المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة الطبعة الجديدة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه - صحيح الترغيب والترهيب - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة الطبعة الجديدة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،

(1)

ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد، فقد كنا طبعنا من كتابي الفريد الحبيب "صحيح الترغيب والترهيب" المجلد الأول منه طبعات، آخرها الطبعة الثالثة سنة (1409) من منشورات مكتبة المعارف في الرياض، لصاحبها الشيخ الفاضل (سعد الراشد)، والآن فقد رغب مني -بارك الله فيه- الشروع في طبع بقية مجلداته، وطبع قسيمه "ضعيف الترغيب"؛ الذي لم يتيسر لي نشر شيء منه فيما سبق.

لذلك فقد رأيت أنه من الضروري إعادة النظر، في "الصحيح" و"الضعيف"؛ لأنني مع حرصي الشديد في تحريرهما، وتحقيق القول في أحاديثهما، على المنهج العلمي الدقيق الذي كنت تحدثت عنه في مقدمة الطبعة الأولى للمجلد المذكور، كما ستراه في المقطع (34) الآتي، ومع ذلك فقد كنت مضطراً للاعتماد على المنذري في التصحيح والتضعيف، والتجريح والتعديل،

(1)

قلت: يزيد بعض الخطباء هنا: "ونستهديه"، ولا أصل لها في هذه الخطبة الكريمة المعروفة بـ (خطبة الحاجة)، في شيء من طرقها التي كنت جمعتها عن النبي صلى الله عليه وسلم في رسالة، وفيها بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يقرأ بعدها ثلاث آيات معروفة من سور:(آل عمران)، (النساء)، و (الأحزاب)، وبعضهم يقدم منها ما شاء ويؤخر، وربما زاد فيها ما ليس منها، غير منتبهين أن ذلك خلاف هديه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز التصرف في الأوراد ولو بتبديل لفظ، ولو لم يتغير المعنى. انظر التعليق على حديث البراء الآتي في (6 - النوافل/ 9).

ص: 3

وغيرها حينما لا أتمكن من الرجوع إلى أصوله ومصادره التي رجع إليها، وكذلك اعتمدت على غيره أيضاً كما بينته في المقطع (35) الآتي.

أما اليوم -وبعد مضيّ نحو أكثر من عشرين سنة على التحقيق المذكور- فقد حدثت أمور، وتطورت بعض الآراء والأفكار، أوجبت إعادة النظر في المزبور، انطلاقاً من قولي المعروف:(العلم لا يقبل الجمود). ومن أهم تلك الأمور، وأسباب تطور الأفكار صدور بعض المطبوعات والمصورات من الكتب الحديثية التي لم تكن معروفة من قبل، وفيها كثير من مصادر المنذري المشار إليها آنفاً، منها على سبيل المثال:

1 -

صحيح ابن حبان: الإحسان.

2 -

مسند أبي يعلى.

3 -

كشف الأستار عن زوائد البزار.

4 -

وأخيراً أصله المسمى "البحر الزخار"، طبع منه حتى اليوم ثمانية أجزاء.

5 -

معجم الطبراني الكبير.

6 -

معجم الطبراني الأوسط.

7 -

الدعاء. له.

8 -

شعب الإيمان للبيهقي.

9 -

الزهد الكبير. له.

10 -

كتب ابن أبي الدنيا، وهي كثيرة، وطبع لها "فهرس الأحاديث" بقلم

ص: 4

محمد خير رمضان يوسف.

وغيرها كثير وكثير جداً من مختلف علوم الحديث من المسانيد والتراجم وغيرها.

وأما المصورات، فمن أهمها:

1 -

المطالب العالية المسندة، لابن حجر العسقلاني.

2 -

تفسير ابن أبي حاتم. ثم طبع أخيراً.

3 -

الطب النبوي، لأبي نعيم.

4 -

الغرائب الملتقطة من "مسند الفردوس" لابن حجر.

5 -

الكنى والأسماء، لأبي أحمد الحاكم.

6 -

مسند السراج.

7 -

معرفة الصحابة، لأبي نعيم، ثم طبع منه الأول والثاني.

8 -

البر والصلة لابن المبارك.

9 -

المعجم لابن قانع، ثم طبع في ثلاثة مجلدات.

10 -

الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي، ثم طبع أخيراً في ستة مجلدات. وغيرها كثير.

فأقول: هذه المصادر كانت من الأسباب التي فتحت لي طريقاً جديداً للتحقيق علاوة على ما كنت قدمت، فقد وقفت فيها على طرق وشواهد

ص: 5

ومتابعات لكثير من الأحاديث التي كنت قد ضعفتها تبعاً للمنذري وغيره، أو استقلالاً بالنظر في أسانيد مصادرها التي ذكرها هو أو سواه، فقويتها بذلك، وأنقذتها من الضعف الذي كان ملازماً لأسانيد

(1)

مصادرها المذكورة في الكتاب، إلى فوائد أخرى لا يمكن حصرها، وقد نبهت على بعضها بالحواشي، انظر مثلاً التعليق على الحديث (10)(5 - الصلاة/ 8). وعلى الحديث (5)(5 - الصلاة/ 12)، وعلى الحديث (10) منه.

وعلى العكس من ذلك فقد ساعدتني بعض الطرق المذكورة في المصادر الجديدة على اكتشاف علل كثير من الأحاديث التي قواها المؤلف أو غيره: كالشذوذ، والنكارة، والانقطاع، والتدليس، والجهالة، ونحوها، كما ساعدتني على تبين خطأ عزوه إلى بعضها، كأن يطلق العزو للنسائي الذي يعني (السنن الصغرى)، والصواب أنه في (السنن الكبرى) له، أو أن يعزو للطبراني مطلقاً ويعني (المعجم الكبير) له، وهو خطأ صوابه (المعجم الأوسط) له،

(2)

ونحو ذلك.

ومن قبل لم يكن ممكناً الوقوف على هذه المصادر التي جدَّت وسميتُ آنفاً بعضها. وكذلك ساعدني ذلك على تصحيح بعض الأخطاء الهامة التي ترتب عليها أحياناً تضعيف الحديث الصحيح براوٍ ضعيف مثل (شهر بن حوشب)، وهو ليس في إسناده كما ستراه في الحديث (2) من (6 - النوافل/ 8)، إلى غير ذلك من أخطاء أخرى ما كانت تظهر لولا هذه المراجع.

هذا ما يتعلق بالمصادر العلمية التي صدرت حديثاً.

(1)

انظر مثلاً الحديث الأول الآتي في (4 - الطهارة/ 3)، فقد أعله المؤلف بجهالة أحد رواته، وقويته لشاهد من غير طريقه، وهو من فوائد كتاب ابن القطان الفاسي. ونص الحديث (7) في (1 - الإخلاص/ 1)، ومثله كثير.

(2)

انظر التعليق على الحديث (6) في (2 - السنة/ 2).

ص: 6

وأما ما يتعلق بالآراء والأفكار، فالإنسان بحكم كونه خلق ضعيفاً، وساعياً مفكراً، فهو في ازدياد من الخير، سواء كان مادياً أو معنوياً على ما يشاء الله عز وجل، ولذلك تتجدد أفكاره، وتزداد معلوماته، وهذا أمر مشاهد في كل العلوم، ومنها علم الحديث القائم على معرفة الألوف من تراجم الرجال، وما قيل فيهم جرحاً وتعديلاً، والأطلاع على آلاف الطرق والأسانيد، فلا غرابة إذن أن يختلف قول الحافظ الواحد في الراوي الواحد والحديث الواحد. كما اختلفت أقوال الإمام الواحد في المسألة الواحدة كما هو معلوم من أقوال الأئمة، ولا داعي لضرب الأمثلة فهي معروفة، فبالأولى أن يكون لأحدنا من الباحثين أكثر من قول واحد في الراوي الواحد وحديثه، ولبيان هذا لا بأس من ضرب بعض الأمثلة:

1 -

عبد الله بن لَهيعة المصري القاضي الصدوق،

(1)

نشأنا في هذا العلم، ونحن ندري أنه ضعيف الحديث لاختلاطه، إلا فيما كان من رواية أحد العبادلة عنه، ومع البحث والتحري انكشف لي أن الإمام أحمد ألحق بهم (قتيبة بن سعيد المصري)، كما بينت ذلك في "الصحيحة"(2517)، وقد يكون هناك آخرون.

2 -

دراج بن سمعان أبو السمح المصري، جريت إلى ما قبل سنين على تضعيف حديثه مطلقاً سواء كان عن أبي الهيثم أو غيره، ثم ترجح عندي أنه حسن الحديث إلا عن أبي الهيثم في بحث أودعته في "الصحيحة" أيضاً برقم (3350)

(2)

.

(1)

انظر على سبيل المثال التعليق على الحديث (6) في (4 - الطهارة/ 7) والتعليق على الحديث (6) أيضاً (4 - الطهارة/ 10). والحديث (15) في (8 - الصدقات/ 3).

(2)

انظر الحديث (3) في (3 - العلم/ 8).

ص: 7

فلهذا فقد تطلب مني التحقيق الجديد إعادة النظر في كل حديث في كتاب "الترغيب" في إسناده أحد هذين الراويين، لتلحق -على ضوء هذا التفصيل- بـ "الصحيح" أو "الضعيف" منه.

ويشبه هذا -من حيث إعادة النظر- الرواة المعروفون بالاختلاط أو التدليس، والثقات المضعفون في بعض شيوخهم مما هو معروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف، فهذا النوع أيضاً قد تطلب مني جهداً خاصاً لتمييز صحيح حديثهم من ضعيفه، وقد وفقت في ذلك إلى حد كبير كما سيرى القراء التنبيه على ذلك في التعليقات مع الإيجاز. والفضل لله أولاً وآخراً.

وثمة سبب آخر يستدعي إعادة النظر في الكتاب، ألا وهو ما فطر عليه الإنسان من الخطأ والنسيان، وهو وإن كان لا يؤاخذ عليه المرء كما هو ثابت في القرآن والسنة، فلا يجوز الإصرار عليه إذا تبين، ولذلك فإن من دأبي أنه كلما بدا لي خطأ أو وهم نبهت عليه على هامش نسختي من الكتاب، لأصححها إذا ما قدر له طبعه من جديد. وهذا ما جريت عليه في كل ما يعاد طبعه من كتبي، لا يصدني عن ذلك استغلال ذلك بعض الشانئين والطاعنين من ذوي الأهواء المعروفين بمعاداتهم للسنة والداعين إليها، من الذين يجعلون المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، ويتجاهلون ما كان عليه أئمتنا من الرجوع إلى الصواب حينما يتبين لهم. والآثار في ذلك عنهم معروفة مشهورة.

(1)

فتذكرُ الإنسان هذه الحقيقة البشرية، مما يدفع عنه العُجب والغرور، ويحمله دائماً على الاعتراف بالعجز والتقصير، ليتدارك من الخير والصواب ما فاته، ويقدم

(1)

راجع إن شئت للرد على الطاعنين مقدمتي للمجلد الأول من "الصحيحة"(الطبعة الجديدة)، ومقدمة المجلد السادس منه.

ص: 8

إلى القراء ما هو الأصلح والأنفع بإذن الله تعالى، ليكون كما قال عليه الصلاة والسلام:"خير الناس أنفعهم للناس"، (الصحيحة 127).

ولهذا رأيت أن أجعل مراتب أحاديث "صحيح الترغيب" خمسة -مكان المرتبتين: صحيح وحسن سابقاً- وهي كما يلي:

1 -

صحيح. وهو ما اكتملت فيه كل شروط الصحة على ما هو معروف في علم "مصطلح الحديث".

2 -

حسن. أي: لذاته. وهو الذي اكتملت فيه شروط "الصحيح"، لكن خف ضبط أحد رواته عن حفظ راوي الحديث "الصحيح".

3 -

حسن صحيح. وهو الحسن لذاته إلا أنه تقوى بمتابع أو شاهد له، وهذا الاستعمال معروف من بعض الحفاظ المتقدمين كالترمذي، وهو الذي أشاعه في "سننه"، ولكن لم يأت عنه ما يوضح مراده منه.

4 -

صحيح لغيره. وهو الذي تقوى بكثرة طرقه التي لم يشتد ضعفها.

5 -

حسن لغيره. وهو الذي قبله، ولكن لم تكثر طرقه، ويكفي فيه طريقان لم يشتد ضعفهما.

وإن مما ينبغي ذكره هنا أن تقرير هاتين المرتبتين الأخيرتين إنما يتم بعد النظر في إسناد الحديث في المصادر المذكورة في الكتاب، ثم بالنظر في أسانيد المصادر التي لم يذكرها المؤلف، فأرفع درجته إلى إحدى هاتين المرتبتين، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد فيهما ما هو صحيح لذاته، فضلاً عن الحسن، كلا، فقد يكون فيها أحدهما، لكني لم ألتزم بيان ذلك في التعليق لكي لا يتضخم حجم

ص: 9

الكتاب، وإنما بيان ذلك في المطولات من مؤلفاتي كـ "الصحيحة" و"الإرواء" وغيرها. وقد أشير إليها أحياناً، فأرجو الانتباه لهذا.

وإنما اتخذت هذا الاصطلاح -والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح- لسببين اثنين:

أحدهما: أنه أدق في التعبير عن حقيقة قوة الحديث عند المؤلف، وعن الطريقة التي سلكها في إطلاقه مرتبة من هذه المراتب الخمس.

وجدير بالذكر أن الجهد الذي يفرغه المؤلف لإصدار المراتب الثلاث الأخيرة ليس كالجهد الذي يفرغه لمعرفة المرتبة الأولى والثانية، كما لا يخفى على من مارس هذا الفن، ولا أكون مغالياً إذا قلت: إنني أفرغ أحياناً الساعات الطوال، بل وأيّاماً وليالي لإصدار الحكم الرابع والخامس على بعض الأحاديث، وقد تكون النتيجة أحياناً أن يبقى الحديث ضعيفاً؛ لشدة ضعف طرقه، ونكارة متنه، ولا يعرف هذه الحقيقة إلا من عاناها، كل ذلك حرصاً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرة عليه أن يقال عليه ما لم يقل، أو أن ينفى عنه ما قال صلى الله عليه وسلم.

والسبب الآخر: أن هذا الاصطلاح أدعى لقطع دابر القيل والقال، والخوض في المناقشة والجدال، مع بعض إخواننا المحبين أو غيرهم، فقد جاءتني على مر السنين استشكالات واعتراضات من عديد من الأشخاص من مختلف البلاد، فيهم المخلص المستفيد، وفيهم المغرض العنيد: كيف حسنت الحديث الفلاني، وصححت الحديث الفلاني، وفي إسناده ابن لهيعة، أو شهر بن حوشب، وأمثالهما؟! فأذكرهم بـ (الحديث الحسن لغيره) المعروف في علم المصطلح، والمطبق عملياً من الإمام الترمذي في "سننه"، ومن الحفاظ المتأخرين

ص: 10

في تخريجهم للأحاديث كالذهبي، والعراقي، والعسقلاني وغيرهم، فمن أولئك من يتذكر، و {إنما يتذكر أولوا الألباب} ويقنع، ومنهم من يُفحم ويَخنس! وأكثر هؤلاء ممن يحسبون أنهم على شيء من هذا العلم، وليسوا على شيء، والواحد منهم كما قال الذهبي رحمه الله:"يريد أن يطير ولما يريش"! فقد بلوناهم، وابتُلينا بهم. والله المستعان.

(1)

وإنّ من فوائد استعمال الاصطلاحين الأخيرين أنه قد يكون في بعض أحاديثهما جملة أو لفظة قد يستشكلها البعض، ويكون له في ذلك وجهة نظر، فيكون له في الاصطلاح المذكور ما ينبهه ويساعده على الرجوع إلى المتن الصحيح لذاته إن وجد، أو إلى تتبع المتون الأخرى، فقد يتبين له بذلك ما يزيل الإشكال.

ولقد كلفني هذا الاصطلاح العلمي النافع إن شاء الله تعالى جهداً جهيداً، وتعباً شديداً، وزمناً مديداً، لأنه اقتضاني مراجعة المرتبتين المشار إليهما آنفاً في الأحاديث كلها أو جلها، لتعديلها إلى المراتب الخمس الجديدة، حتى قد شعرت أنني لو شرعت بتأليفه من جديد كان أهون علي!

لكن الخير كل الخير فيما يقدره الله لعبده المؤمن، فقد نبهني الله عز وجل في أثناء هذه الدراسة على أوهام كثيرة أخرى للمؤلف رحمه الله تعالى في التخريج والمتون وغيرهما سوى التي كنت نبهت عليها فيما سبق. كما تنبهت لبعض الأوهام التي صدرت مني أنا، فانظر مثلاً التعليق على الحديث (2) من (5 - الصلاة/ 31).

وإن من ذلك الخير أنني بينت أن التزام هذا الاصطلاح أمر لا بد منه، لما

(1)

وراجع لهذا السبب مقدمتي لـ "صحيح ابن ماجه"(ص 6 - 7/ طبعة المعارف).

ص: 11

سبق بيانه، وتمنيت لو أنني تنبهت له من قبل، أو نُبهت إليه، ولذلك فقد عزمت على التزامي إياه فيما أنا قادم عليه من مشاريعي المتعلقة بـ "تقريب السنة بين يدي الأمة"، كما أنصح بذلك كل خادم للسنة، عارف بفن التخريج والتصحيح والتضعيف ولوازمه.

من أجل ذلك فإني أشكر الله تعالى على ما وفقني ويسر لي مِن تحقيق هذا الكتاب مرة أخرى، وقد دخلت في الخامسة والثمانين من عمري بالتأريخ الهجري، فله تبارك وتعالى الثناء والمجد، وإليه أضرع وأسأل أن يبارك فيما بقي من عمري ووقتي، وأن يمتعني بسمعي وبصري وقوتي ما أحياني، ويمدني بمدد من عنده وفضله، حتى أستمر في خدمة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى آخر رمق من حياتي، وأن يلحقني بالصالحين إذا حان أجلي، إنه سميع مجيب.

ثم إنني قد ذكرت آنفاً أني أحيل في تخريج أحاديث الكتاب التي هي بحاجة إلى تخريج -إلى المطولات من مؤلفاتي، وهذا إذا كان الحديث أو الأثر في شيء منها، وإلا كان لا بد من تخريجي إياه في التعليق عليه إذا أعله المؤلف، أو حكم عليه بما يخالف النقد العلمي الدقيق في نظري- بما يكشف عن مرتبته من تلك المراتب الخمس، مع الإيجاز في الكلام بقدر الإمكان. وانظر على سبيل المثال الأرقام التالية (137 و 197 و 390 و 570 و 710) إلى غير ذلك، وهي كثيرة جداً.

ومن المناسب هنا التنبيه أنه قد يمر بالقارئ الرمز لبعض الأحاديث الصحيحة هنا والضعيفة هناك بكلمة إضافية في كل منهما مثل: (موقوف) و (مقطوع)، والمقصود بهما معاً التنبيه إلى أن الحديث ليس مرفوعاً إلى النبي

ص: 12

- صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض السلف، فإن كان من الصحابة قلنا:"موقوف"، وإن كان ممن دونه قلنا:"مقطوع"، وهذا أمر معروف في علم المصطلح، فأحببت إحياءه والتنبيه عليه، انظر مثلاً الأحاديث (348، 349، 964).

وما دمت لا أزال أتحدث عن المراتب المذكورة، فلا بد من لفت نظر القراء إلى الاصطلاح المطبعي الآتي:

لقد بدا لي وأنا في صدد تصحيح التجارب أن من الأنفع والأسرع لتنبيههم على مرتبة الحديث أن تُطبع المراتب بجنب الأحاديث على الأسلوب التالي:

1 -

في الحديث الصحيح أو الحسن لذاته تطبع المرتبة بحذاء السطر الأول يميناً أو يساراً من حاشية الصفحة.

2 -

وتطبع مرتبة (صحيح لغيره)، و (حسن لغيره) تجاه متن الحديث كذلك، سواء كان أول المتن في السطر الثاني أو بعده، وإذا لم يكن بعد السطر الأول متن، لاكتفاء المؤلف بالذي قبله، طبعت المرتبة حذاء السطر كالحديث (108 و 136).

3 -

وأما مرتبة (حسن صحيح) فطبعت لفظة (حسن) حذاء السطر الأول، إشارة إلى حسن الإسناد، بينما وضعت لفظة (صحيح) حذاء السطر الثاني أو بعده، دلالةً على صحة متنه، إما لذاته أو لغيره على ما سبق بيانه.

وبهذه المناسبة أقول:

لقد ساعدني كثيراً على تطبيق هذا المنهج العلمي الدقيق ووضع كل مرتبة في مكانها المناسب لها، وكذلك على تصحيح تجارب الكتاب المرة بعد المرة ابنتي أم عبد الله بارك الله فيها وفي ذريتها، كما تجاوب معنا القائمون على طبع الكتاب

ص: 13

وصبروا معنا على التحقيق والتصويب، فلهم، ولكل من كان له يد في ذلك وبخاصة منهم الموظفين في المكتبة الإسلامية، لصاحبها صهري الكريم نظام سكجها، فلهم مني جميعاً، الشكر الجزيل.

هذا، وقد عرضت لي مشكلة بعد فرز "الصحيح" عن "الضعيف"، وهي أن المؤلف رحمه الله يعقب الحديث أحياناً ببعض الزيادات أو الألفاظ وهي مما لا تصح، معزوة لبعض المصادر، وعليه فهي مما ينبغي أن يذكر في "الضعيف"، لكن إن ذكرت دون سائر الحديث شقّ على القارئ فهم المراد بها، كما سيأتي بيانه قريباً ببعض الأمثلة، فكان لا بد -والحالة هذه- من أحد أمرين:

1 -

إما إيرادها مع حديثها في "الصحيح"، وهذا غير مناسب؛ لأنه قد يوهم غير المنتبه أنها صحيحة كأصلها الذي سِيقت فيه، وبخاصة إذا كان المتن طويلاً، والزيادة قصيرة مثل رواية:"ثم رفع طرفه إلى السماء ثم يقول" في حديث الدعاء بعد الوضوء الآتي برقم (224).

2 -

وإما إيرادها كذلك مع الحديث في "الضعيف"، وهو غير مناسب أيضاً، لأنه قد يوهم ضعف الحديث من أصله!

فبدا لي أن الحل المناسب أن لا تذكر، لا في هذا، ولا في هذا، وإنما تذكر في الهامش تعليقاً على الحديث، مع بيان مرتبتها في الضعف. وأقرِّب ذلك إلى القراء الكرام بمثالين اثنين:

أحدهما: الدعاء الوارد في الحديث الآتي برقم (36):

"اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه

" جاء فيه زيادة:

ص: 14

"يقول كل يوم ثلاث مرات". فمن الواضح جداً أن ذكرها منفردة في "الضعيف" مما لا فائدة منه، بل هو مما يشغل بال القارئ ويتساءل: ما مناسبتها؟

والآخر: الحديث الآتي برقم (209) بلفظ: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب"، فجاء عقبه زيادة في رواية:"ومجلاة للبصر"، ولا يظهر ارتباط هذه الزيادة باللفظ المذكور إلا لبعض الخاصة من العلماء وطلاب العلم.

ولذلك قررت ذكر هذا النوع من الزيادات أو الألفاظ في هامش هذا "الصحيح" -ما أمكنني ذلك- مع بيان المرتبة كما سبق، راجياً أن أكون قد وفقت في هذا وفي كل ما أكتب وأحرر، والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.

وختاماً أقول:

إن مما يحسن التنبيه عليه، ولفت نظر القراء إليه: أن المقصد الأول من هذين الكتابين: "الصحيح"، و"الضعيف"، وأمثالهما مما يدخل في مشروعي المعروف:"تقريب السنة بين يدي الأمة". ولازمه تمييز صحيحها من سقيمها نصحاً لها. ولذلك فإني أقول:

لست أتحمل مسؤولية ما قد يكون في بعض الأصول والمصادر التي أقربها وأميز أحاديثها من الأخطاء، لأن العناية بها، وتصويبها أمر آخر له أهله، وأنا قلما أتفرغ له وأتوجه إليه إلا بقدر؛ لضيق الوقت؛ ولأن همي الأول هو ما ذكرت من التقريب والتمييز، وإن كنت وأنا في صدد القيام بذلك، قد وفقني الله كثيراً لتصويب كثير من الأخطاء التي تقع في بعض النصوص والأسانيد والرجال والتخريجات، لا سيما عند إعادة النظر والطباعة، كما سيتبين ذلك للقراء الكرام جلياً في الجزء الأول من هذا "الصحيح"، وسائر أجزائه إن شاء الله تعالى،

ص: 15

بخلاف بعض الناشئين أو الكاتبين ممن يدعون التحقيق والتعليق على بعض كتب الحديث، وهم (ليسوا في العير ولا في النفير) كما يقال في بعض الأمثال.

وبهذه المناسبة يحسن بي محذراً ومنبهاً وناصحاً بيان الآتي:

لقد وقع تحت يدي طبعة جديدة لكتاب الحافظ المنذري "الترغيب والترهيب"، لثلاثة من المحققين والمعلقين -كما قالوا-، وأنا أصحح تجارب هذا "الصحيح"، فاقتنيته؛ لعلي أجد فيه ما يساعدني على ما أنا في صدده من إعادة النظر في "الصحيح" و"الضعيف"، وتصحيح بعض الأخطاء التي وقعت في الأصل؛ فاتني الانتباه لها؛ فيما سبق، فلم أستفد من تحقيقهم المزعوم شيئاً يذكر، بل وجدتهم جهلة لا علم عندهم يخوِّلُهم التعليق على هذا الكتاب الذي وقع فيه مختلف الأوهام التي ضجر من كثرتها الحافظ إبراهيم الناجي كما كنت حكيت ذلك عنه في مقدمة الطبعة الأولى كما سيأتي في المقطع (43) منها، وأقول عن هؤلاء بحق:

إنهم جهلة، فلا علم لهم بالحديث متونه وأصوله، وكذلك الفقه، واللغة، هذه التي تؤهلهم -على الأقل لو كانوا على علم بها- لتحقيق الكلام على النصوص وبيان الراجح من المرجوح منها عند اختلاف النسخ أو المراجع، حتى هذا النوع من التحقيق لم يستطيعوا القيام به، بل إنهم لم يقدروا على تصحيح بعض الأخطاء الفاحشة التي لا تخفى على الطلبة، والتي وقعت في طبعتهم المزخرفة تبعاً للأصل، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، وحسبي أن أقدم مثالاً واحداً على ذلك، وهو الحديث الآتي في (9 - الصوم/ 11 رقم الحديث 5) بلفظ:

ص: 16

"لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم .. ".

فطبعوه تبعاً لأصله الخطأ بلفظ:

"لا تصوموا ليلة السبت

".

وكل أحد يعلم أن الليل ليس محلاً للصيام، فكيف غفلوا عن هذا الخطأ الفاحش؟! كان يمكننا أن نلتمس لهم عذراً -كما هو المأثور عن بعض السلف- بأن نقول إنه خطأ مطبعي، كما هو القول في خطأ الأصل، ولكن هذا غير وارد هنا لأنه يستبعد عادة التطابق في الخطأ في اللفظ الواحد، ثم أين التحقيق المدعى، وليس من فرد واحد، بل من ثلاثة؟!

ولا أدل على جهلهم باللغة من الكتاب الذي اختصروه من طبعتهم لـ "الترغيب"، ثم طبعوه تحت عنوان:

"تهذيب الترغيب والترهيب من الأحاديث الصحاح طبعة محققة متميزة بصحاح الأحاديث

"!

وتحته أسماء المحققين الثلاثة المشار إليهم فيما تقدم.

وذلك أن هذا العنوان يدل على خلاف مقصدهم، لأن "تهذيب الكتاب" إنما يعني تجريده من الأحاديث الضعيفة وليس "من الأحاديث الصحاح"، ففي كتب اللغة:

"يقال: هذب الكتاب: لخصه وحذف ما فيه من إضافات مقحمة أو غير لازمة". المعجم الوسيط.

ص: 17

وعلى هذا المعنى ألفت الكتب المعروفة عند طلاب العلم فضلاً عن العلماء مثل: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي، و"تهذيب الكمال" للمزي، و"تهذيب التهذيب" للعسقلاني، وغيرها كثير.

فلو أن أولئك الثلاثة المحققين -زعموا- كان أصلهم من الأعاجم -مثلي! - وكانوا طلاب علم حقاً، لكان هذا وحده كافياً لصرفهم عن الوقوع في مثل هذا الجهل الفاضح، ولكني قد تأكدت من تعليقاتهم أنهم ليسوا من طلاب العلم، ولا من الذين أتيح لهم الاستماع لهذا العلم، ولكني أشك أن يكون أصلهم عجماً، أو أنهم عرب استعجموا!

نعم، هم ليسوا طلاب علم يقيناً، لأن الأعاجم من الطلاب يعلمون ما جهلوه هم، فمن منهم لا يعلم إجماع الأمة على أن تأخير الصلاة عن وقتها نسيانًا أو سهواً ليس معصية، وقد صح أن الله تعالى استجاب دعاء الصحابة حين قالوا:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ؟! أما هؤلاء الجهلة الثلاثة فقد قالوا وتحت ما سموه "فقه الباب"(1/ 446):

"وقد أفادت الأحاديث بمجموعها أن تأخير الصلاة عن وقتها ناسياً أو ساهياً معصية كبيرة .. "!

ولقد كذبوا -والله- فليس في الأحاديث ذكر للناسي مطلقاً، بل في الكثير منها خلافه وهو لفظ (متعمداً)، ولكنهم لجهلهم بإجماع الأمة من جهة، ولقلة بضاعتهم بالفروع الفقهية من جهة أخرى سوّوا بين (الناسي) و (الساهي) المذموم في قوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ، ولم يعلموا لبالغ غفلتهم أن المراد: بالساهين: المتعمدون إضاعة الصلاة عن وقتها عمداً

ص: 18

باللهو عنها كما فسره سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في الباب الذي أشاروا إليه، ويأتي برقم (576).

ولقد كان يغنيهم عن هذا الجهل المغلف بالفقه الأرعن لو كان عندهم شيء من النباهة والفهم، ترجمةُ المنذري لأحاديث الباب بقوله:"الترهيب من ترك الصلاة تعمداً وإخراجها عن وقتها تهاوناً". ولكن صدق الله: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} .

ومن ذلك أن اسم (جَمع) إذا جاء في حديث من مناسك الحج فهو (مزدلفة) يقيناً، أما هم فقالوا (2/ 154) في تفسيرها:

"بـ (جمع): بعرفات"!!

وسيأتي بيان ذلك في التعليق على حديث عبادة بن الصامت في المجلد الأول من "ضعيف الترغيب"(11 - الحج/ 9/ الحديث 3) إن شاء الله تعالى.

ومن هذا القبيل قولهم في تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

"إذا تبايعتم بالعينة .. ".

(1)

قالوا (2/ 305): "بالعينة: بالمال الحاضر من النقد"! مع أنهم نقلوا بعده تفسيره الصحيح عن ابن الأثير، والذي خلاصته أن النقد مؤجل، والبضاعة حاضرة لم تتحرك، تباع من التاجر بثمن مؤجل، ثم يبيعها من اشترى لمن باع بثمن حاضر أقل، فيكون الفرق بين الثمنين مقابل الأجل، لذلك فهو من البيوع الربوية، كما أنه من بركات بيع التقسيط الذي يبيحه كثيرون! والشاهد، أن ما

(1)

انظر الحديث في الجزء الثاني من "الصحيح"(12 - الجهاد/15/ الحديث 2).

ص: 19

نقلوه عن ابن الأثير كان يغنيهم أن يقعوا في هذا الجهل، أو العجمة على الأقل، ولكن صدق من قال: وكل إناء بما فيه ينضح.

ومثله وأسوأ منه تفسيرهم (اللَّمَمَ) في حديث المرأة التي كان بها طرف من جنون، وطلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها، وخيرها صلى الله عليه وسلم بين أن يدعو لها فتشفى، وبين أن تصبر، ولا حساب عليها. فقالت: أصبر ولا حساب عليَّ.

(1)

فقال المعلقون الثلاثة الجهلة (4/ 183):

" (لَمَمٌ): مقاربة المعصية، ويعبر بها عن الصغيرة .. ".

فتأمل أيها القارئ الكريم كيف فسروا هذه اللفظة من الحديث بمعناها المذكور في تفسيرها في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} ، فخلطوا خلطاً قبيحاً جداً؛ فإن هذا المعنى لا يناسب الحديث مطلقاً كما هو ظاهر بأدنى تأمل، لأن معناه حينئذ أن المرأة جاءت تشكو ارتكابها المعصية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خيّرها بين البقاء عليها، وبين أن يدعو لها ولا حساب عليها .. !

وهذا من أبطل الباطل، {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} ؟!

وإذا كان هذا حالهم في الفقه واللغة، فهم في الحديث أجهل، بل هو الداء العضال، لأنه جهل مركب، إذا حسنا الظن بهم، وإلا فيكونون قد تكلموا بغير علم وهم يعلمون! فيشملهم وعيد قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:

"إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم،

(1)

سيأتي في (25 - الجنائز / 3/ الحديث 26) من الجزء الثالث من هذا "الصحيح".

ص: 20

فضلوا وأضلوا". وإن مما لا شك فيه عند أهل العلم أن ممارسة تصحيح الأحاديث وتضعيفها ممن لا معرفة عنده، أسوأ وأشد من الإفتاء بغير علم، لأن الحديث النبوي هو المرجع الثاني بعد القرآن الكريم، فالكلام فيه بغير علم أخطر ضلالاً وإضلالاً كما لا يخفى، ولا سيما إذا كان لغرض مادي من جاه أو مال أو منصب، وحينئذ يكون له نصيب أو شَبَهٌ بمن قال الله تعالى فيهم:

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} .

ولا أكون مبالغاً إذا قلت: إنني لم أرَ -مع كثرة أهل الأغراض والأهواء في هذا الزمن- واحداً فضلاً عن ثلاثة يتفقون على الكلام على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً بغير علم أجرأ من هؤلاء، وبهذا التوسع، حيث بلغ عدد أحاديث طبعتهم (5580) في أربعة مجلدات ضخام في أكثر من ثلاثة آلاف صفحة! ليس فيها من العلم ما يستحق الذكر، إلا تكرار ذكر المصادر التي في "الترغيب" إلى الحاشية مقرونة بأرقام مجلداتها وصفحاتها أو أرقام أحاديثها، بحيث إن القارئ يتوهم أن ذلك من سعيهم وكدهم، وإنما هو مجرد نقل منهم لها من الفهارس التي كثرت في هذا الزمان، ومع ذلك لم يستفيدوا منها شيئاً لتصويب بعض الأخطاء الواقعة في "الترغيب"، وهي كثيرة كما سيرى القراء إن شاء الله ذلك منبهاً عليه في التعليقات.

ولنعد إلى المقصود الأهم هنا، فأقول:

إن الأحكام التي يطلقونها على الأحاديث تنقسم في الجملة إلى قسمين:

القسم الأول: مما سرقوه من بعض المؤلفين قديماً وحديثاً، وفي بعضها نظر،

ص: 21

وقد أكثروا جداً من الاستفادة من المجلد الأول من هذا "الصحيح" في بعض طبعاته السابقة،

(1)

حتى في مقدمتهم، دون أن يتأدبوا بأدب قول العلماء: من بركة العلم عزو كل قول إلى قائله، وبخاصة إذا كان صادراً عن بحث وتحقيق وجهد وعلم ليس في مقدورهم النهوض به، فإني أخشى عليهم وعلى أمثالهم أن يشملهم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"المتشبِّع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور". متفق عليه

(2)

.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة، وهي التي تصل شعرها بشعر آخر، وسماه (الزّور) كما في "الصحيحين" وغيرهما، وذلك لما فيه من الإيهام والتدليس، فإن مما لا شك فيه أن النظر الصحيح والفقه الرجيح يقتضي تحريم ما هو أسوأ منه، ألا وهو تظاهر الجاهل بأنه عالم، وادعاؤه التحقيق، وهو في الحقيقة في ذلك لغيره مقلد رقيق! وأسوأ منه أن ينسب لنفسه ما هو لغيره كما فعل هؤلاء، هداهم الله.

وقبل الانتقال إلى بيان القسم الآخر، لا بد من ذكر بعض الأمثلة لهذا القسم الأول، لكي لا يظن أحد أن فيما ذكرت شيئاً من المبالغة أو المغالاة، فأقول:

أولاً: ذكرت تحت حديث أنس الآتي برقم (217) في الطبعة السابقة أن الحافظ المنذري رحمه الله وهم في اسم راويه (واصل بن عبد الرحمن الرقاشي).

وقلت: "إنما هو واصل بن السائب الرقاشي، وهو ضعيف اتفاقاً، ثم إن حديث أنس نظيف منه، بل هو شاهد له". أي الحديث الذي قبله. فسرقه المذكورون، فقالوا في تعليقهم على الحديث (1/ 233):

(1)

قلت: ولذلك خلا المجلد الأول من مجلداتهم الأربعة من أنواع كثيرة من الأخطاء التي وقعت في المجلدات التي بعده!

(2)

انظر سبب الحديث وشرحه في "الفتح"(9/ 317 - 319).

ص: 22

"قلنا (!): إنما هو واصل بن السائب الرقاشي .. " إلخ بالحرف الواحد، لا زيادة ولا نقص!!

ثانياً: استدركت على الأصل زيادة في الحديث الآتي برقم (764) فقلت هناك:

"سقطت من الأصل، وكذا من مطبوعة عمارة، واستدركتها من الطبراني".

فنقلوه هم (1/ 599) مع تصرف لفظي، وهو مما يفضحهم، فإنهم لا يعرفون الطبراني الكبير، ولا عزوا إليه حديثاً واحداً بالأرقام كما يفعلون بالكتب الستة، مع كثرة ما يعزو المؤلف إليه، ويعتمدون في ذلك على كلام الهيثمي، وفي "1 - كتاب الإخلاص" عدة أحاديث عزاها المؤلف إليه، وأرقامها في طبعتهم (30 و 31 و 33 و 34 و 36 و 37 و 39 - 41 و 52 و 54 و 55 و 57)، ولم يعزوا شيئاً منها بالأرقام، وكذلك في كل أحاديث الطبراني في الكتاب!

وكذلك لم يتعقبوا مطبوعة عمارة، ولو مرة واحدة فيما أذكر.

ثالثاً: سرقوا قول الأعظمي في تعليقه على "الكشف" استدراكه وهماً وقع للبزار في اسم أحد رواة الحديث الآتي في "18 - اللباس 12/ 2"، فقالوا (3/ 53):

"قلنا (!): لكن ليس في الإسناد من يسمى زياداً".

وهذا إنما هو قول الشيخ الأعظمي رحمه الله ادّعوه لأنفسهم زوراً!

وقد شغلهم شهوة النقد عن علة الحديث التي نص عليها البزار، وهي الانقطاع كما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى.

وكما استفادوا من المجلد الأول من هذا "الصحيح"، وكتموا (على النصت)

ص: 23

-كما يقولون في دمشق-!، فكذلك استفادوا من كتبي الأخرى مثل "السلسلة الصحيحة" و"الضعيفة"، و"الإرواء"، و"صحيح السنن الأربعة"، وغيرها، وقلما يصرحون بأسمائها، ولئن فعلوا، فهم لا يذكرون مؤلفها إما غفلة أو تغافلاً! لا في المقدمة ولا في الحاشية! كقولهم في بعض الأحاديث (2/ 281 و 283 - طبعتهم):"وانظره في صحيح النسائي (ص 1/ 187) ".

وكقولهم عقب حديث (1/ 84 - طبعتهم):

صحيحة. هكذا ودون أن يحصروا اللفظة بين الهلالين المزدوجين؛ أو إشارة على الأقل إلى أنه كتاب كما هو المصطلح في العصر الحاضر، ولا سموا مؤلفه!

ثم رأيت لهم سرقة قد تكون أسوأ مما سبق، لأنهم نقلوا عبارتي بالحرف الواحد، وبتروا تصحيحي للإسناد؛ ليتظاهروا بأنهم علماء مستقلون غير مقلدين، وهم فيه {إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}! فقالوا في التعليق على الحديث الآتي في (8 - الصدقات/ 14/ 10):

"حسن، لقد أبعد المصنف النجعة، فالحديث رواه الدارمي (2/ 261)، وأحمد (5/ 300 و 308) ".

وهذا قولي بالحرف الواحد دون التحسين طبعاً، وبتروا من آخره قولي:"بإسناد صحيح"! كما قلت آنفاً مع ذكر السبب، وإذا عرف السبب بطل العجب!!

ولنعد الآن إلى القسم الآخر، وهو قد لا يختلف كثيراً عن القسم الأول، إلا في أنهم انفردوا بالحكم في بعضه، وتنوعت أخطاؤهم فيه، فأردت أن أجمل

ص: 24

القول في ذلك باختصار شديد فأقول:

1 -

التزموا تصحيح كل ما رواه الشيخان أو أحدهما تأدباً معهما فيما زعموا، فقالوا في "المقدمة" (1/ 17):

"ولم نقصد إساءة الأدب مع الشيخين أو أحدهما رحمهما الله تعالى .. ".

وفيه إشعار قوي بأنهم قادرون على نقدهما، ولكنهم لم يفعلوا تأدباً معهم! وكذبوا والله، فإنهم أجهل وأخس من أن يستطيعوا ذلك، ولكنه العتوّ والغلوّ كما في الحديث "عائل مستكبر"، والتشبع بما لم يعطوا، متسترين بالتظاهر بالأدب معهما! ورأيُنا في ذلك معروف، والنقد بالعلم والأسلوب الرفيع مما لا ينافي الأدب مطلقاً، خلافاً لما زعموا، وأين هم من قول مالك رحمه الله:(ما منا من أحد إلا ردَّ ورُدَّ عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم)؟! وستأتي بعض الأمثلة على ذلك.

2 -

تضعيفهم للأحاديث الصحيحة وبعض رواتها الثقات مع المخالفة للحفاظ والتعالي عليهم مثاله في (13 - قراءة القرآن/ 1/ الحديث 20).

3 -

تصحيحهم للأحاديث الضعيفة والمنكرة، بصورة خاصة في ما بعد المجلد الأول، لأنهم اعتمدوا في أكثره على المجلد الأول من كتابي هذا "الصحيح"، فقلّت أخطاؤهم فيه -والحمد لله- ولو نسبياً. وانظر بعض الأمثلة في مقدمة "ضعيف الترغيب" / المقطع (3 - 5).

4 -

إكثارهم من تحسين الأحاديث، وفيها جملة كبيرة صحيحة إما لذاتها أو لغيرها، وأخرى ضعيفة، وذلك لجهلهم بفن التصحيح والتضعيف، فيتحفظون

ص: 25

بالتحسين تلطفاً منهم واحتياطاً إذا ظهر خطؤهم، من باب (أنصاف حلول)!! أو من باب (خالف تعرف)!!

5 -

يذكرون التصحيح أو التحسين متظاهرين أنه منهم، والواقع أنه من غيرهم، ويكشف ذلك للباحث المتأمل، أنهم يُتبعون ذلك بنقل صريح من بعض الحفاظ كالهيثمي يعله بعلة قادحة تنافي ما ذكروا! والصواب معه في بعض الأحيان، وقد يضعفون الحديث وينقلون التصحيح!!

6 -

يصدرون تخريجهم الحديث بقولهم: "صحيح" ويكون المؤلف قد عقّبه ببعض الروايات الأخرى أو الزيادات، وهي ضعيفة بخلاف أصله الذي قد يكون في البخاري، ولذلك صححوه، وجهلوا ضعف ذلك البعض فشملوه بالتصحيح، وهذا النوع قد تكرر عندهم، ولم يخل منه ما سموه بـ "تهذيب الترغيب"!! فلهم شبه بالمنذري في هذا؛ بل حالهم أسوأ بكثير كما سترى في المقدمة فقرة (د).

وانظر بعض الأمثلة في المقطع (7) من مقدمة "الضعيف".

7 -

تضعيفهم للثقات من الرواة، وتوثيقهم للضعفاء منهم، وتضعيفهم للحديث الذي نقلوا تصحيحه عن جمع من الحفاظ، كل ذلك خبط عشواء!

8 -

جهلهم بالرواة المتشابهة أسماؤهم، فيعلون الحديث بالضعيف منهم، وإنما هو الثقة! كما أنهم لا يفرقون بين حالتين لبعض الرواة الثقات الذين يُصَحَّح حديثهم تارة، ويُضَعَّف تارة أخرى، كالمختلطين مثلاً.

(1)

ومن ذلك توهمهم أن كل (صنعاني) يماني!

9 -

خلطهم الموقوف الصحيح مع المرفوع الضعيف، في التضعيف!

(1)

انظر المقطع (1 و 2) ص (7) فيما يتعلق بتغير الأفكار والآراء.

ص: 26

انظر المقطع (10) من المقدمة المشار إليها آنفاً.

10 -

تناقضهم في الحديث الواحد، فيقوونه في موضع، ويضعفونه في موضع، وكذلك يفعلون في الراوي الواحد، بسبب التقليد وغفلتهم، وضعف حفظهم!

11 -

إعلالهم الحديث براوٍ، وهو متابع في بعض المصادر التي عزوا الحديث إليها!

12 -

أكثر أحاديث مطبوعتهم من "الترغيب" مصدرة بقولهم: "حسن" أو "حسن بشواهده" على الغالب، وتارة "حسن بشاهده"، وإنما لجأوا إلى هذه المرتبة مع ما فيها من الاضطراب والحط من مرتبة الكثير من الصحيح،

(1)

إما لذاته، وإما لغيره، لجهلهم بمعرفتها بدقة وحسب القواعد العلمية المعروفة عند العلماء، وتحفظاً منهم كما بينت في الفقرة (4)، والمقصود هنا أنه في كثير من الأحيان يكون ذلك منهم (خبط عشواء في الليلة الظلماء)، إذ لا شواهد، بل ولا شاهد واحد، نعم قد يكون هناك شاهد، ولكنه شاهد قاصر، أي يشهد لبعض متن الحديث دون بعض، وهذا من دقائق هذا العلم، لذلك يغفل عنه كثير ممن له مشاركة في علم التخريج والتصحيح والتضعيف،

(2)

وقد يكون الشاهد شاهداً تاماً، لكنه لا يصلح للشهادة لشدة ضعفه، وهو مما غفل عنه الحافظ المنذري كما ستراه في مقدمة الطبعة الأولى فقرة (12)، فماذا يكون حال من يقلده تقليداً أعمى؟! انظر المقطع (4 - 6) من المقدمة السابقة.

(1)

يظهر ذلك جلياً لكل ذي لب بمقابلة ذلك بهذا "الصحيح".

(2)

وسترى نماذج كثيرة لبعض هؤلاء في كتابيَّ: "صحيح موارد الظمآن"، و"ضعيف موارد الظمآن"، وهما تحت الطبع.

ص: 27

13 -

ومن ذلك تفاهة تخريجهم لأحاديث الكتاب، إذ إن عامته تقليد له في غالب مصادره، وكل ما يخالفونه فيه أو بالأحرى يزيدون عليه إنما هي أرقامها! وأما سائرها فهم يغضون الطرف عنها لأنها تتطلب بحثاً وجهداً، هم ليسوا من أهله البتة، ولذلك فهم لا يستدركون شيئاً يذكر مما يكون قد فات المنذري عزوه إلى بعض المصادر التي هم يعزون إليها، ولئن فعلوا فسرقة منهم لجهد غيرهم!

(1)

14 -

وإن من مخازيهم التي تدل على جهلهم وبالغ غفلتهم أن الحديث يكون معزواً في الكتاب لبعض المصادر المعروفة عندهم، فبدل أن يعزوه إليها بالأرقام كما هي عادتهم -يعزونه لمصادر أخرى بالأرقام هي لحديث آخر!

15 -

ونحوه من عادتهم في الحديث المعاد أنهم يحيلون عليه برقمه المتقدم: "سبق تخريجه برقم (

) "، ولا يذكرون معه مرتبته! وهذا مما يدل على أنه لا يهمهم راحة القراء، وتقديم المعلومة إليهم ولو بلفظة واحدة: "صحيح سبق .. " ونحوه. ثم هم مع ذلك في كثير من الأحيان يخطئون خطأ فاحشاً بذكر الرقم، فإن القارئ إذا رجع إليه وجده حديثاً آخر!

16 -

يستلزمون من قول المنذري وغيره في الحديث: "ورجاله رجال الصحيح" أو "رجاله ثقات"، أو " .. موثقون". الصحة تارة والحسن تارة، هكذا بلا ضابط لهم في ذلك (خبط عشواء)، رغم أنهم وقفوا على تنبيهي في مقدمة الطبعة الأولى أن ذلك ليس تصحيحاً كما سيأتي في البحث رقم (36)، فهو الجهل أو المكابرة، وقد يجتمعان! وانظر بعض الأمثلة في المقدمة الأخرى المقطع (7).

(1)

انظر (ص 22 - 23) كمثال فاضح لبعض سرقاتهم! وبعض الأمثلة في المقطع (9) من مقدمة "الضعيف".

ص: 28

والأمثلة كثيرة أجتزئ هنا مثالاً واحداً، وهو قولهم في الحديث (5) الآتي في آخر (8 - الصدقات/ 7):"وقد صححه الهيثمي". وهو لم يزد على قوله: "ورجاله رجال الصحيح"!! وقد ذكرت بعض الأمثلة الأخرى في مقدمة "ضعيف الترغيب"، وهو تحت الطبع مع هذا، يسر الله نشرهما

(1)

.

17 -

أوهام أخرى كثيرة لا يمكن حصرها سأكتفي بالإشارة إلى أرقامها، أو بعضها على الأقل، والرقم الذي فوقه خط خاص بما كان عجيباً أو فاحشاً منها:

([15] و 38 و [116] و 153 و [169] و 175 و [194] و 232 و 329 و 339 و 351 و 367 و 396 و 409 و 434 و 481 و 492 و 514 و 521 و 554 و 588 و 598 و 604 و 656 و 691 و 735 و 755 و 766 و 793 و 845 و 862 و 911 و 919 و 939 و 942 و 1017 و 1042 و 1043 و 1049 و 1064 و 1086 و 1091). وانظر المقطع (10) من المقدمة الأخرى.

وتحت أحاديث هذه الأرقام يجد القراء ما أشرت إليه من الأوهام، اكتفيت بالإشارة إليها دون توضيح نماذجها كما فعلت في التي قبل هذه، ولقد كنت أود أن أضرب للنماذج المذكورة كلها بعض الأمثلة، ولكنني شعرت أن المقدمة توسعت وطالت أكثر مما أردت، وفيما ذكر غنية وكفاية لكل مستبصر.

وهناك نماذج أخرى مما ينكر على المعلقين الثلاثة، سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في التعليق على أحاديث القسم الآخر من الكتاب، مع الإشارة إلى أنواعها في جوامع من الكلم في مقدمته كما فعلت هنا إن شاء الله تعالى.

(1)

وقد طُبعا كاملين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ص: 29

والله تعالى أرجو أن ينفع بها القراء بعامة وأولئك الثلاثة بخاصة، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يعتمدوا بعد الله على أنفسهم، وأن يجِدّوا في طلب العلم، حتى يصيروا علماء ينتفع الناس بهم، ولا يستعجلوا ويتزبَّبوا. فقديماً قالوا:(من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه)، وأن يكون طلبهم العلم لوجه الله لا يريدون به جزاء ولا شكوراً، ولذلك فإني أختم هذه المقدمة بهذه الدعوة:

اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.

وصلى الله وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.

عمان/ 19 صفر سنة 1418 هـ

وكتب

محمد ناصر الدين الألباني

ص: 30

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة الطبعة الثالثة

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فبين يدَي القراء الكرام الطبعة الثالثة من هذا الكتاب القيِّم "صحيح الترغيب والترهيب"، وهي تمتاز عن الطبعتين السابقتين بمزايا جمة، أهمها اثنتان:

الأولى: أنني نقّحتها، وحذفت منها بعض الأحاديث التي تبيّنَ لي مع الزمن أنها بالكتاب الآخر أولى:"ضعيف الترغيب والترهيب"، يسّر الله لنا نشره، وهذه أرقامها في الطبعتين المشار إليهما:(43 و 53 و 150 و 645 و 851 و 1041 و 1069 و 1071).

والحديث الأول منها يعود الفضل في تنبيهي لضعفه إلى الشيخ الفاضل بكر بن عبد الله أبو زيد في "جزء كيفية النهوض في الصلاة"(ص 86)، أقول هذا قياماً بواجب الاعتراف بالفضل، وتجاوباً مع قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يشكر الله من لا يشكر الناس"، وهذا لا ينافي أنني أخالفه في كثير مما كتب في هذا "الجزء"، وبخاصة في تضعيفه لحديث العجن في النهوض، وقد رددت عليه، وبينت خطأه في التضعيف في بحث واسع أودعته في "تمام المنة"(ص 191 - 201)، طبع عمان، وسيكون بين يدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى.

وأما الحديث الثاني منها (53)، فهو مضعّف في "ظلال الجنة"(39)،

ص: 31

وقبل ذلك بزمان مخرّج في "الضعيفة"(1492)، فلا أدري -والله- كيف وقع في "صحيح الترغيب"؟!

وأما الثالث (150)، فهو خطأ قديم وقع اغتراراً بظاهر إسناده، وتبعاً لمن صححه، ثم تبينت ضعفه، وانكشفت لي علته؛ كما أشرت إلى ذلك في "المشكاة"(354)، و"ضعيف أبي داود"(8)، و"الإرواء"(55).

وأما الرابع (645)، فالسبب أنني كنت خرّجته في "الصحيحة"(195) من رواية ابن حبان في "صحيحه" وغيره، ثم تبين لي أن في سنده انقطاعاً مثل الحديث (93 - الصحيحة)، فلم أستجز لنفسي إبقاءه في هذا "الصحيح" بعد ظهور هذه العلة، مع أنني وقفت له على طريق أخرى موصولة، لكنها واهية، وقد بيّنت ذلك في حاشية "الصحيحة"، إعداداً لنقله إلى "الضعيفة"، والآن جاءت المناسبة للتنبيه على ذلك.

وأما الخامس (851)، فهو خطأ لا أدري كيف وقع، أمن الطابع، أم مني؟ لأنه في الأصل، أعني "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب"(2/ 20) مشار إليه بالضعف الشديد، وأشار المنذري لضعفه، وعلّقت عليه بأن فيه متروكاً، وبناء عليه كنت أوردته في "ضعيف الجامع"(1501).

وأما السادس (1041)، فهو من اختلاف الاجتهاد، فقد تبيّن لي فيما بعد أنه ضعيف الإسناد، فخرّجته في "الضعيفة"(1099)، وبيّنت هناك علته! وتناقض ابن القطان في راويه، فهو تارة يحسّن حديثه، وتارة يضعفه، فلا غرابة إذن أن يقع مثلي في مثل هذا الاختلاف، وسبب ذلك أن الراوي الذي يُحسّن حديثه يكون عادة مرشّحاً لتضعيف حديثه لقرينة تبدو للباحث، وقد أشار

ص: 32

الذهبي في "الموقظة" إلى شيء من هذا، ولا تحضرني الآن عبارته، فليراجع من شاء.

وأما السابع والثامن (1069 و 1071)، فهو خطأ مني شبيه الذي قبله، وقد وقع في "صحيح الجامع" أيضاً (360 و 6459)، وغيرهما، فلينقل إلى الكتاب الآخر "ضعيف الترغيب"، و"ضعيف الجامع"، وقد بيّنت علّته في "الإرواء"(4/ 48 - 51)، وإنما يصح الحديث من فعله صلى الله عليه وسلم، وهو الموجود في الباب، والله تعالى هو الهادي.

تلك هي المزيّة الهامّة الأولى لهذه الطبعة الجديدة.

وأما المزيّة الأخرى؛ فهي أنني ألحقت بها الحديث الآتي برقم (63)، كنت أعرضت عنه لضعف في إسناده، ثم وجدت له طريقاً أخرى، وبعض الآثار في "السنة" لابن أبي عاصم، وتكلمت عليها في "ظلال الجنة"(297 - 299)، وانتهيت إلى أن الحديث حسن لغيره. والله أعلم.

ولقد استلزم هذا التعديل الذي أدخلته على هذه الطبعة جهداً جهيداً لتغيير أرقام الأحاديث المتسلسلة، والأرقام التي ذُكِرت في كثير من الصفحات مقرونة بالإحالات؛ أحال بها المؤلف على بعض الأحاديث المتقدمة أو المتأخرة، كنا وضعنا تلك الأرقام لنيسّر على القراء الرجوع إليها، وكذلك كنا وضعنا في المقدمة والحواشي كثيراً من الأرقام لنفس الغرض، فاقتضى ذلك مني مراجعة الكتاب مرات ومرات، ومع ذلك فإني لا أستبعد أن يكون قد ندَّ عني تصحيح بعض الأرقام، فمن وجد شيئاً من ذلك، فليصحح، وجزاه الله خيراً.

ص: 33

وإن مما شجعني على القيام بهذا التعديل المُضْني؛ نشاط أولئك الشباب الذين قاموا على طبع الأرقام الجديدة، ولصْقها بدقة فوق الأرقام القديمة، وطبع بعض السطور الجديدة من الأرقام أو الكلمات عند اللزوم، تهيئة للنسخة المصححة لتقدّم للتصوير بـ (الأوفست)، ثم يُقدَّم الكتاب للناس في صورة تسر الناظرين إن شاء الله تعالى، فجزاهم الله خيراً.

هذا، وثمة أمور أخرى قمنا بها من التصحيح لا ضرورة للإشارة إليها؛ لأنها أمور معتادة.

وختاماً، أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه الطبعة نفعاً أعم من الطبعات السابقة، وأن يدخر لي أجرها إلى يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} . والحمد لله رب العالمين.

عمان 13/ 4/ 1408 هـ

محمد ناصر الدين الألباني

ص: 34

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة الطبعة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .

أما بعد، فإن "أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةُ، وكلَّ بدعة ضلالةُ، وكلَّ ضلالة في النار".

‌1 - كلمة عن كتاب "الترغيب والترهيب" ونفاسته

وبعد؛ فإنه ليس بخافٍ على أحد من أهل العلم أن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري هو أجمع وأنفع ما ألف في موضوعه، فقد أحاط فيه أو كاد، بما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء،

ص: 35

كالعلم والصلاة، والبيوع والمعاملات، والأدب والأخلاق، والزهد، وصفة الجنة والنار، وغيرها مما لا يكاد يستغني عنه واعظ أو مرشد، ولا خطيب أو مدرس، مع اعتنائه بتخريج الأحاديث وعزوه إياها إلى مصادرها من كتب السنة المعتمدة، على ما بيَّنه هو نفسه في المقدمة، وقد أجاد ترتيبه وتصنيفه، وأحسن جمعه وتأليفه، فهو فرد في فنه، منقطع القرين في حسنه، كما قال الحافظ برهان الدين الحلبي الملقب بـ (الناجي) في مقدمة كتابه "عُجالة الإملاء"، فاستحق بذلك أن يصفه الحافظ الذهبي النَّقاد: بأنه كتاب نفيس؛ كما نقله عنه ابن العماد في "الشذرات"(5/ 278).

‌2 - اصطلاح المنذري في تمييز القوي من الضعيف

وإن من نفاسته عندي أنه عُنِيَ فيه ببيان مرتبة الحديث من صحة أو ضعف، بأوجز عبارة، وأوضح إشارة؛ كما صرّح بذلك في مقدمته:

"ثم أُشيرُ إلى صحة إسناده، وحسنه أو ضعفه، ونحو ذلك".

وهذه فائدة هامة عزيزة، قلّما تراها في كتاب من كتب الحديث التي جرى فيها مؤلفوها على مجرد جمع الأحاديث وتخريجها، دون العناية ببيان مراتبها في الصحة والضعف، والكشف عن عللها، أو على الأقل الاقتصار على ما ثبت منها؛ كما هو الواجب في مثل هذه الحال، وهو طريقة أصحاب الصحاح وغيرها، كالشيخين وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من المتقدّمين، وكعبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الصغرى"، والنووي في "رياض الصالحين"، وغيرهما من المتأخرين.

ص: 36

‌3 - حضّ الإمام مسلم على طرح الأحاديث الضعيفة

وعلى هذا حضَّ الإمام مسلم على طرح الأحاديث الضعيفة، فقال في مقدمة "صحيحه" (ص 6):

"وبعد -يرحمك الله- فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصّب نفسه محدِّثاً فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة، والروايات المنكرة، وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة، مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة، بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيراً مما يقذِفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرْضيين ممن ذم الروايةَ عنهم أئمةُ أهل الحديث، مثل مالك، وشعبة، وسفيان، ويحيى بن سعيد القطّان وعبد الرحمن ابن مهدي، وغيرهم -لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها؛ خَفَّ على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت.

‌4 - وجوب رواية الأحاديث الصحيحة فقط، والدليل عليه

واعلمْ -وفقك الله تعالى- أنّ الواجب على كل أحد عرف التمييز بي صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والسِّتارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع. والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله جل ذكره:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو .. } ، وقال جل ثناؤه:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ، وقال: {وَأَشْهِدُوا

ص: 37

ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}. فدل ما ذكرنا من الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر، وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه، فقد يجتمعان في أعظم معانيهما، إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، كما أنّ شهادته مردودة عند جميعهم، ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار، كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق، وهو الأثر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من حَدَّث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبَين". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة

" انتهى.

فساق إسناده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب، وإلى ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.

وساق أحاديث أخرى مرفوعة، وآثاراً موقوفة في التحذير عن التحديث بما لا يُعرَف صحته.

‌5 - تعليل لوجوب التمييز بين الصحيح والضعيف وأن من لا يفعل ذلك لا يكون عالماً

وإنما كان التمييز المذكور بين الأحاديث واجباً، لأن العلم الذي هو حجة الله على عباده، إنما هو الكتاب والسنة، ليس شيء آخر، اللهم إلا ما استنبطه العلماء المعروفون منها، والسنة قد دخل فيها ما لم يكن منها لحكمة أرادها الله تعالى، فالاعتماد عليها مطلقاً، ونشرها دون تمييز أو تحقيق، يؤدّي حتماً إلى تشريع ما لم يأذن به الله، وحَريّ بمن فعل ذلك أن يقع في محظور الكذب على

ص: 38

النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث سمرة والمغيرة المتقدم، ويؤكّده ويوضّحه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كفى بالمرء كذباً أنْ يحدّث بكل ما سمع". ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله تعالى:

"ليس يسلم رجل حدّث بكل ما سمع"، ولا يكون إماماً أبداً وهو يحدّث بكل ما سمع".

وقال عبد الرحمن بن مهدي:

"لا يكون الرجل إماماً يُقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع".

رواها مسلم في "المقدمة".

وقال الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه:

"إن العالِم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم، والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يُسمّى عالماً". ذكره أبو عبد الله الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 60).

ومما سبق يتبين تقصير جماهير المؤلفين، فضلاً عن الخطباء والوُعَّاظ والمدرِّسين في مجال رواية الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنّهم جميعاً يروون منها ما هب ودب، دون ما تقوى من الله أو تأدب مع رسول الله، الذي حذّرهم -رأفة بهم- عن مثل صنيعهم هذا، خشية أن يكون أحدهم من الكاذبين فيتبوّأ مقعده في النار. وفي ذلك برهان واضح على أن الذين يستحقون ذلك الاسم الرفيع (العالم) قليلون جداً على مر العصور، وكلما تأخر الزمان قلّ عددهم حتى

ص: 39

صار الأمر كما قيل:

وقد كانوا إذا عُدُّوا قليلاً

فصاروا اليوم أَقلّ من القليلِ

‌6 - عودة إلى المنذري واصطلاحه

وإن مما لا ريب فيه أن الحافظ المنذري رحمه الله كان من أولئك العلماء الثقات، بل كان كما قال الذهبي:"عديم النظير في علم الحديث على اختلاف فنونه، عالماً بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه"

(1)

. ولهذا، فقد التزم في كتابه "الترغيب والترهيب" التمييز بين القوي والضعيف من الحديث، إلا أنه قد سلك في بيان ذلك سبيلاً وعراً، فيه كثير من الإجمال والغموض، مما يجعل الاستفادة منه للتمييز الذي رمى إليه قليلة، بل ضائعة، وإليك البيان:

‌7 - نص كلام المنذري في اصطلاحه

قال في مقدمة كتابه مبيناً اصطلاحه في التمييز المشار إليه:

أ - "فإذا كان إسناد الحديث صحيحاً أو حسناً أو ما قاربهما (!) صدّرته بلفظة (عن)، وكذلك إنْ كان:

1 -

مُرسلاً.

2 -

أو منقطعاً.

3 -

أو مُعضلاً.

4 -

أو في إسناده راوٍ مُبهَم.

(1)

"تذكرة الحفاظ"(4/ 271).

ص: 40

5 -

أو ضعيف وُثَّق.

6 -

أو ثقة ضُعِّف، وبقية رواة الإسناد ثقات.

7 -

أو فيهم كلام لا يضر.

8 -

أو روي مرفوعاً، والصحيح وقْفه.

9 -

أو متصلاً، والصحيح إرساله.

10 -

أو كان إسناده ضعيفاً، لكنْ صححه أو حسنه بعض من خرجه -قال-: أصدّره بلفظة (عن)، ثم أشيرُ إلى إرساله أو انقطاعه أو عضْله، أو ذلك الراوي المختلف فيه، فأقول:"رواه فلان من رواية فلان، أو من طريق فلان"، أو:"في إسناده فلان"، أو نحو هذه العبارة، وقد لا أذكر الراوي المختلف فيه، فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات؛ وفيهم من اختلف فيه:"إسناده حسن"، أو "

مستقيم"، أو: " .. لا بأس به"، ونحو ذلك حسبما يقتضيه حال الإسناد والمتن وكثرة الشواهد.

ب- وإذا كان في الإسناد من قيل فيه:

1 -

(كذاب)، أو (وضّاع).

2 -

أو (متّهم)، أو (مجمع على تركه)، أو (ضعفه)، أو (ذاهب الحديث)، أو (هالك)، أو (ساقط)، أو (ليس بشيء)، أو (ضعيف جداً).

3 -

أو (ضعيف) فقط، أو (لم أر فيه توثيقاً)، بحيث لا يتطرّق إليه

ص: 41

احتمال التحسين، صدّرته بلفظة (رُويَ)، ولا أذكر ذلك الراوي، ولا ما قيل فيه البتة، فيكون للإسناد الضعيف دلالتان: تصديره بلفظ (روي)، وإهمال الكلام عليه في آخره".

‌8 - مناقشة اصطلاح المنذري، وبيان ما فيه من الإجمال والغموض

قلت: فهو بهذا البيان قد جعل أحاديث كتابه قسمين:

الأول: ما صدره بلفظ (عن) المشعر بقوّته.

والآخر: ما صدره بلفظ (رُوي) المشعر بضعفه.

ثم إنه أدخل في القسم الأول ثلاثة أنواع من الحديث، وهي:

الصحيح، والحسن، وما قاربهما.

وأدخل في القسم الآخر ثلاثة أنواع أيضاً، وهي:

الضعيف، والضعيف جداً، والموضوع.

فهذا التقسيم محيّر غير مُفهم، بل هو يدع القارئ ضائعاً بين أنواعه الثلاثة في كل من القسمين، لا يدري أي نوع منها هو المراد، فلنتكلم على ذلك بشاء من التفصيل، فأقول:

أما القسم الأول، فبيانه من وجوه:

أ - أن القراء -كل القراء- لا يمكنهم أن يتعرفوا على مرتبة الحديث، وهل هو صحيح أم حسن أم مقارب لهما من مجرد تصديره بلفظة:(عن)، وهذا ظاهر لا يخفى.

ص: 42

‌9 - تصديره لنوع من الحديث ليس بحسن بـ (عن) وإدخاله تحته أنواعاً من الضعيف!

ب - أن النوع الثالث من أنواع هذا القسم وهو "ما قارب الصحيح والحسن"، فإنه مع كونه اصطلاحاً خاصاً بالمؤلف رحمه الله غير معروف عند أهل العلم، فهو غير مفهوم، ذلك لأن الحديث عندهم: صحيح، وحسن، وضعيف

(1)

، وتحت كل قسم منها أنواع، كما هو مبسوط في علم "مصطلح الحديث"، ومن المعروف عندهم:(أن الحسن مقارب للصحيح، والضعيف مقارب للحسن)، فما هو (المقارب للصحيح والحسن) معاً؟ هذا كلام غير مفهوم، ولذلك فإني وَدِدت أن يكون صواب تلك الجملة من كلام المؤلف المتقدم: أو ما قاربهما: "أو ما قاربه" ليعود الضمير إلى أقرب مذكور، وهو (الحسن)، فيكون المعنى بهذا النوع الثالث: الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه، ويكون مرشّحاً ليرتقي إلى درجة الحسن، إذا وجد لراويه الضعيف متابع، أو لحديثه شاهد معتبر، تمنيت أنْ يكون صواب تلك اللفظة ما ذكرت، ولكنْ حال بيني وبين ما تمنيت أنني وجدتها كذلك في كل النسخ التي وقفت عليها، ومنها مخطوطة الظاهرية، ولولا ذلك لاستقام الكلام، ووضح المعنى المراد، وإنْ كان من غير المسلّم به تصدير هذا النوع بـ (عن) كما هو ظاهر، حتى عند المؤلف نفسه، فقد رأيته صدَّر حديثاً بـ (روي) مع أنه قال: إنه يحتمل التحسين. انظر في "الضعيف" الحديث (7)، وحديثاً ثانياً برقم (320)، وثالثاً برقم (377)، ثم تناقض حين صَدّر حديثاً آخر برقم (185) بقوله:(عن)، وقال:"في إسناده احتمال للتحسين"!

(1)

وانظر "المجموع" للإمام النووي (1/ 59).

ص: 43

ج - أنه أدخل تحت هذا القسم ما هو ضعيف عند علماء الحديث، كالمرسل وسائر الأنواع العشر التي عطفها عليه، فإنها كلها عند المحدّثين داخلة تحت جنس الحديث الضعيف، اللهم إلا النوع السادس والسابع منها، فإن مَنْ قيل فيه:"ثقة ضُعِّف"، أو "فيه كلام لا يضر" إذا صدر من متمكن في هذا العلم، وغير متساهل في الحكم، فلا شك حينئذ أن حديثه يكون حسناً إذا كان بقية رجال الإسناد ثقات، وسلم من علة قادحة. فليس الكلام في هذين النوعين، وإنما في سائرهما، فإنها كلها من جنس الحديث الضعيف كما ذكرناه.

‌10 - تقليده للمتساهلين في التصحيح مع نقده إياهم أحياناً

وقد يقول قائل: إنما يورد المنذري هذه الأنواع في هذا القسم بشرط أن يكون صحّحه أو حسّنه بعض من خرّجه، كما يدل على ذلك قوله عقب النوع العاشر:"لكن صححه أو حسنه بعض مَن خرجه".

فأقول: قد يكون هذا الشرط بالنسبة للأنواع كلها، فهل يليق بالحافظ المنذري -وهو من عرفت حفظاً وعلماً- أن يدع ما يقتضيه النقد العلمي الحديثي من الحكم على الحديث بالضعف لتصحيح أو تحسين غيره إياه، ولا سيما إذا كان هذا من المعروفين بالتساهل في ذلك، كالترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم؟ وهؤلاء الثلاثة في الواقع هم الذين يُعتمَد عليهم في تصدير أحاديثهم بـ (عن)، وإن كانت غير سالمة من الضعف، فانظر مثلاً الحديث (2 - الضعيف)، فإنه مع تصديره إياه بذلك، قال في تخريجه:"رواه الحاكم من طريق عُبيد الله بن زحر .. وقال: "صحيح الإسناد". كذا قال"!

وعبيد الله هذا من المعروفين بالضعف، ولذلك أشار المنذري إلى نقده للحاكم

ص: 44

في تصحيحه للحديث، ومع ذلك صدّره بـ (عن)!

وعلاوة على ذلك فقد رأيته صدّر به لأحاديث مرسلة، وأخرى موصولة، فيها من هو معروف بالضعف، لم يقترن بها الشرط المذكور كالأحاديث (4 و 5 و 18 و 19 و 21 و 22 و 23 و 25)، وحديث عمر (52)، وحديث ابن عباس (58)، وحديث ثعلبة (61)، وغيرها كثير وكثير جداً.

وجملة القول في هذا القسم؛ أنّ المنذري رحمه الله قد أغرب بإتيانه باصطلاح غير معروف عند العلماء، ولا هو عرّف القرّاء بمراده منه، وهو الإسناد المقارب لإسناد الحديث الصحيح أو الحسن، ولم يكتف بذلك، بل صدّره وتلك الأجناس من الأسانيد الضعيفة بلفظة (عن) المُشْعِرة بقوة أسانيد الأحاديث المصدّرة بها، ثم أكّد ذلك حين صرّح كما تقدم بأنّ للإسناد الضعيف عنده دلالتين: تصديره بلفظة (روي)، وإهمال الكلام عليه في آخره!

وبذلك جاء بـ (خَلْط) عجيب غريب، ذهب بالفائدة التي كانت مرجوّة من كتابه، وهي تمييز الصحيح من الضعيف، سامحه الله، وعفا عنّا وعنه بمنّه وكرمه.

‌11 - أنواع الأحاديث الضعيفة، وعدم تمييز المنذري بينها

وأما القسم الآخر، الشامل للأحاديث المصدرة بلفظة (روي)، فوجه الغموض فيه أنه يشمل كل حديث ضعيف مهما كانت نسبة الضعف فيه يسيرة أو شديدة، ذلك لأن الضعيف من هذه الحيثية على ثلاثة أنواع، وقد جاءت الإشارة إليها في كلمة المنذري التي نقلتها آنفاً:

ص: 45

الأول: الموضوع، وهو شر أنواعه، والإشارة إليه بقوله:"وإذا كان في الإسناد من قيل فيه: (كذَّاب) أو: (وضَّاع) ".

الثاني: الضعيف جداً، وهو المشار إليه بقوله:"أو متَّهم، أو مُجْمع على تركه، أو ضعفه، أو ذاهب الحديث، أو هالك، أو ساقط، أو ليس بشيء، أو ضعيف جداً".

الثالث: الضعيف، وهو ما كان في سنده راوٍ حاله خير من حال من ذُكِر آنفاً، وأشار إليه المنذري بقوله:"أو ضعيف فقط، أو لم أر فيه توثيقاً".

‌12 - بيان المحظور من عدم التمييز المذكور

قلت: فتصدير هذه الأنواع الثلاثة بصيغة (رُوي) -على ما بينها من تفاوت شديد- مما لا يتماشى مع واجب النُّصح في مثل هذا الأمر الهامّ، لا سيما ويترتّب عليه محظوران اثنان:

الأول: أن الحديث قد يكون من النوع الأول: (الموضوع)، أو الثاني (الضعيف جداً)، فيقف بعض القرّاء على شاهد له، فيتوهم أن الحديث يتقوّى به، وليس كذلك، لأنه شديد الضعف، أو موضوع، ولا ينفع فيه الشاهد كما هو مقرّر في "المصطلح"، فلو أن المنذري بيّن ذلك لما توّرط القارئ ووقع في مثل هذا الخطأ الفاحش؛ المخالف لما عليه العلماء، المستلزم للوقوع في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم:

"مَن قال عليَّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار"، والعياذ بالله تعالى

(1)

.

(1)

انظر مقدمة "سلسلة الأحاديث الضعيفة" -المجلد الأول.

ص: 46

‌13 - المحظور الأفحش: العمل بالحديث الضعيف، وقد يكون موضوعاً!

والآخر وهو أفحش: أن من الشائع المعروف بين جمهور أهل العلم وطلابه أن الحديث الضعيف يُعمَل به في فضائل الأعمال، ويعتبرون ذلك قاعدة علمية لا جدال فيها عندهم، وهي غير مسلَّمة على إطلاقها عند المحققين من العلماء كما سيأتي نقله عنهم، فأولئك إذا بلغهم حديث ضعيف بادروا إلى العمل به، غير منتبهين لاحتمال كونه شديد الضعف أو موضوعاً، وحينئذ لا تجوز روايته إلا ببيان حاله، والتحذير منه، فضلاً عن العمل به، فيقع المحظور الأول وزيادة كما هو ظاهر، فلو أنه بيّن لهم ذلك، لم يعملوا به إن شاء الله تعالى

(1)

.

‌14 - قاعدة (العمل بالحديث الضعيف) ليست على إطلاقها

ثم إن القاعدة المزعومة ليست على إطلاقها، بل هي مقيّدة في موضعين منها: أحدهما حديثي، والآخر فقهي.

(2)

أ- القيد الحديثي

أما الحديثي، فهو قولهم:"الحديث الضعيف" فإنه مقيّد -اتفاقاً- بالضعيف الذي لم يشتدّ ضعفه، بله الموضوع، كما بيّنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في رسالته:"تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب"، ولم أعثر عليها الآن في مكتبتي، فأنقل ذلك عنه بواسطة تلميذه الثقة الحافظ السخاوي؛ فإنه قال في آخر كتابه القيّم "القول البديع في فضل الصلاة على الحبيب الشفيع"(ص 195 - طبع الهند)، بعد أن نقل عن النووي أنه قال:

(1)

انظر مثالاً هاماً لهذا في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" المجلد الأول حديثاً موضوعاً فيه برقم (321) قوّى به بعض أفاضل علماء السِّنْد حديثاً ضعيفاً، بسبب سكوت العلماء عن وضعه، واقتصار بعضهم على تضعيفه!

(2)

يأتي الكلام عليه (ص 52).

ص: 47

"قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: "يجوز ويستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف، ما لم يكن موضوعاً. وأما الأحكام كالحلال والحرام، والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يعمل فيها، إلا بالحديث الصحيح أو الحسن؛ إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك".

وعن ابن العربي المالكي أنه خالف في ذلك، فقال:

"إن الحديث الضعيف لا يُعمَل به مطلقاً".

قال الحافظ السخاوي:

‌15 - شرائط العمل عند الحافظ ابن حجر

"وقد سمعت شيخنا مراراً يقول: -وكتبه لي بخطه-:

إنّ شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:

الأول: متفق عليه أنْ يكون الضعف غير شديد، فيخرج مَن انفرد مِنَ الكذّابين والمتّهمين بالكذب، ومن فحُش غلطه.

الثاني: أنْ يكون مندرجاً تحت أصل عام، فيخرج ما يُختَرع بحيث لا يكون له أصل أصلاً.

الثالث: أنْ لا يُعتَقد عند العمل به ثبوته، لئلا يُنسَب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.

قال: والأخيران عن ابن عبد السلام، وعن صاحبه ابن دقيق العيد. والأول نقل العلائيّ الاتفاق عليه".

ص: 48

‌16 - ما توجبه الشروط المذكورة على أهل العلم من التمييز

قلت: وليس يخفى على الفَطِن اللبيب أن هذه الشروط توجب على أهل العلم والمعرفة بصحيح الحديث وسقيمه أن يميزوا للناس شيئين هامين:

الأول: الأحاديث الضعيفة من الصحيحة، لكي لا يعتقد العاملون بها ثبوتها، فيقعوا في آفة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في كلام الإمام مسلم وغيره.

والآخر: الأحاديث الشديدة الضعف من غيرها؛ لكي لا يعملوا بها، فيقعوا في الآفة المذكورة.

والحق -والحقَّ أقول-: إنّ القليل من علماء الحديث -فضلاً عن غيرهم- من له عناية تامة -بالتمييز الأول، كالحافظ المنذري- على تساهله المتقدم بيانه- والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتبه، وتلميذه الحافظ السخاوي في كتابه:"المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة"، وغيرهم. وفي عصرنا هذا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه وتعليقه على "مسند الإمام أحمد" وغيره، ومثله اليوم أقل من القليل.

وأقل من هؤلاء بكثير من له عناية تامة بتمييز الأحاديث الضعيفة جداً من غيرها، بل إني لا أعلم من له تخصص في هذا المجال، مع كونه من الأمور الهامة كما بينته آنفاً، وهو عندي أهم من عنايتهم بتمييز الحديث الحسن من الصحيح، مع أنه ليس تحته كبير فائدة، لأن كلاَّ منهما يُحْتَجُّ به في الأحكام كما سبق، اللهم إلا عند التعارض والترجيح، بخلاف ما نحن فيه، فإنه يُعمَل بالحديث الضعيف في الفضائل؛ دون الضعيف جداً، فبيانه واجب من باب أولى.

ص: 49

‌17 - ما ذكره المنذري من تساهل العلماء في الترغيب والترهيب، والجواب عليه

فإن قيل: لِمَ هذا التفصيل والتشديد في رواية الحديث الضعيف، والمنذري رحمه الله قد ذكر في مقدمة كتابه:

"أن العلماء أساغوا التساهل في أنواع من الترغيب والترهيب، حتى إن كثيراً منهم ذكروا الموضوع؛ ولم يبيّنوا حاله".

وجواباً عليه أقول:

إن التساهل الذي أساغوه يحتمل وجهين:

الأول: ذكر الأحاديث بأسانيدها. فهذا لا بأس به، كيف لا وهو صنيع جميع المحدّثين من الحفاظ السابقين الذين كان أول أعمالهم في سبيل حفظ السنة وأحاديثها، إنما هو جمعها من شيوخها بأسانيدهم فيها. ثم من كان منهم على علم بتراجم رواتها من جميع الطبقات، ومعرفة بطرق الجرح والتعديل، وعلل الحديث، فإنّه يتمكن من التحقيق فيها، وأن يميز صحيحها من سقيمها، وإلى هذا وذلك أشاروا بقولهم المعروف:"قمِّشْ ثم فتِّشْ"، فهو إذن من باب "ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب".

وعلى هذا الوجه ينبغي أن يُحمَل قول المنذري المذكور عن العلماء؛ إحساناً للظن بهم أولاً، ولأنه هو الذي يدل عليه كلام الحفاظ ثانياً، بالإضافة إلى ما ذكرناه مما جرى عليه عملهم. فهذا هو الإمام أحمد يقول:

ص: 50

"إذا جاء الحلال والحرام شدّدنا في الأسانيد، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد"

(1)

.

فهذا نص فيما قلنا، ومثله قول ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص 113):

"ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سِوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد".

فتأمّل في قوله: "التساهل في الأسانيد"؛ يتجلّى لك صحة ما ذكرنا.

والسبب في ذلك أن مَن ذكر إسناد الحديث فقد أعذر وبرئت ذمته، لأنّه قدم لك الوسيلة التي تمكّن من كان عنده علم بهذا الفن من معرفة حال الحديث صحة أو ضعفاً، بخلاف من حذف إسناده، ولم يذكر شيئاً عن حاله، فقد كتم العلم الذي عليه أن يبلّغه.

‌18 - الأدب في رواية الحديث الضعيف عند ابن الصلاح

من أجل ذلك عقّب ابن الصلاح على ما تقدم بقوله:

"إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنّه صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وإنما

(1)

"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (18/ 65).

ص: 51

تقول فيه: رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا .. وهكذا الحكم فيما تشكّ في صحته وضعفه. وإنما تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فيما ظهر لك صحته"

(1)

.

‌19 - لا بد من التصريح بالضعف

قلت: فثبت أنه لا بد من بيان ضعف الحديث في حال ذكره دون إسناده، ولو بطريق ما اصطلحوا عليه مثل:(رُوي) ونحوه. ولكني أرى أن هذا لا يكفي اليوم؛ لغلبة الجهل، فإنه لا يكاد يفهم أحد من كتب المؤلف، أو قول الخطيب على المنبر:"روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كذا وكذا .. " أنه حديث ضعيف، فلا بد من التصريح بذلك كما جاء في أثر علي رضي الله عنه قال:"حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله". أخرجه البخاري،

(2)

ولنعم ما قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "الباعث الحثيث"(ص 101):

"والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال، لأن ترك البيان يوهم المطّلع عليه أنه حديث صحيح، خصوصاً إذا كان الناقل من علماء الحديث الذين يُرجعَ إلى قولهم في ذلك، وأنه لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حُجّة لأحد إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن".

قلت: والوجه الآخر الذي يحتمله كلام المنذري المتقدِّم إنما هو ذكر الأحاديث الضعيفة بدون أسانيدها، ودون بيان حالها حتى الموضوع منها، فهذا

(1)

قلت: تأمل هذا؛ يتبين لك خطأ المنذري في اصطلاحه المتقدم.

(2)

رقم (83 - مختصر البخاري- الطبعة الجديدة).

ص: 52

في اعتقادي مما لا أتصوّر أن يقوله أحد من العلماء الأتقياء، لما فيه من المخالفة لما تَقدّم في كلام الإمام مسلم من نصوص الكتاب والسنة في التحذير من الرواية عن غير العدول، لا فرق في ذلك بين أحاديث الأحكام والترغيب والترهيب وغيرها، وكلام مسلم المتقدم صريح في ذلك.

‌20 - تأثيم الإمام مسلم لمن يروي عن الضعيف ولا يبيّن حاله لو في الترغيب والترهيب

وأصرح منه قوله بعد بحث هامّ في وجوب الكشف عن معايب رواة الحديث، وذكر أقوال الأئمة في ذلك، قال (1/ 29):

"وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه، ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته؛ كان آثماً بفعله ذلك، غاشّاً لعوامّ المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يُضطَّر إلى نقل مَن ليس بثقة، ولا أحسب كثيراً ممن يُعَرِّج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتدّ بروايتها بعد معرفته بما فيها من التَّوَهُّن والضعف -إلا أنّ الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثّر بذلك عند العوامّ، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألَّف من العدد! ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمّى جاهلاً، أولى من أنْ يُنسَب إلى علم".

ص: 53

‌21 - عاقبة التساهل برواية الأحاديث الضعيفة وكتم بيانها

والحقيقة؛ أن تساهل العلماء برواية الأحاديث الضعيفة ساكتين عنها قد كان من أكبر الأسباب القوية التي حملت الناس على الابتداع في الدين؛ فإن كثيراً من العبادات، التي عليها كثير منهم اليوم إنما أصلها اعتمادهم على الأحاديث الواهية، بل والموضوعة، كمثل التوسعة يوم عاشوراء، الحديث (617 و 618)"ضعيف الترغيب"، وإحياء ليلة النصف من شعبان، وصوم نهارها، الحديث (624)، وغيرها. وهي كثيرة جداً، تجدها مبثوثة في كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيّئ في الأمة"، وساعدهم على ذلك تلك القاعدة المزعومة القائلة بجواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل، غير عارفين أن العلماء المحققين قد قيدوها بقيدين اثنين:

أحدهما حديثي، وقد سبق تفصيله، وخلاصة ذلك أن كل من يريد العمل بحديث ضعيف ينبغي أنْ يكون على علم بضعفه، لأنه لا يجوز العمل به إذا كان شديد الضعف. ولازمُ هذا الحدُّ من العمل بالأحاديث الضعيفة وانتشارها بين الناس، لو قام أهل العلم بواجب بيانها.

ب- القيد الفقهي

وأما القيد الآخر وهو الفقهي، فهذا أوان البحث فيه، فأقول: قد دندن الحافظ ابن حجر حوله في الشرط الثاني المتقدم (ص 48) بقوله:

"وأن يكون الحديث الضعيف مندرجاً تحت أصل عام .. ".

إلا أن هذا القيد غير كاف في الحقيقة، لأن غالب البدع تندرج تحت أصل

ص: 54

عامّ، ومع ذلك فهي غير مشروعة، وهي التي يسميها الإمام الشاطبي بالبدع الإضافية، وواضح أن الحديث الضعيف لا ينهض لإثبات شرعيتها، فلا بد من تقييد ذلك بما هو أدق منه، كأن يقال: أن يكون الحديث الضعيف قد ثبتت شرعية العمل بما فيه بغيره مما يصلح أن يكون دليلاً شرعياً، وفي هذه الحالة لا يكون التشريع بالحديث الضعيف، وغاية ما فيه زيادة ترغيب في ذلك العمل مما تطمع النفس فيه، فتندفع إلى العمل أكثر مما لو لم يكن قد رُوي فيه هذا الحديث الضعيف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 251):

"وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أنْ يكون الثواب حقاً، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع".

‌22 - قول ابن تيمية المفصّل في ذلك، وأنه لا يجوز استحباب شيء لمجرد وجود حديث ضعيف في الفضائل

وقد فصّل الشيخ رحمه الله هذه المسألة الهامة في مكان آخر من "مجموعة الفتاوى"(18/ 65 - 68) تفصيلاً لم أره لغيره من العلماء، فأرى لزاماً عليَّ أن أقدّمه إلى القراّء؛ لما فيه من الفوائد والعلم، قال بعد أن ذكر قول الإمام أحمد المتقدم (ص 51):

"وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يُحْتجُّ به، فإن

ص: 55

الاستحباب حكم شرعي، فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنّه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب، كما يختلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع.

‌23 - مراد العلماء من العمل بالحديث الضعيف في الفضائل

وإنما مرادهم بذلك أنْ يكون العمل مما قد ثبت أنّه مما يحبه الله، أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع، كتلاوة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والصدقة، والعتق، والإحسان إلى الناس، وكراهة الكذب والخيانة، ونحو ذلك، فإذا رُوي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها، وكراهة بعض الأعمال وعقابها؛ فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه، إذا روي فيها حديث لا نعلم أنّه موضوع؛ جازت روايته والعمل به؛ بمعنى: أن النفس ترجو ذلك الثواب، أو تخاف ذلك العقاب، كرجل يعلم أن التجارة تربح، لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً، فهذا إنْ صَدق نَفَعه، وإنْ كذَب لم يضرّه.

‌24 - مثال للعمل بالحديث الضعيف بشرطه

ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات، وكلمات السلف والعلماء، ووقائع العلماء، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي؛ لا استحباب ولا غيره، ولكنْ يجوز أنْ يُذكَر في الترغيب والترهيب، والترجية والتخويف فما عُلِم حسنه أو قبحه بأدلّة الشرع، فإنَّ ذلك ينفع ولا يضر، وسواء كان في نفس الأمر حقاً أو باطلاً، فما عُلِم أنّه باطل موضوع لم يجز الالتفات

ص: 56

إليه، فإنّ الكذب لا يفيد شيئاً، وإذا ثبت أنّه صحيح أُثبِتَتْ به الأحكام، وإذا احتمل الأمرين رُوي لإمكان صدقه، ولعدم المضرّة في كذبه، وأحمد إنما قال:"إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد". ومعناه: أننا نروي في ذلك بالأسانيد، وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم. وكذلك قول من قال: يُعمل بها في فضائل الأعمال، إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة، مثل التلاوة والذكر، والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة.

ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو: "بلّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".

مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تُصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم"؛ فإنه رخّص في الحديث عنهم، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخّص فيه وأمر به، ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم؛ فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع.

‌25 - لا يجوز التقدير والتحديد بأحاديث الفضائل

فإذا تضمّنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً، مثل صلاة في وقت معيّن بقراءة معينة، أو على صفة معينة لم يجز ذلك؛ لأن استحباب هذا الوصف المعيّن لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو رُوي فيه: "مَن دخل

ص: 57

السوق فقال: لا إله إلا الله .. كان له كذا وكذا"

(1)

، فإنّ ذِكْرَ الله في السوق مستحبٌّ، لما فيه من ذِكْرَ الله بين الغافلين، كما جاء في الحديث المعروف:"ذاكر الله في الغافلين، كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس"

(2)

.

فأما تقدير الثواب المرويّ فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته، وفي مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي:"من بلّغه عن الله شيء فيه فضل، فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك"

(3)

.

فالحاصل؛ أن هذا الباب يُروى ويُعمَل به في الترغيب والترهيب لا في الاستحباب، ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي".

‌26 - خلاصة كلام ابن تيمية في العمل بالحديث الضعيف في الفضائل

أقول: ذلك كله من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وجزاه عن المسلمين خيراً، ونستطيع أن نستخلص منه أن الحديث الضعيف له حالتان:

الأولى: أنْ يحمل في طِيّاته ثواباً لعمل ثبتت مشروعيته بدليل شرعي.

فهنا يجوز العمل به، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب، ومثاله عنده:(التهليل في السوق) بناء على أن حديثه لم يثبت عنده، وقد عرفت رأينا فيه.

(1)

قلت: أستغربه الترمذي، لكن له طرق يرتقي بها إلى درجة التحسين كما كنت ذكرت في تعليقي على "الكلم الطيب"(رقم الحديث 229)، وحسن إسناده المنذري كما سيأتي في "الصحيح"(16 - البيوع/ 3 - باب/ الحديث الأول).

(2)

سيأتي في "الضعيف"(16 - البيوع/ 3 - باب).

(3)

قلت: عزوه للترمذي وهم أو سبق قلم، ومخرج في المصدر السابق، من ثلاث طرق كلها موضوعة. انظر الأرقام (451 - 453). وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات"، ووافقه السيوطي.

ص: 58

والأخرى: أنْ يتضمن عملاً لم يثبت بدليل شرعي، يظن بعض الناس أنّه مشروع، فهذا لا يجوز العمل به، وتأتي له بعض الأمثلة الأخرى.

وقد وافقه على ذلك العلامة الأصولي المحقق الإمام أبو إسحاق الشاطبي الغرناطي في كتابه العظيم: "الاعتصام"، فقد تعرض لهذه المسألة؛ توضيحاً وقوة بما عُرِف عنه من بيان ناصع، وبرهان ساطع، وعلم نافع، في فصْل عقده لبيان طريق الزائفين عن الصراط المستقيم، وذكر أنّها من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها، مستدلاً على ذلك بالكتاب والسنة، وأنّها لا تزال تزداد على الأيام، وأنه يمكن أن يجد بعده استدلالات أُخَر، ولا سيما عند كثرة الجهل وقلة العلم، وبعد الناظرين فيه عن درجة الاجتهاد، فلا يمكن إذن حصرها، قال (1/ 229):

"لكنا نذكر من ذلك أوجهاً كلية يقاس عليها ما سواها".

‌27 - من طرق المبتدِعَة الاعتماد على الأحاديث الواهية

(فمنها): اعتمادهم على الأحاديث الواهية، والمكذوب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا يقبلها أهل صناعة الحديث في البناء عليها: كحديث الاكتحال يوم عاشوراء، وإكرام الديك الأبيض، وأكل الباذنجان بنيّته

(1)

، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه

(2)

، وما أشبه ذلك. فإن أمثال هذه الأحاديث -على ما هو معلوم- لا ينبني عليها حكم، ولا تجْعَلُ أصلاً في التشريع أبداً. ومن جعلها كذلك فهو جاهل ومخطئ في نقل

(1)

هذه الأحاديث كلها موضوعة، تجد الكلام عليها في "المقاصد الحسنة" وغيرها.

(2)

حديت موضوع كما صرح به جمع، وقد خرجته في "الأحاديث الضعيفة والموضوعة" برقم (558).

ص: 59

العلم. فلم ينقل الأخذ بشيء منها عمّن نعتدّ به في طريقة العلم، ولا طريقة السلوك.

وإنما أخذ بعض العلماء بالحديث الحسن لإلحاقه عند المحدِّثين بالصحيح، لأنّ سنده ليس فيه من يعاب بجرح متفق عليه، وكذلك أخذ من أخذ منهم بالمُرسَل؛ ليس إلا من حيث أُلحِق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل

(1)

. فأمّا ما دون ذلك، فلا يُؤخَذ به بحال عند علماء الحديث.

ولو كان من شأن أهل الإسلام الأخذ من الأحاديث بكل ما جاء عن كل من جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل أو التجريح معنى، مع أنهم قد أجمعوا على ذلك، ولا كان لطلب الإسناد معنى، فلذلك جعلوا الإسناد من الدين، ولا يعنون:"حدّثَني فلان عن فلان" مجرَّداً، بل يريدون ذلك لما تضمَّنه من معرفة الرجال الذين يحدِّث عنهم، حتى لا يسند عن مجهول، ولا مجروح، ولا متّهم، إلا عمّن تحصل الثقة بروايته؛ لأن روح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم لنعتمد عليه في الشريعة، ونسند إليه الأحكام.

والأحاديث الضعيفة لا يغلب على الظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها، فلا يمكن أن يسند إليها حكم، فما ظنّك بالأحاديث المعروفة الكذب؟! نعم، الحامل على اعتمادها في الغالب إنما هو ما تقدم من الهوى المتّبَع". قال:

(1)

قلت: ومع ذلك فهو مردود عند المحدثين كما بيَّنه الخطيب في "الكفاية"(ص 391 - 397).

ص: 60

‌28 - تقرير إشكال حول اشتراط الصحة في أحاديث الترغيب

"فإن قيل: هذا كله ردّ على الأئمة الذين اعتمدوا على الأحاديث التي لم تبلغ درجة الصحة، فإنهم كما نصّوا على اشتراط صحة الإسناد، كذلك نصُّوا أيضاً على أنَّ أحاديث الترغيب والترهيب لا يُشْتَرط في نقلها للاعتماد صحةُ الإسناد، بل إن كان ذلك، فبها ونعمت، وإلا فلا حرج على من نقلها واستند إليها، فقد فعله الأئمة، كمالك في "الموطأ"، وابن المبارك في "رقائقه"، وابن حنبل في "رقائقه"، وسفيان في "جامع الخير" وغيرهم.

فكل ما في هذا النوع من المنقولات راجع إلى "الترغيب والترهيب"، وإذا جاز اعتماد مثله جاز فيما كان نحوه مما يُرجَع إليه، كصلاة الرغائب والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وليلة أول جمعة من رجب

وصيام رجب، والسابع والعشرين منه، وما أشبه ذلك، فإن جميعها راجع إلى الترغيب في العمل الصالح، فالصلاة على الجملة ثابت أصلها، وكذلك الصيام، وقيام الليل، كل ذلك راجع إلى خير نُقِلت فضيلته على الخصوص.

وإذا ثبت هذا فكل ما نُقلت فضيلتُه في الأحاديث فهو من باب الترغيب فلا يلزم فيه شهادة أهل الحديث بصحة الإسناد؛ بخلاف الأحكام.

فإذاً هذا الوجه من الاستدلال من طريق الراسخين، لا من طريق الذين في قلوبهم زيغ؛ حيث فرّقوا بين أحاديث الأحكام، فاشترطوا فيها الصحة، وبين أحاديث الترغيب والترهيب، فلم يشترطوا فيها ذلك!

ص: 61

‌29 - رد الإشكال بتفصيل علمي دقيق

فالجواب: أن ما ذكره علماء الحديث من التساهل في أحاديث الترغيب والترهيب لا ينتظم مع مسألتنا المفروضة. وبيانه:

أن العمل المتكلَّم فيه:

1 -

إما أن يكون منصوصاً على أصله جملة وتفصيلاً.

2 -

أو لا يكون منصوصاً عليه لا جملة ولا تفصيلاً.

3 -

أو يكون منصوصاً عليه جملة لا تفصيلاً.

فالأول: لا إشكال في صحته كالصلوات المفروضات، والنوافل المرتّبة لأسباب وغيرها، وكالصيام المفروض، أو المندوب على الوجه المعروف، إذا فُعِلت على الوجه الذي نص عليه من غير زيادة ولا نقصان: كصيام يوم عرفة، والوتر، وصلاة الكسوف، فالنص جاء في هذه الأشياء صحيحاً على ما شرطوا، فثبتت أحكامها من الفرض والسنة والاستحباب. فإذا ورد في مثلها أحاديث ترغّب فيها، أو تحذّر من ترك الفرض منها، وليست بالغة مبلغ الصحة، ولا هي أيضاً من الضعف بحيث لا يقبلها أحد، أو كانت موضوعة لا يقبلها أحد، فلا بأس بذكرها والتحذير بها والترغيب، بعد ثبوت أصلها من طريق صحيح.

والثاني: ظاهر أنه غير صحيح، وهو عين البدعة؛ لأنه لا يرجع إلا لمجرد الرأي المبنيّ على الهوى، وهو أبدع البدع وأفحشها كالرهبانية المنفيّة عن الإسلام، والخِصاء لمن خشي العنت، والتعبُّد بالقيام في الشمس، أو بالصمت

ص: 62

من غير كلام أحد، فالترغيب في مثل هذا لا يصحّ؛ إذ لا يوجد في الشرع، ولا أصل له يرغّب في مثله، أو يحذّر من مخالفته.

والثالث: ربما يُتَوَهَّم أنه كالأول من جهة أنه إذا ثبت أصل عبادة في الجملة فيسهل في التفصيل نقله من طريق غير مشترط الصحة، فمطلق التنفّل بالصلاة مشروع، فإذا جاء ترغيب في صلاة ليلة النصف من شعبان، فقد عضده أصل الترغيب في صلاة النافلة، وكذلك إذا ثبت أصل صيام، ثبت صيام السابع والعشرين من رجب، وما أشبه ذلك!

وليس كما توهّموا؛ لأن الأصل إذا ثبت في الجملة لا يلزم إثباته في التفصيل. فإذا ثبت مطلق الصلاة لا يلزم منه إثبات الظهر والعصر أو الوتر أو غيرها حتى ينص عليها على الخصوص، وكذلك إذا ثبت مطلق الصيام لا يلزم منه إثبات صوم رمضان أو عاشوراء أو شعبان أو غير ذلك، حتى يثبت بالتفصيل بدليل صحيح. ثم ينظر بعد ذلك في أحاديث الترغيب والترهيب، بالنسبة إلى ذلك العمل الخاص الثابت بالدليل الصحيح.

والدليل على ذلك: أن تفضيل يوم من الأيام، أو زمان من الأزمنة بعبادة ما يتضمّن حكماً شرعياً فيه على الخصوص كما ثبت لعاشوراء مثلاً، أو لعرفة، أو لشعبان -مزية على مطلق التنفل بالصيام- فإنه ثبتت له مزيّة على الصيام في مطلق الأيام، فتلك المزية اقتضت مرتبة في الأحكام أعلى من غيرها بحيث لا تُفهم من مطلق مشروعية الصلاة النافلة

(1)

، لأن مطلق المشروعية يقتضي أن الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمئة ضعف في الجملة، وصيام يوم عاشوراء

(1)

كذا في الأصل، والسياق يقتضي أن يقال: صيام النفل. فتأمل.

ص: 63

يقتضي أنه يكفِّر السنة التي قبلها، فهو أمر زائد على مطلق المشروعية، ومساقه يفيد له مزية في الرتبة، وذلك راجع إلى الحكم.

فإذاً، هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع من المندوب خاصة، فلا بد من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناء على قولهم:"إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح"، والبدع المستدَل عليها بغير الصحيح لا بدّ فيها من الزيادة على المشروعات، كالتقييد بزمان أو عدد أو كيفية ما، فيلزم أن تكون أحكام تلك الزيادات ثابتة بغير الصحيح، وهو أمر ناقض لما أسسه العلماء.

ولا يقال: إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط. لأننا نقول: هذا تحكّم من غير دليل، بل الأحكام خمسة، فكما لا يثبت الوجوب إلا بالصحيح، [فكذلك لا يثبت غيره من الأحكام الخمسة كالمستحب إلا بالصحيح]

(1)

. فإذا ثبت الحكم فاستُسْهِلَ أنْ يثبت في أحاديث الترغيب والترهيب، ولا عليك.

‌30 - خلاصة كلام الإمام الشاطبي

فعلى كل تقدير: "كل ما رُغِّبَ فيه إنْ ثبت حكمه أو مرتبته في المشروعات من طريق صحيح، فالترغيب [فيه] بغير الصحيح مغتَفَر. وإن لم يثبت إلا من حديث الترغيب فاشترط الصحة أبداً، وإلا خرجت عن طريق القوم المعدودين في أهل الرسوخ. فلقد غلط في هذا المكان جماعة ممن يُنسَب إلى الفقه، ويتخصص عن العوام بدعوى رتبة الخواص. وأصل هذا الغلط عدم فهم كلام المحدِّثين في الموضعين، وبالله التوفيق".

(1)

سقط من الأصل، والسياق يقتضيه.

ص: 64

قلت: هذا كله من كلام الإمام الشاطبي، وهو يلتقي تمام الالتقاء مع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى، ومن الطرائف أن هذا مشرقي وذاك مغربي، جمع بينهما -على بعد الدار- المنهج العلمي الصحيح.

‌31 - صعوبة تمييز الضعيف الذي يجوز العمل به حديثياً وفقهياً

وبعدما عرفت أيها القارئ هذا الشرط الفقهي في جواز العمل بالحديث الضعيف، وذاك الشرط الحديثي المتقدم: أن لا يكون شديد الضعف يتبين لك أنه كان من الواجب على الحافظ المنذري أن يميز الحديث الضعيف، والضعيف جداً، والموضوع، ويعطي كل حديث من أحاديث كتابه الضعيفة مرتبته من هذه المراتب الثلاث، وأن لا يجمل القول فيها بتصديرها كلها بصيغة (رُوي)، خشية أن يبادر أحد من القراء إلى العمل ببعض الواهي والموضوع منها، فيقع في المحظور السابق بيانه ولو كان من الفقهاء.

هذا من الناحية الحديثية.

وأما من الناحية الفقهية، فليس يخفى أنه من غير الميسور تمييز الحديث الضعيف الذي يجوز العمل به، من الذي لا يجوز العمل به، إلا على المحدِّثين الفقهاء بالكتاب والسنة الصحيحة، وما أقلَّهم! ولذلك فإني أرى أن القول بالجواز بالشرطين السابقين نظري غير عملي بالنسبة إلى جماهير الناس، لأنه من أين لهم تمييز الحديث الضعيف من الضعيف جداً؟ ومن أين لهم تمييز ما يجوز العمل به منه فقهياً مما لا يجوز؟ فيرجع الأمر عملياً إلى قول ابن العربي المتقدم: أنه لا يُعمَل بالحديث الضعيف مطلقاً. وهو ظاهر قول ابن حبان: "لأن ما روى

ص: 65

الضعيفُ وما لم يرو في الحكم سيَّان"

(1)

.

وهذا هو الذي أنصح به عامة الناس، وهو الذي كنت نصحت به في مقدمة كتابي:"صحيح الجامع الصغير وزيادته" و"ضعيف الجامع .. "(ص 51) فليراجعه من شاء.

‌32 - مثال من واقع بعض الفقهاء

ولا بأس من أنْ أسوق للقراء مثالاً لصعوبة الأمر، على بعض من ينتمي للفقه فضلاً عن غيرهم، فهناك حديث أنس الصحيح:"لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهيته لذلك". رواه الترمذي وغيره. فاستدل به الشيخ علي القاري في "شرح الشمائل"(2/ 169) على أن القيام المتعارف اليوم ليس من السّنة. ونقل عن ابن حجر -يعني الهيتمي- ما ينافي ذلك، واستغربه، ثم قال:

(وأما قول ابن حجر: "ويؤيد مذهبنا من ندب القيام لكل قادم به فضيلة، نحو نسب أو علم أو صلاح أو صداقة (!) حديث أنه صلى الله عليه وسلم قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم عليه، ولعدي بن حاتم كلما دخل عليه. وضعفهما لا يمنع الاستدلال بهما هنا؛ خلافاً لمن وهم فيه، لأن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقاً، بل إجماعاً كما قال النووي"، فمدفوع، لأن الضعيف يُعمَل به في فضائل الأعمال المعروفة في الكتاب والسّنة، لكنْ لا يُستدَل به على إثبات الخَصْلة المستحبَّة).

(1)

انظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة" وتعليقي عليه (ج 2 - ص 3 - تحت الحديث 504).

ص: 66

فتأمّل كيف خطَّأ الشيخُ القاري الهيتميَّ، وهو من كبار فقهاء الشافعية المتأخرين في تطبيق القاعدة المذكورة، فما عسى أن يكون حال عامّة الناس في ذلك؟ ومن شاء المزيد من الأمثلة فليراجع كتابي:"سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السَّيِّئ في الأمة" يجد العجب العُجاب منها، فانظر مثلاً الأحاديث (372 و 609 و 872 و 922 و 928 و 944).

‌33 - البدء بتمييز صحيح "الترغيب" من ضعيفه

من أجل كل ما تقدم، توجهت الهمة منذ زمن بعيد إلى أن أوفر قسماً كبيراً من وقتي، وجهداً لا بأس به من طاقتي، لخدمة كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري، موجهاً جل ذلك إلى تمييز صحيحه من ضعيفه، تمييزاً دقيقاً واضحاً لا غموض فيه.

ويعود تاريخ البدء في هذا المشروع الهام، إلى ما قبل خمس وعشرين سنة تقريباً، حين قررت في مرحلة من مراحل الدعوة إلى الكتاب والسنّة تدريس كتاب "الترغيب" على إخواننا السلفيين في سوريا، لتعريفهم بنوع خاص من أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم، طالما قستْ قلوب جماهير المسلمين اليوم بسبب جهلهم بسنة نبيهم بصورة عامة، وبهذا النوع منها بصورة خاصة، راجياً أن ترقَّ قلوبهم بهذه المعرفة، ويزدادوا بها طاعة لله، ورغبة فيما عنده، وابتعاداً عن معاصيه، ورهبة مما أعدَّه للعصاة المخالفين.

‌34 - منهجي في التمييز والتدريس

ولما كان قد استقرّ في نفسي منذ نعومة أظفاري -فضلاً من الله ونعمة- أنه لا يجوز إشاعة الأحاديث الضعيفة والمُنكرَة، ولو في "الترغيب والترهيب" بين

ص: 67

أفراد الأمة، ولا التساهل بروايتها على الطلاب وغيرهم، كما يفعل ذلك عامّة الخطباء والمدرسين والمرشدين والوعَّاظ، متأثراً في ذلك بأقوال الأئمة الذين أسلفت لك فيما تَقدّم بعض أقوالهم في هذا المجال؛ فقد رأيت لزاماً عليَّ أن لا ألقي درساً منه إلا بعد تحضيره، والتحقّق من كل حديث من أحاديثه، في كل باب من أبوابه، وفصل من فصوله، معتمداً في ذلك على مصطلح الحديث، والجرح والتعديل، ومراجعاً لما قاله العلماء المحقّقون في كل حديث منها، مما يساعدني على اختيار الحكم الأقرب إلى الصواب فيها، فما تبيَّن لي منها أنه ثابت قدَّمته إليهم متشبّثاً به، راغباً فيه، وإلاّ أعرضت راغباً عنه غير مصطفيه.

وهكذا مضيت قُدُماً بكل رغبة ونشاط في تحضير الدروس منه، وإلقائها على الإخوان والطلاب، ملتزماً ذلك المنهج العلمي الدقيق، طيلة تلك السنين، حتى انتهيت منه بتاريخ 26 رجب سنة 1396، مثابراً على إلقائها إلاّ في بعض الظروف الحالكة، والفتن المظلمة، أعاذنا الله منها؛ ما ظهر منها وما بطن، وقد أوشكتُ على الفراغ منه أيضاً على التمام.

وبهذه الدراسة المنهجية الدقيقة تكشّف لي ما كان خافياً عليَّ قبلها وعلى غيري، ألا وهو غموض المنذري في اصطلاحه الذي وضعه في أول كتابه، وتساهلُه الذي أوضحته في مطلع مقدّمتي هذه، وكثرة الأحاديث الضعيفة والواهيه بل الموضوعة فيه، وبعضها مما حسَّنه بل صحَّحه بالتصريح فضلاً عن أوهاء له أخرى كثيرة، من الصعب حصرها، إلا أننا سنتعرَّض للإشارة إلى بعضها بخطوط عريضة، مع بعض الأمثلة إن شاء الله تعالى.

وكنت في أثناء ذلك وتخريجي لأحاديث الكتاب، أجد أن بعضها يتطلب

ص: 68

دراسة واسعة، وكتابة مفصّلة حتى أتمكن من معرفة مرتبة الحديث في الصحة والضعف، وأجد بعضاً آخر منها لا يحتاج إلى ذلك لوضوح أمره، وتيسّر الوصول إلى مرتبته بأقرب طريق، فما كان من النوع الأول ولم يكن مخرَّجاً في شيء من تصانيفي المطبوعة منها والمخطوطة -وهي كثيرة والحمد لله- خرَّجته وحققت القول فيه في إحدى السلسلتين:"الصحيحة" و"الضعيفة"، ثم آخذ مرتبة الحديث منها فأضعها بجانب حديث "الترغيب" من نسختي المطبوعة في القاهرة، الطبعة المنيرية، وقد كان مما سهّل لي الرجوع إلى تصانيفي المشار إليها كتاباي:"صحيح الجامع الصغير" و"ضعيف الجامع الصغير"، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأما إذا كان الحديث من النوع الآخر فكنت أخرِّجه تعليقاً على حاشية نسختي من "الترغيب"، كما كنت أكتب عليها ما لا بد منه من شرح لفظة من غريب الحديث، أو توضيح جملة منه، وغير ذلك من الفوائد العلمية التي تتحمّلها ساحة الحاشية، فكان من ذلك ما سميته بـ "التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب".

‌35 - الاعتماد على المنذري في التصحيح والتضعيف وشرطنا فيه

وبقيت بعض الأحاديت دون أنْ أرمز لها بشيء لعدم وقوفي على المصدر الذي نسب المنذري الحديث إليه، كبعض كتب ابن أبي الدنيا وأبي الشيخ ابن حيان والبيهقي وغيرهم، فلم أتمكّن من دراسته وإعطائه الحكم اللائق به. ولكنّي مع مرور الأيام استطعت أنْ أتدارك قسماً كبيراً منه، بالوقوف على بعضها؛ مثل "المعجم الأوسط" مصوّراً من مكتبة الجامعة الإسلامية، وبعض المجلدات من "المعجم الكبير" التي طُبِعت في العراق بتحقيق أخينا الشيخ حمدي عبد المجيد

ص: 69

السلفي، وباطّلاعنا قبل ذلك على قسم آخر منه في مصادر أخرى من كتب السنّة الكثيرة، من المسانيد والفوائد والأجزاء المخطوطة في ظاهرية دمشق، والمصوّرة في غيرها، حتى لم يبق منه إلا شيء قليل جداً. ففي هذا لا يسعني إلا أن أتبع المنذري فيما صحَّح أو ضعَّف، حينما لا أجد من خالفه ممن هو عندي أوثق منه في هذا العلم. أما ما صدَّره منه بـ (رُوِي) فكله ضعيف، تبعاً له، بخلاف ما صدَّره بـ (عن) فإنما أعتمده إذا كان الحديث من رواية من يلتزم الصحة كابن خزيمة مثلاً، أو قوَّاه أحد الحفَّاظ صراحة ومنهم المنذري، وذلك لما سبق بيانه أنه قد يُصدَّر به لما هو قريب من الحسن، ويعني أنه ليس بحسن، وهو الضعيف الذي لم يشتد ضعفه عندنا، ثم إن العهدة في ذلك كله عليه.

‌36 - تحقيق أنّ قولهم: "رجاله رجال الصحيح" ونحوه ليس تصحيحاً

واعلم أنه ليس من التصحيح، بل ولا من التحسين في شيء، قول المنذري وغيره من المحدِّثين: "

رجاله ثقات"، أو "

رجاله رجال الصحيح"، ونحو ذلك؛ خلافاً لما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، وقد يكون من الأعلام

(1)

، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: أن ذلك لا يعني عند قائله أكثر من أنّ شرطاً من شروط صحة الحديث قد توفر في إسناده لدى القائل، وهو العدالة والضبط، وأما الشروط

(1)

كالمناوي مثلاً، فإنه كثيراً ما يستلزم من ذلك الصحة، كقوله في حديث:"قال الهيثمي: رجاله ثقات". وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه تقصير، وحقه الرمز للصحة!! انظر "فيض القدير" الأحاديث (67 و 76 و 531 و 532) وغيرها، وهي كثيرة جداً وراجع لهذا "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(854)، ففيها حديث صححه المناوي بناء على القول المذكور، وأزيد الآن في هذه الطبعة، فأقول: وقد سار على هذا المنوال المعلقون الثلاثة في تعليقهم على الكتاب، فصححوا أحايث كثيرة وحسنوها بناء على هذا القول، ومنها الحديث الذي صححه المناوي، فإنهم حسنوه كذلك! (3/ 323). وانظر مقدمة هذه الطبعة.

ص: 70

الأخرى من الاتصال، والسلامة من الانقطاع والتدليس، والإرسال والشذوذ، وغيرها من العلل التي تُشتَرط السلامة منها في صحة السند؛ فأمْر مسكوت عنه لديه، لم يقصد توفرها فيه، وإلا لصرَّح بصحة الإسناد كما فعل في أسانيد أخرى، وهذا ظاهر لا يخفى بإذن الله، وانظر على سبيل المثال الحديث (563 - ضعيف) كيف أعلَّه المنذري بالإرسال مع كون رجاله إلى مرسله رجال الصحيح! ونحو الحديث (609 - ضعيف)، أعلَّه بالانقطاع، مع كون رجاله كلهم رجال الصحيح، ولذلك قال الحافظ في "التلخيص" (ص 239) في حديث آخر:"ولا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحاً، لأنّ الأعمش مُدلِّس ولم يذكر سماعه".

ثانياً: قد تبين لي بالتتبع والاستقراء أنه كثيراً ما يكون في السند الذي قيل فيه: "رجاله ثقات" من هو مجهول العين أو العدالة، ليس بثقة إلا عند بعض المتساهلين في التوثيق كابن حبان والحاكم وغيرهما، ومن قيل فيه:"رجاله رجال الصحيح"، أنه ممن لم يَحتجَّ به صاحب "الصحيح"، وإنما روى له مقروناً بغيره، أو متابعة، أو تعليقاً، وذلك يعني أنه لا يُحتجَّ به عند التفرّد.

وإذا عرفت هذا، فمن الواضح أن هذا القول وذاك لا يعني دائماً أنّ الرجال ثقات، أو أنهم محتج بهم في "الصحيح"، وبالتالي فلا يستلزم في الحالة المذكورة تحقُّق الشرط الأول، بله الشروط الأخرى. فكم من حديث صحّحه الحاكم مثلاً تصحيحاً مطلقاً تارة، ومقيَّداً بشرط الشيخين أو أحدهما تارة أخرى، وهو في كثير من الأحيان مُتعقَّب من المنذري وغيره كما ستراه في "ضعيف الترغيب"، فانظر فيه على سبيل المثال الأحاديث (21 و 177 و 409 و 416 و 418 و 480 و 661 و 671)، وفي "الصحيح" الأحاديث (203 و 319 و 410

ص: 71

و 413 و 724)

(1)

. بل كم من حديث من هذا النوع تُعقِّب فيه المنذري نفسه، كحديث (630) في "الضعيف"، وفي "الصحيح" الحديث (461) وغيره.

ثالثاً: قد يكون رجال الإسناد كلهم ممن احتَجّ بهم صاحب "الصحيح"، ولكن يكون فيهم أحياناً من طعن فيه غيره من الأئمة، لسوء حفظ أو غيره مما يسقط حديثه عن مرتبة الاحتجاج به، ويكون هو الراجح عند المحققين، مثل يحيى بن سُليم الطائفي عند الشيخين، وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وهشام ابن عمار من رجال البخاري، ويحيى بن يمان العجلي عند مسلم، فإن هؤلاء مع صدقهم موصوفون بسوء الحفظ، وهو علة تمنع الاحتجاج بمثله كما هو معلوم، وبمثل ذلك انتقدنا المنذري في بعض الأسانيد كما تراه في التعليق على الحديث (249 - الصحيح).

رابعاً: إن قولهم: "رجاله رجال الصحيح" لا بد من فهمه أحياناً على إرادة معنى التغليب لا العموم، أي أكثر رجاله رجال (الصحيح)، وليس كلهم، وهذا حينما يكون من نسب الحديث إليهم من المصنفين دون البخاري ومسلم صاحبي "الصحيحين" في الطبقة، بحيث لا يمكنه أن يشاركهما في الرواية عن أحد من شيوخها مباشرة، وإنما يروي عنه بواسطة راوٍ أو أكثر، كالحاكم والطبراني وأمثالهما. خذ مثلاً حديثاً أخرجه الحاكم (1/ 22) بالسند التالي: حدثنا أبو بكر ابن إسحاق الفقيه: أنا محمد بن غالب: أنا موسى بن إسماعيل .. إلخ السند، ثم قال:"صحيح على شرطهما". ووافقه الذهبي.

قلت: فموسى هذا من شيوخ الشيخين، ومن فوقه على شرطِهما، بخلاف اللذين دونه، وهكذا كل حديث عند الحاكم مصحح على شرطهما، أو شرط

(1)

يرجى الانتباه أن الأرقام المذكورة، وكذلك الأرقام الآتية في هذه المقدمة إنما تشير إلى الأحاديث في هذه الطبعة خاصة.

ص: 72

أحدهما، فإنما يعني شيخهما ومن فوقه، وأما من دونه فلا، وقد يكون راوياً واحداً أو أكثر. وعلى هذا البيان ينبغي أن يفهم طالب هذا العلم قول المنذري في حديث "الصحيح" الآتي برقم (907):"رواه الحاكم، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ".

وأما الحاكم فقال: "صحيح على شرط الشيخين"، وإنما لم ينقله المنذري لأنه خطأ فإنما هو على شرط مسلم فقط كما كنت بينته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (85)، فقول المنذري المذكور إنما هو على التغليب، وإنما يعني بدءاً من شيخ الشيخين فيه، وهو هنا أبو بكر بن أبي شيبة فمن فوقه، وأما من دونه فلا. ثم إن هؤلاء قد يكونون ثقاتٍ، وقد يكونون غير ذلك، وكل ذلك قد بلوناه في بعض أحاديثه، فانظر مثلاً في "الضعيف" الحديث رقم (409)، فإنه، وإن كان صححه الحاكم مطلقاً فإن شيخ شيخه فيه كذبه الدارقطني، كما حكاه المنذري هناك، وأما النوع الذي قبله -أعني ما كان من رواية الثقات عن شيوخ الشيخين- فكثير جداً والحمد لله.

وكذلك يقال في كل حديث سيمر بك في الكتابين: "الصحيح" و"الضعيف" يقول فيه المنذري: "رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح"، أو "ورواته ثقات": أنه يعني غالب رواته، أي كلهم ما عدا شيخ الطبراني قطعاً، وربما شيخ شيخه معه أحياناً، وهذا حين يكون قوله صواباً لا وهم فيه، خذ مثلاً الحديث الآتي في "الضعيف" برقم (147):"لزمتُ السواك حتى خشيتُ أنْ يدرد فِيَّ"، قال فيه:"رواه الطبراني في (الأوسط)، ورواته رواة الصحيح".

فإنّ إسناده في "الأوسط"(رقم - 6870 - مصورتي) هكذا: حدثنا محمد بن

ص: 73

رزيق بن جامع: ثنا أبو الطاهر: حدثنا ابن وهب: ثنا يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطّلب عن عائشة به. وقال: لا يُروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد، تفرّد به ابن وهب".

قلت: فأبو الطاهر ومن فوقه كلهم من رواة الصحيح، بخلاف ابن رزيق -مصغراً بتقديم الراء على الزاي- فليس منهم، بل لا نعرف شيئاً من حاله، سوى قول الحافظ في "التبصير" فيه (2/ 600):

"حدث بمصر عن أبي مُصعب وسعيد بن منصور".

وهذا كما ترى لا يروي ولا يشفي في معرفة حاله، مع العلم بأن الأحاديث التي ساقها له الطبراني في "الأوسط" تدل على أن له شيوخاً آخرين كإبراهيم ابن المنذر الحِزامي وعمرو بن سواد السرحي وغيرهم. وقد بحثت عنه في وَفَيَات سنة (299 - 360) سنة وفاة الطبراني من كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، فلم أعثر عليه. وقد يكون شيخ الطبراني في بعض الأحاديث التي قال فيها ما ذكرنا ضعيفاً، كما في حديث يأتي في (23 - الأدب/ 39) وقد تكلمت عليه وبيّنت ضعفه في "الصحيحة"(503). من أجل ذلك فقد ينشط المنذري أحياناً فيستثني من مثل قوله المتقدّم شيخ الطبراني، كما فعل في الحديث الآتي هنا برقم (851) حيث قال فيه:

"رواه الطبراني، ورجاله رجال (الصحيح)، إلا شيخه يحيى بن عثمان ابن صالح وهو ثقة، وفيه كلام".

وقد لا ينشط لذلك أحياناً، بل هذا هو الغالب عليه، أو يسهو فلا يستثني

ص: 74

في حديث يكون الاستثناء فيه أولى، لأنه يكون في سنده شيخ لشيخ الطبراني ليس من رواة "الصحيح" أيضاً، كما وقع له في الحديث الصحيح رقم (151) فتعقّبته بكلام الهيثمي الذي نقلته هناك، ومراده أنه ليس في إسناده من هو من شيوخ "الصحيح" فضلاً عمن دونه!

وإذا عرفت أيها القارئ الكريم هذه الحقائق حول قولهم: "رجاله ثقات"، أو "رجاله رجال (الصحيح) "، يتبيّن لك بوضوح لا ريب فيه أن ذلك لا يعني عندهم أن الحديث صحيح، وإنما: أن شرطاً من شروط الصحة قد تحقّق فيه، وهذا إذا لم يقترن به شيء من الوهم أو التساهل الذي سبق بيانه، فمن أجل ذلك لم أعتبر القول المذكور نصاً في التصحيح، يمكن الاعتماد عليه حين لا يتيسّر لنا الوقوف على إسناد الحديث مباشرة.

فينبغي التنبّه لهذا، فإنه من الأمور الهامة التي يضر الجهل بها ضرراً بالغاً، أهمّه نسبة التصحيح إلى قائله، وهو لا يقصده، وهذا مما سمعته من كثير من الطلاب وغيرهم في مختلف البلاد.

‌37 - لماذا يقولون: "رجاله ثقات"، ولا يصرّحون بتصحيح الإسناد؟

فإن قيل: لماذا يلجأ الحافظ المنذري وأمثاله من الحفّاظ إلى القول المذكور ما دام أنه لا يعني عندهم أن الحديث صحيح، ولا يُفصِحون بصحته كما نراهم يفعلون ذلك أحياناً؟

وجواباً عليه أقول:

إنما يلجأون إليه لتيسّر ذلك عليهم، بخلاف الإفصاح عن الصحّة، فإنه

ص: 75

يتطلّب بحثاً موضوعياً خاصاً حول كل إسناد من أسانيد أحاديث الكتاب -وما أكثرها- حتى يغلب على ظن مؤلفه أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم -ولو بمرتبة الحسن- ولا يحصل ذلك في النفس إلا إذا ثبت لديه سلامته من أي علة قادحة فيه. وليس يخفى على كل من مارس عملياً فن التخريج، مقروناً بالتصحيح والتضعيف، وقضى في ذلك شطراً طويلاً من عمره -وليس في مجرد العزو وتسويد الصفحات به- أن ذلك يتطلّب جهداً كبيراً، ووقتاً كثيراً، الأمر الذي قد لا يتوفر لمن أراد مثل هذا التحقيق، وقد يتوفر ذلك للبعض، ولكن يعوزه الهمة والنشاط، والدأب على البحث في الأمّات والأصول المطبوعة والمخطوطة والصبر عليه، وقد يجد بعضهم كل ذلك، ولكن ليس لديه تلك المصادر الكثيرة التي لا بد منها لكل من تحققت تلك المواصفات التي ذكرنا، مع المعرفة التامة بطرق التصحيح والتضعيف، القائمة على العلم بمصطلح الحديث والجرح والتعديل، وأقوال الأئمة فيهما، ومعرفة ما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه، مع القدرة على تمييز الراجح من المرجوح فيه، حتى لا يكون إمّعة فتأخذ به الأهواء يميناً ويساراً. وهذا شيء عزيز قلّما يجتمع ذلك كله في شخص، لا سيّما في هذه العصور المتأخرة.

وقد رأيت الحافظ المنذري رحمه الله، قد أشار إلى شيء مما ذكرته من المواصفات، بحيث يمكن اعتبار كلامه في ذلك جواباً صالحاً عن السؤال السابق، فقال في آخر كتابه:"الترغيب" قُبيل "باب ذكر الرواة المختلَف فيهم"؛ قال ما نصّه:

"ونستغفر الله سبحانه مما زلّ به اللسان، أو داخله ذهول، أو غلب عليه نسيان، فإن كل مصنف مع التَّؤدة والتأتّي، وإمعان النظر وطول الفكر قلّ أن

ص: 76

ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بـ (المملي) مع ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه، وغيبة كتبه؟

وكذلك تقدّم في هذا الإملاء أحاديث كثيرة جداً صحاح، وعلى شرط الشيخين أو أحدهما، وحسان، لم ننبّه على كثير من ذلك، بل قلت غالباً: إسناد جيد، أو: رواته ثقات، أو: رواة "الصحيح"، أو نحو ذلك، وإنما منع من النص على ذلك تجويز وجود علة لم تحضرْني مع الإملاء".

قلت: فهذا نص منه رحمه الله يطابق ما ذكرته في أول جوابي عن السؤال، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

‌38 - قلة الأحاديث التي صرح الهيثمي بتقوية أسانيدها

وأعود لتأكيد وتوضيح أن الجواب المذكور ليس خاصّاً بصنيع المنذري رحمه الله، بل هو عامّ شامل لكل من جرى على ذلك من المصنّفين. وإن من أقربهم إلى منهجه منهج الحافظ نور الدين الهيثمي، فإنه يكثر جداً من استعمال ذلك القول في كتابه "مَجْمع الزوائد ومنبع الفوائد" الجامع لزوائد كتبٍ ستة، على الكتب الستة، كما هو معلوم، ومع ضخامة كتابه، وغزارة مادته، فإننا قلّما نراه يصحِّح أو يحسِّن. وقد بدأت بترقيم أحاديثه استعداداً لترتيبها فيما بعد على الحروف -إن شاء الله-، بمساعدة صهرنا العزيز الشاب المهذب النشيط الأستاذ نبيل الكيالي جزاه الله خيراً، وقد انتهينا من ترقيم المجلد الأول منه من أصل عشرة مجلدات، فبلغ عدد أحاديثه نحو (1800) حديثاً، وأحصينا الأحاديث التي صرّح بتصحيحها أو تحسينها فبلغ عددها (90) حديثاً فقط! من أصل ألف

ص: 77

حديث تقريباً، أقدّر أنها ثابتة الأسانيد من بين الرقم المذكور (1800)، وقد تكلّم عليها بكلام لا يفيد الصحة ولا الحسْن، وإنما الثقة للرواة فقط؛ كما سبق بيانه، وما ذلك إلا لسبب أو أكثر من الأسباب التي سبق أن ذكرتها، وأشار الحافظ المنذري إلى بعضها في كلامه المنقول عنه آنفاً.

‌39 - سبب كثرة أوهام المنذري في "الترغيب"

هذا، وإن في مطلع كلامه ما يمكن أن يعتبر عذراً له في وقوع تلك الأوهام منه، والتي تضجّر من كثرتها الحافظ الناجي؛ كما يأتي عنه، ذلك هو قوله رحمه الله تعالى:

"ضيق وقته، وترادف همومه، واشتغال باله، وغيبة كتبه".

وأهم ما فيه: "غيبة كتبه"، فإنه يعني: أنه اعتمد في تأليفه للكتاب على ذاكرته، وذلك صريح في مقدّمته، وفي كلمته السابقة، وغيرها، حيث أفاد أنه أملاه إملاء مِن حفظه، ومن المعلوم أن الذاكرة مهما كانت نيرّة؛ فقد تخبو، والجواد مهما كان أصيلاً؛ فقد يكبو، ولذلك فلا بدّ لمن أملى كتاباً من حفظه أن يراجع أصوله قبله وبعده، ليتثبّت من صحة حفظه، وصواب إملائه، فإذا لم يتيسّر له ذلك، لغيبة كتبه كان أمراً طبيعياً أن تكثر أخطاؤه، لا سيّما إذا انضم إلى ذلك "ترادف همومه، واشتغال باله"، وإلا فمطلق الخطأ أمر لا يكاد ينجو منه إنسان وبخاصة إذا كان مؤلفاً، وهذا ما صرّح به المنذري فيما سبق: "فإن كل مصنِّف مع التؤدة والتأني وإمعان النظر، وطول الفكر، قل أن ينفكّ عن شيء من ذلك، فكيف بالمملي مع ضيق وقته

" إلخ.

ص: 78

ولقد صدق -رحمه الله تعالى-، ولذلك قال مالك رحمه الله:"ما منّا من أحد إلا رَدَّ ورُدَّ عليه، إلا صاحب هذا القبر". يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإني أعرف هذا الذي ذكره المنذري في نفسي، مع أنه ليس من عادتي الارتجال في التصحيح والتضعيف، فإنه قد يبدو لي أنني أخطأت في بعض ذلك، فأبادر إلى التنبيه على ذلك في أول فرصة تسنح لي، كما يعرف ذلك من له عناية بمطالعة مؤلفاتي، حتى لقد وقع لي شيء من ذلك في هذا الكتاب الذي أنا في صدد التقديم له، والذي تم تأليفه في نحو ربع قرن من الزمان كما تقدّم، فقد تغير رأيي في كثير من أحاديثه، بعضها وهو تحت الطبع، كما سيرى القارئ التنبيه على ذلك في الاستدراك في آخر الكتاب. فسبحان من تنزَّه عن كل صفات النقص، وتفرَّد بكل صفات الكمال، ذو الجلال والإكرام.

‌40 - أنواع أوهام المنذري الهامة في خطوط عريضة مع الأمثلة

أما بعد؛ فقد آن لنا أنْ نجمل الكلام على أنواع من أخطاء المنذري وأوهامه المتكرِّرة الهامّة، حاصراً إياها في خطوط عريضة كما يقولون اليوم، مع الإشارة إلى بعض الأمثلة المتيسِّرة عند الحاجة.

‌أ - تصديره للأحاديث الضعيفة بـ (عن)!

تساهله في تصديره الأحاديث الضعيفة بصيغة (عن)

(1)

، المُشْعِرة عنده أنّها ليست من قسم الأحاديث الضعيفة، التي يصدرها بـ (رُوي)، وإنما هي من قسم الصحيح أو الحسن أو القريب من الحسن! كما صرّح بذلك في مقدّمة كتابه

(1)

تنبيه: سنستعيض عن هذه العبارة بقولنا (عنعن) اختصاراً، فليكن هذا منك على بال.

ص: 79

كما أسلفناه (ص 41)، وبناء على ذلك ساق مئات الأحاديث لجماعة من الرواة الضعفاء المعروفين بالضعف عند العلماء، مثل شَهْر بن حَوْشب، وكثِّير بن عبد الله، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعلي بن زيد الألهاني، وعبيد الله بن زحر، وابن لَهيعة، وغيرهم كثير وكثير، وبعضهم ممن يصرِّح هو فيه أنه واهٍ، أي: ضعيف جداً، مثل كثيِّر هذا، ومع ذلك عنعن لأحاديثهم، وكذلك فعل بالأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة، إعمالاً منه لاصطلاحه المشار إليه آنفاً. وكذلك صنع بما أعلّه بقوله:"في سنده لين"، أو قوله:"غريب"، وتارة يقول:"غريب جداً"، كل ذلك يعنعن له، والأمثلة تراها مبثوثة في الفهارس، بل رأيته قوَّى حديثاً فيه مَن ضعّفه هو جداً، وهو الحديث (161 - الضعيف)، وليس هذا فحسب، بل عنعن لحديث فيه كذاب ومتروك، وقال فيه:"رفْعه غريب جداً"(رقم 47)، ولآخر حَكم عليه بالوضع (رقم 596)، فكيف يلتقي هذا مع العنعنة المذكورة؟!

ولعل أغرب من ذلك كلّه حديث ابن مسعود في صلاة الحاجة (رقم 418)، فإنه عنعنه مع اعترافه بأن فيه متَّهماً بالكذب، وتعلق في تبرير ذلك بمثل خيوط القمر، فقال عقبه:

"والاعتماد في مثل هذا على التجربة، لا على الإسناد"!

وفاته أن السّنة لا تثبت بالتجربة، لا سيّما وهو مخالف في بعض ما فيه للسنّة الصحيحة الناهية عن قراءة القرآن في السجود، مما يقطع به أنه موضوع، كما بيّناه في التعليق عليه هناك. وفي آخره قوله:"ولا تعلَّموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون"! مما يؤكد لك وضعه، فإن الله لا يستجيب دعاءً من قلب

ص: 80

غافل لاهٍ، كما يأتي في "15 - الدعاء"، فكيف مِن قلب سفيه فاجر.

وهذا يذكّرني بمثال آخر قريب منه وهو حديث أبي الدرداء، فيما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى، وفيه (رقم 382):"كفاه الله ما أهمّه، صادقاً كان أو كاذباً"، فإنه مع ظهور نكارته بلُ بطلانه، لم يكتف بتصديره بـ (عن) مع كونه موقوفاً حتى ذهب يقوّيه بزعمه أن سبيله سبيل المرفوع!! ولست أدري -وايم الله- كيف دخل في لبّه أن الله يستجيب لمن كان كاذباً بآيات الله، غير مؤمن بها وبفضائلها، وهو لا يستجيب لمؤمن يدعوه من قلب غافل لاهٍ؟!

ومما يؤكّد لك تساهله المذكور أنني رأيته صرّح في غير ما حديث واحد أن ابن لَهيعة وشهر بن حوشب حَسَنا الحديث في المتابعات، فأفاد أنهما في غير المتابعات ليسا كذلك، بل هما ضعيفا الحديث. (انظر "الصحيح" - 180 و 187)، فكان الواجب تصدير حديثهما، وأحاديث أمثالهما بـ (رُوي)، لأنه الموضِّح لمرتبة أحاديثهم مرتبة لا غموض فيها ولا مواربة. ومثله في "الضعيف" رقم (19 و 21).

‌ب- تناقضه في تطبيق اصطلاحه!

تناقضه في تطبيق اصطلاحه الذي شرحته في أول هذه المقدّمة، وذلك ظاهر في صوَر:

الأولى: هناك أحاديث عقّب عليها بقوله: "في إسناده احتمال التحسين". ثم هو يصدِّر بعضها بـ (عن) كالحديث (185)، وتارة بـ (روي) كالأحاديث (7 و 320 و 377)!

الثانية: يعنعن لأحاديث فيها بقيَّة بن الوليد، وهو مدلِّس معروف، لا فرق

ص: 81

عنده بين ما صرّح بالتحديث فيها وما عنعن، ومع ذلك رأيته قال في حديث له (رقم 640) وقد صدره بـ (عن):

"وهو حديث غريب، وفيه نكارة".

بل رأيته صدَّر حديثاً آخر له بـ (رُوي)، وحكى عن بعض مشايخه أنه استحسنه، ثم استبعد ذلك، فأصاب رقم (507).

الثالثة: يقول في بعض الأحاديث التي يعنعنها: "إسناده مقارب، وليس في إسناده من تُرِكَ حديثه، ولا أُجْمعَ على ضعفه"، مثل الحديث (407 و 587)، وإذا به يقول ذلك أو نحوه فيما صدَّره بـ (رُوي) كالحديث (594)، وآخر أوردته في "الصحيح" برقم (87)، لأن إسناده صحيح كما بينته في التعليق عليه هناك، وتارة لا يصدَّر هذا النوع بشيء، فلا يدري القارئ من أيّ النوعين هو عنده كالحديث (779) من الضعيف.

الرابعة: تفريقه بين المتماثلات من الأحاديث المشتركة في العلة المقتضية للتضعيف، ذلك أنه ذكر في اصطلاحه الأول الخاص بما عنعنه منها: أن منه الحديث الذي في إسناده راوٍ مبهم. إشعاراً منه بأنه صحيح أو حسن أو قريب من الحسن، وقد رأيته صرّح بهذه المرتبة الثالثة منها في بعض الأحاديث "وسنده قريب من الحسن"، علماً بأن المبهم إنما هو الراوي الذي لم يُسَمَّ، كما يأتي عن المؤلف نفسه.

وذكر في اصطلاحه الآخر الخاص بما يصدره بـ (رُوي) إشارة منه إلى تضعيفه؛ أن منه الحديث الذي في إسناده من لم يرَ فيه توثيقاً.

ص: 82

فأقول: ومما لا يخفى على أحد له بصرٌ وفهَم في هذا العلم، أن سبب تضعيفه لهذا النوع من الإسناد؛ إنما هو لعدم معرفته حال راويه الذي لم يرَ توثيقاً فيه. وإذا كان الأمر كذلك، فإن مما لا شك فيه أن هذا السبب ينطبق على كثير من الأنواع التي أدخلها في اصطلاحه الأول، وبياناً لذلك أقول:

أ- المبهم، فإنه يصدُق عليه معنى قوله المتقدم:"لم أر فيه توثيقاً" بداهة، لأنه لا سبيل إلى معرفة عينه، بلْه حاله، فهو في حكم المسمّى وهو مجهول العين، كما هو ظاهر لكل ذي عين، بل إن من لم يُوَثّق قد يكون خيراً من (المبهم)، لأن الأول قد يكون روى عنه أكثر من واحد فيكون مجهول الحال، بخلاف المبهم لما سبق. ألا ترى إلى قول المؤلف في حديث في "الصحيح" (418) فيه رجل مبهم:"رواه الطبراني، وسمّى الرجل المبهم جابراً، ولا يحضرني حاله".

فإذا لم يعرفه مع أنه عرف اسمه، فبالأولى أن لا يعرفه حين لا يسمَّى، فكيف جاز له -عفا الله عنا وعنه- المغايرة بين المبهم، ومن لم يَرَ فيه توثيقاً والعلة واحدة وهي الجهالة، ولو أنه عكس لكان أقرب إلى الصواب، وبناء على هذا الاصطلاح حشر في كتابه عشرات، بل مئات الأحاديث التي في أسانيدها من لم يُسمَّ، مصدِّراً إياها بما يخْرجها عن كونها من الأحاديث الضعيفة، كالأحاديث التالية أرقامها في "الضعيف"(71 و 77 و 110 و 486 و 525 و 659).

ب- من قال في راويه: "لا أعرفه بجرح ولا عدالة"، وذلك لأن لازمه أنه لم ير فيه توثيقاً، فهو مجهول أيضاً عنده، فالتفريق بينهما خطأ واضح، ومن أمثلته الحديث الآتي في "الصحيح"(رقم 155)، والأحاديث الآتية في

ص: 83

"الضعيف": (294 و 333 و 582 و 601 و 624)، وقد قال في راوي الحديث الأول منها:"ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل". وقال في راوي الحديث الأخير: "لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، ولا أراه يُعرَف".

ج - من قال فيه: "لم أقف على ترجمته"، أو:"لا يحضرني إسناده"، أو نحو ذلك كحديث (528 و 585 و 592 و 673).

وبالأَولى من قال فيه: "مجهول"، أو "لا أعرفه" كحديث (477 و 486)، وفي "الصحيح"(1065 و 1067).

د - ما صرح بانقطاعه، وهو ما سقط منه راوٍ أو أكثر، فإنّه بمعنى الإسناد الذي فيه مبهم لم يسمَّ، فمثله مثل المجهول كما تقدم، ومن أمثلته في "الضعيف": الأحاديث (85 و 87 و 191 و 281 و 287 و 371).

هـ - ومثله الحديث المرسل، وهو الذي لم يذكر التابعيُّ فيه الصحابيَّ، وهو من أقسام الضعيف عند علماء الحديث، ومن أمثلته (102 و 227 و 281 و 285 و 307)، وغيرها كثير وكثير جداً.

‌ج - روايات لا يصدّرها بما يشير إلى حالها وفيها الصحيح والضعيف والموضوع!

يذكر روايات غير مصدّرة بـ (عن) أو (رُوي) مما يدل على حالها، خلافاً لاصطلاحه السابق، من ذلك في "الضعيف" الأحاديث (189 و 415 و 417 و 645)، وهذا الأخير موضوع! وفي "الصحيح"(208 و 214 و 236 و 272 و 568 و 658)، وقد يتكلّم على بعضها أحياناً ولا يُبيّن! كحديث (173 و 208 - الضعيف).

ص: 84

‌د - زيادات على الأحاديث الصحيحة يوهم ثبوتها، وهي ضعيفة!

كثيراً ما يذكر زيادات على الأحاديث الصحيحة، أو روايات فيها، فيوهم بذلك أنها ثابتة كأصلها، وهي منكرة أو شاذّة، وقد يصحح بعضها، ويسكت عن أكثرها، انظر في "الضعيف" الأحاديث (141 و 175 و 209 و 225 و 230 و 232 و 267 و 273 و 274 و 275 و 297 و 298 و 317 و 351 و 357 و 360 و 387 و 410 و 569 و 570 و 627 و 636 و 642).

‌هـ - تساهله في تقوية الأحاديث الضعيفة صراحة!

تساهله في تقوية الأحاديث صراحة، وهي عند التحقيق ضعيفة، وهي كثيرة جداً، ولكني أشير إلى بعضها مما تيسَّر لي التعليق عليها والكشف عن عللها في المجلد الأول الذي هو على وشك التمام

(1)

من "الضعيف"(116 و 118 و 119 و 426 وهذا موضوع عندي و 441 و 447 و 473 و 599).

‌و- تضعيفه للأحاديث القوية توهماً!

عكس ذلك، وهو تضعيفه للقوي من الحديث أو إعلاله إياه توهُّماً، وهو على نوعين:

الأول: ما هو صحيح أو حسن لذاته، ومثاله (87 و 359 و 422 و 445 و 696 و 768 و 930 و 1043 و 1065).

(1)

وقد تم كاملاً والحمد لله تعالى.

ص: 85

والآخر: ما هو صحيح أو حسن لغيره، فضعفه أو أعلّه نظراً إلى ذات إسناده، ولم يتنبّه إلى شواهده التي تقوّيه، كالحديث (72). وقد تكون الشواهد في الكتاب نفسه كالحديثين (91 و 110)، وانظر الأحاديث (114 و 188 و 203 و 263 و 274 و 358 و 378 و 390 و 399 و 401 و 418 و 455 و 485 و 529 و 532 و 540 و 543 و 554 و 565 و 567 و 570 و 573 و 585 و 626 و 634 و 676 و 731 و 734 و 744 و 811 و 814 و 886 و 890 و 897 و 912 و 913 و 935 و 962 و 972 و 974 و 1002 و 1023 و 1043 و 1067).

‌ز - إعلاله الحديث توهماً.

إعلاله الحديث بمن ليس فيه، أو ليس هو علته. مثاله في "الصحيح"(139 و 216 و 217)، وفي "الضعيف"(417 و 462 و 624).

‌ح - إطلاقه العزو ومراده: خلات ما يفيده الإطلاق

إطلاقه العزو لأحد الأئمة، ومراده خلافه أحياناً، كأن يعزو الحديث لأحمد، ويريد كتاب "الزهد" له، ويعزو للنسائي، ويعني "السنن الكبرى" له أو "عمل اليوم والليلة"، ويعزو للطبراني، ويعني "المعجم الأوسط" له، ومن أمثلته الحديث (111 - الضعيف) و (611 و 736 - الصحيح).

ومثلُ هذا الإطلاق يتعب الباحث أحياناً، لأنه ينطلق في البحث بناءً على ما تبادر له من الإطلاق، فيذهب وقته وتعبه عبثاً، لأنه يتبين له بعد جهد أنه أراد خلافه، وإنّي لأذكر أنني لما وصلت إلى "18 - كتاب اللباس/ 6 - باب" في النوبة الأخيرة من التخريج والتحقيق رأيته عزا فيه حديث ابن عباس للبخاري

ص: 86

وغيره، قال:"والطبراني وعنده: أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلّدةً قوساً .. "، فذهب وهلي إلى أنه يعني "المعجم الكبير" للطبراني بناء على أنه المراد عند الإطلاق في اصطلاح العلماء، فرجعت أبحث فيه في مسند ابن عباس" منه في نحو مئتي صفحة من القياس الكبير من مخطوطة الظاهرية، فلم أعثر عليه، فأعدت الكرة، ولكن دون جدوى، ثم رجعت إلى بطاقات الفهرس الذي أنا في صدد وضعه لـ "المعجم الأوسط" للطبراني، فسرعان ما وجدته فيه، والحمد لله.

‌ط - عزوه الحديث لغير صحابيه

عزوه الحديث لصحابي، وهو لغيره، والأمثلة على ذلك كثيرة، فانظر في "الصحيح"(125 و 138 و 141 و 175 و 234 و 376 و 406 و 434 و 439 و 445 و 511 و 594 و 599 و 635 و 816 و 942 و 970)، وفي "الضعيف"(267).

‌ي - التقصير في التخريج

التقصير في التخريج، وذلك بأن يكون الحديث في "الصحيحين" أو أحدهما، فيعزوه إلى بعض أصحاب السنن أو غيرهم من الأئمة المشهورين، دونهما، أو يكون الحديث عند هؤلاء الأصحاب وغيرهم، فيعزوه إلى من هو دونهم شهرة وطبقة وتحرِّياً، وكل هذا غير سائغ عند أهل الحديث، لما يعطي العزو لـ "الصحيحين" من القوة للحديث، والثقة بضبط لفظه، وإتقان روايته، وسلامته من الشذوذ والعلة القادحة؛ لاشتراطهما الصحة في كتابيهما بأعلى مراتبها، ثم يليهما "السن الأربعة" وغيرها مع اعتناء العلماء بها شرحاً ونقداً وفقهاً،

ص: 87

وسهولة الرجوع إليها عند الحاجة، وكل هذا مما لم يتيسّر للحافظ المنذري التزامه على الوجه الأكمل؛ بل إنه أخلّ به، ويمكن حصر ذلك في صور:

الأولى: ما كان في "الصحيحين" أو أحدهما، فعزاه إلى غيرهما، ومن الأمثلة على ذلك الأحاديث:(281 و 283 و 300 و 394 و 440 و 561 و 692 و 712 و 881 و 910 و 953)، وغيرها، ولذلك لم يوردها النبهاني في كتابه "إتحاف المسلم فيما ورد في الترغيب والترهيب من أحاديث البخاري ومسلم"؛ اغتراراً منه بالمؤلف رحمه الله.

الثانية: يكون الحديث من المتفق عليه بين الشيخين، فيعزوه لأحدهما، مثاله الأحاديث:(58 و 96 و 1061)، وقلّده في ذلك كله النبهاني في "إتحاف المسلم"، بل والحافظ ابن حجر في جُلِّها في "الانتقاء"!

الثالثة: يكون الحديث في "السنن" أو غيرها، فيعزوه إلى من هو دونهم، كالأحاديث:(57 و 60 و 129 و 201 و 223 و 388 و 545 و 563 و 620 و 635 و 636 و 712 و 758 و 839 و 846 و 857 و 866 و 911 و 930 و 982 و 1005 و 1013 و 1061).

وقد يكون أحياناً إسناد الذي عزاه إليه معلولاً، والذي لم يعزه إليه سالماً من العلة، ومن أمثلته الأحاديث:(388 و 392 و 399 و 572).

‌ك - الخطأ في التخريج

الخطأ في التخريج، وذلك بأن يعزو الحديث للبخاري، أو مسلم، أو غيرهما، ويكون ذلك خطأ محضاً، ومن أمثلته في "الصحيح" (125 و 175

ص: 88

و 278 و 364 و 520 و 561 و 761 و 809 و 863 و 993 و 1024 و 1054)، وقلَّده في غالبه النبهاني!

وفي "الضعيف"(27 و 184 و 210 و 212 و 343 و 351 و 422).

تلك هي الخطوط العريضة للأخطاء الهامّة التي وقعت للحافظ المنذري رحمه الله في كتابه: "الترغيب والترهيب"، مع ذكر بعض الأمثلة المتيسِّرة لها من المجلد الذي تم طبعه من "صحيحه"، ثم من "ضعيفه"، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وهناك أوهام أخرى كثيرة، من أنواع متفرقة عديدة، لا ضرورة إلى تصنيفها والتمثيل لها، فإنها ظاهرة في التعليقات التي وضعتها على الكتابين، لا سيّما وقد ذكرت الكثير منها في فهرست كل واحد منهما.

‌41 - الاستفادة من كتاب "العجالة" للشيخ الناجي

ولا بدّ لي هنا من الإشارة بأنني استفدت كثيراً في التنبيه على هذه الأوهام المشار إليها آنفاً وغيرها من كتاب الحافظ العلامة الشيخ إبراهيم الناجي الحلبي الدمشقي رحمه الله

(1)

، الذي سماه في مقدمته إياه بـ "عجالة الإملاء المتيسِّرة من التذنيب، على ما وقع للحافظ المنذري من الوهم وغيره في كتابه: (الترغيب والترهيب) .. " وهو -لعَمر الله- كتاب هامّ جداً، دلّ على أن مؤلفه رحمه الله كان على قدر عظيم من العلم، وجانب كبير من دقة الفهم، جاء فيه

(1)

هو إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الحلبي الشافعي، توفي سنة 900 هـ، وكتابة المذكور يدل على أنه كان واسع الاطلاع على كتب الحديث وطرقه، وهو من تلاميذ الحافظ ابن حجر رحمه الله.

ص: 89

بالعجب العجاب، طرّزه بفواثد كثيرة تَسُرُّ ذوي الألباب، قلّما توجد في كتاب، وقد قال هو نفسه فيه، وصاحب البيت أدرى بما فيه:

"فهذه نُكَت قليلة، لكنها مهمة جليلة، لم أُسْبَقْ إليها، ولا رأيت من تنبّه لها ولا نبّه عليها، جعلتها كالتذنيب، على ما وقع للإمام العلامة الحافظ الكبير زكي الدين المنذري رضي الله عنه من الوهم والإيهام، في كتابه الشهير المتداول

".

‌42 - أدب الحافظ الناجي في نقده لـ "الترغيب"

ومع أنه كان في نقده للكتاب وتحريره إياه دؤوباً، صبوراً، وفي أسلوبه أديباً لطيفاً، فقد وجدته في بعض المواطن قد ضاق به ذرعاً، وعِيلَ صبره من كثرة ما رأى فيه خطأ ووهماً، وعالج فيه تنبيهاً ونقداً، حتى تمنى أن لا يكون أتعب نفسه في نقده، وقد أشرت إلى شيء من ذلك في التعليق على الحديث (69 - "من نفّس عن مؤمن كربة

")، فقال بعد أن فَرَغ من بيان اضطراب المنذري في تخريجه ومآخذه عليه في نحو صفحتين كبيرتين (16 - 17):

‌43 - وصف الحافظ للكتاب، وشكواه من كثرة أوهامه

"فانظر إلى ما قررته مفصّلاً، وإلى ما وقع له في هذه المواضع، تتحقّق أن غالب هذا الكتاب على هذا المنوال، وأنه لا يقدر الطالب أن ينقل منه شيئاً تقليداً له، واغتراراً به، وإنما هو بالمعنى. ولو صنعه الشخص من أصله كان أسهل عليه من تتبعه وتحريره؛ لمشقة تكرار التنبيه، وعسْر مراجعة الأصول المستمدّ منها،

ص: 90

وليت أكثره متيسِّر، لا سيّما بعدما كتبت هذا، ولم يبقَ للإلحاق مجال كما ترى، مع ضيق الوقت، وعدم الفراغ، وكثرة الشواغل.

فهذا حديث واحد فيه ما ترى، فضلاً عن الكتاب كله، وليتني لم أتعب فيه قديماً ولا حديثاً، ولكن قدر ذلك للقيام بما أخذ عليّ من البيان والنصح، ووجب، ومن وقف على ما في "الأحكام" للمحب الطبري من الأوهام، والعزو المتكرر إلى "الصحيحين" أو أحدهما أو غيره؛ رأى غاية العجب".

قلت: ولا غرابة في ذلك، فإنه من طبيعة البشر، الذي فرض عليه -لحكمة بالغة- أن يخطئ ليتطهّر، ولذلك قيل:"كم ترك الأول للآخر".

ولهذا جاءت النصوص الكثيرة عن أئمتنا تترى؛ أنهم بشر يصيبون مرات ومرات، ويخطئون مرة وكرة وأخرى، وأن على الأتباع أن يتّبعوا الصواب حيثما كان، وأن يدَعوا الخطأ مع من كان، إذا ما ظهر وبان؛ كما كنت ذكرت كلماتهم في ذلك في مقدمة "صفة صلاة النبي" عليه الصلاة والسلام.

‌44 - تأريخ الوقوف على مخطوطة "العجالة"، واقتطاف فوائده

وقد كنت وقفت على نسخة مخطوطة من "العُجالة" في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة، يوم كنت فيها أستاذاً لمادة الحديث في الجامعة الإسلامية، ما بين سنة 1381 إلى نهاية سنة 1383 هـ، فأعجبني جداً غزارة علمه، وسعة اطلاعه، وكثرة فوائده، فكنت أتردد على المكتبة، كلما سنحت لي الفرصة، أنهل من علمه، وألتقط من ملاحظاته وفوائده، وأقيّد ما لا بد منها على حاشية نسختي من "الترغيب والترهيب" التي كنت ألقي الدروس منها في سورية كما

ص: 91

سبق، وبقي في النفس حسرة أن لم أتمكن من دراسة الكتاب كله، والاستزادة من غرره وفوائده.

فلما كنت -منذ بضع سنين- في طريقي إلى العمرة أو الحج، وجدت في مكتبة الجامعة نسخة مصورة منه، عن المخطوطة المذكورة، ففرحت بها فرحاً بالغاً، لا سيما حين علمت أن في المكتبة شريطاً عنا (مكروفلم)، فتفضّل الشيخ عبد المحسن العباد نائب رئيس الجامعة يومئذ، فأمر بأن يقدِّموا إلي نسخة مصوَّرة منها، جزاه الله خيراً، فاستصحبتها معي إلى دمشق، لدراستها من جديد.

فلمَّا تكاملت عندي أسباب نشر "الترغيب والترهيب" في ردائه الحديث القشيب، وقسميه:"الصحيح" و"الضعيف"، أخذت في دراسته دراسة جيدة، فالتقطت منه فوائد عديدة جديدة، وعلّقتها على النسخة التي جهّزتها من "الترغيب" لتقدَّم إلى المطبعة، غير متوسع في ذلك؛ خشية أن يصير حجم كل من القسمين كبيراً، فنعجز عن القيام بطبعهما، والإشراف على تصحيح تجاربهما، والإنفاق عليهما، لا سيّما في هذه الظروف الحرجة التي ارتفعت فيها أسعار الورق، وغلت أجور الطباعة؛ الأمر الذي حملني على التقليل من التعليقات المهمّة التي تكشف عن علل الأحاديث الضعيفة التي قوّاها المنذري رحمه الله، أو رمز لها بـ (عن)، والإعراض عن ذكر الشواهد والمتابعات للأحاديث التي ضعّفها، وعن ذكر كثير من النُّكَت والفوائد التي عنّت لي، أو وقفت عليها في كتاب الحافظ الناجي، فقنعت بالنزر اليسير منها، وفيها البركة والخير الكثير إن شاء الله تعالى.

ص: 92

‌45 - العناية بالكتاب عناية خاصة لم نُسبق إليها

ومع هذا الذي أشرت إليه من الاستفادة من كتاب الحافظ الناجي رحمه الله تعالى، فإني أحمده عز وجل، أن وفقني للقيام بواجب لم أسبق إليه فيما علمت، ألا وهو العناية بكتاب "الترغيب والترهيب" عناية خاصة من زاوية أخرى لم يلتفت إليها الحافظ إلا قليلاً جداً، وهي تمييز صحيحه من سقيمه، وحسنه من ضعيفه، وتتبُّع أوهامه في ذلك على ما أسلفنا بيانه، وإخراجه إلى الناس في كتابين مستقلين:"صحيح الترغيب والترهيب"، و"ضعيف الترغيب والترهيب"، الأول منهما للتديُّن والعمل به، والآخر لمعرفته والابتعاد عن روايته ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكي لا يقع القارئ في محذور الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق شرحه، فإن هذا التمييز هو الغاية من علم الحديث وتراجم رجاله.

وإني لأعلم أن كثيراً من الناس يكتفون بالكتاب الأول منهما، ويقولون: ما لنا وللأحاديت الضعيفة، حسبنا أن نتعرف على الأحاديث الصحيحة! وهذا وإن كان يكفي عامة الناس، فإنه لا يليق بأهل العلم، والشباب المثقف الداعي إلى الله عز وجل، فهؤلاء لا بد لهم من العناية بموضوع الكتاب الآخر، وأن يستعينوا به وبأمثاله على معرفة الأحاديث الضعيفة، التي قد يقرؤونها في كتاب، أو يسمعونها في خطاب، وما أكثرها في كل باب. ولعلهم يعلمون جيداً أنه لا يلزم من معرفة الأحاديث الصحيحة، التعرف على الأحاديث الضعيفة، كما لا يلزم من معرفة الخير، التعرف على الشر، على حد قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛

ص: 93

مخافة أن يدركني

" الحديث. أخرجه البخاري وغيره. ومنه قول الشاعر:

عرفتُ الشرُّ لا للشرِّ لكنْ لتوقِّيهِ

ومَن لا يعرِفِ الشرَّ

مِن الخيرِ يَقَعْ فيهِ

ولهذا فلا بد لهؤلاء الذين أشرنا إليهم من الاستعانة بالكتابي معاً، وغيرهما مما هو في معناهما على معرفة الصحيح والضعيف من الحديث، فإن كُلاً منهما متمَّم للآخر، ولا يُستغنى بأحدهما عن الآخر.

‌46 - تقويم كتاب "المنتقى من الترغيب والترهيب" للحافظ والمعلق عليه

واعلمْ أن مما شجعني على نشرهما؛ أنني رأيت الكتاب المطبوع تحت عنوان: "الترغيب والترهيب" انتقاء الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

حقق أصوله، وعلّق عليه العالم الشهير الجليل الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي والفاضلان: عبد الحميد النعماني ومحمد عثمان الماليكانوي.

فإني أذكر أنني لما وقفت عليه، وكان ذلك قبل نحو عشر سنين، أقبلت عليه فرحاً مسروراً، آملاً أن أجد فيه ما يساعدني على تحقيق ما أنا في صدده من "الصحيح" و"الضعيف"، راجياً أن أرى أثر علم مؤلفه بادياً فيه، ومعنى (الانتقاء) ظاهراً عليه، كيف لا وهو الحافظ ابن حجر، الإمام الذي ملأ صيته السهل والوعر، وكل مكان، بتحقيقاته الرائعة على الأحاديث النبوية في كل فن وباب، مثل "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" الذي قيل فيه:"لا هجرة بعد الفتح"، و"التلخيص الحبير"، و"بلوغ المرام"، وغيرها كثير من كتبه النافعة، التي قلّ ما يوجد فيها حديث إلا وقد بيّن مرتبته، ونادراً ما يسكت عن

ص: 94

الضعيف منها، حتى قيل بحق: إنه أمير المؤمنين في الحديث.

ومما زادني رغبة في الإقبال عليه، أن محققه الفاضل الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، قد صرّح في كلمته التي قدّم له بها أن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري وإن كان خالياً من الأحاديث الموضوعة (!)، لكنه يحمل عدداً كبيراً من الأحاديث الضعيفة. ثم إنه أشعر القراء بأن كتاب "المنتقى" لابن حجر ليس فيه شيء من ذلك، فقال:

"فاختصر الحافظ كتاب المنذري في قدر ربع الأصل، وانتقى منه ما هو أقوى إسناداً، وأصح متناً"!

من أجل ذلك بادرت يومئذ إلى تصفّح الكتاب، وتقليب صفحاته، لتحقيق ما رجوت فيه، وما أشعَرَ به كلام الشيخ الأعظمي، فإذا بي أُصاب بخيبة شديدة، إذ أُفاجأُ بأنه -كأصله- فيه أحاديث ضعيفة، وان كان بنسبة أقل؛ لصغر حجمه، وأنه ليس منتقى منها!

ولما فرغتُ من تحقيق "الترغيب والترهيب"، وجَعْلهِ على قسمين:"الصحيح" و"الضعيف"، قابلت بعض أحاديثهما، بأحاديث "الانتقاء"، فتأكدت مما ذكرته آنفاً أنه ليس كما ذكر الأعظمي! بل وانكشف لي بهذه المقابلة أن صاحب "المنتقى" قد انطلى عليه كثير من الأوهام التي وقع فيها المنذري رحمهما الله تعالى.

وبياناً لما ذكرتُ أشير إلى بعض الأحاديث الضعيفة التي وقعت في "الانتقاء" مقرونة بأرقامها فيه، وبجانب كل رقم منها رقمه في "الضعيف" عندي، ثم أُتبع ذلك بذكر بعض الأوهام المشار إليها.

ص: 95

أما الأحاديث الضعيفة فإليك أرقامها في "الانتقاء" و"الضعيف" حسبما بيّنت آنفاً:

فمن "كتاب السنة"(15 = 29 و 20 = 36 و 22 = 42).

ومن "كتاب العلم": (34 = 80 و 35 = 48 و 36 = 49 و 38 =54 و 43 = 86).

ومن "كتاب الطهارة"(60 = 149).

ومن "كتاب الصلاة"(99 = 213 و 105 = 223 و 111 =230 و 129 =263 و 130 =260 (موضوع) و 131 = 259 و 134 = 272 (فيه خطأ في الاسم) و 138 = 273 و 274).

ومن "كتاب النوافل": (158 =324 و 159 = 328 و 160 = 331 (ضعيف جداً) و 175 = 363 (مرسل) و 187 =418 موضوع).

ومن "كتاب الجمعة": (197 = 426 (موضوع) و 199 = 428 (أعلّه ابن حجر).

ومن "كتاب الصدقات": (212 =457 و 214 = 462 و 220 = 480 و 221 = 485 و 238 = 499 و 239 =501 و 242 =502 (ضعيف جداً) و 247 =506 و 254 = 513 و 256 = 523 و 257 = 526 (ضعيف جداً) و 271 =543 و 272 =545 و 279 = 553 (موضوع) و 281 = 556 و 289 =570).

ومن "كتاب الصوم": (291 = 599 و 293 = 583 و 294 =605 و 298= 574 و 302 = 612 و 305 = 616 و 307 = 617 و 308 =619 و

ص: 96

322 = 645 (موضوع) و 328 = 647 (موضوع) و 333 =649 و 334 = 650 و 337 = 657 و 658 و 340 =661) موضوع) 342 = 664).

ومن كتاب "العيدين والأضحية": (348 = 683).

ومن كتاب "الحج": (361 =754 و 365 =710 و 370 =759 و 378 = 731 و 381 =742 و 383 =745 و 398 = 766 و 399

(1)

= 768 و 404 = 772 و 406 = 773).

ومن كتاب "الجهاد": (410 = 815 و 411 = 816 و 435 =805 و 451 = 854 و 473 = 841)

(2)

.

هذا، وقد كان في أصلنا الذي اعتمدناه من "الترغيب"(الطبعة المنيرية كما تقدم) كثير من الأخطاء العلمية والحديثية، وقد يكون بعضها أو كثير منها من أصل المؤلف نفسه رحمه الله، وكذلك وجدت فيه كثيراً من التحريف والسقط، فضلاً عن الأخطاء المطبعية، التي لا يخلو منها كتاب، حاشا كتاب رب الأرباب، فصححت واستدركت ما عثرت عليه منها، إذ لم يكن من خطتي تقصُّد الكشف عنها، وتصفية النسخة منها كلها، لأن هذا -مع أهميته- شيء آخر غير الذي قصدت إليه، وليس عندي من الوقت ما

(1)

وقع في "الانتقاء": "عن عمرو روي عن أنس"، والصواب:"وروي عن أنس"؛ كما في "الترغيب".

(2)

إلى هنا انتهى سابقاً تتبع الأحاديث الضعيفة بأرقامها من كتاب "الانتقاء" للحافظ ابن حجر مقرونة بأرقامها في "ضعيف الترغيب" الذي لم يُتح لنا إخراجه آنذاك، فانتظره قريباً إن شاء الله مع تمام "صحيح الترغيب".

ص: 97

يمكِّنني من التزامه، والتفرغ له

(1)

، إذ إنّ الذي نذرت له نفسي لخدمة هذا الكتاب إنما هو تمييز صحيحه من ضعيفه -كما شرحت ذلك في أول هذه المقدمة- لأنه أهم شيء عندي بعد كتاب الله تبارك وتعالى، ولا يصح بوجه من الوجوه أن يُقرن معه إلا ما صح من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه هو الأصل الثاني الذي أجمعت عليه الأمة، وعلى هذا فإذا وُجِد شيء من الأخطاء في مشروعي هذا تبعاً لأصله، فعذري هذا الذي ذكرت، والعذر عند كرام الناس مقبول.

ثم إنني لم أتقصَّد التنبيه في الحاشية على كل ما صححته من الأخطاء والأوهام، وما استدركته من الجمل والكلام، ولا سيّما إذا تكرر شيء من ذلك في الصفحة الواحدة؛ لكي لا أُثقل على الحاشية وأكثِّر سوادها، كما يفعل بعض المحققين -زعموا- وإنما نبّهت على شيء منه أحياناً لضرورة أو حاجة، كما ترى مثلاً في حاشية الصفحة (124 و 125) من المجلد الأول من "الصحيح"، والحاشية (ص 21 و 39) من الأول من "الضعيف" وغيرهما.

محمد ناصر الدين الألباني

(1)

انظر (ص 15) من مقدمة الطبعة الجديدة هنا و (ص 11) من مقدمة "ضعيف الترغيب والترهيب".

ص: 98

صَحِيحُ التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب

ص: 99

[1 - كتاب الإخلاص]

(1)

‌1 - (الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة)

1 -

(1)[صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلقَ ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم، حتى آواهمُ المبيتُ إلا غارٍ، فدخلوه، فانحدَرَت صخرةٌ من الجبل، فَسَدَّتْ عليهم الغارَ، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرةِ إلا أن تدعُوا الله بصالحِ أعمالِكم.

فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنت لا أغبُقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى

(2)

بي طلبُ شجرٍ يوماً فلم أُرِحْ

(3)

عليهما حتى ناما، فحلبتُ لَهما غَبوقَهما، فوجدتُهما نائمين، فكرهتُ أن أغبُقَ

(4)

قبلَهما أهلاً ولا مالاً، فلبثتُ والقَدَحُ على يدي، أنتظر استيقاظهما، حتى بَرَقَ الفجرُ، (زاد بعض الرواةُ: والصبيةُ يتضاغَوْن عند قَدَميَّ)، فاستيقظا، فشربا غَبوقَهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك ففرِّجْ عنا ما نحنُ فيه من هذه الصخرةِ، فانْفَرَجَتْ شيئاً لا يستطيعون الخروجَ، -قال النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

هذا العنوان زيادة من "مختصر الترغيب" للحافظ ابن حجر العسقلاني.

(2)

أي: بعُد ..

(3)

بضم الهمزة وكسر الراء يقال: راحت الإبل وأرحتها أنا؛ إذا رددتها إلى المراح بضم الميم، ورواحها أن تأوي بعد غروب الشمس إلى مراحها الذي تبيت فيه.

(4)

أي: أن أسقى، كما يأتي عند المصنف في آخر الحديث.

ص: 101

قالَ الآخرُ: اللهم كانتْ لي ابنةُ عم كانت أحبُّ الناس إلي، فأَرَدْتُها عن نفسها، فامتنعتْ مِني، حتى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ من السنين، فجاءتني، فأَعطيتُها عشرين ومئة دينارٍ، على أن تُخلِّيَ بيني وبين نَفسِها، فَفَعلتْ، حتى إذا قَدَرْتُ عليها قالت: لا أُحِلُّ لك أنْ تَفُضَّ الخاتمَ إلا بحقِّه، فتخرّجْتُ من الوقوع عليها، فانصرفتُ عنها وهي أحبُّ الناسِ إليّ، وتركتُ الذهبَ الذي أعطيتُها، اللهم إنْ كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافرُجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ، غير أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها، -قال النبي صلى الله عليه وسلم:-

وقال الثالثُ: اللهم إني استأجرتُ أُجَراء، وأعطيتُهم أجرَهم، غيرَ رجلٍ واحدٍ، تَرك الذي له وذَهَبَ، فثمَّرتُ أجرَه، حتى كثُرَتْ منه الأموالُ، فجاءني بعد حين، فقال لي: يا عبدَ الله أدِّ إليَّ أجري. فقلتُ: كلُّ ما ترى من أجرِك؛ من الإبل والبقر والغنم والرقيق! فقال: يا عبدَ الله! لا تَسْتَهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئُ بك، فأخذه كلَّه، فاستاقه، فلم يتركْ منه شيئاً. اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِكَ فافرُجْ عنا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ، فخرجوا يمشون.

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"بينما ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قَبلكم يمشون، فأصابهم مطرٌ، فأوَوْا إلى غارٍ، فانطبقَ عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه واللهِ يا هؤلاءِ لا يُنجيكم إلا الصدقُ، فليدْعُ كلُّ رجلٍ منكم بما يعلم أنه قد صَدَقَ فيه، فقال أحدُهم: اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنه كان لي أجيزٌ، عمِلَ لي على فَرَقِ من أرزٍّ، فذهب وَتَرَكه، وأني عَمَدْتُ إلى ذلك الفَرَق فَزَرَعْتُه، فصار من أمرهَ إلى أن اشتريتُ منه بقراً، وأنَّه أتاني يطلبُ أجرَه، فقلتُ له: اعمِدْ إلى تلك البقرِ؛ فإنها من ذلك الفَرَقِ،

ص: 102

فساقها، فإنْ كنتَ تَعلمُ أنّي فعلتُ ذلك من خشيتِكَ ففرِّجْ عنا، فانساحَتْ عنهم الصخرةُ"، فذكر الحديث قريباً من الأول.

رواه البخاري ومسلم والنسائي.

2 -

(2)[صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة باختصار، ويأتي لفظه في [ج 2/ 22 - البر/1]"بر الوالدين" إنْ شاء الله تعالى.

قوله: "وكنت لا أغبقُ قبلهما أهلاً ولا مالاً".

(الغَبوق): بفتح الغين المعجمة هو الذي يشرب بالعشي، ومعناه كنت لا أقدّم عليهما في شرب اللبن أهلاً ولا غيرهم.

(يَتضاغون)

(1)

: بالضاد والغين المعجمتين، أي: يصيحون من الجوع.

(السَّنَة): العام القحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً سواء نزل غيث أم لم ينزل.

(تفضّ الخاتم): هو بتشديد الضاد المعجمة، وهو كناية عن الوطء.

(الفَرَق): بفتح الفاء والراء مكيال معروف.

(فانساحت)

(2)

: هو بالسين والحاء المهملتين، اْي: تَنَحَّتِ الصخرة وزالت عن فم الغار.

(1)

من (الضغاء) بالمد، وهو الصياح.

(2)

قال الناجي في "عُجالة الإملاء: "هذه اللفظةُ رويتْ بالخاء العجمة، وتُروى أيضاً (انصاخت) بالصاد مع الخاء أيضاً"، لكنْ أنكر الخطابي (انساخت) بالعجمة، لأن معنى ساخ: دخل في الأرض وغاب فيها، وألفها منقلبة عن واو. وصوَّب (انساحت) بالحاء المهملة، وتبعه ابن الأثير والمصنف. أي: اندفعت واتسعت، ومنه ساحة الدار.

ص: 103

3 -

(3)[صحيح] وعن أبي فراس -رجلٌ من أسلم- قال:

نادى رجل فقال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: "الإخلاص".

وفي لفظ آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سلوني عما شئتم".

فنادى رجل: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال:

"إقامُ الصلاةِ، وإيتاء الزكاة".

قال: فما الإيمان؟ قال:

"الإخلاصُ".

قال: فما اليقين؟ قال:

"التصديقُ".

رواه البيهقي، وهو مرسل.

(1)

4 -

(4)[صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخُدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنّه قال في حجة الوداع: "نَضَّرَ

(2)

اللهُ امرءاً سمع مقالتي فَوَعاها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه،

(1)

كذا قال! ومعناه أن (أبا فراس الأسلمي) لا صحبة له. وهذا مما لا قائل به، بل هو مذكور في الصحابة دون خلاف أعلمه، وإنما اختلفوا هل هو (ربيعة بن كعب الأسلمي) أم غيره؟ رجح الثاني ابن عبد البر وابن حجر، وعليه فالحديث متصل ورجاله كلهم ثقات، فالإسناد صحيح، وإن من جهل المعلقين الثلاثة تصريحهم بتضعيف الحديث، وأعلوه بقولهم:"وفيه راوٍ مبهم"! وهذا من بواقعهم؛ فإنه لا يقال في الراوي: "مبهم" إلا إذا لم يسمّ أو يكنّ!!

(2)

قال في "النهاية": "نَصَّرَه ونضَّره وأنضَره. أي نعمه: ويروى بالتخفيف والتشديد، من النضارة، وهي في الأصل حسن الوجه والبريق، وإنما أراد حسن خلقه وقدره".

ص: 104

ثلاثٌ لا يُغَلُّ

(1)

عليهن قلبُ امرئٍ مؤمنٍ: إخلاصُ العمل لله، والمناصحةُ لأئمة المسلمين، ولزومُ جماعتِهم، فإنَّ دعاءهم يُحيطُ من ورائهم".

رواه البزار بإسناد حسن.

5 -

(5)[صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث زيد بن ثابت، ويأتي في "سماع الحديث" إنْ شاء الله تعالى.

قال الحافظ عبد العظيم:

"وقد روي هذا الحديث أيضاً عن ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، والنعمان بن بشير، وجبير بن مطعم، وأبي الدرداء، وأبي قرصافة جندرة بن خيشنة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وبعض أسانيدهم صحيح

(2)

".

6 -

(6)[صحيح] وعن مُصعَب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه:

أنّه ظن أنّ له فضلاً على من دونه

(3)

من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"إنما يَنصرُ اللهُ هذه الأمةَ بضعيفِها؛ بدعوتِهم وصلاتِهم وإخلاصِهم".

رواه النسائي وغيره، وهو في البخاري وغيره دون ذكر الإخلاص.

7 -

(7)[صحيح لغيره] وعن الضحاك بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا خيرُ شريكٍ، فمن أشركَ معي شريكاً

(1)

هو من (الإغلال): الخيانة في كل شيء: يُروى (يَغلُّ) بفتح الياء من (الغل) وهو الحقد والشحناء، أي: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ورُوي:(يغل) بالتخفيف، و (عليهن) في موضع الحال تقديره: لا يغل كائناً عليهن قلب مؤمن.

(2)

قلت: وهو كما قال، وقد ساق أكثر طرقه الحافظ ابن عبد البَرّ في "جامع بيان العلم"(1/ 238 - 242)، وسيأتي الحديث عن بعضهم في (3 - العلم/2 - الترغيب في سماع الحديث).

(3)

أي: في المغنم.

ص: 105

فهو لشريكي، يا أيها الناسُ أَخْلِصوا أعمالَكم؛ فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمالِ إلا ما خَلُصَ له، ولا تقولوا: هذه لله وللرحمِ؛ فإنها للرحمِ، وليس لله منها شيءٌ، ولا تقولوا: هذه للهِ ولوجوهكمَ؛ فإنها لوجوهكم، وليس لله منها شيءٌ".

رواه البزار بإسناد لا بأس به، والبيهقي

(1)

.

قال الحافظ: "لكن الضحاك بن قيس مختلف في صحبته".

8 -

(8)[حسن] وعن أبي أمامة قال:

جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتَ رجلاً غزا يلتمسُ الأجْرَ والذِّكْرَ؛ ما لَهُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

"لا شيءَ له"، فأعادها ثلاث مِرارٍ، ويقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لا شيء له"، ثم قال:

"إن الله عز وجل لا يَقبلُ من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتُغيَ به وجهُهُ".

رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد

(2)

، وستأتي أحاديث من هذا النوع في "الجهاد" إن شاء الله تعالى.

(1)

قلت: لكن قال الهيثمي في رواية البزار:

"وفيه إبراهيم بن مجشر، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف".

قلت: لكن تابعه سعيد بن سليمان الواسطي، وهو ثقة، وقفت عليه في بعض المخطوطات، فبادرت إلى إخراجه في "سلسلة الصحيحة" برقم (2764)، ولذلك نقلته من "ضعيف الترغيب" إلى هنا، وهو من فوائد هذه الطبعة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

(2)

وهو كما قال، لكن عزوه إلى أبي داود وهْم، فإنه لم يروه في "سننه" كما يدل عليه صنيع أبي البركات في "المنتقى"، والعراقي في "تخريج الإحياء"، والنابلسي في "ذخائر المواريث".

ص: 106

9 -

(9)[حسن لغيره] وعن أبي الدرداءِ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها إلا ما ابتُغِيَ به وجهُ الله".

رواه الطبراني بإسناد لا بأس به.

(1)

(فصل)

10 -

(10)[صحيح] عن عُمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إِنما الأعمال بالنِّيَّة، -وفي رواية: بالنَيَّاتِ-، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسولِهِ، ومن كانتْ هجرته إلى دنيا يُصيبُها، أو امرأةٍ يَنكِحُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسائي

(2)

.

قال الحافظ: "وزعم بعض المتأخرين أن هذا الحديث بلغ مبلغَ التواتر، وليس كذلك؛ فإنه انفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التَّممي

(3)

، ثم رواه عن الأنصاري خلق كثير، نحو مئتي راوٍ، وقيل: سبعُ مئة راوٍ، وقيل: أكثر من ذلك. وقد روي من طرق كثيرة غير طريق الأنصاري، ولا يصح منها شيء. كذا قاله الحافظ علي بن المديني وغيره من

(1)

كذا قال، وفيه من لا يعرف، لكن له شواهد يتقوى بها، وهو مخرج في "الصحيحة" (2797). ومن جهل المعلقين الثلاثة أنهم صدروه بقولهم:"حسن"، ثم أعلوه بما نقلوه عن الهيثمي أنه قال:"رواه الطبراني، وفيه خداش بن المهاجر، ولم أعرفه"!!

(2)

قلت: وكذا قال المؤلف في "إخلاص النية في الجهاد"(12 - الجهاد/ 10)، وهو يوهم أن ابن ماجه لم يروه، وليس كذلك، فقد أخرجه في "الزهد" رقم (4227).

(3)

قلت: وهو رواه عن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب، فالحديث ليس متواتراً، بل هو مشهور.

ص: 107

الأئمة. وقال الخطابي: لا أعلم في ذلك خلافاً بين أهل الحديث. والله أعلم

(1)

".

11 -

(11)[صحيح] وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يَغْزُو جيشٌ الكعبة، فإذَا كانوا ببيداءَ من الأرضِ، يُخسَفُ بأولِهِم وآخرهم".

قالتْ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! كيفَ يُخسَفُ بأوَّلِهِم وآخرِهِم وفيهم أسواقُهم

(2)

، ومَن ليسَ مِنهم؟ قال:

"يُخسفُ بأولِهم وآخرِهم، ثم يُبْعَثُونَ على نِيّاتِهم".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

12 -

(12)[صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

"إن أقواماً خَلْفَنَا

(3)

بالمدينة، ما سَلَكْنا شِعْباً

(4)

ولا وادياً إلاَّ وهم معنا، حَبَسَهم العُذرُ".

(1)

قلت: وهو من أحاديث الآحاد الصحيحة التي اتفق العلماء على صحتها، وتلقته الأمة بالقبول كما في "شرح الأربعين" للحافظ ابن رجب، فهو يفيد العلم واليقين، خلافًا لما يجهر به بعض الكتاب اليوم: بن أحاديث الآحاد مطلقاً لا تفيد العلم، فإن هذا القول على إطلاقه باطل، دون شك ولا ريب، وبيانه في رسالتي "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة". ورسالتي الأخرى "الحديث حُجة بنفسه في العقائد والأحكام". وهما مطبوعتان.

(2)

جمع (سوق): وهي موضع البياعات، والتقدير: أهل أسواقهم الذين يبيعون ويشترون كما في المدن. وفي الأصل: "قدر نياتهم"، وهو خطأ. وانظر كتابي "مختصر البخاري - البيوع".

(3)

بإسكان اللام أي: وراءنا. قال الحافظ ابن حجر:

"وضبطه بعضهم بتشديد اللام وسكون الفاء".

(4)

بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها موحَّدة: طريقاً من الجبل.

و (الوادي): كل مُنْفَرَجٍ بين جبال أو آكام يكون منفذاً للسيل.

ص: 108

رواه البخاري وأبو داود، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لقد تركتُم بالمدينةِ أقواماً ما سِرتُم مَسيراً، ولا أنفقتُم مِن نَفَقَةٍ، ولا قَطَعتُم من واد إلاَّ وهم معكم".

قالوا: يا رَسولَ الله! وكيف يَكونونَ معنا وهم بالمدينةِ؟ قال:

"حَبَسَهُم المرضُ".

13 -

(13)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنما يُبعث الناسُ على نِيَّاتِهم".

رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

14 -

(14)[صحيح لغيره] ورواه أيضاً من حديث جابر؛ إلا أنه قال:

"يُحْشَرُ الناسُ".

15 -

(15)[صحيح] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ الله لا ينظرُ إلى أجسامِكم، ولا إلى صورِكم، ولكنْ ينظرُ إلى قلوبِكم [وأشار بأصابِعه إلى صدره]، [وأعمالكم]

(1)

".

رواه مسلم.

16 -

(16)[صحيح لغيره] وعن أبي كَبْشَةَ الأنماريّ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ثلاثٌ أُقسِمُ عليهن، وأُحدِّثُكم حديثاً فاحْفظوه، -قال:-

ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظُلم عبدٌ مَظلمةً صبرَ عليها إلا زادَه الله

(1)

قلت: زيادتان من "صحيح مسلم"(8/ 11)، والأخرى في رواية له، ولم ينتبه لهما المعلقون الثلاثة. والثانية منهما ضرورية هامّة، وقد انقلبت على بعضهم فأفسد المعنى. انظر تعليقي على "رياض الصالحين"(ص 14 طبع المكتب الإسلامي).

ص: 109

عزًّا، ولا فَتَحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلا فَتَحَ اللهُ عليه بابَ فقرٍ، أو كلمةٌ نحوها.

وَأُجدِّثكم حديثاً فاحْفظوه:

إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ

(1)

فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ".

رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن صحيح"،

[صحيح] ورواه ابن ماجه ولفظه:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ؛ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، -قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:- فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ، يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ، -قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:- فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ".

(1)

أي: يجري فيه من غير هدى، ويصرفه في الباطل.

ص: 110

17 -

(17)[صحيح] وَعَنِ ابْنِ عباسٍ؛ أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فيما يروي عن ربه عز وجل:

"إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسيئَاتِ، ثم بَيَّنَ ذَلِكَ في كتابه؛ فمن هَمَّ بِحسنةٍ فلم يَعْمَلْهَا؛ كتبها اللهُ عِنْدَهُ حسنةً كاملةً، فَإِنْ هَمَّ بِها فَعَمِلَهَا؛ كتبها اللهُ عنده عشرَ حسناتٍ، إلى سبع مِئةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرَةٍ، ومن هَمَّ بسيئةٍ فلم يَعمَلْها، كتبها اللهُ عنده حسنةً كاملةً، وإن هو هَمَّ بها فَعمِلَهَا؛ كتبها اللهُ سيئةً واحدَةً" -زاد في رواية

(1)

:- "أو محاها، ولا يَهلِكُ [على] الله إِلا هَالِكٌ".

رواه البخاري ومسلم.

18 -

(18)[صحيح] وعن أبي هريرة؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يقولُ اللهُ عز وجل: إِذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بِمثلها، وإن تَركَهَا من أجلي، فاكتبوها له حسنةً، وإن أراد أن يعمَلَ حَسنةً فلم يَعمَلْها، فاكتبوها له حسنةً، فإن عمِلَها فاكتبوها له بعشرِ أمثالِها، إلى سبع مِئة".

رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم.

وفي رواية لمسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كُتِبَتْ له حسنةً، ومن هَمَّ بحسنةٍ فَعَمِلَها كُتِبَتْ له عشرُ حسناتَ، إلى سبع مِائة ضِعفٍ، ومن هَمَّ بسيئةٍ فلم يعَملْهَا لم تُكتَبْ عليه، وإن عَملَها كُتِبَتْ".

وفي أخرى له قال:

(1)

هذه الرواية من أفراد مسلم دون البخاري؛ خلافاً لما يوهمه صنيع المؤلف رحمه الله تعالى كما نبه عليه الناجي (9/ 1).

ص: 111

عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"قال اللهُ عز وجل: إذَا تَحَدَّثَ عبْدي بأن يعملَ حسنةً، فأنا أَكْتُبُها له حسنةً ما لم يَعْمَلَها، فإذا عَمِلَها فإني أكتُبُها له بعشرِ أمثالها، وإذا تحدَّثَ عبدي بأن يعملَ سيئةً، فأنا أغفرُها له ما لم يعملْها، فإذا عملها، فأنا أكتبها له بِمثلها، وإنْ تَرَكها فاكتبوها له حسنةً، إنما تَرَكهَا من جَرّاي".

قوله: (من جرّاي) بفتح الجيم وتشديد الراء، أي: من أجلي.

19 -

(19)[صحيح] وعن مَعن بن يزيد رضي الله عنهما قال:

كان أبي يزيدُ أخرجَ دنانير يَتَصَّدقُ بها، فوضَعها عندَ رجلٍ في المسجد، فجئتُ فأخذتُها فأتيتُه بها، فقال: واللهِ ما إيَّاك أردتُ، فخاصمتُه إِلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال:

"لَكَ ما نويتَ يا يَزيدُ! ولك ما أخذت يا مَعْنُ! ".

رواه البخاري.

20 -

(20)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"قال رجل لأتَصَدَّقَنَّ بصدقةٍ، فخرج بِصدقَتِه فوضعها في يَدِ سارق

(1)

.

فأصبحوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ

(2)

اللَّيلة على سارقِ! فقال: اللهم لك الحمْدُ على سارق

(3)

! لأتصدقَنَّ بصدقةٍ، فخرج بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ! لأتَصَدَّقَنَّ بصدَقَة، فخرجَ بِصدقَتِه فوضعها في يَدِ غَنِىٍّ، فأصبحوا

(1)

أي: فوضع صدقته في يد سارق وهو لا يعلم أنه سارق.

(2)

مبني للمجهول، وهذا إخبار في معنى التعجب أو الإنكار.

(3)

أي: تصدُّقي على سارق.

ص: 112

يَتَحَدَّثُون: تُصُدِّقَ اللَّيلَةَ عَلَى غَنِيٍّ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَزَانِيَةٍ وَغَنِىٍّ! فَأُتِىَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِىُّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ".

رواه البخاري -واللفظ له-، ومسلم والنسائي، وقالا فيه:

"فقيل له أمّا صدقتك فقد تُقُبِّلَتْ" ثم ذكر الحديث.

21 -

(21)[حسن صحيح] وعن أبي الدرداء يبلغُ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من أتى فراشهُ وهو يَنوي أنّ يقومَ يُصلي من الليل، فغلَبَتْه عينُه حتى أصبحَ؛ كُتِب له ما نوى، وكان نومُه صدقةً عليه من رَبِّه".

رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيّد، ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي ذرّ أو أبي الدرداء على الشك.

قال الحافظ عبد العظيم رحمه الله:

"وسيأتي أحاديث من هذا النوع متفرقة في أبواب متعددة من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى".

ص: 113

‌2 - (الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه).

22 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ، هُوَ قارئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ".

رواه مسلم والنسائي.

ورواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما بلفظ واحد عن

(1)

الوليد ابن الوليد أبي عثمان المديني؛ أن عُقبةَ بنَ مسلم حدَّثه، أن شُفَيّاً الأصبحيّ حدثه:

(1)

في الأصل وغيره: "وعن"، وهو خطأ، نتج عنه إشكال، وهو عدم استقامة العطف في آخر هذه الرواية بقوله:"ورواه ابن خزيمة .. ". لأن المعطوف عليه غير مذكور قبله! والحقيقة أنه الترمذي وابن حبان اللذان ذكرا في آخر الرواية الأولى، فلمّا فُصلا عن هذه الرواية بإثبات الواو العاطفة ظهر الإشكال، ولا إشكال بعد حذف الواو كما بيّنا.

ص: 114

أنه دخل المدينةَ فإذا هو برجلٍ قد اجْتمَعَ عليه الناسُ، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرةَ، قال: فَدَنَوْتُ منه، حتى قَعدتُ بين يديه؛ وهو يحدِّث الناسَ، فلمَّا سَكَتَ وخلا، قلت له: أسألك بحقِّ وبحقِّ، لمّا حَدَّثْتَني حديثاً سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَقِلْتَه وعَلِمتَه، فقال أبو هريرة. أفعلُ، لأحدِّثنَّك حديثاً حَدَّثنيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَقِلْتهُ وعلمتُه، ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشغةً فمكثنا قليلاً ثم أفاق، فقال: لأحدِّثنَّك حديثاً حدَّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيرُه، ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشغةً أخرى، ثم أفاق ومسح عن وجهه، فقال: أفعلُ، لأُحَدِّثَنَّك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيره، ثم نَشَغَ أبو هريرة نشغةً شديدةً، ثم مال خارّاً

(1)

على وجهه، فأسندتُه طويلاً، ثم أفاق، فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامةِ، يَنزلُ إلى العبادِ

(2)

، لِيَقضِيَ بينهم، وكلُّ أمّةٍ جاثيةٌ، فأولُ من يُدعى به رجلٌ جمع القرآنَ، ورجلٌ قُتلَ في سبيلِ اللهِ، ورجلٌ كثيرُ المال، فيقولُ اللهُ عز وجل للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ، قال: فما عَمِلتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كنت أقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فيقول الله عز وجل له: كَذَبْتَ، وتقول له الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقالَ: فلان قارئٌ، وقد قيل ذلك.

(1)

خَرَّ يَخِرُّ بالضم والكسر: إذا سقط من علو. وخر الماء يخِر بالكسر.

(2)

قلت: هذا النزول نزول حقيقي كما يليق بجلاله وكماله، وهو صفة فعل لله عز وجل، فإياك أن تتأوله كما يفعل الخلف؛ فتضل.

ص: 115

ويؤتى بصاحب المال، فيقولُ اللهُ عز وجل: ألم أُوْسع

(1)

عليك حتّى لم أدَعْكَ تحتاجُ إلى أحدِ؟ قال: بلى يا ربِّ؛ قال: فماذا عملتَ فيما آتيتُكَ؟ قال: كُنتُ أَصِلُ الرَّحِمُ، وأتصدَّقُ. فيقولُ الله له: كذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جوادٌ، وقد قيل ذلك.

ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيلِ الله، فيقولُ اللهُ له: في ماذا قُتِلتَ؟ فيقول: أيْ ربِّ! أَمَرْتَ بالجهاد في سبيلكَ، فقاتلتُ حتى قُتلتُ، فيقول الله له: كَذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل ذلك". ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي، فقال:

"يا أبا هريرة! أولئك الثلاثةُ أولُ خلقِ الله تُسعَر بهم النارُ يومَ القيامةِ".

قال الوليدُ أبو عثمان المديني: وأخبرني عُقبةُ أن شُفَيّاً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، قال أبو عثمان: وحدّثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيّافاً لمعاويةَ قال: فدخل عليه رجلٌ فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فُعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بَقِيَ مِنَ الناسِ؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً، حتى ظَنَنَّا أنه هالكٌ، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بِشَرٍّ. ثم أفاق معاويةُ، ومسح عن وجهه، وقال: صدق اللهُ ورسولُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو في حرفين.

قوله: (جريء) هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي: شجاع.

(1)

هو بتسكين الواو ومخفّف، أي: أُغْنِكَ. الناجي.

ص: 116

(نَشَغ) بفتح النون والشين المعجمة وبعدها غين معجمة، أي: شهق حتى كاد يغشى عليه أسفاً أو خوفاً.

23 -

(2)[صحيح] وعن أبي بنِ كعبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بَشِّرْ هذه الأمّةَ بالسَّناءِ والدِّين والرِّفعةِ، والتمكين في الأرضِ، فَمَنْ عَمِل منهم عَملَ الآخرةِ للدنيا؛ لم يَكُنْ له في الآخرةِ من نَصيبٍ".

رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد".

وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بَشِّرْ هذه الأمّةَ بالتيسيرِ، والسَّناءِ والرِّفعةِ

(1)

بالدين، والتمكينِ في البلاد، والنصر، فمن عملَ منهم بعملِ الآخرةِ للدنيا؛ فليس له في الآخرةِ من نَصيبٍ".

24 -

(3)[صحيح] وعن أبي هند الدارِيَّ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"من قامَ مقامَ رياءٍ وسُمعةٍ؛ راءى اللهُ به يومَ القيامةِ وسَمَّعَ".

رواه أحمد بإسناد جيد، والبيهقي.

25 -

(4)[صحيح] عن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن سمَّع الناسَ بعملِه؛ سَمَّعَ الله به مَسامعَ خَلقِه، وصغَّرَه وحقَّرَه".

رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح، والبيهقي

(2)

.

(1)

عطف الرفعة على السَّناء عطف تفسير لأنّ (السناء): الارتفاع، ومعناه ارتفاع المنزلة والقدر عند الله تعالى.

(2)

قلت: وأحمد أيضاً (6509 و 6986 و 7085 - طبعة شاكر).

ص: 117

26 -

(5)[صحيح] وعن جُندُبِ بنِ عبدِ اللهِ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"من سَمَّع؛ سَمَّعَ اللهُ به، ومن يُراءِ؛ يراءِ اللهُ بهِ".

رواه البخاري ومسلم.

(سمَّع) بتشديد الميم، ومعناه: من أظهر عمله للناس رياء؛ أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد.

27 -

(6)[صحيح لغيره] وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من قامَ مقامَ رياءٍ راءى اللهُ به، ومن قام مقامَ سُمعةٍ سَمَّع اللهُ به".

رواه الطبراني بإسناد حسن.

28 -

(7)[صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما من عبدٍ يقومُ في الدنيا مقامَ سُمعَةٍ ورياءٍ إلا سمَّع اللهُ به على روس الخلائقِ يومَ القيامة".

رواه الطبراني بإسناد حسن.

29 -

(8)[صحيح موقوف] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

مَنْ راءى بشيءٍ في الدنيا من عملِه؛ وكَلَه اللهُ إليه يومَ القيامةِ، وقال: انظُرْ هل يُغْني عنك شيئاً؟!

رواه البيهقي موقوفاً

(1)

.

(1)

وضعفه الجهلة الثلاثة اعتباطاً.

ص: 118

30 -

(9)[حسن] وعن رُبَيْحِ بنِ عبدِ الرحمن بن أبي سعيدٍ الخدري عن أبيه عن جده قال:

خرج علينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكَر المسيحَ الدَّجال، فقال:

"ألا أخبِرُكم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ؟ ". فقلنا: بلى يا رسولَ اللهِ! فقال:

"الشركُ الخفيُّ؛ أن يقومَ الرجلُ فيصلِّي، فَيُزَيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ".

رواه ابن ماجه والبيهقي.

(رُبَيْح) بضم الراء وفتح الباء الموحدةِ بعدها ياء آخر الحروف وحاء مهملة. ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

31 -

(10)[حسن] وعن محمود بن لبيد قال: خرج

(1)

النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

"يا أيها الناسُ! إياكم وشِرْكَ السرائرِ".

قالوا: يا رسول الله! وما شِرْكُ السرائرِ؟ قال:

"يَقومُ الرجل فيصلِّي، فَيُزَيِّنُ صلاتَه جاهداً لما يرى من نظرِ الناسِ إليه، فذلك شركُ السرائرِ".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

زاد هنا المعلقون الثلاثة على طبعتهم لهذا الكتاب بين معكوفتين: (علينا)! ولا أصل لها عند ابن خزيمة، ومع ذلك فإن من جهلهم أنهم لم يقوُّوا الحديث، بل أعلوه بالإرسال! فكيف يصحّ هذا الإعلال مع تلك الزيادة؟! ذلك مبلغهم من العلم. وإن مما يؤكد ذلك أنهم حسنوا حديث محمود الآتي بعده؟!

ص: 119

32 -

(11)[صحيح] وعن محمود بن لبيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ".

قالوا: وما الشركُ الأصغرُ يا رسولُ اللهِ؟ قال:

"الرياءُ، يَقولُ اللهُ عز وجل إذا جزى الناسَ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً".

رواه أحمد بإسناد جيد، وابن أبي الدنيا والبيهقي في "الزهد" وغيره.

قال الحافظ رحمه الله: "ومحمود بن لبيد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح له منه سماع فيما أرى، وقد خَرَّجَ أبو بكر بنُ خزيمة حديث محمود المتقدم في "صحيحه"، مع أنّه لا يُخرج فيه شيئاً من المراسيل، وذكر ابن أبي حاتم أنّ البخاري قال: "له صحبة"، قال: وقال أبي: "لا يُعرَف له صحبة"، ورجح ابن عبد البَر أنَّ له صحبة. وقد رواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافع بن خُديج وقيل: إنَّ حديث محمود هو الصواب؛ دون ذكر رافع بن خُديج فيه. والله أعلم".

33 -

(12)[حسن] وعن أبي سعيد بن أبي فَضالة -وكان من الصحابة- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إذا جمعَ اللهُ الأوّلين والآخِرينَ ليومِ القيامةِ، ليومٍ لا ريبَ فيه، نادى منادٍ: من كان أشركَ في عملِه لله أحداً فليطلبْ ثوابَه من عندِه، فإنّ الله أغنى الشركاء عن الشرك".

رواه الترمذي في التفسير من "جامعه"

(1)

، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.

(1)

قلت: وقال: "حديث حسن".

ص: 120

34 -

(13)[صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشركِ، فَمَنْ عمِلَ لي عملاً أشركَ فيه غيري فأنا منه بريءٌ، وهو للذي أشركَ

(1)

".

رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي، ورواة ابن ماجه ثقات.

35 -

(14)[صحيح] وروى البيهقي عن يعلى بن شدادٍ عن أبيه قال:

كنا نَعُدُّ الرياءَ في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلم الشركَ الأصغرَ

(2)

.

(فصل)

36 -

(15)[حسن لغيره] وعن أبي علي -رجلٍ من بني كاهلٍ- قال:

خطبَنا أبو موسى الأشعريُّ فقال:

يا أيها الناسُ! اتَّقوا هذا الشركَ، فإنه أخفى من دبيبِ النملِ. فقام إليه عبدُ الله بن حَزَن وقيسُ بن المُضارِب فقالا: والله لَتخْرُجَنَّ مما قلتَ، أو لنأتينَّ عُمَرَ مأذوناً لنا أو غيرَ مأذونٍ، فقال: بل أخرجُ مما قُلتُ، خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، فقال:

(1)

هو تأكيد للرد، وإلا فهو عمل باطل.

(2)

قلت: ورواه الحاكم أيضاً (4/ 329) وقال: "صحيح". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فلو عزاه المصنِّف إليه كان أولى.

وهذا الحديث مما يدل على سوء طباعة الثلاثة للكتاب، فإنهم لم يعطوه رقماً خاصاً، تميزاً له عن حديث شهر الضعيف الذي هو قبل هذا في طبعتهم، وتحته نقلوا استدراكي هذا على المؤلف دون أن يعزوه إلى قائله.

ص: 121

"يا أيها الناسُ! اتّقُوا هذا الشركَ؛ فإنه أخفى من دبيبِ النَّملِ".

فقال له من شاءَ اللهُ أن يقولَ: وكيف نَتَّقيه وهو أخفى من دبيبِ النملِ يا رسول الله! قال:

"قولوا: اللهمَّ إنّا نَعوذُ بك من أنْ نُشركَ بك شيئاً نَعلمُه، ونستغفرُكَ لما لا نعلمُه".

رواه أحمد والطبراني.

ورواته إلى أبي علي محتج بهم في "الصحيح"، وأبو علي وثقه ابن حبان، ولم أرَ أحداً جرحه.

(1)

(1)

عقب هذا في الأصل ما نصه: "ورواه أبو يعلى بنحوه من حديث حذيفة؛ إلا أنه قال فيه: "يقول كل يوم ثلاث مرات"، ولما كان إسنادها ضعيفاً جداً، فقد حذفته من الحديث وفاء بشرطنا في هذا الكتاب، ولم أر من الفائدة ذكرها لوحدها أو مع الحديث لما ذكرته في المقدمة، وقد خرجته لهذا لزيادة في "الضعيفة" برقم (3755)، ثم إن الجزم بأنه من مسند حذيفة؛ فيه نظر، لأنه في "أبي يعلى" (1/ 60 - 61) بسنده الواهي عن حذيفة عن أبي بكر -إما حضر ذلك حذيفة من النبي صلى الله عليه وسلم، وإما أخبره أبو بكر". وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(716) دون قول "إما حضر. . " إلخ، وليس فيه (الثلاث).

ص: 122

[2 - كتاب السُّنَّةِ]

(1)

‌1 - (الترغيب في اتباع الكتاب والسنة)

37 -

(1)[صحيح] عن العِرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه قال:

وعَظنا

(2)

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وَجِلتْ

(3)

منها القلوبُ، وذَرَفَتْ

(4)

منها العيونُ، فقلنا: يا رسولَ الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصنا. قال:

"أوصيكم بتقوى اللهِ، والسمع والطاعةِ، وإنْ تَأمَّر عليكم عبدٌ، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيَّاكم ومحدَثات الأمور، فإن كلَّ بدعة ضلالةٌ".

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح".

قوله: "عضوا عليها بالنواجذ" أي: اجتهدوا على السنة والزموها، واحرِصوا عليها كما يلزم العاضُّ على الشيء بنواجذه، خوفاً من ذهابه وتفلته.

و (النواجذ) بالنون والجيم والذال المعجمة: هي الأنياب، وقيل: الأضراس.

(1)

هذا العنوان زيادة من "مختصر الترغيب" للحافظ ابن حجر.

(2)

(الوعظ): التخويف بطريق النصيحة.

(3)

بكسر الجيم؛ أي: خافت من أجلها القلوب، وحذرت من الذنوب.

(4)

بفتح الذال المعجمة والراء المهملة؛ أي: بكت ودمعت.

ص: 123

38 -

(2)[صحيح] وعن أبي شُرَيح الخزاعيّ قال:

خرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:

" [أبشروا]

(1)

، أليسَ تَشهدون أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنِّي رسولُ الله؟ ".

قالوا: بلى. قال:

"إنَّ هذا القرآن [سبب]

(2)

طَرَفُهُ بيدِ الله، وطرفهُ بأيديكم، فتمسَّكوا به؛ فإنَّكم لن تَضلُّوا ولن تَهلِكوا بعده أبداً".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد

(3)

.

39 -

(3)[صحيح لغيره] وروي عن جبير بن مطعم قال:

كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم بـ (الجُحْفَة) فقال:

"أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وأن القرآن جاء من عند الله؟! ".

قلنا: بلى. قال:

"فأبْشِروا، فإنّ هذا القرآنَ طرفُه بيدِ الله، وطرفُه بأيديكم، فتمسّكوا به، فإنكم لنْ تهلِكوا، ولن تضلّوا بعده أبداً".

رواه البزار، والطبراني في "الكبير" و"الصغير".

40 -

(4)[صحيح] وعنه أيضاً [يعني ابن عباس]:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حَجَة الوَداع فقال:

"إنّ الشيطانَ قد يَئسَ أن يُعبدَ بأرضِكم، ولكنْ رَضِيَ أنْ يطاعَ فيما سوى

(1)

و

(2)

هاتان الزيادتان مما استدركتُه في هذه الطبعة من "كبير الطبراني"، وقد طبع بعد الطبعات السابقة، ولذلك لم يستدركهما المعلقون الثلاثة، لأنهم مجرد مقلدة نقلة!!

(3)

قلت: وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1/ 286 رقم 122)، وابن نصر في "قيام الليل"(ص 74) بسند صحيح، وعندهما الزيادتان.

ص: 124

ذلك مما تَحاقَرون من أعمالِكم، فاحذَروا، إني قد تركتُ فيكم ما إنْ اعتصمتُم به فلن تضلّوا أبداً، كتابَ الله، وسنةَ نبيه" الحديث.

رواه الحاكم وقال:

"صحيح الإسناد، احتجَّ البخاري بعكرمة، واحتج مسلم بأبي أُوَيْس، وله أصل في (الصحيح) ".

41 -

(5)[صحيح موقوف] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

الاقتصادُ فى السنّة أحسنُ من الاجتهاد في البدعة.

رواه الحاكم موقوفاً وقال:

"إسناه صحيح على شرطيهما".

42 -

(6)[صحيح] وعن أبي أيوبَ الأنصاريِّ [عن عوف بن مالك] قال:

خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب فقال:

"أطيعوني ما كنتُ بين أظهركم، وعليكم بكتابِ اللهِ، أحِلُّوا حلالَه، وحَرِّموا حرامَه".

رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات

(1)

.

(1)

لم أره في "معجم الطبراني الكبير" في ترجمة "أبي أيوب الأنصاري" -واسمه خالد ابن زيد- وقد عزاه في "الجامع الكبير" إلى (طب، تمام) من روايتهما عن أبي أيوب الأنصاري عن عوف بن مالك، فلعله سقط (عوف) من قلم المؤلف، وقد خرجته عنه في "الصحيحة"(1472) من طريق تمام. ثم صدق ما رجوته، فرأيته في "المعجم الكبير" للطبراني (18/ 38)، فاستدركت السقط، وهو مما فات استدراكه على الثلاثة، وازداوا جهلاً، فقالوا:"صحيح قال الهيثمي. . رواه الطبراني ورجاله موثقون"! ولهم مثله كثير، جاهلين أو متجاهلين أن مجرد التوثيق لا يستلزم التصحيح كما كنا نبهنا عليه في مقدمة الطبعة الأولى!

ص: 125

43 -

(7)[صحيح] رواه [يعني حديث ابن مسعود الموقوف الذي في "الضعيف"] موفوعاً من حديث جابر، وإسناده

(1)

جيد.

44 -

(8)[صحيح] وعن عابس بن ربيعة قال:

رأيت عُمَرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه يُقبِّلُ الحجرَ (يعني الأسودَ)، ويقول: إني لأعلمُ أنّك حَجرٌ لا تضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أنّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك.

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

45 -

(9)[صحيح] وعن عروة بن عبد الله بن قُشَيرٍ قال: حدثني معاوية بن قرة عن أبيه قال:

أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في رَهْطٍ من مُزَينةَ، فبايعناه وإنه لَمُطْلَقُ الأزرارِ، فأدخلتُ يدي في جَيبِ قميصِه، فمَسَسْتُ الخاتمَ، قال عروة: فما رأيتُ معاويةَ ولا ابنَه قط في شتاءٍ ولا صيف إلا مُطْلَقَيِ الأزرارِ.

رواه ابن ماجه

(2)

وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وقال ابن ماجه:

"إلا مُطْلَقَةً أزرارُهما".

46 -

(10)[صحيح] وعن مجاهد قال:

كنا مع ابن عُمر رحمه الله في سفرٍ، فمرَّ بمكان، فحادَ عنه، فسئل: لمَ فعلتَ ذلك؟ قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا؛ ففعلتُ.

رواه أحمد والبزار بإسناد جيد.

(1)

الأصل: (المرفوع)، والمثبت أوضح، وسيأتي لفظ حديث جابر في "13 - فضائل القرآن/ 1 - الترغيب في قراءة القرآن".

(2)

قلت: وكذا أبو داود وابن سعد في "الطبقات"، وعزاه الناجي للترمذي أيضاً في "الشمائل". وهو مخرج في كتابي "مختصر الشمائل"(46 - 47/ 48).

ص: 126

قوله: (حاد) بالحاء والدال المهملتين؛ أي: تنحّى عنه، وأخذ يميناً أو شمالاً.

47 -

(11)[حسن] وعن ابن عمر رضي الله عنهما:

"أنّه كان يأتي شجرةً بين مكة والمدينة فَيَقِيلُ تحتها، ويُخبِر أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلُ ذلك".

رواه البزار بإسناد لا بأس به.

(1)

48 -

(12)[صحيح] وعن [أنس]

(2)

بن سيرين قال:

كنتُ مع ابنِ عمرَ رحمه الله بـ (عرفات)، فلما كان حين راحَ، رُحْتُ معه، حتى أتى الإِمامُ فصلّى معه الأولى والعصرَ، ثم وقفَ وأنا وأصحابٌ لي، حتى أفاضَ الإمامُ، فَأَفَضْنا معه، حتى انتهى إلى المضيقِ دون المأْزِمَين، فأَناخَ وأنخْنا، ونحن نَحسِب أنه يريد أن يصلّي، فقال غلامُه الذي يُمسك راحلته: إنَّه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجتَه، فهو يحبّ أن يقضيَ حاجَتَه.

رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

قال الحافظ رحمه الله:

"والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له، واقتفائهم سنّته كثيرة جداً، والله الموفق، لا ربَّ غيره".

(1)

قلت: يشير إلى أن في إسناده شيئاً، ولم أر فيه (1/ 81/ 129) من يمكن الغمز منه سوى محمد بن عباد الهنائي، وهو صدوق كما قال أبو حاتم ثم الحافظ. وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد حسن. وأما الجهلة الثلاثة فقالوا (1/ 101):"صحيح، وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون"! وهذا التوثيق لا يستلزم الصحة كما بينت في المقدمة.

(2)

لم ترد هذه الزيادة في الأصل، ولا في المخطوطة، واستدركتها من "المسند"(2/ 131)، وحذفُها من المؤلف غير جيد، فإن المتبادر من "ابن سيرين" عند الإطلاق، إنما هو محمد بن سيرين لا أنس بن سيرين، وهما أخوان.

ص: 127

‌2 - (الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء)

49 -

(1)[صحيح] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من أحْدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌّ".

رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، ولفظه:

"مَن صنع أمراً على غير أمرِنا؛ فهو ردٌّ".

وابن ماجه. وفي رواية لمسلم:

"من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو ردٌّ".

50 -

(2)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال:

كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، كأنَّهُ منذرُ جيشٍ، يقول: صَبَّحكم ومَسَّاكم. -ويقول:-

(1)

"بُعِثْتُ أنا والساعةُ كهاتين". -وَيَقرنُ بين إصبَعَيْه السبابّةِ والوُسطى ويقول:-

"أمّا بعد، فإنّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهَدْي هَدْيُ محمدٍ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة

(2)

". ثم يقول:

(1)

يفعل عليه الصلاة والسلام ذلك حال الخطبة إزالة للغفلة من قلوب الناس، ليتمكّن فيها كلامه صلى الله عليه وسلم كل التمكّن، أو ليتوجه فكره إلى الموعظة فتظهر عليها النار الهيبة الإلهية.

وقوله: (صبَّحكم ومسَّاكم) هو بتشديد الباء في الأولى، أي: نزل بكم العدو صباحاً. والمراد سينزل، وصيغة الماضي للتحقق، وبتشديد السين المهملة في الثاني.

وقوله: (محدثاتها) بفتح الدال، والمراد بها ما لا أصل له في الدين مما أحدث بعده صلى الله عليه وسلم.

(2)

زاد النسائي (1/ 234)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 143/ 1785) وغيرهما:"وكل ضلالة في النار"، وإسنادها صحيح، وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "إبطال التحليل".

ص: 128

"أنا أولى بكل مؤمن من نفسِه، من ترك مالاً فلأهلِه، ومن تَرَكَ دَيناً أو ضياعاً

(1)

فإليَّ، وعليَّ".

رواه مسلم وابن ماجه وغيرهما.

51 -

(3)[حسن صحيح] وعن معاويَة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

"ألا إنَّ مَن كان قبلكم من أهلِ الكتابِ افترَقُوا على ثِنْتَيْنِ وسبعين مِلَّة، وإنَّ هذه الأمَّة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين، ثِنْتَانِ وسبعون في النار، وواحدةٌ في الجنّة، وهي الجماعةُ"

(2)

.

[حسن] رواه أحمد وأبو داود، وزاد في رواية

(3)

:

"وإنه سيخرجُ في أُمتي أقوامٌ تَتَجارى بهم الأهواءُ، كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، ولا يَبقى منه عِرق ولا مفصلٌ إلا دَخله".

قوله: (الكَلَب) بفتح الكاف واللام، قال الخطابي:

"هو داء يعرض للإنسان من عضّة الكلْب الكَلِب، قال: وعلامة ذلك في الكلْب أن تحمرّ عيناه، ولا يزال يُدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنساناً ساوَرَه

(4)

".

(1)

قوله: (أو ضياعاً) بفتح الضاد المعجمة: العيال، وأصله مصدر، أو بكسرها: جمع ضائع، كجياع جمع جائع. والله أعلم.

(2)

أي: الصحابة كما في بعض الروايات، وفي أخرى:"هي ما أنا عليه وأصحابي". رواه الترمذي وغيره. وهو مخرج في المجلد الأول من "الصحيحة"، وإنّ مما يجب أنْ يعلم أن التمسك بما كانوا عليه هو الضمان الوحيد للمسلم أن لا يضل يميناً وشمالاً، وهو مما يغفل عنه كثير من الأحزاب الإسلامية اليوم، فضلاً عن الفرق الضالة.

(3)

كذا الأصل، والصواب أن الزيادة الآتية هي عند "أبي داود" أيضاً برقم (4597)، كما عند أحمد (4/ 102) وإنما عنده الزيادة التالية:"والله يا معشر العرب! لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لَغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به".

(4)

أي: وثب عليه.

ص: 129

52 -

(4)[صحيح] وعن أبي بَرْزَة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنّما أخشى عليكم شهواتِ الغَيّ في بطونكم وفروجكم، ومُضِلاَّتِ الهوى".

رواه أحمد والبزّار والطبراني في "معاجمه الثلاثة"، وبعض أسانيدهم رواته ثقات.

53 -

(5)[حسن لغيره] وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"وأمّا المهلكاتُ؛ فَشُحٌّ مطاعٌ، وهوىً مُتَّبعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِهِ".

رواه البزار والبيهقي وغيرهما، ويأتي بتمامه في "انتظار الصلاة" إن شاء الله تعالى

(1)

.

54 -

(6)[صحيح] وعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ الله حَجَبَ التوبةَ عن كلِّ صاحبِ بدعة حتى يَدعَ بِدعَتَهُ".

رواه الطبراني وإسناده حسن

(2)

. (*)

55 -

(7)[صحيح] وعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"إيّاكم والمحدَثاتِ، فإن كل محدثةٍ ضلالة".

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح". وتقدم بتمامه بنحوه [1 - باب].

(1)

قلت: وهو حديث حسن لطرقه، كما سيأتي الإشارة إلى ذلك من المؤلف هناك إن شاء الله تعالى.

(2)

قلت: بل هو صحيح كما هو مبين في "الصحيحة"(1620)، ثم إنه ليس عند الطبراني في "المعجم الكبير" كما هو المصطلح عند الإطلاق، وكثيراً ما يفعل ذلك كما نبه عليه الحافظ الناجي في غير ما حديث، وفاته كثير منها هذا، فإنما أخرجه الطبراني في "الأوسط"(5/ 113/ 4214 - ط)، وقد سقط من الطابع أو الدكتور المحقق شيخُ شيخِ الطبراني! وهو مخرج في "الصحيحة"(4/ 154/ 1620).

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: زاد المنذري هنا:

[وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن أبي عَاصِم فِي كتاب «السّنة» من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَلَفْظهمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «أَبى الله أَن يقبل عمل صَاحب بِدعَة حَتَّى يدع بدعته»]

وقد أورده الشيخ مشهور في طبعته، وصدّره بالحكم [صحيح لغيره] وقال:«استدركناه من أصول الشيخ - رحمه الله تعالى-»

ص: 130

56 -

(8)[صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لكل عملٍ شِرَّةٌ، ولكل شِرةٍ فَترةٌ، فمن كانت فترتُه إلى سنّتي فقد اهتدى، ومن كانت فترتُه إلى غير ذلك فقد هلَكَ".

رواه ابن أبي عاصم وابن حبان في "صحيحه"

(1)

.

57 -

(9)[صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه"

(2)

أيضاً من حديث أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لكل عمل شِرَّةٌ، ولكل شِرَّة فترةٌ، فإن كان صاحبُها سددَّ أو قاربَ فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تَعُدُّوه".

(الشِّرَّة) بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء، وبعدها تاء تأنيث: هي النشاط والهمة، وشرة الشباب: أوله وحدّته.

58 -

(10)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَنْ رَغِبَ عن سنتي فليسَ مِني".

رواه مسلم

(3)

.

(1)

قلت: وأحمد والطحاوي بإسنادين صحيحين عن عبد الله بن عمرو، ووقع في الأصل وغيره:(ابن عمر)، وهو خطأ، وهو مخرج عندي في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم برقم (51)، وقد تمّ طبعه في جزئين.

(2)

قلت: هذا يوهم أنه لم يروه أحد من الستة، وليس كذلك، فقد رواه منهم الترمذي وقال:"حديث حسن صحيح"، وهو كما قال، وكذلك رواه الطحاوي.

(3)

هذا يوهم أن مسلماً تفرد به دون سائر الستة، وليس كذلك، فقد أخرجه البخاري أيضاً، وكذا النسائي في "النكاح". والحديث قطعة من حديث الرهط الثلاثة الذين سالموا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عبادته. رواه البخاري عن حميد. والآخران عن ثابت؛ كلاهما عن أنس، وحديث حميد أتم، وسيأتي بتمامه في (17 - النكاح/ 2 - الترغيب في النكاح).

ص: 131

59 -

(11)[صحيح] وعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لقد تركتُكم على مِثْلِ البيضاء

(1)

، ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها إلا هالكٌ".

رواه ابن أبي عاصم في "كتاب السّنة" بإسناد حسن

(2)

.

60 -

(12)[صحيح لغيره موقوف] وعن عَمرو بن زرارة قال:

وقف عليَّ عبد الله -يعني ابن مسعود- وأنا أقُصُّ، فقال:

يا عَمرو! لقد ابتدعتَ بدعةً ضلالةً، أو إنَّك لأهدى من محمدٍ وأصحابه! فلقد رأيتُهم تفرّقوا عنّي حتى رأيتُ مكاني ما فيه أحدٌ.

رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين أحدهما صحيح

(3)

.

قال الحافظ عبد العظيم:

"وتأتي أحاديث متفرّقة من هذا النوع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى".

(1)

أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلاً، فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها، إليه الإشارة بقوله:"ليلها كنهارها".

(2)

قلت: وكذلك رواه أحمد وابن ماجه والحاكم في بعض ألفاظ حديث العرباض المتقدم (1 - باب)، ولذلك تعجب الناجي (15/ 1) من المؤلف لعزوه إياه لابن أبي عاصم دون ابن ماجه! وهو عند ابن أبي عاصم برقم (48)، وله عنده شاهد.

(3)

قلت: وأخرجه الدارمي بنحوه أتم منه، وهو مخرج في "الرد على التعقيب الحثيث".

ص: 132

‌3 - (الترغيب في البداءة بالخير ليُستن به، والترهيب من البداءة بالشر خوف أن يستن به)

61 -

(1)[صحيح] عن جَريرٍ رضي الله عنه قال:

كنا في صدر النهار عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه قومٌ غراةٌ مُجتابي النِّمار والعَباء، مُتقلِّدي السيوفِ، عامَّتهم من مُضر، بل كلهم من مُضر، فَتَمَعَّر وجهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَمّا رأى ما بهم من الفاقة، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى

(1)

، ثم خطب فقال:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ، إلى آخر الآية. . .

(2)

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، والآية التي في (الحشر):{اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}

(3)

تَصَدَّقَ رجلٌ من دينارِه، من درهمِه، من ثوبِه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تَمره، -حتى قال:- ولو بِشِقِّ تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةِ كادَتْ كَفُّه تَعجِزُ عَنها، بل قد عَجَزَتْ. -قال:- ثم تتابعَ الناسُ حتى رأيتُ كَومَيْنِ من طعامِ وثيابٍ، حتّى رأيت وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَهلَّلُ كأنه مُذْهبةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً، فلَه أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده، من غير أن يَنقصَ من أجورِهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً كان عليهِ وِززها وزرُ من عملَ بها من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيء".

رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي باختصار القصة.

قوله: (مجتابي) هو بالجيم الساكنة ثم تاء مثناة وبعد الألف باء موحدة.

ص: 133

و (النمار) جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط، أي: لابسي النمار، قد خرقوها في رؤوسهم.

و (الجوب): القطع.

وقوله: (تَمَعَّرَ) هو بالعين المهملة المشددة؛ أي: تغيّر.

وقوله: (كأنه مُذهبة) ضبطه بعض الحفاظ بدال مهملة وهاء مضمومة ونون، وضبطه بعضهم بذال معجمة وبفتح الهاء وبعدها باء موحدة، وهو الصحيح المشهور. ومعناه على كلا التقديرين: ظهور البِشْر في وجهه صلى الله عليه وسلم حتى استنار وأشرق من السرور.

و (المذهبة): صفيحة منقشة بالذهب، أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنه وتلألؤه.

62 -

(2)[حسن صحيح] وعن حذيفةَ رضي الله عنه قال:

سأل رجلٌ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأمسكَ القومُ، ثم إنّ رجلاً أعطاه؛ فأعطى القومُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"من سَنَّ خيراً فاستُنَّ به، كان له أجرُهُ، ومثلُ أجور من تَبِعَهُ، غير مُنْتَقَصٍ من أجورهم شيئاً، ومن سَنَّ شراً فاستُنَّ به، كان عليه وزرُه، ومثلُ أوزار من تبعه، غير مُنتقصٍ من أوزارهم شيئاً".

رواه أحمد، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد".

63 -

(3)[صحيح] ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة

(1)

.

64 -

(4)[صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ليس مِن نفسٍ تُقتَلُ ظلماً إلا كان على ابنِ آدمَ الأولِ كِفلٌ

(2)

من دمِها،

(1)

هذا تقصير واضح، فقد أخرجه مسلم أيضاً (8/ 62)، وسيأتي لفظه معزوّاً إليه في (3 - العلم/ 7 - الترغيب في نشر العلم/ الحديث 7)، وهو مخرّج في الصحيحة" (865).

(2)

(الكفل) بالكسر: الحظ والنصيب.

ص: 134

لأنّه أولُ من سَنَّ القتلَ".

رواه البخاري ومسلم والترمذي.

65 -

(5)[حسن صحيح] وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من سَنَّ سنةً حسنةً فله أجرُها ما عُمِلَ بها في حياتِه، وبعد مماته حتّى تُتركَ، ومن سَنَّ سنةً سيئةً فعليه إِثْمُها حتى تُتركَ، ومن مات مُرابِطاً جَرى عليه عملُ المرابطِ حتى يُبعثَ يومَ القيامةِ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به.

66 -

(6)[حسن لغيره] عن سهل بن سعد رضي الله عنهما؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إن هذا الخيرَ خزائنُ، ولتلك الخزائن مفاتيحُ، فطوبى لعبدٍ جَعَلَهُ الله عز وجل مفتاحاً للخيرِ، مغلاقاً للشرِّ، وويلٌ لِعبدٍ جَعَلَهُ الله مفتاحاً للشرِّ، مغلاقاً للخير".

(1)

رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن أبي عاصم، وفي سنده لين، وهو في "الترمذي" بقصةٍ

(2)

.

(1)

(المفتاح) بكسر الميم: آلة لفتح الباب ونحوه، والجمع:(مفاتيح ومفاتح) أيضاً.

و (المغَلاق) بكسر الميم: هو ما يُغلق به، وجمعه (مغاليق ومغالق). ولا يُعدَ أن يُقدَّر: ذوي مفاتيح للخير، أي أن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير، كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم.

وقوله: (طوبى): اسم للجنة. وقيل: هي شجرة في الجنة، وأصلها (فعلى) من الطيب، كما في "النهاية". وأقول: تمريض القول بأنها شجرة في الجنة، مما لا وجه له، فقد جاء ذكرها في أحاديث سيأتي أحدها في آخر الكتاب (28 - صفة الجنة / 8/ الحديث 3). وآخر في "الصحيحة"(1985).

و (ويل): هو الحزن والهلاك والمشقة من العذاب؛ كما قال ابن الأثير. وقيل: هو واد في جهنم.

قلت: فيه حديث ضعيف سيأتي في (27 - صفة النار/3).

(2)

لكن روي بأسانيد أخرى، وبعضها موقوف صحيح، انظر "الظلال"(1/ 126 - 129)، وعزوه للترمذي وهم محض لا أدري سببه، فإنه لم يعزه إليه أحد ولا الحافظ المزي في "تحفة الأشراف"، والحافظ السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير"، هذا بعد البحث الجاد عنه في "سننه"، وهو مخرج في "الصحيحة"(1332).

ص: 135

‌3 - كتاب العِلم

‌1 - (الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين).

67 -

(1)[صحيح] عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من يُرِد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين"

(1)

.

رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.

(2)

[حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير"، ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"يا أيها الناسُ! إنما العلم بالتعلّمِ، والفقهُ بالتفقه، ومن يُرِدِ الله به خيراً يفقهه في الدين، و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ".

وفي إسناده راوٍ لم يسم.

(3)

(1)

(الفقه) في الأصل: الفهم، يقال: فَقِه الرجل بالكسر يفقه فقهاً إذا فهمٍ وعلم. وفَقُه بالضم يفقه إذا صار فقهياً عالماً. وقد جعله العرفَ خاصاً بعلم الشريعة، وتخصيصاً بعلم الفروع منها. قاله أبو السعادات!

أقول: تخصيصه بعلم الفروع لا دليل عليه، فقد روى الدارمي عن عمران المنقَرِيِّ قال: قلت للحسن يوماً في شيء: ما هكذا قال الفقهاء، قال: ويحك هل رأيت فقيهاً؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه.

(2)

في الأصل هنا ما نصه: "ورواه أبو يعلى وزاد فيه: ومن لم يفقهه لم يبالِ به"، ولما كان إسناده ضعيفاً جداً، فلم أذكره مع "الصحيح" على ما هو مبين في "المقدمة"، وهو مخرج في "الضعيفة"(6708).

(3)

له طرق وشواهد تقويه، فانظر "الصحيحة"(342).

ص: 136

68 -

(2)[صحيح لغيره] وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"فَضْلُ العلمِ خيرٌ من فضلِ العبادة، وخيرُ دينِكم الوَرَعُ".

رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار بإسناد حسن.

(فصل)

69 -

(3)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من نفّس

(1)

عن مؤمنٍ كُربةً من كُربِ

(2)

الدنيا نفَّس الله عنه كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن ستر مسلماً

(3)

سَتَره الله في الدنيا والآخرةِ، ومن يسّر على مُعسرٍ

(4)

يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عونِ العبدِ

(5)

ما كان العبدُ في عونِ أخيه، ومن سَلَك طريقاً يلتمسُ

(6)

فيه علماً سهّل الله له به

(1)

بتشديد الفاء، أي: فرج وأزال بماله أو بجاهه أو إشارته أو إعانته أو وساطته أو دعائه وشفاعته.

(2)

هو بضم الكاف وفتح الراء المهملة جمع (كربة)، وهي في أصل اللغة: ما يأخذ النفس من الغم. والمعنى: فرج وأزال هماً واحداً من هموم الدنيا أي هم كان، صغيراً أو كبيراً؛ من عِرضه وغرضه، وعَده وعُدده، وهذا فيما يجوز شرعاً، وأما ما كان محَرماً أو مكروها، فلا يجوز تفريجه، ولا تنفيسه.

(3)

أي: بدنه باللباس، أو عيوبه عن الناس، وهذا إذا لم يكن معروفاً بالفساد، بأنْ يكون من ذوي الهيئات، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم؛ إلا الحدود". وهو حديث صحيح خرجته في "الصحيحة" برقم (638)، ويلزم أن يقيد بما يتعلق بحقوق الله تعالى، كالزنا وشرب الخمر وشبههما دون حقوق الناس، كالقتل والسرقة ونحوهما، فإن الستر هنا حرام، والإخبار به واجب.

(4)

هو من ركبه الدَّين، وتعسر عليه قضاؤه بالإنظار أو بالإبراء، أو يراد بالعسر مطلق الفقر، فيسهل عليه أمره، بالهبة أو الصدقة أو القرض.

(5)

أي: إعانته، (ما كان العبد) أي: مدة دوام كونه في عون أخيه، أي: إعانته بماله أو جاهه أو قلبه أو بدنه.

(6)

أي: يطلب. وقوله: (في بيت من بيوت الله)؛ أي: مسجد أو مدرسة أو رباط، فلذلك لم يقل: من المساجد.

ص: 137

طريقاً إلى الجنَّةِ، وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلُونَ كتابَ الله ويتدارسونهُ

(1)

بينهم إلا حفّتهم الملائكةُ، ونزلت عليهم السّكينةُ

(2)

، وغشيتْهم الرحمةُ، وذكرَهُم الله فيمَن عنده، ومن بطّأ

(3)

به عملُهُ، لم يُسرِعْ به نَسبُه".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرطهما"

(4)

.

70 -

(4)[حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من سلك طريقاً يلتمِسُ فيه علماً سهّلَ الله له طريقاً إلى الجنّةِ، وإن الملائكةَ لتضَعُ أجنحتها لِطالبِ العلم رِضاً بما يصنع، وإن العالِمَ ليَسْتَغْفِرُ له من في السمواتِ ومَن في الأرضِ، حتى الحيتانُ

(5)

في الماءِ، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمرِ على سائر الكواكب، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يُورِّثُوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورَّثُوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ

(6)

".

(1)

يشمل هذا ما يناط بالقرآن من تعليم وتعلم. وتدارس بعضهم على بعض، والاستكشاف والتفسير، والتحقيق في مبناه ومعناه.

(2)

أي: ما يسكن إليه القلب من الطمأنينة والوقار والثبات وصفاء القلب.

وقوله: (غشيتهم الرحمة) أي: غطتهم، وقوله:(حفتهم الملائكة): أحدقت بهم وأحاطت.

(3)

هو بتشديد الطاء، أي: من أخره عمله السيئ وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب وفضيلة الآباء، ولا يسرع به إلى الجنة، بل يُقدّم العامل بالطاعة -ولو كان عبداً حبشياً- على غير العامل -ولو كان شريفاً قرشياً- قال الله تعالى:{إن أكرَمَكم عندَ الله أتقاكم} .

(4)

في هذا التخريج أوهام عجيبة نبَّهَ عليها الشيخ الناجي -رحمه الله تعالى-، (ق 16 - 18)، يطول الكلام بذكرها، لكن المهم هنا التذكير بأن سياق الحديث إنما هو لابن ماجه فقط دون مسلم وغيره ممن قرن معه، وسنده صحيح على شرط الشيخين.

(5)

جمع (حوت): وهو العظيم من السمك، وهو مذكر، قال تعالى:{فالتقمه الحوت} .

(6)

(الحظ): النصيب، والمعنى: أخذ نصيباً تاماً لا حظ أوفر منه.

ص: 138

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وقال الترمذي:

"لا يُعرَف إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حَيْوة، وليس إسناده عندي بمتّصل، وإنما يُروى عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا أصح".

قال المملي رحمه الله:

"ومن هذه الطريق رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في "الشُّعب" وغيرها. وقد رُوي عن الأوزاعي عن كثير بن قيس عن يزيد بن سمُرة عنه، وعن الأوزاعي عن عبد السلام بن سليم عن يزيد بن سمُرة عن كثير بن قيسٍ عنه. قال البخاري: "وهذا أصح". ورُوي غيرُ ذلك، وقد اخْتُلفَ في هذا الحديث اختلافاً كثيراً، ذكرت بعضه في "مختصر السنن"

(1)

، وبسطته في غيره. والله أعلم".

71 -

(5)[حسن] وعن صفوان بن عسالٍ المُرادي رضي الله عنه قال:

أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد مُتكئٌ على بُردٍ له أحمرَ، فقلتُ له: يا رسولَ الله! إني جئتُ أطلبُ العلمَ. فقال:

"مرحباً بطالبِ العلمِ، إنَّ طالبَ العلمِ تَحُفُّه الملائكةُ [وتظله]

(2)

بأجنحتِها، ثم يركبُ بعضُهم بعضاً حتى يبلغوا السماءَ الدنيا من محبتهم لما يطلُبُ".

(1)

رقم الحديث عنده (3494)، قلت: وقد ذكر الخلاف أيضاً الحافظ ابن عبد البَر في "جامع بيان العلم"، وأطال فيه، فراجعه (1/ 33 - 37). ومدار الحديث على داود بن جميل عن كثير بن قيس، وهما مجهولان، لكن أخرجه أبو داود من طريق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن.

(2)

زيادة سقطت من الأصل، استدركتها من "الطبراني"(8/ 63/ 1347).

ص: 139

رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد، واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال:"صحيح الإسناد"، وروى ابن ماجه نحوه باختصار، ويأتي لفظه إن شاء الله تعالى. [2 - باب/ الحديث الثاني].

72 -

(6)[صحيح] ورُوي عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"طلب العلمِ فريضةٌ على كل مسلمٍ. . . . . "

(1)

.

رواه ابن ماجه وغيره.

73 -

(7)[حسن لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سبعٌ يَجْري للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: من عَلَّم عِلْماً، أو كَرى

(2)

نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته".

رواه البزار، وأبو نعيم في "الحلية"، وقال:

"هذا حديث غريب من حديث قتادة، تفرد به أبو نعيم عن العرزمي.

ورواه البيهقي ثم قال:

"محمد بن عُبيد الله العرزمي ضعيف، غير أنه قد تقدمه ما يشهد لبعضه وهما -يعني هذا الحديث، والحديث الذي ذكره قبله

(3)

- لا يخالفان الحديث الصحيح، فقد قال فيه:

"إلاّ من صدقة جارية"، وهو يجمع ما جاء به من الزيادة

(4)

" انتهى.

(1)

انظر التعليق على هذا الحديث في الكتاب الآخر (3 - العلم/ 1 - باب).

(2)

أي: حفره وأخرج طينه. جاء في "المصباح": "وكَرَيْتُ النهر كرياً، من باب (رمى): حفرتُ فيه حفرة جديدة"، ولبعضه شاهد كما قال المصنف.

(3)

يشير إلى حديث أبي هريرة بمعناه، وهو الآتي في الباب برقم (11)، والحديث الصحيح بعده.

(4)

الأصل: (ما وردا به من الزيادة والنقصان)! والتصويب من "شعب الإيمان"(3/ 248).

ص: 140

(قال الحافظ) عبد العظيم: "وقد رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه من حديث أبي هريرة، ويأتي إن شاء الله تعالى". [يعني قريباً في هذا الفصل].

74 -

(8)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها؛ إلا ذكرَ الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً"

(1)

.

رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي:"حديث حسن".

75 -

(9)[صحيح] وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا حسَدَ إلا في اثنَتين؛ رجلٌ آتاهُ الله مالاً فسلّطه على هلكتِه في الحق، ورجلٌ آتاه الله الحِكمةَ، فهو يَقضي بها وُيعلِّمُها".

رواه البخاري ومسلم.

(الحسد) يطلق ويراد به تمنِّي زوال النعمة عن المحسود، وهذا حرام، ويطلق ويراد به الغِبْطة، وهو تمنِّي مثل ما له، وهذا لا بأس به، وهو المراد هنا.

76 -

(10)[صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" [إنَّ] مَثَل

(2)

ما بعثني الله به من الهُدى

(3)

والعلمِ، كَمَثَلِ غيثٍ أصابَ

(1)

المراد بالدنيا: كل ما يشغل عن الله تعالى ويبعد عنه، ولعنه: بعده عن نظره. والاستثناء في قوله: "إلا ذكر الله" منقطع، ويحتمل أن يراد بها العالَمُ السفلي كله، وكل ما له نصيب في القبول عنده تعالى قد استثني بقوله:"إلا ذكر الله" إلخ، فالاستثناء متصل.

و (الموالاة): المحبة. أي: إلا ذكر الله، وما أحبه الله تعالى مما يجري في الدنيا. أو بمعنى المتابعة، فالمعنى ما يجري على موافقة أمره تعالى أو نهيه. ويحتمل أن يراد: وما يوافق ذكر الله، أي: يجانسه ويقاربه، فطاعته تعالى، واتباع أمره، واجتناب نهيه؛ كلها داخلة فيما يوافق ذكر الله. والله أعلم.

(2)

هو بفتح المثلثة، والمراد به الصفة العجيبة، لا القول السائر، والزيادة من "مسلم"، والسياق له.

(3)

هو الدلالة الموصلة إلى المطلوب. والمراد بالعلم: معرفة الأدلة الشرعية، لا الفروع المذهبية.

و (الغيث): المطر.

ص: 141

أرْضاً، فكانت منها طائفةٌ طيِّبَةٌ قَبِلتِ الماء، وأنبتت الكلأ

(1)

والعُشْبَ الكثيرَ، وكان منها أجادِبُ

(2)

أمسكت الماءَ فنفعَ الله بها الناس، فشربوا منها وسَقَوْا وزَرَعوا

(3)

، وأصاب طائفةً أخرى منها، إنما هي قِيعانٌ

(4)

، لا تُمسِك ماء، ولا تُنبتُ كلأً، فذلك مَثَلُ من فَقُهَ

(5)

في دين الله تعالى، ونَفَعَه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعلّم؛ ومَثَلُ مَن لم يَرْفَعْ بذلك رأساً، ولم يَقْبلْ هُدى الله الذي أُرسلتُ به".

رواه البخاري ومسلم.

77 -

(11)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ ممّا يلحقُ المؤمِنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موتِه علماً علّمه ونَشَرَه، وولداً صالحاً تركه، أو مُصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أَو بيتاً لابن السبيل

(1)

بالهمز بلا مد: النَّبَتُ يابساً كان أو رطباً. و (العشب): النبت الرطب، فعطفه عليه من عطف الخاص على العام.

(2)

جمع (جَدَب) بفتح الدال المهملة على غير قياس: وهي الأرض الصلبة التي تمسك الماء فلا تشربه سريعاً. وقيل: هي الأرض التي لا نبات بها، مأخوذة من الجدب، وهو القحط.

(3)

هذا اللفظ للبخاري، ولفظ مسلم:"ورَعَوا"، وجمع بينهما أحمد بلفظ:"فشربها، فرَعَوْا، وسقوا، وزعوا وأسقوا".

(4)

بكسر القاف: جمع (قاع): وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.

(5)

بضم القاف؛ أي: صار فقيهاً. قال الإمام القرطبي وغيره من شراح الحديث:

"ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تُحيي القلب الميت. ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العامل المعلّم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم ينفعه فيما جمع له، لكنّه أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء، التي لا تقبل الماء، أو تفسده على غيرها. وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها. والله أعلم".

ص: 142

بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالِهِ في صحتِه وحياتِه، تَلحقُه من بعد موتِه".

رواه ابن ماجه بإسناد حسن، والبيهقي، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" مثله؛ إلا أنه قال:"أو نهراً كراه"، وقال:"يعني حفره"، ولم يذكر المصحف.

78 -

(12)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا مات ابنُ آدم انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلمٍ يُنتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".

رواه مسلم وغيره

79 -

(13)[صحيح] وعن أبي قتادةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خيرُ ما يُخلِّفُ الرجلُ من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالح يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغُه أجْرُها، وعِلمٌ يُعملُ به من بعده".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

80 -

(14)[حسن لغيره] وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنهم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من علّم علماً؛ فله أجرُ مَن عَمِلَ به، لا ينقُصُ من أجرِ العاملِ شيءٌ".

رواه ابن ماجه.

(1)

وسهل يأتي الكلام عليه

(2)

.

(1)

قلت: وسنده محتمل للتحسين، ويشهد له حديث:"من سن في الإسلام سنة حسنة. ." الحديث، وما في معناه مما تقدم (2 - السنة/ 3 - باب/ الأحاديث 1 - 5)، وحديث:"من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، وما في معناه مما يأتي في (7 - باب/ 1 و 2 - حديث).

(2)

قلت: يعني في آخر الكتاب حيث قال: "باب ذكر الرواة المختلف فيهم المشار إليهم في هذا الكتاب"، وقد رأيت الاستغناء في نقله لأن كتب الجرح والتعديل تغني عن ذلك، وبخاصة أن كثيراً مما ذكره في بعض المترجَمين فيه نظر.

ص: 143

81 -

(15)[حسن لغيره] وعن أبي أمامة الباهلي قال:

ذُكِرَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم رجلانِ: أحدُهما عابدٌ، والآخر عالمٌ، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام:

"فضلُ العالمِ على العابدِ، كفضلي على أدناكم".

ثم قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ الله وملائكتَه وأهلَ السمواتِ والأرضِ -حتى النملةَ في جُحرها، وحتى الحوتَ- لَيصلُّون على مُعلمي الناسِ الخيرَ".

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح".

82 -

(16)[صحيح لغيره] ورواه البزّار من حديث عائشة مختصراً قال:

"مُعلِّم الخيرِ يَستغفر له كلُّ شيءٍ، حتّى الحيتانُ في البحرِ".

83 -

(17)[حسن موقوف] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنه مرّ بسوق المدينة فوقف عليها فقال: يا أهل السوق! ما أعجَزَكم! قالوا: وما ذاك يا أَبا هريرة؟ قال: ذاك ميراثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقسَم، وأنتم هاهنا؛ ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم، ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة! قد أتينا المسجد فدخلنا فيه، فلم نرَ فيه شيئاً يُقسم! فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى؛ رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلالَ والحرامَ، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم! فذاكَ ميراثُ محمد صلى الله عليه وسلم.

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

(1)

(1)

قلت: وكذا قال الهيثمي (1/ 124)، وهو الذي بدا لي بعد أن وقفت على إسناده في "الأوسط" (2/ 114 - 115 ط الحرمين) من طريق علي بن مسعدة قال: نا عبد الله الرومي، عن أبي هريرة. و (الرومي) هذا وثقه ابن حبان، وروى عنه ثلاثة من الثقات، غير علي بن مسعدة. وسائر رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر.

ص: 144

‌2 - (الترغيب في الرحلة في طلب العلم).

84 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

". . . ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سَهَّلَ الله له به طريقاً إلى الجنة".

رواه مسلم وغيره. وتقدّم بتمامه في الباب قبله [الحديث الثالث].

85 -

(2)[صحيح] وعن زِرِّ

(1)

بنِ حُبيشٍ قال: أتيتُ صَفوانَ بنَ عسّالٍ المُراديّ رضي الله عنه، قال: ما جاء بك؟ قلت: أنبُطُ العِلمَ. قال: فإني سمعت رسول الله يقول:

"ما مِنْ خارجٍ خرجَ من بيتِهِ في طلبِ العلمِ؛ إلا وَضَعتْ له الملائكة أجْنحتها رضىً بما يصنعُ".

رواه الترمذي وصححه، وابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد".

قوله: (أنبُط العلمَ)؛ أي: أطلبه وأستخرجه.

86 -

(3)[حسن صحيح] وعن أبي أُمامةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من غدا إلى المسجدِ لا يريد إلاّ أنْ يتعلم خيراً أو يُعلِّمه، كان له كأجرِ حاجٍّ، تامّاً حجَّتُهُ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به

(2)

.

(1)

في الأصل وغيره: (ذر) بالذال! وقيده عَمَارة بكسر الذال! وكل ذلك خطأ.

(2)

قلت: وقال الحافظ العراقي (2/ 317): "وإسناده جيد"، وفيه هشام بن عمار.

قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 91) بلفظ: ". . . أجر معتمر تام العمرة". وزاد: "ومن راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيراً، أو يعلمه؛ فله أجر حاج تام الحجة". وصحّحه على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.

ص: 145

87 -

(4)[صحيح] ورُوي عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من جاء مسجدي هذا، لم يأتِهِ إلا لخيرٍ يتعلَّمُه، أو يُعلِّمُهُ فهو بمنزلةِ المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك، فهو بمنزلةِ الرجلِ ينظر إلى متاعِ غيرِهِ".

رواه ابن ماجه والبيهقي، وليس في إسناده من تُرِكَ، ولا أُجمعَ على ضعفه

(1)

.

88 -

(5)[حسن لغيره] وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

(2)

(1)

قلت: بل إسناد ابن ماجه صحيح على شرط مسلم؛ كما قال البوصيري في "الزوائد"(16/ 2)، وقد أخرجه الحاكم أيضاً، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وإنما هو على شرط مسلم فقط. فتصدير الحديث بقوله:"رُوي" المشير إلى تضعيف الحديث ليس بجيد.

(2)

قلت: الذي في الترمذي (2649): "حسن غريب"، وكذا في "تحفة المزي". لكن فيه (أبو جعفر الرازي)؛ وهو سيئ الحفظ، لكن يشهد له حديث أبي هريرة الذي قبله، إلا أن يقال: إن هذا خاص بالمسجد النبوي. وهو بعيد. والله أعلم.

ص: 146

‌3 - (الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخه، والترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

-).

89 -

(1)[حسن صحيح] عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"نضَّر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه، فَرُبَّ مُبلَّغٍ أوْعى من سامعٍ".

رَواه أبو داود

(1)

والترمذي، وابن حبان في "صحيحه"، إلا أنه قال:

"رَحِمَ الله امرأً".

وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

قوله: (نضّر) هو بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها، حكاه الخطابي. ومعناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة والحُسن، فيكون تقديره: جمّله الله وزيَّنه. وقيل غير ذلك.

90 -

(2)[صحيح] وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"نضّر الله امرأً سمع منا حديثاً فبلّغه غيرَه، فربَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منهُ، وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه، ثلاث لا يَغِلُّ

(2)

عليهن قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمرِ، ولزومُ الجماعة؛ فإن دعوتَهم تُحيط مَنْ وراءَهم. ومن كانت الدنيا نِيَّتَه؛ فرَّقَ الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين

(1)

قلت: ذكْر أبي داود في هذا الحديث وهم، فإنه لم يخرجه من حديث ابن مسعود، وإنما من حديث زيد بن ثابت الآتي بعده.

(2)

يروى بفتح الياء وضمها، فمن فتح؛ جعله من (الغل): وهو الضغن والحقد، يقول: لا يدخله حقد يزيله عن الحق، من ضمَّ؛ جعله من الخيانة، و (الإغلال): الخيانة في كل شيء. كذا في "الكواكب الدراري" لابن عروة الحنبلي (1/ 23/ 2).

ص: 147

عينَيه، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه؛ جمع الله أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتَتْه الدنيا وهي راغمة".

رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي بتقديم وتأخير.

ورَوى صدره إلى قوله: "ليس بفقيه" أبو داود والترمذي، وحسنه، والنسائي وابن ماجه بزيادة عليهما.

91 -

(3)[صحيح لغيره] ورُوي عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال:

خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد (الخيف) من مِنى فقال:

"نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها،

(1)

ثم ذهبَ بها إلى من لم يَسمعها، فَرُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ

(2)

، وربَّ حاملِ فِقهٍ إلى من هو أفقهُ منه" الحديث.

رواه الطبراني في "الأوسط".

92 -

(4)[صحيح لغيره] وعن جُبَير بنِ مُطعِم قال:

سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بـ (الخيْف) خيف منى يقول:

"نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفِظَها وَوَعاها، وبلَّغها من لم يسمعْها، فربَّ حاملِ فقهٍ لا فِقهَ له، ورب حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يُغِلُّ

(3)

عليهن قلبُ مؤمن: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ لأئمةِ المسلمين،

(1)

زاد في الأصل: "وبلغها من لم يسمعها"، وقد حذفتها لأنها لم ترد في المخطوطة، ولا في "المجمع"(1/ 139)، ولأنه تكرار لا معنى له، وإن جاءت في طبعة مصطفى عمارة وغيرها.

(2)

الأصل: "لا فقه له". وكذا في مطبوعة عمارة، والتصويب من "المجمع" ومخطوطة الظاهرية.

(3)

انظر الحاشية (2) المتقدمة في الصفحة السابقة.

ص: 148

ولزومُ جماعتهم؛ فإن دعوتَهم تَحوط مَنْ وراءَهم".

رواه أحمد وابن ماجه، والطبراني في "الكبير" مختصراً ومطولاً، إلا أنه قال:"تُحيط"

(1)

بياء بعد الحاء، رووه كلهم عن محمد بن إسحاق عن عبد السلام

(2)

عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه.

وله عند أحمد طريق عن صالح بن كيسان عن الزهري، وإسناد هذه حسن.

93 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".

رواه مسلم وغيره.

وتقدم هو وما ينتظم في سِلكه، ويأتي له نظائر في "نشر العلم" وغيره إن شاء الله تعالى.

قال الحافظ: "وناسخ العلمِ النافعِ له أجرُهُ، وأجرُ من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده، ما بقي خطُّه والعملُ به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخُ غير النافع مما يوجب الإثمَ، عليه وزرُهُ، ووزرُ من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده، ما بقي خطُّه والعملُ به، لما تقدم من

(1)

قلت: لا وجه لهذا الاستثناء، فالحديث في "كبير الطبراني"(1/ 77/ 41) و (رقم 1541 طبعة أخينا حمدي السلفي) بهذا السياق الذي ذكره المؤلف، وفيه اللفظ الثاني "تحيط"، وهو لفظ ابن ماجه (3056) وغيره ممن لم يذكرهم المصنف. وأما اللفظ الأول:"تحوط"، فلم أرها، وفي مخطوطة الظاهرية "تحفظ"، والمعنى واحد، ولفظ أحمد:"فإن دعوتهم تكون من ورائه" وهو رواية للطبراني، وما دام أن السياق له، فكان يحسن بالمؤلف أن يشير إلى ذلك، لا سيما واستثناؤه المذكور يشعر القارئ بأن السياق ليس له. ولذلك فقد أحسن الهيثمي حين أشار إلى ذلك بقوله (1/ 139):"رواه الطبراني في "الكبير" وأحمد"، فقدم من يستحق التأخير في الذكر إشارة إلى ما ذكرنا.

(2)

ليس في إسناد أحمد ذكر لعبد السلام -وهو ابن أبي الجنوب- وهو رواية الطبراني هذه، لكنه أثبته في رواية أخرى عنده (1542).

ص: 149

الأحاديث

(1)

: "من سن سنة حسنة. . "، أو ". . سيئة". والله أعلم".

94 -

(6)[صحيح] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من كذب عليَّ متعمداً؛ فليتبوأْ مقعدَه من النارِ".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

وهذا الحديث قد رُوي عن غير ما واحد من الصحابة في "الصحاح" و"السنن" و"المسانيد" وغيرها، حتى بلغ مبلغ التواتر. والله أعلم.

95 -

(7)[صحيح] وعن سَمُرة بن جُندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من حدَّث عني بحديثٍ يُرى

(2)

أنّه كَذبٌ؛ فهو أحد الكاذِبين"

(3)

.

رواه مسلم وغيره.

96 -

(8)[صحيح] وعن المغيرةِ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنَّ كَذِباً عليَّ ليس ككذِبٍ على أحدٍ، فمن كَذبَ عليَّ متعمداً؛ فليتبوأ مقعدَه من النارِ".

رواه مسلم وغيره

(4)

.

(1)

كذا الأصل، ولعل الصواب (أحاديث).

(2)

قال الناجي (20): "هو بضم الياء، وذكر بعضهم جواز فتحها"، أي: يظن.

(3)

هو بلفظ الجمع، ورواه أبو نُعيم الأصبهاني في "مستخرجه على صحيح مسلم" من رواية سمرة بلفظ (الكاذبَين) بالتثنية. ثم رواه من رواية المغيرة:" (الكاذبَين) أو (الكاذِبين) على الشك فيهما".

(4)

قلت: هذا تقصير، فقد رواه البخاري أيضاً، وفيه عنده جملة فيها "النياحة" ذكره في "الجنائز". وهي عند مسلم أيضاً في موضع آخر، وقد ذكرها المصنف في أواخر هذا الكتاب، وعزاها إلى الشيخين.

ص: 150

‌4 - (الترغيب في مجالسة العلماء).

[قلت: ليس تحته حديث ثابت على شرط كتابنا]

‌5 - (الترغيب في إِكرام العلماء إجلالهم وتوقيرهم، والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم).

97 -

(1)[صحيح] عن جابر رضي الله عنه:

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَجمعُ بين الرجلين من قتلى أُحدٍ -يعني في القبر-، ثم يقول:

"أيهما أكثر أخْذاً للقرآن؟ "، فإذا أُشيرَ إلى أحدِهما، قدّمه في اللحدِ.

رواه البخاري.

98 -

(2)[حسن] وعن أبي موسى رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنّ من إجلالِ الله إكرامَ ذِي الشيبةِ المسلم، وحاملِ القرآن، غيرِ الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرامَ ذي السلطان المُقْسِطِ".

رواه أبو داود.

99 -

(3)[صحيح] وعن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

البركةُ مع أكابِرِكم".

رواه الطبراني في "الأوسط"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم

(1)

.

(1)

كذا الأصل والمخطوطة. والذي في "المستدرك"(1/ 62): "صحيح على شرط البخاري".

ووافقه الذهبي، وهذا هو الصواب، فإنه من رواية عكرمة عن ابن عباس، وعكرمة من رجال البخاري دون مسلم.

ص: 151

100 -

(4)[صحيح] وعن عبد الله بنِ عَمر [و] رضي الله عنهما يبلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ليس منا من لم يَرحمْ صغيرَنا، ويَعْرِف حقَّ كبيرِنا".

رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم".

101 -

(5)[حسن] وعن عبادة بنِ الصامت؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ليس من أُمتي من لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويَرحَمْ صغيرَنا، ويعرِفْ لعالمِنا".

رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني والحاكم؛ إلا أنه قال:"ليس منا".

102 -

(6)[صحيح لغيره] وعن واثلةَ بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ليس منا من لم يَرحمْ صغيرَنا، وُيجِلَّ كَبيرنا".

رواه الطبراني من رواية ابن شهاب عن واثلة، ولم يسمع منه.

103 -

(7)[حسن صحيح] وعن عَمرو بن شُعيْب عن أبيه عن جدّه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ليس منا من لَم يرحمْ صغيرَنا، ويَعْرِف شرفَ كبيرِنا".

رواه الترمذي وأبو داود؛ إلا أنه قال:

"ويعرف حقَّ كبيرِنا"

(1)

.

104 -

(8)[حسن] وعن عبدِ الله بن بُسر رضي الله عنه قال: لقد سمعت حديثاً منذ زمان:

"إذا كنتَ في قومٍ، عشرين رجلاً أو أقلَّ أو أكثرَ، فتصَفَّحْتَ وجوهَهم فلم تَرَ فيهم رجلاً يُهابُ في الله عز وجل؛ فاعلم أن الأمر قد رقَّ".

رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن.

(1)

قلت: وبهذا اللفظ أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في "المسند"(2/ 185 و 207)، وفي رواية لهما بلفظ:، ويوقّر كبيرنا"، وإسناد الحديث حسن. وله شاهد من حديث أبي هريرة باللفظ الأول. أخرجه الحاكم (4/ 178)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

ص: 152

‌6 - (الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى).

105 -

(1)[صحيح لغيره] عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من تعلَّم علماً ممّا يُبتغى به وجهُ الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليُصيبَ به عَرضاً من الدنيا؛ لم يَجِدْ عَرْفَ الجنّة يوم القيامة". يعني ريحها.

رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والحاكم وقال:

"صحيح على شرط البخاري ومسلم".

وتقدم حديث أبي هريرة في أول "باب الرياء"[1 - حديث]، وفيه:

". . . رجلٌ تعلَّمَ العلمَ وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِيَ به فعرَّفه نِعمه، فعرفها. فقال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلمَ وعلَّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن؛ قال: كذَبتَ، ولكنّك تعلمتَ ليقالَ: عالمٌ، وقرأتَ القرآنَ ليقالَ: هو قارئٌ، فقد قيلَ، ثم أُمِرَ به فَسُحب على وجهه حتى ألقِيَ في النار. . . " الحديث.

رواه مسلم وغيره.

106 -

(2)[صحيح لغيره] ورُوي عن كعبِ بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من طلبَ العلمَ لِيُجاريَ به العلماء، أو ليُماري به السفهاءَ

(1)

، ويَصرفَ به وجوهَ الناسِ إليه، أدخلَه الله النارَ".

رواه الترمذي -واللفظ له-، وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" وغيره، والحاكم شاهداً والبيهقي، وقال الترمذي:"حديث غريب".

(1)

أي: يجادل به ضعفاء العقول.

ص: 153

107 -

(3)[صحيح لغيره] وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تعلموا العلمَ لِتُباهوا به العلماءَ، ولا تمارُوا به السفهاءَ، ولا تخيَّروا به المجالس

(1)

، فمن فعل ذلك فالنارُ النارُ".

رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم من رواية يحيى بن أيوب الغافقيِّ عن ابن جُريج عن أبي الزبير عنه.

ويحيى هذا ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يلتفت إلى مَن شذ فيه

(2)

.

108 -

(4)[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً بنحوه من حديث حُذيفة.

109 -

(5)[صحيح لغيره] ورُوي عن ابن عُمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"من طلب العلمَ، لِيُباهيَ به العلماءَ، ويُماريَ به السفهاءَ، أو لِيصرِفَ وجوه الناسِ إليه؛ فهو في النار".

رواه ابن ماجه.

110 -

(6)[صحيح لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من تعلَّم العلمَ ليُباهيَ به العلماء، ويماريَ به السفهاءَ، ويصرفَ به وجوهَ الناس؛ أدخلَه الله جهنَّم".

رواه ابن ماجه أيضاً.

(1)

أي: لتقصدوا خير المجالس وأفضلها!

(2)

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم أيضاً (1/ 86)، وابن عبد البر (1/ 187)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الحافظ العراقي (1/ 52)، وهو كما قالوا إنْ سلم من الانقطاع؛ فإن ابن جريج وشيخه أبا الزُبير (مدلّسان) معروفان بذلك، وقد عنعناه، غير أنَّ الحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد في الباب يتقوّى بها، وتتقوّى به.

ص: 154

111 -

(7)[صحيح لغيره موقوف] وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه قال:

كيف بكم إذا لبستْكم فتنةٌ، يَربو فيها الصغيرُ، ويَهرَمُ فيها الكبيرُ، وتُتَّخَذُ سنةً، فإن غُيَّرَتْ يوماً قيلَ: هذا منكرٌ! قيل: ومتى ذلك؟ قال، إذا قلَّت أُمناؤكم، وكَثُرتْ أُمراؤُكُم، وقَلَّتْ فقهاؤكُم، وكَثُرتْ قراؤكم، وتُفُقِّهَ لِغيرِ الدين، والتُمست الدنيا بعملِ الآخرةِ.

رواه عبد الرزاق في "كتابه"

(1)

موقوفاً.

(1)

أي: "المصنَّف" وهو فيه (11/ 352) بإسناد منقطع، فكان الأَوْلى عزوه إلى من وصله بإسناد صحيح، كالدارمي والحاكم وغيرهما.

ص: 155

‌7 - (الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير).

112 -

(1)[حسن] عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن مما يَلحقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موته علماً علَّمه ونَشَرَه، وولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالِهِ في صحته وحياتِه، يلحقُه من بعدِ موتِه".

رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه

(1)

.

113 -

(2)[صحيح] وعن [أبي]

(2)

قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خَيرُ ما يُخلِّف الرجلُ من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالح يَدعو له، وصدقةٌ تَجري يبلغُه أجرُها، وعلمٌ يُعملُ به من بعده".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

وتقدم [1 - باب/ 12] حديث أبي هريرة:

"إذا مات ابنُ آدمَ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".

رواه مسلم.

(1)

قلت: وتقدم هذا الحديث والذي بعده (1 - باب/ 11 - 13 - حديث).

(2)

سقطت من الأصل ومن مطبوعة عمارة، واستدركتها من المخطوطة و"ابن ماجه"، وقد سبق على الصواب في (1 - الترغيب في العلم وطلبه).

ص: 156

114 -

(3)[صحيح لغيره] ورُوي عن أبي أمامةَ رضي الله عنه

(1)

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"أربعةٌ تجري عليهم أجورهم بعدَ الموت: رجلٌ مات مُرابطاً في سبيلِ الله، ورجلٌ علَّمَ علماً، فأجرُه يَجري عليه ما عُمِلَ به، ورجلٌ أجرى صدقةً، فأجرُها له ما جَرَتْ، ورجلٌ ترك ولداً صالحاً يَدعو له".

رواه الإمام أحمد والبزار، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وهو صحيح مفرقاً من حديث غير ما واحد من الصحابة رضي الله عنهم.

(فصل)

115 -

(4)[صحيح] وعن أبي مسعود البدري:

أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَستحملُه، فقال: إنه قد أُبدعَ بي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ائت فلاناً"

فأتاه، فحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من دلَّ على خيرٍ؛ فله مثلُ أجرِ فاعِله، أو قال عامِلِه".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي

(2)

.

(1)

في الأصل ومطبوعة عمارة "عنهما". وهو خطأ فاحش، فإن أبا أمامة -واسمه صدي بن عجلان- لم يذكروا لأبيه صحبة، وليس للترضّي ذكر في المخطوطة أصلاً.

(2)

قلت: والسياق له، وصححت منه بعض الأخطاء كانت في الأصل، وقال:"حديث حسن صحيح".

ص: 157

قوله: (أبدعَ بي) هو بضم الهمزة وكسر الدال، يعني: ظلعت ركابي، يقال: أُبْدعَ به، إذا كلّت ركابه أو عَطبت، وبقي منقطعاً به.

116 -

(5)[صحيح] وعن أبي

(1)

مسعودٍ رضي الله عنه قال:

أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال:

"ما عندي ما أُعطيكَه، ولكن ائْتِ فلاناً".

فأتى الرجلَ، فأعطاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن دَلَّ على خيرٍ؛ فله مِثلُ أجرِ فاعلِهِ، أو عامله".

رواه ابن حِبّان في "صحيحه".

ورواه البزار مختصراً:

"الدّالُّ على الخير كفاعِلِه".

117 -

(6)[صحيح لغيره] رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من حديث سهل بن سعد.

(1)

الأصل: (ابن) وكذا في المصورة التي عندي، والتصويب من ابن حبان، وهو مخرج في "الصحيحة"(1660). ويظهر لي أنه خطأ من المؤلف، وإلا لقال:"وفي رواية عنه. ." كما هي عادته، ولعل السبب أنه في "مسند البزار"(5/ 150 - البحر الزخار) مختصراً -كما يأتي عند المؤلف- من طريق أبي وائل عن عبد الله به. وهو ابن مسعود، وهو عند ابن حبان من رواية أبي عمرو الشيباني عن أبي مسعود. وأبو عمرو هذا -واسمه سعد بن إياس الأنصاري- بروايته عن ابن مسعود أشهر من روايته عن (أبي مسعود)، فكان هذا من دواعي الخطأ. والله أعلم، ولم ينتبه المعلقون الثلاثة لهذا الخطأ فأثبتوه في طبعتهم المزخرفة!!

ص: 158

118 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثلُ أجورِ من تَبعه، لا يَنقُصُ ذلك من أجورِهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ من اتَّبَعَهُ، لا ينَقُصُ ذلك من آثامِهم شيئاً".

رواه مسلم وغيره.

وتقدم هو

(1)

وغيره في "باب البداءة بالخير".

119 -

(8)[صحيح موقوف] وعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {قوا أَنفُسَكُمْ وأهليكم ناراً} ، قال:

عَلَّمُوا أهليكم الخيرَ.

رواه الحاكم موقوفاً، وقال:"صحيح على شرطهما".

(1)

قلت: كلا، لم يتقدم لفظه، وإنما ذكره من حديث أبي هريرة معزوّاً لابن ماجه فقط، عقب حديث حُذيفة بمعناه، ونبّهت هناك إلى أنّه سيأتي هنا. انظر الأحاديث (1 - 5/ 2 - السنة/ 3 - باب).

ص: 159

‌8 - (الترهيب من كتم العلم).

120 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سُئل عن علمٍ فَكَتَمَه؛ أُلْجِم يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ".

رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.

ورواه الحاكم بنحوه، وقال:

"صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه".

[صحيح لغيره] وفي رواية لابن ماجه قال:

"ما من رجلٍ يحفظُ علماً فيَكْتُمُه؛ إلا أتى يومَ القيامةِ ملجوماً بلجامٍ من نارٍ".

121 -

(2)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من كتمَ علماً؛ ألجمَهُ الله يومَ القيامة بلجامٍ من نارٍ".

رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:

"صحيح لا غبار عليه".

122 -

(3)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مثلُ الذي يَتَعلّم العلمَ ثم لا يحدِّثُ به، كمثلِ الذي يَكنِزُ الكنزَ ثم لا يُنفِقُ منه".

رواه الطبراني في "الأوسط"، وفي إسناده ابن لهيعة

(1)

.

(1)

يعني: وهو ضعيف، ولكنه من رواية ابن وهب عنه عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم وعبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة. وهذا إسناد حسن، لأن ابن لهيعة صحيح الحديث برواية ابن وهب، ودراج حسن الحديث عن ابن حجيرة كما قررته في المقدمة (ص 7)، وله طرق وشواهد يزداد بها قوة، وهي مخرجة في "الصحيحة"(3479).

ص: 160

‌9 - (الترهيب من أنْ يعلَم ولا يَعمل بعلمه، ويقول ما لا يفعله).

123 -

(1)[صحيح] عن زيد بن أرقمَ رضي الله عنه؛ أنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:

"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفعْ، ومن قلب لا يَخشعْ، ومن نَفْسٍ لا تَشْبعْ، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها".

رواه مسلم والترمذي والنسائي، وهو قطعة من حديث.

124 -

(2)[صحيح] وعن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"يُجاء بالرجلِ

(1)

يومَ القيامة، فيُلْقى في النارِ، فَتَنْدلِقُ أقتابُه

(2)

، فيدُورُ بها كما يدورُ الحِمارُ برحاه

(3)

، فتَجْتَمعُ أهلُ النار عليه، فيقولون: يا فلانُ! ما شأنُك؟ ألستَ كنتَ تأمرُ بالمعروف، وتَنْهى عن المنكرِ؟ فيقول: كنتُ آمرُكم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشرِّ وآتيه".

125 -

(3)[صحيح] قال:

(4)

وإني سمعتُهُ يقول -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-:

"مررتُ ليلةَ أُسريَ بي بأقوام تُقرَضُ شفاهُهم بمقاريُضَ من نارٍ، قلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: خطباءُ أمتِّكَ الذين يقولون ما لا يَفعلون".

(1)

أي: الذي يخالف علمه عمله. (الاندلاق) خروج الشيء من مكانه بسرعة.

(2)

جمع (قِتْب) بكسر القاف: الأمعاء أي: المصارين.

(3)

أي: الطاحون. فانظر يا أخي إلى حال من قال ولم يفعل كيف تنصبُّ مصارينه من جوفه، وتخرج من دبره، ويدور بها دوران الحمار بالطاحون، والناس تنظر إليه وتتعجب من هيئته، نسأل الله السلامة.

(4)

كذا في الأصل وغيره، يعني أنه من حديث أسامة بن زيد، وسيأتي كذلك في الباب الذي سيشير إليه المؤلف قريباً، يعني في (21 - الحدود /2)، وهذا وهم فاحش، سببه -فيما أرى- اعتماد المؤلف رحمه الله على حفظه، وإملاؤه أحاديث الكتاب من ذاكرته، دون أن يرجع في ذلك إلى أصوله، فإن هذا الحديث الذي جعله من حديث أسامة بن زيد هنا وهناك، ليس من حديثه مطلقاً، لا في "الصحيحين" ولا في غيرهما، وإنما هو حديث آخر، لا صلة له بالأول، يرويه أنس ابن مالك رضي الله عنه، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(35 - موارد الظمآن) وغيرهم ممن =

ص: 161

رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له

(1)

.

رواه

(2)

ابن أبي الدنيا وابن حبان والبيهقي من حديث أنس، وزاد ابن أبي الدنيا والبيهقي في رواية لهما:

"ويقرؤون كتابَ الله ولا يعملَون بِهِ".

قال الحافظ: وسيأتي أحاديث نحوه في "باب من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله". [21 - كتاب الحدود].

126 -

(4)[صحيح] وعن أبي بَرزةَ الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تزولُ قدما عبدٍ [يومَ القيامة]

(3)

حتى يُسأَل عن عمرِهِ فيمَ أفناه؟ وعن علمِهِ فيمَ فَعَلَ فيه؟ وعن مالِهِ من أين اكتَسَبَه؟ وفِيمَ أنفقه؟ وعن جِسمِه فِيمَ أبلاه؟ ".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

127 -

(5)[حسن لغيره] ورواه البيهقي وغيره من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

= ذكرهم المؤلف، وفاته الإمام أحمد في "المسند"(3/ 120، 231، 239). ومن أجل ذلك فصلته عن حديث أسامة، وأعطيته رقماً خاصاً، بخلاف ما فعله مصطفى عمارة وغيره كالمعلقين الثلاثة. والله ولي التوفيق.

(1)

كذا قال! ولعله يعني الحديث الأول؛ لما عرفت من أن الشيخين لم يخرجا الآخر، ولهذا قال الناجي: إنما صوابه: واللفظ للبخاري، فإنه رواه هكذا في "باب صفة النار". رواه مسلم نحوه في "كتاب الزهد"، ورواه البخاري بمعناه في كتاب الفتن.

قلت: وسيأتي لفظ مسلم في الموضع الذي أشار إليه المصنف هنا، والمراد بهذا التخريج حديث أُسامة الذي قبل هذا؛ كما بينته آنفاً.

(2)

يعني: حديث الإسراء الذي هو من حديث أنس، وليس من حديث أسامة كما سبق آنفاً، وهو مخرج في "الصحيحة"(291).

(3)

سقطت من الأصل والمخطوطة، واستدركتها من "الترمذي".

ص: 162

"ما تُزالُ

(1)

قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِهِ فيمَ أفناه؟ وعن شبابِهِ فيمَ أبلاه؟ وعن مالِهِ من أين اكتَسَبَه؟ وفِيمَ أنفقه؟ وعن علمِهِ ماذا عَمِل فيه؟ ".

128 -

(6)[حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يزول قدما ابن آدمَ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن خمسٍ: عن عمره فِيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتَسَبَه؟ وفيمَ أنفقه؟ وماذا عمِل فيما عَلِمَ؟ ".

رواه الترمذي أيضاً، والبيهقي، وقال الترمذي:

"حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث حسين بن قيس".

قال الحافظ: "حسين هذا هو حنش، وقد وثقه حُصين بن نُمَيْرٍ، وضعفه غيره، وهذا الحديث حسن في المتابعات إذا أضيف إلى ما قبله. والله أعلم".

129 -

(7)[صحيح لغيره موقوف] وعن لقمان -يعني ابن عامر- قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول:

إنّما أخشى من ربي يومَ القيامة أنْ يدعوَني على رؤوس الخلائِقِ فيقولَ لي: يا عُوَيْمرُ! فأقولَ: لبيكَ ربِّ. فيقول: ما عملتَ فيما علمتَ.

(1)

بضم التاء، ويُحيلُ فتحُها المعنى. أفاده الحافظ الناجي. وبالفتح وقع في مطبوعة عمارة! وكذا مطبوعة الثلاثة!! وكانت هذه اللفظة في المخطوطة كما هنا (ما تزال)، فحوّ لها ناسخها أو غيره إلى (ما تزول)، فقلب الألف واواً، وكأنه لم يتنبه لصحتها بضم تائها! وسيعيد المؤلف الحديث في (26 - البعث /3 - في الحساب أو غيره) برواية أخرى بلفظ:"لن تزول. ."، فإن صحت اللفظة التي هنا؛ فالوجه فيها ما أفاده الناجي.

ص: 163

رواه البيهقي

(1)

.

130 -

(8)[صحيح لغيره] ورُوي عن أبي بَرزةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَثلُ الذي يُعلِّمُ الناس الخيرَ وينسى نفسَه، مَثَلُ الفَتيلة؛ تُضيءُ على الناسِ، وتَحرقُ نَفْسَها".

رواه البزار

(2)

.

131 -

(9)[حسن صحيح] وعن جُندُب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه -صاحبِ النبي صلى الله عليه وسلم- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناسَ الخيرَ وينسى نفسَهُ، كمثل السِّراجِ؛ يضيء للناسِ وَيَحرقُ نفسه" الحديث.

رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناه حسن إن شاء الله تعالى

(3)

.

132 -

(10)[صحيح] عن عمران بن حُصَين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ أخوَف ما أخافُ عليكم بعدي، كلُّ منافقٍ عَليمِ اللسانِ".

رواه الطبراني في "الكبير"، والبزار، ورواته محتجّ بهم في "الصحيح"

(4)

.

133 -

(11)[صحيح] ورواه أحمد من حديث عمر بن الخطاب.

(5)

(1)

قلت: أخرجه في "شعب الإيمان"(2/ 299/ 1852)، وفيه الفَرَج بن فضالة، وهو ضعيف، لكن رواه الدارمي (1/ 82)، وابن عبد البر (2/ 2 و 3) من طرق عن أبي الدراء، وكذا ابن المبارك في "الزهد" كما في "الكواكب الدراري"(1/ 30/ 1). ثم رأيته في المطبوعة (13 - 14/ 39)، وسند هذا صحيح.

(2)

كذا الأصل والمخطوطة، ولم ينسبه الهيثمي ثم السيوطي إلا للطبراني في "الكبير"، وضعفه ينجبر بالذي بعده.

(3)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" من طريقين أحدهما حسن، ويشهد له ما قبله، وهو مخرج في "الصحيحة" تحت الحديث (3379).

(4)

قلت: وفاته "صحيح ابن حبان"(51/ 91 - موارد).

(5)

قلت: وأخرجه البزار أيضاً (1/ 97/ 168 و 169)، وقال:"إسناده صالح"، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(رقم - 255 - بتحقيقي).

ص: 164

‌10 - (الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن).

134 -

(1)[صحيح] عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"قامَ موسى صلى الله عليه وسلم خطيباً في بني إسرائيل، فسُئِلَ: أيُّ الناسِ أعلمُ؟ فقال: أنا أعلمُ. فَعَتَبَ الله عليه إذ لم يَرُدَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عِبادي بـ (مَجمَعِ البحرين) هو أعلمُ منك. قال: يا ربِّ كيف به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مِكتلٍ، فإذا فقدتَهُ فهو ثَمَّ. . ."(فذكر الحديث في اجتماعه بالخَضِر إلى أن قال:)، فانطلقا يمشيان على ساحلِ البَحر، ليس لهما سفينةٌ، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلَّموهم أن يحملوهما، فعُرِفَ الخَضِرُ، فحملوهما بغير نَوْلٍ،

(1)

فجاء عُصفورٌ فوقعَ على حَرْفِ السفينةِ، فَنَقَر نَقْرةً أو نقرتين في البحرِ، فقال الخَضِرُ: يا موسى ما نَقَصَ

(2)

علمي وعلمُك من علم الله إلا كنقرةِ هذا العصفورِ في هذا البحر". فذكر الحديث بطوله

(3)

.

وفي رواية:

"بينما موسى يمشي في ملأٍ من بني إسرائيلَ، إذ جاءه رجلٌ فقال له:

(1)

أي: بغير أجر ولا جُعل.

(2)

وفي رواية للبخاري: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر". وهذه الرواية تبين المراد من رواية الكتاب، فإنّ ظاهرها غير مراد قطعاً، إذ أنّ علم الله لا يدخله نقص مطلقاً.

(3)

قلت: وهو في كتابي "مختصر صحيح الإمام البخاري"(65 - التفسير /18 - سورة /3 - باب)؛ وقد تم تأليفه منذ بضع سنين، كما تم طبع المجلد الأول والثاني منه، يسّر الله نشر باقيه قريباً.

والرواية الأخرى فيه برقم (56).

ص: 165

هل تعلمُ أحداً أعلمَ منك؟ قال موسى: لا. فأوحى الله إلى موسى: بل عبدُنا الخَضِر

(1)

. فسأل موسى السبيلَ إليهِ" الحديث.

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

135 -

(2)[حسن لغيره] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يظهرُ الإسلامُ حتى تَختَلِفَ التُّجارُ في البحر، وحتى تَخوضَ الخيلُ في سبيل الله، ثم يَظهرُ قومٌ يقرؤون القرآن، يقولون: من أقرأُ منّا؟ من أعلمُ منا؟ من أفقه منا؟ "، ثم قال لأصحابه:

"هل في أولئك مِنْ خَيرٍ؟ ".

قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:

"أولئك منكم من هذه الأمّة، وأولئك هم وقودُ النارِ".

رواه الطبراني في "الأوسط" والبزار بإسناد لا بأس به.

136 -

(3)[حسن لغيره] ورواه أبو يعلى والبزار والطبراني أيضاً من حديث العباس بن عبد المطلب.

137 -

(4)[حسن لغيره] وعن [أم الفضل أم]

(2)

عبدِ اللَه بنِ عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

قال الناجي (23): "كذا وقع عند مسلم معرَّفاً؛ ووقع عند البخاري منكَّراً، وكلاهما واضح؛ وقد قررت نبوّته، وذكرت القائلين بها من المتقدمين والمتأخرين وأتْباع المذاهب الأربعة ضمن جواب حافل في (إلياس) ".

(2)

سقطت من الأصل، واستدركتها من "معجم الطبراني الكبير"(25/ 27 - 28)، وفي "مجمع الزوائد" (1/ 186):"أم الفضل وعبد الله. ." وهو خطأ مطبعي، وقال:"ورجاله ثقات؛ إلا أن (هند بنت الحارث الخثعمية) التابعية؛ لم أر من وثقها ولا جرحها"!

قلت: ذكرها ابن حبان في "الثقات"(5/ 517)، وخرجت حديثها هذا في "الصحيحة"(3230)، وقويته بحديث عمر بن الخطاب، والعباس بن عبد المطلب اللذين قبله.

ص: 166

أنّه قام ليلةً بمكةَ من الليلِ فقال:

"اللهم هل بلّغتُ؟ (ثلاثَ مرات) ".

فقامَ عمرُ بنُ الخطابِ -وكان أوّاهاً

(1)

- فقال: اللهم نَعَمْ، وحرَّضْتَ، وجَهَدْتَ، ونَصَحتَ. فقال:

"ليَظهرَنَّ الإيمانُ حتى يُرَدَّ الكفرُ إلى مواطِنِه، ولَتُخاضَنَّ البحارُ بالإسلام، وليأتيَنَّ على الناسِ زمانٌ يتعلمون فيه القرآن، يتعلّمونَه وَيقرؤونَه، ثم يقولون: قد قرأْنا وعلِمْنا، فمن ذا الذي هو خيرٌ منا؟ فهل في أولئك من خيرٍ؟ ".

قالوا: يا رسول الله! مَن أولئك؟ قال:

"أولئك منكم، وأولئك هم وَقودُ النار".

رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن -إن شاء الله تعالى-.

(قال الحافظ): "وستأتي أحاديث تُنْتَظم في سلك هذا الباب؛ في الباب بعده إن شاء الله تعالى".

(1)

(الأوّاه): المتأوِّه: المتضرع. وقيل: هو الكثير البكاء، وقيل: الكثير الدعاء، كما في "النهاية". والقول الأخير هو أحد الأقوال التي قيلت في تفسير قوله تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} ، وهو الذي اختاره ابن جرير. انظر "تفسير ابن كثير"(2/ 394 - 395).

ص: 167

‌11 - (الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة،

(1)

والترغيب في تركه للمُحِقِّ والمبطل).

138 -

(1)[حسن لغيره] عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن تَرَكَ المِراءَ وهو مُبطلٌ بُنِيَ له بيتٌ في رَبَضِ الجنة، ومَن تركه وهو مُحِقٌّ بُني له في وسَطها، ومن حسَّن خُلُقَه بُنِيَ له في أعلاها".

رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له-، وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي:

"حديث حسن".

(2)

(ربض الجنة) هو بفتح الراء والباء الموحدة وبالضاد المعجمة: وهو ما حولها.

139 -

(2)[حسن لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنة، وببيتٍ في وَسَطِ الجنةِ، وببيتِ في أعلى الجنة، لِمَن تركَ المِراء وإن كان محقّاً، وتركَ الكذبَ وإن كان مازحَاً، وحَسَّنَ خُلُقَه".

(1)

(المراء): الجدال، والتماري، والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة، ويقال للمناظرة: مماراة؛ لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه، ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع. والمرية: التردد في الأمر.

و (المخاصمة): المنازعة، يقال خاصمه أي: نازعه. و (المحاجَّة): المغالبة.

(2)

هذا يوهم أن جميع المذكورين أخرجوه باللفظ المذكور عن أبي أمامة؛ والواقع أنه لم يخرجه عنه منهم سوى أبي داود بنحوه، وإسناده يحتمل التحسين، ولفظه:"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقّاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".، وأخرجه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، وإنما أخرجه بنحو اللفظ المذكور ابن ماجه والترمذي -وحسنه-، عن أنس بن مالك، والأقرب إلى اللفظ المذكور حديث معاذ الآتي بعده. وقد تكلمت على أسانيدها في "الصحيحة"(273). ومما سبق يتبين أن المؤلف -عفا الله عنا وعنه- ركّب متناً لا أصل له من أحاديث، ولم يتنبه لذلك الحافظ الناجي، فمر عليه، فضلاً عن المقلدين الثلاثة!

ص: 168

رواه البزار والطبراني في "معاجيمه الثلاثة"، وفيه سُويد بن إبراهيم أبو حاتم

(1)

.

140 -

(3)[صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال:

"كنّا جلوساً عند بابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر؛ يَنْزِعُ

(2)

هذا بآيةٍ، ويَنْزِعُ هذا بآيةٍ، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنَّما

(3)

يُفْقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرّمَّانِ، فقال:

"يا هؤلاء! بهذا بعثتم، أم بهذا أُمرتم؟! لا ترجعوا بعدي كفاراً؛ يضرب بعضُكم رقابَ بعض".

رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه سويد

(4)

.

141 -

(4)[حسن] وعن أبي أمامة

(5)

رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما ضَلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أُوتوا الجدَلَ"، ثم قرأ:{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} .

(1)

هذا من الأوهام، فإنه ليس لسويد هذا ذكر في هذا الحديث، وإنما هو في رواية أخرى نحو هذه من حديث ابن عباس تراه في "المجمع"(8/ 23)، وبه يتقوى الحديث، ونقله الثلاثة المعلقون عني، ولكنهم -لأمر ما- بتروا منه قولي:"وبه يتقوى الحديث". فهل هذا مما يقتضيه التحقيق عندهم والأمانة العلمية!

(2)

أي: يجذب ويأخذ.

(3)

الأصل: (كما)، والتصويب من المخطوطة و"المجمع".

(4)

يعني سُويد بن إبراهيم أبو حاتم، كما في حديث قبله في الأصل وفيه ضعف.

قلت: لكنْ رواه الطبراني عن أنس مثله. ورجاله ثقات أثبات كما في "المجمع"(1/ 157)، وله شاهد من حديث ابن عمروٍ عند ابن ماجه وأحمد بسند حسن. فالحديث صحيح.

ثم تبين لي بعد طبع "معَجم الطبراني الأوسط" أن ما في "المجمع" خطأ من مؤلفه رحمه الله، فإنه فيه (9/ 214/ 8465) من طريق (سويد) نفسه! ثم إن الجملة الأخيرة:"لا ترجعوا. ." إلخ صحيحة جداً من رواية جمع من الصحابة، لكني أراها وهماً هنا من أوهام (سويد)، فإنها غير منسجمة مع ما قبلها، فالصواب ما في حديث (ابن عمرو) في رواية لأحمد وغيره بلفظ:"ولا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض"، انظر "ظلال الجنة"(1/ 177/ 406).

(5)

في الأصل وغيره: أبي هريرة، وكذا في المخطوطة، وهو خطأ من المؤلف، نبّه عليه الشيخ إبراهيم الناجي رحمه الله.

ص: 169

رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في "كتاب الصمت" وغيره، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح"

(1)

.

142 -

(5)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ أبغضَ الرجالِ إلى الله الألدُّ الخصِم".

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

(الألدُّ) بتشديد الدال المهملة: هو الشديد الخصومة.

(الخصِم) بكسر الصاد المهملة: هو الذي يحج من يخاصمه.

143 -

(6)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"المِراء في القرآن كُفْرٌ".

رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه".

144 -

(7)[صحيح] ورواه الطبراني وغيره من حديث زيد بن ثابت

(2)

.

(1)

وصححه أيضاً الحاكم، ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط.

(2)

قلت: ولفظه في "كبير الطبراني"(5/ 169/ 4916): "لا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر". وقد صح بهذا التمام عن بعض الصحابة، وهو مخرج في "الروض النضير" تحت حديث أبي هريرة (1124)، وانظر "الصحيحة"(2419).

ص: 170

‌4 - كتاب الطهارة.

‌1 - (الترهيب من التخلّي على طرقِ الناس أو ظلُّهم أو مواردهم، والترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها).

145 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"اتّقوا اللاعِنَيْنِ".

قالوا: وما اللاعِنان يا رسول الله؟ قال:

"الذي يَتَخلّى في طُرُقِ الناسِ، أو في ظِلِّهم".

رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.

قوله: "اللاعِنَيْنِ": يريد الأمرين الجالبين اللعنَ، وذلك أنّ من فعلهما لُعِن وشُتِم، فلما كانا سبباً لذلك؛ أضيف الفعلُ إليهما، فكانا كأنهما اللاعنان.

146 -

(2)[حسن لغيره] وعن مُعاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"اتقوا المَلاعِنَ الثلاثَ: البَرازَ

(1)

في الموارِدِ، وقارعةِ الطرق، والظلِّ".

رواه أبو داود وابن ماجه؛ كلاهما عن أبي سعيد الحِمْيَريّ عن معاذ. وقال أبو داود: "وهو مرسل". يعني أن أبا سعيد لم يُدرِك مُعاذاً.

(2)

(1)

بفتح الموحدة اسم للفضاء الواسع فكنوا به عن الغائط، كما كنوا بالخلاء؛ لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس. كما في "النهاية".

و (الموارد): جمع مورد، وهي المجاري والطرق إلى الماء.

(2)

قلت: لكن يشهد له حديث ابن عباس نحوه في "المسند"(1/ 299)، وهو الآتي بعده، فكل منهما يقوي الآخر، وله شواهد أخرى مخرجة في "الإرواء"(1/ 100 - 102).

ص: 171

(الملاعِن): مواضع اللعن. قال الخطابي:

"والمراد هنا بـ (الظل) هو الظل الذي اتخذه الناس مقيلاً ومنزلاً ينزلونه، وليس كلُّ ظلَّ يحرم قضاء الحاجة تحته، فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته تحت حايش من النخل، وهو لا محالة له ظل" انتهى.

(1)

147 -

(3)[حسن لغيره] وروي عن ابن عباسٍ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"اتّقوا المَلاعن الثلاثَ". قيل: ما المَلاعنُ الثلاث يا رسول الله؟ قال:

"أنْ يَقْعُدَ أحدُكم في ظلٍّ يُستَظَلُّ به، أو في طريقٍ، أو في نَقْعِ ماءٍ".

رواه أحمد.

148 -

(4)[حسن] وعن حذيفةَ بن أُسَيْدٍ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من آذى المسلمين في طُرقِهِم؛ وَجَبَتْ عليه لَعنَتُهم".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.

149 -

(5)[حسن لغيره] وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إيّاكم والتَّعريسَ على جَوَادِّ

(2)

الطّريق،. . . . فإنّها مأْوى الحياتِ والسِّباعِ، وقضاءَ الحاجةِ عليها؛ فإنها الملاعنُ".

رواه ابن ماجه، ورواته ثقات.

(3)

(1)

يعني: كلام الخطابي، وهو في "العالم"(1/ 30).

(2)

بتشديد الدال: جمع جادة، وفي الأصل مكان النقط:"والصلاة عليها"، فحذفتها لتفرّد الراوي الضعيف بها. انظر "الصحيحة"(2433).

(3)

قال الجهلة الثلاثة: "حسن بشوهده" دون أن يتنبهوا لكون الزيادة المحذوفة لا شاهد لها ولفظها: "والصلاة عليها"، ولذلك حذفتها مشيراً إليها بالنقط.

ص: 172

150 -

(6)[حسن لغيره] وعن مكحول قال:

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُبال بأبواب المساجد.

رواه أبو داود في "مراسيله".

151 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن لم يَستقبِلِ القِبلةَ، ولم يَستَدْبِرْها في الغائِط

(1)

؛ كُتِبَ له حسنةً، ومُحِيَ عنه سيئةً".

رواه الطبراني، ورواته رواة "الصحيح"

(2)

.

قال الحافظ: "وقد جاء النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء

(3)

في غير ما حديث صحيح مشهور، تغني شهرته عن ذكره، لكونه نهياً مجرداً. والله سبحانه وتعالى أعلم".

(1)

أصل الغائط اسم للمطمئن الواسع من الأرض، ثم أطلق على الخارج المستقذر من الإنسان.

(2)

كذا قال، وأما الهيثمي فإنه استثنى (1/ 204) من ذلك شيخ الطبراني، وشيخ شيخه، وقال:"وهما ثقتان". وهذا هو الصواب؛ كما بينته في "الصحيحة" رقم (1098)، وشيخ الطبراني فيه تَبيَّن لي بعد طبع كتابه وهو "المعجم الأوسط" -خلافاً لإطلاق المؤلف- أنه (أحمد بن محمد ابن صدقة) أبو بكر البغدادي، خلافاً لما كنت استظهرته في "الصحيحة"، وهو مترجم في كتاب صاحبنا الشيخ الفاضل حماد الأنصاري (ص 74/ 141) نفع الله به وعافاه الله من مرضه.

(3)

قوله: "في الخلاء" لا ذِكْر له في الأحاديث التي أشار إليها، وإنما هو تقييد من المؤلف لها بفهمه اتباعاً منه لمذهبه، وهذا أمَر غير جيد. فتنبّه.

ص: 173

‌2 - (الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجُحْر).

152 -

(1)[صحيح] عن جابرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم:

أنّه نهى أنْ يبالَ في الماء الراكدِ.

رواه مسلم وابن ماجه والنسائي.

153 -

(2)[صحيح] وعن بكر بن ماعز قال: سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ يزيدَ يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يُنْقَعْ

(1)

بولٌ في طَسْتٍ في البيت، فإنّ الملائكةَ لا تَدخلُ بيتاً فيه بولٌ مُنْتَقَعٌ، ولا تَبُولَنَّ في مُغتسلِكَ".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد"

(2)

.

154 -

(3)[صحيح] وعن حميد بنِ عبدِ الرحمنِ قال: لقيتُ رجلاً صَحِبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما صَحبَه أبو هريرة قال:

نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَمْتَشِطَ أحدُنا كُلَّ يومٍ، أو يبول في مُغْتَسَلِه.

رواه أبو داود والنسائي في أول حديث

(3)

.

(1)

أي: لا يُجْمَع.

(2)

لم يروه الحاكم، فقد بحثت عنه في مظانه فلم أجده، ولا ذكره الدكتور المرعشلي في "فهرس المستدرك"، ولا عزاه إليه الأخ أبو هاجر في "موسوعته"(7/ 477)، فلعلة خطأ من الناسخ، فإن محله في تخريج حديث (عبد الله بن مغفّل) المذكور في الأصل بعد هذا بحديث، فإنه قد رواه الحاكم، ولم يعزه إليه! وهو من حصة "ضعيف الترغيب".

وإن من الغرائب أن هذا الخطأ انطلى على المعلقين الثلاثة، بل وزادوا -ضِغثاً على إيّالة- فقالوا (1/ 179) عطفاً على الطبراني:"والحاكم (1/ 167 و 185) بنحوه! وإذا رجع القارئ إلى الصفحتين المشار إليهما لم يجد إلا حديث عبد الله بن مغفل!! ومن الجهل المركّب قولهم: "بنحوه" وهو مختلف عنه، لأنه ليس فيه شيء من معناه، فإنه بلفظ: "نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: إنّ عامة الوسواس منه"! فأين هذا من ذاك؟!.

(3)

قوله: "في أول حديث" لا معنى له كما بينه الناجي (24).

ص: 174

‌3 - (الترهيب من الكلام على الخلاء).

155 -

(1)[صحيح لغيره] عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يتناجي

(1)

اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقتُ على ذلك".

رواه أبو داود وابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه كلفظ أبي داود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لا يخرج الرجلان يضربان الغائطَ كاشِفَيْن عن عوراتِهِما يتحدثان، فإنّ اللهَ يمقتُ على ذلك".

رووه كلهم من رواية هلال بن عياض، أو عياض بن هلال عن أبي سعيد.

وعياض هذا روى له أصحاب السنن، ولا أعرفه بجرح ولا عدالة، وهو في عداد المجهولين.

(2)

قوله: (يضربان الغائط): قال أبو عمر

(3)

صاحب ثعلب:

"يقال: ضربت الأرض، إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض، إذا سافرت".

156 -

(2)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يخرج اثنان إلى الغائط فيجلسان يتحدثان كاشفين عن عوراتهما، فإن الله يمقت على ذلك".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ليّن.

(1)

(التناجي): تكلُّم كل منهما مع صاحبه سرّاً، وهذا نفي بمعنى النهي.

وقوله: (يمقت) أي: يبغض، وبابه: نصر.

(2)

قلت: وهو كما قال، لكن له شاهد من غير طريقه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه خرجته من أجله في "الصحيحة"(3120)، ولذلك أوردته في هذا "الصحيح"، وهو من مزايا هذه الطبعة على الطبعات السابقة، كما أشرت إلى ذلك في المقدمة.

(3)

وقع في طبعة مصطفى والمعلقين الثلاثة: "أبو عمرو"، وهو خطأ، واسمه محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلب، لقب به لصحبته إياه مدة طويلة، وهو من شيوخ الحاكم، مات سنة (345)، له ترجمة في "تذكرة الحفاظ" و"لسان الميزان"، وغيرهما.

ص: 175

‌4 - (الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه).

157 -

(1)[صحيح] عن ابنِ عباس رضي الله عنهما:

أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرَين، فقال:

"إنَّهما ليُعذَّبان، وما يُعَذَّبان في كبيرٍ، بلى إنّه كبير، أمّا أحدُهما فكان يَمشي بالنميمةِ، وأما الآخرُ فكان لا يَستَتِرُ من بولِه".

رواه البخاري -وهذا أحد ألفاظه- ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وفي رواية للبخاري وابن خزيمة في "صحيحه":

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بحائطِ من حِيطانِ مكة أو المدينة، فسمع صوتَ إنسانَيْنِ يُعذَّبانِ في قبورِهما، فقَال النبي صلى الله عليه وسلم:

"إنهما لَيعذَّبان، وما يُعذبان في كبيرِ". ثم قال:

"بلى؛ كان أحدُهما لا يَسْتَتِرُ من بولِه، وكان الآخرُ يَمشي بالنميمة" الحديث.

وبوب البخاري عليه "باب من الكبائرِ أن لا يستترَ من بولِه"

(1)

.

قال الخطابي:

"قوله: (وما يعذبان في كبير) معناه: أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما، أو يثق فعله لو أرادا أن يفعلا، وهو التنزه من البول، وترك النميمة، ولم يُرِد أنّ المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة في حق الدين، وأنَّ الذنب فيهما هين سهل"

(2)

.

قال الحافظ عبد العظيم:

"ولخوفِ توهمِ مثل هذا استدرك فقال صلى الله عليه وسلم: "بلى إنه كبير". والله أعلم".

(1)

انظر كتابي "مختصر صحيح البخاري" رقم (129).

(2)

"معالم السنن"(1/ 27).

ص: 176

158 -

(2)[صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"عامَّةُ عذاب القبرِ في البولِ، فاستنزِهُوا من البولِ".

رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، والحاكم والدارقطني؛ كلهم من رواية أبي يحيى القَتَّاتِ عن مجاهد عنه. وقال الدارقطني:"إسناده لا بأس به".

والقتّات مختلَف في توثيقه

(1)

.

159 -

(3)[صحيح لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تَنزَّهوا من البولِ؛ فإنَّ عامةَ عذابِ القبرَ مِن البَولِ".

رواه الدارقطني وقال: "المحفوظ مرسل"

(2)

.

160 -

(4)[حسن لغيره] وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال:

بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي بيني وبين رجلٍ آخرَ، إذْ أتى على قَبرَيْن، فقال:

"إنَّ صَاحِبَيْ هذَيْن القبرين يُعذَّبان، فائتِياني بِجريدةٍ".

قال أبو بكرة: فاستَبَقتُ أنا وصاحبي، فأتيتُه بِجَريدةٍ، فشقَّها نصفين، فوضع في هذا القبر واحدةً، وفي ذا القبرِ واحدةً، قال:

"لعله يُخفَّفُ عنهما ما دامتا رَطْبَتَيْن؛ إنّهما يعذَّبان بغير كبير؛ الغيبةِ والبولِ".

رواه أحمد والطبراني في "الأوسط" واللفظ له، وابن ماجه مختصراً من رواية بحر بن مَرَّار عن جده أبي بكرة، ولم يدركه

(3)

.

(1)

قلت: لكن له إسناد آخر من حديث أبي هريرة عند الدارقطني، وصوّب إرساله، وله عنه طريق أخرى عند ابن ماجه وغيره. وهو الآتي بعد حديث.

(2)

قلت: لكنّه قد رواه جماعة موصولاً، وهو المحفوظ كما قال أبو حاتم. انظر "الإرواء"(1/ 310/ 280).

(3)

لكن وصله الطيالسي في "مسنده"(867)، وابن عدي في "الكامل"(ق 40/ 1) عن بحر بن مرار البكراوي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به. وهذا سند موصول لا بأس به.

ص: 177

161 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أكثرُ عذَابِ القبرِ مِن البَولِ".

رواه أحمد وابن ماجه -واللفظ له- والحاكم وقال:

"صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة".

قال الحافظ: "وهو كما قال".

162 -

(6)[صحيح] وعن عبد الرحمن بنِ حَسَنَةَ رضي الله عنه قال:

خرج علينا رسولُ الله في يده الدَّرَقةُ

(1)

، فوضعها ثم جَلَسَ، فبالَ إليها، فقال بعضهم: انظروا إليه يبولُ كما تبولُ المرأةُ! فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

"ويحكَ! ما علمتَ ما أصابَ صاحبَ بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البولُ قَرَضوه بالمقاريض، فنهاهم، فَعُذِّبَ في قبره".

رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"

(2)

.

163 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة قال:

كنّا نمشي مع رسول الله، فمرَرْنا على قَبرَين، فقام، فقمنا معه، فجعل لونُه يَتَغَيَّرُ، حتى رُعِدَ كُمُّ قميصِه، فقلنا: ما لَك يا رسولَ اللهِ؟ فقال:

"أما تَسمعونَ ما أسمَعُ؟ ".

فقلنا: وما ذاك يا نبيَّ اللهِ؟ قال:

"هذان رَجُلان يُعذَّبان في قبورهما عذاباً شديداً في ذنب هَيِّن! ".

قلنا فيمَ ذلك؟ قال:

(1)

بفتحات: الترس إذا كان من جلد، وليس فيه خشب ولا عصب. وقوله:(فوضعها) أي: جعلها حائلة بينه وبين الناس، وبال مستقبلاً إليها. وقوله:(ويحك): كلمة ترحم وتهديد.

(2)

فاته أبو داود والنسائي، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (16).

ص: 178

"كان أحدُهما لا يستنزِهُ من البَول، وكان الآخرُ يؤذي النّاس بلسانِهِ، ويمشي بينهم بالنميمةِ".

فدعا بجريدتَين من جرائدِ النخل، فجعل في كل قبرٍ واحدةً.

قلنا: وهل ينفَعُهم ذلك؟ قال:

"نعم، يُخَفَّفُ عنهما ما دامتا رَطْبَتَيْن".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

قوله: (في ذنْب هَيِّن) يعني: هيّن عندهما، وفي ظنهما، أو هيّن عليهما اجتنابه، لا أنه هيّن في نفس الأمر؛ لأن النميمة محرَّمة اتّفاقاً

(1)

.

(1)

قلت: ويؤيد ذلك قوله في حديث ابن عباس المنصرم (في الباب السابق/ الحديث الأول): ". . . بلى إنه لكبير".

ص: 179

‌5 - (الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أُزُرٍ، ومن دخول النساء بأُزرٍ وغيرها إلا نُفَساء أو مريضة، وما جاء في النهي عن ذلك).

164 -

(1)[صحيح لغيره] عن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَنْ كان يُؤمن بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يَدخلِ الحمامَ إلا بمئزَرٍ، ومن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يُدْخِلْ حَلِيلَتَه الحمّامَ".

رواه النَّسائي، والترمذي، وحسنه، والحاكم وقال:"صحيح على شرط مسلم".

165 -

(2)[حسن صحيح] وعنها [يعني عائشة رضي الله عنها] قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"الحمامُ حرامٌ على نساءِ أمتي".

رواه الحاكم وقال:

"هذا حديث صحيح الإسناد

(1)

".

166 -

(3)[صحيح] وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَنْ كَانَ يؤْمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فَلْيُكرِمْ جاره، ومَنْ كانَ يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فلا يدخُلِ الحمَّامَ! إلا بمئزرٍ، ومَن كان يؤمن باللهِ واليومِ الآخر؛ فليقل خيراً أو ليصمُتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم؛ فلا يدخل الحمّام".

قال: فَنَمَيْتُ بذلك

(2)

إلى عُمرَ بنِ عبد العزيز رضي الله عنه في خلافته،

(1)

ووافقه جمع من الحفاظ، منهم الذهبي، وانظر تحقيق صحته في المجلد السابع من "الصحيحة" رقم (3439) تحقيقاً لا تراه في مكان آخر.

(2)

أي: رفعتُه، وكان الأصل وغيره:"فنهيت"، والتصحيح من "ابن حبان - موارد". وبمعناه رواية الحاكم بلفظ:"فرفع الحديث"، وهو عنده من طريق كاتب الليث، لكنه قد توبع عند ابن حبان.

ص: 180

فكيف إلى أبي بكر بن محمد بن عَمروِ بن حَزْمٍ

(1)

أنْ: سَلْ محمد بن ثابت عن حديثه فإنَّه رضاً، فسأله، ثم كتب إلى عُمر، فمنعَ النساءَ عن الحمام.

رواه ابن حبان في "صحيحه" واللفظ له، والحاكم، وقال:"صحيح الإسناد".

ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث، وليس عنده ذكر عمر بن عبد العزيز.

167 -

(4)[صحيح لغيره] وعن قاصِّ الأجنادِ بـ (القُسطنْطِينيَّة)؛ أنه حَدَّثَ:

أن عُمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ؛ فلا يَقْعدَنَّ على مائدةٍ يُدارُ عليها الخمر، ومَن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخِر؛ فلا يدخل الحمّام إلا بإزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخِرِ؛ فلا يُدخل حَليلَتَه الحمّام".

رواه أحمدُ. وقاصّ الأجناد، لا أعرفه.

168 -

(5)[حسن صحيح] وروى

(2)

آخره أيضاً عن أبي هريرة، وفيه أبو خيرة، لا أعرفه أيضاً.

(الحليلة) بفتح الحاء المهملة: هي الزوجة.

169 -

(6)[صحيح] وعن أمِّ الدرداءِ رضي الله عنها قالت:

خرجتُ من الحمّام، فلِقيني النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال:

"مِن أينَ يا أُمَّ الدرداءِ؟ ".

(1)

في الأصل والمخطوطة والمطبوعة: (حزام)، والتصحيح من كتب الرجال و"الموارد".

(2)

يعني: الإمام أحمد (2/ 321)، وإسناده حسن، رجاله ثقات معروفون غير (أبي خيرة)، وهو مصري، وقد عرفه أعلم الناس بالمصرين أبو سعيد بن يونس فترجمه في "تاريخ مصر" ترجمة جيدة، برواية جمعٍ ثقات، وذكر أنّه كان فاضلاً. فانظر "تعجيل المنفعة"(ص 394 - 395 و 481 - 482).

ص: 181

فقلت: مِن الحمّام، فقال:

"والذي نفسي بيده ما من امرأةٍ تَنزِعُ ثيابَها في غيرِ بيتِ أحدٍ من أمّهاتها، إلا وهي هاتكةٌ كلَّ سترٍ بينها وبين الرحمنِ عز وجل".

رواه أحمد والطبراني في "الكبير" بأسانيد رجالها

(1)

رجال "الصحيح".

170 -

(7)[صحيح] وعن أبي المليَح الهُذَلي

(2)

رضي الله عنه:

أنّ نساءً من أهلِ (حِمصَ) أو من أهل (الشام) دَخلْنَ على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتنّ اللاتي يَدْخُلْنَ نساؤكُن الحمّامات؟! سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1)

كذا الأصل، والصواب:"رجال أحدها" كما في "المجمع"(1/ 277)، وهو يعني طريق أبي موسى يُحنَّس عن أم الدرداء عند أحمد (6/ 361 - 362)، وسنده صحيح، رجاله رجال مسلم، والطريق الأخرى عنده فيها زبَان -وهو ابن فائد- وهو ضعيف. ولم يقف الحافظ ابن حجر على هذه الطريق الصحيحة كما نقله الشيخ الناجي عنه، وتبعه هو في ذلك، ثم أطال الكلام في تضعيف زبان، وتوهيم المؤلف ثم الهيثمي لإشارتهما إلى تلك الطريق الصحيحة! وكأنّه لم يحاول الرجوع إلى "المسند"، ولو فعل لوجد الطريقين في المكان الواحد الذي أشرنا إليه، ولما وقع في هذا الخبط، لا سيما وقد بنى عليه عدم وجود الحمّام في عهده، مشيراً إلى بعض الأحاديث الواهية مما أورده المصنف هنا، وحذفناها من كتابنا هذا لضعفها، كحديث:"سيكون بعدي حمّامات. ."، فأعلّ الصحيح بالضعيف! وقد وقع في مثل هذا الوهم بعض المحققين كابن القيّم وغيره. وقد سقط الحديث من نسخة الظاهرية، لكنْ على هامشها مقابل حديث أبي المليح الآتي ما نصه:"نسخة: وعن أم الدرداء. . ."، واغترّ بالنسخة المعلقون الثلاثة فأسقطوا الحديث من طبعتهم! رغم وجوده في بعض الطبعات من الكتاب، ووروده في المكان المشار إليه من "المسند"، وقد اطلعوا على هذا التعليق في الطبعة السابقة، لأنّهم اعتمدوها في جُلّ أحكامهم على الأحاديث دون عزو إليها - (على النصت) كما يقولون في سوريا! - فما الذي حملهم على ذلك؟ أهو التظاهر بمظهر المحققين، أم عملاً بقول بعضهم: خالف تعرف؟!

ثم وجدت للحافظ ابن حجر كلاماً ينافي ما نقله الناجي عنه، ذهب فيه إلى تقوية الحديث.

وذلك هو الظن بمثله، فراجع كلامه في ذلك في كتابه:"القول المسدَّد في الذبِّ عن مسند الإمام أحمد"(ص 46 رقم الحديث 14).

(2)

هو تابعي مات سنة (98)، فالترضّي عنه يوهم الصحبة، فتنبه. وراجع التعليق على صحابي الحديث الأول (4 - الطهارة/ 7 - باب) من الكتاب الآخر.

ص: 182

"ما من امرأةٍ تضعُ ثيابَها في غير بيتِ زوجها؛ إلا هَتَكَتِ السَّترَ بينها وبين ربِّها".

رواه الترمذي -واللفظ له- وقال: "حديث حسن"، وأبو داودَ وابن ماجه، والحاكم وقال:

"صحيح على شرطهما".

171 -

(8)[صحيح لغيره] ورَوَى أحمد وأبو يعلى والطبراني والحاكم أيضاً من طريق درَّاج أبي السَّمْح عن السائب:

أنّ نساءً دَخلْنَ على أمِّ سلمةَ رضي الله عنها، فسألتْهُنَّ: من أنتُنَّ؟ قُلنَ: مِن أهل (حِمصَ).

قالت: مِن أصحابِ الحمَّامات؟ قُلْنَ: وبها بأسٌ؟

قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"أيُّما امرأةٍ نَزَعَتْ ثيابَها في غيرِ بَيتِها؛ خَرَقَ اللهُ عنها سِترَه"

(1)

.

172 -

(9)[صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن كان يؤْمِنُ بالله واليوم الآخرِ؛ فلا يَدخلِ الحمامَ [إلا بمئزر]

(2)

، من كان يؤْمن بالله واليومِ الآخرِ؛ فَلا يُدخِل حَليلَتَه الحمّام، من كان يؤْمن بالله واليومِ الآخرِ؛ فلا يَشربِ الخمرَ، مَن كان يؤْمن باللهِ واليومِ الآخرِ؛ فلا يَجْلسْ على مائدةٍ يُشربُ عليها الخمرُ، من كان يؤْمن بالله واليومِ الآخرِ، فلا يَخلُوَنَّ بامرأةٍ ليسَ بينَه وبينَها مَحرَم".

رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه يحيى بن أبي سليمان المدني.

(1)

قلت: له شاهد يتقوّى به، خرجته في الأصل.

(2)

زيادة من المخطوطة و"الكبير" للطبراني و"المجمع". وسقط منه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فـ. . . "، وقال:"لا تدخل الحمام إلا بمئزر. ."!

ص: 183

‌6 - (الترهيب من تأخير الغُسل لغير عذر).

173 -

(1)[حسن لغيره] عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاثةٌ لا تَقْرَبُهُمُ الملائكةُ: جيفةُ الكافرِ، والمتَضَمِّخُ بالخَلُوقِ، والجُنُبُ؛ إلاّ أنْ يتوضّأ".

رواه أبو داود عن الحسن بن أبي الحسن عن عمَّارٍ، ولم يسمع منه

(1)

.

قال الحافظ رحمه الله: "المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة، دون الحفظة، فإنّهم لا يفارقونه على حال من الأحوال. ثم قيل: هذا في حق كلَّ مَن أخّر الغسل لغير عذر؛ ولعذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضّأ، وقيل: هو الذي يؤخّره تهاوناً وكسلاً، ويتخذ ذلك عادة. والله أعلم".

174 -

(2)[صحيح] وعند البزار بإسناد صحيح عن ابن عباس [عن النبي صلى الله عليه وسلم]

(2)

قال:

"ثلاثةٌ لا تقرَبهُم الملائكة: الجنبُ، والسكرانُ، والمتَضَمِّخُ بالخَلوق

(3)

".

(1)

قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، والحسن بن أبي الحسن هو البصري، مدلس، لكن له شاهدان من حديث عبد الرحمن بن سمرة، وبريدة بن الحصيب، وفي سندهما ضعف كما بينه الهيثمي في "المجمع"(5/ 156)، فيتقوى الحديث بهما.

(2)

سقطت من الأصل وغيره، واستدركتها من "زوائد البزار" و"مجمع الزوائد".

(3)

(الخَلوق): طيب مركّب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه، والنهي أكثر وأثبت؛ وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء، وكن أكثر استعمالاً له منهم.

قال الحافظ ابن الأثير: "والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة" اهـ، و (التضمخ): التلطخ به.

ص: 184

‌7 - (الترغيب في الوضوء وإسباغه).

175 -

(1)[صحيح] عن ابن عُمَر [عن أبيه]

(1)

رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في سؤال جبرائيل إياه عن الإسلام، فقال:

"الإسلامُ أنْ تَشهدَ أن لا إله إلا اللهَ، وأنّ محمداً رسولُ اللهِ، وأنْ تقيِمَ الصلاةَ، وتُؤتِيَ الزكاةَ، وتَحجَّ وتَعتَمِرَ، وتَغتسلَ من الجنابةِ، وأن تُتِمَّ الوُضوءَ، وتصومَ رمضانَ".

قال: فإذا فعلتُ ذلك فأنا مسلم؟ قال: "نعم". قال: صَدَقْتَ.

رواه ابن خزيمة في "صحيحه" هكذا، وهو في "الصحيحين" وغيرهما بنحوه بغير هذا السياق.

176 -

(2)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنّ أمّتي يُدعَوْنَ يومَ القيامةِ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن آثارِ الوضوء"، فمَن استطاعَ منكم أن يُطيلَ غُرَّتَه فَلْيفعلْ.

رواه البخاري ومسلم.

(1)

سقطت من الأصل، وكذا المخطوطة وغيرها، وإثباتها ضروري؛ فإن الحديث عند ابن خزيمة (رقم 1) وغيره، ورواه ابن حبان (رقم 16) عن ابن خزيمة -من طريق سليمان التيمي عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر. وكذلك أخرجه الدارقطني في "سننه"(ص 281)، وقال:"إسناد صحيح ثابت، أخرجه مسلم بهذا الإسناد".

قلت: لكن مسلماً (1/ 30) لم يسق لفظه، وإنما أحال به على حديث عبد الله بن بُريدة عن يحيى به، وليس فيه ذكر العمرة والغسل والوضوء. ثم إن المؤلف عزى الحديث بنحوه لـ "الصحيحين"، وهو فيهما من حديث أبي هريرة، لا من حديث عمر، وإنما رواه مسلم وحده عن ابن بريدة كما ذكرنا نحو هذا، وسيأتي بعضه في "الترغيب في الصلوات الخمس".

ثم رأيت الشيخ الناجي قد أطال الكلام في تخريج الحديث، وبيان وهم المؤلف رحمه الله في جعله إياه من مسند ابن عمر (28 - 30)، وفي عزوه لـ "الصحيحين"، ولم يتنبّه المعلقون لبيانه للوهم الأول، ولذلك لم يستدركوا الزيادة!!

ص: 185

وقد قيل: إن قوله: "من استطاع. . ." إلى آخره إنما هو مُدْرَجٌ من كلام أبي هريرة موقوف عليه. ذكره غير واحد من الحفاظ

(1)

. والله أعلم.

ولمسلم من رواية أبي حازمٍ قال:

"كنت خَلْفَ أبي هريرةَ وهو يتوضّأ للصلاةِ، فكانَ يَمُدُّ يَدَه حتى يَبلُغَ إبطَه، فقلتُ له: يا أبا هريرةَ! ما هذا الوضوءُ؟ فقال: يا بَني فَرُّوخَ

(2)

أنتم هاهنا؟ لو علمتُ أنّكم ههنا ما توضّأتُ هذا الوضوءَ، سمعت خليلي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"تَبلغُ الحِليةُ مِنَ المؤمنِ حَيثُ يَبلغُ الوُضوءُ"

(3)

.

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحو هذا، إلا أنّه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنّ الحِليةَ تبلغُ مَواضعَ الطَّهور".

(الحِلية): ما يحلّى به أهل الجنة من الأساور ونحوها.

(1)

قلت: وهو الذي جزم به ابن تيمية، وابن القيم، والحافظ، وتلميذ، الشيخ الناجي (30).

(2)

بفتح الفاء وتشديد الراء وبالخاء المعجمة، قال صاحب العين:(فروخ) بلغنا أنه كان من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، من ولدٍ كان بعد إسماعيل وإسحاق؛ كثر نسله، ونما عدده، فولد العجم الذين هم في وسط البلاد.

قال القاضي عياض رحمه الله: أراد أبو هريرة هنا: الموالي وكان خطابه لأبي حازم. قال القاضي: وإنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدى به إذا ترخص في أمر لضرورة، أو تشدد فيه لوسوسة، أو لاعتقاده في ذلك مذهباً شذ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامّة الجهلة؛ لئلا يترخّصوا برخصة لغير ضرورة، أو يعتقدوا أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم. والله أعلم.

(3)

قلت: ورواه البخاري في "باب نقض الصّور" من طريق أبي زرعة قال: دخلت مع أبي هريرة داراً بالمدينة. . ثم دعا بتَوْرٍ من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطه، فقلت: يا أبا هريرة! أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منتهى الحلية. قال الشيخ الناجي:

"وهذه الرواية تدل على أن آخره ليس بمرفوع".

ص: 186

177 -

(3)[صحيح] وعنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة

(1)

فقال:

"السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤْمنين، وإنا إنْ شاءَ اللهُ بكم عن قريبٍ لاحقون، وددْتُ أَنّا قد رأينا إخوانَنا".

قالوا: أوَلَسْنَا إخوانَكَ يا رسولَ الله؟ قال:

"أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لَم يأتوا بعدُ".

قالوا: كيف تَعرِفُ من لم يأتِ بعدُ مِن أمَّتكَ يا رسولَ الله؟ قال:

"أرأَيتَ لو أنّ رجلاً له خيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلة، بين ظَهرَيْ خَيلٍ دُهْمٍ

(2)

بُهمٍ، ألا يَعرِفُ خَيلَه؟ ".

قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال:

"فإِنّهم يأتونَ غُرّاً مُحَجَّلِين مِن الوُضوءِ، وأنا فرَطُهم على الحوضِ".

رواه مسلم وغيره.

178 -

(4)[حسن صحيح] وعن زِرٍّ عن عبد الله رضي الله عنه؛ أنّهم قالوا:

يا رسولَ الله! كيفَ تَعرفُ مَن لَمْ تَرَ مِن أمّتك؟ قال:

"غُرٌّ مُحَجَّلون بُلْقٌ

(3)

من آثارِ الوُضوءِ".

(1)

(المقبرة) فيها ثلاث لغات: ضم الباء وفتحها وكسرها، والكسر قليل.

و (دار قوم) هذا نصب على الاختصاص أو النداء المضاف، والأول أظهر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنا إنْ شاء الله بكم عن قريب لاحقون"، أتى بالاستثناء مع أنّ الموت لا شك فيه؛ وليس للشك.

وقوله: (وددت) فيه جواز التمنّي لا سيّما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح.

وقوله: (أنتم أصحابي) ليس نفياً لإخوّتهم، ولكن ذكر مزيّتهم الزائدة بالصحبة، فهؤلاء إخوة صحابة، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة، كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ، وقوله:(بين ظهرَي) فمعناه بينهما، وهو بفتح الظاء وإسكان الهاء.

(2)

جمع أدهم، وهو الأسود.

و (البهم) قيل: السود أيضاً، وقيل:(البهم): الذي لا يخالط لونه لوناً سواه، سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر، بل يكون لونه خالصاً. والله أعلم.

(3)

جمع أبلق، و (البَلق): سواد وبياض.

ص: 187

رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".

179 -

(5)[حسن صحيح] ورواه أحمد والطبراني بإسناد جيد نحوه من حديث أبي أمامة.

(1)

180 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أنا أوّلُ من يُؤْذَنُ له بالسجودِ يومَ القِيامة، وأَنا أولُ من يرفع رأسَه؛ فَأنْظُرُ بين يَدَيَّ، فَأعرفُ أمتي مِن بَينِ الأمم، ومن خَلْفي مِثلُ ذلك، وعن يميني مِثلُ ذلك، وعن شِمالي مِثلُ ذلك".

فقال رجل: كيف تَعرف أمتَك يا رسولَ الله من بين الأمم، فيما بين نوحٍ إلى أمّتك؟ قال:

"همْ غُرٌّ مُحجّلون، مِن أثَرِ الوُضوء، ليس لأحد ذلك غيرِهم، وأعرفُهم أنهم يؤتون كُتُبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذُرِّيَّتُهُم"

(2)

.

رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة. وهو حديث حسن في المتابعات

(3)

.

(1)

قلت: أخرجه أحمد (5/ 261 - 262)، والطبراني (8/ 125/ 7509) من طريق أبي عتبة الكندي عن أبي أمامة. وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الكندي فوثقه ابن حبان وحده (5/ 575)، لكنه قال:"روى عنه أهل الشام. مات سنة (128) ". وهذه فائدة خلت منها كتب التراجم، أحببت تقييدها هنا.

(2)

كذا قال ابن لَهيعة في هذه الرواية، وهي مِن تخاليطه. والصحيح عنه بلفظ:"وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم". رواه ابن المبارك ويحيى بن إسحاق كما يأتي مني.

(3)

قلت: هو كذلك إلا فيما رواه العبادلة عنه، فحديثهم عنه صحيح، وقد رواه عنه جماعة عند الإمام أحمد (5/ 199) منهم شيخه حسن، والسياق له، ومنهم يحيى بن إسحاق، ولم يسق إلا الطرف الأخير منه الذي علقته آنفاً، وعبد الله بن المبارك، ولم يسق لفظه، وقد ساقه نعيم بن حماد في "زوائد الزهد"(112/ 376)، وفيه ما علّقته، وقتيبة بن سعيد، وحديثه عنه صحيح أيضاً كما حققه الذهبي، وفيه أيضاً الجملة المعلقة. وقد تابع ابنَ لهيعة عليها الليثُ بن سعد عند الحاكم (2/ 478) وصححه، وبيّض له الذهبي.

ص: 188

181 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا توضأ العبدُ المسلمُ أو المؤمنُ، فَغَسَلَ وجْهَه؛ خَرَجَ من وجهه كلُّ خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخَرِ قَطْرِ الماءِ، فإذا غَسَلَ يَدَيْه خَرجَ من يَديْه كلُّ خطيئةٍ كان بَطَشَتْها يداه مع الماء، أو مع آخرِ قَطْرِ الماء، فإذا غسل رجلَيْهِ خرجت كل خطيئة مَشَتْها رجلاه مع الماء، أو مع آخرِ قَطْرِ الماء، حتى يخرجَ نَقِياً من الذنوب".

رواه مالك ومسلم والترمذي، وليس عند مالك والترمذي غسل الرجلين.

182 -

(8)[صحيح] وعن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من توضأَ فأحسنَ الوضوءَ؛ خَرجتْ خطاياه من جَسدِه، حتى تخرجَ من تحتِ أظفاره".

وفي رواية: أن عثمان توضأ، ثم قال:

رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم توضأَ مثل وُضوئي هذا، ثم قال:

"من توضأ هكذا؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاتُه ومَشيُه إلى المسجدِ نافلةً".

رواه مسلم والنسائي مختصراً، ولفظه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما مِن امرئٍ يتوضأ فيُحسن وُضوءَه؛ إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الصلاةِ الأخرى حتى يُصلِيَهَا".

وإسناده على شرط الشيخين.

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" مختصراً بنحو رواية النسائي.

ورواه ابن ماجه أيضاً باختصار، وزاد في آخره: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 189

"ولا يَغْتَرّ أحدٌ"

(1)

.

وفي لفظ للنسائي قال:

"مَن أتمّ الوضوء كما أمرَهُ الله تعالى، فالصلواتُ الخمسُ كفّاراتٌ لما بينهن"

(2)

.

183 -

(9)[صحيح] وعنه:

أنه [أتِيَ بِطَهورٍ وهو جالسٌ على (المقاعدِ)

(3)

فـ]

(4)

توضأ، فأحسَنَ الوُضوءَ، [ثم قال:

رَأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتوضأُ وهو في هذا المجلسِ، فأحْسَنَ الوُضوءَ]،

(5)

ثم قال:

"من تَوضأَ مِثلَ وُضوئي هذا، ثم أتى المسجدَ، فَركعَ ركعتين، ثم جَلَس؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تغتروا".

رواه البخاري وغيره.

(1)

وإسناده صحيح على شرط الشيخين، لكنه بلفظ:"ولا تغتروا"، ولفظه بتمامه:

"من توضأ مثل وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين، غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال:"ولا تغتروا"، وبهذا اللفظ رواه البخاري، وقد ذكره المؤلف عقبه، ورواه أحمد أيضاً (1/ 166).

(2)

وأخرجه مسلم أيضاً بهذا اللفظ، وسيعيده المؤلف في آخر الباب (21 - حديث) كما هنا.

(3)

موضع قرب المسجد النبوي، كان يجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم، عند باب الجنائز، انظر "صحيح مسلم"(3/ 63).

(4)

سقطتا من الأصل، واستدركتهما من "البخاري"، وهو في مختصري له برقم (104)، وسقوط الزيادة الثانية مفسد للحديث؛ لأنه يصير موقوفاً كما هو ظاهر، وهو مما لم يثبته محمد مصطفى عمارة وغيره! وقد استفادها المعلقون الثلاثة دون الأولى من الطبعة السابقة!

(5)

سقطتا من الأصل، واستدركتهما من "البخاري"، وهو في مختصري له برقم (104)، وسقوط الزيادة الثانية مفسد للحديث؛ لأنه يصير موقوفاً كما هو ظاهر، وهو مما لم يثبته محمد مصطفى عمارة وغيره! وقد استفادها المعلقون الثلاثة دون الأولى من الطبعة السابقة!

ص: 190

184 -

(10)[صحيح لغيره] وعنه أيضاً؛ أنه دعا بماءٍ فتوضأ ثم ضَحكَ، فقال لأصحابه:

ألا تسألوني ما أضحكني؟ فقالوا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم توضأَ كما توضأتُ، ثم ضحك فقال:

"ألا تسألوني: ما أضْحكَكَ؟! ". فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال:

"إن العبد إذا دعا بوَضوءٍ، فغسلَ وجْهَه؛ حَطَّ الله عنه كلَّ خطيئةٍ أصابَها بِوجهِهِ، فإذا غسل ذِراعَيْهِ كان كذلك، وإذا طَهَّر قَدَمَيْهِ كان كذلك".

رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى، ورواه البزار بإسناد صحيح، وزاد فيه:

"فإذا مسح رأسه كان كذلك".

185 -

(11)[صحيح لغيره] وعن عبد الله الصُّنابِحي رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا توضّأ العبدُ فَمَضْمَضَ، خَرَجتِ الخطايا مِن فِيه، فإذا اسْتَنْثَرَ خَرجتِ الخطايا من أنفه، فإذا غَسل وَجْهَهُ خَرجتِ الخطايا من وجههِ، حتى تخرج من تحت أشفارِ عَيْنيْه، فإذا غَسل يديه خَرجت الخطايا من يَديه، حتى تخرجَ من تحتِ أظفارِ يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه، حتى تخرجَ من أذنَيْهِ، فإذا غسل رِجلَيْه خَرجَتِ الخطايا من رجليه، حتى تخرجَ من تحتِ أظفارِ رجليه، ثم كان مَشيُه إلى المسجد وصلاتُه نافلةً".

رواه مالك والنسائي وابن ماجه، والحاكم وقال:

"صحيح على شرطهما، ولا علة له، والصُّنابحي صحابي مشهور"

(1)

.

(1)

كذا قال! وقد تعقّبه الذهبي بقوله: (1/ 130): "قلت. لا". يعني: ليس صحابياً مشهوراً؛ بل هو مختلف في صحبته. وقال في رده على ابن القطان: الورقة (3 ورقم 14 - المطبوعة)"كاد أن يكون صحابياً لقدومه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم". وقد تعقبه الناجي أيضاً وأطال النفس في ذلك، وحكى الخلاف فيه: هل يسمى عبد الله الصنابحي؟ أم أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة؟ ورجّح الثاني. والله أعلم.

وإنما أوردت حديثه هنا لشواهده المذكورة في الباب.

ص: 191

186 -

(12)[صحيح] وعن عَمرو بنِ عَبَسَة

(1)

السُّلَمِي رضي الله عنه قال:

كنت وأنا في الجاهلية أظنُّ أن الناس على ضلالةٍ، وأنهم ليسوا على شيءٍ، وهم يعبدون الأوثانَ، فسمعتُ برجلٍ في مكةَ يُخبر أخباراً، فقعدتُ على راحلتي، فقدِمتُ عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، -فذكر الحديثَ إلى أن قال:- فقلت: يا نبي الله! فالوُضوءُ، حدثني عنه؟ فقال:

"ما منكم رجل يُقَرِّبُ وَضوءه، فيُمَضْمِضُ ويستنشق فَيَنْتَثِرُ

(2)

؛ إلا خرَّتْ خطايا وجهِهِ من أطراف لِحيتِهِ مع الماءِ، ثم يغسل يديه إلى المِرفَقَين؛ إلا خَرَّت خطايا يديه من أَنامِلِه مع الماء، ثم يَمسَحُ رأسَهُ؛ إلا خَرَّت خطايا رأسِه من أطراف شعرِه مع الماء، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين؛ إلا خَرَّت خطايا رجليه من أنامِلِه مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ومَجَّدَه بالذي هو له أهلٌ، وفَرَّغَ قَلبَه لله تعالى؛ إلاَّ انصرفَ من خطيئته كَـ[ـهيْئَتِهِ]

(3)

يَومَ ولَدَتْه أُمُّه".

رواه مسلم.

187 -

(13)[صحيح لغيره] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"أيّما رجلٍ قامَ إلى وَضوئه يريد الصلاةَ، ثم غسل كَفَّيْهِ؛ نَزَلَتْ كُلُّ خطيئةٍ من كَفَّيْه مع أولِ قطرةٍ، فإذا مَضْمَضَ واستنشق واستنثر؛ نزلت خطيئتُهُ

(1)

الأصل: (عنبسة)، والتصويب من المخطوطة وغيرها، وسيأتي على الصواب قبيل الباب (15) من "5 - الصلاة".

(2)

الأصل كالمخطوطة: (فيستنثر)، والتصويب من "صحيح مسلم" و"المسند" و"السنن".

(3)

سقطت من الأصل وغيره، واستدركتها من "صحيح مسلم"، والظاهر أن السقط من إملاء المؤلف أو الناسخ، فإني رأيته كذلك في "مختصره" للحافظ ابن حجر! ثم ترجح عندي الأول، فإنه سيأتي كذلك في (5 - الصلاة /14 الترغيب في الصلاة) آخره، وهو كذلك في المخطوطة هنا.

ص: 192

من لسانِه وشفتيه مع أول قطرةٍ، فإذا غسلَ وجهه؛ نزلت كُلُّ خطيئةٍ من سَمعِه وبَصرِه مع أولِ قطرةٍ، فإذا غَسَلَ يديه إلى المِرفَقَين، ورجلَيه إلى الكعبين؛ سَلِمَ مِن كلِّ ذنبٍ كهيئتِه يومَ ولدَتْه أمُّه. -قال:- فإذا قامَ إلى الصلاةِ رفعَ اللهُ درجتَه، إنْ قَعَدَ قَعَدَ سالماً".

رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بَهرام عن شَهْر بن حَوْشب، وقد حسّنها الترمذي لغير هذا المتن، وهو إسناد حسن في المتابعات، لا بأس به.

[صحيح لغيره] ورواه أيضاً بنحوه من طريق صحيح،

(1)

وزاد فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الوضوءُ يُكَفّرُ ما قبله، ثم تَصيرُ الصلاةُ نافلةً".

[صحيح لغيره] وفي أخرى له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا توضأ الرجُلُ المسلمُ؛ خَرجتْ ذنوبُه من سمعِه وبصرِه، ويديه ورجليه، فإن قَعَدَ قَعَدَ مغفوراً له".

وإسناد هذه حسن.

[صحيح لغيره] وفي أخرى له أيضاً:

"إذا توضأ المسلمُ، فغسل يَدَيْه؛ كُفِّرَ عنه ما عَمِلتْ يَداه، فإذا غَسَلَ وجهَهُ كُفِّرَ عنه ما نَظَرَتْ إليه عيناه، وإذا مسحَ بِرأسِه؛ كُفِّرَ به ما سمعت أُذناه، فإذا غسل رجليه؛ كُفِّرَ عنه ما مَشت إليه قَدَمَاه، ثم يقومُ إلى الصلاةِ، فهي فضيلة".

وإسناد هذه حسن أيضاً.

(1)

لا وجه لهذا التصحيح مطلقاً، كيف وهو عنده (5/ 251 و 261) من طريق شهر نفسه؟! وكذلك أقول في تحسينه للروايتين الآتيتين، فإنهما من الطريق ذاتها (5/ 252 و 256 و 264)! وذلك كله من اضطراب شهر في روايته لهذا الحديث.

ص: 193

وفي رواية للطبراني في "الكبير":

قال أبو أمامة: لو لم أسمعه مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا سبعَ مراتٍ ما حَدَّثْتُ به، قال:

"إذا توضأ الرجلُ كما أُمِرَ؛ ذهب الإثمُ من سمعِه وبصرِه، ويَديْه ورِجلَيْه".

وإسناده حسن أيضاً

(1)

.

188 -

(14)[صحيح لغيره] وعن ثعلبة بن عباد عن أبيه رضي الله عنه قال: ما أدري كم حدَّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجاً أو أفراداً قال:

"ما من عبدٍ يتوضّأ فَيُحسِنُ الوضوءَ، فيغسلُ وَجْهَهُ حتى يَسيلَ الماءُ على ذَقَنِهِ، ثم يغسل ذِراعيه حتى يَسيلَ الماءُ على مِرْفَقَيْه، ثم غسل رجليه حتى يَسيلَ الماءُ من كَعْبَيْه، ثم يقومُ فيصلي؛ إلا غُفِرَ له ما سَلَفَ من ذَنبه".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لَيِّنٍ.

(الذقن) بفتح الذال المعجمة والقاف أيضاً: هو مجتمع اللَّحيَيْن من أسفلهما.

189 -

(15)[صحيح] وعن أبي مالك الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الطَّهور شَطْرُ الإيمان، والحمدُ لله تملأُ الميزان، وسبحان الله والحمدُ لله تملآن -أو تملأُ- ما بين السماء والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ بُرهانٌ، والصبرُ ضِياءٌ، والقرآنُ حُجَّة لك أو عليك، كُلُّ الناس يَغدو، فبائعٌ نفسَه، فمعتقُها أو مُوبقُها".

رواه مسلم والترمذي وابن ماجه، إلا أنه قال:

(1)

هذا الحديث له في المسند ثلاث طرق وألفاظ، بعضها حسن لذاته، وهو مختصر (5/ 254)، وسائرها حسن في المتابعات كما قال المؤلف. وتصحيحه لبعضها ما أظنه إلا وهماً تبعه عليه الهيثمي في "المجمع" كما حققته في الأصل، اللهم إلا أن يريد أنه صحيح لغيره، فنعم، وكذلك ما قبله. وله في هذا الحديث أوهام أخرى نبهت عليها هناك.

ص: 194

"إسباغُ الوضوء شطرُ الإيمان".

ورواه النسائي دون قوله: "كل الناس يغدو. . ." إلى آخره.

قال الحافظ عبد العظيم:

"وقد أفردتُ لهذا الحديث وطرقه وحكمه وفوائده جزءاً مفرداً.

190 -

(16)[صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما مِن مسلمٍ يتوضّأُ فَيُسبغُ الوُضوء، ثم يقومُ في صلاتِه، فَيَعلَمُ ما يقولُ، إلا انفَتَلَ وهو كيومَ وَلَدَتْه أمه. . ." الحديث.

رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم، واللفظ له، وقال:

"صحيح الإسناد"

(1)

.

191 -

(17)[صحيح] وعن علي بن أبي طالب؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إسباغُ الوضوء في المكاره، إعمالُ الأقدامِ إلى المساجِدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ؛ يغسل الخطايا غسلاً".

رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

192 -

(18)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ألا أدُلُّكم على ما يَمْحو الله به الخطايا، ويرفعُ به الدرجاتِ؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله. قال:

"إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ

(1)

ويأتي لفظ الآخرين قريباً في (5 - الصلاة /13 - الترغيب في ركعتين. .).

ص: 195

بعد الصلاةِ، فذلكُمُ الرِّباط؛ فذلكم الرِّباط؛ فذلكم الرِّباط".

رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه

(1)

.

193 -

(19)[حسن صحيح] ورواه ابن ماجه أيضاً

(2)

، وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي سعيد الخدري؛ إلا أنهما قالا فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا أدلّكم على ما يُكَفِّرُ اللهُ به الخطايا، ويزيد به في الحسناتِ، وُيكَفِّر به الذنوبَ؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله! قال:

"إسباغُ الوضوءِ على المكروهاتِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ

الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكُم الرباط".

رواه ابن حبان في "صحيحه" عن شُرَحْبيل بن سعد عنه

(3)

.

194 -

(20)[صحيح لغيره] وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أتاني الليلةَ رَبِّي [في أحسن صورة، فـ]

(4)

قال: يا محمد! أتدري فِيمَ يختصم الملأُ الأعلى؟ قلتُ: نعم؛ في الكفّارات والدّرجاتِ، ونَقْلِ الأقدام

(1)

انظر لفظه في (5/ 9 - المشي إلى المساجد).

(2)

قلت: وإسناده حسن، وهو عند ابن حبان من طريق أخرى كما أشار إليه المؤلف في آخر الحديث، وقد رواه الدارمي أيضاً من الطريق الأول، وكذا أحمد. ورواه الحاكم (1/ 191) من طريق ثالث، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(3)

وسيأتي لفظه في (5 - الصلاة /22 - الترغيب في انتظار الصلاة).

(4)

سقطت من الأصل، فاستدركتها من "الترمذي"، وقد ذُكِرَتْ في المكان المشار إليه في الكتاب وفي غيره. وكان الأصل: أتاني الليلة آتٍ من ربي"، ولا أصل لها عند الترمذي، ولا عند غيره ممن أخرج الحديث، وهي مفسدة للمعنى كما هو ظاهر، والعجيب أنّ هذا الخطأ تكرر في الكتاب كلما ذكر، كالمكان المذكور، وغفل عن ذلك كله المغفلون الثلاثة؟ وهذا الإتيان كان في المنام كما في حديث معاذ الصحيح.

ص: 196

للجماعاتِ، وإسباغِ الوضوء في السَّبَرات

(1)

، وانتظارِ الصلاةِ بعد الصلاةِ، ومن حافظ عليهِنَّ عاشَ بخيرٍ، وماتَ بخيرٍ، وكان من ذنوبه كيومَ ولدته أمه".

رواه الترمذي في حديث يأتي بتمامه إن شاء الله تعالى في "صلاة الجماعة"، وقال:

"حديث حسن"

(2)

.

(السَّبَرات): جمع سَبْرة، وهي شدة البرد.

195 -

(21)[صحيح] وعن عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن أتمَّ الوُضوءَ كما أمرَهُ اللهُ؛ فالصلواتُ المكتوباتُ كفاراتٌ لما بينهنّ".

رواه النسائي وابن ماجه بإسناد صحيح

(3)

.

196 -

(22)[حسن صحيح] وعن أبي أيوب قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن توضّأَ كما أُمِرَ، وصلى كما أُمِرَ؛ غُفِرَ له ما قدَّم من عمل".

رواه النَّسائي

(4)

وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنّه قال:

"غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه".

(1)

بفتح الباء الموحدة خلافاً لضبط المؤلف كما سيأتي بيانه في (5 - الصلاة/ 16)، ولفظ الترمذي وغيره:"المكاره"، وأما لفظ "السبرات" فهو من حديث أبي عبيدة في رواية الطبراني، وهو مخرج في "الصحيحة"(3169).

(2)

قلت: وهو كما قال، أو أعلى، فإن هذا القدر منه له شاهدان من حديث أبي رافع وطارق ابن شهاب في "المجمع"(237). والحديث يأتي في (5 - الصلاة /16 - الترغيب فى صلاة الجماعة. . .)، وهو مخرج في "ظلال الجنة"(1/ 169 - 170).

(3)

قلت: ومسلم أيضاً كما تقدم (7 - باب).

(4)

قلت: ورواه الدارميّ أيضاً وأحمد. وإسنادهم حسن إن شاء الله تعالى.

ص: 197

‌8 - (الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده).

197 -

(1)[صحيح لغيره] عن ثَوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"استقيموا وَلَنْ تُحصُوا، واعلَموا أنّ خيرَ أعمالِكم الصلاةُ، ولَنْ يحافظَ على الوضوءِ إلا مُؤمنٌ".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرطهما، ولا علة له سوى وهم أبي بلال الأشعري"

(1)

.

ورواه ابن حبان في "صحيحه" من غير طريق أبي بلال، وقال في أوله:

"سَدِّدُوا وقاربوا، واعلموا أنّ خيرَ أعمالِكم الصلاة. . ." الحديث.

198 -

(2)[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث ليث -هو ابن أبي سُليم- عن مجاهد عن عبد الله بن عَمروٍ.

199 -

(3)[صحيح لغيره] ومن حديث أبي حفص الدمشقي -وهو مجهول- عن أبي أُمامة يرفعه.

200 -

(4)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لولا أنْ أشُقَّ على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضُوء، ومع كلِّ وضُوءٍ بسواكٍ".

رواه أحمد بإسناد حسن.

(1)

قلت: بل له علة أخرى، وهي الانقطاع بين سالم بن أبي الجعد وثوبان؛ كما بيّنته في الأصل، ولكن الحديث صحيح، فإن له طرقاً أخرى موصولة، عند الدارميّ وأحمد والطبراني وابن حِبَان أيضاً، وله بعض الشواهد كما ذكره المؤلف بعدُ.

ص: 198

201 -

(5)[صحيح] وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال:

أصبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً، فقال:

"يا بلال! بِمَ سبقتني إلى الجنّة؟ إنني دخلتُ البارحةَ الجنّةَ فسمعت خَشخَشَتكَ

(1)

أمامي؟ ".

فقال بلالٌ: يا رسول الله! ما أذَّنتُ قَطُّ إلا صلّيتُ ركعتين، ولا أصابني حَدَثٌ قط إلا توضَّأت عنده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بهذا".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(2)

(1)

(الخشخشة): حركة لها صوت كصوت السلاح، أي: صوت مشيتك.

(2)

أوهم أنه لم يروه من هو أعلى طبقة من ابن خزيمة وأشهر، وليس كذلك، فقد أخرجه الترمذي في "المناقب"، وأحمد في "المسند"(5/ 360) بسند صحيح على شرط مسلم، وصححه الحاكم والذهبي على شرطهما! وفي رواية لأحمد بلفظ:"إلا توضّأت وصليت ركعتين"، وسنده صحيح أيضاً. ولم أره بهذا اللفظ في "صحيح ابن خزيمة" المطبوع، فلعله أخرجه في أصله الذي سماه فيه بـ "المسند"، وإنما هو فيه بلفظ "أذنبت"، من:(الذنْب)! وهكذا ذكره المؤلف أيضاً فيما يأتي (6 - النوافل /18 - الترغيب في صلاة التوبة)، وهو خطأ، والصواب بلفظ:"أذَّنت" كما هنا.

ص: 199

‌9 - (الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامداً).

202 -

(1)[حسن لغيره] قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله: ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا وضوءَ لمن لمْ يُسَمِّ اللهَ". كذا قال.

(1)

203 -

(2)[حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا صلاةَ لِمَنْ لا وُضُوءَ له، ولا وُضُوءَ لِمَنْ لم يَذكُرِ اسمَ اللهِ عليهِ".

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني والحاكم، وقال:

"صحيح الإسناد".

قال الحافظ عبد العظيم:

"وليس كما قال، فإنهم رووه عن يعقوب بن سَلَمَة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة. وقد قال البخاري وغيره: "لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة، ولا ليعقوب سماع من أبيه" انتهى.

وأبوه سلمة أيضاً لا يعرف، ما روى عنه غير ابنه يعقوب، فأين شروط الصحة؟!

(2)

(1)

يشير المؤلف رحمه الله بهذا إلى عدم تسليمه بقول ابن أبي شيبة المذكور، ولا وجه لذلك عندي، فإن الثبوت قد يكون بمجموع طرق الحديث، وهو كذلك هنا، كما أشار إلى ذلك المؤلف نفسه عقب الحديث، فتنبّه.

(2)

قلت: لقد أصاب المؤلف في هذا النقد، وقد تبعه الذهبي في "تلخيص المستدرك" وابن الصلاح والنووي والعسقلاني، إلا أن هذا الأخير قال بعد أن ساق الأحاديث المروية في الباب:

"والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث فيها قوة تدل على أن له أصلاً".

وهذا موافق لكلام المؤلف في آخر الحديث الآتي، وهو الحق، وحسنه ابن الصلاح وابن كثير.

انظر "الإرواء"(1/ 122).

ص: 200

204 -

(3)[حسن] وعن رباح بن عبدِ الرحمنِ بن أبي سفيان بن حُوَيْطِب عن جَدته عن أبيها قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لا وضوءَ لِمَنْ لَمْ يَذكرِ اسمَ الله عليه".

رواه الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي:

"قال محمد بن إسماعيل -يعني البخاري-: "أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها". قال الترمذي: وأبوها: سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل".

قال الحافظ:

"وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شيء منها عن مقال، وقد ذهب الحسن وإسحاق ابن راهويه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء، حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولا شك أنّ الأحاديث التي وردت فيها، -وإنْ كان لا يسلم شيء منها عن مقال- فإنها تتعاضد بكثرة طرقها، وتكتسب قوة. والله أعلم".

ص: 201

‌10 - (الترغيب في السواك وما جاء في فضله).

205 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لولا أنْ أَشُقَّ على أُمتي لأمرتُهم بالسِّواك مع كلِّ صلاةٍ".

رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم؛ إلا أنّه قال:

"عند كل صلاة".

[حسن صحيح] والنِّسائي وابن ماجه وابن حِبّان في "صحيحه"، إلا أنه قال:

"مع الوضوء عند كل صلاة".

[صحيح] ورواه أحمد وابن خُزيمة في "صحيحه" وعندهما:

"لأمرتُهم بالسِّواك مع كلِّ وضُوءٍ".

206 -

(2)[حسن صحيح] وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لولا أنْ أَشُقَّ على أمّتي لأمرتُهم بالسواكِ مع كل وضُوء".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

207 -

(3)[حسن] وعن زينبَ بنتِ جحْشٍ رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لولا أنْ أَشق على أمّتي لأمرتُهم بالسِّواكِ عند كلِّ صلاةٍ كما يتوضّؤون".

رواه أحمد بإسناد جيّد.

208 -

(4)[صحيح لغيره] ورواه البزّار والطبراني في "الكبير" من حديث العباس بن عبد المطلب، ولفظه:

"لولا أنْ أشقَّ على أُمَّتي لَفَرضْتُ عليهم السواك عند كل صلاة، كما فرضتُ عليهم الوُضوء".

ص: 202

209 -

(5)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"السِّواك مَطْهَرَةٌ للفَم، مَرْضاةٌ للربِّ".

رواه النّسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" ورواه البخاري معلقاً مجزوماً، وتعليقاته المجزومة صحيحة.

(1)

210 -

(6)[صحيح] وعن ابن عمرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"عليكم بالسواك؛ فإنه مَطْيَبَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضاةٌ للربّ تبارك وتعالى".

رواه أحمد من رواية ابن لهيعة.

(2)

211 -

(7)[صحيح] وعن شُريح بن هانئ قال:

قلتُ لعائشةَ رضي الله عنها: بأيِّ شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دَخل بيْته؟ قالت: بالسواك.

رواه مسلم وغيره.

212 -

(8)[صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:

كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرفُ فيستاك.

رواه ابن ماجه والنسائي

(3)

. ورواته ثقات.

(1)

ليس هذا على الإطلاق، كما بيّنه الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح"(ص 14)، فراجعْه فإنّه هامّ، أقول هذا مع اعتقادي بأنَّ هذا صحيح الإسناد، كما كنت بيّنته في "المشكاة"(381)، و"الإرواء" (66). ثم إن في الأصل هنا ما نصه:"ورواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" من حديث ابن عباس، وزاد فيه "ومجلاةٌ للبصر". ولما كان إسنادها ضعيفاً جداً فقد حذفته على ما نصصت عليه في المقدمة، وهو مخرج في "الضعيفة" (5279).

(2)

قلت: لكنه عنده من رواية قتيبة بن سعيد عنه، وهي صحيحة، وله شاهد بإسناد جيّد خرّجته في "الصحيحة" برقم (2517).

(3)

لم أجده عند النسائي، ولم يعزه النابلسي في "ذخائر المواريث" إلا لابن ماجه، كذلك صنع الحافط في "الفتح"، وقال:"وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل، وأورده أبو داود، وبين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم، وأصل الحديث في مسلم مبيّناً أيضاً". وهو =

ص: 203

213 -

(9)[حسن لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لقد أُمِرتُ بالسواكِ حتى ظَنَنْتُ أنه يَنْزل عليَّ فيه قرآنٌ أو وَحيٌ".

رواه أبو يعلى وأحمد

(1)

ولفظه: قال:

"لقد أُمِرتُ بالسواكِ حتى خَشيتُ أن يُوحَى إليَّ فيه شيء".

ورواته ثقات.

214 -

(10)[حسن لغيره] ورواه [يعني حديث عائشة الذي في "الضعيف"] البزّار من حديث أنس، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لقد أُمِرْتُ بالسواك حتى خشيتُ أَن أَدْرَدَ".

(الدَّرَد): سقوط الأسنان.

215 -

(11)[حسن صحيح] وعن علي رضي الله عنه أنه أمرَ بالسواك، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن العبدَ إذا تَسَوَّك ثم قامَ يُصلي، قام الملَكُ خَلفه، فَيَستَمعُ لقراءتِه، فيدنو منه -أو كلمة نحوها- حتى يضعَ فاه على فِيه، فما يخرجُ من فيه شيءٌ من القرآنِ إلا صارَ في جوفِ الملَكِ، فَطَهَّروُا أفواهكم للقرآن".

رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به، وروى ابن ماجه بعضه موقوفاً، ولعله أشبه

(2)

.

=كما قال، إلا أن قوله:"إسناده صحيح" ليس بصحيح، فإن فيه سفيان بن وكيع، وهو متكلَّم فيه، بل اتّهمه أبو زرعة بالكذب، لكن قد أخرجه الحاكم (1/ 145) من غير طريقه، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، فبه صح الإسناد، لكن المتن مختصر، وحديث أبي داود المبيَّن مخرج في "صحيح أبي داود"(رقم 52).

ثم طبع كتاب "السُّنن الكبرى" للنسائي، فإذا الحديث فيه أيضاً (1/ 424) مختصراً كرواية الحاكم، وأخرى كرواية أبي داود.

(1)

هذا يُشعر أن اللفظ الأول لم يروه أحمد، وليس كذلك، فقد أخرجه (1/ 337) بهذا اللفظ، و (1/ 375) باللفظ الآخر، وسنده حسن لغيره، فإن له شاهداً من حديث واثلة، مذكوراً في الأصل. وهو في "الصحيحة" تحت رقم (1556) كشاهد.

(2)

قلت: كلا؛ فإنَّ في إسناد ابن ماجه انقطاعاً ومتروكاً. انظر "الصحيحة"(1213).

ص: 204

‌11 - (الترغيب في تخليل الأصابع

(1)

، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخلَّ بشيء من القدر الواجب)

216 -

(1)[حسن لغيره] عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال. . . رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"حَبَّذا المُتَخَلِّلُون من أمَّتي. . .".

رواه الطبراني في "الكبير"، ورواه أيضاً هو والإمام أحمد؛ كلاهما مختصراً عن أبي أيوب وعطاء قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره).

217 -

(2)[حسن لغيره] ورواه في "الأوسط" من حديث أنس.

ومدار طرقه كلها على واصل بن عبد الرحمن الرقاشي، وقد وثقه شعبة وغيره

(2)

.

218 -

(3)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لتَنْهَكُنَّ (3) الأصابعَ بالطّهورِ، أو لتَنْهَكنّها

(3)

النارُ".

[صحيح موقوف] رواه الطبراني في "الأوسط" مرفوعاً، ووقفه في "الكبير" على ابن مسعود بإسناد

(1)

قال في النهاية: " (التخليل): هو استعمال الخِلَال لإخرج ما بين الأسنان من الطعام، و (التخلّل) أيضاً و (التخليل): تفريق شعر اللحية وأصابعَ اليدين والرجلين في الوضوء، وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء، وهو وسطه".

(2)

قلت: واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ليس له ذكر في هذا الحديث مطلقاً، وإنما هو واصل ابن السائب الرقاشي، وهو ضعيف اتفاقاً. ثم إن حديث أنس نظيف منه، بل هو شاهد له جيد، وهو قاصر على الطرف الأول المذكور أعلاه، دون تمامه المشار إليه بالنقط. . .، فهو من حصة الكتاب الآخر، لخلوه من شاهد معتبر، فراجعه هناك إن شئت، وهو مخرج في "الإرواء"(7/ 34 - 36).

وقد سرق الاستدراك المذكور المعلقون الثلاثة وعَزَوْهُ لأنفسهم، وقالوا:"قلنا: إنما هو واصل بن السائب الرقاشي. ."!

(3)

الأصل: (لتَنْتَهِكُنَّ)، وأيضاً (لتَنْتَهكَنَّها)، وهو تصحيف كما حققه الشيخ الناجي في "عجالة الإملاء"، وعلى الصواب وقع في "مجمع البحرين" تحقيق عبد القدوس نذير، ونسخة (ب) من مخطوطة "الترغيب" كما في هامشِ الطبعة الجديدة منه تعليق الثلاثة، ولكنهم لجهلهم أثبتوا التصحيف! والتفصيل في "الصحيحة"(3489). وانظر التعليق الآتى (12 - الجهاد/ 14 - باب/ 26 - حديث).

ص: 205

حسن. والله أعلم.

[صحيح لغيره موقوف] وفي رواية له في "الكبير" موقوفة قال:

خللوا الأصابعَ الخمسَ؛ لا يحشوها الله ناراً.

قوله: (لتنهكنَّها) أي: لتبالغنّ في غسلها، أو لتبالغنّ النار في إحراقها.

و (النَّهكَ): المبالغة في كل شيء.

219 -

(4)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لم يغسل عَقِبَيْهِ، فقال:

"ويلٌ للأعقابِ مِن النارِ".

وفي رواية:

أنّ أبا هريرة رأى قوماً يتوضّؤون من المِطهرة، فقال: أسبغوا الوضوء، فإنّي سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال:

"ويلٌ للأعقابِ مِن النارِ"، أو "ويلٌ للعراقيب من النار".

(1)

رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مختصراً.

وروى الترمذي عنه:

"ويلٌ للأعقابِ من النَّارِ". ثم قال:

220 -

(5)[صحيح] وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"ويلٌ للأعقابِ وبطونِ الأقدامِ من النارِ".

قال الحافظ: "وهذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي رواه الطبراني في "الكبير"، وابن خزيمة في "صحيحه" من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزُّبَيْدي مرفوعاً، ورواه

(1)

قلت: هذا الشك ليس في الرواية، وإنما هو من المؤلف رحمه الله، والحقيقة أنّ الرواية الأولى لمسلم دون الآخرين، وعنده الأخرى أيضاً، قال في آخرها:"ويل للعراقيب من النار". وكذا رواه البخاري، لكن بلفظ:"ويل للأعقاب من النار". والمصنف جمع بين لفظي البخاري ومسلم، وليس بجيّد، وكثيراً ما يصنع المؤلف مثل هذا كما نبه عليه الشيخ الناجي (42).

ص: 206

أحمد موقوفاً عليه

(1)

".

221 -

(6)[صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوماً وأعقابُهم تَلُوحُ، فقال:

"ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء".

رواه مسلم وأبو داود -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، ورواه البخاري بنحوه.

222 -

(7)[حسن] وعن أبي روح الكُلاعي قال:

صلّى بنا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم صلاةً فقرأ فيها بسورةِ (الروم)، فلُبِّس عليه بعضُها، فقال:

"إنما لَبِّسَ علينا الشيطانُ القراءةَ من أجلِ أقوامٍ يأتون الصلاةَ بغيرِ وضوءٍ، فإذا أتيتم الصلاةَ، فأحسنوا الوضوءَ".

وفي رواية:

فتردَّدَ في آيةٍ، فلما انصرفَ قال:

"إنه لُبِّسَ علينا القرآنُ؛ أنّ أقواماً منكم يصلُّون معنا لا يُحسنون الوضوءَ، فَمَنْ شهدَ الصلاةَ معنا فليُحْسِن الوضوء".

رواه أحمد هكذا، ورجال الروايتين محتجٌّ بهم في الصحيح.

(2)

ورواه النَّسائي عن أبي رَوْح عن رجل.

(1)

قلت: ومرفوعاً أيضاً (4/ 191)، وإسناد ابن خزيمة (163) صحيح.

(2)

قلت: أبو رَوْح هذا -واسمه شبيب- ليس صحابياً، ولا من رجال "الصحيح"، وهو ثقة عند ابن حِبّان والحافظ، والصحابي إنما هو "الرجل" في رواية النَّسائي، رواه عنه أبو روح، وهو الصواب، كما قال الحافظ، وكنت -قديماً- توقفت عن تقوية الحديث لجهالة في أحد رواته، ثم ترجح عندي أنه ثقة لتوثيق ابن حبان وابن حجر إياه؛ ورواية جمع عنه، والتفصيل في الأصل.

ص: 207

223 -

(8)[صحيح] وعن رفاعة بن رافع؛ أنّه كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

"إنّها لا تتمُّ صلاةٌ لأحدٍ حتى يُسبغَ الوضوءَ كما أمرَ اللهُ، يَغسِلُ وجهَهُ ويَدَيهِ إلى المِرفقين، ويمسح برأسِه ورجليه إلى الكعبين".

رواه ابن ماجه بإسناد جيد.

(1)

‌12 - (الترغيب في كلماتٍ يقولهن بعد الوضوء).

224 -

(1)[صحيح] عن

(2)

عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فَيُبلِغُ أو فَيسبغُ الوضوء، ثم يقولُ: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله)؛ إلاَّ فُتحَتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةِ، يدخل مِن أيُّها شاء".

رواه مسلم.

[حسن] وأبو داود وابن ماجه، وقالا:

(1)

هذا يوهم أنه لم يروه من الستة سوى ابن ماجه، وليس كذلك، فقد أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي، وإسنادهم صحيح على شرط البخاري، وصححه الحاكم (1/ 241) على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي! وهؤلاء أخرجوه في حديث المسيء صلاته، وسيأتي في (5 - الصلاة / 34 - باب/ 15 - حديث).

(2)

في الأصل ومطبوعة عمارة "روي عن"! وهو خطأ من بعض النساخ في ظني، فإن صيغة "رُوِي" موضوعة في اصطلاح المحدثين للحديث الضعيف. وعلى ذلك جرى المؤلف كما نص عليه في المقدمة، وهذا صحيح الإسناد، وحسبك أنه رواه مسلم في "صحيحه". وأستبعد أن يشك المؤلف بسبب كلام الترمذي فيه؛ لأنه خطأ لا وجه له كما بينه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "الترمذي"، ثم تبعته على ذلك في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل". ثم رأيته في المخطوطة كما اعتمدته باجتهادي، دون قوله "رُوي". فالحمد لله على توفيقه.

ص: 208

"فيحسن الوضوء".

(1)

[حسن] ورواه الترمذي كأبي داود، وزاد:

"اللهم اجْعَلْني من التَّوابين، واجْعَلني من المتطهرين" الحديث، وتُكُلّم فيه.

(2)

225 -

(2)[صحيح] وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من قرأ سورةَ (الكهف) كانت له نوراً إلى يومِ القيامةِ، مِن مقامِه إلى مكة، ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرها

(3)

ثم خرج الدجال؛ لم يَضُرَّه، ومن توضأ فقال:(سبحانك اللهم وبحمدِك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، كُتِبَ له في رَقٍّ، ثم جُعِلَ في طابع، فلم يُكسَر إلى يومِ القيامةِ".

رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته رواة "الصَّحيح"، واللفظ له.

ورواه النسائي، وقال في آخره:

"خُتِم عليها بخاتَم فوضِعتْ تحتَ العرشِ، فلم تُكسَر إلى يومِ القيامةِ".

وصوَّب وقفه على أبي سعيد.

(4)

(1)

هنا في الأصل ما نصه: "وزاد أبو داود: (ثم يرفع طرفه إلى السماء ثم يقول) فذكره"، وفي إسنادها رجل لم يسم، فهي زيادة منكرة لا تصح، وغفل عن هذه الحقيقة العلمية المعلق على "مسند أبي يعلى"، فإنه بعد أن ضعف إسناده لجهالة الرجل قال (1/ 163):"ومتن الحديث صحيح، فقد أخرجه مسلم. ."، وحديث مسلم هو الذي في "الصحيح"، وليس فيه الزيادة، وتبعه المعلقون الثلاثة، فصدروا الحديت بقولهم:"صحيح"، ثم خرجوه دون تفريق بين الصحيح والمنكر!

(2)

قلت: يعني بالاضطراب، لكن رِواية مسلم سالمة منه؛ كما حققته في "صحيح أبي داود" رقم (162)، وذكرت فيه للزيادة شاهداً من حديث ثوبان.

(3)

كذا وقع في هذه الرواية: "آخرها" وهي شاذة، والصواب:"أولها"، وبيانه في "الصحيحة"(2651) وانظر (13 - قراءة القرآن/ 8/ 1/ و 2).

(4)

قلت: ولكنّه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما لا يخفى. ثم إن النسائي لم يروه في "الصغرى" كما يفيده إطلاق العزو إليه، وإنما في "الكبرى" له (6/ 236/ 10788). أي في "اليوم والليلة" منه. وانظره في (7 - الجمعة/ 7).

ص: 209

‌13 - (الترغيب في ركعتين بعد الوضوء).

226 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال:

"يا بلالُ! حَدِّثْني بأرجى عملٍ عمِلته في الإسلام؛ فإنّي سمعتُ دَفَّ نعلَيك بين يَديَّ في الجنةِ". قال: ما عملتُ عملاً أرجى عندي من أنّي لم أتطهَّر طُهوراً في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ إلا صلّيتُ بذلك الطُّهورِ ما كُتب لي أنْ أصلي.

رواه البخاري ومسلم.

(الدُّف) بالضم

(1)

: صوت النعل حال المشي.

227 -

(2)[صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما من أحدٍ يتوضأ فَيُحسن الوُضوء، ويُصلِّي ركعتين، يُقْبل بقَلبه ووجهه عليهما، إلا وَجَبَتْ له الجنةُ".

رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه" فى حديث.

[يأتي بتمامه في (5 - الصلاة / 14 - الترغيب في الصلاة)].

228 -

(3)[حسن صحيح] وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن توضأَ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم صلّى ركعتين، لا يسهو فيهما؛ غُفرَ له ما تقدم [من ذَنْبِهِ]

(2)

".

رواه أبو داود.

(1)

قال الشيخ الناجي: "كذا ضَبَطَه فوهم، إذ لا نزاع بين أهل اللغة والغريب أنّه بفتح الدال، وإنما المضموم الدُّف الذي يضرب به. كذا قال الجوهري، ثم قال: وحكى أبو عُبيد عن بعضهم أن الفتح لغة فيه، يعني في الثاني".

قلت: وهو بالذال المعجمة، ويُروى بالدال المهملة، وهو أصح.

(2)

سقطت من الأصل، واستدركتها من المخطوطة و"سنن أبي داود" وكذا "المستدرك" =

ص: 210

229 -

(4)[صحيح] وعن حُمرانَ مولى عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله عنه

أنه رأى عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه دعا بِوَضُوءٍ، فأفرَغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم أدخل يمينه في الوَضوء، ثم تَمضمَضَ واستنشَقَ واستَنْثَرَ، ثم غسلِ وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المِرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال:

رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضّأ نحو وضُوئي هذا، ثم قال:

"مَن توضّأَ نَحوَ وُضوئي هذا، ثم صلّى ركعتين لا يُحَدِّثُ فيهما نفسَه؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

230 -

(5)[حسن] وعن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن توضأَ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلّى ركعتين أو أربعاً -يشك سهل- يُحسِنُ فيهنَّ الذِّكرَ

(1)

والخشوع، ثم استغفر اللهَ؛ غَفَر له".

رواه أحمد بإسناد حسن

(2)

[ويأتي بأتم مما هنا في (5 - الصلاة/ 14)].

= و"المسند"، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، على ضعف يسير في (هشام بن سعد)، وهي ثابتة فيما يأتي من الكتاب أيضاً في الباب الذي أشرت إليه آنفاً أعلاه، وفي "مختصره" أيضاً هنا.

(1)

الأصل: "الركوع"، وكذا في المخطوطة وغيرها. والتصويب من "المسند"(6/ 450)، ويبدو أن الوهم من المؤلف، فقد أعاده كما هنا في الباب المشار إليه آنفاً، وكذلك وقع هناك في "المختصر" لابن حجر (ص 19).

(2)

قلت: هو عندي صحيح الإسناد؛ لأنّ رجاله كلهم ثقات، غير (صدقة بن أبي سهل الهُنائي) وثقه ابن مَعين وابن حبان، وروى عنه عشرة من الرواة جُلّهم أو كلهم ثقات، في بحث حررته في "الصحيحة"(3398).

ص: 211

‌5 - كتاب الصلاة.

‌1 - (الترغيب في الأذان

(1)

، وما جاء في فضله).

231 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لو يعلم الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَسْتَهِموا عليه؛ لاسْتهموا، ولو يعلمون ما في التَّهجيرِ؛ لاسْتَبَقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبحِ؛ لأتوهما ولو حَبْواً".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: (لاستهموا) أي: لاقترعوا.

و (التهجير): هو التبكير إلى الصلاة.

232 -

(2)[صحيح] وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة

(2)

:

أنّ أبا سعيد الخُدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تُحبُّ الغَنَمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمِك أو بادِيتِك فأذَّنتَ للصلاة، فارفعْ صوتَك بالنِّداء، فإنّه

(1)

قال أهل اللغة: " (الأذان) معناه: الإعلام، قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وقال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}، ويقال: الأذان والتأذين والأذين".

وفي الشرع: "الإعلام بالصلاة بألفاظ مخصوصة، في أوقات مخصوصة، مصدره النقل عن صاحب الشريعة، وقد اختلف العلماء في حكمه".

قلت: والصواب أنه فرض كالإقامة: لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في غير ما حديث، كحديث المسيء صلاته، ولذلك فلا تجوز الزيادة فيه، كما لا تجوز الزيادة في أوله أو في آخره، فإنها بدعة، وقد سبق أنّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

(2)

في الأصل وغيره كمطبوعة الثلاثة والمخطوطة وغيرها زيادة: "عن أبيه"، وهي وهم وردت عند غير البخاري؛ ولذلك حذفتها انظر "فتح الباري"(2/ 88).

ص: 212

"لا يسمعُ مدى صوتِ المؤذنِ جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ؛ إلا شَهِد له يومَ القيامةِ".

قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه، وزاد:

"ولا حَجَرٌ ولا شَجَرٌ إلا شهِدَ له".

[صحيح] وابن خُزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لا يسمعُ صوتَهُ شجرٌ ولا مَدَرٌ ولا حَجَرٌ ولا جِنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له".

233 -

(3)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يُغفَرُ للمؤذن مُنتهى أذانه، وَيستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ سَمِعه".

رواه أحمد بإسناد صحيح، والطبراني في "الكبير".

(1)

234 -

(4)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"المؤذنُ يُغفَر له مدى صوتِهِ، ويُصَدِّقُه كلُّ رطْبٍ ويابسٍ".

رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" وعندهما:

"ويشهد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ".

[صحيح] والنسائي، وزاد فيه:

"وله مثلُ أجرِ من صلّى معه"

(2)

.

(1)

هنا في الأصل ما نصه: "والبزار إلا أنه قال: (ويجيبه كل رطب ويابس) ".

قلت: هو بلفظ: "ويجيبه" شاذ مخالف لما قبله، لا سيما وراويه لم يجزم به، فإنه قال كما في "كشف الأستار" (1/ 180/ 355):"وأحسبه قال: ويجيبه. .".

(2)

هذه الزيادة عند النسائي من حديث البراء الآتي بعده، وليس من حديث أبي هريرة كما يوهم صنيع المؤلف، فتنبه.

ص: 213

[حسن صحيح] وابن ماجه، وعنده:

"يُغْفَر له مَدَّ صوتِه، ويستغفرُ له كلُّ رَطبٍ ويابس".

[حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

"المؤذِّنُ يُغفَر لَه مدَّ صوتِهِ، ويشهدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ

(1)

الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما"

(2)

.

قال الخطّابي رحمه الله:

"مدى الشيء: غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرةَ الله تعالى إذا استوفى وُسْعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت"

(3)

.

قال الحافظ رحمه الله:

"ويشهد لهذا القول رواية من قال: "يغفر له مدَّ صوته"، بتشديد الدال، أي: بقدر مدِّه صوتَه".

قال الخطّابي رحمه الله:

"وفيه وجه آخر هو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة [لَـ] غفرها الله"

(4)

انتهى.

235 -

(5)[صحيح لغيره] وعن البراءِ بن عازب رضي الله عنه؛ أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن الله وملائكتَه يصلُّون على الصفٍ المُقَدَّمِ، والمؤذِّنُ يغفرُ له مدى صوتِهِ، ويُصَدِّقُه من سمعه مِن رَطبٍ ويابسٍ، وله [مثل] أجر من صلّى معه".

رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن جيّد.

(1)

أي: شاهد الجماعة بأذانه يُكتَب له ما في تفضيل صلاة الجماعة على المنفرد. والله أعلم.

(2)

هذه الزيادة عند أحمد أيضاً ومن ذُكِر معه.

(3)

"معالم السنن"(1/ 281)، والزيادة منه.

(4)

"معالم السنن"(1/ 281)، والزيادة منه.

ص: 214

236 -

(6)[صحيح لغيره] ورواه الطبراني عن أبي أمامة، ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"المؤذِّن يُغفرُ لهُ مدَّ صوته، وأجرُه مثلُ أجر من صلّى معه".

237 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الإمام ضامنٌ

(1)

، والمؤذن مؤتمَن، اللهم أرشِد الأئمةَ، واغْفِرْ للمؤذِّنين".

رواه أبو داود والترمذي.

[صحيح] وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما"؛ إلا أنَّهما قالا:

"فأرشَدَ الله الأئمّةَ، وغَفَرَ للمؤذّنين".

ولابن خزيمة رواية كرواية أبي داود. وفي أخرى له:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"المؤذّنون أمناءُ، والأئمّة ضُمَناءُ، اللهم اغفر للمؤذنين، وسدِّد الأئمّةَ

(2)

، (ثلاث مرات) ".

238 -

(8)[صحيح] ورواه أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد حسن.

239 -

(9)[صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"الإمامُ ضامنٌ، والمؤذن مُؤتَمنٌ، فأرْشَدَ الله الأئمةَ، وعَفَا عن المؤذنين".

رواه ابن حِبّان في "صحيحه".

240 -

(10)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا نوديَ بالصلاةِ أدبَرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ؛ حتى لا يسمعَ التأذينَ، فإذا قُضِي الأذانُ أقبلَ، فإذا ثُوِّبَ أدبَرَ، فإذا قُضِيَ التثويبُ أقبلَ، حتى يخطُرَ

(1)

أي: متكفّل لصلاة المأمومين. (والمؤذن مؤتمن) أي: أمين على مواقيت الصلاة.

(2)

قلت: والمحفوظ الرواية الأولى؛ "أرشِدِ الأئمة".

ص: 215

بين المرءِ ونفسِه، يقولُ: اذكُرْ كذا، اذكر كذا، لِما لم يكنْ يَذْكُر من قَبلُ، حتى يَظَلَّ الرجلُ ما يدري كم صلّى".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. قال الخطّابي رحمه الله:

"التثويب هنا الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر "الصلاة خير من النوم"

(1)

.

ومعنى (التثويب): الإعلام بالشيء، والإنذار بوقوعه، وإنما سميت الإقامة تثويباً لأنه إعلام بإقامة الصلاة، والأذان إعلام بوقت الصلاة".

(2)

241 -

(11)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنّ الشيطانَ إذا سمع النداءَ بالصلاة ذهبَ حتى يكون مكان (الرَّوْحاءِ) ".

قال الراوي: و (الروحاء) من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً.

رواه مسلم.

242 -

(12)[صحيح] وعن معاويةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"المؤذّنون أطولُ الناسِ أعناقاً يومَ القيامةِ".

رواه مسلم.

243 -

(13)[حسن صحيح] ورواه ابن حِبّان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

قلت: والسنة الصحيحة في هذا التثويب تدل على أنه خاص بالأذان الأول في الفجر، وهو مما هجره أكثر المؤذنين اليوم مع الأسف الشديد، حتى في الحرمين الشريفين، ولقد ابتلي بسبب إحياء أمثالها طائفة من إخواننا السلفيين في بعض البلاد الإسلامية، وإلى الله المشتكى من أحوال هذا الزمان، وقلة أنصار السنّة فيه.

(2)

"معالم السنن"(1/ 281 - 282) مع اختصار.

ص: 216

244 -

(14)[حسن لغيره] وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إن خيارَ عبادِ اللهِ الذين يراعون الشمسَ والقمرَ والنجومَ لذكرِ الله".

رواه الطبراني -واللفظ له-، والبزار والحاكم وقال:

"صحيح الإسناد".

ثم رواه موقوفاً، وقال:

"هذا لا يفسد الأول، لأن ابن عيينة حافظ، وكذلك ابن المبارك" انتهى.

ورواه أبو حفص بن شاهين وقال:

"تفرد به بن عيينة عن مسعر، وحدث به غيره، وهو حديث غريب صحيح".

(1)

245 -

(15)[صحيح] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:

سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو في مَسيرٍ له يقول: (الله أكبر الله أكبر)، فقال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم:

"على الفطرة".

فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله). قال:

"خرجَ من النارِ".

فاستَبَقَ القومُ إلى الرَّجُلِ، فإذا راعِي غنمٍ حَضَرتْه الصلاة فقام يؤذّن.

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"،

(2)

وهو في مسلم بنحوه.

(1)

قلت: فيه وفي تصحيح الحاكم نظر من وجوه بينتها في "الصحيحة"(3400)، وفيه بيان أن أكثر المؤذنين اليوم لا يستحقون الثناء المذكور في الحديث؛ لأنهم لا يقومون بمراعاة الشمس و. . التي بها تعرف المواقيت الشرعية، وإنما يؤذنون على المواقيت الرسمية المبنية على الحسابات الفلكية، وهي تختلف كل الاختلاف عن الشرعية إلى درجة أن الفجر يؤذن في بعض البلاد قبل الوقت بنحو نصف ساعة! ويؤخرون أذان المغرب نحو عشر دقائق خلافًا للسنة. وقد يترتب بسبب ذلك المعاداة لأهل السنة. انظر التعليق الآتي في (9 - الصوم/ 3).

(2)

قال الناجي (47): "كذا رواه النسائي في "اليوم والليلة"، وكذا رواه فيه أيضاً من حديث ابن مسعود".

قلت. وإسناد ابن خزيمة صحيح كما بينته في تعليقي عليه برقم (399).

ص: 217

246 -

(16)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:

كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلالٌ ينادي، فلما سكت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن قال مثلَ هذا يقيناً دخلَ الجنةَ".

رواه النسائي وابن حبان في "صحيحه".

247 -

(17)[صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"يَعجَبُ ربُّك من راعي غنمٍ في رأس شَظيَّةٍ للجبلِ، يُؤذِّن بالصلاةِ، ويصلّي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّنُ ويقيمُ الصلاة، يخافُ مني؛ قد غفرتُ لعبدي، وأدخلتُه الجنةَ".

رواه أبو داود والنسائي.

(1)

(الشَّظِيَّة): بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين، وبعدهما ياء مثناة تحت مشددة وتاء تأنيث، هي القطعة تنقطع من الجبل، ولم تنفصل منه.

248 -

(18)[صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من أذن اثْنتيْ عشرةَ سنة، وجبتْ له الجنةُ، وكُتِبَ له بتأذينه في كل يوم ستون حسنةَ، وبكل إقامةٍ ثلاثون حسنةً".

رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال:"صحيح على شرط البخاري".

قال الحافظ: "وهو كما قال، فإنَّ عبد الله بن صالح كاتب الليث وإن كان فيه كلام فقد

(1)

قلت: وإسناده صحيح، كما بيّنته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(رقم 41).

ص: 218

روى عنه البخاري في (الصحيح).

(1)

.

249 -

(19)[صحيح] وعن سلمانَ الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا كان الرجل بأرضِ قِيٍّ، فحانت الصلاةُ، فليتوضّأ، فإنْ لم يجد ماءً فليتيمّم، فإنْ أقام؛ صلّى معه مَلَكاه، وإنْ أذنَ وأقام؛ صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه".

رواه عبد الرزاق في "كتابه"

(2)

عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عنه.

(القِيّ) بكسر القاف وتشديد الياء: هما الأرض القفر.

(1)

قلت: لكنّه سيّئ الحفظ. لكنْ رواه الحاكم أيضاً من طريق أخرى بسند صحيح كما بينته في المصدر السابق (42).

(2)

قلت: يعني "المصنَّف"، وهو فيه (1/ 510 - 511)، ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 305/ 6120). ورواه ابن أبي شيبة أيضاً في "مصنفه" (1/ 219) بسنده الصحيح المذكور أعلاه عن سلمان قال: فذكره نحوه موقوفاً. وهو في حكم المرفوع كما هو ظاهر.

ص: 219

‌2 - (الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه، وما يقول بعد الأذان؟).

250 -

(1)[صحيح] عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:

"إذا سمعتُم المؤذنَ، فقولوا مثلَ ما يقولُ المؤذنُ".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

251 -

(2)[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَ ما يقولُ، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه من صلّى عليَّ صلاةً صلّى الله [عليه](1) بها عشراً، ثم سلُوا الله لي الوسيلةَ؛ فإنّها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أنْ أكون أنا هو، فمَن سأل [الله]

(1)

لي الوسيلة حلّت له الشفاعةُ".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنَّسائي.

252 -

(3)[صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا قال المؤذِّن: (الله أكبرُ الله أكبرْ)، فقال أحدكم: (الله أكبرُ الله أكبرْ)، ثم قال: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله)، قال: (أشهدُ أنْ لا إله إلا الله)، ثم قال: (أشهد أنّ محمداً رسولُ الله)، قال: (أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله)، ثم قال: (حيَّ على الصلاةِ)، قال: (لا حول ولا قوةَ إلا بالله)، ثم قال: (حيَّ على الفلاح)، قال: (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله)، ثم قال: (الله أكبرُ الله أكبر)، قال: (الله أكبرُ الله أكبر)، ثم قال: (لا إله إلا الله)، قال: (لا إله إلا الله) مِن قلبه؛ دخل الجنةَ".

(1)

الزيادتان من مسلم وأبي داود.

ص: 220

رواه مسلم وأبو داود والنسائي

(1)

.

253 -

(4)[صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن قال حين يسمعُ النداءَ: (اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاةِ القائمة، آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابْعثه مقاماً محموداً الذي وعدتَه)؛ حلَّت له شفاعتي يوم القيامة".

رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

(2)

254 -

(5)[صحيح] وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من قال حين يَسمَعُ المؤذنَ: (وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً)؛ غَفر الله له ذنوبَه".

رواه مسلم والترمذي -واللفظ له-، والنسائي وابن ماجه وأبو داود، ولم يقل:"ذنوبه"، وقال مسلم:"غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه".

(3)

255 -

(6)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:

كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلالٌ ينادي، فلمَّا سكت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

أي: في "اليوم والليلة"(155/ 40)، وهو مخرج في "الإرواء"(1/ 258).

وفي الحديث إشارة إلى أن المؤذن يؤذن تكبيرتين تكبيرتين، وليس تكبيرة تكبيرة كما يفعله المؤذنون في بعض البلاد، فتنبهْ. وأما حديث "التكبير جزم" فلا أصل له، على أنه لا علاقة له بالأذان، وليس هذا مجال البيان.

(2)

زاد في الأصل: "ورواه البيهقي في "سننه الكبرى"، وزاد في آخره: (إنك لا تخلف الميعاد) ". قلت: وهي زيادة شاذة كما كنت بينته في "الإرواء"(1/ 260 - 261/ 243).

(3)

كذا الأصل، وهو وهم، فإن لفظ مسلم (2/ 5):"غُفِر له ذنبُه"، ثم رأيته هكذا على الصواب في "مخطوطة الظاهرية" لكن الناسخ صححها على الهامش فصيَّرها كما وقع في الأصل! وهو مطابق لرواية أبي عوانة في "مستخرجه"(1/ 340)، وزاد:"وما تأخّر". وسكت عنها ابن حجر في "المختصر"! وهي شاذّة.

ص: 221

"مَن قال مِثلَ ما قال هذا يقيناً دخل الجنة".

رواه النَّسائي وابن حِبّان

(1)

في "صحيحه"، والحاكم، وقال:"صحيح الإسناد".

256 -

(7)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:

أنّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! إن المؤذّنين يَفْضُلونَنَا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"قلْ كما يقولون، فإذا انتهيتَ فَسَلْ؛ تُعطَه".

رواه أبو داود والنسائي

(2)

، وابن حبان في "صحيحه".

257 -

(8)[حسن] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سلوَا الله لي الوسيلة، فإنّه لم يسألْها لي عبدٌ في الدنيا؛ إلا كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة".

رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية الوليد بن عبد الملك الحرَاني عن موسى بن أعْين، والوليد مستقيم الحديث فيما رواه عن الثقات، وابن أعين ثقة مشهور.

258 -

(9)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها:

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال:

"وأنا، وأنا".

رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح الإسناد".

(1)

في الأصل ومطبوعة عمارة: "ابن ماجه"، وهو خطأ، والتصويب من المخطوطة.

(2)

قال الناجي (47): "أي في "اليوم والليلة"، وكذا في كثير من هذا الكتاب يشقّ تبيينه كلّما وقع، لكنّه مرموز إليه في نسختي، ثم ذكرته في "سؤال الجنة والاستعاذة من النار" آخر الكتاب مجموعاً هناك". وهو في مطبوعة "عمل اليوم والليلة"(157/ 44).

ص: 222

‌3 - (الترغيب في الإقامة).

259 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطانُ وله ضُراطٌ؛ حتى لا يسمعَ التأذينَ، فإذا قُضِي الأذانُ أقبلَ، فإذا ثُوَّبَ أدبر. . .".

الحديث تقدم. [5 - الصلاة/ 1 - باب/ 10 - حديث].

والمراد بـ (التثويب) هنا: الإقامة.

260 -

(2)[صحيح لغيره] وعن جابرٍ رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا ثُوَّبَ بالصلاةِ فُتحتْ أبوابُ السماء، واستُجيبَ الدعاءُ".

رواه أحمد من رواية ابن لَهيعة

(1)

.

(1)

قلت: لكن له شواهد تقوّيه أحدها عن أنس، وبعض أسانيده حسن، ورواه الضياء في "المختارة"، وهو مخرَّج في "الصحيحة"(1413).

ص: 223

‌4 - (الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر).

261 -

(1)[صحيح] ورواه [يعني حديث أبي هريرة الذي في "الضعيف"] مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه دون قوله: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. . ." إلى آخره.

(1)

262 -

(2)[حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يسمعُ النداءَ في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق".

رواه الطبراني في "الأوسط"، رواته محتج بهم في "الصحيح".

263 -

(3)[صحيح لغيره] وروي عن عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من أدركه الأذانُ في المسجدِ ثم خرج لم يخرج لحاجةٍ، وهو لا يريد الرجعةَ؛ فهو منافق

(2)

".

رواه ابن ماجه.

264 -

(4)[صحيح لغيره] وعن سعيد بن المسيّب رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يخرج من المسجدِ أحدٌ بعد النداءِ إلا منافقٌ، إلا أحدٌ

(3)

أخرجته حاجة، وهو يريد الرجوعَ".

رواه أبو داود في "مراسيله".

(1)

قلت: وسيأتي لفظ مسلم هنا في الصلاة (20 - الترهيب من ترك حضور الجماعة. .).

(2)

يعني: يفعل فعل المنافق، إذ المؤمن حقاً ليس من شأنه ذلك، فالنفاق هنا عملي، وليس قلبيّاً، فتنبه! فإنه هام.

(3)

الأصل ومطبوعة الثلاثة: "لعذر"، والتصويب من "مختصر المراسيل" لأبي داود. ورواه الدارمي والبيهقي بلفظ:"رجل".

ص: 224

‌5 - (الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة).

265 -

(1)[صحيح لغيره] عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الدعاءُ بين الأذان والإقامة لا يُردُّ".

رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له- والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وزادا

(1)

:

"فادْعوا".

(2)

266 -

(2)[صحيح لغيره] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ساعتان تُفتَح فيهما أبوابُ السماء، وقلّما تُرَدُّ على داعٍ دعوتُه؛ عند حضور النِّداةِ

(3)

، والصفِّ في سبيل الله".

وفي لفظ قال:

"ثِنْتانِ لا تُرَدّان -أو قلّما يُردّان-: الدعاءُ عند النداءِ، وعند البأْسِ؛ حين يُلحِمُ بعضهم بعضاً".

(1)

الأصل: "وزاد" بلفظ الإفراد، والصواب ما أثبتُّه، وهو مما غفل عنه المحققون الثلاثة!! وهي عند أحمد أيضاً، والحديث مخرج في "الإرواء"(1/ 262 / 244).

(2)

هنا في الأصل: "وزاد الترمذي في رواية: (قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال:

"سلوا الله العافية في الدنيا والآخر").

قلت: وهي زيادة منكرة كما بينته في "الإرواء"(1/ 262)؛ وأما الجهلة الثلاثة فصدروا تخريجهم للحديث بقولهم: "صحيح،. . ."، ولم يفرقوا بين الزيادة والأصل! نعم جملة (العافية) صحيحة في ذاتها دون ربطها بالأذان والإقامة كما سيأتي في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى، في أول (25 - الجنائز).

(3)

هذا اللفظ "النداء" هو الدي تشهد له الأحاديث الأخرى منها الذي قبله، دون لفظ:"حين تقام الصلاة"، ولذلك أوردت هذا في الكتاب الآخر، ولم يفرق بينهما الثلاثة! وهذا الحين ليس وقتاً للدعاء، وإنما لتسوية الصفوف. فتنبه.

ص: 225

رواه أبو داود وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه

(1)

"؛ إلا أنه قال في هذه:

"عند حضور الصلاة".

ورواه الحاكم وصححه، ورواه مالك موقوفاً

(2)

.

قوله: (يُلحُم)، هو بالحاء المهملة أي: حين ينشَب بعضهم ببعض في الحرب.

267 -

(3)[صحيح] وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما:

أنّ رجلاً قال: يا رسولَ الله! إنّ المؤذّنين يَفْضُلوننا؟

(3)

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"قلْ كما يقولون، فإذا انتهيتَ فَسَلْ تُعْطَه".

رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه"، وقالا:"تُعْطَ" بغير (هاء).

[مضى في 2 - الترغيب في إجابة المؤذن. .].

(1)

الأصل: "صحيحيهما"، والمثبت في نسخة مصوَّرة عندي، وهو المناسب لقوله:"إلا أنه. ."، على أن هذا الاستثناء خطأ؛ لأن هذه الرواية التي فيها (الالتحام) ليست عند ابن حبان، ورواية "عند حضور الصلاة" عند ابن حبان إنّما هي في روايته عن مالك مختصراً بلفظ:"ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء: عند حضور الصلاة، وعند الصف".

(2)

في "الموطأ"(1/ 91) بسند صحيح موقوف بلفظ: ". . حضرة النداء للصلاة".

(3)

بفتح الياء وضم الصاد المعجمة، أي: يحصل لهم فضل ومزية علينا في الثواب بسبب الأذان.

ص: 226

‌6 - (الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها).

268 -

(1)[صحيح] عن عثمانَ بنِ عفان رضى الله عنه أنَه قال عند قول الناس فيه حين بنَى مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:

إنكم أكثرتُم

(1)

، وإنّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن بنى مسجداً -[قال بُكير: حسِبتُ أنّه قال:]

(2)

يبتغي به وجهَ الله-؛ بنى الله له بيتاً في الجنة".

وفي رواية:

"بنى الله له مثلَه

(3)

في الجنةِ".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

269 -

(2)[صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن بنى لله مسجداً قدَرَ مَفحَصِ

(4)

قطاةٍ؛ بنى الله له بيتاً في الجنة".

رواه البزار -واللفظ له-، والطبراني في "الصغير"، وابن حبان في "صحيحه".

270 -

(3)[صحيح لغيره] وعن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن بنى لله مسجداً يُذكَر فيه؛ بنى الله له بيتاً في الجنةِ".

(1)

كان هنا في الأصل "علي"، فحذفتها لعدم ورودها في "الصحيحين".

(2)

سقطت من الأصل واستدركتها من "الصحيحين"، فإثباتها واجب أخل به الناجي فضلاً عن المعلقين! لأن قوله:"يبتغي به وجه الله" ليس من لفظ الحديث كما قال الحافظ. وهو عند مسلم في "الصلاة" وفي "الزهد" أيضاً.

(3)

أي: في الشرف والفضل والتوقير، لأنه جزاء المسجد، فيكون مثلاً له في صفات الشرف.

(4)

أي: محل فحصها لتبيض. و (الفحص): الكشف البحث.

ص: 227

رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".

271 -

(4)[صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن حَفَر ماءً لم يَشْرَبْ منه كبِدٌ حرّى

(1)

من جِن، ولا إنسٍ، ولا طائرٍ؛ إلا آجرَه الله يومَ القيامةِ، ومَن بنى مسجداً كمَفْحص قَطاةٍ أو أصغرَ؛ بنى الله له بيْتاً في الجنةِ".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، وروى ابن ماجه منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح.

272 -

(5)[صحيح] ورواه أحمد والبزار عن ابن عباسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنّهما قالا:

"كَمَفْحَصِ قطاةٍ لبَيْضِها".

(مفحص القطاة) بفتح الميم والحاء المهملة: هو مجثمها.

273 -

(6)[حسن لغيره] وعن عبدِ الله بنِ عمرو

(2)

رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من بنى لله مسجداً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة أوسَع منه".

رواه أحمد بإسناد لين.

274 -

(7)[حسن لغيره] ورُوي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن بنى مسجداً لا يريدُ به رِياءً ولا سمعةً؛ بنى الله له بيتاً في الجنّةِ".

رواه الطبراني في "الأوسط".

(1)

أي: عطشى. وهي فعلى من الحر، تأنيث (حران)، وهما للمبالغة، يريد: أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش كما في "اللسان".

(2)

في الأصل وغيره: (ابن عمر)، والتصويب من "المسند" و"المخطوطة".

ص: 228

275 -

(8)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ مما يَلْحَقُ المؤمنَ من عمله وحسناتِه بعد موتِه، علماً علَّمه ونَشَرَه، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابنِ السبيلِ بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالِهِ، في صحتِه وحياتِه، تلحقُه من بعد موتِه".

رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي، وإسناد ابن ماجه حسن. والله أعلم.

(1)

(1)

قلت: وقد مضى بهذا اللفظ (رقم 77 و 112).

ص: 229

‌7 - (الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها، وما جاء في تجميرها).

276 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنّ امرأةً سوداء

(1)

كانت تَقُمُّ المسْجد، ففقدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنّها ماتت. فقال:

"فهلا آذنتُمُوني؟ "

(2)

.

فأتى قبرها، فصلّى عليها.

[حسن] رواه البخاري ومسلم وابن ماجه بإسناد صحيح، واللفظ له.

وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:

إنّ امرأةً كانت تَلْتَقِط الخِرَقَ والعِيدانَ مِن المسجد.

277 -

(2)[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه أيضاً وابن خزيمة عن أبي سعيد قال:

كانت سَوداءُ تَقُمُّ المسجدَ، فتُوفِّيتْ ليلاً، فلما أصبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُخبِرَ بها. فقال:

"ألا آذنتموني؟ ".

فخرج بأصحابه فوقف على قبرها، فكبَّر عليها والناسُ خلفهُ، ودعا لها، ثم انصرف.

(1)

واسمها أم محجن، كما رواه البيهقي من حديث بريدة بإسناد حسن كما قال الحافظ في "الفتح"(1/ 553). ورواه أبو الشيخ في حديث آخر، وهو في الكتاب الآخر رقم (194).

وقوله: (تقم المسجد) أي: تكنُسه.

(2)

بمد الهمزة من (الإيذان)، أي: أعلمتوني بموتها حين ماتت.

ص: 230

278 -

(3)[صحيح لغيره] وعن سمرة بن جُندب رضي الله عنه قال:

أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نتَّخِذ المساجد في دِيارنا، وأمَرنا أنْ نُنَظِّفها.

رواه أحمد والترمذي، وقال:

"حديث صحيح"

(1)

.

279 -

(4)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:

أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببناءِ المساجد في الدُّورِ

(2)

، وأن تُنَظَّفَ وتُطَيِّبَ.

رواه أحمد

(3)

وأبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، ورواه الترمذي مسنداً ومرسلاً، وقال في المرسل:

"هذا أصحّ".

(1)

لم أره عند الترمذي، ولا عزاه إليه المِزي في "التحفة" ولا النابلسي في "الذخائر"، وإنما رواه أبو داود بنحوه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(481).

(2)

أي: القبائل. وقوله: "وأن تنظف وتطيب" مبنيان للمفعول، أمر بذلك لكونها محالاً لحضور الملائكة الكرام.

(3)

هنا في الأصل ومطبوعة عمارة زيادة: "والترمذي وقال: حديث صحيح إلى" هكذا! ولما كانت منافية للسياق، ولم ترد في المخطوطة؛ فقد حذفتها.

ص: 231

‌8 - (الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة، ومن إنشاد

(1)

الضالّة فيه، وغير ذلك مما يذكر هنا).

280 -

(1)[صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنه قال:

يبنما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً، إذ رأى نُخامةً

(2)

في قِبلةِ المسجدِ، فتغيظَ على الناسِ، ثم حكَّها، -قال: وأحسبُهُ قال:- فدعا بِزَعفَرانٍ فَلَطَخَهُ به وقال:

"إنّ الله عز وجل قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلّى، فلا يَبصق بين يديه".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود، واللفظ له.

281 -

(2)[صحيح] وروى ابن ماجه عن القاسم بن مهران -وهو مجهول-

(3)

عن أبي رافع عن أبي هريرة:

(1)

كذا الأصل والمخطوطة، للصواب "نشدان"، قال الناجي في "العجالة" (50):"ينكر عليه قوله: "إنشاد" رباعياً، وكذا ينكر ذلك علىَ أبي داود وابن ماجه، وقد زاد فروى ذلك مرفوعاً حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. مع الترمذي في التبويب بين إنشاد الضالة والشعر، وهذا كله من التصرف في العبارة والجري على التداول، وإنما هو (نشد)، ثلاثي، ويدل عليه حديث بُريدة الذي ساقه المصنف في أثناء الباب: أنّ رجلاً نشد في المسجد، ولم يقل "أنشد"، قال أهل اللغة: يقال: نشد الضالة ينشدها -بفتح أوله وضم ثالثه- نشدة ونشداناً -بكسر أولها-، أي: طلبها، فهو ناشد. وهذا هو المراد هنا قطعاً. وأنشدها أي: عرفها، فهو منشد، ومنه حديث: "لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد"، وليس هذا مراداً هنا. وقال الشاعر: إصاخة الناشد للمنشد أي: استماع الطالب للواجد. ويقال أيضاً: أنشد الشعر ينشده إنشاداً".

(2)

(النخامة): هي ما يخرج مِن الصدر. وقيل: (النخاعة) بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس.

(3)

كذا قال، وهو وهم فاحش مزدوج، فإنّ القاسم بن مهران معروف، قال ابن مَعين:"ثقة". وقال أبو حاتم: "صالح". واحتجّ به مسلم، وقد أخرج حديثه هذا في "صحيحه"(2/ 76)، وكذلك رواه أحمد والنسائي، وفيه عنده:"عن يساره تحت قدمه". وذكر سبب الوهم في "العجالة"(51).

ص: 232

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نُخامةً في قِبلةِ المسجد، فأقبَل على الناسِ، فقال:

"ما بالُ أحدِكم يقومُ مستقبِل ربه فيتنخَّعُ أمامَه؟! أيحبُّ أحدُكم أنْ يُستقْبلَ فيُتَنخَّعَ في وجهه؟! إذا بصَقَ أحدكم فليبصق عن شمالِهِ، أو ليتفُل هكذا في ثوبه". ثم أراني إسماعيل -يعني ابن عُليَّةَ- يبصق في ثوبه ثم يَدلُكه.

282 -

(3)[حسن صحيح] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه:

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تُعجبه العَراجين

(1)

أنْ يُمسِكَها بيدِه، فدخل المسجد ذاتَ يوم، وفي يده واحدٌ منها، فرأى نُخاماتٍ في قبلة المسجد، فحتَّهُن حتى أنقاهُنَّ، ثم أقبلَ على الناسِ مُغضَباً فقال:

"أيحب أحدُكم أنْ يستقبِلَه رجلٌ فيبصقَ في وجهه؟! إنَّ أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه، والملَكُ عن يمينه، فلا يبصقْ بين يديه، ولا عن يمينه" الحديث.

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"

(2)

، وفي رواية له بنحوه، إلا أنه قال فيه:

"فإنَّ الله عز وجل بين أيديكم في صلاتِكم، فلا تُوَجِّهُوا شيئاً من الأذى بين أيديكم" الحديث.

وبوب عليه ابن خزيمة: "باب الزجر عن توجيه جميع ما يقع عليه اسم أذى تلقاء

(1)

(العراجين) جمع (عُرجون)، وهو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق.

(2)

هذا يوهم أنه لم يروه أحد من أصحاب الستة، وليس كذلك، فقد أخرجه منهم أبو داود، ورواه أحمد أيضاً، والحاكم وصححه، وافقه الذهبي. وله عند أحمد (3/ 65) طريق أخرى نحوه، وفيه:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أعطى العرجون قتادة بن النعمان فأضاء أمامه الطريق عشراً، وخلْفه عشراً، أنه أمره أنْ يضرب به سواداً في زاوية البيت فإنه شيطان". وسنده صحيح على شرط الشيخين.

ص: 233

القبلة في الصلاةِ".

283 -

(4)[صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:

أتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا، وفي يده عُرجون، فرأى في قِبلةِ المسجد نُخامةً، فأقبل عليها، فحتَّها بالعُرجون، ثم قال:

"أَيُّكم يحبُّ أنْ يُعرِضَ الله عنه؟! إنّ أحدكم إذا قامَ يصلّي، فإنَّ الله قِبَلَ وجهه، فلا يبصقنَّ قِبَلَ وجهه، ولا عن يمينه، وليبْصقنَّ عن يسارِه تحت رجلِهِ اليسرى، فإن عجِلَتْ به بادرةٌ

(1)

فليتفُلْ بثوبه هكذا، ووضعه على فيه، ثم دلكَه. . ." الحديث.

رواه أبو داود وغيره.

(2)

284 -

(5)[صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من تَفَلَ تُجاه القِبلة، جاء يومَ القيامةِ وتَفلُه بين عينَيه. . .

(3)

".

(1)

أي: شيء سبق من الإنسان من مخاط أو بزاق.

(2)

هذا قصور أفحش من الذي قبله، فقد أخرجه مسلم أيضاً في آخر "صحيحه"(8/ 232)، لذلك تعجب منه المؤلف الشيخ الناجي في "عجالته"(52).

فائدة هامة: اعلم أن قوله في هذا الحديث: "فإن الله قبل وجهه". وفي الحديث الذي قبله "فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم" لا ينافي كونه تعالى على عرشه، فوق مخلوقاته كلها كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم، ورزقنا الاقتداء بهم، فإنّه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله، وقد أخبر أنّه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط، فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه، وإذا كان عالي المخلوقات يستقبله سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب، فكيف بشأن من هو بكل شيء محيط، وهو محيط ولا يحاط به؟ وراجع بسط هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية؛ كـ "الحموية" و"الواسطية"، و"شرحها" للشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ص 203 - 213) رحمه الله.

(3)

هذه النقط من عندي؛ لأن للحديث تتمَّة تأتي في آخر (11 - الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلاً. .) رقم (335/ 9). وكان ينبغي للمؤلف أن يشير إلى ذلك بقوله: "الحديث". كما عليه اصطلاحهم.

ص: 234

رواه أبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

(تفل) بالتاء المثناة فوق، أي: بصق، بوزنه ومعناه.

285 -

(6)[صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يُبعث صاحبُ النُّخامةِ في القبلةِ يومَ القيامة، وهي في وَجهه".

رواه البزار، وابن خزيمة في "صحيحه" -وهذا لفظه-، وابن حبان في "صحيحه".

286 -

(7)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"البُصاقُ في المسجد خطيئةٌ، وكفارتُها دَفْنُها".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

287 -

(8)[حسن صحيح] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"التَّفْلُ في المسجدِ سيئةٌ، ودفنُهُ حسنةٌ".

رواه أحمد بإسناد لا بأس به.

288 -

(9)[صحيح لغيره] وعن أبي سهلة: السائبِ بن خّلادٍ -من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-:

أنّ رجلاً أمَّ قوماً، فبصقَ في القِبلة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنظرُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فَرغ:

"لا يصلّي لكم هذا"، فأراد بعد ذلك أنْ يصلِّيَ لهم، فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

"نعمْ -وحسِبْتُ أنّه قال:- إنّك آذيت الله ورسولَه".

رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه".

ص: 235

289 -

(10)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمر

(1)

رضي الله عنهما قال:

أمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلِّي بالناس الظهر، فتَفَل في القِبلةِ وهو يصلِّي للناس، فلما كانت صلاةُ العصر، أرسل إلى آخرَ، فأشفق الرجلُ الأوّلُ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! أأُنزِلَ فيَّ شيء؟ قال:

"لا، ولكنَّك تَفَلْتَ بين يديك، وأنت قائم تؤُمُّ الناس، فآذيتَ الله والملائكةَ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد.

290 -

(11)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن سَمعَ رجلاً يَنشد ضالةً في المسجدِ فلْيقُلْ: لا ردَّها الله عليك، فإنّ المساجد لم تُبْنَ لهذا".

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم.

291 -

(12)[صحيح] وعنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا رأيتُمْ مَن يَبيعُ أو يبتاعُ في المسجِد فقولوا: لا أرْبَحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتُم من يَنشُد ضالّةً فقولوا: لا ردّها الله عليك".

رواه الترمذي وقال:

(1)

كذا الأصل والمخطوطة، وفي "المجمع": ابن عمرو. ولعله الصواب، فإنّي لم أر الحديث في مسند ابن عمر من "الطبراني الكبير" المحفوظ في ظاهرية دمشق. وليس فيها المجلد الذى فيه "مسند ابن عمرو".

ثم طبع هذا أو جزء منه، فوجدت الحديث فيه (13/ 43 - 44) على الصواب الذي رجوته، والحمد لله، وغفل عنه مدّعو التحقيق الثلاثة، مع اطلاعهم على هذا التعليق في الطبعة السابقة، وعزوهم الحديث لـ"مجمع الهيثمي، وهو فيه على الصواب!! ثم خرّجت الحديث في "الصحيحة" (3376).

ص: 236

"حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن خزيمة والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم". ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه بالشطر الأول.

292 -

(13)[صحيح] وعن بُريدةَ رضي الله عنه:

أن رجلاً نَشَد في المسجد، فقال: مَن دعا إلى الجملِ الأحمرِ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"لا وجدتَ، إنما بُنيَتِ المساجدُ لما بُنِيتْ له".

رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.

293 -

(14)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا توضّأ أحدكم في بيتِهِ، ثم أتى المسجدَ، كان في الصلاةِ حتى يرجع، فلا يَقُل هكذا -وشبك بين أصابعه-".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرطهما".

وفيما قاله نظر.

(1)

294 -

(15)[صحيح لغيره] وعن كعب بن عجرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إذا توضأ أحدُكم ثم خرجَ عامداً إلى الصلاةِ، فلا يشبِّكَنَّ بين يديه، فإنه في صلاةٍ".

رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، والترمذي -واللفظ له- من رواية سعيد المقبري عن رجل عن كعب بن عُجرة، وابن ماجه من رواية سعيد المقبري أيضاً عن كعب، وأسقط الرجل المبهَم.

(1)

قلت: هذا غير ظاهر، فإنه عندهما من طرق عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عنه، وإسماعيل ثقة ثبْت، ومثله المقبري، وكلاهما من رجال الشيخين. وإنْ كان يعني أنه اختلف على المقبري في إسناده، فليس ذلك يضيره، وبيانه في "الصحيحة"(1294) المجلد الثالث.

ص: 237

وفي رواية لأحمد قال:

"دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجدِ، وقد شبّكتُ بين أصابعي

(1)

، فقال:

"يا كعب! إذا كنتَ في المسجد فلا تُشبّكَنَّ بين أصابعِك، فأنتَ في صلاةٍ ما انتظرتَ الصلاة".

ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحو هذه

(2)

.

295 -

(16)[حسن صحيح] ورَوى عنه [يعني ابن عمر] الطبراني في "الكبير": أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

". . ولا تتّخذوا المساجدَ طُرُقاً إلا لذِكرٍ أو صلاة".

وإسناد الطبراني لا بأس به.

296 -

(17)[حسن] وعن عبدِ الله -يعني ابنَ مسعودٍ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سيكون في آخرِ الزمانِ قومٌ يكون حديثهم في مساجدِهم، ليس لله فيهم حاجةٌ".

رواه ابن حِبّان في "صحيحه".

(1)

الأصل: "أصابع لي"، والتصويب من "المسند"(4/ 243 - 244) والمخطوطة.

(2)

قلت: وكذا ابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 227/ 441).

ص: 238

‌9 - (الترغيب في المشي إلى المساجد سيَما في الظُّلَم، وما جاء في فضلها).

297 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صلاةُ الرجلِ في الجماعة تُضعَّفُ

(1)

على صلاتِهِ في بيتِهِ وفي سوقِهِ خمساً وعشرين درجة، وذلك أنّه إذا توضأ فأحسنَ الوضوءَ، ثم خرج إلى المسجد لا يُخرِجه إلا الصلاةُ، لم يخطُ خُطوةً

(2)

إلا رُفِعَت له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلّى لم تزل الملائكة تُصلّي عليه، ما دام في مصلاّهُ: اللهم صلِّ عليه، اللهم ارْحَمْه

(3)

، ولا يزالُ في صلاةٍ ما انتظرَ الصلاةَ".

(وفي رواية):

"اللهمّ اغفر له، اللهم تُبْ عليه؛ ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدِثْ فيه".

(4)

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه باختصار، ومالك في "الموطأ"

(5)

، ولفظه:

"مَن توضّأ فأحسنَ الوضوءَ، ثم خرج عامداً إلى الصلاةِ، فإنّه في صلاةٍ ما كان يَعمِدُ إلى الصلاةِ، إنّه يُكتَبُ له بإحدى خُطوَتيْهِ حسنةٌ، وُيُمحَى عنه بالأخرى سيئةٌ، فإذا سمعَ أحدُكم الإقامةَ فلا يسْعَ، فإنَّ أعظمَكم أجراً

(1)

أي: تزاد. والتضعيف أنْ يزاد على أصل الشيء فيجعل بمثلين أو أكثر، و (الضِّعف) بالكسر: المثل. وقوله: (وذلك) إشارة إلى التضعيف الذي يدل عليه قوله: "تضعف".

(2)

يجوز فيه ضم الخاء المعجمة وفتحها، وجزم اليعمُري بأنها هاهنا بالفتح. وقال القرطبي:"إنها في روايات مسلم بالضم". وقال الجوهري: "الخطوة بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرّة الواحدة".

(3)

أي: لم تزل الملائكة يصلّون عليه حال كونهم قائلين: يا ألله ارحمه. والله أعلم.

(4)

أي: ما لم ينقض وضوءه، وسيأتي مفسِّراً في رواية أخرى في (22 - انتظار الصلاة).

(5)

قال الناجي (54): "إنما رواه مالك هكذا من طريق أخرى عن نعيم المجمر عنه موقوفاً".

قلت: ولكنه في حكم المرفوع كما لا يخفى، وهو في "الموطأ"(1/ 54).

ص: 239

أبعدُكم داراً"، قالوا: لِمَ يا أبا هريرة؟ قال: "مِنْ أجلِ كثرةِ الخُطا".

ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مِن حينَ يخرجُ أحدُكم من منزله إلى مسجدي، فَرِجْلٌ تَكتُبُ له حسنةً، ورِجْل تَحُطُّ عنه سيئةً، حتى يرجعَ".

ورواه النَّسائي

(1)

والحاكم بنحو ابن حبان، وليس عندهما:"حتى يرجع". وقال الحاكم:

"صحيح على شرط مسلم".

(2)

[صحيح] وتقدم في الباب قبله (رقم 14) حديث أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا توضّأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجدَ؛ كان في صلاةٍ حتّى يرجعَ" الحديث.

298 -

(2)[صحيح] وعن عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:

"إذا تطهَّر الرجلُ، ثم أتى المسجد يَرعى الصلاة، كتبَ له كاتباهُ أو كاتبُه بكلِّ خُطوةٍ يخطوها إلى المسجد عشرَ حسناتٍ، والقاعدُ يَرعى الصلاةَ كالقانتِ، ويُكتبُ من المصلين، من حين يخرُجُ من بيتِهِ حتى يرجعَ إليه".

رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وبعض طرقه صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه"، ورواه ابن حبان في "صحيحه" مفرقاً في موضعين.

(3)

(القُنوت) يطلق بإزاء معانٍ، منها: السكوت، والدعاء، والطاعة، والتواضع، وإدامة الحج، وإدامة الغزو، والقيام في الصلاة، وهو المراد في هذا الحديث. والله أعلم.

(1)

أي: في "الكبرى" له كما في "العُجالة"(53).

قلت: هذا يوهم أنه لم يخرجه في "الصغرى"، وليس كذلك، فهو فيها (1/ 165 - الميمنية). وهو مخرج في "صحيح أبي داود" تحت الحديث (572).

(2)

قلت: ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(3)

وسيأتي لفظ الشطر الثاني منه في (22 - الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة).

ص: 240

299 -

(3)[حسن] وعن عبد الله بن عمرو

(1)

رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن راحٍ إلى مسجد الجماعة؛ فخُطوةٌ تمحو سيئةً، وخُطوةٌ تكتبُ له حسنةً، ذاهباً وراجعاً".

رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه".

300 -

(4)[صحيح] وعن عثمانَ رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن توضّأ فأسبغَ الوضوءَ، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فصلاّها مع الإمام؛ غُفرَ له ذنبُه".

رواه ابن خزيمة.

(2)

301 -

(5)[حسن لغيره] وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال:

حَضَرَ رجلاً من الأنصار الموتُ فقال: إني محدثُكم حديثاً ما أحدثُكموه إلا احتساباً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إذا توضّأَ أحدُكم فأحسَن الوضوءَ، ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفعْ قَدَمَه اليمنى؛ إلا كَتَبَ الله عز وجل له حسنةً، ولم يضع قدمَه اليسرى؛ إلا حطَّ الله عز وجل عنه سيئة، فليُقَرِّبْ أحدكم أو ليُبَعِّدْ، فإن أتى المسجد فصلّى في جماعة غُفرِ له، فإن أتى المسجد وقد صلّوا بعَضاً وبقي بعضٌ؛ صلَّى ما أدرك، وأتم ما بقي كان كذلك، فإنْ أتى المسجد وقد صلَّوا فأتم الصلاةَ كان كذلك".

رواه أبو داود.

(3)

(1)

الأصل: (عُمر)، والتصويب من المخطوطة و"المسند" و"ابن حبان" و"المجمع".

(2)

قلت: ورواه مسلم في "صحيحه" في "فضل الوضوء والصلاة عقبه" بنحوه. وكذا النسائي (2/ 112 - الطبعة المصرية). وسيعيده المؤلف برواية ابن خزيمة أيضاً (16 باب).

(3)

قلت: يعني مرسلاً، فإن (سعيد بن المسيب) رحمه الله تابعي، وجملة الترضي توهم أنه صحابي، ولعلها من بعض النساخ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(572).

ص: 241

302 -

(6)[صحيح لغيره] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أتاني الليلةَ

(1)

ربي، -فذكر الحديث، إلى أنْ قال:- قال لي: يا محمدُ! أتدري فيمَ يختصم الملأُ الأعلى؟ قلت: نعمْ، في الدرجاتِ والكفّاراتِ، ونقلِ الأقدامِ إلى الجماعةِ، وإسباغِ الوضوء في السَّبَرات

(2)

، وانتظار الصلاةِ بعد الصلاةِ، ومن حافظ عليهن؛ عاش بخيرٍ، ومات بخير، وكان من ذنوِبه كيومَ ولدته أمه. . ." الحديث.

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن غريب".

ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى. [هنا /16، ومضى 4/ 7 - باب].

303 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يتوضّأ أحدُكم فيُحسنُ وُضوءه فيُسبغه، ثم يأتي المسجدَ لا يريدُ إلا الصلاةَ فيه، إلا تَبَشْبَشَ الله إليه، كما يتبشبش أهلُ الغائب بطلعته".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

304 -

(8)[صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال:

خَلَتِ البِقاعُ حولَ المسجدِ، فأراد بَنو سَلِمة

(3)

أنْ ينتقلوا قُرْبَ المسجد، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال لهم:

"بلغني أنّكم تريدون أنْ تنتقلوا قُرْبَ المسجد".

(1)

في الأصل هنا خطأ نبهت عليه في "الترغيب في الوضوء وإسباغه".

(2)

أي: شدة البرد كما تقدم من المؤلف (4 - الطهارة/ 7 - باب/ 21 - حديث).

(3)

هو بكسر اللام: بطن من الأنصار، وليس في العرب (سِلمة) بكسر اللام غيرهم، وكانت ديارهم على بعد من المسجد، وكانت المسافة تمنعهم في سواد الليل وعند وقوع الأمطار واشتداد البرد، وأرادوا أن يتحوّلوا إلى قرب المسجد لذلك.

ص: 242

قالوا: نعم يا رسول الله! قد أردنا ذلك، فقال:

"يا بني سَلِمَةَ! ديارَكم؛ تُكتَبْ آثارُكم، ديارَكم؛ تُكْتَبْ آثارُكم".

فقالوا: ما يسرنا أنَّا كنَّا تحولنا.

رواه مسلم وغيره. وفي رواية له بمعناه وفي آخره:

"إنَّ لكم بكل خُطوةٍ درجةً".

305 -

(9)[صحيح لغيره موقوف] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

كانت الأنصارُ بعيدةً منازِلهم من المسجد، فأرادوا أنْ يقتَربوا، فنزلتْ:{ونكتبُ ما قدَّموا وآثارَهم} ، فثَبَتوا.

رواه ابن ماجه بإسناد جيد.

306 -

(10)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"الأبعدُ فالأبعدُ

(1)

من المسجد أعظمُ أجراً".

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والحاكم وقال:

"حديث صحيح، مدَنيّ الإسناد".

307 -

(11)[صحيح] وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ أعظَمَ الناسِ أجراً في الصلاةِ أبعدُهم إليها مَمْشىً فأبعدُهم، والذي ينتظرُ الصلاةَ حتّى يصلِّيَها مع الإمامِ؛ أعظمُ أجراً من الذي يُصلِّيها ثم ينام".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

(1)

الفاء للترتيب، أي: الأبعد على مراتب البعد أعظم أجراً من الأقرب على مراتب القرب، فكل من كان أبعد، فهو أكثر أجراً ممن كان أقرب منه، ولو كان هذا الأقرب أبعد من غيره، فأجره أكثر من ذلك الغير، والمراد الحضّ على حضور صلاة الجماعة في المسجد مهما كان بعيداً.

ص: 243

308 -

(12)[صحيح] وعن أبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه قال:

كان رجلٌ من الأنصارِ لا أعلم أحداً أبعدَ من المسجد منه، كانت لا تُخطِئُهُ صلاةٌ، فقيل له: لو اشتريتَ حماراً تركبه في الظَّلْماء، وفي الرَّمْضاءِ، فقال: ما يَسُرُّني أنَّ منزلي إلى جنْبِ المسجد، إني أريد أن يُكتَبَ لي ممشايَ إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"قد جمع الله لك ذلك كلَّه".

(وفي رواية):

فَتَوَجعْتُ له، فقلت: يا فلان! لو أنك اشتريتَ حماراً يَقيكَ الرَّمْضاء وهوامَّ الأرض؟ قال: أمَا والله ما أحِبُّ أنَّ بيتي مطنَّبٌ

(1)

ببيت محمد صلى الله عليه وسلم! قال فَحَملْتُ به حمْلاً

(2)

، حتى أتيتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر أَنه يرجو أجر الأثر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

" [إنَّ]

(3)

لك ما احتَسَبْتَ".

رواه مسلم وغيره. ورواه ابن ماجه بنحو الثانية.

(الرَّمْضَاء) ممدوداً: هي الأرض الشديدة الحرارة من وقع الشمس.

309 -

(13)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كلُّ سُلامى من الناس عليه صدقةٌ كلَّ يوم تَطلعُ فيه الشمس، تَعدِل بين الاثنين صدقةٌ، وتُعين الرجلَ في دابّته فتحمله أو ترفع له عليها متاعَه

(1)

أي: مشدود بالأطناب، و (الطنب): أحد أطناب الخيمة. قال ابن الأثير: "يعني: ما أحب أنْ يكون بيتي إلى جانب بيته، لأني أحتسب عند الله كثرة خطاي من بيتي إلى المسجد".

(2)

بكسر الحاء: معناه أنه عظم علي وثقل، واستفظعته لشناعة لفظه، وهمّني ذلك، وليس المراد به الحمل على الظهر. كذا في "العجالة"(54).

(3)

زيادة من "مسلم".

ص: 244

صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، وبكل خُطوةٍ يمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتُميطُ الأذى عن الطريق صدقةٌ".

رواه البخاري ومسلم.

(السُّلامى) بضم السين وتخفيف اللام والميم مقصور: هو واحد السلاميات، وهي مفاصل الأصابع، قال أبو عبيد: هو في الأصل عظم يكون في فِرسِنِ البعير، فكأن المعنى: على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة.

(تعدل بين الاثنين) أي: تصلح بينهما بالعدل.

(تُميط الأذى عن الطريق) أي: تنحّيه وتبعده عنها.

310 -

(14)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخَطايا، ويرفعُ به الدَّرجات؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله! قال:

"إسباغُ الوضوء على المكاره، وكَثرةُ الخُطا إلى المساجد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلِكم الرباطُ، فذلِكم الرباطُ، فذلِكم الرباطُ".

رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولفظه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"كفّارةُ الخطايا إسباغُ الوضوءِ على المكاره، وإعمالُ الأقدام إلى المساجد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاة". [مضى 4 - الطهارة/ 7 - الترغيب في الوضوء. .].

311 -

(15)[صحيح] ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري؛ إلا أنّه قال:

"ألا أدلّكم على ما يُكَفِّرُ الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله، فذكره.

ص: 245

312 -

(16)[صحيح لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث جابر، وعنده:

"ألا أدُلكم على ما يمحو الله بهِ الخطايا، ويُكفِّر به الذنوب. . .".

[سيأتي بتمامه هنا/ 22 - الترغيب في انتظار الصلاة. .].

313 -

(17)[صحيح] وعن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إسباغُ الوُضوء في المكارهِ، وإعمالُ الأقدامِ إلى المساجِد، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ؛ تَغسِلُ الخطايا غَسْلاً".

رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح. [مضى 4/ 7 - الترغيب في الوضوء].

314 -

(18)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من غَدا إلى المسجد أو راح؛ أعَدَّ الله له في الجنّةِ نُزُلاً كلما غدا أو راح".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

315 -

(19)[صحيح لغيره] وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"بَشِّرِ المشَّائين

(1)

في الظُّلَم إلى المساجد بالنّورِ التامِّ يومَ القيامةِ".

رواه أبو داود والترمذي، وقال:"حديث غريب".

قال الحافظ عبد العظيم رحمه الله: "ورجال إسناده ثقات".

316 -

(20)[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه بلفظه من حديث أنس.

317 -

(21)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ الله ليُضيء للذين يَتَخَلَّلون إلى المساجد في الظُّلَم بنورٍ ساطعٍ يومَ القيامةِ".

(1)

من صِيَغ المبالغة، فالمراد كثرة مشيهم ويعتادون ذلك، لا من اتّفق له المشي مرة أو مرَّتين. والحديث يعني العشاء والصبح؛ لأنّها تُقام بغلس.

ص: 246

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

318 -

(22)[صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن مشى في ظلمةِ الليلِ إلى المسجدِ، لَقي الله عز وجل بنورٍ يوم القيامة".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال:

"مَن مشى في ظلمةِ الليل إلى المساجد؛ آتاه الله نُوراً يوم القيامةِ".

319 -

(23)[صحيح لغيره] وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لِيُبشرِ المشَاؤون في الظُلَّم إلى المساجدِ بالنورِ التامِّ يومَ القيامةِ".

رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه" -واللفظ له-، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط الشيخين". كذا قال.

قال الحافظ: "وقد رُوِي هذا الحديث عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري وزيد ابن حارثة وعائشة وغيرهم".

320 -

(24)[حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن خرجَ من بيتِه متطهِّراً إلى صلاة مكتوبةٍ؛ فأجْرهُ كأجرِ الحاجِّ المُحْرِم، ومَن خرج إلى تَسَبيح الضحى لا يُنْصِبه إلا إياه؛ فأجرُه كأجر المُعْتَمِرِ، وصلاةٌ على أَثَرِ صلاةٍ، لا لَغْوَ بينهما كتابٌ في عِلِّيين".

رواه أبو داود من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة.

(تسبيح الضحى): يريد صلاة الضحى، وكل صلاة يتطوَّع بها فهي تسبيح وسُبحة.

قوله: (لا ينصبه) أي: لا يتعبه ولا يزعجه إلا ذلك، (والنِّصَب) بفتح النون والصاد المهملة جميعاً: هو التعب.

ص: 247

321 -

(25)[صحيح] وعنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاثةٌ كلّهم ضامنٌ على الله إنْ عاش رُزِق وكُفِيَ، وإنْ ماتَ أدخلهُ الله الجنّةَ، مَن دخل بيته فسَلَّم، فهو ضامنٌ على الله، ومن خرج إلى المسجدِ فهو ضامنٌ على الله، ومَن خرجَ في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله".

رواه أبو داود، وابن حبان في "صحيحه".

ويأتي أحاديث من هذا النوع في "12 - الجهاد" وغيره إنْ شاء الله تعالى.

322 -

(26)[حسن] وعن سلمانَ رضي الله عنه؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن توضّأ في بيته فأحسنَ الوضوءَ، ثم أتى المسجدَ؛ فهو زائرُ الله، وحَقٌّ على المَزور أنْ يُكرمَ الزائرَ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين أحدهما جيّد.

323 -

(27)[صحيح] وروى البيهقي نحوه موقوفاً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح.

324 -

(28)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"أحبُّ البلادِ إلى الله تعالى مساجدُها، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها".

رواه مسلم.

325 -

(29)[حسن صحيح] وعن جُبير بنِ مُطعِم رضي الله عنه:

أنَّ رجُلاً قال: يا رسولَ الله! أيُّ البُلدان أحبُّ إلى الله، وأي البُلدان أبغضُ إلى الله؟ قال:

ص: 248

"لا أدري، حتى أسألَ جبريل عليه السلام"، فأتاه جبريل، فأخبرَه:

"أنَّ أحسنَ البِقاع إلى الله المساجدُ، وأبغضَ البِقاع إلى الله الأسواقُ".

رواه أحمد والبزار -واللفظ له- وأبو يعلى والحاكم وقال:

"صحيح الإسناد"

(1)

.

(1)

أخرجوه كلّهم من طريق ابن عقيل، لكنْ ليس عندهم -إلاَّ البزّار- قصة المسجد، وزعم المعلقون الثلاثة أنه عند الحاكم وغيره من طريق آخر! وهو من تخاليطهم.

ص: 249

‌10 - (الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها).

326 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"سَبعةٌ يظلّهم الله في ظلِّه، يومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّه

(1)

: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ الله عز وجل، ورجلٌ قلبه معلّقٌ بالمساجد، ورجلان تحابّا في الله؛ اجتمعا على ذلك، وتفرّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْه امرَأة ذات مَنْصبٍ وجمالٍ؛ فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خالياً، ففاضتْ عيناه".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما

(2)

.

(1)

أي: ظل عرشه، كما في رواية صحيحة، ستأتي في (8 - الصدقات/ 14) من حديث أبي هريرة نفسه وغيره، وسيعيد المؤلف الحديث هناك (10 - باب)، وسنعلق عليه ثمّة بما يناسب المقام إن شاء الله تعالى.

(2)

قلت: منهم أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن خزيمة في "صحيحه"(358).

(تنبيه): وكلُّ من خرج الحديث قال في متنه: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" إلا مسلماً، فقال:"حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"! على القلب، ولا أدري ممّن هو؟ فإنّ مسلماً أخرجه (3/ 93) عن شيخيه زهير بن حرب ومحمد بن المثنّى جميعاً عن يحيى القطّان: حدَّثنا يحيى بن سعيد -هو الأنصاري- عن عُبيد الله بسنده عن أبي هريرة.

قلت: فأستبعد جداً أنْ يكون القلب المذكور من الشيخين، لا سيّما وقد رواه الترمذي (2/ 63) عن الثاني منهما على الصحة مقروناً مع مِسوَر بن عبد الله العنبري. فهو إذن إمّا من تلميذهما مسلم، وإمّا من شيخهما القطّان، ويُرجِّح الثاني، أن هذا خالفه الإمام أحمد، فقال (2/ 439): ثنا يحيى (يعني ابن سعيد الأنصاري) عن عبيد الله به على الصواب، وتوبع أحمد، فقال البخاري (1/ 171) وابن خزيمة (358): حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى به، وقال البخاري أيضاً (1/ 360): حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى به.

ويحيى بن سعيد قد تابعه عبد الله بن المبارك عند البخاري (4/ 299) والنسائي (2/ 303).

وعبيد الله هو ابن عمر العمري المصغِّر، وقد تابعه مالك في "الموطأ"(3/ 127)، وعند مسلم والترمذي والبيهقي في "الصفات"(370 - 371)، ومبارك بن فضالة عند الطيالسي (2462)، =

ص: 250

327 -

(2)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما تَوَطّنَ رجلٌ المساجدَ للصلاةِ والذكْرِ إلا تَبَشْبَشَ

(1)

الله تعالى إليه كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم".

رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه

(2)

، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط الشيخين".

وفي رواية لابن خزيمة قال:

"ما مِنْ رَجلٍ كان تَوَطّن المساجدَ، فَشَغَلَهُ أمرٌ أو علةٌ ثم عادَ إلى ما كان؛ إلا يَتَبَشْبَشُ الله إليهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهل الغائب بغائبهم إذا قدِمَ".

= كلّهم قالوا: عن خُبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة به على الصواب، وقد أشار إلى هذا ابن خزيمة فقال:

"وقد خولف يحيى بن سعيد في هذه اللفظة، فقال غيره: "لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

قال هذا بعد أنْ ساقه من طريق بندار؛ محمد بن بشار: نا يحيى: أخبرنا عبيد الله بن عمر به. ومن هذا الوجه رواه البخاري كما سبقت الإشارة إليه، لكنْ لفظه عنده موافق لرواية الجماعة غير مقلوب، بخلاف رواية ابن خزيمة، فهو على القلب، ولذلك صرّح بنسبة المخالفة إلى يحيى بن سعيد الأنصاري، وهذا مشكل، لمخالفته لرواية بندار عند البخاري من جهة، ولرواية الإمام أحمد عن الأنصاري من جهة أخرى. فالذي يترجّح عندي -والله أعلم- أنّ القلب من القطان، وليس من الأنصاري كما توهّم ابن خزيمة.

لكنْ يشكل على هذا أنّ مسلماً لما ساق رواية مالك لم يذكر لفظها، وإنما أحال فيه على لفظ حديث القطان المقلوب بقوله:"مثل حديث عبيد الله". فأوهم أنْ لا قلب في رواية القطّان. فلعلّه فاته التنبيه على ذلك، أو أن الوهم من بعض رواة كتاب مسلم، ولعله أقرب. والله أعلم.

(1)

أصله: فَرَحُ الصديقِ بمجيء الصديق، واللطف في المسألة والإقبال. والمراد هنا تلقيه ببره وتقريبه وإكرامه. السندي.

(2)

رواه من طريق ابن أبي شيبة، قال في "الزوائد":"إسناده صحيح، رجاله ثقات".

قلت: وهو على شرط الشيخين كما قال الحاكم. وقد مضى من رواية ابن خزيمة نحوه.

ص: 251

328 -

(3)[حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ستُّ مجالسَ؛ المؤمن ضامنٌ على الله تعالى ما كان في شيء منها: في مسجدِ جماعةٍ، وعند مريضٍ، أو في جنازةٍ، أو في بيتِهِ

(1)

، أو عندَ إمامٍ مُقْسِطٍ يُعَزِّرُهُ ويُوَقِّرُهُ، أو في مَشهدِ جهادٍ".

رواه الطبراني في "الكبير"، والبزار، وليس إسناده بذاك، لكن رُوِي من حديث معاذ بإسناد صحيح، ويأتي في "الجهاد"[12/ 9/ 21 - حديث] وغيره إنْ شاء الله تعالى.

329 -

(4)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنّ للمساجد أوتاداً

(2)

؛ الملائكة جلساؤهم، إنْ غابوا يفتقدونهم

(3)

، إنْ مرضوا عادوهم، وإنْ كانوا في حاجة أعانوهم". ثمّ قال:

[حسن]"جليس المسجد على ثلاث خصالٍ: أَخٌ مستفاد، أو كلمة حكمة، أو رحمة منتظَرة".

رواه أحمد من رواية ابن لهيعة.

(4)

ورواه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام؛ دون قوله: "جليس المسجد" إلى آخره، فإنّه ليس في أصلي، وقال:

"صحيح على شرطهما [موقوف]

(5)

".

(1)

أي: يجلس في بيته تفادياً للشر، كما في حديث معاذ الذي أشار إليه المؤلف، ولفظه:

"أو قعد في بيته؛ فَسَلم، وسَلِمَ الناس منه".

(2)

يعني: هم روّادها.

(3)

الأصل: "يفتقدوهم"، والتصويب من "المسند" و"المجمع".

(4)

قلت: لكنه عنده (2/ 418) من رواية قتيبة عن ابن لهيعة، وهو صحيح الحديث عنه كما استفدناه من تاريخ الذهبي. وانظر المقدمة.

(5)

زيادة ضرورية من "المستدرك"، ولعلها سقطت من الناسخ، فظهر حديث المستدرك أنَّه مرفوع، وليس كذلك، فتنبه، وخلط هنا الجهلة الثلاثة فصدروا تخريجهم للحديث بقولهم:"صحيح موقوف، رواه أحمد (2/ 418) والحاكم. . "، فحملوا المرفوع على الموقوف بسوء تصرفهم، ولم يستدركوا الزيادة!!

ص: 252

[قلت: ولفظ حديثه:

"إن للمساجدِ أوتاداً، هم أوتادُها، لهم جلساءُ من الملائكةِ، فإنْ غابوا سألوا عنهم، وإنْ كانوا مَرْضى عادوهم، وإنْ كانوا في حاجةٍ أعانوهم"].

330 -

(5)[حسن لغيره] عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"المسجدُ بيتُ كلِّ تَقِيٍّ،. . . ".

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والبزّار، وقال:"إسناده حسن"، وهو كما قال رحمه الله تعالى.

وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا، تأتي في "انتظار الصلاة"[هنا - 22]، إنْ شاء الله تعالى.

ص: 253

‌11 - (الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلاً أو ثوماً أو كُرّاثاً أو فُجْلاً ونحو ذلك مما له رائحة كريهة).

331 -

(1)[صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن أكلَ من هذه الشجرةِ (يعني الثومَ) فلا يقرَبَنَّ مسجدَنا".

رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم:

"فلا يَقْرَبَنَّ مساجدَنا".

(1)

وفي رواية لهما:

"فلا يأتِيَنَّ المساجدَ".

وفي رواية لأبي داود:

"مَن أكل من هذه الشجرةِ فلا يقرَبَنَّ المساجد".

332 -

(2)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"مَن أكلَ من هذه الشجرةِ فلا يقربَنّا، ولا يصلِّيَنَّ معنا".

رواه البخاري ومسلم.

[صحيح] ورواه الطبراني، ولفظه: قال:

(1)

انظر يا أخي -حماك الله من كل ذي رائحة كريهة- كيف نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قربان المساجد من أكل ثوماً أو بصلاً أو غيرهما مما له رائحة كريهة تتأذَّى منه الملائكة، وهل يخطر على بالك أنَّ شارب الدخان ليس داخلاً في النهي، [مع العلم] أنّ رائحة الدخان أشد أذى منهما؟ على أنّ أكل الثوم والبصل لا ضرر في أكلهما، بل فيهما فوائد كثيرة، وشرب الدخان ضرره كثير، ولا نفع فيه، نسأل الله العافية. منير الدمشقي -رحمه الله تعالى-.

ص: 254

"إياكم وهاتَين البَقْلَتيْن المُنْتِنَتَيْن أنْ تأكلوهما، وتدخلوا مساجدَنا، فإنْ كنتُم لا بدَّ آكليهما فاقتلوهما بالنار قَتْلاً".

333 -

(3)[صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"مَن أكلَ بصلاً أو ثوماً فلْيَعتزلْنا، أو فليعتزِلْ مساجِدنا، وليَقْعُدْ في بيتِهِ".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

وفي رواية لمسلم:

"مَن أكل البصلَ والثومَ والكُرّاثَ فلا يقربَنَّ مسجِدنا، فإنَّ الملائكةَ تتأذّى مما يَتأذَى منه بنو آدمَ".

وفي رواية

(1)

:

نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أكلِ البصلِ والكُرّاثِ، فغلبتْنا الحاجةُ فأكلنا منها، فقال:

"مَنْ أكلَ مِنْ هذه الشجرةِ الخَبيثةِ فلا يقربَنَّ مسجدَنا؛ فإنَّ الملائكة تتأذَّى مما يتأذى منه الناس".

334 -

(4)[صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:

أنَّه ذُكِرَ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الثومُ والبصل والكُرّاثُ، وقيل: يا رسولَ الله! وأشدُّ ذلك كلِّه الثومُ، أفتحرِّمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كلوه، مَن أكله منكم فلا يقربْ هذا المسجدَ، حتى يذهبَ ريحُه منه".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

يعني: لمسلم، إلا أنّه قال:"المنتنة" مكان: "الخبيثة". و"الإنس" بدل: "الناس".

ص: 255

335 -

(5)[صحيح] وعن عمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه:

أنّه خطب الناسَ يوم الجمعة فقال في خُطبتِه:

ثُمّ إنّكم أيها الناس تأكلون شجرتين، لا أراهما إلاّ خَبيثَتَيْن [هذا] البصلَ والثومَ، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا وجَدَ رِيحَهما مِن الرجلِ في المسجدِ، أمَرَ به فأُخْرِج إلى البقيعِ، فَمن أكلهما فليُمِتْهما طَبْخاً.

رواه مسلم والنَّسائي وابن ماجه.

336 -

(6)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن أكلَ من هذه الشجرةِ: الثومِ، فلا يؤذِينَا بها في مسجِدنا هذا".

رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، واللفظ له.

337 -

(7)[حسن صحيح] وعن أبي ثَعلبَة رضي الله عنه:

أنّه غزا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فوجدوا في جِنانها

(1)

بصلاً وثوماً وكُرّاثاً، فأكلوا منه وهم جياعٌ، فلما راحَ الناسُ إلى المسجدِ، إذا ريحُ المسجدِ بصلٌ وثومٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"مَنْ أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقرّبنا"، فذكر الحديث بطوله.

رواه الطبراني بإسناد حسن

(2)

.

(1)

أي: حدائقها.

(2)

وكذا في "المجمع"(2/ 18)، وهو كما قالا، وقد رواه أحمد من طريق آخر، وبيانه في "التعليق الرغيب". .

ص: 256

338 -

(8)[صحيح] وهو في مسلم من حديث أبي سعيد الخُدري بنحوه، وليس فيه ذكر البصل.

(1)

339 -

(9)[صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من تَفَلَ تُجاه القِبلة؛ جاء يومَ القيامةِ وتَفْلُه

(2)

بين عَينَيهِ، ومن أكل من هذه البقلةِ الخبيثة؛ فلا يقربَنَّ مسجدنا، (ثلاثاً) ".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"

(3)

.

(1)

قلت: وكذا ليس فيه ذكر الكراث. انظر "صحيح مسلم"(2/ 80)، وأحمد (3/ 12 و 60 - 61 و 65).

(2)

في نسخة: "وتفلته".

قلت: هو عند ابن خزيمة في موضعين (1314 و 1663): في أحدهما باللفظ الأول، وفي الآخر باللفظ الآخر.

(3)

هذا يوهم أنه لم يروه من هو أشهر وأعلى طبقة من ابن خزيمة، وليس كذلك، فقد رواه أبو داود أيضاً باللفظ الأول في "الأطعمة"(3824)، وإسناده صحيح، وعنده لفظ (ثلاثاً) دون ابن خزيمة.

وإنّ من جهل المعلقين الثلاثة وكذبهم قولهم (1/ 301): "رواه ابن خزيمة (2/ 278) بطوله"! وليس عنده في الموضع الذي أشاروا إليه إلاّ الشطر الأول من الحديث، وإنما هو عنده بالشطر الثاني في الموضع الآخر الذي أشرت إليه آنفاً؛ أي:(ج 3/ 83/ 1663)، ودون لفظ (ثلاثاً)!!! وقد مضى الشطر الأول معزوّاً لأبي داود أيضاً في الباب (8)، رقم (280/ 5).

ص: 257

‌12 - (ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومِها، وترهيبهن من الخروج منها).

340 -

(1)[حسن لغيره] وعن أمِّ حُميد امرأة أبي حُميدٍ الساعدي رضي الله عنهما:

أنّها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنِّي أُحِبُّ الصلاةَ معك؟ قال:

"قد علمتُ أنَّكِ تُحبّين الصلاةَ معي، وصلاتُكِ في بيتكِ خيرٌ من صلاتِكِ في حُجرتِكِ، وصلاتُكِ في حُجرتِكَ خيرٌ من صلاتِكِ في دارِكِ، وصلاتُكِ في دارِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجدِ قومِكِ، وصلاتُكَ في مسجدِ قومِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجدي".

قال: فأمَرَتْ، فبُنِيَ لها مسجدٌ في أقصى شيء من بيتها وأظلمِه، وكانتْ تصلي فيه، حتى لَقِيَتِ الله عز وجل.

رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

وبوّب عليه ابن خزيمة بـ"باب اختيار صلاةِ المرأة في حُجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتِها فىِ مسجد قومها، على صلاتِها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وإنْ كانت صلاةٌ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد، والدليل على أنّ قول النبي صلى الله عليه وسلم:

"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد"

(1)

"إنّما أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء". هذا كلامه.

(2)

(1)

قلت: رواه مسلم وغيره، وسيأتي في (11 - الحج/ 25) إن شاء الله تعالى.

(2)

قلت: وفيه نظر! ولذلك علّقت عليه في "صحيحه"(3/ 94) بقولي:

"قلت: بل هو يشمل النساء أيضاً. ولا ينافي ذلك أنَّ صلاتهن في بيوتهن أفضل، ومثله الرجل إذا صلى النافلة في مسجده صلى الله عليه وسلم فإنّ له الفضل المذكور، لكنْ صلاته إيّاها هناك في البيت أفضل. فتأمّل".

ص: 258

341 -

(2)[حسن لغيره] وعن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"خير مساجد النساءِ قَعْرُ بيتِهِن".

رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفي إسناده ابن لهيعة

(1)

.

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم من طريق درّاج أبي السمح عن السائب مولى أم سلمة عنها. وقال ابن خزيمة:

"لا أعرف السائب مولى أم سلمة بعدالة ولا جرح". وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"!

342 -

(3)[حسن] وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صلاةُ المرأةِ في بيتها خيرٌ من صلاتِها في حجرتها، وصلاتُها في حُجرتها خيرٌ من صلاتِها في دارها، وصلاتُها في دارِها خير من صلاتِها في مسجد قَومها".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيّد.

343 -

(4)[صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تمنعوا نساءَكم المساجد، وبيوتُهن خيرٌ لَهُنَّ".

رواه أبو داود.

(1)

كذا قال، وتبعه الهيثَمي والمقلّدون الثلاثة!! وفيه خطآن: إيهام تفرّد ابن لهيعة به، وليس كذلك، فقد تابعه عند أحمد (6/ 297) وابن خزيمة (1683) (عمرو بن الحارث) وهو ثقة! والخطأ الآخر: التفريق بين روايتهما ورواية ابن خزيمة، بقوله:"ورواه ابن خزيمة. . " مع أنّ روايتهما من طريق درّاج أيضاً!! وهو مخرّج في "الصحيحة"(1396)، ووقع فيه خطأ في اسم (السائب) فيصحح.

ص: 259

344 -

(5)[صحيح] وعنه

(1)

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"المرأةُ عورةٌ، وإنّها إذا خرجتْ مِن بَيتِها استَشْرَفَها الشيطان

(2)

، وإنّها لا تكون أقربَ إلى الله منها في قَعر بيتها".

رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح.

345 -

(6)[صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"صلاة المرأة في بيتها أفضلُ من صلاتِها في حُجرتها، وصلاتها في مِخْدعِها، أفضل من صلاتها في بيتها".

رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"، وتردَّد في سماع قتادة هذا الخبر من مورِّق.

(والمِخْدع) بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة: هو الخزانة تكون في البيت.

346 -

(7)[صحيح] وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"المرأةُ عورةٌ، فإذا خرجتْ استشْرَفَها الشيطانُ".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب"، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" بلفظه، وزادا:

"وأقربُ ما تكون من وجهِ ربِّها وهي في قَعْر بَيتها".

347 -

(8)[حسن لغيره] وعنه أيضاً رضي الله عنه قال:

"ما صلَّتْ امرأةٌ من صلاةٍ أحبَّ إلى الله من أشدَّ مكانٍ في بيتها ظُلْمةً".

رواه الطبراني في "الكبير".

(1)

يعني: ابن عمر، ولم يورده الهيثمي في "زوائد المعجمَين" ولا في "المجْمع"، وإنَّما أورده في (2/ 35) من حديث ابن مسعود مرفوعاً نحو حديثه الآتي بعد حديث، وهو مخرج في "الإرواء"(273). ثم وقفت عليه في "الأوسط" بسند صحيح، فخرّجته في "الصحيحة"(2688).

(2)

أي: تطلّع إليها وطمع في إغوائها. وأصل (الاستشراف): وضع الكف فوق الحاجب ورفع الرأس للنظر.

ص: 260

348 -

(9)[حسن لغيره] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" من رواية إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ أحبَّ صلاةِ المرأة إلى الله في أشد مكانٍ في بيتها ظلْمة".

[صحيح موقوف] وفى رواية عنده قال

(1)

:

[إنّما]

(2)

النساءُ عورةٌ، وإنَّ المرأَةَ لَتَخرجُ مِن بيتها وما بها بأسٌ، فَيَسْتَشْرِفُها الشيطانُ، فيقول: إنكِ لا تَمُرِّين بأحد إلا أعجبْتِهِ، وإنّ المرأة لتلبسُ ثيابَها، فيقال: أين تُريدين؟ فتقولُ: أعود مريضاً، أو أشهدُ جنازةً، أو أصلّي في مسجدٍ! وما عَبَدَتْ امرأةٌ ربَّها مثلَ أنْ تعبدَه في بَيتها.

وإسناد هذه حسن.

قوله: (فيستشرفها الشيطان) أي: ينتصب ويرفع بصره إليها، ويَهمُّ بها؛ لأنّها قد تعاطت سبباً من أسباب تسلّطه عليها، وهو خروجها من بيتها.

(3)

349 -

(10)[صحيح لغيره موقوف] وعن أبي عمرو الشيباني:

أنه رأى عبد الله يُخْرِجُ النساءَ من المسجد يومَ الجمعة، ويقول:

اخرجنَ إلى بيوتِكنَّ خير لكُنَّ.

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به

(4)

.

(1)

يعني ابن مسعود كما في "معجم الطبراني" و"المجمع"، فهو موقوف.

(2)

سقطت من الأصل، واستدركتُها من "كبير الطبراني"(9/ 341/ 9480)، و"مجمع الزوائد"(2/ 35)، وغفل عنها المغفلون الثلاثة.

(3)

هذا في شيطان الجن، فما بالك فى شيطان الإنس، لا سيّما شياطين إنس هذا العصر الذي نحن فيه، فإنّه أضرّ على المرأة من ألف شيطان؛ لأن أغلب شبّان هذا الزمان لا مروءة عندهم، ولا دين ولا شرف ولا إنسانية، يتعرّضون للنساء بشكل مُفْجع، وهيئة تدل على خساسة ودناءة وانحطاط. فعلى ولاة الأمر -إنْ كانوا مسلمين- أنْ يؤدّبوا هؤلاء الفسقة الشررة، والوحوش الضارية.

(4)

قلت: فيه (أبو إسحاق) وهو السبيعي، مدلَّس مختلِط، لكن رواه الطبراني (9/ 340) من طريقين آخرين أحدهما عن شعبة عنه: أخبرني أبو عمرو الشيباني به نحوه. وهذا إسناد صحيح. ورواه ابن أبي شيبة (2/ 384) من طريق آخر عن الشيباني به. وسنده صحيح.

ص: 261

13 -

(الترغيب في الصلوات الخمس، والمحافظة عليها، والإيمان بوجوبها).

350 -

(1)[صحيح] فيه حديث ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ، شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله، وإقام الصلاةِ، وإيتاء الزكاةِ، وصومِ رمضان، وحجِّ البيتِ".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن غير واحد من الصحابة.

(1)

351 -

(2)[صحيح] وعن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشعَرِ، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفُه منا أحدٌ، حتّى جلسَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه

(2)

، فقال: يا محمدُ! أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنّ محمداً رسولُ الله، وتقيمَ الصلاةَ، وتُؤتيَ الزكاةَ، وتصومَ رمضان، وتحُجَّ البيتَ" الحديث.

رواه البخاري

(3)

ومسلم، وهو مروي عن غير واحد من الصحابة في "الصحاح" وغيرها.

(1)

كذا قال، وفيه نظر، فإنّه يوهم أنَّ الشيخين أخرجاه عن غير ابن عمر من الصحابة، والواقع أنّهما لم يخرجاه عن غيره، نعم له طرق كثيرة عنه في "الصحيحين" وغيرهما، وقد خرَّجته في "الإرواء"(3/ 248 - 251) من ستة طرق عنه، ومن حديث جرير وابن عباس. وسيأتي هذا في (9 - الصيام/ 3 - الضعيف). وانظر "العجالة"(56).

(2)

أي: فخذِي النبي صلى الله عليه وسلم كما في "سنن النسائي" وغيره بسند صحيح.

(3)

عزوه للبخاري من حديث عمر وهم، وإنّما رواه البخاري من حديث أبي هريرة نحوه، ورواه مسلم عنه أيضاً. وانظر التعليق على الحديث المتقدم في (4 - الطهارة/ 7 - الترغيب في الوضوء. . الحديث الأول)، ومن جهل المعلقين وتخبطاتهم قولهم:"رواه الشيخان عن أبي هريرة"، والصواب =

ص: 262

352 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"أرأيتُم لو أنَّ نهراً ببابِ أحدِكم يغتسل فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرات، هل من دَرَنِه شيء؟ ".

قالوا: لا يبقى من دَرَنِهِ شيء. قال:

"فكذلك

(1)

مثلُ الصلواتِ الخمس، يمحو الله بهنَّ الخَطايا".

(2)

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

353 -

(4)[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه من حديث عثمان.

(الدَّرَن) بفتح الدال المهملة والراء جميعاً: هو الوسخ.

354 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، كفارةٌ لِما بينهنَّ، ما لم تُغشَ الكبائرُ

(3)

".

رواه مسلم والترمذي وغيرهما.

= إضافة: "نحوه" والجزم بنسبته إلى مسلم عن عمر. وأعرق منه في الجهل قولهم: "وأما عزو المصنف الرواية من حديث ابن عمر فوهم"! فتأمل، فإنما عزاه المؤلف إليهما من حديث عمر، وليس ابن عمر، وقد عرفت أن خطأه إنما هو عزوه إياه لـ (البخاري)، نعم رواه ابن عمر عنه كما رواه ابن خزيمة بزيادات فيه كما تقدم في الباب المشار إليه.

(1)

كذا وجد بإقحام الكاف، وصوابه "فذلك"، وهو لفظ الحديث، وفي القرآن:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} . نبه عليه الناجي (57).

(2)

قال ابن العربي: وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثوبه ويطهره الماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لا تبقي له ذنباً إلا أسقطته وكفرته، والله أعلم.

(3)

أي: ما لم يؤتَ، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم":

"معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر، فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كان لا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان محتملاً فسياق الحديث يأباه.

قال القاضي عياض رحمه الله: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة هو =

ص: 263

355 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه، أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"الصلواتُ الخمس كفارةٌ لما بينهما". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أرأيتَ لو أنَّ رجلاً كان يَعْتَمِلُ، وكان بين منزله وبين مُعتَمَلِهِ

(1)

خمسةُ أنهارٍ، فإذا أتى مُعْتمَلَه عمِلَ فيه ما شاء الله، فأصابَه الوسخُ أو العَرَقُ، فكلَّما مرَّ بنَهرٍ اغتَسَل، ما كان ذلك يُبقي من درنِهِ؟ فكذلك الصلاةُ، كلما عمل خطيئةً فدعا واستغفَرَ، غُفِرَ له ما كان قَبلَها".

رواه البزّار، والطبراني في "الأوسط" و"الكبير" بإسناد لا بأس به، وشواهده كثيرة.

356 -

(7)[صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مثلُ الصلواتِ الخمسِ كمثلِ نهرٍ جارٍ غَمْر، على بابِ أحدِكم، يغتَسِل

= مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة، أو رحمة الله تعالى وفضله. والله أعلم".

قلت: هذا الحصر ينافي الاستفهام التقريري في الحديث الذي قبله: "هل يبقى من درَنَهِ شيء؟ " كما هو ظاهر؛ فإنه لا يمكن تفسيره على أن المراد به الدرَن الصغير، فلا يبقى منه شيء، وأما الدرَن الكبير فيبقى كله كما هو! فإن تفسير الحديث بهذا ضرب له في الصدر، كما لا يخفى. وفي الباب أحاديث أخرى لا يمكن تفسيرها بالحصر المذكور كقوله صلى الله عليه وسلم:"من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وسيأتي إن شاء الله تعالى.

فالذي يبدو لي -والله أعلم- أن الله تعالى زاد في تفضله على عباده، فوعد المصلين منهم بأن يغفر لهم الذنوب جميعاً وفيها الكبائر، بعد أن كانت المغفرة خاصة بالصغائر، ولعل مما يؤيد هذا قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، فإذا كانت الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر، فالفضل الإلهي يقتضي أن تكون للصلاة وغيرها من العبادات فضيلة أخرى تتميز بها على فضيلة اجتناب الكبائر، ولا يبدو أن ذلك يكون إلا بأن تكسر الكبائر. والله أعلم.

ولكن ينبغي على المصلين أن لا يغتروا، فإن الفضيلة المذكورة لا شك أنه لا يستحقها إلا من أقام الصلاة، وأتمها وأحسن أداءها كما أمِر، وهذا صريح في حديث أبي أيوب المتقدم (4 - الطهارة/ آخر الباب 7):"من توضأ كما أُمِرَ، وصَلى كما أمِرَ، غُفر له ما تقدم من عمل". وأنى لجماهير المصلين أن يحققوا الأمرين المذكورين، ليستحقوا مغفرة الله وفضله العظيم؟! فليس لنا إلا أن ندعو الله أن يعاملنا برحمته، وليس بما نستحقه بأعمالنا!

(1)

أي: محل عمله.

ص: 264

منه كلُّ يوم خمسَ مراتٍ".

رواه مسلم.

(الغَمْر) بفتح العين المعجمة، وإسكان الميم بعدهما راء: هو الكثير.

357 -

(8)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تَحتَرِقون تَحتَرِقون

(1)

، فإذا صلَّيتم الصُّبحَ غَسَلَتْها، ثم تَحترِقون تحترقون، فإذا صلَّيتم الظهْرَ غَسَلَتْها، ثم تَحترقون تَحترقون، فإذا صلّيتم العصرَ غَسَلتْها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صلَيتم المغربَ غسلتْها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صلّيتم العشاءَ غَسَلَتْها، ثم تَنامون فلا يُكتَب عليكم حتى تستَيْقظوا".

رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وإسناده حسن.

ورواه في "الكبير" موقوفاً عليه، وهو أشبه، ورواته محتجّ بهم في الصحيح.

358 -

(9)[حسن لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ لله ملَكاً ينادي عندَ كلِّ صلاةٍ: يا بني آدمَ! قوموا إلى نيرانِكم التي أوقدتموها فأطفِئوها".

رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وقال:"تفرد به يحيى بن زهير القرشي".

(قال الحافظ) رضي الله عنه:

"ورجال إسناده كلهم محتجّ بهم في "الصحيح" [سواه] ".

(2)

(1)

أي: تقعون في الهلاك بسبب الذنوب الكثيرة.

(2)

زيادة من المخطوطة و"المختصر"، ولا بد منها، لأنّ القرشي المذكور ليس من رجال "الصحيح"، بل ولا من رجال بقية "الستة". ثم هو مجهول العين ليس له ذكر في شيء من كتب الرجال إلا "تاريخ بغداد"، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. نعم الحديث حسن بما قبله وما بعده.

ص: 265

359 -

(10)[حسن] ورُوي عن عبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه قال:

"يُبعثُ منادٍ عندَ حَضْرةِ كلِّ صلاةٍ، فيقول: يا بني آدمَ قوموا فأطفِئوا [عنكم] ما أوقدتُم على أنفسِكم. فيقومون، [فتَسقُطُ خطاياهم من أعينهم، ويصلّون، فيُغفرُ لهم ما بينهما، ثم تُوقِدون فيما بين ذلك، فإذا كان عند الصلاةِ الأولى نادى: يا بني آدم! قوموا فأطفِئوا ما أوقَدْتُم على أنفِسكم، فيقومون فيتَطهّرون]

(1)

، ويصلّون (الظهر)، فيغفر لهم ما بينهما، فإذا حضرتِ العصرُ، فمِثْلُ ذلك، فإذا حضرتِ المغربُ فمِثْل ذلك، فإذا حضرت العَتَمَةُ فمِثْل ذلك، فينامون [وقد غُفِرَ لهم](1)، فَمُدلجٌ في خيرٍ، ومدلجٌ في شرٍّ".

رواه الطبراني في "الكبير".

360 -

(11)[صحيح لغيره موقوف] وعن طارق بن شهاب:

أنَّه باتَ عند سلمانَ الفارسي رضي الله عنه، لينظرَ ما اجتهادُه؟ قال: فقامَ يصلي من آخرِ الليلِ، فكأنّه لم يَرَ الذي كان يظنُّ، فذَكَرَ ذلك له، فقال سلمان:

حافظوا على هذه الصلوات الخمسِ، فإنّهن كفاراتٌ لهذه الجِراحاتِ، ما لمْ تُصَبِ المَقْتَلَةُ.

(2)

(1)

زيادة من "الكبير"، وكأنّ المصنِّف تعمّد حذفها اختصاراً، فإنَّها ليست في المخطوطة أيضاً، وتبعه الهيثمي، وأعلَّه بأنَّ فيه أبان بن أبي عيَّاش، وهو وهم منه، كما وهم المؤلف في الإشارة إلى تضعيف الحديث، فإنَّ إسناده حسن، كما بينتُ ذلك في "الصحيحة"(2520).

(2)

هو بمعنى حديث سلمان الآخر الآتي في "8 - الجمعة/ 1 - الترغيب في صلاة الجمعة" بلفظ: "ما اجتُنبت المقتلةُ". ويفسّرها الحديث المتقدم في الباب برقم (5) بلفظ: "ما لمْ تُغشَ الكبائر". و (المقتَلة). أو (المقتل) جمعها مَقاتل. قال في "اللسان":

"ومقاتل الإنسان: المواضع التي إذا أصيبت منه قتلته".

ص: 266

رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً هكذا بإسناد لا بأس به

(1)

.

ويأتي بتمامه إنْ شاء الله تعالى. [في 6/ 11 - الترغيب في قيام الليل].

361 -

(12)[صحيح] وعن عمرو بن مُرّة الجُهنيِّ رضي الله عنه قال:

جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ شهدتُ أنْ لا إله إلا الله، وأنّك رسولُ الله، وصليتُ الصلواتِ الخَمس، وأديتُ الزكاةَ، وصُمتُ رمضانَ، وقُمتُه، فمِمَّن أنا؟ قال:

"من الصديقين والشهداءِ".

رواه البزار، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن حبان.

362 -

(13)[حسن صحيح] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" [إن]

(2)

المسلمَ يصلي وخطاياهُ مرفوعةٌ على رأسه، كلما سجد تحاتُّ عنه، فيفرغ من صلاتِه وقد تحاتَّتْ عنه خطاياه

(3)

".

رواه الطبراني في "الكبير" و"الصغير"، وفيه أشعث بن أشعث السعداني، لم أقف على ترجمته.

(4)

(1)

قلت: رواه الطبراني في "الكبير"(6/ 265 - 266) من طريق الدبري: أنا عبد الرزاق: أنا الثوري عن أبيه عن المغيرة بن شبل عن طارق. وهو في "مصنَّف عبد الرزاق"(برقم 148 و 4736)، ورجاله ثقات، فهو صحيح لولا أنّ الدبري قد ضُعِّف، إلاَّ أنّه قد توبع فرواه ابن أبي شيبة (2/ 388): ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة والمغيرة بن شبل عن طارق مختصراً. وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"(1/ 157/ 99) من طريق جرير عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة وحده به مطوّلاً. وهذا سند صحيح.

(2)

زيادة من المعجمين.

(3)

أي: تساقطت عنه ذنوبه.

(4)

قلت: بل هو معروف، وثقه ابن حبان وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة"(3402).

ص: 267

363 -

(14)[حسن لغيره] وعن أبي عثمان قال:

كنتُ مع سلمانَ رضي الله عنه تحت شجرةٍ، فأخذ غُصناً منها يابساً فهزَّه، حتّى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: يا أبا عثمان! ألا تسألني لِمَ أفعلُ هذا؟ قلت: ولمَ تفعلُه! قال: هكذا فَعَلَ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه تحتَ الشجرة، فأَخَذَ منها غصناً يابساً فهزَّه، حتى تحاتَّ ورقُه، فقال:

"يا سلمانُ! ألا تسألني لِمَ أفعلُ هذا؟ ".

قلت: ولمَ تفعلهُ؟ قال:

"إنَّ المسلمَ إذا توضّأ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم صلّى الصلواتِ الخمسَ، تحاتَّتْ خطاياه كما تحاتَّ هذا الورقُ، وقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا

(1)

مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} ".

رواه أحمد والنسائي والطبراني، ورواة أحمد محتجّ بهم في "الصحيح"، إلا علي بن زيد.

(2)

364 -

(15)[صحيح] وعن عثمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافنا من صلاتنا -أراه قال- العصر، فقال:

"ما أدري أُحدِّثُكم أو أسكتُ؟ ".

قال: فقلنا: يا رسول الله! إنْ كان خيراً فحدِّثْنا، وإنْ كان غير ذلك، فالله ورسوله أعلم، قال:

"ما مِن مسلمٍ يَتطَهَّرُ، فيُتِمُّ الطهارةَ التي كتَبَ اللهُ عليه، فيصلّي هذه الصلواتِ الخمسَ؛ إلاَّ كانت كفاراتٍ لما بينها".

(وفي رواية) أنّ عثمان قال: واللهِ لأحدثنَكم حديثاً لولا آية في كتابِ الله ما حدثتكموه، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1)

أي: طائفة.

(2)

قلت: لكن له شاهد من حديث أبي ذرّ يأتي في أول الباب التالي.

ص: 268

"لا يتوضّأ رجلٌ فيحسنُ وضُوءَه، ثم يصلّي الصلاةَ؛ إلا غُفِرَ له ما بينهما وبين الصلاة التي تَليها".

رواه البخاري ومسلم

(1)

.

وفي رواية لمسلم: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن توضّأَ للصلاةِ فأسبغَ الوُضوء، ثم مشى إلى الصلاةِ المكتوبةِ، فصلاّها مع الناس أو مع الجماعةِ أو في المسجدِ؛ غُفِر له ذنوبُهُ".

وفي رواية له أيضاً قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما مِن امرئٍ مسلمٍ تَحضُرُهُ صلاةٌ مكتوبةٌ فَيُحسِنُ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها؛ إلا كانت كفارةَ لما قبلها من الذنوبِ، ما لم تُؤتَ كبيرةٌ

(2)

، وذلك الدهرَ كلّه".

365 -

(16)[حسن صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:

"إنّ كلَّ صلاةٍ تَحُطُّ ما بين يديها من خطيئةٍ".

رواه أحمد بإسناد حسن.

366 -

(17)[حسن لغيره] وعن الحارث مولى عثمان قال:

جلس عثمانُ رضي الله عنه يوماً، وجلسنا معه، فجاء المؤذّنُ، فدعا بماء في إناءٍ، أظنه يكون فيه مُدٌّ، فتوضّأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأُ وُضوئي هذا، ثم قال:

(1)

هذا يوهم أنّ هاتين الروايتين عند الشيخين، وليس كذلك بلا ريب، بل الرواية الأولى لمسلم وحده دون البخاري، والثانية لهما، فكان يتعيّن أنْ يعكس، فيصدَّر بها وتُعزى إليهما، ثم يقال: وفي رواية لمسلم قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية له أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي أُخرى له أيضاً قال: سمعت. . . إلى آخره. كذا في "العجالة"(57).

(2)

انظر التعليق على الحديث المتقدم أول الباب برقم (5).

ص: 269

"مَن تَوضّأَ وُضوئي هذا، ثم قامَ يصلّي صلاةَ الظهرِ؛ غُفر له ما كان بينها وبين الصبحِ، ثم صلّى العصرَ؛ غُفر له ما كان بينها وبين الظهرِ، ثم صلّى المغربَ؛ غُفِر له ما كان بينها وبين العصرِ، ثم صلّى العشاءَ؛ غفِرَ له ما كان بينها وبين المغربَ، ثم لعله يبيتُ يَتَمَرَّغُ ليلَتَه، ثم إنْ قام فتوضّأَ فصلّى الصبح؛ غُفِرَ له ما بينها وبين صلاةِ العشاءِ، وهنَّ {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ".

قالوا: هذه الحسنات، فما الباقيات الصالحات يا عثمان؟ قال: هي: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رواه أحمد بإسناد حسن

(1)

، وأبو يعلى والبزّار.

367 -

(18)[صحيح] وعن جُندبِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن صلّى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطلبنَّكم اللهُ من ذِمَّتِه بشيءٍ، فإنَّه من يَطْلُبْهُ من ذِمته بشيء يُدركْه، ثم يُكِيَّه على وجهه في نارِ جَهنَّم".

رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود

(2)

والترمذي وغيرهم.

ويأتي في " [23 - ] باب صلاة الصبح والعصر" إنْ شاء الله تعالى.

368 -

(19)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يَتَعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليلِ، وملائكةٌ بالنهارِ، ويجتمعون في صلاةِ الصبحِ، وصلاةِ العصرِ، ثم يَعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم ربُّهم -وهو أعلمُ بهم-: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون".

رواه مالك والبخاري ومسلم والنسائي.

(1)

فيه نظر لجهالة الحارث كما بينته في الأصل. نعم هو حسن لغيره، فإنّه يشهد لأوله حديث ابن مسعود المتقدم بعد الحديث السابع والتاسع، ولآخره حديث أبي الدرداء وأبي هريرة الآتيان في (14/ 7 - الترغيب في التسبيح والتكبير. .).

(2)

كذا الأصل، وليس الحديث عند أبي داود، كما نبهتُ عليه في "الصحيحة"(2890)، ولم ينبِّه عليه الحافظ الناجي، وقلَّده الثلاثة!

ص: 270

369 -

(20)[حسن] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خمسٌ من جاء بهن مع إيمانٍ دَخَلَ الجنةَ: مَن حافظَ على الصلواتِ الخمسِ، على وُضوئهنّ، وركوعهنَّ، وسجودهنَّ، ومواقيتهنَّ، وصام رمضان، وحجّ البيتَ إنْ استطاع إليه سبيلاً، وآتى الزكاة طيّبةً بها نفسُه، وأدّى الأمانةَ".

قيل: يا رسول الله! وما أداءُ الأمانةِ؟ قال:

"الغُسل من الجنابة، إنَّ الله لم يَأمَنِ ابنَ آدم على شيءٍ من دينِه غَيرها".

رواه الطبراني بإسناد جيد.

370 -

(21)[صحيح لغيره] وعن عبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"خمسُ صلواتٍ كتبهُنَّ اللهُ على العبادِ، فمَن جاء بهنَّ، ولم يُضَيِّع مِنهنَّ شيئاً استخفافاً بحقّهنَّ؛ كان له عندَ اللهِ عهدٌ أنْ يُدخلَه الجنّةَ، ومَن لمْ يأتِ بهنَّ، فليس له عندَ اللهِ عهد؛ إنْ شاءَ عذَّبه، وإنْ شاء أدخله الجنّةَ".

(1)

رواه مالك وأبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه".

وفي رواية لأبي داود:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"خمسُ صلواتٍ افترَضَهُنَّ اللهُ، من أحسن وضوءَهنَّ بوقتهنَّ، وأتمّ

(1)

قلت: من فقه هذا الحديث ما قاله أبو عبد الله ابن بطة في "الشرح والإبانة عن أصول السنة والديانة"(73 - تحقيق رضا نعسان): "لا يخرج الرجل من الإسلام إلا الشرك بالله، أو رد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛ كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"، ولا ينافيه بعض الأحاديث والآثار الآتية في (40 - الترهيب من ترك الصلاة عمداً) فإنها محمولة على المعاند المستكبر لما سأذكر هناك، فتنبه.

ص: 271

رُكوعَهنَّ، وسجودَهنَّ، وخشوعَهنَّ؛ كان له على الله عهدٌ أنْ يَغفرَ له، ومَن لمْ يفعلْ؛ فليس له على اللهِ عهدٌ؛ إنْ شاءَ غَفر له، وإنْ شاءَ عذَّبه".

371 -

(22)[صحيح] وعن سعدِ بنِ أبي وقاص رضي الله عنه قال:

كان رجلان أخوان، فَهَلَكَ أحدُهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فَذُكِرَتْ فَضيلةُ الأولِ منهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألم يكن الآخر مسلماً؟ ".

قالوا: بلى، وكان لا بأس به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"وما يدريكم ما بَلَغَتْ به صلاتُه؟ إنَّما مُثّل الصلاةِ كمثَل نهرٍ عَذْبٍ غَمْرٍ، ببابِ أحدِكُم، يَقْتَحِم فيه كلَّ يوم خمسَ مرات، فما تَرَون في ذلكَ يُبقي من درنه؟ فإنّكم لا تدرون ما بلغتْ به صلاتُه".

رواه مالك -واللفظ له- وأحمد بإسناد حسن، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:

عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت سعداً وناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون:

كان رجلان أخَوان في عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحدُهما أفضلَ من الآخر، فتُوفِّي الذي هو أفضلُهما، ثم عُمِّر الأخرُ بعده أربعين ليلةً، ثم توفّي، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

"ألم يكن يصلي؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله! وكان لا بأس بهِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"وماذا يدريكم ما بلغت به صلاتُه؟ " الحديث

(1)

.

(1)

قلت: وهذا اللفظ هو عند أحمد (1534 - طبعة شاكر) أيضاً.

ص: 272

372 -

(23)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

كان رجلان مِن (بَلِيٍّ)

(1)

[حيّ]

(2)

من (قُضاعة) أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستُشهد أحدُهما، وأُخِّر الآخرُ سنةً، فقال طلحة بن عبيد الله:[فأُريتُ الجنّة]

(3)

، فرأيت المؤخَّرَ منهما أُدخِلَ الجنة قبلَ الشهيد، فتعجبتُ لذلك، فأصبحتُ، فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، أو ذُكِرَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أليسَ قد صام بعدَه رمضانَ، وصلى سِتةَ آلافِ ركعةٍ، وكذا وكذا ركعةً، [صلاةَ]

(4)

سَنةٍ؟! ".

رواه أحمد بإسناد حسن.

373 -

(24)[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم عن طلحة بنحوه، أطول منه. وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره:

"فَلَمَا بينهما أبعدُ مما بين السماءِ والأرضِ".

374 -

(25)[صحيح لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاثٌ أحلِفُ عليهنَّ: لا يجعلُ الله مَن له سهمٌ في الإسلامِ كمَن لا سَهمَ له، وأسهمُ الإسلامِ ثلاثةٌ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاة، ولا يَتَوَلَّى اللهُ

(1)

على وزن (رَضيّ)، والنسبة (بَلوَيّ) كما في "القاموس" وغيره، ووقع في طبعة عمارة (بُلَي) بضم الموحدة وفتح اللام، وفي مكان آخر منه (4/ 255):(بَلِي)، وكل ذلك خطأ، ووقع في الأصل:(حيّ) مكان: (بلي)، والتصويب من "المسند". وفي رواية له من حديث طلحة بن عبيد الله الآتي بعده:"من بلي، وهم حي من قضاعة". وجمع المصنف بينهما في (24 - كتاب التوبة/ 8 - الترغيب في ذكر الموت)، فقال:"من (بَليّ؛ حي. .) " في حديث أبي هريرة هذا.

(2)

سقطت من "المسند" ومن الأصل، ولكن هذا أثبتها فيما يأتي (24 - التوبة/ 8)، واستدركتها من "المجمع"(10/ 204) و"أطراف المسند"(8/ 153/ 10707).

(3)

سقطت من الأصل و"المجمع"، واستدركتها من "المسند"(2/ 333) و"الأطراف".

(4)

زيادة من "المسند"، وهي ثابتة في المكان المشار إليه آنفاً من الكتاب.

ص: 273

عبداً في الدنيا؛ فَيُولِّيَه غيرَه يومَ القيامةِ، ولا يحب رجلٌ قوماً؛ إلاّ جعلَه الله معهم، والرابعةُ لو حلفتُ عليها رَجَوتُ أن لا آثمَ: لا يستُرُ الله عبداً في الدنيا؛ إلا سَتَرَه يومَ القيامةِ".

رواه أحمد بإسناد جيّد.

375 -

(26)[صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" من حديث ابن مسعود.

376 -

(27)[صحيح لغيره] وعن عبد الله بنِ قُرْطٍ

(1)

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أولُ ما يحاسب به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، فإنْ صَلَحَتْ؛ صَلَحَ سائرُ عَملِه، وإنْ فسدتْ؛ فَسَدَ سائرُ عملِه".

رواه الطبراني في "الأوسط"، ولا بأس بإسناده إن شاء الله.

377 -

(28)[صحيح لغيره] وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أوّل ما يحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ، يُنظَرُ في صلاتِه؛ فإنْ صَلَحَتْ فقد أفلحَ، وإنْ فسدتْ خابَ وخَسِرَ".

رواه في "الأوسط" أيضاً.

(2)

378 -

(29)[صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما:

أنّ رجلاً أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضلِ الأعمال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الصلاة".

(1)

كذا الأصل والمخطوطة وغيرها، وهو وهم؛ فإنّه لا دخْل لعبد الله بن قرط في هذا الحديث، وإنَّما هو من حديث أنس كالذي بعده، كذلك هو في "الأوسط"(2/ 240/ 1859 و 4/ 127/ 3782 - الحرمين) و"زوائد المعجمَين"(1/ 13/ 2) و"المجمع" و"الجامع الصغير" وغيرهما.

والحديث مخرج في "الصحيحة"(1358).

(2)

وله شاهد من حديث أبي هريرة عند النَّسائي وغيره، وحسَّنه الترمذي.

ص: 274

قال: ثم مَهْ؟ قال:

"ثم الصلاة".

قال: ثم مَهْ؟ قال:

"ثم الصلاة (ثلاث مرات) ".

قال: ثم مَهْ؟ قال:

"الجهاد في سبيل الله" فذكر الحديث.

رواه أحمد

(1)

وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.

379 -

(30)[صحيح لغيره] وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصلاةُ، ولن يحافظَ على الوُضوءِ إلا مؤمنٌ".

رواه الحاكم وقال:

"صحيح على شرطهما، ولا علة له سوى وهم أبي بلال".

ورواه ابن حبان في "صحيحه" من غير طريق أبي بلال بنحوه.

وتقدم هو وغيره في "المحافظة على الوضوء"[4/ 8/ الحديث الأول].

380 -

(31)[صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط"

(2)

مِن حديث سلمة بن الأكوع، وقال فيه:

"واعْلموا أنَّ أفضلَ أعمالِكم الصلاة".

(1)

في "المسند"(2/ 132)، وسنده جيد في المتابعات والشواهد دون قوله:"ثلاث". ومعنى الحديث ثابت في "الصحيحين" وغيرهما عن ابن مسعود، وسيأتي في أول (15 - باب)، وهو أتمّ، ونحوه الحديثان اللذان بعده.

(2)

كذا الأصل، والظاهر أنه وهم من المؤلف، لأنه كذلك في نسخة مخطوطة مقابلة، والصواب "الكبير"، وهو فيه (7/ 28/ 6270)، ولذلك لمْ يعزُه الهيثمي (2/ 250) إلا إليه، ولم يذكره في "مَجْمع البحرين"، وإسناده واهٍ، ووهم الهيثمي في اسم أحد رواته فلم يجده!

ص: 275

381 -

(32)[حسن لغيره] وعن حَنظلةَ الكاتبِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن حافظ على الصلواتِ الخمسِ؛ ركوعِهنَّ، وسجودِهنَّ، ومواقيتِهنَّ، وعلم أنهنَّ حقٌّ مِن عندِ اللهِ؛ دخل الجنّةَ، أو قال: وَجَبَتْ له الجنّةُ، أو قال: حَرُم على النار".

رواه أحمد بإسناد جيّد، ورواته رواة "الصحيح".

382 -

(33)[حسن لغيره] وعن عثمانَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن عَلِمَ أنّ الصلاةَ حقٌ مكتوبٌ واجبٌ دخلَ الجنةَ".

رواه أبو يَعلى وعبد الله ابنُ الإمام أحمد في زياداته على "المسند"

(1)

، والحاكم وصححه، وليس عنده ولا عند عبد الله لفظة "مكتوب".

قال الحافظ رضي الله تعالى عنه: "وستأتي أحاديث أُخَر تنتظم في سلك هذا الباب، في "الزكاة" و"الحج" وغيرهما إنْ شاء الله تعالى".

(1)

(فائدة): اعلم أن زيادات عبد الله هذه ليست كتاباً خاصاً ألفه عبد الله، وإنما هي أحاديث ساقها في "مسند أبيه"، يرويها عن شيوخ له بأسانيدهم عنه صلى الله عليه وسلم، وتتميز أحاديث "الزيادات" عن أحاديث "المسند" بالتأمل في شيخ عبد الله في أي حديث فيه، فإن كان عن أبيه فهو من أحاديث المسند، وفي هذا النوع يقال فيه:"رواه أحمد"، وإن كان عن غير أبيه، فهو من زياداته في "مسند أبيه"، وفيه يقال:"رواه عبد الله في زياداته على المسند" كهذا الحديث، فيجب التنبه لهذا، فكثيراً ما اختلط الأمر على بعض الحفاظ -ومنهم المؤلف أحياناً- فضلاً عن غيرهم، فيعزى الحديث لأحمد وهو لابنه!

هذا وأما أبو بكر القطيعي فليس له زيادات في "المسند" المطبوع خلافاً لما اشتهر، وقد بينت ذلك في بحث علمي دقيق أجريته في الرد على بعض متعصبة المعاصرين، سميته "الذَّبُّ الأحمد عن مسند الإمام أحمد، والرد على من طعن في صحة نسبته إليه، وزعم أن القطيعي زاد فيه أحاديث كثيرة موضوعة حتى صار ضِعْفَيه"! وما جاء في "مسند الإمام أحمد"(5/ 130 - طبعة المؤسسة) من الأحاديث العشرة ليستَ من "المسند"، إنما هي من "فوائد أبي بكر القطيعي" كما هو مبين هناك. وأرجو أن يتاح لي طبعه ونشره قريباً إن شاء الله تعالى.

ص: 276

‌14 - (الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الرّكوع والسجود والخشوع).

383 -

(1)[صحيح] عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الطُّهورُ شَطْرُ الإيمان، والحمدُ لله تملأُ الميزانَ، وسبحانَ الله والحمدُ لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماءِ والأرضِ، والصلاةُ نُورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضِياءٌ، والقرآن حُجَّةٌ لك أو عليك".

رواه مسلم وغيره، وتقدم [4 - الطهارة/ 7].

384 -

(2)[حسن لغيره] وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه:

أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خرجَ في الشتاءِ والوَرَقُ يَتَهافَتُ، فأخذَ بغُصْنٍ من شجرةٍ، (قال): فجعل ذلك الورق يتهافَتُ، فقال:

"يا أبا ذرّ! ".

قلتُ: لبَّيْك يا رسول الله! قال:

"إنَّ العبدَ المسلمَ ليصلّي الصلاةَ يريد بها وجهَ الله، فَتَهافَتُ عنه ذنوبُه كما يتهافتُ

(1)

هذا الورقُ عن هذه الشجرة".

رواه أحمد بإسناد حسن.

385 -

(3)[صحيح] وعن معدان بن أبي طلحةَ قال:

لقيتُ ثوبانَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبِرني بعملٍ أعملُه يُدْخِلني اللهُ به الجنةَ، -أو قال: قلت: بأحبِّ الأعمالِ إلى اللهِ-. فسكتَ. ثم سألتُه، فسكتَ. ثم سألته الثالثة، فقال: سألتُ عن ذلك رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال:

(1)

الأصل: "تهافت"، والتصويب من "المسند".

ص: 277

"عليكَ بكثرةِ السجودِ لله، فإنك لا تسجدُ لله سجدةً؛ إلا رفعكَ اللهُ بها درجةٌ، وحَطَّ بها عنكَ خطيئةً".

رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.

386 -

(4)[صحيح لغيره] وعن عُبادةَ بنِ الصامتِ رضي الله عنه؛ أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما مِن عبدٍ يسجدُ لله سجدةً؛ إلا كَتبَ اللهُ له بها حسنةً، ومحا عنه بها سيئةً، ورفَع له بها درجةً، فَاستكثِروا مِن السجودِ".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

387 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربهِ عز وجل وهو ساجدٌ، فأكثِروا الدُّعاءَ".

رواه مسلم.

388 -

(6)[صحيح لغيره] وعن رَبيعةَ بنِ كعبٍ رضي الله عنه قال:

كنت أخدِمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهاري، فإذا كان الليلُ أويتُ إلى باب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَبِتُّ عنده، فلا أزال أسمعُه يقول:(سبحانَ الله، سبحانَ اللَّه، سبحانَ ربي) حتّى أمَلَّ، أو تغلِبَني عَيني فأنامُ، فقال يوماً:

"يا ربيعةُ سَلْني فأُعْطِيَكَ".

فقلت: أنظِرني حتّى أنظُرَ، وتذكرتُ أن الدنيا فانيةٌ منقطعةٌ، فقلت: يا رسولَ الله! أسأَلُك أنْ تدعوَ الله أنْ يُنجيَني مِن النارِ، ويُدخلني الجنّة.

(1)

فسكتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:

(1)

قلت: وفي رواية للطبراني (4570): "مرافقتك في الجنة". ورجاله ثقات غير (يحيى ابن عبد الله البابلتي)، وهو ضعيف. وعزاه المعلق عليه لمسلم وغيره، وإنما رووه مختصراً. لكن هذه الزيادة عند مسلم كما يأتي.

ص: 278

"مَن أمرَك بهذا؟ ".

قلت: ما أمرني به أحد، ولكنّي عَلمتُ أنّ الدنيا منقطعةٌ فانيةٌ، وأنتَ مِن الله بالمكانِ الذي أنتَ منه، فأحببتُ أَنْ تَدعوَ اللهَ لي. قال:

"إنّي فاعلٌ، فأعنّي على نفسِك بكثرةِ السّجودِ".

رواه الطبراني في "الكبير" من رواية ابن إسحاق، واللفظ له.

(1)

ورواه مسلم وأبو داود مختصراً.

[صحيح] ولفظ مسلم: قال:

كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتِيهِ بوَضوئِهِ وحاجته. فقال لي:

"سَلْني".

فقلت: أسأَلُك مرافَقَتَكَ في الجنة. قال:

"أوْ

(2)

غيرَ ذلك؟ ".

قلتُ: هو ذاك. قال:

"فأعنِّي على نفسكَ بكثرةِ السجودِ".

389 -

(7)[حسن صحيح] وعن أبي فاطمةَ رضي الله عنه قال:

قلتُ: يا رسول الله! أخبرني بعمل أستَقيمُ عليه وأعملُهُ، قال:

"عليكَ بالسجودِ، فإنَّك لا تسجدُ لله سجدَةً، إلا رَفَعَكَ اللهُ بها درجةً، وحَطَّ عنك بها خَطيئةً".

رواه ابن ماجه بإسناد جيّد.

(1)

قلت: يشير المؤلف إلى أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه عند الطبراني (5/ 52/ 4576)، لكن قد رواه الإمام أحمد (4/ 59) عن ابن إسحاق، مصرِّحاً بالتحديث، فكان بالعزو إليه أولى، وبقية رجاله رجال الستة، فالحديث صحيح، وهو في مسلم (2/ 52) من طريق أخرى مختصراً كما ذكره المؤلف.

(2)

بإسكان الواو ونصب "غير"، أي: سل غير ذلك، يعني: غير مرافقته في الجنة. "العجالة"(59).

ص: 279

[حسن لغيره] ورواه أحمد مختصراً، ولفظه: قال: قال لي نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم:

"يا أبا فاطمة إنْ أردتَ أنْ تلقاني فأكثرِ السجودَ"

(1)

.

390 -

(8)[حسن لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"الصلاةُ خيرُ موضوعٍ، فمَن استطاع أنْ يستكثِرَ فَلْيَسْتَكْثِرْ".

رواه الطبراني في "الأوسط"

(2)

.

391 -

(9)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرٍ فقال:

"مَنْ صاحبُ هذا القبرِ؟ ".

فقالوا: فلان. فقال:

"ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقيّةِ دنياكم".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

(3)

392 -

(10)[صحيح لغيره] وعن مُطَرِّف قال:

قَعدتُ إلى نَفَرٍ من قريشٍ، فجاءَ رَجلُ، فجعل يصلّي ويَركع ويَسجدُ ولا يَقعدُ، فقلتُ: واللهِ ما أرى هذا يَدري ينصرف على شفعٍ أو على وِترٍ! فقالوا: ألا تقومُ إليه فتقولُ له؟ قال: فَقُمْتُ؛ فقلت: يا عبدا للهِ! ما أراك تدري

(1)

قلت: في رواية أحمد هذه ابن لهيعة، لكنْ تابعه الليث بن سعد عند الطبراني (22/ 323/ 812)، والدولابي في "الكُنى"(1/ 48)؛ كلاهما عن يزيد بن عمرو المعافري، وهو صدوق، عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه. فهو إسناد حسن.

(2)

قلت: له شواهد يتقوى بها. فأخرجه الطيالسي وأحمد والحاكم من طريقين عن أبي ذر، وأحمد وغيره من حديث أبي أمامة، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى.

(3)

انظر تخريحه في "الصحيحة"(1388) لتتبين صحته.

ص: 280

تنصرف على شفعٍ أو على وِترٍ! قال: ولكنَّ الله يدري! سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن سجدَ لله سجدةً؛ كَتَبَ اللهُ له بها حسنةً، وحَطَّ عنه بها خطيئةً، ورفع له بها درجةً".

فقلتُ: مَن أنتَ؟ فقال: أبو ذرّ! فرجعت إلى أصحابي فقلتُ:

جزاكم الله من جلساءَ شرّاً! أمرتموني أنْ أُعَلِّمَ رجلاً مِن أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم!

[صحيح لغيره] وفي رواية:

(1)

فرأيتُه يطيلُ القيامَ، وُيكثِر الركوعَ والسجودَ، فذكرتُ ذلك له، فقال: ما ألَوْتُ أنْ أُحسِنَ، إنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من ركَع ركعةً، أو سَجَدَ سجدةً؛ رُفع له بها درجةً، وحُطَّ عنه خَطيئةً".

رواه أحمد والبزّار بنحوه، وهو بمجموع طرقه حسن أو صحيح.

(2)

(ما ألوت) أي: [ما] قصّرتُ.

393 -

(11)[حسن] وعن يوسف بن عبد الله بن سلام قال:

أتيتُ أبا الدرداءِ في مرضه الذي قبضَ فيه، فقال: يا ابن أخي! ما أعْمَلَكَ إلى هذه البلدة، أو ما جاءَ بك؟ قال: قلتُ: لا، إلا صلةُ ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام،

(1)

هذه الرواية ليست عن مطرِّف، وإنما رواها أحمد (5/ 147) من طريق أبي إسحاق عن المخارق قال: خرجنا حجاجاً. . . الحديث نحوه. والمخارق هذا ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين". (5/ 444)، ولا يعرف إلا بهذه الرواية. ويقويها الرواية الأولى.

(2)

قلت: بل له إسناد ثالث عند أحمد أيضاً (5/ 164)، والدارمي (1/ 341) عن الأحنف ابن قيس نحو رواية مطرِّف، وهو صحيح على شرط مسلم، وهو مخرَّج في "الإرواء"(2/ 209). وكذا رواه ابن نصر في "الصلاة"(1/ 312/ 288).

ص: 281

فقال: بئسَ ساعةُ الكذِبِ هذه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من توضّأَ فأحسنَ الوضوءَ، ثم قام فصلّى ركعتين (أو أربعاً، يشك سهل) يُحسن فيهن الذِّكْر

(1)

والخشوعَ، ثم يستغفرُ اللهَ؛ غُفِرَ له".

رواه أحمد بإسناد حسن. [مضى مختصراً آخر 4/ 13].

394 -

(12)[حسن صحيح] وعن زيدِ بن خالد الجُهَنيِّ رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن توضّأَ فأحسنَ وُضوءَه، ثم صلّى ركعتين، لا يسهو فيهما؛ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه".

(2)

[مضى هناك].

رواه أبو داود.

وفي رواية عنده:

(3)

"ما من أحدٍ يتوضأُ فَيُحسنُ الوضوءَ، ويصلي ركعتين يُقبِلُ بقلبِه وبوجهه عليهما؛ إلاَّ وجَبَتْ له الجنةُ".

395 -

(13)[صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرِ رضي الله عنه قال:

كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خُدّامَ أنفسنا، نَتناوَب الرعايةَ؛ رعايةَ إبلِنا، فكانت عَلَيَّ رعايةُ الإبل، فَرَوَّحْتُها بالعَشِيِّ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخطبُ الناسَ، فسمعته

(4)

يقول:

(1)

انظر التعليق المتقدَّم آخر (4/ 13).

(2)

تقدَّم (4/ 13 - باب /3 - حديث).

(3)

هذا يوهم شيئين:

الأول: أنّ الرواية الأخرى عند أبي داود من حديث زيد بن خالد.

والآخر: أنّه لم يروه غيره من أصحاب الستة، وليس كذلك، فهي عند أبي داود من حديث عُقْبة بن عامر، ثم هو عند مسلم أيضاً كما سبق في آخر (4/ 13)، ويأتي عَقِبه بلفظ أبي داود، وهو يخالف بعض الشيء لفظه هنا!

(4)

هنا في الأصل زيادة: "يوماً"، ولا أصل لها عند أبي داود، ولا في شيء من طرق الحديث، وهي نابية عن السياق كما هو ظاهر، ولذلك ضرب عليها في المخطوطة.

ص: 282

"ما مِنكم مِن أحدِ يتوّضأُ فيُحسِنُ الوضوءَ، ثمّ يقوم فيركع ركعتين يُقبلُ عليهما بقلبِه ووجهه؛ إلا قد أوجَبَ".

فقلتُ: بخٍ بخٍ! ما أجودَ هذه!.

رواه مسلم وأبو داود -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وهو بعض حديث. [مضى بعضه 4 - الطهارة/ 13].

ورواه الحاكم؛ إلا أنّه قال:

"ما مِن مسلم يتوضأ فيُسبغُ الوضوءَ ثم يقوم في صلاته، فيعلمُ ما يقول؛ إلاَّ انفتل وهو كيومَ ولدته أُمه" الحديث. وقال:

"صحيح الإسناد".

(أوجب) أي: أتى بما يوجب له الجنَّة.

396 -

(14)[حسن صحيح] وعن عاصم بنِ سفيان الثقفي:

أنهّم غَزَوْا غزْوةَ (السلاسل)

(1)

، ففاتهم الغزو، فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاويةَ، وعنده أبو أيوب وعقبةُ بن عامر، فقال عاصم: يا أبا أيوب! فاتنا الغزو العامَ، وقد أُخبِرْنا أنّه من صلى في المساجِد الأربعةِ؛ غُفِر له ذَنبُه، فقَال: يا ابن أخي! ألا أدُلّك على أيسرَ من ذلك؟ إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن توضّأَ كما أُمِر، وصلَّى كما أُمِر؛ غُفر له ما قَدَّم مِن عَمل".

كذلك يا عقبَة؟ قال: نعم.

رواه النَّسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"

(2)

.

(1)

هي وراء وادي القرى، غزاها سرية عمرو بن العاص سنة ثمان، كما في "القاموس"، وقال ياقوت:"هي ماء بأرض جذام، وبذلك سميت غزاة ذات السلاسل". وقد عقد لها البيهقي في "الدلائل" باباً خاصاً (2/ 18/1)، وذكر (2/ 1/ 106/ 2) أنها من مشارف الشام.

(2)

تقدم لفظه (4 - الطهارة/ 7) من حديث أبي أيوب وحده.

ص: 283

[صحيح] وتقدم في "الوضوء"[4/ 7] حديث عمرو بن عبْسة، وفي آخره:

"فإنْ هو قامَ فصلّى فحَمدَ اللهَ، وأثنى عليه، ومجّده بالذي هو له أهل، وفَرَّغَ قلْبَه للهِ تعالى؛ إلا انصرفَ من خطِيئتِه كـ[ـهيئتِه] يومَ ولدته أمُّه".

رواه مسلم.

[صحيح] وتقدم في الباب قبله حديث عثمان [الحديث 15]، وفيه:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما من امرئ مسلمٍ تحضُرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسنُ وُضُوءَها، وخشوعها، وركوعها؛ إلاّ كانت كفَّارةً لما قبلها مِن الذنوب؛ ما لمْ تُؤتَ كبيرة، وذلك الدهرَ كلَّه".

رواه مسلم.

[صحيح لغيره] وتقدَّم أيضاً [13 - باب/ الحديث 21، ويأتي قريباً] حديث عبادة:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"خمسُ صلواتٍ افترضهنَّ اللهُ مَن أحسنَ وُضوءَهنَّ، وصلاهنَّ لوقتهنَّ، وأتمَّ ركوعَهنَّ، وسجودَهنَّ، وخشوعهنَّ؛ كان له على اللهِ عهدٌ أنْ يَغفرَ له".

ص: 284

‌15 - (الترغيب في الصلاة في أوّلِ وقتها).

397 -

(1)[صحيح] عن عبد اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:

سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العملُ أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال:

"الصلاةُ على وقتِها".

قلتُ: ثم أي؟ قال:

"بِرُّ الوالدين".

قلت: ثم أيُّ؟ قال:

"الجهادُ في سبيل الله".

قال: حدَّثني بهنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولو استَزَدْتُه لزادني.

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنَّسائي.

398 -

(2)[صحيح] وعن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ -قال شعبة: [أو]

(1)

قال: أفضل العمل-[قال]:

"الصلاة لِوقْتها، وبِرّ الوالدين، والجهاد".

رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

(1)

زيادة من "المسند"(5/ 368)، والمعنى أنّ شعبة شكّ هل قال السائل:"العمل أفضل"، أو قال:"أفضل العمل" وهذا من دقته وعنايته في ضبط ما يرويه رحمه الله، والزيادة التي بعدها سقطتْ من "المسند"، والسياق يقتضيها، وانظر الحديث الأول، والذي بعده. ولم يتنبه لهذا كله المعلقون الثلاثة لجهلهم بالتحقيق، ولذلك صار الحديث معضلاً، لأنه عندهم:"قال شعبة: قال: "أفضل العمل الصلاة لوقتها. . "!!

ص: 285

399 -

(3)[صحيح لغيره] وعن أمِّ فَرْوَة رضي الله عنها -وكانتْ ممن بايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم- قالت:

سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال:

"الصلاة لأوّل وقتها".

رواه أبو داود والترمذي وقال:

"لا يروى إلاّ من حديث عبد الله بن عمر العُمَرِي، وليس بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا في هذا الحديث".

(قال الحافظ) رضي الله عنه: "عبد الله هذا صدوق، حسن الحديث، فيه لين، قال أحمد: صالح الحديث، لا بأس به. وقال ابن مَعين: يُكْتَبُ حديثه. وقال ابن عَديّ: صدوق لا بأس به. وضعفه أبو حاتم وابن المديني"

(1)

.

وأمّ فروة هذه هي أخت أبي بكرٍ الصديق لأبيه، ومن قال فيها أم فروة الأنصارية فقد أَوْهَم.

400 -

(4)[صحيح لغيره] وعن عُبادةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: أشهدُ أنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"خمسُ صلواتٍ افترَضَهُنَّ الله عز وجل، مَن أحسنَ وُضوءَهن، وصلاهُنَّ لوقتهن، وأتمَّ ركوعَهُنَّ وسجودهنَّ، وخشوعَهنَّ؛ كان له على الله عهد أنْ يغفرَ له، ومَن لم يفعل، فليس له على الله عهدٌ؛ إنْ شاء غفر له، وإنْ شاء عذَّبه".

رواه مالك وأبو داود والنَّسائي وابن حبان في "صحيحه". [مضى 13 - باب].

(1)

قلت: لكنّه قد توبع، والاضطراب المشار إليه إنّما هو في إسناده. وهو ممن فوق العمري، وللحديث شاهد يتقوّى به كما بيّنته في "صحيح أبي داود"(452).

ص: 286

401 -

(5)[حسن لغيره] ورُوي عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال:

خرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعةُ نفرٍ، أربعةٌ مِن موالينا (1)، وثلاثة مِن عَرَبِنا

(1)

، مسندي ظُهوَرِنا إلى مسجدِه، فقال:

"ما أجلسَكم؟ ".

قلنا: جلسنا ننتظر الصلاةَ، قال: فأرَمَّ قليلاً، ثم أقبل علينا فقال:

"هلْ تدْرون ما يقول ربُّكم؟ ".

قلنا: لا. قال:

"فإنَّ ربَّكم يقول: مَن صلّى الصلاةَ لوقتِها، وحافظ عليها ولمْ يُضَيِّعها استخفافاً بحقِّها؛ فله عَلَيَّ عهدٌ أنْ أُدخِلَه الجنّةَ.

ومَن لمْ يصلِّها لِوقتها، ولمْ يحافظْ عليها، وضَيَّعها استخفافاً بحقِّها؛ فلا عهد له عليَّ، إنْ شئتُ عذّبتُه، وإنْ شئتُ غفرتُ له".

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وأحمد بنحوه

(2)

.

(أرَمَّ) هو بفتح الراء وتشديد الميم، أي: سكت.

وتقدم في "باب الصلوات الخمس" حديث أبي الدرداء وغيره. [13 - باب].

(1)

جمع: (مولى) وهو المعتق هنا. ويقابله قوله: (عربنا) أي: أحرار لم يجرِ عليهم الرق.

وضبطه مصطفى عمارة بضم الغين المعجمة والراء المهملة، جمع:(غريب)، وهوَ من أوهامه وغرائبه، وخلاف ما في "المسند" والمخطوطة وغيرهما.

(2)

أشار المؤلف لضعفه، لكنْ له طريق أخرى يتقوّى بها عند الدارمي (1/ 278 - 279).

ص: 287

‌16 - (الترغيب في صلاة الجماعة، وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلَّوا).

402 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صلاةُ الرجلِ في جماعةٍ تَضعُفُ على صلاتِه في بيتِه وفي سوقِه خمساً وعشرين ضِعفاً، وذلك أنّه إذا توضّأَ فأحسنَ الوُضوء، ثم خرج إلى المسجدِ لا يُخرجُه إلا الصلاة، لم يخْطُ خُطوةً؛ إلا رُفِعت له بها درجةً، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلَّى، لمْ تزل الملائكة تصلّي عليه -ما دام في مصلاّه، ما لمْ يُحدِث- اللهمَّ صلِّ عليه، اللهمَّ ارحمْه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة".

رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. [وتقدَّم 5 - الصلاة/ 9/ الحديث الأول].

403 -

(2)[صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما؛ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

"صلاة الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبع وعشرين درجةً".

رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنَّسائي.

404 -

(3)[صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

مَن سَرَّه أنْ يلقى الله غداً مسلماً فليحافظْ على هؤلاءِ الصلواتِ، حيث ينادى بهنَّ، فإنَّ الله تعالى شرع لنبيّكم صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهُدى، وإنهنَّ مِن سُنن الهدى، ولو أنّكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلَّف في بيته، لتركتم سنّةَ نبيِّكم، ولو تركتم سُنَّةَ نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطُّهور، ثم يَعمِد إلى مسجدٍ من هذه المساجد؛ إلا كتب الله له بكل خُطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيّئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عَنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتّى يقامَ في الصفّ.

ص: 288

(وفي رواية):

لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاةِ إلا منافق قدْ عُلِم نفاقه، أو مريض، إنْ كان الرجلُ

(1)

لَيمشي بين رجلين حتّى يأتى الصلاةَ، وقال:

إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سنن الهدى، وإنَّ مِن سنن الهدى الصلاةُ في المسجد الذي يؤذِّن فيه.

رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

قوله: (يُهادى بين الرجلين) يعني: يُرْفَد من جانبيه، ويُؤخَذ بعَضُدِه يُمشَى به إلى المسجد.

405 -

(4)[صحيح] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"فضلُ صلاةِ الرجلِ في الجماعةِ على صلاتِه وحدَه بضعٌ وعشرون درجة".

[صحيح](وفي رواية):

"كلُّها مثل صلاتِه في بيتِه".

رواه أحمد بإسناد حسن، وأبو يعلى والبزّار والطبراني وابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه.

406 -

(5)[حسن] وعن [عبد الله بن]

(2)

عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1)

كذا الأصل والمخطوطة، وفي مسلم -والرواية له كالأولى-:"المريض"، ولعل المثبَت رواية عنه، وهي أرجح في نظري، وهي رواية لأحمد (1/ 382) من طريق أخرى.

(2)

الأصل: "عن عمر بن الخطاب"، وهو وهم، فإنَّه ليس في "المسند" ولا غيره من حديث عمر، وإنَّما هو من حديث ابنه عبد الله، وكذلك رواه غير الطبراني أيضاً، وهر مخرَّج في "الصحيحة"(1652)، وعلى الصواب أورده ابن كثير في "جامع المسانيد"(28/ 46/ 37) والسيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير"(رقم 1816 - صحيح الجامع)، و"الجامع الكبير".

ص: 289

"إنَّ اللهَ تبارك وتعالى لَيَعْجَبُ مِنَ الصلاةِ في الجَمعِ

(1)

".

رواه أحمد بإسناد حسن، وكذلك الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد حسن.

407 -

(6)[صحيح] وعن عثمانَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن تَوضّأَ فأسبغَ الوُضوء، ثمّ مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ، فصلاّها مع الإمام؛ غُفِرَ له ذنبُه".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى 5 - الصلاة/ 9].

408 -

(7)[صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أتاني الليلة رَبي

(2)

، (وفي رواية):

رأيتُ رَبِّي في أحسنِ صورةٍ، فقال لي: يا محمَّدُ! قلتُ: لَبَّيك ربِّ وسعدَيْك، قال: هل تَدري فيمَ يخْتصم الملأُ الأعلى؟ قلت: لا أعلم. فوضع يده بين كتِفَيَّ حتى وجدتُ بَردَهَا بين ثَدْيَيَّ -أو قال: في نحري- فعلمتُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ -

(3)

أو قال: ما بين المشرق والمغرب- قال: يا محمَّد! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الدرجاتِ، والكفاراتِ، ونقلِ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، إسباغِ الوضوءِ في السَّبَرات، وانتظارِ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ، ومَن حافظ عليهن عاش بخيرٍ، وماتَ بخيرٍ، وكان من ذنوبِه كيومَ ولدتهُ أُمُّهُ. قال: يا محمد! قلتُ: لبيكَ وسعديكَ. فقال: إذا صلّيتَ قل: اللهمّ! إنِّي أسألكَ فِعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ،

(1)

كذا الأصل، وفي "المسند":(الجميع)، وكذا رواه عنه الخطيب، وهو رواية الطبراني كما في "المجمع"، والمعنى واحد، أي: الجماعة. وأفسده المعلّقون الثلاثة، فوقع في طبعتهم (الجُمَع) هكذا قيّدوه بضم الجيم وفتح الميم جمع (جُمعة)!

(2)

أي: في المنام. انظر التعليق المتقدم في (4/ 7 - الترغيب في الوضوء وإسباغه).

(3)

يعني: ما أعلمه الله تعالى مما فيها من الملائكة والأشجار وغيرهما، وهو عبارة عن سعة علمه الذي فتح الله به عليه. كذا في "المرقاة"(1/ 463).

ص: 290

وحُبَّ المساكين، وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْني إليك غير مفتون. قال: والدرجاتُ: إفشاءُ السلامِ، وإطعامُ الطعامِ، والصلاةُ بالليلِ والنْاسُ نيامُ".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

(1)

(الملأ الأعلى): وهم الملائكة المقرَّبون.

(السَّبرْات): بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة

(2)

: جمع سَبْرة، وهي شِدَّة البرد.

409 -

(8)[حسن لغيره] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:

"مَن صلّى لله أَربعين يوماً في جماعةٍ، يُدرِكُ التكبيُرةَ الأُولى؛ كُتِبَ له بَراءتان: بَراءةٌ من النّارِ، وبراءةٌ من النِّفاقِ".

رواه الترمذي وقال:

"لا أعلم أحداً رفعه إلا ما روى سَلْمُ (3) بنُ قتيبة عن طُعمة بن عَمرو".

قال المُمْلي رضي الله عنه: "وسَلْم

(3)

وطُعمة وبقية رواته ثقات".

وقد تكلّمنا على هذا الحديث في غير هذا الكتاب.

(4)

(1)

قلت: وهو صحيح، وقد تكلمتُ عليه في أول "الجنائز" من "إرواء الغليل" وفي "ظلال الجنة"(169 - 170)، وغيرهما، وقد كنت ذهبتُ في بعض التعليقات إلى تضعيف الحديث، فقد رجعتُ عنه، وأطال الكلام على الحديث هنا الشيخ الناجي (60 - 64) وبيّن ما يؤخذ على المؤلف من الجمع بين الروايات وعزوها جميعاً إلى الترمذي مع أنّه لم يخرجها كلها! وأنَّ الحافظ أبا أحمد العسَّال قد ساق في كتاب "المعرفة" الحديث من عدّة طرق وألفاظ، ومن رواية جماعة من الصحابة، وأكثرها مصرّح بأنَّ ذلك كان في المنام.

(2)

قال الناجي (62): "لا شك أنّ الإسكان خطأ، وأنَّ الصواب الفتح في الجمْع، والإسكان في الإفراد؛ لأنّ كل اسم صحيح العين على (فَعْلة) إذا جُمع بالألف والتاء وجب تحريك عينه بحركتها كهذه اللفظة ونظائرها، وهي كثيرة شهيرة، كنَخلات وثَمَرات وأكَلات وسكَتَات. . ".

(3)

الأصل: (مسلم)، وكذا في المخطوطة ومطبوعة عمارة، وهو خطأ، والتصحيح من الترمذي وكتب الرجال. ولم يتنبه المعلقون الثلاثة للخطأ في الموضع الثاني فتركوه كما هو!

(4)

قلت: وخرجته في "الصحيحة"(1979 و 2652) بتوسع.

ص: 291

410 -

(9)[حسن لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن توضّأَ فأحسنَ وُضوءَه، ثمّ راح فوجدَ الناس قد صلُّوا، أعطاه اللهُ مثل أجرِ من صلاها وحضرها، لا يَنقصُ ذلك مِن أجورهم شيئاً".

رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

(1)

وتقدَّم في " [9 - ] باب المشي إلى المساجد" حديث سعيد بن المسيَّب عن رجل مِن الأنصار قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكر الحديث، وفيه:

"فإنْ أتى المسجد فصلّى في جماعة غُفِر له، فإنْ أتى المسجد وقد صلّوا بعضاً وبقي بعض؛ صلَّى ما أدركَ، وأتمَّ ما بقيَ كان كذلك، فإنْ أتى المسجد وقد صلّوا فأتمّ الصلاة كان كذلك".

(1)

قلت: ووافقه الذهبي، وفيه نظر، لكنَّ الحديث حسن بما بعده.

ص: 292

‌17 - (الترغيب في كثرة الجماعة).

411 -

(1)[حسن لغيره] عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال:

صلّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبحَ، فقال:

"أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا، قال:"أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا، قال:

"إن هاتين الصلاتين أثقلُ الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتَيتُموهما ولو حَبْواً على الرُّكَبِ، وإنّ الصفَّ الأولَ على مِثلِ صفِّ الملائكةِ، ولو عَلمتُمْ ما في فضيلتِه لابْتَدَرتُموه، وإنَّ صلاةَ الرجلِ مع الرجلِ أزكى مِن صلاتِه وحده، وصلاتَه مع الرجلين أزكى من صلاتِه مع الرجل، وكلما كَثُرَ فهو أحبُّ إلى الله عز وجل".

رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي، وابن خزيمة وابن حِبّان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقد جزم يحيى بن مَعين والذُّهلي بصحة هذا الحديث.

(1)

412 -

(2)[حسن لغيره] وعن قباث بن أُشيَم الليثي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صلاةُ الرجلين يؤمُّ أحدُهما صاحبَه أزكى عند الله من صلاةِ أربعةٍ تترى، وصلاةُ أربعةٍ أزكى عند الله من صلاة ثمانية تتْرَى، وصلاة ثمانية يؤمّهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مئةٍ تترى".

(2)

رواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به.

(3)

(1)

قلت: وفي سنده ضعف، فلعلّ الصحَّة المذكورة إنَّما هي بالنظر إلى أنّ له شاهداً مِن حديث قباث بن أشيَم الليثي، وهو الآتي عَقِبَه. ورجاله ثقات غير عبد الرحمن بن زياد الراوي عن (قباث)؛ ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين"، وقال:"شيخ".

(2)

أي: متفرقين.

(3)

قلت: كيف وفيه من لا يُعرف؟! وقال الحافظ ابن حجر: "في إسناده نظر"، وبيانه في (الأصل)، وهو حسن بما قبله.

ص: 293

‌18 - (الترغيب في الصلاة في الفلاة).

قال الحافظ رحمه الله:

"وقد ذهب بعض العلماء إلى تفضيلها على الصلاة في الجماعة".

413 -

(1)[صحيح] وعن أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الصلاة في الجماعةِ تَعدِلُ خمساً وعشرين صلاةً، فإذا صلاها في فلاةٍ، فأتَمَّ ركوعَها وسجودهَا؛ بلغت خمسين صلاةً".

رواه أبو داود.

(1)

ورواه الحاكم بلفظه وقال:

"صحيح على شرطهما"

(2)

.

وصَدْر الحديث عند البخاري

(3)

وغيره.

ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صلاة الرجل في جماعةٍ تَزيد على صلاتِه وحدَه بخمسٍ وعشرين درجةً، فإنْ صلاَّها بأرضِ قِيٍّ فأتمَّ ركوعَها، وسجودَها؛ تُكتبَ صلاتُه بخمسين درجةً".

(1)

قلت: في الأصل هنا ما نصه: "وقال: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: "صلاة الرجل في الفلاة تُضاعَف على صلاته في الجماعة"، [وساق الحديث] ". فهذا معلق لم يسنده أبو داود -والزيادة منه- فهو مع مخالفته للفظ الذي قبله، ولفظ ابن حبان الذي بعده- شاذ أو منكر. وانظر "الصحيحة".

(2)

ووافقه الذهبي (1/ 208). وإنما هو صحيح فقط، وبيانه في "الصحيحة"(3475).

(3)

قال الناجي (64 - 65): "يُنكر على المصنف قوله: "وصَدْر الحديث عند البخاري وغيره"؛ فإنه رواه من طريق الليث عن ابَن الهاد عن عبد الله بن خَبّاب عن أبي سعيد ولفظه: "صلاة الجماعة تفضُل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة". وكان ينبغي له أن يعدل البخاري بابن ماجه لموافقته لأبي داود في ذاك الطريق دون بقية أصحاب الكتب الستَّة".

قلت: ولفظ البخاري أقرب إلى لفظ ابن حبان كما هو ظاهر، فلو أن المؤلف ذيّل عليه بقوله المذكور لم يُنكرْ عليه إنْ شاء الله.

ص: 294

(القِيّ) بكسر القاف وتشديد الياء: هو الفلاة؛ كما هو مفسر في رواية أبي داود.

414 -

(2)[صحيح] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا كان الرجلُ بأرضِ قِيٍّ فحانتِ الصلاةُ، فليتوضّأْ، فإنْ لمْ يجدْ ماءً فليتيمِّمَ، فإنْ أقام صلّى معه ملكاه، وإنْ أذَّن وأقام صلّى خلفه مِن جنود الله ما لا يُرى طرفاه".

رواه عبد الرزاق عن ابن التيْمي عن أبيه عن أبي عثمان النَهْدي عن سلمان. [ومضى 2 - باب].

[صحيح] وتقدم حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"يَعجبُ ربُّك مِن راعي غنم، في رأْس شَظِيَّةٍ، يؤذِّن بالصلاةِ ويصلّي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدْخَلْتُه الجنة".

رواه أبو داود والنسائي. وتقدم في " [5 - الصلاة/ 1] الأذان".

ص: 295

‌19 - (الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة، والترهيب مِن التأخّر عنهما).

415 -

(1)[صحيح] عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن صلّى العشاء في جماعةٍ، فكأنّما قام نصفَ الليل، ومَن صلّى الصبحَ في جماعةٍ

(1)

فكأنما صلّى الليل كله".

رواه مالك ومسلم -واللفظ له- وأبو داود، ولفظه:

"مَن صلّى العِشاءَ في جماعة؛ كان كقيامِ نِصفِ ليلةٍ، ومَن صلَّى العِشاءَ والفجرَ في جماعة؛ كان كقيامِ ليلةٍ".

(2)

رواه الترمذي كرواية أبي داود. وقال:

"حديث حسن صحيح".

وقال ابن خزيمة في "صحيحه": "باب فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة، وبيان أنَّ صلاة الفجر في الجماعة أفضل مِن صلاة العشاء في الجماعة، وأنّ فضلها في الجماعة ضعفا فضلِ العِشاء في الجماعة"،

(3)

ثم ذكره بنحو لفظ مسلم، ولفظ أبي داود والترمذي يدافع ما ذهب إليه. والله أعلم.

416 -

(2)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العِشاء وصلاةُ الفجر، ولوْ يعلمون

(1)

أي: وكان صلى العشاء في جماعة؛ كما يبيّنه اللفظ الذي بعده.

(2)

في الأصل زيادة: "وصبح"، ولا أصل لها عند أبي داود، ولا عند غيره، ولا معنى لها.

(3)

صحيح ابن خزيمة (2/ 365).

ص: 296

ما فيهما لأَتَوْهما ولو حَبْواً، ولقد هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بالصلاةِ فتقامَ، ثم آمرَ رجلاً فيصلِّيَ بالناسِ، ثم أنطلِقَ معي برجالٍ معهم حُزَمٌ من حَطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ فأُحرِّقَ عليهم بيوتَهم بالنار".

رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم:

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدَ ناساً في بعض الصلوات، فقال:

"لقد هَمَمْتُ أن آمُرَ رجلاً يصلّي بالناسِ، ثم أُخالفَ إلى رجال يَتَخلّفون عنها فآمُرَ بهم فَيُحرِّقوا عليهم بحُزَم الحطب بيوتَهم، ولو علمَ أحدُهم أنه يجدُ عَظماً سميناً لشهدها. يعني صلاة العشاء".

417 -

(3)[صحيح موقوف] وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال:

كنّا إذا فَقَدْنا الرجلَ في الفجرِ والعِشاءِ أَسأْنا به الظنَّ.

رواه البزَّار والطبراني وابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

418 -

(4)[حسن لغيره] وعن رجل من النّخَع قال: سمعتُ أبا الدرداء رضي الله عنه حين حضرتْهُ الوفاة قال: أحدِّثُكم حديثاً سمعتُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"اعبُدِ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تَكُنْ تراه فإنه يراك، واعدُدْ نفسك في الموتى، وإياك ودعوةَ المظلوم، فإنها تُستجاب. ومَن استطاع منكم أنْ يشهَدَ الصلاتين: العِشاءَ والصبحَ ولو حَبْواً فليفعلْ".

رواه الطبراني في "الكبير"، وسمى الرجل المبهم جابراً، ولا يحضرُني حاله.

(2)

(1)

قلت: وأخرجه الحاكم أيضاً، وقال:

"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

(2)

لكن له شاهد يقويه، وانظر "الصحيحة"(1774).

ص: 297

419 -

(5)[حسن لغيره] وعن أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال:

صلّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبحَ فقال:

"أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا. قال:

"أَشاهِدٌ فلان؟ ". قالوا: لا. قال:

"إنَّ هاتين الصلاتين أثقلُ الصلواتِ على المنافقين، ولو تَعلمون ما فيهما لأتيتمُوهما ولو حَبْواً على الرُّكَب. . . " الحديث.

رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حِبّان في "صحيحيهما"، والحاكم.

وتقدم بتمامه في "كثرة الجماعة". [مضى قريباً 17 - باب].

420 -

(6)[صحيح لغيره] وعن سَمُرَةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن صلّى الصُّبحَ

(1)

فهو في ذِمَّة اللهِ".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

421 -

(7)[صحيح لغيره] ورواه أيضاً من حديث أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه. وزاد فيه:

"فلا تَخفِروا الله في عَهده، فمَن قَتَلَهُ طَلَبَة اللهُ حتى يَكُبَّه في النَّارِ على وَجهه".

رواه مسلم من حديث جندب، وتقدَّم في " [13 - باب] الصلوات الخمس".

(يُقال:)(أخفرْتُ الرجل) بالخاء المعجمة؛ إذا نقضت عهده.

(1)

في الأصل والمخطوطة زيادة "في جماعة" فحذفتُها لأنها ليست عند ابن ماجه، ولا عند أحمد (5/ 10) أيضاً والطبراني (7/ 266 - 267)، وغفل عنها الغافلون الثلاثة -كعادتهم- فأثبتوها! وزاد الطبراني:"فلا تخفروا الله تبارك وتعالى في ذمّته". أخرجاه كابن ماجه من طريق الحسن عن سمرة، وكذلك ليست هي في حديث أبي بكر الصديق ولا في حديث جندب اللذين بعده.

ص: 298

422 -

(8)[صحيح موقوف] ورُوي عن مِيثَمٍ

(1)

-رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- قال: بلغني:

أنَّ الملَك يغدو برايتِه مع أولِ مَن يغدو إلى المسجدِ، فلا يزال بها معه حتى يَرجعَ فيدخلَ بها منزلَه، وأنَّ الشيطانَ يَغدو برايتِه إلى السوقِ مع أوّل من يغدو، فلا يزال بها معه حتى يرجعَ فَيُدخِلَها منزلَه.

رواه ابن أبي عاصم وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" وغيرها.

(2)

423 -

(9)[صحيح موقوف] وعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة:

أنَّ

(3)

عُمَرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه فَقَدَ سليمانَ بن أبي حَثْمة في صلاةِ الصبح، وأنّ عُمرَ غدا إلى السوق، ومَسكنُ سليمان بين المسجد والسوق، فَمَرَّ على الشِّفاءِ أمَّ سليمان، فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح! فقالت: إنّه باتَ يصلّي، فغلبتْه عيناه! قال عمر:

لأَنْ أشهدَ صلاةَ الصبحِ في جماعةٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أقومَ ليلةً.

رواه مالك.

424 -

(10)[صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن مشى في ظُلْمةِ الليلِ إلى المساجد. لَقِيَ اللهَ عز وجل بنورٍ يومَ القيامةِ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، ولابن حبان في "صحيحه" نحوه.

(1)

بكسر الميم وفتح المثلثة كما في "الأنساب" وغيره، وفي طبعة عمارة:(مَيْتَم) بفتح الميم والمثناة من فوق، وهو خطأ.

(2)

قلت: ابن أبي عاصم في "الوحدان"(5/ 183/ 2715)، وعنه أبو نعيم في "المعرفة"(2/ 213/ 2)، وهو موقوف صحيح السند، كما قال الحافظ في "الإصابة"، فلا أدري لماذا أشار المؤلّف إلى تضعيفه.

(3)

في الأصل وغيره: "عن"، والتصويب من "الموطّأ"(152).

ص: 299

425 -

(11)[صحيح لغيره] وعن سهل بنِ سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بَشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنور التامِّ يومَ القيامةِ".

رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم -واللفظ له- وقال:

"صحيح على شرط الشيخين". وتقدم مع غيره [9 - باب].

ص: 300

‌20 - (الترهيب مِن ترك حضور الجماعة لغير عذر).

426 -

(1)[صحيح] وعنه [يعني ابن عباس رضي الله عنهما]؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن سَمعَ النداءَ فلم يُجِبْ؛ فلا صلاةَ له إلا مِن عُذرٍ".

رواه القاسم بن أصبغ في كتابه، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال:"صحيح على شرطهما".

427 -

(2)[حسن صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما مِنْ ثلاثة في قريةٍ ولا بَدْوٍ، لا تُقام فيهم الصلاةُ؛ إلاّ قد استَحْوَذَ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة؛ فإنّما يأْكلُ الذئبُ مِن الغنمِ القاصيةَ".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم.

[صحيح] وتقدم [16 - باب] حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه:

"ولو أنكم صليتم في بيوتِكم، كما يُصلي هذا المتخلِّفُ في بيتِه لَتَركتم سُنَّةَ نبيكم، ولو تركتم سُنَّةَ نبيكم لضللتم" الحديث.

رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.

428 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لقد هَمَمْتُ أنْ آمرَ فِتيَتي فَيَجمعوا لي حُزَماً من حَطبٍ، ثُم آتي قَوماً يصلون في بيوتِهم، ليست بهم علة؛ فأُحَرِّقَها عليهم".

فقيل ليزيد -هو ابن الأصم-: الجمعة عنى أو غيرها؟ قال: صُمَّت أذناي إن لم أكن سمعتُ أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما ذكر

(1)

جمعةً ولا غيرها.

(1)

الأصل وغيره: "ولمْ يذكر"، وما أثبته من "أبي داود".

ص: 301

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي مختصراً.

(1)

429 -

(4)[حسن صحيح] وعن عَمرو بن أمِّ مَكتومٍ رضي الله عنه قال:

قلتُ: يا رسولَ اللهِ! أنا ضريرٌ شاسعُ الدارِ، ولي قائدٌ لا يلايِمُني، فهل تجدُ لي رخصةً أنْ أُصَليَ في بيتي؟ قال:

"تسمعُ النداءَ؟ ". قال: نعم، قال:

"ما أجدُ لكَ رخصةً".

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم.

[حسن صحيح] وفي رواية لأحمد عنه أيضاً:

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المسجدَ، فرأى في القوم رِقَّةً

(2)

، فقال:

"إنّي لأهُمُّ أنْ أجعلَ للناسِ إماماً، ثم أَخرجَ، فلا أقْدِرُ على إنسانٍ يتخلّف عن الصلاة في بيته إلا أحرقْتُه عليه".

فقال ابنُ أمِّ مكتومٍ: يا رسولَ اللهِ! إنّ بيني وبين المسجدِ نخلاً وشجراً، ولا أقدِرُ على قائدٍ كل ساعةٍ، أَيَسَعُني أنْ أُصلِّيَ في بيتي؟ قال:

"أَتَسمعُ الإقامةَ؟ ". قال: نعمْ. قال:

"فائتها".

وإسناد هذه جيّد.

(3)

(1)

قلت: وكذلك رواه الآخرون مختصراً، غير أبي داود؛ فإن السياق له، فكنتُ أودُّ أنْ ينبَّه المؤلف عليه، كما هي غالب عادته، لا سيما وليس عند غيره:"ليست بهم علة". وفي صحتها نظر عندي بينته في "صحيح أبي داود"(558).

(2)

أي: قِلَّة. في "اللسان": "وفي ماله رَقَق، ورقَّة: أي: قلَّة".

(3)

قلت: نعمْ، لكن قوله:"الإقامة" منكر لأَسباب، منها: أنه لا يمكن لمن كان شاسع الدار أن يسمعها عادة، والمحفوظ "النداء" كما في الروايات الأخرى منها ما قبلها، والتي بعدها. وبيانه في "التعليق الرغيب".

ص: 302

قوله: (شاسع الدار) هو بالشين المعجمة أولاً، والسين والعين المهملتين بعد الألف.

أي: بعيد الدار.

وقولُه: (لا يلايِمُني) أي: لا يوافقُني. وفي نسخ أبي داود: "لا يلاومني" بالواو، وليس بصواب. قاله الخطابيُّ وغيره.

قال الحافظ أبو بكر بن المنذر:

"رُوِّينا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّهم قالوا: "منْ سمع النداء ثم لمْ يجب مِن غير عذر؛ فلا صلاة له"، منهم ابن مسعود وأبو موسى الأشعري، وقد رُوي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

؛ وممن كان يرى أنّ حضور الجماعات فرض: عطاء وأحمد بن حنبل وأبو ثَوْر. وقال الشافعي رضي الله عنه: لا أرخّص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلاّ من عذر" انتهى.

وقال الخطابي بعد ذِكْر حديث ابن أم مكتوم:

"وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندباً لكان أولى مَن يسعه التخلفُ عنها أهلُ الضرورة والضعف؛ ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم، وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر وبالقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة. وقال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات" انتهى

(2)

.

430 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى، فقال: يا رسولَ الله! ليس لي قائدٌ يقودُني

(1)

قلت: يشير إلى حديث ابن عباس المتقدم أول الباب.

(2)

أي: كلام الخطابي، وهو في "المعالم"(2/ 291 - 292)، وله فيه تتمّة، تعمّد المؤلف عدم ذكرها لضعفها من حيث الدليل.

ص: 303

إلى المسجدِ، فسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُرَخِّصَ له فيصلّي في بيته، فرخَّصَ له، فلما ولَّى، دعاه، فقال:

"هلْ تَسمعُ النداءَ بالصلاةِ؟ ".

فقال: نعمْ. قال:

"فأجِبْ".

رواه مسلم والنسائي وغيرهما.

431 -

(6)[صحيح موقوف] وعن أبي الشعثاءِ المحاربيّ قال:

كنّا قعوداً في المسجدِ، فأذَّن المؤذنُ، فقام رجل من المسجدِ يَمشي، فأتْبعه أبو هريرةَ بَصَرَه حتّى خرج من المسجدِ، فقال أبو هريرة:

أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.

رواه مسلم وغيره. وتقدّم. [قلت: في "الضعيف" 5/ 4].

432 -

(7)[صحيح] وعنه [يعني ابن عباس رضى الله عنهما] أيضاً قال:

مَنْ سَمعَ "حيَّ على الفلاح" فلم يُجِبْ؛ فقد ترك سُنَّةَ محمَّدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن

(1)

.

433 -

(8)[صحيح لغيره] وعن أسامة بنِ زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لَيَنْتَهِيَنَّ رجالٌ عن تركِ الجماعةِ، أو لأُحَرِّقَن بيوتَهم".

رواه ابن ماجه من رواية الزِبْرِقان بن عَمروٍ الضَّمري عن أسامة، ولم يسمع منه.

(1)

قلت: بل هو صحيح؛ لأن رجاله في "الأوسط"(8/ 476/ 7986) ثقات رجال مسلم؛ غير (موسى بن هارون) شيخ الطبراني، وهو ثقة حافظ.

ص: 304

434 -

(9)[حسن صحيح] وعن أبي بُردةَ

(1)

عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن سَمعَ النداءَ فارغاً صحيحاً فلم يُجب؛ فلا صَلاةَ له".

رواه الحاكم من رواية أبي بكر بن عيّاش عن أبي حُصين عن أبي بُردة

(2)

. وقال:

"صحيح الإسناد".

(قال الحافظ) رضي الله عنه: "الصحيح وقفه".

(3)

(1)

في الأصل في الموضعين: "ابن بريدة"، وكذا في طبعة عمارة والمخطوطة! والصواب ما أثبتناه، والتصحيح من "المستدرك" وغيره، وأبوه هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فالحديث من مسنده، وليس من مسند بريدة، وهو ابن الحصيب. وغفل عن هذا المغفلون الثلاثة، فأثبتوا الخطأ رغم أنني كنت نبهت عليه في الطبعة السابقة، وقد ساعدتهم على تصحيح بعض الأخطاء، وقد يصرحون بذلك أحياناً!

(2)

في الأصل في الموضعين: "ابن بريدة"، وكذا في طبعة عمارة والمخطوطة! والصواب ما أثبتناه، والتصحيح من "المستدرك" وغيره، وأبوه هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فالحديث من مسنده، وليس من مسند بريدة، وهو ابن الحصيب. وغفل عن هذا المغفلون الثلاثة، فأثبتوا الخطأ رغم أنني كنت نبهت عليه في الطبعة السابقة، وقد ساعدتهم على تصحيح بعض الأخطاء، وقد يصرحون بذلك أحياناً!

(3)

قلتُ: لا وجه لهذا التصحيح، فقد تابع (أبا بكر بن عياش) مسعرٌ وغيره كما تراه في "الإرواء" (2/ 338)؛ رووْه ثلاثتهم عن أبي حصين به مرفوعاً. ويشهد له حديث ابن عباس المتقدم أول الباب. ومن جهل الثلاثة قولهم في تخريج الحديث (1/ 354):"صحيح موقوفاً، رواه الحاكم (1/ 246) ". ولا يخفى فساده على المبتدئ في هذا العلم.

ص: 305

‌21 - (الترغيب في صلاة النافلة في البيوت).

435 -

(1)[صحيح] عن ابن عمرَ رضي الله عنهما؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"اجعلوا من صلاتِكم

(1)

في بيوتِكم، ولا تَتَّخِذوها قبوراً

(2)

".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

436 -

(2)[صحيح] وعن جابرٍ -هو ابنُ عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا قضى أحدُكم الصلاة في مسجدِه فليجعل لبيته نصيباً مِن صلاتِه، فإنّ الله جاعلٌ في بيتِه مِن صلاتِه خيراً".

رواه مسلم وغيره.

437 -

(3)[صحيح] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث أبي سعيد

(3)

.

438 -

(4)[صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَثَلُ البيتِ الذي يُذكرُ اللهُ فيه، والبيتِ الذي لا يُذكر اللهُ فيه، مَثَلُ الحيِّ والميِّتِ".

رواه البخاري ومسلم.

(4)

(1)

أي: بعض صلاتكم، وهي صلاة النافلة، أي: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، صلّوا فيها، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة.

(2)

هذا من التشبيه البليغ البديع بحذف أداة التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البيت الذي لا يصلّى فيه بالقبر الذي لا يتمكّن الميّت من العبادة فيه عادة. والله أعلم.

قلت: والحديث أخرجه ابن خزيمة أيضاً (1205)، وقال:

"وفيه دليل على الزجر عن الصلاة في المقابر".

(3)

أخرجه (2/ 212/ 1206) من طريق جابر عن أبي سعيد. وكذا رواه ابن ماجه وأحمد، وهو مخرَّج في "الصحيحة"(1392).

(4)

إنما رواه بهذا اللفظ مسلم دون البخاري، فكان يتعين الاقتصار على عزوه إليه فقط، إذ =

ص: 306

439 -

(5)[صحيح] وعن عبد الله بن سعد

(1)

رضي الله عنه قال:

سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أيّما أفضلُ؟ الصلاةُ في بيتي، أو الصلاةُ في المسجد؟ قال:

"أَلا ترى إلى بيتي ما أقرَبه من المسجد! فَلأَنْ أصليَ في بَيتي أحبُّ إليَّ مِن أنْ أصليَ في المسجدِ، إلاَّ أنْ تَكونَ صلاةً مكتوبةً".

رواه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه".

440 -

(6)[صحيح] وعن زيدِ بنِ ثابتٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"صلّوا أيّها الناسُ في بيوتِكم؛ فإنّ أفضَلَ صلاةِ المرءِ في بَيتِهِ؛ إلا الصلاةَ المكتوبةَ".

رواه النسائي بإسناد جيِّد، وابن خزيمة في "صحيحه".

(2)

441 -

(7)[صحيح موقوف] وعن رجل مِن أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم -أراه رفَعَه

(3)

- قال:

فضلُ صلاةِ الرجلِ في بيتِه، على صلاتِه حيثُ يراه الناسُ؛ كفضلِ الفريضةِ على التطوّعِ.

رواه البيهقي، وإسناده جيد إن شاء الله تعالى.

= لفظ البخاري: "مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه" من غير ذكر البيت، وهو مذكور على الصواب مفضلاً في "كتاب الذكْر" من هذا الكتاب، كذا في العُجالة (67).

(1)

الأصل والمخطوطة ومطبوعة عمارة: "مسعود"، والتصويب من مخرِّجه، وهو الأنصاري الحرامي. ثم رأيتُ الناجي نبّه على هذا الوهم، وتعجّب من وقوعه من المؤلف، وذكر شيئاً من ترجمة ابن سعد (67).

(2)

لقد أبعد المصنف النجعة! فالحديث في البخاري بهذا اللفظ، وفي مسلم قريب منه، وفي لفظ لأبي داود:"صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة". وسنده صحيح. ثم رأيت الناجي قد نبّه على هذا الوهم أيضاً (68).

(3)

هذه الجملة ليست في "شعب الإيمان" للبيهقي، فلعلها من المؤلف. انظر "الصحيحة"(3149).

ص: 307

‌22 - (الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة).

442 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يزالُ أحدُكم في صلاةٍ ما دامتِ الصلاةُ تَحبِسُهُ، لا يَمنعُه أنْ يَنقلبَ إلى أهلِه إلاّ الصلاة".

رواه البخاري في أثناء حديث، ومسلم، وللبخاري:

"إنَّ أحَدكم في صلاةٍ ما دامتِ الصلاةُ تَحبِسُهُ، والملائكةُ تقول: اللهمّ اغفرْ له، اللهم ارحمْه، ما لم يَقُمْ مِن مصلاّه، أو يُحدِثْ".

(1)

وفي رواية لمسلم وأبي داود قال:

"لا يزالُ العبدُ في صلاةٍ ما كان في مصلاَّه ينتظرُ الصلاةَ، والملائكةُ تقول: اللهمُّ اغفرْ له، اللهم ارحَمْهُ، حتى يَنصرفَ أو يُحدِثَ".

قيل: وما (يُحدِثَ)؟ قال:

"يفسو أو يضرط".

ورواه مالك موقوفاً

(2)

عن نَعيم بنِ عبدِ الله المُجْمِر؛ أنَّه سمع أبا هريرة يقول:

"إذا صلّى أحدُكم ثم جَلَسَ في مصلاّه، لم تَزَلِ الملائكَةُ تُصلي عليه: اللهم اغفرْ له، اللهم ارحَمْهُ، فإنْ قامَ مِن مصلاَّه فجلسَ في المسجدِ ينتظر الصلاة؛ لم يزل في صلاةٍ حتى يُصَليَ".

443 -

(2)[صحيح] وعن أنسِ رضي الله عنه:

أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ ليلةٌ صلاةَ العِشاءِ إلى شَطْرِ الليلِ، ثمّ أقبلَ

(1)

تقدَّم بنحوه في الحديث (297).

(2)

هذا يؤيد الاستدراك الذي كنتُ نقلتُه عن الحافظ الناجي فيما تقدَّم (9 - باب)، فراجعه.

ص: 308

بوجْهِهِ بعد ما صلَّى، فقال:

"صلَّى الناس ورَقَدوا، ولمْ تَزالوا في صلاةٍ منذُ انتظرتُموها".

رواه البخاري.

444 -

(3)[صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه:

أنَّ هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نزلتْ في انتظار الصلاةِ التي تُدْعى العَتَمَة.

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب".

445 -

(4)[صحيح] وعن عبدِ الله بن عَمروٍ

(1)

رضي الله عنهما قال:

صلينا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المغربَ، فرجَع مَنْ رَجَعَ، وعَقَّب مَن عَقَّب

(2)

، فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُسرعاً قد حَفَزَه النّفَسُ، قد حَسَرَ عن رُكبتَيه، قال:

"أبشِروا، هذا ربُّكم قدْ فتح باباً من أبوابِ السماءِ، يباهي بكم الملائكةَ، يقول: انظُروا إلى عبادي، قد قَضَوْا فريضةً، وهم ينتظرون أخرى".

رواه ابن ماجه عن أبي أيوب عنه. ورواته ثقات، وأبو أيوب هو المَراغي العَتَكي ثقة، ما أراه سمع عبد الله، والله أعلم.

(3)

(حفزه النَّفَس) هو بفتح الحاء المهملة والفاء وبعدهما زاي، أي: شاقَّه وتَعَّبه من شدة سعيه.

و (حَسَر) هو بفتح الحاء والسين المهملتين، أي: كشف عن ركبتيه.

(1)

الأصل والمخطوطة ومطبوعة عمارة: "عُمر"، والتصويب من ابن ماجه.

(2)

أي: تأخَّر من تأخَّر.

(3)

قلت: بل الحديث سنده صحيح كما قال البوصيري في "الزوائد" على ما نقله السِّندي، وإعلاله بالانقطاع لا وجه له عندي؛ لأن أبا أيوب هذا قد أدرك ابن عمروٍ، ولم يُعرَف بتدليس، فروايته ينبغي حملها على الاتصال، كما هو مذهب الجمهور، ولذلك أخرجته في "الصحيحة"(661). والله أعلم.

ص: 309

446 -

(5)[حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"وصلاة في أَثَرِ صلاةٍ، لا لغوٌ بينهما، كتابٌ في عِليِّين".

رواه أبو داود، وتقدّم بتمامه. [9 - باب].

447 -

(6)[صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا أدُلُّكم على ما يَمحو اللهُ به الخَطايا، ويُكَفِّر به الذنوب؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله! قال:

"إسباغُ الوُضوء على المكروهاتِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكمُ الرِّباط".

رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى 9 - باب].

448 -

(7)[صحيح] ورواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، وتقدم [هناك].

449 -

(8)[صحيح] وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إسباغُ الوُضوءِ في المكاره، وإعمالُ الأقدام إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاة؛ يغسل الخَطايا غسلاً".

رواه أبو يعلى والبزّار بإسناد صحيح، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم". [مضى 4 - الطهارة/ 7].

450 -

(9)[حسن] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مُنتظرُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، كفارسٍ اشتَدَّ به فرسُه في سبيل الله على كَشْحِهِ

(1)

، وهو في الرِّباط الأكبر".

(1)

(الكاشح): العدوّ الذي يضمر عداوته، ويطوي عليها كشْحه، أي: باطنه.

ص: 310

رواه أحمد والطبراني في "الأوسط"، وإسناد أحمد صالح.

451 -

(10)[صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أتَاني الليلةَ ربي

(1)

، (وفي رواية):

رأيتُ ربّي في أحسنِ صورةٍ، فقال لي: يا محمَّدُ! قلت: لبَّيْك ربِّ وسعدَيْكَ! قال: هل تَدري فيمَ يختصم الملأُ الأعلى؟ قلت: لا أَعلم، فوضع يده بين كَتِفيَّ حتى وجدتُ بَرْدَهَا بين ثَدْيَيَّ -أو قال: في نَحري- فعلمتُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ

(2)

-أو قال: ما بين المشرقِ والمغربِ- قال: يا محمد! أتدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلتُ: نَعَم، في الدرجاتِ والكفارات، ونقلِ الَأقدامِ إلى الجماعاتِ، وإسباغِ الوضوءِ في السَّبَرات، وانتظار الصلاةِ بعد الصلاة، ومَن حافظَ عليهن عاشَ بِخير، ومات بخير، وكان مِن ذنوبه كيومَ ولدتْه أَمه" الحديث.

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، وتقدّمَ بتمامه [16 - باب].

452 -

(11)[حسن صحيح] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا أدلُّكم على ما يُكَفِّرُ اللهُ به الخطايا، ويزيدُ به في الحسناتِ؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله! قال:

"إسباغُ الوُضوءِ أو الطُّهورِ في المكاره، وكثرةُ الخُطا إلى [هذا]

(3)

المسجد، والصلاةُ بعد الصلاةِ، وما مِن أحدٍ يَخرج من بيتِه مُتطَهِّراً حتى يأتيَ المسجدَ فيصلي فيه مع المسلمين أو مع الإمام، ثم ينتظرُ الصلاةَ التي بعدها؛

(1)

انظر التعليق المتقدم في "4/ 7 - الترغيب في الوضوء وإسباغه".

(2)

أي: مِن عجائب آيات ربه الكبرى. وانظر التعليق المتقدم تحت الحديث نفسه المتقدم في (16 - باب).

(3)

زيادة من "ابن حبان"(417 - موارد).

ص: 311

إلا قالت الملائكةُ: اللهم اغفر له، اللهم ارحمْه" الحديث.

رواه ابن ماجه وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والدارمي في "مسنده". [مضى 4 - الطهارة/ 7].

453 -

(12)[حسن لغيره] وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:

"ثلاثٌ كفاراتٌ، وثلاثٌ درجاتٌ، وثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ مهلكاتٌ؛ فأمَّا الكفاراتُ: فإسباغُ الوضوء في السَّبَرات، وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ، ونقْلُ الأقدام إلى الجماعاتِ.

وأَمّا الدرجاتُ: فإطعام الطعام، وإفشاءُ السلامِ، والصلاةُ بالليل والناس نيام.

وأَمّا المنجياتُ: فالعدلُ في الغضب والرضا، والقَصْدُ في الفقر والغنى، وخشيةُ الله في السرّ والعلانية.

وأمّا المهلكاتُ: فَشُحٌّ مطاع، وهوىً متَّبع، إعجابُ المرءِ بنفسه".

رواه البزاّر -واللفظ له-، والبيهقي وغيرهما. وهو مروي عن جماعة من الصحابة، وأسانيدُه وإن كان لا يَسلم شيء منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى.

(السَّبَرات) جمع سَبْرة، وهي شدة البرد.

(1)

454 -

(13)[صحيح] وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنّه قال:

"القاعدُ على الصلاةِ كالقانِتِ، ويُكتبُ من المصلين، من حينِ يخرجُ من بيته حتى يَرجعَ إليه".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

(1)

انظر التعليق تحت الحديث المتقدم (16 - باب).

ص: 312

ورواه أحمد وغيره أطول منه؛ إلاّ أنّه قال:

"والقاعدُ يرعَى الصلاةَ كالقانتِ".

وتقدَّم بتمامه في المشي إلى المساجد [9 - باب].

قوله: (القاعد على الصلاة كالقانت) أي: أجره كأجر المصلّي قائماً، ما دام قاعداً ينتظر الصلاة، لأنّ المراد بالقُنوت هنا: القيام بالصلاة.

455 -

(14)[حسن لغيره] وعن امرأة من المبايِعاتِ رضي الله عنها؛ أنها قالت:

جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابُه مِن بني سَلِمَة، فَقَرَّبْنا إليه طعاماً، فأكل، ثمّ قَرَّبنا إليهِ وَضوءاً، فتوضَأ، ثم أقبلَ على أصحابِه فقال:

"ألا أخبرُكم بمكفِّراتِ الخطايا؟ ".

قالوا: بلى. قال:

"إسباغُ الوضوء على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاةِ".

رواه أحمد، وفيه رجل لم يُسمَّ، وبقية إسناده محتجّ بهم في "الصحيح".

ص: 313

‌23 - (الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر).

456 -

(1)[صحيح] عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن صلى البَرْدَين

(1)

دخل الجنّةَ".

رواه البخاري ومسلم.

(البَرْدان): هما الصبح والعصر.

457 -

(2)[صحيح] وعن أبي زُهيرٍ

(2)

عُمارَةَ بنِ رُوَيبة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لنْ يَلجَ

(3)

النارَ أحدٌ صلَّى قَبلَ طلوعِ الشمسِ، وقبل غروبها. يعني الفجرَ والعصرَ".

رواه مسلم.

458 -

(3)[حسن] وعن أبي مالكٍ الأشجعي عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن صلّى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ، وحسابُه على الله".

(1)

تثنية (بَرْد) بفتح الباء الموحدة وسكون الراء: هما الصبح والعصر كما قال المصنف رحمه الله تعالى، وسُميَّا بذلك لأنهما يفعلان في وقت البرد. وقال الخطابي: "لأنهما يصلّيان في بردي النهار، وهما طرفاه حين يطيب الهواء، وتذهب سَورة الحر. والله أعلم.

(2)

الأصل: "زهيرة"، وكذا في طبعة عمارة، وهو خطأ، والتصويب من المخطوطة وكتب الرجال.

(3)

أي: يدخل، من (الوُلوج): الدخول.

قلت: أي: دخول عذاب، وإلا فمطلق الدخول لابد منه لعموم الناس، لقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا. .} أي: داخلها، على القول الراجح في تفسيرها. انظر مقدِّمتي لكتاب "الآيات البيِّنات في عدم سماع الأموات؛ عند الحنفية السادات" للشيخ نعمان الألوسي، وهو مطبوع.

ص: 314

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورواته رواة الصحيح؛ إلا الهيثم بن يمان، وتُكُلِّمَ فيه

(1)

، وللحديث شواهد.

(أبو مالك) هو سعد بن طارق.

459 -

(4)[صحيح] وعن جُندَبِ بن عبدِ الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ الله، فلا يطلُبَنَّكُمُ اللهُ مِن ذِمَّتهِ بشيء؛ فإنّه من يَطْلُبْه من ذِمّته بشيء يُدركْهُ، ثمَّ يَكُبُّه على وجهه في نارِ جَهَنَّم".

رواه مسلم وغيره. [مضى 13 - باب].

460 -

(5)[صحيح] وعن أبي بَصْرَةَ الغِفَاريِّ رضي الله عنه قال:

صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصرَ بـ (المَخْمِصِ) وقال:

"إنّ هذه الصلاةَ عُرضَتْ على مَن كان قَبلكم فضيَّعوها، فمَن حافظ عليها كان له أجرُه مَرّتين" الحديث.

رواه مسلم والنسائي.

(المخمص): بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والميم جميعاً، وقيل: بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها، وفي آخره صاد مهملة: اسم طريق.

(2)

461 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أبي بكرٍ

(3)

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

قلت: لم يتكلم فيه إلا الأزدي، وهو نفسه متكلَّم فيه وفي تجريحه، وقد خالفه إمام الجرح والتعديل أبو حاتم فقال فيه:"صالح"، فالحديث حسن الإسناد إن شاء الله تعالى.

(2)

أي: في جبل (عَير) إلى مكة. كما في "معجم البلدان"، وقيّده بالضبط الثاني، كـ (مَنْزل)، وبه صرّح في "القاموس"، وبالضبط الأوّل قُيِّدَ في "مسلم"، وقيل غير ذلك.

(3)

الأصل (أبي بَكرة) والتصويب من "المخطوطة"، و"سنن ابن ماجه"، و"العجالة"(69).

لكنْ ذكره الهيثمي في "المجمع"(1/ 296 - 297) من حديث أبي بكرة بلفظين المذكور أحدهما. فإنْ صحّ هذا فيكون المؤلف قد خلط بين حديث أبي بكر، وحديث أبي بكرة. ومسند (أبي بكرة) =

ص: 315

"مَن صلَّى الصبحَ في جماعةِ فهو في ذِمَّةِ الله، فمَن أخفر

(1)

ذمّةَ اللهِ كَبَّه الله في النارِ لوجهه".

رواه ابن ماجه، والطبراني في "الكبير" واللفظ له، ورجال إسناده رجال "الصحيح".

(2)

462 -

(7)[صحيح لغيره] وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّة الله تبارك وتعالى، فلا تُخفِروا اللهَ تبارك وتعالى في ذِمَّتِهِ، فإنَّه مَن أخفَر ذِمَّتَه طَلَبَهُ الله تبارك وتعالى، حتى يَكُبَّه على وجهه".

رواه أحمد والبزّار. ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بنحوه: (وفي أوله قصة):

وهو أنَّ الحجاج أمر سالم بن عبد الله بقتل رجل، فقال له سالم: أصليتَ الصبح؟ فقال الرجل: نعم. قال: فانطلقْ! فقال له الحجَّاج: ما منعك مِن قتله؟

فقال سالم: حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن صلَّى الصبحَ كان في جِوار الله يومَه".

فكرهتُ أنْ أقتلَ رجلاً قدْ أجارهَ الله. فقال الحجَّاج لابن عمر: أنتَ سمعت هذا من رسول الله؟ فقال ابن عمر: نعمْ.

= واسمه (نفيع بن الحارث الثقفي) مما لم يطبع من "المعجم الكبير" للطبراني، فلم نستطع متابعة التحقيق في الخلاف المذكور. ولفظ ابن ماجه تقدم (5/ 9). وقد أقرَّ الخلط المذكور المعلقون الثلاثة، مع أنهم نقلوا عن الهيثمي قوله في رواية الطبراني:"ورجاله رجال الصحيح".!!

(1)

يقال: (أخفرت الرجل): نقضتُ عهده وذمامه، والهمزة فيه للإزالة، أي: أزلت خفارته، أي: عهده وذمامه، والله أعلم.

(2)

كذا، ولعل هذا بالنظر إلى سند الطبراني، وإلا ففي سند ابن ماجه حابس بن سعد، ولمْ يخرج له من الستة إلا ابن ماجه. وقيل: إن له صحبة، ورجح الحافظ أن لا صحبة له. ولم أجد الحديث عندَ الطبراني في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لكن يشهد له حديث جندب الذي قبله.

ص: 316

(قال الحافظ): "وفي الأولى ابن لَهيعة، وفي الثانية يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني".

463 -

(8)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنَّهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجر، وصلاةِ العصر، ثم يَعرُجُ الذين باتوا فيكم، فيسألُهم ربُّهم -وهو أعلمَ بهم-: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون".

رواه البخاري ومسلم والنَّسائي [ومضى 13 - باب]، وابن خُزيمة في "صحيحه"، ولفظه في إحدى رواياته: قال:

"تجتمع ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار، في صلاة الفجرِ، وصلاةِ العصر، فيجتمعون في صلاةِ الفجر، فتصعَد ملائكةُ الليل، وتَثبُتُ ملائكةُ النهار، ويجتمعون في صلاةِ العصر، فتصعَد ملائكةُ النهار، وتثبُتُ ملائكةُ الليل، فيسألُهم ربُّهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون، فاغفرْ لهم يومَ الدين".

(1)

(1)

قلت: رواه أحمد أيضاً (2/ 396).

ص: 317

‌24 - (الترغيب في جلوس المرء في مصلاّه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر).

464 -

(1)[حسن لغيره] عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن صلّى الصبحَ في جَماعة، ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تَطلُعَ الشمسُ، ثم صلّى ركعتين، كانتْ له كأجر حجةٍ وعُمرةٍ". قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تامةٍ تامة تامة".

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن غريب".

465 -

(2)[حسن] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لأَنْ أقعدَ مع قوم يذكرون الله، مِن صلاةِ الغداةِ حتّى تطلعَ الشمسُ؛ أحبُّ إليّ من أن أُعتِقَ أَربعةً من وَلَد إسماعيل، ولأنْ أقعدَ مع قوم يذكُرون الله من صلاةِ العصر إلى أن تغرُبَ الشمسُ؛ أحبُّ إليّ من أنْ أعتقَ أربعةً".

رواه أبو داود.

(1)

466 -

(3)[حسن لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لأَن أقعدَ أذكُر الله تعالى، وأكبِّرُه، وأحمَدُه، وَأسبِّحه، وأُهلِّلُهُ، حتى تَطلَعَ الشمسُ؛ أحَبُّ إليَّ من أن أعتقَ رَقَبَتيْنِ [أو أكثر]

(2)

من ولد

(1)

هنا في الأصل: "وأبو يعلى، قال في الموضعين:

"أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، دية كل منهم اثنا عشر ألفاً".

ورواه ابن أبي الدنيا بالشطر الأول؛ إلا أنه قال:

"أحب إلي مما طلعت عليه الشمس"، وهو بهذا اللفظ منكر كما هو مبين في تخريج اللفظ الذي قبله في "الصحيحة"(2916).

(2)

زيادة من "المسند".

ص: 318

إسماعيل، ومِنْ

(1)

بعدِ العصرِ حتى تَغرُبَ الشمسُ؛ أَحبُّ إليَّ من أنْ أُعتقَ أربع [رقابٍ]

(2)

من ولد إسماعيل".

رواه أحمد بإسناد حسن.

467 -

(4)[حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"منَ صلّى صلاةَ الغداةِ في جماعةٍ، ثم جَلَسَ يذكرُ اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ، ثم قام فصلّى ركعتين؛ انقلب بأجرِ حَجةٍ وعُمرةٍ".

رواه الطبراني، وإسناده جيّد.

(3)

468 -

(5)[صحيح لغيره] وعن ابن عُمرَ رضي الله عنهما قال:. . . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن صلَّى الصبح، ثم جلس في مجلسِه حتى تُمكِنَه الصلاةُ، كان بمنزلة عُمرةٍ وحَجَّةٍ مُتَقَبِّلَتَيْن".

رواه الطبراني في "الأوسط"، رواته ثقات، إلا الفضل بن الموفَّق، ففيه كلام.

469 -

(6)[حسن لغيره] وعن عبد الله بن غابر؛ أن أبا أمامة وعُتبةَ بنَ عبدٍ حدثاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن صلَّى صلاةَ الصبح في جماعةٍ، ثم ثبتَ حتى يسبِّحَ للهِ سُبحةَ الضحى؛ كان له كأجرِ حاجٍّ ومعتمرٍ، تاماً له حجَّه وعمرته".

رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة.

(1)

الأصل: (ومن قعد)، والتصويب من "المسند".

(2)

زيادة من "المسند".

(3)

وكذا قال الهيثمي، وهو كما قالا، وبيانه في "الصحيحة"(3403).

ص: 319

470 -

(7)[حسن صحيح] ورواه [يعني حديث عمر الذي في "الضعيف"] البزَّار وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه.

(1)

471 -

(8)[صحيح] وعن جابرِ بنِ سمُرةَ رضي الله عنه قال:

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تَرَبَّعَ في مجلسِه حتى تطلُع الشمسُ حَسَناً.

(2)

رواه مسلم

(3)

وأبو داود والترمذي والنَّسائي،

(4)

وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال: عن سماك:

أنه سأل جابرَ بنَ سَمُرَةَ: كيفَ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبحَ؟ قال:

كان يقعدُ في مصلاّه إذا صلى الصبح حتى تطلُعَ الشمسُ.

(1)

قلت: وسيأتي لفظه في (6 - النوافل/16 - صلاة الضحى/ الحديث 6).

(2)

هو بفتح السين وبالتنوين، أي: طلوعاً حسناً، أي: مرتفعة.

(3)

قال الناجي (69): "لفظ مسلم: جلس في مصلاَّه إلى آخره". وهو كما قال. وزاد في رواية (2/ 132): "فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون ويأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسَّم"، وإنما رواه بلفظ:"التربُّع" أبو داود (1850)، وهو في "صحيحه" برقم (1171).

(4)

في الأصل هنا لفظ الطبراني، وفيه نكارة، ولذا أودعناه في "الضعيف".

ص: 320

‌25 - (الترغيب في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح والعصر والمغرب).

472 -

(1)[حسن لغيره] عن أبي ذر رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من قالَ في دُبُرِ صلاةِ الفجر -وهو ثانٍ رجليه- قبل أنْ يتكلم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميتُ، وهو على كل شيء قدير -عشر مرات-)؛ كَتَبَ اللهُ له عشرَ حسناتٍ، ومحا عنه عشرَ سيئاتٍ، ورفع له عشرَ درجاتٍ، وكان يومه ذلك كلَّه في حِرزٍ من كلِّ مكروه، وحُرِسَ من الشيطان، ولم يَنْبَغِ لذنب أنْ يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله".

رواه الترمذي، واللفظ له، وقال:"حديث حسن غريب صحيح".

(1)

والنسائي، وزاد فيه:

"بيده الخير". وزاد فيه أيضاً:

"وكان له بكلِّ واحدةٍ قالها عتقُ رقبةٍ مؤمنةٍ".

[حسن لغيره] ورواه النسائي أيضاً من حديث معاذ

(2)

، وزاد فيه:

"ومن قالهن حين ينصرفُ من صلاة العصر؛ أعطيَ مثل ذلك في ليلته".

473 -

(2)[حسن لغيره] وعن عُمارةَ بنِ شبيب السَّبائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من قال: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير -عشر مرات-) على أثَرِ المغربِ؛ بعثَ اللهُ له مَسْلَحَةً يحفظونَه من الشيطانِ حتى يُصبحَ، وكَتب الله له بها عشرَ

(1)

قلت: كذا قال! وفيه شهر بن حوشب، وقد اضطرب في إسناده كثيراً، فمرة جعله: عن أبي ذر كما هنا،. وأخرى عن (معاذ) كما يأتي بعد حديثين، وثالثة، عن عبد الحمن بن غنم كما في آخر الباب، لكنه حسن شواهده كما قال الحافظ.

(2)

وهو الآتي بعد حديثين.

ص: 321

حسنات مُوجِباتٍ، ومحا عنه عشرَ سيئات مُوبِقاتٍ، وكانت له بِعَدْلِ عشر رَقَباتٍ مؤمناتٍ".

رواه النَّسائي، والترمذي وقال:

"حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، ولا نعرف لعُمارة سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم".

474 -

(3)[حسن صحيح] وعن أبي أيوبَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من قال إذا أصبح

(1)

: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير -عشر مرات-)، كتَبَ اللهُ له بِهِنَّ عشرَ حسناتِ، ومحا بِهِنَّ عشر سَيئاتٍ، ورفع له بِهِنَّ عَشرَ دَرَجات، وكُنَّ له عدلَ عِتاقَةِ أربَعِ رقابٍ، وكنَّ له حَرَساً حتى يُمسي، ومَن قالهن إذا صلَّى المغَرب دُبُرَ صَلاتِه؛ فمِثلُ ذلك حتى يُصبِحَ".

رواه أحمد والنسائي، وابن حِبَّان في "صحيحه"، وهذا لفظه.

[حسن صحيح] وفي رواية له:

(2)

"وكُنَّ له عِدْل عَشرِ رِقاب".

(العدل) بالكسرِ وفتحه لغة: هو المثل، وقال بعضهم:(العِدل) بالكسر: ما عادل الشيء من جنسه، وبالفتح: ما عادله من غير جنسه.

475 -

(4)[حسن لغيره] وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن قال حين ينصرفُ من صلاةِ الغداةِ: (لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، بيده الخَير، وهو على كلِّ شيء قدير) عشر مرات؛ أعطي بهنَّ سبعاً: كتب الله له بهن عَشْرَ حسناتٍ، ومحا عنه بهنَّ عشرَ

(1)

أي: إذا صلى الصبح، ففي حديث أبي هريرة:"بعدما يصلّي الغداة" عند الحسن بن عرفة والخطيب بسند صحيح، ويؤيده قوله الآتي في الحديث:". . . ومن قالهن إذا صلَّى المغرب. . ".

(2)

قلت: وهي في رواية لأحمد، وإسناه صحيح، كما في "الصحيحة"(2563).

ص: 322

سيئاتٍ، ورفع له بهن عشرَ درجاتٍ، وكُنَّ له عدْلَ عشر نسماتٍ، وكنَّ له حفظاً منَ الشيطان، وحِرزاً من المكروه، ولم يلحَقه في ذلك اليوم ذنبٌ إلا الشركُ بالله، ومَن قالهن حين ينصرفُ من صلاةِ المغربِ؛ أُعطِي مثلَ ذلك ليلته".

رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن، واللفظ له.

(1)

476 -

(5)[حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن قال دُبُرَ صلاةِ الغَداةِ: (لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير -مئةَ مرة-)، قَبل أنْ يَثنيَ رجليه؛ كان يومئذ من أفضل أهلِ الأرضِ عملاً، إلا مَن قال مثلَ ما قال، أو زاد على ما قال".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيد.

477 -

(6)[حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن غَنْمٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:

"من قال قَبل أنْ ينصرفَ ويَثنيَ رجلَيه من صلاةِ المغربِ والصبحِ: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملك، وله الحمدُ، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير -عشرَ مرات-)؛ كتب الله له بكل واحدةٍ عشرَ حسناتٍ، ومحا عنه عشرَ سيئات، ورَفَعَ له عشرَ درجاتٍ، وكانت حِرزاً من كل مكروه، وحِرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يَحِلَّ لذنبٍ أنْ يُدركه إلا الشركُ، وكان من أفضل الناس عَمَلاً، إلا رجلاً يَفضلُهُ، يقول أَفضلَ مما قال".

رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح"؛ غير شهر بن حوشب

(2)

، وعبد الرحمن بن غَنْم مختلف في صحبته.

وقد رُوي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.

(1)

أخرجه في "المعجم الكبير"(20/ 65/ 19)، وفي "الدعاء" أيضاً (2/ 1124/ 706). وفاته عزوه للنسائي في "السنن الكبرى"(6/ 37/ 9954)، وعن ابن السني في "اليوم والليلة"(49/ 137)، وفيه (شهر بن حوشب) كما تقدم بيانه في الحديث الأول.

(2)

قلت: وفيه ضعف من قِبَل حفظه، وقد اضطرب في إسناده ومتنه، كما تقدم، لكنه بهذا اللفظ حسن لغيره، يشهد له ما قبله.

ص: 323

‌26 - (الترهيب من فوات العصر بغير عذر).

478 -

(1)[صحيح] عن بُريدة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"من ترك صلاةَ العصر؛ فقد حَبَطَ عملُه".

(1)

رواه البخاري والنسائي.

479 -

(2)[صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من ترك صلاةَ العصر متعمِّداً فقد حبط عملُه".

رواه أحمد بإسناد صحيح.

480 -

(3)[صحيح] وعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"الذي تفوتُه صلاة العصر؛ فكأنما وُتِر أهلَه ومالَه".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وزاد في آخره:

"قال مالك: تفسيره: ذهاب الوقت".

(1)

أيَ: بطل عمله، وحمله الدُّميري على المستحِلَ، أو من تعوّد الترك، أو على حبوط الأجر. ذكره المناوي، والأخير هو الظاهر. وقال السندي:

"قيل: أريد به تعظيم المعصية لا حقيقة اللفظ، ويكون من مجاز التشبيه. قلت: وهذا مبني على أنَّ العمل لا يحبط إلا بالكفر، لكن ظاهر قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية يفيد أنه قد يحبط ببعض المعاصي أيضاً. فيمكن أن يكون ترك العصر عمداً من جملة تلك المعاصي. والله أعلم".

ص: 324

481 -

(4)[صحيح] وعن نوفل بن معاويةَ رضي الله عنه؛ أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن فاتَتْه صلاةٌ

(1)

فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ".

[صحيح] وفي رواية: قال نوفل:

"صلاةٌ مَن فاتته فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ".

قال ابن عمر: قال رسول صلى الله عليه وسلم:

"هي العصرُ".

رواه النسائي.

(2)

(1)

في الأصل والمخطوطة وطبعة عمارة والمعلقين الثلاثة زيادة: "العصر" ولا أصل لها عند النسائي، وكذلك رواية ابن حبان كما سيأتي في الكتاب (40 - باب الترهيب من ترك الصلاة تعمداً. .). وهو من رواية عراك بن مالك: أنّ نوفل بن معاوية حدَّثه بالرواية الأولى، وتمامها: قال عراك: فأخبرني عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من فاتته صلاة العصر فكأنما. . " الحديث، فلو أنَّ المصنف ساقها بتمامها لما وقع منه الزيادة، ولا ستغنى بحديث ابن عمر.

(2)

ورواه الشيخان وغيرهما بلفظ: "مِنَ الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وُتِر أهلَه وماله". زاد الطيالسي عن أبي بكر بن عبد الرحمن: فذكرت ذلك لسالم، فقال: حدثني أبي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك صلاة العصر". وإسناده صحيح.

ص: 325

‌27 - (الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان، والترهيب منها عند عدمهما).

482 -

(1)[حسن صحيح] عن أبي علي المصري قال:

سافرنا مع عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهَني رضي الله عنه، فحضَرتْنا الصلاة، فأردْنا أنْ يَتَقَدَّمَنا، فقال: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن أمَّ قوماً، فإنْ أتمَّ؛ فله التمامُ، ولهم التمام، وإنْ لم يُتِمَّ؛ فلهم التمام، وعليه الإثم".

رواه أحمد -واللفظ له- وأبو داود وابن ماجه، والحاكم وصححه، وابن خزيمة وابن حِبّان في "صحيحيهما"، ولفظهما:

"مَن أمَّ الناسَ فأصاب الوقت، وأتمَّ الصلاةَ؛ فله ولهم، ومَن انْتَقَصَ من ذلك شيئاً؛ فعليه، ولا عليهم".

(قال الحافظ):

"هو عندهم من رواية عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي المصري، وعبد الرحمن يأتي الكلام عليه".

483 -

(2)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يُصلون لكم، فإنْ أصابوا فلكم

(1)

، وإنْ أخطأوا فلكم وعليهم".

(1)

زاد أحمد: "ولهم"، وهي في بعض نسخ البخاري، وعند أبي يعلى أيضاً في "مسنده"(5843) من طريق آخر عن أبي هريرة، وعنه ابن حبان (375)، وسنده حسن، وسكت عنه الحافظ في "الفتح"(2/ 187)، وبه قوى رواية البخاري التي قبل هذه، فإنه أعلها بـ (عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) منبهاً بقوله:"وفيه مقال، وقد ذكرنا له شاهداً عند ابن حبان". والزيادة منه.

ص: 326

[حسن صحيح] رواه البخاري وغيره.

وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

"سيأتي، أو سيكون أقوام يصلّون الصلاةَ؛ فإنْ أتموا فلكم [ولهم]، وإنِ انتَقصوا فعليهم، ولكم".

وفي الباب أحاديث "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن"، وغيرها، وتقدم في "الأذان"[هنا/ 1 - باب]

ص: 327

‌28 - (الترهيب من إِمامة الرجل القوم وهم له كارهون).

484 -

(1)[حسن لغيره] وعن طلحةَ بنِ عُبَيد

(1)

اللهِ:

أنه صلى بقوم، فلمّا انصرف قالَ: إنِّي نسيت أنْ أستأْمِرَكم قبل أنْ أتقدَّمَ، أرَضيتم بصلاتي؟ قالوا: نعم، ومَن يكره ذلك يا حَواريَّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"أيما رجلٍ أمَّ قوماً وهم له كارهون؛ لم تجاوِزْ صلاتُه أذنَيه".

رواه الطبراني في "الكبير" من رواية سليمان بن

(2)

أيوب، وهو الطلحي الكوفي، قيل فيه:"له مناكير".

485 -

(2)[صحيح لغيره] وعن عطاء بن دينار الهُذَلِي رضي الله عنه

(3)

؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاثةٌ لا يَقبلُ اللهُ منهم صلاةً، ولا تَصعَدُ إلى السماءِ، ولا تُجاوزُ رؤوسَهم: رجلٌ أمَّ قوماً وهم له كارهون، ورجل صلى على جنازةٍ ولم يؤمَر، وامرأة دعاها زوجُها من الليل فأبتْ عليه".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه" هكذا مرسلاً.

486 -

(3)[حسن صحيح] ورَوى له سنداً آخر إلى أنس يرفعه.

487 -

(4)[حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ثلاثةٌ لا تجاوزُ صلاتُهم آذانَهمْ: العبدُ الآبِقُ حتى يرجعَ، وامرأةٌ باتت وزوجُها عليها ساخط، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون".

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن غريب".

(1)

في الأصل ومطبوعة عمارة: "عبْد" مكبراً، وهو خطأ، وهو طلحة بِن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، استشهد يوم الجمل سنة (36)، وعند عمارة أيضاً زيادة:"رضي الله عنهما" وهذا خطأ آخر، فإن والد طلحة، لا ذكْر له في الصحابة.

(2)

الأصل: (أبي أيوب)، والتصحيح من "الطبراني"(1/ 74/ 210) وكتب الرجال، وقال الحافظ:"صدوق يخطئ". فإعلاله بأبيه وجده أولى؛ فإنهما مجهولان، لكن يشهد له ما بعده.

(3)

عطاء هذا تابعي صغير، فالتَّرضي عنه خلاف المصطلح عليه عند العلماء؛ كما سبق ذكره أكثر من مرة، فتنبه!

ص: 328

‌29 - (الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها، وفضل ميامنها.

. .).

488 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لو يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدوا إلا أنْ يَستَهِموا عليه، لاسْتَهموا".

رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم:

"لو تعلمون ما في الصف المُقَدَّم لكانت قُرْعَةً".

489 -

(2)[صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أولُها".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

ورُوي عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.

490 -

(3)[صحيح] وعن العِرباض بنِ ساريةَ رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المتقدِّمِ ثلاثاً، وللثاني مرة.

رواه ابن ماجه والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرطهما، ولم يخرجا للعرباض".

وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

ص: 329

"كان يصلي على الصف المقدَّم ثلاثاً، وعلى الثاني واحدةً".

ولفظ النسائي كابن حبان؛ إلا أنه قال:

"كان يصلي على الصف الأول مرتين".

(1)

491 -

(4)[حسن لغيره] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن اللهَ وملائكتَه يصلون على الصف الأوَّلِ".

قالوا: يا رسول الله! وعلى الثاني؟ قال:

"إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول".

قالوا: يا رسول الله! وعلى الثاني؟ قال:

"وعلى الثاني".

[صحيح] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سَوُّوا صفوفَكم، وحاذوا بين مناكبِكم، ولِينُوا في أيدي إخوانِكم، وسُدَّوا الخَلَلَ؛ فإن الشيطانَ يدخلُ فيما بينكم، بمنزلة الحَذَف". يعني أولاد الضأْنِ الصغارَ.

رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني وغيره.

(الحذف) بالحاء المهملة والذال المعجمة مفتوحتين وبعدهما فاء.

(2)

(1)

كذا قال، والذي في نسختنا من "النسائي" مثل رواية ابن حبان:"ثلاثاً"، فلعل ما ذكره المؤلف رواية في "السنن الكبرى" للنسائي. ثم طبعت هذه، فإذا هي على الصواب (ثلاثاً). وأما المعلقون الثلاثة فأوهموا العكس لجهلهم وعِيّهم!

(2)

في "القاموس": "و (الحذفَ). . غنم سود صغار حجازية أو جُرَشيَّة؛ بلا أذناب ولا آذان".

ص: 330

492 -

(5)[حسن] وعن النعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إن اللهَ وملائكتَه يُصلّون على الصفِ الأوَّل، أو الصفوف الأولى

(1)

".

رواه أحمد بإسناد جيد.

493 -

(6)[صحيح] وعن البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال:

كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحيةَ الصف، ويُسَوِّي بين صدورِ القوم ومناكبِهم، ويقول:

"لا تختلفوا فتختلفَ قلُوبُكم، إن الله وملائكتَه يصلون على الصف الأوَّلِ

(2)

".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(3)

494 -

(7)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سَوَّوا صفوفَكم؛ فإن تسويةَ الصفِّ من تمامِ الصلاةِ".

رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم. وفي رواية البخاري:

"فإن تسويةَ الصفوفِ من إقامةِ الصلاةِ".

[صحيح] ورواه أبو داود، ولفظه:

(1)

في الأصل والمخطوطة: "والصفوف الأوَل"، والتصحيح من "المسند"(4/ 269). وغفل عنه الثلاثة!

(2)

كذا الأصل والمخطوطة، والذي في "صحيح ابن خزيمة" (3/ 26/ 1557) وأبي داود "الصفوف الأُول". وفي رواية له (رقم 1552):"الصف الأول، أو الصفوف الأُوّل". وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(670)، وقد ذهل المصنف عنه.

(3)

قلت: ورواه أبو داود والنسائي وغيرهما كما سيأتي قريباً (30 - باب/ 2) و (32 - باب/ 6).

ص: 331

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"رُصّوا

(1)

صفوفَكم، وقاربوا بينها، وحاذُوا بالأعناقِ؛ فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطانَ يدخلُ من خَلَلِ الصفِّ كأنها الحَذَف".

رواه النسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" نحو رواية أبي داود.

(الخلل): بفتح الخاء المعجمة واللام أيضاً: هو ما يكون بين الاثنين من اتساعٍ عند عدم التراص.

495 -

(8)[صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"أقيموا الصفوفَ، وحاذُوا بين المناكبِ، وسُدُّوا الخَلَلَ، ولِينوا بأيدي إخوانكم، ولا تَذَرُوا فُرُجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله".

رواه أحمد وأبو داود، وعند النسائي وابن خزيمة آخره.

(2)

(الفرجات): جمع فُرجة، وهي المكان الخالي بين الاثنين.

(1)

من (الرص): يقال: رصّ البناء، يرصه رصاً: إذا ألصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} . ومعناه تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم ولا ينقطع.

قلت: وذلك بأن يلصق الرجل منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه، كما ثبت ذلك عن الصحابة وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فراجع له "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(32)، وحديث أنس بن مالك الآتي قريباً، ومثله حديث النعمان بن بشير الآتي (32 - باب/ 5).

وبهذه المناسبة أقول: فلا تغتر -أخي القارئ- بمن حاد عن هدي السلف في هذه المسألة، وزعم "أنها هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة"، فإنه تأول هذه النصوص العملية وعطلها، كما تأول علماء الكلام النصوص العلمية ودلالاتها على الإثبات وعطلوها! وهذه غفلة أو زلة عالم فاضل، وددنا أنه لم يقع فيها. انظر "الصحيحة"(6/ 77).

(2)

وكذلك رواه الحاكم وصححه كما يأتي قريباً (30 - باب/ 3).

ص: 332

496 -

(9)[صحيح] وعن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال:

خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

"ألا تَصُفُّونَ كما تَصُفُّ الملائكةُ عند ربِّها؟ ".

فقلنا: يا رسول الله! وكيف تَصُفُّ الملائكةُ عند ربها؟ قال:

"يُتِمُّون الصفوفَ الأُوَلَ، ويتراصّون في الصفِّ".

رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

497 -

(10)[صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خيارُكم ألينُكم مناكبَ في الصلاة".

رواه أبو داود.

(1)

498 -

(11)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال:

أُقيمتِ الصلاةُ، فأقبلَ علينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال:

"أقيموا صفوفَكم، وتراصّوا؛ فإني أراكم من وراءِ ظَهري".

رواه البخاري ومسلم بنحوه.

وفي رواية للبخاري:

"فكان أحدُنا يُلزِقُ منكِبَهُ بمنكبِ صاحبِه، وقَدَمَه بقَدَمِه".

(2)

(1)

قلت: وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفيه جهالة كما بينته في "التعليق" وفي "صحيح أبي داود"(677)، و"الصحيحة"(2533)، ولكنَّ الحديث حسن أو صحيح، يشهد له حديث ابن عمر الذي قبله بحديث، وحديث أبي أمامة الذي تقدم قبل هذا بستة أحاديث، وحديث ابن عمر أيضاً الآتي في الباب التالي الرابع فيه.

(2)

ويشهد لهذه الرواية حديث النعمان بن بشير المذكور بعد باب برقم (5).

ص: 333

499 -

(12)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"أحسنوا إقامةَ الصفوفِ في الصلاة".

رواه أحمد، ورواته رواة "الصحيح"

(1)

.

500 -

(13)[حسن] وعن البراء بن عازب قال:

كنا إذا صلينا خَلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقبل علينا بوجهه، فسمعتُه يقول

(2)

:

"رَبِّ قِني عذابَك، يوم تَبعثُ عبادَك".

رواه مسلم.

(1)

قلت: ورواه ابن حبان أيضاً (384)، وزاد: وخير صفوف القوم في الصلاة أولها. ر. " مثل حديث أبي هريرة الآتي في أول (31 - الترهيب. .).

(2)

كذا في مسلم (2/ 153)، وظاهره أنه دعا به بعد الصلاة، وليس بمراد، لمخالفته الطرق الصحيحة عن البراء وغيره أنه كان يقول ذلك عند النوم، ولأن المخالف لهم ليس بالمشهور كما بينته في "الصحيحة" (2754). وأيضاً فهو في "المسند" (4/ 290 و 304) بإسناد مسلم:"قال: سمعته يقول: رب. . . "، وهذا ليس بمخالف، فتأمل.

ص: 334

‌30 - (الترغيب في وصل الصفوف وسد الفُرج).

501 -

(1)[حسن صحيح] عن عائشة رضي الله عنها عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن اللهَ وملائكته يُصلُّون على الذين يَصِلُون الصفوفَ".

[صحيح لغيره] رواه أحمد وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط مسلم"، زاد ابن ماجه:

"ومن سدَّ فُرجةً رفعه الله بها درجةً".

502 -

(2)[صحيح] وعن البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الصفَّ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ، فيمسحُ مناكِبنا أو صدورَنا، ويقول:

"لا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبكم".

قال: وكان يقول:

"إن اللهَ وملائكتَه يُصَلُّون على الذين يَصِلون الصفوفَ الأُوَلَ".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه". [مضى قريباً بنحوه 29 - باب/ 6].

503 -

(3)[صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من وصل صَفّاً وَصله الله، ومن قطع صفاً قَطَعه الله".

رواه النسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

ورواه أحمد وأبو داود في آخِر حديث تقدم قريباً [29 - باب/ 8].

ص: 335

504 -

(4)[حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خيارُكم ألينُكم مناكبَ في الصلاةِ، وما مِنْ خُطوةٍ أعظمُ أجراً من خُطوةٍ مَشاها رجلٌ إلى فُرجةٍ في الصف فَسَدَّها".

رواه البزار بإسناد حسن

(1)

، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما بالشرط الأول، ورواه بتمامه الطبراني في "الأوسط".

505 -

(5)[صحيح لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سَدَّ فُرجةً؛ رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة".

رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية مسلم بن خالد الزنجي

(2)

.

وتقدم عند ابن ماجه في أول الباب دون قوله: "وبنى له بيتاً في الجنة".

506 -

(6)[صحيح لغيره] ورواه الأصبهاني بالزيادة أيضاً من حديث أبي هريرة.

وفي إسناده عصمة بن محمد، قال أبو حاتم:"ليس بقوي". وقال غيره: "متروك".

507 -

(7)[صحيح لغيره] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنَّ الله وملائكته يُصلُّون على الذينَ يَصِلون الصفوفَ الأُوَلَ، وما من خُطوةٍ أحبَّ إلى الله من خُطوةٍ يَمشيها العبد يَصِلُ بها صفاً".

رواه أبو داود في حديث، وابن خزيمة بدون ذكر الخطوة، وتقدم. [29 - باب/ 6].

(1)

وكذا قال الهيثمي (2/ 90)، وفيه ليث بن أبي سُليم، وهو في إسناد "الأوسط" أيضاً. انظر "الصحيحة"(2533).

(2)

قلت: تابعه وكيع عند المحاملي، فانظر "الصحيحة"(1891).

ص: 336

‌31 - (الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم، وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن، ومن اعوجاج الصفوف).

508 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خَيرُ صفوف الرجال أوَّلُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشَرُّها أوّلُها".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وتقدم. [29 - باب/ 2].

509 -

(2)[صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم:

"تقدّموا، فائتمُّوا بي، وليأتَمَّ بِكم مَن بَعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله".

(1)

رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

510 -

(3)[صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يزال قومٌ يتأخرون عن الصفِّ الأوَّل حتى يؤخِّرهم الله. . . ".

رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان؛ إلا أنهما قالا:

"حتى يُخَلِّفَهم اللهُ. . .

(2)

".

(1)

كان هنا في الطبعات السابقة خطأ فاحش أستغفر الله منه، وهو من شؤم التقليد، وعدم الرجوع إلى الأصول، خلاصته أن فقرة التأخر من الحديث لا أصل لها عند مخرجيه الأربعة، ورطني في ذلك جزم الحافظ الناجي بأنها مقحمة! لا أصل لها عندهم، والآن وأنا أحقق الكتاب بهذه الطبعة، تبينت خطأه، وأنها ثابتة لديهم جميعاً، والحمد لله على توفيقه، وأما المعلقون الثلاثة، فاستمروا على الخطأ وتقليد الحافظ الناجي؛ رغم أنهم ذكروا مواطن الحديث بالأرقام عند الأربعة!

(2)

في الحديث مكان النقط: "في النار"، فحذفتها لضعف سندها، وصح في رواية لأحمد كما جاء في "صحيح أبي داود" (683) في حديث أبي سعيد الذي قبله:"يوم القيامة".

ص: 337

511 -

(4)[صحيح] وعن أبي مسعود

(1)

رضي الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمسَحُ مناكِبَنا في الصلاة

(2)

ويقول:

"استووا، ولا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبُكم، ليَلِيَنِي منكم أولُو الأحلامِ والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

رواه مسلم وغيره.

512 -

(5)[صحيح] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لَتُسوُّنَّ صفوفَكم، أو لَيخالفَنَّ اللهُ بين وجوهكم".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وفي رواية لهم خلا البخاريِّ:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسَوِّي صفوفَنا، حتى كأَنَّما يُسَوّي بها القِداحَ، حتى رأى أنَّا قد عَقِلْنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كادَ يكبّر، فرأى رجلاً بادياً صدرُه مِن الصف، فقال:

"عبادَ الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالِفَنَّ اللهُ بين وجوهكم".

[صحيح] وفي رواية لأبي داود وابن حبان في "صحيحه".

أقبلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال:

"أقيموا صفوفَكم، أو ليخالِفَنَّ اللهُ بين قلوِبكم".

(1)

في الأصل ومطبوعة عمارة والمخطوطة: "ابن مسعود"، وهو خطأ صححته من "مسلم" وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(678)، وله أصل من حديث ابن مسعود، عند مسلم أيضا وغيره، ولكن ليس فيه ذكر المسح والتسوية، وهو في المصدر السابق (679).

(2)

أي: في صفوف الصلاة.

ص: 338

قال: فرأيتُ الرجلَ يُلزِق منكِبَه بمنكِبِ صاحبِه، ورُكبَتهُ برُكبة صاحبه، وكعبَه بكعبه

(1)

".

(القداح) بكسر القاف: جمع (قِدح)، وهو خشب السهم إذا بُري قبل أن يجعل فيه النصل والريش.

513 -

(6)[صحيح] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:

كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتخلَّل الصفَّ من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ، يمسحُ صدورنا ومناكبنا ويقول:

"لا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبكم". وكان يقول:

"إنَّ الله وملائكتَه يُصلُّون على الصفوفِ الأُوَلِ".

رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا فيمسحُ عواتِقنا وصدورَنا، ويقول:

"لا تختلِفْ صفوفُكم؛ فَتَخْتَلِفَ قلوبُكم، إن اللهَ وملائكتَه يُصَلُّون على الصفِّ الأوَّلِ". [مضى 29 - باب/ رقم 6].

[صحيح] وفي رواية لابن خزيمة:

"لا تختلفْ صدُورُكم؛ فتختلفَ قلوبُكم".

(1)

قلت: هذا فعل السلف، وأما الخلف فأهملوه، إلا من شاء الله تعالى، ومن المتَّفق عليه قولهم: "وكل خير في اتباع من سلف

وكل شر في ابتداع من خلف".

وانظر التعليق المتقدم (29 - باب/ تحت الحديث 6).

ص: 339

‌32 - (الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء، وما يقوله في الاعتدال والاستفتاح).

514 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا قال الإمامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(1)

، فقولوا:

(آمين)، فإنَّه مَن وافقَ قولُه قولَ الملائكة؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".

رواه مالك والبخاري -واللفظ له-، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

وفي رواية للبخاري:

(2)

"إذا قال أحدُكم: (آمين)، وقالت الملائكةُ في السماءِ: (آمين)، فوافقتْ إحداهما الأخرى؛ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه".

وفي رواية لابن ماجه والنسائي:

(1)

ظاهر هذه الرواية أن المؤتم يؤمَّن بعد فراغ الإمام من قراعة {وَلَا الضَّالِّينَ} ، وهذا لازمه أن تأمينه يطابق تأمين الإمام، ولا يتأخر عنه، بخلاف الرواية التالية:"إذا أمَّن القارئ فأمَّنوا"، ورواه البخاري في "الدعوات" بلفظ:"إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا"، فهذا ظاهره أن تأمين المأموم يقع عقب تأمين الإمام. وبهذا قال بعضهم. وذهب الجمهور إلى الأول، وكل من الأمْرين محتمَل، لأنه يمكن تأويل الأول فيقال: إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} أي: وأمن، لتصريح الرواية الأخرى، ويمكن تأويل هذه بأن المراد إذا أراد أن يؤمِّن. وبه تأوَّله الحافظ وغيره، وقد وجدتُ ما يرجِّح هذا التأويل من فعل راوي الحديث نفسه فضلاً عن غيره، ولذلك ملت إليه أخيراً في المجلد الثاني من "الأحاديث الضعيفة"(رقم 952)، ولكنْ على المصلين أنْ لا يسبقوا الإمام بـ (آمين) كما يقع من جماهيرهم، وطالما حذرناهم من ذلك، وعلى الأئمة تذكيرهم.

(2)

الأصل ومطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة: (البخاري)، والصواب ما أثبته، فإنَّ عنده هذه والتي قبلها في "الأذان" وغيره، انظر كتابي "مختصر البخاري"(405) بطرقه الثلاثة، ورواية ابن ماجه الآتية عند البخاري أيضاً.

ص: 340

"إذا أمَّن القارئُ فأمِّنوا" الحديث.

(1)

(آمين) تمد وتقصر، وتشديد الميم لُغَيَّة، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى. وقيل: معناها: اللهم استجب، أو: كذلك فافعلْ، أو: كذلك فليكن.

515 -

(2)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما حَسَدَتْكُمُ اليهودُ على شيءٍ ما حَسَدَتْكُمُ على السلام والتأْمين"

(2)

.

[صحيح لغيره] رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه"، وأحمد ولفظه:

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكِرتْ عنده اليهود فقال:

"إنهم لم يحسدونا على شيءٍ كما حسَدونا على الجمعةِ التي هدانا اللهُ لها، وضَلُّوا عنها، وعلى القبلةِ التي هدانا الله لها، وضلّوا عنها، وعلى قولنا خَلفَ الإمام: (آمين) ".

516 -

(3)[صحيح لغيره] وعن سَمُرَة بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: (آمين)؛ يُجِبْكُمُ

(3)

الله".

رواه الطبراني في "الكبير".

(1)

في الأصل بعده ما نصه: (وفي رواية للنسائي:

"وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فقولوا: (آمين)؛ فإنَّه مَن وافق كلامُه كلامَ الملائكة؛ غُفِرَ لمن في المسجد")، ولم أجده في "سنن النسائي الصغرى" ولا "الكبرى"، وهي في "سنن البيهقي" و"مسند أحمد"، وهي رواية شاذة ومنكرة، خالف راويها كل روايات الثقات عن أبي هريرة بلفظ:"غفر له"، وقد بينت ذلك في "الصحيحة"(3476) بما لا تراه في كتاب آخر.

(2)

لِما علموا من فضلهما وبركتهما، فاللائق بكم الإكثار منهما لتغيظوهم.

(3)

هو بالجيم، أي: يستجب دعاءكم، وهذا حثٌّ عظيم على التأمين فيتأكّد الاهتمام به.

ص: 341

517 -

(4)[صحيح] ورواه مسلم وأبو داود والنسائي -في حديث طويل- عن أبي موسى الأشعري قال فيه:

"إذا صَلَّيتُم فأَقيموا صُفُوفَكم، وليؤمَّكُم أحدُكم، فإذا كَبَّرَ فكبِّروا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: (آمين)؛ يُجِبْكُم الله".

518 -

(5)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنه قال:

بينما نحن نصلِّي مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال رجلٌ من القومِ:

(اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحانَ الله بكرةً وأصيلاً)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟ ".

فقال رجلٌ من القوم: أنا يا رسولَ الله، فقال:

"عجبتُ لها، فُتِحَتْ لها أبوابُ السماء".

(1)

قال ابنُ عُمَرَ: فما تركتهنّ منذ سمعتُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

رواه مسلم.

519 -

(6)[صحيح] وعن رِفاعةَ بنِ رافع الزُّرَقيِّ قال:

كنا نصلي وراءَ النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا رفع رأسَه من الركعة قال:

"سمع الله لمن حمده".

قال رجل من ورائه: (ربَّنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه)، فلما انصرف قال:

(1)

وقع في بعض النسخ "أبواب الجنة" وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا، وعليه أكثر النسخ، كما ذكر الناجي في "العجالة"(74)، ومنها مخطوطة الظاهرية.

ص: 342

"مَن المتكلم؟ ". قال: أنا، قال:

"رأيتُ بِضعةً وثلاثين مَلكاً يَبْتَدِرونها أيُّهم يَكتُبها أوَّلُ".

رواه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي.

520 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا قال الإمامُ: (سمع الله لمن حمده)، فقولوا: (اللهم ربَّنا لك الحمدُ). فإنَّه مَن وافق قولُه قولَ الملائكةِ؛ غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

وفي رواية للبخاري ومسلم:

"فقولوا: ربَّنا ولك الحمدُ" بالواو.

(1)

(1)

إنَّما هذا اللفظ للترمذي والنسائي فقط. وأمَّا الشيخان فلم يذكرا الواو فيه كما نبَّه عليه الناجي (74). وقد ثبت اللفظان عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، كما ذكرته في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم". وخلط الثلاثة هنا مدّعين العلم، فقالوا ردّاً على الحافظ الناجي:"قلنا (!): هي رواية للبخاري (795) ". وليس فيها ما ذكروا، وإنما هي في "الفتح"!

ص: 343

‌33 - (الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود).

521 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"أمَا

(1)

يخشى أحدُكم إذا رفعَ رأسَه

(2)

قَبلَ الإمام أنْ يَجعلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمار، أو يجعلَ اللهُ صورتَه صورةَ حمارٍ؟! ".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

(قال الخطّابي):

"اختلف الناس فيمن فعل ذلك، فرُوي عن ابن عمر أنّه قال: "لا صلاة لمن فعل ذلك". وأمَّا عامّة أهل العلم فإنَّهم قالوا: قد أساء، وصلاته تجزئه، غير أنّ أكثرهم يأمرونهُ بأنْ يعود إلى السجود. و [قال بعضهم:]

(3)

يمكث في سجوده بعد أنْ يرفع الإمام رأسه بقدَر ما كان ترك" انتهى.

(1)

بتخفيف الميم حرف استفتاح، مثل (ألَا)، وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام، وهو هاهنا استفهام توبيخ.

واختلف العلماء في معنى الوعيد المذكور هنا، فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإنّ الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة، ومتابعة الإمام، ويرجِّح هذا المجاز أنَّ التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن الحديث ليس فيه ما يدلَّ على أنَّ ذلك يقع ولا بدّ، وإنما يدل على كون فاعله متعرضاً لذلك، وكون فعله ممكناً لأنْ يقع فيه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء.

(2)

هنا في الأصل والمخطوطة زيادة: "من ركوع أو سجود"، وهي مقحمة كما جزم الناجي، ولا أصل لها في شيء من طرق الحديث، وهو مخرج في "الإرواء"(2/ 490) وغيره، وغفل المعلقون الثلاثة -كعادتهم- فأثبتوها في طبعتهم المحققة! وهذا مثال من مئات الأمثلة على مصداقيتهم في التحقيق!!

(3)

زيادة من الخطابي في "المعالم"(1/ 320)، وهي زيادة هامَّة، لأنَّ المعنى يختلف من دونها كما هو ظاهر، ثم إنني لا أرى وجهاً للتقدير المذكور، لأنه مجرد رأي، ثم هو يستلزم الإخلال بمتابعة الإمام كما لا يخفى.

ص: 344

‌34 - (الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود، إقامة الصُّلْب بينهما، وما جاء في الخشوع).

522 -

(1)[صحيح] عن أبي مسعودٍ البدريّ

(1)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تُجزئ صلاةُ الرجلِ حتى يُقِيمَ ظَهرَه في الركوعِ والسجودِ".

رواه أحمد وأبو داود -واللفظ له-، والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، ورواه الطبراني [والدارقطني]

(2)

والبيهقي، وقالا:

"إسناده صحيح ثابت".

وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح".

523 -

(2)[حسن لغيره] وعن عبد الرحمن بن شبْل قال:

"نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن نُقرةِ الغراب

(3)

، وافْتراشِ السَّبْعِ، وأنْ يُوَطِّنَ الرجلُ المكانَ في المسجد كما يُوَطِّنُ البعيرُ".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

524 -

(3)[صحيح لغيره] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أسوأُ الناسِ سرقةً الذي يَسرقُ من صلاتِه".

(1)

لم يشهد غزوة بدر عند الجمهور. إنما سكنها فنُسب إليها. قاله الناجي (75).

(2)

زيادة لا بد منها فهو الذي ثبته وصححه في "سننه"(1/ 348/ 1)، لكن قال:"هذا إسناد ثابت صحيح". وليس عند البيهقي (2/ 88) لفظ (ثابت). وكذا في "معرفة السنن" له (1/ 583 - 584). وهو في "كبير الطبراني"(17/ 212 - 214/ 579 - 585). ورواه أبو عوانة أيضاً في "صحيحه"(2/ 115).

(3)

يريد تخفيف السجود، وأنَّه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله.

ص: 345

قالوا: يا رسول اللهِ! كيف يَسرقُ من صلاته؟ قال:

"لا يتمُّ رُكوعَها ولا سجودهَا. -أو قال: لا يقيمُ صُلبَه في الركوع والسجود-".

رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح الإسناد".

525 -

(4)[صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أسرقُ الناس الذي يَسرقُ صلاتَه".

قيل: يا رسولَ الله! كيف يَسرقُ صلاتَه؟ قال:

"لا يُتمُّ ركوعَها وسجودَها، وأبخلُ الناسِ مَن بَخِلَ بالسلامِ".

رواه الطبراني في "معاجمه الثلاثة" بإسناد جيّد.

526 -

(5)[صحيح] وعن علي بن شَيبان رضي الله عنه قال:

خرجنا حتى قَدِمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلَّينا خلفه، فَلَمَحَ بِمُؤَخّرِ عينه رجلاً لا يقيم صلاته -يعني صُلبَه- في الركوع، فلما قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاتَه قال:

"يا معشرَ المسلمين! لا صلاةَ لمن لا يقيمُ صُلبَه في الركوعِ والسجود".

رواه أحمد وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

527 -

(6)[حسن صحيح] وعن طَلْق بن عليّ الحَنَفيّ

(1)

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا ينظر اللهُ إلى صلاة عبدٍ لا يُقيمُ فيها صُلبَه بين ركوعِها وسجودها".

(1)

بفتح الحاء والنون: نسبة إلى (حنيفة)، قبيلة كبيرة من ربيعة بن نزار.

ص: 346

رواه [أحمد

(1)

و] الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات.

528 -

(7)[حسن] وعن أبي عبد الله الأشعريّ:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يُتِمُّ ركوعَه، وَينْقُرُ في سجودِه، وهو يصلّي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لو مات هذا على حاله هذه؛ مات على غيرِ مِلَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم".

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مثَل الذي لا يُتمُّ ركوعَه، ويَنْقرُ في سجودِهِ مثَلُ الجائع؛ يأْكُلُ التمرةَ والتمرتين؛ لا يُغنِيان عنه شيئاً".

قال أبو صالح

(2)

:

"قلت لأبي عبد الله: مَن حدَّثك بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أمراءُ الأجناد: عَمرُو بنُ العاصي، وخالدُ بنُ الوليد، وشُرَحْبيلُ بن حسَنة، سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى بإسناد حسن، وابن خزيمة في "صحيحه"

(3)

.

529 -

(8)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إن الرجلَ ليصلِّي سِتينَ سنةً وما تُقبلُ له صلاةٌ، لعلّه يُتمَّ الركوعَ، ولا يُتمُّ السجودَ، ويُتمُّ السجودَ ولا يُتمَّ الركوع".

(1)

قلت: في "المسند"(4/ 22)، وسقط من الأصل وإثباته ضروري، فإنَّ اللفظ له! وقد أخرجه الضياء في "المختارة"(52/ 37/ 2 - 38/ 1) من طريق أحمد والطبراني، وهذا في "الكبير"(8/ 405 - 406)، وإسناده حسن.

(2)

قلت: هو الأشعري الراوي عن أبي عبد الله الأشعري، وهو تابعي شامي ثقة. وكان الأصل:(من حدث)، فصححته من المصادر المذكورة.

(3)

قلت: ورواه جمع آخر منهم "البخاري في التاريخ"(2/ 2/ 247 - 248) والضياء المقدسي في "المنتقى من الأحاديث الصحاح والحسان". انظر "صفة الصلاة"(131 - المعارف).

ص: 347

رواه أبو القاسم الأصبهاني، وينظَر سنده.

(1)

530 -

(9)[صحيح موقوف] وعن بلالٍ رضي الله عنه:

أنَّه أبصر رجلاً لا يُتمُّ الركوعَ ولا السجودَ، فقال:

لو مات هذا لماتَ على غيرِ مِلَّةِ محمدٍ

(2)

صلى الله عليه وسلم.

رواه الطبراني، ورواته ثقات.

(3)

531 -

(10)[صحيح لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا ينظر اللهُ إلى عبدٍ لا يُقيم صُلْبَهُ بين ركوعِه وسجودِه".

رواه أحمد بإسناد جيّد.

532 -

(11)[صحيح لغيره] ورُوي عن عليّ رضي الله عنه قال:

نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ وأنا راكع. . .

(4)

رواه أبو يعلى والأصبهاني.

(1)

قلت: قد وقفت على سنده في كتابه "الترغيب"، فوجدته حسناً، ولذلك خرّجته في "الصحيحة"(2535)، من المجلد السادس، وقد صار بين أيدي القراء، والحمد لله.

(2)

كذا الأصل، والذي في "المعجم الكبير" (1/ 341/ 1085) بلفظ:"ملة عيسى عليه السلام". وكذا في "المعجم الأوسط"(3/ 127/ 2691 - الحرمين)، وفرق الهيثمي؛ فجعل اللفظ الأول لـ "الأوسط"، والآخر له "الكبير"! وفى ظني أنه من تصرف بعض النساخ لما رأوا في الحديث المتقدم (528) باللفظ الأول ظنوا أن هذا خطأ، فصححوه! وليس بلازم، ويؤيده أنه في "مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 290) باللفظ الآخر، وطريق المصادر الثلاثة واحد، ورجاله ثقات رجال مسلم، فهو إسناد صحيح موقوف بهذا اللفظ الغريب!

(3)

قلت: وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 121). وقال الناجي في "العجالة"(75): "اقتصر على الطبراني، مع كونه بنحوه في البخاري عن حذيفة".

قلت: لكن لفظه: "قال له، ما صلَّيت، ولو متَّ متَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: متّ على غير سنَّة محمد صلى الله عليه وسلم". انظر كتابي "مختصر صحيح البخاري" رقم (411) من المجلد الأول -طبعة المعارف.

(4)

للحديث تتمة تراها في الكتاب الآخر. ولما كانت هذه الجملة منه صحيحة لها شواهد في "الصحيحين" وغيرهما؛ أوردتها هنا.

ص: 348

533 -

(12)[حسن] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أسوأُ الناسِ سرقةً، الذي يَسرِق صلاتَه".

قال: وكيف يسرق صلاتَه؟ قال:

"لا يُتِمَّ ركوعَها ولا سُجودَها".

رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حِبَّان في "صحيحه"، والحاكم وصحّحه.

534 -

(13)[صحيح لغيره] وعن النعمان بن مُرَّةَ

(1)

؟ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما تَرَوْنَ في الشارِب والزاني والسارقِ؟ " -وذلك قبل أنْ تنزل فيهم الحدود-.

قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:

"هُنَّ فواحش، وفيهنَّ عقوبةٌ، وأسوأُ السرقةِ الذي يسرق صلاتَه".

قالوا: وكيف يَسرقُ صلاتَه؟ قال:

"لا يُتِمَّ ركوعَها ولا سجودَها".

رواه مالك.

535 -

(14)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنَّ رجلاً دخلَ المسجدَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في ناحيةِ المسجدِ، فصلَّى، ثم جاء فسلَّم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

قلت: النعمان هذا تابعي كبير، قال في "التقريب":". . . الأنصاري الزرقي المدني، ثقة من الثانية، ووهم من عدّه في الصحابة"؛ ولهذا كان على المؤلف رحمه الله أنْ يشير إلى ذلك بمثل قوله بعد تخريجه: "وهو مرسل"؛ كما هي عادته في مثله، لكي لا يوهم أنّه صحابي، كما فعل عمارة في طبعته، حيث زاد الترضِّي عنه ضغثاً على إبالة! لكن يشهد له ما قبله. وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 409)، "لم يختلف الرواة عن مالك في إرساله، وهو حديث صحيح يسند من وجوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد". ثم ساق إسنادهما، وحديث أبي هريرة تقدم قبل هذا.

ص: 349

"وعليك السلامُ، ارجعْ فَصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ".

فصلَّى، ثم جاء فسلَّم، فقال:

"وعليك السلامُ، فارجعْ فَصَلِّ؛ فإنك لم تصلِّ".

فصلّى، ثم جاء فسلَّم، فقال:

"وعليك السلام، فارجع فَصَلِّ؛ فإنّك لم تُصَلِّ".

فقال في الثانية أو في التي تليها: علِّمْني يا رسول الله، فقال:

"إذا قمتَ إلى الصلاةِ، فأسْبغِ الوضوء، ثم استَقْبِلِ القبلةَ فكَبِّر، ثم اقرأْ ما تيسَّر معك من القرآن، ثم اركعْ حتى تطمئِنَّ راكعاً، ثم ارفعْ حتى تَستَويَ قائماً، ثم اسجدْ حتى تَطمئِنَّ ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً،

(1)

ثم افعل ذلك في صلاتك كلها -وفي رواية: ثم ارفَعْ حتى تستويَ قائماً. يعني منَ السجدةِ الثانيةِ-".

[صحيح] رواه البخاري ومسلم

(2)

، وقال في حديثه:

"فقال الرجل: والذي بعثك بالحقِّ ما أُحْسِنُ غيرَ هذا، فعلمني".

ولم يذكر غير سجدة واحدة.

[صحيح] ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وفي رواية لأبي داود:

(1)

ذكْر الجلوس هنا بعد السجدة الثانية -وهو جلسة الاستراحة- شاذّ في هذا الحديث، والصواب الرواية الآتية، وإنما ثبتت الجلسة هذه من فعله صلى الله عليه وسلم؛ كما هو مبيّن في كتابي "صفة الصلاة".

(2)

قلت: لكن ليس عند مسلم الرواية الثانية كما في "العجالة"(75). وانظر "صفة الصلاة"(ص 154 - المعارف).

ص: 350

"فإذا فعلتَ ذلك؛ فقد تَمَّتْ صلاتُك، وإنِ انتقصتَ من هذا؛ فإنما انتقصتَه من صلاتِكَ".

536 -

(15)[صحيح] وعن رفاعةَ بن رافعٍ رضي الله عنه قال:

كنتُ جالساً عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إذْ جاءهُ رجلٌ فدخل المسجدَ فصلّى. -فذكر الحديث إلى أنْ قال فيه:- فقال الرجل: لا أَدري ما عِبتَ عليَّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"إنّه لا تَتِمُّ صلاةُ أحدِكم حتى يُسبغَ الوضوءَ كما أمرَه الله تعالى، ويغسلَ وجهَهُ ويديه إلى المِرفقين، ويمسحَ برأسِه ورجلَيه إلى الكعبين، ثم يكبِّرُ اللهَ، ويَحمَدهُ، وُيمَجِّده، ويقرأُ من القرآن ما أذِنَ اللهُ له فيه وتَيسَّر، ثم يكبِّر ويركع، فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصلُه وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمدَه، ويستوي قائماً حتى يأخذَ كلُّ عظمٍ مأْخذه، وُيقيمَ صُلبَه، ثم يكبِّر، فيسجدُ، وُيمكِّنُ جبهتَه من الأرضِ، حتى تطمئنَّ مفاصلُه وتسترخي، ثم يكبِّر فيرفع رأسَه، ويستوي قاعداً على مَقْعدته، ويقيم صُلبه، -فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ- ثم قال: لا تتم صلاةُ أحدِكُم حتى يفعلَ ذلك".

رواه النسائي -وهذا لفظه-، والترمذي، وقال:"حديث حسن". وقال في آخره:

"فإذا فعلتَ ذلك؛ فقد تمّت صلاتُك، وإنِ انتقصتَ منها شيئاً؛ انتقصتَ من صلاتك".

قال أبو عمر ابنُ عبد البَرَّ النَّمِريُّ: "هذا حديث ثابت".

ص: 351

537 -

(16)[حسن] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنَّ الرجلَ لينصرفُ وما كُتِبَ له إلا عُشرُ صلاتِه

(1)

، تُسعُها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلْثها، نِصفها".

رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه" بنحوه.

538 -

(17)[حسن لغيره] وعن أبي اليَسَر رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"منكم من يصلي الصلاةَ كاملةً، ومنكم مَن يصلّي النصفَ، والثلثَ، والربعَ، والخمسَ، حتى بلغ العُشرَ".

رواه النسائي بإسناد حسن.

واسم أبي اليسر -بالياء المثناة تحت والسين المهملة مفتوحتين-: كعب بن عَمرو السُّلَمي، شهد بدراً.

539 -

(18)[حسن صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الصلاةُ ثلاثةُ أثلاثٍ، الطُّهورُ ثلثٌ، والركوع ثُلثٌ، والسجود ثلثٌ، فمَن أدّاها بحقِّها قُبلَتْ منه، وقُبل منه سائرُ عَمَلِه، ومَن رُدَّت عليه صلاتُه، رُدَّ عليه سائرُ عَمَلِه".

رواه البزّار، وقال:

"لا نعلمه مرفوعاً إلا من حديث المغيرة بن مسلم".

(قال الحافظ):

"وإسناده حسن".

(1)

أي: عشر ثوابها لما أخل بالخشوع والخضوع وغير ذلك، والجملة حاليّة. وقوله:(تسعها، ثمنها، سبعها) بحذف حرف العطف، والمعنى: أنّ الرجل قد ينصرف من صلاته ولمْ يكتب له إلا عشر ثوابها أو تسعها، إلخ.

ص: 352

540 -

(19)[صحيح لغيره] وعن حُرَيْثِ بنِ قَبِيصةَ قال:

قَدِمتُ المدينةَ وقلت: اللهم ارزقني جليساً صالحاً، قال: فجلست إلى أبي هريرة، فقلت: إني سألتُ اللهَ أن يرزقني جليساً صالحاً، فحدِّثْني بحديثٍ سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنَّ أوَّل ما يحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملهِ صلاتُه، فإنْ صَلَحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فسدتْ فقد خاب وخسر، وإنِ انتقصَ من فريضتِه قال الله تعالى: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ يُكمَلُ به ما انتُقصَ من الفريضة؟ ثم يكون سائرُ عملِه على ذلك".

رواه الترمذي وغيره، وقال:"حديث غريب".

541 -

(20)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:

صلّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً، ثم انصرف فقال:

"يا فلانُ! ألا تُحْسِنُ صلاتَك؟ ألا يَنظرُ المصلي إذا صلى كيفَ يصلِّي؟ فإنَّما يصلي لنفسه، إني لأُبصِرُ من ورائي كما أُبصِرُ مِن بين يَدَيَّ".

(1)

[حسن] رواه مسلم والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"

(2)

، ولفظه: قال:

(1)

قال النووي في شرح مسلم: "قال العلماء: معناه أنّ الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكاً في قفاه يُبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقْل ولا شرْع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضي: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء: إن هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقية".

قلت: وهي خاصة به صلى الله عليه وسلم في حالة الصلاة، ولا دليل على العموم، فتنبه.

(2)

قلت: وكذا الحاكم (1/ 235 - 236)، وصحّحه على شرط مسلم! ووافقه الذهبي!

ص: 353

صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ، فلما سَلَّم، نادى رجلاً كان في آخرِ الصفوف، فقال:

"يا فلان ألا تَتَّقي اللهَ! ألا تَنْظر كيف تُصلِّي؟ إنَّ أحدَكم إذا قام يصلِّي إنَّما يقوم يناجي رَبَّهُ، فلينظرْ كيف يناجيه، إنكم ترون أني لا أَراكم، إنّي واللهِ لأرى مِن خَلفِ ظهري، كما أرى مِن بين يديّ".

542 -

(21)[حسن صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"أولُ شيءٍ يُرفَع من هذه الأمةِ الخشوعُ، حتى لا ترى فيها خاشعاً".

رواه الطبراني بإسناد حسن.

543 -

(22)[صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" في آخر حديث موقوفاً على شداد ابن أوس

(1)

.

ورفعه الطبراني أيضاً، والموقوف أشبه.

(2)

544 -

(23)[صحيح] وعن مُطرَّفٍ عن أبيه رضي الله عنه قال:

رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي، وفي صدرِه أزيزٌ كأَزيزِ الرُّحى، من البكاءِ.

رواه أبو داود والنسائي، ولفظه:

رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي ولجوفه أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَلِ. يعني يبكي.

ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" نحو رواية النسائي، إلا أنّ ابن خزيمة قال:"ولصدره".

(1)

قلت: وصحَّحه الحاكم عنه وعن عبادة بن الصامت، وافقه الذهبي، وحسنه الترمذي عن عبادة. وهو مخرج في التعليق على "اقتضاء العلم العمل" رقم (89).

(2)

قلت: بل المرفوع أشبه لأنَّ له شواهد، لا سيّما وهو لا يقال بالرأي.

ص: 354

(أزيز الرحى) بزايين: هو صوتها.

و (المرجل) بكسر الميم وفتح الجيم: هو القِدْر، يعني أنَّ لجوفه حنيناً كصوت غليان القدر.

545 -

(24)[صحيح] وعن عليَّ رضي الله عنه قال:

ما كان فينا فارسٌ يومَ بدرِ غيرَ المِقدادِ، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائمٌ، إلا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تحت

(1)

شجرةٍ، يُصلي ويبكي، حتى أصبح.

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

546 -

(25)[صحيح] وعن عقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما من مسلم يتوضَّأُ فَيُسبغُ الوضوء، ثم يقومُ في صلاتِه، فيعلم ما يقول؛ إلا انْفَتَلَ وهو كيومَ ولَدَتْهُ أمُّه".

رواه الحاكم، وقال:"صحيح الإسناد".

(2)

وهو في مسلم وغيره بنحوه، وتقدم [4 - الطهارة/ 7 و 13 - باب].

(1)

كذا وقع في "صحيح ابن خزيمة"(2/ 53)، وهو رواية لأحمد (1/ 125). وفي أخرى له (1/ 138):(إلى)، وسندهما صحيح. وكذا رواه النسائي في "الكبرى"(1/ 270/ 823)، وترجم لها بقوله:"الصلاة إلى الشجرة". ولا منافاة، ومقتضى الجمع أنه صلى تحتها وإليها، ولم يتنبَّه للفرق المذكور الشيخ الناجي!

(2)

قلت: ووافقه الذهبي في "التلخيص"(9/ 399).

ص: 355

‌35 - (الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة)

574 -

(1)[صحيح] عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما بالُ أقوام يرفعون أبصارَهم إلى السماءِ في صلاتهم؟! ".

فاشتَدَّ قولُه في ذلك حتى قال:

"لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك، أو لتُخطَفَنَّ أبصارُهم".

رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

548 -

(2)[صحيح] وعن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا ترفعوا أبصارَكم إلى السماء، فَتَلْتَمعَ. يعني في الصلاة".

رواه ابن ماجه والطبراني في "الكبير"، ورواتهما رواة "الصحيح"، وابن حبان في "صحيحه".

549 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ عن رفعِهم أبصارَهم إلى السماءِ عندَ الدعاءِ في الصلاةِ، أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم".

رواه مسلم والنسائي.

550 -

(4)[صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال:

"إذا كان أحدُكم في الصلاةِ، فلا يَرْفَعْ بَصَرَه إلى السماءِ؛ لا يُلتَمَعُ".

رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية ابن لَهيعة.

ص: 356

ورواه النَّسائي عن عبدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ بنِ عتبةَ أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدَّثَه، ولم يُسمِّهِ

(1)

.

(يلتمَعُ بصره) بضم الياء المثناة تحتُ، أي: يذهَب به.

551 -

(5)[صحيح] وعن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لَيَنْتَهيَنَّ أقوامٌ يرفعون أبصارَهم إلى السماءِ في الصلاةِ، أو لا تَرجعُ إليهم".

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. ولأبي داود

(2)

:

دَخل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسجدَ، فرأى فيه ناساً يُصلُّون، رافعي أبصارِهم إلى السماءِ، فقال:

"لَيَنْتَهينَّ رجالٌ يَشْخَصُون أبصارَهم في الصلاةِ، أو لا تَرجعُ إليهم أبصارُهم".

(1)

قلت: ولا أستبعد أنه أبو سعيد الخدري، فإنه من الصحابة الذين روى عنهم ابن عتبة، ورواه عنه أحمد أيضاً (3/ 441). وسنده صحيح. ورواه الطبراني في "الكبير" أيضاً (6/ 43 /5436) كـ "الأوسط"(رقم 319 - الحرمين) عن ابن لهيعة بسنده عن ابن عتبة عن أبي سعيد.

(2)

وكذا في المخطوطة، والصواب أنْ يقال:"ولفظ أبي داود"، لأنه لم يروِ ما قبله.

ص: 357

‌36 - (الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكَر)

552 -

(1)[صحيح] عن الحارث الأشعري رضي الله عنه؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ الله أمر يحيى بنَ زكريا بخمسِ كلماتٍ أنْ يعمل بها، ويأمرَ بني إسرائيل أنّ يعملوا بها، وإنه كادَ أن يُبطِئَ بها، قال عيسى: إنّ الله أمرك بخمسِ كلماتٍ لِتعملَ بها، وتأمرَ بني إسرائيلَ أن يعملوا بها، فإما أن تأمرَهم، وإما أن آمرَهم، فقال يحيى: أخشى إنْ سبقتني بها أن يُخسَف بي أو أُعَذَّب، فجمعَ الناسَ في بيتِ المقدس، فامتلأ، وقعدوا على الشَّرَفِ،

(1)

فقال:

إنّ الله أمرَنِي بخمسِ كلماتِ أنْ أعملَ بهن، وآمركم أن تَعملوا بِهِن.

1 -

أُولاهنَّ: أنْ تعبدوا اللهَ ولَا تُشركوا به شيئاً، وإنَّ مَثَلَ مَن أشرك باللهِ كَمَثَلِ رجلٍ اشترى عبداً من خالص مالِهِ بذهب أو ورِق، فقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمَلْ وأدِّ إليَّ، فكان يعمل، ويؤدي إلى غير سيِّدِه! فأيُّكُم يرضى أنْ يكون عبدُه كذلك؟

(2)

2 -

وإنَّ اللهَ أمرَكم بالصلاةِ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإنَّ الله يَنْصِبُ وجهَهُ لوجه عبدِه في صلاته ما لم يلتَفِتْ.

3 -

وأمرَكُم بالصيامِ، فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثلِ رجلٍ في عِصابةٍ معه صُرَّةٌ فيها مِسْك، فكلُّهُم يَعجَب أو يُعجِبُهُ ريحُها، وإنَّ ريحَ الصائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن ريحِ المِسكِ.

4 -

وأَمرَكم بالصدقة، فإن مَثَلَ ذلك كمثل رجلٍ أسَرَهُ العَدُوّ، فأوثقوا يَدَه

(1)

أي: الأماكن المرتفعة.

(2)

زاد الحاكم وغيره: "فإن الله خلقكم ورزقكم، فلا تركوا به شيئاً".

ص: 358

إلى عُنُقِه، وقَدَّموه ليضربوا عنقَه، فقال: أنا أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير، فَفَدى نفسَه منهم.

5 -

وأمرَكم أنْ تَذكروا اللهَ، فإنَّ مَثَلَ ذلك كمثَلِ رجلٍ خرجَ العَدُوُّ في أثَرِه سِراعاً، حتى إذا أتى على حصنٍ حصينٍ فأحرز نفسَه منهم، كذلك العبدُ، لا يُحرِزُ نفسَه من الشيطان إلا بذكْرِ الله".

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"وأنا آمرُكم بخمسٍ، الله أمرني بهن: السمعُ، والطاعةُ، والجهادُ، والهجرةُ، والجماعةُ؛ فإنه مَن فارق الجماعةَ قِيدَ شِبْرٍ؛ فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ من عُنُقِه، إلا أن يراجع،

(1)

ومَن ادَّعى دعوى الجاهليةِ، فإنه من جِثا جهنم".

فقال رجل: يا رسولَ الله: وإنْ صلى وصام؟ فقال:

"وإنْ صلّى وصام، فادْعوا بدعوى الله التي سمّاكم المسلمين المؤمنين، عبادَ الله! ".

رواه الترمذي وهذا لفظه، وقال:"حديث حسن صحيح"، والنسائي ببعضه

(2)

، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط البخاري ومسلم".

(قال الحافظ): "وليس للحارث في الكتب الستَّة سوى هذا".

(الربقة) بكسر الراء وفتحها وسكون الباء الموحَّدة، واحدة (الرِّبقَ)؛: وهي عُرى في حبل تشد به البَهْم، وتستعار لغيره.

وقوله "من جُثا جهنم" بضم الجيم

(3)

بعدها ثاء مثلثة، أي: من جماعات جهنم.

(1)

أي: يتوب إلى الله عز وجل.

(2)

أي: بقوله: "من دعا بدعوى الجاهلية. ." إلخ. كما قال الناجي.

(3)

قلت: وبكسرها أيضاً كما في "القاموس". لكن أبو عبيدة ضبطه بالجيم، وقال: إنما هو "حثا" بالحاء المهملة. حكاه ابن عبد البر في "التمهيد" وقال (21/ 280): "وهو كما قال أبو عبيدة".

ص: 359

553 -

(2)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:

سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن التلفت

(1)

في الصلاةِ، فقال:

"اختلاسٌ يختلِسُه الشيطان من صلاةِ العبدِ".

(2)

رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن خزيمة.

554 -

(3)[حسن لغيره] وعن أبي الأحوص عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يزالُ اللهُ مُقبِلاً على العبد في صلاتِه ما لم يَلتفتْ، فإذا صَرَفَ وجهه انصرف عنه".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، الحاكم، وصححه.

(قال المملي) الحافظ عبد العظيم رضي الله عنه:

(1)

كذا وجد، وكأنه رواه بالمعنى، وإلا فلفظ البخاري وأبي داود والنسائي "الالتفات"، ولا أدري ما عند ابن حبان، لكون كتابه ليس عندي. كذا قال الناجي في "العجالة"(76)، وأنت ترى أن في نسختنا من "الترغيب" عزوه لابن خزيمة بدل ابن حبان، فلا أدري أهذا من اختلاف النسخ أم سبق قلم من الناجي، والحديث عند ابن خزيمة (2/ 65/ 931) وابن حبان أيضاً (4/ 24/ 2284).

ثم قال الناجي:

"وقد ذكره بلفظ "التلفت" ابن الجوزي من "مسند الإمام أحمد" في كتابه "جامع المسانيد"، والله أعلم.

قلت: هو في "مسند أحمد"(6/ 70) باللفظ المذكور، وهو شاذ، فقد أخرجه أحمد أيضاً (6/ 106) عن شيخ آخر له عن زائدة بإسناده عن عائشة بلفظ "الالتفات". وقد تابع زائدة على هذا اللفظ أبو الأحوص، ومن هذه الطريق أخرجه الأربعة الذين إليهم عزاه المؤلف، فهو المحفوظ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(844).

(2)

(الاختلاس): الاختطاف بسرعة على غفلة. قال العلامة الطيبي طيب الله ثراه: "سمِّي اختلاساً تصويراً لقبيح تلك الفعلة بالمختلس؛ لأنَّ المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة، فسلبه تلك الحالة. والله أعلم".

ص: 360

"وأبو الأحوص هذا لا يعرَف اسمه، لم يروِ عنه غير الزهري، وقد صحَّح له الترمذي وابن حبان وغيرهما".

(1)

555 -

(4)[حسن لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهاني عن ثلاثٍ: نهاني عن نُقرةٍ كنُقرةِ الديكِ، وإقعاءٍ كإقعاءٍ الكلبِ، والتفاتٍ كالتفاتِ الثعلبِ".

رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حسن

(2)

.

ورواه ابن أبي شيبة وقال:

"كإقعاء القرد". مكان "الكلب".

(الإقعاء) بكسر الهمزة، قال أبو عبيد:"هو أن يُلزِق الرَّجُل أليتَيْه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض، كما يقعي الكلب. قال: وفسّره الفقهاء بأن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. قال: والقول هو الأول".

(3)

(1)

قلت: ويشهد له حديث الأشعري الذي قبله بحديث مع ملاحظة أن هذا من كلام يحيى عليه السلام، ولكنّه بوحي من الله، فهو من هذه الحيثية يشهد للحديث. والله أعلم.

والحديث في "صحيح ابن خزيمة" برقم (1/ 244)، وأما عزو الثلاثة إليه برقم (2/ 62) فوهْم منْ أوهامهم الكثيرة، فإنه يشير إلى حديث آخر لحذيفة في البصق بين يديه، ورواه ابن ماجه أيضاً، وسنده حسن غير إسناد هذا!! ومخرَّج في "الصحيحة"(1596).

(2)

كذا قال: وتبعه الهيثمي، وفيه عند أحمد (2/ 311) يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف.

وفي "مسند أبي يعلى"(5/ 30) العرزمي، متروك. لكن تابعهما ليث بن أبي سليم، وكان اختلط.

أخرجه البيهقي (2/ 120) بتمامه، وابن أبي شيبة (2/ 285) جملة إقعاء القرد، فالحديث حسن.

وهي رواية لأحمد (2/ 265) من طريق يزيد، ومن غرائب تصرفات المؤلف أنّ السياق المذكور لفّقه من روايتي "المسند"، فالشطر الأول في الموضع الأول منه، والشطر الآخر في الموضع الآخر منه!!

(3)

قلت و (الإقعاء) -بالمعنى الآخر- من السنة بين السجدتين فقط؛ كما ثبت عن جمع من الصحابة مرفوعاً؛ ولذلك أوردته في "صفة الصلاة"، فراجعْه.

ص: 361

‌37 - (الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة)

556 -

(1)[صحيح] عن مُعَيْقِيبٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تَمسحْ وأنت تُصلي، فإنْ كنت لابُدَّ فاعلاً فواحدةً

(1)

، تَسوِيةَ

(2)

الحصى".

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه.

557 -

(2)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال:

سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة؟ فقال:

"واحدةً، ولأنْ تُمسِكَ عنها خيرٌ لك من مئةِ ناقةٍ، كلُّها سُودُ الحَدَقِ".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

بالنصب، أي: فافعل فعلة واحدة، أو مرة واحدة لا أكثر. قال الحافظ ابن حجر:"ويجوز الرفع، فيكون التقدير: فالجائز واحدة، أو مرة واحدة تجوز".

قلت: وفيه إشارة إلى وجوب السكون في الصلاة، وعدم جواز الحركات فيها إلا لحاجة.

(2)

أي: لأجْل تسوية الحصى. وكان الأصل "تسوي"، والتصويب من "سنن أبي داود"، واللفظ له، وهو في "صحيح أبي داود" برقم (872).

ص: 362

‌38 - (الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة).

558 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

"نُهِيَ عن الخَصْر في الصلاةِ".

رواه البخاري ومسلم والترمذي، ولفظهما:

"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يصليَ الرجلُ مُختصِراً".

والنسائي نحوه، وأبو داود، وقال:

"يعني: يضع يده على خاصرته".

(1)

(1)

قلت: وهذا هو الصحيح في معنى الاختصار هنا، كما قال النووي في "شرح مسلم"، وذكر في تعليل ذلك أقوالاً، ليس فيها ما تطمئن إليه النفس، منها: أنّه فعل اليهود، وفيه حديث تراه في الكتاب الآخر.

ص: 363

‌39 - (الترهيب من المرور بين يدي المصلي).

559 -

(1)[صحيح] عن أبي الجُهَيم

(1)

عبدِ الله بن الحارثِ بن الصِّمَّة الأنصاري قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لو يَعلم المارَّ بين يَدَيِ المصلي ماذا عليه

(2)

لكان أن يقفَ أربعينَ، خيراً له من أن يَمُرَّ بين يديه

(3)

".

قال أبو النضر: لا أدري قال:

"أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

560 -

(2)[صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إذا صلّى أحدُكم إلى شيءٍ يَستُرُه من الناس، فأَراد أحدٌ أنْ يَجتازَ بين يديه؛ فليدفعْ في نحرِه، فإنْ أبى؛ فَليقاتله، فإنَّما هو شيطان".

وفي لفظ آخر:

"إذا كان أحدُكم يصلِّي، فلا يَدَعْ أحداً يَمُرُّ بين يديه، ولَيَدْرأْهُ ما استطاع، فإنْ أبى؛ فليقاتِلْه، فإنما هو شيطانٌ".

رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، وأبو داود نحوه.

(1)

بضم الجيم مصغراً، ووقع في طبعة عمارة ونسخة الحافظ ونسخة الناجي من الكتاب:

(أبو الجهم) مكبِّراً، ثم أطال الناجي في بيان خطأ نسخته، وأنَّ الصواب بالتصغير.

(2)

أي: لو يعلم ماذا عليه من الإثم والخطيئة لوقف، ولكان وقوفه خيراً له. .

(3)

أي: أمامه بالقرب منه، وحدّه ما بينه وبين موضع سجوده، وعبّر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما. والله أعلم.

ص: 364

وقوله: (وليدرأْه) بدال مهملة، أي: فليدفعه، بوزنه ومعناه.

561 -

(3)[صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا كان أحدُكم يصلّي، فلا يَدَعْ أحداً يمرُّ بين يديه، فإنْ أبى؛ فليقاتِله، فإنّ معه القرين".

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

562 -

(4)[صحيح موقوف] وعن عبد الله بن عمروٍ قال:

لأنْ يكون الرجلُ رماداً يُذرَى به؛ خير له من أنْ يمرَّ بين يدي رجلٍ متعمداً وهو يصلّي.

رواه ابن عبد البر في "التمهيد" موقوفاً.

(2)

(1)

قال الناجي (79): "هذا عجيب! فالحديث في صحيح مسلم سنداً ومتناً".

قلت: وهو في "مسلم"(2/ 58).

(2)

أخرجه هو (21/ 149)، وكذا أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 354) من طريق أبي عمران الغافقي عنه، وإسناد الأول صحيح.

ص: 365

‌40 - (الترهيب من ترك الصلاة تعمداً، وإخراجها عن وقتها تهاوناً).

563 -

(1)[صحيح] عن جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بين الرجلِ وبين الكفرِ تركُ الصلاةِ".

رواه أحمد، ومسلم وقال:

"بينَ الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ".

وأبو داود، والنسائي ولفظه:

"ليس بينَ العبدِ وبين الكفرِ إلاَّ تركُ الصلاةِ".

والترمذي، ولفظه: قال:

"بين الكفر والإيمان تركُ الصلاةِ".

وابن ماجه، ولفظه قال:

"بين العبد وبين الكفر تركُ الصلاةِ".

(1)

564 -

(2)[صحيح] وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمَن تَركها فقد كَفَرَ".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال:

"حديث حسن صحيح"، وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح، ولا نعرف له علة".

(2)

(1)

وبهذا اللفظ عينه رواه أبو داود (4678)؛ خلافاً لما يوهمه صنيع المؤلف.

(2)

قلت: ووافقه الذهبي (1/ 6)، وهو كما قالا. ولم أجده عند أبي داود، وقد رواه ابن ماجه (1/ 333)، ولم يعزه المِزِّي في "تحفة الأشراف"(1960) لأبي داود.

ص: 366

565 -

(3)[صحيح موقوف] وعن عبدِ اللهِ بنِ شَقيق العُقَيْلِيِّ رضي الله عنه قال:

كان أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا يَرَونَ شيئاً من الأعمال تركُه كفرٌ؛ غيرَ الصلاة.

رواه الترمذي.

(1)

566 -

(4)[صحيح] وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"بين العبدِ وبين الكفرِ والإيمان الصلاةُ، فإذا تَرَكَها فقد أشركَ".

رواه هبة الله الطبري بإسناد صحيح

(2)

.

567 -

(5)[حسن لغيره] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أنْ:

"لا تُشرِكْ بالله شيئاً إنْ قُطِّعْتَ أو حُرِّقْتَ، ولا تَتْرُكْ صلاةً مكتوبةً متعمِّداً، فمَن تركها متعمداً فقد بَرِئَتْ منه الذِّمةُ، ولا تَشربِ الخمرَ، فإنّها مفتاحُ كلِّ شَرٍّ".

رواه ابن ماجه والبيهقي عن شهر بن حَوشَب عن أم الدرداء عنه.

(3)

568 -

(6)[حسن لغيره] ورواه [يعني حديث أنس الذي في "الضعيف"] محمد بن نصر في "كتاب الصلاة"، ولفظه: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"بين العبدِ والكفرِ أو الشركِ تركُ الصلاةِ، فإذا ترك الصلاةَ فقد كفر".

(1)

رواه الحاكم (1/ 1) عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة به، وصححه الحاكم، وقال الذهبي:"وإسناده صالح"، وأقول: فيه قيس بن أنيف، ولم أعرفه. وقد خالفه الترمذي فلم يذكر فيه أبا هريرة، وهو الصواب، لكنّي وجدت له شاهداً عن جابر بن عبد الله بنحوه. أخرجه ابن نصر في "الصلاة"(238/ 1) بسند حسن. وهذا ونحوه محمول على المعاند المستكبر الممتنع من أدائها ولو أنذر بالقتل. كما قال ابن تيمية وابن القيم، انظر رسالتي "حكم تارك الصلاة".

(2)

أخرجه في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"(3 و 4/ 822/ 1521) وقال: "إسناد صحيح على شرط مسلم". وهو قريب من لفظ الترمذي (2621) عن جابر: بين الكفر والإيمان ترك الصلاة".

(3)

قلت: لكن له شواهد عن معاذ وغيره. انظر الحديث الآتي بعده، وقد خرَّجتها في كتابي "إرواء الغليل"(2026).

ص: 367

[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه عن يزيد الرقاشي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ليسَ بين العبد والشرك إلاَّ تركُ الصلاة، فإذا تَرَكها فقد أشرك".

569 -

(7)[حسن لغيره] وعن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال:

أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله! علِّمني عملاً إذا أنا عَمِلتُه دخلتُ الجنة. فقال:

"لا تُشركْ بالله شيئاً وإنْ عُذِّبْتَ وحُرِّقْتَ، أطع والدَيْكَ وإنْ أخرجاك من مالكَ، ومن كلّ شيءٍ هو لَكَ، ولا تترك الصلاةَ متعمِّداً، فإنّ مَن تركَ الصلاةَ متعمداً، فقد برئت منه ذمةُ الله" الحديث.

رواه الطبراني في "الأوسط"، ولا بأس بإسناده في المتابعات.

570 -

(8)[حسن لغيره] وعنه قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلماتٍ، قال:

"لا تُشرِكْ بالله شيئاً وإنْ قُتِلتَ وحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والدَيْكَ وإنْ أمراك أنْ تخرج من أهلِك ومالِك، ولا تَتْرُكنَّ صلاةً مكتوبةً متعمداً؛ فإنَّ مَن ترك صلاةً مكتوبةً متعمداً؛ فقد بَرِئتْ منه ذِمةُ الله، ولا تشربَنَّ خمراً؛ فإنّه رأسُ كل فاحشة، وإياكَ والمعصيةَ، فإنَّ بالمعصيةِ حَلَّ سخط اللهِ، وإياك والفِرارَ من الزحف، وإنْ هَلَكَ الناسُ، وإنْ أصابَ الناس موت فاثْبُتْ، وأنفِق على أهلك من طَوْلِك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخِفْهم في اللهِ".

رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وإسناد أحمد صحيح لو سلِم من الانقطاع؛ فإنَّ عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير لم يسمع من معاذ.

(1)

(1)

قلت: لكن له شواهد يتقوَّى بها، بعضها في "الأدب المفرد" للبخاري و"المجمع"(4/ 216 - 217)، ومنها ما قبله وما بعده. وانظر "الإرواء"(7/ 89 - 91).

ص: 368

571 -

(9)[حسن لغيره] وعن أُمَيْمَةَ مولاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:

كنت أَصُبُّ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَضوءه، فدخل رجلٌ، فقال: أوصني، فقال:

"لا تُشرك باللهِ شيئاً وإن قُطِّعتَ وحُرِّقتَ بالنار، ولا تَعصِ والديك، وإن أمراك أنْ تَخلَّى من أهلك ودنياك فَتَخَلَّ، ولا تَشرَبن خَمراً، فإنها مفتاحُ كلِّ شرٍ، ولا تَتْرُكَنَّ صلاةً متعمداً، فمن فعل ذلك؛ فقد برئت منه ذِمة الله وذمة رسوله" الحديث.

رواه الطبراني، وفي إسناده يزيد بن سنان الرُّهاوي.

(1)

572 -

(10)[صحيح] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لَتُنْقَضَنَّ عُرى الإسلام عُروةً عروةً، فكلما انتقضت عُروةٌ تَشَبَّثَ الناسُ بالتي تليها، فأولُهنَّ نقضاً الحُكْمُ، وآخِرُهُنَّ الصلاةُ".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

(2)

573 -

(11)[صحيح لغيره] وعن أمّ أيمنَ رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تتركِ

(3)

الصلاةَ متعمداً؛ فإنه من ترك الصلاةَ متعمداً؛ فقد برئت منه ذمةُ الله رسولِه".

(1)

بضم الراء وفتح الهاء نسبة إلى (الرُّها) مدينة من بلاد الجزيرة. وأما (الرَّهاوي) بفتح الراء فنسبة إلى (رَها) بطن من مذحج كما في "اللباب" لابن الأثير.

(2)

قلت: ورواه أحمد (5/ 251)، والحاكم، وصححه، وفي سنده تحريف خفي على الذهبي، فضعف الحديث من أجله! وإسناد أحمد صحيح.

(3)

الخطاب لبعض أهله، وهو ثوبان كما في بعض الروايات عند عبد بن حميد في "المنتخب"(3/ 274 - 276)، ونقله الناجي (80 - 81)، وذكر أن من ساق الحديث بلفظ:"لا تتركي" بزيادة ياء التأنيث، فقد وهم، والحديث وإن كان المؤلف قد أعله بالانقطاع، فهو ثابت، لأن له شواهد كثيرة في الأصل هنا وغيره كما تقدم.

ص: 369

رواه أحمد، والبيهقي، ورجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن مكحولاً لم يسمع من أم أيمن.

574 -

(12)[حسن موقوف] وعن ابن مسعود قال:

مَن ترك الصلاة فلا دينَ له.

رواه محمد بن نصر أيضاً موقوفاً.

(1)

575 -

(13)[صحيح موقوف] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال:

لا إيمان لمن لا صلاةَ له، ولا صلاةَ لمن لا وُضوءَ له.

رواه ابن عبد البَرِّ وغيرُه موقوفاً

(2)

.

وقال ابن أبي شيبة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"من ترك الصلاة؛ فقد كفر".

وقال محمد بن نصر المروزي: "سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر،

(3)

وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".

(4)

(1)

قلت: ورواه ابن أبي شيبة في "كتاب الإيمان"(184/ 2)، والطبراني في "المعجم الكبير"(3/ 19/ 1) بسند حسن.

(2)

وكذا رواه هبة الله الطبري في "شرح الأصول"(2/ 828/ 1536)، وابن نصر (2/ 903/ 945)، وإسناده صحيح.

(3)

قلت: لم أره بلفظ (كافر) مرفوعاً من وجه ثابت، وإنما صح بلفظ:". . . فقد كفر" كما تقدم، وفرق كبير بين اللفظين عند أهل العلم، لا مجال لبيانه هنا.

(4)

قلت: وزاد ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 226) عن إسحاق: "إذا أبى من قضائها وقال: لا أصلي". ففي قوله هذا ما يشعر أنه لا يصلي عناداً واستكباراً عن الخضوع لله بها، فهو في هذه الحالة ونحوها كافر. وليس كذلك من يقول مثلاً في هذا الزمان الذي عطلت فيها إقامة الحدود الشرعية -حين ينكر عليه ترك الصلاة قال-: الله يتوب علي، والله يعلم أنه صادق فيما يقول،

ص: 370

ورُوي عن حماد بن زيد عن أيوب قال: "ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه".

576 -

(14)[حسن موقوف] وعن مصعب بن سعد قال:

قلت لأبي: يا أبتاه! أرأيت قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} أيُّنا لا يسهو؟ أيُّنا لا يُحَدِّثُ نفسَه؟

قال: ليس ذلك، إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يَضيعَ الوقتُ.

رواه أبو يعلى بإسناد حسن.

577 -

(15)[صحيح] وعن نوفل بن معاوية رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن فاتته صلاةٌ؛ فكأنما وُتِر أهلَه ومالَه".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

578 -

(16)[صحيح] وعن سمرة بن جندب قال:

كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مما يُكثِرُ أن يقولَ لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا؟ "، فيُقصُّ عليه ما

(1)

شاءَ اللهُ أنْ يُقصَّ، وإنه قال لنا ذاتَ غداةٍ:

"إنه أَتاني الليلةَ اثنان، وإنهما ابتَعَثاني، وإنهما قالا لي: انطلقْ، وإني انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرةٍ، وإذا هو يَهوي بالصخرة لرأْسِه فَيَثْلَغُ رأْسَه، فَيَتَدَهْدَهُ الحجرُ، فيأْخذُه، فلا يرجع إليه حتى يَصحِّ رأْسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثلَ ما فعل المرةَ الأُولى. قال: قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق، انطلق.

فأَتينا على رجلٍ مستلقٍ على قفَاه، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بِكَلُّوب من

= فمثله لو أنذر بالقتل إن أبى -يصلي، فليس الكفر هو لمجرد الترك، بل ما اقترن به من العمل الدال على الكفر القلبي، فعليه تحمل أحاديث الباب وآثاره. والله أعلم.

(1)

كذا الأصل، والصواب:(مَن) كما نبه عليه الناجي (81).

ص: 371

حَديد، وإذا هو يأتي أحدَ شِقَّيْ وَجهه فَيُشَرشِر شِدْقَه إلى قفاه، ومَنْخَرَه إلى قفاه، وعينَه إلى قفاه، (قال: وربما قال أبو رجاء: فَيَشُقُّ)

(1)

، قال: ثم يتحول إلى الجانبِ الآخرِ، فيفعل به مثلَ ما فعل بالجانب الأول. قال: فما يفرغُ من ذلك الجانبِ حتى يَصحَّ ذلك الجانبُ كما كان، ثم يعودُ عليه فيفعل [مثلَ ما فعل]

(2)

المرةَ الأولى. قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قالا لي: انطلقْ انطلقْ.

فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور

(3)

-قال: فأَحسَب أنه كان يقول: -فإذا فيه لَغَطٌ وأصواتٌ. قال: فاطَّلَعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عُراةٌ، فإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوْضَوْا، قال: قلتُ: ما هؤلاءِ؟ قالا لي: انطلقْ انطلقْ. قال:

فانطلقنا، فأتينا على نهرٍ -حسِبتُ أنه كان يقول:- أحمرَ مثلِ الدم، وإذا في النهر رجلٌ سابح، يَسْبَح، وإذا على شطِّ النهر رجل قد جمع عنده حجارةً كثيرةً، وإذا ذلك السابحُ يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارةَ، فَيَفْغرُ فاه، فيُلْقِمُه حجراً، فينطلقُ فيسبحُ، ثم يرجعُ إليه، كلما رجع إليه فَغَرَ فاه، فألقمه حجراً، قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق.

فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المَرآة، كأكره ما أنتَ راءٍ رجلاً مَرآةً، وإذا عنده نارٌ يَحُشُّها، ويسعى حولَها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق.

(1)

أي: بدل قوله: (فيشرشر).

(2)

سقطت من الأصل، واستدركتها من (صحيح البخاري)، وصححت منه بعض الكلمات وقعت خطأ في الأصل.

(3)

وفي رواية للبخاري:

"فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها".

ص: 372

فانطلقنا، فأتينا على روضةٍ مُعْتمةٍ

(1)

فيها من كل نَوْرِ الربيع، وإذا بين ظهرَي الروضة رجلٌ طويلٌ، لا أكادُ أرى رأسَه طُولاً في السماءِ، وإذا حولَ الرجل من أكثرِ ولدانٍ رأيتهم [قط]،

(2)

قال: قلت: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق.

فانطلقنا، فأتينا على دوحةٍ

(3)

عظيمة، لم أرَ دوحةً

(4)

قط أعظمَ ولا أحسنَ منها، قال: قالا لي: ارقَ فيها، فارتقَيْنا إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلَبِنِ ذهبٍ، ولبنِ فضةٍ، فأتينا بابَ المدينةِ، فاستفتحنا، ففُتِحَ لنا، فدخلناها، فتلقانا رجالٌ شطرٌ من خَلقِهم كأحسن ما أنتَ راءٍ، وشطرٌ منهم كأقبح ما أنت راءٍ، قال: قالا لهم: اذهبوا فَقَعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترضٌ يجري كأنَّ ماءَه المحضُ في البياض، فذهبوا، فوقعوا فيه، ثم رجَعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أَحسنِ صورةٍ. قال:

قالا لي: هذه جنةُ عدنٍ، وهذا منزلُك، قال: فَسَما بصري صُعُداً، فإذا قصرٌ مثلُ الرَّبابةِ

(5)

البيضاء، قال: قالا لي: هذا منزلُك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، فذراني فأَدْخلَه، قالا: أما الآن فلا، وأَنت داخِلُه. قال:

قلت لهما: فإني [قد]

(6)

رأيتُ منذ الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيتُ؟ قال: قالا لي: إنا سنخبرُك:

أما الرجلُ الأولُ الذي أتيتَ عليه يُثْلَغُ رأسُه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ

(1)

وفي رواية لأحمد "معشِبَة".

(2)

زيادة من "صحيح البخاري".

(3)

هذه اللفظة من رواية أحمد والنسائي، وأبي عوانة والإسماعيلي كما في "الفتح".

وأما رواية البخاري فبلفظ: "روضة" في الموضعين.

(4)

هذه اللفظة من رواية أحمد والنسائي، وأبي عوانة والإسماعيلي كما في "الفتح".

وأما رواية البخاري فبلفظ: "روضة" في الموضعين.

(5)

هي السحابة التي ركب بعضها بعضاً كما فى "النهاية"، وسيذكر المؤلف نحوه.

(6)

زيادة من "صحيح البخاري".

ص: 373

القرآنَ فَيرْفُضُه، وينامُ عن الصلاةِ المكتوبِة.

وأما الرجلُ الذي أتيتَ عليه يُشَرْشَرُ شِدقُه إلى قفاه، ومنخرُه إلى قفاه، وعينُه إلى قفاه، فإنه الرجلُ يغدو من بيته فيكذب الكِذبةَ تبلغُ الآفاق.

وأما الرجالُ والنساءُ العُراةُ الذين هم في مِثلِ بناءِ التنور، فإنهم الزُّناةُ والزَّواني.

وأما الرجل الذي أتَيتَ عليه يَسبح في النهر، ويُلقَمُ الحجَر، فإنه آكلُ الربا.

وأما الرجلُ الكريهُ المَرآةِ، الذي عند النار يَحُشُّها ويسعى حولَها، فإنه مالكٌ، خازنُ جهنم.

وأما الرجل الطويل الذي في الروضةِ، فإنه إبراهيم.

وأما الوِلْدان الذين حوله فكلُّ مولودٍ مات على الفطرة".

قال: فقال بعض المسلمين: يا رسولَ الله! وأولادُ المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"وأولادُ المشركين".

"وأما القومُ الذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ، وشطرٌ منهم قبيحٌ، فإنهم قومٌ خَلَطوا عملاً صالحاً وآخرَ سيئاً تجاوز الله عنهم".

رواه البخاري. وذكرته هنا بتمامه لأحيل عليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

قوله: (يَثْلَغُ رأسه) أي: يشدخ.

قوله: (فيتدهده) أي: فيتدحرج.

و (الكلوب) بفتح الكاف وضمها وتشديد اللام: هو حديدة معوجة الرأس.

وقوله: (يُشَرْشِرُ شدقه) هو بشينين معجمتين، الأولى منهما مفتوحة، والثانية

ص: 374

مكسورة، وراءين، الأولى منهما ساكنة، ومعناه: يقطعه ويشقه.

و (اللغط) محركاً: هو الصخب والجلبة والصياح.

وقوله: (ضَوْضَوا) بفتح الضادين المعجمتين وسكون الواوين: وهو الصياح مع الانضمام والفزع.

وقوله: (ففغر فاه) بفتح الفاء والغين المعجمة معاً بعدهما راء، أي: فتحه.

وقوله: (يَحُشُّها) هو بالحاء المهملة المضمومة والشين المعجمة، أي: يوقدها.

وقوله: (معتمة) أي: طويلة النبات، يقال: اعتمَّ النبت إذا طال.

و (النَّور) بفتح النون: هو الزهر.

و (المحض) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة: هو الخالص من كل شيء.

وقوله: (فَسَما بصري صُعُداً) بضم الصاد والعين المهملتين، أي: ارتفع بصري إلى فوق.

و (الربابة) هنا: هي السحابة البيضاء.

قال أبو محمد بن حزم

(1)

:

"وقد جاء عن عُمَرَ، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاةَ فرضٍ واحدةً متعمداً حتى يخرج وقتها؛ فهو

(1)

في "المحلى"(2/ 242)، لكن قوله:"ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفاً"، ليس هو عند ابن حزم هنا، وإنما هو عنده قبيل هذا الكلام الذي نقله المؤلف عنه، وإنما هو عنده في مؤخِّر الصلاة عن وقتها عمداً، فراجعه. ثم إنَّ قول ابن حزم:"مرتد" لم أره مروياً عن أحد من الصحابة، بخلاف قوله "كافر"، فإنه روي عن بعضهم موقوفاً مرفوعاً، كما تراه في الكتاب الآخر في الباب نفسه. ولتمام الفائدة انظر الحاشية (ص 370).

ص: 375

كافر مرتد. ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفاً".

(قال الحافظ) عبد العظيم:

"قد ذهبتْ جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها، حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم. ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم رحمهم الله تعالى"

(1)

.

(1)

قلت: في ذكر المؤلف بعض هؤلاء الصحابة وغيرهم في جملة من قال بكفر تارك الصلاة نظر لا يتسع المجال لتفصيل القول في ذلك وبيانه، لكن أذكر منهم على سبيل المثال عمر بن الخطاب وعبد الله بن العباس؛ فإنه لم يصح ذلك عنهما، فانظر في الكتاب الآخر "ضعيف الترغيب" التعليق على هذين الأثرين و"سلسلة الأحاديث الضعيفة"(5650).

ونحو ذلك ذكره فيهم أحمد بن حنبل، وهذا وإن كان يذكره بعض الحنابلة المتأخرين، فإنه لا يصح عند محققيهم، فقد ذهب كثير منهم إلى عدم تكفيره إلا بالجحد ونحوه، كمثل ابن بطة كما تقدم في التعليق على حديث عبادة بن الصامت في (13 - باب)، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه البار ابن قيم الجوزية، ومن سار على منوالهم، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعاً، كيف لا وقد صح عن إمام السنة أنه سئل عن ترك الصلاة متعمداً، فقال:

". . . والذي يتركها لا يصليها، والذي يصليها في غير وقتها؛ أدعوه ثلاثاً فإن صلى وإلا ضربت عنقه، هو عندي بمنزلة المرتد. . .".

ونحوه كلام المجد ابن تيمية وحفيده ابن تيمية وكثير من محققي الحنابلة ومنهم الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كما تراه محققاً مفصلاً في كتابي "حكم تارك الصلاة".

ص: 376

‌6 - كتاب النوافِل

(1)

.

‌1 - (الترغيب في المحافظة على ثنتي عشرة ركعة من السُّنة في اليوم والليلة)

579 -

(1)[صحيح] عن أم حبيبة رَمْلةَ بنتِ أبي سفيانَ رضي الله عنهما قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما من عبدٍ مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثِنْتَي عَشْرَةَ ركعةً تطوعاً غيرَ فريضة

(2)

؛ إلا بَنىَ الله تعالى له بيتاً في الجنة، أو: إلا بُنِيَ له بيتٌ في الجنةِ".

رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي، وزاد:

"أربعاً قبلَ الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة"

(3)

.

580 -

(2)[صحيح لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من ثابر على ثِنْتَيْ عَشْرةَ ركعةً في اليوم والليلةِ دخلَ الجنةَ، أربعاً قبل

(1)

(النوافل) جمع نافلة: وهي صلاة التطوع؛ لأنها زوائد عن الفرض.

(2)

هو من باب التوكيد، ورفع احتمال إرادة الاستعارة، وهكذا ينبغي استعمال التوكيد إذا احتيج ليه. والله أعلم.

(3)

في الأصل هنا: (ورواه بالزيادة ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال: "صحيح على شرط مسلم"، إلا أنهم زادوا: "ركعتين قبل العصر"، ولم يذكروا: "ركعتين بعد العشاء"، وهو كذلك عند النسائي في رواية، ورواه ابن ماجه فقال: "وركعتين قبل الظهر، وركعتين -أظنه- قبل العصر"، ووافق الترمذي على الباقي).

قلت: الزيادتان ضعيفتان، وقوله:"رواه ابن ماجه" يشعر أنه رواها عن أم حبيبة، وليس كذلك، فهي عنده من حديث أبي هريرة، فتنبه.

ص: 377

الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر".

رواه النسائي -وهذا لفظه-، والترمذي وابن ماجه من رواية المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة. وقال النسائي:

"هذا خطأ، ولعله أراد عنبسة بن أبي سفيان فصحف"

(1)

.

ثم رواه النسائي عن ابن جريج عن عطاء عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة. وقال:

"عطاء بن أبي رباح لم يسمعه من عنبسة" انتهى.

(ثابر): بالثاء المثلثة وبعد الألف باء موحدة ثم راء، أي: لازم وواظب.

(1)

كذا الأصل، وفيه خفاء يظهر من عبارة النسائي في "التلخيص الحبير":"هذا خطأ، ولعل عطاء قال: "عن عنبسة"، فصحف بعائشة".

يعني: أن الحديث من رواية أم حبيبة، وليس عن عائشة، والله أعلم.

ص: 378

‌2 - (الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح).

581 -

(1)[صحيح] عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فِيها

(1)

".

رواه مسلم والترمذي. وفي رواية لمسلم:

"لهما أحب إليَّ من الدنيا جميعاً".

582 -

(2)[صحيح] وعنها قالت:

لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشدَّ تعاهداً منه على رَكْعَتَيِ الفجر.

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن حزيمه في "صحيحه".

وفي رواية لابن خزيمة: قالت:

"ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى شيءٍ من الخير أسرعَ منه إلى الركعتين قبلَ الفجر، ولا إلى غنيمة".

583 -

(3)[صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعدلُ ثلث القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تَعدِلُ ربعَ القرآن"، وكان يقرؤهما في ركعتي الفجر. . .

(2)

.

رواه أبو يعلى بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير"، واللفظ له.

(1)

أي: من متاع الدنيا.

(2)

هنا في الأصل قوله: "فيهما رغب الدهر". فحذفته لخلوه من شاهد، فهو بهذا الاعتبار من الكتاب الآخر. وهو مخرج في "الضعيفة"(5051) مع الإشارة إلى الشواهد التي تقوي جملة (الربع) المذكورة هنا.

ص: 379

‌3 - (الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها).

584 -

(1)[حسن صحيح] عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن يُحافظُ على أربعِ ركعاتٍ قبلَ الظهر، وأربعٍ بعدها؛ حَرَّمَه الله على النار".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من رواية القاسم أبي عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، عن عنبسة بن أبي سفيان عن أمّ حبيبة. وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح غريب، والقاسم [هو] ابن عبد الرحمن، [يكنى أبا عبد الرحمن]

(1)

شامي ثقة" انتهى.

وفيِ رواية للنسائي:

"فتَمَسَّ وجهَهُ النارُ أبداً".

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن سليمان بن موسى عن محمد بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة.

قال الحافظ رضي الله عنه: "ورواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة في "صحيحه" أيضاً وغيرهم من رواية مكحول عن عنبسة، ومكحول لم يسمع من عنبسة. قاله أبو زرعة وأبو مُسهِر والنسائي وغيرهم، ورواه الترمذي أيضاً وحسنه، وابن ماجه؛ كلاهما من رواية محمد ابن عبد الله الشُّعَيْثي عن أبيه عن عنبسة، ويأتي الكلام على محمد".

585 -

(2)[حسن لغيره] ورُوي عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"أربعٌ قبلَ الظهرِ. . .، تُفتح لهن أبوابُ السماء".

رواه أبو داود -واللفظ له- وابن ماجه، وفي إسنادهما احتمال للتحسين.

(2)

(1)

هذه وما قبلها من (الترمذي) رقم (428).

(2)

قلت: لكن له طرق أخرى يتقوى بها دون قوله: "ليس فيهن تسليم"، وقد أشرت إليه بالنقط، وخرجته في "صحيح أبي داود"(1193) ويشهد له حديثُ عبد الله بن السائب الآتي بعد حديث.

ص: 380

[حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ولفظه: قال:

لما نزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليّ رأيته يديم أربعاً قبل الظهر، وقال:

"إنه إذا زالت الشمسُ فتِحَتْ أبوابُ السماءِ، فلا يُغلقُ منها بابٌ حتى يُصلى الظهرُ، فأنا أَحبُّ أن يُرفعَ لي في تلك الساعة خير".

(1)

586 -

(3)[حسن لغيره] وعن قابوس عن أبيه قال:

أرسل أبي إلى عائشة: أيَّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبُّ إليه أن يواظب عليها؟ قالت:

كان يصلي أربعاً قبل الظهر، ويطيلُ فيهن القيامَ، وُيحسنُ فيهن الركوع والسجود.

رواه ابن ماجه.

وقابوس هو ابن أبي ظبيان؛ وثَّقَ، وصحح له الترمذي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم، لكن المرسَلُ إلى عائشة مبهم. والله أعلم.

587 -

(4)[صحيح] وعن عبد الله بن السائبِ رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمسُ قبلَ الظهرِ،

(2)

وقال:

"إنَّها ساعةٌ تُفتحُ فيها أبوابُ السماءِ، فأُحِبُّ أنْ يَصعد لي فيها عملٌ صالحٌ".

رواه أحمد، والترمذي، وقال:"حديث حسن غريب".

(1)

لم يتكلم عنه الهيثمي، لكن له عند الطبراني في "الكبير"(4/ 200 - 203) طرق دون جملة التسليم، ويشهد له ما بعده.

(2)

مفهومه أنه كان لا يصليها قبل الجمعة، وهو من المفاهيم التي يجب الأخذ بها، لثبوت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى المسجد جلس على المنبر فوراً دون فصل، ثم إذا جلس أذن بلال، فإذا انتهى منه خطب عليه الصلاة والسلام، فليس هناك وقت لصلاة ركعتين، بله أربعاً في السنة المحمدية، فهل آن للمقلدة أن يعرفوا هذه الحقيقة؟! وأن الصلاة المطلقة مشروعة قبل الأذان والزوال؟! انظر تفصيلي هذا الإجمال في رسالتي "الأجوبة النافعة".

ص: 381

‌4 - (الترغيب في الصلاة قبل العصر).

588 -

(1)[حسن] عنِ ابن عُمرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"رَحِمَ اللهُ امرَأً صلّى قبلَ العصرِ أربعاً".

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

‌5 - (الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء).

589 -

(1)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه

في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} :

نزلت في انتظار الصلاةِ التي تُدعى العَتَمَة.

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح غريب".

[صحيح] وأبو داود؛ إلا أنه قال:

كانوا يتيقظون

(1)

ما بين المغرب والعشاء، يصلون.

وكان الحسن

(2)

يقول: قيام الليل.

590 -

(2)[صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال:

أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغربَ، فصلى إلى العشاء.

رواه النسائي

(3)

بإسناد جيد.

(1)

في الأصل والمخطوطة ومطبوعة عمارة "يتنفلون". والتصويب من "أبي داود" و"قيام الليل" لابن نصر، والسياق يؤكده. وأما المعلقون الثلاثة فلزموا الخطأ، وهم يدَّعون التحقيق! وقد ذكروا رقم الحديث عند أبي داود (1321)!! فلم يستفيدوا إلا التسويد!

(2)

وهو الحسن البصري.

(3)

قلت: في "السنن الكبرى"(5/ 80/ 8298) في أثناء حديث، وكذلك أخرجه الترمذي وابن حبان وغيرهما. وهو مخرَّج في "الصحيحة" (2/ 425). وأخرجه أحمد (5/ 404) مختصراً بلفظ:"فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء، ثم خرج".

ص: 382

‌6 - (الترغيب في الصلاة بعد العشاء).

وفي الباب أحاديث:

591 -

(1)[صحيح]"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء ورجعَ إلى بيتِهِ صلى أربعَ رَكعاتٍ".

(1)

أضربت عن ذكرها لأنها ليست من شرط كتابنا.

(2)

‌7 - (الترغيب في صلاة الوتر، وما جاء فيمن لم يوتر).

592 -

(1)[صحيح لغيره] عن علي رضي الله عنه قال:

الوترُ ليس بِحَتْمٍ كصلاتِكم

(3)

المكتوبة، ولكن سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، [و] قال:

"إن الله وترٌ يحب الوتر، فأوتروا يا أهلَ القرآنِ".

رواه أبو داود والترمذي -واللفظ له- والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن".

593 -

(2)[صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من خاف أن لا يقومَ مِنْ آخر الليلِ فليوتِرْ أوَّله، ومن طَمع أن يقومَ آخرَه فليوتِر آخرَ الليل؛ فإن صلاةَ آخرِ الليل مشهودةٌ محضورةٌ، وذلك أفضلُ".

رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم.

(1)

قلت: ثبت ذلك من حديث ابن عباس وغيره، في "صحيح البخاري" وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(1216 و 1218 و 1228).

(2)

يعني أنها ليس فيها ترغيب عليها من قوله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من فعله فقط.

(3)

الأصل: (كصلاة)، ودون زيادة الواو.

ص: 383

594 -

(3)[حسن صحيح] وعنه

(1)

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا أهل القرآن أوتروا؛ فإن الله وترٌ يحبُّ الوتر".

رواه أبو داود.

595 -

(4)[صحيح] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" مختصراً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

"إن الله وتر، يحبُّ الوترَ"

(2)

.

596 -

(5)[صحيح] وعن أبي تميم الجَيْشاني قال: سمعتُ عَمرَو بن العاص رضي الله عنه يقول: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ اللهَ عز وجل زادكم صلاةً، فصلُّوها فيما بين العشاء إلى الصبح: الوترَ الوترَ".

ألا وإنَّه أبو بصرة الغِفاري.

رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي أحمد رواته رواة الصحيح.

وهذا الحديث قد رُوي من حديث معاذ بن جبل، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس، وعقبة بن عامر الجهني، وعمرو بن العاص، وغيرهم.

(1)

كذا قال، ومقتضى قاعدة إعادة الضمير بل أقرب مذكور، أنه يعني جابراً، وليس هو من حديثه عند أبي داود، بل من حديث علي رضي الله عنه، وسنده حسن، ثم رواه عن ابن مسعود بمعناه. ولم ينج من الذهول عن هذا الناجي!

(2)

قلت: عزو هذا لابن خزيمة فقط تقصير فاحش؛ فالحديث عند الشيخين عن أبي هريرة مرفوعاً في حديث أوله: "إن لله تسعة وتسعين اسماً. . .". وقد نبه على هذا الناجي (82) رحمه الله تعالى.

ص: 384

8 -

(الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام).

597 -

(1)[حسن لغيره] عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن باتَ طاهراً باتَ في شِعاره مَلَكٌ، فلا يستيقظُ إلا قال الملَكُ: اللهم اغفِرْ لعبدِك فلانٍ؛ فإنّه باتَ طاهراً".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

(الشِّعار) بكسر الشين المعجمة: هو ما يلي بدن الإنسان من ثوب وغيره.

598 -

(2)[صحيح] وعن معاذِ بن جبلٍ رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما مِن مسلم يبيت طاهراً فَيَتَعَارُّ

(1)

مِن الليلِ، فيسألُ اللهَ خيراً من أمر الدنيا والآخرةِ؛ إلا أعطاه اللهُ إياه".

رواه أبو داود وابن ماجه، من رواية عاصم بن بهدلة عن شَهر عن أبي ظَبْيَة عن معاذ.

ورواه النسائي، وذكر أن ثابتاً البنانيِّ رواه أيضاً عن أبي ظَبية.

(2)

(1)

هو بمهملة وراء مشددة. قال في "المحكم": "تعارّ الظليم معارّة: صاح. (والتعار) أيضاً: السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلاً مع كلام. وقال الأكثر: (التعار): اليقظة مع الصوت".

وظاهر الحديث أنّ معنى (يتعار): يستيقظ وبذلك فسّره المؤلف في حديث آخر يأتي (10 - باب). والله أعلم.

(2)

قلت: كان الأصل: "ورواه النسائي وابن ماجه، وذكر أن ثابتاً رواه أيضاً عن شهر عن أبي ظبية". وكذا في المخطوطة التي عندي، وفيه أخطاء أهمها جعل رواية (ثابت) -كرواية (عاصم) - مدارها على (شهر)، وذلك يعني تضعيف الحديث، وهو صحيح لأن ثابتاً قال في رواية النسائي في "عمل اليوم والليلة" (469/ 805): فقدم عنينا أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ"، فليس بينه وبين (أبي ظبية) (شهر بن حوشب)، فصح الحديث والحمد لله. فالظاهر أن الخطأ من بعض النساخ، لأن توثيق المؤلف لـ (أبي ظبية) لا فائدة منه لو كان ثابت رواه عن (شهر) أيضاً، كما هو بين لا يخفى، وقد خرجته في "الصحيحة" (3288) برواية جماعة آخرين عن ثابت هكذا على الصواب. وغفل عنه المعلقون الثلاتة كعادتهم، ومع ذلك صححوه! مكتفين بإضافة الأرقام إلى المصادر الثلاثة التي ذكرها المؤلف، فما أبعدهم عن التحقيق الذي زعموه؟!

ص: 385

قال الحافظ: "و (أبو ظبية) بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحَّدة، شامي ثقة".

599 -

(3)[حسن لغيره] وعن ابن عباس

(1)

رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"طَهِّروا هذه الأجساد، طهَّركم اللهُ؛ فإنَّه ليس من عبدٍ يبيتُ طاهراً إلا باتَ معه في شِعاره مَلَك، لا ينقلبُ ساعةً من الليلِ إلا قال: اللهم اغفر لعبدِكَ؛ فإنَّه باتَ طاهراً".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيِّد.

600 -

(4)[حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما مِنِ امرئٍ تكون له صلاةٌ بليلٍ، فيغلبُه عليها نومٌ؛ إلا كتب الله له أجرَ صلاتِه، وكان نومُه عليه صدقةً".

رواه مالك وأبو داود والنسائي، وفي إسناده رجل لم يُسَمّ، وسماه النسائي في رواية له: الأسود بن يزيد، وهو ثقة ثبت، وبقية إسناده ثقات.

(2)

ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب التهجد" بإسناد جيد، ورواته محتجّ بهم في "الصحيح"

(3)

(1)

قلت: كذا هو في "أوسط الطبراني"(6/ 41/ 5083). ووقع في "المعجم الكبير"(12/ 446/ 13620) وغيره: "عن ابن عمر". ومدار إسنادهما على بعض مَن تُكلَّمَ في حفظهم، لكنْ لعل الثاني أرجح لأنه عند "كبير الطبراني"(13621) من طريق آخر، وهو مخرج في "الصحيحة"(2539).

(2)

قلت: هذا التوثيق إنما يصح بالنسبة لرواية الرجل الذي لم يسم، وأما رواية (الأسود بن يزيد) فلا يصح، لأن دونه (أبو جعفر الرازي)، قال النسائي نفسه عقب الحديث:"ليس بالقوي في الحديث". قلت: وبخاصة إذا خالف!

(3)

قلت: لم أقف على هذا الإسناد في نسخة "التهجد". انظر "الإرواء"(2/ 205).

ص: 386

601 -

(5)[صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه يَبلغُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن أتى فراشَه، وهو ينوي أنْ يقومَ يُصلي من الليلِ، فغلبتْه عينُه حتى أصبحَ، كُتِبَ له ما نوى، وكان نومُه صدقةً عليه من ربِّهِ".

رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد، وابن خزيمة في "صحيحه".

ورواه النَّسائي أيضاً، وابن خزيمة عن أبي الدرداء وأبي ذرّ موقوفاً. قال الدارقطني:

"وهو المحفوظ

(1)

"، وقال ابن خزيمة:

"هذا خبر لا أعلم أحداً أسنده غير حسين بن علي عن زائدة، وقد اختلف الرواة في إسناد هذا الخبر".

602 -

(6)[صحيح] وعن أبي ذرّ أو أبي الدرداء -شك شعبة- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"ما مِن عبد يُحَدِّثُ نفسَه بقيامِ ساعةٍ من الليلِ فينامُ عنها؛ إلا كان نومُه صدقةً تَصَدَّقَ اللهُ بها عليه، وكتَبَ له أجرَ ما نوى".

رواه ابن حبان في "صحيحه" مرفوعاً، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" موقوفاً، لم يرفعه.

(2)

(1)

قلت: ولكنّه لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع، وقد صحَّحه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وهو مخرج في "الإرواء"(2/ 204/ 454).

(2)

قلت: تقدم الجواب عنه آنفاً.

ص: 387

‌9 - (الترغيب في كلمات يقولهنّ حين يأوي إلى فراشه، وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى).

603 -

(1)[صحيح] عن البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"إذا أتيتَ مضْجَعَكَ،

(1)

فتوضأْ وضوءَكَ للصلاةِ، ثم اضطجعْ على شِقِّكَ الأَيمن، ثم قلْ:

(اللهم إنّي أسلمتُ نفسي إليكْ، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظَهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجاً منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، ونبيِّك الذي أرسلتَ).

فإنْ مُتَّ مِن ليلتِك فأنتَ على الفطرة، واجعلهُنَّ آخرَ ما تتكلم به". قال: فردَّدْتُها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغتُ (آمنتُ بكتابِك الذي أنزلْتَ)،

قلت: ورسولِك! قال: "لا، ونبيِّك الذي أرسلتَ".

(2)

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وفي رواية للبخاري والترمذي:

"فإنّك إنْ مُتَّ من ليلتِك، مُتَّ على الفطرةِ، وإنْ أصبحتَ أصبتَ خيراً".

(أوى): غير ممدود

(1)

هو حيثما جاء بفتح الجيم لا خلاف فيه، ومَن كسرها فقد أخطأ، فتنبَّهْ له، واعرفْ أنّ أهل اللغة والشيخ النووي وغير واحد نصّوا على فتح جيمه. كذا في "العجالة"(83).

(2)

فيه تنبيه قويٌّ على أنّ الأوراد والأذكار توقيفية، وأنّه لا يجوز فيها التصرّف بزيادة أو نقص، ولو بتغيير لفظ لا يفسد المعنى، فإنّ لفظ "الرسول" أعم من لفظة "النبي". ومع ذلك رده النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنَّ البراء رضي الله عنه قاله سهواً لم يتعمده! فأين منه أولئك المبتدعة الذين لا يتحرّجون من أيِّ زيادة في الذكر، أوِ نقص منه؟! فهل من معتبر؟ ونحوهم أولئك الخطباء الذين يبدلون من خطبة الحاجة زيادة ونقصاً، وتقديماً وتأخيراً، فليتنبه لهذا منهم من كان يرجو الله والدار الآخرة.

ص: 388

604 -

(2)[صحيح] [قلت: ولفظ الشيخين في حديث علي المذكور في "الضعيف": عن ابن أبي ليلى: حدثنا عليٌّ:

أنّ فاطمة اشتكتْ ما تلقى من الرَّحى في يدها، وأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم سبْيٌ، فانطلقتْ، فلم تجده وَلَقِيَت عائشةَ، فأخَبَرَتْها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشةُ بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"على مكانكما"، فقعد بيننا حتى وَجَدْتُ بَرْدَ قدمَيْه على صدري، ثم قال:

"ألا أعلِّمْكما خيراً مما سألتما إذا أخذتما مضجَعكما؟ أنْ تكبِّرا اللهَ أربعاً وثلاثين، وتسبِّحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خيرُ لكما من خادم"]

(1)

.

605 -

(3)[حسن لغيره] وعن فروة بن نوفل عن أبيه رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل:

"اقرأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثم نَمْ على خاتِمَتِها؛ فإنّها براءةٌ من الشرك".

رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي والنسائي متصلاً ومرسلاً، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال:"صحيح الإسناد".

606 -

(4)[صحيح] وعن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"خَصلتان أو خُلتان لا يحافظُ عليهما عبدٌ مسلمٌ، إلا دخل الجنةَ، هما

(1)

قلت: هذا لفظ الشيخين، لم أر إلا إيراده في الباب إتماماً للفائدة، وتمييزاً للصحيح عن الضعيف، وأما المعلقون الثلاثة فخلطوا، ولم يفرقوا بينهما، فصححوا الرواية الضعيفة، وعزوها للشيخين بالأرقام! فما أجرأهم على الكتاب بغير علم! هداهم الله.

ص: 389

يسيرٌ، ومَنْ يَعملْ بهما قليل، يُسَبِّحُ في دبرِ كل صلاةٍ عشراً، وَيَحمَدُ عشراً، ويكبِّر عشراً، فذلك خمسون ومئةٌ باللسان، وألفٌ وخمسمئة في الميزان، ويُكَبِّرُ أربَعاً وثلاثين إذا أخذ مَضجَعَه، وَيحمَدُ ثلاثاً وثلاثين، ويسبِّح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مئةٌ باللسان، وألفٌ في الميزان".

فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعْقِدها

(1)

.

قالوا: يا رسول الله! كيف "هما يسير، ومَن يعمل بهما قليل"؟ قال:

"يأتي أحدَكم -يعني- الشيطانُ في منامِه، فينَوِّمُهُ قبلَ أنْ يقولَه، ويأتيه في صلاته فيذكِّره حاجةً قبل أنْ يقولَها".

رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح"، والنسائي وابن حبان في "صحيحه"، وزاد بعد قوله:"وألف وخمسمئة في الميزان":

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"وأيُّكم يعمل في اليوم والليلةِ ألفين وخمسمئة سيئةٍ؟! ".

607 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من قال حين يأوي إلى فراشه: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)؛ غُفرت له ذنوبُه أو خطاياه -شك مِسعر- وإنْ كانت مثل زبد البحر".

رواه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وعند النسائي:

"سبحان الله وبحمده".

(1)

زاد أحمد في رواية: "بيده"، وفي رواية لأبي داود:"بيمينه"، وسندها صحيح، وحسنها النووي وكذا الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار". ومَن زعم أنّها حكاية من ابن قدامة -الراوي- لا يحتج بها، فهو دليل على أنّه لا معرفة له بهذا العلم البتة.

ص: 390

وقال في آخره:

"غُفِرَتْ له ذنوبُه ولو كانت أكثر مِن زَبَد البحر".

608 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أبي عبد الرحمن الحُبْلي قال:

أخرج إلينا عبدُ الله بنُ عمروٍ قرطاساً وقال:

كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلّمُنا؛ يقول:

"اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشهادةِ، أنت ربُّ كلِّ شيء، وإلهُ كلّ شيءٍ، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أعوذُ بكَ من الشيطانِ وشِرْكِهِ، وأعوذُ بك أن أقترفَ على نفسي سُوءاً

(1)

وأجُرَّه إلى مسلم".

قال أبو عبد الرحمن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه عبد الله بن عمرو، يقول ذلك حين يريد أن ينام.

رواه أحمد بإسناد حسن.

609 -

(7)[حسن] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من قالَ إذا أوى إلى فراشه: (الحمدُ لله الذي كفاني، وآواني، والحمدُ لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي منَّ عليَّ فأفضلَ)؛ فقد حَمِدَ اللهَ بجميعِ محامِدِ الخلقِ كلِّهم".

رواه البيهقي، ولا يحضرني إسناده الآن.

(2)

(1)

في "المسند": "إثماً" بدل: "سوءاً". وهذا في "المسند"(2/ 196) في رواية أخرى. وقد خرجته في "الصحيحة"(3443).

(2)

ليس فيه من لا يُعرف غير خلف بن المنذر، وقد وثقه ابن حبان، وصحح الحديث الحاكم والذهبي، وقد خرجته في "الصحيحة"(3444).

ص: 391

610 -

(8)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

وَكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظِ زَكاةِ رمضانَ، فأتاني آتٍ، فجعل يَحثو من الطعامِ، فأخذتُهُ، فقلت: لأرفَعَنَّكَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنّي محتاجٌ، وعليَّ دَينٌ وعيالٌ، ولي حاجةٌ شديدةٌ. فَخَلَّيتُ عنه، فأصبحتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"يا أبا هريرة! ما فعل أسيرُك البارحةَ؟ ".

قال: قلت: يا رسولَ الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً، فَرحِمتهُ فخلَّيتُ سبيلَه، قال:

"أمَا إنّه قد كَذَبَكَ وسَيعودُ".

فعرفتُ أنه سيعودُ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّه سيعودُ"، فَرَصَدْتُهُ، فجاء يحثو من الطعام -وذكر الحديث إلى أنْ قال:- فأخذته -يعني في الثالثة- فقلت: لأرفعنَّكَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخرُ ثلاثِ مراتٍ تزعمُ أنك لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلَّمْكَ كلماتٍ يَنفعكَ اللهُ بها! قلتُ: ما هن؟ قال: إذا أويتَ إلى فراشِك، فاقرأْ آية الكرسي:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حتى تَختِمَ الآية، فإنَّك لن يزالَ عليك من الله حافظ، ولا يقرَبُكَ شيطانٌ حتى تُصبحَ. فخلّيتُ سبيله، فأصبحتُ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"ما فعل أَسيرُك البارحةَ؟ ".

قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلِّمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخلَّيتُ سبيلَه، قال:"ما هي؟ ".

قلت: قال لي: إذا أويتَ إلى فراشِك فاقرأ آيةَ الكرسي، من أوَّلِها حتى تختِم الآية {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، وقال لي: لن يزال عليك من

ص: 392

الله حافظٌ، ولا يقربُكَ شيطانٌ حتى تُصبحَ -وكانوا أحرصَ شيء على الخير- فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"أما إنّه قد صَدَقَكَ، وهو كذوب، تَعلَمُ مَنْ تخاطبُ منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ ".

قلتُ: لا. قال:

"ذاك الشيطانُ".

رواه البخاري وابن خزيمة وغيرهما.

(1)

قال الحافظ رحمه الله:

"وفي الباب أحاديث كثيرة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليست من شرط كتابنا، أضربْنا عن ذكرها".

611 -

(9)[حسن صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن اضطجع مَضجَعاً لم يَذكُرِ الله فيه؛ كان عليه تِرَةٌ يومَ القيامة، ومَن قعدَ مقعداً لم يذكرِ الله فيه؛ كان عليه تِرَةٌ يوم القيامة".

رواه أبو داود، وروى النسائي منه ذكْر الاضطجاع فقط.

(2)

(التَّرَة) بكسر التاء المثناة فوق مخففاً: هو النقص، وقيل: التبعة.

(1)

قلت: وهو عند البخاري معلقَّ، (رقم 363 - "مختصر البخاري")، فكان ينبغي الإشارة إلى ذلك. وفي معناه حديث أُبيَّ الآتي في باب "14 - أذكار الصباح والمساء"، وبلفظ آخر في "13/ 7 - الترغيب في قراءة آية الكرسي".

(2)

قلت: أخرجه النسائي كما ذكر المؤلف في "عمل اليوم الليلة"(475/ 818) الذي هو من كتابه "السنن الكبرى". لكنه رواه في مكان آخر منه (311/ 404) بتمامه مع تقديم الفقرة الأخرى على الأولى، وزاد بينهما:"ومَنْ قام مقاماً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة"!!

ص: 393

‌10 - (الترغيب في كلمات يقولهنّ إذا استيقظ من الليل).

612 -

(1)[صحيح] عن عبادة بنِ الصامتِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن تعارَّ من الليل فقال: (لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، لهُ الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله)، ثم قال: (اللهم اغفر لي)، أو دعا؛ استُجيب له، فإنْ توضأ ثم صلَّى؛ قُبلتْ صلاتُه".

رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

(تعارَّ) بتشديد الراء، أي: استيقظ.

(1)

وفي الباب أحاديث كثيرة من فعله صلى الله عليه وسلم ليست صريحة في الترغيب، لم أذكرها.

(1)

قلت: وفي النهاية: "أي هب من نومه واستيقظ"، وتقدم نحوه وأوسع منه في التعليق على الحديث (598).

ص: 394

‌11 - (الترغيب في قيام الليل).

613 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يَعقِدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يَضربُ على كل عُقدةٍ: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارْقَد! فإنِ استيقظَ فذكَرَ اللهَ تعالىَ انحلَّتْ عُقدةٌ، فإنْ توضَّأ انحلت عُقدةٌ، فإن صلّى انحلت عُقَدُه كلُّها

(1)

، فأصبح نشيطاً طيِّبَ النفسِ، وإلا أصبحَ خبيثَ النفس كسلانَ".

[صحيح] رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وقال:

"فيصبحُ نشيطاً طَيِّبَ النفسِ قد أصابَ خيراً، وإن لم يفعلْ أصبحَ كَسِلاً، خبيثَ النفسِ، لم يُصِبْ خيراً"

(2)

.

(قافية) الرأس: مؤخره، ومنه سُمي آخر بيت الشِّعر قافية.

614 -

(2)[صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما من ذكرٍ ولا أنثى إلا على رأسِه جَريرٌ معقودٌ حين يَرقُد بالليل، فإنِ

(1)

قلت: في تفسير "العقد أقوال، والأقرب أنَّه على حقيقته، بمعنى السحر للإنسان، ومنعه من القيام، كما يعقد الساحر مَن سحرَه، كما أخبر بذلك المولى تعالى ذكره في كتابه: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} فالذي خُذِلَ يعمل فيه، والذي وُفِّق يصرف عنه. ومما يدل على أنَّه على الحقيقة، ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعاً: "على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" الحديث. وما رواه ابن خزيمة وكما يأتي في هذا الباب عن جابر رضي الله عنه: "على رأسه جرير معقود"، وفسِّر الجرير بالحبل.

(2)

في الأصل هنا: (وروى ابن خزيمة في "صحيحه" نحوه؛ وزاد في آخره:

"فحلوا عُقدَ الشيطان ولو بركعتين").

ولما كانت هذه الزيادة لا تصح عندي؛ لشذوذها وتفرد (علي بن قرة بن حبيب) بها -ولم أعرفه- أعرضت عن ذكرها إلا منبهاً لضعفها، وعن ذكرها في "الضعيف" أيضاً، لأنها لا فائدة تذكر دون ما قبلها. كما بينت المقدمة.

ص: 395

استيقظَ فذكرَ اللهَ انحلت عُقدةٌ، وإذا قام فتوضَّأَ وصلَّى انحلتِ العُقَدُ، وأصبح خفيفاً طيِّبَ النفس، قد أصاب خيراً".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه" وقال:

" (الجرير): الحبل".

ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ويأتي لفظه [16 - البيوع/ 13].

615 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ الله المحرَّمُ، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه".

616 -

(4)[صحيح] وعن عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال:

أوَّلَ ما قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ انَجَفَلَ الناسُ إليه، فكنتُ فيمَن جاءه، فلما تأمَّلتُ وجهَهُ واستَبَنْتُه، عرفتُ أنَّ وجهه ليس بوجه كَذَّاب، قال: فكان أولَ ما سمعتُ من كلامِه أنْ قال:

"أيها الناس! أفشوا السلامْ، وأطعموا الطعامْ، وصِلوا الأرحامْ، وصَلوا بالليل والناس نيامْ؛ تدخلوا الجنة بسلامْ".

(1)

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح"، وابن ماجه، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط الشيخين".

(انجفلَ) الناس، بالجيم؛ أي: أسرعوا ومضَوا كلهم.

(استبنتُه) أي: تحققَّته وتبيَّنته.

(1)

هذا وكل ما يشبهه مما سبق أو يأتي من الكلام المقفَّى المسجع قَلْ أو كثر، يقف القارئ على كل فصل منه، ولا يعرَب آخره مراعاة للسجع والوزن، ونظيره:"الله أكبرْ، خَرِبت خيبرْ"، وما في معناه، كما في العجالة (89 - 90)، وقد أطال القول فيه.

ص: 396

617 -

(5)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن عَمروٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"في الجنةِ غرفةٌ يُرى ظاهرُها من باطِنها، وباطِنُها من ظاهرها".

فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسولَ الله؟ قال:

"لِمَنْ أطابَ الكلامْ، وأطعم الطعامْ، وباتَ قائماً والناس نيامْ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، والحاكم، وقال:"صحيح على شرطهما".

618 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنّ في الجنة غرفاً يُرى ظاهرُها مِن باطِنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها الله لِمَنْ أطعم الطعامْ، وأفشى السلامْ، وصلى بالليل والناسُ نيامْ".

رواه ابنُ حبان في "صحيحه".

[صحيح لغيره] وتقدم حديث ابن عباس في "صلاة الجماعة"[5 - الصلاة/ 16 رقم (7)]، وفيه:

"والدرجات: إفشاءُ السلامْ، وإطعام الطعامْ، والصلاة بالليل والناس نيامْ".

رواه الترمذي وحسنه.

619 -

(7)[صحيح] وعن المغيرةِ بن شُعبةَ رضي الله عنه قال:

قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تَوَرَّمَت قدماه، فقيل له: قد غفر اللهُ لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟ قال:

"أفلا أكون عبداً شكوراً؟! ".

رواه البخاري ومسلم والنسائي

(1)

. وفي رواية لهما

(2)

وللترمذي: قال:

(1)

قال الناجي (90) ما خلاصتهُ: "غفل المصنف عن ابن ماجه، ولا شك أنَّ اللفظ المذكور للبخاري في "التفسير" سوى لفظة "قد" وهي لابن ماجه، وقبلها: "يا رسول الله".

(2)

بل هما للبخاري في "التهجد"؛ دون مسلم والترمذي.

ص: 397

إنْ

(1)

كان النبي لَيَقُومُ أو لَيُصَلِّي حتى تَرِمَ قدماه، أو ساقاه، فيقالُ له؟ فيقول:

"أفلا أكون عبداً شكوراً؟! ".

620 -

(8)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تَرِمَ قدماه، فقيل له: أيْ رسولَ الله! أتصنع هذا وقد جاءك مِنَ الله أنْ (قد غَفرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر)؟ قال:

"أفلا أكون عبد أشكوراً؟! ".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(2)

621 -

(9)[صحيح] وعن عائشةَ رضي الله عنها:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تَتَفَطَّرَ

(3)

قدماه، فقلت له: لِم تصنعُ هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:

"أفلا أحبُّ أَنْ أكونَ عبداً شكوراً؟! ".

رواه البخاري ومسلم.

(1)

كلمة (إنْ) مخففة من الثقيلة، وهي بكسر الهمزة، وضمير الشأن محذوف والتقدير؛ إنه كان. واللام في (لَيقوم) مفتوحة للتأكيد، ولفظة (ترِم) منصوبة بـ (أنْ) المقدرة، وهي بفتح التاء المثناة من فوق، فعل مضارع للمؤنث، وماضيه (ورِم) مَن باب (ورِث يرِث)، بالكسر فيهما، ومعنى (ورم): انتفخ.

(2)

قال الناجي: "وهو عجيب! فقد رواه الترمذي في "الشمائل"، وابن ماجه".

قلت: والنسائي أيضاً (1/ 244) مختصراً.

(3)

هكذا بتاءين في أوله، وفي رواية (تَفَطَّر) بوزن تفعَّل بالتشديد بتاء واحدة، أي: تشقّق. والله أعلم.

ص: 398

622 -

(10)[صحيح] وعن عبدِ الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"أَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ، وأحبُّ الصيامِ إلى الله صيامُ داودَ؛ كان ينامُ نصفَ الليل، ويقومُ ثُلُثَه، وينام سُدُسَه، ويصوم يوماً، ويُفطِر يوماً".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وذكر الترمذي منه الصوم فقط.

623 -

(11)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنَّ في الليلِ لساعةً لا يوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأَلُ اللهَ خيراً من أمرِ الدنيا والآخرةِ؛ إلا أعطاهُ إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ".

رواه مسلم.

624 -

(12)[حسن لغيره] وعن أبي أمامةَ الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"عليكم بقيام الليل، فإنَّه دأبُ الصالحين قبلكم، وقُربةٌ إلى ربَّكم، ومَكْفَرَةٌ للسيئات، ومَنْهاةٌ عن الإثمِ".

رواه الترمذي في "كتاب الدعاء" من "جامعه"، وابن أبي الدنيا في "كتاب التهجد" وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم؛ كلهم من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث.

(1)

وقال الحاكم:

"صحيح على شرط البخاري".

625 -

(13)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"رَحِمَ الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأتَه، فإنْ أبتْ نَضَحَ في

(1)

قلت: لكنه يتقوّى بحديث سلمان الفارسي المذكور في الأصل عقبه، وقد قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321):"رواه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي بسند حسن".

وفي حديث سلمان زيادة أوردتُه من أجلها في الكتاب الآخر.

ص: 399

وجهها الماءَ، ورَحِمَ اللهُ امرأةً قامتْ من الليل فصلَّتْ وأيقظَتْ زوجَها، فإنْ أبى نضَحَتْ في وجهه الماءَ".

رواه أبو داود -وهذا لفظه-، والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

وعند بعضهم "رشَّ" و"رشَّت"، بدل "نضح" و"نضحت"، وهو بمعناه.

626 -

(14)[صحيح] وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا أيقظَ الرجلُ أهلَه من الليلِ فصلَّيا، أو صلّى ركعتين جميعاً كُتِبا في (الذاكرين والذاكرات) ".

رواه أبو داود، وقال:

"رواه ابن كثير موقوفاً على أبي سعيد، ولم يذكر أبا هريرة".

(1)

ورواه النسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم؛ وألفاظهم متقاربة:

"مَن استيقظ من الليل وأيقظ أهلَه، فصلَّيا ركعتين -زاد النسائي: جميعاً-؛ كُتِبا من {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} ".

قال الحاكم:

"صحيح على شرط الشيخين".

(1)

قلت: إسناد المرفوع صحيح، وقد صححه جمع، ولا يضيره رواية ابن كثير موقوفاً، لأنّ الرفع زيادة ثقة واجب قبولها، لا سيما وله طريق آخر مرفوع عن أبي سعيد وحده رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وهو مخرج في "الروض النضير"(962)، ثم إنَّ النسائي إنما رواه في "الكبرى"(1/ 413/ 1310)! بخلاف حديث أبي هريرة الذي قبله فهو قد رواه في "الصغرى"(1/ 239)! وهما مخرَّجان في "صحيح أبي داود"(1181 و 1182).

ص: 400

627 -

(15)[حسن لغيره] وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال:

جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

"يا محمد! عِشْ ما شئتَ فإنك ميتٌ، واعمل ما شئتَ فإنك مجزيٌّ به، وأحبِبْ من شئتَ فإنك مفارقُه، واعلم أنّ شرفَ المؤمنِ قيامُ الليلِ، وعزَّه استغناؤه عن الناس".

رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن

(1)

.

628 -

(16)[صحيح] عن عَمرو بن عبْسةَ

(2)

رضي الله عنه؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"أقربُ ما يكون الربُّ من العبدِ في جوفِ الليل الآخِرِ، فإنِ استطعتَ أنْ تكونَ ممن يذكرُ اللهَ في تلك الساعة، فَكُنْ".

رواه الترمذي -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح غريب".

629 -

(17)[حسن] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ، ويضحكُ إليهم، وَيستبشرُ بهم:

الذي إذا انكشفتْ فِئةٌ قاتلَ وراءها بنفسه لله عز وجل، فإمّا أنْ يُقتَلَ، وإمّا أنْ ينصرَه اللهُ ويكفيَه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟!

والذي له امرأة حَسَنَةٌ، وفراشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ من الليلِ، فيقولُ: يَذَرُ شهوتَه وَيذكرني، ولو شاء رَقَدَ.

(1)

فيه نظر بينته على هامش الأصل، ثم وجدت له شواهد فخرجته في "الصحيحة"(831 و 1903).

(2)

الأصل: (عنبسة)، وكذا في المخطوطة وغيرها، وهو خطأ وقع أيضاً في الحديث المتقدم "4 - الطهارة/ 7".

ص: 401

والذي إذا كان في سفرٍ، وكان معه ركب، فسهروا، ثم هَجَعُوا، فقام من السَّحَرِ في ضرَّاءَ وسرَّاءَ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.

(1)

630 -

(18)[حسن لغيره] وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"عجب ربُّنا من رجلين: رجلٍ ثارَ

(2)

عن وِطائه ولِحافِه، من بين أهله وحِبِّه إلى صلاتِه، فيقول الله جل وعلا:[أيا ملائكتي]

(3)

انظروا إلى عبدي ثارَ عن فِراشِه وَوِطائه، من بين حِبِّه وأهلِهِ إلى صلاتِه؛ رغبةً فيما عندي، وشفقةً مما عندي، ورجلٌ غزا في سبيلِ اللهِ وانهزمَ أصحابُه، وعلم ما عليه في الانهزامِ، وماله في الرجوعِ، فرجع حتى يُهريقَ دَمَه، فيقول الله [لملائكته]

(4)

: انظروا إلى عبدي رجع رجاءَ فيما عندي، وشفقةً مما عندي، حتى يُهرَيقَ دَمَهُ".

رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في "صحيحه".

[صحيح لغيره موقوف] ورواه الطبراني موقوفاً

(5)

بإسناد حسن، ولفظه:

إنّ الله ليضحك إلى رجلينِ: رجلٍ قام في ليلةٍ باردةٍ من فِراشِه ولِحافِهِ ودِثاره

(6)

فتوضأَ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته: ما حَمَلَ

(1)

قلت: لقد رواه من أولى بالعزو إليه، وهو الحاكم، وصححه على شرطهما، وفيه نظر بينته في "الصحيحة"(3478).

(2)

أي: نهض ووثب.

و (الوِطاء): خلاف الغطاء، وفي "المصباح":"وزان الكتاب: المهاد الوطيء".

و (حِبِّه) أي: حبيبه. ووقع في "المسند"(حَيِّه)!

(3)

زيادة من "المسند".

(4)

زيادة من "المسند" وابن حبان.

(5)

قلت: وكذا قال الهيثمي، وهو في حكم المرفوع، كما لا يخفى. ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً، فانظر "الصحيحة"(3478).

(6)

(الدثار): الغطاء، ومنه (دثروني) أي: غطوني.

ص: 402

عبدي هذا على ما صَنع؟ فيقولون: رَبَّنا! رجاءَ ما عندك، وشفقة مما عندك.

فيقول: فإنّي قد أعطيتُه ما رجا، وأمَّنتُه مما يخاف، وذكر بقيَّته.

631 -

(19)[حسن لغيره] وعن عُقبة بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"الرجل من أمّتي يقومُ من الليلِ يعالجُ نفسَه إلى الطَّهور، وعليه عُقَد، فإذا وضَّأَ يديه انحلتْ عُقدةٌ، وإذا وضّأ وَجْهَهُ انحلت عُقدةٌ، وإذا مسح رأسَه انحلت عُقدةٌ، وإذا وضّأ رجليه انحلت عقدةٌ. فيقولُ الله عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسَه، ويسألني، ما سألني عبدي هذا فهو له".

رواه أحمد وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.

632 -

(20)[صحيح] وعن عبد الله بن أبي قَيْس

(1)

قال: قالت عائشة رضي الله عنها:

لا تَدَعْ قيامَ الليلِ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مَرض، أو كسِل صلّى قاعداً.

رواه أبو داود وابن خزيمة في "صحيحه".

633 -

(21)[صحيح لغيره موقوف] وعن طارق بن شهاب:

أنَّه باتَ عند سلمانَ رضي الله عنه لينظر اجتهادَه، قال: فقام يصلّي من آخرِ الليلِ، فكأنَّه لم يَرَ الذي كان يظن، فذكرَ ذلك له، فقال سلمان:

(1)

في الأصل: "أبي قبيس"، والتصويب من المخطوطة و"السنن" (1317) وكتب الرجال. وفي مطبوعة عمارة:"عبد بن أبي قيس"، وفي "المختصر":"عبد الله بن قيس"، وكلّه خطأ.

ص: 403

حافظوا على هذه الصلواتِ الخمسِ، فإنَّهن كفاراتٌ لهذه الجِراحاتِ، ما لم تُصَبِ المقْتَلةُ، فإذا صلَّى الناسُ العشاءَ صدروا عن ثلاثِ منازلَ، منهم مَن عليه ولا له، ومنهم مَن له ولا عليه، ومنهم مَن لا لَه ولا عليه: فرجل اغتنم ظُلمةَ الليل وغَفْلَة الناسِ فركب فرسه في المعاصي، فذلك عليه ولا له، ومَن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقامَ يصلّي، فذلك له ولا عليه، ومَن لا له ولا عليه: فرجل صلَّى ثم نام، [فذلك]

(1)

لا له ولا عليه، إياك والحقحَقةَ، وعليك بالقصد، وداوِمْ

(2)

.

رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً بإسناد لا بأس به، ورفعه جماعة. [تقدم مرفوعاً نحوه/ 5 - الصلاة/ 13].

(الحَقْحَقَة) بحاءين مهملتين مفتوحتين وقافين الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة: هو أشد السير. وقيل: هو أن يجتهد في السير ويلح فيه حتى تعطب راحلته، أو تقف، وقيل غير ذلك.

634 -

(22)[حسن لغيره] وعن سَمُرةَ بنِ جُندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا:

"ليس في الدنيا حسدٌ إلا في اثنَتَين: الرجلُ يَغْبطُ الرجلَ أنْ يُعطيَه اللهُ المالَ الكثيرَ فَيُنفِقَ منه، فَيُكثِرُ النفقَة، يقول الآخر: لو كان لي مالٌ لأنَفقتُ مثلَ ما ينفق هذا وأحسنَ، فهو يحسده، ورجل يقرأ القرآنَ فيقومُ الليلَ، وعنده رجل إلى جنبه لا يعلمُ القرآنَ، فهو يحسده على قيامه، أو على ما علَّمه الله عز وجل القرآنَ، فيقول: لو علَّمني اللهُ مثلَ هذا لقمت مثلَ ما يقوم".

رواه الطبراني في "الكبير"، وفي سنده لين.

(1)

زيادة من "المجمع" يقتضيها السياق.

(2)

كذا الأصل، وهو الموافق لأصله "الطبراني"(6/ 266)، ولأصل هذا، فإنه رواه عن عبد الرزاق، وهذا في "المصنف"(148 و 4736)، وفي المخطوطة و"المجمع" ومطبوعة الثلاثة:(ودوامه).

ص: 404

(الحسد): يطلق ويراد به تمنَّي زوال النعمة عن المحسود، وهذا حرام بالاتفاق. ويطلق ويراد به الغبطة، وهو تمني حالة كحالة المُغبَط، من غير تمني زوالها عنه، وهو المراد في الحديث وفي نظائره، فإن كانت الحالة التي عليها المُغبَط محمودة؛ فهو تمنٍّ محمود، وإنْ كانت مذمومة؛ فهو تمنٍّ مذموم، يأثم عليه المتمنِّي.

635 -

(23)[صحيح] وعن عبد الله [بن عمر]

(1)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا حسد إلا في اثنَتين: رجلٌ آتاه الله القرآنَ، فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناءَ النهار".

رواه مسلم وغيره.

636 -

(24)[حسن صحيح] وعن يزيدَ بنِ الأخنَس -وكانت له صحبة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تنافسَ [بينكم] إلا في اثنتين: رجلٌ أعطاه الله قرآناً فهو يقوم به آناءَ الليلِ والنهارِ، [ويتَّبع ما فيه]

(2)

، فيقول رجل: لو أنَّ الله أعطاني ما أعطى فلاناً فأقوم به كما يقوم، ورجلٌ أعطاه الله مالاً، فهو يُنفِق منه ويتصدَّق، فيقول رجلٌ مثلَ ذلك".

رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات مشهورون.

(3)

(1)

سقطت من الأصل ومطبوعة الثلاثة، وهو خطأ، لأنه يعني أنه عبد الله بن مسعود، إذ هو المراد عند الإطلاق، وليس هو راوي الحديث بهذا اللفظ. وإنما هو عبد الله بن عمر. كذلك هو عند مسلم (2/ 201)، فكان ينبغي تقييده، ورواه البخاري أيضاً، وقد أخرجاه عن ابن مسعود أيضاً، لكنْ بلفظ مغاير لهذا كما سيأتي (8 - الصدقات/ 15).

(2)

هذه الزيادة والتي قبلها من "كبير الطبراني"(22/ 239/ 226)، و"الأوسط" أيضاً (3/ 142/ 2292)، وكذا "مسند أحمد"، و"مسند الشاميين" أيضاً (2/ 214 - 215)، و"مجمع الزوائد".

(3)

قلت: وكذا قال في "المجمع"(2/ 256)، وصنيعهما يشعر أن الحديث لم يروه أحمد في "مسنده"، وإلا لعزياه إليه! وهو ذهول، فقد أخرجه فيه (4/ 104) بسند جيد.

ص: 405

637 -

(25)[صحيح] ورواه أبو يعلى من حديث أبي سعيد نحوه بإسناد جيد.

(1)

638 -

(26)[حسن] وعن فَضالةَ بنِ عُبيدٍ وتميمٍ الداريّ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن قرأَ عشرَ آياتٍ في ليلةٍ كُتِبَ له قنطارٌ [من الأجر]،

(2)

والقنطارُ خيرٌ من الدنيا وما فيها، فإذا كان يومُ القيامة يقول ربك عز وجل: اقرأْ وارْقَ بكل آية درجةً، حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول الله عز وجل للعبد: اقبضْ. فيقول العبدُ بيده: يا رب! أنتَ أعلم. يقول: بهذه

(3)

الخلد؛ وبهذه النعيم".

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن، وفيه إسماعيل بن عيَّاش عن الشاميين، وروايته عنهم مقبولة عند الأكثرين

(4)

.

639 -

(27)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بنِ العاصِ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن قام بعشر آياتٍ لم يُكْتَبْ من الغافلين، ومَن قام بمئةِ آية كُتبَ من القانتين، ومَن قام بألف آيةٍ كُتِبَ من المُقَنْطَرين".

(1)

قلت: أخرجه في "مسنده"(2/ 340/ 1085)، لكن يقال فيه ما قيل في الذي قبله، فقد أخرجه أحمد أيضاً (2/ 479) بسند صحيح عن أبي صالح عن أبي سعيد، وفي رواية عن أبي صالح عن أبي هريرة، وهذه عند البخاري أيضاً.

(2)

سقطت من الأصل، واستدركتها من "مجمع البحرين".

(3)

أي: اقبض يمينك على الخلد، وشمالك على النعيم؛ كما في رواية أخرى لابن عساكر، وفي أولها زيادة، وقد خرجتها في "الضعيفة"(5495).

(4)

وفيه أيضاً القاسم أبو عبد الرحمن، وهو حسن الحديث. انظر "المعجم الكبير"(2/ 38/ 1253) و"الأوسط"(9/ 205/ 8446).

ص: 406

رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ كلاهما من رواية أبي سَويَّة

(1)

عن أبي حُجَيرةَ عن عبد الله بن عمرو. وقال ابن خزيمة:

"إن صح الخبر فإني لا أعرف أبا سَويَّة

(2)

بعدالةٍ ولا جرح".

(3)

قوله: "من المقنطَرين" أي: ممن كتب له قنطار من الأجر.

(قال الحافظ):

"مِن سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} إلى آخر القرآن ألف آية. والله أعلم".

640 -

(28)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن حافظ على هؤلاءِ الصلواتِ المكتوباتِ لم يَكُنْ من الغافلين، ومَن قرأ في ليلةٍ مئةَ آيةٍ؛ لم يُكتبْ من الغافلين، أو كُتب من القانتين"

(4)

.

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

[صحيح لغيره] وفي رواية له [يعني الحاكم] قال فيها: "على شرط مسلم" أيضاً:

"مَن قرأ عَشر آياتٍ في ليلة؛ لم يُكتبْ من الغافلين".

(1)

الأصل "سرية" في الموضعين، وكذا في مطبوعة عمارة، وهو خطأ، والتصويب من "السنن" وكتب الرجال والمخطوطة.

(2)

الأصل "سرية" في الموضعين، وكذا في مطبوعة عمارة، وهو خطأ، والتصويب من "السنن" وكتب الرجال والمخطوطة.

(3)

قلت: لكن قد روى عنه جماعة من الثقات، ولذلك قال الحافظ فيه:"صدوق". وهو مخرج في "الصحيحة"(642).

(4)

هكذا الرواية بالشك، والمعتمَد دون جملة "لم يُكتَب من الغافلين"؛ لأنّ هذه فيمَن قام بعشر، ومن قام بمئة كتب من القانتين كما في حديث ابن عمرو المتقدم، ويشهد للأول رواية الحاكم الآتية، انظر "الصحيحة".

ص: 407

‌12 - (الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس).

641 -

(1)[صحيح] عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا نَعَسَ

(1)

أحدُكم في الصلاة فليرقُدْ حتى يذهبَ عنه النومُ، فإنَّ أحدَكم إذا صلَّى وهو ناعسٌ؛ لعله يذهبُ يستغفرُ، فَيَسُبَّ نفسَه".

[صحيح] رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. والنسائي، ولفظه:

"إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يصلِّي فلينصرف، فلعلَّه يدعو على نفسه، وهو لا يدري".

642 -

(2)[صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا نَعَسَ أحدُكم في الصلاةِ فلينَمْ، حتى يعلمَ ما يقرأُ".

[صحيح] رواه البخاري. والنسائي؛ إلا أنّه قال:

"إذا نَعَسَ أحدُكم في صلاته فلينصرف ولْيَرْقدْ".

643 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا قام أحدُكم من الليلِ فاستُعْجِمَ القرآنُ

(2)

على لسانهِ، فلم يَدْرِ ما يقول؛ فليضطجِعْ".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه رحمهم الله تعالى.

(1)

بفتح العين لا بالضم ولا بالكسر. كذا في "العجالة"، وقال في "المحكم":(النعاس): النوم، وقيل: ثقْلتُه، والمراد به هنا أول النوم ومقدّمته.

وقوله: (فليرقد) أي: فلينَمْ.

وقوله: (فيسبَّ نفسه) أي: يدعو على نفسه كما في رواية النسائي الآتية.

(2)

أي: استُغلِق، ولم ينطق به لسانه. كأنّه صار به عُجْمة، لغلبة النعاس.

ص: 408

‌13 - (الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح، وترك قيام شيء من الليل).

644 -

(1)[صحيح] عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

ذُكِرَ عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ نامَ ليلةً حتى أصبحَ:

(1)

قال:

"ذاكَ رجل بالَ الشيطانُ في أذنَيه، -أو قال: في أذنه-".

رواه البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه وقال:

"في أذنيه". على التثنية من غير شك.

645 -

(2)[صحيح لغيره] ورواه أحمد بإسناد صحيح

(2)

عن أبي هريرة، وقال:

"في أذنه". على الإفراد من غير شك، وزاد في آخره: قال الحسن:

"إن بولَه واللهِ ثقيل! ".

646 -

(3)[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا عبدَ اللهِ! لا تكنْ مثلَ فلان، كان يقومُ الليلَ، فَتَرَكَ قِيامَ الليلِ".

رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم.

647 -

(4)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يَعقِدُ الشيطان على قافيةِ رأسِ أحدِكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَد، يَضربُ على كل عُقدةٍ: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإنِ استيقَظَ فذكر الله انحلتْ

(1)

زاد البخاري في رواية: "ما قام إلى الصلاة". والظاهر أنها صلاة الصبح، وكأنَّ البخاري أشار إلى ذلك بأنْ ساق قبل هذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا المتقدم "5 - الصلاة/ 40":"أما الذي يُثلَغُ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة". وأيَّده الحافظ في "الفتح"(3/ 22) برواية ابن حبان في "صحيحه" بلفظ: "نام عن الفريضة".

(2)

كذا قال، وفيه عنعنة الحسن البصري، لكن يشهد له الرواية الأخرى فيما قبله.

ص: 409

عُقْدةٌ، فإنْ توضّأ انحلَّت عقدةٌ، فإنْ صلَّى انحلَّتْ عقدةُ، فأصبح نشيطاً طيِّبَ النفس، وإلاَّ أصبحَ خبيثَ النفس كسلان".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وعنده:

"فيصبِحُ نشيطاً طَيبَ النفسِ قد أصاب خيراً، إنْ لم يفعلْ أصبحَ كسْلانَ خَبيثَ النفسِ، لم يُصِبْ خيراً".

وتقدم في الباب قبله [!، بل 11 - "الترغيب في قيام الليل" رقم (1)].

648 -

(5)[صحيح] وعنه [يعني جابراً] رضي الله عنه أيضاً؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما مِن مسلمٍ ذكرٍ ولا أنثى ينامُ إلا وعليه جَرير معقودٌ، فإنْ هو توضأَ وقام إلى الصلاةِ؛ أصبحَ نشيطاً قد أصاب خيراً، وقد انحلت عُقَدُه كلُّها، وإنِ استيِقظَ ولم يذكرِ الله؛ أصبحَ وعُقَدُه عليه، وأصبحَ ثقيلاً كسلانَ، ولم يُصِبْ خيراً".

رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن حبان، وتقدم لفظ ابن خزيمة [هنا في الباب 11 رقم (2)].

ص: 410

‌14 - (الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى).

649 -

(1)[حسن صحيح] عن معاذِ بنِ عبدِ اللهِ بن خُبَيْبٍ عن أبيه رضي الله عنه أنّه قال:

خرجنا في ليلةٍ مطرٍ وظلمةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليصليَ بنا، فأدركناه، فقال:"قل". فلم أقُلْ شيئَاً، ثم قال:"قل". فلم أقل شيئاً.

ثم قال: "قل". قلتُ: يا رسولَ الله! ما أقول؟ قال:

" (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (المعوذتين) حين تُمسي، وحين تصبح ثلاث مرات؛ تَكفيك من كل شيء".

رواه أبو داود -واللفظ له- والترمذي، وقال:

"حسن صحيح غريب".

ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً.

650 -

(2)[صحيح] وعن شدادِ بنِ أوسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"سيدُ الاستغفارِ [أنْ يقول العبدُ]

(1)

: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوءُ لك بنعمتِك علي، وأبوءُ [لك] بذنبي، فاغفرْ لي، إنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، مَن قالها موقناً بها حين يمسي، فمات من ليلته؛ دخل الجنة، ومن قالها موقناً بها حين

(2)

يصبح، فمات من يومه؛ دخل الجنة".

[صحيح لغيره] رواه البخاري والنسائي والترمذي، وعنده:

(1)

زيادة من النسائي، وكذا البخاري، وسياقهما يختلف عما هنا في بعض الكلمات، بلْهَ الترمذي.

(2)

في الأصل ومطبوعة عمارة: "حتى"، وهو خطأ مخالف لجميع روايات الحديث عند من عزاه المؤلف إليهم، وغيرهم. والزيادة للبخاري والنسائي، وهو مخرج في "الصحيحة"(1747) تحت حديث الترمذي.

ص: 411

لا يقولها أحدٌ حين يمسي، فيأْتي عليه قَدَرٌ قبل أن يُصبح؛ إلا وجَبَتْ له الجنة، ولا يقولها حين يصبح، فيأتي عليه قَدَرٌ قبل أنْ يمسيَ؛ إلا وجَبَتْ له الجنة.

وليس لشداد في البخاري غير هذا الحديث.

651 -

(3)[صحيح لغيره] ورواه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث بُريدة رضي الله عنه.

(أبوء) بباء موحَّدة مضمومة وهمزة بعد الواو ممدوداً معناه: أُقِرُّ وأعترف.

652 -

(4)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! ما لقيتُ من عقربٍ لَدَغَتْني البارحة! قال:

"أمَا لو قلتَ حين أمسيتَ: (أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتٍ من شر ما خلق)؛ لم تضرَّك".

[صحيح] رواه مالك ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، والترمذي وحسنه، ولفظه:

"مَن قال حين يُمسي ثلاث مرات: (أعوذ بكلماتِ الله التامَّاتِ من شر ما خلق)؛ لم تَضُرَّهُ حُمَةٌ تلك الليلة".

قال سهيل: فكان أهلُنا تعلَّموها، فكانوا يقولونها كلَّ ليلة، فلُدِغتْ جاريةٌ منهم، فلم تجد لها وَجَعاً.

ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحو الترمذي.

(الحُمَة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم: هو السم، وقيل: لدغة كل ذي سم، وقيل غير ذلك.

ص: 412

653 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من قال حين يُصبحُ وحين يُمسي: (سبحانَ الله وبحمده) مئة مرة، لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضلَ مما جاء به، إلاَّ أحدٌ قال مثلَ ما قال، أو زاد عليه".

[صحيح] رواه مسلم -واللفظ له- والترمذي والنسائي. وأبو داود، وعنده:

"سبحانَ الله العظيم وبحمده".

ورواه ابن أبي الدنيا، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم"، ولفظه:

"من قال إذا أصبحَ مئةَ مرةٍ، وإذا أمسى مئة مرة: (سبحان الله وبحمده)؛ غُفرت ذنوبُه وإنْ كانت أكثرَ من زبَدِ البحرِ".

654 -

(6)[صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن قال: (لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير) في يوم مئة مرة؛ كانت له عِدل عَشرِ رقاب، وكُتب

(1)

له مئةُ حسنة، ومحيت عنه مئةُ سيئة، وكانت له حِرْزاً

(2)

من الشيطان يومَه ذلكَ حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به، إلا رجلٌ عمل أكثرَ منه".

رواه البخاري ومسلم.

655 -

(7)[صحيح] وعن أبَانَ بنِ عثمانَ قال: سمعت عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما من عبدٍ يقول في صباحِ كلِّ يومٍ، ومساءِ كلِّ ليلةٍ: (بسم الله الذي

(1)

أي: كُتب القول المذكور، وفي رواية بالتأنيث.

(2)

بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبالزاي: الموضع الحصين، والعَوذة. والله أعلم.

ص: 413

لا يَضُرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم) ثلاث مرات؛ فيضرَّه شيء".

وكان أبان قد أصابه طَرَفُ (1) فالَجٍ، فجعل الرجلُ ينظرُ إليه!

(1)

فقال أبانُ: ما تنظر؟ أمَا إنَّ الحديثَ كما حدَّثتُكَ، ولكني لم أقُلْهُ يومئذ؛ لِيُمضِيَ اللهُ قَدَرَه.

رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، والترمذي وقال:

"حديث حسن غريب صحيح".

وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد".

656 -

(8)[صحيح] وعن أبي عَيَّاش رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن قال إذا أصبحَ: (لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير)؛ كان له عِدلُ رقبة من وَلدِ إسماعيل، وكُتِب له عشرُ حسناتٍ، وحُطَّ عنه عشرُ سَيئاتٍ، ورُفع له عشرُ درجاتٍ، وكان في حِرزٍ من الشيطان حتى يمسي، فإنْ قالها إذا أمسى كان له مثلُ ذلك حتى يُصبح".

قال حمّاد: فرأى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم. فقال: يا رسول الله! إنَّ أبا عياش يحدِّث عنك بكذا وكذا؟ قال: صدق أبو عيّاش.

رواه أبو داود -وهذا لفظه- والنسائي وابن ماجه

(2)

، واتفقوا كلهم على المنام.

(1)

أي: بعضه، وهو بفتح اللام؛ علة معروفة عافانا الله وإياك منها.

وقوله: "فجعل الرجل ينظر إليه" أي: تعجُّباً وإنكاراً كأنه يقول: إنك كنت تقول هذه الكلمة في كل صباح ومساء، فكيف أصابك الفالج إن كان الحديث صحيحاً؟ فقال له أبَان رفعاً لتعجُّبه بطريق الاستفهام الإنكاري:"ما تنظر" إلى قوله: "ليمضي الله" من الإمضاء. واللام فيه للغاية. والله تعالى أعلم.

(2)

هنا في الأصل: "وابن السنِّي وزاد: يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، وهو على. ."، ولما كان إسناده ضعيفاً والزيادة على رواية أبي داود وغيره منكرة، فإنّي تعمّدت حذفها من هذا "الصحيح" كأمثالها؛ ممَّا لا يناسب إفرادها في "الضعيف"، وبعضها ثابت في حديث أبي أيوب الآتي برقم (660).

ص: 414

(أبو عيَّاش) بالياء المثناة تحت والشين المعجمة، ويقال:(ابن أبي عياش). ذكره الخطيب. ويقال: ابن عياش الزرقي الأنصاري، ذكره أبو أحمد الحاكم

(1)

، واسمه زيد بن الصامت، وقيل: زيد بن النعمان، وقيل غير ذلك. وليس له في الأصول الستة غير هذا الحديث فيما أعلم، وحديث آخر في قصر الصلاة. رواه أبو داود.

(2)

(العِدْل) بالكسر، وفتحه لغة: هو المثل، وقيل بالكسر: ما عادل الشيء من جنسه، وبالفتح: ما عادله من غير جنسه.

657 -

(9)[حسن لغيره] وعن المُنَيْذِر -صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكون بإفريقيَّة- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَنْ قالَ إذا أصبح: (رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً)، فأنا الزعيمُ، لآخذنَّ بيدِه حتى أُدخِلَة الجنةَ".

رواه الطبراني بإسناد حسن

(3)

.

658 -

(10)[حسن] ورواه النَّسائي

(4)

[يعني حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي في "الضعيف"]، ولفظه:

(1)

الأصل ومطبوعة عمارة: "والحاكم"، والتصويب من "الإصابة" وغيره. وأبو أحمد الحاكم هذا، هو غير أبي عبد الله الحاكم صاحب "المستدرك"، بل هذا شيخ له، وقد وقع في بعض نسخ "الترغيب":"ذكره أبو أحمد بن عدي"، ومنها مخطوطة الظاهرية. ونسخة الحافظ الناجي في "العجالة"، فتعقَّب المصنفَ بكلام طويل خلاصته: أنْ لا دخل لأبي أحمد بن عدي هنا، وأنّ الصواب ما أثبتناه. وغفل عن هذا المعلقون الثلاثة فأثبتوا الخطأ!!

(2)

في "سننه" رقم (1236)، وهو عندي في "صحيحه"(1121).

(3)

قلت: فيه (رشدين)، لكنه قد توبع، انظر "الصحيحة"(2686).

(4)

أي: في "اليوم والليلة"(476/ 821)، من رواية الأوزاعي عن عمرو بن شعيب به.

قلت: وهذا سند حسن، وأشار الحافظ إلى تقويته في "الفتح"(11/ 202)، وقد رواه الترمذي من طريق الضحَّاك بن حمزة عن عمرو بن شعيب به نحوه، لكن الضحَّاك هذا ضعيف كما في "التقريب"، وقد كان لفظه في الأصل مذكوراً قبل لفظ النسائي، فحذفته من هنا على شرطنا من الإعراض عمَّا لم يثبت إسناده، لا سيَّما ومتنه مخالف لمتن رواية الأوزاعي بعض المخالفة، فانظره في الكتاب الآخر.

ص: 415

"من قال: (سبحانَ الله) مئةَ مرَّةٍ قبلَ طلوعِ الشمسِ وقبلَ غُروبها؛ كان أفضلَ من مئةٍ بَدَنَة، ومن قالَ: (الحمدُ لله) مئة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها؛ كان أفضلَ مِن مئة فرِسٍ يُحمَلُ عليها في سبيل الله، ومن قال: (الله أكبر) مئة مرة، قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضلَ من عتقِ مائةِ رقبةٍ، ومن قال: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مئةَ مرة قبل طلوعِ الشمس وقبل غروبها، لم يَجيءْ يومَ القيامة أحدٌ بعملٍ أفضلَ من عملِه، إلاَّ مَن قال مثلَ قوله، أو زاد عليه".

659 -

(11)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

لم يكنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدعُ هؤلاء الكلماتِ حين يُمسي وحين يصبحُ:

"اللهمَّ إني أسألك العفوَ والعافية، في الدنيا والآخرة، اللهمَّ إني أَسأَلك العفوَ والعافيةَ، في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استُرْ عوراتي، وآمِنْ رَوعاتي، اللهم احفظنِي مِن بين يَدَيَّ، ومِن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومِن فوقي، وأعوذ بعظمتِكَ أنْ أُغْتالَ مِن تحتي".

قال وكيع -وهو ابن الجرّاح-: "يعني الخسف".

رواه أبو داود -واللفظ له-، والنسائي وابن ماجه، والحاكم وقال:

"صحيح الإسناد".

660 -

(12)[حسن صحيح] وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ أنَّه قال -وهو في أرض الروم-: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن قال غُدْوة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) عشْرَ مرات؛ كتبَ اللهُ له عشْرَ حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئات، وكُنَّ له قَدْرَ عشر رِقابٍ، وأجاره الله مِن الشيطان، ومَن قالها عشيَّةً فمِثْل ذلك".

ص: 416

[حسن] رواه أحمد والنسائي -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه"، وتقدم لفظه فيما يقول بعد الصبح والعصر والمغرب. [5 - الصلاة/ 25 الحديث 1]، وزاد أحمد في روايته بعد قوله:"وله الحمد":

"يحيي ويميت". وقال:

"كتب الله له بكل واحدةٍ قالها عشرَ حسناتٍ، ومحا عنه بها عشرَ سيئات، ورفعه الله بها عشرَ درجات، وكُنَّ له كعشرِ رَقاب، وكُنَّ له مَسْلَحةً مِن أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذ عملاً يَقهَرُهنَّ، فإنْ قالها حين يمسي فمثل ذلك".

ورواه الطبراني بنحو أحمد، وإسنادهما جيد.

(المسلحة) بفتح الميم واللام، والسين والحاء المهملتين: القوم إذا كانوا ذوي سلاح.

661 -

(13)[حسن] وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة:

"ما يمنعكِ أنْ تسمعي ما أُوصيك به؟ أنْ تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حيُّ يا قيومُ برحمتِكَ أستغيثُ، أصلِحْ لي شأنيَ كلَّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طَرفةَ عين".

رواه النسائي والبزّار بإسناد صحيح، والحاكم وقال:"صحيح على شرطهما".

662 -

(14)[صحيح] وعن أبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه:

أنَّه كان له جُرنٌ من تمرٍ، فكان ينقص، فحرسه ذات ليلةٍ، فإذا هو بدابَّةٍ شِبه الغلام المحتلِم، فسلَّم عليه، فردَّ عليه السلام، فقال: ما أَنتَ؟ جنّي أم إنسيّ؟ قال: جنيّ. قال: فناوِلْني يدك، فناوله يدَه، فإذا يدُه يدُ كلبٍ،

ص: 417

وشعرُه شعرُ كلبٍ، قال: هذا خَلْقُ الجن؟ قال: قد علمتِ الجنُّ أنَّ ما فيهم رجلاً أشدُّ مني، قال: فما جاء بك؟ قال: بلغنا أنَّك تحب الصدقةَ، فجئنا نُصيب من طعامِك. قال: فما يُنجينا منكم؟ قال: هذه الآية التي في سورة {البقرة} : {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، من قالها حين يُمسي؛ أُجيرَ منا حتى يُصبحَ؛ ومن قالها حين يُصبحُ أُجِيرَ منَّا حتى يُمسي. فلما أصبح أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فقال:

"صدقَ الخبيثُ".

رواه النسائي والطبراني بإسناد جيِّد، واللفظ له.

(الجُرْن) بضم الجيم وسكون الراء: هو البيدر، وكذلك (الجَرِين).

ص: 418

‌15 - (الترغيب في قضاء الإنسانِ وِردَه إذا فاته من الليل).

663 -

(1)[صحيح] عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن نام عن حزبه أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظهرِ؛ كُتِبَ له كأنَّما قرأه من الليل".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه".

‌16 - (الترغيب في صلاة الضحى).

664 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهر،

(1)

وركعتَي الضحى، وأنْ أوترَ قبلَ أَنْ أَرقُدَ".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود، ورواه الترمذي والنسائي نحوه.

[صحيح] وابن خزيمة ولفظه: قال:

"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لست بتارِكِهنّ: أنْ لا أنام إلاّ على وِتر، وأَنْ لا أَدَعَ ركعَتي الضحى، فإنّها صلاةُ الأوابين،

(2)

وصيامِ ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهر".

(1)

زاد أبو داود: "لا أدَعهنّ في سفر ولا حضر". لكن في سندها مجهول كما بيَّنته في "صحيح أبي داود"(1286). لكن يشهد له حديث أبي الدرداء كما يأتي هنا قريباً رقم (4).

(2)

جملة (الأوابين) لها شاهد من حديث زيد بن أرقم، رواه مسلم وغيره، وهو مخرّج في "الصحيحة"(1164). ولها طريق أخرى عن أبي هريرة، يأتي لفظه هنا قريباً (13). وتفسير (الأوابين) يأتي في التعليق على الحديث (676).

ص: 419

665 -

(2)[صحيح] وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"يُصبح على كل سُلامى من أحدِكم صدقةٌ، فكلُّ تسبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقةً، وُيجزئُ من ذلك ركعتانِ يَركعُهُما من الضحى".

رواه مسلم.

666 -

(3)[صحيح] وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"في الإنسان ستون وثلاثُمئةِ مَفْصِلٍ، فعليه أنْ يتصدقَ عن كل مَفصِلٍ صدقة".

قالوا: فمَن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال:

"النُّخاعةُ في المسجد تدفِنُها، والشيءُ تُنَحِّيهِ عن الطريق، فإنْ لم تَقْدِر، فركعتا الضحى تُجزئُ عنك".

رواه أحمد -واللفظ له- وأبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

667 -

(4)[صحيح] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال:

"أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لن

(1)

أدعَهنَّ ما عشتُ: بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهرٍ، وصلاةِ الضحى، وأنْ لَا أنامَ إلا على وِتر".

رواه مسلم وأبو داود

(2)

والنسائي.

(1)

في الأصل والمخطوطة: "لم"، والتصحيح من "مسلم" وغيره، وسيأتي في (9 - الصوم / 8) على الصواب.

(2)

قلت: وزاد: "في السفر والحضر". وفيه مجهول أيضاً، كما بينته في "صحيح أبو داود"(1287).

ص: 420

668 -

(5)[حسن صحيح] وعن عبدِ الله بنِ عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:

بَعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَريَّةً فغنموا، وأسرعوا الرجعة، فتحدَّثَ النَّاسُ بِقربِ مغزاهم، وكثرةِ غنيمتهم، وسُرعةِ رَجعتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا أدلُّكم على أَقربَ منهم مغزىً، وأكثرَ غنيمةً، وأوشكَ رجعةً؟ مَن توضَّأَ ثم غدا إلى المسجدِ لسُبْحةِ الضحى،

(1)

فهو أقربُ منهم مغزىً، وأكثرُ غنيمة، وأوشكُ رجعةً".

رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، والطبراني بإسناد جيد.

669 -

(6)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعثاً، فأعظموا الغنيمةَ، وأسرعوا الكَرَّةَ: فقال رجل: يا رسول الله! ما رأينا بعثاً قطُّ أسرعَ كَرَّةً، ولا أعظمَ غنيمةً من هذا البعث. فقال:

"ألا أخبركم بأسرعَ كرَّةً منهم، وأعظمَ غنيمةً؟ رجلٌ توضأ فأحسن الوضوءَ، ثم عَمَدَ إلى المسجِد، فصلَّى فيه الغداةَ، ثم عَقَّبَ بصلاةِ الضَّحْوةِ، فقد أسرع الكَرَّةَ، وأعظم الغنيمة".

رواه أبو يعلى، ورجال إسناده رجال الصحيح، والبزَّار وابن حبان في "صحيحه"، وبيَّن البزّار في روايته أنّ الرجل أبو بكر رضي الله عنه.

(1)

فيه اختصار يدل عليه الحديث الآتي عن أبي هريرة، فتنبّهْ. ثم إن ابن لهيعة قد تابعه ابن وهب عند الطبراني (13/ 42/ 100) ولذلك جود إسناده المؤلف، لكن شيخ الطبراني (إسماعيل) -وهو ابن الحسن الخفاف- لم أجد من ترجمه.

ص: 421

670 -

(7)[صحيح لغيره] وقد روى هذا الحديث الترمذيُّ في "الدعوات" من "جامعه" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتقدم.

(1)

671 -

(8)[صحيح] وعن عُقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ اللهَ عز وجل يقول: يا ابنَ آدَم! اكفِني أوَّلَ النهار بأربع ركعاتٍ؛ أكْفِكَ بهن آخرَ يومِك".

رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحدهما رجال "الصحيح".

672 -

(9)[حسن صحيح] وعن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن الله تبارك وتعالى أنَّه قال:

"يا ابنَ آدمَ! لا تُعجِزْني مِن أربعِ ركَعاتٍ من أولِ النهار؛ أكفِكَ آخرَه".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

(قال الحافظ): "في إسناده إسماعيل بن عيَّاش، ولكنّه إسناد شاميّ".

[صحيح لغيره] ورواه أحمد عن أبي الدرداء وحده، ورواته كلهم ثقات.

673 -

(10)[صحيح] ورواه أبو داود من حديث نُعيم بن همَّار.

(2)

674 -

(11)[صحيح لغيره] وعن أبي مُرَّةَ الطائفي

(3)

رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1)

قلت: هو في "الضعيف"، وفي أوله زيادة لم ترد في الحديثين قبله، ومِن أجلها أوردتُه هناك.

(2)

بتشديد الميم ثم راء مهملة، كما في "السنن" وغيره، وقد قيل فيه أقوال أخرى هذا أرجحها، ووقع في الأصل (همَّان) وهو خطأ.

(3)

كذا وقع في هذه الرواية، وهي وهمْ، والمحفوظ رواية كثير بن مرة عن نُعيم بن همَّار المذكور آنفاً. وكذا رواه النسائي في "السنن الكبرى"(1/ 177/ 466 - 468).

ص: 422

"قال الله عز وجل: ابنَ آدم! صَلِّ لي أربعَ ركعاتٍ من أولِ النهار؛ أكفِكَ آخرَه".

رواه أحمد، رواته محتجٌّ بهم في "الصحيح".

675 -

(12)[حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن خرج من بيته مُتطهِّراً إلى صلاةِ مكتوبة؛ فأجرُه كأجر الحاج المُحرِم، ومَن خرج إلى تسبيح الضحى، لا يُنصبه إلاَّ إياه؛ فأجرُه كأجر المعتمر، وصلاةٌ على أَثَرِ صلاة لا لَغْوَ بينهما؛ كتابٌ في علِّيين".

رواه أبو داود وتقدم. [5/ 9].

676 -

(13)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يُحافظْ على صلاة الضحى إلا أوَّابٌ، -قال-: وهي صلاة الأوابين".

(1)

رواه الطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال:

"لم يتابَع إسماعيلُ بنُ عبدِ الله -يعني ابن زُرارة الرَّقيِّ- على اتصال هذا الخبر.

(2)

ورواه الدَّواوَرْديُّ عن محمد بن عَمرو عن أبي سلمة مرسَلاً، ورواه حماد بن سلمة عن محمد ابن عَمرو عن أبي سلمة قوله".

(1)

(الأوَّابين): جمع أواب، وهو كثير الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة.

قلت: وفي الحديث ردٌّ على الذين يسمُّون الست ركعات التي يصلونها بعد فرض المغرب بـ (صلاة الأوابين)؛ فإنَّ هذه التسمية لا أصل لها، وصلاتها بالذات غير ثابتة، كما تقدم في الكتاب الآخر (6/ 5/ 1 - 5).

(2)

قلت: بل قد توبع عند ابن شاهين في "الترغيب" وغيره كما بينته في "الصحيحة"(1994)، وأشرتُ إلى ذلك في تعليقي على "صحيح ابن خزيمة"(1224).

ص: 423

‌17 - (الترغيب في صلاة التسبيح).

677 -

(1)[صحيح لغيره] عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب:

"يا عباسُ يا عمَّاه! ألا أعطيكَ، ألا أمنحكَ، ألا أحبوكَ، ألا أفعلُ لك

(1)

عشرَ خصال إذا أنتَ فعلتَ ذلك غفر الله ذَنْبَكَ؛ أوَّله وآخرَه، وقديمَه وحديثَه، وخطأه وعمدَه، وصغيرَه وكبيرَه، وسِرَّه وعلانيتَه، عشرَ خصال؟ أنْ تُصلِّي أربع ركَعات، تقرأ في كل ركعة {فاتحةَ الكتاب} وسورةً، فإذا فرغتَ من القراءة في أوَّلِ ركعة فقلْ وأنت قائم:(سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) خمسَ عشرةَ مرة، 15 ثم تركعُ فتقولها، وأنت راكع عشراً، 25 ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، 35 ثم تهوي ساجداً فتقول وأنت ساجد عشراً، 45 ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، 55 ثم تسجد فتقولها عشراً، 65 ثم ترفعُ رأسَك من السجود فتقولها عشراً، 75 فذلك خمسٌ وسبعون في كل ركعةٍ، تفعل ذلك في أَربع ركَعاتٍ، إنِ استطعت أن تُصلِّيَها في كلْ يوم مرةً فافعلْ، فإنْ لم تستطع، ففي كل جمعةٍ مرةً، فإنْ لم تفعل، ففي كل شهرٍ مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرةً، فإن لم تفعل ففي عمرك مرةً".

رواه أبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال:

"إنْ صح الخبر؛ فإنَّ في القلب من هذا الإسناد شيئاً"، فذكَره ثم قال:

(1)

قوله: "يا عمَّاه! " إشارة إلى مزيد استحقاقه بالعطية الآتية. وقوله: "ألا أمنحك ألا أحبوك" بمعنى أعطيك، فهما تأكيد. وكذا قوله:"أفعل لك"، فإنه بمعنى أعطيك أو أعلّمك. وقوله:"عشر خصال" تنازعتْ فيه الأفعال قبله، والمراد بـ "عشر خصال" الأنواع العشرة للذنوب من الأول والآخر، والقديم والحديث، فهو على حذف المضاف، أي: ألا أعطيك مكفّر عشرة أنواع ذنوبك؟

ص: 424

"ورواه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة مرسَلاً، لم يذكر ابن عباس".

قال الحافظ: ورواه الطبراني وقال في آخره:

"فلو كانت ذنُوبُكَ مثلَ زَبد البحر، أو رملِ عالجٍ

(1)

غفر الله لك".

قال الحافظ: "وقد رُوي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعةٍ من الصحابة، وأمثلُها حديث عكرمة هذا، وقد صحَّحه جماعة منهم الحافظ أبو بكر الأجُريّ، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى. وقال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول:

"ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا".

وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى:

"لا يُروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا".

يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس".

678 -

(2)[صحيح لغيره] وروي عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس:

"يا عمِّ! ألا أحبوكَ، ألا أنفعكَ، ألا أصلكَ؟ ".

(2)

قال: بلى يا رسول الله! قال:

"فَصَلِّ أربع ركَعاتٍ، تقرأُ في كل ركعةٍ بـ {فاتحةِ الكتابِ} وسورةٍ، فإذا انقَضَتِ القراءَةُ فقلَ:(سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا الله، والله أكبر) خمسَ عشرةَ مرة، 15 قَبلَ أنْ تركعَ، ثم اركعْ فقَلها عشراً، 25 ثم ارفعْ رأسَك فقلها عشراً، 35 ثم اسجدْ فقلها عشراً، 45 ثم ارفع رأسَك فقلها عشراً، 55

(1)

(العالج) ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض، وهو أيضاً اسم لموضع كثير الرمال. والله أعلم.

(2)

يريد والله أعلم: ألا أعلِّمك ما ينفعك فيكون كالصلة والعطية منِّي إليك. والثانية من الصلة وهي العطية أيضاً. وتقديم هذا الاستفهام قبل التعليم ليأخذه العباس بكل الاعتناء، وإلاَّ فتعليمه مطلوب لكل أحد، لا حاجة فيه إلى الاستفهام.

ص: 425

ثم اسجدْ فقلها عشراً، 65 ثم ارفعْ رأسَك فقلها عشراً قبل أن تقوم، 75 فذلك خمسٌ وسبعونَ في كل ركعة، وهي ثلاثُمائةٍ في أربع ركعاتٍ، فلو كانت ذنوبك مثل رملٍ عالج

(1)

غَفَرها الله لك".

قال: يا رسول اللهُ! ومَن لم يستطع يَقولُها في كلِّ يوم؟ قال:

"قُلْها في جمعةٍ، فإنْ لم تَستطعْ فَقلْها في شهرٍ"، حتى قال:

"فقُلْها في سنة".

رواه ابن ماجه والترمذي والدارقطني، والبيهقي وقال:

"كان عبد الله بنُ المباركِ يفعلها، وتداولها الصالحون بعضُهم من بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع" انتهى.

وقال الترمذي:

"حديث غريب من حديث أبي رافع". ثم قال:

"وقد رأى ابنُ المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه".

679 -

(3)[صحيح لغيره] وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه:

أنَّ أمَّ سُلَيم غَدَتْ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: عَلِّمْني كلماتٍ أقولهنَّ في صلاتي. فقال:

"كبِّري الله عشراً، وسبِّحي عشراً، واحمَديه عشراً، ثم صلِّي ما شئت. . "

(2)

.

رواه أحمد، والترمذي وقال:"حديث حسن غريب"، والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال:"صحيح على شرط مسلم".

(1)

تقدم تفسيره آنفاً.

(2)

هنا في الأصل: "يقول: نعم، نعم"، فلم أذكرها لعدم وجود شاهد لها. ولذلك خرجت الحديث في "الصحيحة"(3338)، و"الضعيفة"(3688) أيضاً.

ص: 426

‌18 - (الترغيب في صلاة التوبة).

680 -

(1)[صحيح] عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما مِن رجل يُذنبُ ذنباً، ثم يقومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثم يصلّي، ثم يَستغفرُ اللهَ؛ إلا غَفَرَ الله له"، ثم قرأ هذه الآية:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} ، إلى آخر الآية.

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي وقالا:

"ثم يُصلِّي ركعتين".

وذكره ابن خزيمة في "صحيحه" بغير إسناد، وذكر فيه الركعتين.

ص: 427

‌19 - (الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها).

681 -

(1)[صحيح] عن عثمان بن حُنَيفٍ رضي الله عنه:

أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! ادْعُ الله أنْ يَكشفَ لي عن بصري. قال: أوْ أدَعُكَ. قال: يا رسولَ الله! إنه قد شَقَّ عليَّ ذهابُ بصري. قال:

"فانطَلِقْ فَتَوَضَّأْ، ثم صلِّ ركعتين، ثم قل:

(اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيِّي محمدٍ نبيُّ الرحمة، يا محمدُ! إنِّي أتوجه إلى ربي بك أنْ يكشف لي عن بصريَ، اللهم شَفِّعه فيَّ

(1)

، وشفِّعني في نفسي) ".

فرجع وقد كشف الله عن بصره.

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح غريب".

والنسائي -واللفظ له-، وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال:"صحيح على شرط البخاري ومسلم".

وليس عند الترمذي: "ثم صلِّ ركعتين"، إنّما قال:

"فأمَرهُ أنْ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يدعو بهذا الدعاء".

فذكره بنحوه، ورواه في "الدعَوات".

(1)

بالتشديد، أي: اقبل شفاعته، أي: دعاءه في حقِّي. وقوله: "وشفِّعني" أي: اقبل دعائي. "في نفسي" أي: في أنْ تعافيني، وفي رواية لأحمد وغيره:"وشفعني فيه" أي: في النبي صلى الله عليه وسلم. يعني: اقبل دعائي في أنْ تقبل دعاءه صلى الله عليه وسلم فيَّ. هذا هو المعنى الذي يدل عليه السباق والسياق، وخلاصته أن الأعمى توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، وليس بذاته، أو جاهه، وتفصيل هذا راجعْه في كتابي:"التوسل أنواعه وأحكامه".

ص: 428

‌20 - (الترغيب في صلاة الاستخارة.

. . .).

682 -

(1)[صحيح] وعن جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما قال:

كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا الاستخارةَ في الأمورِ كلَّها، كما يعلمنا السورةَ من القرآن، يقول:

"إذا هَمَّ أحدُكم بالأمر فليركعْ ركعتين من غير الفريضةِ، ثم لِيَقُل:

(اللهمَّ إنّي أستخيرك بعلمِك، وأستقدِرُك بقدرتِك، وأسألك من فضلِكَ العظيم؛ فإنَّك تَقدِر ولا أقدِرُ، وتعلمُ ولا أعلمُ، وأنت علامُ الغيوبِ، اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنّ هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدُره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرفْه عني، واصرفني عنه، واقدُر لي الخيرَ حيث كان، ثم رضِّني به). -قال-: ويسمِّي حاجته".

رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجه.

ص: 429

‌7 - كتاب الجمعة.

‌1 - (الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها، وما جاء في فضل يومها وساعتها).

683 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن توضأَ فأحسنَ الوُضوء، ثم أتى الجمعةَ

(1)

فاستمعَ وأنصتَ؛ غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعةِ الأخرى، وزيادةُ ثلاثة أيام، ومَن مَسَّ الحصا فقد لَغا".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

(2)

(لغا) قيل: معناه خاب من الأجر، وقيل أخطأ، وقيل: صارت جمعته ظهراً، وقيل غير ذلك.

(3)

684 -

(2)[صحيح] وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، مكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتنِبَتِ الكبائرُ".

رواه مسلم وغيره.

(1)

في "المصباح": "سمي بذلك لاجتماع الناس به، وضم الميم لغة أهل الحجاز، وفتحها لغة بني تميم، وإسكانها لغة عقيل، وقرأ بها الأعمش".

(2)

قلت: وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1762) وغيره من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعاً نحوه، وزاد:"يقول أبو هريرة: وثلاثة أيام زيادة، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(370)، وقد جاءت هذه الزيادة مرفوعة من حديث أبي مالك الأشعري، وهو الآتي بعد حديث، ومن حديث ابن عمرو، ويأتي في آخر (5 - الترهيب من الكلام والإمام يخطب).

(3)

قلت: ولعل الصواب القول الأخير، للحديث الآتي هنا (5 - باب/ 6):"ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً". ثم هو لا ينافي ما قبله من الأقوال كما هو ظاهر.

ص: 430

685 -

(3)[صحيح لغيره] وروى الطبراني في "الكبير" مِن حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الجمعةُ كفَّارةٌ لما بينها وبين الجمعةِ التي تليها، وزيادةٍ لثلاثةِ أيام، وذلك بأنَّ الله عز وجل قال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ".

686 -

(4)[صحيح] وعن أبي سعيد؛ أنَّه سمعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"خمسٌ مَنْ عمِلهنَّ في يومٍ كَتبهُ اللهُ من أهلِ الجنةِ؛ مَن عاد مريضاً، وشَهِدَ جنازةٌ، وصام يوماً، وراح إلى الجمعةِ، وأعتق رقبة".

رواه ابن حِبَّان في "صحيحه".

687 -

(5)[صحيح] وعن يزيدَ بن أبي مريم قال:

لحقني عَبايةُ بن رِفاعة بن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة، فقال أَبشِرْ؛ فإنَّ خُطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبَا عَبْسٍ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن اعبَرَّتْ قدماه في سبيلِ اللهِ؛ فهما حرامٌ على النار".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

ورواه البخاري، وعنده:

قال عَباية: أدرَكَني أبو عَبْسٍ وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن اغبرَّت قدماه في سبيل الله حرَّمهُ اللهُ على النار".

(وفي رواية):

"ما اغبرَّت قدما عبدٍ في سبيلِ الله فتمسَّهُ النارُ".

وليس عنده قول عباية ليزيد.

ص: 431

688 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن اغتسل يومَ الجمعة، ومَسَّ من طيبٍ إنْ كان عنده، ولَبِسَ من أحسنِ ثيابه، ثم خرج حتى يأتيَ المسجدَ، فيركع ما بدا له، ولم يُؤذِ أحداً، ثم أنصتَ حتى يصلِّي؛ كان كفارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى".

رواه أحمد والطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، ورواة أحمد ثقات.

689 -

(7)[صحيح] وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يغتسل رجلٌ يومَ الجمعةِ، ويَتَطهَّرُ ما استطاع من طُهرٍ

(1)

، ويَدَّهِنُ من دُهْنِهِ، ويَمسُّ طيبِ بَيتِه، ثم يخرجُ فلا يفرِّقُ بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِبَ له، ثم يُنصتُ إذا تكلَّم الإمام؛ إلاَّ غُفرَ له ما بينه وبين الجمعةِ الأخرى".

رواه البخاري والنسائي.

[حسن صحيح] وفي رواية للنسائي:

(2)

"ما مِن رجل يَتَطهَّر يومَ الجمعة كما أُمِر، ثم يخرجُ من بيتِه حتى يأْتيَ الجمعةَ، ويُنصتُ حتى يَقضيَ صلاتَه؛ إلا كان كفارةً لما قبله من الجمعة".

ورواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن نحو رواية النَّسائي، وقال في آخره:

"إلاَّ كان كفارةً لما بينه وبين الجمعة الأُخرى، ما اجتُنِبَتِ المَقْتَلةُ. . ."

(3)

.

(1)

الأصل: "الطهور"، والتصحيح من "البخاري"(472 - مختصره).

(2)

قلت: يعني في "السنن الكبرى"(1664 و 1724). وهي عند الحاكم أيضاً (1/ 277).

وقال: "صحيح الإسناد".

(3)

هنا في الأصل زيادة بلفظ: "وذلك الدهر كله" فحذفتها، لأن في إسناد الطبراني (6/ 290/ 6089)(مغيرة) وهو ابن مقسم الضبي مدلس وقد عنعنه، وهو رواية للنسائي (1665 و 17225)، ولكنه لم يذكرها.

ص: 432

690 -

(8)[صحيح] وعن أوسِ بنِ أوسٍ الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن غَسَّل

(1)

يومَ الجمعة واغتَسل، وبَكَّر وابتكر، ومشى ولم يركبْ، ودنا مِن الإمام فاستمعَ، ولم يَلْغُ؛ كان له بكل خُطوة عَملُ سنةٍ، أجرُ صيامِها وقيامِها".

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن"، والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وصححه.

691 -

(9)[صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس رحمه الله. قال الخطابي:

(2)

"قوله عليه السلام: "غسَّل واغتسل، وبكِّر وابتكر".

اختلف الناس في معناه، فمنهم مَن ذهب إلى أنه من الكلام المتظاهر الذي يراد به التوكيد ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين، وقال: ألا تراه يقول في هذا الحديث: "ومشى ولم يركب"، ومعناهما واحد؟ وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد.

وقال بعضهم: قولهُ: "غسل". معناه غسل الرأس خاصة، وذلك لأنَّ العرب لهم لِمَمٌ وشعور، وفي غسلها مؤنة، فأفْرَدَ

(3)

غسل الرأس من أجل ذلك. وإلى هذا ذهب مكحول.

وقوله: "اغتسل" معناه غسل سائر الجسد. وزعم بعضهم أن قوله: "غَسَّل" معناه: أصاب

(1)

زاد أبو داود في رواية له: "رأسه". وإسنادها صحيح كما في "صحيحه"(373)، وهذا يؤيِّد ما سيذكره المؤلف عن ابن خزيمة في تفسير الحديث، واستدل له بحديث آخر عن ابن عباس كما سترى، ويشهد له حديث آخر له من حديث أبي هريرة مرفوعاً يأتي في (2 - التغيب في الغسل يوم الجمعة).

(2)

"معالم السنن"(1/ 213 - 214).

(3)

في الأصل ومطبوعة عمارة والمعلقين الثلاثة: "فأراد"، والتصويب من "المعالم".

ص: 433

أهله قبل خروجه إلى الجمعة، ليكون أملك لنفسه، وأحفظ في طريقه لبصره. وقوله:"وبكَّر وابتكر" زعم بعضهم أن معنى "بكَّر": أدرك باكورة الخطبة وهي أولها، ومعنى "ابتكر": قدم في الوقت. وقال ابن الأنباري: معنا (بكَّر): تصدق قبل خروجه، وتأوَّل في ذلك ما روي في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم:

(باكروا بالصدقةِ؛ فإن البلاءَ لا يتخطاها)

(1)

".

(وقال الحافظ) أبو بكر ابن خزيمة

(2)

:

"مَن قال في الخبر: "غَسَّل واغْتَسَلَ" (يعني بالتشديد) معناه: جامع فأوجب الغسل على زوجته أو أمَته واغتسل، ومن قال: "غسَل واغتسل" (يعني بالتخفيف) أراد غسل رأسه، واغتسل: فضل سائر الجسد، لخبر طاوس عن ابن عباس".

692 -

(10)[صحيح] ثم روى بإسناده الصحيح إلى طاوس قال:

قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"اغتسلوا يومَ الجمعة، واغسلوا روؤسَكم، وإنْ لم تكونوا جنباً، ومَسّوا من الطيب".

قال ابن عباس: أمَّا الطيب فلا أدري، وأمَّا الغسل فنعمْ.

(3)

(1)

قلت: هذا الحديث إسناده ضعيف جداً كما هو مبين في "تخريج المشكاة"(1887)، وسيأتي في (8 - الصدقات/ 9) في "الضعيف".

(2)

"صحيح ابن خزيمة"(3/ 129).

(3)

قلت: وأخرجه البخاري أيضاً (رقم - 474 - مختصره).

قلت: وغسل الرأس هو الذي ينبغي أنْ يفسَّر به الحديث؛ لحديث ابن عباس هذا، ولتصريح رواية أبي داود بذلك كما تقدم في التعليق تحت الحديث (8)، ولحديث أبي هريرة الآتي (2 - باب/ 2 - حديث).

ص: 434

693 -

(11)[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن غَسَّلَ واغتَسَلَ، ودنا وابتكرَ، واقترب واستمع، كان له بكلِّ خُطوةٍ يخطوها قيامُ سنةٍ وصيامُها".

رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(1)

694 -

(12)[حسن صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

عُرِضتْ الجمعةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جاءه بها جبرائيل عليه السلام في كَفِّه كالمرآة البيضاء، في وسَطها كالنُّكتة السوداء، فقال: ما هذه يا جبرائيل! قال: هذه الجمعة، يَعرضها عليك ربُّك؛ لتكون لك عيداً، ولقومك من بعدك، ولكم فيها خير، تكون أنت الأولَ، وتكون اليهود والنصارى من بعدك، وفيها ساعة لا يدعو أحدٌ ربَّه فيها بخير هو له قُسِمَ؛ إلاَّ أعطاه، أو يتعوَّذ من شر؛ إلا دُفِع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد. . ." الحديث

(2)

.

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد جيّد.

695 -

(13)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خيرُ يومٍ طَلعتْ عليه الشمسُ يومُ الجمعة، فيه خُلق آدمُ، وفيه دخل الجنةَ، وفيه أُخرج منها".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

[صحيح] وابن خزيمة في "صحيحه"، ولفظه: قال:

"ما طلعتِ الشمسُ ولا غَربتْ على يومٍ خيرٍ من يوم الجمعة، هدانا الله

(1)

قلت: فيه (عثمان الشامي)، وهو (عثمان بن أبي سودة المقدسي)، لم يرو له في "الصحيح"؛ إلا البخاري في "الأدب المفرد" خارج "الصحيح"، وهو ثقة.

(2)

قلت: وسيأتي بتمامه في آخر الكتاب بإذن الله تعالى.

ص: 435

له، وضَلَّ الناس عنه، فالناسُ لنا فيه تَبَعٌ، فهو لنا، ولليهود يومُ السبت، وللنصارى يومُ الأحد، إنَّ فيه لساعةً لا يوافقها مؤمن يصلِّي يسأل الله شيئاً؛ إلا أعطاه" فذكر الحديث.

696 -

(14)[صحيح] وعن أوسِ بنِ أوسٍ الثقفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ من أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعة، فيه خُلق آدَمُ، وفيه قُبضَ، وفيه النفخةُ، وفيه الصعقةُ، فأكثِروا علي من الصلاة فيه، فإنّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ".

قالوا: وكيف تُعرَض صلاتُنا عليك وقد أَرَمْتَ؟ أي: بَليت. فقال:

"إنّ الله جل وعلا حَرَّمَ على الأرضِ أنْ تأكلَ أجسامَنا".

رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له، وهو أتمُّ. وله علّة دقيقة، أشار إليها البخاري وغيره، وليس هذا موضعها

(1)

، وقد جمعت طرقه في جزء.

(أَرَمْتَ) بفتح الراء وسكون ميم، أي: صِرت رميماً. ورُوي (أُرِمْتَ) بضم الهمزة وسكون الراء.

(2)

(1)

قلت: وقد تكلم عليها الناجي بتفصيل، (103 - 105) وأنهى الكلام عليها بقوله:

"وليست هذه بعلة قادحة، فإنّ للحديث شواهد من حديث جماعات".

قلت: وقد أصاب رحمه الله فيما قال، وبيّنت العلّة المشار إليها في "صحيح أبي داود"(962)، وأوضحت أنها لا تؤثر في صحة الحديث، ويكفي في ردها تتابع المحدّثين على تصحيحه، كابن خزيمة (1733 و 1734)، وابن حبان (550)، والحاكم (1/ 278)، والذهبي، وقبله النووي.

(2)

كذا الأصل، ولعل الصواب:"وسكون الميم"، فقد ذكر ابن الأثير في "النهاية" أقوالاً في ضبط هذه الكلمة وأصلها، وقال في جملة ذلك:"وقيل: يجوز أن يكون (أرِمتَ) بوزن (أمرتَ) من قولهم: (أرَمَتْ الإبل تأرم)، إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض". وكذا في "اللسان". ثم رجعت إلى المخطوطة (ق 82/ 2) فإذا بها "وكسر الراء"، فهو الصواب.

ص: 436

697 -

(15)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تطلُعُ الشمسُ ولا تغرُبُ على أفضلَ من يومِ الجمعةِ، وما من دابَّةٍ إلاَّ وهي تَفزَعُ يومَ الجمعةِ، إلاَّ هذين الثقلين: الجن والإنس".

رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، ورواه أبو داود وغيره أطول من هذا، وقال في آخره:

"وما من دابَّة إلا وهي مُصيخةٌ يومَ الجمعة من حين تصبح، حتى تطلع الشمس، شفقاً من الساعة، إلا الإنسَ والجنَّ".

(مصيخة) معناه: مستمعة مصغية، تتوقّع قيام الساعة.

698 -

(16)[حسن] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تُحشَر الأيامُ على هيئتها، ويحشر يوم الجمعة زهراءَ منيرةً، أهلُها يَحُفُّون بها كالعروس تُهدَى إلى خِدرها، تضيء لهم؛ يمشون في ضوئها، ألوانُهم كالثلجِ بياضاً، وريحهم كالمسك، يخوضون في جبالِ الكافور، ينظر إليهم الثقلان، لا يُطرقِون تعجباً، حتى يدخلون

(1)

الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذِّنون المحتسِبون".

رواه الطبراني، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال:

"إنْ صح هذا الخبر، فإنَّ في النفس من هذا الإسناد شيئاً".

(قال الحافظ): "إسناده حسن، وفي متنه غرابة".

699 -

(17)[صحيح] وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أضلَّ الله تبارك وتعالى عن الجمعة من كان قبلنا، كان لليهود يومُ

(1)

كذا الأصل بإثبات النون، وعليه "المجمع"، والسياق للطبراني، ولفظ ابن خزيمة نحوه، وفيه "يدخلوا"، وهو الأصح. وباللفظ الأول رواه الطبراني في "مسند الشاميين" أيضاً (2/ 390)، وكذا الحاكم (1/ 277)، وقال:"حديث شاذ صحيح"! ووافقه الذهبي!

ص: 437

السبت، والأحدُ للنصارى، فهم لنا تَبَع إلى يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق".

رواه ابن ماجه والبزار، ورجالهما رجال "الصحيح"؛ إلا أنَّ البزار قال:

"نحنُ الآخِرون في الدنيا، الأوَّلون يوم القيامة، المغفورُ لهم قبل الخلائق".

وهو في مسلم بنحو اللفظ الأول من حديث حذيفة وحده

(1)

.

700 -

(18)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال:

"فيها

(2)

ساعةٌ لا يوافِقُها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يصلي؛ يسألُ اللهَ شيئاً؛ إلا أعطاه [إياه]. وأشار بيده يقلِّلُها".

رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.

(وأما تعيين الساعة) فقد ورد فيه أحاديث كثيرة صحيحة، واختلف العلماء فيها اختلافاً كثيراً، بسطتُه في غير هذا الكتاب، وأذكر هنا نبذة من الأحاديثِ الدالَّةِ لبعض الأقوال.

701 -

(19)[حسن لغيره] ورُوي عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"التمِسوا الساعةَ التي تُرجَى في يوم الجمعة بَعدَ صلاةِ العصرِ، إلى غَيبوبةِ الشمسِ".

رواه الترمذي وقال: "حديث غريب".

(1)

قلت: ليس كذلك، بل أخرجه مسلم عنهما معاً. ثم ساقه قريباً منه من حديث حذيفة وحده. كذا في "العجالة"(105)، وهو كما قال، وهو في "مسلم"(3/ 7)، ولفظه في الجملة الأخيرة منه كلفظ ابن ماجه:"المقضيُّ لهم قبل الخلائق". وفي رواية: "المقضيُّ بينهم".

(2)

قال الناجي: "هذا سبْق قلم، وإنما هو (فيه)، إذِ الضمير عائد إلى اليوم، وهو مذكّر، وذا واضح غير خاف".

قلت: واللفظ للبخاري (935) والزيادة منه سقطت من قلم المؤلف رحمه الله.

ص: 438

ورواه الطبراني من رواية ابن لهيعة. وزاد في آخره:

"يعني قدْر هذا". يعني قبضة. وإسناده أصلح من إسناد الترمذي.

702 -

(20)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن سلام قال:

قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس:

إنا لنجِد في كتاب الله تعالى: في يوم الجمعة ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يصلِّي يسألُ اللهَ فيها شيئاً، إلا قضى الله له حاجته.

قال عبد الله: فأشار إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"أو بعضُ ساعةٍ".

فقلت: صدقتَ، أو بعض ساعة. قلت: أيُّ ساعةٍ هي؟ قال:

"آخرُ ساعات النهار".

قلت: إنها ليست ساعةَ صلاةٍ. قال:

"بلى؛ إن العبد إذا صلَّى، ثم جلس لم يُجلِسْهُ إلا الصلاة، فهو في صلاة".

رواه ابن ماجه، وإسناده على شرط "الصحيح".

703 -

(21)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يومِ الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلاَّ آتاه إياه، فالتمسوها آخرَ ساعة بعد صلاةِ العصرِ".

رواه أبو داود والنسائي -واللفظ له-، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم". وهو كما قال.

قال الترمذي:

"ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الساعة التي ترجى

ص: 439

[فيها]

(1)

[إجابة الدعوة] بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، وبه يقول أحمد وإسحاق.

وقال أحمد: أكثر الحديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر.

قال: (وتُرجَى بعد الزوال)". ثم روى حديث عمرو بن عوف المتقدم. [في "الضعيف"].

قال الحافظ أبو بكر بن المنذر:

"اختلفوا في وقت الساعة التي يُستجابُ فيها الدعاء من يوم الجمعة، فرُوِّينا عن أبي هريرةَ قال: هي من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمسِ، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.

(2)

وقال الحسن البصري وأبو العالية: هي عند زوال الشمس.

وفيه قول ثالث، هو أنّه "إذا أذّن المؤذّن لصلاة الجمعة"، رُوي ذلك عن عائشة.

ورُوِّينا عن الحسن البصري أنَّه قال: "هي إذا قعد الإمام على المنبر حتى يفرغ".

وقال أبو بردة: هي الساعة التي اختار الله فيها الصلاة.

وقال أبو السوّار العدوي: كانوا يرون الدعاء مستجاباً ما بين أنْ تزول الشمس إلى أنْ يدخل في الصلاة.

وفيه قول سابع، وهو أنَّها ما بين أنْ تزيغ الشمس بشبر إلى ذراع. ورُويِّنا هذا القول عن أبي ذر.

وفيه قول ثامن، وهو أنَّها ما بين العصر إلى أنْ تغرب الشمس. كذا قال أبو هريرة، وبه قال طاوس وعبد الله بن سلام. والله أعلم".

(3)

(1)

سقطت من الأصل، واستدركتها من "سنن الترمذي" والمخطوطة، وفيها بعدها زيادة:"إجابة الدعوة". وسقط ذلك كله من مطبوعة الثلاثة!

(2)

قلت: وهذا قد رُوي عن أبي هريرة مرفوعاً، ولا يصح أيضاً، وقد خرَّجته فى "الضعيفة"(5299).

(3)

قلت: وهناك أقوال أخرى كثيرة، استقصاها الحافظ في "الفتح"(2/ 345 - 351) فبلغت ثلاثاً وأربعين قولاً، ومال هو إلى هذا الذي حكاه المؤلف وغيره عن الإمام أحمد وإسحاق، وتبعهما جمع، وهو الصواب عندي؛ لأن أكثر أحاديث الباب عليه، وما خالفها فليس فيها شيء صحيح، =

ص: 440

‌2 - (الترغيب في الغُسل يوم الجمعة).

وقد تقدم ذكر الغُسل في الباب قبله في حديث سلمان الفارسي، وأوس بن أوس، وعبد الله بن عمروٍ.

704 -

(1)[حسن] وعن عبد الله بن أبي قتادة قال:

دخل عليَّ أبي وأنا أغتسل يومَ الجمعةَ، فقال: غُسلُك هذا من جنابة أو للجمعة؟ قلت: مِن جنابة. قال: أعِدْ غُسلاً آخر، إنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن اغتسل يومَ الجمعة؛ كان في طهارةٍ إلى الجمعةِ الأخرى".

رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده قريب من الحُسْن، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال:

"هذا حديث غريب لمْ يروه غير هارون -يعني ابن مسلم صاحب الحِنّاءِ

(1)

-".

ورواه الحاكم بلفظ الطبراني وقال:

"صحيح على شرطهما"، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

"مَن اغتسل يوم الجمعة؛ لم يزلْ طاهراً إلى الجمعة الأخرى".

= وأقواها حديث أبي موسى عند مسلم وغيره، وهو في الكتاب الآخر، فرجَّحوه على أحاديث الباب بأنّه في أحد "الصحيحين". قال الحافظ:

"وأجاب الأوّلون بأنّ الترجيح بما في "الصحيحين" أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفَّاظ كحديث أبي موسى هذا. فإنَّه أُعِلَّ بالانقطاع والاضطراب. . "،

ثم شرح ذلك، ومن أجل الاضطراب أوردته في "ضعيف أبي داود"(193)، وقد صح اتفاق الصحابة أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، فلا يجوز مخالفتهم. راجع "الفتح".

(1)

هو بمهملة مكسورة ونون ثقيلة، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب":"صدوق من التاسعة".

ص: 441

705 -

(2)[صحيح](*) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا كان يومُ الجمعة، فاغتسل الرجلُ، وغَسَلَ رأسَه، ثم تَطيَّبَ من أطيب طيبه، ولَبِس من صالح ثيابهِ، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يُفَرِّقْ بين اثنين، ثم استمعَ للإمام؛ غُفِرَ له من الجمعة إلى الجمعة، وزيادةُ ثلاثة أيام".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

قال الحافظ: "وفي هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه مكحول ومَن تابعه في تفسير قوله: "غَسَلَ واغتسل"، والله أعلم".

706 -

(3)[صحيح] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"غُسل يوم الجمعة واجبٌ

(1)

على كل محتلم، وسِواكٌ. ويَمَسُّ من الطيب ما قَدِرَ عليه".

رواه مسلم وغيره.

707 -

(4)[حسن لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنّ هذا يومُ عيدٍ، جعله الله للمسلمين، فمَن جاءَ الجمعةَ فليغتسلْ، وإنْ كان طيبٌ فليمَسَّ منه، وعليكم بالسواكِ".

رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

وستأتي أحاديث تدلّ لهذا الباب فيما يأتي من الأبواب إن شاء الله تعالى.

(1)

ليس عند مسلم (3/ 4)"واجب"، وإنّما هو عند النسائي (1/ 204).

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط هذا الحكم من المطبوع، وأثبته الشيخ مشهور في طبعته للترغيب، وقال:«أثبتناه من أصول الشيخ - رحمه الله تعالى-»

ص: 442

‌3 - (الترغيب في التبكير إلى الجمعة، وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر).

708 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من اغتسل يومَ الجمعة غُسلَ الجنابة، ثم راحَ في الساعةِ الأولى فكأنّما قرَّب بَدَنَةً، ومن راح في الساعةِ الثانيةِ فكأنما قرب بَقَرَةً، ومن راح في الساعةِ الثالثةِ فكأنما قرَّب كبشاً أقْرَنَ، ومن راح في الساعة الرابعةِ فكأنما قَرَّبَ دَجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بَيْضَةً، فإذا خرج الإمامُ حضرتِ الملائكة يستمعون الذِكرَ".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

[صحيح] وفي رواية للبخاري ومسلم وابن ماجه:

"إذا كان يومُ الجمعة، وَقَفَتْ الملائكةُ على بابِ المسجد، يكتبون الأوَّلَ فالأوَّلَ، ومَثَل المُهَجِّر كَمَثَلِ الذي يُهدي بَدَنَةً، ثم كالذي يُهدي بقرةً، ثم كبشاً، ثم دجاجةً، ثم بيضةً، فإذا خرج الإمامُ طَوَوْا صُحفَهم، يستمعون الذِكرَ".

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" بنحو هذه.

[صحيح] وفي رواية له: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"المستعجِل إلى الجمعةِ كالمُهْدي بَدَنَةً، والذي يليه كالمُهدي بقرةً، والذي يليه كالمُهدي شاةً، والذي يليه كالمُهدي طيراً".

[صحيح] وفي أخرى له قال:

"على كل بابٍ من أبواب المساجد يومَ الجمعةِ مَلَكان يكتبان الأوَّلَ فالأوَّلَ، كرجلٍ قَدَّمَ بَدَنةً، وكرجلٍ قدَّم بقرةً، وكرجل قدَّم شاةً، وكرجل قدَّم

ص: 443

طيراً، وكرجل قدم بيضةً، فإذا قعد الإمام طُويَتِ الصحفُ".

(المُهجّر): هو المبكر الآتي في أول ساعة.

709 -

(2)[حسن لغيره] وعن سَمْرة بن جُندب رضي الله عنه:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب مثلَ الجمعةِ ثم التبكيرِ [كناحرِ البَدَنَةِ]،

(1)

كناحرِ البقرة، كناحر الشاة، حتى ذكرَ الدجاجةَ.

رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

710 -

(3)[حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تقعدُ الملائكةُ يومَ الجمعةِ على أبوابِ المساجدِ معهم الصحفُ يكتبونَ الناسَ، فإذا خرج الإمامُ طُويَتِ الصُّحفُ".

قلت: يا أبا أمامة! أليس لمن جاء بعد خروجِ الإمام جمعةٌ؟

قال: بلى، ولكنْ ليس ممن يُكتبُ في الصحف.

رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفي إسناده مبارك بن فضالة.

(2)

[حسن صحيح] وفي رواية لأحمد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"تقعد الملائكةُ على أبوابِ المساجدِ، فيكتبون الأولَ والثانيَ والثالثَ، حتى إذا خرجَ الإمامُ رُفعتِ الصحفُ".

ورواة هذا ثقات.

(1)

زيادة من "ابن ماجه"، وكان في الأصل وطبعة عمارة:"كأجرة البقرة، كأجرة الشاة"، فصحَّحته منه، ونحوه في "الطبراني الكبير"(7/ 256 و 281).

(2)

قلت. هذا الإعلال لا وجه له، فإنما يُخشى منه عنعنته، وقد قال عند أحمد (5/ 263): حدَّثني أبو غالب عن أبي أمامة، بالرواية الآتية، فصرح بالتحديث. ثم إنه قد تابعه حسين -وهو ابن واقد-: حدَّثني أبو غالب بالرواية الأولى. رواه أحمد (5/ 260). وهي عند الطبراني (8/ 339/ 8085)؛ لكنْ من طريق المبارك معنعناً.

ص: 444

711 -

(4)[حسن] وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه قال:

"إذا كان يومُ الجمعةِ قَعَدَتِ الملائكةُ على أبوابِ المساجدِ، فيكتبون من جاء من الناس على منازلِهم، فرجل قدَّم جزوراً، ورجل قدَّم بقرةً، ورجل قدَّم شاةً، ورجل قدَّم دجاجةً، ورجل قدَّم بيضةً، قال: فإذا أذَّن المؤذنُ وجلس الإمامُ على المنبر طُويَت الصحف، ودخلوا المسجدَ يستمعون الذكْر".

رواه أحمد بإسناد حسن.

712 -

(5)[صحيح] ورواه النسائي بنحوه من حديث أبي هريرة.

(1)

قال الحافظ رحمه الله: وتقدم [693] حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من غَسَّلَ واغتسل، ودنا وابتكر، واقترب واستمع. كان له بكل خطوة يخطوها قيامُ سنةٍ وصيامُها".

وكذلك تقدم [690] حديث أوس بن أوس نحوه.

713 -

(6)[حسن لغيره] وروي عن سَمُرَة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"احضُروا الجمعةَ، وادنُوا من الإمام؛ فإنَّ الرجلَ ليكونُ من أهل الجنةِ، فيتأخر. .، فيؤخَّر عن الجنَّة، وإنَّه لمن أهلها".

رواه الطبراني والأصبهاني وغيرهما

(2)

.

(1)

قلت: ومسلم أيضاً عنه، وابن ماجه وابن خزيمة كما بينته في الأصل.

(2)

قلت: ومنهم أحمد (5/ 10)، فكان العزو إليه أولى. وقد أخرجه أبو داود أيضاً بنحوه، وسنده حسن كما تراه في "صحيح أبي داود"(1015)، و"الصحيحة"(365)، وكان في الأصل محل النقط (. . .) قوله:"عن الجمعة"، فلم أذكرها لضعف سندها، وفقدان الشاهد لها، ونكارتها، ولو صحت لكانت من الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر! وفيما صح ما يغني عنه كما تقدم. وغفل الثلاثة عن هذا التحقيق كعادتهم تقليداً، فحسنوا الحديث مع إقرارهم لقول الهيثمي في راويه الحكم بن عبد الملك:"ضعيف"! فما أجهلهم وأشد تناقضهم؟!

ص: 445

‌4 - (الترهيب من تخطّي الرقاب يوم الجمعة).

714 -

(1)[صحيح] عن عبد الله بن بُسرٍ رضي الله عنهما قال:

جاء رجل يتَخَطّى رقاب الناس يومَ الجمعةِ، والنبي صلى الله عليه وسلم يَخطبُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"اجلسْ فقد آذَيتَ، وآنَيتَ".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما". وليس عند أبي داود والنسائي: "وآنيتَ"، وعند ابن خزيمة:

"فقد آذيتَ، وأُوذِيتَ".

(1)

715 -

(2)[صحيح لغيره] ورواه ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله.

(آنيتَ) بمد الهمزة وبعدها نون ثم ياء مثناة تحت، أي: أخَّرتَ المجيء.

(وآذيتَ) بتخطّيك رقاب الناس.

(1)

كذا قال، وأنا أخشى أنْ يكون تحرّف عليه، أو على ناسخ نسخته من "صحيح ابن خزيمة"، فإنَّ الثابت في المطبوعة منه (3/ 156/ 1811) موافق لرواية أحمد (4/ 190)، ومدارهما على عبد الرحمن بن مهدي. وتابعه ابن وهب عند ابن الجارود في "المنتقى"(110/ 294)، وابن حبان (572).

ص: 446

‌5 - (الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات).

716 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا قلتَ لصاحِبك يومَ الجمعةِ: أنصتْ، والإمامُ يخطب؛ فقد لَغَوْتَ".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة.

قوله: "لغوتَ" قيل: معناه خِبْتَ من الأجر. وقيل: تكلَّمت. وقيل: أخطأت.

وقيل: بطلت جمعتك. وقيل: صارت جمعتك ظهراً. وقيل غير ذلك.

(1)

717 -

(2)[صحيح] وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا تكلمتَ يوم الجمعة فقد لَغَوْتَ، وألغَيتَ. يعني والإمام يخطب".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

718 -

(3)[صحيح] ورواه [يعني حديث أُبيّ بن كعبٍ الذي في "الضعيف"] ابن خزيمة في "صحيحه" عن أبي ذر؛ أنه قال:

دخلت المسجدَ يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجسلتُ قريباً من أُبيِّ

(1)

قلت: وهذا القول الأخير -وقريب منه الذي قبله- هو الذي نعتمده، لأن خير ما فسَّر به حديثه صلى الله عليه وسلم، إنما هو كلامه، وقد ثبت عنه أنه قال في حديث يأتي قريباً:"ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً"، وهو الذي جزم به الإمام ابن خزيمة في "صحيحه" (/ 3/ 155 باب - 71). ولا ينافيه قول أبي الآتي بعده:"ما لك من صلاتك إلا ما لغوت"، وتأييدُه صلى الله عليه وسلم إياه بقوله:"صدق أُبي"؛ فإن المعنى نفيُ فضيلة صلاة الجمعة، وليس نفي الجمعة من أصلها، على حد قولهم:"لا فتى إلا علي"، وذلك لا يستلزم نفي الفضيلة من أصلها، وإنما نفي بعضها، وما بقي من الفضل يساوي فضيلة صلاة الظهر، لقوله:"كانت له ظهراً". وهو صلى الله عليه وسلم قال ذلك فيمن لغا أو تخطّى كما في الحديث الآتي (6)، فمَن لغا فقط، كانت له ظهراً من باب أولى، كما هو ظاهر لا يخفى والحمد لله، وراجع له (الباب - 72) من "ابن خزيمة".

ص: 447

ابن كعب، فقرأَ النبي صلى الله عليه وسلم سورة {براءة} ، فقلت لأُبيٍّ: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتَجَهَّمَنِي، ولم يُكَلِّمْني. ثم مكثتُ ساعةً، ثم سأَلتُه؟ فتجهَّمني، ولم يكلّمنْي. ثم مكثتُ ساعة، ثم سألتُه؟ فتجهمني، ولم يكلمني. فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قلت لأُبَيٍّ: سألتُك فتجهمتني، ولم تُكلِّمني؟ قال أُبيّ: ما لك من صلاتك إلا ما لَغَوْتَ! فذهبتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيَّ الله! كنتُ بجنب أُبَيّ وأنت تقرأ {براءة} ، فسألتُه: متى نزلتْ هذه السورة؟ فتجهَّمني، ولم يكلِّمني، ثم قال: ما لك من صلاتك إلا ما لغوتَ! قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"صدق أُبَيٌّ".

قوله: "فتجهَّمني" معناه: قطَّب وجهه وعبس، ونظر إليَّ نظرَ المغضَب المنكِر.

719 -

(4)[حسن صحيح] وعن جابر أيضاً قال:

دخلَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ المسجدَ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس إلى جنب أُبي بنِ كعبٍ، فسأله عن شيء، أو كلَّمه بشيء، فلم يَرُدَّ عليه أُبَيٌّ، وظنَّ ابنُ مسعودٍ أنَّها مَوْجِدَةٌ

(1)

، فلما انفتل النبي صلى الله عليه وسلم من صلاتِه قال ابن مسعود: يا أُبيُّ! ما منعَكَ أنْ تَردَّ علي؟ قال: إنَّك لم تحضر معنا الجمعة. قال: لِمَ؟ قال: تكلمتَ والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب! فقام ابن مسعود، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صدقَ أُبيٌّ، صدق أُبيٌّ، أَطعْ أُبيّاً".

رواه أبو يعلى بإسناد جيد، وابن حبان في "صحيحه".

(1)

مصدر (وجد عليه) يجد وَجداً ومَوجِدةً: غضب.

ص: 448

720 -

(5)[صحيح] وعن عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:

كفى لغواً أنْ تقولَ لصاحِبكَ: أَنصتْ؛ إذا خرج الإمام في الجمعة.

رواه الطبراني في "الكبير" موقوفاً بإسناد صحيح.

721 -

(6)[حسن صحيح] وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن اغتسلَ يومَ الجمعة، ومسَّ من طِيب امرأتِه إنْ كان لها، ولبِسَ من صالحِ ثِيابه، ثم لم يَتَخَطَّ رقابَ الناس، ولم يَلغُ عند الموعِظةِ؛ كان كفارةً لما بينهما، ومن لغا

(1)

وتخطى رقاب الناسِ كانت له ظهراً".

رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه" من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو.

722 -

(7)[صحيح] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث أبي هريرة بنحوه

(2)

.

وتقدم [أول الباب الثالث].

723 -

(8)[حسن صحيح] وعنه [يعني ابن عمروٍ] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يحضرُ الجمعة ثلاثةُ نفرٍ، فرجلٌ حضرها يَلغو، فذلك حظُّه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ، فهو رجل دعا اللهَ؛ إنْ شاء أعطاه، وإنْ شاء منعه، رجل حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ، ولمْ يتخطَّ رَقَبَةَ مسلِم، ولم يؤذِ أحداً؛ فهي كفارةٌ إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام. وذلك أنّ الله يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ".

رواه أبو داود، وابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

كذا في "أبي داود"(345) وعنه البيهقي (3/ 231). وفي ابن خزيمة (3/ 156/ 1810): "أو"، وقد تأتي الواو بمعنى (أو). والله أعلم.

(2)

قلت: دون قوله: "ومن لغا. . ." إلخ.

ص: 449

‌6 - (الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر).

724 -

(1)[صحيح] عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لِقومٍ يَتخَلّفُون عن الجمعة:

"لقد هَمَمْتُ أنْ آمرَ رجلاً يصلِّي بالناسِ، ثم أحَرِّقَ على رجالٍ يتخلَّفون عن الجمعة بُيوتَهم".

رواه مسلم والحاكم بإسناد على شرطهما

(1)

.

725 -

(2)[صحيح] وعن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم؛ أنّهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره:

"لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِم الجُمُعاتِ، أو ليختمَنَّ الله على قلوِبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين".

رواه مسلم وابن ماجه وغيرهما.

قوله. "وَدْعِهم الجمعات" هو بفتح الواو وسكون الدال؛ أي: تركهم الجمعات.

726 -

(3)[صحيح] ورواه ابن خزيمة بلفظ: "تركِهم" من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري.

727 -

(4)[حسن صحيح] وعن أبي الجَعْدِ الضَّمْري

(2)

-وكانت له صحبةٌ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1)

فيه نظر بيَّنتُه في الأصل.

(2)

هذا هو الصواب في ضبط هذه النسبة، وما في مطبوعة عمارة أنَّه (الضُّمَري) فهو خطأ مخالف لكتب "الأنساب" وغيرها.

ص: 450

"مَن ترك ثلاثَ جُمَعِ تهاوناً بها

(1)

؛ طبعَ الله على قلبِه".

رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسَّنه، وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبَّان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

[حسن صحيح] وفي رواية لابن خزيمة وابن حبان:

"مَن تركَ الجمعة ثلاثاً من غير عذر فهو منافق"

(2)

.

أبو الجعد اسمه أدرع، وقيل: جُنادة. وذكَر الكرابيسيّ أنَّ اسمه عُمرُ بن أبي بكر.

وقال الترمذي: "سألت محمداً (يعني البخاري) عن اسم أبي الجعد؟ فلم يعرفه".

728 -

(5)[صحيح لغيره] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة؛ طَبَعَ الله على قلبه".

رواه أحمد بإسناد حسن، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد"

(3)

.

729 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن ترك ثلاثَ جمعاتٍ من غير عذرٍ؛ كُتِبَ من المنافقين".

رواه الطبراني في "الكبير" من رواية جابر الجُعفي، وله شواهد.

(1)

أي: لقلة الاهتمام بأمرها، لا استخفافاً بها؛ لأن الاستخفاف بفرائض الله تعالى كفر وردة؛ لأنه كفر قلبي، ونصبه على أنه مفعول لأجله، أو حال، أي. متهاوناً.

ومعنى "طبع الله على قلبه" أي: ختم عليه وغشاه ومنعه الألطاف.

و (الطبْع) بالسكون: الختم، وبالحركة: الدنس والوسخ يغشيان السيف، ثم استعمل في الآثام والقبائح. والله أعلم.

(2)

في الأصل: "وفي رواية ذكَرها رَزين وليست فى الأصول. فقد بَرئ من الله". فلم أذكرها لمخالفتها مع ما ذكر المؤلف للأصول!

(3)

ورواه ابن ماجه، لكنْ جعله من حديث جابر، وهو الأرجح عندي كما بيّنتُه في الأصل، ويأتي بعد ثلاثة أحاديث.

ص: 451

730 -

(7)[صحيح لغيره] وعن كعبِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لَيَنْتهيَنَّ أقوامٌ يَسمعون النداءَ يوم الجمعة ثم لا يأْتونَها، أو لَيَطْبَعَنَّ اللهُ على قلوبهم، ثم لَيكُونُنَّ من الغافلين".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.

731 -

(8)[حسن لغيره] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا هل عسى أحدُكم أنْ يتَّخذ الصُّبَّة من الغنم على رأس ميل أو ميلين، فَيَتَعَذَّرَ عليه الكلأُ، فيرتفعَ، ثم تجيءُ الجمعةُ فلا يجيء ولا يشهدها، وتجيء الجمعةُ فلا يشهدها، [وتجيءُ الجمعة فلا يشهدُها]

(1)

، حتى يُطبَعَ على قلبِه".

رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وابن خزيمة في "صحيحه".

(الصُّبَّة) بضم الصاد المهملة، وتشديد الباء الموحَّدة: هي السَّربة

(2)

، إما من الخيلِ أو الإبلِ أو الغنم، ما بين العشرين إلى الثلاثين، تضاف إلى ما كانت منه. وقيل: هي ما بين العشَرة إلى الأربعين.

732 -

(9)[حسن لغيره] وعن جابر بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما قال:

قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يومَ الجمعة فقال:

"عسى رجلٌ تَحضُرُه الجمعةُ، وهو على قَدْرِ ميلٍ من (المدينة)، فلا يحضرُ الجمعةَ". ثم قال في الثانية:

"عسى رجلٌ تَحضُره الجمعةُ وهو على قَدْرِ ميلين من (المدينة) فلا

(1)

زيادة من ابن ماجه وابن خزيمة، ويشهد لها الحديث الآتي بعده.

(2)

بكسر السين المهملة، بعدها راء وباء موحدة، ووقع في الأصل وتبعه عمارة:"السرية" بالمثناة التحتية، وهو خطأ.

ص: 452

يحضُرُها". وقال في الثالثة:

"عسى يكون على قَدْرِ ثلاثةِ أميالٍ من (المدينة) فلا يحضر الجمعة، ويطبعُ اللهُ على قبله".

رواه أبو يعلى بإسناد ليِّن.

(1)

[حسن صحيح] وروى ابن ماجه عنه بإسناد جيد مرفوعاً:

"مَن ترك الجمعةَ ثلاثاً من غير ضرورةٍ؛ طَبَعَ اللهُ على قلبه".

733 -

(10)[صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال:

"مَن ترك الجمعةَ ثلاثَ جُمَعٍ متوالياتٍ؛ فقد نبَذ الإسلام وراء ظهره".

رواه أبو يعلى موقوفاً بإسناد صحيح.

734 -

(11)[حسن لغيره] وعن حارثة بنِ النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يَتَّخِذُ أحدُكم السائمةَ، فيشهد الصلاةَ في جماعة، فتتعذَّر عليه سائمتُه، فيقول: لو طلبت لسائمتي مكاناً هو أكلأُ من هذا، فيتحوَّل، ولا يشهد إلاَّ الجمعة، فتتعذَّر عليه سائمتُه، فيقول: لو طلبت لسائمتي مكاناً هو أكلأُ من هذا، فيتحوَّل، فلا يشهد الجمعةَ ولا الجماعَة، فيطبعُ اللهُ على قلبه".

رواه أحمد من رواية عمر بن عبد الله مولى غُفْرَة، وهو ثقة عنده

(2)

.

(1)

قلت: وأما قول الهيثمي: "رواه أبو يعلى، ورجاله موثوقون"؛ فهو من تساهله، كيف لا وفيه الفضل الرّقاشي، وهو ضعيف اتفاقاً، بل قال فيه أبو داود:"كان هالكاً"، وقال النسائي:"ليس بثقة". لكن حديثه هذا حسن بالذي قبله، وبحديث جابر الذي بعده.

(تنبيه): تحرَّف اسم (جابر) في هذا السطر الأخير من الطبعة السابقة إلى (حارثة)، فنقله عني المعلقون الثلاثة هكذا محرَّفاً. وهذا مما يدل أن كل تحقيقهم إنما هو مجرد النقل، من دون فهم.

(2)

قلت: لكنْ ضعفه الأكثر، ولذلك جزم بضعفه الهيثمي ثم العسقلاني، ولكن حديثه قوي بما قبله.

ص: 453

وتقدم حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وابن خزيمة بمعناه. [الحديث الثامن].

قوله: "أكلأُ من هذا" أي: أكثر كلأً.

و (الكلأ)، بفتح الكاف واللام في آخره همزة غير ممدودة: هو العشب الرطب واليابس.

735 -

(12)[حسن] وعن محمد بنِ عبدِ الرحمنِ بن زُرارة قال: سمعت عَمّي

(1)

-ولم أر رجلاً منَّا به شبيهاً- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن سمع النداءَ يومَ الجمعة فلم يأتِها، ثم سمِعَه فلم يأتها، ثم سمعَه فلم يأتها، طبعَ اللهُ على قلبه، وجعل قلبَه قلبَ منافق".

رواه البيهقي.

(1)

الأصل: "عمر"، وكذا في مطبوعة عمارة والمخطوطة، والصواب ما أثبتّه؛ كما حقَّقتُه في الأصل، واسم عمه (يحيى بن سعد بن زرارة). وعلى الصواب رواه أبو يعلى في "مسنده"(13/ 109)، وكان بالعزو إليه أولى من البيهقي، وهذا أخرجه في "الشُّعَب"(3/ 102 - 103).

وعزاه الثلاثة المعلِّقون هنا (1/ 576) للأصبهاني في "الترغيب" برقم (912)، وهذا خطأ سبق التنبيه على أمثاله!!

ص: 454

‌7 - (الترغيب في قراءة سورة {الكهف}. . ليلة الجمعة ويوم الجمعة).

736 -

(1)[صحيح] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن قرأ سورةَ {الكهف} في يومِ الجمعةِ؛ أضاء له من النور ما بين الجمعتين".

رواه النسائي

(1)

، والبيهقي مرفوعاً، والحاكم مرفوعاً وموقوفاً أيضاً، وقال:

"صحيح الإسناد".

ورواه الدارمي في "مسنده"

(2)

موقوفاً على أبي سعيد، ولفظه: قال:

"من قرأ سورةَ {الكهف} ليلةَ الجمعة؛ أضاء له من النور ما بينه وبين البيتِ العتيقِ".

وفي أسانيدهم كلها -إلا الحاكم- أبو هاشم يحيى بن دينار الرُّمَاني، والأكثرون على توثيقه، وبقية الإسناد ثقات.

وفي إسناد الحاكم -الذي صححه- نعيم بن حمَّاد، ويأتي الكلام عليه، وعلى أبي هاشم.

(1)

قال الناجي (106): "في اليوم والليلة" على القاعدة المقررة المتكررة، لا في "السنن".

وكلام المصنف يقتضي أنه لم يروه النسائي إلا مرفوعاً، وقد رواه مرفوعاً وموقوفاً كالحاكم"!

قلت: نعم، ولكن ليس عنده إطلاقاً قوله:"في يوم الجمعة". وهو مخرج في "الإرواء"(3/ 93 - 94)، وقد تقدم دونه في (4 - الطهارة/ 12).

(2)

قلت: كذا اشتُهر اسمه عند كثير من المتقدمين، وفيه نظر، فإنه ليس على ترتيب المسانيد، وإنما على الكتب والأبواب، وفيه كثير من الآثار الموقوفة، والأقرب أن يسمى بـ "السُّنن"، وعلى هذا جرى كثير من الحفاظ وغيرهم.

ص: 455

‌8 - كتاب الصدقات.

1 -

(الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها).

737 -

(1)[صحيح] عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بُنِيَ الإسلامُ على خَمسٍ: شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبدُهُ ورسولُه، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وحجِ البيتِ، وصومِ رمضان".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [مضى 5 - الصلاة/13].

738 -

(2)[حسن] وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خمسٌ مَن جاء بهنَّ مع إيمانٍ دخلَ الجنةَ: مَن حافظَ على الصلواتِ الخمسِ، على وضوئِهنَّ وركوعِهنَّ وسجودهنَّ ومواقيتِهنَّ، وصامَ رمضانَ، وحجَّ البيتَ إنِ استطاعَ إليه سبيلاً، وأعطى الزكاةَ طيِّبةً بها نفسُهُ" الحديث.

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيّد، وتقدم [5 - الصلاة/ 13].

739 -

(3)[صحيح لغيره] وعن مُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال:

كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأصبحتُ يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرْني بعملٍ يُدخلني الجنةَ، ويباعدني من النار، قال:"لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يَسَّرَهُ اللهُ عليه، تَعبدُ اللهَ ولا تشركُ به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتَحجُّ البيتَ" الحديث.

رواه أحمد والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه.

ص: 456

ويأتي بتمامه في "الصمت" إنْ شاء الله تعالى.

740 -

(4)[صحيح لغيره] وعن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاثٌ أحلِفُ عليهن: لا يجعلُ الله من له سهمٌ في الإسلامِ كمَن لا سَهْم لَه، وأسهمُ الإسلام ثلاثةٌ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاةُ، ولا يَتَوَلَّى اللهُ عبداً في الدنيا فَيُولِّيه غيرَه يومَ القيامة" الحديث.

رواه أحمد بإسناد جيد. [مضى 5 - الصلاة/ 13].

741 -

(5)[حسن لغيره] وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"الإسلامُ ثمانية أسهمٍ: الإسلامُ سهمٌ، والصلاةُ سهمٌ، والزكاةُ سهمٌ، والصومُ سهمٌ، وحجُّ البيتِ سهمٌ، والأمر بالمعروف سهمٌ، والنهيُ عن المنكرِ سهمٌ، والجهاد في سبيل الله سهمٌ، وقد خاب من لا سهمَ له".

رواه البزار مرفوعاً، وفيه يزيد بن عطاء اليشكريّ.

742 -

(6)[حسن لغيره] وراه أبو يعلى من حديث علي مرفوعاً أيضاً.

[صحيح موقوف] وروي موقوفاً على حذيفة، وهو أصح. قاله الدارقطني وغيره.

(1)

743 -

(7)[حسن لغيره] وعن جابر رضي الله عنه قال:

قال رجل: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ أدَّى الرجلُ زكاةَ مالِه؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن أدَّى زكاةَ مالِه؛ فقد ذهب عنه شَرُّه".

(1)

قلت: وصله ابن أبي شيبة (5/ 352 و 11/ 7)، والطيالسي (410)، والبزار (337) بسند صحيح عنه. وله شاهد قوي مرفوع من حديث أبي هريرة وزاد:"فمن ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن تركهن كلهن، فقد ولى الإسلام ظهره". وهو مخرج في "الصحيحة"(333): وهو نص في أن تارك الصلاة لا يكفر، فهو مثل كثير غيره قاصمة ظهر المكفِّرين، فلعلهم يرجعون، ولا يتأولون ولا ينكرون!

ص: 457

رواه الطبراني في "الأوسط" -واللفظ له- وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم مختصراً:

"إذا أدَّيْتَ زكاةَ مالِكَ؛ فقد أذهبتَ عنك شَرَّه". وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

744 -

(8)[حسن لغيره] وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

". . . . . . . داوُوا مرضاكم بالصدقة. . . . . . ".

رواه أبو داود في "المراسيل"، ورواه الطبرانى والبيهقى وغيرهما عن جماعة من الصحابة مرفوعاً متصلاً، والمرسل أشبه.

(1)

745 -

(9)[صحيح موقوف] ورواه غيره [يعني حديث ابن عمر المرفوع الذي في "الضعيف"] موقوفاً على ابن عمر، وهو الصحيح.

[قلت: ولفظه:

"كلُّ مالٍ أديتَ زكاتَه وإن كانَ تحتَ سبعِ أرضين؛ فليسَ بكنزٍ، وكلُّ مالٍ لا تؤدى زكاتُه؛ فهو كنزٌ وإن كان ظاهراً على وجه الأرض".

رواه البيهقي].

746 -

(10)[صحيح لغيره] وعن سَمُرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أقيموا الصلاة، وآتُوا الزكاةَ، وحجُّوا، واعتمِروا، واستقيموا؛ يُستَقَمْ بكم".

رواه الطبراني في "الثلاثة"، وإسناده جيد إنْ شاء الله تعالى، عمران القطان صدوق.

(1)

قلت: لأنه مع إرساله حسن الإسناد، وما أشارَ إليه من الروايات عن الجماعة لا تخلو من ضعف بعضه شديد، وقد خرجت طائفة منها في "الضعيفة"(575 و 3492 و 6162)، وهي على اختلاف ألفاظها، قد اتّفقت على جملة المداواة هذه، ولذلك حسَّنتُها. والله أعلم. وانظر إن شئت "المقاصد" للحافظ السخاوي (190 - 191). وغفل عن هذا التفصيل المعلقون الثلاثة -وهو الله اللائق بجهلهم- فحسنوا الحديث بكامله!

ص: 458

747 -

(11)[صحيح] وعن أبي أيوب رضي الله عنه:

أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرْني بعمل يُدخلُني الجنة. قال:

"تعبدُ اللهَ لا تشركُ به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ".

رواه البخاري ومسلم.

748 -

(12)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنّ أعرابياً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! دُلَّني على عمل إذا عمِلْتُه دخلتُ الجنة. قال:

"تعبدُ اللهَ لا تشرك به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ المكتوبةَ، وتؤتي الزكاةَ المفروضةَ، وتصومُ رمَضانَ".

قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقُص منه. فلما ولَّى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"مَن سَرَّهُ أنْ يَنظرَ إلى رجلٍ من أهل الجنةِ، فلينْظر إلى هذا".

رواه البخاري ومسلم.

749 -

(13)[صحيح] وعن عمرو بن مُرَّةَ الجهني رضي الله عنه قال:

جاء رجلٌ من قُضاعَةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني شَهِدتُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنك رسولُ اللَهِ، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وصمتُ رمضانَ وقمتُه، وآتيت الزكاة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن ماتَ على هذا كان من الصدّيقين والشهداء".

رواه البزّار بإسناد حسن، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان، وتقدم لفظه في "الصلاة"[5 - الصلاة/ 13].

ص: 459

750 -

(14)[صحيح لغيره] وعن عبد اللهِ بنِ معاويةَ الغاضريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ثلاثٌ من فعلهنَّ فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان: مَن عَبدَ الله وحدَه، وعلم أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأعطى زكاةَ مالِه طيِّبةً بها نفسُه، رافدةً عليه كلَّ عامٍ، ولم يُعطِ الهَرِمَةَ، ولا الدَّرِنَةَ، ولا المريضةَ، ولا الشَّرَط اللئيمة، ولكنْ من وَسَطِ أموالكم، فإنّ الله لم يسألْكمْ خَيرَه، ولم يأْمرْكُمْ بشرِّه".

رواه أبو داود.

قوله: "رافدة عليه" من (الرِّفْد)، وهو الإعانة، ومعناه: أنَّه يُعطي الزكاة ونفسه تعينه على أدائِها بطيبها، وعدم حديثها له بالمنع.

"والشَّرَط" بفتح الشين المعجمة والراء: هي الرذيلة من المال، كالمُسِنَّة والعجفاء ونحوهما.

"والدَّرِنَة": الجرباء.

751 -

(15)[صحيح] وعن جريرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال:

"بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والنُّصحِ لكلِّ مسلم".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

752 -

(16)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا أديتَ الزكاةَ فقد قضيتَ ما عليك، ومن جمعَ مالاً حراماً ثم تصدق به؛ لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه".

ص: 460

رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال:

"صحيح الإسناد"

(1)

.

753 -

(17)[حسن] وعن زِرِّ بن حُبيشٍ:

أنّ ابن مَسعودٍ رضي الله عنه كان عنده غلامٌ يقرأ في المصحف، وعنده أصحابه، فجاء رجلٌ يقال له: حَضرَمَةٌ، فقال: يا أبا عبدِ الرحمن! أيُّ درجاتِ الإسلام أفضلُ؟

قال: الصلاة. قال: ثم أيُّ؟

قال: الزكاة.

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به.

(قال المملي): "وتقدم في "كتاب الصلاة" أحاديث تدل لهذا الباب، وتأتي أحاديث أُخر في كتاب "الصوم" و"الحج" إن شاء الله تعالى".

(1)

قلت: ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط؛ وإن كان فيه (دراج أبو السمح) فإنه من روايته عن ابن حجيرة الأكبر الخولاني، وهو حسن الحديث عنه؛ كما حققته في "الصحيحة" (3350). وهذا الحديث من زوائد هذه الطبعة وفوائدها. وأما الجهلة فجمعوا بين النقيضين فإنهم قالوا (1/ 587):"حسن". ثم أعلوه بتضعيف أحمد والنسائي وأبي حاتم لدراج!! ولم يفصلوا.

ص: 461

‌2 - (الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلي).

754 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما مِن صاحبِ ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدّي منها حقِّها إلا إذا كان يومُ القيامة صُفّحَتْ له صفائحُ من نارٍ، فأُحميَ عليها في نار جَهَنَّمَ، فيُكوَى بها جَنْبُه وجَبينُه وظَهرُه، كلَّما بَرَدَتْ أُعيدَتْ له {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيلَه، إمّا إلى الجنةِ، وإمّا إلى النارِ".

(1)

قيل: يا رسولَ الله! فالإبل؟ قال:

"ولا صاحبُ إبلٍ لا يؤدِّي منها حقَّها -ومن حقها حَلَبُها

(2)

يومَ وِردِها- إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاعٍ قَرقَرٍ أوفَرَ ما كانت، لا يفقدُ منها فَصيلاً واحداً، تَطؤه بأخفافِها، وتَعَضُّه بأفواهها، كلما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ، حتى يُقضى بين العباد، فَيَرى سبيلَه إما إلى الجنة، وإما إلى النار".

قيل: يا رسولَ الله! فالبقرُ والغنمُ؟ قال:

"ولا صاحبُ بقرٍ ولا غَنَمٍ لا يؤدِّي منها حقّها إلا إذا كان يومُ القيامة بُطِح لها بقاعٍ قرقرٍ أوفرَ ما كانتَ، لا يفقِد منها شيئاً، ليس فيها عقصاءُ

(3)

ولا

(1)

قلت: هذا نص صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الزكاة الذي يعذب تلك المدة الطويلة أنه ليس بكافر مخلد في النار لقوله: "فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار". ففيه رد قوي على بعض الدكاترة وغيرهم الذين يكفرون التارك لمجرد الترك، ويتشبثون بالمتشابه من الروايات! ويتأولون النصوص كعلماء الكلام.

(2)

بفتح اللام، في "النهاية":"يقال: حلبت الناقة أحلبُها حلباً -بفتح اللام-، والمراد: يحلبها على الماء ليصيب الناس من لبنها".

(3)

أي: ملتوية القرنين. (جلْحاء) أي: لا قرن لها. (عضباء) أي: مكسورة القرن كما يأتي من المؤلف في الحديث الذي بعده.

ص: 462

جَلحاءُ، ولا عَضباءُ، تَنْطَحُهُ بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مرَّ عليه أُولاها، رُدَّ عليه أُخراها، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيلَه، إما إلى الجنةِ، وإما إلى النار".

قيل: يا رسول الله! فالخيلُ؟ قال:

"الخيل ثلاثةٌ، هي لرجلٍ وِزرٌ، وهي لرجلٍ سِترٌ، وهي لرجل أجْرٌ، فأما التي هي له وزْر: فرجلٌ رَبَطَها رياءً وفخراً ونِواءً لأهلِ الإسلام، فهي له وزر.

وأما التي هي له سِتْر: فرجلٌ ربَطَها في سبيلِ اللهِ، ثم لم يَنْسَ حقَّ اللهِ في ظهورِها ولا رقابها، فهي له سِتر.

وأما التي هي له أجر: فرجلٌ ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مَرْج أو رَوضةٍ، فما أكلتْ من ذلك المرج أو الروضةِ من شيء إلا كُتِب له عَدَدَ ما أكلتْ حسنات، وكتب له عَدَدَ أرْواثِها وأبوالها حسناتٌ، ولا تقطع طِولَها فاسْتَنَّتْ شَرَفاً أو شَرَفَين إلا كُتِبَ له عَدَدَ آثارِها وأرواثِها حسنات، ولا مَرَّ بها صاحبُها على نهرٍ فَشَربتْ منه، ولا يريد أن يسقيَها؛ إلا كتبَ الله تعالى له عَدَدَ ما شربتْ حَسَناتٍ".

قيل: يا رسولَ الله! فالحمُرُ؟ قال:

"ما أُنْزلَ عليّ في الحُمُرِ إلا هذه الآيةُ الفاذَّةُ الجامعةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ".

رواه البخاري

(1)

ومسلم -واللفظ له-، والنسائي مختصراً.

(1)

قال الناجي (107): "قلت: لم يخرجه البخاري من هذا الوجه، إنما روى ذكر الخيل وحده، وروى في "إثم مانع الزكاة" من حديثه: تأتي الإبل على صاحبها. وذكر في الغنم مثل ذلك، وليس فيه جعل الذهب والفضة صفائح، إنما ذلك لمسلم. وأخرجه في "كتاب الخيل" من وجه آخر، ولفظه: يكون كنز أحدكم. . إلى آخره، وفيه أيضاً: إذا ما ربُّ النعم لم يُعطِ حقها، الحديث".

قلت: ولعله لذلك قال المؤلف: واللفظ لمسلم. فتأمل.

ص: 463

وفي رواية للنسائي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما مِن رجلٍ لا يؤدِّي زكاةَ مالِه إلا جاء يومَ القيامةِ شجاعاً من نارٍ، فيُكوَى بها جبهته وجَنبُه وظهرُه {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}، حتى يُقضى بين الناسِ".

755 -

(2)[صحيح] وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما من صاحبِ إبلٍ لا يفعل فيها حَقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثرَ ما كانت، وقَعَدَ

(1)

لها بقاعٍ قَرقرٍ، تَسْتَنُّ عليه بقوائها وأخفافِها.

ولا صاحبِ بقر لا يُفعل فيها حقَّها إلا جاءت يوم القيامة أكثرَ مما كانت، وقَعَدَ لها بقاعٍ قرقر، تَنطحُه بقرونِها وتطؤه [بقوائِمها.

ولا صاحبِ غنم لا يفعل فيها حقَّها إلا جاءت يومَ القيامة أكثر ما كانت، وقَعَدَ لها بقاعٍ قَرقرٍ، تنطحه بقرونها، وتطؤه]

(2)

بأظلافها، ليس فيها جَمّاءُ، ولا منكسرٌ قرنُها.

ولا صاحبِ كنز لا يفعل فيه حَقَّه إلا جاء كنزُه يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ، يتبعُه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فَرَّ منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خَبّأتَه، فأنا عنه غَنيٌّ، فإذا رأى أَنْ لا بد له منه سلك يده في فيه، فَيَقضمها قَضْم الفحل".

رواه مسلم.

(القاع): المكان المستوي من الأرض.

و (القَرْقَر) بقافين مفتوحتين وراءين مهملتين: هو الأملس.

و (الظِّلف) للبقر والغنم، بمنزلة الحافر للفرس.

(1)

بفتح القاف والعين كما في "شرح مسلم" للنووي، والفاعل صاحب الإبل كما هو ظاهر.

(2)

سقطت هذه الزيادة من الأصل، وكذا المخطوطة ومطبوعة عمارة وكذا المعلقين الثلاثة، واستدركتُها من "صحيح مسلم"(3/ 73).

ص: 464

و (العقصاء): هي الملتوية القرن.

و (الجلحاء): هي التي ليس لها قرن.

و (العضباء) بالضاد المعجمة: هي المكسورة القرن.

و (الطِّوَل) بكسر الطاء وفتح الواو: هو حبل تَشُد به قائمة الدابة وتُرسلها ترعى، أو تمسك طرفه وترسلها.

و (استنَّتْ) بتشديد النون، أي: جزت بقوَّة.

(شَرَفاً) بفتح الشين المعجمة والراء، أي: شوْطاً، وقيل: نحو ميل.

و (النِّواء) بكسر النون وبالمد: هو المعاداة.

و (الشُّجاع) بضم الشين المعجمة وكسرها: هو الحية، وقيل: الذكَر خاصة، وقيل: نوع من الحيات.

و (الأقرع) منه: الذي ذهب شعر رأسه من طول عمره

(1)

.

756 -

(3)[صحيح] وعن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما من أحدٍ لا يؤدي زكاةَ ماله إلا مُثِّل له يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ حتى يُطَوَّقَ به عُنُقُه". ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقَه من كتاب الله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية.

رواه ابن ماجه، واللفظ له، والنسائي بإسناد صحيح، وابن خزيمة في "صحيحه".

757 -

(4)[حسن لغيره] وعن مسروق قال: قال عبد الله:

"آكلُ الربا، ومُوكِلُه، وشاهداه إذا علماه، والواشمة والموتَشِمَةُ، ولاوي

(1)

قال الناجي (108): "هذا التفسير منكر، وإنما المشهور أنه الذي ذهب لكثرة سمِّه، وقد جزم به المصنف نقلاً عن أبي داود صاحب "السنن" مقتصراً عليه في "الترهيب من أنْ يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل مال فيبخل عليه" من هذا الكتاب، فتناقض كلامه".

ثم نقل عن أبي عبيد وغيره ما يؤيَّد به التفسير المشهور. وغفل عن هذا المحققون الثلاثة!!

ص: 465

الصدقةِ، والمرتدُّ أعرابياً بعد الهجرة؛ ملعونون على لسان محمدٍ صلى الله عليه وسلم يوم القيامة".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، واللفظ له.

ورواه أحمد وأبو يعلى، وابن حبان في "صحيحه" عن الحارث الأعور عن ابن مسعود رضي الله عنه

(1)

.

(لاوي الصدقة): هو المماطل بها، الممتنع من أدائها.

758 -

(5)[حسن لغيره] وروى الأصبهاني

(2)

عن علي رضي الله عنه قال:

"لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا، وموكلَه، وشاهدَه، وكاتبه، والواشمةَ، والمستوشمةَ، ومانعَ الصدقة، والمحلِّلَ والمحلَّلَ له".

759 -

(6)[صحيح] وعن ثَوبان رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن ترك بعده كنزاً مُثِّل له يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ، له زَبيبتان، يتبعه فيقول: مَن أنت؟

(3)

فيقول: أنا كنزُكَ الذي خَلَّفْت

(4)

، فلا يزال يَتْبَعُه حتى يُلقِمَه يدَه فيقضَمُها، ثم يَتْبَعُه سائرَ جسده".

رواه البزار وقال: "إسناده حسن"، والطبراني، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

(1)

قلت: يعني أنّ الثلاثة المذكورين أخرجوه من طريق الحارث -وهو ضعيف- بخلاف ابن خزيمة فمن طريق مسروق، وكلامه الآتي في (19 - البيوع 16 - الترهيب من الربا) أوضح في بيان مراده.

(2)

كذا، وهو تقصير فاحش، فقد أخرجه من هو أعلى طبقة منه، كأحمد والنسائي وغيرهما، وهو مخرج عندي في "أحاديث البيوع".

(3)

لفظ البزار: "ويلك ما أنت؟ ".

(4)

لفظ البزار: "كنزتَ". كذا في "العجالة"(108). وهو كما قال، لكنْ ليس تحته كبير طائل، إلا لو عزاه للبزار فقط، ولفظ الطبراني (1/ 70/ 2):"تركتَه".

ص: 466

760 -

(7)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ الذي لا يُؤدِّي زكاةَ مالِه يُخيَّلُ إليه مالُه يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ، له زببيبتان، -قال:- فَيَلْزَمُهُ أو يُطَوِّقُهُ يقول: أنا كنزُك، أنا كنزُك! ".

رواه النسائي بإسناد صحيح.

(الزبيبتان): هما الزبدتان في الشدقين. وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه.

و (الشجاع) تقدم [في الباب/ الحديث الثاني].

761 -

(8)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَه؛ مُثِّلَ له يومَ القيامةِ شجاعاً أقرَع، له زبيبتان يُطَوِّقُه يومَ القيامة، ثم يأخذ بلِهزِمَتَيْه (يعني شِدقَيه)، ثم يقول: أنا مالُكَ، أنا كنزك! ". ثم تلا هذه الآيةَ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} " الآية.

رواه البخاري والنسائي ومسلم

(1)

.

762 -

(9)[حسن صحيح] وعن أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مانعُ الزكاة يومَ القيامة في النار".

رواه الطبراني في "الصغير" عن سعد بن سنان، ويقال فيه: سنان بن سعد عن أنس.

763 -

(10)[صحيح لغيره] وعن بُريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما منعَ قومٌ الزكاةَ؛ إلا ابْتَلاهم الله بالسنين".

رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته ثقات، والحاكم والبيهقي في حديث؛ إلا أنهما قالا:

"ولا مَنَعَ قومٌ الزكاةَ؛ إلا حَبَسَ اللهُ عنهم القَطْرَ".

(1)

كذا في بعض النسخ، وفي نسخة الظاهرية تقديم مسلم على النسائي، وكل ذلك خطأ، والصواب حذف (مسلم) إذ إنه لم يرو هذا الحديث -كما نبه عليه الناجي- وقد شرحتُ ذلك في "تخريج مشكلة الفقر"(60).

ص: 467

وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم".

764 -

(11)[حسن] ورواه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث ابن عمر.

[صحيح] ولفظ البيهقي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يا معشرَ المهاجرين! خصالٌ خمسٌ إنِ ابتُلِيتُم بهنَّ، ونَزَلْنَ بكم -[و] أعوذ بالله أنْ تُدركوهنَّ-: لم تظهر الفاحشةُ في قوم قطُّ حتى يُعلنوا بها؛ إلا فشا فيهَم [الطاعون و] الأوجاعُ التي لم تكن في أسلافِهم، ولم يَنْقُصُوا المِكيالَ والميزان؛ إلا أخذوا بالسنين وشِدَّةِ المؤنةِ وجَوْرِ السلطان، ولم يَمنعوا زكاةَ أموالِهم؛ إلا مُنعوا القَطْر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا نَقَضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه؛ إلا سُلِّطَ عليهم عدوٌّ من غيرِهم،

(1)

فيأْخذ بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جُعِل بأْسهم بينهم".

(2)

765 -

(12)[صحيح لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"خمسٌ بخمسٍ".

قيل: يا رسولَ الله! ما خمسٌ بخمسٍ؟ قال:

"ما نقض قومٌ العهدَ؛ إلا سُلِّط عليهَم عدوُّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله؛ إلا فشا فيهم [الفقرُ، ولا ظهرت فيهم الفاحشةُ؛ إلا فشا فيهم]

(3)

الموت، ولا منعوا الزكاة؛ إلا حُبِسَ عنهم القَطْرُ، ولا طَفَّفُوا المكيالَ؛ إلا

(1)

قلت: هذه الجملة لها شاهد موقوف على ابن عباس. أخرجه الخرائطي في "مساوي الأخلاق"(187/ 404).

(2)

قلت: أليس هذا من أعلام نبوَّته صلى الله عليه وسلم الدَّالة على صدقه، وأنَّه وحي من ربه؟! بلى وربي.

(3)

سقطت هذه الزيادة من الأصل، وكذا من مطبوعة عمارة، واستدركتُها من الطبراني".

قلت: من تمادى المعلقين الثلاثة وتشبعهم بما لم يعطوا، أنهم سرقوا هذا التعليق ونسبوه لأنفسهم بالحرف الواحد، وقالوا:"واستدركناه -كذا- من الطبراني"!! وما أكثر ما فعلوا مثله!

ص: 468

حُبِسَ عنهم النباتُ، وأخذوا بالسنين".

رواه الطبراني في "الكبير". وسنده قريب من الحسن، وله شاهد.

(السنين): جمع (سَنَة)، وهي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً، سواء وقع قَطْر أو لم يقع.

766 -

(13)[صحيح] وعن عبد الله بنِ مسعود قال:

"لا يُكوَى رجل بكنز

(1)

فيمس درهمٌ درهماً، ولا دينارٌ ديناراً، يُوَسِّعُ جلدُه حتى يوضع كل دينار ودرهم على حِدتَه".

رواه الطبراني في "الكبير"

(2)

موقوفاً بإسناد صحيح.

767 -

(14)[صحيح] وعن الأحنفِ بنِ قيسٍ قال:

جلستُ إلى ملأٍ من قريشٍ، فجاء رجلٌ خَشِنُ الشعَرِ والثيابِ والهيئة، حتى قام عليهم فَسَلَّمَ، ثم قال:

"بَشِّر الكانِزين برضفٍ يُحمَى عليه في نارِ جهنمَ، ثم يوضع على حَلَمَةِ ثَدْيِ أحدِهم حتى يخرج من نُغْضِ كتِفِه، ويوضع على نُغْض كتفه حتى يخرج من حَلَمَةِ ثَديِه يَتَزَلْزَلُ"

(3)

.

(1)

قلت: كذا الأصل، وكذا في المخطوطة، وفي "الطبراني" (9/ 164/ 8754):"يكنز".

ووقع في "المجمع": "لا يكون رجل يكنز"، ولا يخلو ذلك من شيء، وفي نسخة الظاهرية خرْم، ولعل الأقرب. ما في الكتاب. والله أعلم.

(2)

قلت: وهو كما قال، وقد خرجته تحت حديث أبي هريرة المرفوع بنحوه في "الضعيفة" (6736). وأما المعلقون الثلاثة فقفوا ما لا علم لهم به وقالوا:"حسن" فقط!!.

(3)

الأصل ومطبوعة عمارة: "فيتزلزل". قال الحافظ الناجي: "ليس في "الصحيحين" فاءه". وصدق رحمه الله.

ومعنى "يتزلزل": يضطرب ويتحرك، وضمير الفاعل فيه كما في "حتى يخرج" للرضف.

ص: 469

ثم ولَّى فجلس إلى سارية، وتَبعْتُه، وجلستُ إليه، وأنا لا أدري من هو؟ فقلت: لا أرى القومَ إلا قد كرهوا الذي قلتَ. قال: إنهم لا يعقلون شيئاً، قال لي خليلي -قلت: مَن خليلك؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم:

" [يا أبا ذر! أ] تُبْصِرُ أُحُداً؟ ".

قال: فنظرت إلى الشمسِ ما بقي من النهار؟، وأنا أرى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له -قلت: نعم. قال:

"ما أُحِبُّ أنّ لي مثلَ أُحدٍ ذهباً أُنفقه كلَّه، إلا ثلاثةَ دنانير".

وإن هؤلاءِ لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله -لا أسألهم دُنيا، ولا أستفتيهم عن دِين، حتى ألقى اللهَ عز وجل.

رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم أنه قال:

"بَشِّر الكانزين

(1)

بِكيٍّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبِكيٍّ من قِبَلِ أقفائِهم يخرج من جِباهِهم".

قال: ثم تَنَحَّى فقعد. قال: قلتُ: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر.

قال: فقمتُ إليه فقلت: ما شيءٌ سمعتُك تقول قُبَيْلُ؟

قال: ما قلتُ إلا شيئاً قد سمعتُه من نبيهم صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟

قال: خُذه؛ فإن فيه اليومَ مَعُونَةً، فإذا كان ثمناً لدِينك فَدَعْهُ.

(الرَّضْف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة: هو الحجارة المحماة.

(النَّغْض) بضم النون وسكون الغين المعجمة بعدهما ضاد معجمة، وهو غضون الكتف.

(1)

الأصل: "الكنازين"، والتصويب من "مسلم".

ص: 470

(فصل [في زكاة الحلي]).

768 -

(15)[حسن] رُوي

(1)

عن عمروِ بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جَده:

أنَّ امرأة أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومعها ابنةٌ لها، وفي يد ابنتها مَسْكتان غليظتان من ذهب، فقال لها:

"أتعطين زكاةَ هذا؟ ".

قالت: لا. قال:

"أيسرُّكِ أن يُسَوِّرَكِ اللهُ بهما يوم القيامة سوارْين مِن نارٍ؟! ".

قال: فخلَعَتْهما فألقَتْهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ولرسوله.

رواه أحمد وأبو داود -واللفظ له- والترمذي والدارقطني.

ولفظ الترمذي والدارقطني نحوه:

أنّ امرأتين أتتا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وفي أيديهما سواران من ذهب، فقال لهما:

"أتؤدِّيان زكاتَه؟ ". قالتا: لا. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أتحبَّانِ أنْ يسوِّركما اللهُ بسوارين من نار؟ ".

قالتا: لا. قال:

"فأدِّيا زكاتَه".

ورواه النسائي مرسلاً ومتصلاً، ورجَّح المرسل.

(2)

(1)

لعل قوله: "روي" مقحم من بعض النساخ، أو هو من المؤلف نفسه، فإنَّه ثابت في المخطوطة أيضاً، ولا وجه له عندي؛ لأنّه رواه جمع عن عمرو به؛ فهو حسن الإسناد كما بينتُه في الأصل. ولم يتنبه لهذا المعلقون الثلاثة، فأثبتوا قوله:"روي".

(2)

قلت: بل إنّه رجَّح المتصل، كما بينته في الأصل. ثم في "آداب الزِّفاف""ص 256 - المكتبة الاسلامية"

ص: 471

(المسَكَة) محركةً: واحدة (المَسَك)، وهو أسورة من ذِبْل

(1)

أو قرن، أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إليه.

قال الخطابي في قوله صلى الله عليه وسلم:

"أيسرُّكِ أنْ يسوِّرك الله بهما سوارين من نار؟! ":

"إنما هو تأويل قوله عز وجل: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} " انتهى.

(2)

769 -

(16)[صحيح] وعن عائشةَ -زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت:

دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فرأى في يدي فَتَخاتٍ من ورِق، فقال:

"ما هذا يا عائشة؟ ".

فقلت: صَنَعْتُهُنَّ أتزينُ لَكَ يا رسول الله! قال:

"أتؤدينَ زكاتَهنَّ؟ ". قلت: لا، أو ما شاء اللهُ. قال:

"هي حسبكِ من النار".

رواه أبو داود والدارقطني، وفي إسنادهما يحيى بن أيوب الغافقي، قد احتجّ به الشيخان وغيرهما، ولا اعتبار بما ذكره الدارقطني من أنّ محمد بن عطاء مجهول؛ فإنّ محمد ابن عمرو بن عطاء نُسب إلى جده، وهو ثقة ثَبْتٌ، روى له أصحاب "السنن"، واحتج به الشيخان في "صحيحيهما".

(الفَتَخات) بالخاء المعجمة: جمع (فَتْخَة): وهي حَلْقة لا فَص لها، تجعلها المرأة في أصابع رجليها، وربما وضعتها في يدها. وقال بعضهم: هي خواتم كبار كان النساء يتختَّمنَ بها. قال الخطابي:

(1)

وزان (فلس): شيء كالعاج. وقيل: هو ظهر السلحفاة البحرية. كذا في "المصباح".

(2)

يعني كلام الخطابي في "المعالم"(2/ 175).

ص: 472

"والغالب أنّ الفتخات لا تبلغ بانفرادها نِصاباً، وإنما معناه: أن تضم إلى بقية ما عندها من الحلي، فتؤدي زكاتها فيه"

(1)

.

770 -

(17)[صحيح لغيره] وعن أسماء بنتِ يزيد رضي الله عنها قالت:

دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلينا أسورةٌ من ذَهب، فقال لنا:

"أتعطيان زكاتَه؟ ".

قالت: فقلنا: لا. فقال:

"أما تخافان أنْ يُسَوِّرَكما اللهُ أسوِرَةً من نار؟! أدِّيا زكاتَه".

رواه أحمد بإسناد حسن.

771 -

(18)[صحيح] وعن ثوبانَ قال:

جاءت هندُ بنتُ هُبَيْرَةَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي يدِها فَتْخٌ من ذهبٍ، -أي خواتيم ضِخام-، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَضربُ يدَها، فَدَخَلَتْ على فاطمةَ رضي الله عنها تشكو إليها الذي صنع بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فانتزَعَتْ فاطمةُ سلسلةً في عنقها من ذهب، قالت: هذه أهداها أبو حَسَنٍ، فدخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والسلسلةُ في يدها، فقال:

"يا فاطمةُ! أيغُرُّكِ

(2)

أن يقولَ الناسُ: ابنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدِكِ سِلْسِلةٌ من نار؟! ".

ثم خرج ولم يقعد. فأرسلَتْ فاطمةً بالسلسلةِ إلى السوقِ فباعتها، واشترَتْ بثمنها غلاماً -وقال مرة: عبداً، وذكر كلمة معناها- فأعتقته، فَحُدِّثَ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

(1)

"معالم السنن"(2/ 176).

(2)

من (الغرور)، أي: يسرك هذا القول، فتصيري بذلك مغرورة، فتقعي في هذا الأمر القبيبح بسببه؟! قاله أبو الحسن السندي.

ص: 473

"الحمد لله الذي أنجى فاطمةَ من النار".

رواه النسائي بإسناد صحيح.

(1)

772 -

(19)[صحيح] وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن أحبَّ أنْ يُحَلِّقَ حَبيبَه

(2)

حلْقةً من نارٍ، فليحلِّقْه حَلقةً من ذَهب، ومَن أحبَّ أنْ يُطَوِّقَ حبيبَه طوقاً من نار، فليُطَوِّقهُ طوقاً من ذهب، ومَن أحبَّ أنْ يُسَوِّرَ حبيبَه بسوارٍ من نار، فليسوِّرْه بسوار من ذهب، ولكن عليكم بالفِضة، فالعبوا بها".

رواه أبو داود بإسناد صحيح.

(قال المُمْلي) رحمه الله:

"وهذه الأحاديث التي ورد فيها الوعيد على تحلِّي النساء بالذهب يحتمل وجوهاً من التأويل:

أحدها: أنَّ ذلك منسوخ؛ فإنَّه قد ثبت إباحة تحلِّي النساء بالذهب.

(3)

(1)

قلت: وهو كما قال: وقد سبقه وتبعه على ذلك غير ما واحد من الأئمة، ومع ذلك يأبى بعض أهل الأهواء إلا الطعن في الحديث، ويتكلَّف في اختلاق العلل له ما شاء له هواه تأييداً منه للعامة. نسأل الله العصمة والسلامة. انظر الردّ المفصل في مقدمة "آداب الزِّفاف"(ص 17 - 30).

(2)

فعيل: بمعنى مفعول، أي: محبوب، يقال في الأنثى والذكر، والمراد هنا الأول، أي: من نسائه وبناته كما كنت شرحته في "آداب الزفاف"، وقد بلغني منذ أيام أنّ بعض الفضلاء زعم أن هذا اللفظ "حبيبه" محرَّف، وصوابه:"جبينه" بالجيم! وهذا مما لا يكاد يُصدّق. فإنه لا يصدر ممن يفقه شيئاً من العربية وآدابها، مع كونه بدعاً من القول! فلعلَّ ذلك لا يصح عنه.

(3)

قلت: هذا الجواب غير سديد إلا على افتراض ثبوت أن تحريم الذهب على النساء عام، وليس كذلك، فإنَّ أحاديث الباب فيها ما صح وما لم يصح، وما صح منها خاص بالذهب المحلَّق كما ترى، وهو الطوق، والسوار، والخاتم، وحينئذ فالعامُّ لا ينسخ الخاص، بل العكس هو الصواب، وهو أنَّ الخاص يخصص العامّ، والنص المخصص يسميه السلف ناسخاً كما هو معروف عند العلماء. وما لم يصح من أحاديث التحريم لا حجة فيها، فهي على الإباحة العامة. وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء إلا المحلق منه، وبهذا تجتمع الأحاديث، وما سوى ذلك من طرق الجمع والتأويل التي ذكرها المصنف وغيره؛ فهو ضعيف كما سترى. وتجد تفصيل هذا في كتابي "آداب الزفاف".

ص: 474

الثاني: أنَّ هذا في حقِّ مَن لا يؤدي زكاتَه دون مَن أداها، ويدل على هذا حديث عمرو بن شعيب وعائشة وأسماء.

(1)

وقد اختلف العلماءُ في ذلك، فرُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه أوجب في الحلي الزكاة. وهو مذهب عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيِّب، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، ميمون بن مهران، وابن سيرين، ومجاهد، وجابر بن زيد، والزهري، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة وأصحابه، واختاره ابن المنذر.

وممن أسقط الزكاة فيه عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأسماء ابنة أبي بكر، وعائشة، والشعبي، والقاسم بن محمد، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيدة. قال ابن المنذر:

"وقد كان الشافعي قال بهذا إذْ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر، وقال: هذا مما أَستخيرُ الله تعالى فيه".

وقال الخطابي:

"الظاهر من الآيات يشهد لقول من أوجبها، والأثر يؤيِّدها، ومَن أسقطها ذهب إلى النظر، ومعه طرف من الأثر، والاحتياط أداؤها. والله أعلم"

(2)

.

(1)

قلت: لكن قصة بنت هُبيرة وفاطمة في حديث ثوبان (رقم 18 في الباب)، وكذا ما في حديث أبي هريرة هذا؛ مما لا يمكن حمله على ذلك، لأن الزكاة لم تذكر فيهما أصلاً، ولأنَّ الفضة كالذهب في إخراج الزكاة، وقد فرَّق حديث أبي هريرة بينهما، فحرم التزيُّن بالذهب المحلق، وأباح ذلك بالفضة حين قال:"ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها". فهذا صريح في أن الوعيد المذكور فيه ليس من أجل مغ الزكاة، فبطل التأويل المذكور.

(2)

"معالم السنن"(3/ 176)، والحق وجوب الزكاة على الحلي، كما فصَّلتُه في "الآداب".

ص: 475

الثالث: أنَّه في حق من تزينت به وأظهرته

(1)

. ويدل لهذا ما رواه النسائي وأبو داود عن رِبْعِي بنِ حِراش عن امرأتِه عن أختٍ لحذيفة؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يا معشرَ النساء! ما لكُنَّ في الفضة ما تَحَلَّينَ به؟ أمَا إنَّه ليس منكنَّ امرأةٌ تتَحَلَّى ذهباً وتُظهره إلا عُذبتْ به".

وأخت حذيفة اسمها فاطمة. وفي بعض طرف عند النسائي عن رِبعي عن امرأةٍ عن أختٍ لحذيفة، وكان له أخواتٌ أدركْن النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

وقال النسائي:

"باب الكراهة للنساء في إظهار الحلي والذهب"، ثم صدَّره بحديث عُقبة بن عامرٍ:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحلية والحرير، ويقول:

"إنْ كنتم تُحبّون حِلْيَةَ الجنَّةِ وحريرَها فلا تَلبَسوهما في الدنيا".

وهذا الحديث رواه الحاكم أيضاً، وقال:

"صحيح على شرطهما".

(2)

ثم روى النسائي في الباب حديث ثوبان المذكور وحديث أسماء.

الرابع من الاحتمالات: أنّه إنما منع منه في حديث الأسْوِرة والفتَخات لما رأى من غلظه، فإنّه مظنهّ الفخر والخيلاء، وبقية الأحايث محمولة على هذا.

وفي هذا الاحتمال شيء، ويدلُّ عليه ما رواه النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

قلت: هذا باطل أيضاً. فإنَّ حديث ربعي فرَّق أيضاً -كحديث أبي هريرة المتقدم- بين الذهب والفضة، هما في الإظهار سواء، على أنَّ الحديث ضعيف لجهالة امرأة ربعي.

(2)

قلت: ورواه غير الحاكم، (سيأتي في "18 - اللباس/ 4) إن شاء الله تعالى.

ص: 476

"نهى عن لُبسِ الذهب إلا مقطعاً"

(1)

.

وروى أبو داود والنسائي أيضاً عن أبي قِلابة عن معاوية بن أبي سفيان:

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب النمار،

(2)

وعن لبس الذهب إلا مقطَّعاً".

وأبو قِلابة لم يسمع من معاوية، لكنْ روى النسائي أيضاً عن قتادة عن أبي شيخ؛ أنه سمع معاوية، فذكر نحوه، وهذا متصل، وأبو شيخ ثقة مشهور.

(1)

قلت: ووجه استدلال المصنف بهذا الحديث -على ما أشار إليه من ضعف الاحتمال المذكور- هو أنّ الحديث قد أباح الذهب المقطَّع (وهو ما ليس محلّقاً؛ محيطاً بالعضو) إباحة مطلقة مع أنه مظنة الفخر والخيلاء، فلو كانت العلة المذكورة هي المظنة، لم يكن ثَمة فرق بين المقطَّع وغير المقطَّع من الذهب، بل أقول: ولا فرق في ذلك كله بين الذهب والفضة من جهة، ولا بينهما وبين الحرير وكل زينة أخرى سواهما من جهة أخرى كما هو ظاهر لا يخفى.

والحقُّ أنَّ حديث ابن عمر هذا دليل قويّ في التفريق بين الذهب المحلَّق والذهب المقطَّع للنساء، فإنه يدل بمنطوقه على إباحته لهنَّ، وبمفهومه على تحريم غير المقطع من الذهب عليهنَّ، وهو اصرحت به أحاديث الباب، وحمله على الرجال وأنه أباح لهم الذهب المقطع؛ بعد ما يكون عن الصواب. وتجد تفصيل القول في هذه المسائل في كتابي "آداب الزفاف" فراجعه.

(2)

قال ابن الأثير: "وفي رواية (النمور) أي: جلود النمور، وهي السباع المعروفة، واحدها (نَمِر) ".

ص: 477

‌3 - (الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى، والترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه، وما جاء في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء).

773 -

(1)[حسن صحيح] عن رافع بنِ خَديجٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"العاملُ على الصدقةِ بالحقِ لوجهِ الله عز وجل، كالغازي في سبيل الله حتّى يرجعَ إلى أهلهِ".

رواه أحمد -واللفظ له-، وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن".

774 -

(2)[حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" عن عبد الرحمن بن عوف، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"العامل إذا استُعمِلَ فأخَذَ الحقَّ، وأعطى الحقَّ؛ لم يَزَلْ كالمجاهدِ في سبيل الله حتى يرجعَ إلى بيتِه".

775 -

(3)[صحيح] وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنّه قال:

"إن الخازنَ المسلمَ الأمينَ الذي يُنَقِّذُ

(1)

ما أُمِرَ به، فيعطيه كاملاً موفِّراً طيِّبةً به نفسه، فيدفَعُه إلى الذي أُمِر [له] به أحدُ المتصدِّقَيْن".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

(1)

الأصل ومطبوعة عمارة والثلاثة: "ينقل"! قال الحافظ الناجي:

"كذا وُجد في النسخ (ينقل) بالقاف واللام من (النقل)، وهو تصحيف بلا شك، وإنما هو (ينفِّذ) ".

قلت: وكذا على الصواب وقع في مخطوطتنا الظاهرية.

ص: 478

776 -

(4)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"خير الكسبِ كسبُ العامل

(1)

إذا نصَح".

رواه أحمد، ورواته ثقات.

777 -

(5)[صحيح لغيره] وعن سعدِ بنِ عُبادةَ رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:

"قمْ على صدقةِ بني فلانِ، وانظر أنْ تأتيَ يوم القيامةِ بِبَكْرٍ تحملُه على عاتِقِكَ أو كاهِلكَ، له رُغاءٌ يومَ القيامةِ".

قال: يا رسول الله! اصْرفها عنِّي، فصرَفَها عنه.

رواه أحمد والبزّار والطبراني، ورواة أحمد ثقاتٌ؛ إلا أنَّ سعيد بن المسيَّب لم يدرك سعداً.

778 -

(6)[صحيح] ورواه البزار أيضاً عن ابن عمر قال:

بعث رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة، فذكر نحوه.

ورواته محتجّ بهم في "الصحيح".

(البَكْر) بفتح الباء الموحَّدة وسكون الكاف: هو الفتيّ من الإبل، والأنثى بَكْرة.

779 -

(7)[صحيح] وعن عبدِ الله بن بُريدة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن استعملناه على عملٍ، فرزَقْناه رِزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غُلول".

رواه أبو داود.

(1)

قال الناجي (110): "تخيل أنَّ المراد بـ (العامل): العامل على الصدقة، والذي يظهر أنه العامل بيده تكسّباً، وحينئذ محله كتاب البيع، وهناك ذكره الهيثمي في "معجمه" (كذا والصواب "مجْمعه") أول "البيوع"، وبوَّب عليه "باب نصح الأجير"، فينبغي تحويله إلى محله، وذكره مع ما يشبهه من الأحاديث في هذا الكتاب".

ص: 479

780 -

(8)[صحيح] وعن عُبادة بن الصامتِ رضي الله عنه:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على الصدقةِ فقال:

"يا أبا الوليد! اتِّقِ الله، لا تأتي يومَ القيامة ببعير تحملُه له رُغاءٌ، أو بقرةٌ لها خُوارٌ، أو شاةٌ لها ثُغاءٌ".

قال: يا رسولَ الله! إنَّ ذلك لكذلك؟ قال:

"إيْ والذي نفسي بيده".

قال: فوالذي بَعَثَكَ بالحقِّ لا أعملُ لك على شيءٍ أبداً.

رواه الطبراني في "الكبير" وإسناده صحيح.

(الرُّغاء) بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوت البعير.

و (الخُوار) بضم الخاء المعجمة: صوت البقرة.

و (الثُّغاء) بضم الثاء المثلثة وبالغين المعجمة ممدوداً: هو صوت الغنم.

781 -

(9)[صحيح] وعن عَدِيّ بن عُمَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن استعملناه منكم على عملٍ، فكَتَمَنا مِخْيَطاً

(1)

فما فَوقَه؛ كان غُلُولاً يأتي يومَ القيامةِ".

فقام إليه رجلٌ أسودُ من الأنصار كأنِّي أنظر إليه، فقال: يا رسولَ الله! اقبَلْ عني عملك. قال: "وما لكَ؟ ". قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال:

"وأنا أقولُه الآنَ، مَن استعملناه منكم على عملٍ فَلْيَجِئ بقليلِهِ وكثيرهِ، فما أوتي منه أخَذَ، وما نُهِيَ عنه انْتهى".

رواه مسلم وأبو داود وغيرهما.

(1)

بكسر الميم؛ أي: الإبرة.

ص: 480

782 -

(10)[صحيح] وعن أبي حُميدِ الساعدي رضي الله عنه قال:

استعملَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزدِ يقال له: (ابن اللُّتْبِيَّةِ) على الصدقة، فلما قَدِمَ قال: هذا [ما] لُكُمْ، وهذا أُهدِي لي! قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عديه ثم قال:

"أمّا بعدُ: فإني استعملُ الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول هذا [ما] لُكُمْ، وهذه هدية أهديت لي! أفلا جلسَ في بيتِ أبيه وأمِّهِ حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً؟! والله لا يأْخذ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقِّه إلا لقي اللهَ يحملُه يوم القيامة، فلا أَعرِفَنَّ أحداً منكم لقي اللهَ يحمل بعيراً له رُغاء، ولا بقرةً لها خُوار، أو شاةً تَيْعَرْ".

ثم رفع يديه حتى رؤي بياضُ إبطَيْه يقول:

"اللهم هل بلغتُ؟ "، [بَصَرُ عيني، وسمع أذني].

رواه البخاري ومسلم

(1)

وأبو داود.

(اللَّتْبِيَّة) بضم اللام وسكون التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحَّدة بعدها ياء مثناة تحت مشدَّدة ثم هاء تأنيث: نسبة إلى حي يقال لهم: (بنو لُتْب) بضم اللام وسكون التاء، واسم ابن اللتبية: عبد الله.

وقوله: (تَيْعَر) هو بمثناة فوق مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة ثم عين مهملة مفتوحة وقد تكسَر

(2)

، أي: تصيح، و (اليَعار): صوت الشاة.

(1)

في "الإمارة"(6/ 11 - 12)، والسياق له في رواية مع اختصار في أوله واختلاف يسير في بعض ألفاظه مما قبل خطبته صلى الله عليه وسلم، والزيادة منه.

(2)

قال الناجي (110): "كان ينبغي له أن يعكس، إذ الكسر هو المتقدم، ولم يذكر بعضهم غيره".

ص: 481

783 -

(11)[صحيح] وعن أبي مسعود الأنصاريّ رضي الله عنه قال:

بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً ثم قال:

"انطلِقْ أبا مسعود، لا أُلْفِيَنَّكَ تجيءُ يومَ القيامةِ على ظهرِك بعيرٌ من إبل الصدقة له رغاء قد غَلَلْتَهُ".

قال: فقلتُ: إذاً لا أنطلِقُ. قال:

"إذاً لا أُكرِهُك".

رواه أبو داود.

784 -

(12)[حسن صحيح] وعن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"إني مُمْسِكٌ بحُجَزِكم عن النار: هَلُمَّ عن النار، وتغلبونني؛ تَقَاحَمونَ فيه تَقَاحُمَ الفَراشِ أَو الجَنادِبِ، فأُوشِكُ أَن أُرسِلَ بِحُجَزِكم، وأنا فرَطُكم على الحوض، فَتردِون عليَّ معاً وأشتاتاً، فَأَعرفُكم بسيماكم وأسمائِكم، كما يعرِفُ الرجلُ الغريبةَ من الإبل في إبلِه، ويُذهَبُ بكم ذاتَ الشِّمال، وأُناشِدُ فيكم ربَّ العالمين، فأقول: أي ربِّ أمتي!! فيقول: يا محمدُ! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدَك، إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم، فلا أعرِفنَّ أحدَكم يومَ القيامة يحمل شاةً لها ثُغاءٌ، فينادي: يا محمدُ يا محمدُ! فأقول لا أملِكُ لك شيئاً، قد بَلَّغْتُك، فلا أعرِفنَّ أحَدَكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيراً له زغاءٌ، فينادي: يا محمدُ يا محمدُ! فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بَلَّغْتُكَ، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمةٌ ينادي: يا محمد يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بَلَّغْتُكَ، فلا أعرفنَّ أحدكم يوم القيامة يحملُ سقاء من أَدمٍ ينادي: يا محمد يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغتك".

رواه أبو يعلى والبزار إلا أنَّه قال: "قشعاً" مكان "سقاء".

ص: 482

وإسنادهما جيد إن شاء الله

(1)

.

(الفَرَط) بالتحريك: هو الذي يتقدم القوم إلى المنزل ليهيء مصالحهم.

و (الحُجَز) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم بعدهما زاي: جمع (حجْزة) بسكون الجيم: وهو معقِد الإزار، وموضع التكة من السراويل.

و (الحَمْحَمة) بحاءين مهملتين مفتوحتين: هو صوت الفرس.

وتقدم تفسير (الثغاء) و (الرغاء). [قريباً تحت الحديث الثامن في الباب].

و (القشَع) مثلثة القاف وبفتح الشين المعجمة: هو هنا القِربة اليابسة (!). وقيل: بيت من أدم، وقيل: هو النطع، وهو محتمل الثلاثة؛ غير أنه بالقربة أمسّ.

(2)

785 -

(13)[حسن صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"المعتدي في الصدقة كمانعها".

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ كلهم من رواية سعد ابن سنان عن أنس، وقال الترمذي:

"حديث غريب، وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان"، ثم قال:

(1)

قلت وأشار ابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 300 - 301) إلى تقويته، ورواه ابن أبي شيبة (11/ 451 - 452)، وعنه ابن أبي عاصم في "السنة"(2/ 346/ 744).

(2)

قال الحافظ الناجي: "فيه أمور: منها ادعاء تثليث القاف وفتح السين، وخلط لفظة مفردة بأخرى جمع، وغير ذلك مما ستعرفه، فأما القشع المراد ونظيره فهو بإسكان الشين وفتح القاف، قال النووي: وكسرها. ذكره في "شرح مسلم". وعلى الفتح اقتصر صاحب "المشارق" وغيره. قال الراوي في "مسلم": القشع: النطع. قال في "النهاية": قيل: أراد به القربة الخلق. قلت: ولم أر أحداً ضم قافه، وأظنه من تصرف المصنف. وقال ابن الأثير في قوله: "يحمل قشعا من أدم" أي: جلداً يابساً، وقيل: نطعاً. وقيل: أراد القربة البالية وهذه اللفظة حرَّفها المصنف بـ (اليابسة)! قال ابن الأثير: وهو إشارة إلى الخيانة في الغنيمة أو غيرها من الأعمال، وأما القشع بكسر القاف وفتح الشين جمع قشع على غير قياس، وقيل: جمع قشعة، وهي ما يقشع عن وجه الأرض من المدر والحجر. . ".

ص: 483

" (وقوله): "المعتدي في الصدقة كمانعها" يقول: على المعتدي من الإثم كما على المانع إذا منع".

قال الحافظ: "وسعد بن سنان وُثِّقَ، كما سيأتي".

(فصل)

786 -

(14)[صحيح] ورواه [يعني حديث عثمان بن أبي العاص الذي في "الضعيف"

(1)

] في "الأوسط"، ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"تفتح أَبوابُ السماءِ نصفَ الليلِ، فينادي منادٍ: هل من داعٍ فيُستَجابُ له؟ هل من سائل فيُعطى؟ هل من مكروب فَيفرَّجُ عنه؟ فلا يبقى مَسلمٌ يدعو بدعوة إلا استجاب الله له، إلا زانية تسعى بِفرجها، أو عشَّاراً".

787 -

(15)[صحيح] وعن أبي الخير قال:

عَرَضَ مسلمةُ بنُ مَخْلَد -وكان أميراً على مصر- على رُويْفع بن ثابتٍ رضي الله عنه أن يُوَلِّيهُ العشورَ، فقال: إنِّي سمعتُ رسول الله يقول: "إن صاحبَ المكسِ في النار".

رواه أحمد من رواية ابن لهيعة

(2)

، والطبراني بنحوه، وزاد:(يعني العاشر).

788 -

(16)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ويلٌ [للأمناء](*)، ويلٌ للعرفاء، ويلٌ للأمراء، لَيَتَمنَّيَنَّ أقوام يوم القيامة أن

(1)

قلت: وخلط الثلاثة بين الضعيف المشار إليه، والصحيح الذي هنا بلفظة واحدة:"صحيح"! مع أن المؤلف بين علة الضعيف بأن فيه "علي بن زيد". وهو ابن جدعان الضعيف.

(2)

قلت: هو عند أحمد من رواية قتيبة عنه، وهي صحيحة كما تبين لنا أخيراً والحمد لله، فانظر "الصحيحة"(3405). وغفل عن هذا الثلاثة!

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المطبوع (للأمراء)، ونبه على تصويبها الشيخ مشهور في طبعته، وقال: أثبتناها من الطبعة المنيرية، ومن أصول الشيخ

ص: 484

ذوائبهم معلقة بالثريا، يتذبذبون بين السماء والأرض، ولم يكونوا عملوا على شيء".

رواه أحمد من طرق، رواة بعضها ثقات

(1)

.

789 -

(17)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ويل للأُمراء، ويل للعرفاء، ويل للأُمناء، لَيَتَمنَّيَنَّ أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يُدَلْدَلون

(2)

بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملاً".

رواه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، واللفظ له، وقال:"صحيح الإسناد"

(3)

.

790 -

(18)[حسن لغيره] وعن أبي سعيد وأبي هريرةَ رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ليأتيَنَّ عليكم أُمراءُ يُقَرِّبون شِرارَ الناس، ويؤخَّرُونَ الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك مِنكم، فلا يكونَنَّ عريفاً ولا شرَطِيَّاً ولا جابياً ولا خازناً".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

(4)

(1)

فيه نظر بينته في الأصل، خلاصته أن الطرق المشار إليها تدور على راوٍ واحد، ثم هو ممن لم تثبت عدالته، وهو الآتي بعده!؛ لكني وجدت له طريقاً آخر، وشاهداً، ولذلك صححته، وهو من مزايا هذه الطبعة، وقد خرجته في "الصحيحة"(2620).

(2)

أي: يضطربون ويتذبذبون؛ كما في الحديث الذي قبله. وفي "القاموس":

"و (الدلدال): الاضطراب، وقوم لدال ودُلدُل-بالضم-: تدلدلوا بين أمرين فلم يستقيموا".

وكان الأصل (يُدلون): من الإدلاء، وعليه جرى عمارة والجهلة الثلاثة! وليس له معنى وثيق هنا، فصححته من "المستدرك". وليس عند ابن حبان جملة:"يدلدلون بين السماء والأرض".

(3)

قلت: وليس كذلك كما سبقت الإشارة إليه آنفاً، ثم إن هذا الحديث هو رواية في الحديث الذي قبله، وطريقهما واحد، فالتفريق بينهما يوهم خلاف ذلك، ويفتح الطريق لمن لا علم عنده أن يقوي أحدهما بالآخر، وإنما جاءت القوة من غيره كما ذكرت آنفاً.

(4)

أعله الثلاثة بجهالة راوية (عبد الرحمن بن مسعود اليشكري)، وتجاهلوا طريقاً أخرى كنت خرجتها في "الصحيحة"(360)، ثم وجدت له شاهداً من حديث ابن عباس، فألحقته به.

ص: 485

‌4 - (الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى، وما جاء في ذم الطمع، والترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده).

791 -

(1)[صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تزال المسألةُ بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزعةُ لَحمٍ".

رواه البخاري ومسلم والنسائي.

(المُزْعَة) بضم الميم وسكون الزاي وبالعين المهملة؛ هي القطعة.

792 -

(2)[صحيح] وعن سَمُرَةَ بن جُندَبٍ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنما المسائلُ كدوحٌ يَكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأَل ذا سلطانٍ، أو في أمرٍ لا يجد منه بُداً".

رواه أبو داود والنسائي والترمذي وعنده:

"المسألة كَدٌّ يَكُدُّ بها الرجل وجهه" الحديث. وقال:

"حديث حسن صحيح".

ورواه ابن حبان في "صحيحه" بلفظ: "كدٌّ" في رواية، و"كدُوح" في أخرى.

(الكُدوح) بضم الكاف: آثار الخموش.

(1)

793 -

(3)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"المسألةُ كُدوح

(2)

في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء استبقى على وجهه" الحديث.

رواه أحمد، ورواته كلهم ثقات مشهورون.

(1)

كل أثر من خدش أو عض فهو كدح. والكدح في غير هذا الموضع: السعي والحرص والعمل.

(2)

الأصل: "كلوح"، والتصويب من "المسند"، و"المجمع"(3/ 96). وغفل عنه الثلاثة!

ص: 486

794 -

(4)[حسن لغيره] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سأَل الناسَ في غير فاقةٍ نزلتْ به، أو عيالٍ لا يطيقهم؛ جاء يومَ القيامة بوجهٍ ليس عليه لحم".

795 -

(5)[حسن لغيره] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من فتحَ على نفسِه بابَ مسألةٍ من غيرِ فاقةٍ نَزَلَتْ به، أو عيالٍ لا يطيقُهم؛ فتح الله عليه بابَ فاقةٍ من حيثُ لا يحتسب".

رواه البيهقي، وهو حديث جيد في الشواهد.

(1)

796 -

(6)[حسن لغيره] وعن عائذِ بن عَمروٍ رضي الله عنه:

أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يسألُه، فأعطاه، فلما وضع رِجْله على أسْكُفَّةِ الباب

(2)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسألُه".

رواه النسائي.

797 -

(7)[حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير" من طريق قابوس عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لو يعلم صاحبُ المسألةِ ما لَه فيها؛ لم يسألْ".

798 -

(8)[صحيح لغيره] وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مسألة الغَنِيّ شَيْنٌ

(3)

في وجهه يومَ القيامة".

(1)

قلت: منها حديث عبد الرحمن بن عوف الآتي في هذا الباب برقم (23). ومن جهالات المعلقين الثلاثة أنهم فرقوا بين مرتبة هذا الحديث والذي قبله؛ مع قولهم أنهما حديث واحد، فقالوا في الأول:"حسن"، وفي هذا:"حسن لغيره"!

(2)

(الأسكفّة) بضم الهمزة وسكون السين المهملة وضم الكاف وتشديد الفاء: عتبة الباب.

(3)

(الشين): العيب.

ص: 487

رواه أحمد بإسناد جيد، والطبراني في "الكبير".

799 -

(9)[صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من سأل مسأَلةً وهو عنها غني؛ كانتْ شَيناً في وجهه يومَ القيامة".

رواه أحمد والبزار والطبراني، ورواة أحمد محتج بهم في "الصحيح".

800 -

(10)[صحيح لغيره] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من سأَل وهو غنيٌّ عن المسألة؛ يُحشرُ يومَ القيامةِ وهي خُموش في وجهه".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد لا بأس به.

801 -

(11)[صحيح لغيره] وعن مسعود بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم:

أنه أُتيَ برجلٍ يصلي عليه، فقال:

"كم ترك؟ ".

قالوا: دينارين أو ثلاثة. قال:

"ترك كيتين أو ثلاث كيات".

(1)

رواه البيهقي من رواية يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني.

802 -

(12)[صحيح لغيره] وعن حُبْشِي بن جُنادةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من سأل من غير فقرٍ؛ فكأنما يأْكُل الجمرَ".

رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال "الصحيح"، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ والبيهقي، ولفظه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1)

في الأصل هنا ما نصه: "فلقيت عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر، فذكرت ذلك له فقال: ذاك رجل كان يسأل الناس تكثراً". والحديث مخرج في "الصحيحة"(3483).

ص: 488

"الذي يسأل من غير حاجة، كَمَثَل الذي يلتقط الجمْر".

[صحيح لغيره] ورواه الترمذي من رواية مجالد عن عامر، عن حُبشي أطول من هذا، ولفظه:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة أتاه أعرابي، فأخذ بطرف ردائه، فسأله إياه، فأعطاه، وذهب،. . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن المسألةَ لا تحلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَويٍّ، إلا لذي فقرٍ مُدقع، أو غُرمٍ مُفْظع، ومن سأل الناسَ ليَثْرى به مالُه، كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورَضْفاً يأْكله من جهنم، فمن شاء فليُقْلِلْ، ومن شاء فليكثِر".

قال الترمذي: "حديث غريب".

[صحيح لغيره] زاد فيه رزِين:

"وإنِّي لأُعطي الرجل العطية فينطلق بها تحت إبطه، وما هي إلا النار".

فقال له عُمر: ولِمَ تعطي يا رسول الله ما هو نار؟! فقال:

"أبى الله لي البخل، وأبوا إلا مسألتي".

[صحيح لغيره] قالوا: وما الغِنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال:

"قدر ما يُغدِّيه، أو يُعشّيه"

(1)

.

وهذه الزيادة لها شواهد كثيرة، لكني لم أقف عليها في شيء من نسخ الترمذي

(2)

.

(المِرَّة) بكسر الميم وتشديد الراء: هي الشدة والقوة.

(1)

(التغدية): إطعام طعام الغدوة. و (التعشية): إطعام طعام العشاء.

(2)

قلت: زيادة رزين إنما هي في حديث آخر يرويه أبو سعيد الخدري، وعمر نفسه، لكن ليس فيه قوله:"قالوا: وما الغنى. . " كما سيأتي قريباً في الباب برقم (24 و 25) وإنما هذا في حديث سهل ابن الحنظلية الآتي قريباً. فكأن رزيناً لفق هذه الزيادة التي زادها في رواية الترمذي من ثلاثة أحاديث!

ص: 489

و (السويّ) بفتح السين المهملة وتشديد الياء: هو التام الخلق، السالم من موانع الاكتساب.

(يثرى) بالثاء المثلثة أي: يزيد ماله به.

و (الرضف) يأتي، وكذا بقية الغريب.

803 -

(13)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سأَل الناس تَكَثُّراً، فإنما يسأل جمراً، فليستَقِلَّ أو ليستكثِرْ".

رواه مسلم وابن ماجه.

804 -

(14)[صحيح لغيره] وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سأَل مسْألةً

(1)

عن ظهرِ غنىً؛ استكثر بها من رَضْف جهنم".

قالوا: وما ظهر غِنى؟ قال:

"عشاءُ ليلة"

(2)

.

رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده على المسند"، والطبراني في "الأوسط"، وإسناده جيد

(3)

.

805 -

(15)[صحيح] وعن سهل ابن الحنظليةِ

(4)

رضي الله عنه قال:

قَدِم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه،

(1)

الأصل: "سأل الناس"، والتصويب من "الزوائد" والمخطوطة.

(2)

كذا وقع في هذه الرواية، والمحفوظ:"ما يغديه أو يعشيه" كما تقدم تحت حديث (حُبشي ابن جنادة)، ويأتي في حديث (سهل ابن الحنظلية)، و (أو) بمعنى (و) كما يأتي.

(3)

قلت: وفيه نظر بينته في "الأصل"، وفي "تخريج الأحاديث المختارة"(495)، فقد أخرجه فيه من طريق عبد الله، وبينت فيه أنه يشهد له ما بعده. وأما الجهلة، فقالوا:"حسن" أي لذاته، ثم نقلها عن الهيثمي إعلاله إياه بمن كذبه أحمد وغيره، وأقروه.

(4)

هو سهل بن الربيع الأنصاري الأوسي، و (الحنظلية): أمه.

ص: 490

فأمر معاويةَ، فكتب لهما ما سألا، فأما الأقرعُ فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، وأما عُيينة فأخذ كتابه وأتى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم[مكانه]

(1)

فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أَدري ما فيه كصحيفة المتَلَمِّس؟ فأخبر معاويةُ بقوله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار، -قال النُّفَيلي، وهو أحد رواته-[في موضع آخر: "من جمرِ جهنم"].

فقالوا: [يا رسول الله! وما يغنيه؟ وقال النُّفيَلي في موضع آخر:] وما الغِنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال:

"قدر ما يُغدّيه ويُعشّيه".

رواه أبو داود -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه"، وقال فيه:

"من سأل شيئاً وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من جمر جهنم".

قالوا: يا رسول الله! ما يغنيه؟ قال:

"ما يغديه أو يعشيه".

كذا عنده: "أو يعشيه" بألف.

ورواه ابن خزيمة باختصار؛ إلا أنه قال:

قيل: يا رسول الله! وما الغِنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال:

"أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم"

(2)

.

(1)

زيادة من "أبي داود"، وهو مخرَّج في "صحيحه" برقم (1441)، والزيادات الآتية منه أيضاً.

(2)

قلت: هذه الرواية عند أبي داود أيضاً عقب قوله: "يغديه ويعشيه" بلفظ: "وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع. . ".

ص: 491

قوله: "كصحيفة المتلمّس": هذا مثل تضربه العرب لمن حمل شيئاً لا يدري هل هو يعود عليه بنفع أو ضر، وأصله أن المتلمِّس -واسمه عبد المسيح- قدم هو وطَرفَة بن العبد على الملك عمرو بن المنذر، فأقاما عنده، فنقم عليهما أمراً، فكتب إلى بعض عماله يأمره بقتلهما، وقال لهما: إني قد كتبت لكما بصلة، فاجتازا بـ (الحِيرَة)، فأعطى المتلمس صحيفته صبياً فقرأها، فإذا فيها الأمر بقتله، فألقاها، وقال لطرفة: افعل مثل فعلي، فأبى عليه، ومضى إلى عامل الملك، فقرأها؛ وقتله.

قال الخطابي

(1)

:

"اختلف الناس في تأويله، يعني حديث سهل، فقال بعضهم: من وجد غَداء يومِه وعشاءَه؛ لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث. وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة، حرمت عليه المسألة. وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها". يعني الأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهماً أو قيمتها، أو بملكِ أَوقية أو قيمتها.

قال الحافظ رضي الله عنه:

"ادعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجحاً لأحدهما على الآخر، وقد كان الشافعي رحمه الله يقول: قد يكون الرجل بالدرهم غنياً مع كسبه، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله.

وقد ذهب سفيان الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن من له خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب لا يُدفع إليه شيء من الزكاة.

وكان الحسن البصري وأبو عبيد يقولان: من له أربعون درهماً فهو غني. وقال أصحاب

(1)

"معالم السنن"(2/ 229 - 230).

ص: 492

الرأي: يجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب، وإن كان صحيحاً مكتسباً مع قولهم: من كان له قوت يومه لا يحل له السؤال، استدلالاً بهذا الحديث وغيره.

(1)

والله أعلم".

806 -

(16)[صحيح لغيره] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن سأل الناس لِيَثْرى مالُه، فإنَّما هي رَضْفٌ من النار مُلهبة، فمن شاء فليُقِلَّ، ومن شاء فليكثرْ".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

(الرَّضْف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء: هو الحجارة المحماة.

807 -

(17)[صحيح موقوف] وعن أسلم قال: قال لي عبد الله بن الأرقم:

ادْلُلْني على بعير من العطايا

(2)

أستحمل عليه أميرَ المؤمنين.

قلت: نعم، جمل من إبل الصدقة.

فقال عبد الله بن الأرقم: أتحب لو أنَّ رجلاً بادناً في يوم حار، غسل ما تحت إزاره ورُفْغيه، ثم أعطاكه فشربته؟

قال: فغضبت، وقلت: يغفرُ اللهُ لك، لِم تقولُ مثلَ هذا لي؟

قال: فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم.

رواه مالك.

(البادن): السمين.

و (الرُّفغ) بضم الراء وفتحها وبالغين المعجمة: هو الإبط، وقيل: وسخ الثوب.

و (الأرفاغ): المغابن التي يجتمع فيها العرق والوسخ من البدن.

(1)

قلت: وهذا أعدل الأقوال، وبه تجتمع الأحاديث، وإليه ذهب الصنعاني في "سبل السلام"(2/ 305 - 306)، ومال إليه الشوكاني في "نيل الأوطار"(4/ 134 - 137).

(2)

في "الموطأ" -آخره-: "المطايا".

ص: 493

808 -

(18)[صحيح لغيره] وعن علي رضي الله عنه قال:

قلت للعباس: سَلِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستعملُك على الصدقة

(1)

. فسأله، قال:

"ما كنت لأستعملك على غُسالة ذنوب الناس".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"

(2)

.

809 -

(19)[صحيح] وعن أبي عبد الرحمن

(3)

عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال:

كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال:

"ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ". وكنا -حديثي عهد ببيعة- فقلنا: قد بايعناك يا رسولَ الله! ثم قال:

"ألا تبايعون رسولَ الله؟ ".

فبسطنا أيديَنا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلامَ نبايعك؟ قال:

"أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا -وأسَرَّ كلمةً خفية- ولا تسألوا الناس [شيئاً] ". فلقد رأت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدِهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه.

رواه مسلم والترمذي والنسائي باختصار.

(1)

قلت: قول علي هذا منكر لتفرد عبد الله بن أبي رزين به، وهو مجهول لَم يوثقه غير ابن حبان، والثابت عن علي رضي الله عنه خلافه، وأن السَّائل إنما هما غلامان من بني عبد المطلب كما في مسلم، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(2642)، وانظر تعليقي على "صحيح ابن خزيمة"(4/ 79)، وحديث ابن عباس الشاهد لذلك في "كبير الطبراني" (11/ 69 و 227) من طريقين عنه. وأما الجهلة الثلاثة فقالوا:"حسن"! وغفلوا عن النكارة، وهو اللائق بهم! وبجمودهم على التقليد.

(2)

قلت: والحاكم أيضاً (3/ 332)، وصححه! ووافقه الذهبي!

(3)

قد قيل في كنيته غير هذا، ولم تقع هذه في "مسلم"(3/ 97)، والزيادة الآتية منه، كما أنني صححت منه بعض الأحرف. وقد رواه أبو داود أيضاً (1149 - صحيحه)، وابن ماجه. ولم أره عند الترمذي، ولا عزاه إليه الحافظ المزي في "التحفة"!

ص: 494

810 -

(20)[صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال:

بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهدَ اللهَ عليَّ تسعاً

(1)

: أن لا أخافَ في الله لومة لائم.

-قال أبو المثنى:- قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

"هل لك إلى البيعة ولك الجنة؟ ".

قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو يشترط-:

"على أنُ لا تَسأل الناس شَيئاً".

قلت: نعم. قال:

"ولا سوطك إنْ سقط منك حتى تنزل فتأخذه".

[حسن لغيره] وفي رواية؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ستة أيام؛ ثم اعقل يا أبا ذر! ما يقال لك بعد".

فلمَّا كان اليوم السابع قال:

"أوصيكَ بتقوى اللهِ في سرِّ أمرِك وعلانيتِه، وإذا أسأتَ فأحْسِنْ، ولا تسأَلنَّ أحداً شيئاً وإنْ سقطَ سوطُك، ولا تقبضنَّ أمانةً".

رواه أحمد رواته ثقات.

811 -

(21)[صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال:

"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: بحب المساكين، وأنْ أَدنوَ منهم، وأنْ أَنظرَ إلى من هو أَسفلُ مني، ولا أنظرَ إلى من هو فوقي، وأنْ أصِلَ رَحِمي وإنْ

(1)

الأصل: (سبعاً)، والتصحيح من "المسند"(5/ 172).

ص: 495

جفاني، وأنْ أُكثرَ من قولِ:(لا حولَ ولا قوة إلا بالله)، وأنْ أتكلمَ بمُرِّ الحق، وأنْ لا تأْخذَني بالله لومةُ لائم، وأنْ لا أسألَ الناسَ شيئاً".

رواه أحمد والطبراني من رواية الشعبي عن أبي ذر. ولم يسمع منه

(1)

.

812 -

(22)[صحيح] وعن حكيم بن حِزام رضي الله عنه قال:

سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال:

"يا حَكيم! هذا المالُ خَضِرٌ حُلْو

(2)

، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشرافِ نفسٍ لم يباركْ فيه، وكان كالذي يأْكلُ ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى".

قال حكيمٌ: فقلت: يا رسولَ الله! والذي بعثك بالحق لا أرزأُ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا.

فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً ليعطيَه العطاءَ، فيأبى أنْ يقبلَ منه شيئاً، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين! أُشهِدُكم على حكيمٍ أنّي أعرضُ عليه حقَّه الذي قسم الله

(1)

قلت: لم يروه أحمد من هذا الوجه، وإنما رواه من وجهين آخرين عن أبي ذر، أحدهما صحيح. انظر "الصحيحة"(2166).

(2)

كذا الأصل، وهو كذلك في رواية البخاري في "الوصايا"، وفي أخرى له في "الزكاة" وغيره:"خضرة حلوة"، وهي رواية مسلم (3/ 94)، وليس عنده:"قال حكيم: فقلت. . " إلخ.

وهذا القدر يختلف سياقه قليلاً عن سياقه في البخاري. قال الحافظ:

"قوله: (خضرة حلوة): شبهه بالرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة؛ فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة لليابس، والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض، فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد".

ص: 496

له في هذا الفيء، فيأبى أنْ يأخذه. فلم يرزأ حكيمٌ أحداً من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي رضي الله عنه.

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي باختصار.

(يرزأ) براء ثم زاي ثم همزة، معناه: لم يأخذ من أحد شيئاً.

و (إشراف النفس) بكسر الهمزة وبالشين المعجمة وآخره فاء: هو تطلعها وطمعها وشرها.

و (سخاوة النفس): ضد ذلك.

813 -

(23)[صحيح] وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من تَكفَّلَ لي أنْ لا يسأل الناس شيئاً؛ أتكفلُ له بالجنة".

فقلت: أنا. فكان لا يسأَل أحداً شيئاً.

رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وأبو داود بإسناد صحيح.

وعند ابن ماجه قال:

"لا تسأل الناس شيئاً".

قال: فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحد: ناولنيه؛ حتى ينزل فيأْخذَه.

(1)

814 -

(24)[صحيح لغيره] وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ثلاث والذي نفسي بيده إنْ كنت لحالفاً عليهن: لا ينقصُ مالٌ من صدقة؛ فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مَظلمة؛ إلا زاده الله بها عزاً يومَ القيامة، ولا يفتح عبدٌ باب مسألة؛ إلا فتح الله عليه باب فقر".

(1)

قلت: وهو رواية لأحمد (5/ 277 و 279 و 281).

ص: 497

رواه أحمد، وفي إسناده رجل لم يسم، وأبو يعلى والبزار.

وتقدم في "الإخلاص"[الباب الأول] من حديث أبي كبشة الأنماري مطولاً.

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

815 -

(25)[صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:

قال عمر رضي الله عنه: يا رسولَ الله! لقد سمعت فلاناً وفلاناً يحسنان الثناءَ؛ يذكران أنك أعطيتهما دينارين. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"والله لكنَّ فلاناً ما هو كذلك، لقد أعطيته ما بين عشرة إلى مائة، فما يقول ذلك! أما والله إنَّ أحدكم ليُخرج مسألتَه من عندي يتأبطها (يعني تكون تحت إبطه) ناراً".

قال: قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! لِمَ تعطيها إياهم؟ قال:

"فما أصنعُ؟ يأْبون إلا ذلك، ويأبى اللهُ ليَ البخلَ".

رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح.

816 -

(26)[صحيح] وفي رواية جيدة لأبي يعلى

(1)

:

"وإن أحَدكم ليخرجُ بصدقَتِه من عندي متأبَّطَها، وإنما هي له نار".

قلت: يا رسولَ الله! كيف تعطيه وقد علمتَ أنها له نار؟ قال:

"فما أصنعُ؟ يأبون إلا مسألتي، ويأبى الله عز وجل لي البخل".

817 -

(27)[صحيح] وعن أبي بشرٍ قَبِيصة بنِ المخارقِ رضي الله عنه قال:

تحمَّلتُ حَمالة، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:

"أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها". ثم قال:

(1)

هذه الرواية ليست عن أبي سعيد، وإنما عن عمر كما يأتي قريباً (7 - باب/ الحديث الأول)، ولذلك رقمتها.

ص: 498

"يا قَبيصةُ! إن المسألةَ لا تحل إلا لأحدِ ثلاثة:

رجل تحمَّل حَمالة، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك.

ورجل أصابتْه جائحةٌ اجتاحَتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يصيبَ قِوَاماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش.

ورجلٌ أصابَتْه فاقةٌ حتى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من عيش، أو قال: سِداداً من عيش.

فما سواهن من المسألةِ يا قبيصةُ سُحتٌ، يأكلُها صاحبُها سُحتاً".

رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

و (الحَمالة) بفتح الحاء المهملة: هو الدية يتحملها قوم عن قوم. وقيل: هو ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله، ليرتفع بينهم القتال ونحوه.

و (الجائحة): الآفة تصيب الإنسان في ماله.

و (القِوام) بفتح القاف -وكسرها أفصح-: هو ما يقوم به حال الإنسان من مال وغيره.

و (السِّداد) بكسر السين المهملة: هو ما يسد حاجة المعوز ويكفيه.

و (الفاقة): الفقر والاحتياج.

و (الحِجى) بكسر الحاء المهملة مقصوراً: هو العقل.

818 -

(28)[صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"استغنوا عن الناسِ ولو بشَوصِ السِّواك".

رواه البزار والطبراني بإسناد جيد، والبيهقي.

ص: 499

819 -

(29)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يؤمن عبدٌ حتى يأمنَ جارُه بوائقَه، ومن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر؛ فليكرمْ ضيفَه، ومن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً أو ليسكت، إن الله يحب الغنيَّ الحليمَ المتعففَ، ويبغضُ البذيء الفاجرَ السائل المُلِحّ".

رواه البزار

(1)

.

820 -

(30)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر -وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة-:

"اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى، والعليا هي المنفِقة، والسفلى هي السائلةُ".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

وقال أبو داود:

اختُلِفَ على أيوب عن نافع في هذا الحديث؛ قال عبد الوارث: "اليد العليا المتعففة".

وقال أكثرهم: عن حماد بن زيد عن أيوب: "المنفقة". وقال واحد عن حماد: "المتعففة".

(2)

قال الخطابي: "رواية من قال: "المتعففة" أشبه وأصح في المعنى، وذلك أنَّ ابن عمر ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الكلام وهو يذكر الصدقة والتعفف عنها، فعطْفُ الكلام على

(1)

قلت: إسناده "ضعيف، لكنه قد جاء مفرقاً في أحاديث مخرجة بعضها في "الإرواء" (8/ 162 و 163)، والأخرى في "الصحيحة" (549 و 876 و 1320) إلا كلمة (الفاجر) فلم أرها إلا بلفظ (الفاحش).

(2)

قلت: هذه رواية شاذة، وجزم ابن حجر أنها تصحيف، والصواب ما قبلها، والأحاديث متضامنة على ذلك كما بينه الحافظ (3/ 236)، ولا ينافيه التوجيه الذي نقله المؤلف عن الخطابي، بل هو يماشيه كما لا يخفى على المتأمل.

ص: 500

سببه الذي خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى. وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا أن يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ، يجعلونه من علو الشيء إلى فوق، وليس ذلك عندي بالوجه، وإنما هو من علاء المجد والكرم، يريد [به] التعفف عن المسألة والترفع عنها". انتهى كلامه

(1)

، وهو حسن.

(2)

821 -

(31)[صحيح] وعن مالك بن نَضْلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويدُ المعطي التي تليها، ويدُ السائل السفلى، فأعط الفضلَ، ولا تعجز عن نفسك".

رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.

822 -

(32)[صحيح] وعن حكيم بن حِزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأْ بمن تعولُ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يَستعفَّ يُعِفَّه اللهُ، ومن يستغنِ يُغنه اللهُ".

رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم.

823 -

(33)[صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:

أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، ثم سألوه، فأعطاهم، حتى إذا نفِد ما عنده قال:

"ما يكون عندي من خير فلن أَدَّخِرَه عنكم، ومَن استعفَّ

(3)

يُعِفَّه الله،

(1)

"معالم السنن"(2/ 243).

(2)

قلت: نعم؛ هو حسن بناء على ما رجحه الخطابي من حيث المعنى، لكنَّ ذلك لا يستقيم مع الرواية الراجحة عندنا والمطابقة للأحاديث الأخرى التي منها الحديث الآتي بعده، وله شواهد ذكرها الحافظ في "الفتح"(3/ 231)، وقال عقبها:"فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأنَّ السفلى هي السائلة. وهذا هو المعتمد، وهو قول الجمهور".

(3)

هكذا وجد، وإنما هو "يستعفف"، ورواية الترمذي ورواية للبخاري:"يستعف". و"يعفه" بفتح الفاء، جزم به الكرماني، كذا في "العجالة"(113).

ص: 501

ومن يَستغن يُغنه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أعطى الله أحداً عطاءً هو خير له وأوسع من الصبر".

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

824 -

(34)[حسن لغيره] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:

جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

"يا محمد! عشْ ما شئتَ فإنكَ ميِّت، واعمل ما شئتَ فإنك مَجزيٌّ به، وأحبب من شئت فإنَّك مفارقُه، واعلم أنَّ شَرفَ المؤمن قيامُ الليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

825 -

(35)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ليس الغِنى عن كثرة العَرَض، ولكنَّ الغنى غنِى النفس".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

(1)

.

(العَرَض) بفتح العين المهملة والراء: هو كل ما يقتنى من المال وغيره.

826 -

(36)[صحيح] وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:

"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفعْ، ومن قلبٍ لا يخشعْ، ومن نفس لا تشبعْ، ومن دعوة لا يُستَجَابُ لها".

رواه مسلم وغيره. [مضى 3 - العلم/ 9]

827 -

(37)[صحيح] وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا أبا ذر! أترى كثرةَ المال هو الغنى؟ ".

(1)

قال الناجي: "وبقي عليه ابن ماجه".

ص: 502

قلت: نعم يا رسولَ الله! قال:

"أَفَتَرى قلةَ المالِ هو الفقر؟ ".

قلت: نعم يا رسول الله! قال:

"إنما الغنى غنى القلب، والفقرُ فقرُ القلب".

رواه ابن حبان في "صحيحه" في حديث يأتي إنْ شاء الله تعالى

(1)

.

828 -

(38)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ليس المسكينُ الذي تَرُدُّه اللقمةُ واللقمتان، والتمرةُ والتمرتان، ولكنِ المسكينُ الذي لا يجدُ غِنىً يُغنيه، ولا يُفطَنُ له فَيُتَصَدَّقُ عليه، ولا يقومُ فيسألُ الناس".

رواه البخاري ومسلم.

829 -

(39)[صحيح] وعن عبد الله بن عَمرو رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"قد أفلح من أسلم ورُزِقَ كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه".

رواه مسلم والترمذي وغيرهما.

830 -

(40)[صحيح] وعن فَضَالة بن عُبيدٍ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"طوبى لمن هُدِيَ للإسلام، وكان عيشُه كفافاً وقَنَعَ".

رواه الترمذي وقال:

"حديث حسن صحيح"، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

(الكفاف) من الرزق: ما كَفَّ عن السؤال مع القناعةِ لا يزيد على قدر الحاجة.

(1)

يعني: في (24 - التوبة /5 - الترغيب في الفقر).

ص: 503

831 -

(41)[صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"يا ابنَ آدم! إنك أن تَبذُلَ

(1)

الفضلَ خيرٌ لك، وأن تُمسكه شر لك، ولا تلامُ على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى".

رواه مسلم والترمذي وغيرهما.

832 -

(42)[حسن لغيره] وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:

أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله! أوصني وأوجِزْ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"عليك بالإياس مما في أيدي الناس. . .

(2)

، وإياك وما يُعتَذرُ منه".

رواه الحاكم، والبيهقي في كتاب "الزهد"، واللفظ له، وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد". كذا قال.

833 -

(43)[حسن لغيره] وعن عُبَيْدِ اللهِ بن محصَن الخَطمي رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من أصبح [منكم] آمناً في سِربِه، معافى في جسده، عنده قوت يومِه؛ فكأَنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها".

رواه الترمذي وقال: "حديث حست غريب".

(1)

ضبطه النووي في "شرح مسلم" بفتح الهمزة، قال:

"ومعناه؛ إنْ بذلت الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه، وإنْ أمسكته فهو شر لك، لأنه إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه، وإنْ أمسك عن المندوب، فقد نقص ثوابه، وفوت مصلحة نفسه في آخرته، وهذا كله شر. ومعنى "لا تلام على كفاف": أنّ قدر الحاجة لا لوم على صاحبه، وهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي، كمن كان له نصاب زكوي ووجبت الزكاة بشروطها، وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه، وجب عليه إخراج الزكاة، ويحصل كفايته من جهة مباحة. ومعنى "ابدأ بمن تعول": أنَّ العيال والقرابة أحق من الأجانب".

(2)

قلت: المحذوف هنا بلفظ: "وإياك والطمع فإنَّه فقر حاضر"، وإنما حذفتها من هنا لأنِّي لم أجد لها شاهداً معتبراً، وهي في "الضعيف" في رواية أخرى.

ص: 504

(في سِرْبه) بكسر السين المهملة أي: في نفسه

(1)

.

834 -

(44)[صحيح لغيره] وعن أنس رضي الله عنه:

أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال:

"إنَّ المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقر مُدقعٍ، أو لذي غرم مُفظع، أو لذي دم مُوجع. . ".

رواه أبو داود والبيهقي بطوله

(2)

، واللفظ لأبي داود.

و (الفقر المدقع) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف: هو الشديد الملصق صاحبه بـ (الدقعاء): وهي الأرض التي لا نبات بها.

و (الغُرْم) بضم الغين المعجمة وسكون الراء: هو ما يلزم أداؤه تكلفاً لا في مقابلة عوض.

و (المفظع) بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة: هو الشديد الشنيع.

و (ذو الدم الموجع): هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله.

835 -

(45)[صحيح] وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لأنْ يأخذَ أحدُكم أحبُلَه

(3)

فيأَتي بحزمةٍ من حطب على ظهره فيبيعَها فيكفَّ بها وجهَه؛ خيرٌ له من أنْ يسأَلَ الناس، أعطَوْه أم منعوه".

رواه البخاري وابن ماجه وغيرهما.

(1)

وأَّما (السَّرَب) بالفتح فيقال: على المسلك والطريق.

(2)

انظر لفظه في "الضعيف"، وما أوردته هنا منه فلشواهده، وتقدم أحدها هنا تحت رقم (11)، فتنبه. وأما الثلاثة فحسنوه بطوله!

(3)

كذا الأصل، وهو بفتح أوله وضم الموحدة جمع (حبل)، مثل (فَلس) و (أفلس). وهو رواية للبخاري في غير هذا السياق أخرجه في أول "16/ البيوع". وبه رواه ابن ماجه (7136)، وفي روايتين أخريين للبخاري:"حبله" على الإفراد.

ص: 505

836 -

(46)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لأنْ يحتطبَ أحدُكم حزمةً على ظهرِه، خيرٌ له من أن يسألَ أحداً، فيعطيَه أو يمنعَه".

رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

837 -

(47)[صحيح] وعن المقدام بن معدِ يكَرِب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"ما أكل أحدٌ طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيَّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده".

رواه البخاري.

ص: 506

‌5 - (ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى).

838 -

(1)[صحيح] عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن نزلت به فاقة فأنزلَها بالناسِ لم تُسَدَّ فاقتُه، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيُوشك اللهُ له برزق عاجلٍ أو آجلٍ".

رواه أبو داود، والترمذي وقال:"حديث حسن صحيح غريب"

(1)

، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد"؛ إلا أنه قال فيه:

"أوشك

(2)

الله له بالغنى، إما بموت عاجلٍ، أو غنى آجل".

(يوشك) أي: يسرع، وزناً ومعنى.

(1)

الأصل: "ثابت"، وذلك تصحيف، وإنما هي "غريب" لا "ثابت". كما في "العجالة"(114).

قلت: والظاهر أنه من المؤلف نفسه رحمه الله، فقد أعاده هكذا مصحفاً في أول (15 - الدعاء) وكذلك وقع في المخطوطة، إلا أنَّه في الموضع الثاني منها كتب الناسخ على الهامش: غريب. صح.

ثم إنَّ لفظ الحديث للترمذي، ولفظ أبي داود مثل لفظ الحاكم حرفاً بحرف! وهو مخرج في صحيح أبي داود" (1452).

(2)

الأصل: "أرسل"، والتصويب من "المستدرك" و"أبي داود".

ص: 507

‌6 - (الترهيب مِنْ أَخْذِ ما دُفع من غير طيب نفس المعطي).

839 -

(1)[صحيح لغيره] عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ هذا المال خُضْرةٌ حُلوِة، مَن أعطَيْناه منها شيئاً بطيب نفسٍ منا، وحُسنِ طُعمةٍ منه، من غير شَرَهِ نفسٍ؛ بورِك له فيه، ومن أعطيْناه منها شيئاً بغيرِ طيبِ نفسٍ منا، وحُسنِ طعمةٍ منه، وشرَهِ نفسٍ؛ كان غيرَ مباركٍ له فيه".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

وروى أحمد

(1)

والبزَّار منه الشطر الأخير بنحوه بإسناد حسن.

(الشَّرَه) بشين معجمة محركاً: هو الحرص.

840 -

(2)[صحيح] وعن معاويةَ بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تُلحِفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحدٌ منكم شيئاً فتُخرِجُ له مسألتُه مني شيئاً وأنا له كاره؛ فيبارك له فيما أعطيتُه".

رواه مسلم والنسائي، والحاكم وقال:

"صحيح على شرطهما".

وفي رواية لمسلم قال: وسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنما أنا خازنٌ، فمن أعطيتُه عن طيبِ نفسٍ؛ فيبارك له فيه، ومن أعطيته عن، مسألةٍ وشَرَهِ نفسٍ؛ كان كالذي يأْكل ولا يشبع".

(لا تلحفوا) أي: لا تُلحُّوا في المسألة.

841 -

(3)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تُلْحِفوا في المسألة، فإنه من يستخرج مِنَّا بها شيئاً؛ لم يباركْ له فيه".

رواه أبو يعلى، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

(1)

قلت: أحمد رواه بتمامه نحوه (6/ 68).

ص: 508

842 -

(4)[صحيح] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ الرجل يأتيني فيسألُني فأُعطيه، فينطلق وما يحمل في حِضنه

(1)

إلا النار".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

843 -

(5)[صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:

بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقسِم ذهباً، إذ أتاه رجل فقال: يا رسولَ الله! أعطني. فأعطاه. ثم قال: زدني. فزاده -ثلاث مرات-، ثم ولّى مُدبراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يأْتيني الرجل فيسألني، فأُعطيه، ثم يسألني، فأعطيهِ -ثلاث مرات-، ثم يُوَلِّي مُدْبراً وقد جعل في ثوبه ناراً إذا انقلب إلى أهله".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

844 -

(6)[صحيح] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنَّه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

يا رسولَ الله! رأيت فلاناً يشكر، يذكر أنَّك أعطيته دينارين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لكنَّ فلاناً قد أعطيتُه ما بين العشرة إلى المئة فما شكر، وما يقوله! إنَّ أحدَكم ليخرجُ من عندي بحاجته متأبطَها، وما هي

(2)

إلا النارُ".

قال: قلت: يا رسول الله! لمَ تعطيهم؟ قال:

"يأبَون إلا أنْ يسألوني، ويَأبى اللهُ ليَ البخلَ".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد وتقدم [4 - باب/ 24 - رقم (24)].

(متأبطها) أي: جاعلها تحت إبطه.

(1)

بكسر المهملة وإسكان الضاد المعجمة: ما دون الإبط إلى الكشح.

(2)

الأصل: "نسي"، والتصويب من "الموارد"(849).

ص: 509

‌7 - (ترغيب مَن جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبوله، سيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده إن كان غنياً عنه).

845 -

(1)[صحيح] عن ابن عمر رضي الله عنهما [قال: سمعتُ عمرَ يقول]

(1)

:

كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاءَ فأقولُ: أعطه أفقرَ إليه مني. قال: فقال:

"خذه، إذا جاءك من هذا المال شيءٌ، وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذْه فتموَّلْه، فإنْ شئتَ كُلْهُ، وإنْ شئتَ تصدّقْ به، وما لا فلا تُتْبِعْه نفسَك".

قال سالم بن عبد الله: فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسألُ أحداً شيئاً، ولا يَردُّ شَيئاً أُعطِيه.

رواه البخاري ومسلم والنسائي.

846 -

(2)[صحيح] وعن عطاء بن يسار:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه بعطاء، فرده عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لِمَ رددته؟ "، فقال: يا رسول الله! أليس أخبرتَنا أنَّ خيراً لأحدنا أنْ لا يأخذَ من أحدٍ شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنما ذلك عن المسألة، فأمَّا ما كان عن غيرِ مسألةٍ، فإنَّما هو رزقٌ يرزقَكَهُ اللهُ".

(1)

سقطت من الأصل، واستدركتها من المصورة التي عندي، وكذا من "الصحيحين" والنسائي، وليس عندهم جملة المشيئة، وإنما هو:"فتموله، أو تصدق به"، ولم يتنبه المعلقون الثلاثة لهذا السقط، فصارت القصة عندهم لابن عمر! رغم أني كنت نبهت على خطأ ذلك في الطبعة السابقة بعبارة أخرى، ورغم أنهم عزوا الحديث للمصادر الثلاثة بالأرقام! وزادوا مصدراً رابعاً فقالوا:"وأبو داود (1671) "، وهو خطأ أيضاً!!

ص: 510

فقال عمر رضي الله عنه: أمَا والذي نفسي بيده لا أسأَلُ أحداً شيئاً، ولا يأْتيني شيءٌ؛ من غير مسألةٍ إلا أخذتُه.

رواه مالك هكذا مرسلاً، ورواه البيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول: فذكر بنحوه

(1)

.

847 -

(3)[حسن صحيح] وعن عمر

(2)

بن الخطاب رضي الله عنه قال:

قلت: يا رسول الله! قد قلت لي: إنَّ خيراً لك أنْ لا تسألَ أحداً من الناس شيئاً. قال:

"إنما ذلك أنْ تسأل، وما آتاك اللهُ من غيرِ مسألةٍ، فإنما هو رزقٌ رزقَكَه اللهُ".

رواه الطبراني وأبو يعلى بإسناد لا بأس به.

848 -

(4)[صحيح] وعن خالد بن عدي الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مَن بلغه عن أخيه معروفٌ من غيرِ مسألةٍ ولا إشراف نفسٍ، فليَقبَلْهُ ولا يردَّه، فإنما هو رزقٌ ساقَه اللهُ عز وجل إليه".

رواه أحمد بإسناد صحيح، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:

(1)

قلت: ومن هذا الوجه وصله أبو يعلى في "مسنده"، وعنه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(رقم 83 - بتحقيقي)، وهو الآتي بعده.

(2)

الأصل: (واصل)، وهو خطأ، والتصويب من "مسند أبي يعلى" و"الأحاديث المختارة" للضياء المقدسي، رواه من طريق أبي يعلى، دون الطبراني، ولم يعزه إلى هذا الهيثمي (3/ 100)، وليس هو في "مسند عمر" من "معجم الطبراني الكبير"، ولا في "الأوسط" و"الصغير"، ففي عزو المؤلف إليه نظر، ولعله مقحم بعض النساخ، فإنه غير موجود في نسخة مخطوطة عندي، ثم إنَّ لفظ أبي يعلى أتم، كالذي قبله، ويختلف عن هذا في بعض الكلمات. والله أعلم.

ص: 511

"صحيح الإسناد".

849 -

(5)[صحيح لغيره] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من آتاه الله شيئاً من هذا المال من غير أنْ يسأله فلْيُقبَلْهُ؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليه".

رواه أحمد، ورواته محتج بهم في "الصحيح".

(1)

850 -

(6)[صحيح] وعن عائذ بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن عرض له من هذا الرزق شيءٌ من غير مسألة ولا إشرافٍ، فليتوسع به في رزقه، فإنْ كان غنياً فليوجهه إلى مَن هو أحوجُ إليه منه".

رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وإسناد أحمد جيد قوي.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله:

"سألت أبي: ما (الإشراف)؟ قال: تقول في نفسك: سيبعث إليَّ فلان، سَيَصِلُني فلان! ".

(1)

وكذا قال الهيثمي في "المجمع". وأما قول المعلقين الثلاثة (1/ 651): "وقد صححه الهيثمي (3/ 100 - 101) ". فهذا مما يدل على جهلهم بهذا العلم، لأنه لا يعني أكثر من توفر شرط من شروط الصحة عند قائله، ألا وهو ثقة رجاله! وقد نبهت على ذلك مراراً؛ في المقدمة وغيرها. وليت شعري لم نسبوا الصحة التي زعموا إلى الهيثمي دون المؤلف؟! وقد سبقه إليها!

ص: 512

‌8 - (ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله. . .، وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع).

851 -

(1)[حسن] عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ملعونٌ من سَأَل بوجهِ الله، وملعونٌ من سُئِل بوجه الله ثم منعَ سائلَهُ؛ ما لم يسأل هُجراً".

رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح"؛ إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صالح، وهو ثقة، وفيه كلام

(1)

.

(هُجْراً) بضم الهاء وسكون الجيم، أي: ما لم يسأل أمراً قبيحاً لا يليق. ويحتمل أنَّه أراد ما لم يسأل سؤالاً قبيحاً بكلام قبيح.

852 -

(2)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن استعاذَ بالله فأعيذوه، ومَن سأل باللهِ فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنعَ إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه، فادعوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافأتموه".

رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط الشيخين".

853 -

(3)[حسن لغيره] وروي عن أبي عُبيدةَ مولى رفاعة عن رافع؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ملعونٌ من سألَ بوجهِ اللهِ، وملعونٌ من سُئلَ بوجهِ اللهِ فمنعَ سائلَهُ".

رواه الطبراني.

(1)

قلت: لكنه قد توبع، كما بينته في "الصحيحة"(2290).

ص: 513

854 -

(4)[صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ألا أخبركم بشِّرِ الناسِ؟ رجلٌ يُسألُ بوجه الله ولا يُعطي".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب"، والنسائي وابن حبان في "صحيحه" في آخر حديث يأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى. [12 - الجهاد/ 9 رقم 4].

855 -

(5)[صحيح لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألا أخبركم بشر البرية؟ ".

قالوا: بلى يا رسول الله! قال:

"الذي يُسأل باللهِ ولا يُعطي".

رواه أحمد.

ص: 514

‌9 - (الترغيب في الصدقة والحث عليها، وما جاء في جهد المقِلّ، ومَن تصدق بما لا يحب).

856 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من تصدَّق بِعدْلِ

(1)

تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإنَّ الله يقبلُها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلوَّه، حتى تكون مثل الجبل".

رواه البخاري ومسلم، والنسائي والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه".

[صحيح] وفي رواية لابن خزيمة:

"إنَّ العبدَ إذا تصدَّق من طَيِّبٍ تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه فربّاها، كما يربِّي أحدكم مُهره أو فصيلَه، وإنَّ الرجلَ ليتصدقُ باللقمةِ، فتربو فى يد الله -أو قال: في كفِّ الله- حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا".

[صحيح لغيره] وفي رواية صحيحة للترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ اللهَ يقبلُ الصدقةَ، ويأخذُها بيمينه، فيربِّيها لأحدكم كما يُربِّي أحدُكُم مُهرَه، حتى إنَّ اللقمةَ لتصيُر مثلَ أُحدٍ

(2)

. . ".

(1)

بكسر العين المهملة: هو ما عادل الشيء من غير جنسه، وبالفتح: ما عادله من جنسه.

(2)

هو بضم الهمزة والحاء المهملة: جبل معروف بالمدينة. وفى الأصل هنا زيادة:

"وتصديق ذلك في كتاب الله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة/ 104]، و {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة/ 276]، فحذفت الزيادة لتفرد عباد ابن منصور بها، ومخالفته لما قبلها من الصحيحة، ولرواية مالك أيضاً المرسلة الآتية، خلافاً لما يوهمه كلام المؤلف فتنبه. ووقعت الآية الأولى في الأصل هكذا {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}، وتجاهل الثلاثة ما نقلوه عن الناجي من قوله مستنكراً على الترمذي: "وكيف يصحح وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف؟! " تجاهلوا هذا وقالوا: "حسن"! هذا مع المخالفة المذكورة!

ص: 515

ورواه مالك بنحو رواية الترمذي هذه عن سعيد بن يسار مرسلاً، لم يذكر أبا هريرة.

857 -

(2)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن اللهَ ليربِّي لأحدكم التمرةَ واللقمةَ، كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيله، حتى تكون مثلَ أُحدٍ".

رواه الطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له

(1)

.

(الفلوَّ) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو: هو المهر أول ما يولد.

و (الفصيل): ولد الناقة إلى أنْ يفصل عن أمه.

858 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما نقصتْ صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل".

رواه مسلم والترمذي، ورواه مالك مرسلاً.

859 -

(4)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّهم ذبحوا شاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"ما بقي منها؟ ".

قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال:

"بقي كلُّها غيرُ كتفها".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

ومعناه: أنهم تصدقوا بها إلا كتفها.

860 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يقول العبدُ: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاثٌ: ما أكل فأَفنى، أو

(1)

لقد أبعد المصنف النجعة، فلم يعزه لأحمد، وتبعه في ذلك الهيثمي (3/ 111 و 112) وهو في "مسنده"(6/ 251) باللفظ المذكور، ورواه البزار (1/ 441/ 931) من طريق أخرى عنها نحوه.

ص: 516

لَبس فأبلى، أو أعطى فاقْتنى

(1)

، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس".

رواه مسلم.

861 -

(6)[صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أيُّكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه؟ ".

قالوا: يا رسول الله! ما منا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه. قال:

"فإنَّ مالَه ما قدَّم، ومالَ وارثه ما أخَّر".

رواه البخاري والنسائي.

862 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بينا رجل في فلاةٍ من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة: اسقِ حديقةَ فلان. فتنحى ذلك السحابِ، فأفرغ ماءه فِي حَرَّةٍ، فإذا شَرْجةٌ من تلك الشِراج قد استوعبتْ ذلك الماءَ كلَّه، فتتبع الماءَ، فإذا رجلٌ

(2)

قائم في حديقة يُحَوِّل الماء بمسحاتِه، فقال [له]: يا عبدَ الله! ما اسمك؟ قال: فلان، لِلاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبدَ الله! لم سألتني عن اسمي؟ قال: [إني] سمعتُ [صوتاً] في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقةَ فلان؛ لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمّا إذ قلتَ هذا، فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدَّقُ بثلثِه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرُدُّ فيها ثلثه".

رواه مسلم.

(1)

كذا في "صحيح مسلم"(8/ 221) بالتاء، والمعنى: ادخره لآخرته. أي: ادخر ثوابه.

ولفظه في "المسند"(2/ 318 و 412): "فأقنى" بحذف التاء، أي: أرضى، ورواه ابن حبان أيضاً، ووقع في "الموارد" (2487):"فأبقى"، ولعله خطأ من الطابع أو الناسخ. ثم رأيته كذالك في "الإحسان"(3233) و (3317) بالسند نفسه "أو تصدقت فأمضيت"!

(2)

الأصل: "الرجل"، والتصحيح من "مسلم"(8/ 222)، و"المسند"(2/ 296)، والزيادات منهما. وهي مما فات المحققين الثلاثة!

ص: 517

(الحديقة): البستان إذا كان عليه حائط.

(الحَرَّة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء: الأرض التي بها حجارة سود.

و (الشَّرْجة) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء بعدها جيم وتاء تأنيث: مسيل الماء إلى الأرض السهلة.

و (المِسحاة) بالسين والحاء المهملتين: هي المجرفة من الحديد.

863 -

(8)[صحيح] وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما منكم

(1)

مِن أحد إلا سيكلمُه الله، ليس بينه وبينه تَرجُمان

(2)

، فينظر أيمنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، فينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، فينظر بين يديه، فلا يرى إلا النارَ تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة".

وفي رواية:

"مَن استطاع منكم أنْ يَستَتِر من النار ولو بشق تمرة؛ فليفعل".

رواه البخاري ومسلم.

(3)

864 -

(9)[صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لِيَتَّقِ أحدُكم وجْهَه النارَ ولو بشق تمرة".

رواه أحمد بإسناد صحيح.

(1)

ظاهر الخطاب للصحابة، ويلحق بهم المؤمنون كلهم كما هي القاعدة.

(2)

بضم التاء المثناة فوق وفتحها، وفتح الجيم وضمها، أي: مفسِّر، يقال: ترجم كلامه إذا فسَّره بكلام آخر. ونظر اليمين والشمال هنا كالمثل؛ لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يميناً وشمالاً يطلب الفوت. وقيل: يحتمل أن يطلب طريقاً يهرب منه لينجو من النار، فلا يرى إلا ما يقضي به الله من دخول النار. والله أعلم.

(3)

هذا ليس بجيد، فإنَّ الرواية الثانية تفرد بها مسلم، فرواها من غير طريق الرواية الأولى، فالصواب أنْ يعزى بعد الأولى، ثم يقال: وفي رواية لمسلم، وتذكر، لكن كثيراً ما يفعل هكذا فيوهم عود الضمير إليهما كما نبهت عليه في مواضع. كذا في "العجالة"(115/ 2).

ص: 518

865 -

(10)[حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا عائشةُ! استَتِري من النار ولو بشق تمرة، فإنَّها تَسُدُّ من الجائع مسدَّها من الشبعان".

رواه أحمد بإسناد حسن.

866 -

(11)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكعب ابن عُجْرَةَ:

"يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الصلاةُ قُرْبانٌ، والصيام جُنةٌ، والصدقةُ تُطفئُ الخطيئة كما يُطفئُ الماءُ النارَ، يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الناسُ غاديان: فبائعٌ نفسَه فمُوِبقٌ

(1)

رَقبته، ومبتاع نفسه فمُعْتِقٌ رقبته".

رواه أبو يعلى

(2)

بإسناد صحيح.

867 -

(12)[صحيح لغيره] وعن كعب بن عُجْرَة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا كعبُ بنَ عُجْرَة! إنه لا يدخل الجنة لحمٌ ودَمٌ نبتا على سُحتٍ؛ النار أولى به، يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الناس غاديان: فغادٍ في فِكاك نفسِهِ فمعتقُها، وغادٍ موِبقُها، يا كعبُ بنَ عُجْرَة! الصلاةُ قُربان،. . .

(3)

، والصوم جُنّةٌ، والصدقةُ تطفئُ الخطيئة. . .".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

(1)

الأصل: "فموثق"، و"في عتق رقبته" وهو خطأ، والتصحيح من "أبي يعلى" وغيره.

(2)

هذا يشعر بأنَّه لم يروه من هو أعلى طبقة منه، وليس كذلك، فقد أخرجه أحمد أيضاً (3/ 321 و 399)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

(3)

هنا جملة في "صحيح ابن حبان"(261 - موارد) بلفظ: "والصدقة برهان"، ولم ترد في الأصل، ولم أستدركها لأنها منكرة، ولهذا حذفت من آخره جملة:"كما يذهب الجليد على الصفا" مشيراً إلى ذلك بالنقط (. . . .).

ص: 519

868 -

(13)[صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل قال:

كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر. . -فذكر الحديث إلى أن قال فيه:- ثم قال -يعني النبي صلى الله عليه وسلم:

"ألا أدلكَ على أبوابِ الخير؟ ".

قلت: بلى يا رسول الله! قال:

"الصوم جُنة، والصدقة تطفئُ الخطيئةَ كما تطفئُ الماءُ النارَ".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ويأتي بتمامه في "الصمت"[23 - الأدب/ 2].

وهو عند ابن حبان من حديث جابر في حديث يأتي في "كتاب القضاء" إن شاء الله تعالى [20/ 6].

869 -

(14)[صحيح لغيره] وعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه؛ أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ثلاث أُقسم عليهن، وأحدِّثكم حديثاً فاحفظوه، -قال-:

ما نقص مالُ عبدٍ من صدقة، ولا ظُلمَ عبدٌ مظْلمةً صبرِ عليها؛ إلا زاده الله عِزاً، ولا فتح عبدٌ باب مسألةٍ؛ إلا فتحَ الله عليه باب فقرٍ -أو كلمة نحوها-. وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، -قال-:

إنما الدنيا لأربعةِ نَفرٍ: عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحِمَه، ويَعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل.

وعبدٌ رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً فهو صادقُ النية؛ يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلتُ بعملِ فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء.

وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً؛ يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصِلُ فيه رحِمه، ولا يعلم لله فيه حقاً. فهذا بأخبث المنازل.

ص: 520

وعبدٌ لم يرزقْه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ بعملِ فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء".

رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح". [مضى 1 - الإخلاص/ 1].

870 -

(15)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلَ البخيلِ والمتصدِّقِ: كمثَلِ رجلين عليهما جُنتان مِن حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثُدِيِّهما

(1)

وتراقيهما، فجعل المتصدِّق كلما تصدّقَ بصدقةٍ انبسطت عنه، حتى تغشى أناملَه

(2)

، وتعفو أثرَه، وجعل البخيلُ كلما هَمَّ بصدقةٍ قَلَصَت وأخذت كل حَلْقَةٍ بمكانها".

قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول بأصبعيه هكذا في جيبه؛ يوسِعها ولا تَتَوسَّع.

رواه البخاري ومسلم، والنسائي ولفظه:

"مثل المتصدقِ والبخيلِ كمثلِ رجلين عليهما جُبتان أو جُنتان من حديد، من لَدُنْ يَديهما إلى تراقيهما، فإذا أراد المنفِقُ أن يُنفِق اتسعت عليه الدِّرعُ، -أو مرَّت- حتى تُجِنَّ

(3)

بنانَه، وتعفو أثرَه، فإذا أراد البخيل أن يُنفِقَ

(1)

بضم الثاء المثلثة وكسر الدال، كذا في رواية أبي الحسن: جمع (ثَدي)، نحو فلوس وأفلس، فعلى هذا (ثدوي) اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء فصار (ثدي) بضم الدال ثم أبدلت الضمة كسرة لأجل الياء. وفي رواية:

"ثدييهما" بالتثنية.

(2)

أي: تغطي أصابعه. وقوله: "تعفو أثره"، أي: تمحو، و (الأثر) مفتوحة الهمزة والثاء المثلثة أي: تمحو أثر مشيه بسبوغها وكمالها. والله أعلم.

(3)

بضم التاء المثناة من فوق وكسر الجيم وتشديد النون معناه: حتى تستر أصابعه. قال الخطابي رحمه الله تعالى: "هذا مثل ضربه الله تعالى للجواد والبخيل، وشبههما برجلين أراد كل =

ص: 521

قَلَصَت ولَزِمَت كلٌّ حلقةٍ موضعَها، حتى إذا أخذت بَتْرقُوَتِه أو برقبته -يقول أبو هريرة: أشهد أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسع ولا تتسع".

(الجُنَّة) بضم الجيم وتشديد النون: كل ما وقى الإنسان، ويضاف إلى ما يكون منه.

(التراقي) جمع تَرقوة بفتح التاء، وضمُّها لحن: وهو العظم الذي يكون بين ثغرة نحر الإنسان وعاتقه.

و (قَلَصت): بفتح القاف واللام، أي: انجمعت وتشمرت، وهو ضد استرخَتْ وانبسطت.

و (الجيب): هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في الثوب ونحوه.

871 -

(16)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"قال رجل: لأتصدقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يدِ سارقٍ، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على سارقٍ! فقال: اللهم لك الحمدُ على سارقٍ! لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على زانية! قال: اللهم لك الحمد، على زانية! لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّقَ الليلةَ على غني! قال: اللهم لك الحمد على سارق، وزانيةٍ، وغني! فأُتيَ فقيل له:

= واحد منهما أنْ يلبس درعاً يستجن بها، والدرع أول ما يلبس إنما يقع على موضع الصدر والثديين، إلى أنْ يسلك لابسها يديه في كمّيه، ويرسل ذيلها على أسفل بدنه، ويستمر سفلاً، فجعل صلى الله عليه وسلم مثل المنفق مثل مَن لبس درعاً سابغة، فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وحصنته، وجعل البخيل كرجل يداه مغلولتان ما بين دون صدره، فإذا أراد لبس الدرع حالت يداه بينها وبين أنْ تمر سفلاً على البدن، واجتمعت في عنقه، فلزمت ترقوته، فكانت ثقلاً ووبالاً عليه من غير وقاية له، وتحصين لبدنه. والله أعلم".

قلت: وسيعيد المؤلف الحديث بعد ستة أبواب مشروحاً بنحو هذا.

ص: 522

أمَّا صدقتُك على سارقٍ؛ فلعله أن يستعِفَّ عن سرقته، وأما الزانية؛ فلعلها أن تستعِفَّ عن زناها، وأما الغني؛ فلعله أَنْ يعتبرَ فينفقَ مما أعطاه الله".

رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم والنسائي، وقالا فيه:

"فأُتي، فقيل له: أما صدقتك فقد تُقُبَّلت"، ثم ذكر الحديث. [مضى 1 - الإخلاص/ 1].

872 -

(17)[صحيح] وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"كل امرئٍ في ظلٍّ صدقتِه حتى يُقضى بين الناس".

قال يزيد: فكان أبو مَرْثد لا يخطئه يومٌ إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكة أو بصلة.

رواه أحمد، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

[حسن] وفي رواية لابن خزيمة أيضاً: عن يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثد بن أبي عبد الله اليَزَني

(1)

:

أنَّه كان أولَ أهل مصر يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قَطُّ إلا في كُمِّه صدقة، إمَّا فلوس، وإمَّا خبز، وإمَّا قمح. قال: حتى ربما رأيت البصلَ يحمله، قال: فأقول: يا أبا الخير! إنَّ هذا يُنتِنُ ثيابَك. قال: فيقول: يا ابنَ أبي حبيب! أمَا إني لم أجدْ في البيتِ شيئاً أتصدق به غيرَه، إنَّه حدثني رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ظِلُّ المؤمن يومَ القيامة صدقتُهُ".

(1)

بفتح الياء التحتية والزاي بعدها نون.

ص: 523

873 -

(18)[حسن] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الصدقةَ لتطفئ عن أهلها حرَّ القبورِ، وإنما يستظِلُّ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظل صدقته".

رواه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي، وفيهِ ابن لهيعة

(1)

.

874 -

(19)[صحيح]. . . وقد رُوّينا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"إنَّ الله إذا استُودع شيئاً حفظه".

(2)

875 -

(20)[صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:

كان أبو طلحةَ أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخلٍ، وكان أحبَّ أمواله إليه (بِيرَحاء)، وكانت مستقبلةَ المسجدِ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ (بيرَحاء)، وإنَّها صدقةٌ أرجو برَّها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسولَ الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بخٍ ذاك مال رابح، بخٍ ذاك مال رابح".

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصراً.

(بيرحاء) بكسر الباء وفتحها ممدوداً: اسم لحديقة نخل كانت لأبي طلحة رضي الله عنه، وقال بعض مشايخنا:

"صوابه (بَيرحى) بفتح الباء الموحدة والراء مقصوراً، وإنما صحّفه الناس".

(1)

ابن لهيعة معروف بالضعف لسوء حفظه، ولكنه قد تابعه عمرو بن الحارث وغيره، ولذلك خرجته في "الصحيحة" برقم (3484).

(2)

ذكره المؤلف عن البيهقي معلقاً عقب حديث مرسل تراه في الكتاب الآخر في الباب هنا، وقد وصله ابن حبان وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة"(2547).

ص: 524

وقوله: "رابح"؛ روي بالباء الموحدة وبالياء المثناة تحت.

876 -

(21)[صحيح] و [رواه يعني حديث أبي ذر الذي في "الضعيف" هنا] ابن حبان في "صحيحه" أطول منه بنحوه، والحاكم ويأتي لفظه إنْ شاء الله تعالى.

(1)

[حسن صحيح] ورواه

(2)

البيهقي، ولفظه في إحدى رواياته قال:

سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يُنجي العبدَ من النار؟ قال:

"الإيمان بالله".

قلت: يا نبيَّ الله! مع الإيمان عمل؟ قال:

"أنْ ترضخَ مما خوَّلك

(3)

الله، و

(4)

ترضخ مما رزقك الله".

قلت: يا نبيَّ الله! فإن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ؟ قال:

"يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر".

قلت: إنْ كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف، ولا

(5)

ينهى عن المنكر؟ قال:

"فليُعِنِ الأخرق"

(6)

.

قلت: يا رسول الله! أرأيت، إنّ كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: فلْيُعِنْ مظلوماً".

قلت: يا نبيَّ الله! أرأيت إنْ كان ضعيفاً لا يستطيع أنْ يُعين مظلوماً؟ قال: ما تُريد أنْ تَتْركَ لصاحبك من خير؟ ليُمْسكْ أذاه عن الناسِ".

(1)

في (21 - الحدود/ 1 - الترغيب في الأمر بالمعروف).

(2)

الأصل: "وروى"، ولعل الأصوب ما أثبتُّه.

(3)

أي: أعطاك، و (الرضخ): العطية أي: تعطي مما ملكك الله.

(4)

قال الناجي (116/ 2): "كذا وجد بإسقاط الألف بين اللفظتين، (يعني: "خولك" و"ترضخ")، ولا بد منه، فإنَّ الراوي شك هل قال: هذا أو هذا. وهو ظاهر".

(5)

لعل (لا) مقحمة هنا.

(6)

أي: جاهل لم يكن بيده صنعة يكتسب بها.

ص: 525

قلت: يا رسول الله! أرأيت إنْ فعل هذا يُدخِله الجنة؟ قال:

"ما مِن مؤمنٍ يطلبُ خصلةً من هذه الخصال؛ إلاَّ أخذتْ بيده حتى تدخله الجنة".

877 -

(22)[صحيح] وعن الحارث الأشعريّ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ الله أوحى إلى يحيى بنِ زكريا بخمس كلماتٍ أنْ يعملَ بهن، ويأمرَ بني إسرائيل أنْ يعملوا بهن". -فذكر الحديث إلى أن قال فيه-:

"وآمُركم بالصدقة، ومَثَلُ ذلك كمثل رجل أسَرَه العدوُّ، فأوثقوا يدَه إلى عنقه، وقَرِّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أنْ أفديَ نفسي منكم؟ وجعلَ يعطي القليلَ والكثيرَ، حتى فدى نفسه" الحديث.

رواه الترمذي وصححه، وابن خزيمة -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:"صحيح على شرطهما".

وتقدم بتمامه في "الالتفات في الصلاة"[5 - الصلاة/ 36].

878 -

(23)[صحيح] وعن عُمر رضي الله عنه قال:

ذُكِر لي: أن الأعمال تَباهى، فتقول الصدقةُ: أنا أفضلكم.

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال:"صحيح على شرطهما"

(1)

.

879 -

(24)[حسن] وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا، وقد علّق رجل قِنوَ حَشَفٍ

(2)

، فجعل يَطعنُ في ذلك القنو، فقال:

(1)

كذا قال! ووافقه الذهبي (1/ 416)، وفيه تساهل ظاهر، فإنه من رواية سعيد بن المسيب عن عمر، ومع الخلاف المعروف في سماعه من عمر، فإنَّ الشيخين لم يخرِّجا له عنه شيئاً فيما أعلم، لكنهم ذكروا أن مراسيل سعيد صحيحة.

(2)

(القنو): العذق بما فيه من الرطب، وجمعه أقناء.

و (الحشف): أردأ التمر، وهو الذي يجف من غير نضج ولا إدراك. كما في "المصباح".

ص: 526

"لو شاء ربُّ هذه الصدقة تصدق بأطيبَ من هذا، إنَّ ربَّ هذه الصدقة يأكل حَشَفاً يوم القيامة".

رواه النسائي -واللفظ له- وأبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" في حديث.

880 -

(25)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من جمعَ مالاً حراماً ثم تصدق به؛ لم يكن له فيه أجرٌ، وكان إصرهُ

(1)

عليه".

رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم؛ كلهم من رواية دراج عن ابن حُجيرة عنه. [مضى هنا/ 1/ 15].

881 -

(26)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"خير الصدقة ما أبقت غِنىً، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول".

تقول امرأتك: أنفق علي أو طلقني. ويقول مملوكك: أنفق علي أو بعني. ويقول ولدك: إلى من تَكِلُنا؟

رواه ابن خزيمة.

(2)

ولعل قوله: "تقول امرأتك" إلى آخره من كلام أبي هريرة مدرج

(3)

.

(1)

: (الإصر): الذنب والعقوبة.

(2)

قلت: وكذا البخاري (5355)، لكنه زاد:"فقالوا: يا أبا هريرة! سمعتَ هذا مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة". يشير إلى قوله: "تقول امرأتك. .".

(3)

قال الناجي (116/ 2): "هو كذلك عند البخاري مصرح بإدراج آخره". ولكنه ذكر روايات أخرى صريحة في الرفع، فلتراجع أسانيدها فإنَّها لا تخلو من ضعف وشذوذ، ولذلك جزم الحافظ في "الفتح"(9/ 501) بأنَّ الصواب أنَّها مدرجة.

ص: 527

882 -

(27)[صحيح] وعنه؛ أنَّه قال:

يا رسولَ الله! أي الصدقة أفضل؟ قال:

"جُهدُ الُمقِلِّ، وابدأ بمن تعول".

رواه أبو داود وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

883 -

(28)[حسن] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سبَق درهمٌ مئةَ ألفِ درهمٍ".

فقال رجل: وكيف ذاك يا رسولَ الله؟ قال:

"رجلٌ له مال كثيرٌ، أخذ من عُرضِه مئةَ ألفِ درهمٍ تصدَّقَ بها، ورجل ليس له إلا درهمان، فأخذ أحدهما فتصدق به".

رواه النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه" -واللفظ له-، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

قوله: "من عُرضه" بضم العين المهملة وبالضاد المعجمة، أي: من جانبه.

884 -

(29)[صحيح] وعن أم بُجيّد رضي الله عنها؛ أنَّها قالت:

يا رسول الله! إن المسكينَ لَيَقومُ على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إياه.

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن لم تجدي إلا ظِلْفاً محرقاً، فادفعيه إليه في يده".

رواه الترمذي وابن خزيمة، وزاد في رواية:

"لا تردِّي سائلَكِ ولو بِظلْفٍ".

وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:

ص: 528

"حديث حسن صحيح".

(الظِّلف) بكسر الظاء المعجمة: للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس.

885 -

(30)[صحيح موقوف] ورواه [يعني حديث أبي ذر الذي في "الضعيف"] البيهقي عن ابن مسعود موقوفاً

(1)

عليه، ولفظه:

إن راهباً عبدَ اللهَ في صومعَته ستين سنة، فجاءت امرأةٌ فنزِلت إلى جنبه، فنزل إليها، فواقعها ستّ ليالٍ، ثم سُقط في يده، فهرب، فأتى مسجداً، فأوى فيه ثلاثاً؛ لا يَطعم فيه شيئاً، فاُتيَ برغيفٍ، فكسره، فأعطى رجلاً عن يمينه نصفَه، وأعطى آخرَ عن يساره نصفَه، فبَعثَ الله إليه مَلَكَ الموت، فقبض روحَه، فوضعت الستون في كِفّة، ووضعت الستُّ في كفة، فرجحت -يعني الستُّ- ثم وضع الرغيفُ، فرجحَ -يعني رجح [الرغيف] الستّ-.

886 -

(31)[صحيح لغيره] وعن المغيرة بنِ عبد الله الجُعفي قال:

جلسنا إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: خَصَفة [أو]

(2)

ابن خصفة، فجعل ينظر إلى رجل سمين، فقلت: ما تنظر إليه؟ فقال: ذكرت حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:

"هل تدرون ما الشديد؟ ".

قلنا: الرجلُ يَصرعُ الرجلَ. قال:

(1)

قلت: وقد روي مرفوعاً عن أبي ذر، ولا يصح، وهو في هذا الباب من "الضعيف".

(2)

زيادة من "شعب البيهقي"(3/ 210) و"العجالة" و"أسد الغابة" و"الإصابة". ووقع في "المسند"(5/ 368)؛ (ابن حصبة أو أبي حصبة)، وضبطه في "التعجيل" بمهملتين وموحدة، وهو في هذه الرواية تابعي، لأنَّه قال فيها: عن رجل شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال فيه الحسيني: مجهول وأقرَّه الحافظ. يرويه عنه عروة بن عبد الله الجعفي، وهو من ثقات أتباع التابعين.

ص: 529

"إنَّ الشديدَ كلَّ الشديد: الرجل الذي يملك نفسَه عند الغضبِ.

تدرون ما الرَّقوب؟ ".

قلنا: الرجلِ الذي لا يولد له. قال:

"إنَّ الرقوبَ: الرجلُ الذي له الولد، ولم يقدم منهم شيئاً"، ثم قال. . . رواه البيهقي، ويُنظر سنده.

(1)

(قال الحافظ): "ويأتي إن شاء الله تعالى في "كتاب اللباس": "باب في الصدقة على الفقير بما يلبسه" [18/ 8].

(1)

قلت: قد فعلت، فوجدت فيه عللاً، فانظر التعليق عليه في "الضعيف".

ص: 530

‌10 - (التزغيب في صدقة السر).

887 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"سبعةٌ يظلهم الله في ظِلَّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه

(1)

، الإمامُ العادل

(2)

، وشابٌّ نشأ في عبادةِ الله عز وجل، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد

(3)

، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه

(4)

، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله

(5)

، ورجل تَصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلمَ شماله ما تُنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".

رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة هكذا. [مضى 5 - الصلاة/ 10].

وروياه أيضاً ومالك والترمذي عن أبي هريرة أو أبي سعيد على الشك

(6)

.

(1)

إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك، وكل ظل فهو لله وملكه وخلقه وسلطانه، والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبيناً، والمراد باليوم يوم القيامة، إذا قام الناس لرب العالمين، ودنت منهم الشمس، واشتد عليهم حرها، وأخذهم العرق، ولا ظل هناك لشيء، إلا للعرش.

(2)

هو كل من له نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه.

قلت: ولا بد من تقييد ذلك بمن يحكم بالكتاب والسنة، لأنَّه بغير ذلك لا يمكن أنْ يكون عادلاً، فتنبه.

(3)

أي: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها.

(4)

معناها: اجتمعا على حب الله، وافترقا على حب الله، أي: كان سبب اجتماعهما حب الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما، وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما.

(5)

يحتمل أن يكون قال ذلك باللسان، ويحتمل بالقلب ليزجر نفسه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها، وعسر حصولها.

قلت: والظاهر أنّه قال ذلك بقلبه ولسانه.

(6)

كذا قال، وقد تعقبه الناجي (117/ 2 - 118/ 1) بما خلاصته:"ينبغي أنْ يقال في تخريجه: رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وحده، ورواه مالك في "الموطأ" عن أبي هريرة أو أبي سعيد على الشك. ومن طريقه رواه أيضاً مسلم والترمذي".

ص: 531

888 -

(2)[حسن لغيره] وعن معاوية بن حَيْدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ صدقةَ السر تُطفئ غضبَ الربِّ تبارك وتعالى".

رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه صدقة بن عبد الله السمين، ولا بأس به في الشواهد.

889 -

(3)[حسن لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تُطفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرَّحِم تزيد في العمر".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.

890 -

(4)[حسن لغيره] ورُوي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صنائع المعروف تقي مصارعَ السوء، والصدقةُ خَفِيّاً تُطْفئ غضبَ الربِّ، وصِلَةُ الرحم تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة. . . "

(1)

رواه الطبراني في "الأوسط".

(1)

انظر الكتاب الآخر، الحديث الثاني في الباب.

ص: 532

‌11 - (الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم).

891 -

(1)[صحيح] عن زينب الثقفيَّةِ امرأةِ عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه سلم -:

"تَصدَّقْنَ يا معشر النساء! ولو من حُلِيِّكُنَّ".

قالت: فرجعتُ إلى عبد الله بن مسعود فقلت: إنَّك رجل خفيف ذات اليد، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فائته فَسَلْهُ، فإنْ كان ذلك يُجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم. فقال عبد الله: بل ائتِه أنتِ، فانطلَقْتُ، فإذا امرأةٌ من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاجتها حاجتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُلقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنَّ امرأتين في الباب، يسأْلانكَ: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فسأله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هما؟ "، فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الزيانب؟ ".

قال: امرأةُ عبد الله بن مسعود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لهما أجر القرابة، وأجر الصدقة".

رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.

892 -

(2)[حسن صحيح] وعن سلمانَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"الصدقةُ على المسكينَ صدقةٌ، وعلى ذي الرحِم اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ".

رواه النسائي، والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال:

"صحيح الإسناد".

ص: 533

ولفظ ابن خزيمة: قال:

"الصدقةُ على المسكين صدقةٌ، وعلى القريب صدقتان: صدقةٌ وصلة".

893 -

(3)[صحيح لغيره] وعن حكيم بن حِزام رضي الله عنه:

أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصدقات أيها أفضل؟ قال:

"على ذي الرحِم الكاشِح".

رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن.

(الكاشح) بالشين المعجمة: هو الذي يضمر عداوته في كشحه، وهو خصره، يعني:

أنَّ أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه.

894 -

(4)[صحيح] وعن أم كلثوم بنتِ عُقْبَةَ رضي الله عنها؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِم الكاشح".

رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال الصحيح، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

ص: 534

‌12 - (الترهيب من أنْ يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون).

895 -

(1)[حسن] وعن بَهْزِ بنِ حكيم عن أبيه عن جده قال:

قلت: يا رسول الله! من أبَرُّ؟ قال:

"أمَّكَ، ثم أمَّكَ، ثم أمَّكَ، ثم أباك، ثم الأقربَ فالأقربَ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يسأل رجلٌ مولاه من فضلٍ هو عنده فيمنعَهُ إياه، إلا دُعي له يومَ القيامة فضلُه الذي منعه شجاعاً أقرعَ".

رواه أبو داود -واللفظ له- النسائي والترمذي وقال:

"حديث حسن".

قال أبو داود:

" (الأقرع): الذي ذهب شعر رأسه من السُّم".

(1)

896 -

(2)[حسن صحيح] وعن جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما مِن ذي رَحِمٍ يأتي ذا رَحِمِهِ، فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه، فيبخل عليه؛ إلا أخرج اللهُ له من جهنم حَيةً يقال لها: (شجاعٌ) يَتَلَمَّظُ، فَيُطَوَّقُ به".

رواه الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" بإسناد جيد.

(التلمظ): تطَعَّم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.

(1)

قلت: هذا هو الصواب في تفسير (الأقرع)، خلافاً لما قاله المصنف فيما سبق (2 - باب/ 2 - حديث). وذكرنا استنكار الناجي إياه، فراجعه.

ص: 535

897 -

(3)[حسن لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أيُّما رجلٍ أتاه ابن عمه يسأله من فضله، فمنعه؛ منعه الله فضلَه يوم القيامة" الحديث.

(1)

رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط"، وهو غريب.

(1)

قلت: وتمامه: "ومن منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ؛ منعه الله فضله يوم القيامة".

وهذا القدر أخرجه أحمد أيضاً، وهو مخرَّج في "الروض النضير"(581).

ص: 536

‌13 - (الترغيب في القرض وما جاء في فضله).

898 -

(1)[صحيح] عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من مَنح مَنيحةَ لَبَنٍ أو ورِقٍ، أو هَدَّى

(1)

زُقاقاً؛ كان له مثلُ عِتقِ رَقَبَة".

رواه أحمد والترمذي -واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: "منح منيحة ورِق" إنما يعني به قرض الدرهم، وقوله: "أو هدى زقاقاً"، إنما يعني به هداية الطريق، وهو إرشاد السبيل" انتهى.

(2)

899 -

(2)[حسن لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"كلُّ قرض صدقة".

رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي.

900 -

(3)[حسن] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"دخل رجل الجنة، فرأى مكتوباً على بابها: الصدقةُ بعشرِ أمثالها، والقرضُ بثمانية عشر".

رواه الطبراني والبيهقي؛ كلاهما من رواية عتبة بن حميد.

(3)

(1)

بتشديد الدال، ومنه قول الله تعالى:{أَمَّنْ لَا يَهِدِّي} على قراءة التشديد.

(2)

قلت: تفسير الترمذي هذا قد روي نحوه مرفوعاً. أخرجه أحمد (1/ 463) بسند فيه ضعف.

(3)

قلت: هو وسط، قال أبو حاتم:"صالح الحديث". وقال الحافظ. "صدوق له أوهام".

ص: 537

901 -

(4)[صحيح لغيره] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ما من مسلم يُقرضُ مسلماً قرضاً مرتين؛ إلا كان كصدقتها مرة".

(1)

رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً.

902 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من يسَّر على مُعسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة".

رواه ابن حبان في "صحيحه"، ورواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه في حديث يأتي إنْ شاء الله تعالى [في الباب التالي].

(1)

الأصل في الموضع الأول: "مرة"، وفي الموضع الآخر:"مرتين"، والصواب ما أثبتناه، وهو المطابق لنسخة أخرى للكتاب.

ص: 538

‌14 - (الترغيب في التيسير على المعسر، وإنظاره والوضع عنه).

903 -

(1)[صحيح] عن أبي قتادة رضي الله عنه:

أنَّه طلب غريماً له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إنِّي معسر. قال: آللهِ

(1)

؟ قال: الله

(2)

، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من سره أنْ يُنجِيَهُ اللهُ مِن كُرَب يومِ القيامة؛ فَليُنَفِّسْ عن مُعسرٍ، أو يَضَعْ عنه".

رواه مسلم وغيره.

ورواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد صحيح، وقال فيه:

"من سرَّه أن يُنجيَهُ اللهُ من كُرَبِ يومِ القيامةِ، وأن يُظِلَّه تحتَ عَرشِه؛ فليُنْظِرْ مُعسراً".

904 -

(2)[صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تَلَقَّتِ الملائكةُ رُوحَ رجلٍ ممن كان قبلكم، فقالوا: عَمِلْتَ من الخير شيئاً؟ قال: لا، قالوا: تذكَّرْ، قال: كنت أُداين الناسَ فآمر فتياني أنْ يُنظِروا المعسرَ، ويتجوَّزوا عن الموسرِ، قال الله: تجاوزوا عنه".

رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.

وفي رواية لمسلم وابن ماجه عن حذيفة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"أنَّ رجلاً ماتَ فدخلَ الجنةَ، فقيل له: ما كنتَ تعملُ؟ قال: فإمَّا ذَكَر

(1)

الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام، أي: بالله، والثاني بلا مد، والهاء منهما مكسورة.

(2)

الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام، أي: بالله، والثاني بلا مد، والهاء منهما مكسورة.

ص: 539

وإمَّا ذُكِّر، فقال: كنتُ أبايعُ الناسَ، فكنت أُنظِر المعسرَ، وأتجوَّز في السَّكَّةِ، أو في النقدِ، فَغُفِرَ له".

وفي رواية للبخاري ومسلم عنه أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنَّ رجلاً ممن كان قبلكم أتاه الملَكُ لِيَقْبضَ رُوحه، فقال: هل عملتَ من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئاً، غير أنِّي كنت أبايع الناس في الدنيا، فأُنظر الموسرَ، وأتجاوز عن المعسر، فأدخلَه اللهُ الجنةَ".

فقال أبو مسعود: وأنا سمعته يقول ذلك.

[صحيح] وعنه قال:

"أُتِيَ اللهُ بعبدٍ من عبادِه آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا عملتَ في الدنيا - قال: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} - قال: يا رب! آتيتني مالاً، فكنتُ أبايعُ الناسَ، وكان من خُلُقي الجَوازُ، فكنت أيَسِّرُ على الموسِرِ، وأُنظِر المُعسرَ. فقال الله تعالى: أنا أحق بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي".

فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاري

(1)

: هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه مسلم هكذا موقوفاً على حذيفة، ومرفوعاً عن عقبة وأبي مسعود.

905 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"كان رجلٌ يُدايِنُ الناسَ، وكان يقول لفتاه: إذا أتَيْتَ معسراً فتجاوزْ

(1)

كذا وقع في "مسلم": (عقبة بن عامر) و (أبو مسعود. .)، وهو وهم من بعض رواته لم يتنبه له المؤلف هنا ولا في "16 - البيوع/ 7"، لكن نبَّه على ذلك الحفاظ كالدارقطني وغيره، والصواب: عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري، ليس لعقبة بن عامر فيه ذكر. راجع له "شرح مسلم" للنووي، و"تحفة الأشراف"(3/ 25 - 26) للمزي، ولولا ذلك لأعطيته رقماً خاصاً من أجل ابن عامر. فتنبه. وغفل عن هذا المعلقون الثلاثة كدأبهم!

ص: 540

عنه، لعل الله عز وجل يتجاوزُ عنا، فلقيَ اللهَ، فتجاوزَ عنه".

رواه البخاري ومسلم والنسائي، ولفظه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يُداينُ الناسَ، فيقولُ لرسولِه: خذ ما تيسر، واترك ما عَسُر، وتجاوزْ، لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله له: هل عملتَ خيراً قط؟ قال: لا، إلا أنَّه كان لي غلام، وكنت أداين الناسَ، فإذا بعثتُه يتقاضى قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عَسُر، وتجاوزْ، لعل الله يتجاوز عنا. قال الله تعالى: قد تجاوزتُ عنك".

906 -

(4)[صحيح] وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"حوسِبَ رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنَّه كان يخالطُ الناسَ، وكان موسراً، وكان يأمر غِلمانه أنْ يتجاوزوا عن المعسر، قال الله تعالى: نحن أحق بذلك، تجاوزوا عنه".

رواه مسلم والترمذي.

907 -

(5)[صحيح] وعن بُرَيدةَ رضي الله عنه قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من أَنْظَرَ معسراً؛ فله كلَّ يومٍ مثلَه صدقةٌ".

ثم سمعته يقول:

"من أنظر معسراً؛ فله كل يوم مثليه صدقة".

فقلت: يا رسول الله! سمعتك تقول:

"من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدق"،

ثم سمعتك تقول:

"من أنظر معسراً؛ فله كل يوم مثليه صدقة". قال له:

ص: 541

"كل يوم مثله صدقة قبل أنْ يحل الدَّين، فإذا حل فَأنْظَرَهُ، فله كل يوم مثليه صدقة".

رواه الحاكم، ورواته محتج بهم في "الصحيح"، ورواه أحمد أيضاً وابن ماجه والحاكم مختصراً:

"من أنظر معسراً؛ فله كل يوم صدقة قبل أنْ يحل الدين، فإذا حَلَّ الدَّين فَأَنْظَرَهُ بعد ذلك؛ فله كل يوم مثليه صدقة".

وقال الحاكم:

"صحيح على شرطهما".

908 -

(6)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من نفَّس عن مسلم كُربة من كُرَبِ الدنيا؛ نَفسَّ الله عنه كُربة من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِرٍ في الدنيا؛ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدنيا؛ ستر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه مختصراً، والحاكم وقال:

"صحيح على شرطهما". [مضى 3 - العلم/ 1].

909 -

(7)[صحيح] وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من أنظر مُعسِراً أو وضع له؛ أظلَّه اللهُ يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله".

رواه الترمذي وقال:

"حديث حسن صحيح".

ومعنى (وضع له) أي: ترك له شيئاً مما له عليه.

ص: 542

910 -

(8)[صحيح] وعن أبي اليَسَرِ رضي الله عنه قال:

أبصرَت عيناي هاتان -ووضع إصبعيه على عينيه-، وسمعتْ أذناي هاتان -ووضع إصبعيه في أذنيه- ووعاه قلبي هذا -وأشار إلى نياط

(1)

قلبه- رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من أنظر معسراً، أو وضع له؛ أظله الله في ظله".

رواه ابن ماجه والحاكم -واللفظ له- وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

(2)

911 -

(9)[صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من نفَّس عن غريمه، أو محا عنه؛ كان في ظل العرش يوم القيامة".

رواه البغوي في "شرح السنة"، وقال:

"هذا حديث حسن".

(3)

وتقدم في أول الباب بنحوه.

(1)

بكسر النون: عِرْق متصل بالقلب من الوتين، إذا قطع مات صاحبه.

(2)

قلت: قد أخرجه مسلم في آخر "صحيحه"(8/ 231 - 232). ثم هو عند ابن ماجه مختصر، فلا وجه لاستدراك الحاكم له على مسلم، ولا لإقرار المؤلف إياه وإنْ تبعه الذهبي!

(3)

قلت: لقد أبعد المصنف النجعة، فالحديث رواه الدارمي (2/ 261)، وأحمد (5/ 300 و 308) بإسناد صحيح. وهو في "شرح السنة"(8/ 199/ 2143) من طريق الدارمي. فكان عزوه إليه أولى. ولم يتنبه لهذا المعلق على "شرح السنة"، وتجاهله المعلقون الثلاثة! وزادوا -ضغثاً على إبالة- فقلدوا -جهلاً منهم- التحسين دون التصحيح المصرح به في الطبعة السابقة!! ومنها نقلوا عزوه للدارمي وأحمد!! دون أن ينسبوه لصاحبه! وراجع المقدمة إن شئت! لترى العجب العجاب من السرقات!

ص: 543

912 -

(10)[صحيح لغيره] وروي عن أسعدَ بنِ زُرارة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من سره أنْ يُظِلَّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فلُيُيَسِّر على معسر، أو ليَضَعْ عنه".

رواه الطبراني في "الكبير"، وله شواهد.

913 -

(11)[صحيح لغيره] وروي عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من أنظرَ معسراً، أوْ تصدق عليه؛ أظله اللهُ في ظلِّه يومَ القيامةِ".

رواه الطبراني في "الأوسط".

ص: 544

‌15 - (الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرماً، والترهيب من الإمساك والادخار شحاً).

914 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما من يوم يُصبحُ العبادُ فيه إلاّ ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلَفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً".

(1)

رواه البخاري ومسلم.

[صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

"إن مَلَكاً ببابٍ من أبوابِ الجنةِ يقول: من يُقْرِضِ اليومَ يُجْزَ غداً، ومَلَكٌ بباب آخر يقول: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تَلَفاً".

(2)

915 -

(2)[صحيح] وعنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"قال الله تعالى: يا عبدي أنَفِقْ أُنفِقْ عليك. و-قال:- يد الله

(3)

ملأى

(1)

قال النووي في شرح مسلم: "قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق، وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك، بحيث لا يذم، ولا يسمى سرفاً، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا".

(2)

هنا في الأصل ما نصه: "ورواه الطبراني مثل ابن حبان؛ إلا أنه قال: (بباب من أبواب السماء) "، فحذفته لأنه عند الطبراني في "الأوسط"(8/ 380/ 8935) عن شيخه (مقدام)، وهو ابن داود الرعيني، قال النسائي:"ليس بثقة". ولفظ ابن حبان مخرج في "الصحيحة"(920).

(3)

كذا وقع في رواية للبخاري، والسياق له في "التفسير"، ولفظ مسلم في روايتيه (3/ 77):"يمين الله"، وهو رواية للبخاري في "التوحيد"، وكذلك رواه الترمذي برقم (3048)، وابن ماجه (1/ 87)، وأحمد (2/ 242 و 317 و 500)، ويؤيدها الزيادة التي ألحقتها بالحديث، كما يأتي، وهي لمسلم والآخرين، ورواية للبخاري، وقال الحافظ عقبها:"ويتعقب بها على من فسر اليد هنا بالنعمة. وأبعد منه من فسرها بالخزائن، وقال: أطلق اليد على الخزائن لتصرفها فيها".

ثم إنَّه ليس عند الشيخين: "يا عبدي"، والظاهر أنَّ المؤلف رواه بالمعنى، فإنَّه عند مسلم بلفظ:"يا ابن آدم"، وهو رواية للبخاري (9/ 411)، وأحمد (2/ 242)، وفي أخرى له (2/ 314)، ومسلم أيضاً:"إنَّ الله قال لي".

ص: 545

لا يَغيضُها نفقة، سَحّاءُ

(1)

الليلَ والنهارَ، أرأيتم ما أنفقَ منذ خَلَقَ السماواتِ والأرض؛ فإنَّه لم يَغِضْ ما بيده، وكان عرشه على الماء، وبيده [الأخرى] الميزان، يَخفِض ويَرفَع".

رواه البخاري ومسلم.

(لا يغيضها) بفتح أوله؛ أي: لا ينقصها.

916 -

(3)[صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يا ابن آدم إنَّك أن تَبذُلَ الفضلَ خيرٌ لك، وأن تُمسكه شرٌّ لك، ولا تلامُ على كفافٍ، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى".

رواه مسلم والترمذي. [مضى هنا 4 - باب/ 39 - رقم (40)].

(الكفاف) بفتح الكاف: ما كفَّ عن الحاجة إلى الناس مع القناعة، لا تزيد على قدر الحاجة.

و (الفضل): ما زاد على قدر الحاجة.

917 -

(4)[صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما طلعت شمسٌ قط إلا وبجَنْبَتَيهَا مَلكَان يناديان: اللهم مَن أنفق فَأَعْقِبه خلفاً، ومن أمسك فأَعْقِبه تلفاً".

رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم بنحوه، وقال:

(1)

قال النووي: "ضبطوا (سحاء) بوجهين: أحدهما (سحاً) بالتنوين على المصدر، وهذا هو الأشهر. والثاني: حكاه القاضي: (سحاء) بالمد على الوصف، ووزنه فعلاء، و (السح): الصبُّ الدائم.

قلت: وهذا مما يؤمن به على حقيقته اللائقة به تعالى، ولا يبحث في كيفيته كسائر صفاته عز وجل.

ص: 546

"صحيح الإسناد".

[حسن] والبيهقي من طريق الحاكم، ولفظه -في إحدى رواياته-:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما مِن يومٍ طلعت شمسُه إلا وكان بجَنْبَتَيْها مَلَكان يناديان نداءً يسمعه ما خلق الله كلُّهم غيرُ الثقلين: "يا أيها الناس هَلُمُّوا إلى ربكم؛ فإنَّ ما قَلَّ وكفى، خيرٌ مما كثُرَ وألهى". ولا آبت الشمسُ إلا وكان بجنْبَتَيها مَلَكان يناديان نداءً يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين:"اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعطِ ممسكاً تلَفاً"، وأنزل الله في ذلك قرآناً في قول المَلَكين:"يا أيها الناس هلموا إلى ربكم" في سورة {يونس} : {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، وأنزل في قولهما:"اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، وأعطِ ممسكاً تلفاً: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} -إلى قوله: {لِلْعُسْرَى} ".

918 -

(5)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"مثلُ البخيلِ والمنفقِ كمثلِ رجلين عليهما جُنَّتان مِن حديد، مِن ثُدِيِّهما إلى تراقيهما، فأما المُنفقُ فلا يُنفقُ؛ إلا سَبَقَتْ أو وَفَرَتْ على جلده حتى تُخفِيَ بنانَه، وتعفُوَ أثَرَه، وأما البخيلُ فلا يريدُ أنْ يُنفقَ شيئاً؛ إلا لزمت كلُّ حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع".

رواه البخاري ومسلم. [مضى 9 - باب/ رقم (15)].

(الجُنة) بضم الجيم: ما أجن المرء وستره، والمراد به ها هنا الدرع.

ومعنى الحديث: أن المنفق كلما أنفق طالت عليه وسبغت، حتى تستر بنان رجليه ويديه، والبخيل كلما أراد أنْ ينفق لزمت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع، شبه

ص: 547

- صلى الله عليه وسلم نِعَمَ الله تعالى ورزقه بالجُنة -وفي رواية (بالجبة) - فالمنفق كلما أنفق اتسعت عليه النعم، وسبغت ووفرت، حتى تستره ستراً كاملاً شاملاً، والبخيل كلما أراد أن ينفق منعه الشح والحرص، وخوف النقص، فهو يمنعه، يطلب أنْ يزيد ما عنده وأنْ تتسع عليه النعم فلا تتسع، ولا تستر منه ما يروم ستره. والله سبحانه وتعالى أعلم.

919 -

(6)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الأخلاّءُ ثلاثةٌ: فأمَّا خليلٌ فيقول: أنا معك [حتى تأتيَ باب الملكِ، ثم أرجعُ وأتركُك، فذلك أهلُك وعشيرتُك، يشيّعونَك]

(1)

حتى تأتيَ قَبرَك، [ثم يرجعون فيتركونك]

(2)

، وأمًا خليلٌ فيقول: لكَ ما أُعطيتَ، وما أمسكتَ فليس لك، فذلك مالُك، وأمَّا خليلٌ فيقول: أنا معك حيث دخلْتَ، وحيث خرجْتَ، فذلك عمله، فيقول: والله لقد كنتَ من أهون الثلاثة عليَّ".

رواه الحاكم، وقال:

"صحيح على شرطهما، ولا علة له".

920 -

(7)[صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أيكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من مالِه؟ ".

قالوا: يا رسول الله! ما منّا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه من مال وارثه. قال:

"فإنَّ مالَه ما قدم، ومال وارثه ما أخر".

رواه البخاري والنسائي.

921 -

(8)[صحيح لغيره] وعنه قال:

دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلالٍ وعنده صُبْرةٌ من تمر، فقال:

(1)

سقطتا من الأصل، واستدركتها من "المستدرك"(1/ 74). ثم إنَّ هذه الفقرة هي الثانية في سياقه، والثانية هنا، هي الأولى عنده. وكذلك الأمر في "المجمع" من رواية البزار و"الأوسط".

ولم يستدرك هذا السقط المحققون الثلاثة كعادتهم!

(2)

سقطتا من الأصل، واستدركتها من "المستدرك"(1/ 74). ثم إنَّ هذه الفقرة هي الثانية في سياقه، والثانية هنا، هي الأولى عنده. وكذلك الأمر في "المجمع" من رواية البزار و"الأوسط".

ولم يستدرك هذا السقط المحققون الثلاثة كعادتهم!

ص: 548

"ما هذا يا بلالُ؟ ".

قال: أُعِدَّ ذلك لأضيافك. قال:

"أمَا تخشى أنْ يكون لك دخان في نار جهنم؟! أنفق بلالُ! ولا تخش من ذي العرش إقلالا".

رواه البزار بإسناد حسن، والطبراني في "الكبير" وقال:

"أمَا تخشى أنْ يفور له بخار في نار جهنم؟! ".

922 -

(9)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد بلالاً فأخرج له صُبَراً من تمر، فقال:

"ما هذا يا بلال؟ ".

قال: ادَّخرتُه لك يا رسول الله! قال:

"أمَا تخشى أنْ يُجعل لك بخارٌ في نار جهنم؟! أنفق يا بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا".

رواه أبو يعلى، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد حسن.

923 -

(10)[صحيح] وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا تُوكي فيوكى عليكِ". وفي رواية:

"أنفقي أو انفَحي أو انضَحي، ولا تُحصي فيحصي الله عليكِ، ولا تُوعي فيُوعي اللهُ عليك".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

(انْفحي) بالحاء المهملة، و (انضحي) و (أنفقي) الثلاثة بمعنى واحد.

وقوله: (لا توكي)؛ قال الخطابي:

ص: 549

"لا تدخري، و (الإيكاء): شد رأس الوعاء بـ (الوكاء)، وهو الرباط الذي يربط به، يقول: لا تمنعي ما في يدك، فتقطع مادة بركة الرزق عنك" انتهى.

(1)

924 -

(11)[صحيح] وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا حسدَ إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالاً؛ فسلَّطَه على هَلَكَتِه في الحق، ورجلٌ آتاه الله حكمةً؛ فهو يقضي بها وُيعلِّمها". [مضى 3 - العلم/ 1]. وفي رواية:

"لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن؛ فهو يقُومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهار، ورجلٌ آتاه الله مالا؛ فهو يُنفقه آناءَ الليل وآناءَ النهار".

رواه البخاري ومسلم.

والمراد بـ (الحسد) هنا: الغبطة، وهو تمني مثل ما للمغْتبَط، وهذا لا بأس به، وله نيته، فإنْ تمنى زوالها عنه فذلك حرام، وهو الحسد المذموم.

925 -

(12)[حسن صحيح] وعن طلحة بن يحيى عن جَدته سُعْدى

(2)

قالت:

دخلتُ يوماً على طلحة

(3)

-تعني ابن عبيد الله-، فرأيت منه ثِقلاً، فقلت له: ما لك؟! لعلك رَابَكَ منا شيء فَنُعْتِبَكَ؟

(4)

قال: لا، ولَنِعمَ حَليلةُ المرءِ المسلمِ أنتِ، ولكنْ اجتمع عندي مالٌ، ولا أدري كيف أصنع به؟ قالت: وما يَغُمُّكَ منه؟ ادع قومَكَ، فاقسمه بينهم. فقال: يا غلام! عليَّ بقومي. فسألتُ الخازنَ: كم قَسمَ؟ قال: أربعمئة ألف.

رواه الطبراني بإسناد حسن.

(1)

يعني كلام الخطابي، وهو في "المعالم"(2/ 263).

(2)

وهي امرأة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، كما في الخبر نفسه عند الطبراني، اختصره المؤلف رحمه الله.

(3)

كذا الأصل، وفي "الطبراني":"دخل عليّ يوماً طلحة". وكذا في "الحلية".

(4)

أي: نعطيك (العتبى)، وهو الرجوع عن الإساءة إلى ما يرضي القلب.

ص: 550

926 -

(13)[حسن موقوف]: وعن مالك الدار:

أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعَمئة دينار، فجعلها في صُرةٍ، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدةَ بن الجراحِ، ثم تَلَهَّ في البيتِ ساعةً؛ تنظر ما يصنع؟

فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتِك. فقال: وصَلَهُ الله ورحمَهُ، ثم قال: تعالي يا جارية! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، ورجعَ الغلامُ إلى عمَر، فأخبره، فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل، وتَلَهَّ في البيت [ساعةً] حتى تنظر ما يصنع؟

فذهب بها إليه، فقال: يقولُ لك أميرُ المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال رحمه الله ووصله، تعالي يا جارية! اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأةُ معاذ وقالت: نحن والله مساكينُ؛ فأعطنا، فلم يبقَ في الخرقةِ إلا ديناران، فدحى بهما إليها، ورجع الغلامُ إلى عمرَ فأخبره، فسُرَّ بذلك، فقال: إنهم إخوة، بعضهم من بعض.

رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه.

(1)

(1)

وكذا قال الهيثمي! وهو من غرائبهما، وبخاصة الهيثمي الذي له عناية خاصة بكتاب "الثقات" لابن حبان، حيث رتبه على الحروف، وهو كثير الاعتماد عليه، وقد أورده في طبقة التابعين من "الثقات"(5/ 384)، فقال:

"مالك بن عياض الدار. يروي عن عمر بن الخطاب، روى عنه أبو صالح السمان". وكذا في "تاريخ البخاري"(4/ 304/1 - 305)، و"الجرح"، وقرن مع عمر (أبا بكر الصديق)، وكذا في =

ص: 551

(تَلَهَّ): هو بفتح التاء المثناة فوق، واللام أيضاً، وتشديد الهاء؛ أي: تشاغل.

و (دحى بهما) بالحاء المهملة؛ أي: رمى بهما.

927 -

(14) وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:

كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعةُ دنانير وضعها عند عائشة، فلما كان عند مرضه قال:

"يا عائشة! ابعثي بالذهب إلى علي".

ثم أغميَ عليه، وشَغَلَ عائشةَ ما به، حتى قال ذلك مراراً، كلُّ ذلك يُغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَيشغَلُ عائشةَ ما به، فبعث إلى علي، فتصدق بها، وأمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين في جديد

(1)

الموت، فأرسلت عائشة بمصباح لها إلى امرأة من نسائها، فقالت: أهدي

(2)

لنا في مصباحنا من عُكَّتِك السمنَ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في جديد الموت.

رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات محتج بهم في "الصحيح".

928 -

(15)[صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث عائشة بمعناه.

(3)

= "طبقات ابن سعد"(5/ 12) وقال:

"روى عنه أبو صالح السمان، وكان معروفاً". وقد روى عنه ثقة آخر، وهو (عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع)، وهو الراوي لهذه القصة عنه. أخرجها ابن المبارك في "الزهد"(178/ 511)، وعنه عبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد"(ص 274)، وكذا الطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 33/ 46)، وعنه أبو نعيم في "الحلية"(1/ 237)، وقيل إنه روى عنه آخران، وفيه نظر ذكرته في "تيسير الانتفاع".

(1)

بالجيم؛ أي: أوله، ولم يعرفه المعلق على الأصل، فحرفه إلى "حديد" بالحاء المهملة، وهو الخطأ، انظر الرد عليه في "الصحيحة"(2653).

(2)

كذا وقع هنا و"كبير الطبراني" و"المجمع" أيضاً، وفي "طبقات ابن سعد"(اقطري)، ولعله الصواب.

(3)

قلت: لكن ليست فيه قصة الموت والمصباح، وهو مخرج في المصدر السابق.

ص: 552

929 -

(16)[صحيح] وعن عبد الله بن الصامت قال:

كنتُ مع أبي ذر رضي الله عنه، فخرج عطاؤه، ومعه جاريةٌ له، قال: فجعلتْ تقضي حوائجَه، ففضل معها سبعةٌ، فأمرها أنْ تشتري به فلوساً. قال: قلت: لو أَخّرتَه للحاجهْ تَنُويُك، أو للضيف ينزل بك؟ قال: إنَّ خليلي عَهِد إلي:

"أيما ذهبٍ أو فضةٍ أُوكِئَ عليه، فهو جمرٌ على صاحبه حتى يُفرِغَه في سبيل الله عز وجل".

رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح".

ورواه أحمد أيضاً، والطبراني باختصار القصة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من أوكى على ذهبٍ أو فضةٍ، ولم يُنفِقْه في سبيلِ الله؛ كان جَمراً يومَ القيامةِ يُكْوى به".

هذا لفظ الطبراني. ورجاله أيضاً رجال "الصحيح".

930 -

(17)[صحيح] وعن أنس قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدَّخِر شيئاً لغدٍ.

رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلاهما من رواية جعفر بن سليمان الضُّبَعي عن ثابت عنه.

(1)

(1)

لقد أبعد المصنف النجعة، فالحديث عند الترمذي -كما نبه الناجي-، وهو في "سننه"(3/ 272)، وفي "الشمائل" أيضاً (2/ 213) من هذا الوجه، وسنده صحيح، والضبعي ثقة لا عيب فيه، إلا أنَّه كان يتشيع.

ص: 553

931 -

(18)[صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما أُحب أنَّ لي أُحداً ذهباً، أبقى صبحَ ثالثةٍ وعندي منه شيءٌ، إلا شيءٌ أُعِدُّه لِدَيْن".

رواه البزار من رواية عطية عن أبي سعيد، وهو إسناد حسن، وله شواهد كثيرة.

932 -

(19)[حسن صحيح] وعن [عباس بن] عبيد

(1)

الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي أبو ذر:

يا ابنَ أخي! كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بيده، فقال لي:

"يا أبا ذرٍ ما أُحبُّ أنَّ لي أُحُداً ذهباً وفضةً، أُنفِقُه في سبيل الله، أموتُ يومَ أموتُ أدعُ منه قِيراطاً".

قلت: يا رسول اللهِ قنطاراً؟ قال:

"يا أبا ذر! أذهبُ إلى الأقلِّ، وتذهبُ إلى الأكثرِ! أريدُ الآخرة، وتُريدُ الدنيا؟! قيراطاً؟! ". فأعادها عليَّ ثلاث مرات.

رواه البزار بإسناد حسن.

933 -

(20)[حسن صحيح] وعنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم التفتَ إلى أُحدٍ فقال:

"والذي نفسي بيده ما يسرني أنَّ أُحداً تحوَّلَ لآلِ محمدٍ ذهباً أُنفِقُه في سبيل اللهِ، أموتُ يومَ أموت أدَعُ منه دينارين، إلا دينارين أُعِدُّهما للدَّين إنْ كان".

رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد جيد قوي.

(1)

الأصل "عبد"، والمخطوطة، وهو خطأ لم يتنبه له المعلقون الثلاثة! والتصحيح من "كشف الأستار" و"مجمع الزوائد" و"مختصر الزوائد" و"البحر الزخار"(9/ 342/ 3899). والزيادة من كتب الرجال. وقد خرجته في "الصحيحة"(3491).

ص: 554

934 -

(21)[صحيح] وعن قيس بن أبي حازم قال:

دخلتُ على سعد بن مسعود نعوده، فقال:

"ما أدري ما يقولون؟ ولكنْ ليت ما في تابوتي هذا جمر! ".

فلما مات نظروا، فإذا فيه ألف أو ألفان.

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.

935 -

(22)[صحيح لغيره] وعن أبي أمامة رضي الله عنه:

أن رجلاً تُوُفيّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُوجد له كفن، فأُتِي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: انظروا إلى داخِلَةِ إزاره، فأُصيب دينارٌ أو ديناران، فقال:"كَيَّتان".

وفي رواية:

توفي رجلٌ من أهل الصُّفَّة، فوُجِدَ في مئزره دينارٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كية".

ثم توفي آخر، فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كيتان".

رواه أحمد والطبراني من طرق، ورواة بعضها ثقات أثبات؛ غير شهر بن حوشب.

936 -

(23)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

توفي رجل من أهل الصُّفَّة، فوجدوا في شَملته دينارين، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

"كيَّتان".

رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه".

ص: 555

(قال الحافظ): "وإنما كان كذلك لأنَّه ادخر مع تلبسه بالفقر ظاهراً، ومشاركته الفقراء فيما يأتيهم من الصدقة. والله أعلم".

937 -

(24)[صحيح] وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:

كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأُتيَ بجنازة، ثم أُتيَ بأُخرى، فقال:

"هل ترك من دَين؟ ".

قالوا: لا. قال:

"فهل ترك شيئاً؟ ".

قالوا: نعم، ثلاثة دنانير، فقال بإصبعه:

"ثلاث كيات" الحديث.

رواه أحمد بإسناد جيد واللفظ له

(1)

، والبخاري بنحوه، وابن حبان في "صحيحه".

(1)

قلت: وهو من ثلاثياته، كما هو من ثلاثيات البخاري، لكنْ ليس عنده (4/ 368 - 369) قوله:"ثلاث كيات". وهو مخرَّج في "أحكام الجنائز"(صفحة 110 - 111/ المعارف).

ص: 556

‌16 - (ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذِن، وترهيبها منها ما لم يأذَن).

938 -

(1)[صحيح] عن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا أنفقت المرأةُ من طعام بيتها

(1)

غيرَ مُفسِدةٍ؛ كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجرُهُ بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك؛ لًا يَنقصُ بعضُهم من أجر بعضٍ شيئاً".

رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، وأبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وعند بعضهم:"إذا تصدقت" بدل: "أنفقت".

939 -

(2)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يحل للمرأةِ أن تصومَ وزوجُها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه

(2)

، [وما أنفَقَتْ من نفقةٍ عن غير أمرِه، فإنه يؤدّى إليه شطرُه]

(3)

".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

وفي رواية لأبي داود:

(1)

قيد به لأنّه يُسمح به عادة، بخلاف الدارهم للدنانير، فإنَّ إنفاقها منها لا يجوز إلا بالإذن. وقوله:"غير مفسدة" نصب على الحال، فإنْ أنفقت وتجاوزت المعتاد فلا يجوز لها ذلك.

وقوله: "وللخازن مثل ذلك"، (الخازن): هو الذي يكون بيده حفظ الطعام والمأكول من خادم وغيره. والله أعلم.

(2)

أي: لا تأذن في بيت زوجها لرجل، ولا لامرأة يكرهها زوجها، لأنَّ ذلك يوجب سوء الظن، ويبعث على الغيرة التي هي سبب القطيعة.

(3)

زيادة من "صحيح البخاري - النكاح"، ولعلها سقطت من بعض النساخ، لأن الشاهد إنما هو فيها، وهو مما فات المعلقين الثلاثة، رغم أنهم عزوه للبخاري برقمه (5195)! والمراد بقوله:"شطره" أي: نصف الأجر، كما يدل على ذلك سائر روايات الحديث، ومنها راوية أبي داود الآتية، وراجع "فتح الباري"(2609).

ص: 557

أن أبا هريرة سُئِلَ عن المرأةِ: هل تَتَصَدَّق من بيتِ زوجها؟

قال: لا؛ إلا من قُوتها، والأجرُ بينهما، ولا يحل لها أنْ تتصدقَ من مالِ زوجها إلا بإذنِه.

(1)

940 -

(3)[حسن صحيح] وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يجوزُ لامرأةٍ عطيةٌ إلا بإذنِ زوجِها".

رواه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب.

941 -

(4)[صحيح] وعن أسماء رضي الله عنها قالت:

قلت: يا رسولَ الله! ما لي مالٌ إلا ما أدخلَه عليَّ الزبيرُ، أفأتصدقُ؟ قال:

"تصدقي ولا تُوعي؛ فَيوعَى عليك".

وفي رواية

أنَّها جاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: يا نبي الله! ليس لي شيءٌ إلا ما أَدخلَ عليَّ الزبيرُ، فهل عليَّ جُناحٌ أنْ أرضخ مما يُدخِلُ عليَّ؟ قال:

"ارضَخي ما استطعت، ولا تُوعي؛ فيوعي الله عليك".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

(1)

هنا في الأصل: "زاد رزين العبدري في "جامعه" فإنْ أذن لها فالأجر بينهما، فإنْ فعلت بغير إذنه؛ فالأجر له، والإثم عليها" ولما لم أجد له ما يقويه فقد حذفته، وقد رواه الطيالسي في "مسنده"(263/ 1951) في حديث لابن عمر فيه (ليث)، وهو ابن أبي سليم -ضعيف.

ص: 558

942 -

(5)[صحيح] وعن عائشة

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا تصدَّقتِ المرأةُ من بيتِ زوجِها كان لها أجرٌ، ولزوجها مثلُ ذلكَ، [وللخازن مثل ذلك، و] لا ينقصُ كلُّ واحد منهما من أجرِ صاحبهِ شيئاً؛ له بما كسب، ولها بما أنفقت".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

943 -

(6)[حسن] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبت عام حجة الوداع:

"لا تُنفقُ امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذنِ زوجِها".

قيل: يا رسول الله! ولا الطعام؟ قال:

"ذلك أفضل أموالِنا".

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن".

(1)

قلت: الأصل: (عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده)، وهو خطأ ظاهر، إذ ليس هو عند الترمذي من حديث عمرو بن شعيب. . وإنما من حديث عائشة (671)، وقد نبه على ذلك الناجي في "عجالته"(119/ 2)، وهو حديثها المتقدم أول الباب، وهذا أحد لفظيه عنده، والزيادة منه، والآخر نحو المتقدم. وأما قول المعلقين الثلاثة أنه حديث أبي أمامة الآتي بعده، فمن أوهامهم، فإنه حديث آخر كما هو ظاهر.

ص: 559

‌17 - (الترغيب في إطعام الطعام، وسقي الماء، والترهيب من منعه).

944 -

(1)[صحيح] عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:

أنَّ رجلاً سأَل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال:

"تُطعمُ الطعامَ، وتَقرأُ السلامَ على من عرفتَ، ومَن لم تعرِف".

(1)

رواه البخاري ومسلم والنسائي.

945 -

(2)[صحيح لغيره] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعامْ، وأفشوا السلامْ، تدخلوا الجنة بسلامْ".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".

946 -

(3)[صحيح] وعنه أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرُها من باطِنها، وباطنُها من ظاهرِها".

(1)

في الحديث فوائد عظيمة ينبغي للمؤمن أنْ يعيها ويتصف بها، لأنَّها من مكارم الأخلاق، ومن حميد العادات، نسأل الله تعالى أنْ يوفقنا للعمل بها.

منها الحث على إطعام الطعام الذي هو أمارة الجود والسخاء، مكارم الأخلاق، وفيه نفع للمحتاجين، وسد الجوع الذي استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومنها إفشاء السلام الذي يدل على خفض الجناح للمسلمين والتواضع، والحث على تألف قلوبهم، واجتماع كلمتهم، وتوادهم ومحبتهم.

ومنها الإشارة إلى تعميم السلام، وهو أنْ لا يخص به أحداً دون أحد، كما يفعله الجبابرة وأصحاب الكبر والأنفة، لأنَّ المؤمنين كلهم إخوة، وهم متساوون في رعاية الأخوة.

ثم هذا العموم خاص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداءً على كافر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه". رواه مسلم والبخاري في "الأدب المفرد" وغيرهما، وهو مخرَّج في "الصحيحة" (704).

ص: 560

فقال أبو مالك الأشعري: لمن هذا يا رسول الله؟ قال:

"لمن أطابَ الكلامْ، وأطعم الطعامْ، وبات قائماً والناسُ نيامْ".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن، والحاكم وقال:

"صحيح على شرطهما".

947 -

(4)[صحيح لغيره] وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ في الجنةِ غُرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعمَ الطعامْ، وأفشى السلامْ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيامْ".

رواه ابن حبان في "صحيحه". [مضى والذي قبله 6 - النوافل/ 11].

948 -

(5)[حسن صحيح] وعن حمزة بن صهيب عن أبيه رضي الله عنه قال: قال عمر لصهيب: فيك سَرف في الطعام! فقال: إنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"خيارُكم من أطعمَ الطعامَ".

رواه أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الثواب"، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، ومن لا يحضرني الآن حاله.

(1)

949 -

(6)[صحيح] وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال:

أولُ ما قدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ انجفلَ الناسُ إليه، فكنتُ فيمن جاءه، فلما تأملتُ وجهه واستَثْبَتُه، علمتُ أنَّ وَجهه ليس بوجهِ كذابٍ، قال: وكان

(1)

لقد أبعد النُّجعة، فقد رواه أحمد والحاكم من طريق ليس فيها من لا يعرف، وصححه الحاكم والذهبي والضياء في "المختارة"، كما هو مبين في "الصحيحة"(رقم 44)، وقد فات هذا الاستدراك المعلقين الثلاثة، وأفرد المؤلف على أن فيه من لا يعرف حاله، ومع ذلك قالوا:"حسن"! ولقد وهم المعلق على "تهذيب المزي" وهماً فاحشاً فقال (7/ 330):

"حديث صحيح متفق عليه"!

وأظنه اختلط عليه بحديث ابن عمرو المتقدم في أول الباب. والمعصوم من عصمه الله عز وجل.

ص: 561

أولُ ما سمعتُ من كلام أنْ قال:

"أيها الناس! أفشوا السلامْ، وأطعموا الطعامْ، وصَلُّوا بالليل والناس نيامْ؛ تدخلوا الجنةَ بسلامْ".

رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن صحيح"، وابن ماجه، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط الشيخين". [مضى 6 - النوافل/ 11].

(انجفل الناس) بالجيم، أي: أسرعوا ومضوا كلهم.

(اسْتَثْبتُّه) أي: تحققته وتبينته.

وتقدمت أحاديث من هذا الباب في "الوضوء" و"الصلاة" وغيرهما، ويأتي أحاديث أُخر في "السلام" و"طلاقة الوجه" إنْ شاء الله تعالى.

950 -

(7)[صحيح] وعن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ الله ليُرَبِّي لأحدِكم التمرةَ واللقمةَ كما يُرَبِّي أحدُكم فُلُوَّه أو فصيلَه، حتى يكون مثل أُحد".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

وتقدم [9 - باب/ 2 رقم (2)].

951 -

(8)[صحيح] وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:

جاء أعرابيٌّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ! علمني عملاً يدخلني الجنة، قال:

"إنْ كنتَ أقصَرْتَ الخطبة؛ لقد أعرضتَ المسألةَ، أعتقِ النسمةَ، وفُكَّ الرقبةَ، فإنْ لم تطق ذلك فأطعم الجائع، واسق الظمآن" الحديث.

رواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، ويأتي بتمامه في "العتق" إنْ شاء الله تعالى [16/ 25].

ص: 562

952 -

(9)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ الله عز وجل يقول يوم القيامة:

يا ابنَ آدم! مرضتُ فلم تَعُدني. قال: يا ربِّ! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أن عبدي فلاناً مرضَ فلم تعده، أمَا علمت أنَّك لو عُدْتَه لوجدتني عنده؟

يا ابن آدم! استطعمتُكَ فلم تُطعمني. قال: يا ربّ! كيف أطعِمُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أما علمت أنَّه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تطعمْه، أما علمت أنَّك لو أطعمتَه لوجدت ذلك عندي؟

يا ابن آدم! استسقيتُك فلم تَسقني؟ قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلانٌ فلم تَسقه، أمَا إنَّك لو سقيتَه لوجدتَ ذلك عندي".

(1)

رواه مسلم.

953 -

(10)[صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من أصبح منكم اليوم صائماً؟ ".

فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فقال:

"من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ ".

فقال أبو بكر: أنا. فقال:

"من تبع منكم اليوم جنازة؟ ".

(1)

قال النووي في "شرح مسلم": "قال العلماء: إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى -والمراد العبد- تشريفاً للعبد وتقريباً له. قالوا: ومعنى (وجدتني عنده) أي: وجد ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث: (لو أطعمته لوجدت ذلك عندي)، (لو سقيته لوجدت ذلك عندي)؛ أي: ثوابه. والله أعلم".

ص: 563

فقال أبو بكر: أنا. فقال:

"من عاد اليوم مريضاً؟ ".

فقال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل [في يومٍ] إلا دخل الجنة".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

954 -

(11)[حسن لغيره] ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال:

"إدخالك السرور على مؤمن؛ أشبعتَ جَوْعَتَهْ، أو كسوتَ عَوْرَتَه، أو قضيتَ له حاجة".

رواه الطبراني في "الأوسط".

955 -

(12)[حسن لغيره] ورواه أبو الشيخ في "الثواب" من حديث ابن عمر بنحوه، وفي رواية له:

"أحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخلُه على مسلم، أو تكشف عنه كُربةً، أو تطردُ عنه جوعاً، أو تقضي عنه ديناً".

956 -

(13)[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:

أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي أنزع في حوضي، حتى إذا ملأتُه لإبلي، ورد عليَّ البعيرُ لغيري فسقيته، فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

لقد أبعد النُّجعة، فالحديث رواه مسلم في "صحيحه" في موضعين منه (3/ 92 و 7/ 110)، وقد عزاه أيضاً إلى ابن خزيمة فقط في (25 - الجنائز/ 7 - عيادة المريض)، كما نبه عليه الناجي (119/ 2)، ورواه البخاري في "الأدب المفرد"، وهو مخرج في "الصحيحة"(88).

ص: 564

"في كل ذاتِ كبدٍ حَرَّى أجرٌ".

رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون.

957 -

(14)[صحيح] وعن محمود بن الربيع:

أنَّ سراقة بن جُعْشمُ قال: يا رسول الله! الضالةُ تَرِدُ عليَّ حوضي، فهل لي فيها من أجرٍ إنْ سقيتُها؟ قال:

"اسقها؛ فإنَّ في كلِّ ذات كبدٍ حَرَّى أجراً".

رواه ابن حبان في "صحيحه"، ورواه ابن ماجه والبيهقي؛ كلاهما عن عبد الرحمن ابن مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة بن جُعْشم رضي الله عنه.

958 -

(15)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتدَّ عليه الحرُّ، فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها، فشربَ ثم خرجَ، فإذا كلبٌ يلهثُ؛ يأكل الثَّرى من العطش، فقال الرجلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ من العطشِ مثلُ الذي كان بلغَ مني، فنزل البئرَ، فملأ خُفَّه، ثم أمسَكه بفيه حتى رَقِيَ، فسقى الكلبَ؛ فشكر اللهُ له؛ فَغفرَ له".

قالوا: يا رسول الله! إنَّ لنا في البهائم أجراً؟ فقال:

"فى كل كبدٍ رَطبة أجرٌ".

(1)

رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود.

(1)

معناه والله أعلم: أنّ في كل حيوان حي -في الإحسان إليه مِن سقي ونحواً- أجراً، وسمي الحيُّ كبدٍ رطبة؛ لأن الميت يجف جسمه وكبده.

وقوله: "يلهث يأكل الثرى". (الثرى): التراب الندي. و (لهث) بفتح الهاء وكسرها في الماضي (يلهث) بفتحها لا غير في المضارع (لهْثاً) بإسكان الهاء، والاسم (اللهَث) بفتحها، و (اللهثان): هو الذي يخرج لسانه من شدة العطش والحر.

وقوله: "حتى رقي" بكسر القاف على اللغة الفصيحة المشهورة.

وقوله: "فشكر الله له فغفر له" معناه: قبل عمله، وأثابه وغفر له. والله أعلم.

ص: 565

[حسن صحيح] وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:

"فشكر الله له، فأدخله الجنة".

(1)

959 -

(16)[حسن لغيره] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"سبعٌ تجري للعبد بعد موتِهَ، وهو في قبرهِ: من علّم علماً، أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرسَ نخلاً، أو بنى مسجداً، أو وَرّثَ مصحفاً، أو تركَ ولداً يستغفرُ له بعد موتِهِ".

رواه البزار، وأبو نعيم في "الحلية"، وقال:

"هذا حديث غريب من حديث قتادة، تفرد به أبو نُعيم عن العرزمي".

(قال الحافظ): تقدم [3 - العلم/ 1] أن ابن ماجه رواه مَن حديث أبي هريرة بإسناد حسن، لكن لم يذكر ابن ماجه (غرس النخل)، ولا (حفر البئر). وذكر موضعهما:

"الصدقة، وبيت ابن السبيل".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"؛ لم يذكر فيه "المصحف"، وقال:

"أو نهراً أكراه". يعني: حفره.

960 -

(17)[حسن لغيره] ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"ليس صدقةٌ أعظمَ أجراً من ماءٍ".

رواه البيهقي.

961 -

(18)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه:

أنَّ سعداً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! إنَّ أمي تُوفِّيَتْ ولم تُوصِ، أفينفَعُها أنْ أتصدقَ عنها؟ قال:

"نعم، وعليك بالماء".

رواه الطبراني في "الأوسط"، ورواته محتج بهم في الصحيح.

(1)

وسيأتي لفظه بتمامه في (20 - القضاء/ 10 - باب/ رقم 27).

ص: 566

962 -

(19)[حسن لغيره] وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال:

قلت: يا رسولَ الله! إنَّ أمي ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال:

"الماء".

فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعد

(1)

.

رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال:

"إنْ صح الخبر"، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

قلت: يا رسول الله! أي الصدقة أفضل؟ قال:

"سقيُ الماءِ".

والحاكم بنحو ابن حبان، وقال:

"صحيح على شرطهما".

(قال المملي الحافظ) رحمه الله: "بل هو منقطع الإسناد عند الكل؛ فإنهم كلهم رووه عن سعيد بن المسيب عن سعد، ولم يدركه؛ فإنَّ سعداً توفي بالشام سنة خمس عشرة. وقيل: سنة أربع عشرة، ومولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة".

ورواه أبو داود أيضاً، والنسائي وغيرهما عن الحسن البصري عن سعد، ولم يدركه، فإنَّ مولد الحسن سنة إحدى وعشرين.

ورواه أبو داود أيضاً وغيره عن أبي إسحاق السِّبِيعي عن رجل عن سعد. والله أعلم.

963 -

(20)[صحيح] وعن جابر رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن حفر ماءً لم يشرب منه كَبِدٌ حرّى مِن جن ولا إنس ولا طائر؛ إلا آجره الله يوم القيامة".

(1)

إنما كان الماء أفضل؛ لأنَّ نفعه أعم في الأمور الدينية والدنيوية، خصوصاً في بلاد الحجاز، ولذلك مَنّ الله على عباده بقوله:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} . والله أعلم.

ص: 567

رواه البخاري في "تاريخه"، وابن خزيمة في "صحيحه. [مضى 5 - الصلاة/ 6 رقم (4)].

964 -

(21)[صحيح مقطوع] وقال البيهقي في هذا المعنى

(1)

حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله رحمه الله:

"فإنَّه قَرِحَ وجهه، وعالجه بأنواع المعالجة، فلم يذهب، وبقي فيه قريباً من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أنْ يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له، وأكثَر الناسُ التأمينَ، فلما كان من الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنَّها عادت إلى بيتها، واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولي لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين. فجئت بالرقعة إلى الحاكم، فأمر بسقاية بنيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها، أمر بصب الماء فيها، وطرح الجَمْد في الماء، وأخذ الناس في الشرب، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنين".

(فصل)

965 -

(22)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يومَ القيامةِ، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجلٌ على فَضلِ ماءٍ بفلاةٍ يمنعُه ابنَ السبيلِ".

(زاد في رواية):

(1)

يشير إلى القصة التي رواها البيهقي، وهي في الكتاب الآخر.

ص: 568

"يقول الله له: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فَضْلَ ما لم تعمل يداك" الحديث.

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ويأتي بتمامه إنْ شاء الله تعالى [16 - البيوع/ 12].

966 -

(23)[صحيح] وعن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:

غزوت مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثاً أسمعه يقول:

"المسلمون شركاءُ في ثلاثٍ؛ في الكلأ؛ والماء، والنار".

رواه أبو داود.

ص: 569

‌18 - (الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له، وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه).

967 -

(1)[صحيح] وعن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَن استعاذ بالله فأعيذوه، ومَن سألكم بالله فأعطوه، ومَن استجار بالله فأجيروه، ومَن أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإنْ لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أنْ قد كافأتموه".

رواه أبو داود والنسائي -واللفظ له-، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وقال:

"صحيح على شرطهما". [مضى هنا 8 - باب/ رقم (8)].

968 -

(2)[حسن لغيره] وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"مَن أُعطي عطاءً فوجد فليَجْزِ به، فإنْ لم يجد فلْيُثْنِ، فإنَّ من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر

(1)

، ومن تَحَلَّى بما لم يُعطَ؛ كان كلابس ثَوْبَيْ زور".

رواه الترمذي عن أبي الزبير عنه وقال: "حديث حسن غريب".

ورواه أبو داود عن رجل عن جابر، وقال:"هو شرحبيل بن سعد".

[حسن لغيره] ورواه ابن حبان في "صحيحه" عن شرحبيل عنه، ولفظه:

"من أوليَ معروفاً فلم يجد له جزاءً إلا الثناء؛ فقد شكره، ومن كتمه؛ فقد كفره، ومن تحلى بباطل؛ فهو كلابس ثوبَي زور".

قال الحافظ: "وشرحبيل بن سعد تأتي ترجمته".

[صحيح] وفي رواية جيدة لأبي داود:

"مَن أُبْلِيَ فَذَكَرَهُ؛ فقد شكره، ومن كتمه؛ فقد كفره".

(1)

أي: كفر تلك النعمة كما قال الترمذي، وحديث النعمان الآتي في الباب برقم (10) صريح في ذلك.

ص: 570

قوله: (من أبلي) أي: من أُنعِم عليه، و (الإبلاء): الإنعام.

969 -

(3)[صحيح] وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من صُنع إليه معروفٌ، فقال لفاعله: (جزاك الله خيراً)؛ فقد أبلغ في الثناء".

(وفي رواية).

"من أُوليَ معروفاً، أو أُسدِي إليه معروفٌ، فقال للذي أسداه: (جزاك الله خيراً)؛ فقد أبلغَ في الثناء".

رواه الترمذي

(1)

وقال: "حديث حسن غريب".

قال الحافظ: "وقد أسقط من بعض نسخ الترمذي".

(2)

970 -

(4)[صحيح لغيره] ورواه الطبراني في "الصغير" مختصراً:

"إذا قال الرجل [لأخيه]: جزاك الله خيراً؛ فقد أبلغ في الثناء.

(3)

(1)

قال الناجي (120/ 2): "هذا يوهم أنَّ الترمذي رواه باللفظين المذكورين، وإنما رواه بالأول فقط، ختم به "كتاب البر والصلة" من "جامعه"، وأخرجه النسائي في "عمل اليوم الليلة". وأما اللفظ الثاني المذكور فلا أدري لمن هو".

قلت: وباللفظ الأول أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(221 - 222/ 180)، والطبراني في "الصغير"(رقم 8 - الروض)، والبيهقي في "الشعب"(3/ 521/ 9137)، والأصبهاني في "الترغيب"(1/ 480/ 1146). وأما اللفظ الثاني فالظاهر أنَّه ملفق من أكثر من حديث من المؤلف أو غيره، سهواً أو عمداً، كما يفعل (رزين البدري). والله أعلم.

(2)

قلت: "وهو ثابت في نسختنا، وفي الأطراف". قاله الناجي.

(3)

قلت: ليس هو من حديث أسامة كما يوهمه صنيع المصنف، وإنما هو عند الطبراني بهذا اللفظ من حديث أبى هريرة، وقد استفاد هذا المعلقون الثلاثة وتشبعوا به! ومع ذلك لم يستدركوا الزيادة!! وإشارة إلى أنه ليس من حديث أسامة أعطيته رقماً خاصاً، وقد خرجته وتكلمت على إسناده في "الروض النضير"(1052 - 1053)، والزيادة منه. وكذلك هو في "مصنف عبد الرزاق"(2/ 216/ 3118)، و"ابن أبي شيبة"(9/ 70/ 6569)، و"مسند الحميدي"(460/ 1160) وغيرهم.

ص: 571

971 -

(5)[صحيح] وعن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا يشكرُ اللهَ من لم يشكرِ الناسَ".

رواه أحمد، ورواته ثقات.

972 -

(6)[حسن لغيره] وعن عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من أُتي إليه معروفٌ فليكافئْ به، ومن لم يستطع فليذكره، فإنَّ من ذكره؛ فقد شكره، ومن تَشَبَّع بما لم يُعْطَ؛ فهو كلابس ثوبَيْ زور".

رواه أحمد، ورواته ثقات؛ إلا صالح بن أبي الأخضر.

973 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ الناسَ".

رواه أبو داود، والترمذي وقال:"صحيح".

(قال الحافظ): "روي هذا الحديث برفع (الله) وبرفع (الناس)، وروي أيضاً بنصبهما، وبرفع (الله) ونصب (الناس)، وعكسه، أربع روايات".

974 -

(8)[حسن لغيره] وروي عن طلحة -يعني ابن عبيد الله- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من أُوليَ معروفاً فليذكره، فمن ذَكَرَهُ فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره".

رواه الطبراني.

975 -

(9)[حسن لغيره] ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عائشة.

(1)

(1)

قلت: أخرجه في "قضاء الحوائج"(90/ 78)، ورجاله ثقات غير صالح بن أبي الأخضر، وهو صالح يستشهد به. وقد رواه عنه أحمد كما تقدم قبل حديثين، فكان الأولى عزوه إلى ابن أبي الدنيا أيضاً، فهو مكرر بلا فائدة هناك.

ص: 572

976 -

(10)[حسن صحيح] وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شُكرٌ، وتَرْكُها كُفْرٌ، والجماعة رحمة، والفُرقة عذاب".

رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده" بإسناد لا بأس به

(1)

، ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب اصطناع المعروف" باختصار.

977 -

(11)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال:

قال المهاجرون: يا رسولَ الله! ذهب الأنصار بالأجر كلِّه! ما رأينا قوماً أحسن بَذلاً لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة، قال:

"أليس تُثنون عليهم، وتدعون لهم؟ ".

قالوا: بلى. قال:

"فذاك بذلك".

رواه أبو داود والنسائي، واللفظ له.

(1)

هذا يشعر بأنَّ الإمام أحمد نفسه لم يروه! وليس كذلك، فقد أخرجه في موضعين من "مسنده"(4/ 278 و 375)، وفي الموضعين رواه ابنه أيضاً، وإن من جهل الثلاثة وتخليطاتهم أنهم عزوه (1/ 733) لعبد الله بن أحمد وفيه أبو عبد الرحمن عن الشعبي، ولم يعرفه الهيثمي، وهو القاسم بن الوليد وهو ثقة، وسائره ثقات، وفي بعضهم كلام يسير، فهو حسن. وانظر "ظلال الجنة"(1/ 44 - 45).

وإن من عجائب الهيثمي أنه عزا الحديث لعبد الله بن أحمد دون أبيه، وبزيادة نكرة، وقد تكلمت عليها في "الضعيفة" برقم (4854).

ص: 573

‌9 - كتاب الصوم.

‌1 - (الترغيب في الصوم مطلقاً، وما جاء في فضله.

.).

978 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"قال الله عز وجل: كل عملِ ابن آدمَ له

(1)

، إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيامُ جُنَّة

(2)

، فإذا كان يوم صومِ أحدِكم، فلا يَرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إنِّي صائم، إنِّي صائم

(3)

، والذي نفسُ محمد بيده لَخُلُوف فمِ الصائمِ أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، إذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومه".

(4)

(1)

أي: له أجر محدود (إلا الصوم)، فأجره بدون حساب. ويشهد لهذا المعنى رواية مسلم الآتية بلفظ:"كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم. .".

(2)

بضم الجيم: كل ما سترَ، ومنه (المِجن)، وهو الترس، ومنه سُمي الجن لاستتارهم عن العيون. وإنما كان الصوم جنة، لأنه إمساك عنَ الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات كما في الحديث الصحيح:"حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".

قال ابن الأثير في "النهاية": "معنى كونه جنة: أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات".

(3)

يحتمل أنْ يكون كلاماً لسانياً ليسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالباً. ويحتمل أنْ يكون كلاماً نفسانياً، أي: يحدث به نفسه ليمنعها من مشاتمته.

قلت: والراجح الأول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح أنَّه يقوله بلسانه كما دل عليه الحديث، فإنَّ القول المطلق لا يكون إلا باللسان، وأما ما في النفس فمقيد، كقوله: "عما حدثت به أنفسها"، ثم قال: ما لم تتكلم أو تعمل به"، فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع، فإذا قال بلسانه: إنِّي صائم، بيّن عذره في إمساكه عن الرد، وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان".

(4)

أي: بجزائه وثوابه. ففي رواية لأحمد (2/ 232): "وإذا لقي الله فجزاه؛ فرح"، وسنده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه"(3/ 158) في رواية كما يأتي في الكتاب، وابن خزيمة (1900).

ص: 574

رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم.

وفي رواية للبخاري:

"يترُكُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي، الصيامُ لي، وأنا أجزي به، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها".

وفي رواية لمسلم:

"كل عملِ ابنِ آدمَ يضاعف؛ الحسنةُ بعشر أمثالها، إلى سبعمئة ضِعف، قال الله تعالى: إلا الصوم؛ فإنَّه لي، وأنا أجزي به، يَدعُ شهوته وطعامه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخلُوف فم الصائم، أطيبُ عند الله من ريحِ المسكِ".

وفي أخرى له أيضاً ولابن خزيمة:

"وإذا لقيَ اللهَ عز وجل فجزاءُ؛ فرح" الحديث.

ورواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي بمعناه، مع اختلاف بينهم في الألفاظ.

[صحيح لغيره] وفي رواية للترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ ربكم يقول: كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالها إلى سبعمئة ضعف، والصوم لي وأنا أجزي به، والصوم جُنَّةٌ مَن النار، ولخُلوفُ فم الصائم أطيبُ عندَ الله من ريح المسك، وإنْ جَهِل على أحدكم جاهل وهو صائم، فليقل: إنِّي صائم، إنِّي صائم".

وفي رواية لابن خزيمة

(1)

: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني:

"قال الله: كل عملِ ابن آدم له إلا الصيام، فهو لي، وأنا أجزي به،

(1)

قلت: وأحمد أيضاً. وكذا للبخاري في رواية. وهي هنا الرواية الأولى، لكنْ ليس فيها قوله:"يوم القيامة". وهو عند النسائي في "الكبرى"(ق 16/ 2).

ص: 575

الصيام جُنَّة، والذي نفس محمد بيده لَخلُوفُ فم الصائم أطيبُ عندَ الله يوم القيامة من ريحِ المسكِ، للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطرِه، وإذا لقيَ ربه فرِح بصومِهِ".

[صحيح] وفي أخرى له:

"قال: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيامُ، فهو لي، وأنا أجزي به، يدعُ الطعامَ من أجلي، ويدَعُ الشرابَ من أجلي، ويدعُ لذَّته من أجلي، ويدعُ زوجتَه من أجلي، ولخُلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريحِ المسكِ، وللصائم فرحتان: فرحةٌ حين يفطرُ، وفرحةٌ حين يلقى ربه".

(الرفث) بفتح الراء والفاء: يطلق ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطاب الرجل والمرأة فيما يتعلق بالجماع. وقال كثير من العلماء: إنَّ المراد به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام.

و (الجُنة) بضم الجيم: هو ما يُجِنُّك، أي: يسترك ويقيك مما تخاف.

ومعنى الحديث: أنَّ الصوم يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي.

و (الخلوف) بفتح الخاء المعجمة

(1)

وضم اللام: هو تغير رائحة الفم من الصوم.

وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى:

"كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له؛ إلا الصومَ، فإنَّه لي"؟ فقال:

"إذا كان يومُ القيامةِ يحاسِبُ اللهُ عز وجل عبدَه، ويؤدي ما عليه من المظالم من

(1)

قلت: ضم الخاء في هذه اللفظة هو المعروف في كتب اللغة والغريب، وهو الذي ذكره الخطابي وغيره. بل هو الصواب، قال الخطابي:"والخلوف بالفتح: الذي يَعِد ويخلف". انتهى ملخصاً من "العجالة"(120/ 2 - 121/ 1).

ص: 576

سائرِ عملِه، حتى لا يبقى إلا الصومُ، فيتحملُ اللهُ ما بقيَ عليه من المظالِم، ويدخِلُه بالصومِ الجنةَ"!

هذا كلامه، وهو غريب. وفي معنى هذه اللفظة أوجه كثيرة ليس هذا موضع استيفائها.

وتقدم حديث الحارث الأشعري، وفيه:

"وآمُركم بالصيامِ، ومَثَلُ ذلك كمثلِ رجلٍ في عصابة معه صرة مسك، كلهم يحب أنْ يجد ريحها، وإنَّ الصيامَ أطيبُ عندَ اللهِ من ريح المسك" الحديث.

رواه الترمذي وصححه؛ إلا أنَّه قال:

"وإنَّ ريحَ الصائمِ أطيبُ عندَ الله من ريحِ المسكِ".

وابن خزيمة في "صحيحه" -واللفظ له- وابن حبان والحاكم.

وتقدم بتمامه في "الالتفات بالصلاة"[5 - الصلاة/ 36].

979 -

(2)[صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إنَّ في الجنةِ باباً يقال له: (الريَّان)، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهم، فإذا دخلوا أُغلِق، فلم يدخل منه أحد".

رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي، وزاد:

"وَمنْ دخلَه لم يظمأْ أبداً".

[حسن صحيح] وابن خزيمة في "صحيحه"؛ إلا أنَّه قال:

"فإذا دخلَ آخرُهم

(1)

أُغلقَ، مَنْ دخلَ شَرِبَ، ومن شرَب لم يظمأْ أبداً".

(1)

الأصل: "أحدهم"، والتصحيح من "ابن خزيمة"(1902) وغيره.

ص: 577

980 -

(3)[حسن لغيره] وروي [عن أبي هريرة] عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الصيام جُنةٌ، وحصنٌ حصينٌ من النار".

رواه أحمد بإسناد حسن، والبيهقي.

981 -

(4)[حسن لغيره] وعن جابر رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الصيام جُنَّة يَستَجِنُّ بها العبد من النار".

رواه أحمد بإسناد حسن، والبيهقي.

982 -

(5)[صحيح] وعن عثمانَ بنِ أبي العاصي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"الصيامُ جُنةٌ من النارِ، كجُنّةِ أحدِكم مِنَ القتالِ، وصيامُ حسنٌ ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر".

رواه ابن خزيمة في "صحيحه".

(1)

983 -

(6)[صحيح لغيره] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:

"ألا أدلُّك على أبوابِ الخير؟ ".

قلت: بلى يا رسولَ الله! قال:

"الصومُ جنةٌ، والصدقة تطفئُ الخطيئةَ كما يطفئُ الماءُ النارَ".

رواه الترمذي في حديث، وصححه، ويأتي بتمامه في "الصمت" إنْ شاء الله.

وتقدم حديث كعب بن عجرة وغيره بمعناه [9 - الصدقات/ 9 - باب/12 و 13 حديث].

(1)

قلت: وكذا رواه أحمد (4/ 22) بسند صحيح، وأخرجه النسائي (1/ 311 و 328) مفرقاً في موضعين. ورواه ابن ماجه دون صيام ثلاثة أيام.

ص: 578

984 -

(7)[حسن صحيح] وعن عبدِ الله بن عمروٍ رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الصيامُ والقرآنُ يشفعان للعبدِ يومَ القيامةِ، يقول الصيامُ: أي ربِّ منعتُه الطعامَ والشهوةَ، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النومَ بالليل، فشفعني فيه، قال: فَيُشَفَّعان".

(1)

رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، ورجاله محتج بهم في "الصحيح".

ورواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الجوع" وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

985 -

(8)[صحيح] وعن حذيفة رضي الله عنه قال:

أسندتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى صدري، فقال:

"من قال: (لا إله إلا الله)؛ خُتم له بها؛ دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله؛ خُتم له به؛ دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله؛ خُتم له بها؛ دخل الجنة".

رواه أحمد بإسناد لا بأس به،

[صحيح لغيره] والأصبهاني، ولفظه:

"يا حذيفة! من خُتم له بصيامِ يومٍ، يريد به وجه الله عز وجل؛ أدخله الله الجنة".

(1)

أي: يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة، قال المناوي:"وهذا القول يحتمل أنَّه حقيقة بأنْ يجسد ثوابهما ويخلق الله فيه النطق {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ويحتمل أنَّه على ضرب من المجاز والتمثيل". قلت: والأول هو الصواب الذي ينبغي الجزم به هنا وفي أمثاله من الأحاديث التي فيها تجسيد الأعمال ونحوها، كمثل تجسيد الكنز شجاعاً أقرع، ونحوه كثير. وتأويل مثل هذه النصوص ليس من طريقة السلف رضي الله عنهم، بل هو طريقة المعتزلة ومن سلك سبيلهم من الخلف، وذلك مما يُنافي أول شروط الإيمان {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} فحذار أنْ تحذوهم حذوهم، فتضل وتشقى، والعياذ بالله تعالى.

ص: 579

986 -

(9)[صحيح] وعن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال:

قلت: يا رسول الله! مُرني بعمل. قال:

"عليكَ بالصومِ؛ فإنه لا عِدْلَ له".

قلت: يا رسول الله! مرني بعمل. قال:

"عليك بالصوم؛ فإنَّه لا عِدْلَ له".

(1)

رواه النسائي وابن خزيمة في "صحيحه" هكذا بالتكرار وبدونه، وللحاكم، وصححه.

[صحيح] وفي رواية للنسائي قال:

أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! مرني بأمرٍ ينفعُني الله به.

قال:

"عليك بالصيام. فإنَّه لا مِثْلَ له".

[صحيح] ورواه ابن حبان في "صحيحه" في حديث قال:

قلت: يا رسول الله! دلني على عملٍ أدخلُ به الجنةَ. قال:

"عليك بالصوم؛ فإنَّه لا مِثْلَ له". قال:

وكان أبو أُمامة لا يُرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف.

987 -

(10)[صحيح] وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما مِنْ عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل الله تعالى؛ إلا باعد الله بذلك اليوم وجهَه عن النار سبعين خريفاً".

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

(1)

هنا في الأصل زيادة: "قلت: يا رسول الله. . ". إلخ للمرة الثالثة، وأفاد المعلق عليه أنَّها لم تثبت في نسخة أخرى، ولما كانت هذه هي الموافقة لما في النسائي، فقد حذفتها، ولم يقع التكرار مطلقاً في مطبوعة "ابن خزيمة". والله أعلم.

ص: 580

988 -

(11)[صحيح لغيره] وعن عمرِو بن عبسةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من صامَ يوماً في سبيلِ الله؛ بعدت منه النارُ مسيرةَ مئةِ عامٍ".

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بإسناد لا بأس به.

989 -

(12)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من صامَ يوماً في سبيل الله؛ زحزحَ اللهُ وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً".

رواه النسائي بإسناد حسن، والترمذي من رواية ابن لهيعة، وقال:"حديث غريب".

ورواه ابن ماجه من رواية عبد الله بن عبد العزيز الليثي، وبقية الإسناد ثقات.

990 -

(13)[حسن لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من صامَ يوماً في سبيلِ الله؛ جعلَ الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض".

رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" بإسناد حسن.

991 -

(14)[حسن صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من صام يوماً في سبيل الله؛ جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض".

رواه الترمذي من رواية الوليد بن جميل، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبا أمامة، وقال:"حديث غريب".

(1)

وقد ذهبت طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت في فضل الصوم في الجهاد، وبوب على هذا الترمذي وغيره. وذهبت طائفة إلى أنَّ كل الصوم في سبيل الله؛ إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى. ويأتي باب في الصوم في "الجهاد" إنْ شاء الله تعالى [12/ 5].

(1)

ومن هذا الوجه رواه الطبراني أيضاً في "المعجم الكبير"(8/ 280 - 281/ 4921). ورواه بلفظ آخر، ذكره المؤلف عقب هذا، وهو من حصة الكتاب الآخر. ومن جهل الثلاثة أنهم شملوهما بالتضعيف. وأعلوا الأول بـ (مطرح بن يزيد) وليس فيه! انظر "الصحيحة"(563) و"الضعيفة" تحت رقم (6910).

ص: 581

‌2 - (الترغيب في صيام رمضان احتساباً، وقيام ليله سيما ليلة القدر، وما جاء في فضله).

992 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه".

رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه مختصراً.

وفي رواية للنسائي؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه".

(1)

قال الخطابي: "قوله: إيماناً واحتساباً؛ أي: نية وعزيمة، وهو أنْ يصومه على التصديق والرغبة في ثوابه؛ طيبة به نفسه، غير كاره له، ولا مستثقلٍ لصيامه، ولا مستطِيل لأيامه، لكنْ يغتنم طول أيامه لعظم الثواب".

وقال البغوي: "قوله: (احتساباً) أي: طلباً لوجه الله تعالى وثوابه، يقال: فلان محتسب الأخبار، ويتحسبها أي: يتطلبها".

993 -

(2)[صحيح] وعنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَغِّب في قيام رمضان، من غير أنْ يأمرهم بعزيمة، ثم يقول:

(1)

هنا في الأصل ما نصه: "قال [يعني النسائي]: وفي حديث قتيبة: "وما تأخر". قال الحافظ: انفرد بهذه الزيادة قتيبة بن سعيد عن سفيان، هو ثقة ثبت، وإسناده على شرط "الصحيح"، ورواه أحمد بالزيادة بعد ذكر الصوم بإسناد حسن، إلا أن حماداً شك في وصله أو إرساله".

قلت: ولما كانت هذه الزيادة شاذة خالف بها قتيبة الثقات، كما خالفهم شيخ حماد (محمد ابن عمر) فقد حذفتها من هذا "الصحيح"، والبيان في "التعليق الرغيب" و"الضعيفة"(5083) بتفصيل لا تراه في غيره.

ص: 582

"من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه".

(1)

رواه البخاري

(2)

ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي.

994 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ؛ مكفِّراتٌ ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

رواه مسلم. [مضى 7 - الجمعة/ 1].

قال الحافظ: "وتقدم أحاديث كثيرة في "كتاب الصلاة" و"كتاب الزكاة" تدل على فضل صوم رمضان، فلم نُعدْها لكثرتها، فمن أراد شيئاً من ذلك فليراجع مظانه".

995 -

(4)[صحيح لغيره] وعن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"احضُروا المنبر". فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال:

"آمين".

فلما ارتقى الدرجة الثانية قال:

"آمين".

فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال:

"آمين". فلما نزل قلنا: يا رسول الله! لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه. قال:

(1)

هذا الترغيب وأمثاله بيان لفضل هذه العبادات؛ بأنَّه لو كان على الإنسان ذنوب فإنها تغفر له بسبب هذه العبادات. فلا يَرد أنَّ الأسباب المؤدية إلى عموم المغفرة كثيرة، فعند اجتماعها أَي شيء يبقى للمتأخر منها حتى يغفر له؟ إذ المقصود بيان فضيلة هذه العبادات، بأنَّ لها عند الله هذا القدر من الفضل، فإنْ لم يكن على الإنسان ذنب، يظهر هذا الفضل في رفع الدرجات، كما في حق الأنبياء المعصومين من الذنوب. والله أعلم.

(2)

قال الناجي: "هذا ليس بجيد، إذ ليس ذلك عند البخاري، إنما عنده: "من قام رمضان. . " إلخ. ومن طريق آخر أيضاً". وهو في مختصري للبخاري برقم (949 - الطبعة الجديدة).

ص: 583

"إنَّ جبريل عرض لي فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان، فلم يُغفر له.

قلت: (آمين)، فلما رَقِيتُ الثانية قال: بَعُدَ من ذُكرتَ عنده، فلم يصلِّ عليك. فقلت:(آمين)، فلما رقيت الثالثة قال: بَعُدَ من أدرك أبويه الكبرُ عنده أو أحدَهُما، فلم يدخلاه الجنة. قلت:(آمين) ".

رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

996 -

(5)[صحيح لغيره] وعن [مالك بن] الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال:

صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ فلما رقي عتبة قال: (آمين)، ثم رقي أخرى فقال:(آمين)، ثم رقي عتبة ثالثة فقال:(آمين). ثم قال:

"أتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدركَ رمضانَ فلم يغفر له؛ فأبعده الله. فقلت: (آمين). قال: ومن أدرك والديه أو أحدَهما فدخل النار؛ فابعده الله. فقلت: (آمين). قال: ومن: ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك؛ فأبعده الله.

فقلت: (آمين) ".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

997 -

(6)[حسن صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: " (آمين، آمين، آمين) ".

قيل: يا رسول الله! إنَّك صعدت المنبر فقلت: (آمين، آمين، آمين).

فقال:

"إنَّ جبرائيل عليه السلام أتاني فقال: من أدركَ شهرَ رمضانَ فلم يُغفرْ له فدخل النار؛ فأبعده الله، قل: (آمين)، فقلت: (آمين) " الحديث.

ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحه"، واللفظ له.

ص: 584

998 -

(7)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا جاءَ رمضانُ، فُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ، وغُلِّقَت أبوابُ النارِ، وصُفِّدت الشياطين".

رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية لمسلم:

"فُتحتْ أبواب الرحمةِ، وغُلِّقت أبوابُ جهنَّم، وسُلسِلَت الشياطين".

[حسن] ورواه الترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي؛ كلهم من رواية أبي بكر بن عيَّاش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ولفظهم: قال:

"إذا كان أولُ ليلة من شهرِ رمضانَ صُفِّدتْ الشياطين ومَرَدَة الجن، -وقال ابن خزيمة: "الشياطين: مردة الجن" بغير واو- وغُلِّقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبلْ، ويا باغي الشرِّ أقصرْ، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كل ليلة".

قال الترمذي: "حديث غريب"، ورواه النسائي والحاكم بنحو هذا اللفظ، وقال الحاكم:

"صحيح على شرطهما".

(صُفِّدت) بضم الصاد وتشديد الفاء؛ أي: شُدت بالأغلال.

999 -

(8)[صحيح لغيره] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارك، فرض الله عليكم صيامَه، تفتح فيه أبوابُ السماءِ، وتغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيه مرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من أَلفِ شهرٍ، من حُرم خيرها، فقد حرم".

رواه النسائي والبيهقي؛ كلاهما عن أبي قلابة عن أبي هريرة، ولم يسمع منه فيما أعلم.

(قال الحليمي):

ص: 585

"وتصفيد الشياطين في شهر رمضان يحتمل أنْ يكون المراد به أيامه خاصة، وأراد الشياطين التي هي مسترقة السمع، ألا تراه قال: "مَرَدَة الشياطين"، لأنَّ شهر رمضان كان وقتاً لنزول القرآن إلى سماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال:{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} ، فزيد التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ. والله أعلم.

ويحتمل أنْ يكون المراد أيامه وبعده، والمعنى: أنَّ الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن وسائر العبادات".

1000 -

(9)[حسن صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ هذا الشهر قد حضَركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرمها فقد حرَّم الخير كله، ولا يُحرم خيرَها إلا محروم".

رواه ابن ماجه، وإسناده حسن إن شاء الله تعالى.

1001 -

(10)[حسن صحيح] وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"للهِ عندَ كلِّ فطرٍ عتقاءُ".

رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني والبيهقي، وقال:

"هذا حديث غريب، من رواية الأكابر عن الأصاغر، وهو رواية الأعمش عن الحسين ابن واقد".

1002 -

(11)[صحيح لغيره] وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة -يعني في رمضان-، وإنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلّ يومٍ وليلةٍ دعوةً مستجابةً".

رواه البزار.

ص: 586

1003 -

(12)[صحيح] وعن عمرو بن مُرة الجهني رضي الله عنه قال:

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أرأيت إنْ شهدتُ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّك رسولُ الله، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وأدَّيتُ الزكاةَ، وصمتَ رمضان، وقمته، فممن أنا؟ قال:

"من الصديقين والشهداء".

رواه البزار، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، واللفظ لابن حبان.

1004 -

(13)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه" الحديث.

أخرجاه في "الصحيحين"، وتقدم [هنا 2/ الحديث الأول].

وفي رواية لمسلم قال:

"من يَقُم ليلةَ القدر فيوافقْها -وأراه قال-: إيماناً واحتساباً؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه".

ص: 587

‌3 - (الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر).

1005 -

(1)[صحيح] وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"بينا أنا نائم أتاني رجلان، فأخذ بضَبْعَيَّ، فأتيا بي جبلاً وعراً، فقالا: اصعد، فقلت: إنِّي لا أُطيقه، فقال: إنا سنسهله لك، فصعدت، حتى إذا كنت في سواء الجبلِ إذا بأصواتٍ شديدة. قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عُواء أهل النار.

ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً. قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تَحِلة صومهم" الحديث.

رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

(1)

وقوله: "قبل تَحلة صومهم" معناه: يفطرون قبل وقت الإفطار.

(2)

(قال الحافظ):

"وتقدمت أحاديث تدل لهذا الباب في "ترك الصلاة" [5/ 40] وغيره".

(1)

قلت: تعجب الحافظ الناجي من المؤلف حيث لم يعزه للنسائي، فقد أخرجه في "الكبرى" له، وليس في "الصغرى" كما يوهمه صنيع النابلسي في "الذخائر"(3/ 135)، فإنَّه عزاه للنسائي، ونص في المقدمة أنه لا يخرج له إلا من "سننه الصغرى"! والحديث أخرجه الحاكم أيضاً (1/ 430 و 2/ 209)، وصححه، ووافقه الذهبي.

(2)

أي: قبل غروب الشمس، وليس قبل الأذان كما يظن بعض الجهلة، ولذلك فهم ينقمون من الذين يستعجلون بالإفطار عند غروب الشمس مخالفة للشيعة، واتباعاً للسنة الصحيحة كما يأتي في الباب (16)، ويلزمونهم بالتأخر حتى الأذان الذي قد يتأخر في بعض البلاد نحو عشر دقائق، لأنهم يؤذنون على التقويم الفلكي، وليس على الرؤية البصرية، وهذا يختلف من إقليم إلى آخر، ومن بلدة إلى أخرى، بل ومن منطقة إلى أخرى في البلد الواحد كما هو مشاهد وقد سمعنا الأذان في بعض البلاد والشمس لما تغرب! فاعتبروا يا أولى الأبصار.

ص: 588

‌4 - (الترغيب في صوم ست من شوال).

1006 -

(1)[صحيح] عن أبي أيوب رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال؛ كان كصيام الدهر".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

(1)

1007 -

(2)[صحيح] وعن ثوبانَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"من صامَ ستةَ أيامٍ بعدَ الفطرِة كان تمامَ السنة، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ".

[صحيح] رواه ابن ماجه، والنسائي، ولفظه:

"جعلَ اللهُ الحسنةَ بعشرِ أمثالها، فشهرٌ بعشرة أشهر، وصيامُ ستة أيام بعد الفطر تمام السنة".

[صحيح] وابن خزيمة في "صحيحه" ولفظه -وهو رواية للنسائي-: قال:

"صيامُ شهرِ رمضانَ بعشرةِ أشهرٍ، وصيامُ ستةِ أيامٍ بشهرين، فذلك صيامُ السنةِ".

[صحيح] وابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:

"من صامَ رمضانَ وستاً من شوال، فقد صامَ السنةَ".

1008 -

(3)[صحيح لغيره] ورواه أحمد والبزار والطبراني من حديث جابر بن عبد الله.

1009 -

(4)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من صامَ رمضانَ، وأتبعه بستٍّ من شوال، فكأنَّما صامَ الدهرَ".

رواه البزار، وأحد طرقه عنده صحيح.

(1)

هنا في الأصل: "والطبراني وزاد: "قال: قلت: بكل يوم عشرة؟ قال: نعم". ورواته رواة الصحيح". قلت: لكنها زيادة شاذة لمخالفتها لجميع روايات الثقات في مسلم والسنن وغيرها، وهما مخرجة في "الإرواء"(4/ 106). وقد استوعبها الطبراني في "المعجم الكبير"(4/ 3903 - 3916)، وأما المعلقون الثلاثة فصححوها له مع أصله!

ص: 589

‌5 - (الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها.

. .).

1010 -

(1)[صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال:

سئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن صومِ يومِ عرفةَ؟ فقال:

"يُكفِّر السنةَ الماضيةَ والباقيةَ".

[صحيح] رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، ولفظه:

أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"صيامُ يومِ عرفةَ؛ إنِّي أحتسب على الله أنْ يُكفِّر السنةَ التي بعدَه، والسنةَ التي قبلَه".

1011 -

(2)[صحيح لغيره] وروى ابن ماجه أيضاً عن قتادة بن النعمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"من صام يوم عرفة؛ غُفر له سنةَ أمامَه، وسنةٌ بعدَه".

1012 -

(3)[صحيح] وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من صامَ يومَ عرفةَ؛ غُفر له ذنبُ سنتين متتابعتين".

رواه أبو يعلى ورجاله رجال "الصحيح".

(1)

1013 -

(4)[صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من صامَ يومَ عرفةَ؛ غفر له سنةٌ أمامَه وسنةٌ خلفَه، ومن صامَ عاشوراءَ؛ غُفر له سنةٌ".

(1)

كذا قال! وفيه (أبو حفص الطائفي)، واسمه (عبد السلام بن حفص)، ولم يرو له من الستة غير أبي داود! وهو ثقة. وأبو يعلى رواه (13/ 542) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وهذا في "المصنف"(3/ 97)، ومن طريقه أيضاً مقروناً مع أخيه عثمان بن أبي شيبة -الطبراني في "الكبير"(6/ 220/ 5923).

ص: 590

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

(1)

1014 -

(5)[حسن لغيره] وعن سعيد بن جبير قال:

سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال:

"كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد له بصوم سنتين".

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن.

(2)

(1)

لا وجه لتحسين إسناده، وإنما الحديث حسن أو صحيح لغيره بما قبله، وما يأتي بعد باب. ثم إنَّ اللفظ للبزار، وليس عند الطبراني صوم عاشوراء، فراجع إنْ شئت "المعجم الأوسط"(3/ 45/ 2086)، و"كشف الأستار عن زوائد البزار"(1/ 93 و 4/ 6053)، و"الإرواء"(4/ 110).

(2)

في الأصل: "وهو عند النسائي بلفظ (سَنَة) "، فحذفته من هنا لأنَّه منكر لا شاهد له.

وقال النسائي في "الكبرى"(2/ 155/ 2828): "حديث منكر". وتمنيت لو أن المؤلف نقل هذا الإنكار وما أهمله!! وقلده الثلاثة مع أنهم عزوه للنسائي برقمه المذكور! ولم يفرقوا بينه وبين لفظ الطبراني المعروف.

ص: 591

‌6 - (الترغيب في صيام شهر الله المحرم).

1015 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ الله المحرمُ، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ الليل".

رواه مسلم -واللفظ له- وأبو داود والترمذي والنسائي. [مضى 6 - النوافل/ 11 - باب].

ورواه ابن ماجه باختصار ذكر الصلاة.

1016 -

(2)[صحيح لغيره] وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إنَّ أفضلَ الصلاةِ بعد المفروضةِ الصلاةُ في جوفِ الليلِ، وأفضلَ الصيامِ بعد رمضانَ شهرُ الله الذي تدعونه المحرمَ".

رواه النسائي والطبراني بإسناد صحيح.

(1)

(1)

كذا قال، وقلده الثلاثة! وأعله البيهقي في "السنن" (4/ 291) بمخالفة (عبيد الله بن عمرو الرقي) للجماعة الذين جعلوه من حديث أبي هريرة. يعني الذي قبله. وقال المزي في "التحفة" (2/ 445):"وهو الصحيح". ثم إنه ليس عند النسائي في "الكبرى"(2/ 171/ 2904) إلا جملة الصيام، ورواه الروياني (2/ 146/ 970) بتمامه كالطبراني (183 - 184).

ثم رأيت في كتابهم الذي اختصروه من "الترغيب" وأسموه بـ "التهذيب"، وخصوه بالصحيح والحسن من الحديث -زعموا- وفيه آفات؛ منها أنهم أودعوا فيه حديث جندب هذا المعلول، وأعرضوا فيه عن حديث أبي هريرة المحفوظ! وهو في "صحيح مسلم"! ومن جهلهم أنهم نقلوا كلام الهيثمي في تخريجه والكلام عليه، وليس صريحاً في التصحيح، وأعرضوا أيضاً عن كلام المنذري الصريح في التصحيح! وهو المناسب لجهلهم وسوء اختيارهم!!

ص: 592

‌7 - (الترغيب في صوم يوم عاشوراء.

. .).

1017 -

(1)[صحيح] عن أبي قتادة رضي الله عنه:

أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراءَ

(1)

؟ فقال:

"يُكَفّرُ السنةَ الماضية".

رواه مسلم وغيره، وابن ماجه ولفظه قال:

"صيام يوم عاشوراء؛ إنِّي أحتسِب على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنةَ التي قبله

(2)

".

1018 -

(2)[صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما:

"أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صامَ يومَ عاشوراءَ، وأمرَ بصيامِه".

رواه البخاري ومسلم.

1019 -

(3)[صحيح] وعنه؛ أنَّه سئل عن صيام عاشوراء؟ فقال:

"ما علمتُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام، ولا شهراً؛ إلا هذا الشهر. يعني رمضان".

رواه مسلم.

1020 -

(4)[حسن لغيره] وعنه:

"أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوخى فضلَ يوم على يوم بعد رمضان؛ إلا عاشوراء".

رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن بما قبله.

(1)

المشهور في اللغة أنَّ (عاشوراء) و (تاسوعاء) ممدودان، وحُكي قصرهما، واتفق العلماء على أنَّ صوم يوم عاشوراء الآن سنة وليس بواجب. وأما التوسعة والكحل فمن المحدثات. .

(2)

الأصل: "بعده"، والتصويب من "ابن ماجه"(1738) وغيره، وهو رواية لمسلم، انظر "الإرواء"(4/ 108 و 109). وغفل عنه المعلقون الثلاثة -كعادتهم- مع ذكرهم الرقم!

ص: 593

1021 -

(5)[صحيح لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من صامَ يومَ عرفةَ؛ غُفر له سنةٌ أمامَه، وسنةٌ خلفه، ومن صام عاشوراء غُفر له سنةٌ".

رواه الطبراني بإسناد حسن، وتقدم.

(1)

[هنا 5 - باب/ رقم (4)].

(1)

قلت: وبينت هناك أنَّ عزوه للطبراني خطأ، وأنَّ الصواب:"رواه البزار"، فراجعه إنْ شئت.

ص: 594

‌8 - (الترغيب في صوم شعبان، وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه).

1022 -

(1)[حسن] عن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما قال:

قلت: يا رسول الله! لَمْ أرَكَ تصوم من شهرٍ من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال:

"ذاكَ شهرٌ تغفلُ الناسُ فيه عنه، بين رجبَ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، وأُحِب أنْ يرفع عملي وأنا صائم".

رواه النسائي.

1023 -

(2)[حسن لغيره] وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُ ولا يفطرُ حتى نقولَ: ما في نفسِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يفطر العامَ، ثم يفطرُ فلا يصومُ حتى نقولَ: ما في نفسه أنْ يصومَ العامَ، وكان أحبَّ الصومِ إليه في شعبان".

رواه أحمد والطبراني.

1024 -

(3)[صحيح] وعنها [يعني عائشة رضي الله عنها] قالت:

"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصومُ حتى نقولَ لا يفطرُ، ويفطر حتى نقولَ: لا يصوم، وما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم استكملَ صيامَ شهرٍ قطّ إلا شهرَ رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صياماً منه في شعبان".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود.

[صحيح] "ورواه النسائي والترمذي وغيرهما: قالت:

ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومُه كلَّه".

ص: 595

[صحيح] وفي رواية لأبي داود: قالت:

"كان أحبَّ الشهورِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يصومَه شعبانُ، ثم يَصِلهُ برمضان".

[حسن] وفي رواية للنسائي: قالت:

"لم يكن رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لشهرٍ أكثرَ صياماً منه لشعبان، كان يصومه، أو عامَّتَه".

[صحيح] وفي رواية للبخاري ومسلم: قالت:

"لم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصومُ شهراً أكثرَ من شعبانَ؛ فإنَّه كان يصومُ شعبانَ كلَّه".

(1)

وكان يقول:

"خذوا من العملِ ما تطيقون، فإنَّ الله لا يمَلُّ حتى تملوا".

وكان أحبُّ الصلاةِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما دووِمَ عليه وأنْ قَلَّتْ، وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها".

1025 -

(4)[صحيح] وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت:

"ما رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان".

(1)

ليس في رواية الشيخين: "فإنه كان يصوم شعبان كله". وإنما هو عند ابن خزيمة وغيره. انظر "الضعيفة"(5086).

ومعنى قوله: (كله) أي: أكثره، كما جاء عنها في رواية النسائي هنا مفسراً:"كان يصومه أو عامته".

وقوله: "خذوا من العمل ما تطيقون" أي: تطيقون الدوام عليه بلا ضرر.

وقوله: "فإنَّ الله لا يمل"؛ قال الإمام النووي: "الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى، فيجب تأويله، فقال المحققون: معناه لا يعاملكم معاملة الملل، فيقطع عنكم ثوابه وفضله رحمته حتى تقطعوا عملكم، وقيل: لا يمل إذا مللتم، وحتى بمعنى: حين".

وقوله: "ما دووم عليه" هو بواوين لأنَّه ماض مجهول من (المداومة) من باب المفاعلة، ويُروى:"ما ديم عليه"، وهو مجهول (دام)، والأول مجهول (داوم). والله أعلم.

ص: 596

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

[صحيح] وأبو داود، ولفظه:

قلت: لم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم في السنةِ شهراً تاماً إلا شعبانَ، كان يَصِلُه برمضانَ".

ورواه النسائي باللفظين جميعاً.

1026 -

(5)[حسن صحيح] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:

"يطَّلع اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النصفِ من شعبانَ، فيغفرُ لجميعِ خلقه إلا لمشركٍ، أو مُشاحن".

رواه الطبراني وابن حبان في "صحيحه".

ص: 597

‌9 - (الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام

(1)

البيض).

1027 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ [لا أدعهن حتى أموت]: صيامِ ثلاثة [أيام]

(2)

من كل شهر، وركعتي الضحى، وأنْ أوتر قبلَ أن أنامَ".

رواه البخاري ومسلم والنسائي.

1028 -

(2)[صحيح] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:

"أوصاني حبيبي بثلاثٍ، لن أدعهن ما عشت: بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وصلاةِ الضحى، وبأن لا أنامَ حتى أوترَ".

رواه مسلم.

1029 -

(3)[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلّ شهرٍ، صومُ الدهرِ كلِّه".

رواه البخاري ومسلم.

1030 -

(4)[صحيح] وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ثلاثٌ من كلِّ شهرٍ، ورمضانُ إلى رمضانَ، فهذا صيامُ الدهرِ كلِّه".

رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

(1)

قال الناجي (126/ 1): "كذا وجد بتعريف الأيام، وكذلك يقع في كثير من كتب الفقه، قال النووي: وهو خطأ عند أهل العربية معدود في لحن العوام؛ لأنَّ الأيام كلها بيض، وإنما صوابه أيام البيض، بإضافة البيض إلى أيام. أي: أيام الليالي البيض".

(2)

زيادة من الشيخين، والأولى في رواية للبخاري (1178).

ص: 598

1031 -

(5)[صحيح] وعن قرة بن إياس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، صيامُ الدهرِ كلِّه وإفطارُه".

رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار والطبراني، وابن حبان في "صحيحه".

1032 -

(6)[حسن صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صومُ شهرِ الصبرِ، وثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ؛ يذهبن وَحَرَ الصدرٍ".

رواه البزار، ورجاله رجال "الصحيح".

1033 -

(7)[صحيح] ورواه أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي؛ الثلاثة من حديث الأعرابي، ولم يسموه.

1034 -

(8)[صحيح لغيره] ورواه البزار أيضاً من حديث علي.

(شهر الصبر): هو رمضان.

(وَحَر الصدر): هو بفتح الواو والحاء المهملة بعدهما راء: هو غشه وحقده ووساوسه.

1035 -

(9)[صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من صامَ من كلِّ شهرٍ ثلاثَةَ أيامٍ، فذلك صيامُ الدهرِ، فأنزلَ اللهُ تصديقَ ذلكَ في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، اليومُ بعشرةِ أيامٍ".

رواه أحمد والترمذي -واللفظ له-، وقال:"حديث حسن"، والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه".

[صحيح لغيره] وفي رواية للنسائي.

"من صامَ ثلاثةَ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، فقد تم [له]

(1)

صوم الشهرِ، أو فله صوم الشهرِ".

(1)

زيادة من "كبرى النسائي"(2/ 2718/134).

ص: 599

1036 -

(10)[صحيح] وعن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:

قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: رجل يصوم الدهر؟ فقال:

"وددت أنَّه لم يطعمِ الدهر".

قالوا: فثلثيه؟

(1)

قال:

"أكثر"

(2)

.

قالوا: فنصفه؟ قال:

"أكثر".

(3)

ثم قال:

"ألا أخبركم بما يُذهِبُ وَحَرَ الصدر؟ صومُ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ".

رواه النسائي.

1037 -

(11)[صحيح] وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له:

"بلغني أنَّك تصومُ النهارَ، وتقومُ الليلَ، فلا تفعل؛ فإنَّ لجسدك عليك حظاً، ولعينك عليك حظاً، وإنَّ لزوجك عليك حظاً، صم وأفطر، صُم من كل شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، فذلك صومُ الدهر".

قلت: يا رسولَ الله! إنَّ لي

(4)

قوة. قال:

"فصم صومَ داودَ عليه السلام، صم يوماً، وأفطر يوماً".

فكان يقول: يا ليتني أخذتُ بالرخصةِ.

(1)

الأصل: "فثلثه" بالإفراد، والتصويب من "النسائي".

(2)

أي: هو أكثر من حد المشروع.

(3)

أقول: لعل المقصود بعدم شرعية صيام نصفه إنما هو إذا كان يَسرد الصوم فيه لا يفطر، بخلاف ما لو صام فيه يوماً وأفطر يوماً، فإنَّه أفضل الصيام كما في الحديث الآتي بعده، ولا سيما ولمسلمٍ في رواية له:"صوم داود نصف الدهر". فتأمله جيداً يتبين لك أنَّه لا تعارض بين الحديثين؛ خلافاً لما ذهب إليه السندي رحمه الله تعالى.

(4)

كذا الأصل. قال الناجي (126/ 1): "هو بالباء، لكنْ طولت فصارت لاماً".

ص: 600

[صحيح] رواه البخاري ومسلم. والنسائي، ولفظه: قال:

ذكرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم، فقال:

"صُمْ من كلِّ عشرةِ أيامٍ يوماً، ولك أجرُ تلك التسعة".

قلت: إنَّي أقوى من ذلك. قال:

"فصُمْ من كلِّ تسعةِ أيام يوماً، ولك أجرُ تلك الثمانية".

فقلت: إنَّي أقوى من ذلك. قال:

"فصُمْ من كلِّ ثمانيةِ أيامٍ يوماً، ولك أجر تلك السبعة".

قلت: إنِّي أقوى من ذلك. قال: فلم يزل حتى قال:

"صم يوماً، وأفطر يوماً".

[صحيح] وفي رواية له أيضاً ولمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"صم يوماً، وَلَكَ أجر ما بقي".

قال: إنِّي أُطيق أكثر من ذلك. قال:

"صم يومين، ولك أجر ما بقي".

قال: إنِّي أُطيق أكثر من ذلك. قال:

"صُمْ الثلاثةَ أيامٍ، ولك أجرُ ما بقي".

قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال:

"صُمْ أربعةَ أيام، ولك أجر ما بقي".

قال: إنِّي أطيق أكثر من ذلك. قال:

"فَصُمْ أفضلَ الصيامِ عندَ الله؛ صومَ داودَ؛ كان يصومُ يوماً، ويفطرُ يوماً".

[صحيح] وفي أخرى للبخاري ومسلم قال:

أُخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه يقول: لأقومنَّ الليل، ولأصومَنَّ النهار ما عشتُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 601

"أنت الذي تقول ذلك؟ ".

فقلتُ له: قد قلته يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"فإنَّك لا تستطيعُ ذلك، فصُمْ وأفطرْ، ونَم وقُم، صُمْ من الشهرِ ثلاثةَ أيام، فإنَّ الحسنَة بعشرِ أمثالها، وذلك مثلُ صيامِ الدهرِ".

قال: فإنِّي أُطيق أفضل من ذلك. قال:

"صم يوماً، وأفطر يومين".

قال: قلت: إنِّي أُطيق أفضل من ذلك يا رسول الله! قال:

"فصم يوماً وأفطر يوماً، وذلك صيامُ داودَ، وهو أعدلُ الصيامِ".

قال: فإنِّي أُطيقُ أفضلَ من ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا أفضلَ من ذلك".

زاد مسلم:

قال عبد الله بن عَمرو: لأنْ أكونَ قبلتُ الثلاثَة [الأيام] التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أحبُّ إلي من أهلي ومالي.

[صحيح لغيره] وفي أخرى لمسلم

(1)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"بلغني أنك تقومُ الليلَ، وتصومُ النهارَ".

قلت: يا رسول الله! ما أردتُ بذلك إلا الخير، قال:

"لا صامَ مَنْ صامَ الدهرَ، -وفي رواية: الأبد-، ولكنْ أدلك على صوم الدهر، ثلاثة أيام من كل شهر".

(1)

لم أرَ هذه الرواية عند مسلم، وقد عزاها إليه ابن الأثير أيضاً في "الجامع"(6/ 332).

كذا في الطبعة السابقة، وسرقه الثلاثة فقالوا (2/ 58):"لم نجد هذه الرواية: "إلخ! وأزيد الآن فأقول:

وإنما هي عنده (3/ 163) بنحوه، وليس عنده فيه:"لا صام من صام الدهر". والصواب عزوه للنسائي فالرواية له (1/ 326)، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، وفي رواية (3/ 162 - 163) مسلم عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، وفيها اضطراب. وللحديث روايات أخرى للشيخين وغيرهما تأتي في (12 - الترغيب في صوم يوم، وإفطار يوم. .).

ص: 602

قلت: يا رسول الله! إني أطيق أفضل من ذلك. الحديث.

1038 -

(12)[حسن صحيح] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا صمتَ من الشهرِ ثلاثاً فصم ثلاثَ عشرة وأربعَ عشرة وخمسَ عشرة".

رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي:"حديث حسن".

[صحيح] وزاد ابن ماجه:

"فأنزل الله تصديقَ ذلك في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، فاليوم بعشرة أيام". [مضى هنا قريباً].

1039 -

(13)[صحيح لغيره] وعن عبد الملك بن قدامة بن ملحان عن أبيه رضي الله عنه قال:

"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا بصيامِ أيامِ البيض، ثلاث عشرة، وأربعَ عشرة، وخمسَ عشرة". قال: وقال:

"هو كهيئةِ الدهرِ".

[صحيح لغيره] رواه أبو داود

(1)

والنسائي ولفظه:

أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بهذه الأيامِ الثلاثِ البيض، ويقول:

"هنَّ صيام الشهر".

(قال المملي) رضي الله عنه: هكذا وقع في النسائي: "عبد الملك بن قدامة"، وصوابه:"قتادة"، كما جاء في أبي داود وابن ماجه، وجاء في النسائي وابن ماجه أيضاً:

"عبد الملك بن المنهال عن أبيه".

1040 -

(14)[حسن لغيره] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"صيامُ ثلاثةِ أيامٍ من كلّ شهر صيامُ الدهر، أيام البيض صبيحة ثلاثَ عشرة، وأربعَ عشرة، وخمس عشرة".

رواه النسائي بإسناد جيد، والبيهقي.

(1)

قلت: وكذا ابن حبان (946).

ص: 603

‌10 - (الترغيب في صوم الاثنين والخميس).

1041 -

(1)[صحيح لغيره] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"تُعرض الأعمالُ يومَ الاثنين والخميس، فأحب أنْ يُعرض عملي وأنا صائم".

رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

1042 -

(2)[صحيح لغيره] عن أبي هريرة أيضاً؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم:

كان يصوم الاثنين والخميس. فقيل: يا رسول الله! إنَّك تصوم الاثنين والخميس؟ فقال:

"إنَّ يومَ الاثنين والخميس يَغفرُ الله فيهما لكل مسلم؛ إلا مُهتَجِرَيْن

(1)

، يقول: دَعهما حتى يَصطلحا".

(2)

رواه ابن ماجه ورواته ثقات.

ورواه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي باختصار ذكر الصوم.

[صحيح] ولفظ مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تُعرَضُ الأعمالُ في كلِّ [يوم] اثنين وخميس، فَيغفرُ الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شَحناء، فيقول: ارْكُوا

(3)

هذين حتى يصطلحا".

(1)

أي: متقاطعين لأمر لا يقتضي ذلك، وإلا فالتقاطع للدين والتأديب للأهل جائز.

(2)

الظاهر أنَّ الخطاب للملَك الذي يعرض الأعمال، فمعنى (دعهما) أي: لا تعرض عملهما، أو لعله إذا غفر لأحد يضرب الملك على سيئاته أو يمحوها من الصحيفة، فمعنى دعهما: لا تسمح سيئاتهما.

(3)

الأصل: "اتركوا"، وكأنَّه رواية بالمعنى، نبه على ذلك الناجي، والتصحيح من مسلم، وخفي ذلك على المعلقين الثلاثة! وفيما سيأتي في (23 - الأدب/ 11).

ص: 604

[صحيح] وفي رواية له:

"تُفتح أبوابُ الجنة يوم الاثنين و [يوم] الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء" الحديث.

1043 -

(3)[حسن صحيح] وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:

قلت: يا رسولَ الله! إنَّك تصومُ حتى لا تكادَ تفطرُ، وتفطرُ حتى لا تكاد تصومُ، إلا يومين إنْ دخلا في صيامك، وإلا صمتَهما. قال:

"أي يومين؟ ".

قلت: يوم الاثنين والخميس. قال:

"ذانِك

(1)

يومان تعرض فيهما الأعمالُ على ربِّ العالمين، فأُحِبُّ أنْ يُعرض عملي وأنا صائم".

رواه أبو داود والنسائي، وفي إسناده رجلان مجهولان: مولى قدامة ومولى أسامة.

(2)

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن شرحبيل بن سعد عن أسامة قال:

كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس، ويقول:

"إنَّ هذين اليومين تُعرض فيهما الأعمال".

1044 -

(4)[صحيح] وعن عائشة رضي الله عنها قالت:

"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صومَ الاثنين والخميس".

رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: "حديث حسن غريب".

(1)

الأصل: (ذلك)، قال الناجي:"كذا وجد في أكثر النسخ، ولعله من النساخ، وصوابه (ذانك) لكنْ تصحف بـ (ذلك)، إذ اللفظتان متقاربتان خطّاً. وفي القرآن {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} ".

قلت: وعلى الصواب جاء في النسائي (1/ 322) والسياق له، ورواه أحمد في حديث، انظر "الإرواء"(4/ 103). وغفل عنه الثلاثة.

(2)

قلت: هما في إسناد أبي داود (2436) فقط دون إسناد النسائي (1/ 322)، وهو حسن، والسياق له.

ص: 605

‌11 - (الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد، وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم، أو السبت).

1045 -

(1)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تَخُصّوا ليلةَ الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام؛ إلا أنْ يكون في صوم يصومه أحدكم".

رواه مسلم والنسائي.

1046 -

(2)[صحيح] وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"لا يصومُ أحدكم يومَ الجمعة، إلا أنْ يصومَ يوماً قبله أو يوماً بعده".

رواه البخاري -واللفظ له

(1)

- ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه".

1047 -

(3)[صحيح] وعن أم المؤمنين جُوَيرية بنت الحارث رضي الله عنها:

أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يومَ الجمعة وهي صائمة؟ فقال:

"أصمتِ أمس؟ ".

قالت: لا.

قال: "أتريدين أنْ تصومي غداً؟ ".

قالت: لا. قال:

"فأفطري".

رواه البخاري وأبو داود.

(1)

قلت: ليس كذلك، بل لفظه:"لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده". قال الحافظ في "شرحه"(4/ 203): "تقديره: إلا أنْ يصوم يوماً قبله، لأنَّ (يوماً) لا يصح استثناؤه من يوم الجمعة". وألفاظ الآخرين بنحوه، فكأنَّ المصنف رواه بالمعنى.

ص: 606

1048 -

(4)[صحيح] وعن محمد بن عباد قال:

سألت جابراً وهو يطوف بالبيت: أَنَهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صيامِ [يوم] الجمعة؟ قال: نعم، وربِّ هذا البيت!

رواه البخاري ومسلم.

1049 -

(5)[صحيح] وعن عبد الله بن بُسْر عن أخته الصَّماء رضي الله عنها؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تصوموا يومَ

(1)

السبت إلا فيما افتُرض عليكم، فإنْ لم يجدْ أحدُكم إلا لِحاءَ عِنَبَةٍ، أو عودِ شجرةٍ فليمضَغْه".

(2)

رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، وأبو داود وقال:

"هذا حديث منسوخ"

(3)

.

(1)

الأصل: (ليلة)، وهو خطأ مطبعي فاحش، ومع ذلك غفل عنه المحققون الثلاثة -زعموا-!

(2)

قال في النهاية: "أراد قشر العنبة استعارة من قشر العود. والله أعلم".

(3)

قلت: لا دليل على النسخ، ونحوه حَمْلُ الحديث على إفراد السبت بالصوم كما يأتي من المصنف، فإنَّه وإنْ قال به كثير من العلماء كما كنت ذكرت في الطبعة السابقة، وجريت مجراهم، فقد ظهر لي أنَّ الأقرب أنَّه لا يشرع صيامه مطلقاً إلا في الفرض، مشياً مع ظاهر الحديث؛ لأنَّه نهى أولاً نهياً عاماً، ثم استثنى الفرض فقط، ثم أكد الأمر بإفطاره في غير الفرض بقوله:"فإنْ لم يجد أحدكم إلا. ."، وحديث أبي هريرة لا ينهض لتخصيصه؛ لأنَّه مبيح، وهذا حاظر، والحاظر مقدم على المبيح كما هو معلوم من علم الأصول، مع منافاته للحصر المذكور فيه كما تقدم، والله أعلم.

ومن شاء التفصيل فلينظره في كتابي "تمام المنة"(ص 405 - 408)، و"الصحيحة (3101)، ومن الملاحظ أنَّ هناك شبه اتفاق على صحة الحديث، أما الذين صرحوا بصحته -وهم جمع كثير ترى أسماءهم هناك-، فمنهم المتأول له ومنهم القائل بنسخه، وذلك يعني صحته عندهم كما هو ظاهر، وأما إعلال بعضهم إياه بالاضطراب فهو مرجوح، على أنه خاص في طريق واحدة، والطرق الأخرى سالمة منه. فمن أعله من المعاصرين، فلضيق عطنه، وعجزه عن الخوض في هذا المعترك، ومن هذا القبيل موقف المعلقين الثلاثة، فإنهم مع تصديرهم إياه بقولهم: "صحيح الإسناد، رواه الترمذي. . ."، ختموا تخريجهم بقولهم: "لكنَّ الحديث معلول. ."!!

ص: 607

ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" عن عبد الله بن بسر، دون ذكر أخته.

[صحيح لغيره] ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" أيضاً عن عبد الله بن شقيق

(1)

عن عمته الصماء أخت بسر؛ أنَّها كانت تقول:

"نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِ يوم السبت، ويقول:

"إنْ لم يجدْ أحدكم إلا عوداً أخضر؛ فليفطر عليه".

(اللحاء) بكسر اللام وبالحاء المهملة ممدوداً: هو القشر.

(قال الحافظ):

"وهذا النهي إنما هو عن إفراده بالصوم، لما تقدم من حديث أبي هريرة:

"لا يصوم أحدكم يومَ الجمعة؛ إلا أن يصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده".

فجاز إذاً صومه"

(2)

.

(1)

كذا وقع في أصل "صحيح ابن خزيمة" فصححه الدكتور الأعظمي فجعله (عبد الله بن بسر) معتمداً على "سنن البيهقي" وعلى تعقيب ابن خزيمة على الحديث (3/ 317). وعلى الصواب وقع أيضاً في "كبرى النسائي"(2/ 143)، وسقط من "الصحيح" لفظ (ابن) مضافاً إلى (عبد الله ابن بسر) وسماه المزي (يحيى)، ولم أجد له ترجمة.

(2)

هذا رأي كثير من العلماء كما ذكرت آنفاً، مع بيان الراجح عندي. ومع ذلك فإن الرأي المذكور يعني أنه لا يجوز إفراد صوم يوم عاشوراء أو عرفة إذا وافق يوم السبت، وهذا مما يغفل عنه الجماهير. فينبغي التنبه له.

ص: 608

‌12 - (الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم، وهو صوم داود عليه السلام.

1050 -

(1)[صحيح] عن عبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّك لتصومُ النهارَ، وتقومُ الليلَ".

قلت: نعم. قال:

"إنَّك إذا فعلتَ ذلك هَجَمَتْ له العين، ونَفِهَتْ له النفس، لا صامَ من صامَ الأبَد، صومُ ثلاثة أيام من الشهر، صومُ الشهر كله".

قلت: فإنِّي أطيق أكثر من ذلك. قال:

"فصُمْ صومَ داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يَفِرُّ إذا لاقى".

(1)

وفي رواية:

"ألم أُخبَرْ أنَّك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل؟ فلا تفعل، فإنَّ لعينك حَظاً، ولنفسك حظاً، ولأهلك حَظاً، فصُمْ وأفطرْ، وصلِّ ونَمْ، وصُمْ من كل عشرةِ أيام يوماً، ولك أجرُ تسعةٍ".

قال: إني أجد

(2)

أقوى من ذلك يا نبي الله! قال:

"فصُمْ صيامَ داودَ".

قال: وكيف كان يصوم يا نبي الله؟ قال:

"كان يصومُ يوماً ويفطر يوماً، ولا يفرُّ إذا لاقى".

(1)

أي: لا يهرب إذا لاقى العدو. وقيل في ذكر هذا عقب ذكر صومه إشارة إلى أنَّ الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن، ولا يضعفه عن لقاء العدو، بل يستعين بفطر يوم على صيام يوم، فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق، ويجد مشقة الصوم في يوم الصيام؛ لأنَّه لم يعتده بحيث يصير الصيام له عادة، فإنَّ الأمور إذا صارت عادة سهلت مشاقها. كذا في حاشية الأصل.

(2)

كذا وجد، وإنما هي:"أجدني"، لكنْ سقط بقيتها. كذا في "العجالة"(126/ 2).

ص: 609

وفي أخرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"لا صومَ فوق صومِ داودَ عليه السلام، شطر الدهر، صُم يوماً، وأفطر يوماً".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

[صحيح] وفي رواية لمسلم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:

"صم يوماً، ولك أجرُ ما بقي".

قال: إنِّي أطيقُ أفضل من ذلك. قال:

["صم يومين، ولك أجر ما بقي".

قال: إنِّي أطيق أكثر من ذلك. قال:]

"صم ثلاثةَ أيام، ولك أجر ما بقي".

قال: إنِّي أطيق أفضلَ من ذلك. قال:

["صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي".

قال: إنِّي أطيق أكثر من ذلك]. قال:

"صمِ أفضل الصيام عند الله، صومَ داود عليه السلام، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً". [مضى هنا 9/ رقم (11)].

[صحيح] وفي رواية لمسلم وأبي داود: قال:

"فصُمْ يوماً وأفطرْ يوماً، وهو أعدلُ الصيامِ، وهو صيامُ داودَ عليه السلام".

قلت: إنِّي أطيق أفضل من ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا أفضلَ من ذلك".

(1)

[صحيح] وفي رواية للنسائي:

(1)

قلت: وهذه الرواية عند البخاري أيضاً دون قوله: "وهو أعدل الصيام"، وهو في "مختصري للبخاري"(66 - فضائل القرآن/ 34 - باب).

ص: 610

"صُمْ أحبُّ الصيامِ إلى اللهِ عز وجل صومَ داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً".

[صحيح لغيره] وفي رواية لمسلم قال:

"كنت أصوم الدهرَ، وأقرأ القرآنَ كلَّ ليلة، قال: فإمَّا ذكرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم، وإمَّا أرسل إليّ، فأتيته فقال:

"ألم أخبرْ أنك تصومُ الدهرَ، وتقرأُ القرآنَ كلُّ ليلة؟ ".

فقلت: بلى يا نبي الله! ولم أُرِد بذلك إلا الخير. قال:

"فإنَّ بحسبك أنْ تصومَ من كلِّ شهرٍ ثلاثة أيامٍ".

فقلت: يا نبيَّ الله! إنِّي أطيقُ أفضل من ذلك. قال:

"فإنَّ لزوجِكَ عليك حقاً، ولزَورِك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً.

(قال:) فصُمْ صومَ داودَ نبيَّ الله!، فإنَّه كان أعبدَ الناس".

قال: قلت: يا نبي الله! وما صوم داود؟ قال:

"كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، (قال:) واقرأ القرآن في كل شهر".

قال: قلت: يا رسول الله! إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال:

"فاقرأه في كل عشرين".

قال: قلت: يا نبي الله! إنِّي أطيق أفضل من ذلك. قال:

"فاقرأه في كل عشر".

قال: قلت: يا نبي الله! إنِّي أطيق أفضل من ذلك. قال:

"فاقرأه في كلِّ سَبع، ولا تَزِد على ذلك؛ فإنَّ لزوجك عليك حقاً، ولزَوْرِك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً".

(1)

(1)

هذه الرواية من طريق عكرمة بن عمار التي أشرت إليها في التعليق على الحديث رقم (11) الباب (1037): وفي آخرها: قال: فشدَّدت فشدد علي. قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر". قال فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما كَبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 611

1051 -

(2)[صحيح] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أحبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داود، وأحبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داود؛ كان ينام نصفَ الليلِ، ويقوم ثلثَه، وينام سُدْسَه، وكان يُفطر يوماً، ويصوم يوماً".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

(هجمت العين) بفتح الهاء والجيم، أي: غارت وظهر عليها الضعف.

(ونَفِهت النفس) بفتح النون وكسر الفاء، أي: كَلَّت وملت وأعيت.

(والزَّور) بفتح الزاي: هو الزائر، الواحد والجمع فيه سواء.

ص: 612

‌13 - (ترهيب المرأة أنْ تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا أنْ تستأذنه).

1052 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يحلُّ لامرأةٍ أنْ تصومَ وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه؛ ولا تأذنَ في بيته إلا بإذنه".

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

[حسن] ورواه أحمد بإسناد حسن

(1)

، وزاد:

"إلا رمضان".

[صحيح] وفي بعض روايات أبي داود:

"غير رمضان".

[صحيح] وفي رواية للترمذي وابن ماجه:

"لا تصم المرأة وزوجها شاهدٌ يوماً من غيرِ شهر رمضانَ إلا بإذنه".

ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" بنحو الترمذي.

(1)

قلت: هو كما قال، أخرجه (2/ 444 و 476) من طريق موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، لكنَّه أخرجه (2/ 245) بإسناد آخر صحيح عنه. وبه أخرجه الترمذي وابن ماجه.

وهو مخرج في "الإرواء"(7/ 63) و"الصحيحة"(395).

ص: 613

‌14 - (ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه، وترغيبه في الإفطار).

1053 -

(1)[صحيح] عن جابر رضي الله عنه:

أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ عامَ الفتحِ إلى مكةَ في رمضانَ، فصام، حتى بلغ (كُراع الغَميم) وصامَ الناسُ، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناسُ إليه، ثم شرب. فقيل له بعد ذلك: إنَّ بعضَ الناسِ قد صامَ؟ فقال:

"أولئك العصاةُ، أولئك العصاةُ".

وفي رواية:

"فقيل له: إنَّ الناسَ قد شقَّ عليهم الصيامُ، إنما ينظرون فيما فعلتَ. فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعدَ العصر" الحديث.

رواه مسلم.

(1)

(كُراع) بضم الكاف.

(الغَميم) بفتح الغين المعجمة: وهو موضع على ثلاثة أميال من (عُسفان).

(2)

1054 -

(2)[صحيح] وعنه قال:

كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فرأى رجلاً قد اجتمع الناسُ عليه، وقد ظُلِّل عليه، فقال: ما له؟ قالوا: رجلٌ صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ليسَ البرَّ أنْ تصوموا في السفر".

(1)

(ج 3/ 141 - 142)، وكان في الأصل زيادة وتكرار فحذفته، لمخالفته لـ"مسلم"، ولعدم ورود ذلك في "مختصر الترغيب" للحافظ (ص 85). وقد نقل كلامي هذا المعلقون الثلاثة (2/ 72)، ولجهلهم حملوه على الرواية الثانية المذكورة أعلاه، فقالا:"وحذف الألباني الرواية الثانية الواردة، وقال. .". وإنما حذفت قوله المكرر في الأصل وهو: "وفي رواية: فقيل له: إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة"! وبعده الرواية الثانية المذكورة أعلاه.

(2)

قلت: وهذا موضع على مرحلتين من مكة.

ص: 614

(زاد في رواية):

"وعليكم برخصةِ اللهِ التي رخَّصَ لكم".

(1)

وفي رواية:

"ليس من البرِّ الصومُ في السفر".

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[صحيح] وفي رواية للنسائي:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجلٍ في ظلِّ شجرةٍ يرشُّ عليه الماء، فقال:

"ما بال صاحبكم؟ ".

قالوا: يا رسول الله! صائم. قال:

"إنَّه ليس من البرِّ أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصةِ الله التي رخَّص لكم، فاقبلوها".

1055 -

(3)[حسن صحيح] وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:

أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة، فَسِرنا في يوم شديدِ الحر، فنزلنا في بعض الطريق، فانطلق رجل منا فدخل تحت شجرة، فإذا أصحابه يلوذون به، وهو مضطجع كهيئة الوجِع، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما بال صاحبكم؟ ".

قالوا: صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ليس من البرِّ أنْ تصوموا في السفرِ، عليكم بالرخصة التي رخَّص الله لكم، فاقبلوها".

رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن.

(1)

هذه الزيادة ليست إلا عند النسائي، وهي مخرجة في "إرواء الغليل"(4/ 54 - 57).

ص: 615

1056 -

(4)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:

سار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنزل بأصحابه، وإذا ناسٌ قد جعلوا عريشاً على صاحبهم، وهو صائم، فمرَّ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:

"ما شأن صاحبِكُم! أوَجعٌ؟ ".

قالوا: لا يا رسول الله، ولكنَّه صائم، وذلك في يوم حرور.

(1)

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا بِرَّ أنْ يُصامَ في سفرٍ".

رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال الصحيح.

(2)

1057 -

(5)[صحيح] وعن كعب بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ليس مِنَ البرِّ الصيامُ في السفرِ".

رواه النسائي وابن ماجه بإسناد صحيح.

1058 -

(6)[صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ليس من البرِّ الصومُ في السفرِ".

رواه ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".

1059 -

(7)[حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إن اللهَ تبارك وتعالى يُحبُّ أن تؤتى رُخصُه، كما يكره أن تُؤتى معصيتُه".

(1)

وزان (رسول): الريح الحارة، قال الفراء: تكون ليلاً ونهاراً. "المصباح".

(2)

قلت: وتبعه الهيثمي (3/ 161)، وهو من أوهامهما، فإنَّه في "الكبير"(13/ 45/ 109) من طريق حيي عن أبي عبد الرحمن عنه، حيي -هو ابن عبد الله المعافري- ليس من رجال "الصحيح"، وهو صدوق يهم. فهو حسن.

ص: 616

رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار، والطبراني في "الأوسط" بإسناد حسن، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

(1)

[حسن صحيح] وفي رواية لابن خزيمة قال:

"إنَّ الله يحبُّ أنْ تؤتى رخصُه؛ كما يحب أنْ تتركَ معصيتُه".

1060 -

(8)[صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ الله يحب أن تؤتى رخصُه؛ كما يحب أنْ تؤتى عزائمه".

رواه البزار بإسناد حسن والطبراني، وابن حبان في "صحيحه".

1061 -

(9)[صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قال:

كنا مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائمُ، ومنا المفطرُ، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حارّ، أكثرنا ظلاً صاحبُ الكساء، ومنا من يَتَّقي الشمسَ بيده، قال: فسقط الصُّوّامُ، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسَقَوْا الرِّكاب

(2)

، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ذهب المفطرونَ اليومَ بالأجرِ".

رواه مسلم.

(3)

1062 -

(10)[صحيح] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:

غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لِسِتَّ عَشْرَةَ مضت من رمضان، فمنا من صام،

(1)

قلت: إسناده عندهم جميعاً يدور من طرق على عمارة بن غزية عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر. وهذا إسناد حسن؛ حرب هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وسقط من إسناد أحمد في رواية، فصارت ظاهرة الصحة ولكنها شاذة لمخالفتها الطرق المشار إليها، ولرواية أحمد الأخرى. انظر تفصيله في "الإرواء"(3/ 9 - 13).

(2)

هما المطي، الواحدة:(راحلة) من غير لفظها.

(3)

وكذا البخاري والنسائي وغيرهما بنحوه. كذا في "العجالة"(126/ 2). وهو في "السنن الكبرى" للنسائي، كما في "الضعيفة" تحت الحديث (84). وهو في كتابي "مختصر البخاري"(56 - الجهاد/ 81 - باب).

ص: 617

ومنا من أفطر، فلم يُعب الصائمُ على المفطرِ، ولا المفطرُ على الصائم.

وفي رواية:

يرون أنَّ من وجدَ قوةً فَصَامَ، فإنَّ ذلك حسن، ويرون أنَّ من وجد ضعفاً فأفطر، فإنَّ ذلك حسن.

رواه مسلم وغيره.

(قال الحافظ):

"اختلف العلماء أيهما أفضل في السفر؛ الصوم أو الفطر؟ فذهب أنس بن مالك رضي الله عنه إلى أنَّ الصوم أفضل، وحُكي ذلك أيضاً عن عثمان بن أبي العاصي، إليه ذهب إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال مالك والفضيل بن عياض والشافعي: الصوم أحب إلينا لمن قوي عليه. وقال عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: الفطر أفضل. وروي عن عمر بن عبد العزيز وقتادة ومجاهد: أفضلهما أيسرهما على المرء. واختار هذا القول الحافظ أبو بكر بن المنذر، وهو قول حسن. والله أعلم".

(1)

(1)

قلت: ولقد صدق رحمه الله، "أفضلهما أيسرهما"، والناس تختلف طاقاتهم وظروفهم.

فليأخذ كل منهم بما هو أيسر له، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن سأله عن الصوم في السفر:"صم إن شئت، وأفطر إن شئت". رواه مسلم (3/ 145)، وفي طريق آخر صحيح بلفظ:"أي ذلك عليك أيسر فافعل"، وهو مخرج في "الصحيحة"(2884).

ص: 618

‌15 - (الترغيب في السحور سيما بالتمر).

1063 -

(1)[صحيح] عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تسحَّروا فإنَّ في السحور

(1)

بركة".

رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.

1064 -

(2)[صحيح] وعن عمرو بن العاصي رضي الله عنه؛ [أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال:

(2)

"فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلةُ السحر".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة.

1065 -

(3)[حسن لغيره] وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"البركة في ثلاثة: في الجماعة، والثريد، والسحور".

رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته ثقات، وفيهم (أبو عبد الله البصري)، لا يُدرى من هو؟

(1)

روي بفتح السين المهملة وضمها، فالمفتوح اسم المأكول، والمضموم اسم للفعل، وكلاهما صحيح هنا، والأمر للندب والاستحباب بإجماع العلماء، وكون السحور فيه بركة ظاهر؛ لأنَّه يقوّي على الصيام، وينشط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد في الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر، وقيل في معناه غير ذلك. والله أعلم.

(2)

كذا وجد في هذا الكتاب، وقد سقط منه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. ولا بد منه إذ الحديث مرفوع في نفس الرواية عند من رواه، ولا أدري ما سبب إسقاط رفعه؛ وكذا وقع قريب من هذا في غير هذا الموضع، وهو خطأ بلا شك، كذا في "العجالة"(126/ 2).

قلت: وكذلك وقع في "مختصر الترغيب" لابن حجر (ص 87)، ولم ينتبه لذلك محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي؛ ولذلك استدركت السقط، فجعلته بين المعكوفتين، خلافاً لما فعله المعلقون الثلاثة الذين لم يستدركوها مع ذكرهم أرقام المصادر الخمسة! فيا لهم من محققين!!

ص: 619

1066 -

(4)[حسن صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ اللهَ وملائكتة يصلون على المتسحرين".

رواه الطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه".

1067 -

(5)[صحيح لغيره] وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:

دعاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضانَ فقال:

"هَلُمَّ إلى الغَداءِ المباركِ".

رواه أبو داود والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

قال المملي رضي الله عنه: رووه كلهم عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض، والحارث لم يرو عنه غير يونس بن سيف، وقال أبو عمر النَّمِري:

"مجهول، يروي عن أبي رهم، حديثه منكر".

(1)

1068 -

(6)[صحيح لغيره] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"هو

(2)

الغداءُ المبارك. يعني السحور".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

1069 -

(7)[صحيح] وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:

دخلتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر، فقال:

"إنَّها بركة أعطاكم الله إياها، فلا تدَعوه".

رواه النسائي بإسناد حسن.

(1)

قلت: إنْ كان يعني هذا كما هو الظاهر فلا وجه لإنكاره لكثرة شواهده، وبعضها صحيح كحديث المقدام بن معدي كرب بلفظ:"عليكم بغداء السحور، فإنَّه هو الغداء المبارك". رواه النسائي وغيره وهو مما فات المصنف، وقد خرَّجته في "الصحيحة"(3408).

(2)

الأصل: (هلم)، والمثبت من "الموارد"(881) و"الإحسان". وفيه عقب هذا حديث آخر، لكنه ضعيف فهو في الكتاب الآخر، ومثله غيره.

ص: 620

1070 -

(8)[حسن لغيره] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"السحورُ كلُّه بركة، فلا تَدَعوه، ولو أنْ يجرعَ أحدكم خرعةً من ماء، فإنَّ الله عز وجل وملائكتَه يصلون على المتسحرين".

رواه أحمد، وإسناده قوي.

(1)

1071 -

(9)[حسن صحيح] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"تسحروا ولو بجرعةٍ من ماءٍ".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

1072 -

(10)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"نِعمَ سحورٌ المؤمنِ التمرُ".

رواه أبو داود وابن حبان في "صحيحه".

(1)

قال الناجي (126/ 2): "ليس كذلك، بل هو ضعيف لمكان عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فإنَّ أحمد رواه عن إسحاق بن عيسى، وهو ابن الطباع عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عنه".

قلت: لكنْ له في "مسند أحمد"(3/ 12) طريق أخرى ليس فيها عبد الرحمن هذا، فالحديث قوي بمجموع الطريقين وبشواهده التي منها الآتي بعده، والذي تقدم في الباب برقم (3 - 7).

ص: 621

‌16 - (الترغيب في تعجيل الفطر وتأخير السحور).

1073 -

(1)[صحيح] عن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يزالُ الناسُ بخيرٍ؛ ما عجَّلوا الفطر".

رواه البخاري ومسلم والترمذي.

1074 -

(2)[صحيح] وعنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تزالُ أمتي على سنتي؛ ما لم تنتظر بفطرها النجوم".

رواه ابن حبان في "صحيحه".

1075 -

(3)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا يزال الدينُ ظاهراً ما عجَّل الناس الفطرَ؛ لأنَّ اليهود والنصارى يؤخرون".

رواه أبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وعند ابن ماجه:

"لا يزال الناس بخير. . .".

1076 -

(4)[صحيح] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

"ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قط صلَّى صلاةَ المغربِ حتى يُفطَر؛ ولو على شربةٍ من ماءٍ".

رواه أبو يعلى، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما".

ص: 622

‌17 - (الترغيب في الفطر على التمر، فإنْ لم يجد فعلى الماء).

1077 -

(1)[حسن] وعن أنس رضي الله عنه قال:

"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يفطرُ قبل أنْ يصليَ على رُطَبَات، فإنْ لم تكن رُطَبات فتَمَراتٌ، فإنْ لم تكن تَمَرات حسا حَسَواتٍ من ماء".

رواه أبو داود والترمذي، وقال:

"حديث حسن".

‌18 - (الترغيب في إطعام الصائم).

1078 -

(1)[صحيح] عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"من فطّر صائماً؛ كان له مثل أجره، غير أنَّه لا ينقص من أجر الصائم شيء".

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح".

[صحيح] ولفظ ابن خزيمة والنسائي

(1)

:

"من جهز غازياً، أو جهز حاجاً، أو خلَفه في أهله، أو فَطَّر صائماً؛ كان له مثل أجورهم، من غير أنْ ينقص من أجورهم شيء".

‌19 - (ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده).

[لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].

(1)

في "السنن الكبرى"(2/ 256/ 3330).

ص: 623

‌20 - (ترهيب الصائم من الغيبة والفحش والكذب ونحو ذلك).

1079 -

(1)[صحيح] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"من لم يَدع قولَ الزورِ والعملَ به؛ فليس للهِ حاجة في أنْ يَدعَ طعامَه وشرابَه".

[صحيح] رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعنده:

"من لم يدع قول الزور والجهلَ والعمل به".

وهو رواية للنسائي.

(1)

1080 -

(2)[حسن لغيره] ورواه الطبراني

(2)

في "الصغير" و"الأوسط" من حديث أنس بن مالك، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من لم يَدعِ الخنا والكذب؛ فلا حاجَة لله أنْ يدعَ طعامه وشرابه".

1081 -

(3)[صحيح] وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"قال اللهُ عز وجل: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ، فإنَّه لي، وأنا أجزي

(1)

قلت: في "السنن الكبرى"(2/ 238 - 239) وكذا البخاري؛ إلا أنَّهما قالا: "والعمل به والجهل". انظر "مختصر البخاري"(921)، وقد سقط منه زيادة "والجهل"، فاستدركتها في نسختي منه لتستدرك في الطبعة الثانية إنْ شاء الله تعالى -وقد تم طبعها والحمد لله- برقم (886) ولكنْ فاتنا وضعها بين معكوفتين إشارة إلى أنها زيادة في رواية مسنده.

(2)

رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط" كما قال؛ لكنْ بسند قال الهيثمي: "فيه من لم أعرفه"! فقصر، وقال الحافظ:"رجاله ثقات"! وفيه نظر بينته في "الروض النضير"(118)، وهذا الحديث مما سقط من مطبوعة "المعجم الأوسط" في جملة أحاديث هي في وجهين من "المصورة"(1/ 208 / 2 - 209/ 2)، وعددها (13) هذا أحدها! وقد استُدركت في الطبعة الجديدة منه (4/ 65 - 69 - طبعة الحرمين) ورقمه فيها (3622).

ص: 624

به، والصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كانَ يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرفُثْ، ولا يصخب، فإنْ سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إنِّي صائمٌ، إنِّي صائم" الحديث.

رواه البخاري -واللفظ له- ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وتقدم بطرقه وذكر غريبه في [أول]"الصيام".

1082 -

(4)[صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ليس الصيامُ من الأكلِ والشربِ، إنما الصيامُ من اللغو والرفث، فإنْ سابَّك أحدٌ أو جهل عليك، فقل: إنِّي صائم، إنِّي صائم".

رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم وقال:

"صحيح على شرط مسلم".

[حسن] وفي رواية لابن خزيمة

(1)

عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"لا تَسابَّ وأنت صائم، فإنْ سابَّك أحدٌ فقل: إنِّي صائم، وإنْ كنت قائماً فاجلس".

1083 -

(5)[حسن صحيح] وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائِمٍ ليس له من قيامه إلا السّهَرُ".

[حسن صحيح] رواه ابن ماجه -واللفظ له- والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط البخاري"، ولفظهما:

"رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوعُ والعطشُ، وربَّ قائمٍ حظُّه من قيامِه السهرُ".

(1)

قلت: وعنه ابن حبان (897 - موارد).

ص: 625

[حسن صحيح] ورواه البيهقي ولفظه:

"رُبَّ قائمٍ حظُّه من القيامِ السهرُ، ورُبَّ صائمٍ حظُّه من الصيامِ الجوعُ والعطشُ".

1084 -

(6)[صحيح لغيره] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوعُ والعطشُ، ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامِه السهرُ".

رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناده لا بأس به.

‌21 - (الترغيب في الاعتكاف).

[لم يذكر تحته حديثاً على شرط كتابنا].

ص: 626

‌22 - (الترغيب في صدقة الفطر، وبيان تأكيدها

(1)

).

1085 -

(1)[حسن] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

"فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صدقةَ الفطرِ طُهرةً للصائمِ من اللغوِ والرفثِ، طُعمةً للمساكين، فمنَ أداها قبل الصلاة؛ فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة؛ فهي صدقةٌ من الصدقةِ".

رواه أبو داود وابن ماجه، والحاكم، وقال:

"صحيح على شرط البخاري".

قال الخطابي رحمه الله: "قوله: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر) فيه بيان أنَّ صدقة الفطر فرض واجب، كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال، وفيه بيان أنَّ ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما فرض الله؛ لأنَّ طاعته صادرة عن طاعة الله. وقد قال بفرضية زكاة الفطر ووجوبها عامة أهل العلم. وقد عللت بأنَّها طهرة للصائم من الرفث واللغو، فهي واجبة على كل صائم في ذي جِدَةٍ، أو فقير يَجدُها فضلاً عن قوته: إذ كان وجوبها لعلة التطهير، وكل الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب" انتهى

(2)

.

وقال الحافظ أبو بكر بن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أنَّ صدقة الفطر فرض، وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي

(3)

، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم" انتهى.

(1)

أضيفت الصدقة إلى الفطر لوجوبها بالفطر من رمضان. وقال ابن قتيبة:

"المراد بزكاة الفطر زكاة النفوس، مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة، وحكمها الوجوب إجماعاً، ولا عبرة بمن خالف وشذ. والله أعلم".

(2)

"معالم السنن"(3/ 214).

(3)

قلت: يعني الحنفية، ولكنهم لا يقولون هنا بالفرضية، وإنما بالوجوب، ولهم في التفريق بينهما فلسفة خاصة؛ خالفوا في ذلك الجماعة، ولا يتسع المجال هنا لبيانها.

ص: 627

1086 -

(2)[صحيح لغيره] وعن عبد الله بن ثعلبة، أو ثعلبة بن عبد الله بن صُعير

(1)

عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"صاع من بُرِّ أو قمحٍ، على كلِّ اثنين صغيرٍ أو كبيرٍ، حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى. . .".

رواه أحمد وأبو داود

(2)

.

(صُعير): هو بالعين المهملة مصغراً.

(1)

الأصل: (أبي صعير)، والصواب:"بن صعير" بإسقاط أداة الكنية، كما نبه عليه الناجي، وغفل عنه الثلاثة المعلقون كما هي عادتهم.

(2)

وهو مخرج في "الصحيحة"(1177)، و"صحيح أبي داود"(1434).

ص: 628

‌10 - كتاب العيدين

(1)

والأضحية.

‌1 - (الترغيب في إحياء ليلتي العيدين).

‌2 - (الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله).

[لم يذكر تحتهما أحاديث على شرط كتابنا].

‌3 - (الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضحِّ مع القدرة، ومَن باع جلد أضحيته).

1087 -

(1)[حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من وجد سَعةً لأن يضحي فلم يُضَحِّ؛ فلا يحضُرْ مصلانا".

رواه الحاكم مرفوعاً هكذا وصححه، وموقوفاً، ولعله أشبه.

1088 -

(2)[حسن] وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من باع جلد أضحيته فلا أضحيةَ له".

رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد".

(قال الحافظ): "في إسناده عبد الله بن عيّاش القِتْبَاني المصري، مختلف فيه، وقد جاء في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع جلد الأضحية.

(2)

(1)

كتاب (العيدين): تثنية (عيد)، عيد الأضحى وعيد الفطر، مشتق من (العَوْد) لتكرره كل عام أو لعود السرور بعوده. أو لكثرة عوائد الله على عباده فيه. وجمعه (أعياد) بالياء، وإن كان أصله الواو للزومها في الواحد، أو للفرق بينه وبين أعواد الخشب.

(2)

قال الناجي: "لا أستحضر الآن في هذا المعنى غير الحديث المذكور من طريق عبد الله، وقد رواه ابن جرير من طريقه موقوفاً على أبي هريرة. لكنْ في مسند الإمام أحمد من حديث =

ص: 629

‌4 - (الترهيب من المثلة بالحيوان، ومن قتله غير الأكل، وما جاء في الأمر بتحسين القِتْلة الذِّبحة).

1089 -

(1)[صحيح] عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ، فإذا قتلتُم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة

(1)

، وَلْيُحِدِّ

(2)

أحدُكم شَفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته".

رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

1090 -

(2)[صحيح] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضعٍ رجلَه على صفحة شاة، وهو يُحِدُّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال:

"أفلا قبل هذا؟ أوَ تريد أنْ تميتها موتات؟! ".

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، رجاله رجال "الصحيح"، ورواه الحاكم

= قتادة بن النعمان أنَّه عليه الصلاة والسلام قام -أي خطيباً-، فقال:"لا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي، وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها، ولا تبيعوها". [قلت: في إسناده (4/ 15) عنعنة ابن جريج. قال:] وقال سعيد بن منصور: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود الضحايا؟ فقال: تصدقوا بها ولا تبيعوها"، وهذا مرسل ضعيف". كذا في "العجالة" مختصراً (127/ 1 - 2).

(1)

(القتْلة والذِّبحة) بكسر القاف والذال المعجمة فيهما: اسم للهيئة والحالة.

(2)

هو بضَم الياء يقال: أحدٌ السكين وحددها واستحدها بمعنى.

(وليرح ذبيحته) بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك.

وقوله: (فأحسنوا القِتْلة) عام في كل قتيل من الذبائح والقتل والقصاص وفي الحد نحو ذلك. وهذا الحديث من الأحَاديث الجامعة لقاعدة هامة من قواعد الإسلام، ألا وهو الرفق بالحيوان.

ص: 630

إلا أنَّه قال:

"أتريد أنَّ تُميتَها موتاتٍ؟! هلا أحددت شفرتك قبل أنْ تُضْجِعَها"، وقال:

"صحيح على شرط البخاري".

1091 -

(3)[صحيح] وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بحَدِّ الشِّفار، وأنْ توارى عن البهائم، وقال:

"إذا ذبح أحدكم فليُجهزْ".

رواه ابن ماجه.

(1)

(الشفار) جمع شفرة: وهي السكين.

وقوله: (فليُجهز) هو بضم الياء وسكون الجيم وكسر الهاء وآخره زاي أي: فليسرع ذبحها ويتمه.

1092 -

(4)[حسن لغيره] وعن ابن عمرو

(2)

أيضاً؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها، إلا سأله الله عز وجل عنها".

قيل: يا رسولَ الله! وما حقها؟ قال:

"يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها ويرمي بها".

رواه النسائي والحاكم، وصححه.

(1)

قلت: فيه ابن لهيعة، لكنْ رواه عنه قتيبة بن سعيد عند أحمد، فهو صحيح، فانظر "الصحيحة"(3130). وأعله المعلقون بابن لهيعة!

(2)

الأصل: (ابن عمر)، والصواب ما أثبتناه وكذا في "النسائي"(2/ 201)، والحاكم (4/ 232)، وقد نبه على هذا الشيخ الناجي (127/ 2)، وفات ذلك على مختصِره الحافظ ابن حجر، ومن قام على تحقيقه!

ص: 631

1093 -

(5)[صحيح] وعن مالك بن نضلة رضي الله عنه قال:

أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:

"هل تُنتَجُ إبلُ قومِك صِحاحاً [آذانها]، فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها وتشُق جلودها، وتقول: هذه صُرم، فتحرمها عليك وعلى أهلك؟ ".

قلتُ: نعم. قال:

"فكلُّ ما آتاك الله حِلٌّ، ساعِدُ الله أشدُّ من ساعدِك، وموسى الله أحَدٌّ من موساك".

رواه ابن حبان في "صحيحه". وسيأتي بابٌ في "الشفقة والرحمة إنْ شاء الله"[20 - القضاء/ 10].

(الصُّرْم) بضم الصاد المهملة وسكون الراء جمع (الصريم): وهو الذي صرم أذنه، أي: قطع

(1)

.

* * *

[وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أنْ لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم].

انتهى المجلد الأول من "صحيح الترغيب والترهيب" والحمد لله عز وجل، ويليه إن شاء الله المجلد الثاني، وأوله "11 - كتاب الحج".

(1)

قلت: كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية يوقفونها لأصنامهم ويحرمونها على أنفسهم، يسيبونها ليس لها راع، وهي (البحيرة) المذكورة في قوله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} .

ص: 632