُهُمْ وَلَا تَبْلَى ثِياَبُهُمْ
(4)
».
• عَنْ مُعاَذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً» .
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يَرِدُونَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهاَ أَبَدًا وَكَذلِكَ أَهْلُ النَّارِ
(5)
»، رَوَى هذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ
لَيْلَةَ الْبَدْرِ
(7)
وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيَ فِي السَّماَءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطونَ
وَلَا يَتْفِلُونَ
(8)
أَمْشَاطهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجاَمِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ
(9)
وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ
(10)
(1)
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ} جمع ظلة أو ظل أي فلا شمس فيها {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} الأرائك جمع أريكة: وهي السرير في الحجلة.
(2)
لهم فيها كل فاكهة ولهم فيها كل ما يتمنون.
(3)
سلام بالقول من رب رحيم بهم أي يأتيهم من الله السلام من حين لآخر.
(4)
جرد جمع أجرد: وهو الذي لا شعر في جسمه، وضده الأمر الذي امتلا جسمه بالشعر، ومرد جمع أمرد: وهو الذي لم تنبت لحيته، وكل جمع أكحل: وهو مكحول العينين.
(5)
فكل شخص من أهل الجنة يكون أجرد وأمرد وأكحل العينين سنه ثلاثون سنة ولو مات في دنياه طفلا صغيرا، وهل لهم أهداب وحواجب لأعينهم؛ الظاهر نعم فإنها من الجمال.
(6)
الثالث بسند غريب والأولان بسندين حسنين.
(7)
في كمال الصفاء وتمام النور لا في الاستدارة.
(8)
بل أكلهم وشربهم يتصرف بالجشاء ورشح كرشح المسك.
(9)
مباخرهم العود الهندى هذا تمثيل بما يعرفون في الدنيا وإلا فما في الجنة أعظم مما يعرفونه في الدنيا فليس فيها إلا الأسماء فقط.
(10)
كأنهم رجل واحد فلا تحاسد ولا تباغض بل بينهم تمام المودة والمحبة.
عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّماَءِ
(1)
»، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتاَنِ
(2)
يُرَى مُخُّ سَاقِهِماَ مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ
(3)
لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ
(4)
يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا
(5)
، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهاَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتْفِلُوُنَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ» قَالُوا: فَمَا باَلُ الطَّعاَمِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ
(6)
يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَماَ تُلْهَمُونَ النَّفَس
(7)
» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِماَعِ» قِيلَ ياَ رَسُولَ اللَّهِ أَوَ يُطيِقُ ذلِكَ قَالَ: يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ
(8)
.
• عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ
(9)
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
(1)
فكل أهل الجنة كطول وعرض آدم عليه السلام ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع كما سبق في أول تفسير سورة البقرة.
(2)
من نساء الدنيا وإلا فأدنى أهل الجنة له ثنتان وسبعون زوجة كما سيأتي في أدنى أهل الجنة فليس في الجنة أعزب.
(3)
من صفاء جسمها وحسنه وجماله يرى المخ من داخل الساق كما يرى ماء الشرب في داخل جيدها أو هذا كناية عن كمال الصفاء والجمال.
(4)
على قلب واحد فلا اختلاف بينهم.
(5)
يلهمون التسبيح دائمًا من غير تعب ومشقة.
(6)
فمشروبهم يتصرف رشحا وعرقا على أجسامهم كرشح المسك. ومأكولهم يتصرف بالجشاء الذي هو تنفس المعدة من غير رائحة كريهة.
(7)
فالتنفس ضروري للإنسان ولا مشقة عليه فيه كذلك ذكرهم الله تعالى بل مع التلذذ به.
(8)
فالرجل من أهل الجنة يكون في الجماع كقوة مائة رجل كما روى أنه إذا كان يجامع واحدة التذت باقي الزوجات مع التباعد بينهن كما سبق: في كل زاوية أهل لا يرون الآخرين.
(9)
خوافق الأرض والسموات أي نواحيها وجوانبها، فقدر ما يحمله الظفر من الجنة إذا ظهر في الدنيا تزخرفت له أي امتلأت عطرا وإضاءة.
اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَماَ تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ
(1)
»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
، نَسْأَلُ اللَّهَ رِضاَهُ وَالْجَنَّةَ آمِين.
صفة نساء أهل الجنة
(3)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنٌّ
(4)
} فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ
(5)
فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ
(6)
} فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورتٌ فِى الْخِيَامِ فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ
(7)
} فَبِأَىّ ءالآء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ. وَقَالَ تَعاَلَى: {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأًّصْحَابِ الْيَمِينِ
(8)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقاَبُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَدَمِهِ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْياَ
وَمَا فِيهاَ
(9)
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ
(1)
فلو ظهر شيء من حلى الرجل من أهل الجنة في الدنيا لغلب نوره على نور الشمس.
(2)
الثاني بسند غريب والأول بسند صحيح.
صفة نساء أهل الجنة
(3)
وهن الحور العين ونساء الدنيا، وقيل إن نساء الدنيا سيكن أجمل من الحور العين جبرًا لما تحملوه في الدنيا ولا سيما الحمل والولادة وتربية الأولاد وخدمة الأزواج.
(4)
فيهن أي الجنتين وما اشتملتا عليه من الغرف والعلالي والقصور. نساء قاصرات الطرف أي العيون على أزواجهن، لم يطمثهن أي لم يزل بكارتهن إنس ولا جان بل كلما افتضها وعاد إليها وجدها بكرا.
(5)
في البياض والصفاء والحسن والجمال.
(6)
خيرات في الأخلاق حسان في الأشكال والهيئات.
(7)
رفرف جمع رفرفة وهي البساط والوسادة، وعبقري جمع عبقرية وهي الطنفسة أي البساط الذي له خمل ووبر كالبساط القطيفة عندنا الآن.
(8)
أنشأناهن إنشاء أي الحور العين من غير ولادة فجعلناهن أبكارا أي عذارى وكذا نساء الدنيا كلما جامعها زوجها وجدها بكرا ولا وجع ينالها، عربا أترابا جمع ترب: وهو المساوي في السن، وعرب جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها المتعشقة فيه.
(9)
سبق هذا في كتاب الجهاد.
مَا بَيْنَهُماَ وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُماَ رِيحًا وَلَنَصِيفُهاَ ـ يَعْنِي الْخِماَرَ ـ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْياَ وَمَا فِيهاَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
(1)
.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُرَى بَياَضُ سَاقِهاَ مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهاَ
(2)
». وَذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} فَأَمَّا الْياَقُوتُ فَإِنهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَرَأَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ
(3)
.
• عَنْ عَلِيَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ مِثْلَهاَ» يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ وَنَحْنُ النَّاعِماَتُ فَلَا نَبْؤُسُ
(4)
وَنحْنُ الرَّاضِياَتُ فَلَا نَسْخَط طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَناَ وَكُنَّا لَهُ، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(5)
، نَسْأَلُ اللَّهَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ آمِين.
أول من يدخل الجنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته
(6)
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَناَ أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ وَأَناَ أَكْثَرُ الْأَنْبِياَءِ تَبَعًا
(7)
».
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِياَءِ تَبعًا يَوْمَ الْقِياَمَةِ وَأَناَ أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ باَبَ الْجَنَّةِ
(8)
».
(1)
ولكن البخاري في الرقائق.
(2)
وهذا من رقة الحلل وصفائها.
(3)
فالسلك يرى من داخل الياقوت لصفائه، وهذا في الدنيا فما بالك به في الجنة لا شك أنه أعظم وأجمل.
(4)
فلا نبيد أي لا نفني، فلا نبؤس بل تدوم نعومتهن وجمالهن، وهل هذا الاجتماع لكل الحور أو لكل زوجات رجل، الظاهر الثاني وروي أن ما في هذا الحديث تفسير لقوله تعالى {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أي يسرون بما يسمعون من أصوات الحور العين وغيرهن.
(5)
الثاني بسند غريب والأول مسكوت عنه والله أعلم.
أول من يدخل الجنة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته
(6)
فأول مخلوق يدخل الجنة محمد صلى الله عليه وسلم ثم الرسل ثم الأنبياء - صلى الله عليهم وسلم -؛ ثم الأمم وأولهم الأمة المحمدية لما سبق في الجمعة: نحن السابقون يوم القيامة.
(7)
سبق هذا في أول الشفاعة.
(8)
فأكثر الرسل أتباعا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لبقاء شرعه إلى يوم القيامة وهذا يلزمه العلو والرفعة والأبهة والسؤدد على جميع الخلائق صلى الله عليه وسلم.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَناَ أَوَّلُ شَفِيعٍ فِي الْجَنَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِياَءِ مَا صُدِّقْتُ
(1)
وَإِنَّ مِنَ الْأَنْبِياَءِ نَبِيًّا مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أُمَّتِهِ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ».
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «آتِي باَبَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ فَأَسْتَفْتَحِ» فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: «مُحَمَّدٌ» فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَك
(2)
. رَوَى هذِهِ الْأَرْبَعَةَ مُسْلِمٌ
(3)
.
• عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ
سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ
(4)
مُتَماَسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ
(5)
وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
الذين يدخلون الجنة بغير حساب
(6)
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ
(7)
» فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ
(8)
وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشْرَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ
(9)
فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ
(10)
قُلْتُ: «ياَ جِبْرِيلُ هؤُلَاءِ أُمَّتِي» ؟ قَالَ: لَا، وَلكِنِ
(1)
فالمصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم أكثر من المصدقين بغيره من الرسل - صلى الله عليهم وسلم - لعموم رسالته ولطول زمن شرعه.
(2)
يذهب النبي صلى الله عليه وسلم للجنة فيضرب الباب بحلقته فيقول الخازن: من أنت؟ فيقول: محمد، فيقول: أمرني ربي ألا أفتح لأحد قبلك، فيفتح له فيدخل صلى الله عليه وسلم.
(3)
مرويات مسلم هنا في الإيمان.
(4)
أو للشك.
(5)
لدخولهم معترضين صفًّا واحدًا قد أخذ بعضهم بيد بعض، وفيه دليل على سعة باب الجنة، نسأل الله رضاه والجنة لنا وللمسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.
الذين يدخلون الجنة بغير حساب
(6)
بيان من يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب.
(7)
مثلت لي ليلة الإسراء.
(8)
فأخذ النبي، وفي رواية: فأجد النبي أي من الأنبياء يمر ومعه الأمة أي جماعة عظيمة هم أمته ويمر آخر ومعه النفر: جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة.
(9)
فكل واحد يمر معه أمته ومن لم يتبعه أحد يمر وحده.
(10)
جماعة عظيمة ملأت الأفق أي ناحية السماء.
انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ
(1)
قَالَ: هؤُلَاءِ أُمَّتُكَ
(2)
وَهؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا
عَذَابَ
(3)
قُلْتُ: وَلَمِ؟ قَالَ: «كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
(4)
» فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقاَلَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ» ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ: «سَبَقَكَ بِاَ عُكَّاشَةُ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخاَنِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
الأمة المحمدية أكثر أهل الجنة
(6)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَقَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ؟ قَالَ قُلْناَ: نَعَمْ فَقاَلَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَقُلّنَا: نَعَمْ فَقاَلَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا
(1)
وفي رواية: فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق مثله.
(2)
وفي رواية أحمد: فرأيت أمتي قد ملأوا السهل والجبل فأعجبني كثرتهم فقيل "أرضيت يا محمد؟ " قلت: نعم يا رب.
(3)
وفي رواية: ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب.
(4)
هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون أي أبدا أو بغير القرآن، ولا يتطيرون: لا يتشاءمون بالطيور وغيرها، وعلى ربهم يتوكلون، ولمسلم: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير أي في الرقة والخوف والهيبة والتوكل على الله تعالى كحال كثير من السلف رضي الله عنهم ولعلهم ممن يدخلون الجنة بغير حساب.
(5)
سبق هذا الحديث في خاتمة كتاب الطب، وسبق في الحساب للترمذي: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفًا وثلاث حثيات من حثياته، ولأحمد والبيهقي مثله، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حسابا يسيرا ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب. رواه الحاكم والبيهقي في الشعب. وهذا لا ينافي ما في الكتاب لاحتمال أن ما هنا نوع آخر ممن يدخلون الجنة بغير حساب أو أن زيادة الحسنات مشروطة بالتوكل الذي في حديث الكتاب والله أعلم.
الأمة المحمدية أكثر أهل الجنة
(6)
أكثر أهل الجنة أي نصف أهلها كما في حديث الشيخين أو ثلثاها كما في حديث الترمذي.
نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلهاَ إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعَرْةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفَ، ثَماَنُونَ مِنْهاَ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائرِ الْأُمَمِ
(3)
"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن. نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ آمِين.
ما أول طعام أهل الجنة وما شرابهم عليه
(4)
• عَنْ ثَوْباَنَ رضي الله عنه مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كنْتُ قَائمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْباَرِ الْيَهُودِ
(5)
فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ ياَ مُحَمَّدُ فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهاَ فَقاَلَ: لِمَ تَدْفَعُنِي فَقُلْتُ: أَلَا تَقُولُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الْيَهُوِديُّ: إِنَّماَ نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي» فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جئْتُ أَسْأَلُكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَنْفَعُكَ شَىْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ
(6)
» قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُودٍ مَعَهُ
(7)
فَقَالَ: «سَلْ» فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ
(8)
»
(1)
المراد بالأحمر هنا الأبيض كحديث: بعثت إلى الأحمر والأسود.
(2)
ولكن البخاري في الرقائق.
(3)
فأهل الجنة سيصطفون صفوفا ولعله في الموقف وعددهم مائة وعشرون والأمة المحمدية منهم ثمانون صفا لكثرة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم على أتباع جميع الرسل - صلى الله عليهم وسلم - وفيه تمام الفخر ونهاية الرفعة للنبي صلى الله عليه وسلم على سائر الخلائق، نسأل الله أن نكون من خيار الأمة آمين.
ما أول طعام أهل الجنة وما شرابهم عليه
(4)
أول ما يطعمونه في الجنة زيادة كبد الحوت وغذاؤهم عقبه من ثور الجنة وشرابهم على ذلك من عين السلسبيل.
(5)
الخبر بالفتح: العالم.
(6)
تدخل في الإسلام.
(7)
جعل ينكت في الأرض بقضيب في يده.
(8)
أي على الصراط كما مر في أول الكتاب.
قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً
(1)
قاَلَ: «فُقَرَاءُ الْمُهاَجِرِينَ قاَلَ الْيَهُودِيُّ: فَماَ تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلونَ الْجَنَّةَ قاَلَ:
زِياَدَةُ كَبِدِ النُّونِ
(2)
قَالَ: فَماَ غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا
(3)
قَالَ: «يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهاَ» قاَلَ: فَماَ شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ
(4)
قَالَ: «مِنْ عَيْنٍ فِيهاَ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا» قَالَ: صَدَقْتَ، وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ قَالَ: يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ» قاَلَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ قاَلَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ
(5)
قَالَ: «مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ فَإِذَا اجْتَمَعاَ فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ
آنَثاَ بِإِذْنِ اللَّهِ
(6)
» قاَلَ الْيَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ هذَا وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى أَتاَنِي اللَّهُ بِهِ
(7)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْغُسْلِ فِي كِتاَبِ الطَّهاَرَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَماَمَ الطَّهاَرَةِ آمِين.
(1)
مرورا على الصراط.
(2)
طرف كبد الحوت ويظهر أنه لذيذ جدا حيث كان تحفة لأهل الجنة.
(3)
وفي رواية: فما غذاؤهم على أثرها بفتحتين أي تلك التحفة.
(4)
على ذلك الغذاء.
(5)
أي عن سبب ذكورته أو أنوثته بدليل الجواب.
(6)
إذا اجتمعا فعلا مني الرجل أي سبق أو غلب جاء الولد ذكرًا وإن كان العكس جاء الولد أنثى، وهذا سبب فقط وإلا فالحمل يأتي على ما في علم الله تعالى فحينما سأل اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسائل الست لم يكن يعلمها نزل عليه جبريل بها حال السؤال ليظهر صدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة والرسالة.
(7)
وسبق في تفسير: من كان عدوًّا لجبريل في سورة البقرة أسئلة عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه ومنها: أول طعام أهل الجنة زيادة كبد الحوت، ومنها: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، نسأل الله رضاه والجنة لنا وللمسلمين آمين.
أهل الجنة مخلدون فيها أبداً
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ
عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ
(1)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ
(2)
» جِئَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبحُ ثُمَّ يُناَدِي مُناَدٍ: «ياَ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، ياَ أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الرَّقَائِقِ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُماَ:«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِياَمَةِ أُتِيَ بِالْمَوْتِ كَالْكَبْشِ الْأَمْلَحِ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُذْبَحُ وَهُمْ يَنْظرُونَ فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مَاتَ فَرَحًا لَماَتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مَاتَ حُزْنًا لَماَتَ أَهْلُ النَّارِ، وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيُّ: فَإِذَا أَدْخَلَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ أُتِيَ بِالمَوْتِ فَيُوقَفُ عَلَى السُّورِ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُقاَلُ: ياَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ ثُمَّ يُقاَلُ: ياَ أَهْلَ النَّارِ فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ يَرْجُونَ الشَّفاَعَةَ فَيُقاَلُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا فَيَقُولُونَ: قَدْ عَرَفْنَاهُ وَهُوَ الْمَوْتُ الَّذِي وُكِّلَ بِناَ فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ عَلَى السُّورِ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُقاَلُ: ياَ أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ وَياَ أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ» ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْياَ
(3)
.
أهل الجنة مخلدون فيها أبدًا
(1)
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا} غير {ما شاء ربك} من الزيادة على مدتهما مما لا نهاية له {عطاء غير مجذوذ} غير مقطوع أي أعطاهم ذلك خالدًا مخلدا أبدا.
(2)
ولم يبق في النار من عصاة الموحدين أحد فصار من في الجنة هم الخالدون فيها ومن في النار هم الخالدون فيها.
(3)
أي كانوا فيها في غفلة وسبق هذا في تفسير سورة مريم عليها وعلى عيسى رفيع السلام.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ لَا تَبْلَى ثِياَبُهُ
وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ
(1)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يناَدِي مُناَدٍ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا
(2)
» وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْتَئِسُوا أَبَدًا
(3)
فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
(4)
} رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ.
كشف الحجاب عن أهل الجنة فيرون ربهم جل شأنه
(5)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
(6)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ.
• عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَماَ تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غرُوبِهاَ» فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ» ، رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ
(7)
.
(1)
لا يبأس من البأس والبؤس والبأساء: وهي شدة الحال والفقر، فأهل الجنة لا تنالهم شدة ولا خلق في ملابسهم بل هم دائما في جدة ملابس وشباب كامل ونعيم واسع.
(2)
فلا ينالهم أي سقم.
(3)
وفي رواية: فلا تيأسوا أبدا أي لا ينالك أي شيء مكروه.
(4)
أي أورثكم الله المنازل فيها بأعمالكم وأورثكم منازل الكفار بإيمانكم وأدخلكم الجنة بفضله عليكم جل شأن ربنا وعلا نسأله رضاه والجنة لنا وللمسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.
كشف الحجاب عن أهل الجنة فيرون ربهم جل شأنه
(5)
سبقت عدة أحاديث تثبت الرؤية كأحاديث الشفاعة وأحاديث أسواق أهل الجنة، فالمؤمنون سيرون ربهم في الجنة ولكنها رؤية من غير كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل، قال تعالى {ليس كمثله شي وهو السميع البصير} ولو لم تكن ثابتة للمؤمنين ما نيح على الكافرين بحرمانها، قال تعالى {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} .
(6)
{وجوه يومئذ} أي في الآخرة {ناضرة} حسنة مضيئة {إلى ربها ناظرة} ستنظره في الجنة إن شاء الله تعالى.
(7)
سبق هذا الحديث في المحافظة على الصلاة.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَنَّتاَنِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُماَ وَمَا فِيهِماَ، وَجَنَّتاَنِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُماَ وَمَا فِيهِماَ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِياَءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ
(1)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(2)
.
• عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَلَا هَذِهِ الْايَةَ {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ثُمَّ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ» فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَناَ أَلَمْ تُدْخِلْناَ الْجَنَّةَ وَتُنْجِناَ مِنَ النَّارِ قَالَ: «فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَماَ أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل
(3)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، نَسْأَلُ اللَّهَ كَماَلَ النَظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ آمِين.
ملاطفة اللَّه لأهل الجنة وإحلال الرضوان عليهم
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
(4)
} {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(5)
} صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ وَأَحَلَّ عَلَيْناَ رِضْوَانَهُ الْكَرِيمُ.
(1)
هذا الحديث بيان للجنتين المذكورتين في قوله تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} .
(2)
سبق هذا في تفسير سورة الرحمن.
(3)
فليس عند أهل الجنة شيء ألذ ولا أحلى من النظر إلى وجهه الكريم، وسبق هذا الحديث في تفسير سورة يونس عليه السلام، فهذه النصوص صريحة في أن المؤمنين سيرون ربهم في الجنة من حين لآخر كيوم الجمعة السابق في أسواق الجنة، وفي غيره، وربما يراه بعضهم في أقل من أسبوع، وربما يراه بعضهم بكرة وعشيا على حسب درجاتهم وقربهم من ربهم جل شأنه، كما يأتي في أقل أهل الجنة وأعلاهم، وفي نفس الرؤية أيضًا يتفاوتون، فبعضهم يراه بعينيه فقط وهذا أقلهم، وبعضهم يراه بوجهه كله وهذا أوسطهم، وبعضهم يراه بجسمه كله، وهذه أحلى وأكرم وأعلى، نسأل الله أن نكون منهم بمنه وفضله وكرمه آمين والحمد لله رب العالمين.
ملاطفة الله لأهل الجنة وإحلال الرضوان عليهم
(4)
أي إقامة خالدة.
(5)
ورضوان من الله أكبر وأعظم من كل نعيم ذلك هو الفوز العظيم.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: ياَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّناَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: هَلْ رضيتُمْ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَناَ لَا نَرْضَى ياَ رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَناَ مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ
(1)
فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا
(2)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ.
النار وأبوابها وأوصافها
قَالَ اللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً
(3)
}.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ
(4)
}. وَقَالَ تعَالَى: {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ
(5)
}. وَقَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى
(6)
}. وَقَالَ تَعَالَى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَآ
(1)
وهو النعيم الواسع في الجنة الخالدة الذي لم تعطه للكافرين.
(2)
أنزل عليكم نهاية رضائي أبد الآبدين، ولا شكَّ أنهم يجدون لرضوانه لذة لا شيء يعد لها كما يشعر أحد حاشية الملك برضاه عنه فيدوم عظيم سروره، ومعلوم أن السعادة الروحانية أفضل وأعلى من الجسمانية لدوامها بخلاف الجسمانية فإنها عند سببها فقط كالأكل والنكاح والشراب والسماع، نسأل الله رضاه ورضوانه لنا ولجميع المسلمين آمين والحمد لله رب العالمين.
النار وأبوابها وأوصافها
(3)
المكان الأسفل من النار وهو قعرها، ولن تجد لهم نصيرا مانعًا من العذاب عنهم.
(4)
لموعدهم أي الكفار، لها سبعة أبواب أي أطباق لكل باب منها جزء مقسوم نصيب معلوم.
(5)
سبقت هذه الآية.
(6)
{كلا إنها} أي النار {لظى} لأنها تتلظى وتتلهب على الكفار {نزاعة للشوى} جمع شواة وهى جلدة الرأس {تدعو من أدبر وتولى} أي عن الإيمان بقولها: أقبل إليّ أقبل إليّ {وجمع فأوعى} جمع المال وأمسكه في وعائه فلم يؤد حق الله منه.
أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
(1)
}. وَقَالَ تَعاَلَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ
(2)
}. وَقَالَ تَعاَلَى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ
(3)
}. وَقَالَ تَعاَلَى: {كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ
(4)
}.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ التِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ» قاَلُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكاَفِيَةً ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّهاَ فُضِّلَتْ عَلَيْهاَ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهاَ مِثْلُ حَرِّهَا
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهاَ» فَقاَلَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا
(1)
{سأصليه} سأدخل الوليد بن المغيرة في {سقر} {وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر} شيئًا من لحمه وعظمه وعصبه ثم يعود كما كان {لواحة للبشر} محرقة له بسرعة {عليها تسعة عشر} ملكا هم خزنتها.
(2)
{إن الأبرار} المؤمنين الصادقين {لفي نعيم} في الجنات {وإن الفجار} الكفار {لفي جحيم} نار محرقة {يصلونها يوم الدين} يدخلونها ويقاسون عذابها يوم الجزاء.
(3)
{من خفت موازينه} بأن رجحت السيئات على الحسنات {فأمه هاوية} مسكنه الهاوية {وما أدراك ما هيه نار حامية} شديدة الحرارة.
(4)
{لينبذن في الحطمة} ليطرحن فيها {وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة} المسعرة {التي تطلع على الأفئدة} تصل إلى القلوب فتحرقها {إنها عليهم مؤصدة} مطبقة {في عمد ممددة} تكون النار داخل العمد الممدة، نسأل الله السلامة منها آمين. فاتضح مما تقدم أن أبواب النار سبعة وهي: جهنم، والسعير، ولظى، وسقر، والجحيم، والهاوية، والحطمة، ولعل ترتيبها على ذكرها في الحديث السابق في شرح أول الحواميم، ومعلوم أن كل باب من هذه الطبقة من طبقات النار التي أسفلها طبقة المنافقين.
(5)
وفي رواية: كلهن مثل حرها، فنار الآخرة حرارتها أقوى من حرارة نار الدنيا بتسعة وستين مرة، قيل إن جبريل حينما جاء بشرارة من النار لينتفع بها أهل الأرض غمسها في الماء تسعة وستين مرة لتخف حرارتها عليهم ولو غمسها مرة أخرى لطفئت فسبحان الخلاق العظيم.
(6)
ولكن البخاري في التوحيد.
فَأَذِنَ لَهاَ بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ
(1)
، رَوَاهُ الخَمْسَةُ
(2)
وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيُّ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئذٍ لَهاَ سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكِ يَجُرّونَهاَ
(3)
».
• وَعَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً
(4)
فَقاَلَ: «تَدْرُونَ مَا هذَا» قُلْناَ: اللَّهَ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ قاَلَ: «هَذَا حَجَرٌ رْمِي بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِى فِي النَّارِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا
(5)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ
(6)
يَوْمَ الْقِياَمَةِ لَهاَ عَيْناَنِ تُبْصِرَانِ وَأُذُناَنِ تَسْمَعاَنِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ» يَقُولُ: «إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَوَ بِالْمُصَوِّرِينَ
(7)
».
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ رُضَاضَةً مِثْلَ هذِهِ وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ أُرْسِلَتْ مِنَ السَّماَءِ إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الْأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْلِ
(8)
وَلَوْ أَنَّهاَ أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْلَ وَالنَّهاَرَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهاَ أَوْ قَعْرَهَا»
(9)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُوقِدَ
(1)
سبق في أول كتاب الصلاة.
(2)
ولفظ الترمذي: فأما نفسها في الشتاء فزمهرير أي برد شديد؛ وأما نفسها في الصيف فسموم أي حر شديد، ففيه أن بعض التعذيب يكون بالبرد الشديد ولا غرابة فالنفس تتألم منه كالحر الشديد.
(3)
فإذا كانت جهنم وهي أخف طبقات النار تجر بسبعين ألف سلسلة يجر كل واحدة منها سبعون ألف ملك فكيف بباقي الطبقات، نسأل الله السلامة منها آمين.
(4)
سقطة عظيمة كسقوط شيء عظيم من عال.
(5)
المراد بالخريف العام لا أحد الفصول الأربعة.
(6)
تشبه عنق الجمل.
(7)
الذين كانوا في الدنيا يصورون صورًا تعبد من دون الله تعالى، فتخرج عنق من النار فتقول ذلك ثم تخطفهم وتنزل بهم في النار.
(8)
فلو أن رضاضة أي قطعة حجر مثل الجمجمة أي عظم الرأس رميت من السماء على الأرض لبلغتها في أقل من يوم وليلة.
(9)
ولو أنها أرسلت من رأس سلسلة من سلاسل النار ما بلغت قعرها في أربعين سنة.
عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهاَ أَلْفَ سَنَةٍ حتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهاَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ
(1)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَسُرَادِقُ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ كُثُفٍ كُلُّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً
(2)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ ناَرٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ الْكاَفِرُ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِى كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا
(3)
».
• عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَتَهْوِي فِيهاَ سَبْعِينَ عَامًا وَمَا تُفْضِى إِلَى قَرَارِهَا
(4)
» قَالَ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ وَإِنَّ مَقاَمِعَهاَ حَدِيدٌ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ ناَمَ هَارِبُهاَ وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهاَ
(5)
»، رَوَى هَذِهِ السَّبْعَةَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
(1)
فهي الآن سوداء مظلمة.
(2)
فسرادق النار المذكور في قوله تعالى "أحاط بهم سرادقها بناء عظيم جدا وهو أربعة جدر غلاظ كل منها مسيرة أربعين سنة.
(3)
فالصعود المذكور في قوله تعالى {سأرهقه صعودا} جبل في النار من نار يكلف الكافر بصعوده إلى أعلاه فيصعد فيه حتَّى يصل أعلاه في سبعين سنة ثم يؤمر بالهوى إلى أسفله فإذا وصله أمر بالصعود إلى أعلاه وهكذا زيادة في تعذيبه جزاء على زيادته في كفره نسأل الله السلامة.
(4)
وما تصل الصخرة إلى قعرها، ولعل هذا الطبقة أبعد من التي وصل الحجر إلى نهايتها في سبعين عاما حينما سمها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
(5)
أي ما رأيت شيئًا مؤلما عظيما خالدا وصاحبه ينام ولا يفر منه مثل النار، ولا رأيت نعيما واسعًا. خالدا يطلبه كل إنسان ويتمناه وينام عنه مثل الجنة.
(6)
الأربعة الأخيرة بأسانيد ضعيفة والثالث مسكوت عنه والأول والثاني بسندين صحيحين والله أعلم.
صفة أهل النار
(1)
قَالَ اللَّهُ تَعاَلَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً
(2)
} كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ
(3)
بَدَّلْنَهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ
(4)
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً
(5)
.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَي الْكاَفِرِ فِي النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ
(6)
» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(7)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ضِرْسُ الْكاَفِرِ أَوْ نَابُ الْكاَفِرِ مِثْلُ أُحُدٍ
(8)
وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: «إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكاَفِرِ اثْناَنِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا
(9)
وَإِنَّ ضِرسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَماَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
(10)
».
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ضِرْسُ الْكاَفِرِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مُثْلُ الْبَيْضَاءِ
(11)
وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ مِثْلَ الرَّبَذَةِ
(12)
».
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْكَافِرَ لَيُسْحَبُ لِسَانُهُ الْفَرْسَخَ وَالْفَرْسَخَيْنِ
يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ
(13)
».
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
صفة أهل النار
(1)
أي ذكر شيء من أوصافهم أي الكفار في النار وإلا فهي لا يعلمها إلا الله الذي خلقها.
(2)
ندخلهم نارا يحترقون فيها.
(3)
احترقت جلودهم.
(4)
{بدلناهم جلودا غيرها} بأن تعاد إلى حالها الأولى قبل الإحراق {ليذوقوا العذاب} ليقاسوا شدته.
(5)
{عزيزا} لا يعجزه شيء أراده {حكيما} في صنعه.
(6)
فبين منكبه الأيمن والأيسر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع.
(7)
ولكن البخاري في الرقائق.
(8)
يظهر أن أو للتنويع.
(9)
هذا لبعض الكفرة وما قبله البعض آخر فلا منافاة بينهما.
(10)
ومسافة ما بينهما ثنتا عشرة مرحلة.
(11)
اسم مكان بحمى الربذة وقيل اسم جبل.
(12)
الربذة: اسم مكان على ثلاث مراحل من المدينة، وهذا لبعض الكفار فلا ينافي ما قبله القائل: مجلسه كما بين مكة والمدينة.
(13)
فالكافر في الموقف وفي النار يطول لسانه كالفرسخ والفرسخين يطؤه الناس بأقدامهم، والمراد من هذه النصوص أن جسم الكافر يعظم في النار ليكون أبلغ في تعذيبه وإيلامه، وهذا مقدور لله يجب الإيمان به لإخبار الصادق الأمين به صلى الله عليه وسلم، بل ورد أعظم من ذلك، فللإمام أحمد: يعظم أهل النار في النار حتَّى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام.
قَالَ: «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهاَ كاَلِحُونَ» قاَلَ: «تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْياَ حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ
(1)
»، رَوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ التِّرْمِذِيُّ
(2)
، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ وَنَسْأَلهُ الْجَنَّةَ آمِين.
شراب أهل النار وطعامهم
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلُتَ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ ثُمَّ يُعَادُ كَماَ كانَ
(3)
».
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الْايَةَ {اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} ثُمَّ قَالَ: «لَوْ أَن قَطْرَةً مِنَ الزَّقُومِ قَطَرَتْ فِي دارِ الدُّنْياَ لأفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْياَ مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ
يَكُون طَعاَمَهُ
(4)
».
• عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي قَوْلِهِ: «وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ» قَالَ: «يُقَرَّبُ إِلَى فِيهِ فَيَكْرَهُهُ فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ
(5)
فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعاَءَهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ» يَقُولُ اللَّهُ {وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ
(6)
} وَيَقُولُ: «وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاَثُوا بِماَءٍ كاَلْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ» .
(1)
سبق هذا في تفسير سورة المؤمنون.
(2)
الأول بسند حسن والثاني بسند غريب والثالث بسند صحيح.
شراب أهل النار وطعامهم
(3)
فمن تعذيب الكفار أن يصب الحميم وهو الماء الشديد الحرارة على رأس الواحد منهم فيصل إلى جوفه فيقطع أمعاءه فتنزل من دبره ثم تعاد إلى جوفه فيصب عليه الحميم ثانيا فيصل إلى جوفه وهكذا وهذا هو الصهر المذكور في قوله {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)} .
(4)
لا شكَّ أنه يكون في أشد العذاب، والزقوم هذا هو المذكور في قوله تعالى {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} .
(5)
جلده.
(6)
فأهل النار يعذبون بصب الحميم على رءوسهم وبالشرب منه فيشوى الوجوه ويسقط جلد الرءوس، نسأل الله السلامة آمين.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَالْمُهْلِ كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذا قُرِّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيه
(1)
وَلَوْ أَنَّ دَلُوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْياَ لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْياَ
(2)
»، رَوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ
(3)
.
أهوال أهل النار واستغاثتهم
• عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ
الْعَذَابِ
(4)
فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعاَمٍ مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِى مِنْ جُوعٍ
(5)
فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغاَثُونَ بِطَعاَمٍ ذِي غُصَّةٍ
(6)
» فَيَذْكرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الْغُصَصَ فِي الدُّنْياَ بِالشَّرَابِ
(7)
فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلَالِيبِ الْحَدِيدِ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ
(8)
شَوَتْ وُجُوهَهُمْ فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَّعَتْ مَا فِي بطُونِهِمْ فَيَقُولُونَ: «ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ
(9)
» فَيَقُولُونَ: ألَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكمْ بِالْبَيِّناَتِ قاَلُوا: بَلَى، قاَلُوا: «فاَدْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكافِرِينَ إِلا فِي ضَلَالٍ
(10)
» قَالَ
(1)
فعكر الزيت بفتحتين: ما رسب منه وهو بيان للمهل في الآية.
(2)
والغساق: من شراب أهل النار وهو الصديد الذي يسيل من أبدانهم.
(3)
الأخيران بسندين غربيين والأولان بسندين صحيحين.
أهوال أهل النار واستغاثتهم
(4)
يساوي تعذيبهم في الشدة.
(5)
الضريع: نوع من الشوك لا يرعاه حيوان لخبثه وهو المذكور في سورة الغاشية في قوله تعالى {ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع} .
(6)
يغص به في الحلق فلا ينزل ولا يخرج وهو المذكور في سورة المزمل في قوله تعالى {إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما} .
(7)
كانوا يستعينون على الغصة بشرب الماء.
(8)
دنت أي كلاليب الحديد بماء الحميم.
(9)
أي يقول بعضهم لبعض اطلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا ربهم أن يخفف عنهم فيطلبون منه ذلك.
(10)
وهذا من قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} أي لا فائدة منه.
فَيَقُولُونَ: «ادْعُوا مَالِكًا فَيَقُولُونَ: ياَ مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْناَ رَبُّكَ قاَلَ: «فَيُجِيبُهُمْ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ
(1)
» قَالَ: فَيَقُولُونَ: «ادْعُوا رَبَّكمْ فَلَا أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ» فَيقُولُونَ: رَبَّناَ غَلَبَتْ عَلَيْناَ شِقْوَتُناَ وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّناَ أَخْرِجْناَ مِنْهاَ فَإِنْ عُدْناَ فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ: «فَيُجِيبُهُمُ اخْسَئُوا فِيهاَ وَلَا تُكَلِّمُونِ
(2)
» قَالَ: «فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ فِي الزَّفِيرِ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَيْلِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(3)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أهون أهل النار
(4)
• عَنِ النُّعْماَنِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يَخْطُبِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يِقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِياَمَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتاَنِ يَخْلِي مِنْهُماَ دِمَاغُهُ
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرًا كَانِ مِنْ ناَرٍ يَغْلِي مِنْهُماَ دِمَاغُهُ كَماَ يَغْلِي الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا
(7)
».
(1)
هذا كقوله تعالى {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} قال الأعمش أحد رواة الحديث نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام.
(2)
{ربنا أخرجنا منها} أي من النار {فإن عدنا فإنا ظالمون} قال لهم على لسان مالك خازن النار بعد مضي قدر الدنيا مرتين اخسئوا ابعدوا في النار إذلالا ولا تكلمون في رفع العذاب أو تخفيفه فينقطع رجاؤهم فسبحان العزيز القهار.
(3)
وقال: إنما نعرفه عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ولكن يؤيده القرآن فإنه كله من القرآن والله أعلم.
أهون أهل النار
(4)
أي أخفهم في العذاب.
(5)
أخمص القدم: باطنه الذي لم يصب الأرض.
(6)
ولكن البخاري في الرقائق ومسلم في الإيمان.
(7)
وفي رواية إن أدنى أهل النار عذابًا منتعل بنعلين من نار يغلى دماغه من حر نعليه. فأخف أهل النار في العذاب نوعان: أحدهما يوضع في أخمص قدميه جمرتان، والآخر يلبس نعلين من نار ولكن تشتعل الحرارة فيهما حتَّى يغلي منها دماغهما،=
• عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُماَ دِمَاغُهُ
(1)
» رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ نَسْأَلُ اللَّهَ وَاسِعَ الرَّحْمَةِ آمِين.
تكليم الله بعض أهل النار
(2)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ اشْتَدَّ صِياَحُهُماَ» فَقُالَ الرَّبُّ عز وجل: (أخرجوهما) فلما أخرجا قَالَ لَهُماَ: «لِأَيِّ شَيْءٍ اشْتَدَّ صِياَحُكُماَ» قَالَا: «فَعَلْناَ ذَلِكَ لِتَرْحَمَناَ» قَالَ: «إِنَّ رَحْمَتِي لَكُماَ أَنْ تَنْطَلِقاَ فَتُلْقِياَ أَنْفُسَكُماَ حَيْثُ كُنْتُماَ مِنَ النَّارِ فَيَنْطَلِقاَنِ فَيُلْقِي أَحَدُهُماَ نَفْسَهُ فَيَجْعَلُهاَ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا
(3)
وَيَقُومُ الْاخَرُ فَلَا يُلْقِي نَفْسَهُ فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ عز وجل: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِىَ نَفْسَكَ كَماَ أَلْقَى صَاحِبُكَ» فَيَقُولُ: «ياَ رَبِّ إِنِّي لَأَرْجُو أَلا تُعِيدَنِي فِيهاَ بَعْدَمَا أَخْرَجْتَنِي فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: لَكَ رَجَاؤُكَ فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعاَلَى
(4)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
ما اشترك فيه الجنة والنار
(5)
• عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَحاَجَّتِ الْجَنَّة وَالنَّارُ فَقاَلَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَماَلِي لَا يَدْخُلنِي إِلا ضُعَفاَءُ النَّاسِ
= فهذان أخف أهل النار ولكنهما يعتقدان أنهما أشد الناس في العذاب.
(1)
وأبو طالب بن عبد المطلب من أخف أهل النار وسبق الكلام على نجاته في تفسير سورة التوبة، نسأل الله أن يتوب علينا توبة نصوحا كاملة آمين والحمد لله رب العالمين.
تكليم الله لبعض أهل النار
(2)
أي بكلام امتحان واختبار ورحمة وإحسان.
(3)
فيجعلها الله عليه بردا وسلاما لامتثاله أمر ربه تعالى.
(4)
فلما امتنع الثاني رجاء أن يرحمه الله تعالى وامتثل الأول أمر ربه وألقى بنفسه في النار تكرم الله عليهما بفضله وأدخلهما الجنة، نسأل الله رضاه والجنة آمين.
ما اشترك فيه الجنة والنار
(5)
أي ذكر الأحاديث التي جمعت بين ذكر النار والجنة.
وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ
(1)
قاَلَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّماَ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِباَدِي وَقاَلَ لِلنَّارِ: إِنَّماَ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِباَدِي وَلِكُلِّ مِنْكُماَ مِلْؤُهَا
(2)
فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تبارك وتعالى رِجْلَهُ تَقُولُ: قَطْ قَطْ
(3)
فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهاَ إِلَى بَعْضٍ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا
(4)
وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهاَ خَلْقًا
(5)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهاَ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهاَ قَدَمَهُ فَيَنْزَوِى بَعْضُهاَ إِلَى بَعْضٍ» وَتَقُولُ: «قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهاَ خَلْقًا فَيُسْكِنُهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ
(7)
»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلا أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْراً
(8)
وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إلاَّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً
(9)
»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَما خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ» فَقاَلَ انْظُرْ إِلَيْهاَ وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ
(1)
البلد: الغافلون عن الدنيا والذين لا يأبه الناس بهم.
(2)
فلا محل للتفاخر والتعالي من النار ولا للتحزن والتحسر من الجنة، والواجب على كل منهما الرضا بقسمة الله وحكمه.
(3)
حتَّى يضع رجله أي عليها، وقولها: قط قط أي اكتفيت.
(4)
إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلون.
(5)
سيأتي بيانه.
(6)
ولكن البخاري في تفسير سورة ق.
(7)
فستزيد مساكن الجنة ومنازلها على أهلها فينشئ الله لتلك المنازل الزائدة خلقًا فيسكنهم تلك المنازل الزائدة، وسبقت هذه الأحاديث في تفسير سورة ق.
(8)
وهل نظره إلى مكانه في النار لو كان أساء في دنياه قبل دخول الجنة أو بعده كل محتمل.
(9)
هذا في الكفار، وهذا هو التغابن الذي هو أن يأخذ المؤمن منزلة الكافر ودرجاته في الجنة التي كانت له لو أسلم في دنياه، وسبق هذا في تفسير سورة التغابن.
لِأَهْلِهاَ فِيهاَ قَالَ: «فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهاَ وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهاَ فِيهاَ» قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ: «فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهاَ أَحَدٌ
إِلا دَخَلَهَا
(1)
فَأَمَرَ بِهاَ فَحُفَّتْ بِالْمَكاَرِهِ
(2)
» فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهاَ فاَنْظرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهاَ فِيهاَ قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهاَ فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكاَرِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَلا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ
(3)
قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهاَ وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهاَ فِيهاَ فَذَهَبَ فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهاَ بَعْضًا
(4)
» فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهاَ أَحَدٌ فَيَدْخُلُهاَ
(5)
فَأَمَرَ بِهاَ فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ
(6)
فَقَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهاَ فَرَجَعَ إِلَيْهاَ فَنَظَرَهَا» فَقَالَ: «وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَلا يَنْجُوَ مِنْهاَ
أَحَدٌ إِلا دَخَلَهاَ
(7)
»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَاحِباَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لَناَ وَلِلْمُسْلِمِينَ آمِين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
(1)
سعى في أسباب دخولها.
(2)
أحاطها بما تكرهه النفوس من العبادات والطاعات فلا يدخلها إلا من قام بها.
(3)
لمشقة الذي أحاطه بها ولكنه سهل على من يسره الله تعالى عليه.
(4)
فذهب جبريل فنظر إليها فإذا هي طبقات بعضها فوق بعض تتلظى وتتلهب وعذابها أنواع وحرها شديد وكربها مزيد وعويلها لا يفنى ولا يبيد، نسأل الله السلامة لنا وللمسلمين آمين.
(5)
فكل من سمع بوصفها سعى فيما يبعده عنها.
(6)
بكل ما تشتهيه النفوس مما يغضب الله ورسوله كالزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل.
(7)
لإحاطتها بالشهوات والمستلذات التي تميل النفوس إليها إلا من حفظه الله تعالى، قال الله تعالى عن لسان امرأة العزيز:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)} . نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى آمين.
الخاتمة ـ نسأل الله حسنها
آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة
(1)
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارُ خُرُوجًا مِنْهاَ وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخولاً الْجَنَّةِ» . رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا
(2)
فَيَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُ: اذْهَبْ فاَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهاَ مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: ياَ رَبِّ وَجَدْتُهاَ مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَاتِيهاَ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهاَ مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: ياَ رَبِّ وَجَدْتُهاَ مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: اذهَبْ فاَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْياَ وَعَشَرَةَ أَمْثاَلِهاَ أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةِ أَمْثاَلِ الدُّنْياَ فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ
(3)
قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى
بَدَتْ نَوَاجِذُهُ
(4)
قَالَ: «فَكَانَ يُقَالُ ذَاك أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
(5)
.
• وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّي لَاعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ» . رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهاَ زَحْفًا
(6)
فَيُقاَلُ لَهُ: «انْطَلِقْ فاَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَذْهَبُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَناَزِلَ» فَيُقاَلُ لَهُ: أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كنْتَ فِيهِ
(7)
فَيَقُولُ: «نَعَمْ»
الخاتمة نسأل الله حسنها
آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة
(1)
الظاهر من الأحاديث الآتية أن المراد جنس الآخَر فيصدق بالواحد وبالأكثر وكل جائز، ومعلوم أن هؤلاء لم يعملوا خيرا قط إلا التوحيد.
(2)
أي يمشي على يديه وركبتيه.
(3)
أو للشك في الموضعين والتمويل على الثاني لأنَّهُ الأقل.
(4)
قال أي عبد الله الراوي للحديث: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتَّى بدت نواجذه أي أنيابه أي زاد سروره من سعة كرم الله تعالى على آخر من يخرج من النار وهو يستكثر عطاء الله له.
(5)
البخاري في الرقائق، ومرويات مسلم هنا كلها في الإيمان.
(6)
أي يسير على استه أي إليه.
(7)
أي في الدنيا.
فَيُقاَلَ لَهُ: تَمَنَّ فَيَتَمَّنى
(1)
فَيُقاَلُ لَهُ: لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْياَ قاَلَ فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ
(2)
.
• عَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهاَ» . رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِياَمَةِ فَيُقَالُ: «اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ» فَيُقاَلُ: «عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا
(3)
»، فَيَقُولُ:«نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِباَرِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ» فَيُقاَلُ لَهُ: «فَإِنَّ لَك مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً
(4)
» فَيَقُولُ: «رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْياَءَ لَا أَرَاهَا ههُناَ
(5)
فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ
(6)
»، رَوَاهُماَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آخِرْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً
(7)
فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهاَ» قَقَالَ: «تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ لَقَدْ أَعْطاَنِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْاخِرِينَ
(1)
يطلب ما يشاء ويعطيه الله تعالى.
(2)
هذا صريح في أن له قدر الدنيا عشر مرات وما تمناه زيادة على ذلك، وما قبله صريح في أن له قدر الدنيا عشر مرات فقط، ولا منافاة بينهما فلعل من في الثاني غير الأول، أو أنه هو، والسكوت عما تمناه في الأول لا ينافيه في الثاني ويؤيده أن الراوي لها عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
من السيئات.
(4)
فيقال له أي بعد عرض صغائر ذنوبه عليه.
(5)
عملت أشياء هي كبائر ذنوبه التي لم تعرض عليه.
(6)
وهل هذا الرجل الذي عليه صغائر ذنوبه فقط وتطوى عنه كبارها ويعطي حسنات بعدد سيئاته هو الذي في الحديثين قبله أو غيرها كل محتمل وجائز والله أعلم.
(7)
يكبو مرة أي يسقط مرة على وجهه وتسفعه النار أي تلفح وجهه فتحرقه وتسوده، قيل إن هذا الرجل آخر من يدخل الجنة ممن لم يدخلوا النار فكان يمشي على الصراط مرة ويسقط على وجهه أخرى. وتسفع النار وجهه أحيانا حتَّى يدخل الجنة بسلامة الله تعالى.
فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ» فَيَقُولُ: «أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلْأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهاَ وَأَشْرَبْ مِنْ مَائهاَ
(1)
» فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: «ياَ بْنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَهاَ سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا» فَيَقُولُ: لَا يا رَبِّ وَيْعاَهِدُهُ أَلا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ علَيْهِ
(2)
فَيُدْنِيهِ مِنْهاَ فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهاَ وَيَشْرَبُ مِنْ مَائهاَ ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى فَيَقُولُ: «أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لأَشرَبَ مِنْ مَائهَا وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا لَا أَسْأَلكَ غَيْرَهَا» فَيَقُولُ: «ياَ بْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعاَهِدْنِي أَلا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهاَ تَسْأَلِني غَيْرَهاَ فَيُعاَهِدُهُ أَلا يَسْأَلَهُ غَيْرَهاَ وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهاَ فَيَسْتَظِلّ بِظِلِّهاَ وَيَشْرَبُ مِنْ مَائهاَ ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ باَبِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُوَلَيَيْنِ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهاَ وَأَشْرَبَ مِنْ مَائهاَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهاَ فَيُقُولُ: «ياَ بْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعاَهِدْنِي أَلا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا» قَالَ: «بَلَى ياَ رَبِّ هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهاَ وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهاَ فَيُدْنِيهِ مِنْهاَ فَإِذَا أَدْناَهُ مِنْهاَ فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهاَ فَيَقُولُ: ياَ ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ
(3)
أَيُ رضيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْياَ وَمِثْلَهاَ مَعَهَا قَالَ: ياَ رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعاَلَمِينَ
(4)
فَضَحِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ ياَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعاَلَمِينَ حَينَ»
(1)
فترفع له أي تظهر له شجرة ذات أغصان وظلال وتحتها أنهار أي شجرة عظيمة بهية تبهر الناظر لها.
(2)
ما لا صبر له عليه أي نعيم تلك الشجرة.
(3)
أي أيّ شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك. يقال: صراه يصريه إذا قطعه ودفعه ومنعه.
(4)
قال ذلك استعظاما لإعطائه قدر الدنيا مرتين وربما كان أفخم وأعلى وأعظم من قدر الدنيا عشر مرات السابق لآخر من يخرج من النار فلا اعتراض.
قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعاَلِمينَ فَيقُولُ: «إِنَّي لَا أُسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنَّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ
(1)
»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أقل أهل الجنة وأكرمهم على الله تعالى
(2)
• عَنِ الشَّعْبِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً» قَالَ: «هُوَ رَجُلٌ يَجِئُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ» فَيُقاَلُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: «أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ
(3)
» فَيُقَالُ لَهُ: «أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنياَ
(4)
» فَيَقُولُ: «رضيتُ رَبِّ» فَيَقُولُ: «لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامسَةِ: رضيتُ رَبِّ» فَيَقُولُ:
«هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثاَلِهِ
(5)
» وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ فَيَقُولُ: «رضيتُ رَبِّ
(6)
» قَالَ: رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنزِلَةً قَالَ: «أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ، غَرَسْتُ
(1)
فهذه الأحاديث الأربعة تحدث عن آخر من يدخل الجنة والتفاوت فيها ظاهر، ولو حملناها
على شخص واحد لاضطررنا إلى التأويل والتوفيق بينها من غير حاجة لذلك، فحملها على عدة أشخاص أولى وأحسن لأنَّهُ الظاهر منها، ولحديث الخطيب: آخر من يدخل الجنة رجل يقال له جهينة فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين. زاد في رواية: سلوه هل بقي من الخلائق أحد يعذب أي من الموحدين فيقول: لا، قيل إن ذلك الرجل كان عشارًا في بني إسرائيل فهو من أمة موسى عليه السلام. والله أعلم بحقيقة خلقه وعلمه أتم وأكمل.
أقل أهل الجنة وأكرمهم على الله تعالى
(2)
أي بيان أقل الناس منزلة في الجنة وأعلى الناس منزلة في الجنة، نسأل الله أن نكون منهم آمين.
(3)
أخذوا ما أخذوا من كرامة ربهم.
(4)
فيقال له على لسان ملك من الملائكة، أو القائل هو الله تعالى، وملك أحد ملوك الدنيا يصدق بجميع الدنيا كلها، فإن الدنيا ملكها أربعة: اثنان مسلمان واثنان كافران.
(5)
فيكون ملكه قدر الدنيا خمسين مرة.
(6)
ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك زيادة على قدر الدنيا خمسين مرة، فلربنا كل حمد وكل ثناء وكل شكر.
كَرَامَتَهُمَ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهاَ فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ
(1)
» قَالَ: «وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتاَبِ اللَّهِ عز وجل» {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ.
• عَنِ ابْنِ عُمْرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِناَتِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ
(2)
وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْههِ غُدْوَةً وَعَشُيَّةً» ثُمَّ قَرَأَرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
(3)
}.
• عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنةِ الَّذِي لَهُ ثَماَنُونَ أَلفَ خَادِمٍ وَاثْنَتاَنِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً
(4)
وَتُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَياَقُوتٍ كَماَ بَيْنَ الْجَابِيَةِ إِلَى صَنْعاَءَ
(5)
إِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهاَ لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»، رَوَاهُماَ التِّرْمِذِيُّ
(6)
.
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الْجَنَّة:
(1)
أولئك الذين أردت أي اخترتهم واصطفيتهم وغرست كرامتهم بيدي وأنزلتهم منزلة عليا لا يعلمها إلا الله تعالى، ومصداقه أي دليله الذي يصدقه قوله تعالى:{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} نسأل الله أن نكون منهم فما ذلك على الله بعزيز.
(2)
فأقل أهل الجنة منزلة من يسير في ملكه في الجنة لينظر ما فيه من بساتين وقصور وأنهار وعيون وسرر وخدم وزوجات فيستغرق في مسيرة ألف سنة فلربنا جليل الحمد وجميل الشكر.
(3)
وأكرمهم على الله زيادة على ما سلف في الحديث قبله: من يؤذن له في النظر إلى مولاه بكرة وعشيا أي حينا بعد حين كما بين البكرة والعشي.
(4)
قيل اثنتان من نساء الدنيا والسبعون من الحور العين.
(5)
الجابية بالشام بقرب دمشق وصنعاء باليمن فتكون تلك القبة ذات غرف كل منها من نوع من تلك الجواهر، نسأل الله أن نكون من أهلها آمين.
(6)
وقال في الثاني بسند غريب وفي الأول روي من عدة طرق عن ابن عمر بعضها مرفوع وبعضها موقوف.
«اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. وَمَنِ اسُتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ
(1)
» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ
(2)
، وَاللَّهُ تَعاَلَى أَعْلَمُ.
عدد أحاديث كتاب القيامة والجنة والنار 177 سبعة وسبعون ومائة فقط فصار جميع ما في الجزء الخامس 1242 مضموما إلى ما في الأجزاء الأربعة السابقة فيكون عدد أحاديث الكتاب كله 5887 سبعة وثمانين وثمانمائة وخمسة آلاف أسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم آمين والحمد لله رب العالمين
(1)
نسأل الله أن يجيرنا من النار وأن يدخلنا الجنة بمنه وكرمه آمين.
(2)
رواه النسائي في الدعاء وسنده صحيح، ورواه الترمذي في آخر صفة الجنة وقد اقتديت به في ذلك، رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرتهم آمين.
بتوفيق الله جل شأنه ابتدأت في تأليف هذا الكتاب في شهر رجب سنة 1341 هـ وأتممته في صباح يوم الأثنين المبارك الموافق 25 من ذي الحجة سنة 1347
(1)
هـ. وإني أحمد الله ربي حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات كلها. الحمد لله على كل حال. الحمد لله في الأولى والآخرة. الحمد لله رب العالمين حتى يرضى. الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور. الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد ما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، وعدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
منصور علي ناصف
(1)
وكذا أتممت هذا الشرح في يوم الاثنين المبارك الموافق 16 من ربيع الأول سنة 1354 هـ بمنزلي بشارع سلامه بحي السيدة زينب رضي الله عنها بمصر البلد الأمين، وقد كنت ابتدأته في شهر المحرم سنة 1348 هـ فقد استنفدت في تأليف الكتاب سبع سنين وكذا مكثت في تأليف الشرح سبع سنين أخرى بجبر الكسر، أسأل الله أن تكون حصنًا لنا من أبواب جهنم السبعة آمين، وعدد الكتب التي في هذا الكتاب ثلاثون كتابا، فقد تم وكمل أمره والحمد لله، قال الله تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} .
ولا يفوتني في هذا المقام أن أذكر بالثناء والإعجاب حضرة الأستاذ التقي الجليل الشيخ عبد الرزاق علي البهائي وكذا الأستاذ الشيخ أحمد إبراهيم محمد العربي، فإنهما أبليا في تصحيح هذا الكتاب إبلاء حسنا حيث ترددا على طول زمن طبع هذا الكتاب وهي أربع سنين جزاهما الله أحسن الجزاء. كما أذكر للقارئ الكريم ما انتابني في تأليف هذا الكتاب، من عقبات عديدة وصعوبات جمة، سواء من جهة التأليف أو غيره، أما من جهة التأليف فيكفي في التنويه عن مشاقه العظيمة أني استنفدت فيه أربع عشرة سنة، وأنا أطوي ليلى على نهاري بين سيري في فلوات شاسعة، وغوصي في بحار زاخرة متلاطمة، وصعودي في جبال شامخة شاهقة، لأصل إلى كنوزها الغالية، حتَّى لقد سهرت كثيرا في صلاتي من غرقي في معامع ذلك التفكير العميق الذي يقتضيه ذلك المؤلف العظيم، ومن جهة غير التأليف فمنها موت =
بعض الأقارب كالوالدة وأخي الكبير وولدي عبد الرحمن رحمهم الله وأعظم أجرنا فيهم آمين، ومنها كثرة أمراضي التي ما كان يخلو شهر منها وربما مكثت في بعض الأمراض نحو عشرين يوما، وغير ذلك كثير من هموم الدنيا التي لا تخفى على كل الناس، ولئن قلت ذلك فلن أنسى ما أحاطني به ربي من النعم الكثيرة، التي أولها الأهل والأولاد، أسأل الله أن يجعلهم نباتًا حسنًا وأن يوفقني لتربيتهم على ما يحب ويرضى، ومنها إمامتي بالناس وإرشادي لهم التي هي وظيفتي بالجامع الزينبي وفقني ربي للقيام بها آمين، ومنها ما كان يراه بعض الناس لي من الرؤى الصالحة المبشرة، ومنها أني رأيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في نومي عدة مرات، وأخراهن أني كنت أجاهد في عقبة من عقبات التأليف التي كانت تعترضني من حين لآخر بجيشها من اليأس والوسواس والكسل وكان هذا في أواخر رمضان، فرأيت في منامي كأني في غرفة تتلألأ بالأنوار من غير كوكب ولا مصباح، فإذا شخص قد دخل علي وعليه زي العلماء، فقال: أشعرت؟ قلت: ماذا؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل، فنظرت فإذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قد دخل عليّ في تلك الغرفة، وهو متوسط القامة، وعليه عمامة بيضاء، وملابسه كملابس كبار العلماء، وعليه من حسن الزي وكمال الهيئة والهيبة نهاية الوصف، فتناولت يده الشريفة فقبلتها، ثم ملت على ركبتيه أقبلهما فاستيقظت وأنا على هذه الحال وقد امتلأ جسمي بالفرح والسرور فلله ألف حمد وألف شكر فإني أظنها بشرى لحظي في الآخرة إن شاء الله تعالى، وفي ظني أن أكبر نعم الله عليّ بعد الإيمان بالله تعالى كتاب التاج هذا الذي يذكّرني إذا نسيت، ويقدمني إذا تأخرت، ويرفعني إذا تواضعت، ويشفع لي إذا وقفت بين يدي ربي جل شأنه، لما ظهر لي من الفأل الحسن في ختامه، وهو أني حينما أوشكت على إتمام الشرح حضر لي في بيتي ضيف من قرباي ومعه زوجته التي تسمى بنعمة واسمه نصر محمد حسنين، فتفاءلت بالنعمة والنصر وحسن العاقبة، وقبل تتميم الشرح ببضعة أيام أيضًا جاءني ولدي محمد ولي الدين في الصباح وقال: يا والدي رأيت الليلة في منامي كأن النبي صلى الله عليه وسلم جالس في بيتنا هذا ومعه عمي محمود أفندى حلمي رزق وهما يقرآن في الجزء الخامس من كتاب التاج، ففرحت كثيرا وأولته بسعة الرزق وحسن القبول من الله تعالى ومن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسأل الله أن يكون خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به عباده آمين لك الحمد يا رب العالمين، لك الحمد يا خالق السموات والأرضين، لك الحمد يا باسط الأرض، لك الحمد يا رافع السماء، لك الحمد يا خالق النبات، لك الحمد يا مجرى الماء، لك الحمد يا مسخر الهواء، اللهم تب عليّ توبة ترضيك ووفقني والمسلمين لكل خير في الدنيا والآخرة آمين. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.