المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نقولات عن ابن تيمية وليست فيما طبع، نقلها ابن المحب - صفات رب العالمين - رسائل جامعية - ناقص - ملحق

[ابن المحب الصامت]

فهرس الكتاب

‌نقولات عن ابن تيمية وليست فيما طبع،

نقلها ابن المحب في كتاب صفات رب العالمين [*]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فهذه بعض النقولات التي نقلها ابن المحب في كتابه صفات رب العالمين عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد كان يعظم شيخه جدا، فقد قال عنه في بعض المواضع:(أخبرنا سيد أهل الإسلام في زمانه والعالم بكل علم أبو العباس أحمد بن تيمية)، وقال في موضع آخر:(أخبرنا إمام المشرق والمغرب أبو العباس ابن تيمية)، وقال في موضع آخر:(أخبرنا شيخ الإسلام وارث الأنبياء أبو العباس ابن تيمية)، وقد نقل عن ابن تيمية رحمه الله عدة نقولات، وذكر بعض مروياته، وسأقتصر هنا على ما وقفت عليه من نقل ابن المحب عن ابن تيمية، وليس في شيء مما طبع، والله المستعان.

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا بحث مفيد نشره الشيخ أبو عبد الله أحمد بسيوني، فرأينا إضافته هنا للفائدة

ص: 1

• قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية وقد سُئل عنه: (وللناس فيه قولان: أحدهما: أن هذه الصعقة يوم القيامة هي غير الصعقة المذكورة في القرآن، وهي صعقة الموت قبل القيام لرب العالمين، فإن الله ذكر في كتابه نفخة الفزع بقوله:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [سورة النمل: 87]. وذكر النفختين في قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [سورة الزمر: 68]. فذكر ثلاث نفخات، وذكر هذه الصعقة المذكورة في القرآن وهي صعقة الموت قبل القيام لرب العالمين.

والقول الثاني: أنها الصعقة المذكورة في القرآن. وعلى هذا فتكون هذه الصعقة تُميت الأحياء، فيصيرون موتى كالذين ماتوا قبلهم، ويكون الذي أصابهم في هذه الصعقة ما صاروا به في حكم المصعوقين، إذ المراد بالصعقة، وإن كان الإماتة للأحياء فهو يتناول غير الإماتة. تم بعد هذه الصعقة يقوم من القبور من مات قديمًا وحديثًا، ونبينا صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، وتكون تلك الصعقة قد نالت ممن تقدم موته ما حصل له بها نوع من الصعق لا سيما من كان حيًا في قبره، والأنبياء أحياء في قبورهم، وقد قال طائفة في قوله:{يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [سورة يس: 52]. أنهم ينامون قبل القيامة نومة، فإذا جاز أن ينام الموتى جاز أن يجعل لهم نوع من الصعق فإن الصعق يتناول الغشي والإغماء والموت ونحو ذلك مما يُغيب العقل، كل هذا يسمى صعقًا، والمصعوق المغشي عليه، وموسى خَرّ صعقًا بالإغماء ولم يمت).

ص: 2

• وقول أبي الدرداء: "إن المرأة تكون لزوجها الأخير". في نسخة عيسى بن سالم.

قال شيخنا ابن تيمية جوابًا: وأما المرأة إذا تزوجت رجلين فقد جاء في الحديث أنها تكون مع أحسنهما خلقًا، وروي: أنها تخير ولا منافاة بينهما، فإنها إذا خُيرت تختار أحسنهما لها عشرة وأحسنهما خلقًا.

ص: 3

• قال ابن تيمية رحمه الله في توجيهه للدليل: "الصحيح: أن آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب، وهو كان أعلم بربه وذنبه، بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر، فإنه باطل. وموسى عليه السلام كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم على ذنب قد تاب منه وتاب الله عليه واجتباه وهداه، وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، لا على الخطيئة، فإن القدر يحتج به عند المصائب، لا عند المعائب"

هذا الكلمة قالها ابن أبي العز ولم يعزها لابن تيمية، قال ابن أبي العز: في شرح الطحاوية تحقيق الأرناؤوط (1/ 136): «الصَّحِيحُ أَنَّ آدَمَ لَمْ يَحْتَجَّ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ عَلَى الذَّنْبِ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِرَبِّهِ وَذَنْبِهِ، بَلْ آحَادُ بَنِيهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ. وَمُوسَى عليه السلام كَانَ أَعْلَمَ بِأَبِيهِ وَبِذَنْبِهِ مِنْ أَنْ يَلُومَ آدَمَ عَلَى ذَنْبٍ قَدْ تَابَ مِنْهُ وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ اللَّوْمُ عَلَى الْمُصِيبَةِ الَّتِي أَخْرَجَتْ أَوْلَادَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَاحْتَجَّ آدَمُ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ، لَا عَلَى الْخَطِيئَةِ، فَإِنَّ الْقَدَرَ يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، لَا عِنْدَ الْمَعَائِبِ»

ص: 4

"سَيَكُونُ فِي أمَّتِي قَوْمٌ يَكْفُرُونَ بِاللِّهِ وَبِالْقُرْآنِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، قَالَ: قُلْتُ: يَقُولُونَ كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُقِرُّونَ بِبَعْضِ الْقَدَرِ ويَكْفُرُونَ بِبَعْضِهِ"، قَالَ: فَقُلْتُ: يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: الخَيْرُ مِنَ اللَّهِ وَالشَّرُّ مِنْ إِبْلِيسَ، يَقْرَؤُونَ عَلَى ذَلِكَ كِتَابَ اللَّهِ، فَيَكْفرُونَ بِاللَّهِ وَبِالْقُرْآنِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ فَمَا يَلْقَى أمَّتِي مِنْهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَسْخ، فَيُمْسَخُ أُولَئِكَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، ثُمَّ يَكُونُ خَسْف، أَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْه، الْمُؤْمِنُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فَرَحُهُ، كَثِيرٌ - أو قال - شَدِيدٌ غَمُّه، ثُمَّ بَكَى رَسولُ اللَّهِ حَتَّى بَكَيْنَا لِبُكَائِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسولَ اللَّهِ، مَا هَذَا الْبُكَاءُ؟ قَالَ:"رَحْمَةً لَهُم الْأَشْقِيَاء، لِأَنّ مِنْهُم الْمُجْتَهِدُون وَمِنْهُم الْمُتَعَبِّدُون، مَعَ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَوَّلِ مِنْ سَبَقَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَضَاقَ بحمْلِهِ ذَرْعًا، إِنَّ عَامَّةَ مَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ" فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الْإِيمَان بِالْقَدَرِ؟ قَالَ:"أَنْ تؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَتُؤْمِنَ بِالجنَّةِ وَالنَّارِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمَا قَبْلَ الخلْقِ، ثُمَّ خَلَقَ الخلْقَ لَهُمَا، فَجَعَلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِلْجَنَّةِ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِلنَّارِ عَدْلًا مِنْه، فَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغ لَهُ وَصَائِرٌ إِلَى مَا خلِقَ لَهُ "فَقلْتُ: صَدَقَ اللهُ وَرَسولُهُ".

رواه الطبراني وجعفر الفريابي، وأبو القاسم البغوي في معجمه، والعقيلي في عطية بن عطية، وأبو مسلم الكشي في سننه، والطلمنكي في كتاب الأصول، وأبو أحمد الحاكم في عاشر فوائده.

قال شيخنا أبو العباس بن تيمية: حديث ضعيف، بل موضوع.

ص: 5

• قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: "آيات الرؤية في القرآن نحو عشرة، وهي ظاهرة ومستنبطة، صح النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وللصحابة التفسير، أحدها: قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] بالنقل والاستنباط

ص: 6

• قال شيخنا أبو العباس بن تيمية: "إن صلاة المسبل باطلة، وهو قولٌ لأحمد ذكره أبو بكر عبد العزيز في الهداية، وحجته هذا الحديث"

ص: 7

• حكى شيخنا أبو العباس ما قاله أهل الهيئة: "أن البحر محيط بالأرض من خمسة أساسها، وإنما الظاهر منها أكثر من السدس بقليل، فما يقال أنه ستة وستون درجة من ثلاثمائة وستين درجة معها من البحار كبحر فارس والروم، وكان القياس أن البحر يغمر الماء للأرض من جميع الجوانب لولا أن اللَّه سبحان أيبس ما أيبسه منها، وأنضب عنه الماء، فصارت الأرض كوجه البطيخة في بركة محيطة بأكثرها، وأرساها سبحانه بالجبال فإنها بثقلها كيلا تميل كما تميل السفن في البحر، وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من ليلة إِلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق بني آدم فيمنعه ربه من ذلك ولو أذن له لأغرقهم". وما يروى في الآثار من أن الأرض على الماء، والماء على الهواء موافق لهذا، لكن قالوا: أنها على الماء والماء على الهواء باعتبار الجهة الإضافية الخيالية، كمن يتوهم أن البحر الذي من الناحية الأخرى هو تحت الأرض فيلزم أن يكون الهواء فوقه على هذا الاعتبار، وإلا فالهواء أبدًا فوق الماء، والماء أبدًا فوق الأرض، إِلا من هذه الجهة التي أيبسها اللَّه ووضعها للأنام"

ص: 8

• قال شيخنا الإمام أبو العباس: "وليس مع أحد دليلٌ على أن الأرض إلى المركز جنس واحدٌ متماثل حتى يمتنع أن تكون سبع أرضين، يعني قول اللَّه تعالى: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] بل علم الهيئة بعضه يقوم عليه دليل كاستدارة الأفلاك، وبعضه لا يقوم عليه دليل مثل كون الثامن أو التاسع هو المحيط وكون الشمس في الرابعة".

ص: 9

• وقال شيخنا في الهلاوونية: "ولا مانع من أن تكون على ظهر حوت في الماء العظيم الذي هو البحر المحيط، لكن الجازم بذلك لا يقف على دليله، ولا مانع من اضطراب الحوت".

ص: 10

• قلتُ [أي: ابن المحب]: "هذه الحجة التي ذكرها هو وغيره على أن النفس ليست بجسم قد نقضها عليهم شيخنا أبو العباس وبين فسادها بكلام مُفصَّلٍ مبسوطٍ ليس هذا موضع حكايته".

فمنه: "أن قولهم: "العلم بما لا ينقسم لا ينقسم". كلام لا حقيقة له؛ إذ حاصله أن العلم بما لا اختيار فيه، وما لا اختيار فيه لا يُعلم، بل لا يوجد، فلا يُتصور أن يقوم علمه بمحلٍّ أصلًا، وإنما مدار حجتهم على إثبات موجود لا اختيار فيه، كما أثبتوا جُزءًا لا ينقسم أو يقبل الانقسام إلى غير نهاية.

فما ادَّعوهُ من الجزء والانقسام المحصور الذي هو فصلُ بعضهِ عن بعض کما نفوه من الانقسام الذي يُعني به إمكان تعلق العلم والإدراك ببعضه دون بعض، فلا ذلك المثبت له تلك القسمة له وجود، ولا هذا المنفي عنه هذه القسمة له وجود، بل كل موجود ثبتت له هذه المناسبة والقيام بالنفس الذي سَمَّوه انقسامًا، وليس في الموجودات ما ينفصل بعضه عن بعض حتى ينتهي إلى جزئهم، أو ينقسم دائمًا، وأما ما ذكروه من أن النفس يقوم بها العلم بالأمور الكلية كالإنسانية والجسمية التي لا توجد إلا في الأذهان، والكلي المجرد عن جميع الأمور الشخصية، فلو كان محله جسمًا لكان له مقدار معين، فيقال لهم: إن كانت هذه الحجة صحيحة فيلزم أن تكون النفس أمرًا كليًا لا يتعين ولا يتميز عن غيره، ولا له وجود خارجي يتخصص به، وهذا في الحقيقة قول بعدم النفس وتعطيل لها، لأن كل موجود فلا بد له من تعين يتخصص به في الخارج، فحجتهم هذه توجب عدم النفس من حيث ظنوا تجريدها، كما أن احتجاجهم على تنزيه الباري يوجب تعطيله حيث يجعلونه الوجود المطلق الذي لا يتعين، وذلك يمتنع وجوده في الخارج، وذلك لأنهم إذا قالوا: النفس يقوم بها أمور كلية، وجعلوا المحل كالحال في ذلك لزم أن تكون النفس كلية، وإن لم يجعلوا المحل كالحال بطلت الحجة"

ص: 11

• ذكر شيخنا ابن تيمية فساد قول من يجعل الملائكة والجن جنسًا واحدًا، وقال:"إنه مخالف للسمع والعقل، ومخالف للكتاب والسنة والإجماع، فإن اللَّه خلق الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، قال: ولكن هذا القول يشبه قول من جعل إبليس من الملائكة، وهو وإن كان من جملة من أُمر بالسجود لازم، فيدخل في جملة الملائكة ضمنًا وتبعًا، فليس أصله أصل الملائكة ولا حقيقته حقيقة الملائكة؛ فإن الملائكة لا يولد لهم ولا يأكلون ولا يشربون، وبينهم من الفروق ما ليس هذا موضع بسطه"

ص: 12

• وكذا قال بعض العلماء: "المراد في أصح القولين: "استسلمَ وانقاد لي". ومن قال: "حتى أسلمُ" فقد حرَّف لفظَهُ، ومن قال: "الشيطان صار مؤمنًا" فقد حرَّف معناه".

هذا النص من منهاج السنة النبوية (8/ 271)، وعلق عليه ابن المحب بقوله: وهذا رأيته في أواخر الرد على الرافضة للشيخ في بعض النسخ، وليس هو في الأصل الذي بخط المصنف، فلا أدري رأيُ الشيخ على بعض النُّسخ أو رأيُ بعض أصحابه.

ص: 13

• قال شيخنا أبو العباس: "وكثير من أتباع جهم: كأبي الحسن وأتباعه ومن وافقه من متأخري أصحاب مالك والشافعي وأحمد مثل: ابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما يقولون: إن الخلق هو المخلوق والفعل هو المفعول، وقد جعلوا أفعال العباد فعلا للَّه، والفعل عندهم هو المفعول، فامتنع عندهم مع هذا أن يكون فعلا للعبد كيلا يكون فعل واحد له فاعلان.

وأما الجمهور فيقولون: أنه مخلوق للَّه مفعول له، وهي فعل العبد قائمة به، وليست فعلًا للَّه قائمة به، بل مفعولة له غير فعله، والرب تعالى لا يوصف بها هو مخلوق له، وإنما يوصف بها هو قائم به، فلم نلزم هؤلاء أن يكون الرب ظالمًا وإنما أولئك، فإذا قالوا: أنه يوصف بالمخلوق المنفصل عنه فُسمي ظالمًا وعادلًا لوجود مخلوق منفصل عنه خلقه، فإنهم ألزموهم أن يكون ظالمًا خلقه ظلمًا منفصلًا عنه؛ إذ كانوا لا يفرقون فيها انفصل عنه بين ما يكون صفة لغيره وفعلًا له، وبين ما لا يكون؛ إذ الجميع عندهم نسبته واحدة إلى قدرته ومشيئته وخلقه، وهؤلاء يلزمهم أن لا يكون الأفعال العباد فاعل لا الرب ولا العبد، أما العبد فإنها وإن قامت به الأفعال فإنه غير فاعل لها عندهم، وأما الرب فعندهم لم يقم به فعل لا هذه ولا غيرها، والفاعل والمفعول من قام به الفعل، كما أن المتكلم المفعول من قام به الكلام، والمريد المفعول من قامت به الإرادة، والحي والعالم والقادر من قامت به الحياة والعلم والقدرة.

والذين يقولون: الخلق غير المخلوق لهم قولان: هل يخلق بفعل واحد قديم يوجد به جميع المفعولات؟ أم هو يُوجُد المفعولات بأفعال متعاقبة كما قال تعالى: {خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6]؟ على قولين. ومن قال بالثاني قال: إن المؤثر التام يستلزم الأثر التام وإلا لزم الترجيح بلا مرجح؛ فإن الفاعل إذا كان قبل حدوث المفعول وحين حدوثه على حال واحده كان تخصيص أحدي الحالين بحدوث المفعول ترجيحًا لأحد المتماثلين على الآخر بلا مُرجح، وهذا ممتنع في صريح العقل؛ فالأثر لا يُوجد إِلا إذا حصل مؤثره التام؛ فإنه بدونه تامة لا يكون مؤثرًا، فلا يحصل الأثر، وإذا تم رجب حصول الأثر؛ إذ لو لم يجب لأمكن وجوده وأمكن عدمه، فكان يتوقف على حدوث شيء آخر فلا يكون المؤثر تامًا.

وهؤلاء يقولون: القدرة مع الفعل، وكذلك الإرادة وسائر ما يتوقف عليه الفعل، وإن كان بعض ذلك قد يتقدم عليه ويبقى إلى حين حصوله، لكن لا بد من وجوده معه، وهذا الفعل الذي هو تكوين الرب خارج عن جميع الأسباب المخلوقة"

هذا المعنى مذكور في مواضع، لكن هذا النقل تام، وليس في شيء مما طبع بهذا التمام.

ص: 14

• وذكر شيخنا أبو العباس في الإجازة المغربية الاختلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "وقد يقال: رؤية الفؤاد والمنام يحصل منها لغير الأنبياء ما هو معروف ومعلوم أن تلك الرؤية لا تباشر الذات، بل يكون بوساطة ما يحصل في القلوب من صورة العرفان والإيمان، ولابد لما أثبته النبي صلى الله عليه من خاصة. فيجاب عن ذلك: بإمكان مباشرة رؤية فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ربه بخلاف غيره، وبأن رؤيا الأنبياء وحي، فهي حق لا يدخل الشيطان فيها، بخلاف ما يتمثل لبعض أهل الرياضات والمجاهدات، فإنه قد يتخيل أنوارا وصورا يظنونها المعبود، ويكون الشيطان قد يتمثل لهم، كما قد وقع مثل ذلك لكثير من الناس. والذين أثبتوا رؤية العين ليس معهم إلا لفظ مطلق أو حديث موضوع. وقد اعتمد أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو يعلى وغيرهما على قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51] ومن العجب أن عائشة ومن وافقها احتجوا بهذه الآية: على النفي. وهؤلاء احتجوا أنها: على الإثبات، قالوا: لأن التكلم من وراء حجاب، هو تكليم موسى، وبإرسال الرسل، هو كإرسال الملائكة إلى الأنبياء، فلم يبق إلا التكليم مع المعاينة، فيكون ذلك هو التكليم وحيا. وهذه الحجة ضعيفة مناقضة لمقصود الآية، لأن الله قال: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا على أحد هذه الجهات الثلاثة، فلابد أن يكون نفى شيئا غير هذه الجهات الثلاث. وعلى قولهم لا يكون قد نفى شيئا، بل أثبت التكليم عيانا، ومن وراء حجاب، والتكليم بواسطة، ومعلوم أن التكليم إما بواسطة وإما بغير واسطة، ومع انتفاء الواسطة إما أن يكون معاينة وإما مع الحجاب فإذا كان الجميع ثابتا فما المنفي".

ص: 15

• ذكر شيخنا أبو العباس في كلامه في النبوات: "حديث عوف بن مالك: "اعدد ستا بين يدي الساعة: موتى، وفتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال

" الحديث الذي رواه البخاري. وقد رواه أحمد، من حديث أبي حية، عن عبد الله بن عمرو. ورواه إسحاق، من حديث أبي حبان، عن عبد الله بن عمرو. قال: ففتح بيت المقدس بعد موته في خلافة عمر بن الخطاب، ثم بعد ذلك وقع الطاعون العظيم بالشام طاعون عمواس في خلافة عمر أيضا، ومات فيه معاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح، وخلق كثير. وكان ذلك أول طاعون وقع في الإسلام، وكان ما أخبر به، حيث أخذهم طاعون كقعاص الغنم، ثم استفاض المال في خلافة عثمان بن عفان حتى كان أحدهم يعكى مائة دينار فيسخطها، وكثر المال حتى كانت الفرس تشتري بوزنها، ثم وقعت الفتنة العامة التي لم يبق بيت من العرب إلا دخلته لما قتل عثمان، وأوقعت الفتنة بين الناس، واقتتلوا يوم الجمل ويوم صفين".

هذا النقل لم أجده في كتاب النبوات، لكنه بمثله مع بعض التصرف في كتاب الجواب الصحيح (6/ 323) دار الفضيلة، (6/ 85، 86) دار العاصمة.

ص: 16

• وقال شيخنا: محبة العبد ربه لنفسه قد يقال إنها مستحبة، وهي محبة المقربين الصديقين، ومحبته للأنعام محبة المقتصدين أصحاب اليمين، وقد يقال: كلاهما واجب، لكن المقربون يتقربون إليه بالنوافل بعد الفرائض، وهذا القول أصح، فإنه قد قال:{والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة: 165]، فأخبر عن كل مؤمن بأنه أشد حبا لله، وهذا يتضمن حب نفس الله. فأما المحبة لما يصل إلى العبد من الإنعام فهو في الحقيقة ما أحب إلا النعمة، وحب الرب يكون وسيلة إليها، ومن أحب شيئا لأجل غيره فالمحبوب في الحقيقة هو ذلك الغير. وأيضا فإن الإلهية تتضمن أن يكون هو المحبوب، وهو يستحق الإلهية بذاته، فلا إله إلا هو، ومن كان لا يحبه إلا لغيره فإلهه في الحقيقة ذلك الغير. وأيضا فإن صلاح النفوس لا تحصل إلا بما يكون الله هو المطلوب المحبوب. وهذا في الفطرة التي فطر الله عليها بني آدم، والذين ينكرون محبة نفسه تكون محبة نفسه في قلوبهم، وإن لم يعلموا بذلك، كما أن الذي يدخل في الصلاة قد نوى بها وقد لا يظن أنه نوى بها بوجود الحب والإرادة. عظم الكلام بذلك.

ص: 17

• قال شيخنا في التفرق والقتال في هذه الأمة: (هو لبعضها مع بعض، ليس يتسلط غيرهم على جميعهم، كما سلط على بني إسرائيل عدوا فهزمهم كلهم فهذه الأمة ولله الحمد لا تفنى كلها بلى لا بد فيها من طائفة ظاهرة على الحق منصورة إلى قيام الساعة).

ص: 18

• حديث: "شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا أجرا قط قد عادوا حمما". قال شيخنا: ليس في الحديث نفي إيمانهم، وإنما فيه نفي عملهم الخير، وفي الحديث الآخر:"يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، وقد يحصل في قلب العبد مثال ذرة من إيمان وإن كان لم يعمل خير، ونفي العمل أيضا لا يقتضي نفي القول، بل يقال فيمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومات ولم يعمل بجوارحه قط أنه لم يعمل خير فإن العمل قد لا يدخل فيه القول لقوله:{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [سورة فاطر: 10]. وإذا لم يدخل في النفي إيمان القلب واللسان لم يكن في ذلك ما يناقض القرآن.

ص: 19

• وقال شيخنا: (وقد دلَّ) هذا الحديث (أن هذا)(فيمن عبر) على (الصراط) وجاز عليه (حبوا)(فكان)(وقت)(خروجه) من النار ليس من الذين (أحرقوا) فيها وامتحشوا ثم (ينبتوا) كما (تنبت الحبة في حميل السيل)(مرحومين) بالشفاعة بعد (التعذيب)(وهذا) آخر من ينجو بعد الورود من العابرين على الصراط.

|

هذا ما استطعت قراءته على عجل قدر الطاقة، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

وكتب

أبو عبد الله

أحمد بن محمد بن محمد بسيوني

ص: 20