المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مُلَخَّصُ البَحْثِ فهذ بحث موسوم بـ "صَحِيِحِ المَعْقُوُلِ المُوَافِقِ لِصَرِيِحِ المَنْقُوُلِ - صريح المعقول الموافق لصريح المنقول في مناقشة ثلاثة تفاسير رتبت على ترتيب النزول - جـ ٧٣

[عرفة بن طنطاوي]

فهرس الكتاب

‌مُلَخَّصُ البَحْثِ

فهذ بحث موسوم بـ "صَحِيِحِ المَعْقُوُلِ المُوَافِقِ لِصَرِيِحِ المَنْقُوُلِ فِيِ مُنَاقَشَةِ ثَلَاثَةِ تَفَاسِيِرَ رُتِّبَتْ عَلى تَرْتِيِبِ النُّزُوُلِ".

تناوله الباحثُ في فصلين:

أما الفصل الأول: فقد تناول فيه الباحثُ مبحثَ ترتيبِ الآيات في السور ودلل على أنه ترتيب توقيفي، ثم تناول مبحث ترتيب السور ومذاهب العلماء فيه، ثم دلل على أنه ترتيب توقيفي، ثم ذكر بداية ومصدر مخالفة ومعارضة هذا الترتيب، ثم عرَّج على ذكر أبرز الداعين له من المستشرقين ومن تأثر بهم المعاصرين- كذلك-.

وأما الفصل الثاني: فقد قام الباحث بعرض التفاسير الثلاثة التي خالفت الترتيب المصحفي، ثم تناول التعريف بكل تفسير ومؤلفه ومنهجه وعقيدته ودوافعه لمخالفة هذا الترتيب وأسباب جنوحه للترتيب النزولي، ثم ناقش تلك الدوافع وفندها، ثم بيَّن أن مُفْتَتِحُو هذا الباب لم تتحقق لهم مآربهم، ثم ختم ببيان وجوب احترام الترتيب المصحفي الذي أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول.

‌المقدمة

الحمد لله الذي أنزل كتابه المجيد على أحسن أسلوب وبهر بحسن أساليبه وبلاغة تركيبه القلوب، نزله آيات بينات، وفصله سورا وآيات، ورتبه بحكمته البالغة أحسن ترتيب، ونظمه أعظم نظام بأفصح لفظ وأبلغ تركيب، وصلى الله على من أُنزل إليه لينذر به وذكرى على قلبه الشريف فنفى عنه الحرج وشرح له صدرا، وعلى آله وصحبه مهاجرة ونصرا

(1)

. أما بعد:

(1)

ينظر أسرار ترتيب القرآن للسيوطى (ص: 65) أسرار ترتيب القرآن المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطى (المتوفى: 911 هـ) الناشر: دار الفضيلة للنشر والتوزيع، عدد الأجزاء:1.

ص: 39

‌توطئة

[*]

فإن هذه توطئة هامة يقدمها الباحث بين يدي بحثه هذا، والذي قد وسمه بـ" صَحِيِحِ المَنْقُوُلِ المُوَافِقِ لِصَرِيِحِ المَعْقُوُلِ فِيِ مُنَاقَشَةِ ثَلَاثَةِ تَفَاسِيِرَ رُتِّبَتْ عَلى تَرْتِيِبِ النُّزُوُلِ"، ويقف فيها الباحث وقفات هامة حول جملة من خصائص وفضائل القرآن العظيم المتعلقة ببحثنا على النحو التالي:

‌أولًا: القرآن هو المُعجِزة الخالدة الباقية

إن القرآن الكريم هو المُعجِزة الخالدة التي بُنِيَت عليها نُبُوَّة ورسالة خاتم النبيِّين والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أنزله الله عليه كتابه الخاتم وجعله معجزة وبرهانًا على صدق نبوته ورسالته.

ومصداق ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى الله إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

(1)

ومن كلام الله سبحانه: القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 42).

(2)

فالقرآن الكريم ـ الذي هو كلامُ الله ووحيُه وتنزيلُه ـ منزَلٌ غيرُ مخلوقٍ، مُعْجِزٌ في نَظْمِه، لا يُشْبِهُه شيءٌ مِنْ كلام المربوبين، ولا يقدر على مِثْلِه أحَدٌ مِنْ المخلوقين، "الذي في مَصاحِفِ المسلمين، لم يَفُتْ منه شيءٌ، ولم يَضِعْ بنسيانِ ناسٍ، ولا ضلالِ صحيفةٍ، ولا موتِ قارئ، ولا كتمانِ كاتمٍ، ولم يُحرَّفْ منه شيءٌ، ولم يُزَدْ فيه حرفٌ، ولم يُنْقَصْ منه حرفٌ، كُلُّه حقٌّ مِنْ عندِ الله، ولو كذَّب به أعداءُ الرُّسُل

(3)

مِنْ الكُفَّار والمُشْرِكين والمُلْحِدين ومَن سارَ على نهجِهم مِنْ الفلاسفة وأهلِ الأهواء".

(4)

(1)

أخرجه مسلم حديث (152)، وأخرجه البخاري في " كتاب فضائل القرآن "، " باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل" حديث (4981).

(2)

- لمعة الاعتقاد: (ص: 22 - 28).

(3)

- شُعَب الإيمان للبيهقي (1/ 326).

(4)

- يُنظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العزِّ (333).

[*](تعليق الشاملة): هذه التوطئة ليست في المطبوع من المجلة، وهي ثابتة في أصل البحث المرسل لنا من المؤلف، حفظه الله

ص: 39

‌ثانيًا: القرآن هو المُعجِزة التي عمَّتْ الثَّقَلَيْن

وهذه المُعجِزة - القرآن- معجِزة عامَّة- تحدى الله بها، وقد عمَّ التحدي بها الثَّقَلَيْن جميعًا، وهي معجِزة باقية بقاءَ الدهر كما قال ربنا:(قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)(الإسراء: 88).

وهذا أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بإعلان هذا التحدي ليسمع بها الثقلين، لأن التحدي قد عمَّهم جميعًا.

فأخبرَ أنَّه لو اجتمعت الإنسُ والجِنُّ كُلُّهم، واتَّفَقوا على أن يأتوا بمِثلِ ما أنزَلَه على رسولِه، لما أطاقوا ذلك وما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتضافروا، فإنه أمر لا يستطاع.

(5)

و‌

‌معنى الاجتماعِ:

الاتفاقُ واتحادُ الرأي، أي: لو تواردت عقولُ الإنسِ والجِنِّ على أن يأتيَ كُلُّ واحدٍ منهم بمِثلِ هذا القرآنِ لَما أتَوا بمثله. فهو اجتماعُ الرأيِ لا اجتِماعُ التعاون، كما تدُلُّ عليه المبالغةُ في قولِه بَعدَه: وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا، - وهذا الاجتماع إنما هو-

اجتماعُ تظافُرٍ على عمَلٍ واحدٍ، ومقصَدٍ واحدٍ.

(6)

والمعنى المقصود هنا هو أنهم لو اتَّفَقت أراؤهم وتضافرت جهودهم مجتمعين على أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ في فصاحته وبلاغَتِه وحُسنِ أسلوبه وروعة بيانه وجودة سبكه وحُسنِ نَظْمِه ورصانة مَعانيه وكمال مقاصده وبعد مراميه؛ لَما أطاقوا ذلك أبدًا وما استَطاعوا أن يبلغوه ولو تآلفوا واجتمعوا وتعاونوا على ذلك متعاضدين متناصرين.

وقوله: (وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) أي: لا يَأتونَ بمِثلِه ولو تعاوَنَ الإنسُ والجِنُّ، وتناصَروا على ذلك، فكيف بهم إذا حاولوا ذلك مُتفَرِّقينَ؟!.

(7)

فقد تَحَدَّاهم اللهُ أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله مفتريات، كما تحداهم أن يأتوا بأقصر سورة منه - كذلك-

(8)

فعجَزُوا عن ذلك جميعًا رغم توافر الدواعي لديهم.

وكيف يقدر المخلوق من تراب أن يكون كلامه ككلام ربِّ العالمين، أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من جميع الوجوه، هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل مَنْ له أدنى ذوق ومعرفة بأنواع الكلام، إذا وَزَنَ هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء ظهر له الفرق العظيم.

(9)

(5)

- تفسير ابن كثير: (5/ 117).

(6)

تفسير ابن عاشور: (15/ 203).

(7)

يُنظر: (تفسير ابن جرير)(15/ 75)، (تفسير القرطبي)(10/ 327)، (تفسير ابن كثير)(5/ 117)، (تفسير الطاهر بن عاشور)(15/ 203).

(8)

- وتأمَّل آيات التَّحدي في أرقام آيات السور التالية: (البقرة: 23)، (يونس: 38)، (هود: 13)، (طور: 34).

(9)

- تفسير ابن سعدي: (1/ 46).

ص: 39

‌ثالثًا: القرآن هو المُعجِزة التي يُعَدُ سماعها حجة

وإن التحدي بهذه الحجَّة ولُزُومها باقٍ مِنْ أوَّل وُرودها إلى أن يُرفَعَ القرآنُ في آخر الزمان، بل إن التحدي بها باق - كذلك- إلى يوم القيامة

وقد أكد الله تعالى قيام الحجة بالقرآن على المشركين في قوله سبحانه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)(التوبة: 6). فلولا أن سماعه حجّة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون حجّة إلّا وهو معجز.

(10)

وجِيءَ بحرْفِ (إن) التي شأنُها أنْ يكونَ شَرْطُها نادرَ الوقوعِ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ هذا شَرْطٌ فَرْضيٌّ؛ لكيلَا يَزعمَ المشرِكون أنَّهم لم يَتمكَّنوا من لِقاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيتَّخِذوه عُذْرًا للاستمرارِ على الشِّركِ إذا غَزاهُم المسلِمون.

(11)

(10)

- إعجاز القرآن (ص 28) للباقلاّني.

(11)

-تفسير الطاهر بن عاشور: (10/ 117).

ص: 39

‌رابعًا: القرآن - المعجِز- هو كلام الله، منزل غير مخلوق

فقوله: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) فيه حُجَّةٌ صَريحةٌ لِمَذهَبِ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ، القائلينَ بأنَّ (القُرآنَ كَلامُ اللهِ غيرُ مَخلوقٍ)؛ لأنَّه تعالى هو المتكَلِّمُ به، وأضافه إلى نفسِه إضافةَ الصِّفةِ إلى موصوفِها، وبُطلانُ مذهَبِ المُعتَزلةِ ومَن أخذَ بِقَولهم: إنَّ القُرآنَ مَخلوقٌ.

(12)

وقوله: (القُرآنَ كَلامُ اللهِ غيرُ مَخلوقٍ) فيه نصٌّ صريحٌ في أنَّ هذا الذي نَقرؤُه ونَتلُوه، هو بِعَينِه كلامُ الله، فالصَّوتُ صَوتُ القارِئِ، والكلامُ كَلامُ البارِئِ؛ لأنَّ اللهَ صرَّح بأنَّ هذا المُشرِكَ المُستجيرَ يَسمَعُ كَلامَ اللهِ، يتلوه عليه نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فهذا المحفوظُ في الصُّدورِ، المقروءُ في الألسِنةِ، المكتوبُ في المصاحِفِ؛ هو كلامُ اللهِ جَلَّ وعلا، بمعانيه وألفاظِه.

(13)

والصواب الذي عليه سلف الأمة، كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتاب (خلق أفعال العباد)، وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم- أتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره

وأن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح.

(14)

قال الإمام الطحاوي (ت: 321 هـ) رحمه الله:

وإنّ القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى:(سأُصلِيه سَقَر)(المدثر: 26)، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال (إنْ هذا إلا قول البشر) (المدثر: 25) عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولَ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قول البشر.

(15)

قال ابن أبي حاتم (ت: 327 هـ) رحمه الله:

" سألت أبي وأبا زُرْعَةَ عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك؟

فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار: حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته.

(16)

(12)

- يُنظر: (تفسير ابن سعدي)(ص: 329).

(13)

يُنظر: (العذب النمير) للشنقيطي (5/ 280). العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393 هـ) المحقق: خالد بن عثمان السبت إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة الطبعة: الثانية، 1426 هـ عدد الأجزاء:5.

(14)

- مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية:(12/ 243 - 244).

(15)

شرح العقيدة الطحاوية: (ص: 179).

(16)

- أخرجه ابن جرير الطبري في " السنة ": (1/ 176) بسند صحيح، ويُنظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم اللالكائي: (1/ 198).

ص: 39

‌خامسًا: القرآن كلام الله- المعجز- تكلم الله به بحرف وصوت

والقرآن عند أهل السنة هو كلام الله تعالى حقيقة -حروفًا ومعاني-، وأنه سبحانه تكلم به بحرف وصوت، وسمعه جبريل، وقد تكلم السلف في الحرف والصوت وذكروا أدلته، وتكلموا في حكم من أنكره.

ولكن لما وجد - في أهل البدع - من ينكر الحرف والصوت لينكروا كلام الله، بيَّن السلف أن كلام الله شامل للحروف والمعاني، وأنه تعالى يتكلم بصوت، كما يصفونه بما ورد من التكليم، والمناداة، والمناجاة.

(17)

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البخاري (ت: 256 هـ) رحمه الله:

سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ الْمُثَبَّتُ فِي الْمُصْحَفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ فَهُوَ كَلَامُ اللهِ لَيْسَ بِخَلْقٍ، قَالَ اللَّهُ تعالى:(بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(العنكبوت من آية: 48).

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فَأَمَّا الأَوْعِيَةُ فَمَنْ يَشُكُّ فِي خَلْقِهَا؟. "

(18)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728: هـ) رحمه الله:

" إذَا قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ بِأَصْوَاتِنَا الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي لَا تُمَاثِلُ صَوْتَ الرَّبِّ، فَالْقُرْآنُ الَّذِي نَقْرَؤُهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، مُبَلَّغًا عَنْهُ لَا مَسْمُوعًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ بِحَرَكَاتِنَا وَأَصْوَاتِنَا، الْكَلَامُ كَلَامُ الْبَارِي، وَالصَّوْتُ صَوْتُ الْقَارِئِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعَ الْعَقْلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة: 6) وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "(زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ).

(19)

قال العلامة ابن القيم (ت: 751 هـ) رحمه الله: في "الكافية الشافية":

"واللهُ رَبِّي لم يَزَلْ مُتَكَلِّمًا

وكَلامُه المسموعُ بالآذانِ

صِدقًا وعَدْلاً أُحْكِمَتْ كَلماتُه

طَلَبًا وإخبارًا بلا نُقصانِ.

(20)

وقال الشيخ حافظ حَكَمي (ت: 1377: هـ) رحمه الله:

وَالْقَوْلُ فِي كِتَابِهِ الْمُفَصَّلْ

بِأَنَّهُ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلْ

عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الْوَرَى

لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بِمُفْتَرَى

يُحْفَظُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ

يُتْلَى كَمَا يُسْمَعُ بِالْآذَانِ

كذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ

وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ

وَكُلُّ ذِي مَخْلُوقَةٌ حَقِيقَهْ

دُونَ كَلَامِ بَارِئِ الْخَلِيقَهْ

جَلَّتْ صِفَاتُ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ

عَنْ وَصْفِهَا بِالْخَلْقِ وَالْحَدَثَانِ

فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي

لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي

مَا قَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا

كَلَّا وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلَا.

(21)

(17)

- المرجع السابق: (6/ 518).

(18)

- يُنظر: خلق أفعال العباد: (2/ 70).

(19)

- صححه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 270)، ويُنظر تخريجه في البدر المنير (9/ 637)، يُنظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: (12/ 98)، ونفس المصدر:(12/ 53).

(20)

- مِنْ "الكافية الشافية": (البيتان: 556 - 557).

(21)

- يُنظر: منظومة سُلَّمُ الوصولِ إلى علمِ الأصولِ في علمِ التوحيد، لحافظ أحمد حكمي، نسخة مصححة عن: مركز جنات للدراسات، (الأبيات من: 52 - 59)

ص: 39

‌سادسًا: القرآن -المُعجِز- هو الكتاب الذي هيمن على الكتب المنزلة قبله

وقد جعل اللهُ القرآنَ مهيمنًا على الكتب السابقة وحاكمًا عليها كما قال سبحانه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)(المائدة من آية: 48).

و (المهيمن): الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله

(22)

(وَمُهَيْمِنًا) أي: حاكمًا على ما قبله من الكتب.

(23)

(وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ): أي: مصدقًا عليه، كل شيء أنزله الله من توراة أو إنجيل أو زبور فالقرآن مصدق على ذلك، وكل شيء ذكر الله في القرآن فهو مصدق عليها وعلى ما حدث عنها أنه حق.

(24)

.

وإنما كان القرآن مهيمنًا على الكتب لأنه الكتاب الذي لا يصير منسوخًا البتة، ولا يتطرق إليه التبديل والتحريف على ما قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر: 9).

(25)

- وقد - جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها؛ حيث جمع فيه محاسن ما قبله من الكمالات ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدًا، وأمينًا، وحاكمًا عليها كلها، وتكفل تعالى حفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر: 9).

فهو محفوظ بحفظ الله عز وجل إلى قيام الساعة، شاهد على هذه الكتب، مبين ما حرف منها، وحاكم بما أقره الله وأمر به من أحكامها، وناسخ ما نسخه الله منها، وهو أمين عليها في ذلك كله.

(26)

وأهل السنة والجماعة مقرون بأن القرآن الكريم هو الكتاب المهيمن والحاكم على جميع الكتب المنزلة السابقة، والحافظ لكل كتاب قبله؛ وشاهد على كل تلك الكتب جميعًا بأنها وحيٌ منزلٌ من عند الله تعالى أنزله سبحانه على رسله، وأنه مصدق على ما فيها من الحق، نافيًا عما أُلحِق بها من باطل، وأنه حاكم عليها بالنسخ أو التقرير، فما وافقه منها فهو الحق الذي أنزله الله، وما خالفه منها فهو من الباطل الذي نسب إليها، فصارت للقرآن الهيمنة على جميع تلك الكتب المنزلة من كل وجه.

- و- السلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب.

(27)

(22)

- تفسير الطبري: م 4 (6/ 345).

(23)

- تفسير ابن كثير: (2/ 92).

(24)

- تفسير الطبري: م 4 (6/ 346).

(25)

-التفسير الكبير للفخر الرازي: (12/ 11).

(26)

- يُنظر: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع، لـ"مجموعة مؤلفين":(ص: 748).

(27)

- مجموع الفتاوى: (17/ 43).

ص: 39

‌سابعًا: القرآن - المعجز- كتاب أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ

والقرآن الكريم كتابٌ أُحكمت آياته ثُمَّ فُصِّلَتْ كما قال ربنا: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(هود: 1)

و (فُصِّلَتْ) أي: بُيِّنتْ، وأصلُ (فصل): يدلُّ على تَمييزِ الشَّيءِ مِنْ الشَّيءِ، وإبانتِه عنه.

(28)

.

و (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) أي: هذا القُرآنُ أتقَنَ اللهُ آياتِه فلا خللَ فيها ولا باطِلَ ولا تَناقُضَ، ثمَّ بُيِّنَتْ بالأخبارِ الصَّادقةِ، والأحكامِ العادلةِ مِنْ أوامِرَ ونواهٍ.

(29)

فما تقولون في فضل كتاب أنقذ الله به أمة من جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، دأبهم السلب والنهب، ومعبودهم الأوثان والحجارة، وديدنهم توارث العداوات والأحقاد، لا تعرف من الحق رسمًا. نحلتها ما وجدت عليه آباءها، وما استحسنته أسلافها، من آراء منحرفة، ونحل مخترعة، وملل مبتدعة، فأنزل الله عليهم هذا الكتاب فأنقذهم منها به، وانتشلهم به من أوحالها.

(28)

- يُنظر: مقاييس اللغة، لابن فارس (4/ 505)، البسيط، للواحدي (11/ 343)، تذكرة الأريب، لابن الجوزي (ص: 339)، الكليات، للكفوي (ص: 700).

(29)

- يُنظر: تفسير الطبري: (12/ 308، 310)، معاني القرآن، للنحاس (3/ 327، 328)، تفسير ابن عطية، (3/ 148)، تفسير القرطبي، (9/ 2، 3)، مجموع الفتاوى، لابن تيمية (15/ 106)، (بيان تلبيس الجهمية) لابن تيمية (8/ 337)، تفسير ابن كثير، (4/ 303)، تفسير ابن سعدي، (ص: 376).

ص: 39

‌ثامنًا: القرآن - المعجز- كتاب له فضائل أكثر من أن تُحْصى

- فـ - ما تقولون في فضل كتاب ختم الله به الكتب، وأنزل على نبي ختم به الأنبياء، وبدين ختمت به الأديان.

(30)

ما تقولون في فضل كتاب فتحت به أمصار، وجثت عنده الركب، ونهل من منهله العلماء، وشرب من مشربه الأدباء، وخشعت لهيمنته الأبصار، وذلت له القلوب، وقام بتلاوته العابدون، والراكعون، والساجدون.

ذلكم القرآن الكريم: كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، فلا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه".

(31)

(30)

عبارة "الأديان السماوية" يستعاض عنها بكلمة الشرائع السماوية، وذلك لأن الدين واحد لا يتعدد كما قال ربنا:(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ .. )(آل عمران: من آية: 19). وقال الله تعالى:

(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(البقرة: 136) .. ووصف الله إبراهيم بأنه (كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (آل عمران: 67). ولعلها سبق قلم من الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى. الباحث.

(31)

-الموافقات للشاطبي (3/ 346).

ص: 39

‌تاسعًا: القرآن - المعجز- له ترتيب تنزلي وترتيب مصحفي لآياته وسوره لا يحق لأحد التعرض له بأي حال من الأحوال

‌الترتيب الأول: ترتيب الآيات في السور

وإن من أبرز أوجه إعجاز القرآن ترتيب آياته في سوره في نظم واحد، وكأنها نزلت كلها متتابعة ومرتبة على هذا الترتيب الذي تحير عقول البشر في جزالة أسلوبه وحسن سبك عباراته وحُسن نظمه وترابط آياته وكأنها حبات لؤلؤ في تتابع بعضها البعض، وكأنها قطعة واحدة في منظومة واحدة نزلت على هذا النسق، متتابعة، ورغم أن الترتيب النزولي للآيات مغاير لهذا التتابع والترابط، فقد تنزل آيات في سورة ما وتكون متأخرة في ترتيبها على آيات أخر في نفس السورة، وقد تكون تلك الآيات نزلت بعدها، ومع ذلك لا يمكن أن تشعر أبدًا بأي خلل أو عدم ترابط في الوحدة الموضوعية بين آيات السورة الواحدة، أو أن تجد في نفسك أدنى شك أنها نزلت على هذا النسق متتابعة الآيات وكأنها نزلت على هذا الترتيب المصحفي.

‌الترتب الثاني: ترتيب سور القرآن

وقل كذلك في الترتيب المصحفي لسور القرآن، فإن الترتيب المصحفي على وضعه في المصاحف المنتشرة بين أيدي المسلمين في مشارق الدنيا ومغاربها هو الترتيب الذي استقرت عليه المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأجمع عليها السلف والخلف وتلقتها الأمة بالقبول، وهي مع ذلك موافقة تمامًا للعرضة الأخيرة والتي هي موافقة للقرآن المثبت في اللوح المحفوظ عند رب العزة في كتاب مكنون مصون.

ص: 39

‌عاشرًا: الختام وبيان الشاهد من هذه التوطئة

وبعد بيان تلك الخصائص العظيمة والجليلة للقرآن من كونه المعجزة الخالدة الباقية الدالة على صدق نبوة ورسالة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأنه المُعجِزة التي يُعَدُ سماعها حجة، وأنه كلام الله، وأنه منزل غير مخلوق، وأن الله سبحانه تكلم به بحرف وصوت، وأنه معجزة تحدى الله بها الثقلين، وأن مهيمن على الكتب المنزلة قبله وحاكم وشاهد عليها، وأن ترتيب آياته جاء على أعظم وجه من النسق والترابط البديع وكأنها نزلت على هذا النسق، وأن الترتيب المصحفي للسور والآيات استقر العمل به

والإجماع عليه منذ أن حرَّق عثمان المصاحف وجمعهم على الإمام.

فقد أقدم ثلاثة نفر على مخالفة الترتيب المصحفي بكتابة ثلاثة تفاسير وفق الترتيب النزولي، والباحثُ في هذا البحث يناقش أصحابَ تلك التفاسير الثلاثة التي خالف مصنفوها إجماع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وخالفوا إجماع الأمة قاطبة - كذلك -، وذلك بتصنيف تلك التفاسير وترتيبها وفق الترتيب النزولي للسور، تاركين الترتيب المصحفي ومخلِّفينه وراءهم ظهريًا، وهم وإن كان قد خالفوا إجماع الأمة فقد وافقوا في ذلك أعداء الملة من شرذمة المستشرقين.

ولقد جاءت تلك الدراسة لتناقش الثلاثة نفر في صنيعهم الذي تجاسروا فيه على هذا العمل المهيب فاتحين على الأمة بابًا عظيمًا من الشر وثلمة خطيرة يجب رأب صدعها وسد خلتها سدًا لذرائع أخرى عظيمة قد تفتح باب التجرؤ على العبث في ترتيب الآيات كما فتحت الباب على مخالفة الترتيب المصحفي لسور القرآن المجمع عليه من قبل، وعليه عمل الأولين والآخرين من هذه الأمة المرحومة.

وإن- أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قوامًا، ولقاعدة توحيدهم عمادًا ونظامًا، وعلى صدق نبيهم صلى الله عليه وسلم برهانًا، ولمعجزته ثبتًا وحجة، ولاسيما أن الجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستول على الآفاق.

(32)

ولذلك كان الدافع لمناقشة هذه التفاسير وتفنيد دوافع مصنفيها بالحجة والبيان وواضح الأدلة وساطع البرهان، انتصارًا للقرآن، وإرضاءً لربنا الرحمن.

(32)

إعجاز القرآن، للباقلاني:(ص: 3 - 4)، تحقيق أحمد صقر، دار المعارف مصر، الطبعة الخامسة.

ص: 39

‌خطة البحث

وقد ضمَّن الباحثُ بحثَه خطة بحث مكونة من فصلين، وكل فصل يندرج تحته عدد من المباحث، وكل مبحث يندرج تحته عدد من المطالب، وقد بيَّن فيه ما يلي:

أولًا: أهمية موضوع البحث

ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها

ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث

رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه

خامسًا: منهج البحث

سادسًا: خاتمة البحث، وبيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة.

سابعًا: مجموع الفهارس:

وخطة البحث تتكون من فصلين على النحو التالي:

الفصل الأول

توقيف الترتيب المصحفي للآيات والسور

ويشتمل على ستة مباحث:

المبحث الأول: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي

وفيه مطلبان:

والترتيب المصحفي يشتمل على أمرين:

المطلب الأول: الأمر الأول: ترتيب الآيات في السور

المطلب الثاني: وأما الأمر الثاني: فهو ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي

المبحث الثاني: من أوضح الأدلة على أن ترتيب الآيات في السور توقيفي، نزول بعض السور جملة واحدة

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: ذكر جملة من السور التي نزلت جملة واحدة

المطلب الثاني: الخلاصة في ذكر السور التي نزلت جملة واحدة

المبحث الثالث: مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: المذهب الأول: أن ترتيب السور أمر توفيقي من اجتهاد الصحابة

المطلب الثاني: المذهب الثاني: أن ترتيب السور أمر توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم

المطلب الثالث: المذهب الثالث: أن ترتيب أغلب السور أمر توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة

المبحث الرابع: أبرز أقوال العلماء القائلين بأن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: ذكر جملة من أقوال العلماء المتقدمين

المطلب الثاني: ذكر جملة من أقوال العلماء المعاصرين

المبحث الخامس: أبرز الأدلة التي استدل بها بعض العلماء على توقيف الترتيب

ص: 40

المصحفي وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: الدليل الأول: إجماع الصحابة-رضي الله عنهم على ترتيب السور في المصحف العثماني

المطلب الثاني: الدليل الثاني: تحزيب الصحابة-رضي الله عنهم للقرآن

المطلب الثالث: الدليل الثالث: النظم الترتيبي لبعض السور المتشابهة في مفتتحها

المطلب الرابع: الخلاصة من أقوال وأدلة العلماء القائلين بأن ترتيب السور توقيفي

المبحث السادس: بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وبيان مصدره

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: أول من خالف وعارض الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي

المطلب الثاني: أبرز المستشرقين الداعين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا

المطلب الثالث: أبرز من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين

الفصل الثاني

عرض ودراسة ومناقشة التفاسير الثلاثة التي رُتِبَت على ترتيب النزول

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الأول "بيان المعاني لـ " عبد القادر ملا حُوَيِّش "

وفيه ستة مطالب:

المطلب الأول: التعريف بتفسير "بيان المعاني" ومؤلفه "ملا حُوَيِّش "

المطلب الثاني: الكتب التي اعتمد عليها "حُوَيِّش" في تفسيره

المطلب الثالث: طريقته في التفسير

المطلب الرابع: أول دراسة حول هذا التفسير

المطلب الخامس: دراسة نقدية مختصرة لتفسير "حُوَيِّش"

المطلب السادس: حصر دوافع إقدام "حُوَيِّش" على تغير الترتيب المصحفي بالرتيب النزولي ومناقشتها

المبحث الثاني: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الثاني" التفسير الحديث" لـ " محمد عزة دروزة"

وفيه ثمانية مطالب:

المطلب الأول: التعريف بتفسيره

المطلب الثاني: حجة "دروزة" في إقدامه على تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي

المطلب الثالث: بيان أهم وأبرز الدوافع التي ساقت " دروزة " لترتيب تفسيره ترتيبًا نزوليًا

المطلب الرابع: مناقشة دوافع "دروزة":

المطلب الخامس: طريقة "دروزة" في تفسيره

المطلب السادس: تقييم تفسير "دروزة"

ص: 41

المطلب السابع: عقيدة " دروزة " في صفات الرب- جل في علاه-

المطلب الثامن: أبرز الدراسات حول تفسير "دروزة"

المبحث الثالث: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الثالث كتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ " حبنكة الميداني"

وفيه سبعة مطالب:

المطلب الأول: التعريف بالكتاب ومؤلفه وبيان أهم دوافع وبواعث تأليفه

المطلب الثاني: أضواء جانبية على عقيدة الـ "حبنكة"

المطلب الثالث: منهج الـ "حبنكة" في كتابه، ورأيه في ترتيب السور، وما كان لزامًا عليه اتباعه

المطلب الرابع: حصر دوافع الـ "حبنكة" في انتهاج هذه الطريقة

المطلب الخامس: مناقشة دوافع ومبررات الـ "حبنكة"

المطلب السادس: هل تحققت الأهداف التي رامها مُفْتَتِحُو تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي

المطلب السابع: بيان وجوب احترام الترتيب المصحفي وعدم التعرض له، والتصدي لمن تعرض له

‌منهجية البحث

‌أولًا: أهمية موضوع البحث

تتمحور وتتمركز أهمية هذا البحث حول تلك الجرأة التي أقدم عليها الثلاثة نفر الذين أحدثوا أمرًا جللًا فصنفوا ثلاثة تفاسير وكتبوها وفق الترتيب النزولي مخلِّفِين وراء ظهورهم الترتيب المصحفي الذي استقرت عليه الصحف العثمانية وأجمع عليه الصحابة كلهم عن بكرة أبيهم- رضي الله عنهم أجمعين- وتلقته الأمة بالقبول وأجمع عليه السلف والخلف حتى زماننا الحاضر.

من هنا تأتي أهمية هذا البحث، فكان لابد ولزامًا من تقديم دراسة معالجة لهذا الخطر ومناقشته وتفنيده، ودفع تلك الفجيعة بأسلوب علمي تأصيلي مقرون بالحجج النقلية والعقلية، ولذا فقد سُمِّي البحثُ بـ "صَحِيِحِ المَعْقُوُلِ المُوَافِقِ لِصَرِيِحِ المَنْقُوُلِ فِيِ مُنَاقَشَةِ ثَلَاثَةِ تَفَاسِيِرَ رُتِّبَتْ عَلى تَرْتِيِبِ النُّزُوُلِ".

‌ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها

‌الدراسة الأولى: "التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان"

تأليف: أ. د. مصطفى مسلم محمد، خبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية، وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة سابقًا، بحث منشور في ملتقى أهل التفسير، بتاريخ: 15/ 12/ 1432 هـ.

ص: 42

‌عرض لتلك الدراسة:

ناقش الباحث في تك الدراسة قضية ترتيب القرآن بين التوقيف والتوفيق، ثم تابعها بعرض دوافع أصحاب تلك التفاسير وناقشها وفندها بقلم يدل على الغيرة على كتاب الله ويدل على رسوخ صاحبه، وقد أفاد وأجاد فجزاه الله خيرًا.

‌أهم الملاحظات على تلك الدراسة:

أولًا: لقد عرض الباحثُ تلك الدوافع جملة ثم فنَّدها جملة، وكان الأولى له عرض دوافع كل واحد من تلك التفاسير على حده، ثم يعقبها بالرد عليه مباشرة، ولكنها كما أسلفنا عرضها جميعًا ثم فندها جميعًا، وأعني بعرضها جميعًا وجملة أنه عرضها الأول فالثاني ثم الثالث ثم جاء الرد عليها بعد ذلك على نفس طريقة العرض، وكان الأولى أن يعرض دوافع كل واحد ثم يرد عليها ويفندها مباشرة حتى لا يتشتت ذهن القارئ، وحتى لا تداخل عليها الملاحظات والمآخذ والرد عليها بين تفسير وآخر.

ثانيًا: من أهم الملاحظات بل والمآخذ على هذا البحث افتقاره لبيان عقيدة أصحاب التفاسير الثلاثة الأشعرية بل إن الأول منهم- ملا حُوَيِّش- متهم بالتصوف والانتماء للطريقة النقشبندية، مع رده للإجماع، وجهله بالسنة ورده لها، وتضعيفه للأحاديث الصحيحة الثابتة، واستشهاده بالموضوعات، وطعنه كذلك في الصحيحين، وغيرها من الطوام المذكورة بالتفصيل في ثنايا بحثنا، ومراجع "حُوَيِّش" التي اعتمد عليها في تفسيره تدل على ذلك دلالة واضحة.

وإن معرفة الجانب العقدي وإبرازه للقارئ من الأهمية بمكان ليكون على حذر من المزالق العقدية والمخالفات التي خالف فيها المفسرُ معتقدَ أهلِ السنةِ ولا سيما في تأويل صفات الرب جل في علاه.

ثالثًا: من الملاحظات الهامة على هذا البحث- كذلك- افتقاره لتقديم تعريف بتلك التفاسير ولو تعريفًا موجزًا ليقف القارئ على مشهد عام على تلك التفاسير ويطالع طريقة تناول كل مفسر منهم لآيات الكتاب المجيد، والمآخذ التي أُخِذَت على عمل كل مفسر في تفسيره.

رابعًا: ومن الملاحظات الجليَّة على هذا البحث- كذلك- افتقاره لترجمة أصحاب تلك التفاسير ليطالعها القارئ ويقف عليها.

فإن التعريف بالكتاب ومؤلفه ومعتقده وطريقة تناوله للتفسير يعطي تصورًا واضحًا جليًا عن الكتاب وكاتبه من جوانب عدة تخدم القارئ وتسهل له الوقوف على كل ما ينبغي أن يعرفه عن الكتاب الذي يطالعه وعن مؤلفه ومنهجه ومعتقده.

وهذه الملاحظات وغيرها لا تقدح في جهد الباحث ولا في قيمة بحثه العلمية النقدية، ولا سيما وأنه أستاذ له قدره وله مكانته العلمية والتقدمية - رحمه الله تعالى -.

ص: 43

‌اعتذار عن تلك الملاحظات

ومما يعتذر به عن تلك الملاحظات لفضيلته لعله رأى الاختصار المناسب لمقتضى الحال التي كُتِبَت من أجلها تلك الدراسة، وهي المشاركة بها في إحدى المؤتمرات العلمية، كما أشار فضيلته إلى ذلك

(1)

، ولا شك أن الحال هذه تقتضي الاختصار والتركيز فقط على موضوع البحث المطلوب.

‌الدراسة الثانية: "القرآن الكريم بين ترتيب المصحف وترتيب النزول دراسة منهجية نقدية في الترتيب المصحفي والتاريخي للقرآن "

تأليف الدكتور/ سعيد بو عصاب

‌عرض لتك الدراسة:

تعتبر تلك الدراسة من الكتابات الحديثة في علوم القرآن، فهي من منشورات مركز الدراسات القرآنية التابعة للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، الطبعة الأولى، 1438 هـ/ 2017 م في مجلد متوسط يتكوّن من 168 صفحة، كما أنها من منشورات: دار الأمان للنشر والتوزيع بتاريخ: 06/ 06/ 2017 م -كذلك-.

ومؤلفها أستاذ للتفسير وعلوم القرآن بجامعة القرويين، كلية العلوم الشرعيّة بالسمارة.

‌أهمية تلك الدراسة:

تأتي أهمية تلك الدراسة من خلال موضوعها المتميّز، الذي يعالج إشكالية الدعوة إلى ترتيب المصحف حسب النزول، والذي أصبح مثارَ جدلٍ بين الدارسين المُحْدَثين في العصور الأخيرة بين مؤيدين ومعارضين، فجاءت هذه الدراسة لمناقشة الموضوع في منهج وصفي تاريخي تحليلي نقدي؛ مما جعلها مقاربة تأصيلية نقديّة تتوخى الأسلوب العلمي الموضوعي الهادئ.

‌محتويات تلك الدراسة:

تصدّرت مقدمة هذه الدراسة ببيان أهمية موضوع المطالبة بإعادة ترتيب القرآن في المصاحف حسب النزول؛ حيث ظهر في الناس في زماننا مَنْ يطالب بذلك بعد أن كان إجماع السلف منذ العهد النبوي على الترتيب المصحفي للقرآن الكريم. كما بيّن المؤلف الدافع إلى الكتابة في الموضوع، والتي لخصها في: كون الكتابة في هذا الباب تعتبر من العبادات، وأنَّ دعوات المطالبة بإعادة الترتيب، فيها ما هو مقبولٌ بشروط، وفيها ما هو مردود، وأنَّ في جانب من هذه الدعوات المسّ بقدسيّة المصحف، وأن في الكتابة في هذا الموضوع التنبيه إلى المناسبات السامية التي تضمنها الترتيب المصحفي، الذي تولد عنه "علم التناسب القرآني"، وأنَّ المؤلفات التي ناقشت موضوع الترتيب أو التفسير حسب النزول للقرآن الكريم تعدُّ قليلة ونادرة.

وقد مهّدَ الباحثُ لتلك الدراسة بفصل تمهيدي، تناول من خلاله منهج التنزّل القرآني، بما يشمل المفهوم والظروف التي أحاطت به، والمقاصد والأغراض المتوخاة من تنجيم النزول القرآني، ثم أسباب النزول.

وقسّم الكتاب إلى قسمين أساسيين، خصص الأول منهما لدراسة الترتيب المصحفي للقرآن الكريم، مبينًا ترتيب الآيات في القرآن الكريم وترتيب السور والتناسب بين الآيات والتناسب بين السور، وأقوال العلماء في ذلك، مع عرض أدلة كلّ فريق. كما خصص القسم الثاني للدعوة إلى ترتيب وتفسير القرآن الكريم وفق منهج النزول، مع مناقشة الداعين إلى ذلك، كما ناقش دوافعهم لهذا المنهج ومدى قدرته على التطبيق. وقام بمناقشة عامة نقدية لدعوى محمد عابد الجابري في ترتيب سور القرآن الكريم، وركز على قضايا جزئية لها علاقة بالتفسير حسب النزول. وقد ذيّل المؤلف كتابه بخاتمة تضمنت أهم النتائج التي توصّل إليها البحث.

(2)

‌أهم الملاحظات على تلك الدراسة:

نفس الملاحظات والمآخذ على الدراسة السابقة تنطبق في كثير من الأوجه على هذه الدراسة إن لم تتطابق تمامًا، ويزيد عليها قول المؤلف:"أنَّ دعوات المطالبة بإعادة الترتيب، فيها ما هو مقبولٌ بشروط، وفيها ما هو مردود".

ولا شك أن هذه الدعوى قد تفتح الباب على مصرعيه أما الأصوات التي تنادي بإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا.

‌الدراسة الثالثة: "ترتيب سور القرآن وفق نزولها في فكر الجابري"

عرض وتحليل ونقد، تأليف الدكتور/ صبري عبد العزيز منصور صيام، الأستاذ المساعد في التفسير وعلوم القرآن في كلية الدراسات العربية والإسلامية للبنين بالقاهرة، بجامعتي الأزهر وتبوك، وهي منشورة في" المجلد الأول من العدد السادس والثلاثين لحولية كلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية (د ت).

وهذه الدراسة تتآلف من ثنتين وتسعين صفحة، قد أجاد مؤلفها وأفاد، حيث ناقش/ محمد عابد الجابري، المتوفي في: 19 جمادى الأولى 1431 هـ، الموافق: 3 مايو 2010 م، مناقشة وافية بالغرض.

‌ومن أبرز ما يؤخذ على هذه الدراسة ما يلي:

أولًا: قول المؤلف أنه لم يجد من رَدَّ على الجابري، أي أنه لم يقف على دراسات سابقة لمناقشته، وهناك العديد من الدراسات منها الدراسة السابقة لهذه الدراسة من تأليف الدكتور/ سعيد بوعصاب كانت في مناقشة الجابري وسجلت بتاريخ: 06/ 06/ 2017 م.

وهذه الدراسة للدكتور/ صبري عبد العزيز منصور صيام، لم نقف لها على تاريخ، ولابد أن الدراستين قد تقدمت إحداهما الأخرى زمانًا، فكان لزامًا على المتأخر منهما ذكر الدراسة المتقدمة منهما اعترافًا بالفضل والسبق ونسبته لأهله، ويُلتمس العذر للمتأخر منهما بحسن الظن به، ونقول لعله لم يقف على الدراسات السابقة لدراسته، ومنها تلك الدراسة.

ثانيًا: مع أن هذه المناقشة كانت لفكر الجابري فحسب غير أن المؤلف ذكر الثلاثة نفر الذين ناقشنا جرأتهم على ترك الترتيب المصحفي والجنوح للترتيب النزولي في بحثنا هذا، وهم "مُلاَّ حُوِيِّش"، " دروزة"، "حبنكة"، لاشتراكهم جميعًا في الجرأة على تغير الترتيب المصحفي الذي أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا، وقد ذكرهم الدكتور/ صبري ولكنَّه مَرَّ عليهم مرور الكرام في أسطر معدودة، وذلك في المطلب الثالث من المبحث الثاني، والذي كان ينبغي عليه مناقشتهم، وذلك لأن تأثيرهم قد يتعدى تأثير الجابري لانتسابهم للعلم عمومًا وللتفسير خصوصًا ولانتشار كتبهم بين الناس، فيكون خطر التأثر بهم أكثر وأعم من التأثر بالجابري الذي عُرِفَ وعُلِمَ واشتهر بين الناس بمنهجه الحداثي التغريبي.

ثالثًا: مما يؤخذ على هذه الدراسة ثناء المؤلف على أصحاب التفاسير الثلاثة، والذي يبدوا أنه لم يطالعها أو يطالع الدراسات النقدية لها، حيث قال عفى الله عنه: كان لهؤلاء الإعلام الثلاثة من وراء تفسير القرآن وفق زمن نزول السور أهداف سامية نابعة، نبعة عن الهدف الأسمى لنزول القرآن العظيم

رابعًا: من أشد المآخذ على تلك الدراسة ما أخذ على سابقتيها من عدم ولاية الجانب العقدي العناية اللائقة به، فقد مَرَّ على تلك التفاسير الثلاثة مرور الكرام كما ذكرنا آنفًا، ولم يعرج على الجانب العقدي بل ولم يشر إليه أبدًا لا من قريب ولا من بعيد.

وهذه الملاحظات لا تقلل من قيمة البحث ولا من جهد الباحث، فقد كان المؤلف ذا حسن مرهف وصاحب قلم رصين وغيرة على كتابه ربه، فجزاه الله عن كتابه الجزاء الأوفى في الدنيا ويوم الدين.

(1)

وتلك الدراسة موجودة ضمن مجموعة بحوث مقدمة لمؤتمر خدمة القرآن الكريم في القرن الرابع عشر الهجري، و الذي نظمته كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية في جامعة الشارقة، من 22 - 23 صفر 1424 هـ، الموافق 23 - 24 أبريل 2004 م، و قد طبعت الأوراق المشاركة في خمسة محاور في مجلدين.

وهذا البحث يقع في الجزء الثاني / من الصفحة 514 حتى 526، يعني قرابة 12 صفحة فقط، بعنوان:" التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان". للاستزادة ينظر: ملتقى أهل التفسير، بتاريخ:24/ 3/2006 م.

(2)

- يُنظر موقع: الرابطة المحمدية للعلماء، المملكة المغربية. إعداد: أستاذ/ رضوان غزالي باحث بمركز الدراسات القرآنية.

[*](تعليق الشاملة): محتوى هذه الصفحة كله ليس في المطبوع من المجلة وهو ثابت في المرسل إلينا من المؤلف - حفظه الله -

ص: 44

‌دراسات عامة حول تفسير الجابري:

كما قد هيأ الله دراسات نقدية أخرى حول تفسير الجابري والتي كان من أبرزها ما يلي:

‌الدراسة الأولى: "تخرصات الجابري على التفسير والمفسرين من خلال كتابه فهم القرآن الحكيم"

دراسة نقدية، تأليف: محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله المسند، صادرة عن: مجلة تبيان للدراسات القرآنية، وهي:"مجلة محكمة"، تابعة لجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، في عددها: 25، في الصفحات من: 173 - 233، لعام 1438 هـ ـ 2018 م.

وكان من أبرز أهداف هذه الدراسة ما يلي:

1 -

الذود عن التفسير وأئمّته، من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

2 -

نقد تفسير الجابري على وجه الخصوص وما فيه من التخرّصات والاعتراضات على التفسير وأئمّته.

3 -

بيان حقيقة ما يسمّى بالتفسير العصري للقرآن من خلال نقد تفسير الجابري الذي يعدّ مثالًا واضحًا لهذا النوع من التفسير.

وكان من أهمّ نتائجها ما يلي:

1 -

تنوّع جهود الأعداء في النيل من هذا القرآن وآخرها ما يسمّى بالقراءات الحداثية للقرآن من أجل رفع القدسية عنه.

2 -

مشاركة بعض المخدوعين من أبناء المسلمين في هذه الجهود المضللة.

3 -

توجّه بعضهم لتفسير القرآن ليس من أجل بيان معانيه وإنّما لإخضاعه للأفكار والثقافة الغربية.

4 -

أنّ "العقل" نعمة كبرى لكنّه إذا كان محكومًا بالهوى؛ صار وبالًا على صاحبه.

وكان من أهم توصياتها ما يلي:

1 -

أوصى الباحثين ببذل الكثير من الجهود في مواجهة هذا الحملات المضللة. أوصي الجامعات ومراكز البحوث بالعناية بمثل هذه التوجهات التغريبية المضللة، وذلك بنشر الوعى بخطورتها، وطباعه البحوث والكتب التي تولت الرد عليها وكشف زيفها. كما أوصى الجامعات بتخصيص مادة دراسية متخصصة، تعنى بذلك. وبالله التوفيق.

وهذه الدراسة وفق اللهُ جامعَهَا لكشف عوار "الجابري" بأسلوب علمي رصين ورد محكم أصيل، فجزاه الله خيرًا عن كتابه ودينه ومنهاجه وشرعه.

‌الدراسة الثانية: "التفسير الواضح حسب ترتيب النزول لـ "محمد عابد الجابري"

دراسة تحليلية نقدية. وهذه الدراسة عبارة عن أطروحة علمية نالت بها الباحثة/ أحلام خليفة عبد الله الصويعي درجة الدكتوراه من الدراسات العربية وآدابها - شعبة الدراسات الإسلامية- بجامعة عين شمس، عام 1438 هـ-2017 م.

وهي وإن كانت دراسة وأطروحة علمية تناقش فكر "الجابري في التفسير فحسب،

- كسابقتها ولاحقتها- غير أن ضمها للدراسات سالفة الذكر، وذكرها والإشارة إليها مع تلك الدراسات تعطي القارئ الكريم تصورًا أوسع عن الجابري، وتفسح له المجال لتصور فكره وثقافته التي تدل على أنه ليس من أهل العلم أصلًا، كما أنها تجلي له حقيقة انتماء الرجل للمدرسة الحداثية التغريبية المعاصرة.

وقد افتتحت الباحثة تساؤلات الدراسة بالتساؤلات التالية

- هل كان الجابري مؤهلاً لأن يكون مفسرًا؟

- هل انطبع التفسير بما يحمله صاحبه من أفكار فلسفية وغربية؟

- هل أثار الجابري قضايا هامة في القرآن الكريم، في حين سكت عن أُخرى، وما الدافع وراء ذلك؟

- هل أَثار الجابري شبهات حول القرآن والإِسلام بدعوى التجديد؟

- هل كان الجابري في آرائه وأفكاره متأثرًا بتيار معين؟

- هل يُعتبر الجابري من المجددين في تفسير القرآن؟

وبهذا فكل هذه التساؤلات وغيرها تم الإفصاح عنها في الدراسة.

وهذا التساؤلات وأجوبتها كافية لتعرية "الجابري" ومنهجه وفكره.

‌الدراسة الثالثة: "سؤال المنهج في فهم القرآن الكريم وتفسيره عند محمد عابد الجابري من خلال كتابه فهم القرآن الحكيم التفسير الواضح حسب ترتيب النزول"

دراسة تحليلية نقدية، لحسن غماري، ولم يقف الباحث على تفاصيل لهذه الدراسة

[*](تعليق الشاملة): محتوى هذه الصفحة كله ليس في المطبوع من المجلة وهو ثابت في المرسل إلينا من المؤلف - حفظه الله -

ص: 44

‌ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث

ومناقشة تلك التفاسير تأتي انتصارًا للقرآن ودفعًا لتك الشبهة التي وقعوا فيها حتى لا يغتر بفعلهم أي غِرٍ كريم فيتابعهم ويوافقهم عليه، ولاسيما أن تلك التفاسير في متناول أيدي الناس.

ولذا فقد قام الباحث هنا بمعالجة الملاحظات والمآخذ التي تبينت له على الدراسات السابقة من عرض لتلك التفاسير وطريقة تناولها للتفسير ونقدها نقدًا علميًا بناءً وبيان معتقد مصنفيها وغيرها من المسائل التي لا غنى للقارئ عنها لتمكنه من الاطلاع الكامل على كل جوانب تلك التفاسير الثلاثة ليحصل عنده الإحاطة بها، ويحصل له التصور الكافي التام الذي يكفيه عن البحث والتنقيب عنها في مواضع وأماكن أُخَر.

وتأتي هذه الدراسة أيضًا مخاطبة للجهات العلمية المعنية في الأمة لاتخاذا التدابير اللزمة تجاه تلك التفاسير حتى لا تتكرر تلك الفجيعة مرة أخرى ولا سيما وأن مصنِفوها قد قضوا آجالهم وأفضوا إلى ما قدموا.

‌رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه

تتمثل مشكلة هذا البحث فيما أقدم عليه هؤلاء الثلاثة نفر من إحداث في تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي مدَّعين ادعاءات ما أنزل الله به من سلطان، وتلك الادعاءات إن لم تفند بالحجة والبرهان وبوسائل الإقناع فقد تحدث نوعًا من القناعات عند من لم ليس له بصر ثاقب وعقل راجح، ولاسيما أن من أصحاب تلك التفاسير من اعتمد في عمله - هذا- على فتاوى بعض علماء بلده لتبرأ ذمته وليجعلها حجة بينه وبين ربه، ومنهم من قدَّم أسبابًا واهية لا تقوم به حجة ولا تضح بها محجة، فيخشى إن لم تناقش وتفند تلك الحجج الواهية بأجوبة مقنعة مسكتة أن تنفذ تلك الفكرة وتنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم.

فأتت تلك الدراسة لتناقش تلك التفاسير وتفند تلك الحجج الواهية التي قدموها والتي هي أوهن من بيت العنكبوت، وذلك بحجج واضحات وأدلة دامغات صيانة للترتيب المصحفي الذي عليه عمل الأوليين والآخرين من أهل الإسلام أجمعين.

‌خامسًا: منهج البحث

لقد استخدم الباحث في بحثه عددًا من المناهج البحثية، والتي كان من أبينها وأبرزها: المنهج الوصفي التحليلي

أما الفصل: فقد قام فيه الباحث بوصف ترتيب الآيات في السور بأنه "ترتيب توقيفي"، ثم قام بتحليل ذلك الترتيب مستدلًا على توقيفه بدلائل عدة، من أبرزها: نزول بعض السور جملة واحدة، ثم عرج على مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور وأنها ثلاثة مذاهب، ثم عرج على ذكر أبرز أقوال العلماء القائلين بأن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا، ثم قام بوصف كل مذهب وصفًا تحليلًا مختصرًا مناسبًا لمقتضى الحال، ثم عرَّج على عرض الكلام على أبرز الأدلة التي استدل بها بعض العلماء على توقيف الترتيب المصحفي واصفًا لها وصفًا تحليليًا، ثم ختم هذا الفصل بالكلام على بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب

ص: 44

النزولي وبيان مصدره مبيّنًا وواصفًا له وصفًا تحليليًا دقيقًا مبيّنًا فيه أول من خالف وعارض الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي، ثم ثنَّى بذكر أبرز المستشرقين الداعين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا، ثم ثلث وختم بذكر أبرز من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين.

أما الفصل الثاني: فقد قام الباحث بعرض التفاسير الثلاثة، ثم تناول وصف كل تفسير منها وصفًا تحليليًا مناسبًا لمقتضى الحال مبينًا فيه التعريف بالتفسير ومؤلفه ومنهجه وعقيدته، ثم عرَّج على دوافع مخالفته للترتيب المصحفي وجنوحه للترتيب النزولي، ثم بعد وصفه لتلك الدوافع قام بتحليها تحليلًا وصفيًا مفندًا فيه تلك الدوافع بالوصف اللائق بكل دافع منها بما يقتضيه المقام، ثم بين الباحث أن الأهداف التي رامها مُفْتَتِحُو تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي لم تتحقق لهم، ثم ختم ببيان وجوب احترام الترتيب المصحفي وعدم التعرض له، والتصدي لمن تعرض له.

‌الفصل الأول توقيف الترتيب المصحفي للآيات والسور

‌المبحث الأول: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي

وفيه مطلبان:

إن الترتيب المصحفي هو الذي استقرت عليه العرضة الأخيرة الموافقة لما هو مثبتٌ في اللوح المحفوظ، وهو الترتيب الذي استقر عليه الجمع البكري لأول جمع للقرآن بين لوحين، وهو الترتيب الذي استقر عليه المصحف الإمام في الجمع العثماني، وهو الترتيب الموافق للصحف العثمانية التي بعث بها الخليفةُ الراشدُ عثمانُ رضي الله عنه إلى الأمصار.

والترتيب المصحفي يشتمل على أمرين:

‌المطلب الأول: الأمر الأول: ترتيب الآيات في السور

فلا شك في أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة:

قال الزركشي (ت: 794 هـ) رحمه الله:

فأما الآيات في كل سورة، ووضع البسملة في أوائلها، فترتيبها توقيفي بلا شك، ولا خلاف فيه، ولهذا لا يجوز تعكيسها.

(1)

وقال السيوطي (ت: 911 هـ) رحمه الله:

الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان، وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين.

(2)

ويقول السيوطي (ت: 911 هـ) - أيضًا-رحمه الله:

"والذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه، ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته بعد نزوله، هو الذي بين

(1)

- الزركشي، البرهان في علوم القرآن، (1/ 256)، البرهان في علوم القرآن - لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت: 794) تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم - الطبعة الأولى - دار إحياء الكتب العربية، مصر 1376 هـ - 1957 م.

(2)

-السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (1/ 211). الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911 هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم - دار التراث بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1405 هـ-1985 م.، ويُنظر: إعجاز القرآن للباقلاني (صـ 60). إعجاز القرآن للباقلاني المؤلف: أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب (المتوفى: 403 هـ) المحقق: السيد أحمد صقر الناشر: دار المعارف - مصر الطبعة: الخامسة، 1997 م عدد الأجزاء:1. وأسرار ترتيب القرآن: (صـ 41). للباقلاني، ومناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 347). مناهل العرفان في علوم القرآن المؤلف: محمد عبد العظيم الزُّرْقاني (ت: 136 هـ) الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الثالثة، عدد الأجزاء: 2، وحاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي عنايه القاضي وكفاية الراضي:(1/ 25). وفتح البيان في مقاصد القرآن ـ أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (15/ 307). فتحُ البيان في مقاصد القرآن المؤلف: أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (المتوفى: 1307 هـ) عني بطبعهِ وقدّم له وراجعه: خادم العلم عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري الناشر: المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صَيدَا - بَيروت عام النشر: 1412 هـ - 1992 م، عدد الأجزاء:15.

ص: 45

الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان، وأنه لم ينقص منه شيئًا، ولا زيد فيه، وأن ترتيبه، ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى، ورتبه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر ولم يؤخر مقدم".

(1)

وقال الزرقاني (ت: 1367 هـ) رحمه الله:

ولقد" انعقد إجماع العلماء على أن ترتيب الآيات في السورة كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم-عن الله عز وجل، وأنه لا مَجال للرأي والاجتهاد فيه، ولم يُعْلَم في ذلك مُخالفٌ".

(2)

وممن قال بالإجماع الذي حكاه السيوطي والزرقاني كذلك كل من:

1 -

ابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

ترتيب الآيات واجب؛ لأن ترتيبها بالنص إجماعًا.

(3)

2 -

وأبو جعفر الغرناطي (ت 708 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

اعلم أولاً أن ترتيب الآيات في سورها وقع بتوقيفه وأمره-صلى الله عليه وسلم، من غير خلاف في هذا بين المسلمين.

(4)

3 -

والملا على القاري (ت 1014 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

ترتيب الآيات توقيفي، وعليه الإجماع.

(5)

4 -

وشهاب الدين النفراوي (ت: 1127 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

ترتيب الآيات توقيفي اتفاقًا.

(6)

وقد دل على ذلك أيضًا أدلة كثيرة من السنة الصحيحة الثابتة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم-وهي أكثر من أن تُحصى ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

1 -

منها ما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا) إِلَى قَوْلِهِ (غَيْرَ إِخْرَاجٍ)(البقرة من آية: 240) قَدْ نَسَخَتْهَا الأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ.

(7)

.

فردُ عثمانَ بن عفان على ابْن الزُّبَيْرِ يُفهم منه أنهم-رضي الله عنهم أجمعين- يعلمون أماكن ترتيب الآيات فتَرَكَهَا عثمان مكانها مثبتةً لأن القرينة تدل عليها، ولأنه هو الذي تعلموه وهو المعمول به لديهم.

2 -

ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن عمر قال ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال ألا تكفيك آية الصّيْف التي في آخر سورة النساء.

(8)

فآية الكلالة مكانها في نهاية سورة النساء وخواتيمها، ولما سأل عمرُ رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أرشده إلى مكانها في آخر السورة.

ومن هنا يتبين لنا أمران:

(1)

- المرجع السابق: (ص: 163).

(2)

مناهل العرفان للزرقاني: (1/ 346).

(3)

- كشاف القناع عن متن الإقناع: (1/ 344). ويُنظر: المبدع في شرح المقنع (1/ 433). والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل: (1/ 119).

(4)

- البرهان في تناسب سور القرآن ـ للغرناطي،:(صـ 182). البرهان فى تناسب سور القرآن المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، أبو جعفر (المتوفى: 708 هـ) تحقيق: محمد شعباني دار النشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب عام النشر: 1410 هـ - 1990 م عدد الأجزاء: 1.

(5)

- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ الملا علي بن سلطان محمد القاري: (4/ 1520). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2002 م عدد الأجزاء:9.

(6)

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني ـ أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم بن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري: 1/ 56، 66. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف: أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126 هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1415 هـ - 1995 م عدد الأجزاء: 2.

(7)

أخرجه البخاري في الصحيح برقم (4536).

(8)

رواه مسلم برقم (1617).

ص: 46

الأمر الأول: أن آيات السورة مرتبة ومتتابعة من أولها وحتى آخرها.

والأمر الثاني: أن ترتيب الآيات كان مما يُعَلِّمه النبيُ صلى الله عليه وسلم أصحابهَ الكرام رضي الله عنهم.

3 -

ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء مرفوعًا من حفظ عشر آيات من أول الكهف عصم من الدجال وفي لفظ عنده من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف.

(1)

فقوله: (من أول الكهف) وقوله: (العشر الأواخر) واضح الدلالة على ترتيب آيات السورة كما هو شأن آيات القرآن قاطبة.

وكذلك" قراءته صلى الله عليه وسلم للسور المختلفة بمشهد من الصحابة يدلّ على أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبًا سمعوا النبي- صلى الله عليه وسلم يقرأ على خلافة فبلغ ذلك مبلغ التواتر. "

(2)

4 -

ومنها ما ثبت عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها، (أنها) قالت: سمع النبيُ صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في المسجد، فقال:"رحمه الله، لقد أَذْكَرَنِي كذا وكذا آية، أَسْقَطْتُهُنَّ من سورة كذا، وكذا"

(3)

.

فهذا الحديث وأضرابه مما يُستدل به على تعليمه صلى الله عليه وسلم أصحابه- رضوان الله عليهم- أماكن الآيات وترتيبها في السور وأنه أمر توقيفي لا محيد عنه ولا محيص.

وهناك أدلة كثيرة جدًا تقرر هذه المسألة، فسماع النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن من أصحابه مرتب الآيات وإقراره صلى الله عليه وسلم لقراءتهم، وكذلك صلاته بهم على مدار مرحلة نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة وقد تكرر ذلك تكرارًا ومرارًا وهو معلوم في دواوين السنة، ففي الإشارة إليه غنية وكفاية.

ومن أراد زيادة فائدة في هذا الباب فليراجع فضائل قراءة بعض آيات من القرآن بعينها في مظانها من كتب السنة كفضل فاتحة الكتاب وهي أكثر من أن تحصى، وكفضائل الآيتين الآخرتين من سورة البقرة

(4)

، وكفضل العشر آيات الأُول من سورة الكهف

(5)

وكذلك ما واظب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قراءته لبعض سور القرآن ولم يغير في آياتها أي شيء، لا بتقديم ولا بتأخير، وذلك كقراءته لسور البقرة، والنساء، وآل عمران، وقراءته، لسورة "ق" في العيد.

(6)

وكذلك من فوق المنبر وفي الصلاة كذلك، كما كان يقرأ بـ"المنافقون" في الجمعة

(7)

.

والنبي صلى الله عليه وسلم مع مواظبته على قراءة هذه السور والآيات فقد واظب صلى الله عليه وسلم كذلك على ترتيبها، فإنه لا يُعلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه غيَّر شيئًا منها البتة.

ولا ريب أن فعله صلى الله عليه وسلم هذا من أوضح البراهين على أن هذا الترتيب هو ما وافق ترتيبه في اللوح المحفوظ والذي تلقاه عن جبريل-عليه السلام.

(1)

- رواه مسلم برقم (809).

(2)

- يُنظر: الإتقان: (1/ 62 ـ 65).

(3)

أخرجه البخاري كتاب فضائل القرآن باب من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا 6/ 194 ح رقم 5042 ومسلم 33 كتاب صلاة المسافرين 33 - باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا، وجواز قول أنسيتها 1/ 543 ح رقم 788.

(4)

يُنظر: مسلم في صحيحه برقم: 809، وغيرهم.

(5)

يُنظر: البخاري في صحيحه برقم: (5008 - 5009 - 5040)، ومسلم برقم:(807).

(6)

- رواه مسلم برقم: (891)، وغيره.

(7)

- يُنظر: مسلم برقم: (877)، وغيره من حديث أبي هريرة.

ص: 47

أدلة أخرى تؤكد على أن ترتيب الآيات توقيفي:

ومما يؤكد على أن ترتيب الآيات ترتيب توقيفي كذلك ويبرهن عليه نزول عدد من سور القرآن جملة ودفعة واحدة.

‌المطلب الثاني: وأما الأمر الثاني: فهو ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي

قد مر معنا آنفًا القطع بأن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة، وأما ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي فمسألة تنازع فيه العلماء، وسيعرض الباحث الأقوال الواردة في ترتيب السور مع الترجيح بينها، وسيكون ذكر ذلك مفصلًا في موضعه المناسب في مبحث خاص من هذا الفصل ألا وهو المبحث الثالث: مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور.

‌المبحث الثاني: من أوضح الأدلة على أن ترتيب الآيات في السور توقيفي نزول، بعض السور جملة واحدة

وفيه مطلبان:

‌المطلب الأول: ذكر جملة من السور التي نزلت جملة واحدة

من الأدلة الواضحة الجلية على أن ترتيب الآيات في السور توقيفي نزول بعض السورة جملة واحدة.

وفي تقسيم نزول سور القرآن يذكر السيوطي النوع الثاني، وهو النوع الذي نزل جملة واحدة فيقول- رحمه الله:

"

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي: سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْكَوْثَرِ وَتَبَّتْ وَلَمْ يَكُنْ وَالنَّصْرُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا. وَمِنْهُ سُورَةُ الصَّفِّ.

(1)

ونسوق بعض الأدلة الصحيحة الثابتة في نزول بعض السور جملة واحدة، فمن تلك السور التي نزلت جملة واحدة سورة براءة

فقد روى البخاري في صحيحه عَنِ البَرَاءِ-رضي الله عنه، قَالَ:" آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ".

(2)

وقد رواه البخاري كذلك

(3)

بلفظ: " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ

"

دون لفظة " كاملة ".

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن سورة براءة نزلت مفرقة ولم تنزل جملة واحدة مدعين عدم صحة لفظة "كاملة ".

قال بدر الدين العيني (ت: 855 هـ) رحمه الله:

"قَوْله: (كَامِلَة) قَالَ الدَّاودِيّ: لفظ: كَامِلَة، لَيْسَ بِشَيْء لِأَن بَرَاءَة نزلت شَيْئًا بعد شَيْء، قلت: وَلِهَذَا لم يذكر لفظ: كَامِلَة، فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير، وَلَفظه هُنَاكَ: آخر سُورَة نزلت بَرَاءَة ".

(4)

ولكن الطاهر بن عاشور ذكر في "التحرير والتنوير" أنها نزلت دفعة واحدة وقد عزا هذا القول لجمهور العلماء.

(5)

ومن تلك السور التي نزلت جملة واحدة كذلك سورة الفتح:

فقد روى البخاري في صحيحه عن عمر- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)(الفتح: 1).

(6)

ومن تلك السور التي نزلت جملة واحدة كذلك سورة البينة:

فعَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَبَّةَ الْبَدْرِيَّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب)[البينة: 1] إِلَى آخِرِهَا، قَالَ جِبْرِيلُ-عليه السلام: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَهَا أُبَيًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيٍّ:(إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ هَذِهِ السُّورَةَ) قَالَ أُبَيٌّ: وَقَدْ ذُكِرْتُ ثَمَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: فَبَكَى أُبَيٌّ.

(7)

(1)

الإتقان: (1/ 136 - 137). بتصرف.

(2)

رواه البخاري: (4364).

(3)

رواه البخاري: (4605).

(4)

- عمدة القاري: (18/ 18).

(5)

- التحرير والتنوير: (10/ 97). تفسير ابن عاشور: التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393 هـ) الناشر: الدار التونسية للنشر - تونس سنة النشر: 1984 هـ، عدد الأجزاء: 30 (والجزء رقم 8 في قسمين).

(6)

رواه البخاري: (4177).

(7)

رواه أحمد في المسند: (16001)، وقال محققوه): حديث صحيح لغيره (. و أصله في البخاري: (3809)، ومسلم:(799)، من حديث أنس.

ص: 48

وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورة الْكَوْثَر:

فعن أنس، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله قال: "أنزلت علي آنفًا سورة" فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (الكوثر كاملة: 1 - 3).

(1)

وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورة النصر:

فعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة نزلت من القرآن، نزلت جميعًا؟ قلت:" نعم، إذا جاء نصر الله والفتح "، قال: صدقت.

(2)

وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورة المسد:

ثبت في الصحيحين من حديث عَنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ:(يَا صَبَاحَاهْ)، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟)

قَالُوا: بَلَى، قَالَ:(فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ)(المسد: 1).

(3)

وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورتا المعوذتين:

فعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} .

(4)

‌المطلب الثاني: الخلاصة في ذكر السور التي نزلت جملة واحدة

أن نزول كثير من سور قصار المفصل نزلت جملة واحدة هو أمر ثابت بأدلة صحيحة صريحة، كالفاتحة والقدر والماعون والمسد والكوثر والفيل والنصر والكافرون والإخلاص والفلق والناس. وكذا الفتح.

وأما ما ذكره بعض أهل التفسير من أن سورًا عدة قد نزلت جملة واحدة كذلك ولا سيما من الطوال، فإن أغلب تلك الأقوال محل نظر واجتهاد والخلاف فيها معلوم لأنها أقوال اجتهادية لم تنهض بها حجة واضحة من دليل صحيح صريح ثابت، ولذا لم يذكر الباحث إلا ما ثبت لديه بالدليل الصحيح الثابت الصريح.

هذا: ولابد أن يُعلم أن الأصل في القرآن الكريم أنه جُمع ورتب على أساس موافقته للعرضة الأخيرة، وقد استقرت العرضة الأخيرة على وفق ما هو مثبت وموافق ومطابق للقرآن المثبت في اللوح المحفوظ كذلك.

وأما الأمر الثاني:: فهو ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي، فقد مر معنا آنفا القطع بان ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة، وأما ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي فمسألة تنازع فيه العلماء، وهذا يعرض الباحث الأوقوال الواردة فى ترتيب السور

(1)

أخرجه مسلم في 4 - كتاب الصلاة 14 - باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة 1/ 300 ح رقم 400.

(2)

صحيح مسلم في صدر كتاب التفسير 4/ 2318 ح رقم 3024.

(3)

- رواه البخاري: (4801)، ومسلم:(208).

(4)

- أخرجه مسلم 6 - كتاب المسافرين وقصرها 46 - باب فضل قراءة المعوذتين 1/ 558 ح رقم 814.

ص: 49

مع الترجيح بينها.

‌المبحث الثالث: مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور

وفيه ثلاثة مطالب:

يقول السيوطي- رحمه الله في "الإتقان" عن الخلاف في ترتيب السور:

وأما ترتيب السور على ما هي عليه الآن في المصحف، فقد اختلف فيه أهل هذا الشأن على ثلاثة مذاهب:

‌المذهب الأول: المذهب الأول: أن ترتيب السور أمر توفيقي من اجتهاد الصحابة

وهو مذهب الجمهور الذي يرى أن ترتيب السور هو أمر توفيقي من اجتهاد الصحابة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم فوَّضَ ذلك إلى أمته من بعده. ومن أبرز من نحا إلى هذا الرأي الإمام مالك.

‌المذهب الثاني: المذهب الثاني: أن ترتيب السور أمر توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم

ـ

يرى أن هذا الترتيب توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قالت طائفة من أهل العلم.

‌المذهب الثالث: المذهب الثالث: أن ترتيب أغلب السور أمر توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة

يجنح إلى أن ترتيب أغلب السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وعلم ذلك في حياته، وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة.

(1)

قد مر بنا آنفًا ما ذكره السيوطي من أقوال العلماء في القول بترتيب السور إجمالًا، والخلاف في هذه المسألة واسع جدًا وله أهميته الكبرى لتعلقه بأمر عظيم يتعلق بكلام الله تعالى، وقد ساق أصحاب كل قول أدلة ما يترجح لديهم القول به، ومن تكلم في هذه المسألة أئمة كبار ممن يُعتد برأيهم، والباحث لم يسق أدلة كل فريق لمناقشتها مخافة الإطالة، وإن كان تناول هذا المبحث من الأهمية الكبرى بمكان، لمكانته وقدره وقدر متعلقه ألا وهو كتاب الله تعالى.

‌المبحث الرابع: أبرز أقوال العلماء القائلين بأن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا

والكثير من الأئمة يرى أن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا كما كان ترتيب آياته كذلك، وقد ساقوا من الأدلة الواضحات والحجج الدامعات ما يجعل الباحث يقف عندها طويلًا ويعيد التأمل والبحث والنظر فيها كثيرًا.

وفيه مطلبان:

‌المطلب الأول: ذكر جملة من أقوال العلماء المتقدمين

ومن أبرز هذه الأقوال ما يلي:

القول الأول: قول الزركشي (ت: 794 هـ) في البرهان رحمه الله:

"قال بعض مشايخنا

(1)

البرهان (1/ 258).

ص: 50

المحققين: قد وهم من قال: لا يطلب للآية الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المتفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلًا وعلى حسب الحكمة ترتيبًا، فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف

قلت: وهو مبني على أن ترتيب السور توقيفي وهذا الراجح.

(1)

ولاشك أن مثل قول الزركشي له قيمته العلمية وله مكانته وقدره كذلك، لكونه قد ناقش أدلة كل فريق من جهة، ولتمكنه من هذا العلم من جهة ثانية.

القول الثاني: قول السيوطي (ت: 911 هـ) في الإتقان-رحمه الله:

"ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت وَلاءً "يعني متوالية" وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات وَلاءً، بل فُصِلَ بين سورها و فُصِلَ بين "طسم" الشعراء و"طسم" القصص بـ "طس" مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهادًا لذكرت المسبحات وَلاءً، وأخرت "طس" عن القصص".

(2)

القول الثالث: قول أبي بكر الأنباري (ت: 328 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

"اتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن".

(3)

القول الرابع: قول الكرماني: (ت: 893 هـ) رحمه الله:

"ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب".

(4)

القول الخامس: قول شرف الدين الطيبي (ت: 743 هـ) كذلك- رحمه الله:

"أنزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل مفرقًا على حسب المصالح، ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ. ".

(5)

القول السادس: قول محب الدين النُّوَيْري (ت: 857 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

وإنما أمرهم-عثمان- بالنسخ من الصحف؛ ليستند مصحفه إلى أصل أبى بكر المستند إلى أصل النبي صلى الله عليه وسلم، وعيّن زيدًا لاعتماد أبى بكر وعمر عليه، وضم إليه جماعة مساعدة له، ولينضم العدد إلى العدالة، وكانوا هؤلاء؛ لاشتهار ضبطهم ومعرفتهم. وكتبوه مائة وأربعة عشر سورة، أولها "الحمد" وآخرها "الناس" على هذا الترتيب.

(6)

يتضح من كلام النويري أنه يرى بأن نسخ أبي بكر كان كاملاً مرتب الآيات والسور أيضًا، وأنه استند إلى المكتوب، والمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فرق بين الآيات والسور في التوقيف، ولذا أمرهم-عثمان- بالنسخ منه.

القول السابع: قول أبي جعفر النحاس (ت: 338 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

(1)

البرهان في علوم القرآن (1/ 37). وانظر: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: 1/ 56. والكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم: 10/ 76.

(2)

الإتقان: السيوطي ج 1 ص 63.

(3)

الإتقان: السيوطي ج 1 ص 62.

(4)

-البرهان: الزركشي ج 1 ص 259، والإتقان للسيوطي ط 1 ص 62.

(5)

الإتقان: السيوطي ج 1 ص 62.

(6)

- شرح طيبة النشر: (1/ 109).

ص: 51

"إن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم

(1)

.

القول الثامن: قول أبي الحسن ابن الحصَّار (ت: 620 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

"ترتيب السور ووضع الآيات موضعها إنما كان بالوحي".

(2)

القول التاسع: قول البغوي (ت: 516 هـ) حيث يقول- رحمه الله:

إن الصحابة- رضي الله عنهم، جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير أن زادوا فيه، أو نقصوا منه شيئًا

فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئًا أو أخروا

فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، كما قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185)، وقال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر: 1)

(3)

.

إن كلام البغوي في غاية الدقة، فهو يرى أن القرآن الذي في أيدينا ما زال كما كان في اللوح المحفوظ، فكان مرتبًا، ونزل مرتبًا إلى السماء الدنيا بكامل آياته وسوره، وأنه وإن نزل منجمًا بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جُمع بالوحي كما كان في اللوح المحفوظ، وكتبه الصحابة- رضي الله عنهم على هذا الجمع الذي تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

القول العاشر: قول الملا علي القاري

(4)

حيث يقول- رحمه الله:

مع أن الأصح أن ترتيب السور توقيفي أيضًا، وإن كانت مصاحفهم مختلفة في ذلك قبل العرضة الأخيرة

ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت وَلَاءً، وكذلك الطواسين، ولم يرتب المسبحات وَلَاءً، بل فصل بين سورها، وكذا اختلاط المكيات بالمدنيات

(5)

.

وفي قول ودليل علي القاري، يتضح أن الترتيب وإن لم يرد فيه نص نظري لكنه كان أوكد من خلال التأمل في التطبيق العملي، الذي يوحي بما لا يدع مجالًا للشك بأن الترتيب كان توقيفيًا. وكلامه فحواه مقتبس من قول السيوطي.

ولما سبق لم يتردد العلماء في ترجيح هذا الرأي القائل بالتوقيف، فقد قال أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي: والصحيح أن ترتيب السور والآيات أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه.

(6)

ومما نُظم وقيل في ذلك قولُ أبي الحسن بن الحصار (ت: 620 هـ) في كتابه "الناسخ والمنسوخ ":

يا سائلي عن كتاب الله مجتهدًا

وعن ترتيب ما يتلى من السور

وكيف جاء بها المختار من مضر

صلى الإله على المختار من مضر

(7)

فابن الحصار يشير إلى أن ترتيب السور جاء بها النبي-صلى الله عليه وسلم وهي إشارة

(1)

-البرهان: الزركشي ج 1 ص 259، والإتقان للسيوطي ط 1 ص 62.

(2)

- الإتقان: السيوطي ج 1 ص 62.

(3)

شرح السنة للبغوي: (4/ 521). ويُنظر: المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود: 5/ 206.

(4)

- الملا على القارئ: (ت. 1014 هـ - 1606 م)، هو الشيخ الفقيه المحدث المقرئ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان محمد، القارئ الهروي المكي المعروف بـ " الملّا علي القاري ". لقب بالقاري؛ لكونه عالمًا بالقراءات، والهروي: نسبة إلى مدينة هراة، من أمهات مدن خراسان، وهي ضمن جمهورية أفغانستان الحالية.

والمكي: نسبة إلى مكة أم القرى؛ لأنه رحل إليها وأخذ عن مشايخها واستوطنها حتى توفي بها.

ولد في مدينة هراة في حدود سنة 930 هجرية، وبها نشأ، وطلب العلم، وحفظ القرآن الكريم، وجوده على شيخه المقرئ معين الدين بن الحافظ زين الدين الهروي، وتلقى مبادئ العلوم الشرعية عن شيوخ عصره.

ثم رحل إلى مكة، حيث استقر بها، ولازم بها العلماء سنوات طويلة، واستمر في التحصيل، حتى صار من العلماء المشهورين.

وكان رحمه الله حنفي المذهب، كما هو معروف من مصنفاته، وسيرة حياته، وأسهم في تحرير كثير من مسائل المذهب الحنفي، وتأييدها بالأدلة الشرعية.

وكان رحمه الله معروفًا بالتدين والتورع والتعفف، وكان يأكل من عمل يده، متقللاً من الدنيا، غلب عليه الزهد والعفاف والرضا بالكفاف.

وكان قليل الاختلاط بالناس، كثير العبادة والتقوى، وكان يكتب كل عام مصحفًا بخطه الجميل، ويهمشه بالقراءات والتفسير، فيبيعه ويكفيه قوتًا عامه كله.

وكان يرى أن التقرب إلى الحكام وقبول منحهم يضر بالإخلاص والورع.

وكان يقول: " رَحِمَ اللَّهُ وَالِدِي، كَانَ يَقُولُ لِي: مَا أُرِيدُ أَنْ تَصِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، خَشْيَةَ أَنْ تَقِفَ عَلَى بَابِ الْأُمَرَاءِ". انتهى من "مرقاة المفاتيح"(1/ 311).

وللاستزادة من سيرته وأخباره يُنظر:

- الأعلام" للزركلي (5/ 12 - 13).

- التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح" للكاندهلوي (ص 6).

- التعليقات السنية" للكنوي (ص 8 - 9).

- الملا علي القاري فهرس مؤلفاته وما كتب عنه" لمحمد عبد الرحمن الشماع.

(5)

- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري:(4/ 1522).

(6)

- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي: 18/ 174. ويُنظر: فتح البيان في مقاصد القرآن ـ محمد صديق خان: 1/ 31 و 15، 307. وحاشية الشهاب على تفسير البيضاوي: 1/ 25. وتفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن: المقدمة: 96. والتفسير من سنن سعيد بن منصور: 1/ 239. ومرعاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح: 7/ 334.

(7)

وللاستزادة ينظر: الإتقان للسيوطي (1/ 44).

ص: 52

واضحة الدلالة من كلامه بأن ترتيب السور توقيفي منه-صلى الله عليه وسلم

‌المطلب الثاني: ذكر جملة من أقوال العلماء المعاصرين

وقد رجح جمع من المعاصرين القول بالتوقيف كذلك، وهم على سبيل المثال لا الحصر على نحو التالي:

"جاء في التفسير الوسيط: ترتيب السور على ما جاء في المصحف الشريف بأمر الله عز وجل

(1)

.

1 -

قال صاحب التفسير الوسيط:

والذي تميل إليه النفس أن ترتيب السور توقيفي، وأن كل سورة لها موضوعاتها التي نراها بارزة بصورة تميزها عن غيرها

(2)

.

2 -

وقال وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ (ت: 1436 هـ):

ولا خلاف بين العلماء في أن ترتيب آيات السور توقيفي منقول ثابت عن النّبي صلى الله عليه وسلم، كما أن ترتيب السور أيضًا توقيفي على الراجح

(3)

.

وممن قال به كذلك من المعاصرين محمد عبد الله دراز، أحمد شاكر.

‌المبحث الخامس: أبرز الأدلة التي استدل بها بعض العلماء على توقيف الترتيب المصحفي

وفيه أربعة مطالب:

‌المطلب الأول: الدليل الأول: إجماع الصحابة-رضي الله عنهم على ترتيب السور في المصحف العثماني

ومن أبرز ما استدل به بعض هؤلاء على توقيف الترتيب المصحفي ما يلي:

إذ لو كان هذا الترتيب ترتيبًا اجتهاديًا لما أجمعوا عليه ولتمسكوا بمصاحفهم ولما قدموها للحرق، ولما اجتمعوا على المصحف الإمام

ولقد" قام عثمان بن عفان- رضي الله عنه بإحراق المصاحف التي وقع فيها الاختلاف، وأبقى لهم المتفَق عليه، كما ثبت في العَرْضة الأخيرة".

(4)

وقد ثبت عند البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم على عثمان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أنْ أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم- يعني ابتداءً-، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

(5)

(6)

(1)

- مجمع البحوث (10/ 2043).

(2)

التفسير الوسيط لـ محمد سيد طنطاوي (ت: 1431 هـ): (6/ 9)، وهذا التفسير تارة ينسب لـ"طنطاوي"، وتارة أخرى ينسب لمجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، كما هو الحال في طبعة: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية الطبعة: الأولى، (1393 هـ = 1973 م) - (1414 هـ = 1993 م) عدد المجلدات: 10

(3)

- التفسير المنير للزحيلي (1/ 23). يُنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: 14/ 181. وينظر: ترتيب آيات وسور القرآن الكريم-الدكتور محمد أبو زيد عن موقعه. بتصرف

(4)

البداية والنهاية: لابن كثير: (7/ 178).

(5)

رواه البخاري، حديث:(4987).

(6)

- قال عمر بن علي بن أحمد الشافعي، المعروف بابن الملقن:(ت: 804 هـ)

معنى (يغازي) يغزو، وإرمينية: بكسر أوله، وفتحه ابن السمعاني، وتخفف ياؤها وتشدد كما قاله ياقوت، وقال صاحبا "المطالع": بالتخفيف لا غير. وقال أبو عبيد: بلد معروف سميت بكون الأرمن فيها، وهي أمة كالروم، وقيل: سميت بأرمون بن لمطي بن يومن بن يافث بن نوح. قال أبو الفرج: ومن ضم الهمزة غلط، قال: وبكسرها قرأته عَلَى أبي منصور اللغوي؛ وقال: هو اسم أعجمي، وأقيمت -كما قال الرشاطي- سنة أربع وعشرين في خلافة عثمان على يد سليمان بن ربيعة الباهلي. قال: وأهلها بنو الرومي بن إرم بن سام بن نوح.

وأذربيجان - بفتح أوله بالقصر والمد، وبفتح الباء وكسرها، وكسر الهمزة أيضًا، حكاه ابن مكي في "تنقيبه"- بلد بالجبال من بلاد العراق يلي كور إرمينينة من جهة المغرب. وقال أبو إسحاق البحيري: الفصيح ذربيجان. وقال الجواليقي: الهمزة في أولها أصلية، لأن أذر مضموم إليه الآخر. يُنظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح: (24/ 20 - 25).

ص: 53

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

" يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا ".

(1)

وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يدل على أنهم قد أجمعوا عليه إجماعًا سكوتيًا-رضي الله عنهم أجمعين-.

موقف ابن مسعود- رضي الله عنه:

قال ابن كثير-رحمه الله:

"روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، فكتب إليه عثمان بن عفان- رضي الله عنه يدعوه إلى اتِّباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة-رضي الله عنهم أجمعين-".

(2)

وكذلك إجاب ابن مسعود- رضي الله عنه إلى المتابعة في تقديم مصحفه للحرق تعزز ما ذكرناه آنفًا من قول على بن أبي طالب- رضي الله عنه تقوى وتؤكد وتعزز القول بالإجماع السكوتي من جهة، وتقرر الإجماع الفعلي من جهة أخرى كذلك، فرضي الله عنهم أجمعين.

وفي ذلك يقول الزرقاني- (ت: 1367 هـ) في "مناهله"- وهو يستعرض أدلة القائلين بالتوقيف:

"إن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول- صلى الله عليه وسلم كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه صلى الله عليه وسلم. واستدل أصحاب هذا الرأي بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان ولم يخالف منهم أحد. وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بمخالفتهم. لكنهم لم يتمسكوا بها بل عدلوا عنها وعن ترتيبهم وعدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعا. ثم ساقوا روايات لمذهبهم كأدلة يستند إليها الإجماع".

(3)

فلو سلمنا جدلاً أن ترتيب المصحف كان في أول أمره ترتيبًا اجتهاديًا لا توقيفيًا، لقلنا إن إجماع الأمة قد استقر على الترتيب المصحفي، حتى إن كُتب التفسير كلها على هذا الأمر لا نعلم منها أي مخالف عند السلف والخلف، لكن شذ عن ذلك ثلاثة نفر من المعاصرين

(4)

، فلا يجوز والحال كذلك خرق هذا العمل الذي أجمعت الأمة عليه، وإنما المعنى بذلك هو كتب التفسير، لأن أمر المصاحف لا يتجرأ أحدُ على مخالفته البتة إلا مما نادى بعض المستشرقين كما سيأتي بيانه.

‌المطلب الثاني: الدليل الثاني: تحزيب الصحابة-رضي الله عنهم للقرآن

ومما استدلوا به كذلك على أن ترتيب السور توقيفي تحزيب القرآن وفي

(1)

المصاحف،؛ لابن أبي داود صـ 96. كتاب المصاحف المؤلف: أبو بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (المتوفى: 316 هـ) المحقق: محمد بن عبده الناشر: الفاروق الحديثة - مصر/ القاهرة الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2002 م عدد الأجزاء: 1

(2)

- البداية والنهاية؛ لابن كثير: (7/ 228). بتصرف يسير. البداية والنهاية المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ) الناشر: دار الفكر عام النشر: 1407 هـ - 1986 م عدد الأجزاء: 15.

(3)

- يُنظر: مناهل العرفان: (1/ 354)

(4)

أما الخلف: فقد أحدث ثلاثة نفر منهم خرقًا لهذا الإجمال، فكتبوا تفاسيرهم على الترتيب النزولي، تاركين الترتيب المصحفي الذي عليه عمل السلف واستقر عليه إجماع الأمة.

أما التفاسير الثلاثة فهي:

1 -

تفسير بيان المعاني: وهو "تفسير كتاب الله الحكيم حسب النزول لـ" عبد القادر ملا حويش".

2 -

التفسير الحديث: لـ" محمد عزة دروزة "

3 -

كتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ" عبد الرحمن حبنكة الميداني"

وسيأتي الكلام عنها بالفصيل في الصفحات التالية بإذن الله تعالى.

ص: 54

ذلك يقول الحافظ ابن حجر (ت: 852 هـ) -رحمه الله تعالى:

"ومما يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفيًّا ما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف

وفيه

فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من "ق" حتى نختم". ثم قال ابن حجر:"فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم ".

(1)

وهذا أيضًا دليل واضح جلي ذكره الحافظ في الفتح واستدل به على أن ترتيب السور على ما هو عليه في المصحف الأن كان كذلك في عهد تنزله الأول على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

‌المطلب الثالث: الدليل الثالث: النظم الترتيبي لبعض السور المتشابهة في مفتتحها

وفي ذلك يقول السيوطي -رحمه الله تعالى-:

"ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت وَلاءً "يعني متوالية" وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات وَلاءً، بل فُصِلَ بين سورها وفُصِلَ بين "طسم" الشعراء و"طسم" القصص بـ "طس" مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهادًا لذكرت المسبحات وَلاءً، وأخرت "طس" عن القصص".

(2)

وقد مر ذكره عند عرض أقوال القائلين بتوقيف ترتيب السور.

وهذا الترتيب الدقيق الذي ذكره السيوطي للسور المتشابهات في مفتتحها ومطلعها وصفة ترتيبها وتتابعها بتك الدقة المتناهية من سور "آل حميم" وسور "آل طسم"، إذ إن سور "آل حم" السبع رتبت ترتيبًا متواليًا وكذلك سور "آل طسم" الثلاث، وأما سور المسبحات السبع فرغم تشابه مفتتحها فإنها لم تأت متوالية. وقوله:(وأخرت طس) يعني النمل المفتتحة بـ (طس) فقد أخرت عن القصص فجاءت بعدها، وقد وقعت بين سورتي الشعراء والقصص المتشابهتين في الافتتاح بـ (طسم)، فدلل بذلك على أن ترتيب السور توقيفي بلا شك، وهذا استدلال من السيوطي له قوته ووجاهته وحجيته.

وسور الحواميم هي: سور ذَوات "آل حم".

وسور الطواسين أو الطواسيم هي: السور ذَوات "آل طسم ". وقد جُمِعَتْ على غيرِ قِياس.

أما سور "آل حم": فهي سور "آل حم" السبع التي افتتحت بـ"حم" وهي سور:

1 -

غافر

2 -

فصلت

3 -

الشورى

4 -

الزخرف

5 -

الدخان

6 -

الجاثية

7 -

الأحقاف.

قال الكميت بن يزيد

(3)

:

وجدنا لكم في آل حاميم آية

تأوّلها منّا تقيّ ومعرب

(4)

(1)

- فتح الباري: ابن حجر العسقلاني ج 9 ص 42، 43.

(2)

- الإتقان: السيوطي ج 1 ص 63.

(3)

-الكميت بن زيد الأسدي وكنيته أبو المستهل، (60 هـ - 126 هـ) شاعر عرب من قبيلة بني أسد ومن أشهر شعراء العصر الأموي، سكن الكوفة واشتهر بالتشيع وقصائده في ذلك المسماة بالهاشميات. يُنظر الموسوعة الحرة-ويكيبيديا.

(4)

- البيت للكميت بن زيد الأسدي، مجاز القرآن لأبي عبيدة:(218 - 1) وديوانه طبعة الموسوعات بالقاهرة 18. وآل حاميم وذوات حاميم: السور التي أولها" حم" نص الحريري في درة الغواص، على أنه يقال: آل حاميم، وذوات حاميم، وآل طسم، ولا يقال: حواميم ولا طواسيم.

ص: 55

وهي على الترتيب المصحفي على النحو التالي:

الأولى: (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)) [غافر].

الثانية: (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2)) [فصلت].

الثالثة: (حم (1) عسق (2)) [الشورى].

الرابعة: (حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2)) [الزخرف].

الخامسة: (حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2)) [الدخان].

السادسة: (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)) [الجاثية].

السابعة: (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)) [الأحقاف]

"وقد تجعل "حم" اسمًا للسورة ويدخل الإعراب ولا يصرف".

(1)

وأما سور "آل طسم": فهي السور المفتتحة بـ (طسم) أو (طس)، وهي ثلاث سور:

1 -

الشعراء

2 -

والنمل

3 -

والقصص.

وهي على الترتيب المصحفي على النحو التالي:

الأولى: (طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) [الشعراء].

الثانية: (طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ)(1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) [النمل].

الثالثة: (طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2)) [القصص].

أنشد أبو عبيدة:

وبالطّواسيم الّتي قد ثلّثت

وبالحواميم الّتي قد سبّعت

(2)

وهو يعني بقوله: " قد ثلّثت" أنها ثلاث سور، وبقوله:" قد سبّعت "أنها سبع سور.

وأما المسبحات فهي السور المفتتحة بالتسبيح، وهي سبع سور:

1 -

الإسراء.

2 -

الحديد.

3 -

الحشر.

4 -

الصف.

5 -

الجمعة.

6 -

التغابن.

7 -

الأعلى.

وهي على الترتيب المصحفي على النحو التالي:

الأولى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)(1)[الإسراء].

الثانية: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(1)[الحديد].

الثالثة: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(1)[الحشر].

الرابعة: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(1)[الصف].

الخامسة: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)(1)[الجمعة].

السادسة: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(1)[التغابن].

(1)

- يُنظر: زاد المسير: 7/ 204 - 205.

(2)

- يُنظر: زاد المسير: 7/ 204 - 205، جمال القراء: 1/ 34 - 36.

ص: 56

السابعة: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)(1)[الأعلى].

‌المطلب الرابع: الخلاصة من أقوال وأدلة العلماء القائلين بأن ترتيب السور توقيفي

وبعد بيان استعراض أقوال وأدلة القائلين بالقول بأن ترتيب السور توقيفي والحكم عليها يتبين لنا ما يلي:

أولًا: قوة أدلتهم وحجيتها ووجاهتها ورجحانها

ثانيًا: أن ترتيب السور المصحفي الذي استقر عليه المصحف الإمام هو الموافق لما هو مثبت في اللوح المحفوظ بلا شك وهو الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم وتلقته الأمة بالقبول وعليه يجب التمسك والاعتصام والعمل به وعدم الحيد عنه سواء كان هذا الترتيب ترتيبًا توقيفيًا أم ترتيبًا اجتهاديًا، مع رد الدعوات المغرضة المنادية بإعادة ترتيب المصحف ترتيبًا نزوليًا أو ترتيبًا موضوعيًا ورد أي دعوة مماثلة لتك الدعاوي الباطلة الهابطة كتلك الدعاوي التي صدرت من بعض المستشرقين الذين سيأتي ذكرهم ومن تأثر بهم وتابعهم ونادى بفكرتهم من بعض المعاصرين كذلك.

‌المبحث السادس: بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وبيان مصدره

وفيه ثلاثة مطالب:

‌المطلب الأول: أول من خالف وعارض الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي

لقد تَعرَّضَ لهذا الترتيب فئة من المستشرقين ولا غرابة في ذلك فهذا شأنهم وديدنهم، ولكن عندما يتعرض لهذا الترتيب فئة من بني جلدتنا وممن ينتمون لقبلتنا فمن هنا يأتي التعجب!. فإنَّ " كلٌ من الشيخ "عبد القادر ملا حويش"، والأستاذ "محمد عزة دروزة"، وهما (معاصريين) قد أقرا بأن ترتيب السور في المصحف توقيفي ولا يجوز مخالفة هذا الترتيب، لأنه كان بوحي من الله إلى جبريل إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم ".

(1)

ومع ذلك فقد خالفا الترتيب التوقيفي في تفسيريهما، وقد احتجا بأن طريقة تناول التفسير تختلف عن الترتيب المصحفي، وقد قدما أعذارًا لا تقوم بها حجة ولا تتضح بها محجة.

وقد أملى كل من "حويش" و"دروزة" تفسيرًا معاصرًا قد رتبه كل منهما ترتيبًا نزوليًا لا ترتيبًا مصحفيًا، و "حويش" هو رأس الحربة الذي ابتدأ هذا الأمر الجلل، إذ هو أول من أقبل على هذا العمل الذي خالف فيه ما درج عليه أئمة التفسير وسادات التحبير والتأويل سلفًا وخلفًا كما سيأتي بيان ذلك وإيضاحه في موضوعه، ثم تبعه "دروزة"، وقد تبعهما على هذا العمل كذلك الشيخ "حبنكة الميداني" كما سيأتي الكلام على تلك التفاسير بشيء من التفصيل والإيضاح والبيان.

(1)

- يُنظر: بيان المعاني 1/ 3، والتفسير الحديث 1/ 9.، التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان: د. مصطفى مسلم. مقال عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: 15/ 12/ 1432 هـ. بتصرف يسير لينتظم الكلام ويتآلف فحسب.

ص: 57

وجميع هؤلاء بذلك قد خرقوا إجماع الأمة على اتباع الترتيب المصحفي والذي عليه عمل أئمة التفسير من السلف والخلف، وفي حدود علم الباحث واطلاعه الضيق أن هذا العمل لم يسبقهم إليه أحدٌ أبدًا من هذه الأمة، إلا ما كان من دعوة ونداء بعض المستشرقين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا وذلك سعيًا منهم لبث الشبهات حول القرآن ولزعزعة الثقة في كتاب الله ولاسيما في نفوس الأجيال المقبلة.

‌المطلب الثاني: أبرز المستشرقين الداعين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا

لقد عارض جماعة من المستشرقين الترتيب المصحفي طالبين وداعين بإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا، بل فعل ذلك بعضهم ثم ندم وتراجع لما لم يتحقق له مأربه المرجو تحقيقه من وراء ذلك.

ومن أبرز هؤلاء المستشرقين:

1 -

المستشرق الألماني غوستاف ليبرشت فْلوجِل: (ت: 1278 هـ).

2 -

والمستشرق الألماني اليهودي غوستاف فايل: (ت: 1306 هـ).

3 -

والمستشرق الألماني فريدريش شفالي: (ت: 1338 هـ)، وهو تلميذ تيودور نولدكه

4 -

وشيخ المستشرقين الألماني تيودور نولدكه: (ت: 1349 هـ).

وهو من أوائل المستشرقين الذين أثاروا مسألة إعادة ترتيب القرآن الكريم، "وفق ترتيب النزول". ولقد أفنى جزءًا كبيرًا من حياته، معتمدًا على كتاب أبي القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافي من رجال القرن الخامس.

(1)

ويقال بأنه ندم في آخر حياته على الجهد الكبير الذي بذله في علم لا يمكن أن يصل فيه إلى نتائج قطعية بسبب اختلاف الروايات وتضاربها.

5 -

والمستشرق الإنجليزي ديفيد صموئيل مرجليوث: (ت: 1358 هـ).

6 -

والمستشرق الفرنسي ريجي بلاشير: (ت: 1393 هـ)

وقد قام "بلاشير"(زعمًا منه) بترجمة القرآن الكريم للفرنسية عام 1371 هـ-1950 م، والحقيقة أن الترجمة تمتنع تمامًا لأسباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها، وإن الذي يمكن ترجمته إنما هو معاني القرآن فحسب.

وقد رتب "بلاشير" تلك الترجمة المزعومة بحسب ترتيب النزول أول الأمر. ثم بعد سبع سنوات من تأمله ثبت لديه عدم صواب وجدوى طريقته الأولى التي استخدمها ألا وهي الترتيب بحسب ترتيب النزول فأعاد ترتيب ترجمته هذه بحسب الترتيب المصحفي.

‌المطلب الثالث: أبرز من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين

ولقد تأثر بهؤلاء المستشرقين الكفرة بعض المعاصرين كذلك، ومن أمثال

(1)

- يُنظر: تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني: (ص: 71).

ص: 58

هؤلاء:

1 -

يوسف راشد الذي يقول:

"إن ترتيب القرآن في وضعه الحالي يبلبل الأفكار ويضيع الفائدة من تنزيل القرآن، لأنه يخالف منهج التدرج التشريعي الذي روعي في النزول. ويفسد نظام التسلسل الطبيعي للفكرة، لأن القارئ إذا انتقل من سورة مكية إلى سورة مدنية اصطدم صدمة عنيفة، وانتقل بدون تمهيد إلى جو غريب عن الجو الذي كان فيه. وصار كالذي ينتقل من درس في الحروف الأبجدية إلى درس في البلاغة".

(1)

وكذلك له رسالة تحت عنوان: "رتبوا القرآن كما أنزله الله".

وقد أقام اللهُ لها الدكتورَ/ محمد عبد الله دراز-رحمه الله فقام بالرد عليها بتقرير رفعه إلى إدارة الأزهر.

(2)

2 -

وميرزا باقر الأسكوئي الحائري الرافضي (ت: 1301 هـ)

3 -

والدكتور يوسف صديق التونسي (معاصر) من مواليد (1362 هـ)، هو فيلسوف وعالم انثروبولوجي.

4 -

وعائشة بنت عبد الرحمن المعروفة بـ "بنت الشاطئ"(ت: 1419 هـ) والتي لها التفسير البياني للقرآن، وقد صدر في جزئين تناولت فيه تفسير بعض سور القرآن.

5 -

محمد عابد الجابري (ت: 1431 هـ)، في كتابه:"فهم القرآن الحكيم: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول"، وهو المبحث الذي ناقشه "الجابري" في الفصل العاشر والأخير من القسم الثاني من كتابه:"مدخل إلى القرآن الكريم"، الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت الطبعة: الثانية، سنة الطبع 2007 م، عدد الصفحات 456.

و الجابري يعد أحد أعلام التيار الحداثي التغريبي المعاصر في المغرب العربي، وقد هيأ الله للرَّدِ عليه وتفنيد مزاعمه الباطلة دراستين من باحثين كريمين.

أما الدراسة الأولى: فهيـ "القرآن الكريم بين ترتيب المصحف وترتيب النزول"، دراسة منهجية نقدية في الترتيب المصحفي والتاريخي للقرآن " تأليف الدكتور/ سعيد بو عصاب.

وتعتبر تلك الدراسة من الكتابات الحديثة في علوم القرآن، فهي من منشورات مركز الدراسات القرآنية التابعة للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، الطبعة الأولى، 1438 هـ/ 2017 م في مجلد متوسط يتكوّن من 168 صفحة، كما أنها من منشورات: دار الأمان للنشر والتوزيع بتاريخ: 06/ 06/ 2017 م -كذلك-.

ومؤلفها أستاذ للتفسير وعلوم القرآن بجامعة القرويين، كلية العلوم الشرعيّة بالسمارة.

وأما الدراسة الثانية: فهيـ "ترتيب سور القرآن وفق نزولها في فكر الجابري" عرض وتحليل ونقد، تأليف الدكتور/ صبري عبد العزيز منصور صيام، الأستاذ المساعد في التفسير وعلوم القرآن في كلية الدراسات العربية والإسلامية للبنين بالقاهرة، بجامعتي الأزهر وتبوك، وهي منشورة في" المجلد الأول من العدد السادس والثلاثين لحولية كلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية (د ت).

دراسات عامة حول تفسير الجابري:

كما قد هيأ الله دراسات نقدية أخرى حول تفسير الجابري والتي كان من أبرزها ما يلي:

الدراسة الأولى:

أ- "تخرصات الجابري على التفسير والمفسرين من خلال كتابه فهم القرآن الحكيم" دراسة نقدية، تأليف: محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله المسند، صادرة عن: مجلة تبيان للدراسات القرآنية، وهي:"مجلة محكمة"، تابعة لجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، في عددها: 25، في الصفحات من: 173 - 233، لعام 1438 هـ ـ 2018 م.

الدراسة الثانية:

"التفسير الواضح حسب ترتيب النزول لـ "محمد عابد الجابري" دراسة تحليلية نقدية، وهذه الدراسة عبارة عن أطروحة علمية نالت بها الباحثة/ أحلام خليفة عبد الله الصويعي درجة الدكتوراه من الدراسات العربية وآدابها - شعبة الدراسات الإسلامية- بجامعة عين شمس، عام 1438 هـ-2017 م.

الدراسة الثالثة:

"سؤال المنهج في فهم القرآن الكريم وتفسيره عند محمد عابد الجابري من خلال كتابه فهم القرآن الحكيم التفسير الواضح حسب ترتيب النزول" دراسة تحليلية نقدية

لحسن غماري، ولم يقف الباحث على تفاصيل لهذه الدراسة.

‌الفصل الثاني

عرض ودراسة ومناقشة التفاسير الثلاثة التي رُتِبَت على ترتيب النزول والتَّفَاسِيرُ الثَّلَاثَةُ

هي:

1 -

تفسير بيان المعاني: وهو "تفسير كتاب الله الحكيم حسب النزول لـ" حُوَيِّش ".

2 -

التفسير الحديث: لـ" دروزة "

3 -

كتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ" حبنكة الميداني".

وفيه ثلاثة مباحث:

ولابد من إلقاء نظرة مختصرة على تلك التفاسير التي خرقت جمع الأمة بهذا الشأن الجلل، وهي تأتي في المباحث التالية على النحو التالي:

‌المبحث الأول: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الأول "بيان المعاني لـ " عبد القادر ملا حُوَيِّش " (ت: 1398 هـ)

وفيه ستة مطالب:

‌المطلب الأول: التعريف بتفسير "بيان المعاني" ومؤلفه "ملا حُوَيِّش "

أما التفسير فهو "تفسير كتاب الله الحكيم حسب النزول لـ" حويش". ويعد هذا التفسير هو الأول من نوعه حتى تاريخه في حدود ما نعلم، وفي حدود ونطاق ما وصلنا علمه.

و حُوَيِّش هو: عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل

(1)

- مقال: " النقد الفني لمشروع ترتيب القرآن الكريم حسب نزوله"، عبد الله دراز، مجلة الأزهر، رئيس التحرير: محمد فريد وجدي بكّ، تحت إدارة ديوان الإدارة للأزهر، والمعاهد الدينية، بالقاهرة، عدد شهر رمضان سنة (1370 هـ/ 1950 م، مجلد 22). مطبعة الأزهر، ص:784.

(2)

-وقد نشر هذا الرد في مجلة " كنوز القرآن" في عدد أكتوبر 1951 م. يُنظر: الجمع الصوتي للقرآن: (ص: 359) وهامش (1).

ص: 59

غازي (ت: 1398 هـ) العاني

(1)

الديرزوري

(2)

الفراتي.

(3)

وهو حنفي أشعري.

"واتهم بأنه كان "صوفيًا نقشبنديًا"، ولكن ابنه نفى ذلك وأخبر أنه كان يذهب إلى شيخ الطريقة النقشبندية ويستضيفه في بيتنا".

(4)

فحسب! .. !.

ولقد طُبِعَ كتابهُ طبعته الأولى في مطبعة الترقي بدمشق عام: 1382 هـ - 1965 م، في ثنتي عشر جزءًا مجموعة في ست مجلدات من الحجم الكبير. وليته ما طُبِع.

‌المطلب الثاني: الكتب التي اعتمد عليها "حُوَيِّش" في تفسيره

‌أ- كتب التفسير التي اعتمد عليها "حُوَيِّش"

وقد اعتمد في تفسيره على عدد من كتب التفسير منها:

1 -

تفسير الخازن: "لباب التأويل في معاني التنزيل" والخازن هو: علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي أبو الحسن، المعروف بالخازن (ت: 741 هـ).

2 -

تفسير النسفي: "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" والنسفي هو: أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (ت: 710 هـ).

3 -

تفسير البغوي: "معالم التنزيل في تفسير القرآن"، والبغوي هو: أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 510 هـ).

4 -

تفسير النخجواني: "الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية"، والنخجواني هو: نعمة الله بن محمود النخجواني ويعرف بالشيخ علوان (ت: 920 هـ) ".

5 -

تفسير أبي السعود: " إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم"، وأبو السعود هو: محمد بن محمد بن مصطفى العمادي (ت: 982 هـ).

6 -

تفسير روح البيان للخلوتي: " روح البيان في تفسير القرآن"، والخلوتي وهو: إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، المولى أبو الفداء (ت: 1127 هـ).

7 -

تفسير روح المعاني للألوسي: " روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني"، والألوسي هو: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (ت: 1270 هـ).

8 -

تفسير البيضاوي: " أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، والبيضاوي هو: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت: 685 هـ).

9 -

تفسير الكشاف للزمخشري المعتزلي: " الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل"، والزمخشري هو: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت: 538 هـ).

(1)

نسب إلى مدينة عانة العراقية المحاذية للحدود السورية، والتي هي مسقط رأسه.

(2)

نسبة لمدينة دير الزور السورية التي تعلم فيها، والتي تقع على الحدود الشرقية، من العراق.

(3)

الشيخ عبد القادر ملا حويش واعظ ومؤلف وفقيه وقاضي ومفسر للقرآن من أعلام علماء العراق، ينظر: الموسوعة الحرة "ويكيبيديا"، نقلًا عن الشاملة

(4)

-: يُنظر: التفسير والمفسرون أساسه واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث. د فضل حسن عباس: (3/ 250).، دار النفائس-عمان-الأردن، ط 1، 1437 هـ.

ص: 60

10 -

تفسير محي الدين بن عربي الصوفي: "عرائس البيان في حقائق القرآن"، وابن عربي هو: أبو بكر محي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه الحاتمي الطائي الأندلسي (ت: 638 هـ).

‌ب- كتب الفقه التي اعتمد عليها "حُوَيِّش"

ومن الكتب الفقهية التي اعتمد عليها:

1 -

المبسوط للسرخسي، والسرخسي هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت: 483 هـ).

2 -

رد المحتار على الدر المختار، وحاشيته لابن عابدين، وابن عابدين هو: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (ت: 1252 هـ).

3 -

شرح مختصر الطحاوي للجصاص، والجصاص هو: أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (ت: 370 هـ)، والطحاوي هو: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزديّ الطحاوي (ت: 321 هـ).

‌ج- كتب الصوفية التي اعتمد عليها "حُوَيِّش"

ومن كتب الصوفية التي اعتمد عليها:

1 -

عوارف المعارف لشهاب الدين عمر السهروردي (ت: 632 هـ).

2 -

البهجة السنية لمحمد بن عبد الله الخاني الخالدي النقشبندي (1279 هـ).

3 -

ونور الهداية والعرفان لأسعد الصاحب وهو: أسعد بن محمود الكردي الشهرزوري الدمشقي النقشبندي، (ت: 1374 هـ).

4 -

والإنسان الكامل لعبد الكريم الملقّب بـ "الجيلي أو الجيلاني"(ت: 826 هـ).

5 -

إحياء علوم الدين للغزالي (ت: 505 هـ)، والرسالة القشيرية في التصوف لأبي القاسم القشيري (ت: 465 هـ).

‌د- الكتب التي اعتمد عليها "حُوَيِّش" في تحرير السور المكية والمدنية والقراءات

واعتمد في تحرير السور المكية والمدنية والقراءات على الكتب التالية:

1 -

كتاب عدد سور القرآن، وآياته وكلماته وحروفه وتلخيص مكيه من مدنيه لأبي القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافي (ت: 400 هـ).

2 -

كتاب ناظمة الزهر للإمام ابن فِيْرُّه- بكسر الفاء وسكون التحتية وتشديد الراء- الشاطبي (ت: 590 هـ) وشرحه لأبي عيد رضوان المخللاتي (ت: 1311 هـ).

(1)

.

3 -

كتاب إرشاد القرّاء والكاتبين للمخللاتي أيضًا

(2)

.

‌المطلب الثالث: طريقته في التفسير

وطريقته في التفسير هو أن يبدأ باسم أول سورة نزولاً، ثم التي تليها

(1)

هو: رضوان بن محمد بن سليمان، أبو عيد، المعروف المخللاتي، من العلماء بالقراءات، ومن مؤلفاته: فتح المقفلات، وشفاء الصدور، والقول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز. توفي عام 1311 هـ =1893 م. (الأعلام للزركلي:(3/ 53)).

(2)

يُنظر: بيان المعاني، ج 1/ 4. بتصرف، بيان المعاني [مرتب حسب ترتيب النزول] المؤلف: عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني (المتوفى: 1398 هـ) الناشر: مطبعة الترقي - دمشق الطبعة: الأولى، 1382 هـ - 1965 م.

ص: 61

بالترتيب الزمني من حيث النزول، ثم ذكر معناه والإشارة الى الأسماء الأخرى إن رُوِيَ لها أكثر من اسم، وعدد آياتها وعدد كلماتها وحروفها، وذكر ناسخها ومنسوخها، ثم الإشارة الى الكلمات التي بدأت أو ختمت بها السورة، وتكرارها، أو عدد تكرارها، ومكان نزولها وتاريخ نزولها والأقوال التي فيها ثم يدخل في تفسير الآية تفسيرًا بيانيًا تحليليًا.

وكان منهجه في تفسير الآية، تقسيم البحوث الى الموضوعات مجزأ، ونقل الأقوال معنونًا باسم الناقل؛ والاستشهاد بالمأثورات والأشعار مستندًا، ونقل كلمات العرفاء والصوفية مؤيدًا

(1)

.

‌المطلب الرابع: أول دراسة حول هذا التفسير

وقد قام باختصار هذا التفسير "بيان المعاني" علاء محمد سعيد، وطبع بإصدار مكتبة أبي أيوب الأنصاري بدمشق، ط 1، 1427 هـ-2006 م.

(2)

وليته اقتصر على دراسته ونقضه وإعادة ترتيبه على وفق الترتيب المصحفي، بدلًا عن اختصاره.

‌المطلب الخامس: دراسة نقدية مختصرة لتفسير "حُوَيِّش"

لقد انتُقِدَ هذا التفسير انتقاضًا شديدًا وأُخِذَت عليه وعلى جامعه مآخذ كثيرة وكبيرة وطوام شديدة وإن كانت واحدة لكافية، والتي من أبرزها ما يلي:

1 -

تناقض أسلوبه وركاكته

2 -

مخالفته لصريح القرآن وصحيح السنة في كثير من المواضع من كتابه

3 -

إخراجه لكثير من النصوص عن دلالتها

4 -

استشهاده ببعض الإسرائيليات، كالتي يفتري فيها بنو إسرائيل على أنبيائهم

5 -

اعتقاده في صحة بعض القصص الواهية والموضوعة والمنكرة كقصة الغرانيق.

ولو أنه طالع بعض ما كتبه أحد أعلام الأمة في ذلك لكفاه.

(3)

6 -

إيراده للخرفات وإمعانه فيها بكثرة، وهذه سمة بارزة في تفسيره

7 -

تناقضه في إثبات رؤية الله عز وجل نفيًا وإثباتًا

8 -

تخبطه الواضح المصحوب بضعفه في الصناعة التفسيرية

9 -

جهله ببديهيات اللغة التي نزل بها القرآن

10 -

عدم معرفته للتاريخ وجهله به

11 -

الإغراب والإتيان بالعجائب

12 -

رده للإجماع

13 -

جهله بالسنة ورده لها، وتضعيفه للأحاديث الصحيحة الثابتة، واستشهاده بالموضوعات، وطعنه كذلك في صحيحي البخاري ومسلم الذين هما أصحُّ الكتب المصنّفة والذين تلقتهما الأمة بالقبول.

(4)

.

(1)

للاستزادة يُنظر: بيان المعاني، ج 1/ 204 و 422 و 481

(2)

- للاستزادة يُنظر: المفسرون حياتهم ومنهجهم: محمد على أيازي: ج 1، ص 324 - 329. مع الانتباه والحذر الشديد لأن الكاتب رافضي وكذلك خرج كتاب مثل كاتبه، وفيه من الخلط والأباطيل ما الله به عليم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

"والرافضة أمة مخذولة، ليس لها عقل صحيح، ولا نقل صريح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة". منهاج السنة (479/ 8).

وقال-رحمه الله أيضًا:

"أكاذيب الرافضة لا يرضاها أكثر العقلاء من الكفار!!! ". درء تعارض العقل والنقل: (72/ 7).

(3)

- ككتاب " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق" لمحدث العصر أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420 هـ) الناشر: المكتب الإسلامي.

(4)

- وللاستزادة يمكن الاطلاع على نقد قريب من هذا النقد وقد يزيد عليه فيما ذكره في نقد تفسيره، د. فضل حسن عباس في كتابه: التفسير والمفسرون أساسه واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث (3/ 245 وما بعدها)، دار النفائس-عمان-الأردن، ط 1، 1437 هـ. وقد أشار لمواضع نقده في كتاب "بيان المعاني" لـ عبد القادر ملا حويش.

ص: 62

قال النووي رحمه الله:

"وقد اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز صحيحا البخاري ومسلم، وقد تلقتهما الأمة بالقبول".

(1)

قال ابن طاهر القيسراني (ت: 507) رحمه الله:

"أجمع المسلمون على قبول ما أخرج في "الصحيحين" لأبي عبدالله البخاري، ولأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، أو ما كان على شرطهما ولم يخرجاه".

(2)

وأخيرًا

فـ" إن هذا التفسير الجامع المانع كما وصفه صاحبه والذي كان أبناء عصرنا في أمس الحاجة إليه.

من الحق أنه جامع حقًا، ولكن لكل ما هو غريب وضار ومنكر وموضوع.

وإنه لمانع كذلك، ولكن لكل ما فيه لأهل هذا العصر من خير في دينهم ودنياهم، وأنه ينبغي أن يحال بين هذا الكتاب وأهل هذا العصر، والذي يطعن صاحبه في أصح الكتب بعد كتاب الله، ومع ذلك فقد ملأ كتابه بما هو بعيد كل البعد عن التفسير ومعناه.

وبعد فلا أرى داعيًا لتقيم هذا التفسير، فإن نصوصه هي خير مقيم له.

وإن كان الخازن كما يسميه البعض خازنًا للإسرائيليات كما قيل، فإن مفسرنا خزان لا للإسرائيليات فحسب، بل للأحاديث الموضوعة والمنكرة التي يتورع عن ذكر مثلها الخازن وغيره، وإن كان الثعالبي حاطب ليل كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728 هـ)، فإن مفسرنا حاطب في ليل دامس، وأخيرًا فإن مثل هذا التفسير يستدعى من العلماء العناية والرقابة حول ما يكتب حول كتاب الله، هذا ونسأل الله أن يجنبنا الزلل في القول والعمل وأن يجعلنا من المتيقظين لهذا وأمثاله، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

(3)

ولاشك أن ملا حويش لم يفعل ذلك ويقدم عليه إلا لدوافع يراها ويقتنع بها،

فقد قال في مقدمة تفسيره بيان المعاني:

"واعلم أن الخليفة عثمان-رضي الله عنه ومن معه من الأصحاب إنما لم يأخذوا برأيه- أي رأي الإمام علي بن أبي طالب-رضي الله عنه حيث كان قد رتب مصحفه على ترتيب النزول- لأن السور والآيات كانت مرتبة ومجموعة على ما هو في المصاحف الآن، وهو أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه، وليعلم أن تفسيره على رأي الإمام علي كرم الله وجهه

(4)

لا يشك أحد بأنه كثير الفائدة عام النفع، لأن ترتيب النزول غير التلاوة، ولأن العلماء رحمهم الله لما فسروه على نمط المصاحف اضطروا لأن يشيروا لتلك الأسباب بعبارات مكررة، إذ بين ترتيبه في المصاحف وترتيبه حسب النزول بعد يرمي للزوم التكرار، بما أدى إلى ضخامة تفاسيرهم، ومن هذا نشأ الاختلاف بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والأخذ والرد فيما يتعلق منهما.

وقد علمت بالاستقراء أن أحدًا لم يقدم تفسيره بمقتضى ما أشار

(1)

شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 14).

(2)

- صفوة التصوف، نقلًا عن أحاديث الصحيحين بين الظن واليقين للشيخ ثناء الله الزاهدي (18/ 294 - ضمن مجلة البحوث الإسلامية الصادرة عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد).

(3)

يُنظر: التفسير والمفسرون أساسه واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث (مرجع سابق). د فضل حسن عباس: (3/ 257)، دار النفائس-عمان-الأردن، ط 1، 1437 هـ. بتصرف يسير.

(4)

- قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: "عليه السلام " من دون سائر الصحابة أو " كرم الله وجهه "، وهذا وإن كان معناه صحيحًا لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك فإن هذا من باب التعظيم والتكريم والشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم. يُنظر: تفسير ابن كثير: (3/ 517 - 518).

و" تلقيب علي بن أبي طالب بتكريم الوجه وتخصيصه بذلك من غلو الشيعة فيه، ويقال إنه من أجل أنه لم يطَّلع على عورة أحد أصلاً، أو لأنه لم يسجد لصنم قط. وهذا ليس خاصّاً به بل يشاركه غيره من الصحابة الذين وُلدوا في الإسلام.

يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، فتوى رقم:(3/ 289). .

وكذلك تخصيص على بن أبي طالب رضي الله عنه وآل البيت بالسلام من خصائص الرافضة كذلك. فلينتبه. الباحث.

ص: 63

إليه الإمام عليه السلام، ويكفي القارئ مؤنة تلك الاختلافات وتدوينها، ويعرف كيفية نزوله ويوفقه على أسباب تنزيله ويذيقه لذة معانيه وطعم اختصار مبانيه بصورة سهلة ميسرة، خالية عن الرد والبدل، سالمة من الطعن والعلل، مصونة من الخطأ والزلل، فعنّ لي القيام بذلك، إذ لا مانع شرعي يحول دون ما هنالك، وأراني بهذا متبعًا لا مبتدعًا، مؤملًا أن يكون عملي هذا سنّة حسنة

مبينًا أوَّل ما نزل إلى الفترة والفترة، وسببها ومدتها وأول ما نزل بعدها، وسبب وتاريخ كل منها، ومكانه وزمانه وقصصه وأخباره وأمثاله وأحكامه، والآيات المكررة وسبب التكرار، ونظائرها مما يناسبها باللفظ والمعنى، والكلمات التي لم تكرر فيه، (عدا ما كان بين سورة (ق) إلى (الحديد) وجزئي (تبارك) و (عم) لأن كثيرًا من كلماتها، لم تكرر لما هي عليه من السجع العجيب واللفظ الغريب. وما هو موافق لشرع من قبلنا منه

وخلاصة القصص المعقولة والغزوات المرموقة ".

(1)

.

ومما يرد قوله بـ " أن عثمان لم يأخذ رأي علي والأصحاب"

قول علي بن أبي طالب-رضي الله عنه نفسه:

"يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا".

(2)

وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يدل على أنهم قد أجمعوا عليه إجماعًا سكوتيًا-رضي الله عنهم أجمعين.

كما يرد قوله كذلك موقف ابن مسعود رضي الله عنه:

قال ابن كثير رحمه الله:

"روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، فكتب إليه عثمان بن عفان رضي الله عنه يدعوه إلى اتِّباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة-رضي الله عنهم أجمعين-".

(3)

وكذلك إجاب ابن مسعود-رضي الله عنه إلى المتابعة في تقديم مصحفه للحرق تعزز ما ذكرناه آنفًا من قول على بن أبي طالب-رضي الله عنه تقوى وتؤكد وتعزز القول بالإجماع السكوتي من جهة، وتقرر الإجماع الفعلي من جهة أخرى كذلك، فرضي الله عنهم أجمعين.

والإشكال هنا أن الشيخ "حويش" ممن يرى أن ترتيب السور توقيفي، ولو قلنا أن عليًا أو غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين- قد رتب مصحفه ترتيبًا نزوليًا، فالرد على ذلك يكون من جهتين:

الجهة الأولى: أن ذلك كان أول الأمر قبل الجمع البكري ثم الجمع العثماني

الجهة الثانية: ولو كتب أيّ منهم مصحفًا خاص به لأي سبب من الأسباب فهل يُعمم ذلك المصحف ويترك المصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة كلهم بما فيهم

(1)

- يُنظر: مقدمة تفسير بيان المعاني 1/ 4.

(2)

المصاحف،؛ لابن أبي داود صـ 96.

(3)

-البداية والنهاية؛ لابن كثير: (7/ 228). وقد سبق تخريجه. بتصرف يسير.

ص: 64

علي بن أبي طالب-رضي الله عنهم أجمعين-، ولاشك أن المصاحف التي بين يدي الناس اليوم إنما هي منسوخة عن المصحف الإمام الذي استقرت عليه العرضة الأخيرة، والعرضة الأخيرة موافقة لما هو مثبت في اللوح المحفوظ.

"ويمكن تلخيص أبرز دوافع الشيخ "حويش" في النقاط التالية:

1 -

تجنب ما وقع فيه المفسرون من التكرار بما أدى لضخامة تفاسيرهم.

2 -

تجنب الاختلاف بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ.

3 -

لتعريف القارئ كيفية نزول القرآن وتوقيفه على أسباب نزوله.

4 -

ليتذوق القارئ معاني القرآن وطعم اختصار مبانيه بصورة سهلة يسيرة خالية عن الرد والبدل، سالمة من الطعن والعلل، مصونة من الخطأ والزلل.

‌المطلب السادس: حصر دوافع إقدام "حُوَيِّش" على تغير الترتيب المصحفي بالرتيب النزولي ومناقشتها

يمكننا حصر دوافعه ومناقشتها وفق أهدافه التالية:

الهدف الأول: تجنب ما وقع فيه المفسرون من التكرار بما أدى إلى ضخامة تفاسيرهم.

لم يسق لنا الشيخ ملا حويش مقارنة بين تفسيره وتفاسير أخرى ورد فيها التكرار لكي نكون على بينة مما يقول. ثم كيف يتجنب المفسر- منهم "ملا حويش"- آيات وردت في المرحلة المكية مجملة كآيات سورة الإسراء وفيها الأمر بالالتزام بأمهات الأخلاق ثم وردت في سورة الأنعام المكية أيضًا وهي قريبة جدًا مما ورد في سورة الإسراء.

وقل مثل ذلك فيما ورد في سورة المعارج المكية وسورة المؤمنون من صفات وأعمال تكاد تكون متطابقة، وقد فسرها الشيخ "ملا حويش" نفسه هنا وهناك.

وقل مثل ذلك في قصص الأنبياء التي تكررت مرات عديدة تارة بالإجمال وتارة بالتفصيل وأخرى تناولت جانبًا من جوانب حياة الأنبياء أو أسلوبًا من أساليب دعوتهم. كقصة إبراهيم عليه السلام وقصة نوح عليه السلام وقصة موسى عليه السلام، فالمفسر ليس أمامه إلا أن يسير مع الآيات ويعرض الأسلوب القرآني المعجز في عرض الأمر وينبه على الجانب الخاص المذكور في كل مرة وبإمكانه الإحالة على الموضع المتقدم من التفسير كما يفعل أغلب المفسرين فهم يحيلون القارئ كثيرًا إلى بعض الجزئيات المتقدمة ويقول: وقد ذكرنا تفصيل هذا الأمر في سورة كذا عند الحديث عن كذا.

(1)

أما قول الشيخ بأن ضخامة تفاسير القدماء كان سببه التكرار، أقول إن سبب ضخامة التفاسير هو العلوم والمضامين التي تناولوها، والجوانب التي تعرضوا لها في تفسير الآيات من قضايا عقدية أو لغوية أو فقهية أو ردود على بعض الأقوال

(1)

- ولولا حجم البحث المختصر لأوردت نماذج من كلام المفسرين على هذا، ولأوردت-

(د. مصطفى مسلم) -من كلام ملا حويش ما يناقض قوله وأنه وقع في عكس ما دعاه من تجنب التكرار. (ينظر سورة الإسراء والأنعام، وسورة المعارج والمؤمنون) في تفسير ملا حويش.

ص: 65

التي لم يرتضوها .. وهكذا. وليست قضية التكرار كما زعم الشيخ.

ثم إن تفسيره قد زاد على ثلاثة آلاف صفحة فهو مكون من ثنتي عشر جزءًا تقع في ست مجلدات كبار أليس هذا تفسيرًا ضخمًا؟!.

الهدف الثاني: تجنب الاختلاف بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ:

لم أدرك ما قصده الشيخ بتجنب الاختلاف بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ فمن المعلوم أن ترد روايات في أسباب النزول بعضها صحيح وبعضها سقيم وعلى المفسر أن يدرس هذه الروايات ويأخذ بالرواية الصحيحة ويترك الأخرى، فما علاقة ذلك بترتيب النزول؟! وقد فعل الشيخ ذلك، ولكن لم يفعله على الديمومةـ إنما كان يفعله في بعض الأحايين- فلم يلتزم بالأخذ بالصحيحة دائمًا وإنما أخذ بالرواية الضعيفة، وقد يترك الصحيحة منها أحيانًا.

ومثل ذلك في الناسخ والمنسوخ، فإن الأحكام التي ترد في بعض الآيات ولا يمكن الجمع بين هذه الآيات وعلمنا وقت نزول الآيتين فإننا نحكم بنسخ الآية المتقدمة في النزول، كما هو مدون في قواعد الترجيح لدى علماء التفسير وعلماء أصول الفقه.

وسواء كان تفسير القرآن على حسب ترتيب المصحف أو على حسب ترتيب النزول فإن دراسة الآيتين تأخذ بعدًا معينًا ومنهجًا محددًا في الدراسة والمقارنة، فآيتا عدة المتوفى عنها زوجها في سورة البقرة

(1)

، الآية الناسخة متقدمة في ترتيب الآيات، والآية المنسوخة متأخرة في الترتيب. ومع ذلك لم يكن هناك إشكال عند أي مفسر في ذكر الآية الناسخة وتحديد حكم المنسوخ، لأنه لابد من تفسير الآيتين وتحديد المتأخرة في النزول منهما ثم بيان التعارض وبالتالي الحكم بنسخ إحداهما.

أما الهدف الثالث: قول الشيخ "ملا حويش": لتعريف القارئ كيفية نزول القرآن وتوقيفه على أسباب تنزيله:

وهذا الجانب أشبعه المفسرون بحثًا حيث ذكروا وقت نزول السورة والآيات وذكروا الروايات التي تحدد أسباب النزول. ولم يتركوا شاردة ولا واردة في ذلك إلا ذكروها. بل كان الشيخ "ملا حويش" ومن تبعه في التفسير حسب ترتيب النزول عالة على المفسرين السابقين في أخذ الروايات التي ذكرت مكية السورة أو مدنيتها، وبينت أسباب النزول، ذكروا كل ذلك مع التزامهم بترتيب السور حسب ما وردت في المصحف.

أما الهدف الرابع: قول الشيخ "ملا حويش": ليتذوق القارئ لذة معاني القرآن وطعم اختصار مبانيه بصورة سهلة يسرة ..

ما علاقة تذوق لذة معاني القرآن بالترتيب، إن تذوق المعاني يأتي في تفسير السورة بأسلوب بليغ جميل فما علاقة ذلك بالترتيب، ويتأتى ذلك من المنهجية التي اتبعها المفسر في كتابه من تفسير القرآن بالقرآن

(1)

- يُنظر: الآية الناسخة (234) البقرة، والآية المنسوخة (240) البقرة.

ص: 66

وبصحيح السنة النبوية بأقوال الصحابة الثابتة، وبفهم أوتيه المفسر وملكته الخاصة التي لا تنحرف بها الأهواء.

مادامت السورة هي الوحدة الكاملة التي يتناول تفسيرها، فلا علاقة لموقعها بالتفسير وتذوقه وسلامته من الطعن والعلل والخطأ والزلل.

إن الأهداف والدوافع التي ذكرها ملا حويش وادعى أنها هي التي حملته على تفسير القرآن حسب ترتيب النزول تتحقق في كل تفسير بغض النظر عن ترتيب السور مادام المفسر متبعًا منهجًا سليمًا ذا أسلوب جميل صحيح في عرض معاني الآيات. "

(1)

‌المبحث الثاني: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الثاني" التفسير الحديث" لـ " محمد عزة دروزة"(ت: 1404 هـ)

وفيه ثمانية مطالب:

‌المطلب الأول: التعريف بتفسيره

وهو ثاني تلك التفاسير التي سلك مصنفوها ونهجوا نهجًا خاصًا ليس عليه عمل السلف في ترتيب السور ترتيبًا نزوليًا لا ترتيبًا مصحفيًا.

وتفسيره قد حوى القرآن الكريم كله، وقد رتبه على ترتيب النزول، وصدرت له طبعتان: الأولى سنة: 1964 م- في القاهرة بمطبعة عيسى البابي الحلبي وهي طبعة جميلة ونفيسة، و الثانية وهي المنقحة المصححة عن نسخة المؤلف صدرت سنة 2000 م عن دار الغرب الإسلامي ببيروت، وقد صدر في ثنتي عشر جزءًا مجموعة في ست مجلدات. وقد توفي رحمه الله في شوال سنة 1404 هـ.

‌المطلب الثاني: حجة "دروزة" في إقدامه على تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي

هذا ولقد صدر الأستاذ "دروزة" مقدمة تفسيره ببعض الفتاوى التي استند إليها واستجاز بها صنيعه هذا، وهي فتوى الشيخ أبي اليسر عابدين والشيخ عبدالفتاح أبي غدة، وقد أفتياه بالجواز، مفرقين بين الترتيبين، مبينين أن الترتيب المصحفي من أجل التلاوة، وأن ترتيب التفسير يختلف عن ترتيب في التلاوة.

وقد صدرهما "دروزة" تفسيره كما أسلفنا وهما على النحو التالي:

الأولى: لمفتي سوريا "أبي اليسر عابدين"، ونصها:

"ليس التفسير بقرآن يُتلى، حتى يُراع فيه ترتيب الآيات، والسور، فقد يمكن للمفسر أن يفسر آية، ثم يترك ما بجانبها لظهور معناها، وقد يفسر سورة، ثم يترك ما بعدها اعتمادًا على فهم التالي، ولا مانع من تأليف تفسير على الشكل المذكور، والله أعلم".

والثانية: لـ"عبد الفتاح أبي غدة"، جاء فيها:

"إن شبهة المنع لهذه الطريقة، آتية من جهة أنها طريقة تخالف ما عليه المصحف الشريف، ودفعها

(1)

التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان د. مصطفى مسلم. بحث عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: 15/ 12/ 1432 هـ. بتصرف.

ص: 67

أن المنع يثبت فيما فيها لو كان هذا الصنيع سلوكًا من أجل أن يكون هذا الترتيب مصحفا للتلاوة

ويستأنس لسواغية هذه الطريقة بما سلكه أَجِلَّةٌ من علماء الأمة المشهود لهم بالإمامة والقدوة من المتقدمين في تآليفهم، ولم يعلم أن أحدًا أنكر عليهم ما صنعوا".

(1)

وكان يُتَحَتَم لزامًا على أبي غدة بيان من ذكرهم ممن سبق لهذا العمل من العلماء.

أما " دروزة " فقال:

ويحضرني منهم الآن الإمام ابن قتيبة المتوفى سنة 276 من الهجرة، فقد مشى في تفسير ما فسره في كتابه المطبوع "تأويل مشكل القرآن" على غير ترتيب النزول وعلى غير الترتيب المتلو الآن، ولا أشك أن هناك غيره من شاركه في هذه الطريقة من علماء عصره وما بعده، ممن لا يسعني الآن البحث عنهم، لضيق الوقت لدي.

(2)

.

الداعي عند" دروزة" وعند ابن قتيبة لا يتفقان:

فإن كتاب (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة يُعد من أنفس ما كُتِبَ في الرد على الملحدين والزنادقة الذين طعنوا في القرآن ووصفوه بأنه يشتمل على أشياء مشكلة. وقد انبرى ابن قتيبة لعرض شبهاتهم ومطاعنهم ورد عليها ردًا علميًا مؤصلًا مقرونًا ببراهين ساطعات قاطعات وحجج وبراهين دامغات مقرونة بأدلة نقلية وعقلية مفحمة مسكتة، فكان الدافع والباعث له على تصنيف كتابه هذا هو الذب عن حياض الكتاب العزيز.

و" لقد وضع ابن قتيبة كتابه "تأويل مشكل القرآن" للدفاع عن حمى القرآن الكريم ضد الشكوك التي تثار حوله، والمطاعن التي تسدد نحوه، وانتدب نفسه لدرئها، وتبيان اعوجاجها، ورد كيدها إلى نحر أصحابها، خشية أن يغتر بها الأغمار والأحداث، أو يفتتن بها خفاف العقول وضعاف الإيمان، وقد أعانه على الرد المفحم والجواب المحكم امتلاكه لزمام البيان المشرق الرصين، واقتداره على النقد العلمي المتين.

ويذكر ابن قتيبة الباعث على تأليف هذا الكتاب في مقدمته فيقول:

" قد اعترض كتابَ الله بالطعن ملحدون، ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، فحرّفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله، ثم قضوا عليه بالتناقض، والاستحالة في اللحن، وفساد النظم، والاختلاف، وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف الغمر، والحدث الغر، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور

فأحببت أن أنضح عن كتاب الله، وأرمي من ورائه بالحجج النيرة، والبراهين البينة، وأكشف للناس ما يلبسون، فألّفت هذا الكتاب جامعًا لتأويل مشكل القرآن، مستنبطًا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح، وحاملًا ما أعلم فيه مقالًا لإمام مطلع على لغات العرب، لأري المعاند موضع المجاز، وطريق

(1)

- محمد عزت دروزة، مقدمة التفسير:(ص: 711). التفسير الحديث [مرتب حسب ترتيب النزول] المؤلف: دروزة محمد عزت الناشر: دار إحياء الكتب العربية - القاهرة الطبعة: 1383 هـ.

(2)

-المرجع السابق: (11/ 1).

ص: 68

الإمكان، من غير أن أحكم فيه برأي، أو أقضي عليه بتأويل، ولم يجز لي أن أنص بالإسناد إلى من له أصل التفسير، إذ كنت لم أقتصر على وحي القوم حتى كشفته. وعلى إيمائهم حتى أوضحته، وزدت في الألفاظ ونقصت، وقدّمت وأخّرت، وضربت لذلك الأمثال والأشكال، حتى يستوي في فهمه السامعون"

(1)

ثم إن ابن قتيبة قد استعرض في كتابه الآيات التي أورد الطاعنون عليها إشكالاتهم في مواضعها من سورها من القرآن، غير مراع للترتيب المصحفي، بل إنه يذكر ما يريد الكلام عليه من الآيات التي ورد عليها الإشكالات، ثم ينتقل إلى غيرها، وقد يعود للسورة السابقة بعد انتقاله لغيرها إن احتاج المقام الداعي إلى ذلك.

وهنا يرد سؤال هل يُعد كتاب ابن قتيبة كتاب تفسير خالص؟ أم أنه كتاب ورد في جانب من الجوانب ألا وهو الرد على افتراءات ومطاعن وشبهات في جانب معين ألا وهو جانب ما ظاهره الإشكال في القرآن، وابن قتيبة قد ذهب في سورة ويرجع إليها كذلك.

وهل يُقال بعد ذلك أنه كتاب تفسير محض؟ أم إن موضوعه كموضوع كتاب "دفع إيهام الاضطراب عن الكتاب" للشنقيطي، والذي قد جمع فيه ما تيسر من أوجه الجمع بين الآيات التي يُظَنُّ بها التعارض في القرآن الكريم، مُرتِّبًا لها على حسب الترتيبي المصحفي، لا النزولي، ولا أعلم أن أحدًا من أهل العلم ولا غيرهم من الباحثين منذ زمن العلامة الشنقيطي حتى وقتنا الحاضر يذكر أن له كتاب تفسير سوى كتابه الشهير المعروف" أضواء البيان".

وهناك أطروحة علمية "رسالة دكتوراه" بعنوان: (المؤلفات في مشكل القرآن الكريم ومناهجها) بالجامعة الإسلامية بالمدينة، وقد جمع الباحث

(2)

فيها ما أُلِف في مشكل القرآن وقد أوصلها إلى ستة وتسعين مصنفًا، ما بين مخطوط ومفقود ومطبوع، أما المطبوع منها فيزيد على الخمسين مصنفًا، وأما المخطوط فقرابة سبعة عشر مخطوطًا.

فهل أعد أهل العلم ما صُنِفَ في هذا الباب من بين الكتب الملحقة بكتب التفسير؟ أم ضمن مصنفات مشكل القرآن فحسب؟

وهل مصنفات مشكل القرآن تعالج ما تعالجه المصنفات في التفسير من الشمولية، أم أنها تعالج جانبًا واحدًا فحسب.

هذا ولقد اعتمد "دروزة" في تفسيره على الترتيب الوارد في مصحف " قدروغلي"، لأنه قد ذكر فيه أنه طبع تحت إشراف لجنة خاصة من ذوي العلم والوقوف حيث يتبادر إلى الذهن أن قد أشير إلى ترتيب النزول فيه (سورة كذا نزلت بعد سورة كذا) بعد اطلاع اللجنة على مختلف الروايات والترجيح بينهما.

(3)

(1)

ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، المقدمة ص 4، تأويل مشكل القرآن المؤلف أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ (المتوفى: 276 هـ) المحقق: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. ويُنظر: نظرة حول كتاب " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة، مقال لـ" عبد العظيم أنفلوس " عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: 18/ 3/ 1438 هـ

(2)

والباحث هو: عبدالرحمن بن سند بن راشد الرحيلي، يُنظر: قاعدة المنظومة للرسائل الجامعية.

(3)

- محمد عزت دروزة، مقدمة التفسير:(ص: 12 - 13).

ص: 69

ومصحف" قدروغلي" هو مصحف عثماني كبير كتبه الخطاط الشهير السيد مصطفى نظيف الشهير بـ " قدروغلي" والذي ولد عام: (1262 هـ) فى مدينة روس من أراضي بلغاريا، وهو في الأصل من القرم، وقد صحبه معه والده مصطفى أفندي إلى اسطنبول، فأدخل الى الإندرون

(1)

فكتبه. وكانت كتابته في شهر رمضان من عام (1309 هـ)، وذلك في عهد السلطان عبدالحميد الثاني-رحمه الله.

وكانت أول طبعة للمصحف الشريف طبعتها مطبعة الشمرلي الشهيرة-بالقاهرة-، هي طباعة تلك النسخة التي كُتبت بخط السيد مصطفى نظيف الشهير بـ " قدروغلي"، وكان قد خطها عام 1891 م، وتم طباعتها في المطبعة العثمانية، ثم قامت مطبعة الشمرلي بإعادة طبعها عام 1944 م.

وقد توفي " قدروغلي "رحمه الله عام 1313 هـ، ودفن فى مقابر يحيى أفندي فى حي بشيكطاش باسطنبول.

‌المطلب الثالث: بيان أهم وأبرز الدوافع التي ساقت " دروزة " لترتيب تفسيره ترتيبًا نزوليًا

"أما دوافع الأستاذ "محمد عزة دروزة" لاتباع هذا النمط من التفسير فقد بينه بقوله في مقدمة تفسيره في الطبعة الأولى:

" .. فإننا بعد أن كتبنا الثلاثة وهي: عصر النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن، والدستور

(2)

القرآني في شؤون الحياة، انبثقت فينا فكرة كتابة تفسير شامل، بقصد عرض القرآن بكامله بعد أن عرضناه فصولاً حسب موضوعاته في الكتب الثلاثة، نظهر فيها حكمة التنزيل ومبادئ القرآن، ومتناولاته عامة بأسلوب وترتيب حديثين، متجاوبين مع الرغبة الشديدة الملموسة عند كثير من شبابنا الذين يتذمرون من الأسلوب التقليدي ويعرضون عنه، مما أدى إلى انبتات الصلة بينهم وبين كتاب دينهم المقدس، ويدعو إلى الأسف والقلق"، وعلق المؤلف على الكلام السابق في الطبعة الثانية بقوله: " ونزيد على ما قلناه في الطبعة الأولى فنقول: إن الحاجة إلى ذلك تشتد يومًا بعد يوم بنسبة ازدياد ما يتعرض له شبابنا وناشئتنا من تيارات جارفة عاصفة من الإلحاد والتحلل من مختلف القيم والروابط الأخلاقية والاجتماعية والتقليد الأعمى لكل تافه سخيف مخل بالدين والخلق والمروءة، والإقبال على قراءة المجلات والروايات الماجنة الخليعة التافهة .. "ا. هـ

(3)

.

ويقول في موضع آخر مبررًا هذا المنهج:

"

لأننا رأينا هذا يتسق مع المنهج الذي اعتقدنا أنه الأفضل لفهم القرآن وخدمته، إذ بذلك يمكن متابعة السيرة النبوية زمنًا بعد زمن، كما يمكن متابعة أطوار التنزيل ومراحله بشكل أوضح

(1)

-الإندرون: "جهاز تربوي تعليمي" كان تابعًا للسراي العثماني. يُنظر: الخطاط الحاج محمد نظيف وأعماله: عن موقع: شبكة المبدعين للمحاضرات والكراسات والمعارض الخطية. بتصرف.

(2)

- والدستور وصف لا يليق بالقرآن.

(3)

التفسير الحديث، محمد عزة دروزة، دار الغرب الإسلامي. (د. ص)

ص: 70

وأدق، وبهذا وذلك يندمج القارئ في جو نزول القرآن، وجو ظروفه ومناسباته ومداه ومفهوماته، وتتجلى له حكمة التنزيل".

(1)

"إذن يمكن تحديد دوافع "دروزة" بالنقاط التالية:

1 -

بيان حكمة التنزيل ومبادئ القرآن ومتناولاته عامة بأسلوب وترتيب حديثين.

2 -

التجاوب مع رغبة الشباب المتذمرين من الأسلوب التقليدي في التفسير.

3 -

لانتشال الشباب والناشئة من التيارات الإلحادية المتحللة من القيم والأخلاق والتقليد الأعمى لكل تافه سخيف مخل بالدين والخلق والمروءة.

4 -

في هذا المنهج تسهيل فهم القرآن.

5 -

يمكن هذا المنهج من متابعة السيرة النبوية زمنًا بعد زمن.

6 -

كما يمكن هذا المنهج من متابعة أطوار التنزيل ومراحله بشكل أوضح وأدق".

(2)

‌المطلب الرابع: مناقشة دوافع "دروزة":

الحقيقة إن المتأمل في تلك الدوافع التي ذكرها الأستاذ "دروزة"رحمه الله

يجد ما يلي

1 -

أنها غير مقنعة البتة، فلم يسق براهين ودوافع ذات معنى وثيق ولصيق بما ذهب إليه من هذا الخرق وشق عصا الجماعة بمخالفته لهذا الإجماع الذي تلقته الأمة بالقبول.

2 -

أنه لا علاقة لتلك الدوافع من قريب أو بعيد أبدًا بما نهجه من ترتيب كتابه على الترتيب النزولي

3 -

أن تحقيق تلك الأهداف والبواعث لا تعارض بينها وبين الترتيب المصحفي الذي أجمعت الأمة على قبوله والعمل به، وسواء كان هذا الترتيب توقيفي أم اجتهادي.

4 -

وهل الشباب المتذمر يحتاج لتغير ما تلقته الأمة بالقبول والعمل، وهل هذا التغير سيريح ويصلح الشباب، أم أنه يحتاج لتعليم وتوجيه وإصلاح وتربية؟!

5 -

كان عليه أن يبين ويبرهن كذلك علاقة هذا المنهج بتسهيل فهم القرآن.

فقوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِر)[القمر: 17] لا علاقة له بطريقة ترتيب القرآن. لأن معناه "فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه"؟.

(3)

6 -

وهل التيارات الإلحادية والتقليد الأعمى إلخ

كل ذلك يُعالَج بتغير ترتيب سور القرآن على هذا النمط؟ أم يُعالَج بالتوعية والتبصير والرد لمصادر التلقي وإبراز القدوات الصالحة التي يتأسى بها الشباب.

(1)

-التفسير المنير، وهبة الزحيلي، دار الفكر. (د. ص)

(2)

- التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان د. مصطفى مسلم. بحث عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: 15/ 12/ 1432 هـ

(3)

تفسير القرآن العظيم، لابن كثير:(4/ 337). تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ) المحقق: سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط 2، 1420 هـ - 1999 م، عدد الأجزاء:8.

ص: 71

7 -

معرفة أسباب وتاريخ النزول فيه غنية في معرفة أطوار التنزيل ومراحله وقل كذلك في ترتيب متابعة السيرة.

وختامًا لهذه المناقشة:

فإن الأستاذ "دروزة" لم يقدم براهين واضحات ولا حجج دامغات على ما ذهب إليه من تغير الترتيب المصحفي والجنح إلى الترتيب النزولي.

‌المطلب الخامس: طريقة "دروزة" في تفسيره

وقد اتبع "دروزة" في تفسيره المنهج البياني والتحليلي، كما كان كثيًرا ما يتناول تفسير بعض الآيات بطريقة التفسير الموضوعي.

وقد رتبه ترتيبًا نزوليًا لا ترتيبًا مصحفيًا، وكان كتابه (القرآن المجيد) بمثابة مقدمة لتفسيره الموسوم بـ" التفسير الحديث".

وكان من أبرز مباحثه واهتماماته ما يلي:

1 -

فقد تكلم عن أساليب القرآن، كما تكلم عن أثره

2 -

ولقد تناول في تفسيره كذلك جمع القرآن وتدوينه وقراءته ورسم المصحف وطريقة نظمه.

3 -

كما تناول الطريقة المثلي لتفسير القرآن، والسبيل المؤدي إلى فهمه

4 -

كما اهتم بإلقاء بعض النظرات على جملة من المصنفات في التفسير، وتكلم عن الطرق والمناهج التي سلكها مؤلفوها.

5 -

كما تناول كذلك بيان مناسبات القرآن وأسباب وتاريخ نزول الآيات.

6 -

كما اعتنى بالتعريف بالسور قبل تعرضه لتفسيرها تعريفًا شمل جوانب عدة يبينها ويجليها هو بقوله:

"وقد رأينا بالإضافة الى هذا من المفيد وضع مقدمة أو تعريف موجز للسور قبل البدء بتفسيرها، يتضمن وصفها ومحتوياتها وأهم ما امتازت به، وما يتبادر من فحواها من صحة ترتيبها في النزول وفي المصحف، وما في السور المكية من آيات مدنية، وفي السور المدنية من آيات مكية حسب الروايات، والتعليق على ذلك حسب المقتضى. "

(1)

7 -

كان أحيانًا ما ينتبه ويتيقظ للقصص الإسرائيلي والأخبار اليهودية ويحذر منها كذلك، ومن أبين ذلك تعقيبه على قصة هاروت وماروت حيث يقول:

"ولقد أورد المفسرون القدماء روايات عديدة فيها العجيب الغريب، مختلفة في الصيغة والتفصيل، متفقة في الجوهر .. ولقد أورد ابن كثير رواية عجيبة مزورة الى أم المؤمنين عائشة .. ولقد ذكر القاسمي أن الرازي في تفسيره قرر بطلان الروايات من وجوه عديدة، وأن الإمام أبا مسلم احتج على بطلان نزول السحر عليها من وجوه عديدة أيضًا لم نر طائلاً وضرورة الى إيرادها)

(2)

(1)

التفسير الحديث: (1/ 8).

(2)

- المرجع السابق: (7/ 217).

ص: 72

وكذا تعقيبه قصة سليمان عليه السلام حيث يقول:

"

ونعتقد أن هذه القصة مما كان متداولاً في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وان مصدرها اليهود".

(1)

لكن مع هذا كله فقد أكثر من الاستشهاد بمثيلاتها من الإسرائيليات، ويكون بذلك قد جمع بين الضدين والنقيضين في آن واحد.

8 -

كما كان أحيانًا يتعرض لبعض الأحكام الفقهية عند وجود داع لذلك، مع استدلاله ونقله للأقوال والآثار، وبيان الحكم التشريعية وأسرارها.

9 -

كما كان له نقولات كثيرة عن مصادر أئمة التفسير وسادات التحبير قد اعتمد عليها في تفسيره مثل تفسير شيخ المفسرين- ابن جرير الطبري-، وتفسير البغوي، وابن كثير، وتفسير والخازن، والكشاف للزمخشري المعتزلي، والقاسمي والنيسابوري والنسفي وغيرها.

10 -

كما اعتمد النقل عن كتب اللغة والتاريخ وعلوم القرآن والعزو إليها، ككتاب تاريخ العرب قبل الإسلام، وكتاب تاريخ الجنس العربي في مختلف الأطوار والأدوار والأقطار، والإتقان للسيوطي وغيرها من المصنفات.

11 -

كما كان له موقف واضح يُحمد ويُشكر عليه ويحسب له ألا وهو نقده للشيعة ومعارضتهم وتكذيبهم وبيان عوارهم.

أهم بواعث ودواعي ترتيبه لتفسيره ترتيبًا نزوليًا:

يقول في ذلك:

"وقلّبنا وجوه الرأي حول هذه الطريقة، وتساءلنا عما إذا كان فيها مساس بقدسية المصحف المتداول، فانتهى بنا الرأي الى القرار عليها، لأن التفسير ليس مصحفًا للتلاوة من جهة، وهو عمل فني أو علمي من جهة ثانية، ولأن تفسير كل سورة يصح أن يكون عملاً مستقلاً بذاته لا صلة له بترتيب المصحف، وليس من شأنه أن يمس قدسية ترتيبه من جهة ثالثة)

(2)

.

وهذا الكلام له وجهاته إن كان تفسيرًا لسورة واحدة فحسب، لأنه وكما قال يصح أن يكون عملاً مستقلاً بذاته، أم جمعه لتفسير القرآن كله بهذه الطريقة فقد خالف بذلك ما عليه عمل الأمة سلفًا وخلفًا.

‌المطلب السادس: تقييم تفسير "دروزة"

" إن كل من يقرأ ما كتبه المفسر في مقدمة تفسيره وهو يلوم على المفسرين، ويبحث عن الثغرات في تفاسيرهم، حتى إنه لم يبرئ تفسيرًا قديمًا أو حديثًا من هذه الثغرات، أقول إن كل من يقرأ ذلك ترتسم في ذهنه ومخيلته صورته مشرقة عن التفسير الحديث. ولكن الحقيقة أن هذا التفسير-الذي أراد له صاحبه أن يكون جامعًا لمحاسن التفاسير، بريئًا في ثغراتها، حسبما رسم في خطته المثلى

(1)

- المرجع السابق: (2/ 322).

(2)

- يُنظر: محمد عزة دروزة وتفسير القرآن الكريم، دكتور فريد مصطفى سليمان. الرياض مكتبة الرشيد، رسالة دكتوراه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، 485 ص، الطبعة الأولى، 1993 م - 1413 هـ.

ص: 73

للتفسير- كان بدعًا من التفاسير- لا من حيث ترتيبه فحسب- ولا من حيث منهجه كذلك- ولا من حيث ما ورد فيه من أفكار وآراء، ولكن من حيث هذه الحيثيات جميعًا.

لفد تكلم الأستاذ عن القصص القرآني، فكان التطبيق العملي الذي جاءنا به، كثرة الاستشهاد بالإسرائيليات، دون تميز بين ما يخالف العقيد الإسلامية، وإجماع الأمة على عصمة الأنبياء عليهم السلام، وهو الذي كان يعيب على المفسرين أقل مما ذكره، وحينما تكلم عن الآيات الكونية جردها من حقائقها، وحصرها في نطاق وعظي فحسب، وكان حريًا به أن يفعل بالقصص مثل هذا.

أما في آيات الأحكام فقد رأينا الرجل ينزلق انزلاقات خطيرة لا من حيث التناقض والخطأ في بعض المسائل، وإنما من حيث الاضطراب والتشويش اللذان ينعكسان على القارئ.

ولقد خلا التفسير بعد ذلك كله من الاصطلاحات العلمية الضرورية ومن مواطن الإشارة لبيان أسرار الإعجاز من عرض هدايات الآيات القرآنية عرضًا شيقًا اللهم إلا من بعض لفتات سجلناها له.

بهذا يكون التفسير على ما فيه من فوائد وعلى ما له من مزايا خلا من كثير من خصائص التفسير قديمها وحديثها.

إن التفسير الحديث من رأي له إيجابياته وسلبياته، ولكن لا يخلو من سلبيات، والرجل كان ذا حس مشكور في دفاعه عن الإسلام، وكان ذا ثقافة عامة، وتظهر في أثناء تفسيره غيرته على دينه، والعمل الإنساني معرض دائمًا للخطأ، فرحم الله صاحب التفسير الحديث وأجزل له المثوبة وجزاه الله خيرًا عما قدم".

(1)

‌المطلب السابع: عقيدة " دروزة " في صفات الرب- جل في علاه

ومن الأهمية بمكان أن يُخْتَمَ الكلامُ هنا على عقيدة " دروزة " في صفات الرب- جل في علاه- في ضوء تفسيره.

ونسوق لذلك مثاليين واضحين من تفسيره:

المثال الأول: تأويله لصفة اليد الثابتة لله تعالى على الحقيقة على وجه يليق بذاته العلية تأويلًا واضحًا جليًا عند تفسيره لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(الفتح: 10).

وفد عزا للزمخشري المعتزلي في الكشاف قوله:

ولقد كان تعبير (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) موضوع أقوال تتصل بعلم الكلام وصفة الله من حيث نسبة الجوارح إلى الله تعالى.

(2)

ثم يقول - عفى الله عنه-:

ولسنا نرى التعبير والسياق يتحملان ذلك، فقد قصد به كما هو المتبادر شدة التوكيد على خطورة العهد والبيعة وكون الله شاهد عليها استهدافًا لقوة التلقين الذي أريد بثه في نفوس المسلمين.

ثم عقب ذلك بنقل عدة تأويلات لصفة اليد عن بعض أهل التأويل من المفسرين، ثم قال بعدها مؤيدًا لتلك التأويلات:

وفي هذه التأويلات سداد وتفيد أن الجملة حملت على المجاز.

ثم يختم

(1)

- يُنظر: التفسير والمفسرون أساسه واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث (مرجع سابق). د. فضل حسن عباس: (3/ 240 - 241).، دار النفائس-عمان-الأردن، ط 1، 1437 هـ. بتصرف يسير.

(2)

لم يقف الباحث على هذا القول عند الزمخشري المعتزلي كما عزاه " دروزة".

وإنما وجد عند الزمخشري قوله: لما قال إنما يبايعون الله أكده تأكيدًا على طريق التخييل فقال:

(يد الله فوق أيديهم) يريد أن يد رسول الله التي تعلو أيدي المبايعين: هي يد الله، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى: تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى:(من يطع الرسول فقد أطاع الله)(النساء: 80). يُنظر: تفسير الزمخشري: (10/ 512).

وكلام الزمخشري المعتزلي كذلك كله تأويل باطل يتنافى مع معتقد أهل السنة في صفات الرب جل في علاه.

ص: 74

كلامه هنا-عفى الله عنه- بتقرير عقيدته في صفات الرب- جل في علاه- قائلًا:

ولقد نبهنا في مناسبات سابقة على ما ينطوي من تعبيرات: يد الله، وجه الله، سمع الله، وما ينبغي أن يفهم من التقريرات القرآنية وسنة السلف الصالح، وقد عزا ذلك لتفسير سورة القصص.

(1)

يقول سماحة شيخنا الإمام ابن باز (ت: 1420 هـ) رحمه الله:

هذه الآية عند أهل السنة والجماعة تدل على أمرين:

الأمر الأول: إثبات اليد لله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه موصوفٌ باليد، كما قال جلَّ وعلا:(مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)(ص: 75)، وقال سبحانه:(بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: 64)، وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة ثابتٌ لله تعالى، صفة اليد لله ثابتةٌ عند أهل السنة والجماعة بالنصِّ وبالإجماع.

والأمر الثاني: أنه سبحانه يقرّ هذه البيعة ويرضاها، وأن يد رسوله- صلى الله عليه وسلم قائمةٌ مقام يده سبحانه في إنفاذ هذه البيعة، (يد الله فوق أيديهم)، والمراد بهذا إثبات أن يد الرسول صلى الله عليه وسلم قائمةٌ مقام يد الله في إثبات هذه البيعة.

ففيه إثبات اليدين جميعًا: يد الله سبحانه التي هي قائمةٌ به سبحانه، وهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، ويد الرسول التي بايعتهم بأمر الله وشرع الله ورضاه.

(2)

المثال الثاني: تأويه لصفة مجيء الرب جل في علاه عند تفسيره لقوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(الفجر: 22)

قال دروزة- عفى الله عنه-:

"

والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل

".

(3)

ولا شك أن هذا التأويل الواضح لصفات الرب جل في علاه يجلى عقيدته فيها، وأنه سلك مسلك أهل التأويل من الأشاعرة ومن نحى نحوهم، وقد خالف بذلك عقيدة أهل السنة والجماعة في إثبات صفات الرب جل وعز على الحقيقة على الوجه الذي يليق بذاته- سبحانه-، بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تكيف ولا تمثيل، كما قال ربنا:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ((الشورى: 11)

(1)

- يُنظر: التفسير الحديث لـ " دروزة": (1/ 591).

(2)

- يُنظر: مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: (24/ 273). مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ) أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر عدد الأجزاء: 30 جزءًا.

(3)

- التفسير الحديث: (1/ 545).

ص: 75

‌المطلب الثامن: أبرز الدراسات حول تفسير "دروزة"

1 -

جهود محمد عزة دروزة في تفسيره المسمى: (التفسير الحديث). لمحسن عبد الرحمن أحمد. القاهرة، كلية الآداب، جامعة عين الشمس، 1984 م، رسالة دكتوراه. (رسالة القرآن، العدد الثامن/ 208).

2 -

محمد عزة دروزة وتفسير القرآن الكريم، دكتور فريد مصطفى سليمان. الرياض مكتبة الرشد، رسالة دكتوراه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، 485 ص، الطبعة الأولى، 1993 م - 1413 هـ.

3 -

التفسير الحديث للأستاذ محمد عزة دروزة. عبد الحكيم محمد أنيس. جامعة بغداد، العلوم الإسلامية، رسالة ماجستير، 1993 م.

(1)

.

‌المبحث الثالث: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الثالث كتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ " حبنكة الميداني"(1425 ت: هـ)

(2)

.

وفيه سبعة مطالب

‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب ومؤلفه وبيان أهم دوافع وبواعث تأليفه

وكتابه هو ثالث تلك المصنفات في التفسير التي سلك مصنفوها ونهجوا نهجًا خاصًا ليس عليه عمل السلف في ترتيب السور ترتيبًا نزوليًا لا ترتيبًا مصحفيًا. وقد صدر الطبعة الأولى من هذا الكتاب عن دار القلم بدمشق في خمسة عشر مجلدًا كبارًا، وقد مات قبل أن يكمله، فقد انتهى-رحمه الله من المكي ثم وافاه الأجل بعد بدايته في تفسير سورة البقرة.

التعريف بالمؤلف:

ومؤلفه هو: الشيخ عبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني-رحمه الله

التعريف بالكتاب:

الكتاب هو: "معارج التفكر ودقائق التدبر"

بيان أهم دوافع وبواعث تأليفه:

هذا التفسير أقامه مؤلفه على ترتيب نزول القرآن الكريم،

حيث يقول مبينًا سبب اختياره هذا المنهج:

وقد رأيت بالتدبر الميداني للسور أن ما ذكره المختصون بعلوم القرآن الكريم من ترتيب النزول، هو في معظمه حق، أخذًا من تسلسل البناء المعرفي التكاملي، وتسلسل التكامل التربوي، واكتشفت في هذا التدبر أمورًا جليلة تتعلق بحركة البناء المعرفي لأمور الدين، وحركة المعالجات التربوية الربانية للرسول صلى الله عليه وسلم، وللذين آمنوا به واتبعوه، وللذين لم يستجيبوا لدعوة الرسول مترددين، أو مكذبين كافرين.

وقد حاول المؤلف تطبيق ما ذكره في كتابه (قواعد التدبر الأمثل للقرآن الكريم) في كتابه هذا، يقول رحمه الله:

وبعد فقد فتح الله عز وجل علي خلال تدبري الطويل لكتابه المجيد، باستخراج أربعين قاعدة من قواعد التدبر الأمثل لكتابه، قابلة للزيادة عليها، وهذه القواعد تقدم للمتدبرين أصول التفسير الأقوم للقرآن، ولم أجد في المفسرين من اهتم بالتزام مضمونها، ولا بالتزام كثير منها.

وقد رأيت من الواجب علي أن أقدم ما أستطيع تقديمه من تدبر لسور هذا

(1)

يُنظر: المحتسب، اتجاهات التفسير في العصر الراهن/ 54 وهو نفس اتجاهات التفسير في العصر الحديث ولكن قد تغير اسمه في طبعة جديدة منقحة للمؤلف، وأبي حجر، التفسير العلمي للقرآن في الميزان/ 315. ويُنظر (الصفار، الجامع للرسائل، ص 27)

(2)

- وُلدَ فضيلة الشيخ العلاَّمة عبد الرحمن حَبَنَّكَة المَيداني الدِّمشقي سنة 1345 هـ (1927 م)، في أحد أعرق أحياء دمشقَ، حيِّ المَيدان، لأُسرة علمٍ ودعوة وجهاد؛ فأبوه العلاَّمةُ المربِّي المجاهد حاملُ لواء الدَّعوة في الشام، الإمامُ حسن حَبَنَّكَة المَيداني، عضوُ المجلس التأسيسيِّ لرابطة العالم الإسلاميِّ، وتَرجعُ أُصولُ أسرة الشيخ إلى عَرَب بني خالد الذين تمتدُّ منازلُهم إلى بادية حَماة من أرض الشام.

وفي ليلة الأربعاء 25 من جُمادى الآخرة 1425 هـ قضى الله قضاءه الحقَّ بوفاة الشيخ عبد الرحمن حَبَنَّكَة المَيداني، عن 80 سنة، في إثْر مرض ألمَّ به.

للاستزادة: يُنظر: العلامة المفكر عبدالرحمن حبنكة الميداني-أيمن بن أحمد ذو الغني-مقال عن موقع الألوكة-بتاريخ: 19/ 3/ 1428 هـ.، ويُنظر "زوجي كما عرفته"-عائشة الجراح-دار القلم- دمشق.

ص: 76

الكتاب العزيز المعجز، ملتزمًا على مقدار استطاعتي بمضمون القواعد التي فتح الله بها عليَّ، مع الاعتراف بأن التزامها التزامًا دقيقًا وشاملًا عسيرٌ جدًا، بل قد يكون بالنسبة إلى متدبر واحد متعذرًا.

(1)

.

‌المطلب الثاني: أضواء جانبية على عقيدة الـ "حبنكة"

يقول في كتابه "العقيدة الإسلامية وأسسها":

(2)

"النوع الثاني ـ من الوحي ـ ما كان بواسطة إسماع الكلام الإلهي من غير أن يرى السامع من يكلّمه، كأن يخلق الله الأصوات في بعض الأجسام من حجر أو شجر، ومن هذا النوع ما كان لموسى عليه السلام حين مناجاته ربه في جانب الطور، وهذا النوع الثاني هو ما أشار إليه الله بقوله في الآية: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الشورى من آية: 51) أي: وحيًا من وراء حجاب بواسطة خلق الله الأصوات كما ذكرنا أو بصورة أخرى يختارها الله عز وجل".

قلت: ومناجاة موسى ربه من جانب الطور هو ما جاء في قوله تعالى:

(فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين)[القصص 30] ومعنى هذا عند حبنكة الأشعري أن الشجرة التي خلق فيها الصوت وهو القرآن، قالت لموسى: إني أنا الله رب العالمين!.

(3)

بل أين الـ "حبنكة"؟ من قوله سبحانه: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)(النساء: 164)، ومن قوله جل وعلا:(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)(الأعراف من آية: 143)

ولقد تأمل الباحث في بعض ما كتب الـ "حبنكة" رحمه الله فلم يجده واضحًا من جهة المنهج العقدي في انتصاره بوضوح وجلاء لاعتقاد السلف، ومما يؤيد ما ذكره الباحث هنا ما أجاب به أحد الأعلام المعاصرين والذين لهم عناية كبرى بمنهج السلف وإبراز عقيدة أهل السنة والجماعة والدعوة إليها وعلى منهجها

(4)

، فقد سئل عن كتاب (أسس العقيدة الإسلامية) لـ " حبنكة" فأجاب حفظه الله تعالى:

"ما تحتاج لكتب المعاصرين الآن، طالب علم تقرأ كتب السلف، كتب المعاصرين -الذين لا يبيِّنون عقيدة أهل السنة قصدًا ويوضِّحونها- ما تحتاجها في العقيدة، خاصة العقيدة، إياك، -يعني- حتى تضبط عقائد السلف بتفصيلاتها، ثم بعد ذلك يمكن أن تقرأ في بعض الكتب في ذلك، هذا الكتاب من جنس كتب الشيخ عبد الرحمن حبنّكة الميداني، هو عنده ميل إلى الأشعرية أو التصريح بها في مواضع، وله كتاب اسمه: (ضوابط المعرفة) كتاب فلسفي يعني المعرفة عند الفلاسفة".

(5)

انتهى

(1)

يُنظر: التعريف بكتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ مجدي مكي-دار القلم- دمشق-ط 1 - 1427 هـ.، ويُنظر: المقدمة العامة لكتاب معارج التفكر ودقائق التدبر: (1/ 5 - 6).

(2)

- يُنظر كتابه: العقيدة الإسلامية وأسسها: (2/ 249) الطبعة الأولى: دار القلم: (1385 هـ)، ويُنظر نفس الكتاب تحت عنوان " النصوص المتشابهات في صفات الله تعالى " ص 246 ..

(3)

من كتاب: الرد القويم البالغ على الخليلي الإباضي، للشيخ/ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي:(1/ 283). طبعة دار المآثر، الطبعة الثانية 1422 هـ.

(4)

- ألا وهو الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.

(5)

شرح العقيدة الواسطية (1/ 259).

ص: 77

‌المطلب الثالث: منهج الـ "حبنكة" في كتابه، ورأيه في ترتيب السور، وما كان لزامًا عليه اتباعه

‌أ- منهجه في كتابه:

كان من أبرز معالم منهجه في كتابه ما يلي:

لقد نهج الشيخ "حبنكة" في تفسيره التدبري نهجًا نجمله باختصار فيما يلي:

أولًا: لقد ذكر في مستهل كتابه أحكامًا تدبرية تتعلق بالاستعاذة والبسملة.

ثانيًا: يذكر المكي والمدني من السورة ثم يبين الأقوال الواردة فيها، ثم يرجح بينها ويبين ما ذهب إليه واختاره.

ثالثًا: يذكر السورة بطولها كاملة ثم يعرج على ذكر أوجه القراءات الواردة فيها.

رابعًا: يذكر السورة وما ورد فيها من فضائل ولا سيما فيما يتعلق بموضوع بحثه مستدلًا بنصوص السنة وآثار السلف في ذلك.

خامسًا: سلك طريقة موضوعية في تقسيم السورة، ثم قام بدراستها دراسة موضوعية تحليلية، ثم أعقب ذلك بنظرة إجمالية على كل ما حوته السورة من موضوعات.

سادسًا: يتعرض للأحكام الفقهية وبعض المسائل البلاغية أحيانًا ولا سيما عند وجود داع لذكرها.

‌ب- رأيه رحمه الله في ترتيب السور

قد مر معنا قول الشيخ "حويش"، والأستاذ "دروزة" في ترتيب السور وأنه عندهما توقيفي.

أما الشيخ "حبنكة"

فقدم على تفسير القرآن حسب ترتيب النزول، وهذا أمر جلل ليس له فيه إمام، إلا ما كان من صاحبيه الشيخ "حويش"، والأستاذ "دروزة" كما علمنا، ومع ذلك فقد قَدَّمَا حججًا ومبررات على ما قَدِمِا عليه من عمل وإن كانت كلها هاوية غير مقنعة، وقد مر معنا مناقشة ما قداماه من مبررات وتفنيده.

أما الشيخ "حبنكة": فإنه يرى أن ترتيب السور أمر اجتهادي خلافًا لـ "صاحبيه""حويش"، و" دروزة"، ولم يقدم حججًا ولا براهين كصاحبيه،

‌ج- ما كان لزامًا عليه اتباعه

لذا كان لزامًا عليه أمورًا من أهمها ما يلي:

أولًا: عرض أقوال القائلين بتوقيف ترتيب السور وبيان حججهم وأدلتهم

ثانيًا: مناقشة أقوال وأدلة القائلين بالتوقيف، وبيان أدلة ما ذهب إليه وترجح لديه

ثالثًا: نقل إجماع الصحابة واستقرار رأيهم على المصحف الإمام وقبولهم وإذعانهم له.

رابعًا: نقل إجماع الأمة على قبول الترتيب التوقيفي للسور الذي استقر عليه المصحف الإمام ولا يزال العمل عليه من زمن الجمع العثماني إلى وقتنا هذا.

ص: 78

لكنه لم يفعل هذا رحمه الله.

‌المطلب الرابع: حصر دوافع الـ "حبنكة" في انتهاج هذه الطريقة

وفي ضوء كلامه في صدر كتابه فإنه يمكن تحديد أهم دوافعه لانتهاج هذه الطريقة فيما يلي:

1 -

إن تدبره الطويل لكتاب الله، واستنباطه للقواعد التي ذكرها في كتابه

(قواعد التدبر الأمثل) كان من جملة ما دعاه إلى اتباع هذا المنهج.

2 -

إن هذا المنهج يحقق تسلسل البناء المعرفي التكاملي.

3 -

إن هذا المنهج يحقق تسلسل التكامل التربوي.

4 -

كشف هذا المنهج عن أمور جليلة تتعلق بحركة البناء المعرفي لأمور الدين وحركة المعالجات التربوية الربانية الشاملة للرسول صلى الله عليه وسلم.

5 -

الاستشراف إلى حكمة التدرج، ومعرفة الغاية من التكرير".

(1)

.

‌المطلب الخامس: مناقشة دوافع ومبررات الـ "حبنكة"

وهل تحققت بهذا العمل الخارج عما درج عليه السلف والخلف من المفسرين الأهداف والمقاصد والمرامي المرجوة والمأمولة فيه؟

أولًا: هل الترتيبي المصحفي يمنع من التدبر حتى ننتقل إلى الترتيب النزولي؟

ثانيًا: ثم تلك الألفاظ الرنانة والمصطلحات الحادثة التي لم يدرج عليها أئمة السلف ولم يستخدموها في التفسير هي أقرب لكتب السلوك والتربية منها لكلام أئمة التفسير، وذلك مثل "تسلسل البناء المعرفي التكاملي"، "التكامل التربوي"، "والبناء المعرفي"، وأضرابها من تلك الألفاظ التي برز الشيخ بها مبرراته.

ثالثًا: ثم تبرير ذلك بحجة "الاستشراف إلى حكمة التدرج" وهل هذه الحكمة كانت مختفية في الترتيبي المصحفي حتى يبرزها الترتيب التنزلي؟.

والدكتور محمد عبد الله دراز- رحمه الله يضرب لذلك مثلًا محسوسا في كتابه: "حصاد قلم" فيقول واصفًا ذلك بمن قامـ:

" بجلب سلعًا لبناء بيتًا لا يبالي بأن يشتري أجزاء العرش والسقف قبل الأسس والجدران، متتبعًا في ذلك فرصة توفر الثمن وتوفر تلك السلعة في السوق، ثم بنا بيته، أكان ذلك مخلًا بهندسة ذلك البيت، وبالقياسات التي وضعها المهندس؟؟ كذلك كان القرآن الكريم ينزل بحسب الوقائع، ثم رتب حسب ذلك (الترتيب)

(2)

الذي أراده الله تعالى له فكان منسجمًا متكاملًا آخذا بعين الاعتبار التدرج في التعليم والفهم، والانتقال من جو إلى جو تدريجيان إما تصاعديًا أو تنازليَا، حسبما تقتضيه الضرورة

".

(3)

ومما لاشك فيه أبدًا أن الترتيب المصحفي هو ما استقرت عليه العرضة

(1)

- يُنظر: التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان د. مصطفى مسلم. مقال عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: 15/ 12/ 1432 هـ.

وهذا الدافع الأخير أخذته من شرح الشيخ للقاعدة التاسعة في كتاب قواعد التدبر الأمثل ص 153. (د. مصطفى مسلم).

(2)

- هي في الأصل عند د. دراز "التصميم" فعدلها الباحث إلا المعنى المناسب ألا وهو: "الترتيب".

(3)

- حصاد قلم، الدكتور/ محمد عبد الله دراز: تحقيق، أحمد مصطفى فضيلة، تقديم الدكتور/ عبد الستار فتح الله سعيد، دار القلم، 2000 م، القاهرة: ص: 45 وما بعدها

ص: 79

الأخيرة الموافقة لما هو مثبت في اللوح المحفوظ عند رب العزة في كتاب مكنون وقد مر بنا ذكر ذلك الأمر تكرارًا ومرارًا، والقرآن أنزل جملة على هذا الوضع وتلك الحالة التي استقر عليها إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم نُجِّمَ بعد ذلك حسب الأحداث والوقائع.

وهذا الذي يعنيه الدكتور محمد عبد الله دراز- رحمه الله في كتابه- النبأ العظيم- بقول: "لئن كان جمع عن تفريق، فقد فرّق عن جمع".

(1)

ثم إن علماء المناسبات استخرجوا للأمة دررًا من المناسبات بين الآيات والسورة مع إن الكثير منها تنزل منجم الآيات ولم يتنزل دفعة واحدة، بل إن السورة الواحدة قد تنزل آيات منها متقدمة وتكون في أواسط السورة أو في أواخرها وخواتيمها، وقد ينزل صدر السور متأخرًا عن خاتمتها والعكس من ذلك كذلك، وأنت تجد ذلك متحققًا في أطول سور القرآن ألا وهي سور البقرة وهي من أوائل القرآن المدني نزولًا، أليس كذلك؟، فهل نزلة جملة أم نجومًا نجومًا؟

الجواب يأتي في جواب أئمة التفسير عن آخر ما نزل من القرآن، فإن أكثرهم على أن آخر آية نزولًا هي قوله تعالى:(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(البقرة: 281)

وهو مروي عن جمع من السلف، منهم: ابْن عَبَّاسٍ، أَبِي سَعِيد الخدريٍ، عِكْرِمَةَ، سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كما أنه اختيار جمع من المتأخرين كذلك.

وفي ذلك يقول الحافظ (ت: 852 هـ) في الفتح- رحمه الله:

أصحّ الْأَقْوَالِ فِي آخِرِيَّةِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)(البقرة من آية: 281).

(2)

ومع ذلك كله ترى الترابط النصي والوحدة الموضوعية وأغراض السورة مترابطة متناسقة وكأنها سبيكة واحدة ترابطًا ومعنى، وبلاغة وإعجازًا ولا تشعر أبدًا حين تأملك لها وتدبرك في آياتها أنها نزلت منجمة، وقد يكون بين ذلك التنجيم أزمانًا متباعدة.

‌المطلب السادس: هل تحققت الأهداف التي رامها مُفْتَتِحُو تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي

وأخيرًا فهل تحققت الأهداف التي رامها مُفْتَتِحُو هذا الباب

أولًا: لم تتحقق تلك الأهداف كما مر معنا، وكيف تتحقق في أمر عظيم جلل أجمع عليه جماهير العلماء سلفًا وخلفًا وقد خرقوا هذا الإجماع.

ثانيًا: كيف تتحقق تلك الأهداف ولم تقترن بأي مبررات مقنعة أو أي معالم ظاهرة أو حجج دامغة وبراهين ساطعة وأجوبة مسكتة.

وإنما الذي تحقق من الأهداف هو ما أراده مُؤسسو ومرجو هذا الفكرة أولًا

(1)

يُنظر: النبأ العظيم: (ص: 154). النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم المؤلف: محمد بن عبد الله دراز (المتوفى: 1377 هـ) اعتنى به: أحمد مصطفى فضلية قدم له: أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعني الناشر: دار القلم للنشر والتوزيع الطبعة: طبعة مزيدة ومحققة 1426 هـ- 2005 م عدد الأجزاء: 1.

(2)

فتح الباري: (8/ 317).

ص: 80

من المستشرقين، بل إن أحدهم قد تراجع عن هذا العمل ألا وهو المستشرق الفرنسي ريجي بلاشير:(ت: 1393 هـ) كما مر معنا في مقدمة البحث، - نعم - تراجع عن ترتيب ترجمته للقرآن بحسب ترتيب النزول لما رأى خطأه، فأعاد ترتيب تلك الترجمة بحسب الترتيب المصحفي، هذا مع سوء نيته وخبث طويته.

فهل كان للثلاثة نفر الذين خرقوا هذا الخرق أن يتراجعوا عن فعلهم كما تراجع عن مثله ذلك المستشرق، ويؤبوا إلى ما أجمع عليه أسلافهم الصالحون، لأنهم بذلك قد أفسدوا نظم القرآن، وذلك لأن "من قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن".

(1)

، وَلَمَّا أنهم كانوا قد قضوا نحبهم وقضوا آجالهم فحق لأهل الحل والعقد من الجهات المعنية في الأمة أن يبرموا في ذلك أمر رشيدًا وأن يعملوا على رأب صدعهم بعد أن أفضوا إلى ربهم ويقوموا بما أوجب الله عليهم تجاه كتاب ربهم، ولقد عناهم الله بقوله:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)(آل عمران: 187).

قال ابن سعدي في تفسيره:

"الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصًا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل".

(2)

فلزمهم أن يقوموا بواجبهم تجاه كتاب ربهم ويردوا تلك المصنفات إلى ما أجمعت عليه الأمة وسارت عليه تلك القرون الطوال، كما يُرد المتشابه إلى المحكم، فإن من خصائص أهل الحق رد المتشابه إلى المحكم، كما إن من خصائص أهل الباطل اتباع المتشابه ورد المحكم.

طوام كبرى نخشاها:

هذا ونخشى أن يأتي على الأمة زمان يأتي فيه من يُنادي بإعادة ترتيب آيات القرآن ترتيبًا نزوليًا كما نادى المستشرقون بترتيب السور ترتيبًا نزوليًا كذلك، وهم يريدون بذلك الطعن في القرآن ليفقد بذلك أعظم دلائل بقائه وحفظه، من مصداقيته، وتحقق أوجه إعجازه، وجزالة لفظه، ودقة نظمه، ولكن كما قال الله تعالى:(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(التوبة من آية: 32)، فقد تولى الله تعالى حفظ كتابه بذاته العلية فقال سبحانه:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر: 9)، ونخشى أن يتبعهم على ذلك من أعمى الله بصائرهم عن لزوم الحق والتمسك به ممن لا خلاق لهم ولا حظ ولا نصيب من علم ولا ورع

(1)

الإتقان: السيوطي ج 1 ص 62. وعزاه لابن الأنباري.

(2)

تفسير ابن سعدي: (161/ 1).

ص: 81

ولا تقوى من بني جلدتنا، والله تعالى وحده من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد لله رب العالمين.

‌المطلب السابع: بيان وجوب احترام الترتيب المصحفي وعدم التعرض له، والتصدي لمن تعرض له

والخلاصة فإن الأمر قد انتهى إلى أنه يجب احترام هذا الترتيب.

"وسواء أكان ترتيب سور القرآن اجتهاديًا (من الصحابة) أو توقيفيًا (من عند الله) فإنه يجب احترامه خصوصًا في كتابة المصاحف لأنه عن إجماع الصحابة والإجماع حجة. ولأن خلافه يجر إلى الفتنة ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب. ".

(1)

وبعد الانتهاء من عرض تلك الكتب الثلاثة التي خالف مؤلفُوها جماهير السلف والخلف في لزوم الترتيب المصحفي، والجنوح عنه إلى الترتيب النزولي ومناقشتها والحكم عليها ناسب هنا عند الختام الاستزادة من أقوال وأدلة القائلين بالقول بأن ترتيب السور توقيفي والحكم عليها، وقد تبين لنا أمورًا ذكرنا جملة منها في بداية البحث، وننتقل هنا إلى ذكر جملة أخرى هامة من تلك الأمور فنختم بها لتكون مسكًا للختام، وذلك فيما يلي:

أولًا: إن كان في ترتيب آيات القرآن فيه من الإعجاز ما فيه، فإن ترتيب السور قد استخرج منه العلماء دررًا في علم المناسبات بين السور كذلك. فهو لا يقل شأنًا عن ترتيب آياته.

قال محمد بن سيرين (ت: 110 هـ) لعكرمة (ت: 107 هـ) أيّام الجمع الأول للقرآن:

"ألَّفوه كما أُنزل الأول فالأول، فقال عكرمة: لو اجتمع الإنس والجن على أن يألفوه ذلك التأليف ما استطاعوا".

(2)

ثانيًا: الأولى في تلاوة القرآن مراعاة الترتيب المصحفي سواء كان ذلك في الصلاة أم خارجًا عنها لأنه الأصل، وإن حاد عنه أحيانًا جاز له ذلك ولكن ترك الأفضل والأولى والأحسن والأكمل والأتم، وذلك لأن ترتيب التلاوة أمر مندوب وليس بواجب بدليل فعله عليه الصلاة والسلام ذلك في صلاته في بعض الأحايين.

ويلحق البعض بذلك تعليم الصغار من بداية قصار المفصل لوجود المشقة والعنت في حفظ السور الطوال بداية، بل ولامتناعه عليهم أيضًا، وقد جرى على ذلك عمل الكثير من الأوليين في تعليم الصغار، وقد يلحق بهم كذلك تعليم الأعاجم الذين لا يحسنون العربية، وكذلك من أسلم وكان حديث عهد بكفر، وذلك لوجود العنت والمشقة في البدء بتلاوة وحفظ السور الطوال، وكذلك كبار السن ومن لديه تعثر وثقل في اللسان، وكل من يلحقه عنت ومشقة في الحفظ وتعلم التلاوة من بداية السور الطوال، وذلك لاشتراكهم جميعًا مع الصغار في العلة والسبب على حد سواء، ووجه الجواز في

(1)

- الزرقاني: مناهل العرفان: (1/ 344).

(2)

السيوطيّ، الإتقان:(ص: 155).

ص: 82

ذلك قراءة النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا على غير الترتيب المصحفي مما يدلل على عدم وجوب ذلك تلاوة من جهة، كما يدلل على جوازه عند الحاجة التي يتعثر معها الحفظ كالتي ذكرنا وما في نحوها كذلك من جهة ثانية، ولأن تلاوة كل فرد غير مثبتة في مصحف خاص لديه، بل إن كل منهم يتلو ويحفظ من مصحف واحد في ترتيبه المصحفي الذي أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا وجرى قبوله إجماعًا والعمل عليه ماض في الأمة عبر كل أجيالها، فتغير الترتيب المصحفي سالم ومأمون. والله أعلم.

ومما يدلل على ذلك ما ثبت عند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ذاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَح البقَرَةَ، فقلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلتُ: يُصَلَّي بِهَا في ركْعَةٍ، فمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَح النِّسَاءَ فَقَرأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَها، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذا مَرَّ بِآيَةِ فِيها تَسْبيحٌ سَبَّحَ، وَإِذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعوَّذ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ

الحديث.

(1)

وفي نحو ذلك يقول النووي رحمه الله في التبيان:

"قال العلماء رحمهم الله: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة، ثم البقرة ثم آل عمران، ثم النساء إلى أن يختم بـ (قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس) سواء قرأ في الصلاة أم خارجًا عنها، ويستحب أيضًا إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها السورة التي تليها، ولو قرأ في الركعة الأولى:(قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس) يقرأ في الثانية من البقرة

ودليل هذا: أن ترتيب المصحف لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ في الركعة الأولى:(ألم تَنزيل) وفي الثانية: (هَلْ أتَى) وصلاة العيدين (قاف) و (اقتربت).

ولو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها، أو خالف الموالاة فقرأ قبلها ما لا يليها جاز وكان تاركًا للأفضل، وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه؛ فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز، ويزيل حِكمة الترتيب ".

(2)

وكما كان يقرأ في الجمعة أحيانًا بـ الجمعة في "الأولى" والغاشية في "الثانية".

ثالثًا: بما أن الترتيب المصحفي قد أجمعت الأمة عليه سلفًا وخلفًا وجرى العمل عليه فلا يحق لأحد كائنًا ما كان خرق الإجماع الذي هو حجة في ذاته والحيد عنه إلى غيره من أنواع الترتيب، نزوليًا كان أو موضوعيًا أو تاريخيًا أو غير ذلك مما لم يجر عليه عمل من جمعوا القرآن في عهوده الثلاثة، ولم يجر عليه عمل أي أحد ممن اتبعوهم بإحسان، وسواء كان الترتيب المصحفي هذا ترتيبًا توقيفيًا، أم كان ترتيبًا اجتهاديًا، وذلك صيانة وحفظًا لكتاب الله تعالى من التبديل والتغيير والتحريف، ولما يترتب على ذلك من مفاسد وطوام لا تحمد عقباها، وكذلك لما قد

(1)

- رواه مسلم: (17/ 1176).

(2)

يُنظر: التحبير في علم التفسير: للسيوطي: (ص: 637).

ص: 83

يفتح باب التجرؤ على العبث في كتاب الله تعالى الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(فصلت: 42).

من هنا كان واجب التصدي لمثل هذا العمل وإبرازه للعباد بين الفينة والفينة انتصارًا لكتاب الله تعالى وردًا لمطاعن الطاعنين والمشككين في كتاب رب العالمين من سائر أعداء الملة والدين من الذين لا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم قرار ولا يتوقفون عن الطعن في كتاب الله تعالى ويعملون ويسعون في ذلك ليل نهار عبر الزمان والمكان، ورد سهامهم في نحورهم لينقلبوا إلى أهلهم خاسرين ويندحروا خاسئين ويرجعوا إلى جحورهم ذليلين وينقلبوا صاغرين.

نعم يقومون بذلك نصحًا لله تعالى ولكتابه كما قام الصديق الأول رضي الله عنه وتصدى لمانعي الزكاة يوم الردة، وكما قام الإمام المبجل أحمد بن حنبل الشيباني إمام أهل السنة لكتاب الله يوم المحنة.

فكان التصدي لهؤلاء وأمثالهم وأذنابهم جميعًا من أوجب الواجبات المتحتمات على المعنين بهذا الشأن العظيم من المرابطين على ثغور الإسلام وحماته ومن الغيور على دينهم وكتاب ربهم وممن يحبون أن يشملهم وصف ربهم لهم (والذين اتبعوهم بإحسان) فيتحقق لهم وعده برضاه عنهم رضي الله عنهم في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة: 100).

وذلك كله سعيًا في تحقيق وعد ربهم الذي لا يتخلف ولا يتأخر ولا يتبدل ولا يتغير أبدًا الذي قال سبحانه فيه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر: 109)

وختامًا لهذا المبحث نسوق لطيفة للألباني - محدث العصر- رحمه الله:

وقد وُجِهَ إليه هذا السؤال:

ما الغاية من جمع القرآن ووضعه في المصحف وهل ترتيب السور في المصحف توقيفي أو اجتهادي.؟

فكان مما أجاب عنه بعد كلام طويل-رحمه الله: ما يلي:

"

ما أدري، لا أدري، هنا المسألة يقال فيها مسألة تعبدية لأن ترتيب القرآن ليس على حسب التاريخ، التاريخ النزولي الذي تشير إليه، هذه مسألة اختلف فيها العلماء هل هي توقيفية أم اجتهادية بعكس لما تنظم آية فتوضع في سورة، فهذا توقيفي يقينًا، أما ترتيب السور تقديمها وتأخيرها فمثلا اقرأ باسم ربك المفروض حسب السؤال المطروح آنفا أنها توضع في أول ما نزل فهي قد وضعت في آخر ما نزل، اختلفوا في هذا الترتيب للسور وليس في ترتيب الآيات في السور، ترتيب الآيات في السور توقيفي بدون أي تردد، أما ترتيب السور كما هو الآن في المصحف اختلفوا فمنهم من يقول هذا توقيفي أيضًا من

ص: 84

الرسول عليه السلام ومنهم من يقول لا هذا باجتهاد من بعده، أما أنا شخصيًا ليس عندي رأي قاطع في الموضوع ولكن أقول إذا كان الراجح أنه توقيفي فهنا يأتي جواب السؤال السابق الله أعلم، وإذا كان هو باجتهاد ممن جمعوا القرآن بعد الرسول عليه السلام وصنفوه من بعده على هذا التصنيف فأنا ما عرفت ما هي الحكمة، ولذلك فأكل العلم إلى عالمه".

(1)

فلنتأمل كيف بعلم من الأعلام وسيد من سادات الأنام يقول مثل هذا الكلام، (ما أدري، لا أدري،

فأنا ما عرفت ما هي الحكمة،

ولذلك فأكل العلم إلى عالمه)

[فرحم الله الألباني ذاك العالم الرباني.

وقد طال بنا البحث والتطواف فيما مضى ذكره لعظم الخطب.

والله سبحانه وحده من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين].

‌خاتمة البحث

في خاتمة هذه الدراسة الهامة للغاية يحمد الباحث ربه الكريم المنان ذا الطول والفضل والإنعام على ما امتن به -سبحانه- على عبده الفقير الضعيف من إتمام بحث على وجه يرجو به الإعذار إلى الله وبلوغ الحجة ووضوح المحجة لكل منصف يرجو اتباع الحق وسلوك سبيل المؤمنين في اتباع ما أجمع عليه السلف و الخلف من اتباع الترتيب المصحفي الذى نزل به القرآن و استقرت عليه صحف عثمان وتلقته الأمة بالقبول، وما يزال عليه العمل منذ جمع عثمان رضي الله عنه الأمة على الإمام إلى وقتنا الحاضر.

‌بيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة

لقد توصلت تلك الدراسة المتواضعة لنتائج هامة، ولعل من أبرزها ما يلي:

1 -

إذا كان ترتيب الآيات في السور توقيفي، فإن ترتيب سور القرآن الكريم توقيفي- كذلك-.

2 -

أن الترتيب المصحفي عليه عمل الأمة منذ أن جمع عثمان رضي الله عنه الأمة على الإمام، وقد أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم ـ، وتلقته الأمة بالقبول، وعليه العمل إلى وقتنا الحاضر.

3 -

أن المستشرقين هم أول من خالف وعارض الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وطالبوا بإعادة ترتيب القرآن ترتيبا نزوليا، وقد تأثر بهم بعض المعاصرين

4 -

أن أول من استجاب لأمر المستشرقين واتبع سبيلهم وخالف سبيل المؤمنين في العمل بالترتيب المصحفي الذي عليه عمل الأمة سلفا وخلفا الثلاثة نفر الذين تدارسنا معا وناقشنا عملهم في مخالفة الترتيب المصحفي والجنوح إلى الترتيب

(1)

- سلسلة الهدى والنور: (257). بتصرف يسير جدًا في الألفاظ لأنها وردت مسجلة، فعدلت ألفاظ يسيرة جدًا ليستقيم المعنى كتابة.

ص: 85

النزولي الذي نادى به أعداء الملة -المستشرقين- وقد أرادوا بذلك إفساد نظم القرآن، ولكن أنى لهم ذلك.

5 -

أن الثلاثة نفر -أصحاب التفاسير الثلاثة- تحججوا بحجج واهية، هي أوهي وأوهن من بيت العنكبوت، وقد تبين معنا في طيات البحث رد تلك الحجج الواهية بواضح البراهين وساطع الأدلة بالحجج العقلية والنقلية.

6 -

أن الأهداف التي رامها مفتتحو تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي لم يتحقق منها أي شئ ألبتة - وفي ذلك دلالة قطعية على بطلان ما راموه وقصدوه.

7 -

أنه قد ثبت بالدليل القطعي وبالحجج والبراهين العقلية والنقلية أن الترتيب المصحفي عليه عمل الأمة وإجماع السلف والخلف، فكيف وقد ثبت أنه توقيفي، لذا فقد وجب احترامه وعدم التعرض له، و التصدي لمن تعرض له

8 -

يجب على الجهات المعنية في الأمة التحذير من مثل هذه الجرأة على كتاب الله تعالى ومنع أي أعمال مماثلة لما أقدم عليه أصحاب التفاسير الثلاثة، كما يجب عليها إعادة ترتيب تلك التفاسير حسب الترتيب المصحفي، كما يجب ذلك وجوبا حتميا على ورثة أصحاب تلك التفاسير، وذلك كله حسب القدرة و الطاقة

9 -

إن الفتاوى التي أفتى بها بعض المنتسبين للعلم أصحاب تلك التفاسير لم توافق الحق الذي عليه سبيل المؤمنين، وعليه عمل الأولين والآخرين من خيار هذه الأمة، فلا يعتد بها ولا يعمل بمقتضاها لمخالفتها للحق الذي عليه إجماع سلف وخلف الأمة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[*]

.

[*](تعليق الشاملة): جاءت الخاتمة في المرسل من المؤلف -حفظه الله- باختلاف في العبارات، فجاءت كالتالي:

خاتمة البحث، وبيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة

أ- خاتمة البحث:

في خاتمة هذا البحث يحمد الباحثُ ربَه الكريم المنان على ما امتن به من مناقشة هذا البحث ومدارسته وبيان مخالفة الترتيب المصحفي والجنوح عنه إلى الترتيب النزولي الذي سلكه أصحاب التفاسير الثلاثة، والذي يرجو أن يكون قد وفق فيه لإصابة الحق واتباع سبيل المؤمنين الذي أجمعوا على توقيف الترتيب المصحفي ووجوب لزومه وعدم الحيد عنه.

ب- أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة:

وقد توصلت تلك الدراسة المختصرة المتواضعة إلى نتائج عدة هامة يوجز الباحث أبرزها فيما يلي:

أولًا: أن الترتيب المصحفي يشتمل على أمرين:

أما الأمر الأول: فهو ترتيب الآيات في السور، وأنه ترتيب توقيفي بلا خلاف في ذلك أبدًا.

وأما الأمر الثاني: فهو ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي، وقد عرض الباحث فيه مذاهب العلماء وخلافهم فيه، وقد ترجح لديِّه القول بأن ترتيب السور أمر توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم يجب احترامه ولا يجوز مخالفته بحال من الأحوال للأسباب التالية:

أ- لأنه الترتيب الذي استقرت عليه العرضة الأخيرة

ب- ولأنه الترتيب الموافق للقرآن المثبت في اللوح المحفوظ

ج- ولأنه الترتيب الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم

د- ولأنه الترتيب الذي تلقته الأمة بالقبول

هـ - ولأنه الترتيب الذي عليه عمل السلف والخلف.

ثانيًا: أن بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي كان مصدره الأول بعض المستشرقين، والذين قد تراجعوا عن ذلك العمل لمَّا تبين لهم عدم جدوى فعلهم وندموا على الوقت الذي أضاعوه فيه دون جدوى.

ثالثًا: أن أول من خرق جمع الأمة وخالف ما أجمع عليه السلف والخلف من العمل على الترتيب المصحفي وتجرأ على مخالفته متبعًا ومقتديًا بالمستشرقين، هم أصحاب التفاسير الثلاثة التي عرضها الباحث وناقشها، وأن هؤلاء الثلاثة نفر قد عمدوا إلى تأليف وتصنيف تلك التفاسير وكتابتها وترتيبها وفق الترتيب النزولي تاركين ومخلِّفين وراءهم ظهريًا الترتيبَ المصحفي الذي استقرت عليه الصحف العثمانية والتي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين-، وهو الترتيب الذي استقرت عليه العرضة الأخيرة، وهو الترتيب الموافق للقرآن المثبت في اللوح المحفوظ كما مر معنا آنفًا.

رابعًا: بعد عرض ودراسة ومناقشة تلك التفاسير الثلاثة التي رُتِبَت على ترتيب النزول تبين لنا ما يلي:

1 -

بطلان هذا العمل جملة وتفصيلًا

2 -

بطلان الحجج الواهية التي قدمها أصحاب تلك التفاسير الثلاثة

3 -

عدم تحقق الأهداف التي رامها مُفْتَتِحُو تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي

4 -

بعد بيان بطلان الحجج الواهية التي اعتمد عليها هؤلاء النفر الثلاثة وعدم تحقق أهدافهم التي راموها، فإنه يجب على عموم الأمة لزوم الترتيب المصحفي الذي أجمع عليه السلف والخلف وعدم الحيد عنه إلى غيره من أنواع الترتيب، نزوليًا كان أو موضوعيًا أو تاريخيًا أو غير ذلك مما لم يجر عليه عمل من جمعوا القرآن في عهوده الثلاثة، ولم يجر عليه عمل أي أحد ممن اتبعوهم بإحسان.

5 -

وجوب لزوم الترتيب المصحفي في حق كل أحد، والناس في ذلك سواء، وذلك عند من يرى أنه ترتيب توقيفي، وعند من يرى أنه ترتيب اجتهادي، وذلك صيانة وحفظًا من تغيير نظم القرآن وحفظًا لكتاب الله تعالى من أي تبديل أو تغيير أو تحريف، ولما يترتب على ذلك العمل وهذا الترتيب من مفاسد عظمى وطوام كبرى لا تحمد عقباها.

6 -

أن يجب على عموم الباحثين في القرآن وعلومه وعلى الجهات العلمية المعنية في الأمة اليقظة التامة لكل ما يبرز وينشر من بحوث ومصنفات تؤيد هذا التغيير والتبديل المنافي والمضاد للترتيب المصحفي أو تؤلف مؤلفات مغايرة له، مع العناية بإبراز البحوث والدراسات والأطروحات العلمية المؤصلة التي تعنى بهذا الجانب صيانة وانتصارًا للقرآن الكريم.

7 -

على الجهات المعنية - كذلك - مخاطبة ورثة أصحاب التفاسير الثلاثة للعدول عما جرى عليه عملهم وتعديله وفق الترتيب المصحفي، مع الأخذ في الاعتبار بوجوب التنبيه على الملاحظات العقدية والمنهجية المأخوذة على تلك التفاسير ولا سيما تفسير "بيان المعاني" لـ "ملا حويش" وإن كان عدم إعادة طبعه والتحذير من تناوله وتداوله لما حواه بين جنباته من طوام ومفاسد كبرى هو الأولى والأصح والأصوب

ص: 86

فهرس‌

‌ المراجع

1 -

الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911 هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم - دار التراث بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1405 هـ-1985 م.

2 -

إعجاز القرآن للباقلاني المؤلف: أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب (المتوفى: 403 هـ) المحقق: السيد أحمد صقر الناشر: دار المعارف - مصر الطبعة: الخامسة، 1997 م عدد الأجزاء:1.

3 -

البرهان في علوم القرآن - لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت: 794) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم - الطبعة الأولى - دار إحياء الكتب العربية، مصر 1376 هـ - 1957 م.

4 -

البرهان فى تناسب سور القرآن المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، أبو جعفر (المتوفى: 708 هـ) تحقيق: محمد شعباني دار النشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب عام النشر: 1410 هـ - 1990 م عدد الأجزاء: 1.

5 -

البداية والنهاية المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ) الناشر: دار الفكر عام النشر: 1407 هـ - 1986 م عدد الأجزاء: 15.

6 -

التفسير والمفسرون أساسه واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث. د فضل حسن عباس، دار النفائس-عمان-الأردن، ط 1، 1437 هـ.

ص: 94

7 -

تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ) المحقق: سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط 2، 1420 هـ - 1999 م، عدد الأجزاء:8.

8 -

تفسير ابن عاشور: التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393 هـ) الناشر: الدار التونسية للنشر - تونس سنة النشر: 1984 هـ، عدد الأجزاء: 30 (والجزء رقم 8 في قسمين).

9 -

تفسير: بيان المعاني [مرتب حسب ترتيب النزول] المؤلف: عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني (المتوفى: 1398 هـ) الناشر: مطبعة الترقي - دمشق الطبعة: الأولى، 1382 هـ - 1965 م.

10 -

التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان د. مصطفى مسلم. بحث عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: 15/ 12/ 1432 هـ.

11 -

التفسير الحديث [مرتب حسب ترتيب النزول] المؤلف: دروزة محمد عزت الناشر: دار إحياء الكتب العربية - القاهرة الطبعة: 1383 هـ.

12 -

تأويل مشكل القرآن المؤلف: أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ (المتوفى: 276 هـ) المحقق: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

13 -

التعريف بكتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ مجدي مكي-دار القلم- دمشق-ط 1 - 1427 هـ.

14 -

حصاد قلم، الدكتور/ محمد عبد الله دراز: تحقيق، أحمد مصطفى فضيلة، تقديم الدكتور/ عبد الستار فتح الله سعيد، دار القلم، 2000 م.

15 -

العقيدة الإسلامية وأسسها: الطبعة الأولى: دار القلم: (1385 هـ).

16 -

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف: أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126 هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1415 هـ - 1995 م عدد الأجزاء: 2

17 -

كتاب المصاحف المؤلف: أبو بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (المتوفى: 316 هـ) المحقق: محمد بن عبده الناشر: الفاروق الحديثة - مصر/ القاهرة الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2002 م عدد الأجزاء: 1

18 -

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2002 م عدد الأجزاء:9.

ص: 95

19 -

محمد عزة دروزة وتفسير القرآن الكريم، دكتور فريد مصطفى سليمان. الرياض مكتبة الرشيد، رسالة دكتوراه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، الطبعة الأولى، 1993 م - 1413 هـ.

20 -

مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420 هـ) أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر عدد الأجزاء: 30 جزءًا.

21 -

مناهل العرفان في علوم القرآن المؤلف: محمد عبد العظيم الزُّرْقاني (ت: 136 هـ) الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الثالثة، عدد الأجزاء:2.

22 -

مجلة الأزهر، رئيس التحرير: محمد فريد وجدي بكّ، تحت إدارة ديوان الإدارة للأزهر، والمعاهد الدينية، بالقاهرة، عدد شهر رمضان سنة (1370 هـ/ 1950 م، مجلد 22). مطبعة الأزهر.

23 -

النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم المؤلف: محمد بن عبد الله دراز (المتوفى: 1377 هـ) اعتنى به: أحمد مصطفى فضلية قدم له: أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعني الناشر: دار القلم للنشر والتوزيع الطبعة: طبعة مزيدة ومحققة 1426 هـ- 2005 م عدد الأجزاء: 1.

ص: 96