الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة السابعة
شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل
تأليف اعلم العلماء
افضل الفضلاء السيد الشريف
السيد محمد عابدين عليه
رحمة ارحم الراحمين
آمين
صورة ما كتبه سيدنا المؤلف رحمه الله تعالى على نسخته التي بخطه الشريف بيان عدد الكتب التي جمعت منها هذه الرسالة سوى التي راجعتها ولم انقل عنها اسردها هنا وان كنت عزوت كل مسئلة الى محلها ليزداد الواقف عليها ثقة بذكر مجموعتها وقد نافت على خمسين كتابا وهي شرح البخارى للعينى شرح مجمع الآثار، شرح الكنز الزيلعي، شرحه لا من نجيم. شرحه المقدسي، شرح المجمع لابن مالك * معراج الدراية * فتح القدير* الدر المختار، شرح الوهبانية لابن الشحنة * وللمصنف* الذخيرة البرهانية * الظهيرية * الولوالجية* الخانية * الخلاصة * البزازية * القنية * خزانة الفتاوى لمختصر منتقى الفتاوى * فتاوى العلامة قاسم * انفع الوسائل * تاتار خانية * الشرنبلالية * بلوغ الارب للشرنبلالى * التبيان للنووى * حاشية الرملى على البحر جامع الفتاوى * الطريقة المحمدية * شرحها للاستاذ عبد الغنى * تبيين المحارم * نور العين * هدية الصعلوك شرح تحفة الملوك * مجموعة فتاوى لابن حجر* شرح المنهج الشيخ الاسلام زكريا * ايقاظ النائمين للبركوى * الهداية * الكنز * المجمع * المختار* مواهب الرحمن * الملتقى * الايضاح * الوقاية * التنوير، القاموس، الفتاوى الخيرية * شرح الغاية للخطيب الشربينى * شرح الاشباء للمبيرى * حاشية المنتهى * شرح الملتقى للباقانى * الجوهرة شرح القدوري الحدادي * شرح الطريقة المحمدية لرجب افندى * الاختيار شرح المختار *
الرسالة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي سلك بعباده المؤمنين السبيل الاقوى. واحلهم في الرتبة القصوى. والزمهم كلمة التقوى * والصلاة والسلام على المرسل رحمة للعالمين * وقدوة للعالمين العاملين * وعلى آله واصحابه الذين بذلوا نفوسهم لمرضاته * واوضحوا السبيل لمن رام تقوى الله حق تقاته * وعبدوا الله مخلصين له الدين * وبذلوا النصيحة لعامة المؤمنين * ولم يأخذوا على ذلك اجرا ولا عوضا * ولم يشركوا بعبادة ربهم احدا ولم يطلبوا عرضًا ولا غرضا * وعلى سائر الائمة * هداة هذه الامة * الذين حازوا من هذا القسم اوفر نصيب * وقام منهم على كل غصن من اغصان الشريعة عندليب * وعلى كل منبر من منابر التوحيد خطيب * فالعيش في ساحتهم عيش خصيب * مذ بينوا المعروف والمنكر * وجاهدوا فى الله الجهاد الاكبر * ولم تأخذهم فيه لومة لائم * ولا سطوة ملك جبار قاصم * ولم يداهنوا في الدين * ولم يكتموا الحق المبين * بل ارشدوا واخلصوا لله فى الطاعات * وآمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا بالحق وتوصوا بالصبر * ففازوا بعزيز النصر * وجزيل الاجر * (اما بعد) فيقول محمد امين * الشهير بابن عابدين * الماتريدى الحنفى * منح اللطف الخفى * والخير الوفى * والبر الحفى * لما وقع فى دمشق وغيرها الطاعون العام * عام تسعة وعشرين ومائتين والف وقبله بعام * رأيت الناس مقبلين على الوصية بالختمات والتهاليل * مع اعتقادهم بانها من اعظم ما يتقرب به إلى الله الجليل * وكان من سابق لي في ذلك شبهة قوية * بناء على قواعد ائمتنا الحنفية * فاردت ان انبه عليها وان لم يجد نفعا * لعلمى بان مغاير المألوف منكر طبعا * ولكن كثيرا من المسائل * لا تكاد تجد عنها من مسائل * وقد بينها الائمة الاوائل* وايدوها بالحجج والدلائل * خدمة لصاحب الشرع الشريف * واعتناء بقدره العلى المنيف * ورهبة مما ورد في الكتمان * ورغبة فيما اعد لاهل البيان * ولم آت بشئ بدون مستند * ولم استند الا لنقل صحيح معتمد * فاقسم بالله العظيم على من رأى ما اقول * واطلع على ما سطرته من النقول * ان ينظر بعين الانصاف * ويجانب سبيل الاعتساف * ويعيد النظر مرة بعد مرة * ويكرر التفكر كرة بعد كرة * ويلاحظ انه موقوف للحساب * مسئول عن الجواب * كيلا يصده الطمع في الدنيا الفانية * عما ينفعه في الآخرة الباقية * وان ينظر لما قيل لا لمن قال *
وان يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال * فان رآه صوابا فليد عن * والا فليدلل على ما يدعيه وليبرهن * بنقل صالح المعارضة ما اقول * ولما اثبته من صريح النقول * ولا يقتصر على ان ذلك مشتهر معروف * فكم من منكر مألوف * والعرف الطارئ ليس من الحجج الاربعة الشرعية * فما بالك ان خالف الأدلة النقلية والعقلية * وانى وربي شاهد مريد اظهار الحكم الشرعى * والخروج من عهدة اداء الواجب المرعى * ولم ارد تقبيح فعل احد بعينه * ولا اظهار زيفه وشينه * فمن ظن بي خلاف ذلك او نال منى * فقد جعلت ربه خصما عنى * والى الله مرجعنا * والموقف يجمعنا * على انى لم آت بشئ لم اسبق اليه * ولم ينبه احد عليه * بل وجدت لى قدوة هو أجل امام
(1)
* قد سبقنى الى ذلك بمئين من الاعوام * وهو الذي حرك لى همة تقاعدت منذ زمان * عن اظهار ذلك مخافة ان الفكر قد خان * ولما جددت العزم تواردت لي على ذلك الادلة * فاتضح الحق وضوح الشمس حيث لا في السماء علة * وجمعت هذه الرسالة * وحررت هذه العجالة * فجاءت بحمد الله تعالى قرة لعين قاريها * ودرة لتاج داريها * (ووسمتها بشفاء العليل * وبل الغليل * في حكم الوصية بالختمات والتهاليل) صانها الله تعالى عن حسود يصده حسده عن الانصاف * وعن بعيد عن قبول الحق والاذعان به والاعتراف * وجعلها ذخرا لى يوم التناد * وسؤال الخلق عن حقوق الحق والعباده وعليه اعتمادي * والى كرمه استنادى * وهو ملجأى ومأمولى * ومقصدى ومسئولى * فى ان يحفظني عن الخطأ والخلل * ويلهمنى حجتى عند حلول الأجل * وقد رتبتها على مقدمة وفصلين ومقصد وخاتمة * وتتمة لبعض فروع مهمة * فاقول (المقدمة) فى دليل جواز اخذ الاجرة على الطاعة وعدمه وما فيه من الاختلاف ذكر الامام البخاري في كتابه الجامع الصحيح باب ما يعطى فى الرقية على احياء العرب بفاتحة الكتاب وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم احق ما اخذتم عليه اجرا كتاب الله وقال الشعبي لا يشترط المعلم الا ان يعطى شيئًا فيقبله وقل الحكم لم اسمع احدا كره اجر المعلم واعطى الحسن عشرة دراهم ثم ذكر بسنده حديث الرهط الذين نزلوا على حى فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فطلبوا من الرهط فقال بعضهم نعم والله انى لارقى ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما انا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشى وما به قلبة اى علة
(1)
هو الامام العلامة الشيخ محمد البركوى صاحب الطريقة المحمدية وغيرها من المؤلفات السنية منه.
وفيه انه عليه الصلاة والسلام اقرهم وقال قد اصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما (وذكر) شارحه العلامة محمود العينى انه قد اختلف فى اخذ الاجر على الرقية بالفاتحة وفي اخذه على التعليم فاجازه عطاء وابو قلابة وهو قول مالك والشافعى واحمد وابى ثور ونقله القرطبي عن ابي حنيفة في الرقية وهو قول اسحاق وكره الزهرى تعليم القرآن بالاجر وقال ابو حنيفة واصحابه لا يجوز ان يأخذ على تعليم القرآن * وقال الحاكم من اصحابنا في كتابه الكافى ولا يجوز ان يستأجر رجلا ان يعلم اولاده القرآن والفقه والفرائض أو يؤمهم في رمضان او يؤذن * وفى خلاصة الفتاوى ناقلا عن الاصل لا يجوز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والاذان والتذكير والحج والغزو يعنى لا يجب الاجر وعند اهل المدينة يجوز وبه اخذ الشافعي ونصير وعصام وابو نصر الفقيه وابو الليث رحمهم الله تعالى * والاصل الذي بنى عليه حرمة الاستئجار على هذه الاشياء ان كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها لان هذه الاشياء طاعة وقربة تقع عن العامل قال الله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} فلا يجوز اخذ الاجرة كالصوم والصلاة واحتجوا على ذلك باحاديث منها ما رواه احمد في مسنده عن عبد الرحمن بن شبل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تستكثروا به) ورواه اسحاق بن راهويه ايضا في مسنده وابن ابى شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما ومن طريق عبد الرزاق رواه عبد بن حميد وابو يعلى الموصلى والطبرانى * ومنها ما رواه البزار في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعا نحوه * ومنها حديث رواه ابو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلى عن عبادة عن الاسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه قال علمت ناسا من اهل الصفة القرآن فاهدى الى رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وارمى بها في سبيل الله فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (ان اردت ان يطوقك الله طوقا من نار فاقبلها) ورواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه واخرجه ابو داود من طريق آخر * ومنها ما رواه ابن ماجه من حديث عطية الكلاعي عن ابي بن كعب رضي الله عنه قال علمت رجلا القرآن فاهدى الى قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (ان اخذتها اخذت قوسا من نار) قال فرددتها ومنها ما رواه البيهقى فى شعب الايمان من حديث سليمان بن بريدة عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن بأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظمة ليس عليه لحم * ومنها ما رواه الترمذي
من حديث عمران بن حصين يرفعه اقرأوا القرآن وسلوا الله به فان من بعدكم قوم يقرأون القرآن يسألون الناس. وذكر ابن بطال من حديث حماد بن سلمة عن ابى جرهم عن ابى هريرة رضى الله تعالى عنه قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين قال (اجرهم حرام) وذكر ابن الجوزى من حديث ابن عباس مرفوعا لا تستأجروا المعلمين وهذا غير صحيح وفي اسناده احمد بن عبد الله الهروى. وهذه الاحاديث وان كان فى بعضها مقال لكنه يؤكد بعضها بعضا ولاسيما حديث القوس فانه صحيح كما ذكرنا واذا تعارض نصان احدهما مبيح والآخر محرم يدل على النسخ كما تذكره * واجاب ابن الجوزى ناقلا عن اصحابه (اي اصحاب مذهبه من الحنابلة) عن حديث الباب بثلاثة اجوبة (احدها ان القوم كانوا كفارا فجاز اخذ اموالهم (والثاني ان حق الضيف واجب ولم يضيفوهم (والثالث ان الرقية ليست بقربة محضة فجاز اخذ الاجرة عليها. وقال القرطبي ولا نسلم ان جواز اخذ الاجرة فى الرقي يدل على جواز التعليم بالاجر. وقال بعض اصحابنا ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ان احق ما اخذتم عليه اجرا كتاب الله يعني اذا رقيتم به وحمل بعضهم الاجر فيه على الثواب وبعضهم ادعي نسخه بالاحاديث المذكورة واعترض بأنه اثبات النسخ بالاحتمال وهو مردود * قلت الذي ادعى النسخ انما قال الحديث يحتمل الاباحة والاحاديث المذكورة تمنع الاباحة قطعا والنسخ هو الحظر بعد الاباحة لانها اصل
(1)
في كل شيء فاذا طرأ الحظر دل على النسخ بلاشك * وقال بعضهم الاحاديث المذكورة ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارض الاحاديث الصحيحة * قلت لا نسلم ذلك فان حديث القوس صحيح وفيه الوعيد الشديد وقال الطحاوى ويجوز الاجر على الرقى وان كان يدخل في بعضه القرآن لانه ليس على الناس ان يرقى بعضهم بعضا
(1)
فيه ان الكلام فى الاباحة الثابتة بدليل خاص لا بالاصل فيحتاج الى اثبات تقدم المبيح على الحاظر حتى يثبت النسخ ويجاب بما قرره الاصوليون بانه يحمل على تأخر الحاظر عن المبيح لئلا يتعدد النسخ للاباحة الاصلية بالحاضر ثم نسخ الحاظر بالمبيح ولكن فيه كلام يعلم من التاويج وحواشيه والاحسن ان يجاب بانه لما وجب ترجيح المحرم على المبيح وثبت صحتهما لزم الحكم بتقدم المبيح فنسخ ترجيح المحرم حكمه وان لم يعلم التاريخ نظيره ان المقارنة في التخصيص شرط لكن ذلك في التخصيص فى نفس الامر اما اذا تعارض خاص وعام يجمع بتخصيص العام به فاذا وجب حمله على ذلك تضمن الحكم منا بانه كان مقارنا او بانه ليس بمخصص اول كما قرره في التحرير وشهادات فتح القدير منه
وتعليم الناس بعضهم بعضا القرآن واجب لان فى ذلك التبليغ عن الله تعالى انتهى كلام العينى ملخصا (اقول) وقد عقد الامام الحافظ ابو جعفر الطحاوى للاستئجار على تعليم القرآن بابا فى كتابه مجمع الآثار وذكر فيه الادلة من الجانبين وكذا شارحه الامام ابو الفضل بن نصر الدهستانى وذكر من جملة الأدلة لنا بسنده الى عثمان بن ابي العاص رضى الله تعالى عنه انه قل قل لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتخذ مؤذنا لا يأخذ على اذانه اجرا) قال فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان بالاجر * ثم ذكر بسنده الى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ان رجلا قال له انى احبك في الله فقال له ابن عمر رضى الله تعالى عنهما لكنى ابغضك في الله لانك تبغى فى اذانك اجرا او تأخذ على الاذان اجرا * قال فقد ثبت بما ذكرناه كراهية الاجرة على الاذان والاستجعال على تعليم القرآن كذلك وقال ولو أن رجلا استأجر رجلا ليصلى على ولى له قد مات لم يجز ذلك لانه استأجره على ان يفعل ما عليه ان يفعله فكذلك تعليم القرآن فالاجارة باطلة لان الاجارات انما تجوز وتملك بها الابدال فيما يفعله المستأجرون للمستأجرين * والآثار الاول (أي التى استدل بها الشافعى على جواز التعليم) لم يكن الجعل المذكور فيها على تعليم القرآن وانما كان على الرقى التي لم يقصد بالاستئجار عليها الى القرآن * الى ان قال ومن استجعل جعلا على عمل يعمله فيما افترض الله تعالى عليه عمله فذلك عليه حرام لانه انما يعمله لنفسه ليؤدى به فرضا عليه ومن استجعل جعلا على عمل يعمله لغيره من رقية او غيرها وان كانت بقرآن او علاج او بما اشبه ذلك فذلك جائز والاستجعال عليه حلال فيصح بما ذكرنا ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من النهى ومن الاباحة ولا يتضاد ذلك فيتنافى وهذا كله قول ابى حنيفة وابى يوسف ومحمد رحمة الله تعالى عليهم انتهى * والمراد بالكراهية عدم الجواز وعدم الصحة كما صرح به فى الهداية وغيرها ولذا قال هنا فالاجارة باطلة * والمراد بقوله من رقية او غيرها اى من الاعمال التي يعملها لغيره وليست بطاعة يراد بها الثواب بدليل جعله مقابلا لما ذكره قبله من عدم الجواز فى الاذان والتعليم وما افترضه الله تعالى والا لزم التناقض فى كلام هذا الامام الجليل لان قوله او غيرها لوجل على ما عدا الرقية من الاعمال مطلقا لشمل الاذان ونحوه ولشمل ايضا نحو الحج والعمرة والاعتكاف والصوم والصلاة الغير الواجبات مع انه لا قائل بجواز اخذ المال على شيء منها لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ولزم بقاء التنافى بين الآثار مع ان مراده التوفيق
والجمع بينها ولزم مخالفته لعبارات المتون والشروح والفتاوى الآتى نقلها ولشمل التلاوة المجردة مع تصريح المشايخ بعدم جواز اخذ المال عليها كما سيأتى * فحاصل كلامه انه لو عمل لغيره عملا ليس بطاعة كرقية ملدوغ ونحوها من بناء دار او خياطة ثوب وامثال ذلك يجوز اخذ المال عليه وان كانت الرقية بقراءة قرآن او علاج غيره كوضع ترياق او بما اشبه ذلك لان ذلك ليس المراد منه القربة والثواب بخلاف الاذان والتعليم وغيرهما من الطاعات فانه لا يجوز اخذ المال على شيء منه وهذا مذهب ائمتنا الثلاثة ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد * ومما يدل على ما قلنا قطعا قول الهداية الاصل ان كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به الى آخره * فقد صرح ببطلان الاستئجار على كل طاعة عندنا وسترد عليك النقول المتظافرة فى ذلك بحيث لا تبقى شبهة الحائر * ولا حجة لمكابر * وفى معراج الدراية شرح الهداية ونص احمد رحمه الله تعالى مثل قولنا وبقولنا قال عطاء والضحاك والزهرى والحسن وابن سيرين وطاووس والشعبي والنخعي ثم اطال في الاستدلال (تنبيه) ثم اعلم ان الحكم عندنا كذلك في كل فعل هو طاعة وان لم تكن واجبة كما علم مما مر عن الكافى والخلاصة وغيرهما والوجه العام ان القربة متى حصلت وقعت عن الفاعل لا لغيره ولهذا تعتبر اهلية الفاعل ونيته لانية الآمر ولو انتقل فعله الى الآمر لشرط نية الآمر واهليته كما في الزكاة حتى لو كان المأمور كافرا يصح اداء الزكاة منه عن المسلم فكان الاجر على عمل نفسه لا المستأجر (فصل) جميع ما قدمناه هو مذهب أئمتنا الثلاثة ومن تبعهم من مشايخ المذهب المتقدمين * وحاصله منع الاستئجار والجعالة على شيء من الطاعات سواء كانت واجبة او لا كالاذان ونحوه وانما جاز الاستئجار على الرقية ولو كانت بالقرآن لانها لم تفعل قربة الله تعالى بل للتداوى فهى كصنعة الطب وغيرها من الصنائع والحديث الصريح الوارد في ذلك وعليه يحمل ما ورد مما يوهم الجواز مطلقا توفيقا بين الادلة ان لم نقل بالنسخ كما مر بيانه فلا ينافي اطلاق عدم الجواز عند ائمتنا المتقدمين (لكن) بعض المتأخرين استثنى في زمانه الاستئجار على تعاليم القرآن (قال) في كتاب الكراهية من الخلاصة ولا بأس بأخذ الاجرة (لتعليم القرآن في زماننا قال الفقيه ابو الليث رحمه الله تعالى كنت افتى بثلاثة فرجعت عنها افتى (ان لا يحل اخذ الاجرة على تعليم القرآن (وانه لا ينبغى للعالم ان يدخل على السلطان (وانه لا ينبغي للعالم ان يخرج إلى الرستاق فرجعت عن الكل تحرزا عن ضياع تعلم القرآن والحاجة الخلق ولجهل اهل الرستاق (وقال) الامام
قاضي خان في فتاواه ومشايخ بلخ جوزوا هذه الاجارة اى على تعليم القرآن حتى حكى عن محمد بن سلام رحمه الله تعالى انه قال اقضى بتسمير باب الوالد لأجرة المعلم الى آخر ما قال (واقتصر) عليه ايضا فى مواهب الرحمن حيث قال فيما لا يجوز اخذ الاجرة عليه والحج والاذان والامامة وتعليم الفقه والفتوى اليوم على جوازه لتعليم القرآن انتهى (وفى) الهداية ولا الاستئجار على الاذان والحج وكذا الامامة وتعليم القرآن والفقه وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم لظهور النوانى فى الامور الدينية ففى الامتناع تضيع حفظ القرآن وعليه الفتوى (وقل) فى متن الكنز بعد ذكره عدم الجواز فيما مر والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن وهكذا فى غير ما كتاب من الكتب المعتمدة في المذهب (وزاد) عليه فى مختصر الوقاية حيث قال ولا تصح للاذان والامامة والحج وتعليم القرآن والفقه الى ان قال ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن والفقه. وهكذا عبارة الاصلاح. وزاد فى المجمع فقال ولا على الطاعات كالحج والاذان والامامة وتعليم القرآن والفقه وقيل يفتى بجوازه على التعليم والامامة والفقه وفى متن المختار وقيل يجوز على التعليم والامامة في زماننا وعليه الفتوى. وهكذا في متن الملتقى ودرر البحار. وزاد بعضهم الاقامة وبعضهم الوعظ. قال في تنوير الابصار ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن والفقه والامامة والاذان ويجبر المستأجر على دفع ما قبل ويحبس به وعلى دفع الحلوة المرسومة انتهى. وفي الفتاوى البزازية الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن والفقه والتدريس والوعظ لا يجوز اى لا يجب الاجر واهل المدينة طيب الله تعالى ساكنها جوزوه وبه اخذ الامام الشافعي قال في المحيط ومشايخ بلخ على الجواز. وقال الامام الفضلي والمتأخرون على جواره ثم قال وقال محمد بن الفضل كره المتقدمون الاستئجار على تعليم القرآن واخذ الاجرة عليه لوجود العطية من بيت المال مع الرغبة في امور الدين وفى زماننا انقطعت ويعنى بالرغبة التعليم والاحسان الى المعلمين بلا اجرة فلو اشتغلوا بالتعليم بلا اجر مع الحاجة الى المعاش لضاعوا وتعطلت المصالح فقلنا بما قالوا وان لم يكن بينهما شرط يؤمر الوالد بتطييب قلب المعلم وارضائه بخلاف الامام والمؤذن لان ذلك لا يشغل الامام والمؤذن عن المعاش * وقال السرخسى واجعوا على ان الاجارة على تعليم الفقه باطلة انتهى. وجزم بهذا القول اعنى قول ابن الفضل في الفتاوى الظهيرية وذكر بعده كلام الامام السرخسى * ونقل الشرنبلالي عن قاضي خان مثله. وقال
في الخلاصة في الفصل الاول من كتاب الصلاة ولا يحل للمؤذن ولا للامام ان يأخذ على الاذان والامامة اجرا فان لم يشارطهم على شيء لكنهم عرفوا حاجته فجمعوا له في كل وقت يطيب له ولا يكون اجرا انتهى * والظاهر انه مبنى على قول ابن الفضل من تخصيص الجواز بتعليم القرآن وظاهر كلام الهداية والمواهب وغيرهما ترجيحه حيث اقتصروا عليه كما قدمناه فانه وان كان مفهوم لقب فقد صرحوا في كتب الاصول ان مفاهيم الكتب معتبرة ولا ينافيه تصريح غيرهم بما مر من غير التعليم من نحو الاذان والامامة والاقامة لان ذلك ترجيح منهم لخلاف قول هؤلاء (فان قلت) فليحمل كلام الهداية ونحوها على كلام غيرهم (قلت) لا يصح ذلك فانهم بعد ما صرحوا بانه لا يجوز على التعليم والاذان والامامة ونحوها قالوا الفتوى اليوم على جوازه لتعليم القرآن فاستثنوا التعليم وابقوا ما عداه على الحظر وايضا فانك قد سمعت قول الفضلى بخلاف الامام والمؤذن فالظاهر انه اختيار لقوله كما قلنا ومما يدل عليه قول الامام السرخسى وتبعه قاضي خان واجمعوا على ان الاجارة على تعليم الفقه باطلة (فان قلت) يرد دعوى الاجماع ما حكيته عن المجمع وغيره من جوازها على تعليم الفقه (قلت) السرخسي متقدم في الزمان على صاحب المجمع فالظاهر انه حكى الاجماع عمن سلفه وان فرض ان احدا ممن تقدمه قال بجوازه يجاب بانه لم يعتبر قوله (فان قلت) يمكن ان يكون مبنيا على مذهب المتقدمين (قلت) هو خلاف ما فهمه اصحاب الفتاوى كالخانية والبزازية والظهيرية فانهم ذكروه في ضمن كلام المتأخرين (فان قلت) قول البزازية المتقدم ومشايخ بلخ على الجواز مطلق فظاهره انهم قائلون بجواز ما ذكره قبله وهم متقدمون على السرخسى فى الزمان (قلت) نعم ظاهره ذلك ولكن الامام السرخسي من كبار ائمتنا وهو اعرف من البزازى وغيره بلاشك ولا شبهة بما قاله البلخيون خصوصا وقد اقره قاضي خان وغيره وتأيد بما قاله الفضلى وما اقتصر عليه فى الهداية والكنز والمواهب مما هو العمدة فى المذهب. والحاصل من هذا (*) ان الامام السرخسى فهم من كلام البلخيين المفتين خلاف ما عليه المتقدمون انهم لم يجوزوه على تعليم الفقه فحكايته الاجماع على ما فهمه صحيحة ومن اجازه عليه وعلى الامامة
(*) الامام السرخسي هو صاحب المبسوط املاه من حفظه في السجن قال سيدى العارف عبد الغني النابلسى فى شرحه على المنظومة المحبية صاحب المبسوط هو الامام شمس الائمة السرخسى احد الفحول الكبار اصحاب الفنون املا المبسوط نحو خمسة عشر مجلدا وهو في السجن باوزجند حبس بسبب كلمة كان فيها (2)
ممم
(2)
والاذان قهم خلافه او هو افتاء منهم بذلك قياسا على ما قاله البلخيون وهذا اقرب كما سيأتي ما يوضحه هذا ما ظهر لى من التوفيق * نعم مشى العلامة الشرنبلالي
(3)
على الثانى حيث قال في رسالته بلوغ الارب لذوى القرب * وتعليل ما تقدم من ان الاذان والامامة لا يشغل عن المعاش غير مسلم فان تقيد المؤذن بالاذان والتذكير في كل وقت وطلوع المنارة في الليل والبرد والامطار يصبح به في غاية الانحطاط وذبول الجسم وكل وقت ينظر دخوله بعدة قبله وبعد الصلاة يشتغل بالتسبيح ولا يقدر على التعطيل من القيام عليه واذية العامة له واما تعليم الفقه فليس اقوى منه في المنع عن امر المعاش مطالعة والقاء المدرس وتعليم المتفقهة والصبر على كل طالب بحسب ما يصل الى فهمه وتكرير الالقاء والكتابة لما يحتاج اليه وتفريغ البال من طلب العيال القوت وما يحتاجون اليه لدفع الحر والبرد وما يحتاجه من شراء كتب وكتابة بالاجرة للكاتب فالامر لله العلى العظيم الواحد القهار حسبنا الله ونعم الوكيل والآن صار الامر اظهر من فلق الفجر انتهى (قلت ووجهه ظاهر فان الضرورة تبيح ذلك. ولذا قال في شرح المجمع الملكي اقول لما رأوا ظهور التوان. فى الامور الدينية في ذلك الاوان. وفتور همم الامراء والاقبال. فى اعطاء وظائف العلماء من المال "جوزوا استئجارهم نظرا لهم فى المآل. وحذرا عن أقلال اهل العلم والاخلال. فكيف يكون في حقبتنا حال * ونظر الملوك من جملتنا حال. وضاع بالكلية ذلك المنوال. ولم يبق لهم من دون الله من وال انتهى" وقال الامام الزيلعي عند قول الكنز والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن وهو مذهب المتأخرين من مشايخ بلخ استحسنوا ذلك وقالوا بني اصحابنا المتقدمون الجواب على ما شاهدوا من قلة الحفظة ورغبة الناس فيهم وكان لهم عطيات في بيت المال وافتقاد من المتعلمين فى مجازاة الاحسان بالاحسان من غير شرط مروأة يعينونهم على معاشهم ومعادهم وكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن وتحريضا على التعليم حتى ينهضوا لاقامة الواجب فتكثر حفاظ
(2)
من الناصحين لكون له ذخرا الى يوم الدين وقد صرح بالحبس في آخر العبادات من المبسوط بقوله أملاه المحبوس عن الجمع والجماعات وفي آخر الطلاق املاه المحبوس عن الاطلاق المتملى بوحشة الفراق. مصليا على صاحب البراق. وفى آخر الاعتاق وآخر الاقرار نحو ذلك توفى رحمه الله تعالى في حدود سنة تسعين واربعمائة اهـ وذكر فى البحر من باب العدة حكاية عنه لطيفة وسبب حبسه منه.
(3)
قوله على الثانى هو جواز الاستئجار على التعليم والامامة والاذان والاول هو ما عليه فى الهداية وغيرها من تخصيصه بالتعليم وهو خلاف ما قاله السرخسى منه
القرآن واما اليوم فذهب ذلك كله واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقل ما يعلم حسبة ولا يتفرغون له أيضًا فإن حاجتهم تمنعهم من ذلك فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالاجر لذهب القرآن فافتوا بجوازه لذلك ورأوه حسنا وقالوا الاحكام قد تختلف باختلاف الزمان الا ترى أن النساء كن يخرجن إلى الجماعات في زمان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفي زمان أبي بكر رضى الله تعالى عنه حتى منعهن عمر رضى الله تعالى عنه واستقر الأمر عليه وكان ذلك هو الصواب وقال في النهاية يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه أيضًا في زماننا ويجوز للإمام والمؤذن والمعلم أخذ الاجر قال كذا في الذخيرة انتهى كلام الزيلعي * وهو كالصريح في أن افتاء البلخيين خاص بتعليم القرآن وان من بعدهم زاد الاذان والامامة ونحوهما بجامع الضرورة وحاجة الناس فتأيد ما قدمناه من التوفيق وما بحثه الشرنبلالي في التعليل والله تعالى أعلم (ثم اعلم) انهم حيث افتوا بجواز الاستئجار على التعليم ووجوب المسمى خصوه بما إذا ضرب له مدة لتصبح الإجارة ولو لم تضرب له مدة ولا تسمية أوجبوا اجر المثل كما هو الحكم في الاجارات الفاسدة كما صرح به في البزازية وغيرها حيث قال وفتوى علمائنا على أن الإجارة ان صحت يجب المسمى وإن لم تصح يجب اجر المثل ويجبر الأب على ادائها ويحبس على الحلوة المرسومة والعيدى والحيلة أن يستأجر المعلم مدة معلومة ثم يامره بتعليم ولده انتهى * وفى الذخيرة البرهانية ومشايخ بلخ جوزوا الاستئجار على تعليم القرآن إذا ضرب لذلك مدة وافتوا بوجوب المسمى وبدون ذكر المدة افتوا بوجوب اجر المثل انتهى فاعلم ذلك (فائدة) قال الحافظ الذهبي الحد الفاصل بين العلماء المتقدمين والمتأخرين رأس القرن الثالث وهو الثلاثمائة انتهى فالمتقدمون من قبله والمتأخرون من بعده (فصل) وحيث احطت خبرا بما قدمناه * وصار معلومك جميع ما تلوناه * يظهر لك أن العلة في جواز الاستئجار على تعليم القرآءة والفقه والاذان والامامة هى الضرورة واحتياج الناس إلى ذلك * وإن هذا مقصور على هذه الأشياء دون ما عداها مما لا ضرورة إلى الاستئجار عليه وما قدمناه كالصريح في ذلك بحيث لا يكاد ينكره منازع * ولا يقدر على دفعه مدافع * واصرح منه ما في الذخيرة البرهانية حيث ذكر علة الجواز على تعليم القرآن بمثل ما قدمناه عن الزيلعي ثم قال وكذا يفتي بجواز الاستئجار على تعليم الفقه في زماننا * والاستئجار على الاذان والإقامة لا يجوز لأنه استئجار على عمل للاجير فيه شركة لأن المقصود من الاذان والإقامة أداء الصلاة بجماعة بأذان واقامة وهذا النوع كما يحصل للمستأجر يحصل للاجير وكذا الاستئجار على الحج والغزو وسائر
الطاعات لا يجوز لأنَّه لو جاز لوجب على القاضي جبر الاجير عليها ولا وجه إليه لأن أحدا لا يجبر على الطاعات وكان الشيخ الإمام شمس الائمة الحلواني والقاضى الإمام ركن الإسلام على السغدى رحمهما الله تعالى لا يفتيان بجواز الاستئجار على تعليم القرآن وهكذا حكى عن الشيخ الإمام الاجل ركن الدين أبي الفضل رحمه الله تعالى وفى روضة الزندوستى كان شيخنا أبو محمد عبد الله الجراحرى يقول في زماننا يجوز للإمام والمؤذن والمعلم أخذ الاجر انتهى ما في الذخيرة * وبه ظهر لك ما في كلام بعضهم كالعلامة الشيخ زين بن نجيم والشيخ علاء الدين حيث يطلقان في بعض كلامهما أن المفتى به جواز الاستئجار على الطاعات عند المتأخرين فإنه ليس على إطلاقه كما ظهر لك ظهور الشمس * وزال عنه الخفاء واللبس * والا لجاز الاستئجار على الصلاة والصوم الواجبين وما أظن احدا يقول بجواز ذلك (فإن قلت) قد قال في الأشباه والنظائر يصح استئجار الحاج عن الغير وله اجر مثله ثم اسنده للخانية (قلت) قد الف العلامة الشرنبلالي رسالته المنقول عنها سابقا في هذه المسئلة ورد على صاحب الأشباه حيث قال واقول نص الخانية إذا استأجر المحبوس رجلا ليحج عنه حجة الإسلام جازت الحجة عن المحبوس اذا مات في الحبس وللاجير اجر مثله في ظاهر الرواية انتهى * فهذا نص على أنه لا صحة لقوله في الأشباه يصح الاستئجار للحج ولا صحة لعزوه للخانية فإنه لم يقل في الخانية يصح استئجار الحاج عن الغير وانما قال جازت الحجة الخ وكذا قال في المنبع ثم قال وفى المحيط وما فضل من النفقة بعد رجوعه يرده على الورثة لأنَّه فضل عن حاجة الميت لأن النفقة لا تصير ملكا للحاج لأن الاستئجار على الطاعات لا يجوز ولكن ينفق المال على حكم ملك الميت في الحج فإذا فرغ منه يرد باقيه انتهى لأن الإجارة على الحج غير صحيحة باتفاق ائمتنا وإنما جازت الحجة عن المستأجر لأنَّه لما بطلت الإجارة بقى الأمر بالحج وقد نواه الفاعل عن الآمر فصح * وقد استشكل كلام قاضي خان المحقق ابن الهمام وذكر أن النفقة لا تصير ملكا للحاج لأنَّه لو ملكها لكان بالاستئجار وهو لا يجوز على الطاعة إلى أن قال فما في قاضي خان مشكل لا جرم أن الذي في كافي الحاكم الشهيد وله نفقة مثله هو العبارة المحررة وزاد ايضاحها في المبسوط قال وهذه النفقة ليس مستحقها بطريق العوض بل بطريق الكتابة هذا وإنما جاز الحج عنه لأنَّه لما بطلت الإجارة بقى الأمر بالحج فيكون له نفقة مثله انتهى كلام الكمال * قلت فهذا نص الكمال على بطلان الإجارة ووافقه قاضي خان باشارته ولكنه اعترضه في تعبيره باجر المثل والعبارة المحررة نفقة المثل ونقل
في البحر عدم صحة الإجارة عن الاسبيجابي * وفي المنبع اتفق العلماء على الأرزاق
(1)
في الحج واختلفوا في الإجارة فمنعها ابو حنيفة واحمد ومن تابعهما وجوزها مالك والشافعى باجرة معلومة * والاعمال أنواع ثلاثة ما يجوز فيه الارزاق والإجارة كبناء المساجد ونحوها وما تمتنع فيه الإجارة دون الارزاق كالقضاء والفتيا وما اختلف في جواز الإجارة فيه دون الارزاق كالامامة والاذان والإقامة والحج انتهى * فتحرر لنا أن الاستنابة للحج غير الاستئجار عليه والفرق بينهما قد علم بأنه لا يملك النفقة بالاستنابة ويملكها بالإجارة * وعلمنا أنه لا يلزم من عدم صحة الإجارة عدم وقوع الحج عن المستأجر ووقوعه عن الآمر هو ظاهر المذهب وهو الصحيح وعن محمد أنه يقع عن المأمور وللآمر ثواب النفقة ولكن يسقط اصل الحج عن الآمر قال شيخ الإسلام واليه مال عامة المتأخرين وبعض الفروع ظاهرة في هذا القول * هذا حاصل ما ذكره الشرنبلالي رحمه الله تعالى وصحح قاضي خان في فتاواه ظاهر المذهب ورجح في شرحه على الجامع الصغير الثانى حيث قال وهو أقرب إلى الفقه وكأن الشرنبلالي لم ير عبارة الجامع فاعترض على ابن الهمام في نقله ترجيح الثاني عن قاضي خان بأنه لم يرجحه بل رجح الأول تأمل قلت فثبت بما قلناه عدم جواز الاستئجار على الحج كغيره من الطاعات سوى ما مر* وممن صرح بذلك صاحب الهداية والكنز والمجمع والمختار والوقاية وغيرهم نصوا على ذلك في كتاب الإجارة ثم استثنوا تعليم القرآن من الطاعات وبعضهم استثنى أيضًا تعليم الفقه والامامة والاذان والإقامة كما علمت ذلك مما نقلناه عن المتون وغيرها وهذا من اقوى الادلة على ما قلنا من أن ما افتوا به ليس عاما في كل طاعة بل هو خاص بما نصوا عليه مما وجد فيه علة الضرورة والاحتياج فإن الاستثناء من ادوات العموم كما تقرر في الاصول * وحيث نصوا على أن مذهب ائمتنا الثلاثة المنع مطلقا مع وضوح الادلة عليه واستثنى بعض المشايخ اشياء وعللوا ذلك بالضرورة المسوغة لمخالفة اصل المذهب كيف يسوغ للمقلد طرد ذلك والخروج عن المذهب بالكلية من غير حاجة ضرورية * على أنه لو ادعى أحد الحاق ما فيه ضرورة غير ما نصوا عليه به فلنا أن نمنعه وإن وجدت فيه العلة إلا أن يكون من أهل القياس فقد نص ابن نجيم في بعض رسائله على أن القياس بعد الاربعمائة منقطع فليس لاحد بعدها أن يقيس مسئلة على مسئلة فما بالك بالخروج عن المذهب فعلى المقلد اتباع المنقول ولهذا لم نر أحدا قال بجواز الاستئجار على الحج بناء على ما افتى به المتأخرون
(1)
الارزاق جمع رزق وهو ما يرزقه القاضى ونحوه من بيت المال منه.
والا لما اعترض المحقق ابن الهمام على عبارة قاضى خان ولما احتاج العلامة الشرنبلالي إلى ما تمحل به من الجواب عن قاضي خان * بما اعرضنا عنه لعدم رواجه عند ذوى الاذهان (فإن قلت) قد مر في عبارة الإمام العينى عد الحج واللزو من جملة ما يجوز الاستئجار عليه (قلت) اما الحج فقد علمت الكلام فيه واما الغزو فيجوز عند الضرورة قال في سير الكنز وكره الجعل أن وجد فيء والا لا * قال شارحه الإمام الزيلعي المراد به أي بالجعل أن يضرب الإمام الجعل على الناس للذين يخرجون إلى الجهاد لأنَّه يشبه الاجر على الطاعة فحقيقته حرام فيكره ما اشبهه ولان مال بيت المال معد لنوائب المسلمين وإن لم يوجد في بيت المال شيء فلا يكره لأن الحاجة إلى الجهاد ماسة إلى تحمل الضرر الادنى لدفع الأعلى انتهى * على أن ما يأخذه الغازى من بيت المال من الارزاق لا من الاجرة وما يأخذه من الغنيمة ملك له بعد احرازه وقسمته فليس من الاجر في شيء * نعم الجعل شبيه بالاجرة وقد علمت حكمه وليس اجرة حقيقة فنظم العينى الحج والغزو في هذا المسلك غير محرر فتدبره وقد اسمعناك في هذا الفصل قول الذخيرة البرهانية وكذا الاستئجار على الحج والغزو وسائر الطاعات (فإن قلت) لا نسلم أن الحج مما لا ضرورة إلى الاستئجار عليه ممن وجب عليه وعجز عن فعله ولا يكاد يوجد متبرع عنه بذلك (قلت) اما على ظاهر المذهب من وقوع الافعال عن الآمر فليس من قبيل الاستئجار بل هو استنابة وانفاق على النائب كما مر وإذا صح على هذا الوجه فأى ضرورة إلى الاستئجار * واما على ما روى عن محمد رحمه الله تعالى فالامر اظهر لأن الحج يقع عن المأمور وللآمر ثواب الانفاق
(1)
وبه يسقط الحج عنه (فقد) ظهر صحة ما قلناه بالنقول المعتبرة * والعبارات المحررة * عن كتب المذهب * التي إليها المذهب * وجميع ما نقلناه إن شاء الله تعالى لا يحتمل نقضا * بل يشد بعضه بعضا * وستسمع اصرح من ذلك * مما تنجلى به الاوهام الحوالك * ويرد المنكر قسرا إليه * ويعض بالنواجذ عليه * فاياك بعد هذا اذا رأيت ما لم يحرر من العبارات * او ما خفى من الإشارات * مما قد يخالف بظاهره ما ذكرنا من النقول * عن الأئمة الفحول * الذين إليهم مفزع الفقيه * وبكلامهم مقنع النبيه * أن تطيش بك الاوهام * فإن القول ما قالت حذام * والله تعالى أعلم بالصواب * واليه المرجع والمآب * (المقصد) لهذا الكلام * تحقيق المرام * اعلم أن العبادات أنواع مالية محضة كالزكاة والعشر والكفارة
(1)
لأن الانفاق اقيم مقام الحج عند العجز كما اقيم الفداء مقام الصوم في حق الشيخ الفاني كذا في بعض المناسك منه.
وبدنية محضة كالصلاة والصيام والاعتكاف وقراءة القرآن والاذكار ومركبة منهما كالحج فإنه مالى من حيث اشتراط الاستطاعة ووجوب الجزاء بارتكاب محظوراته وبدنى من حيث الوقوف والطواف والسعي كذا في شرح الكنز لفخر الدين الزيلعي * وقال الإمام حافظ الدين النسفي في الكنز النيابة تجرى في العبادات المالية عند العجز والقدرة ولم تجر في البدنية بحال وفى المركب منها تجرى عند العجز فقط والشرط العجز الدائم إلى وقت الموت * قال الإمام الزيلعي لأن المقصود في المالية سدخلة المحتاج وذلك يحصل بفعل النائب كما يحصل بفعله ويحصل به تحمل المشقة بإخراج المال كما يحصل بفعل نفسه فيتحقق معنى الابتلا فيستوى فيه الحالتان * ولا تجرى في البدنية بحال من الاحوال لأن المقصود منها اتعاب النفس الامارة بالسوء طلبا لمرضاته تعالى لأنها انتصبت لمعاداته تعالى ففى الوحى (عاد نفسك فإنها انتصبت لمعاداتي) وذلك لا يحصل بفعل النائب اصلا فلا تجرى فيها النيابة لعدم الفائدة * وفى المركب من المالى والبدنى تجرى النيابة عند العجز لحصول المشقة بدفع المال ولا تجرى عند القدرة لعدم اتعاب النفس عملا بالشبهين بالقدر الممكن انتهى (اقول) وحيث علمت مما قدمناه أن النيابة تجرى في الحج دون الاستئجار علمت أن النيابة اسهل من الاستئجار وحيث لم تجر النيابة في العبادات البدنية المحضة علمت أنه لا يجرى فيها الاستئجار من باب أولى وإن الاستئجار عليها محظور الا عند الضرورة فقد اشتهر أن الضرورات تبيح المحظورات وإذا جاز الاستئجار للضرورة فيما وجدت فيه الضرورة من الصور المتقدمة فلا يلزم منه جواز النيابة فيما لا ضرورة فيه ولهذا الطبق الأئمة على أنه لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد إذا كان حيا وكذا إذا كان ميتا عندنا فلا يجوز الاستئجار على ذلك أيضًا من طريق أولى * نعم يجوز أن يجعل ثواب عمله لغيره تبرعا بلا استنابة في غير الحج والاستئجار قال في الهداية الأصل في هذا أي في جواز الحج عن الغير أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة او غيرها * قال الشارح كتلاوة القرآن والاذكار عند أهل السنة والجماعة يعنى به أصحابنا على الإطلاق لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين املحين أحدهما عن نفسه والآخر عن امته ممن اقرّ بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ جعل تضحية إحدى الشاتين لامته أي ثوابها انتهى * وقال شارحها الكمال بن الهمام أن الإمام مالكا والشافعي رحمهما الله تعالى لا يقولان بوصول العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة ويقولان بوصول غيرها كالصدقة والحج وخالف في كل العبادات
المعتزلة لقوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} وسعى غيره ليس سعيه وما قصه الله تعالى من غير انكار يكون شريعة لنا والجواب لأبطال قولهم ولنفى التخصيص بغير البدنية مما يبلغ مبلغ التواتر من الكتاب والسنة وقد اطال في ذلك من التحقيق كما هو دأبه رحمه الله تعالى * وما نقله عن الشافعي هو المشهور عنه كما ذكره الإمام النووى، وذكر العلامة ابن حجر الهيتمي في بعض فتاويه أن المختار الوقف في هذه المسئلة عند الشافعية ويدفعه ما ذكره العلامة ابن الهمام من الآيات والاحاديث فراجعه ان شئت نعم قال شيخ الإسلام القاضي زكريا أن مشهور المذهب محمول على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع (وقال) في البحر واما قوله عليه الصلاة والسلام لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد فهو في حق الخروج عن العهدة لا في حق الثواب فإن من صام او صلى أو تصدق وجعل ثوابه الغيره من الاموات والاحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة كذا في البدائع وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتا أو حيا والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوى به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره لإطلاق كلامهم، ولم ار حكم من أخذ شيأ من الدنيا ليجعل شيأ من عبادته للمعطى وينبغى أن لا يصح ذلك وظاهر إطلاقهم يقتضى أنه لا فرق بين الفرض والنفل فإذا صلى فريضة وجعل ثوابها لغيره فإنه يصح لكن لا يعود الفرض في ذمته لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته ولم اره منقولا انتهى كلام البحر (قلت) نازعه العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز فقال
(1)
واما جعل ثواب فرضه لغيره فمحتاج إلى نقل انتهى (ورأيت) في شرح تحفة الملوك تقييده بالنافلة حيث قال يصح أن يجعل الإنسان ثواب عبادته النافلة لغيره الخ، لكن يؤيد الإطلاق ما في حاشية الشرنبلالي على الدرر عند قول المتن ومن أهل بحج عن ابويه فعين صح حيث قال وتعليل المسئلة بأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما يفيد وقوع الحج عن الفاعل فيسقط به الفرض عنه وإن جعل ثوابه لغيره، قاله في الفتح ومبناه على أن نيته لهما تلغو بسبب أنه مأمور من قبلهما او احدهما فهو معتبر فنقع الافعال عنه البتة وإنما يجعل لهما الثواب انتهى ويفيد ذلك الأحاديث التي رواها الكمال انتهى وسيأتي ما يرد عليه آخر الرسالة (فإن قلت) قول صاحب البحر ولم ار حكم من أخذ شيأ من الدنيا ليجعل ثواب عبادته للمعطى وينبغى أن لا يصح ذلك أن أراد به العبادة
(1)
ومن جعل ثواب عمله لغيره جاز في التطوعات والمفروضات وقيل لا يجوز في المفروضات كذا في مجموعة همتي افندى عن جامع الفتاوى منه
الماضية فظاهر لأنَّه مجرد بيع الثواب والمبيع لابد أن يكون مالا متقوما او منفعة مقصودة من العين تحصل بعد العقد كسكنى الدار مثلا وان أراد به العبادة المستقبلة يفيد انه لا يصح الاستئجار على نحو القراءة المجردة وذلك مخالف لما ذكره في كتاب الوقف حيث ذكر انهم صرحوا في الوصايا بأنه لو اوصى بشيء لمن يقرأ عند قبره فالوصية باطلة واستظهر بحثا من عنده أنه مبنى على قول أبي حنيفة بكراهة القرآءة عند القبر والفتوى على قول محمد وذكر أن تعليل صاحب الاختيار لبطلان الوصية بان اخذ شيء للقراءة لا يجوز لأنَّه كالاجرة مبنى على غير المفتى به من جواز أخذ الاجرة على القراءة فاى العبارتين أصح (قلت) بعد علمك بما قدمناه من أن القول بأخذ الاجرة على الطاعة الذي هو المفتى به عند المتأخرين مقصور على ما فيه ضرورة علمت أن العبارة الأولى هى الصحيحة، المعتمدة الرجيحة، وإن تعليل الاختيار، هو المختار، وهو الموافق للمعقول، ولما قدمناه من صريح النقول، فإنه لا ضرورة إلى أخذ الاجرة على القراءة بخلاف تعليم القرآن، فإن الضرورة داعية إليه خوفا من ضياع القرآن، وقد علمت أن جل المتون واجلها صرحوا بعدم الجواز على الاذان والامامة مع انهما من أعظم شعائر الإسلام، ولم ينظروا إلى ما في ضياعهما من الضرر العام، فما بالك بالاشتراء بآيات الله ثمنا قليلا، فأي ضرر إليه ليكون على جوازه دليلا، مع ما سمعته من النقول عن الامامين الجليلين مالك والشافعى من عدم وصول الثواب بدون اجرة في العبادات البدنية كالقرائة ونحوها فكيف بالاجرة، وفى تقييد أهل المذهب بالتعليم كما سمعته من عباراتهم السابقة مع قطع النظر عن التعليل دلالة واضحة عليه وقد صرحوا بان مفاهيم الكتب حجة، ثم رأيت العلامة الشيخ خير الدين الرملي في حاشيته على البحر رد على صاحب البحر حيث اعترض العبارة الثانية بعين ما ذكرته كما ستسمعه فلله الحمد على آلائه، وتواتر نعمائه، على أن القراءة في نفسها عبادة وكل عبادة لا بد فيها من الإخلاص لله تعالى بلا رياء حتى تكون عبادة يرجى بها الثواب وقد عرفوا الرياء بان يراد بالعبادة غير وجهه تعالى فالقارئ بالاجرة ثوابه ما أراد القراءة لاجله وهو المال قال صلى الله تعالى عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري وغيره وإذا كان لا ثواب له لم تحصل المنفعة المقصودة للمستأجر لأنَّه استأجره لاجل الثواب فلا تصح الإجارة (فإن قلت) اذا لم تجز الإجارة على القرائة المجردة فليكن المدفوع صلة للقارئ إذا كان معينا لا اجرة
كما صرح به في وصايا الفتاوى الظهيرية حيث قال ولو اوصى بأن يدفع إلى إنسان كذا من ماله ليقرأ على قبره القرآن فهو باطل لكن هذا اذا لم يعين القارئ اما إذا عينه ينبغي أن يجوز على وجه الصلة دون الاجرة انتهى (وقلت) قوله ينبغى أن يجوز يفيد أنه بحث لا أنه من منقول المذهب ولا يخفى عليك عدم ارادة الصلة في عرفنا والالجاز للقارئ ترك القراءة مع أن من يوصى له في زماننا لا يوصى إلا في مقابلة قرائته وذكره وتسبيحه ولو علم بأن القارئ الموصى له لا يفعل ذلك لما اوصى ومن جهل باهل زمانه فهو جاهل، وقد مر في المقدمة في حديث القوس الوعيد الشديد على قبول الهدية مع أنه لم يذكر شرط ولا معناه هناك فما بالك هنا مع انهم قد يشارطون على ذلك ومع هذا لم يسلم هذا البحث لقائله كما نقله العلامة الرملى في حاشية البحر في ضمن اعتراضه السابق، ونصه اقول المفتى به جواز الاخذ استحسانا على تعليم القرآن لا على القراءة المجردة كما صرح به في التاترخانية حيث قال لا معنى لهذه الوصية ولصلة القارئ بقراءته لأن هذا منزلة الاجرة والإجارة في ذلك باطلة وهى بدعة ولم يفعلها أحد من الخلفاء وقد ذكرنا مسئلة قراءة
(1)
القرآن على استحسان انتهى يعنى للضرورة ولا ضرورة في الاستئجار على القراءة وفى الزيلعى وكثير من الكتب لو لم يفتح لهم باب التعليم بالاجر لذهب القرآن فافتوا بجوازه ورأوه حسنا فتنبه انتهى كلام الرملي رحمه الله تعالى (فهذا) نص صريح بما قلناه، مؤيد لما ادعيناه، وقد ذكر نظير ذلك شيخ مشايخنا العلامة الشيخ مصطفى الرحمتى في حاشيته على شرح التنوير للعلائى رادا بذلك عليه حيث تابع صاحب البحر فقال ان ما اجازه المتأخرون انما اجازوه للضرورة ولا ضرورة في الاستئجار على التلاوة فلا يجوز (ثم) رأيت نحوه في وصايا الولوالجية ونصها ولو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيأ من القرآن فهو حسن اما الوصية بذلك فلا معنى لها ولا معنى أيضًا لصلة القارئ لأن ذلك يشبه استئجاره على قراءة القرآن وذلك باطل ولم يفعل ذلك أحد من الخلفاء اهـ (ثم) رأيت نحوه أيضًا معزوا إلى المحيط البرهاني (ورأيت) أيضًا النقل ببطلان هذه الوصية وانها بدعة عن الخلاصة والمحيط السرخسى والبزازية (وفى) وصايا خزانة الفتاوى اوصى لقارئ يقرأ القرآن عند قبره بشيء لانسان معلوم أو مجهول الوصية باطلة ولو زار قبر صديقه فقرأ عنده لا بأس به انتهى، فقوله معلوم أو مجهول فيه رد
(1)
لعله تعليم القرآن كما يدل عليه ما قبله وما بعده فلتراجع نسخة أخرى منه.
أيضًا على ما في الظهيرية (وفى) مختصر منتقى الفتاوى والوصية بالاسراف في الكفن باطلة وكذا بدفع شيء لقراءة القرآن الخ، وعزا في القنية البطلان إلى موضعين ثم قال وقيل أن عين أحدا يجوز والا فلا فأفاد ضعفه كما لا يخفى وفى وصايا الفتاوى الخيرية للعلامة الشيخ خير الدين الرملى (سئل) في رجل اشترى بناء فرن مقررا على أرض وقف وعلم بما على الأرض لجهة الوقف بطريق الحكر ثم اوصى في مرض موته اذا مات أن يجمع كل يوم فلان وفلان يقرآن سورة يس وتبارك والإخلاص والمعوذتين ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ويهديان ثواب ذلك إلى روحه وعين لهما كل يوم قطعة مصرية تؤخذ من اجرة الفرن واذا مات أحدهما يقرر ولده أن كان له اهلية فهل بهذه الوصية يصير الفرن وقفا على القارئين أبدًا وهل هذه الوصية صحيحة أم لا (أجاب) هذه الوصية باطلة ولا يصير الفرن وقفا ولورثة الموصى التصرف في بناء الفرن يجرى على فرائض الله تعالى قال في وصايا البزازية اوصى لقارئ يقرأ القرآن عند قبره بشيء فالوصية باطلة وفى التاترخانية في الفصل 29 من الوصايا إذا اوصى بأن يدفع إلى إنسان كذا من ماله ليقرأ القرآن على قبره فالوصية باطلة لا تجوز وسواء كان القارئ معينا او لا لأنَّه بمنزلة الاجرة ولا يجوز أخذ الاجرة على طاعة الله تعالى وإن كانوا استحسنوا جوازها على تعليم القرآن فذلك للضرورة ولا ضرورة إلى القول بجوازها على القراءة على قبور الموتى فافهم والله تعالى أعلم انتهى ما في الخيرية ملخصا (فانظر) إلى هذه النقول كيف صرحت ببطلان هذه الوصية هنا بناء على بطلان الاستئجار على القراءة اذ لا ضرورة فيها بخلاف التعليم لا بناء على أن القراءة على القبور مكروهة، ويؤيده عبارات المتون السابقة المصرحة ببطلان الاستئجار على كل الطاعات الا ما فيه ضرورة على قول المتأخرين كالتعليم والاذان والامامة وانت خبير بان هذه النقول تضعف تعليل صاحب البحر للفرع المار، وتقوى تعليل صاحب الاختيار، اذ لا فرق على القول بكراهة القراءة على القبر بين كون الموصى له معينا ولا كما لا يخفى على ذوى الابصار، (ومن) اقوى الدلالة على رده أيضًا عبارة الولوالجية وخزانة الفتاوى فإن فيهما التصريح ببطلان هذه الوصية مع التصريح بجواز القراءة عند القبر فكيف يصح جعل بطلان الوصية مبنيا على القول بعدم جواز القراءة على القبر كما زعمه في البحر وإنما هو مبنى على بطلان الاستئجار على القراءة الذى لم يستثنه أحد من المتأخرين فثبت أن العلة في بطلان الوصية المذكورة ما قاله في الاختيار،
وبه ظهر أيضًا ضعف ما في الجوهرة من قوله وقال بعضهم يجوز أي الاستئجار على القراءة وهو المختار، وفيه نظر من وجه آخر حيث عبر بالاستئجار فإن الذي فيه النزاع جعله صلة مع الاتفاق على منع الاستئجار فهو مخالف لما نقلناه عن هذه الكتب المؤيدة بما قدمناه عن المتون والشروح التي دونها ارباب الترجيح، والاختيار والتصحيح (فإن قلت) يمكن حل ما نقلته عن هذه الكتب على قول المتقدمين المانعين الاستئجار على التعليم وعلى القراءة المجردة بالاولى (قلت) يرد هذا قول التاترخانية وقد ذكرنا مسئلة قراءة القرآن، على استحسان، فهو صريح بأنه على قول المتأخرين كما لا يخفى على من له أدنى عرفان، على أن تفريعهم على مذهب المتقدمين بعد فتواهم بخلافه يبعد غاية البعد وربما لا يخطر في الاذهان، وسيأتي لهذا أول الخاتمة مزيد بيان (وفى) كتاب الشركة من المنظومة الوهبانية وفى شركة القراء ليست صحيحة
…
وفي عمل الدلال ما يتصور وجازت على التعليم فرعا على الذي
…
تخيره الاشياخ وهو المحرر (وقال) الناظم في شرحه اقول وهذان الفرعان مما غفل عنه أكثر الناس ومازال جهال القراء والدلالين يتعاطون ذلك ويفعلونه ولا ينكر عليهم أحد من العلماء بل لو انكر عليهم احد ربما انكر عليه مع ما يفعله جهال هؤلاء القراء من التمطيط والتغيير الذي لا يجوز سماعه ولا تحل المواطأة عليه إلى آخر ما قال وقد نقل قبله الفرعين عن القنية ونصها ولا تجوز شركة الدلالين في عملهم، ثم رمز وقال ولا شركة القراء في القراءة بالزمرة في المجالس والتعازي لانها غير مستحقة عليهم انتهى وفي القاموس الزمرة بالضم الفوج والجماعة في تفرقة جمعه زمر انتهى وما ذكره من التعليل يفيد أن عدم الجواز ليس من جهة الشركة والا لما اجازت على التعليم أيضًا بل من جهة عدم صحة الإجارة فلم تكن القراءة مستحقة عليهم فلم تجزا الشركة ولاسيما مع ما يفعلونه من المنكرات مما مر، ففيه الفرق بين القراءة والتعليم أيضًا زيادة على ما قدمناه وعلى ما ستراه (فإن قلت) له أهل هذا العصر قد اطبقوا على الايصاء بذلك والايصاء بالتهاليل والختمات وظهر في هذه السنة الايصاء بدراهم تدفع لقراءة الصمدية وهى عبارة عن قراءة سورة الإخلاص مائة ألف مرة فمقتضى ما نقلته عن هذه المعتبرات بطلان ذلك كله وعدم النفع به في مذهبك بل وفى مذهب غيرك فإنك ذكرت أن مذهب الإمام أحمد كمذهب أبي حنيفة وأصحابه وان مذهب الإمام مالك والمشهور من مذهب الشافعى عدم وصول العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة والاذكار بل يقولان بوصول غيرها كالصدقة والحج
وذكرت أيضًا أن الناس اليوم لا يدفعون المال إلا في مقابلة ذلك العمل وعلى ظن وصول ثوابه إليهم لا على أنه تبرع وصلة لذلك العامل سواء عمل أو لم يعمل وقد صرح أئمتنا وغيرهم بان القارئ للدنيا لا ثواب له والآخذ والمعطى آثمان، وقال الخطيب الشربينى وقد اختار الغزالي فيما إذا شرك في العبادة غيرها من أمر دنيوى اعتبار الباعث على العمل فإن كان القصد الدنيوى هو الاغلب لم يكن فيه اجر وان كان القصد الديني اغلب فله بقدره وإن تساويا تساقطا واختار ابن عبد السلام أنه لا اجر فيه مطلقا انتهى وكلام الغزالى هو الظاهر انتهى (وهذا) إذا شرك فكيف إذا أخلص الأمر الدنيوى كمن اتخذ القرآن والذكر دكانه يتعيش منها ولولا الدراهم التى تدفع له بمقابلة ذلك لم يتعب نفسه في ذلك ولم يسهر له جفنا ولترك ذلك بالكلية واتخذ له حرفة غيره يتعيش منها فاذن لا اجر له سوى ما نواه، كما نطق به الحديث الصحيح كما قدمناه، وإذا كان لا ثواب له في قراءته وذكره فأى شيء يهديه إلى روح الذين لم يدفعوا له هذا المال إلا في مقابلة ثواب هذه القراءة والذكر ولو علموا أنه لا ثواب له ولا لهم لم يدفعوا له فلسا واحدا وإذا لم تحصل لهم تلك المنفعة أو بطلت الإجارة والوصية فأى وجد تحصل القربة ويأخذ المدفوع إليه ذلك في مذهب من المذاهب (مع) أن أهل عصرنا يعدون ذلك من أعظم القرب، ويقدمونه على ما قد وجب فكثير منهم لم يخرج عن زكاة ماله من دينار ولا درهم، ولم يحج مع القدرة إلى بيت الله المحرم، مع ما في ذمته من كفارات، واضاح ومنذورات، وما عليه من مظالم العباد والتبعات، وتراه يهتم بهذه الوصايا المذكورة، ولا يلقى بالا إلى هذه المهمات المزبورة، ولا يوصى بدرهم لمحاويج قرابته، ولا لفقراء جيرانه واهل محلته، مع أن الصدقة على غيرهم مع وجودهم غير محمودة، بل صرحت صحاح الأحاديث بانها مردودة، ولا يوصى بعتق رقبة تعتق بها رقبته من النار، أو بناء مسجد او سبيل أو عمارة طريق أو رفع منار، أو بأسعاف فقيره او فك أسير، أو تجهيز غاز أو شراء مصحف أو تخليص غارم، او نحو ذلك مما اجمعوا على طلبه ووصول ثوابه الدائم، (قلت) لا يستهجن ذلك على هذا الزمن، الذى هو زمن الفتن والمحن * وظهور الفسوق والخيانة، وقلة الامانة والديانة، فقد صار فيه المعروف منكرا والمنكر معروفا، وقل أن ترى أحدا إلا وقلبه عن قبول الحق مصروفا، نسأل الله تعالى فيه الثبات على الدين، والعصمة عن الزيغ حتى يأتينا اليقين، فإن ما ذكرته قليل في جانب قبائحه، وفظيع فضائحه، ولعل سبب هذه القضية،
وعموم هذه البلية، كون معظم ما لنا او كله، مجموعا من غير طريق حله، (وفى) هذه الوصايا زيادة على ما ذكرته من الشناعات، اعتقاد المنكر من أعظم القربات، وكثيرا ما يكون الحامل عليها بعض الورثة والاقارب، مع ما يترتب عليها من المثالب، من أخذ اموال اليتامى القاصرين، وفقراء الورثة المحتاجين، فإن هذه الوصية حيث كانت باطلة، ونحورها من زينة الصحة عاطلة، يكون مرجعها إلى التركة، وحقوق الورثة فيها مشتركة، ومع ما يترتب عليها كثيرا من الجلوس في بيوت الايتام، واستعمال اوعيتهم وفرشهم والأكل والشراب الحرام، مع قطع النظر عما يكون كثيرا في حالة الذكر، المطلوب فيه جمع الفكر، مما يسمونه بالسماع والكوشت والحربية، ونحو ذلك مما يراعون فيه الأعمال المويسيقية، المشتمل على التلحين والتمطيط والرقص والاضطراب، والاجتماع بحسان المرد والغناء المحرم المهيج لشهوات الشباب، فإن ذلك قد نص أئمتنا الثقات، على أنه من المحرمات، وكتبنا
(1)
مشحونة بذلك، فليراجعها مريد التيقن بما هنالك، فقد اقاموا الطامة الكبري على فاعليها، وصرحوا بكفر مستحلبها، (ولا كلام) لنا مع الصدق من ساداتنا الصوفية، المبرئين عن كل خصلة ردية، (فقد) سئل امام الطائفتين سيدنا الجنيد
(2)
ان اقواما يتواجدون ويتمايلون، فقال دعوهم مع الله
(1)
وممن ذكر بعض ذلك الإمام جاز الله الزمخشرى في الكشاف في تفسير قوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} منه.
(2)
وبمثل ما ذكره الإمام الجنيد أجاب العلامة النحرير ابن كمال باشا لما استفتى عن ذلك حيث قال "شعر"
ما في التواجد ان حققت من حرج
…
ولا التمايل أن اخلصت من بأس
فقمت تسعى على رجل وحق لمن
…
دعاه مولاه أن يسعى على الراس
الرخصة فيما ذكر من الاوضاع، عند الذكر والسماع، للعارفين الصارفين اوقاتهم إلى احسن الأعمال، السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الاحوال، فهم لا يستمعون الا من الاله، ولا يشتاقون الاله، ان ذكروه ناحوا، وإن شكروه باحوا، وإن وجدوه صاحوا، وإن شهدوه استراحوا، وإن سرحوا في حضرات قربه ساحوا، إذا غلب عليهم الوجد بغلباته، وشربوا من موارد اراداته، فهم من طرقته طوارق الهيبة فخر وذاب، ومنهم من برقت له بوارق اللطف فتحرك وطاب، ومنهم من طلع عليهم الحب، من مطالع القرب، فسكر وغاب، هذا ما عن لي في الجواب، والله أعلم بالصواب، شعر، (3)
تعالى يفرحون، فإنهم قوم قطعت الطريق اكبادهم، ومزق النصب فؤادهم، وضاقوا ذرعا فلا حرج عليهم، إذا تنفسوا مداواة لحالهم، ولو ذقت مذاقهم عذرتهم في صياحهم، وشق ثيابهم، اهـ وايضا فإن سماعهم ينتج المعارف الالهية، والحقائق الربانية، ولا يكون إلا بوصف الذات العلية، والمواعظ الحكمية، والمدايح النبوية، بخلاف سماع غيرهم فإنه يظهر منهم الشهوات الخفية، والافعال الغير المرضية، فما هو الا من الاغراض النفسانية، والنزغات الشيطانية ولا كلام لنا أيضًا مع من اقتدى بهم، وذاق من مشربهم، ووجد من نفسه الشوق والهيام، في ذات الملك العلام، بل كلامنا مع هؤلاء العوام، الفسقة اللئام، الذين اتخذوا مجالس الذكر شبكة لصيد الدنيا الدنية، وقضاء لشهواتهم الشنيعة الردية، من كلامهم واجتماعهم مع المردان، والتلذذ بالغناء وتنزيله على اوصافهم الحسان، وغير ذلك مما هو مشاهد، ولسنا نقصد منهم تعيين أحد، فالله مطلع على أحوالهم، ويجازيهم على افعالهم، وربما احضروا في بعض الاوقات، ما اجمع على تحريمه من الآلات، وكثيرا ما يدلس بعض فسقة القرا، فيسقط من بعض الاجزاء شيأ سرا، وربما سرقوا الخبز والطعام، زيادة على ما يتناولونه من الحطام الحرام، ثم يهبون ما تحصل منهم في تلك الاوقات، إلى روح من كان سببا في اجتماعهم على تلك المنكرات، والجزاء من جنس العمل، فانظر ما اقبح هذا الخلل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وطالما قامت حرمة هذه الوصايا في فكرى، وجالت في صدري وسرى، ولم اقدر على اظهارها، واطفاء نارها، لفقد المساعد، وقصر الساعد، ولأن حب الشيء يعمى ويصم، وربما جل على الطعن والشتم والذم، فكنت اقدم رجلا واؤخر أخرى، واسأل الله تعالى التوفيق للوجه الاحرى، حتى رزقنى الله تعالى فرصة من الزمان، لتحرير هذه الرسالة بالدليل القاطع والبرهان، وقريبا من تحريرها، وتنميقها وتحبيرها، طالعت مع بعض الاخوان كتاب الطريقة المحمدية، والسيرة الاحمدية، للإمام الفقيه، العابد الورع النبيه، الشيخ محمد البركوى نفعنا الله تعالى به فرأيته ذكر في آخر كتابه ما كشف عنى الغمة، وحرك منى الهمة، حيث قل ما نصه الفصل الثالث ممم
(3)
(3)
ومن يك وجده وجدا صحيحا
…
فلم يحتج إلى قول المغنى
له من ذاته طرب قديم
…
وسكر دائم من غير دن
اهـ جوابه بعباراته السنية، وقد أخذ أكثر ما ذكره من نثر ونظم من الفتوحات المكية، كذا في نور العين، في إصلاح جامع الفصولين، منه
في بعض امور مبتدعة باطلة اكب الناس عليها على ظن أنها قرب مقصودة وهذه كثيرة فلنذكر اعظمها منها وقف الأوقاف سيما النقود لتلاوة القرآن او لأن يصلى نوافل او لأن يسبح او لأن يهلل أو يصلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويعطى ثوابها لروح الواقف او لروح من اراده، ومنها الوصية من الميت باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده وباعطاء دراهم معدودة لمن يتلو القرآن لروحه أو يهلل أو يسبح له أو بأن يبيت عند قبره رجال اربعين ليلة أو اكثرا أو اقل وبأن يبنى على قبره بناء وكل هذه بدع منكرات والوقف والوصية باطلان والمأخوذ منهما حرام للآخذ وهو عاص بالتلاوة للقرآن والذكر لاجل حطام الدنيا، وقد بينا ذلك في رسائلنا، السيف الصارم، وانقاذ الهالكين، وايقاظ النائمين، وجلاء القلوب، فعليك بها وطالعها حتى تعلم حقيقة مقالنا انتهى بحروفه، وقد كرر هذه المسئلة في مواضع من هذا الكتاب منها ما ذكره في البحث الثالث من مباحث الرياء حيث قل وكن يعطى له دراهم مسماة عينها واقف أو غيره ليقرأ جزأ من كلام الله تعالى كل يوم أو يصلى كذا ركعة أو يسبح أو يهلل أو يكبر أو يصلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويعطى ثوابه للمعطى او لاحد ابويه فيفعل ذلك المسكين تلك العبادات طمعا للمال ليجعله عدة له وقوة للعبادة ويظن أنه حلال وان ثوابه يصل إلى الآمر وانه في طاعة انتهى، فقد صرح جزاه الله تعالى خيرا فيما افاده، بعين ما فهمته وزياده، فلله تعالى الحمد، حمد الا يحصيه العد، وفى هذا القرب أيضًا اطلعت على رسالة من رسائله الاربع التي ذكرها وهي المسماة إيقاظ التائمين، فقال في اولها أن الاقدام والشروع لعبادة بدنية محضة ليست بوسيلة مثل الصلاة والصوم وقراءة القرآن والتهليل والتسبيح والتكبير والتصلية بنية أخذ المال وإعطاء ثوابها لمن يريد المعطي الذي إنما يعطى لاجل وصول ثواب تلك العبادة إليه لا يجوز في مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا في دين من الاديان السماوية، ولا يحصل منها ثواب اصلا سواء كان أخذ المال ووصول الثواب تمام مقصوديهما أو اعظمه إلى أن قال وادلة هذا المطلب عقلا ونقلا أكثر من أن تحصى واظهر من أن تخفى حتى انى في بعض الازمان تأملت قليلا فوجدت في سورة الفاتحة بضعة عشر دليلا فينته في بعض المجالس انتهى، لكنه سلك في هذه الرسالة مسلكا يخفى على بعض الناس فلذا احتجت إلى تصنيف هذه الرسالة، وترصيف هذه العجالة مستندا إلى الكتب الصحيحة، والعبارت الصريحة، كيلا يبقى لمنكر ملام، ولا لطاعن كلام، (وفى) كتاب التبيان، في آداب حملة
القرآن، للإمام محى الدين النووى نفعنا الله تعالى به (فصل) ومن اهم ما يؤمر به أن يحذر كل الحذر من اتخاذ القرآن معيشة يكتسب بها فقد جاء عن عبد الرحمن بن شبل رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه) وعن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال (اقرأوا القرآن قبل أن يأتى قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه) وروى أبو داود بمعناه من رواية سهل بن سعد معناه يتعجلون أجره اما بمال واما بسمعة ونحوهما، ثم قال واما أخذ الاجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه، ثم ذكر الادلة من الجانبين، ولا يخفى أنه كالصريح في التفرقة بين القراءة والعليم فهو أيضًا مؤيد لما قدمناه، واسسنا عليه ما ادعيناه. (ورأيت) منقولا عن شرح الهداية للعينى معزوا إلى الواقعات يمنع القارئ للدنيا والآخذ والمعطى آثمان انتهى، ورأيت في حاشية المنتهى للعلامة الشيخ محمد الخلوتي الحنبلي نقلا عن خاتمة المجتهدين شيخ الإسلام تقى الدين ما نصه ولا يصح الاستئجار على القراءة واهدائها إلى الميت لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الاذن في ذلك وقد قال العلماء أن القارئ إذا قرأ لاجل المال فلا ثوابٍ له فأى شيء يهديه إلى الميت وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة وانما تنازعوا في الاستئجار على التعليم انتهى بحروفه ورأيت في كتاب الروح للإمام الحافظ ابن قيم الجوزية أفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه واما قراءة القرآن واهداؤها له تطوعا بغير اجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج (فإن قلت) فما تقول فيما نقله بعض المتأخرين عن اجارات الحاوى الزاهدى أن المستأجر للختم ليس له أن يأخذ الاجر قل من خمسة واربعين درهما شرعيا هذا إذا لم يسم شيأ من الاجر كما ذكره في الأصل في رجل قال للقارئ اختم لي القرآن ولم يسم شيأ من الاجر وختمه ليس له أن يأخذ اقل من خمسة واربعين درهما شرعيا أما إذا سمى اجرا لزم لكن يأثم المستأجر ان عقد على اقل من خمسة واربعين لمخالفة النص الا ان الآجر للمستأجر ما فوق المسمى إلى خمسة واربعين بعد العقد عليه أو بشرط أن يكون ثواب ما فوقه لنفسه فلا يأثم وعلى هذا لو قال القارئ أقرأ ختما بقدر ما قدرت من الاجر حين امره المستأجر بالختم باقل من خمسة واربعين فقرأ من القرآن ذلك المقدار من الثلث أو الربع أو النصف أو نحوها فلا يأثم وهذا مما يجب حفظه لابتلاء العوام والخواص
بذلك انتهى (قلت) لا يحتاج إلى الجواب بعد ما اسمعناك من كلام ائمتنا متونا وشروحا وفتاوى من أن الجائز أخذ الاجرة على التعليم بعد تصريحهم بعدم جوازه على سائر الطاعات وسمعت التصريح بعدم جوازه على خصوص التلاوة في كلام الرملى والتاترخانية والولوالجية والمحيط البرهاني وغيرها فهو مخالف لاصل المذهب ولما افتى به المتأخرون ومخالف للقواعد أيضًا فإنه حيث لم يسم اجرة تكون الإجارة فاسدة والواجب فيها اجر المثل أن ثبت أن الاستئجار على ذلك صحيح بشروطه والا فلا يجب شي اصلا واجر المثل لا يكون مقدرا بعدد مخصوص في كل وقت ومكان واين النص على ذلك مع ما تقدم من أحاديث الوعيد الشديد على الآخذ، على أن هذا أن ثبت نقله عن الزاهدى نقول قد صرح ابن وهبان في كتاب الشرب والاشربة ونقله عن العلامة ابن الشحنة وغيره بأنه لا عمل ولا التفات إلى كل ما قاله الزاهدى مخالفا للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره (فإن قلت) ما نقلته عن العلامة البركوى من بطلان الوقف أيضًا على القراءة ونحوها مشكل فانا نرى عامة المساجد والمدارس القديمة يجعل بانوها شيأ من ريع وقفهم لقراءة الاجزاء ونحوها وما سمعنا أحدا قال بحرمة ذلك وبطلانه (قلت) أشار البركوى إلى جوابه في رسالته بأن الجائز أن يقف الرجل على من يشتغل بقراءة القرآن حسبة كمن يقف على الارامل واليتامى والفقراء من الفقهاء والمعلمين والمتعلمين والصالحين فهذه الأوقاف جائزة لأن ذكر هذه الأشياء تعيين مصرف غلة الوقف لا امر فيها بشيء لنفسه فتكون صلة تعطى لمن اتصف بتلك الصفات ولا كلام فيها بل الكلام في عكس هذا أعني من يقف ويأمر بالقراءة وإعطاء الثواب ويقرأ هو لاجل المال فلا يتصور فيه معنى الصلة، ولذا قال في المحيط البرهاني ولا معنى لصلة القارئ بقراءته وفي لفظ التعيين وفى المصرف اشعار بما قلنا انتهى، وهكذا قال سيدى العارف الشيخ عبد الغني النابلسي في شرحه على الطريقة المحمدية حيث قال في بحث الرياء واما الأوقاف الآن والصدقات الجارية على قراءة الاجزئة القرآنية واجزاء صحيح البخاري ومسلم ومعلومات المؤذنين والمدرسين في الجوامع والمدارس ونحوها فهى موقوفة على كل من يفعل هذه العبادات في هذه المواضع المخصوصة لا بشرط أن يكون ثوابها للواقف والمتصدق بذلك بل للواقف وللمتصدق ثواب الصدقة بذلك على القائمين بهذه العبادات وثواب اعمالهم على ذلك كله لهم لا للواقف والمتصدق وإنما هذه الوظائف اعانة لهم على طاعة الله تعالى فقط
فليست من هذا القبيل الذى أشار إليه المص إلا إذا شرط الواقف أو المتصدق أن ثواب هذه العبادات يكون له في مقابلة ما عينه من المال فهو أمر باطل حينئذ وفعله حرام بهذه النية انتهى (فقد) وافق ما ذكره المصنف قدس الله تعالى اسرارهما مع أن سيدى الأستاذ لم ير شيأ من رسائله كما ذكره في شرحه (ونقل) العلامة ابن الشحنة عن التعليقة، في المسائل الدقيقة، لابن الصائغ ما يأخذه الفقهاء من المدارس ليس باجرة لعدم شروط الإجارة ولا صدقة لأن الغنى يأخذ هابل اعانة لهم على حبس أنفسهم للاشتغال انتهى، أي ليس باجرة ولا صدقة من كل وجه بل من بعض الا وجه، فقد ذكر العلامة الطرسوسي في انفع الوسائل أن ما يأخذه صاحب الوظيفة فيه شوب الاجرة والصلة والصدقة فاعتبرنا شائبة الاجرة في اعتبار زمن المباشرة وما يقابله من المعلوم واعتبرنا شائبة الصلة بالنظر إلى المدرس إذا قبض معلومه ومات أو عزل في أنه لا يسترد منه حصة ما بقى من السنة، واعملنا شائبة الصدقة في تصحيح اصل الوقف فإن الوقف لا يصح على الأغنياء ابتداء لأنَّه لابد فيه من ابتداء قربة ولا يكون الا بملاحظة جانب الصدقة، وقال قبله أن المأخوذ في معنى الاجرة والا لما جاز للغنى الخ (وفى) فتاوى العلامة قاسم بن قطلوبغا اجمعت الامة على أن من شروط الواقفين ما هو صحيح معتبر يعمل به ومنها ما ليس كذلك، قال في كتاب الوقف لابي عبد الله الدمشقى عن شيخه شيخ الإسلام قول الفقهاء نصوص الواقف كنص الشارع يعنى في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشارع او لا ولا خلاف أن من وقف على صلاة أو صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعى ونحوه لم يصح والله تعالى أعلم انتهى وقد نقل هذه العبارة أيضًا صاحب البحر وغيره في كتاب الوقف والله تعالى الموفق (فإن قلت) قد جوز اعتبار شائبة الاجرة في معلوم المدرس فينافي ما صرحوا به من التعليل لبطلان الوصية للقارئ بأنها تشبه الاجرة (قلت) لا منافاة فإن المدرس معلم بخلاف القارئ المطلوب منه القراءة المجردة فكون معلوم المدرس فيه شائبة الاجرة على التعليم لا محذور فيه فإن الاستئجار على التعليم مما استثناه المتأخرون للضرورة كما قدمناه اما القراءة المجردة فعلى المنع، ولما وصلت في تبييض هذه الرسالة إلى هذا المحل راجعت كتاب تبيين المحارم فرأيته ذكر في الاجرة على القرائة نحوا مما ذكرته، وقرر بعضا مما قررته، وذكر مما يناسب ما نحن بصدده ما صورته، واعلم أن الذى يأخذه العلماء والفقهاء
والمعلمون والأئمة والمؤذنون من غلات الأوقاف إنما يأخذونه صلة وصدقة وبرا ومجازاة على الإحسان لا اجرة وجعالة فمن ظن غير ذلك فقد ظن بهم ظن السوء ومن شك في شيء مما ذكرنا فلينظر في بصائر الأوقاف المتقدمة وسجلاتها فإن الذى يكتب فيها هذا ما وقف وحبس وسبل وتصدق وحرر وأبد ثم يؤكدون ذلك أشد تأكيد فيكون في آخره صدقة جارية محررة محرمة مؤبدة يعطى للإمام من ذلك كذا وللمؤذن كذا وللمدرس كذا وهلم جرا ويكتبون بعد ذلك ابتغاء مرضات الله تعالى وطلبا للثواب ولا يوجد في بصائر الأوقاف ذكر الإجارة ولا الجعالة انتهى ملخصا ولنذكر بعض ما حرره في ذلك الكتاب، وإن لم يكن في محله او استلزم نوع اسهاب، لأن مبنى كلامنا على التوضيح، والتأييد بكثرة النقول وزيادة التصريح، فقال بعد كلام فقد علمت أن تجويز الإجارة للضرورة وما لا ضرورة فيه لا تجوز الإجارة اصلا كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والاصل فيها أن وجوب الإخلاص في كل العبادات شرط في كونه الله تعالى فحرم ارادة الدنيا بعمل الآخرة فلا تكون العبادة بالاجرة خالصة لله تعالى بل هي ملحقة بالرياء بلا شبهة والرياء حرام بالادلة القطعية، ثم حرر أن قول المتأخرين بجواز أخذ الاجرة على الامامة والاذان وتعليم القرآن إنما ارادوا به الاخذ على طريق الصلة والقربة بسبب اتصاف المعطى بعمل من اعمال البر وكذا ارزاق القضاة او يكون مرادهم بالاجرة ما يؤخذ في مقابلة اتعاب النفس في الامامة والتأذين في حضور موضع معين وقيامه به وقتا معينا فإنه ليس بواجب عليه وليس من نفس العبادة وكذا اتعاب نفسه في تلقين سورة شخصا معينا ليس بواجب عليه إلا أن لا يوجد غيره تجويز الإجارة فيها ليس من حيث انها عبادة بل من حيث أنها وسيلة لها، فإن عمل الآخرة نوعان، الأول ما يكون قربة مقصودة بالذات كالصلاة والصوم والتلاوة والتسبيح والحج ونحوها فلا يجوز أخذ الاجرة عليه لأنَّه ما شرع الا بوصف العبادة والخلوص لله تعالى وارادة الدنيا به قلب الموضوع، والثاني ما يكون وسيلة وآلة للنوع الأول كالتعليم والامامة ونحوهما ولا خلاف أنه إذا وجد النية فيه لله تعالى يكون قربة يثاب عليها والا لا ولكن يبقى كونه وسيلة وآلة والمتقدمون لم يجوزوا أخذ الاجرة على النوعين لأن وضعهما لنفع الآخرة والمتأخرون الحقوا الثاني بعمل الدنيا في جواز أخذ الاجرة للضرورة من حيث كونها وسيلة، فإذا فهمت ذلك علمت أنه ليس في مذهب الحنفى وغيره جواز أخذ الاجرة على العبادة المقصودة بالذات وإنما هي على الوسائل من حيث كونها وسيلة، والحاصل أن أخذ الاجرة
على العبادات حرام وما يأخذه الفقهاء ونحوهم اما صلة لهم او كفاية لهم عن الاشتغال بالكسب واما اجرة على اتعاب النفس فيما دون العبادات انتهى ملخصا، ثم ذكر مسئلة الاستئجار على الحج وقال أن كتب الحنفية مشحونة بعدم الجواز بكلمة ظاهر الرواية كما هو المفهوم من كلام الكرماني وشرح الكافي وآداب المفتين والكفاية وخزانة الاكمل والتحفة والمجمع والمحيط وشرح الطحاوى وغيرها ثم ذكر كلام الخانية وفتح القدير الذي قدمناه عن رسالة الشرنبلالي، ثم ذكر ما قدمناه عن الجوهرة ونصه واختلفوا في الاستئجار على قراءة القرآن مدة معلومة قال بعضهم لا يجوز وقال بعضهم يجوز وهو المختار، وعبارة الزاهدى في القنية من بنى مدرسة ومقبرة لنفسه فيها ووقف عليها ضيعة وبين فيها أن ثلاثة ارباعه للمتفقهة وربعه يصرف إلى من يقوم بكنس المقبرة وفتح بابها واغلاقه والى من يقرأ عند القبر وقضى القاضى بصحة وقفه وجعل آخره للفقراء يحل لمن يقرأ عند قبره أخذ هذا المرسوم ولمن يكنسه، وقال بعضهم أن كان القارئ معينا يجوز والا فلا انتهى (وقال) فهذا يدل على أن الاستئجار على القراءة جائز فما الجواب عنه (قلنا) في الجواب أن هاهنا قاعدة مقررة وهى أن المسائل الفقهية ان كان مأخذها معلوما مشهورا من الكتاب والسنة والاجماع فلا نزاع فيها لاحد والا بان كانت اجتهادية ينظر ان نقلها مجتهد لزم اتباعه بلا مطالبة بالدليل والا فان نقلها عن مجتهد واثبت نقله فكذلك والا فان كان ينقل من قبل نفسه أو من مقلد آخر أو اطلق فإن بين دليلا شرعيا فلا كلام والا ينظر فإن وافق الاصول والكتب المعتبرة يجوز العمل به وينبغي للعالم ان يطلب الدليل عليه وان خالف ما ذكر فلا يلتفت إليه فقد صرحوا أن المقلد أن افتى بلا نقل عن المعتبرات فلا ينظر إلى فتواه، فإذا عرفت هذه القاعدة، فاعلم أن الحدادى
(1)
وامثاله مقلدون لا يقدرون على الاستنباط ولا على اخراج الصحيح من الفاسد بل هم ناقلون ولم ينقلوا هذه المسئلة عن ائمتنا المجتهدين بل المصرح منهم عدم الجواز مع أنه مخالف للأصول (قال) في الاختيار ومجمع الفتاوى واخذ شيء للقرآن لا يجوز لأنَّه كالاجرة فإذا نفى الجواز عن مشابه الاجرة فكيف عنها (وفى) الخلاصة أوصى لقارئ القرآن عند قبره بشيء فالوصية باطلة (وكذا) في التاترخانية عن المحيط (وفيها) والصحيح أنه لا يجوز وان كان القارئ معينا وهكذا قال أبو نصر وكان يقول لا معنى لهذه الوصية ولصلة القارئ لقراءته
(1)
اقول على أن الحدادى جزم بخلاف ما ذكره حيث قال في كتاب الوصايا ولو أوصى لرجل بشيء ليقرأ على قبره فالوصية باطلة منه.
لأنَّه بمنزلة الاجرة وهي باطلة وبدعة (وقال تاج الشريعة في شرح الهداية أن القرآن بالاجرة لا يستحق الثواب لا للميت ولا للقارئ (وقال) العينى في شرح الهداية ويمنع القارئ للدنيا والآخذ والمعطى آثمان (فلم) يكن ما اختاره الحدادى هو المختار لأن المعتمدين من أصحابنا ذهبوا إلى خلافه (كتاب) القنية مشهور عند العلماء الثقات بضعف الرواية مع قطع النظر عن كون مؤلفه الزاهدى معتزليا وكلامه مخالف لاصولنا ولو سلم ما قاله الحدادي يحمل على أن غرض الموصى أن موضع القرآن تنزل فيه الرحمة فيحصل من ذلك فائدة للميت ومن حوله فتكون الاجرة بمقابلة ذلك التعب لأنه سبب النزول الرحمة على القبر واستئناس الميت به ولم توجد هذه المعانى إذا قرأ بعيدا عن القبر وقرأ للحي كل يوم في مكان معين خصوصا إذا لم يكن المقرى حاضرا ولا يقاس على ما يقرأ عند القبر اذ لا فائدة للمعطى في اتعاب نفس القارئ بل مراده وصول الثواب إليه ولا ثواب في هذا التعب والقراءة كما ذكرناه عن تاج الشريعة (وبالجملة) الممنوع بيع الثواب ونية القراءة لاجل المال غير صحيحة بل هو رياء لقصده أخذ العوض في الدنيا وقد ذكروا أن من يريد الغزو لله تعالى ويريد الغنيمة لا يكون غزوه خالص الله تعالى ومن نوى الحج ونوى التجارة لا ثواب له ان كانت التجارة غالبة أو مساوية (والحاصل) أن ما شاع في زماننا من قراءة الاجزاء بالاجرة لا يجوز لأن فيه الأمر بالقراءة وإعطاء الثواب للآمر والقراءة لاجل المال فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فانى يصل الثواب إلى المستأجر ولولا الاجرة ما قرأ أحد لأحد في هذا الزمان بل جعلوا القرآن العظيم مكسبا ووسيلة إلى جمع الدنيا انا لله وانا إليه راجعون انتهى (هذا) ملخص ما رأيته في تبيين المحارم (وقوله) ولو سلم ما قاله الحدادي الخ لا يخفى أنه على سبيل التنزل والا فهو غير مسلم مخالفته لكلام أئمتنا متونا وشروحا وفتاوى كما علمته من هنا وبما قدمناه من أن الاستئجار على العبادات لا يصح وان المتأخرين استثنوا التعليم استحسانا للضرورة ولم يقل أحد منهم بصحته على التلاوة المجردة (وايضا) فإنه لا يوصى ولا يدفع المال إلا بمقابلة الثواب وعلى ظن وصوله إليه كما قدمناه ولا يخطر بباله دفع المال بمقابلة خصوص التعب والحضور كما هو ظاهر في عرف أهل زماننا (وايضا) فهذا الحمل غير مسلم لأنَّه قدم أن تجويز المتأخرين الاجرة على الوسائل للضرورة وقد مناغير مرة أنه لا ضرورة في الدين للاستئجار على القراءة المجردة على أن ما يفعل في زماننا من الختمات والتهاليل لا يكون بحضرة الميت ولا عند قبره بل يكون كثيرا في بيت الأيتام (وقد) يجاب عما في القنية بان ذلك تعيين
للمصرف كما قدمناه عن شرح الطريقة ولا محذور فيه اذ ليس فيه بيع الثواب والأمر بإهدائه لروح الواقف كما يفعل فى الوصية في زماننا فهو مثل ما لو قال يعطى للعلماء او للفقراء مثلا وانما المحذور الاعطاء بدلا عن ثواب القراءة (والظاهر) ان هذا وجه القول الضعيف بجواز الوصية لمن يقرأ على القبر ووجه القول المعتمد الملحوظ فيه للموصى البدلية عن القراءة وثوابها فيشبه الاجرة وبيع الثواب فلذا صححوا بطلانها كما صرح به في التاترخانية وافاده صاحب القنية نفسه فيما نقلناه عنه اوائل المقصد حيث عبر عن الجواز بقيل المفيد للتضعيف وقد اغتر بعض محشى الاشباه حيث اقتصر على عبارة القنية هذه المذكورة فى الوقف ظانا انه كالوصية ولم يتنبه لما ذكره في الوصايا من ترجيح بطلانها تبعا للجمهور مع وضوح الفرق (وحاصله) ان مقصود الموصى ثواب القراءة بمقابلة وهو بيع الثواب فلذا بطلت الوصية ومقصود الواقف التصدق بالمال على القارئ اعانة له على القراءة ليكون الواقف سببا في ذلك الخير لا ليكون ثواب القراءة لنفسه بمقابلة ماله فلو قصد ذلك بطل كالوصية كما قدمناه (وبه) ظهر وجه صحة الوقف على القارئ وبطلان الوصية له لأجل ثواب قراءته وظهر صحة كلام القنية، ثم بعد مدة وقفت على شرح الطريقة للعلامة الشيخ رجب بن عصمة الله فرأيته أجاب عما فى القنية بنحو ما ذكرناه حيث قال أنه مخالف للكتب المعتبرة ولو سلم فالمراد والله تعالى اعلم ان من يقرأ الله تعالى عند قبرى من عند نفسه بلا امر احد وتكليفه يدفع اليه شيء معين بطريق الصلة الا يرى انه لم يامره بالقراءة واعطاء الثواب كما هو شائع في زماننا ففرضه ان يسمع القرآن ويستأنس به لأنه متصور من الميت كما ذكر في الفتاوى ومن لم يجوزه نظر الى مشابهة الاجرة فاحتاط ومنع كما نقلناه عن الاختيار اهـ ملخصا. ثم قال واعلم ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سمى الدنيا جيفة ملعونة وهل يليق لامته ان يستبدلوا كلام الله تعالى بحيفة ملعونة واى استخفاف يزيد على هذا وبأى وجه ينظر الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم القيمة انتهى. وذكر هذا الشارح فى بحث الرياء ان رجلا من الاكراد ادعى جواز ذلك استدلالا بحديث اللديغ المار ورد عليه بان ذلك اجرة على الرقية المقصود بها التداوى دون الثواب ونحن نقول بجواز ذلك فمن ادعى الجواز مطلقا فعليه البيان كيف والادلة من الكتاب والسنة والاجماع والقياس تدل على مدعانا اما الكتاب فقوله تعالى {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} واما السنة فكقوله عليه الصلاة والسلام
(اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به) واما الاجماع فان الامة اتفقوا على ان لا ثواب للعمل الا بالنية وهى الحالة الباعثة على العمل المعبر عنها بالقصد والعزم ولم توجد فيما نحن فيه فلا ثواب فلا اجارة. واما القياس فان القراءة مثل الصلاة والصوم في كونها عبادة بدنية محضة فكما لا تجوز الاجارة عليهما لا تجوز على القراءة. وقال ايضا الاجارة هنا بيع الثواب وبيع المعدوم باطل ولو سلم وجوده فليس بمال ولو سلم فليس بمقدور التسليم ولو سلم انها ليست ببيع فهى تمليك المنفعة بعوض والمنفعة هنا هى الثواب لا القراءة حتى لو علم المستأجر عدم حصول الثواب لم يعطه حبة على مجرد القراءة فاذا لم يسلم الثواب لا يستحق الاجرة. ولا يجوز ان يكون ما يعطيه صلة بلا شرط قراءة والقارئ يقرأ حسبة الله تعالى لان المعطى لم يعطه الا ليقرأ على مراده حتى يراقبه هل يدوم على القراءة ولان القارئ لو لم يعط له لم يقرأ. ثم قال وبما ذكرنا من الادلة. المنقولة عن الاجلة * ظهر ان ذلك من الامور المحدثة المردودة. فكيف تكون عبادة وطاعة مقبولة. عند الله تعالى ورسوله وقد قال عليه الصلاة والسلام (من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) اي مردود فيكون فاعلها مستحقا للعقاب. وتاركها محفوظا عن العتاب. فتأمل حتى يظهر لك الخطأ من الصواب. هذا خلاصة ما ذكره رحمه الله تعالى وجزاه خيرا وهو سريح بجميع ما قدمناه * وموافق لما عن كتب المذهب نقلناه (فان قلت) قول البركوى ببطلان الوصية باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده مخالف لما نقل عن ابى جعفر من انها تجوز من الثلث (قلت) فى المسئلة قولان حكاهما فى الخانية والظهيرية وغيرهما ومشى على البطلان في متن التنوير وذكر فى جامع الفتاوى انه الاصح ووفق بينهما صاحب التنوير في شرحه بإن القول بالبطلان مقيد بان يحضر فيه النايحات ثم على القول بالجواز بشرطه انما يحل الاكل لمن يطول مقامهم عنده ولمن يجئ من مكان بعيد دون من سواهم ويستوى فيه الاغنياء والفقراء كما فى الخانية (قال) في الظهيرية وتفسير طول المسافة ان لا يبيتوا في منازلهم فان فضل من الطعام شيء كثير يضمن الوصى والا فلا انتهى (والمراد) ان لا يمكنهم المبيت في منازلهم لو ارادوا الرجوع في ذلك اليوم لبعدها (ويؤيد) القول بالبطلان مطلقا ما في آخر الجنائز من فتح القدير للمحقق الكمال ابن الهمام حيث قال ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من اهل الميت لانه شرع فى السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقحبة روى الامام احمد وابن ماجه عن جرير بن عبد الله قال كنا نعد الاجتماع الى اهل
الميت وصنعهم الطعام من النياحة ويستحب لجيران الميت والاقرباء الا باعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم (اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاء ما يشغلهم) حسنه الترمذي وصححه الحاكم ولانه بر ومعروف ويلح عليهم في الاكل لان الحزن يمنعهم من ذلك فيضعفون انتهى (الخاتمة) لدفع ما يتوهم مبطلا لجميع ما تقدم (ان قلت) انك قد اتيت بالعجاب، وارشدت الى الصواب، ولكن بقيت لنا شبهة وهى ان ما نقلته عن كتب المذهب يحتمل ان يكون مفرعا على مذهب المتقدمين فليس فيه دلالة على بطلان الاستئجار على التلاوة ونحوها ولا على بطلان الوصية لذلك بل كل منهما صحيح على مذهب المتأخرين (قلت) قد ذكرنا سابقا ما يدفع ذلك الاشكال. على وجه الاجمال. ولكن لا بأس بزيادة البيان المنصف يقبل الحق ولا ينكر العيان، (فنقول) ارجع الى ما سردناه لك من عبارات المتون التى هى عمدة المذهب فانظر كيف صرحوا فيها اولا بقولهم ولا يصح الاستئجار على الطاعات كالحج والاذان والامامة والتعليم ونحوها ثم ذكروا مذهب المتأخرين بقولهم والفتوى اليوم على جوازه لتعليم القرآن واقتصر عليه جل المتون المحررة كالهداية والكنز والمواهب وبعض المتون الحقوا بتعليم القرآن تعليم الفقه والاذان والاقامة وعلل الشراح ذلك بالضرورة وحاجة المسلمين لعدم من يقوم بذلك تبرعا في زماننا لانقطاع ما كان لهم في زمان المتقدمين وصرحوا بأن المتأخرين اختاروا ذلك استحسانا فقد ابقوا ما عدا المستثنى مما ليس فيه ضرورة داخلا تحت المنع الذي هو اصل المذهب (فهل) يصح لعاقل فضلا عن فاضل ان يقول انا اخالف اصل المذهب بالكلية واقول انه يصح الاستئجار على كل طاعة كالتلاوة والتسييح والتهليل والحج والجهاد والصوم والصلاة والاعتكاف ونحو ذلك بعد اطلاعه على ما استثناه ائمة مذهبه من اشياء محصورة اختلفوا فيما بينهم فى بعضها وقيدوها وعللوها بما لم يوجد فى غيرها بل نصوا على عدم جواز غيرها كما قدمناه من عباراتهم ومنها عبارة الذخيرة البرهانية المتقدمة في الفصل الثاني حيث صرح فيها او لا بما افتى به المتأخرون من جوازه على التعليم معللا بالضرورة واعقبه بالتصريح بعدم جوازه على الاذان والاقامة والحجج والغزو وسائر الطاعات (فهل) يحل لمسلم مقلد لابي حنيفة ان يقول برأيه بخلاف ذلك او يعتقد ان الجواز مطلقا على سائر الطاعات هو مذهب المتأخرين (وارجع) الى ما قدمناه عن رسالة الشرنبلالي في الاستئجار على الحج من انه باطل باتفاق ائمتنا وما نقله من رد المحقق ابن الهمام على ما يوهمه ظاهر
عبارة قاضى خان من جواز الاستئجار على الحج (فهل) يظن احد بابن الهمام انه يفهم عبارات المتون وغيرها ولم يعرف ان مذهب المتأخرين الجواز مطلقا حتى يتجاسر على الاعتراض على قاضي خان اما كان له مندوحة من الاعتراض عليه بحمل كلامه على مذهب المتأخرين الذين نقل مذهبهم قاضي خان في كتبه ورضى به وابن الهمام هو الهمام ابن الهمام. وناهيك به من امام، وما اظن ان من يزعم فيه عدم فهمه لمذهبه انه يفهم بعض كلامه (كيف) وقد صرحوا قاطبة بأن ما يأخذه المأمور بالحج انما يأخذه بطريق الكفاية لا العوض عن تعبه، وبنوا عليه انه يجب عليه رد الزائد من النفقة، وانه يشترط انفاقه بقدر مال الآمر، وانه يتصرف فيه على ملك الأمر حيا كان الآمر او ميتا معينا كان القدر اولا، وان للوارث ان يسترد المال من المأمور ما لم يحرم، وغير ذلك من الاحكام التي ذكروها في الحج عن الغير (ولو) صح الاستئجار على الحج لانعكست هذه الاحكام وكان ما يأخذه المأمور انما يأخذه بطريق العوض لا الكفاية ولم يجب عليه رد الزائد ولم يشترط انفاقه بقدره وكان يتصرف فيه على ملكه مطلق لا على ملك الآمر ولم يكن للوارث استرداده مطلقا لان بدل الاجارة يملك بالقبض (فانظر) ايها المنصف الطالب الحق هل سمعت احدا من المتقدمين او المتأخرين صرح بخلاف هذه الاحكام وبأن الامر فيها اليوم على عكس ما ذكروه حتى يكون شبهة لظنك ان المتأخرين لم يقصدوا الحصر فيما استثنوه وانهم جوزوا الاستئجار على سائر الطاعات وان لزم منه تخطئة الشراح وغيرهم بالتعليل بالضرورة اذ ليست الضرورة داعية الى جوازه على سائر الطاعات فيكون تعليلهم في غير محله (وحيث) لم يصرح احد بخلاف ما نقلناه عنهم هل يتجاسر احد منا على مخالفتهم ورد نصوصهم برأيه بل لو قال ذلك وخالفهم لرد عليه صغار الطلبة وقالوا له لا نقبل الفقه بالعقل. بل لا بد من احضار النقل. فان قال لهم نقلى ان الحج طاعة وقد قال المتأخرون بجواز الاستئجار على كل الطاعات لقالوا له احضر النقل عن احد ممن يعتد به من اهل المذهب أنه قال على كل الطاعات حتى نستريح ونستأجر من يصوم عنا رمضان ويصلى عنا واذا سئلنا القيمة عن ذلك نقول يا ربنا عبدك هذا نقل لنا عن المجتهدين الذين أمرتنا باتباعهم هذه العبارة التي هي نص في جواز الاستئجار على الصوم والصلاة كما هى نص على جوازه على الحج بل هى نص على هدم التكاليف الشرعية، والخروج عن قواعد الملة المحمدية، (فهل) يقبل ذلك العذر من مسلم جاهل، فضلا عن عالم عاقل، (فعلم) ان ائمتنا لم يستثنوا
من الطاعات الا ما نصوا عليه من التعليم والاذان والامامة مما فيه ضرورة داعية وهى حفظ الدين * واقامة شعائره للموحدين، مع ان من عجز عن الحجج مضطر الى حجاج غيره عنه ولا يكاد يجد احدا متبرعا بالحج عنه لكن لما كانت هذه الضرورة ليست كالضرورة الى التعليم ونحوه لم يجوزوا الاستئجار عليه على ان ضرورة هذا العاجز مندفعة بأنابة غيره منابه في الحج عنه والانفاق عليه في سفره من مال الآمر فلذا اتفقوا على عدم جواز الاستئجار عليه واتفقوا على الاحكام التي فرعوها في الحج عن الغير كما قدمناه آنفا (وارجع) الى ما قدمناه اول المقصد عن الكنز وشرحه للزيلعي ومثله في سائر كتب المذهب متونا وشروحا وفتاوى من ان النيابة تجرى في العبادة المالية عند العجز والقدرة كالزكاة والعشر والكفارة ولم تجر فى البدنية بحال كالصلاة والصيام والاعتكاف والتلاوة والاذكار وفي المركب منهما كالحج تجرى عند العجز الدائم فقط (فهل) سمعت احدا منهم صرح بخلاف ذلك او قال ان ذلك مذهب المتقدمين فقط مع ان النيابة اسهل من الاستئجار لكونها بدون عوض ولذا جازت فى الحج دون الاستئجار (وانظر) هل قال احد من المتقدمين أو المتأخرين بانه يجوز للقاضى او المفتى اخذ الاجرة على القضاء او الافتاء باللسان مع ان القضاء والافتاء من الطاعات (فهل) تقول انت برأيك بالجواز او تزعم انه مذهب المتأخرين حتى يعتقد القضاة حل ما يأخذونه من الرشوة والمحصول ويقولون انما نأخذه اجرة على القضاء فيكون اثم كفرهم في عنقك حيث كنت سببا لتحليلهم ما هو محرم باجماع المسلمين (وارجع) ايضا الى ما قدمناه عن حاشية الشيخ خير الدين الرملي على البحر من قوله فى الرد على صاحب البحر اقول المفتى به جواز الاخذ استحسانا على تعليم القرآن لا على القراءة المجردة كما صرح به في التاترخانية الخ (وارجع) ايضا الى ما قدمناه عن حاشية المنتهى من قول شيخ الاسلام تقى الدين ان الاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الائمة وانما تنازعوا في الاستئجار على التعليم (وارجع) ايضا الى ما قدمناه عن الفتاوى الخيرية، وما افتى به من بطلان الوصية، فهل افتى بذلك مجازفة في الدين، او لعدم فهمه لمراد المتأخرين، بل ما افتى الا عن فقه واف، وفهم صاف، تبعا لما صرح به مشايخ المذهب من ان الوصية للقراءة على القبر باطلة، وان جازت القراءة على القبر لانها تشبه الاجرة على القراءة وهي باطلة، فجزاه الله تعالى وغيره من العلماء العاملين، جزاء وافيا يوم الدين، (والحاصل) ان المخالف في ذلك، بعد وضوح هذه المسالك، اما مكابر منكر للعيان، ولو اقام عليه الف برهان، لكونه اتخذ القرآن مكتسبا فيخاف ان انصف، ان يكون بتحريم كسبه
قد اقر واعترف، واما جاهل قليل الفهم. عديم العلم. متشبث بحبال اوهام بالية. وخيالات عن رائحة الصحة خالية. ومستند الى عبارات خاوية كبيوت عناكيب واهية. وكل منهما آثم موزور. لكون المكابر في الدين، او الجاهل بين اظهر المسلمين، غير معذور. (فان قلت) الآن حصحص الحق. وظهر الكذب من الصدق، فان ما ذكرته صحيح، وما أثبته من النقول صريح. لا يخفى على من عنده نوع علم. او رزق ادنى فهم. ولا ينكره الا غبى احمق * هو بالبهائم ملحق. ولكنا نرى اهل بلدتنا هذه قد اطبقوا على هذه الافعال. وأعتقدوها من ارجى الاعمال. فليكن هذا مما تعامله المسلمون وتعارفوه. ورأوه حسنا حين ائتلفوه. وقد ورد فى الحديث (ان ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) الا ترى انهم جوزوا الاستصناع ودخول الحمام والشرب من السقا ونحو ذلك مما خالف القياس. وقد جوزوه لتعامل الناس. فلم لا تكون مسئلتنا من هذا القبيل. لنستغنى عن القال والقيل. (قلت) اعلم اولا ان العرف على قسمين خاص وعام وقد اختلفوا في العرف الخاص هل هو معتبر اولا والذي صححوه هو انه غير معتبر واما العرف العام فهو معتبر بلاشك ولكنك كما قيل حفظت شيئًا وغابت عنك اشياء (منها) ان ما ذكرته من الاستصناع ونحوه من العرف العام ومسئلتنا من العرف الخاص فان العرف العام ما تعامله المسلمون من عهد الصحابة الى زماننا واقره المجتهدون وعملوا به بناء على التعارف وان خالف القياس ولم يرد به نص ولاقام عليه دليل فهذا اخذ به الفقهاء واثبتوا به الاحكام الشرعية وقد قالوا ان العرف بمنزلة الاجماع عند عدم النص ولا يخفى ان المراد به العرف العام بمعنى الذى ذكرنا لا ما تعارفه بعض الناس فضلا عما رده العلماء وعدوه منكرا كمسئلتنا (وقد) ذكر المحقق ابن الهمام انا جوزنا الاستصناع استحسانا بالتعامل الراجع الى الاجماع العملى من لدن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الى يومنا بلا نكير والتعامل بهذه الصفة مندرج في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تجتمع امتى على ضلالة الى آخر ما قال فراجعه تعلم حقية ما قلنا (وفى) شرح الاشباه للعلامة البيرى عن السيد الشهيد التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الاول فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اياهم على ذلك فيكون شرعا منه والا لا يكون حجة الا اذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون اجماعا والاجماع حجة الا ترى انهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل انتهى ملخصا. فانظر ايها المنصف في التعامل في مسئلتنا وتأمل فيها حتى يظهر لك دخولها تحت اى واحد من هذين
التعاملين اللذين لا ثالث لهما (ومن) الاشياء التى غابت عنك ان العرف انما يعتبر إذا لم يخالف النص كما قاله ابو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعليه الفتوى كما نصوا عليه فى باب الربا وغيره (وذكر) الامام فخر الدين الزيلعي في باب الاجارة الفاسدة عند قول الكنز وان آجر دارا كل شهر بكذا صح في شهر فقط الا ان يسمى الكل ما نصه ولا معنى لقول من قال من المشايخ ان العقد صحيح في الشهر الثاني والثالث لتعامل الناس لان التعامل اذا كان مخالفا للدليل لا يعتبر انتهى (وقد) اسمعناك في المقدمة النصوص على خلاف هذا العرف وسقنا لك من بعدها نصوص ائمة المذهب على بطلانه ورده وبينا لك ما استثناه المتأخرون مخالفين فيه النصوص لاجل الضرورة التى لولاها لم يستثنوا شيئًا منها (فهل) يسوغ لعاقل ان يقول ان العرف يصلح دليلا لمسئلتنا حتى يقول له الظلمة والفسقة اذن يجوز لنا فعل ما نحن عليه مما تعامله الناس من قديم الزمان من الظلم والمعاصى المألوفة للتعامل الذي جعلته دليلا وان خالف النصوص (فان قلت) هذا ابو يوسف قاضي المشرق والمغرب الذي تسلم انت وكل احد اجتهاده وعلمه وورعه قد نقلوا عنه في الربا مسئلة اعتبر فيها العرف مع مخالفته النص وهى انهم قالوا في الاشياء الستة الربوية المنصوص في الحديث الصحيح على ان بعضها كيلى وبعضها وزنى لو تغير العرف عما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام وصار يباع ما كان كيليا بالوزن او بالعكس لا يعتبر ذلك ولا يصح بيعها الا كما كان فى زمنه عليه الصلاة والسلام عملا بالنص وخالف ابو يوسف وقال يعتبر العرف (قلت) نعم قال ذلك ولكن بناء على ان المراد من الحديث انما هو ضبط التساوى فى الاشياء (*) الستة المنصوصة ولما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام بعضها مكيل وبعضها موزون جاء تخصيص بعضها بالكيل وبعضها بالوزن بناء على ما كان اذ ذاك لان ضبط التساوى في ذلك الزمن كان بذلك فلو تغير العرف وصار ما يكال موزونا او بالعكس يعتبر ذلك الحصول المراد من الحديث وهو ضبط التساوى فى الستة باى معيار كان من المعيارين وهذا في الحقيقة ونفس الأمر ليس عملا بالعرف المخالف للنص بل هو تأويل للنص كما لا يخفى على ان المفتى به خلاف ما قاله فلو باع الحنطة بجنسها متساويا وزنا والذهب بجنسه متساويا كيلا لا يجوز عندهما وان تعارفوا ذلك خلافا لابي يوسف لتوهم حصول التفاضل لو بيع بالمعيار المنصوص عليه كما لو باع مجازفة فانه لا يجوز لتوهم الفضل كما فى الهداية
(*) الاشياء الستة هى البر والشعير والتمر والملح والذهب والفضة فقد نص على ان الاربعة الاول كيلية وان الآخرين وزنية منه.
وغيرها (فقد) ظهر لك ان ابا يوسف لم يقل بتقديم العرف على النص وانا اول النص بما ذكرنا وعمل بالنص (ولو) سلم انه قدمه على النص في خصوص هذه المسئلة فلا نسلم انه قائل به مطلقا (فقد) ذكر فى فتح القدير ان النص اقوى من العرف لان العرف جازان يكون على باطل كتعارف اهل زماننا فى اخراج الشموع والسراج الى المقابر ليالى العيد والنص بعد ثبوته لا يحتمل ان يكون على باطل انتهى (وحاشا) سيدنا ابا يوسف ان يقول بذلك مطلقا بل لا يظن في مسلم القول بذلك لما يلزم عليه من ابطال الشريعة. وهدم اركانها المنيعة. (فقد) تعامل الناس من قديم الزمان البيوع الفاسدة كبيع المظروف وطرح ارطال للظرف وبيع النقدين نسيئة ومتفاضلا وغير ذلك من العقود الفاسدة والباطلة التي لا تعد والفوا الغيبة وكثيرا من انواع الفسوق والفوا بيع العينة والتصدق عن امواتهم في المساجد وغيرها في مواسم صيام النصارى ونقش الجدار القبلى من المسجد ورفع الصوت بالذكر مع الجنازة والفوا ايقاد القناديل والشموع الكثيرة في المساجد ليالي رمضان (وقد) نقل العلامة الباقاني فى شرح الملقى فتاوى العلماء من المذاهب الاربعة بحرمة ذلك ان الناس ربما يعدونه من شعائر الدين والفوا قراءة الموالد في المارات يتقربون بها الى الله تعالى وينذرونها الشفاء مرضاهم وقدوم غيبهم ويهدون ثوابها للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع انها ليست سوى الغناء واللعب (وقد) ذكر سيدى العارف عبد الغني النابلسي تفسيق المؤذنين بذلك وعدم الاعتماد على اقوالهم بدخول الاوقات لهذه المنكرات ولو اردنا الاكثار مما اكب عليه الناس واعتقدوه قربا لخرجنا عن المقصود (وبالجملة) فغالب الشريعة قد تغير ولم يبق منها سوى الأثر (فهل) يقول مسلم ان الحرام يصير حلالا بالتعامل بل لواعتقد ذلك يخشى على دينه والعياذ بالله تعالى (ولو) كان اتفاق البعض بل الأكثر على ما خالف الشرع الشريف معتبرا لما ذمهم الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد اثنى الله تعالى على القليل وذم الكثير بقوله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} وقوله تعالى {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وقال صلى الله تعالى عليه وسلم (ان الاسلام بدا غريبا وسيعود كما بدا فطوبى للغرباء قيل ومن هم يا رسول الله قال الذين يصلحون اذا فسد الناس) الى غير ذلك من الآيات والاحاديث ويكفيك ذم الله تعالى الذين قالوا انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون (فان قلت) اليس حنفية عصرك كانوا يفتون بصحة هذه الوصايا والاستئجار أفتراهم كانوا يفتون بدون مستند (قلت) نعم انهم كانوا يفتون بذلك ولكنك لو طلبت
منهم المستند على ذلك وفتشوا مشرق الارض ومغربها لا يكادون يستندون الا بالعرف وبما في وقف القنية وبما شذ به صاحب الجوهرة (اما) العرف فقد علمت حاله (واما) ما فى القنية فقد بينا المراد منه قبيل الخاتمة وان صاحب القنية نفسه مشى فى موضع آخر على بطلان الوصية واشار الى تضعيف القول بالجواز الذي ذكره فى الظهيرية فهو مرجوح لمخالفته لما صرحوا بتصحيحه معللين بانه يشبه الاستئجار على قراءة القرآن وذلك باطل وبدعة كما قدمناه عن الولوالجية والتاترخانية وغيرهما (وقد) قال العلامة قاسم ان الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للاجماع وحينئذ فلا يصح ان يعتبر العرف بناء على هذا القول الضعيف لان اعتبار العرف انما يجوز اذا لم يخالف نصا او قولا مصححا (نعم) قد يحكون اقوالا بلا ترجيح وقد يختلفون في التصحيح فحينئذ يعتبر العرف واحوال الناس وما هو الارفق وما ظهر عليه التعامل وما قوى وجهه كما ذكره فى اول الدر المختار وخلاف ذلك لا يجوز (وقال) العلامة قاسم في فتاواه وليس للقاضي المقلد ان يحكم بالضعيف لانه ليس من اهل الترجيح ولو حكم لا ينفذ لانه قضاء بغير الحق لان الحق هو الصحيح وما وقع من ان القول الضعيف يتقوى بالقضاء المرادبه قضاء المجتهد كما بين فى موضعه انتهى (ولاسيما) وسلاطين الدولة العثمانية ايدهم الله تعالى لا يولون القضاة والمفتين الا بشرط الحكم والفتيا بالصحيح في المذهب فاذا حكم بخلافه لا ينقذ محكمة كما صرحوا به ايضا (هذا) فى حق غيره واما في حق نفسه فقد صرحوا بانه ليس للانسان العمل بالضعيف في حق نفسه كما ذكره العلامة الشرنبلالي فى بعض رسائله لكن قيده غيره بغير من له رأى كما نقله العلامة البيرى فى اول شرحه على الاشباه فيجوز لمن له رأى ترجح به عنده ذلك القول بدليل صحيح معتبر لا بمجرد التشهى او تتبع الرخص او الطمع فى الدنيا ان يعمل به لنفسه ولا يفتي به غيره لانه غش وخيانة فى الدين لان السائل لم يسأله عما رجحه لنفسه وقت الحاجة بل عما رجعه الائمة لكل الامة الذى لو حكم به قضاة زماننا نفذ (نعم) قد يرجحون القول الضعيف لعارض كما في المحتلم الذي احس بأنى فحبسه حتى فترت شهوته فعند ابي يوسف لا يلزم الغسل وهو ضعيف لكن جوزوا العمل به للضيف الذى خشى ريبة لا مطلقا فهذا ونحوه يجوز للشخص العمل به لنفسه وله ان يفتى به غيره فى مثل هذه الحالة فقط. واما ماشذ به صاحب الجوهرة واغتر به صاحب البحر والشيخ علاء الدين من صحة الاستئجار على القراءة فغير صحيح لمخالفته لكتب المذهب قاطبة كما قدمنا ذلك كله. والذي يغلب
على ظنى ان الحدادى صاحب الجوهرة اشتبه عليه الاستئجار على القراءة بالاستئجار على التعليم فسبق قلمه وتبعه من تبعه كصاحب البحر والقهستانى ومنلا مسكين ويدل على ذلك قوله وهو المختار فانا لم نر احدا ذكر اصل الصحة فضلا عن كونه هو المختار وانما الذى اختاروه الاستئجار على التعليم وهذا ما يقال في زلة العالم زلة العالم وبعد سماعك نصوص المذهب لا يجوز لك تقليده فان الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو ولو فرضنا انه منقول عن احد من اهل المذهب المعتمدين مع مخالفته للمتون وغيرها لا يعول عليه وكذا ان كان بناه على ما تقدم عن حاوى الزاهدى من انه ليس للقارئ اخذ اقل من خمسة واربعين درهما اذا لم يسم اجرا فانه مخالف لعامة كتب المذهب فهو ان ثبت قول ضعيف لا يجوز العمل به لما مر فان المتقدمين طردوا المنع مطلقا والمتأخرون انما اجازوا ما اجازوه للضرورة كما صرحوا به والضرورة تتقدر بقدرها ولا ضرورة للاستئجار على مجرد التلاوة فلا يجوز كما لا يجوز اكل الميتة في غير حال الضرورة الا ترى انه لو انتظم بيت المال ووصل المعلمون الى حقوقهم يرجع المتأخرون الى اصل المذهب لعدم العلة التي اقتضت مخالفتهم له وهى الضرورة ويصير بطلان الاستئجار على جميع الطاعات متفقا عليه بين اهل المذهب جميعا فكيف ما لا ضرورة فيه اصلا فثبت ان ما في الحاوى لا يعمل به بل العمل على ما في المتون وغيرها فقد ذكر صاحب البحر في قضاء الفوائت انه اذا اختلف التصحيح والفتوى فالعمل بما وافق المتون اولى انتهى. فكيف بما أطبقت عليه كلمتهم وكان هو المنقول عن ائمتنا الثلاثة المجتهدين. ومن بعدهم من المرجحين. ولم ينقل خلافه عن المتأخرين. فهل يعول بعده على ما سبق اليه القلم، اوزلت به القدم، ونبه على رده الاخيار، من العلماء الكبار. كصاحب الطريقة وصاحب تبيين المحارم وعلامة فلسطين. الشيخ خير الدين. وسيدى عبد الغني النابلسى وغيرهم، والهمه المولى لهذا الحقير على وفق مرامهم، قبل الاطلاع على كلامهم. فله الحمد على ما الهم. وتفضل به وانعم. فكيف يسوغ الحنفى منصف بقبول الحق متصف، بعد سماعه ما طفحت به كتب مذهبه من بطلان الاستئجار على قراءة القرآن ونحوه من الطاعات مما ليس فيه ضرورة وبطلان الوصية به. ان يفتى بجوازه للتعامل ويأكل أموال اليتامى والارامل وفقراء الورثة بهذا الظن الباطل. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فأحذرك الله تعالى وعقابه. وغضبه وعذابه. ان تنكر الحق بعد ظهوره. وتعمد الى اطفاء نوره. ميلا الى الطمع
فى الدنيا الدنية. وتحصيل اعراضها الفانية الردية. لئلا تكون كمن قص الله تعالى علينا خبره فى كتابه العزيز بقوله عز من قائل {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} الآية واكثر المفسرين على انه بلعام بن باعورا وكان عالما من علماء بنى اسرائيل وكان عنده اسم الله تعالى الاعظم فاغروه بالمال على ان يدعو على موسى عليه السلام فمال الى الدنيا ولم يعمل بعلمه واتبع هواه فأضله الله تعالى على علم ونزع من قلبه الايمان وقصته شهيرة. في مواضع كثيرة. ولم تفترس الدنيا هذا وحده بل افترست خلقا كثيرا لم تغن عنهم دنيا هم من الله شيئا وكانوا من الهالكين فقل الحق ولو عليك، ولا تداهن احدا ولو كان احب الناس اليك، فقد اخذ الله تعالى ميثاقه على اهل العلم ان لا يكتموه فقال تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} وقال عليه الصلاة والسلام (من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيمة بلجام من نار) رواه ابو داود والترمذى * وقال عليه الصلاة والسلام (ما من رجل يحفظ علا فيكتمه الا اتى يوم القيامة ملجوما بلجام من نار)، رواه ابو يعلى والطبراني، وقال عليه الصلاة والسلام (من كتم علما مما ينفع الله به في امر الدين الجمه الله تعالى يوم القيمة بلجام من نار) رواه ابن ماجه. وقال عليه الصلاة والسلام (مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذى يكنز الكنز ثم لا ينفق منه)، رواه الطبراني. فان كنت من اهل العلم والعرفان. وظهر لك حقيقة ما قلنا الى العيان. فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين. وان كنت تخشى الفقر فالله تعالى خير الرازقين. ومن ترك شيئًا لله عوضه الله تعالى خيرا منه فانه كرم الاكرمين، وما اقبح الاكتساب بالدين، فاطلب بما تعمل وجه الله تعالى ولا تشرك بعبادته احدا، ولا ترج بها اجرة من الناس بل ارح الثواب والاخر منه غدا * فقد قال ربنا وهو أصدق القائلين. فى كتابه المبين. {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} ومعلوم ان تجارة الدنيا بوار. وان الآخرة هى دار القرار، فشأن الذين يتلون كتاب الله تعالى العمل بما فيه وقد اخبر انهم يرجون تجارة لن تبور. وهى نيل الثواب منه والاجور. قال بعض اهل البصيرة كل علم يراد للعمل فلا قيمة
له بدون العمل لقول الله تعالى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} يعنى القرآن فالعالم اذا علم جميع العلوم ولم يعمل بما امره القرآن ولم ينته عما نهى الله تعالى عنه فليس على شيء بنص القرآن فيكون مثله كمثل الحمار يحمل اسفارا. ومثله كمثل الكلاب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فاي حزن اعظم من التمثيل بالكلب والحمار انتهى وفقنا الله تعالى للعمل بما فيه. واعاننا على تلاوته وتدبر معانيه. انه اكرم الاكرمين. وارحم الراحمين * واستغفر الله العظيم (التتمة) لبعض فروع ومسائل مهمة * فوائدها جمة. اعلم ان الوصية واجبة اذا كان عليه حق مستحق لله تعالى كالزكاة والكفارات وفدية الصيام والصلاة التى فرط فيها ومباحة لغنى ومكروهة لاهل فسوق والا فمستحبة ولا تجب للوالدين والاقربين لان آية البقرة منسوخة بآية النساء وركنها الايجاب والقبول ولو دلالة كأن يموت الموصى له بعد موت الموصى بلا قبول صريح * وتجوز بالثلث للاجنبى بلا زيادة الا ان تجيز الورثة بعد موت الموصى لا قبله. وندبت باقل منه عند غنى ورثته او استغناهم بحصتهم من الارث كما ندب تركها بلا احدهما لأنها حينئذ صلة وصدقة. وصحت بالكل عند عدم الوارث واذا اجتمع الوصايا قدم الفرض وان اخره الموصى وان تساوت قدم ما قدمه، قال الزيلعي كفارة قتل وظهار ويمين مقدمة على الفطرة لوجوبها بالكتاب والفطرة على الاضحية لوجوبها اجماعا. وفى القهستاني عن الظهيرية عن الامام الطواويسي يبدأ بكفارة قتل ثم يمين ثم ظهار ثم افطار ثم النذر ثم الفطرة ثم الاضحية وقدم العشر على الخراج، وفى البرجندى مذهب ابى حنيفة رحمه الله تعالى آخران حج النقل افضل من الصدقة ولو اوصى بان يصلى عليه فلان او يحمل بعد موته الى بلد آخر او يكفن فى ثوب كذا او يطين قبره او يضرب على قبره قبة فهي باطلة انتهى الكل من التنوير وشرحه (تنبيه) وبما تقرر مع ما مر علم كيفية ترتيب الوصية لمن اراد ان يوصى فيجب عليه تقديم الاهم فالاهم فيقدم حقوق العباد التي لاشاهد بها فان حقوق العبد مقدمة لاحتياجه واستغناء الله تعالى ثم بإخراج زكاة ماله او ما تبقى عليه منها. وبالحج الفرض ان لم يكن حج. وبكفارة كل يمين حنث فيها ويجب دفع كل كفارة لعشرة ولا يكفى دفع كفارات متعددة او كفارة واحدة لاقل. ويبقية الكفارات المذكورة ان كان عليه شيء منها مع مراعاة العدد في مصرفها كما علمت وبالنذور وبفدية الصيام والصلاة ويكفى دفعها لواحد وبما فى ذمته من الاضاحي وصدقات الفطر ونحو ذلك. فهذا كله اذا ترك شيئًا منه
يكون آثما ويموت عاصيا ويستوجب النار، ان لم يعف عنه الغفار. ثم ان لم يكن عليه شئ من ذلك او كان وفعله او اوصى به يستحب له ان يوصى بان يحج عنه نقلا فانه افضل من الصدقة كما قدمناه، وبشراء رقبة تعتق عنه، وشاة تضحى عنه وبفدية صلاته وصيامه. وكفارات ايمان ونحوها احتياطا لاحتمال تقصيره في شيء من ذلك. وكذا بشئ معين يخرج عنه على نية الزكاة لما قلنا ويوصى ايضا للفقراء ارحامه ثم بعدهم لفقراء جيرانه ثم لاهل حرفته ثم اهل بلده ثم للفقراء من غيرهم وينبغى ان يتفقد ذوى الهيئات والمروءة من الفقراء
(1)
وذوى العلم والصلاح ومن له حق عليه من تربية او تعليم او نحو ذلك ليكون ذلك شكرا له على صنيعه ايضا فهو مأمور به وان يتفقد مسجد محلته او غيره لعله يحتاج الى مرمة ونحوها، وان يوصى بشئ لعمارة طريق او سبيل او تجهيز غاز او ابن سبيل او فك اسير او غارم او نحو ذلك فكل ذلك او معظمه قد انعقد اجماع المسلمين على جزيل ثوابه ولو اوردنا ما فيه من الاحاديث والاخبار لخرجنا عن المقصود * وان يوصى اهله بالتقوى والصبر وان لا يرفعوا عليه صوتا ولا يصلوا عليه فى المسجد ولا يحفروا له قبرا لم يبل ميته
(2)
فانه ما بقى شيء من عظامه لا يجوز نبشه كما ذكروه وان لا يكفنوه
(1)
قال في شرح الهداية المسمى بمعراج الدراية ثم اعلم ان الافضل ان يجعل وصيته لاقاربه الذين لا يرثون اذا كانوا فقراء قال ابن عبد البر لا خلاف فيه بين العلماء لأنه تعالى كتب الوصية للوالدين والاقربين فخرج منه الوارثون بقوله عليه الصلاة والسلام لا وصية لوراث وبقى سائر الاقارب على الاستحباب وقد قال تعالى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} الآية فبدأ بهم ولان الوصية صدقة فتعتبر بالصدقة في الحياة اما لو اوصى لغيرهم وتركهم صحت وصيته عند الفقهاء واكثر اهل العلم وعن طاووس والضحاك تنزع من الغير وترد الى قرابته وعن الحسن وجابر ابن زيد يعطى ثلث الثلث للغير ويرد الباقى الى قرابته اهـ منه.
(2)
قال العلامة محمد الشهير بابن امير حاج تلميذ ابن الهمام في شرحه على المنية واما ما يفعله الجهلة الاغبياء من الحفارين وغيرهم في المقابر المسبلة العامة وغيرها من نبش القبور التي لم تبل اربابها وادخال اجانب عليهم فهو من المنكر الظاهر الذى ينبغى لكل واقف عليه انكاره على متعاطيه بحسب الاستطاعة فان كف والا رفع الى اولياء الامور وفقهم الله تعالى ليقابلوه بالتأديب ومن المعلوم ان ليس من الضرورة المبيحة لجمع الميتين فصاعدا ابتداء في قبر واحد قصد دفن الرجل مع قريبه او ضيق محل الدفن فى تلك المقبرة مع وجود غيرها وان كانت تلك المقبرة (3)
بما خالف السنة. وان لا يستأجروا له على الختمات والتهاليل بل يفعلون ذلك له تبرعا هم او غيرهم فان ذلك ينفعه اما القرآن فشهير واما التهاليل ففيها اثر وحكاية تؤيده ذكرها السنوسى فى آخر شرح السنوسية والاحسن ان يفعلها بنفسه في حياته للاتفاق على وصول ثوابها له على ان ما يفعلونه له بعد موته لا يخلو عن منكرات غالبا. وليحذر عن الوصايا الباطلة التي ذكرناها وغيرها. وينبغى ان يوصيهم بان لا يضربوا على قبره خيمة في الثلاثة الايام فان فيه زيادة على الكراهة ما شاهدناه من تهدم كثير من القبور بسبب دق الاوتاد وان ينقص الوصية عن الثلث ويراعى جانب الورثة كما مر. وان يكتب في صدر وصيته كما نقل عن الامام رحمه الله تعالى بعد البسملة هذا ما اوصى به فلان بن فلان وهو يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق الى آخر ما ذكره في الظهيرية في موضعين قبيل القسم الثالث في المحاضر والسجلات. وان يداوم على ذكر الله تعالى ليكون آخر كلامه لا اله الا الله، فهذه هي الوصية الشرعية. والخصلة المرضية. التي يحمل عليها ما وردت به الاحاديث النبوية. الخالية عن الحظوظ النفسانية والنزغات الشيطانية، لا ما يفعل في زماننا فان اغلبها باطلة ردية. فاعمل بها وعلمها غيرك لتنال الدرجات الرفيعة. واحرص عليها فان ما سواها كسراب بقيعة واشكر مولاك. على ما اولاك. فهو يتولى هداك، وفى التنوير وشرحه الوصية المطلقة كقوله هذا القدر من مالى او ثلث مالى وصية لاتحل للغنى لانها صدقة وهى على الغني حرام وان عمت كقوله يأكل منها الفنى والفقير ولو خصت بالغنى او يقوم اغنياء محصورين حلت لهم وكذا الحكم في الوقف كما حرره مئلا خسرو انتهى ممم
(3)
. وتأمله مع ما قدمناه عن الخانية في الوصية باتخاذ الطعام من قوله ويستوى فيه الاغنياء والفقراء وعلله في جامع الفتاوى بجريان التعارف بانها للغنى والفقير قال والمعروف كالمشروط وهذه وصية لا تختص بنوع كالعلماء والفقراء بل تعم انتهى. لكن قدمنا عنه تصحيح بطلان هذه الوصية فتدبر. وعلى ما في التنوير فما يفعل في زماننا من الايصاء بسقي ماء السوس فى المقبرة حالة الدفن لا يحل للغنى الشرب منه فتنبه، وفى نور العين في اصلاح جامع الفصولين عن مجمع الفتاوى لو الورثة صغارا فترك
(3)
مما يتبرك بالدفن فيها البعض من بها من الموتى فضلا عن كون هذه الامور وما جرى مجراها مبيحة للنبش وادخال البعض على البعض قبل البلا مع ما يحصل في ضمن ذلك من هتك حرمة الميت الاول وتفريق اجزائه فالحذر من ذلك انتهى منه
الوصية افضل وكذا لو كانوا بالغين فقراء ولا يستغنون بالثلثين وان كانوا اغنياء او يستغنون بالثلثين فالوصية اولى * وقدر الاستغناء عن ابي حنيفة اذا ترك لكل واحد اربعة آلاف درهم دون الوصية وعن الامام الفضلى عشرة آلاف انتهى. وقوله فترك الوصية افضل
(1)
مخالف لما مر الا ان يحمل عليه فتدبر (فرع) له خادم او قريب اسمه محمد وهو معهود فيما بينه وبين اهله وجيرانه بهذا الاسم ومتى ذكر به من غير نسبة يعرفونه بعينه فقال اوصيت لمحمد بكذا ولم يذكر اسم ابيه وجده وفهموا انه عناه هل يحل له ان يأخذ وللسامع ان يشهد قيل لا وقيل نعم قال في القنية وهو الاشبه بالصواب واوفق لغيرها من المسائل وادفع للحرج فقد ابتلى الخاصة والعامة يقولون اوصيت للامام كذا وللمؤذن كذا ويريد به امام المحلة ومؤذنها ويفهم الناس ذلك انتهى. وفيها عليه فوائت فتحراها وقضاها ثم كان يجتهد فى المحافظة على المكتوبات والصيام لكنه يخاف انه عسى ترك تعديل الاركان وعليه تبعات اخر فانه يقدم التبعات ثم ان كان الورثة اغنياء يستحب ان يوصى للصلوات والصيامات وفيها اوصى بثلث ماله الى صلوات عمره وعليه دين فاجاز الفريم وصيته لا يجوز لان الوصية متأخرة عن الدين ولم يسقط الدين بإجازته. وفيها اوصى بصلوات عمره وعمره لا يدرى فالوصية باطلة ثم رمز ان كان الثلث لا يفى بالصلوات جاز وان كان أكثر منها لم يجز انتهى (قلت) والظاهر ان المراد لا ينفى بغلبة الظن لان المفروض ان عمره لا يدرى وذلك كأن يفى الثلث بنحو عشر سنين وعمره نحو الخمسين او الستين ووجه هذا القول ظاهر
(2)
لماهر وكأنه تخصيص للاول فتأمل. اوصى لرجل بمال وللفقراء
(1)
قوله مخالف لما مر اى فى اول التتمة فانه قيد ندبها هناك عما اذا كانوا اغنياء او يستغنون بالميراث والا فالافضل تركها وظاهره انه لا فرق بين ما اذ كانت الورثة صغارا او كبارا وهنا قل ان تركها افضل اذا كانوا صغارا وظاهره ولوكانوا اغنياء فيخالف ما مر الا ان يحمل ما هنا عليه بأن يراد بالصغار الفقراء تأمل منه.
(2)
قوله ووجه هذا القول ظاهر بيانه ان رجلا لو اوصى بثلث ماله وبشئ آخر زائد على الثلث وهو مجهول تنفذ الوصية من الثلث فقط ولا تضر جهالة ما زاد عليه لان الزائد اذا علم لا تنفذ الوصية به فكذا اذا جهل واو اوصى بشئ مجهول هو دون الثلث لم تصح اصلا وهنا لما راينا الثلث بقى بنحو عشر سنين وعمره نحو الخمسين تقريبا علمنا يقينا انه اوصى بالثلث وبأزيد منه وذلك الزائد مجهول فتنقذ من الثلث فقط ويلغو الزائد فلا تضره الجهالة واما اذا كان (3)
بمال والرجل محتاج الاصح جواز اعطائه من نصيب الفقراء كما فى الخانية. وفيها ولو قال تصدق بهذه العشرة على عشرة مساكين فتصدق بها على واحد دفعة جاز وكذا عكسه. اوصى بأن يتصدق بشئ من ماله على فقراء الحاج او مكة عن ابى يوسف يجوز ان يتصدق على غيرهم وقال زفر لا وعن إبراهيم بن يوسف الافضل ان لا يجاوزهم، قال في جامع الفتاوى وان صرف الى غيرهم جاز وعليه الفتوى ممم
(3)
. ولو قال في عشرة ايام فتصدق في يوم واحد جاز. وفى الظهيرية وغيرها اوصت الى زوجها بان يكفنها من مهرها الذى عليه فوصيتها باطلة (قلت) فليتنبه لهذه فهى كثيرة الوقوع في زماننا حيث توصى بتجهيزها من مالها وزوجها حي فلباقى الورثة الرد لان ذلك على الزوج فهى وصية له في المعنى (فائدة) اعلم انه اذا اوصى بفدية الصوم يحكم بالجواز قطعا لانه منصوص عليه وان تطوع بها الوارث بلا ايصا. قال محمد رح فى الزيادات يجزيه ان شاء الله تعالى وهكذا علقه بالمشيئة فيما اذا اوصى بفدية الصلاة لانهم الحقوها بالصوم احتياطا لاحتمال كون النص معلولا بالعجز قالوا وان لم يكن معلولا فهى بر مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات فكان فيها شبهة كما اذا لم يوص بفدية الصوم فلذا جزم محمد بالاول ولم يجزم بالاخيرين فعلم انه اذا لم يوص بفدية الصلاة فالشبهة اقوى (واعلم ان المذكور فيما رأيته من كتب ائمتنا فروعا واصولا انه اذا لم يوص بفدية الصوم يجوز ان يتبرع عنه وليه وهو من له التصرف في ماله بوراثة او وصاية قالوا ولو لم يملك شيئًا يستقرض الولى شيئًا فيدفعه للفقير ثم يستوهبه منه ثم يدفعه لآخر وهكذا حتى يتم. والمتبادر من التقييد بالولى انه لا يصح من مال الاجنبي ونظيره ما قالوا اذا اوصى بحجة الفرض فتبرع الوارث بالحج لا يجوز وان لم يوص فتبرع الوارث اما بالحج بنفسه او بالاحجاج عنه رجلا فقد قال ابو حنيفة يجزيه ان شاء الله تعالى لحديث الختمية فانه شبهه بدين العباد وفيه لو قضى الوارث من غير وصية يجزيه فكذا هذا. وفى المبسوط سقوط حجة الاسلام عن الميت باداء الورثة طريقه العلم فانه امر بينه وبين ربه تعالى فلهذا قيد الجواب بالاستثناء انتهى ذكره في البحر.
(3)
الثلث يفى باكثر من نحو الخمسين نعلم انه قد اوصى بأقل من الثلث وذلك الاقل لم نعلمه كم هو هل هو خمسون او اقل او اكثر فلذا بطلت الوصية والظاهر ان هذا القول تخصيص للقول الأول الذي اطلق البطلان فلا تتنافيان والله تعالى اعلم انتهى منه
وظاهره انه من غير الوارث لا يجزى وان وصل الى الميت ثوابه ثم هذا يعكر على ما قدمناه عن الشرنبلالي والفتح من وقوعه عن الفاعل فليتامل (فان قلت) تشبيهه بالدين فى الحديث يفيد ان الوارث ليس بقيد لان الدين لو قضاء اجنبى جاز (قلت) المراد والله تعالى اعلم التشبيه فى اصل الجواز لا من كل وجه والا فالدين يجب اداؤه من كل المال وان لم يوص به والحج ليس كذلك عندنا فانه لا يجب الا بوصية ولا يخرج الا من الثلث لأنه عبادة ولابد فيها من الاختيار بخلاف حقوق العباد فان الواجب فيها وصولها الى مستحقها لاغير فلم يكن التشبيه من كل وجه فلم يلزم ما قلته نعم وقع في كلام بعض المتأخرين في مسئلتنا الوارث او وكيله ومقتضى ظاهر ما قدمناه من كلامهم أنه لا يصح لان الوكيل لما استوهب المال من الفقير صار ملكا له لا للوارث وصار بالدفع ثاني للفقير اجنبيا دافعا من مال نفسه الا ان يوكله بالايهاب والاستيهاب فى كل مرة. واما قوله وكلتك باخراج فدية صيام او صلاة والدى مثلا. فقد يقال يكفى لان مراده تكرير الايهاب
(1)
والاستيهاب حتى يتم وقد يقال لا يكفى ما لم يصرح بذلك لان الوارث العامى لا يدرى لزوم كون ذلك من ماله حتى يكون ملاحظا أنه وكيل عنه فى الاستيهاب له ايضا بل بعض العوام لا يعرفون كيفية ما يفعله الوكيل اصلا ولاسيما النساء. نعم ان قلنا التقييد بالولى غير لازم بل المراد منه حصول الاخراج من ماله او من مال غيره باذنه لا يلزم شيء من ذلك وقد بلغنى عن بعض مشايخ عصرنا انه كان يقول بلزومه وانكر عليه بعضهم وكأن كل واحد نظر الى شيء مما قدمناه والله تعالى اعلم ولكن لا يخفى ان الاحوط ان يباشره الوارث بنفسه ويقول لآخر وكلتك بان تدفع لهؤلاء الفقراء هذا المال لاسقاط كذا عن فلان وتستوهب لي من كل واحد منهم الى ان يتم العمل. ثم اعلم انه لا يجب على الولى فعل الدور وان اوصى به الميت لانها وصية بالتبرع واذا كان عليه واجبات فوائت فالواجب عليه ان يوصى بما يفى بها ان لم يضق الثلث عنها فان أوصى باقل وامر بالدور وترك بقية
(1)
قوله والاستيهاب فيه انه لا يصح لانه توكيل بالتكدى اى الشحاذة لما صرحوا به من ان التوكيل بالاستقراض باطل وكذا كل ما كان تمليكا اذا كان الوكيل من جهة الطالب للتملك كالاستمارة لان ذلك صلة وتبرع ابتداء فيقع للوكيل الا ان يحمل على الرسالة بان يخرج الكلام مخرج الرسالة بان يضيف الكلام للآمر فيقول ان فلانا يطلب منك ان تهيه كذا والله تعالى اعلم.
ابن المؤلف
الثلث للورثة او تبرع به لغيرهم فقد اثم بترك ما وجب عليه نبه عليه في تبيين المحارم وهذا الناس عنه غافلون. والظاهر ان فى الحج كذلك يجب ان يوصى بما يفي بالاحجاج من محله تأمل (فائدة اخرى) اوصى الى رجل في نوع كان وصيا في الانواع كلها فوصى الاب لا يقبل التخصيص بخلاف وصى القاضي كما فى الخانية وغيرها {وفى} حيل التاترخانية جعل رجلا وصيه فيما له بالكوفة وآخر فيما له بالشام وآخر فيما له بالبصرة فعند ابي حنيفة كلهم اوصياء في الجميع ولا تقبل الوصاية التخصيص بنوع او مكان او زمان بل تعم وعلى قول ابى يوسف كل فيما اوصى اليه وقول محمد مضطرب والحيلة ان يقول فيما لى بالكوفة خاصة دون ما سواها ونظر فيها الامام الحلوانى بان تخصيصه كالحجر الخاص إذا ورد على الاذن العام فانه لو اذن لعبده فى التجارة اذنا عاما ثم حجر عليه في البعض لا يصح وبأنهم ترددوا فيما اذا جعله وصيا فيما له على الناس ولم يجعله فيما للناس عليه واكثرهم على انه لا يصح ففى هذه الحيلة نوع شبهة انتهى ملخصا (قلت) ومفاده انه لو اوصى الى رجل بتنفيذ وصية بمبرات وكفارات ونحوها يصير وصيا عاما على جميع تركته ويكون التصرف فيها له بل وان قال جعلتك وصيا في ذلك خاصة بناء على ما قاله الحلواني فتأمل. ثم رأيت المسئلة منصوصة في الفتاوى الخانية حيث قال ما نصه ولو اوصى الى رجل بدين والى آخران يعتق عبده او ينفذ وصيته فهما وصيان في كل شئ فى قول ابي حنيفة وقالا كل واحد وصى على ما سمى له لا يدخل الآخر معه انتهى. وصرح فيها بأن الفتوى على قول ابى حنيفة والناس عنها غافلون فلتكن على ذكر منك والله تعالى اعلم وله الحمد على ما الهم وعلم. وصلى الله على سيدنا محمد النبي المكرم. وعلى آله وصحبه وسلم. وقد نجز تحرير هذه الوريقات على يد موشيها. ومغنم برودها وحواشيها. محمد امين ابن عابدين. عفا الله تعالى عنه وعن والديه.
ومن له حق عليه. آمين
في رجب الاصم سنة 1229
(هذا تقريظ العلامة السيد احد الطحطاوى مفتى مصر القاهرة)
(وصاحب حاشية الدر المختار الفاخرة)
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن جعل فؤاد الحاسدين لمهند النصر غمدا. وصير كاوم الحائدين لمنصة الرد وردا. وصلاة وسلاما على اشرف رسول الذي انزل عليه للمعاندين
{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} وعلى آله واصحابه الذين سيجعل لهم الرحمن ودا. ما بشر بشير المتقين وانذر قوما لدا (اما بعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة الثمينة، التي هي لنفائس الصواب خزينة، المسماة بشفاء العليل. وبل الغليل. في حكم الوصية بالختمات والتهاليل. فوجدتها رفيعة الشان. زاهية العرفان. انوارها قرآنية وامداداتها ربانية. مطوق البلاغة يشرب من حيضانها. وبلابل التحقيق تصدح في ذرى افنانها. تكفلت بجمع اصح النصوص دون اضعفها. وتصدرت لحل مشكلات المسائل بلين معطفها
رجال الفقه ان تليت عليهم
…
مسائلها صحيحات المقام
اقروها وقالوا باتفاق
…
فان القول ما قالت حذام
فلله در يراع زركش تلك الرياض السندسية، ولله فكر امام حقق تلك المسائل الاصلية والفرعية، تحقيقا لا يصد عنه الا حسود سد حسده باب الانصاف. او جاهل جله الجهل على النزول الى حضيض الاعتساف
اذا ما قال حبر قول حق
…
وبعض معاصريه صد عنه
فاما ان يكون له حسودا
…
يعاديه على ما كان منه
واما ان يكون به جهولا
…
وصد الغمر عنه لم يشنه
فكفى الحسود ما افصحت عنه سورة الفلق وكفى الجاهل عنوانه. ولو انقضى زمانه. والمأمول من ولى التوفيق. ان يسلك بنا اقوم طريق واصلى واسلم على ذروة الانام. رسول الملك الغلام. سيدنا محمد وآله الكرام. الفقير اليه تعالى احد الطحطاوى غفر له وقد كان كتب للمؤلف كتابا صورته هي هذه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العلى الاعلا * والصلاة والسلام على سيد اهل العلا، محمد وآله اهل الولا والاستجلا. ان احسن ما ارتشفته افواه المسامع من كؤوس الشفاه، واعبق ما تعطرت معاطس الاشمام بطيب نشره ونسيم رياه. وابدع ما نسجته السن البلغاء من حلل الالفاظ المطرزة بنفيس الجوهر المنضود. وابرع ما سبكته افكار النبغاء ورصعته بغوالي الدراري من حلى عرائس المعاني مائسات القدود. سلام يضوع الاكوان بريا شذا عرفه الاريج الشميم. ويخمش وجنات الورد بنان صباه ويرنح العذبات منه عبيق النسيم. اخص به من حلى اجياد ابكار العلوم بعقود تقريره. ووشح صدور الطروس بقلائد تحريره وتحبيره ان قرر تفجر من بحر رقائقه الروائق ينبوع التحقيق معينا.
او حرر نادى الناهل من عوارف معارفه لو كشف الغطا ما ازددت يقينا، من تقلد الجلاد جدال لشريعة حساما لا تنبو مضاربه. وايد من سرايا مصنفاته الفقهية بجيوش قد بها سنام المعاند وغار به اعنى كعبة ذوى المجد والافضال للقاصدين، الاستاذ سيدى محمد الامين. لا زالت احاديث فضائله المرفوعة مروية على افواه الدهور ولا برحت قلائد مقالاته محلية للبات الزمان ونحور الحور (اما) بعد فقد ورد الكتاب الكريم. الذى هو ابهى من الدر النظيم، ففكت يدى منجاء مسك ختامه. فشاهدت ما بالزهر يزرى وبالزهر فلعمرى ما السحر الاعقد من جواهر مقالاته ينتظم، وما الزهر الاثغر من ثغوره يبتسم، تحلى بقراءته اللسان. وتشنفت بسماعه الآذان. وقد اشرقت علينا معه شمس تلك الرسالة الساطعة. التي هي لا صح نقول المذهب جامعة. فجرى عليها براع التقريظ بما هو الواقع وصرح بالتقريع على الالد المكابر المعاند
مذلاح تحرير المسائل قد كسى
…
حللا من التحقيق والتدقيق
من ذا يعارضه وقد دانت له
…
دول من الترقيق والتنميق
وبعد هذا كلام مسؤل عنه غير متعلق بذلك وتاريخ الكتاب سابع ذى الحجة الحرام سنة 1229
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن جعل التفقه فى الدين من اعظم القربات. فكان لبصائر ذوى الالباب نورا ولارواحهم اقوات. وصلاة وسلاما على القلم المترجم عن كل سر مكنون وحكم مبين. القائل من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين، وعلى آله الاطهاره واصحابه الاخيار. وتابعيهم بالكشف عن هذا الدين كل ملمة. الوارد فيهم اختلاف امتى رحمة ما فاح نشر الاخلاص وثار. وما عبد الله عبد ابتغاء لوجهه لا طمعا في درهم ولا دينار (اما بعد) فانى لما سرحت طرف طرف فكرى الفاتر * فى طرف ساحة هذا الروض الباسم الزاهر. وجدت نور نور يشير ببنان وروده الى النعمان. ملتفا باحمد نبت واعطر ريحان. فتحققت انه ما هو الا جنتان. ذواتا افنان. فيهما عينان نضاختان. وجنا الجنتين دان
فقلت
بادر الى روض فضل
…
ان رمت في الناس تحمد
واغنم لحكم جلاه
…
العابد ينسي محمد
فاجلت النظر في محاسن غرره النازلة فى غرفه، واستضأت بدره الذي يحسده
كل كوكب على كمال شرفه * فإذا هو العقد الفريد في هذا الشان * والدر النضيد في إخلاص العمل للملك الديان * وشفاء العليل بإيضاح البيان * وبل الغليل لمبتغى التبيان * عن مذهب أبي حنيفة النعمان * ثم لما تأملت ما حوته هذه الرسالة * الخالية عن الإطناب المؤدى للملالة * شبهتها بقلائد العقيان * بل بعقود الجمان * لم لا وهى منقولة عن أولئك القادة الفحول * الذين أقوالهم من أصح النقول * وكيف لا والأدلة بارزة النصال * في ساحة المجال * فعلى المنصف ترك القيل والقال * لأن اتباع الحق حسن المآل * على أنها من آثار أقلام من اتسم بالفضل والعلم * واغتذا من لباني المجد والحلم * فلله دره من همام أشاع وردها * وحلى بعقود عباراته وردها * ولله يراع حسن وجنة الطرس بتلك الأقوال * وأظهر بهجة الأنس بلآلئ جواهرها الغوال ويالها من رسالة دلت على مؤلفها دلالة النسيم على الأزهار * والشمس على النهار * وأعربت أنه أغرب في سعة اطلاعه * وأن شبره في الفضل أطول من ذراع حاسده وباعه * وأنه غاص البحر ففاز بدرره الفائقة * وفتح الكنز فظفر بالجوهرة الرائقة * وسلك في الطريقة المحمدية أعظم المسالك * فما بالك من الهداية بما هنالك * فجزاه الله أحسن الجزاء على مسعاه * وأناله من خيرى دنياه وأخراه * وأدام بهجته بين الأنام * ومنحنا وإياه حسن الختام
كتبه السيد محمد عمر الغزى
عفى عنه
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع مقام أهل الشرع مذ نصبهم لإجراء أحكام كتابه * وجعلهم نجوما يهتدى بنورهم إلى مقام اليقين مذ أفهمهم لذيذ خطابه * وأثبت لهم التمييز ورفع لهم المقدار * فانشرح بهم صدر الشريعة وصار عالى المنار * والصلاة والسلام على من أرسل رحمة للعالمين * وعلى آله وأصحابه الهادين المهتدين * والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين (أما بعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة الفقهية * العديمة الأشباه والنظائر في مذهب الحنفية * فوجدتها موافقة للمعقول والمنقول * قد احتوت على أقوال أئمة المذهب الفحول * فلله در مؤلفها ما أغزر علمه * وما أذكى فهمه * حيث لم يسبقه إليها سابق * ولم يلحقه بها لاحق * لقد أنقذ بها من كان في بحر الجهالة * وفى عمى الضلالة * وأتى فيها بما نبه به راقد الهمة * وأنار بتوضيحها أرجاء الدقائق المدلهمة * فلا بدع إذ هو مرجع العاملين * وابن العابدين * فجزاه الله الجزاء الجميل وأبقاه البقاء الطويل * ووفقنا وإياه * إلى ما يحبه ويرضاه * بجاه خير أنبياه * صلى الله وسلم عليه
وعلى من والاه * قال ذلك بلسانه * ورقمه ببنانه * أحقر الورى
حسين المبتلى بأمانة الفتوى بدمشق
الشام * ذات الثغر البسام
وذلك في شهر رمضان المبارك سنة 1230
الحمد لله
رسالة الحق بفتح مبين * جاءت فنحن الله فيها ندين
ولم يكن لفضلها منكرا * إلا الذي قد باع دنيا بدين
ونحن سلمنا وحاشا بأن * نكون عن سبل الهدى حائدين
وقد كتبنا شاهدين الهدى * يارب فاكتبنا مع الشاهدين
رسالة قمنا على الحق مذ * جاء بها محمد عابدين
عجالة العبد الضعيف القاصر عمر الخلوتي
البكرى اليافى الحنفى ذو الفكر
الفاتر قريح القريحة
والخاطر عفى عنه
آمين
الحمد لله تعالى
رسالة بالصدق وافت على * نهج جاها الله ممن يشين
ألفاظها كالدر في سبكها * لكنها تزرى بدر ثمين
حوت صحيح القول عن مذهب * يروى عن النعمان حق يقين
تزيل غيم الجهل عن قارئ * وينجلى قلب صداه مكين
الفها شهم همام سمى * محمدا من للفتاوى أمين
عجالة الفقير إليه محمد أمين الأيوبي الأنصاري
الحنفى الخلوتى القادرى
الحمد لله الذي أظهر الحق على يد من اختاره للهداية * وأرشد إلى الصدق من ساعدته العناية * فسبحانه من إله أعطى كل شيء خلقه ثم هدى * وجعل أهل العلم مصابيح بهم يهتدى * والصلاة والسلام على من أوضح للناس سبيل أمر معاشهم * وبين لهم ما به نجاتهم في معادهم * وعلى آله المتبعين لسنته * وأصحابه الحائزين قصب السبق بصحبته * الداعين إلى الاتباع * الناهين عن الابتداع *
(وبعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة * الحاوية لأنواع البسالة * فوجدتها فريدة في هذا الباب * مستجمعة لتحقيقات أولى الألباب * الذين نصبوا أنفسهم لنفع العباد، وأسهروا أجفانهم حتى ظفروا بالسداد * ودونوا باستنباطهم هذا الدين * وحسنوه بالآيات والأحاديث الواردة عن سيد المرسلين فمن تمسك بأقوالهم فاز ونجا * ومن أعرض عنها لم يزل صدره ضيقا حرجا * فنعوذ بالله من ضيق الصدور * ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور * وحين سرحت الطرف في رياض بلاغاتها * ورويت بالكرع من رحيق استعاراتها * انشدت * ولا بدع فيما اوردت *
فوالله ما أدرى أزهر خميلة * بطر سكر أم در يلوح على نحر
فإن كان زهرا فهو صنع سحابة * وإن كان درا فهو من لجة البحر
فلله در منشيها * ومحلى فصاحتها ومبديها * فلقد أتى بها بما يشفى العليل * ولم يدع للمعاند عليه من سبيل * على حداثة سنه * وعدم المساعد له على ما أوراه من جودة ذهنه * مستندا بذلك إلى أقوال ثقات الأئمة * الذين هم هداة هذه الأمة * وما قاله هو الحق الذي اتفق عليه أهل الكمال * وماذا بعد الحق إلا الضلال * فسبحان من خصه بهذه المزية * وأقدره على جمع ما تشتت من المسائل الفقهية * فمن كان ذا بصيرة ولم يغلب عليه الهوى والطمع في حطام الدنيا وتأمل ما ذكر * وأمعن النظر فيما زبر * لم يخف عليه أن الاقتداء بالسلف واجب الاتباع * وأن ما أحدثه غيرهم بالاستحسان والرأي متعين الامتناع * فليس لعاقل أن يصير إليه * ولا أن يعول عليه * بل يجب طرحه وان جل قائله * أو عظم في أعين الناس فاعله * إذ كل خير في الاتباع * وكل شر منشؤه الابتداع * ولا ريب أن من أنكر ذلك * ولم يعرج على ما هنالك * فقد سجل على نفسه بغباوة لبه * وسخافة عقله ومرض قلبه * فالله المستعان على من غلبت شهوته على ديانته * وفتن فيما ينقدح في ذهنه ولم يرتدع عن غيه ووقاحته * {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
قاله بفمه ورقمه بقلمه أفقر الورى
مصطفى السيوطي الحنبلي
غفر الله له ولوالديه
آمين
الحمد لله الذي زين السماء بالكواكب * وجعل العلماء سرجا يستضاء بهم في النوائب * وألهم من عباده من شاء لإيقاظ النائمين * ونصب من أراد منهم لإنقاذ الهالكين *
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الناطق بالصواب * وعلى آله وصحبه ما ناح طير وآب (أما بعد) فلما أتحفت بالنظر إلى هذه الرسالة المسماة بشفاء العليل وبل الغليل * في حكم الوصية بالختمات والتهاليل * على مذهب النعمان * تخيل لي من حسنها أنها عقد جمان * أو روضة بستان * فأولعت بها حتى أسهرت فيها الأجفان * فرأيتها ذات أفنان * محدقة بشقائق النعمان * مسيجة بالورد والسوسان * فلله در مؤلفها على ما أجاد فيها وأبدع * ولدرر الفوائد أودع * فقد التقطت مما نثر قلمه من الدرر * وسرحت الطرف في تلك الغرر * وكيف لا ومستندها الطريقة المحمدية * ومعظم الكتب الفقهية * مؤيدة مع المعقول بالمنقول * ومع الفروع بالأصول * فجاءت على منوال لم يسبق إليه * ونمط لم يلحق عليه * فأعذتها برب الفلق * من كيد الحاسد وبالعلق
وقلت
أيا ابن العابدين وقيت شرا * من الحساد في جنح الليالي
وطوقت الأمانة فيك جبرا * فلا تخشى وطأ أوج المعالي
ثم تأملت هذه الرسالة فرأيتها صغيرة الجرم * لكنها غزيرة العلم * كمؤلفها فإنه مع حداثة السن * هو كبير في الفن * ويستدل بعرف طيبها * على فضل مؤلفها ولبيبها * ومع ذلك وإن خالف فيها صاحب الجوهرة الحدادى * والحاوى للزاهدى * لكنه مشى فيها على ما هو المشهور من المذهب * والمعول عليه من المطلب * فإن كتب المذهب بما نقله فيها طافحة * والعبارات في المسئلة واضحة * فجزى الله جامعها الخير في دنياه وأخراه * ووفقنا وإياه * لما يحبه ويرضاه * بجاه سيدنا محمد خير أنبياه وأصفياه * ورزقنا الإخلاص في العلم والعمل بجاه سيد الأنام * ومنحنا وإياه والمسلمين حسن الختام
رقمه ببنانه وقاله بلسانه عمر بن أحمد
المجتهد لقبا الحنفى مذهبا
عفى عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل نبال العلماء مراشة مصيبة * وصير الحائدين عن دينه غرضا فهى لهم مصيبة * والصلاة والسلام على من بشريعته رفع مقام العلماء * وعلى آله وأصحابه الصادعين بألسنتهم وأسنتهم جميع اللؤماء (أما بعد) فإني لما وقفت على هذا التأليف المنيف * الجامع لما تشتت ولم يجتمع في تأليف *
وأعملت فيه الأفكار * وأجلت في حدائقه الأنظار * وشممت أرج لطافته * واشتففت بارد شفافته واستشمت بارقه * واستمطرت وادقه * وعرفت مزهره ووارقه * فرأيت ثمرات الصواب في أكمامه يانعة * وشموس الحق في آفاقه طالعة * فحينئذ أنشدت قول القائل * حيث لا غرو فيه لقائل
شعر
لك الله ما أدرى أسمر لحاظها * تكسر فيه الفتح أم ذلك السحر
ولم أدر حتى بان لي در ثغرها * بان عقار الدن يسكنها الدر
غيره
وإن شم نجدى شذى منه فائحا * تذكر حيا بالعذيب ومنزلا
فلله در جامعه من محقق * وفى كل علم مدقق * فإنه قد أجاد * وأمعن وأفاد * وأتقن فيما هو المقصود والمراد * فمن تأمله منصفا لم يكن له راد * وعند ذلك تمثلت بقول من قال * مع بعض تغيير في المقال
مبينا سنة في الدين قد درست * وموهنا قول من في ذاك قد وهموا
يا فوز قوم نحوا هذا السبيل ولم * يصغوا لواش دنت في فهمه الهمم
والفضل يا قومنا للحبر قد طلعت * شموسه فاستضاء السهل والعلم
فجمع القول وهو الحق مجتهدا * في النقل موضح ما يصبو له الفهم
قد فاق حتى على أهل العلى فلذا * يعزا له الفضل والتحقيق والكرم
محمد النفس أعنى ابن أعبدها * يا حسنه علما يزهو به علم
وقد ظهر مما نقله المومى إليه عن أئمة مذهبه أنه هو الحق كيف وقد قرض على هذا السفر الإمام الطحطاوي * الذي هو لكل علم حاوى * وما نقله عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم من أن الإجارة على قراءة القرآن غير صحيحة هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وما نقل عن الإمامين مالك والشافعي فكذلك على ما نقله النووي والعيني والعهدة عليهما فبان الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فليس على المصنف مطعن لطاعن * ولا مقال لمائن * إلا أن يكون مكابرا أو حاسدا فنعوذ بالله من حسد يسد باب الإنصاف * ويصد عن جميل الأوصاف
شعر
فقل لأناس يحسدون لآمة * متى حسدوا الأدنى يضر مفضلا
هو الفضل طيب والحسود يشيعه * إشاعة نار عرف عود ومندلا
والله يحفظنا من الخطأ والخطل * ويحمينا من الزيغ والزلل * وصلى الله
على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين * والحمد لله رب العالمين
نمقه خويدم الطلبة غنام بن
محمد النجدى الحنبلي
عفى عنه آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أوضح سبيل الرشاد لمن اتخذه سبيلا * وألزم أهل الإخلاص كلمة التقوى إذ كانوا أحق بها وأهلها وما بدلوا تبديلا * فسبحان من أسعفهم في طلب مرضاته * والدعاء إلى جناته * ولم يشتروا بآياته ثمنا قليلا * وصلوته وسلامه على من أقام به على عباده الحجة * وأوضح به المحجة * وقطع به العذرة ولم يجعل لأحد أراد الوصول إليه على غير طريقه وصولا * وعلى آله وأصحابه الذين بذلوا نفوسهم في محبته ونصرته وصبروا على ذلك صبرا جميلا * وتابعيهم بالكشف عن سنته الغراء كل ملمة * الجالين عن أرجائها كل مدلهمة * من قام بهم الكتاب وبه قاموا فكم أحيوا لإبليس قتيلا * فلله ما تحمله المتحملون لأجله * ابتغاء لمرضاته وفضله * فأعقبهم الصبر على ذلك سرورا طويلا * (أما بعد) فقد اطلعت على هذه الرسالة * الخالية عن الإطناب والملالة * فوجدتها فريدة في بابها * متزينة لخطابها * مغنية لطلابها * صحيحة النسب * عالية المقدار والحسب * لا تبتغى من الخطاب إلا الأكفاء * ولا تزيع السر إلا لذوى الإصغاء * وحين سرحت طرف الطرف القاصر * وأعملت فكر الفكر الفاتر * في تأمل نبت رياضها الزواهر، ورويت بالكرع من غديرها الذاخر * تحققت أنها من غيث السما * وأنها من آثار من لم يورث دينارا ولا درهما * فشممت نور تلك الرياض فزال ما بي من العلة * وارتشفت من نواحي الغدير فبليت الغلة
وقلت
لما رأينا العابدينى لاح لنا * داعى إلى الله بأصدق أقوال
من ذا يجاريه في علاه وقد * ساعفته جيوش النصر والإقبال
فلله در يمين أعملت اليراع في تحبير طروسها * ولله فكر إمام كشف القناع عن وجه عروسها * حتى بدا حسنها للناظرين عيانا * وطأطأ أهل الفضل رؤسهم له إذعانا * وخجل أصحاب الفن حياء من بروزها، وفاز أهل الصدق بوصالها وحوزها * كيف لا وقد بين صحة النسب * وغاص لجة البحر فظفر بما طلب * فأطفا الله نار حاسديه * وأقام الحجة على معانديه * وخابت آمالهم من الصفقة الرابحة وباؤوا بأوزار الحرفة الفاضحة * ونودى على المائل * بقول القائل
فنفسك لم ولا تلم المطايا * ومت كدا فليس لك اعتذار
فلا زالت أحاديث فضائله العالية مرفوعة * ولا برحت فرائد مقالاته الجليلة مسموعة * فأظنك بما أوراه من التحقيق والعرفان * عن مذهب إمامه النعمان * وما نقله عن إمام دار الهجرة مالك * وعن ابن عم المصطفى ظاهر المسالك * على ما نقله الحافظ الشهير * والمحدث الكبير * بدر الدين محمود العينى وعن الحافظ المتعفف * والزاهد المتقشف * الفاضل النقى * محى الدين النووي * وما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية التقى * وتلميذه أبى عبد الله الدمشقى * وهو مذهب إمامنا المبجل * والحبر المفضل * أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل * فنسأل الله ان يسلك بنا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين * والحمد لله رب العالمين * وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين كتبه من لا شيء وعمله سيء محمد بن عمر الكاتب النجدى غفر له الله