المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة لسنا هنا بصدد الترجمة للمؤرخ بدر الدين العينى، أو - عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان [٦٤٨ - ٧١٢ هـ] - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

‌مقدمة

لسنا هنا بصدد الترجمة للمؤرخ بدر الدين العينى، أو التوسع فى الكلام عن حياته الخاصة والعامة، فقد ترجم له من المعاصرين ابن تغرى بردى، والسخاوى، والسيوطى، وابن العماد، وغيرهم، كما توجد له ترجمة مطولة فى مقدمة كتاب «السيف المهند فى سيرة الملك المؤيد» ، وفى غيره عن الدراسات التى تناولت نشر بعض كتب العينى، أو نشر أجزاء من كتبه.

ورغم ذلك فقد رأينا إتماما للفائدة أن نورد فى هذه المقدمة ترجمة بدر الدين العينى التى كتبها أحد المعاصرين له، وهو ابن تغرى بردى فى كتابه «المنهل الصافى» ، والتى لم تنشر بعد، وبخاصة أن ابن تغرى بردى أقدم من ترجم لبدر الدين العينى، وفيما يلى نص هذه الترجمة:

محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، العلامة، فريد عصره، ووحيد دهره، عمدة المؤرخين، مقصد الطالبين، قاضى القضاة بدر الدين أبو محمد وأبو الثناء بن القاضى شهاب الدين بن القاضى شرف الدين، العينتابى الأصل والمولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، الحنفى، قاضى قضاة الديار المصرية، وعالمها، ومؤرخها.

سألته عن مولده فكتب إلىّ بخطه - رحمة الله -: مولدى فى السادس

ص: 5

والعشرين

(1)

من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فى درب كيكن، انتهى.

قلت: ونشأ بعينتاب، وحفظ القرآن الكريم، تفقه على والده وغيره، وكان أبوه قاضى عينتاب وتوفى بها فى شهر رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة، ورحل ولده صاحب الترجمة «إلى حلب» وتفقه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطى الحنفى، وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس فلقى به العلامة علاء الدين أحمد بن محمد السيرامى الحنفى، شيخ المدرسة الظاهرية برقوق، وكان العلاء أيضا توجه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة فى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ونزّله فى جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية، ثم قرره خادما بها فى أول شهر رمضان منها، فباشر المذكور الخدامة حتى توفى العلامة علاء الدين السيرامى فى سنة تسعين وسبعمائة، وقد انتفع به صاحب الترجمة وأخذ عنه علوما كثيرة فى مدة ملازمته له، ولما مات العلاء السيرامى أخرجه الأمير جاركس الخليلى أمير آخور من الخدامة وأمر بنفيه، لما أنهوه عنه، حسدا من الفقهاء، حتى شفع فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى، فأعفى من النفى، وأقام بالقاهرة

(2)

ملازما للإشتغال، وتردد للأكابر من الأمراء مثل الأمير جكم من عوض، والأمير قلمطاى الدوادار قبله، وتغرى بردى القردمى، وغيرهم، حتى توفى الملك الظاهر برقوق فى شوال سنة إحدى وثمانمائة، فولى بعد ذلك حسبة القاهرة فى يوم الإثنين مستهل ذى الحجة سنة

(1)

«فى سابع عشر رمضان» فى التبر المسبوك ص 375.

(2)

«فتوجه إلى بلاده» فى التبر المسبوك، و «ثم بعد يسير توجه إلى بلاده ثم عاد» فى الضوء اللامع.

ص: 6

إحدى وثمانمائة عوضا عن الشيخ تقى الدين المقريزى، فلم تطل مدته، وصرف أيضا بالشيخ تقى الدين المقريزى فى سنة اثنتين وثمانمائة.

قلت: وولايته الحسبة بالقاهرة يطول الشرح فى ذكر ذلك لأنه وليها غير مرة آخرها فى سنة ست وأربعين وثمانمائة عوضا عن يار على الطويل الخراسانى، انتهى.

ثم ولى المذكور فى الدولة الناصرية عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه، وأفتى ودرس، وأكب على الإشغال والتصنيف إلى أن ولى فى الدولة المؤيدية شيخ نظر الأحباس، وصار من أعيان فقهاء الحنفية، وأرخ وكتب، وجمع وصنف، وبرع فى علوم كثيرة: كالفقه، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ، وشارك فى الحديث، وسمع الكثير فى مبدأ أمره، وقرأ بنفسه، وسمع التفسير والحديث والعربية.

فمن التفسير: تفسير الزمخشرى، وتفسير النسفى، وتفسير السمرقندى.

ومن الحديث: الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وسنن البيهقى والدارقطنى، ومسند عيد بن حميد، والمعاجم الثلاثة للطبرانى، وغير ذلك.

ومن العربية: المفصل للزمخشرى والألفية لابن مالك فى النحو وغيرهما.

وتصدى للإقراء سنين، واستمر على ذلك إلى أن طلبسه الملك الأشرف برسباى، وأخلع عليه باستقراره قاضى قضاة الحنفية بالديار المصرية فى يوم الخميس سابع عشرين ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، بعد عزل قاضى القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهنى، وخلع على التفهنى بمشيخة خانقاه شيخو بعد

ص: 7

موت شيخ الإسلام سراج الدين عمر قارئ الهداية، فباشر المذكور وظيفة القضاء بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، لقربه من الملك، ولخصوصيته به، ولكونه ولى القضاء من غير سعى.

وكان ينادم الملك الأشرف، ويبيت عنده فى بعض الأحيان، وكان يعجب الأشرف قراءته فى التاريخ، كونه كان يقرأه باللغة العربية ثم يفسر ما قرأه باللغة التركية، وكان فصيحا فى اللغتين.

وكان الملك الأشرف يسأله عن دينه، وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها، وكان العينى يجيبه بالعبارة «التى» تقرب من فهمه، ويحسن له الأفعال الحسنة، حتى سمعت الأشرف فى بعض الأحيان يقول: لولا العنتابى ما كنا مسلمين، انتهى.

واستمو فى القضاء إلى أن صرف وأعيد التفهنى فى يوم الخميس سادس عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وفى اليوم المذكور أيضا صرف قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر بقاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى.

فلزم المذكور داره أياما يسيرة، وطلبه السلطان إلى عنده، وصار يقرأ له على عادته، ثم ولاه حسبة القاهرة فى يوم السبت رابع شهر ربيع الآخر من السنة، عوضا عن الأمير إينال الششمانى، وكان الششمانى ولى الحسبة إلى أن أعيد إلى القضاء فى سابع عشرين جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، عوضا عن التفهنى بحكم طول مرض موته.

باشر القضاء والحسبة والأحباس معا مدة طويلة، إلى أن صرف عن الحسبة بالأمير صلاح الدين بن حسن بن نصر الله، واستمر فى القضاء ونظر الأحباس

ص: 8

إلى أن توفى الملك الأشرف برسباى فى ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، وصار الأتابك جقمق العلائى مدبر مملكته، عزله جقمق المذكور عن القضاء بشيخ الإسلام سعد الدين سعد بن محمد الديرى فى يوم الإثنين ثالث عشر المحرم سنة اثنين وأربعين وثمانمائة، فلزم المذكور داره مكبا على الإشغال والتصنيف إلى أن ولاّه الملك الظاهر جقمق حسبة القاهرة مرتين، لم تطل مدته فيهما، الأولى عن الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدى، والثانية عن يار على الطويل.

ثم ركدت ريحه، وضعف عن الحركة لكبر سنه، واستمر مقيما بداره إلى أن خرجت عنه الأحباس لعلاء الدين على بن محمد بن الزين، أحد نواب الحكم الشافعى وندماء الملك الظاهر جقمق، فى سنة ثلاث وخمسين، فعظم عليه ذلك لقلة موجوده، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفى ليلة الثلاثاء رابع ذى الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد بالجامع الأزهر، ودفن بمدرسته بجوار داره، رحمة الله.

وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه.

وكان بارعا فى عدة علوم، مفندا، عالما بالفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، واللغة، مشاركا فى غيرهم مشاركة حسنة، أعجوبة فى التاريخ، حلو المحاضرة، محفوظا عند الملوك - إلا الملك الظاهر جقمق -، كثير الإطلاع، واسع الباع فى المعقول والمنقول، لا يستنقض إلا متعرض، قلّ أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة.

ص: 9

ومصنفاته كثيرة الفوائد، وأخذت عنه، واستفدت منه، ولى منه اجازة بجميع مروياته وتصانيفه.

وكان شيخا أسمو اللون، قصير، مسترسل اللحية، فصيحا باللغة التركية، لكلامه فى التاريخ وغيره طلاوة، وكان جيد الخط، سريع الكتابة، قيل أنه كتب كتاب القدورى فى الفقه فى ليلة واحدة فى مبادئ أمره، وكانت مسوداته مبيضات، وله نظم ونثر، ليسا بقدر علمه.

ومن مصنفاته: شرح البخارى فى مجلدات كثيرة نحو العشرين مجلد، وشرح الهداية فى الفقه، وشرح الكنز فى الفقه، وشرح مجمع البحرين فى الفقه أيضا، وشرح تحفة الملوك، وشرح الكلم الطيب لابن تيمية، وشرح قطعة من سنن أبى داود، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام، وشرح العوامل المائة، وشرح الجار بردى، وكتاب فى المواعظ والرقائق فى ثمان مجلدات، ومعجم مشايخه فى مجلد، ومختصر فى الفتاوى الظهيرية، ومختصر المحيط، وشرح التسهيل لابن مالك مطولا ومختصرا، وشرح شواهد الألفية لابن مالك، وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقة وعدوه، وانتفع بهذا الكتاب غالب علماء عصره، وشرح معانى الآثار للطحاوى فى ثنتى عشر مجلدة، وكتاب طبقات الشعراء، وحواشى على شرح الألفية لابن مالك، وكتاب طبقات الحنفية، والتاريخ الكبير على السنين فى عشرين مجلدة، واختصره فى ثلاث مجلدات، والتاريخ الصغير فى ثلاث مجلدات، وعدة تواريخ أخر، وحواشى على شرح السيد عبد الله، وشرح الساوية فى العروض، واختصر تاريخ «دمشق الكبير لابن عساكر، وله مصنفات» أخر لم يحضرنى الآن ذكرها. وفى الجملة كان من العلماء الأعلام، رحمة الله تعالى.

ص: 10

‌المخطوط ومنهج التحقيق:

مخطوط «عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان» كتاب فى التاريخ العام، ذكر المؤلف فى مقدمته:«قد كنت جمعت فى حداثة سنى وعنفوان شبابى تاريخا من مبدأ الدنيا إلى سنة خمس وثمانمائة، حاويا لقصص الأنبياء عليهم السلام، وما جرى فى أيامهم، وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما جرى بعده بين الخلفاء والملوك فى كل زمان، مع الإشارة إلى وفيات الأعيان، متوجا بذكر الملكوت العلوية، والملكوت السفلية، ثم بدا لى أن أنقحه بأحسن منه ترتيبا، وأوضح تركيبا، مع زيادات لطيفة، ونوادر شريفة، وضبط ما يقع فيه من المبهمات من أسامى الرجال والأمكنة المذكورات وترجمته بعقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان، وفصلته على فصول، تسهيلا للحصول، متوجا بمقدمة تنبئ عن أصل التاريخ، ومعناه، وعن سبب وضعه ومبناه.» .

وقد قدم حوادث كل سنة على وفيات أعيانها، ورتب ما بعد الهجرة على السنين، وانتهى فيه إلى آخر سنة 850 هـ.

وما وصل إلينا من هذا الكتاب بخط المؤلف أجزاء متناثرة فى مكتبات متعددة فى أنحاء العالم، كما وجدت نسخ أحرى غير كاملة كتبت فيما بعد، ومن أشهر ما وجد من هذا الكتاب نسخة ملفقة من ثلاث نسخ مخطوطة محفوظة بمكتبة ولى الدين باستانبول: النسخة الأولى منقولة عن خط المؤلف بخط محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد الأنصارى الخزرجى الإخميمى الحنفى، كتبها بالقاهرة فيما بين سنة 893 هـ، وسنة 898 هـ، والنسخة الثانية بخط الشيخ عبد الله بن عيسى بن إسماعيل العمرى الأزهرى المالكى كتبها سنة 891 هـ، والنسخة الثالثة بخط المؤلف.

ص: 11

وتقع هذه النسخة الملفقة فى 23 جزءا فى 69 مجلدا، وعن هذه النسخة صورة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1584 تاريخ، وعنها أيضا نسخة كتهت حديثا وتقع فى 28 مجلدا تحت رقم 8203 م.

كما توجد بدار الكتب المصرية ست مجلدات من هذا الكتاب كتبت سنة 1290 هـ تحت رقم 71 م.

كما توجد أجزاء من نسخ أخرى، بعضها بخط المؤلف فى مكتبة أحمد الثالث تحت رقم 2911، ومكتبة سليم أغا تحت رقم 835، ومن هذه الأجزاء نسخة مصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة.

كما يوجد جزء من مختصر عقد الجمان للمؤلف، وهو المعروف باسم «تاريخ البدر فى أوصاف أهل العصر» ، محفوظ بمكتبة المتحف البريطانى بلندن تحت رقم. Add .06322

ولعل ضخامة الكتاب التى قد تصل فى بعض النسخ إلى 69 مجلدا من الأمور التى جعلت أمر تحقيق الكتاب ونشره أمرا صعبا، ويكاد أن يكون بعيد المنال، ولذلك اقترحت على مركز تحقيق التراث بالهيئة المصرية العامة للكتاب أن يقسم الكتاب إلى عصور تاريخية، ويتم تحقيق ونشر كل عصر منها على حدة، وعلى يد أحد المتخصصين والمهتمين بهذا العصر، وبذلك يخرج هذا المخطوط إلى النور، ويصبح فى متناول الباحثين والدارسين للتاريخ الإسلامى والوسيط.

ورأيت أن أبدأ بعصر سلاطين المماليك، فهو أقرب لى من حيث التخصص الدقيق، وفى نظرى هو أهم أجزاء الكتاب، فكما رأينا من ترجمة ابن تغرى بردى

ص: 12

للمؤلف أنه عاش ومات فى عصر سلاطين المماليك، وكان شاهد عيان على عصره بحكم كونه مؤرخا، وبحكم الوظائف التى تقلدها، حتى أنه يمكن أن نطلق على العينى أنه المؤرخ الرسمى للدولة فى عصر السلطان برسباى.

ولم يكن العينى فيما نقله عن بدايات العصر المملوكى مجرد ناقل، ولكنه كان باحثا ومدققا وناقدا لما ينقله ويكتبه عن الآخرين، وذلك فى حدود ما تسمح به هذه المعانى فى عصر اعتبر التأليف هو جمع وتلخيص لما كتبه الآخرون.

ويكفى للتدليل على ذلك ما ورد بهذا الجزء - الذى نقدمه للقارئ اليوم - على سهيل المثال لا الحصر، مناقشة العينى لتاريخ سلطنة المعز أيبك وأنها كانت سنة 650 هـ وليس سنة 648 هـ كما ذكر المؤرخون الآخرون، وعلل العينى هذا اللبس بأن أيبك بويع بالسلطنة سنة 648 هـ لمدة خمسة أيام فقط، ثم عزل عن السلطنة، وظل أتابكا

(1)

.

كذلك ربط العينى بين زواج أيبك من شجر الدر وسلطنته الثانية - نقلا عن بيبرس الدوادار - وأن ذلك كان سنة 649 هـ،

(2)

مناقضا بذلك رواية المقريزى المتداولة بين المؤرخين المحدثين، والتى تردد القول بأن شجر الدر تزوجت من أيبك وتنازلت له عن السلطنة سنة 648 هـ، إذ يقول المقريزى «وتزوج الأمير عز الدين أيبك بشجر الدر فى تاسع عشرى ربيع الآخر، وخلعت نفسها من مملكة مصر ونزلت له عن الملك

(3)

».

(1)

انظر ما يلى ص 36، ص 67.

(2)

انظر ما يلى ص 53، ص 54.

(3)

السلوك ج 1 ص 368.

ص: 13

ومثال ذلك أيضا ما ذكره العينى - فى هذا القسم - عن وفاة السلطان الملك غياث الدين كيخسرو - صاحب بلاد الروم - واستقلال أولاده بالسلطنة، فقال: «وقد خبط نفر من المؤرخين فى تاريخ وفيات هؤلاء وتاريخ ولاياتهم، منهم: بيبرس الدوادار، والصواب ما ذكرناه

(1)

».

من هذه الأمثلة يتضح لنا أهمية ما كتبه العينى عن عصر سلاطين المماليك، حتى فى الأجزاء التى لم يعاصرها ونقلها عن غيره، فإنه نقل، ونقد ما نقله، ثم أدلى برأيه فى هذه الأقوال.

ويعتمد تحقيق الاجزاء الخاصة بعصر سلاطين المماليك على إتخاذ ما وجد من أجزاء بخط المؤلف أساسا للتحقيق والنشر مع مقابلتها على ما يوجد من نسخ أخرى، أما الأجزاء التى لم تصلنا بخط المؤلف، ومنها هذا القسم، فالاعتماد سيكون أساسا على أقدم النسخ، وفى جميع الأحوال ستجرى مقابلة النص على مصادره الأصلية التى نقل عنها العينى - إن وجدت -، وعلى المصادر الأساسية المعاصرة والتى تتناول نفس الأحداث.

ويعتمد نشر الجزء الأول (648 - 664 هـ)، وكذلك الجزء الثانى (665 - 688 هـ) من القسم الخاص بعصر سلاطين المماليك على النسخة التى كتبها محمد بن أحمد بن محمد الإخميمى بالقاهرة سنة 895 هـ، وهما عبارة عن المجلدان الثالث والرابع (الورقة 311 - 727) من الجزء 18 من النسخة الملفقة،

(1)

انظر ما يلى ص 147.

ص: 14

والمحفوظ صورتان بدار الكتب المصرية تحت رقم 1584 تاريخ، فقد جاء بآخر هذا الجزء «وكان الفراغ من كتابة هذا الجزء فى ضحوة يوم الثلاثاء السابع من شهر جمادى الأولى عام خمس وتسعين وثمانمائة على يد أفقر عبيد الله وأحوجهم إلى عفوه ورحمته ومغفرته محمد بن أحمد بن محمد الإخميمى الأنصارى الحنفى بمنزله بباب الجوانية داخل باب النصر بالقاهرة المحروسه، حامدا لله، ومصليا على رسوله، ومسلما، ومحسبلا، ومهللا، ومحوقلا» .

ويعتمد التحقيق على التعريف بالشخصيات والأعلام المشاركة فى الأحداث، والإشارة إلى مصادر ترجمتها، وشرح المصطلحات التاريخية، والألفاظ اللغوية، والتعريف بالأماكن

الخ وذلك فى شرح مختصر، وذلك عند ورودها لأول مرة.

وسيجرى - إن شاء الله - نشر الأجزاء الخاصة بعصر سلاطين المماليك فى أجزاء متتابعة بحيث يحتوى كل جزء على تحقيق ونشر أحداث وتراجم عدد من السنوات ستوضح على غلاف كل جزء، دون ارتباط بعصر سلطان معين، أو فترة متساوية من عدد السنين، ذلك أن المؤلف يلجأ أحيانا إلى التوسع، ويلجأ أحيانا إلى الاختصار، ولم يكن أمامنا سوى تقسيم الكتاب إلى أجزاء شبه متساوية من حيث الحجم، تضم عددا من السنوات تزيد أو تنقص تبعا لتوسع المؤلف أو إيجازه.

وسيزود كل جزء بفهارس تفصيلية تسهل الاستفادة من كل جزء على حدة.

وفى ختام هذه المقدمة لا يسعنى إلا أن أتقدم بالشكر إلى كل من الأستاذ محمد كامل شحاته، وكيل الوزارة، ورئيس قطاع دار الكتب والوثائق القومية،

ص: 15

والأستاذ على عبد المحسن زكى مدير عام مركز تحقيق التراث، لما قاما به من تذليل للصعوبات والمعوقات الإدارية، وتوفير هما للمصادر والمخطوطات والمصورات التى احتجت إليها عند تحقيق هذا الجزء.

كما أوجه الشكر إلى الباحثين - أعضاء لجنة التاريخ - بمركز تحقيق التراث الذين شاركوا فى مقابلة المخطوط على المصادر المعاصرة فى هذا الجزء، كما شاركوا فى إعداد كشافات الكتاب، ومراجعة تجارب المطبعة، وهم: السيدة/نجوى مصطفى كامل، والسيد/على صالح حافظ، والسيد/عوض عبد الحليم حسن، والسيدة/إلهام محمد خليل، كما أوجه الشكر إلى السيد/عبد المنعم عبد الفتاح الناسخ بمركز تحقيق التراث.

وبعد فالكمال لله وحده، ولا يسعنى إلا أن أذكر قوله تعالى:«رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» ، وأدعوه سبحانه وتعالى أن يوفقنا لإتمام هذا العمل، ولخدمة التراث الإسلامى.

والله ولى التوفيق.

مسقط فى 29 ربيع الثانى 1407 هـ

1 يناير 1987 م

دكتور محمد محمد أمين

ص: 16

[311]

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثامنة والأربعين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة هو: المستعصم بالله

(1)

.

وسلطان الديار المصرية: الملك المعظم تورانشاه

(2)

بن الملك الصالح نجم الدين، ولكنه ما أقام فى السلطنة إلا يسيرا، وقتل على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.

وبقية أصحاب البلاد وملوك الأطراف على حالهم، غير صاحب اليمن

(3)

، فإنه قتل أيضا فى هذه السنة على ما نذكره إن شاء الله.

‌ذكر كسر الفرنج وأخذ ريد افرنس أسيرا:

قد ذكرنا فى السنة الماضية من القتال مع الفرنج

(4)

، وكانوا قد ضعفوا لأجل انقطاع المدد والميرة عنهم من دمياط، فإن المسلمين قطعوا الطريق الواصل إليهم [312] من دمياط، فلم يبق لهم صبر على المقام، فرحلوا ليلة الأربعاء

(*) يوافق أولها الثلاثاء 5 إبريل 1250 م.

(1)

هو عبد الله بن منصور بن أحمد بن الحسن بن يوسف، أمير المؤمنين المستعصم بالله، قتل على يد التتار سنة 656 هـ/ 1258 م - انظر ترجمته فيما يلى وفيات سنة 656 هـ.

(2)

قتل فى نفس السنة - انظر ترجمته فيما يلى.

(3)

هو عمر بن على بن رسول، الملك المنصور، انظر ترجمته فيما يلى.

(4)

المقصود جيوش لويس التاسع قائد الحملة الصليبية السابعة.

ص: 17

لثلاث مضين من المحرم من هذه السنة متوجهين إلى دمياط، وركبت المسلمون أكتافهم، ولما أسفر صباح يوم الأربعاء خالطهم المسلمون، وبذلوا فيهم السيف، ولم يسلم منهم إلا قليل، وبلغت عدة الموتى من الفرنج ثلاثين ألفا، وإنحاز ريد افرنس

(1)

ومن معه من الملوك والأمراء إلى تل هناك.

قال المؤيد

(2)

: إلى بلد هناك، فطلبوا الأمان، فآمنهم الطواشى محسن الصالحى، ثم احتيط عليهم وأحضروا إلى المنصورة

(3)

.

قال أبو شامة

(4)

: وأسر ريد افرنس وأخوه

(5)

، وجماعة من خواصّه، كانوا اختفوا فى منية عبد الله من ناحية شرمساح

(6)

، فأخذوا [برقابهم

(7)

]، وقيدوا

(1)

ريد افرنس: يقول المقريزى: لقب بلغة الفرنج معناه ملك افرنس، السلوك ج 1 ص 333 والمقصود. Roi de France

(2)

هو إسماعيل بن على بن محمد بن محمود عماد الدين، أبو الفدا الملك المؤيد، صاحب حماة المتوفى سنة 732 هـ/ 1331 م، وصاحب كتاب المحتصر فى أخبار البشر الذى ينقل عنه العينى فى هذا الجزء.

(3)

المختصر ج 3 ص 181.

(4)

هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، شهاب الدين، أبو القاسم، المتوفى سنة 665 هـ / 1268 م، وصاحب كتاب الروضتين فى أخبار الدولتين، وكتاب ذيل تاريخ أبى شامة، والكتاب الأخير هو الذى ينقل عنه العينى فى هذا الجزء.

(5)

كان للويس التاسع فى حملته هذه ثلاثة أخوه هم: روبرت كونت أرتوا Count Of Artois Ropert . الذى قتل بالمنصورة، ألفونسو كونت بواتو Alphonse Of Poiton وشارل كونت أنجو، Charles of Anjou وقد أسر المسلمون الثانى والثالث، ثم أبقوا الثانى فى الأسر حتى تدفع الفدية - أنظر رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية ج 3 ص 443، 453، 460، 466، 471.

(6)

شرمساح - شارمساح: قرية كبيرة من القرى القديمة، على الضفة الشرقية لفرع دمياط، وهى حاليا تابعة لمركز فارسكور من أعمال محافظة دمياط. القاموس الجغرافى ق 2 ج 1 ص 243.

(7)

إضافة من ذيل تاريخ أبى شامة ص 184: وهى آخر الجملة التى نقلها العينى، والموجودة بالمطبوع من ذيل تاريخ أبى شامة.

ص: 18

ريد افرنس، وجعل فى الدار التى كان ينزلها كاتب الإنشاء فخر الدين [بن

(1)

] لقمان، ووكل به الطواشى صبيح المعظمى.

وقال بيبرس

(2)

: وكان للبحرية النجمية فى هذه الوقعة الحظ الأوفى، والقدح المعلى.

وفى المرآة

(3)

: وفى أول ليلة من سنة ثمان وأربعين وستمائة كان المصاف بين الفرنج والمسلمين على المنصورة، بعد وصول الملك المعظم توران شاه إلى المخيم، ومسك الأفرنسيس وهو ريد افرنس

(4)

، وقتل من الفرنج مائة ألف، ووصل كتاب المعظم توران شاه، يعنى إلى دمشق، إلى نائبها جمال الدين ابن يغمور

(5)

:

(1)

[بن] إضافة من السلوك ج 1 ص 356، وهو إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد، الوزير فخر الدين، المتوفى سنة 693 هـ/ 1293 م - المنهل ج 1 ص 136 رقم 63.

(2)

هو بيبرس بن عبد الله المنصورى الدوادار، المتوفى سنة 725 هـ/ 1324 م، وصاحب كتاب زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة، والذى ينقل عنه العينى فى هذا الجزء وسوف نقتصر على الإشارة إلى هذا الكتاب حيث توجد الأحداث فى المخطوط الذى بين أيدينا.

(3)

هو كتاب مرآة الزمان فى تاريخ الأعيان، نشر منه الجزء الثامن فى قسمين - حيدر أباه 1952، لمؤلفه يوسف بن قزأوغلى، شمس الدين أبو المظفر، المعروف بسبط ابن الجوزى، المتوفى سنة 654 هـ/ 1256 م - أنظر ترجمته بالمنهل الصافى.

(4)

«بعد مجى الملك تورانشاه إلى الخبيث الأفرانسيس» فى مرآة الزمان ج 8 ق 2 ص 778.

(5)

«إلى نائبها جمال الدين بن يغمور» ساقط من مرآة الزمان، وقد توفى جمال الدين بن يغمور سنة 648 هـ/ 1250 م - مرآة الزمان ج 8 ص 780.

ص: 19

الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن، {(وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

(1)

، {(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللهِ، «يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»

(2)

، {(وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)}

(3)

، {(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها)}

(4)

؛ نبشر المجلس السامى

(5)

الجمالى، بل نبشر الإسلام

(6)

كافة بما منّ الله به على المسلمين من الظفر بعدوّ الدين، فإنه كان قد استفحل أمره، واستحكم شره، ويئس

(7)

العباد من الأهل والأولاد، فنودوا:

{(وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ [إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ)}

(8)

الآية

(9)

] ولما كان يوم الأربعاء مستهل السنة المباركة تمم الله على الإسلام بركتها، فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح، وجمعنا العربان، والمطوعة، واجتمع خلق

(10)

[عظيم

(11)

] لا يحصيهم إلا الله تعالى، وجاءوا

(12)

من كل فج عميق، ومن كل

(13)

مكان

(1)

سورة آل عمران رقم 3 جزء من الآية 126، أو سورة الأنفال رقم 8 جزء من الآية رقم 10.

(2)

سورة الروم رقم 30 آية رقم 4، 5، وفيما بين «» ساقط من السلوك ج 1 ص 356.

(3)

سورة الضحى رقم 93 آية رقم 11.

(4)

سورة إبراهيم رقم 14 آية رقم 34.

(5)

من ألقاب كبار الأمراء فى العصر الأيوبى - انظر الألقاب الإسلامية ص 316، ص 455.

(6)

«المسلمين» فى السلوك ج 1 ص 357.

(7)

«وأيس» فى الأصل، ومرآة الزمان والتصحيح من السلوك.

(8)

سورة يوسف رقم 12 جزء من الآية رقم 87.

(9)

[] إضافة من مرآة الزمان ج 8 ص 778.

(10)

«وخلقا» فى السلوك.

(11)

[عظيم] إضافة من مرآة الزمان ج 8 ص 778.

(12)

«فجاءوا» فى السلوك.

(13)

«من كل» ساقط من السلوك.

ص: 20

[بعيد

(1)

] سحيق، «ولما رأى العدو ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع عليه

(2)

الإتفاق بينهم وبين [313] الملك الكامل رحمه الله، فأبينا، «ولما كان فى الليل

(3)

»، تركوا خيامهم، وأثقالهم، وأموالهم

(4)

، وقصدوا دمياط هاربين، «فسرنا

(5)

فى آثارهم طالبين

(6)

»، وما زال السيف يعمل فى أدبارهم عامّة الليل، وقد

(7)

حل بهم الخزى والويل: فلما أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا، غير من ألقى نفسه فى اللجج، وأما الأسرى فحدّث عن البحر ولا حرج، والتجأ الفرنسيس إلى المنية

(8)

، وطلب الأمان فآمناه، وأخذناه، وأكرمناه، وتسلمنا دمياط

(9)

بعون الله ولطفه

(10)

.

وقال أبو شامة: وفى يوم الأربعاء سادس عشر المحرم وصل إلى دمشق غفارة

(11)

ملك افرنسيس المأسور، أرسلها السلطان المعظم إلى نائبه بدمشق الأمير

(1)

[بعيد] إضافة من مرآة الزمان ج 8 ص 778.

(2)

«عليه» ساقط من مرآة الزمان ج 8 ص 779.

(3)

«» ساقط من السلوك، وبدلا منه «فلما كان ليلة الأربعاء» .

(4)

«وأموالهم وأثقالهم» فى نهاية الأرب والسلوك.

(5)

«ونحن» فى نهاية الأرب.

(6)

«» ساقط من السلوك.

(7)

«قد» ساقط من السلوك.

(8)

هى منية أبى عبد الله، وتعرف حاليا باسم «مبت الخولى عبد الله» وهى على الشاطئ الشرقى لفرع دمياط، وتتبع مركز فارسكور بمحافظة دمياط.

(9)

«دمياط» ساقط من مرآة الزمان. ولم يتسلم المصريون دمياط إلا بعد قتل توران شاه - أنظر ما يلى.

(10)

«بعون الله وقوته، وجلاله وعظمته» فى مرآة الزمان ونهاية الأرب والسلوك.

(11)

غفارة - غفائر: المعطف - محيط المحيط.

ص: 21

جمال الدين موسى بن يغمور، فلبسها، فرأيتها عليه، وهى أشكرلاط أحمر

(1)

، تحته فروسنجاب، فيها بكلة

(2)

ذهب، فنظم صاحبنا الفاضل الزاهد نجم الدين محمد بن إسرائيل مقطعات ثلاثيا إرتجالا، كل قطعة بيتين فى مدح السلطان، والأمير. أحديها

(3)

:

إن غفارة الفرنس التى

جاءت حباء لسيد الأمراء

كبياض القرطاس فى اللون لكن

(4)

صبغتها سيوفنا بالدماء

(5)

والثانية: مخاطبة للأمير:

يا واحد العصر الذى لم يزل

يحوز فى نيل المعالى المدا

لا زلت فى عز وفى رفعة

تلبس أسلاب ملوك العدا

والثالثة: كتبها الأمير مقدمة

(6)

كتاب إلى السلطان:

أسيد أملاك الزمان

(7)

بأسرهم

تنجزت من نصر الإله وعوده

فلا زال مولانا يبيح حمى العدا

ويلبس أسلاب الملوك عبيده

ثم إن الملك المعظم توران شاه رحل إلى فارسكور ونصب بها برج خشب،

(1)

أشكرلاط أحمر: نوع من القماش. معجم دوزى.

(2)

بكلة: لفظ فارسى معناه مشبك.

(3)

«أحدهما» فى الذيل على الروضتين ص 184.

(4)

«كبياض القرطاس لونا» فى السلوك ج 1 ص 358 ونهاية الأرب، «بياض» فى الذيل على الروضتين.

(5)

«بدماء» فى الذيل على الروضتين.

(6)

«مقدم» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(7)

«الزمن» فى السلوك ج 5 ص 358.

ص: 22

وأرسل إلى ابن أبى علىّ

(1)

نائب القاهرة بأمره بالقدوم عليه، واستناب بالقاهرة الأمير جمال الدين أقوش النجمى، وأعرض عن مماليك والده، وأهمل جانبهم، وهم الذين أبلوا فى غزو الفرنج بلاء حسنا، فوجدوا فى نفوسهم لما بلغهم عنه من التهديد والوعيد، فاجتمعوا على إعدامه؛ وتعجيل حمامه.

‌ذكر قتل الملك المعظم توران شاه:

‌والكلام فيه على أنواع:

‌الأول فى ترجمته:

وهو السلطان الملك المعظم [314] تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبى بكر بن الأمير نجم الدين أيوب، كان أبوه ولاه حصن كيفا فى الشرق، ثم كان يستدعيه فلا يجيبه، فلذلك كان يكرهه، ولأجل خفة فيه أيضا وخلاعة وهوج، فلذلك لم يوص إليه بالملك؛ مع أنه لم يخلف ولدا غيره، لأن ولده الواحد مات بدمشق، وولده المغيث توفى معتقلا بها كما ذكرناه

(2)

، وولده خليل المولود من شجر الدرّ، لم يلبث إلا قليلا ومات طفلا

(3)

.

قال السبط: وحكى لى الأمير حسام الدين بن أبى علىّ قال: كنا نقول للملك الصالح أيوب: ما ترسل إلى ولدك توران شاه وتحضره إلى ها هنا. فيقول:

دعونا من هذا، فلحينا عليه يوما فقال: أجيبه إلى ها هنا أقتله

(4)

.

(1)

هو الحسن بن محمد، الأمير حسام الدين الهذبانى، توفى سنة 658 هـ/ 1260 م - شذرات الذهب ج 1 ص 296.

(2)

انظر أحداث سنة 642 هـ.

(3)

السلوك ج 1 ص 342.

(4)

انظر النجوم الزاهرة ج 6 ص 328، فوات الوفيات ج 1 ص 263.

ص: 23

‌الثانى: فى سبب قتله:

وكان قتله لأمور بدت منه، فنفرت عنه القلوب، فاتفقوا على قتله.

منها: أنه كان فيه خفة.

قال السبط: بلغنى أنه لما دخل كان يجلس على السماط، فإذا سمع فقيها يذكر مسألة وهو بعيد منه، يصيح هو: لا نسلم. ومنها: أنه احتجب عن الناس أكثر من أبيه، وما ألفوا من أبيه ذلك، وكذا سمع مماليك أبيه منه، ما ألفوا من أبيه ذلك. ومنها: أنه كان إذا سكر يجمع الشموع ويضرب رءوسها بالسيف فيقطعها ويقول: كذا أفعل بالبحرية.

ومنها: أنه كان يسمى مماليك أبيه بأسمائهم.

ومنها: أنه قدّم الأرذال والأندال، وأبعد الأماثل والأكابر.

ومنها: أنه أهان مماليك أبيه الكبار.

ومنها: أنه كان قد وعد أقطاى

(1)

بأن يؤمره، ولم يف له؛ فاستوحش منه.

ومنها: أنه كان يهدّد أم خليل

(2)

، ويطلب المال والجواهر، فخافت منه، وارتفقت معهم.

‌الثالث: فى كيفية قتله:

قال السبط: لما كان يوم الإثنين السابع والعشرين

(3)

من المحرّم جلس المعظم

(1)

هو أقطاى بن عبد الله الجمدار النجمى الصالحى، المتوفى سنة 652 هـ/ 1254 م - المنهل ج 2 ص 502 رقم 505.

(2)

هى شجر الدر، قتلت سنة 655 هـ/ 1257 م - انظر المنهل، وانظر ما يلى.

(3)

«فلما كان يوم الإثنين - سادس أو سابع عشرين المحرم» نهاية الأرب و «سادس عشرى» فى السلوك ج 1 ص 359.

ص: 24

على السماط، فضربه بعض المماليك البحرية بالسيف، فتلقاه بيده، فقطع بعض أصابعه، وقام فدخل البرج

(1)

وصاح: من جرحنى؟

قالوا: الملحدة الحشيشية

(2)

. قال: لا والله إلا البحرية

(3)

؛ والله لا أبقيت منهم بقية، واستدعى المزين

(4)

فخيط يده وهو يتوعدهم [315]، فقال بعضهم لبعض: تموه وإلا أبادكم، فدخلوا عليه، فانهزم إلى أعلا البرج، فأوقدوا النيران حول البرج، ورموه بالنشاب، فرمى بنفسه، وهرب نحو البحر وهو يقول: ما أريد الملك، دعونى أرجع إلى الحصن، يا للمسلمين

(5)

ما فيكم من يصطنعنى ويجبرنى، والعساكر كلها واقفة، فما أجابه أحد، والنشاب تأخذه، وكذا لما صعد إلى البرج رموه بالنشاب، فتعلق بذيل أقطاى، فما أجاره

(6)

، فقطعوه قطعا، وبقى على جانب البحر ثلاثة أيام منتفخا، ما يتجاسر أحد أن يدفنه، حتى شفع فيه رسول الخليفة، فحمل إلى ذلك الجانب فدفن، وكان

(7)

الذين باشروا قتله أربعة.

(1)

«برجا» فى مرآة الزمان ج 8 ص 782.

(2)

الحشيشية أو الحشاشون: اسم أطلق على طائفة الباطنية من الشيعة الإسماعيلية، الذين كانوا أتباع الحسن بن الصباح، الذى ظهر فى أواخر القرن 5 هـ/ 11 م، وتوارث أتباعه مذهبه، وكانوا يعملون على اغتيال خصومهم.

(3)

البحرية: طائفة المماليك البحرية التى أسسها الملك الصالح نجم الدين أيوب.

(4)

«الجرائحى» فى نهاية الأرب، وهو الطبيب الجراح.

(5)

«يا مسلمين» فى مرآة الزمان ج 8 ص 782.

(6)

«فما أجاروه» فى مرآة الزمان ج 8 ص 782.

(7)

فى مرآة الزمان فى هذا الموضع جملة اعتراضية نصها: «ولما قتلوه دخلوه على الإفرنسيس الخيمة بالسيوف وقالوا: نريد المال، فقال: نعم، أطلقوه وسار إلى عكا على ما اتفقوا عليه معه» - ج 8 ص 782، 783. ويبدو أن هذه العبارة وضعت فى غير موضعها فى النسخة المطبوعة من مرآة الزمان.

ص: 25

قال سعد الدين مسعود بن تاج الدين شيخ الشيوخ: حكى لى [رجل]

(1)

صادق أن أباه الملك الصالح أيوب قال لمحسن الخادم: إذهب إلى أخى العادل إلى الحبس، وخذ معك من المماليك من يخنقه، فعرض المحسن ذلك على جميع المماليك، فامتنعوا بأسرهم

(2)

إلا هؤلاء الأربعة، فإنهم مضوا معه وختقوه، فسلطهم الله تعالى على ولده حتى قتلوه أنحس قتلة وأقبحها، ومثلوا به أعظم مثله كما

(3)

فعل بأخيه.

وفى تاريخ النويرى: اجتمعت البحرية على قتله بعد نزوله بفارسكور، وهجموا عليه بالسيوف، وكان أوّل من ضربه ركن الدين بيبرس الذى صار ملك مصر فيما بعده، فهرب المعظم منهم إلى البرج الخشب الذى نصب له بفارسكور كما ذكرنا، فاطلقوا فى البرج النار، فخرج المعظم من البرج هاربا طالبا للبحر ليركب فى حراقته، فحالوا بينه وبينها بالنشاب، فطرح نفسه فى البحر فأدركوه وأتمّوا قتله فى يوم الإثنين المذكور، وكانت مدّة إقامته فى الملك من حين وصوله إلى الديار المصرية شهرين وأياما

(4)

.

وقال أبو شامة: جرح فى يده فى دهليز الخدمة بعد السماط، فانهزم ودخل برج خشب، فأحرق، فرمى بنفسه منه إلى ناحية النيل، فأدرك، وقطع بقرية فارسكور.

(1)

[رجل] إضافة من مرآة الزمان ج 8 ص 783.

(2)

«بأمرهم» فى مرآة الزمان، وهو تحريف.

(3)

«مثلها» فى مرآة الزمان.

(4)

ملخصا لما ورد فى نهاية الأرب - مخطوط ج 27 ورقة 95.

ص: 26

وقال: أخبرنى من شاهد ذلك أنه ضرب أولا، فتلقى الضربة بيده

(1)

، فحرقت

(2)

يده، واختبط الناس، فأظهر أن ذلك كان من بعض الملحدة الحشيشية، ثم أشار بعضهم على الباقين بإتمام الأمر فيه. وقال بعد جرح الحية: لا ينبغى إلا [316] قتلها، فركبوا وتسلحوا، وأحاطوا بخيمته وبرجه الخشب، لأنه كان نازلا فى الصحراء بإزاء الفرنج، فدخل البرج خوفا منهم، فأمروا زراقا بإحراق البرج، فامتنع، فضربت عنقه، ثم أمروا زراقا آخر، فرمى البرج بنفط، فأحرقه، فخرج منه وناشدهم الله فى الكف عنه، والإقلاع عما نقموا عليه، وطلب تخلية سبيله، فلم يجب إلى شئ من ذلك، فدخل البحر إلى أن وصل الماء إلى حلقه، فرجع فضربه البندقدارى بالسيف، فرجع إلى الماء

(3)

، وقيل: ضربه ضربة واحدة على عاتقه، فنزل السيف من تحت إبط اليد الأخرى، فوقع قطعتين، وكان قتله فى أواخر محرم.

فانظر إلى هاتين الوقعتين

(4)

العظيمتين القريبتين

(5)

كيف اتفقتا فى شهر واحد، إحداهما

(6)

فى أوله: وهى كسرة الفرنج الكسرة العظمى التى استأصلتهم.

(1)

«بالسيف» فى الذيل على الروضتين، وهو تحريف.

(2)

«فجرحت» فى الذيل على الروضتين.

(3)

«فوقع فى الماء» فى الذيل على الروضتين.

(4)

«الواقعتين» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(5)

«الغريبتين» فى الذيل على الروضتين.

(6)

«إحديهما» فى الأصل.

ص: 27

والثانية فى آخره: قتل للسلطان المعظم على هذا الوجه الشنيع.

وحكى عن السيف بن شهاب جلدك والى القاهرة [، كان أبوه

(1)

]: أنه بقى على البرج وهو يستغيث برسول الخليفة: يا أبا عز الدين أدركنى، وتكرر ذلك، فركب فى أمره، وكلمهم فيه، فردّوه وخوفوه بالقتل والإحراق، وإخراق حرمة الخلفة، وجرى ما ذكرناه

(2)

.

قال السبط: وكانو قد جمعوا فى قتله ثلاثة أشياء

(3)

: السيف والنار والماء، فإنهم قتلوه وقد التجأ إلى البحر.

قال: وحكى لى العماد بن درباس قال: رأى جماعة من أصحابنا الملك الصالح أيوب فى المنام وهو يقول:

قتلوه شر قتله

صار للعالم مثله

لم يراعوا فيه إلا

لا ولا من كان قبله

ستراهم عن قريب

(4)

لأقل الناس أكله

فكان كما ذكر من اقتتال المصريين والشاميين، ومن عدم فيهم من أعيان الأمراء.

(1)

[] إضافة من الذيل على الروضتين للتوضيح.

(2)

انظر الذيل على الروضتين ص 185.

(3)

«أشياء» ساقط من مرآة الزمان.

(4)

«قليل» فى مرآة الزمان ج 8 ص 783.

ص: 28

‌ذكر سلطنة شجر الدّر حظية الملك الصالح أيوب

ولما قتلوا المعظم اجتمعت الأمراء واتفقوا على أن يقيموا شجر الدرّ فى المملكة، وأن يكون عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحى المعروف بالتركمانى أتابك العساكر، وحلفوا على ذلك، وخطب لشجر الدر على المنابر، وضربت السكة بإسمها، وكان نقش السكة: المستعصمية الصالحية، ملكة المسلمين، والدة الملك المنصور خليل، وكانت شجر الدرّ قد ولدته من الصالح أيوب ومات صغيرا كما ذكرناه،

(1)

[317] وكانت صورة علامتها على المناشير والتواقيع: والدة خليل المستعصمية.

‌ذكر تسلم دمياط من الفرنج ورحيل ريد افرنس:

ولما تم النصر الأعظم والفتح الأكبر بتسلم دمياط من الفرنج من ريد افرنس أفرج عنه عن الحبس، وكان المتحدّث مع ريد افرنس فى ذلك الأمير حسام الدين ابن أبى علىّ الهذبانى، لما يعلمون من عقله ومشورته، واقتداء مخدومهم بتدبيره، فتقرّر الاتفاق على تسليم دمياط وأن يذهب هو بنفسه سالما، فأرسل ريد افرنس إلى من بدمياط يأمرهم بتسليم البلد إلى المسلمين، فأجابوه إلى ذلك، ودخل العلم السلطانى إليها يوم الجمعة لثلاث مضين من صفر، وأفرج عن ريد افرنس، وانتقل هو ومن بقى من أصحابه إلى البر الغربىّ، وركب البحر هو

(1)

انظر ما سبق ص 23.

ص: 29

ومن معه، وأفلعوا إلى عكا، ووردت البشرى بذلك إلى البلاد، وضربت البشائر، وأعلنت الأفراح.

وفى كسرة ريد افرنس يقول القاضى جمال الدين بن مطروح

(1)

رحمه الله:

قل للفرنسيس إذا جئته

مقال حق صادر عن نصيح

(2)

آجرك الله على ما جرى

من قتل عباد يسوع المسيح

أتيت مصرا تبتغى ملكها

تحسب أن الزمر يا طبل ريح

فساقك الحين إلى أدهم

ضاق به عن ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أوردتهم

(3)

بحسن تدبيرك بطن الضريح

خمسون

(4)

ألفا لا يرى منهم

إلا قتيل أو أسير جريح

وفقك

(5)

الله لأمثالها

لعل عيسى منكم يستريح

إن كان باباكم

(6)

بذا راضيا

فرب غش قد أتى من نصيح

(7)

(1)

هو يحيى بن عيسى بن إبراهيم، أبو الحسن، ابن مطروح، جمال الدين، توفى سنة 649 هـ/ 1251 م - انظر ما يلى فى وفيات 649 هـ.

(2)

«مقال نصح من قؤول فصيح» فى السلوك ج 1 ص 363، و «مقال صدق عن قؤول نصيح» فى المختصر ج 3 ص 182.

(3)

«أودعتهم» فى السلوك.

(4)

«سبعون» فى السلوك.

(5)

«ألهمك» فى السلوك.

(6)

«الباب» فى السلوك، والمقصود البابا فى روما.

(7)

يوجد بعد هذا البيت البيت التالى:

فاتخذوه كاهنا إنه

أنصح من مشق لكم أو سطبح

السلوك ج 1 ص 364.

ص: 30

وقل لهم إن أضمروا

(1)

عودة

لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

(2)

دار بن لقمان على حالها

والقيد باق والطواشى صبيح

وذكر أن الفرنسيس لما توجه إلى بلاده جمع جموعا كثيرة ونزل على تونس

(3)

، فقال شاب من أهلها يعرف بابن الزيات

(4)

:

[318]

يا فرنسيس هذه أخت مصر

فتاهب لما إليه تصير

لك فيها دار لقمان قبر

وطواشيك منكر ونكير

وكان هذا منه فألا عليه، فإنه هلك وهو محاصر لها، وصالح أهلها ابنه على مال ورحل عنها.

‌ذكر عود العسكر إلى القاهرة:

ولما جرى ما ذكرنا عادت العساكر إلى القاهرة ودخلوها يوم الخميس تاسع صفر من هذه السنة، ولما دخلوا القاهرة أرسلوا رسولا إلى الأمراء الذين بدمشق فى موافقتهم على ذلك، فلم يجيبوا إليه.

وفى تاريخ بيبرس: وسيروا رسولا إلى دمشق لاستحلاف الأمير جمال الدين يوسف بن يغمور نائب السلطنة بها والأمراء القيمرية

(5)

وغيرهم، فغلطوا الرسول ولم يجيبوه إلى ذلك.

(1)

«إن أزمعوا» فى السلوك.

(2)

«أو لفعل قبيح» فى السلوك.

(3)

انظر شمال أفريقيا والحركة الصليبية - مجلة الدراسات الأفريقية - العدد الثالث 1974.

(4)

هو أحمد بن إسماعيل الزيات - السلوك ج 1 ص 365.

(5)

القيمرية: نسبة إلى قيمر: قلعة بين الموصل وخلاط، وكان أهلها فى زمن ياقوت من الأكراد - معجم البلدان.

ص: 31

وكان الملك السعيد بن الملك العزيز فخر الدين عثمان بن العادل صاحب الصبيبة خرج من الديار المصرية، وعبر على غزة، وأخذ جميع ما بها من المال وهرب، وكان قد أعطى قبل ذلك قلعته للملك الصالح أيوب وصار فى خدمته، ولما هرب احتيط على داره بالقاهرة، وتوجه هو إلى قلعة الصبيبة فسلمها له من كان فيها.

وفى هذه الأيام ملك المغيث فتح الدين عمر

(1)

بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن الملك الكامل بن العادل بن أيوب الكرك واستولى عليها، وذلك أنه كان عند عماته

(2)

بالقاهرة، فلما توفى الملك الصالح أيوب بلغ الأمير حسام الدين ابن أبى علىّ أن فخر الدين بن الشيخ ربما أخرجه ورتبه فى الملك، فأطلعه إلى قلعة الجبل واعتقله بها، فلما ورد المعظم توران شاه إلى المنصورة فى التاريخ الذى ذكرناه، أمر به فحمل إلى الشوبك واعتقل بها خوفا منه، فلما مات المعظم أخرجه الطواشى بدر الدين الصوابىّ الصالحى، وكان نائب الملك الصالح بالكرك، وكانت الشوبك مضمومة إلى ولايته، فملكه البلدين، وسلم إليه القلعتين، وقام بتدبير دولته، والاجتهاد فى خدمته.

‌ذكر استيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق:

ولما جرى [319] ما ذكرناه خرج الملك الناصر يوسف

(3)

بن الملك العزيز ابن الظاهر غازى بن صلاح الدين يوسف بن أيوب من حلب، وذلك لأنه

(1)

انظر وفيات الأعيان ج 5 ص 86 رقم 220.

(2)

عماته هن بنات الملك العادل أبى بكر بن أيوب، وأخوات الملك الكامل محمد، وكانت مساكنهم بقلعة الجبل - مفرج الكروب حوادث سنة 648 هـ.

(3)

هو يوسف بن محمد بن غازى، توفى سنة 659 هـ/ 1261 م - المنهل، وانظر ما يلى.

ص: 32

لما ورد عليه الخبر بقتل المعظم تورانشاه وصلت إليه كتب الأمراء القيمرية من دمشق يستدعونه ويحثونه على الوصول إليهم ليسلموا دمشق إليه، فوصلها يوم السبت ثامن ربيع الآخر من هذه السنة، وأحاط عسكره بها، وزحفوا عليها، وكان النائب بها الأمير جمال الدين بن يغمور من جهة الملك الصالح، وكان قد رتب الأبواب على الأمراء القيمرية وهم: ناصر الدين القيمرىّ، وضياء الدين، وشهاب الدين الكبير، ففتحوا باب الجابية مواطأة للملك الناصر، فدخل الناصر وأصحابه دمشق، وتملكوها بغير ممانعة ولا مقاتلة، وخلع على الأمراء المذكورين، وخلع أيضا على الأمير جمال الدين بن يغمور النائب من جهة السلطنة، وأحسن إليهم، وعلى جماعة من الأمراء المصريين مماليك الملك الصالح نجم الدين، واستقرت قدمه فى ملك دمشق، وعصت عليه بعلبك وعجلون وشميس مدة يسيرة، ثم مال الجميع إليه.

ولما وصل الخبر بذلك إلى مصر اجتمعت الأمراء والأجناد بقلعة الجبل وجدّدوا الأيمان لشجر الدرّ والدة خليل، وللأمير عز الدين أيبك التركمانى بالتقدمة على العساكر، وعزموا على إخراج العساكر صحبة الأمير حسام الدين ابن أبى على ليدفعوا الملك الناصر عن دمشق، ويردّوه قبل أن يملكها، فورد عليهم بأن القيمرية سلموها إليه، فأمسك من كان منهم بالقاهرة، وقبض على كل من اتهم بالميل إلى الحلبيين

(1)

.

(1)

انظر السلوك ج 1 ص 367.

ص: 33

‌ذكر سلطنة أيبك التركمانى

ولما جرى ما ذكرنا من عصيان الملك المغيث بالكرك واستيلائه عليها وعلى الشوبك، واستيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق، ووقوع الاضطراب فى مصر، اجتمعت البحرية والأتراك وأجالوا الرأى بينهم، وقالوا: إنه لا يمكننا حفظ البلاد وأمر الملك إلى امرأة، وقد ورد فى الحديث:«كيف يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .

وقالوا: لابدّ من إقامة شخص كبير تجتمع الكلمة عليه ويشار فى الملك إليه فاتفق رأيهم [320] على أن يفوض أمر الملك إلى الأمير عز الدين أيبك الجاشنكير التركمانى الصالحىّ مقدّم العساكر، فقاموا إليه وسألوه أن يولّى عليهم ليقوم بسياسة الملك، فأجابهم على ذلك

(1)

، وولوه، وعقدوا له، ولقبوه بالملك المعز، وركب بالسناجق السلطانية يوم السبت آخر ربيع الآخر من هذه السنة، وحملت الأمراء الغاشية فى خدمته على العادة.

وهو أوّل ملوك الترك، وأبطلت السكة والخطبة التى كانت باسم شجر الدر فى ثانى يوم تمليكه، وكانت مدة سلطنتها ثلاثة أشهر لأنهم كانوا عقدوا لها بالسلطنة فى آخر المحرم، ثم خلعوها من السلطنة فى آخر ربيع الآخر.

ص: 34

‌ذكر عقد السّلطنة للملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك المسعود صلاح الدين يوسف الملقّب بإتسز ابن الملك الكامل بن العادل بن أيّوب

والملك المسعود هو الذى ملك اليمن فى حياة والده الملك الكامل كما ذكرنا

(1)

، وكان السبب فى ذلك أنهم لما رأوا وقوع الاختلاف فى البلاد، واستيلاء كل أحد على ناحية، ووقوع الإضطراب فى الديار المصريّة، قالوا: لابدّ من إقامة شخص من بنى أيّوب ليجتمع الكلّ على طاعته، ويرتفع الخلاف. واتفق رأيهم على إقامة الملك الأشرف مظفر الدين موسى المذكور، وأن يكون الملك المعزّ عز الدين أيبك أتابكه

(2)

، والقائم بتدبير الدولة، والتقدمة على العساكر، فرضى الجميع بذلك، وأقاموا الأشرف المذكور، وأجلسوه فى دست السلطنة والأمراء فى خدمته يوم الخميس لخمس مضين من جمادى الأولى، وكان عمر الأشرف عشر سنين، وجلس على السماط على عادة السلطنة.

(1)

انظر احداث سنة 611 هـ، عندما أرسل الملك العادل الأيوبى حفيده الملك المسعود إلى اليمن.

وهو اتسز أو أطسيس أو أقسيس بن محمد بن أبى بكر بن أيوب، الملك المسعود بن الملك الكامل ابن الملك العادل الأيوبى، توفى سنة 626 هـ/ 1228 م - وفيات الأعيان ج 5 ص 83 رقم 218.

(2)

يذكر المقريزى صراحة أن المعز أيبك كان شريكا فى الملك، إذ ورد به «تجمع الأمراء وقالوا: لا بد من إقامة شخص من بيت الملك مع المعز أيبك

شريكا للملك المعز أيبك

فكانت المراسيم والمناشير تخرج عن الملكين الأشرف والمعز» - السلوك ج 1 ص 369،.

بينما تؤكد مصادر أخرى ما ذكره العينى هنا من أن الأشرف موسى أقيم فى السلطنة وأن «يكون أيبك التركمانى أتابكه» - المختصر ج 3 ص 183، النجوم الزاهرة ج 7 ص 6.

ص: 35

وكانت مدّة سلطنة عز الدين أيبك خمسة أيام، لأنه تولى السلطنة فى آخر ربيع الآخر يوم السبت، وخلع عنها يوم الخميس الخامس من جمادى الأولى.

‌ذكر ما جرى من الأمور بعد سلطنة الأشرف:

منها: أنه كان فى غزّة جماعة من عسكر مصر مقدمهم ركن الدين خاص ترك

(1)

، فاندفعوا إلى مصر لما بلغهم حركة الحلبيين إلى مصر، ونزلوا بالسانح، واجتمعوا، واتفقت كلمتهم على طاعة الملك المغيث صاحب الكرك، وخطبوا له بالصالحيّة يوم الجمعة لأربع مضين من جمادى الآخرة من هذه السنة

(2)

[321] فنودى بالقاهرة ومصر أن البلاد للخليفة المستعصم بالله، وأن الملك المعز عزّ الدين أيبك نائبه بها، وجدّدت الأيمان للأشرف بالسلطنة، وللمعز بالأتابكيّة، وندبت العساكر إلى السانح، فهرب من السانح الطواشيان شهاب الدين رشيد الكبير، وشهاب الدين رشيد الصغير، وركن الدين خاص ترك، وأقوش المشرف، وكانوا من جملة الذين اتفقوا على تمليك المغيث بن العادل صاحب الكرك، فقبض غلمان الرشيد الصغير عليه، وجاءوا به إلى القاهرة، فاعتقل بها، ونجا الباقون، وخرجت الخلع للذين تخلّفوا بالسانح وعفى عنهم، وطيّبت قلوبهم، وخرجت لهم النفقة.

ومنها: أن فى يوم الأحد لخمس مضين من رجب من هذه السنة رحل الأمير فارس الدين آقطاى الجمدار، وكانت إليه تقدمة البحرية الصالحية، من القاهرة

(1)

هو خاص ترك بن عبد الله الصالحى النجمى، الأمير ركن الدين، توفى بدمشق سنة 674 هـ/ 1275 م، النجوم الزاهرة ج 7 ص 249، وورد اسمه خاص بك فى المنهل، والدليل الشافى

(2)

«من هذه السنة» مكررة فى أول ورقة 321.

ص: 36

متوجها إلى بلاد الشام، ومعه من العسكر ألفا فارس، فوصل إلى غزّة، وكان بها جماعة من أصحاب الملك الناصر صاحب حلب الذى استولى على دمشق، فأوقع بهم، فاندفعوا من بين يديه

(1)

، ثم عاد الأمير أقطاى إلى الديار المصرية، ودخلها، وقبض على الأمير زين الدين قراجا أمير جاندار، وعلى صدر الدين قاضى آمد، وكانا من كبار الصالحيّة.

ومنها: أنه قبض على الأمير جمال الدين النجيبى، والأمير جمال الدين أقوش العجمى، واعتقلا.

ومنها: أنهم نقلوا الملك الصالح إلى تربته

(2)

التى بنيت له عند مدرسته بالقاهرة بين القصرين، وعمل له العزاء بالقاهرة، وقطعت مماليكه شعورهم، وعملوا له عزاء جديدا.

ومنها: أن الأمراء وأرباب الدولة اتفقوا على هدم أسوار دمياط وتخريبها ومحو آثارها، لما اتفق من قصد الفرنج لها مرة بعد أخرى، لأنهم قصدوها فى أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وكادوا يملكونها

(3)

، وفى أيام الملك الكامل وحاصروها أكثر من سنة وملكوها

(4)

، وفى أيام الملك الصالح نجم الدين، وجرى ما ذكرناه

(5)

، فهدموها وبنيت مدينة قريبة منها سميت المنشية، وهى المدينة يومنا هذا.

(1)

انظر السلوك ج 1 ص 370.

(2)

أنشأتها شجر الدر بعد وفاة الصالح أيوب - انظر المواعظ والاعتبار ج 2 ص 374، وانظر أيضا السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ص 207.

(3)

وذلك فى سنة 565 هـ/ 1169 م.

(4)

وذلك فى سنة 615 هـ/ 1218 م.

(5)

وذلك فى سنة 647 هـ/ 1249 م.

ص: 37

ومنها: أن الملك الناصر يوسف صاحب حلب قبض على الملك الناصر داود

(1)

ابن [322] المعظم وحبسه فى حمص، وذلك أنه كان قد قدم دمشق فى خدمة الناصر يوسف، فبلغه عنه ما أوجب القبض عليه، فقبض عليه وسيّره إلى حمص تحت الاحتياط، فاعتقل فى قلعتها، وكان قد وعده وعودا جميلة فلم ينجز له منها شيئا، فلما أيس منه طلب منه دستورا ليمضى إلى بغداد، فأعطاه الدستور، فلما خرج إلى القصير قبض

(2)

عليه فى مستهلّ شعبان من هذه السنة، ووصل حريمه وأولاده من مصر، وكان له عشرة أولاد ذكورا وثلاث بنات، فأنزلوا فى دمشق.

ولما اعتقل بحمص نظم قصيدة مطلعها:

إلّهى أنت أعلى وأعلم

بمحقوق ما تبدى الصدور وتكتم

وأنت الذى ترجى لكلّ عظيمة

وتخشى وأنت الحاكم المتحكّم

إلى علمك العلوى أشكو ظلامتى

وهل بسواك ينصف المتظلّم

أبث خيانات العشيرة معلنا

إلى من بمكنون السرائر يعلم

أتيتهم مستنصرا متحرّما

كما يفعل المستنصر المتحرّم

فلما أيسنا نصرهم ونوالهم

رمونا بإفك القول وهو مرجّم

أغثنا أغثنا من عدانا يكن لنا

بك النصر حتى يخذلوا ثم يهزموا

فنصرك مجعول لنا معجل

وبرّك معلوم بنا فهو معلم

(1)

توفى سنة 656 هـ/ 1258 م - المنهل، وانظر ما يلى.

(2)

القصير: تطلق على عدة مواضع، والمقصود هنا ضيعة أول منزل لمن يريد حمص من دمشق - معجم البلدان.

ص: 38

‌ذكر توجّه الملك الناصر صاحب حلب من دمشق قاصدا الديار المصرية:

وفيها: سار الملك الناصر المذكور بعساكره من دمشق وصحبته، من ملوك أهل بيته، الصالح إسماعيل

(1)

بن العادل بن أيوب، وهو خال أبيه، والأشرف موسى

(2)

صاحب حمص، كان وهو يومئذ صاحب تلّ باشر والرحبة وتدمر، والملك المعظم فخر الدين تورانشاه

(3)

بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ومقدم جيشه الأمير شمس الدين لؤلؤ وإليه تدبير المملكة.

وفى المرآة: وكان سير الملك الناصر قاصدا الديار المصرية بإشارة شمس الدين لؤلؤ المذكور، فإنه لحّ فى القضيّة لحاحا كان سببا لحضور المنيّة، وكان يستهزئ بالعساكر المصرية ويقول: آخذها بمائتى [323] قناع

(4)

.

وكان رحيلهم من دمشق يوم الأحد منتصف رمضان من هذه السنة، ولما وصلت الأخبار بذلك إلى الديار المصرية انزعج الملك المعز أيبك التركمانى ومن معه من البحرية والترك لذلك، وأجمعوا على لقاء الملك الناصر ومحاربته ودفعه عن الديار المصريّة، وقبضوا على جماعة من الأمراء اتهموهم بالميل إلى الناصر، وتجهزوا، وخرجوا من القاهرة فى شهر شوال، وبرزوا إلى السّانح، وتركوا السلطان الملك الأشرف موسى بقلعة الجبل، واستناب المعز بالديار المصرية

(1)

توفى سنة 648 هـ/ 1250 م - المنهل ج 2 ص 420 رقم 448، وانظر ما يلى.

(2)

هو موسى بن إبراهيم بن شير كوه، توفى سنة 662 هـ/ 1263 م - المنهل، وانظر ما يلى.

(3)

هو تورانشاه بن يوسف بن أيوب، توفى سنة 658 هـ/ 1260 م - المنهل ج 4 ص 180 رقم 803، وانظر ما يلى.

(4)

القناع: هو ما تتقنع به المرأة، والمقصود أنه يمكنه الاستيلاء على مصر بمائتى إمرأة.

ص: 39

الأمير علاء الدين أيدكين البند قدارى، وأفرج عز الدين أيبك عن ولدى الصالح إسماعيل، وهما: المنصور إبراهيم والسعيد عبد الملك ابنا الصالح إسماعيل، وكانا معتقلين من استيلاء الملك الصالح نجم الدين أيوب على بعلبك، وخلع عليهما، ليتوهّم الملك الناصر صاحب حلب من أبيهما الصالح إسماعيل.

ولما خرجوا وصل أولهم إلى السانح، ونزلوا بالصالحية، وقوى الإرجاف بوصول الملك الناصر ودخوله الرمل.

قال بيبرس: وكان رحيل المعزّ فى بقية العساكر ثالث ذى القعدة من هذه السنة، ووصل الملك الناصر بمن معه من العساكر إلى كراع وهى قريبة من العباسة والسّدير، وتقارب ما بين العسكرين، فمال من كان مع الناصر من مماليك أبيه العزيز إلى الترك الذين بمصر للجنسيّة، فرحل المعز أيبك ونزل قبالة الناصر بسموط، والتقوا فى يوم الخميس عاشر ذى القعدة، فكانت الكسرة أولا على عسكر مصر، وولوا منهزمين، وثبت المعز أيبك فى جماعة من البحرية، وانحاز إلى جانب، وبقى الملك الناصر تحت السناجق

(1)

فى جمع من العزيزية

(2)

، فخامروا وانضافوا إلى المعز أيبك، فحمل على الطلب

(3)

الذى فيه الملك الناصر، فولّى منهزما طالبا الشام فى جماعة من خواصّه، وأخذت سناجقه والطبلخاناة

(4)

(1)

السنجق: لفظ تركى، يطلق فى الأصل على الرمح، ثم أصبح يطلق على نوع من الرايات وهى صغر صغار - صبح الأعشى ج 4 ص 8، ج 5 ص 456، 458.

(2)

العزيزية: طائفة من المماليك تنسب الى السلطان الملك العزيز محمد بن غازى، صاحب حلب - النجوم الزاهرة ج 6 ص 297، السلوك ج 1 ص 297، 397.

(3)

طلب - أطلاب: وحدة عسكرية صغيرة قد تصل أو بعمائة فرد، يرأمها أمير - انظر بدائع الزهور ج 3 ص 24، 25، المواعظ والاعتبار ج 1 ص 139.

(4)

الطبلخاناة: كلمة فارسية تعنى فرقة الموسيقى السلطانية، أو بيت الطبل، وتكون هذه الفرقة صحبة السلطان فى الأسفار والحروب - صبح الأعشى ج 4 ص 8 وما بعدها.

ص: 40

التى له، وقصد المعز أيبك الأطلاب الشاميّة، فوقع بالطلب الذى فيه شمس الدين لؤلؤ، فحمل عليهم، وبدّد شملهم، وأتى به إليه، فأمر بضرب عنقه، فضربت، وأتى بالأمير ضياء الدين القيمرى، [324] فضربت عنقه، وأتى بالملك الصالح عماد الدين إسماعيل فسلم عليه الملك المعزّ، ووقف راكبا إلى جانبه، وأسر الملك الأشرف صاحب حمص، ونصرة الدين، والمعظم فخر الدين ابنا صلاح الدين يوسف.

وأما العسكر المصريون

(1)

المنهزمون، فإن الهزيمة استمرّت بهم، ولا يعلمون ما تجدّد بعد ذلك، ووصلوا القاهرة غد هذا اليوم، وهرب بعضهم إلى الصعيد، وخطب ذلك اليوم للملك الناصر يوسف صاحب حلب بالقلعة وجامع مصر

(2)

، وأما القاهرة فلم يقم بجامعها خطبة

(3)

وتوقفوا ليتحققوا.

ووصل معظم العسكر الشامىّ إلى العبّاسة فى إثر المصريين، ولا يظنون إلا أنّ الكسرة قد تمت على المصريين: وزال أمرهم بالكلية، وهم ينتظرون وصول الملك الناصر ليدخلوا معه القاهرة، ثم جاءهم الخبر بما جرى من هرب الملك الناصر؛ وقتل شمس الدين لؤلؤ والقيمرىّ، وأسر من أسر، فاختلفوا فيما يعتمدون عليه، وكان فى الجيش تاج الملوك ولد المعظم بن صلاح الدين وهو مجروح، وحاروا فيما يفعلون.

(1)

هكذا بالأصل، وهو أسلوب ضعيف.

(2)

هو جامع عمرو بن العاص بالفسطاط - المواعظ والاعتبار ج 2 ص 246.

(3)

«وكان بجامع القاهرة (الأزهر) الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فقام على قدميه وخطب خطبتين خفيفتين، وصلى بجماعة الجمعة، وصلى قوم صلاة الظهر» - السلوك ج 1 ص 377.

ص: 41

وفى نهار الجمعة حادى عشر ذى القعدة وردت البشائر بانتصار المعزّ وانكسار الناصر، وكان بقلعة الجبل ناصر الدين بن يغمور أستادار الملك الصالح عماد الدين إسماعيل؛ وأمين الدولة [أبى الحسن غزال

(1)

] وزيره محبوسين من أيام الملك الصالح نجم الدين، فلما بلغهما انتصار الناصر وكسر العسكر المصرى خرجا من الحبس وأظهرا السرور، ثم لما تحقّق نصر المعزّ أيبك أعيدا إلى السجن، ونودى فى آخر هذا اليوم، وهو يوم الجمعة المذكور، بإظهار الزيّنة.

وعاد الملك المعزّ والبحرية والعساكر المصريّة ومن انضّم إليهم من العزيزية على غير طريق العباسة خوفا من الناصريّة النازلين عليها، ووصلوا إلى القاهرة بكرة يوم السبت ثانى عشر ذى القعدة ودخل المعزّ أيبك، والملك الصالح عماد الدين إسماعيل قدامه فى الموكب تحت الاحتياط فاعتقله بقلعة الجبل فى دار، واعتقل الأشرف صاحب حمص [325] والمعظم تورانشاه وأخوه فى حبس القلعة، وشنق ناصر الدين بن يغمور، وأمين الدولة الوزير على باب القلعة، ثم أخرج الملك الصالح عماد الدين إسماعيل خارج القلعة من جهة القرافة، فقتل ودفن هناك، وكان مقتله فى ليلة الأحد السابع والعشرين من ذى القعدة.

وفى المرآه: لما أسروا شمس الدين لؤلؤ، وجاءوا به إلى بين يدى الملك المعز، قال حسام الدين بن أبى علىّ: لا تقتله لتأخذ به الشام. وقال أقطاى: هذا الذى يأخذ مصر بمائتى قناع، قد جعلنا مخانيث، فضربوا عنقه.

وأما الملك الناصر فإنه لما كسر، كسرت العزيزيّة سناجقه، وكسروا صناديقه، ونهبوا ماله، ورموه بالنشاب، فأخذه نوفل البدوى وجماعة من

(1)

[] إضافة للتوضيح - انظر السلوك ج 1 ص 377، وانظر ما يلى فى وفيات السنة.

ص: 42

مماليكه وأصحابه، وساروا به إلى الشام، ومات تاج الملوك من جراحة كانت به، فحمل إلى القدس ومات به، وضرب الشريف المرتضى فى وجهه بالسيف ضربة هائلة عرضا، وأرادوا قتله، فقال: أنا رجل شريف ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركوه.

قال السبط: وحكى لى قال: بقيت فى الرمل يوما وليلة ملقى، رأسى ناحية ووجهى ناحية، والدّماء تفيض، ولولا أن الله تعالى منّ علىّ بالملك الصالح ابن صاحب حمص لهلكت، حملنى وخيّط وجهى بمسال، وعاينت الموت مرارا، وتمزّق الناس كل ممزّق، ومشوا فى الرمال أيّاما.

وأما

(1)

المصريّون فإنهم دخلوا إلى القاهرة بالأسارى والسناجق المقلّبة، والطبول المشقّقة، والخيول والأموال والعدد، ولما وصلوا إلى تربة الملك الصالح نجم الذين أيوب أحدقوا بالصالح إسماعيل، وصاحوا ياخوند

(2)

: أين عينك ترى عدّوك، ورموا الأسارى فى الجبل، وجمعوا بين الصالح إسماعيل وبين أولاده أيّاما، ثم غيّبوه.

وأما المماليك فمالوا على المصريّين قتلا ونهبا، ونهبوا أموالهم، وسبوا حريمهم، وفعلوا بهم ما لا يفعل الفرنج بالمسلمين.

وكان السامرى، وزير الصالح إسماعيل، معتقلا فى القلعة فى جب هو وناصر الدين بن يغمور، وسيف الدين القيمرى، والخوارزمى صهر الملك الناصر

(1)

«واما» مكررة فى الأصل.

(2)

خوند: لفظ فارسى؛ واستخدم فى التركية أيضا، ومعناه السيد أو الأمير، ويخاطب به المذكر والمؤنث - صبح الأعشى ج 6 ص 87 - 88.

ص: 43

يوسف، فخرجوا من الجبّ، وعصوا فى [326] القلعة. ولم يوافقهم سيف الدين القيمرىّ، بل جاء فقعد على باب الدار التى فيها عيال الملك المعز أيبك التركمانى وحماهم، فلم يدع أحدا يقربها.

وأما الباقون فصاحوا الملك الناصر يا منصور، وجاء الترك ففتحوا باب القلعة ودخلوا، فشنقوا السامرىّ وابن يغمور والخوارزمىّ متقابلين، ولكن لا على سرر

(1)

، وشنقوا المجير بن حمدان، وكان شابّا حسنا، قالوا: تعدّى على بعض المماليك، ونهب خيله.

وأما الملك الناصر يوسف صاحب حلب، فإنه وصل إلى غزة فى حالة عجيبة، وأقام ينتظر أصحابه، فوصل إليه من سلم منهم، ومن عسكر الشام، وابن صاحب الموصل وكان معه.

وقال المؤيّد وغيره: ثم بعد هزيمة الملك الناصر يوسف صاحب حلب سار فارس الدين أقطاى من الديار المصرية ومعه ثلاثة آلاف فارس إلى غزة وملكها، واستولى عليها، ثم عاد إلى الديار المصرية

(2)

.

وفيها امر الملك المعزّ ببناء مدرسته التى بدار الملك بمصر على البحر، فبنيت

(3)

.

وفيها:

(4)

وفيها:

(5)

(1)

إشارة إلى الآيات القرآنية: «فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ، عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» - سورة الصافات رقم 37 آيات رقم 43 - 44.

(2)

المختصر ج 3 ص 185.

(3)

المدرسة المعزية: بمصر القديمة، أنشأها السلطان المعز أيبك على النيل بمصر القديمة - النجوم الزاهرة ج 7 ص 14.

(4 و 5) بياض فى الأصل.

ص: 44

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

عبد الملك بن عبد السلام بن الحسن اللمغانى

(1)

الحنفى، مدرس مشهد أبى حنيفة رضى الله عنه، وهو أخو عبد الرحمن، وعم محمد بن علىّ بن عبد السلام ابن الحسن اللمغانى

(2)

.

وكان رجلا فاضلا من بيت العلم والرئاسة، توفى فى هذه السنة، ودفن بمقبرة الخيزران.

الحافظ المسند أبو الحجاج يوسف

(3)

بن أبى الصفا خليل بن عبد الله الدمشقى الآدمى المنعوت بالشمس، نزيل حلب.

مات بحلب فى العاشر من جمادى الآخرة، ودفن بظاهر باب الأربعين، ومولده بدمشق فى سنة خمس وخمسين وخمسمائة، سمع الكثير، ومعجم شيوخه يزيد على أربعمائة شيخ.

(1)

«الدامغانى» فى الأصل، والتصحيح من ترجمة أخيه فى وفيات سنة 649 هـ التالية حيث ورد بها «واللمغانى: بفتح اللام وسكون الميم وفتح الغين المعجمة، نسبة إلى لمغان، وهى مواضع بين جبال غزنة».

ووردت: لامغان أو لام غان: بفتح الميم - من قرى غزنة، وينسب إليها جماعة من فقهاء الحنفية ببغداد، منهم عبد السلام بن إسماعيل بن عبد السلام بن الحسن اللامغانى، كما ينسب إليها عدة من أهل هذا البيت - معجم البلدان.

(2)

«الدامغانى» فى الأصل - انظر الهامش السابق.

(3)

انظر أيضا: العبر ج 5 ص 201، شذرات الذهب ج 5 ص 243، السلوك ج 1 ص 381.

ص: 45

أمين الدولة أبو الحسن غزال

(1)

المتطبب، وزير الملك الصالح عماد الدين إسماعيل.

وكان سامريا كما ذكرناه وكان سببا على هلاك نفسه، وعلى سلطانه، وسبب زوال النعمة عنه وعن مخدومه، وهذا هو الوزير السوء.

وقال السبط: فسبحان من أراح المسلمين بقتله

(2)

، وقد ذكرنا قتله عن قريب

(3)

.

قال: وما كان مسلما، ولا سامريا بل كان يتستر [327] بالإسلام، ويبالغ فى هدم شريعة المصطفى عليه السلام، وبلغنى أن الشيخ إسماعيل الكورانى رحمه الله قال له يوما وقد زاره: لو بقيت على دينك كان أصلح لأنك تتمسك بدين فى الجملة

(4)

، أما الآن فأنت مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

ولقد ظهر له من الأموال والجواهر واليواقيت والتحف والذخائر ما لا يوجد فى خزائن الخلفاء ولا السلاطين، وأقاموا ينقلونه مدة سنين، فبلغنى أن قيمة ما ظهر ثلاثة آلاف ألف دينار، غير الودائع التى كانت له عند أصدقائه والتجار، ووجد له عشرة آلاف مجلد من الكتب النفيسة والخطوط المنسوبة، فتمزق الجميع فى زمان يسير

(5)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: مرآة الزمان ج 8 ص 784، النجوم الزاهرة ج 7 ص 21، البداية والنهاية ج 13 ص 180، العبر ج 5 ص 199، شذرات الذهب ج 5 ص 241.

(2)

«أراح منه المسلمين» فى مرآة الزمان ج 8 ص 784.

(3)

انظر ما سبق فى حوادث السنة.

(4)

«فى الجملة» ساقط من مرآة الزمان.

(5)

مرآة الزمان ج 8 ص 784 - 785.

ص: 46

الملك الصالح عماد الدين إسماعيل

(1)

أبو الجيش بن الملك العادل أبى بكر ابن أيّوب واقف تربة أم الصالح

(2)

.

وقد كان ملكا عاقلا حازما، تقلّبت به الأحوال أطوارا كثيرة.

وقد كان الملك الأشرف بن العادل أوصى له بدمشق من بعده، فملكها شهورا، ثم انتزعها منه أخوه الملك الكامل، ثم ملكها من يد الملك الصالح نجم الدين أيّوب خديعة ومكرا، فاستمر فيها أزيد من أربع سنين، ثم استعادها منه الملك الصالح أيّوب عام الخوارزميّة سنة ثلاث وأربعين وستمائة

(3)

، واستقرت بيده بلداه بعلبك وبصرى، ثم أخذتا منه كما ذكرنا، ولم يبق له بلد يأوى إليه، فلجأ إلى المملكة الحلبية فى جوار الملك الناصر يوسف صاحب حلب، فلما كان فى هذه السنة ما ذكرنا من القتال بين الشاميين والمصريين أسر الصالح وأحضر إلى القاهرة

(4)

.

وقال ابن كثير: عدم بالديار المصرية فى المعركة، فلا يدرى ما فعل به، وهو واقف التربة والمدرسة ودار الحديث والقراء بدمشق

(5)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 420 رقم 448، وورد اسمه فيه «إسماعيل بن محمد بن أيوب» ، وانظر أيضا العبر ج 5 ص 198، الوافى ج 9 ص 215 رقم 4121، شذرات الذهب ج 5 ص 241، السلوك ج 1 ص 378، البداية والنهاية ج 13 ص 179 - 180.

(2)

«تربة الصالح» فى البداية والنهاية ج 13 ص 179.

وعن تربة أم الصالح انظر المدرسة الصالحية بدمشق - الدارس ج 1 ص 316 وما بعدها.

(3)

«وخمسمائة» فى الأصل ومصححة.

(4)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 179 - 180.

(5)

البداية والنهاية ج 13 ص 180.

ص: 47

وفى تاريخ النويرى: وفى ليلة الأحد السابع والعشرين من ذى القعدة من هذه السنة هجم جماعة على الملك الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب وهو يمصّ قصب السكّر، وأخرجوه إلى ظاهر قلعة الجبل وقتلوه

(1)

.

وقال القاضى جمال الدين بن واصل

(2)

: من أعجب ما مرّ بى أن الملك الجواد مودود لما كان فى حبس الملك الصالح إسماعيل، [328] وأنه سيّر إليه من خنقه وفارقه ظنا أنه قد مات فأفاق، فرأته امرأة هناك، فأخبرتهم أنه قد أفاق، فعادوا إليه وخنقوه حتى مات. وفى هذه الليلة لما أخرجوا الملك الصالح إسماعيل بأمر أيبك التركمانى إلى ظاهر القلعة، وكان معهم ضوء فأطفأوه

(3)

، فخنقوه وفارقوه، ظنا أنه قد مات، فأفاق، فرأته امرأة هناك، فأخبرتهم أنه قد أفاق، فعادوا إليه وخنقوه حتى مات، فانظر ما أعجب هذه الواقعة

(4)

.

ودفن هناك، وعمره قريب من خمسين سنة، وكانت أمّه رومية من حظايا الملك العادل.

الأمير شمس الدين لؤلؤ

(5)

مدبر مملكة حلب.

وكان من خيار عباد الله الصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر،

(1)

ورد فى مخطوط نهاية الأرب أثناء ذكر الحرب بين الملك المعز والملك الناصر «وأسر جماعة وهم: الملك الصالح بن العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب، ثم قتله الملك المعز فى سنة تسع وأربعين ودفنه بالقرافة» ج 27 ورقه 120.

(2)

«ابن الواصل» فى الأصل، وهو تحريف.

(3)

«فأطفوه» فى الأصل.

(4)

مفرج الكروب ورقة 384 ب.

(5)

أنظر ما سبق فى حوادث السنة. وانظر أيضا السلوك ج 1 ص 380 - 381.

ص: 48

قتل فى هذه السنة فى المعركة التى وقعت بين المصريين والشاميين كما ذكرناه مفصلا.

وقال السبط: كان أميرا حسنا، صالحا عابدا زاهدا، مدبرا، وكان يحكى واقعات جرت له، منها قوله عن بركة خان: أريد رأسه، فكان كما قال، وأمثال ذلك كثيرة، وما كان يدعى ذلك كرامات، وإنما كان يخبر عن نفسه وما به بأس إلا أنه قتل قتلة شنيعة، وبقى مدّة لا يوارى.

الملك المنصور

(1)

عمر بن على بن رسول صاحب اليمن.

وكان علىّ بن رسول هذا أستاذ الدار للملك المسعود ابن السلطان الملك الكامل، فلما سار المسعود قاصدا الشام ومات بمكة كما ذكرنا، استناب علىّ بن رسول هذا باليمن، فاستقر بها نائبا لبنى أيوب، وكان لعلى المذكور إخوة، فأحضروا إلى مصر، وأخذوا رهائن خوفا من تغلبه على اليمن، واستمر المذكور نائبا باليمن حتى مات قبل سنة ثلاثين وستمائة، واستولى على اليمن بعده ولده عمر بن علىّ المذكور على ما كان عليه أبوه من النيابة، فأرسل من مصر أعمامه ليعزلوه ويكونوا نوّابا موضعه، فلما وصلوا إلى اليمن قبض عمر المذكور عليهم واعتقلهم، واستقلّ عمر المذكور بملك اليمن يومئذ وتلقّب بالملك المنصور، واستكثر من المماليك الترك

(1)

انظر ترجمته فى: العقود اللؤلؤية ج 1 ص 44 وما بعدها، تاريخ عدن ص 174، العقد الثمين ج 6 ص 339 رقم 382، المنهل، الدليل الشافى ج 1 ص 502، المختصر ج 3 ص 185.

ص: 49

فقتلوه فى هذه السنة

(1)

، [329] واستقرّ بعده فى ملك اليمن ابنه يوسف

(2)

بن عمر وتلقّب بالملك المظفّر، وصفا له ملك اليمن، وطالت أيام مملكته، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

الخاتون أرغوان

(3)

الحافظية، سميت الحافظية لخدمتها وتربيتها الحافظ صاحب قلعة جعبر.

وكانت عتيقة الملك العادل الكبير أبى بكر بن أيّوب، وكانت امرأة عاقلة، مدبرة، عمّرت دهرا، ولها أموال جزيلة عظيمة، وهى التى كانت تصلح الأطعمة للملك المغيث عمر بن الصالح أيّوب، فصادرها الصالح إسماعيل، وأخذ منها أربعمائة صندوق من المال.

وقد وقفت دارها بدمشق على خدامها، واشترت بستان النجيب ياقوت الذى كان خادم الشيخ تاج الدين الكندى، وجعلت فيه تربة

(4)

ومسجدا، ووقفت عليها أوقافا جيدة.

(1)

قتل فى «تاسع ذى القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة» - العقد الثمين ج 6 ص 348، «سنة ثمان وأربعين وستمائة، فى المختصر ج 3 ص 186.

(2)

توفى سنة 695 هـ/ 1295 م - المنهل الصافى.

(3)

ولها ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 180. شذرات الذهب ج 5 ص 240، الدارس ج 2 ص 243.

(4)

التربة الحافظية بدمشق، انظر الدارس ج 2 ص 243.

ص: 50

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة التّاسعة والأربعين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو المستعصم بالله.

وصاحب الديار المصرية: الملك الأشرف موسى بن الملك المسعود بن الكامل ابن الملك العادل بن أيوب، ومدبر المملكة وأتابك العساكر عز الدين أيبك التركمانى.

وصاحب المملكة الحلبية: السلطان الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الظاهر بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، وهو متغلّب على دمشق كما ذكرنا، وقد جهز عسكرا من جهته لقصد المعاودة إلى الديار المصرية، وقدّم على العسكر الملك الأمجد بن العادل، وتجهز الملك المعز أيبك والعساكر للخروج وبلغهم نزول العساكر الشامية على تل العجول، فتوجهوا ونزلوا السانح، فأقاموا به، ولم يزالوا مقيمين إلى أن خرجت هذه السنة، والرسائل مترددة بين الفريقين.

وفى تاريخ ابن كثير: ولما عاد الملك الناصر صاحب حلب إلى دمشق بعد انهزامه قدمت عساكر المصريين، فحكموا على بلاد السواحل إلى حدّ الشريعة

(1)

، فجهّز إليهم الناصر جيشا، فطردوهم حتى ردوهم إلى الديار المصرية

(2)

.

وفى تاريخ النويرى: وأنفق الناصر الأموال واستخدم الرجال، وجهّز

(*) يوافق أولها الأحد 26 مارس 1251 م.

(1)

نهر الشريعة - نهر الأردن - معجم البلدان.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 181.

ص: 51

عسكرا إلى غزة [330]، وخرج المصريون إلى السانح وأقاموا كذلك حتى خرجت السنة

(1)

.

وقال السبط: وخرجت السنة [و] التى

(2)

بعدها أيضا

(3)

على هذا.

(1)

ورد فى مخطوط نهاية الأرب «واتصل ذلك بالملك الناصر، فجهز العسكر الشامى إلى غزة، ليكون قبالة العسكر المصرى، وأقام العسكران فى منازلهما ستين يوما» ج 27 ورقة 120.

(2)

[و] إضافة من مرآة الزمان ج 8 ص 785

(3)

«أيضا» ساقط من مرآة الزمان.

ص: 52

‌ذكر خلع الأشرف عن السلطنة وإعادتها إلى أيبك التركمانى

قال بيبرس فى تاريخه: وفى هذه السنة، يعنى سنة تسع وأربعين وستمائة، عزم المعز أيبك على تزويجه بشجر الدرّ

(1)

، والاستقلال بالسلطنة، وإبطال أمر الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك المسعود من الملك، فأبطله، وخلعه، وأزاله ونزعه.

وكان ذلك إنتهاء الدولة الأيوبيّة بالديار المصرية وإبتداء الدولة التركية وظهور ملك البحرية، فسبحان مدبر البريّة ومجرى القدر بما سبقت به المشيئة.

ومدة الدولة الأيّوبية إلى هذا الحين خمس وثمانون سنة.

وخرجت هذه السنة والملك المعزّ نازل بعساكر مصر على السانح، وعسكر الملك الناصر يوسف نازل بغزّة.

وكانت مدة الملك الأشرف المذكور حول الحول، ثم تحولت بأمر ذى الطول والحول.

‌ذكر بقيّة الحوادث فى هذه السنة:

منها: أنه وصل إلى الخليفة كتاب من صاحب اليمن وهو صلاح الدين يوسف بن عمر، يذكر فيه أن رجلا باليمن خرج فادعى الخلافة وأنه نفذ إليه

(1)

انظر ما سبق بخصوص هذا الزواج عند تولى أيبك السلطنة. وقارن ما جاء بالسلوك والنجوم الزاهرة وغيرهما من المصادر.

ص: 53

جيشا، فكسروه وقتلوا خلقا من أصحابه، وأخذ منه صنعاء وهرب هو بنفسه فى شرذمة ممن بقى من أصحابه، وأرسل إليه الخليفة بالخلع والتقليد.

ومنها: أنه فى رمضان استدعى الشيخ سراج الدين عمر بن بركة النهر قلى مدرس النظامية ببغداد، فولى قضاء القضاة ببغداد مع التدريس المذكور وخلع عليه

(1)

.

ومنها: أن السلطان الملك المعز تزوج بأمّ خليل شجر الدّر، حظيّة السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، رحمه الله، واستقل بالسلطنة كما ذكرنا.

ومنها: أن فى شعبان ولى تاج الدين عبد الكريم بن الشيخ محيى الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين أبى الفرج بن الجوزى حسبة بغداد بعد أخيه عبد الله الذى تركها تزهدا عنها، وخلع عليه بطرحة، ورفع على رأسه غاشية، وركب الحجاب فى خدمته

(2)

.

ومنها: أنه صليت صلاة العيد يوم الفطر بعد العصر، وهذا اتفاق [331] غريب

(3)

.

ومنها: أنه انتهى فى هذه السنة الكتاب المسمى: [شرح

(4)

] نهج البلاغة» فى عشرين مجلدا، مما ألّفه عبد الحميد

(5)

بن داود بن هبة الله بن أبى الحديد المدائنى الكاتب للوزير مؤيّد الدين بن العلقمى، فأطلق له الوزير مائة دينار وخلعة

(1)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 181.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 181.

(3)

ورد الخبر بنفس النص فى البداية والنهاية ج 13 ص 181، ولم يحدد فى أى المدن تم ذلك.

(4)

[] إضافة من البداية والنهاية، وهدية العارفين ج 1 ص 507.

(5)

توفى سنة 655 هـ/ 1257 م - المنهل الصافى، وانظر ما يلى.

وورد اسمه عبد الحميد بن هبة الله فى مصادر ترجمته.

ص: 54

وفرس، وامتدحه عبد الحميد بقصيدة، لأنه كان

(1)

شيعيا معتزليا.

وفيها: .........

(2)

وفيها: لم يحج أحد بالناس من العراق.

(1)

«وكأنه» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية ج 13 ص 181.

(2)

« ...... » بياض فى الأصل.

ص: 55

‌ذكر من توفّى فيها من الأعيان

أقضى القضاة أبو الفضل عبد الرحمن

(1)

بن عبد السلام بن إسماعيل بن عبد الرحمن ابن إبراهيم اللمغانى الحنفى. من بيت العلم والقضاء.

درس بمشهد أبى حنيفة رضى الله عنه، وناب عن قاضى القضاة بن فضلان الشافعىّ، ثم عن قاضى القضاة أبى صالح نصر بن عبد الرزاق الحنبلى، ثم عن قاضى القضاة عبد الرحمن بن مقبل الواسطى، ثم بعد وفاته استقر القاضى عبد الرحمن اللمغانى بولاية الحكم ببغداد، ولقب أقضى القضاة، ولم يخاطب بقاضى القضاة، ودرس للحنفية بالمستنصرية فى سنة خمس وثلاثين وستمائة، وكان مشكور السيرة فى أحكامه ونقضه وإبرامه.

ولما توفى تولى بعده قضاء القضاة ببغداد شيخ النظامية سراج الدين النهر قلى كما ذكرنا.

وقال صاحب طبقات الحنفيّة: إن أقضى القضاة عبد الرحمن المذكور توفى يوم الجمعة ضاحى نهار الحادى عشر من رجب سنة تسع وأربعين وستمائة، ودفن بمقابر أبى حنيفة رحمة الله، وكان مولده فى المحرّم سنة أربع وستين وخمسمائة.

واللمغانى - بفتح اللام وسكون الميم

(2)

وفتح العين المعجمة - نسبة إلى لمغان وهى مواضع بين جبال غزنه.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الدليل الشافى ج 1 ص 400، البداية والنهاية ج 13 ص 181، السلوك ج 1 ص 382.

(2)

«بفتح الميم» فى معجم البلدان.

ص: 56

بهاء الدين على

(1)

بن هبة الله بن سلامة الجميزى خطيب القاهرة.

رحل من صغره إلى إلعراق، فسمع بها وبغيرها، وكان فاضلا، أتقن مذهب الشافعى، وكان دينا، حسن الأخلاق، واسع الصدر، كثير البر، قلّ إن قدم عليه أحد إلا أطعمه شيئا، وقد سمع الكثير على الحافظ السلفى وغيره، وأسمع الناس كثيرا من مروياته.

وكانت وفاته فى ذى [332] الحجة من هذه السنة وله تسعون سنة، ودفن بالقرافة.

ابن عمرون الحلبى، هو الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبى علىّ ابن سعد بن عمرون الحلبى النحوى.

مات فى شهر ربيع الأول ودفن من يومه بالمقام، ومولده فى سنة ست وخمسمائة تقديرا، سمع من أبى حفص عمر بن محمد بن طبرزد

(2)

، وحدّث، وقرأ الأدب وبرع فيه، وأقرأ مدة، وانتفع به جماعة.

أبو الفتح الصوفى، الشيخ الفقيه الحنفى الصوفى، أحمد بن يوسف ابن عبد الواحد بن يوسف الأنصارى الدمشقى الأصل، الحلبى المولد.

توفى فى السادس عشر من شعبان بحلب، ودفن من الغد بالمقام ظاهر حلب.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الدليل الشافى ج 1 ص 487، البداية والنهاية ج 13 ص 181، السلوك ج 1 ص 382، النجوم الزاهرة ج 7 ص 24، العبر ج 5 ص 203، شذرات الذهب ج 5 ص 246.

(2)

هو عمر بن محمد بن معمر، أبو حفص، موفق الدين، ابن طبرزد، المتوفى سنة 607 هـ / 1210 م - العبر ج 5 ص 24.

ص: 57

تفقه على مذهب الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه، وقرأ علم النظر والخلاف وبرع فيهما، واستدعى إلى بغداد، وولى بها تدريس الفرقة الحنفية بالمدرسة المستنصرية

(1)

مدة، ثم استأذن فى العود إلى وطنه، فأذن له فى ذلك، فعاد إلى حلب ودرس بها بالمدرسة المقدمية

(2)

، وبمدرسة الحدادين

(3)

، وكان قد ولى مشيخة رباط سنقرجاه بعد موت أبيه، رحمهما الله.

علم الدين قيصر

(4)

بن أبى القاسم بن عبد الغنى بن مسافر، الفقيه الحنفى المقرئ، المعروف بتعاسيف.

كان إماما فى العلوم الرياضية، اشتغل بالديار المصرية والشام، ثم سافر إلى الموصل، وقرأ على الشيخ كمال الدين بن يونس علم الموسيقى، ثم عاد إلى الشام، وتوفى بدمشق فى شهر رجب منها، ومولده سنة أربع وخمسين

(5)

وخمسمائة بأصفون

(6)

بليدة بالصعيد.

(1)

المدرسة المستنصرية ببغداد: أنشأها الخليفة المستنصر بالله المتوفى سنة 640 هـ/ 1242 م، ووقفها على المذاهب الأربعة، وهى أول مدرسة فى الدولة الإسلامية تدرس المذاهب الأربعة - المدرسة المستنصرية ص 28 - 30

(2)

المدرسة المقدمية بحلب: أنشأها عز الدين عبد الملك بن المقدم، من أمراء صلاح الدين سنة 564 هـ/ 1168 م - خطط الشام ج 6 ص 110.

(3)

هكذا بالأصل، وهى المدرسة الحدادية بحلب، أنشأها حسام الدين محمد بن عمر بن لاجين، ابن أخت صلاح الدين - خطط الشام ج 6 ص 109 - 110.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المختصر ج 3 ص 186، نهاية الأرب ج 27 ورقة 12، السلوك ج 1 ص 382، الطالع السعيد ص 469 رقم 366، حسن المحاضرة ج 1 ص 250، وفيات الأعيان ج 5 ص 318 رقم 275. المختصر ج 3 ص 186.

(5)

«أربعة وسبعين» فى المختصر ج 3 ص 186.

(6)

«يأسفون» فى الطالع السعيد.

أصفون: فى معجم البلدان - وهى من القرى القديمة وهى حاليا تابعة لمركز إسنا بمحافظة قنا - القاموس الجغرافى ق 2 ج 4 ص 152.

ص: 58

جمال الدين بن مطروح أبو الحسين يحيى

(1)

بن عيسى بن إبراهيم بن الحسين ابن على بن حمزة بن إبراهيم بن الحسين بن مطروح، الملقب جمال الدين.

من أهل صعيد مصر، ونشأ هناك، وأقام بقوص مدة، وتقلبت به الأحوال فى الخدم والولايات، ثم انصل بخدمة السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن السلطان الملك الكامل بن السلطان الملك العادل بن أيوب [332]، وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه الكامل بالديار المصرية، ولما اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية، فصار له آمد وحصن كيفا وحرّان والرّها والرقة ورأس عين وسروج وما انضم إليها، سيّر إليها ولده الصالح المذكور نائبا عنه وذلك فى سنة تسع وعشرين وستمائة، فكان ابن مطروح المذكور معه، ولم يزل ينتقل فى البلاد إلى أن وصل الملك الصالح إلى مصر مالكا لها فى سنة سبع وثلاثين وستمائة، كما ذكرنا، ثم وصل ابن مطروح بعد ذلك إلى الديار المصرية فى أوائل سنة تسع وثلاثين وستمائة، فرتبّة السلطان ناظرا فى الخزانة، ولم يزل يتقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك الصالح دمشق فى الدفعة الثانية من سنة ثلاث وأربعين وستمائة، كما ذكرناه، ثم إن السلطان بعد ذلك رتب لدمشق نوابا، فكان ابن مطروح فى صورة وزير لها، ومضى إليها، وحسنت حاله، وارتفعت منزلته، ثم عزله الصالح لأمور نقمها عليه، وهو مواظب للخدمة مع إعراض الملك الصالح عنه.

ولما توفى الملك الصالح بالمنصورة، كما ذكرناه، وصل ابن مطروح إلى مصر، وأقام بها فى داره إلى أن مات ليلة الأربعاء مستهل شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة بمصر، ودفن بسفح المقطم.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: نهاية الأرب ج 27 ورقة 120، وفيات الأعيان ج 6 ص 254 رقم 810، العبر ج 5 ص 204 شذرات الذهب ج 5 ص 247، السلوك ج 1 ص 382، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 197 - 340، وورد ذكر وفاته سنة 650 هـ فى البداية والنهاية ج 13 ص 182.

ص: 59

وقال ابن خلكان: وحضرت الصلاة عليه ودفنه، وأوصى أن يكتب عند رأسه دو بيت نظمه فى مرضه وهو:

أصبحت بقعر حفرة مرتهنا

لا أملك من دنياى إلا الكفنا

(1)

يا من وسعت عباده رحمته

من بعض عبادك المسيئين أنا

وكانت ولادته يوم الإثنين ثامن رجب سنة إثنتين وتسعين وخمسمائة بأسيوط، وهى بليدة بالصعيد الأعلى من ديار مصر.

وقال ابن خلكان: وكانت أدواته جميلة، وخلاله حميدة، جمع بين الفضل والمروءة والأخلاق الرضية، وكانت بينى وبينه مودّة أكيدة، ومكاتبات فى الغيبة، ومجالس فى الحضرة، تجرى فيها مذاكرات لطيفة، وله ديوان شعر.

أنشدنى [أكثره].

(2)

وكان فى بعض [334] أسفاره قد نزل فى طريقه بمسجد وهو مريض فقال:

يا ربّ إن عجز الطبيب فداونى

بلطيف صنعك واشفنى يا شافى

أنا من ضيوفك قد حسبت وإن من

شيم الكرام البرّ بالأضياف

(3)

وله أيضا:

يا من لبست عليه أثواب الضنى

صفراء

(4)

موشّعة بحمر الأدمع

أدرك بقيّة مهجة لو لم تذب

أسفا عليك نفيتها عن أضلعى

(1)

«كفنا» فى وفيات الأعيان ج 6 ص 226.

(2)

[] إضافة من وفيات الأعيان ج 6 ص 260.

(3)

انظر وفيات الأعيان ج 6 ص 261.

(4)

«صفرا» فى وفيات الأعيان ج 6 ص 262.

ص: 60

وكان فى مدّة انقطاعه فى داره، وضيق صدره بسبب عطلته، وكثرة كلفته، قد حدث فى عينيه ألم انتهى به إلى مقاربة العمى.

وقال ابن خلكان أيضا: وكنت أجتمع به فى كل وقت، فتأخرت عنه مديدة لعذر أوجب ذلك، وكنت فى ذلك الوقت أنوب فى الحكم بالقاهرة عن قاضى القضاة بدر الدين أبى المحاسن يوسف

(1)

بن الحسن بن على الحاكم بالديار المصرية المعروف بقاضى سنجار، فكتب إلىّ ابن مطروح [يقول]

(2)

:

يا من إذا استوحش طرفى له

لم يخل قلبى منه من أنس

والطرف والقلب على ما هما

عليه مأوى البدر والشمس

وكان بينه وبين بهاء الدين زهير

(3)

صحبة قديمة من زمن الصبا، وإقامتهما ببلاد

(4)

الصعيد، حتى كانا كالأخوين وليس بينهما فرق فى أمور الدنيا، ثم اتصلا بخدمة الملك الصالح وهما على تلك المودّة، وبينهما مكاتبات بالأشعار فيما يجرى لهما

(5)

، فأخبرنى بهاء الدين زهير أن جمال الدين بن مطروح كتب إليه فى بعض الأيام يطلب منه درج ورق، و [كان قد

(6)

] ضاق به الوقت، وأظنهما كانا ببلاد الشرق [معا]

(7)

:

(1)

توفى سنة 663 هـ/ 1264 م، المنهل، وانظر ما يلى.

(2)

[] إضافة من وفيات الأعيان ج 6 ص 262.

(3)

هو زهير بن محمد بن على بن يحيى، الشاعر، المتوفى سنة 656 هـ/ 1258 م - المنهل، وانظر ما يلى.

(4)

«بلد» فى الأصل، والتصحيح من وفيات الأعيان ج 6 ص 263.

(5)

«فيما جرى بينهما» فى الأصل، والتصحيح من وفيات الأعيان ج 6 ص 263.

(6)

[] إضافة من وفيات الأعيان.

(7)

[] إضافة من وفيات الأعيان.

ص: 61

أفلست يا سيدى من الورق

فجد بدرج كعرضك اليقق

وإن أتى بالمداد مقترنا

فمرحبا بالخدود والحدق

(1)

وفى تاريخ المؤيد: وفى سنة تسع وأربعين وستمائة توفى الصاحب محيى الدين ابن مطروح، وكان متقدما عند الملك الصالح أيوب، كان

(2)

يتولى له - لما كان الصالح

(3)

بالشرق - نظر الجيش، ثم استعمله على دمشق، ثم عزله، وولى ابن يغمور، وكان [ابن مطروح المذكور

(4)

] فاضلا فى النثر والنظم ومن شعره

(5)

:

[335]

عانقته فسكرت من طيب الشذا

غصنا رطيبا

(6)

بالنسيم قد اغتذا

نشوان ما شرب المدام وإنما

أمسى بخمر رضابه متنبّذا

جاء العذول يلومنى من بعد ما

أخذ الغرام علىّ فيه ماخذا

لا أرعوى لا أنثنى لا أنتهى

عن حبّه فليهذ فيه من هذا

إن عشت عشت على الغرام وإن أمت

وجدا به وصبابة يا حبذا

(7)

(1)

انظر وفيات الأعيان ج 2 ص 336، ج 6 ص 263.

(2)

«وكان» فى الأصل، والتصحيح من المختصر ج 3 ص 186.

(3)

«الصاحب» فى الأصل، وهو تحريف، والتصحيح من المختصر.

(4)

[] إضافة من المختصر.

(5)

«فمن» فى المختصر.

(6)

«غصن رطيب» فى المختصر.

(7)

انظر المختصر ج 3 ص 186.

ص: 62

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: المستعصم بالله.

وسلطان الديار المصرية: الملك المعز عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحى التركمانى.

وصاحب دمشق وحلب: السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن السلطان الملك العزيز محمد بن السلطان الملك الظاهر غازى بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الأمير نجم الدين أبوب.

وصاحب حمص: الملك الأشرف موسى بن الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهد شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادى.

وصاحب حماة: الملك المنصور محمد بن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب.

وصاحب عينتاب: الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن الملك الظاهر غارى ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.

وصاحب بلاد الروم: السلطان غياث الدين كيخسرو بن السلطان علاء الدين كيقباد السلجوقى.

(*) يوافق أولها الخميس 14 مارس 1252 م.

ص: 63

وصاحب ماردين: « ...... »

(1)

.

وصاحب الموصل: بدر الدين لؤلؤ.

وأما بلاد عراق العجم وبلاد خراسان وغيرها إلى بلاد ماوراء النهر وبلاد الدشت وغيرها: ففى أيادى أولاد جنكز خان.

وصاحب اليمن: صلاح الدين يوسف بن عمر بن على بن رسول.

ثم اعلم أن الديار المصرية والشامية انتهت بعد إنقضاء الدولة العبيدية الفاطمية إلى الدولة الأيوبية كما ذكرناه مفصلا، ثم لما شاء الله تعالى انقراض الدولة الأيوبية وذريتها سبق فى علمه الأزلى أن [336] صلاح هذه المملكة بتولية أولى النجدة والبأس، وأن الترك من بينهم هم أصلح الأجناس، وأن فى هدايتهم إلى الإيمان صلاحا خاصا وعاما، فأخرج طائفة منهم من الظلمات إلى النور، وحباهم بأنواع العطايا بالبهجة والسرور، وقيض الله تجارا أخرجوهم إلى الآفاق خصوصا فى أيام استيلاء التتار على البلاد المشرقية والشمالية وعلى الأتراك القفجاقية

(2)

، فجاءت منهم طائفة إلى البلاد الشامية والديار المصرية فى أواخر الدولة الأيوبية، فاشتراهم ملوك بنى أيوب بأبخس الأثمان ليزينوا بهم مواكبهم فى البلدان، وليتخذوهم عدة

(3)

عند النوائب، لما فيهم من الشجاعة والإقدام

(1)

« ...... » بياض فى الاصل.

وصاحب ماردين فى هذه السنة هو الملك السعيد نجم الدين غازى (إيلغازى) بن أرتق بن أرسلان، المتوفى سنة 658 هـ/ 1260 م - أنظر ما يلى فى وفيات سنة 658 هـ، وتاريخ الدول الإسلامية ص 353.

(2)

هزم التتار قبائل القفجاق سنة 617 هـ/ 1220 م -، وعن القفجاق واستيلاء التتار على بلادهم - انظر نهاية الأرب ج 27 ص 321 - 322، الكامل ج 12 ص 385 - 386

(3)

«عدة» مكررة فى الأصل

ص: 64

فى المصائب، ثم صارت منهم جماعة أمراء كبارا مقدّمين، وجماعة منهم ملوكا سلاطين، فملك منهم من الذين جلبوا وبيعوا إلى يومنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة

(1)

أحد عشر نفسا وهم:

الملك المعزّ أيبك التركمانى: وهو أول الملوك الأتراك الذين ملكوا الديار المصريّة، والملك المظفر قطز، والملك الظاهر بيبرس، والملك المنصور قلاون

(2)

، والملك العادل كتبغا، والملك المنصور لاجين، والملك المظفر بيبرس الجاشنكير، والملك الظاهر برقوق، والملك المؤيد شيخ، والملك الظاهر ططر، والملك الأشرف برسباى.

قال بيبرس فى تاريخه: وأوّل من اهتم بتحصيلهم واحتفل بتجميلهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأخوه الملك العادل أبو بكر، ثم ولده الملك الكامل، ولما آلت المملكة إلى ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب استكثر منهم استكثارا بذل فيهم المجهود، وبلغ منهم المقصود، وبذل فيهم الأموال الكثيرة، وأصرف لأجلهم الأشياء الغزيرة، ثم لما مات الملك الصالح نجم الدين أيوب، وقتل ابنه الملك المعظم، ولّوا زوجة أستاذهم الملك الصالح المسماة بشجر الدرّ لقصدهم استمرار الملك فى البيت الأيّوبى ولا يخرج عنه، وتصدر الأمور كلها منه فكانوا لها أطوع من البنان برهة من الزمان، ثم لما رأوا أنّ ذلك قصر بحقوق الملك وأزرى عليه، واشتدّت [337] أطماع من كان بالشام إليه، فاحتاجوا إلى إقامة رجل يزاحم بمنكبه المناكب، ويباهى بموكبه

(1)

هذا هو تاريخ تأليف هذا الجزء من الكتاب.

(2)

هكذا فى الأصل، وفى وثائق الوقف «قلاون» ، وترد فى بعض المصادر قلاوون - انظر تذكرة النبيه ج 1 ص 295 وما بعدها.

ص: 65

المواكب، ويقوم بتدبير البلاد والعباد، ويحسم مادّة الفساد والعناد، ويبنى الملك على الأساس والعماد.

قال الشاعر:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهّالهم سادوا

والبيت لا يبنى إلاّ بأعمدة

ولا عمادا إذا لم ترسّ أوتاد

فإن تجّمع أوتاد وأعمدة

فقد بلغوا الأمر الذى كادوا

فأقاموا الأمير عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحىّ مدبّر الممالك مضافا اسمه إلى اسم الملك الأشرف موسى بن الملك المسعود المعروف بأطسز بن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب فى التواقيع والمناشير وسكة الدراهم والدنانير، فاستقر الأمر على ذلك.

ثم لما ظهرت

(1)

أطماع الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب البلاد الحلبيّة والشاميّة، وتبع على ذلك الإرجاف بما تواتر من الأخبار بحركة التتار، ولا سيما دخول هلاون بلاد العراق، واستيلائهم على تلك الآفاق، ورأوا صغر سنّ الملك الأشرف، وعدم قيامه بواجب أمور المملكة، اجتمعت الآراء، واتفقت الأمراء على استقلال عز الدين أيبك التركمانى الجاشنكير بالسلطنة، واستقلاله بها على انفراده، فأقاموه على ذلك، وأزالوا عن الأشرف اسم السلطنة، وأسقطوا اسمه من السكة والخطبة.

قال بيبرس فى تاريخه: وذلك فى شهور هذه السنة، أعنى سنة خمسين وستمائة.

ص: 66

قلت: ذكر بيبرس هذا فى السنة الماضية، أعنى فى سنة تسعة وأربعين وستمائة، وقال هناك: عزم الملك المعزّ أيبك على تزويج شجر الدر والاستقلال بالسلطنة وإبطال أمر الملك الأشرف من الملك، فأبطله وخلعه وأزاله ونزعه، ثم قال هاهنا: إن الاتفاق على سلطنته كان فى هذه السنة، أعنى سنة خمسين وستمائة

(1)

.

ومع هذا ذكر هو وغيره أن [338] الملك المعز أيبك إنما كانت سلطنته فى سنة ثمانية وأربعين وستمائة.

قلت: التوفيق فى هذا الكلام أنه تسلطن فى سنة ثمانية وأربعين وستمائة، ولكنه ما أقام إلا شيئا يسيرا جدّا، كما ذكرناه هناك، ولم يعتبروا هذه السلطنة حيث لم تمتد أيامها ولا ظهرت أحكامها، فكانت كسلطنة الأمير بيدرا عند قتله الملك الأشرف خليل بن الملك المنصور قلاون

(2)

عند الطرّانة

(3)

، فإنه تسلطن وتلقب بالملك القاهر وأقام نصف نهار، ثم ضربت رقبته كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى، ثم كان عزمه للسلطنة واستقلاله بها فى أواخر سنة تسعة وأربعين وستمائة، فلذلك ذكروا أن سلطنته كانت فى هذه السنة، أعنى سنة تسعة وأربعين وستمائة، ولكن لما وقع استقلاله التامّ بها، وظهوره بها، ونفاذ

(1)

انظر أيضا الجوهر الثمين ص 257.

(2)

وذلك فى المحرم سنة 693 هـ/ 1293 م - تذكرة النبيه ج 1 ص 168، وانظر ترجمة بيدرا بن عبد الله المنصورى - المنهل الصافى ج 3 ص 493 رقم 734.

(3)

الطرانة: من القرى المصرية القديمة بمركز كوم حمادة من أعمال البحيرة - التحفة السنبة ص 120، القاموس الجغرافى ق 2 ج 2 ص 331 - 332.

ص: 67

كلمته، وانتشار مراسيمه فى هذه السنة، أعنى سنة خمسين وستمائة، أسندت سلطنته وظهورها التامّ إلى هذه السنة، أعنى سنة خمسين.

ثم لما استقلّ بذلك فى هذه السنة شرع فى تحصيل الأموال، واستخدام الرجال، واستوزر شخصا من نظار الدواوين يسمّى شرف الدين هبة

(1)

الله بن صاعد الفائزى، كان من القبط الكتّاب، ثم عدل عن أهل الكتاب، وأسلم فى الدولة الكاملية، وتقدّم فى المناصب الديوانيّة، فقرر أموالا على التجار وذوى اليسار وأرباب العقار، ورتّب مكوسا وضمانات وسماها حقوقا

(2)

ومعاملات، واستقرّت وتزيّدت إلى يومنا هذا.

ثم فى هذه السنة أمرّ الملك المعزّ كبار مماليكه، ورتّب سيف الدين

(3)

قطز نائب السلطنة، وكان أكبرهم وأقدمهم هجرة، وأعظمهم لديه أثرة، وقطع خبز حسام الدين بن أبى علىّ الهذبانى الذى كان نائبا بالديار المصريّة، ثم لما قطع الملك المعزّ خبزه طلب دستورا أن يروح إلى الشام، فأعطاه دستورا، فسافر إلى الملك الناصر يوسف وأعطاه إمرة خمسمائة فارس.

وفى هذه السنة تسلم

(4)

المصريون الشوبك من نائب الملك المغيث فتح الدين عمر، ولم يبق بيده غير الكرك والبلقاء [339] وبعض الغور.

(1)

توفى سنة 655 هـ/ 1257 م - انظر ترجمته فيما يلى فى وفيات 655 هـ.

(2)

«سماها الحقوق السلطانية والمعاملات الديوانية» فى السلوك ج 1 ص 384.

(3)

توفى سنة 658 هـ/ 1259 م، انظر ما يلى.

(4)

«تسلمت» فى الأصل.

ص: 68

‌ذكر بقيّة الحوادث فى هذه السنة:

منها: أن التتار وصلت إلى الجزيرة وسروج ورأس العين وما والى هذه البلاد، فقتلوا وسبوا، ونهبوا وخرّجوا، ووقعوا بتجار يسيرون بين حران ورأس العين، فأخذوا منهم ستمائة حمل سكر ومعمول مصر

(1)

، وستمائة ألف دينار، وقتلوا فى هذه البلاد زيادة على عشرة آلاف نفس، وقتلوا الشيوخ والعجائز، وساقوا من النسوان والصبيان ما أرادوا، ورجعوا إلى خلاط

(2)

، وقطع أهل الشرق الفرات، وخاض

(3)

الناس فى القتلى من دنيسر

(4)

إلى الفرات.

قال السبط: وحكى لى شخص من التجار قال: عددت على جسر بين حران ورأس العين فى مكان واحد ثلاثمائة وثمانين قتيلا

(5)

.

ومنها: أنه وقع حريق بحلب، احتراق بسببه ستمائة دار، يقال: إن الفرنج لعنهم الله ألقوه فيما قصدا.

ومنها: أنه استقرّ الصلح بين الملك الناصر يوسف صاحب الشام وبين البحرية بمصر، على أن يكون للمصريين إلى نهر الأردن وللملك الناصر ما وراء ذلك، وذلك بواسطة نجم الدين البادرائى

(6)

رسول الخليفة بسبب ذلك.

(1)

«ستمائة حمل سكر من عمل مصر» . السلوك ج 1 ص 384.، و «ستمائة حمل سكر مصرى» - النجوم الزاهرة ج 7 ص 25.

(2)

«أخلاط» فى الأصل، والتصحيح من السلوك والنجوم الزاهرة.

وخلاط: بكسر أوله، قصبة أرمينية الوسطى - معجم البلدان.

(3)

«وخاض» مكررة فى الأصل.

(4)

دنيسر: بلدة مشهورة من نواحى الجزيرة، قرب ماردين - معجم البلدان.

(5)

مرآة الزمان ج 8 ص 787.

(6)

هو عبد الله بن محمد بن الحسن بن عبد الله البغدادى، نجم الدين البادرائى، نسبة إلى بادريا: قرية من عمل واسط، توفى سنة 655 هـ/ 1257 م - انظر ترجمته فيما يلى.

ص: 69

قال بيبرس: وفى هذه السنة وصل من بغداد إلى القاهرة الشيخ نجم الدين ابن البادرائى رسولا من عند الخليفة المستعصم ليصلح ما بين الملك الناصر صاحب الشام وبين الملك المعزّ صاحب مصر، فتقرّر الصلح وترتّب، ورجع الناصر وعسكره إلى دمشق، وعاد المعزّ من البادرة إلى قلعة الجبل

(1)

.

ومنها: أن الملك الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب أفرج عن الناصر داود بن المعظم، صاحب الكرك كان، وكان قد اعتقله بقلعة حمص على ما ذكرناه، وذلك بشفاعة الخليفة المستعصم فيه، فأفرج عنه وأمره أن لا يسكن فى بلاده، فرحل الناصر داود المذكور إلى جهة بغداد، فلم يمكنوه من الوصول إليها وطلب وديعته الجوهر، فمنعوه إياها، وكتب الناصر يوسف إلى ملوك الأطراف:

لا يأووه

(2)

ولا يميروه، فبقى الناصر داود فى جهات عانة والحدث، وضاق به الحال وبمن معه، وانضمّت إليه جماعة من غزيّة، فبقوا يرحلون وينزلون جميعا، ثمّ لما قوى [340] عليهم الحرّ ولم يبق بالبرّية عشب ولا كلأ، قصدوا أزوار الفرات يقاسون بقّ الليل وهواجر النهار، وكان معه أولاده، وكان لولده الظاهر شادى فهد، فكان يصيد فى النهار ما يزيد على عشرة غزلان، وكان يمضى للناصر ولأصحابه أيام لا يطمعون غير لحوم الغزلان.

واتفق أن الأشرف صاحب تل باشر وتدمر والرحبة يومئذ أرسل إلى الناصر داود مركبين موسقين دقيقا وشعيرا، وأرسل الناصر يوسف صاحب دمشق يتهدّده على ذلك.

(1)

«وعاد الملك المعز وعسكره إلى قلعة الجبل فى يوم الثلاثاء سابع صفر» (سنة 651 هـ) - السلوك ج 1 ص 386، وانظر ما يلى فى أحداث سنة 651 هـ.

(2)

«لا يؤوه» فى الأصل.

ص: 70

ثم أن الناصر داود قصد مكانا للشرابىّ واستجار به، فرتّب له الشرابىّ شيئا دون كفايته، وأذن له فى النزول بالأنبار، وبينها وبين بغداد ثلاثة أيام، والناصر داود مع ذلك يتضرع إلى الخليفة المستعصم فلا يجيب ضراعته، ويطلب منه وديعته فلا يردّها إليه، ولا يجييه إلا بالمماطلة والمطاولة.

وكانت مدة مقامه منتقلا فى الصحارى مع غزية ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك أرسل الخليفة وشفع فيه عند الناصر يوسف، فأذن له فى العود إلى دمشق، ورتّب له مائة ألف درهم على بحيرة فامية وغيرها، فلم يتحصّل من ذلك إلاّ دون ثلاثين ألف درهم.

ومنها: أنه وصلت الأخبار من مكة بأنّ نارا ظهرت فى أرض عدن وبعض جبالها، بحيث كانت

(1)

تظهر بالليل، ويرتفع بالنهار دخان عظيم.

وفيها: « ........ »

(2)

.

وفيها: حج بالناس من بغداد، فكان لهم عشر سنين لم يحجوا منذ مات المستنصر

(3)

بالله إلى هذه السنة.

(1)

«كان» فى الأصل.

(2)

« ...... » بياض فى الأصل.

(3)

هو المستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر أحمد، المتوفى سنة 640 هـ/ 1242 م - العبر ج 5 ص 166، شذرات الذهب ج 5 ص 209، وورد أنه توفى سنة 639 هـ - الجوهر الثمين ص 174.

ص: 71

‌ذكر من توفّى فيها من الأعيان

صاحب المشارق فى الحديث، والعباب فى اللغة، الصاغانى أبو الفضائل الحسن

(1)

بن محمد بن الحسن بن حيدر بن على بن إسماعيل القرشى العدوىّ العمرى، من ولد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، الصاغانى المحتد، اللوهورى، البغدادى الوفاة، الفقيه الحنفى المحدّث اللغوى المنعوت بالرضى.

ولد بلوهور - بفتح اللام وسكون الواوين بينهما هاء مفتوحة وفى آخرها راء - وهى مدينة كبيرة من بلاد [341] الهند، كثيرة الخير، ويقال لها:

لهاوور أيضا، سنة سبع وسبعين وخمسمائة، يوم الخميس عاشر صفر، ونشأ بغزنة، ودخل بغداد فى صفر سنة خمس عشرة وستمائة، وتوفى بها ليلة الجمعة تاسع عشر شعبان سنة خمسين وستمائة، ودفن بداره فى الحريم الظاهرى، ثم نقل إلى مكة ودفن بها، وكان أوصى بذلك، وجعل لمن يحمله ويدفنه بمكة خمسين دينارا.

وسمع

(2)

بمكة وعدن والهند.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 1 ص 358 رقم 129، السلوك ج 1 ص 385، النجوم الزاهرة ج 7 ص 26، العبر ج 5 ص 205، شذرات الذهب ج 5 ص 250.

(2)

«وسمع» مكررة فى الأصل.

ص: 72

وصنف مجمع البحرين

(1)

فى اثنى عشر سفرا، وصنّف العباب

(2)

، ومات قبل أن يكمله بثلاثة أحرف أو أكثر، وصنف الشوارد فى اللغات

(3)

، وشرح القلادة السمطيّة فى توشيح الدريدية

(4)

، وكتاب فعال على وزن جذام وقطام وفعلان على وزن شيبان، وكتاب الإنفعال، وكتاب مفعول، وكتاب الأضداد، وكتاب العروض، وكتاب فى أسماء الأسد، وكتاب فى أسماء الذئب، وكتاب مشارق الأنوار النبويّة فى الحديث

(5)

، وشرح البخارى فى مجلد

(6)

، ومصباح الدجى والشمس المنيرة فى الحديث

(7)

، ودرر السحابة فى وفيات الصحابة، ومختصر الوفيات، وكتاب الضعفاء، وكتاب الفرائض

(8)

.

وكان عالما صالحا.

والصاغانى نسبة إلى قرية بمرو يقال لها: جاغان، فعرّبت وقيل: صاغان.

(1)

«مجمع البحرين فى اللغة، اثنى عشر مجلدا» - هدية العارفين ج 1 ص 281.

(2)

«العباب الزاخر فى اللغة، عشرين مجلدا» - هدية العارفين.

(3)

«فى اللغة» - هدية العارفين.

(4)

«شرح مقصورة ابن دريد» - هدية العارفين.

وابن دريد هو محمد بن الحسن بن دريد، أبو بكر، المتوفى سنة 321 هـ/ 933 م - هدية العارفين ج 2 ص 32.

(5)

«مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية» - هدية العارفين.

(6)

«شرح الجامع الصحيح للبخارى» - هدية العارفين.

(7)

«وشرح البخارى فى مجلد» فى الأصل وهى مكررة من السطر السابق.

وهما: «الشمس المنيرة فى الحديث، ومصباح الدجى فى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم» - هدية العارفين.

(8)

عن مصنفات صاحب الترجمة انظر هدية العارفين ج 1 ص 281.

ص: 73

الركن البخارىّ الحنفى محمود بن الحسين بن محمود بن فلان أبو القاسم، المنعوت بالركن البخارىّ.

فقيه، عالم بالخلاف، والأصلين، وعلم البديع، والشعر.

مولده ببخارى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وتوفى بدمشق ليلة الأحد سادس رمضان من سنة خمسين وستمائة.

ومن تصانيفه شرحان للجامع الكبير أحدهما مختصر والآخر مطول سماه البحرين، وصنف كتابا سماه خير مطلوب، صنفه للملك الناصر داود بن الملك المعظم.

وكان عالما فاضلا، رحمه الله.

شمس الدين محمد

(1)

بن سعد المقدسى، الكاتب الحسن الخط كثير الأدب.

سمع الكثير، وخدم السلطان الصالح إسماعيل والناصر داود، وكان دينا فاضلا شاعرا، له قصيدة يمدح فيها [342] الصالح إسماعيل وما يلقاه الناس من وزيره وقاضيه وغيرهما من حواشيه، مات فى هذه السنة.

عبد العزيز بن علىّ بن عبد الجبار، المغربى أبوه.

ولد ببغداد، وسمع بها الحديث، وعنى بطلب الحديث والعلم، وصنّف كتابا فى مجلدات على حروف المعجم فى الحديث، وحرّر فيه حكاية مذهب الإمام مالك رضى الله عنه.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: مرآة الزمان ج 8 ص 787، السلوك ج 1 ص 385، النجوم الزاهرة ج 7 ص 26، شذرات الذهب ج 5 ص 251، العبر ج 5 ص 206.

ص: 74

الشيخ أبو عبد الله محمد بن غانم بن كريم الأصبهانى.

قدم بغداد، وكان إماما فاضلا، فتتلمذ

(1)

للشيخ شهاب الدين السهروردى

(2)

، فانتفع به، وتكلم بعده على الناس فى الوعظ، وفاق أهل زمانه، وكان حسن الطريقة، له يد فى التفسير، وله تفسير على طريقة التصوف، وفيه لطافة، ومن أشعاره:

وقوفى بأكناف العقيق عقوق

إذا لم أرد والدمع فيه عقيق

وإن لم أمت شوقا إلى سكن الحمى

فما أنا فيما أدعيه صدوق

أيا ربع ليلى ما لمجنون فى الهوى

سواه ولا كلّ الشراب رحيق

ولا كلّ من يلقاك قلبه واعى

ولا كلّ من يحنو إليك مشوق

تكاثرت الدعوى على الحبّ فاستوى

أسير صبابات الهوى وطليق

توفى الشيخ بن غانم فى هذه السنة، رحمه الله.

أبو الفتح نصر الله

(3)

بن هبة الله بن عبد الباقى بن هبة الله بن الحسين بن يحيى الغفارى الكنانى المصرى، ثم الدمشقى.

كان من أخصّاء الملك المعظم وولده الملك الناصر داود، وقد سافر معه إلى بغداد فى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وكان أديبا مليح المحاضرة، ومن أشعاره:

(1)

«فتلمذ» فى الأصل.

(2)

هو عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن التيمى البكرى الصوفى، شهاب الدين السهروردى، المتوفى سنة 632 هـ/ 1234 م - العبر ج 5 ص 129.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 4 ص 187 رقم 545، الطالع السعيد ص 676 رقم 538، شذرات الذهب ج 5 ص 252، السلوك ج 1 ص 385.

ص: 75

ولما أبيتم سادتى عن زيارتى

وعوضتمونى بالبعاد عن القرب

ولم تسمحوا بالوصل فى حال يقظتى

ولم يصطبر عنكم لرقية قلبى

نصبت لصيد الطيف نومى

حبالة فأدركت بالنوم بالنصب

الشريف أبو عبد الله محمد

(1)

بن الحسين الأرموى، الفقيه الشافعى، المعروف بقاضى العسكر.

تولى نقابة الأشراف، وقضاء العسكر، وترسّل إلى بغداد وغيرها، وصحب شيخ الشيوخ أبا الحسن بن حمويه

(2)

وتفقه عليه، وكان [343] من الرؤساء المذكورين والفضلاء المشهورين، توفى فى هذه السنة بمصر.

باطو

(3)

خان بن دوشى خان بن جنكز خان.

مات فى هذه السنة ببلاد الشمال، وكان لقبه صاين خان، ومعناه الملك الجيدّ، وكانت مدّة مملكته ببلاد الشمال ونواحى الترك والقفجاق مدّة عشر سنين، وهو ثانى ملك تملكها من ذرّية جنكز خان، وكرسىّ هذه المملكة تسمى صراى

(4)

، وخلّف

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الدليل الشافى ج 2 ص 616، الوافى ج 3 ص 17 رقم 877، السلوك ج 1 ص 385.

(2)

«تفقه على الصدر ابن حمويه» - السلوك ج 1 ص 385، وصدر الدين بن حمويه هو محمد بن عمر بن على بن محمد بن حمويه الجوينى، صدر الدين، أبو الحسن، المتوفى سنة 617 هـ/ 1220 م - العبر ج 5 ص 70.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: نهاية الأرب ج 27 ص 357.

(4)

صراى أو سراى: مدينة شمال غرب بحر الخزر (قزوين) - معجم البلدان.

ص: 76

من الأولاد ثلاثة وهم: صغان

(1)

وبركة وبركجار، فنازعهم أخوه المملكة، واستبدّ بها دونهم، وكان اسمه صرطق

(2)

بن دوشى خان بن جنكز خان، فاستقرّ فى هذه السنة فى الملك بالمملكة المذكورة.

(1)

«طغان» - نهاية الأرب ج 27 ص 357.

(2)

توفى سنة 652 هـ/ 1254 م - انظر ما يلى.

ص: 77

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السّنة الحادية والخمسين بعد السّتمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو المستعصم بالله.

وصاحب الديار المصريّة: الملك المعز أيبك الجاشنكير التركمانى الصالحىّ.

وصاحب الديار الدمشقيّة والحلبيّة والحمصيّة: الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر غازى بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.

وصاحب تدمر والرحبة: الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن المنصور.

وصاحب حماة: الملك المنصور ناصر الدين محمد بن المظفر تقى الدين محمود ابن المنصور بن المظفر تقى الدين محمود بن المنصور بن المظفر عمر بن شاهين شاه ابن أيوب.

وصاحب الكرك: الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن الملك الكامل.

وصاحب بعلبك وبصرى: الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن العادل.

وصاحب عينتاب: الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن الملك الظاهر غازى ابن صلاح الدين، ولكنه توفى فى هذه السنة على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

(*) يوافق أولها الإثنين 3 مارس 1253 م.

ص: 78

وصاحب ميافارقين: الملك الكامل ناصر الدين محمد بن المظفر غازى بن العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب.

وصاحب الموصل: الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ.

وصاحب الروم ثلاثة وهم: عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان، وعلاء الدين كيقباذ، أولاد غياث الدين كيخسرو، والسلطان الأكبر بالروم علاء الدين كيقباذ، وكرسيّه قونية.

وصاحب بلاد الشمال صرطق.

[344]

وصاحب قراقروم: منكوقان.

وصاحب العراق: هلاون.

وكان نائب السلطنة بالديار المصريّة: سيف الدين قطز، والوزير بها:

الصاحب شرف الدين الفائزى، وقاضى القضاة بدر الدين السنجارىّ استقلالا بالقاهرة ومصر المحروستين والوجهين القبلى والبحرىّ.

وكان الأمير الكبير فى الديار المصريّة فارس الدين أقطاى الجمدار الصالحى النجمىّ، واستفحل أمره فى هذه السنة، وانحازت إليه البحريّة، وأرسل إلى ابن الملك المظفر صاحب حماة

(1)

يلتمس وصلته، ويخطب إليه ابنته، وكان الرسول إليه الصاحب فخر الدين محمد

(2)

بن الصاحب بهاء الدين المعروف بابن حنّا، ولم

(1)

هو الملك المنصور محمد - انظر ما سبق.

(2)

هو محمد بن على بن محمد بن سليم، الوزير الصاحب فخر الدين أبو عبد الله، ابن الوزير الصاحب بهاء الدين، المتوفى سنة 668 هـ/ 1269 م - المنهل الصافى، الوافى بالوفيات ج 4 ص 185 رقم 1725.

ص: 79

يكن والده وزّر بعد، وإنما كان مرشّحا لذلك، فلما وصل إلى صاحب حماة تلقّاه بالإجلال وإجابة السّؤال، وجهّز ابنته بما يليق بمثلها.

فسمت نفس الأمير فارس الدين، وعلت رتبته، وكثرت أتباعه وشيعته على البحريّة وغيرهم من الخوشداشيّة بالإقطاعات والصلات والإطلاقات، وكانوا لا يعبأون بالملك المعزّ، ولا يلبّسونه ثوب عزّ؛ بل يهضمون جانبه، ويعطّلون مراسمه ومآربه، وينتقصون حرمته، ويغضون منه، وهو يسرّ ذلك كلّه ويخفيه، ويضمره فى نفسه ولا يبديه، وأعمل الحيلة على قتل الأمير فارس الدين أقطاى لأنه الرأس، وإذا قتله لا يثبت بنيان البحرية بغير أساس، فانقضت هذه السنة وهم على هذه الحال، والبحريّة منهمكون على اللّذات والصيد، والمعزّ ينصب لهم حبائل الكيد.

وفيها قدّم

(1)

فى الجيش المصرىّ بالفرنج، ووعدوهم أن يسلّموا إليهم بيت المقدس إن نصروهم على الشاميّين، وكان قد اشتدّت الحرب بينهم ونشبت، ودخل الشيخ نجم الدين البادرائى رسول الخليفة بينهم وأصلحهم.

وقال السبط: وقدم الشيخ البادرائى والنظام بن المولى

(2)

القاهرة، وحلّفا الملك المعزّ والأمراء، وخلّصا الأمراء المعظم وأخاه النصرة

(3)

، وابن صاحب

(1)

«قدما» فى الأصل.

(2)

هو نظام الدين أبو عبد الله محمد بن المولى الحلبى، كاتب الإنشاء بحلب - السلوك ج 1 ص 385.

(3)

«المعظم تورانشاه بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأخاه نصرة الدين» - السلوك ج 1 ص 386.

ص: 80

حمص، وغيرهم، [وبنت الأشرف

(1)

] وأولاد الصالح إسماعيل

(2)

، وغيرهم من المحبوسين.

وفيها: « ...............

(3)

».

وفيها: حج القاضى بدر الدين

(4)

قاضى مصر على البحر وعاد على البرّ، والأصح أن حجه [345] كان فى السنة الثانية والخمسين، وحج بالناس « ......

(5)

»

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - م 6

(1)

[] إضافة من مرآة الزمان ج 8 ص 789.

(2)

مرآة الزمان ج 8 ص 789.

(3)

« ......... » يباض فى الأصل.

(4)

هو بدر الدين السنجارى، يوسف بن الحسن بن على، المتوفى سنة 663 هـ/ 1264 م - انظر ما يلى.

(5)

« ...... » بياض فى الأصل.

ص: 81

‌ذكر من توفّى فيها من الأعيان

الشيخ المسند أبو القاسم عبد الرحمن

(1)

بن أبى الحرم، المعروف بابن الحاسب، سبط الحافظ أبى طاهر السّلفى، توفى فى هذه السنة بمصر.

الشيخ الفاضل أبو الفضائل أحمد بن يوسف المغربى القفصى، توفى فى هذه السنة بمصر، وله شعر حسن، ونثر جيّد، ومصنّفات فى عدّة فنون.

الشيخ الأديب أبو إسحاق إبراهيم

(2)

بن سليمان بن حمزة الدمشقّى، الكاتب المعروف بابن النجار.

توفى فى هذه السنة بدمشق.

وله شعر حسن، وكان أحد الكتاب المشهورين بجودة الحطّ، وقوّة الكتابة، وسافر إلى حلب، وإلى ديار مصر، وغيرها.

سعد الدين محمد

(3)

بن المؤيّد بن حمويه، ابن عمّ صدر الدين شيخ الشيوخ، توفى فى هذه السنة بخراسان.

(1)

هو عبد الرحمن بن مكى بن عبد الرحمن الإسكندرى، وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 208، السلوك ج 1 ص 389.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 65 رقم 29، العبر ج 5 ص 207، الوافى ج 5 ص 356 رقم 2436، شذرات الذهب ج 5 ص 253، العبر ج 5 ص 207.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 7 ص 31. مرآة الزمان ج 8 ص 790، وورد فى العبر وشذرات الذهب أنه توفى سنة 650 هـ - العبر ج 5 ص 206، شذرات الذهب ج 5 ص 251.

ص: 82

وكان زاهدا عابدا ورعا لطيفا، يتكلّم فى الحقيقة، وله مجاهدات ورياضات، وقدم مصر، وحج، وسكن الشام، فأقام بقاسيون مدة فى زاوية يتعبّد، ومعه جماعة من أصحابه، وكان فقيرا جدّا، ومع ذلك لم يكن يتردد إلى أحد من أبناء الدنيا، ولا إلى بنى عمه، ولما ضاق به الحد توجه إلى خراسان واجتمع بملوك التتار، فأحسنوا فيه الظن، وأعطوه مالا كثيرا، وأسلم على يده خلق كثير منهم، وبنى بآمد خانكاة وتربة إلى جانبها، وأقام يتعبّد، وله قبول عظيم هناك، فقال فى بعض الأيام: أريد أزور جّدى محمد بن حمّويه بجراباذ، ومضى إليه وزاره، وأقام عنده أسبوعا، فمات ودفن هناك إلى جانب جدّه، وقيل: إنه مات فى سنة خمسين وستمائة

(1)

.

الإمام جواهر زاده، العالم العلاّمة بدر الدين محمد

(2)

بن محمود بن عبد الكريم الكردرىّ المعروف بجواهر زاده، ابن أخت الشيخ شمس الدين الكردرىّ شمس الأئمة.

تفقه على خاله شمس الأئمة الكردرىّ، وتوفى سلخ ذى القعدة من سنة إحدى وخمسين وستمائة، ودفن عند خاله.

كمال الدّين أبو المكارم عبد الواحد

(3)

بن خطيب زملكا

(4)

.

(1)

هذه الترجمة تكاد أن تكون منقولة بنصها من مرآة الزمان ج 8 ص 790.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، والدليل الشافى ج 2 ص 703 رقم 2403 وفيه «الكردى» ، شذرات الذهب ج 5 ص 256.

(3)

هو عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصارى الزملكانى، كمال الدين أبو محمد.

وله أيضا ترجمة فى الذيل على الروضتين ص 187، العبر ج 5 ص 208، السلوك ج 1 ص 389، وورد فى شذرات الذهب أنه توفى سنة 65 هـ، ج 5 ص 250.

(4)

زملكا - زملكان: قرية بغوطة دمشق - معجم البلدان.

ص: 83

كان فاضلا، عالما خيّرا، متميّزا فى علوم متعددّة، وتولى قضاء صرخد، ودرّس [346] ببعلبك، ثم توفى فى دمشق فى ثامن المحرم

(1)

من هذه السنة، ودفن بمقابر الصوفيّة.

وكان أبوه عبد الكريم الخطيب، توفى فى سنة خمس وثلاثين وستمائة.

الملك الصّالح صلاح الدين أحمد

(2)

بن الملك الظاهر غازى بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب عينتاب

(3)

.

توفى فى شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة

(4)

بعينتاب ودفن فيها.

وكانت ولادته فى صفر سنة ستمائة بحلب، وكان ملكه عينتاب من سنة أربع وعشرين وستمائة، وكان أولا بيده الشغر وبكاس، فانتزعهما الأتابك طغرل وعوّضه عنهما بعينتاب والراوندان، واستمّر فى عينتاب إلى أن توفى بها فى هذه السنة، رحمه الله.

(1)

«فى سادس المحرم» - الذيل على الروضتين ص 187.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 55 رقم 237، الوافى ج 7 ص 276 رقم 3255، شذرات الذهب ج 5 ص 253، السلوك ج 1 ص 389، العبر ج 5 ص 207.

(3)

عينتاب: قلعة بين حلب وأنطاكية - معجم البلدان.

(4)

«وسبعمائة» فى الأصل، وهو تحريف

ص: 84

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثانية والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو المستعصم بالله.

وأصحاب البلاد وملوك الأطراف على حالهم، غير صاحب الشمال صرطق ابن دوشى خان بن جنكز خان، فإنه هلك فى هذه السنة على ما نذكره عن قريب، وكذلك هلك الأمير فارس الدين أقطاى قتيلا.

‌ذكر مقتل فارس الدين أقطاى:

قال بيبرس: وفى هذه السنة عزم الملك المعزّ على قتله، واتفق مع مماليكه على حيلة، فلما كان فى شهر شعبان أرسل إليه يستدعيه موهما له أنه يستشيره فى مهمات من الأمور، ويعرض عليه آراء من التدبير، وقد كمن له كمينا من مماليكه وراء قاعة الأعمدة

(1)

بالقلعة، وقرّر معهم أنه إذا مرّ مجتازا بالدهليز يبتدرونه بسرعة ويعاجلونه بالصرعة، فلما وردت إليه رسالة المعزّ بادر بالركوب فى نفر يسير من مماليكه من غير أن يعلم أحدا من خوشداشيّته، لثقته بتمكن حرمته، وطلع القلعة آمنا، ولم يدر بما كان له كامنا، فلما وصل إلى باب القلعة منع مماليكه من الدخول معه، ووثب عليه المماليك المعزيّة فعلوه بالمشرفيّة، وأذاقوه كأس المنيّة، وقتلوه على مكانته، ولم ينجده أحد من بطانته.

(*) يوافق أولها السبت 21 فبراير 1254 م.

(1)

قاعة كبرى بالقلعة برسم خوند الكبرى - زبدة كشف الممالك ص 26 .. ؟؟؟

ص: 85

وفى تاريخ النويرىّ: وفى هذه السنة [347] اغتال الملك المعزّ أيبك التركمانى المستولى على مصر خشداشه الفارس أقطاى الجمدار، وأوقف له فى بعض دهاليز الدور التى بقلعة الجبل ثلاث مماليك وهم: قطز وبهادر وسنجر الغتمى، فلما مرّ بهم أقطاى ضربوه بسيوفهم فقتلوه

(1)

.

‌ذكر ترجمة أقطاى:

ويقال له: أقطايا

(2)

، كان من مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيّوب، وكان أحد الجمداريّة عنده، ثم ترقت به الحال إلى أن استولى على الديار المصرية، وتقدم على البحرية الذين أهلكوا الناس.

وقال ابن واصل: وكان أقطاى إذا ركب يقتل

(3)

بين يديه جماعة بأمره، وكانت خزائن مصر بيده، وكان أصحابه يأخذون أموال الناس وحريمهم وأولادهم أخذا باليد، ولا يقدر أحد على منعهم، ويدخلون حمامات النساء فيأخذون منهنّ من يختارون.

وكان أقطاى يمنع الملك المعزّ أيبك من الاستقلال بالسلطنة، وكان الاسم للملك الأشرف موسى بن يوسف بن الملك الكامل بن العادل بن أيّوب، فلما قتل

(1)

ملخصا عن مخطوط نهاية الأرب ج 27 ورقة 122.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 502 رقم 505، النجوم الزاهرة ج 7 ص 10 - 12، العبر ج 5 ص 21، الوافى ج 9 ص 317 ترجمة 4250، شذرات الذهب ج 5 ص 255، مرآة الزمان ج 8 ق 2 ص 792 - 793.

(3)

«شعل» فى السلوك، وهو تحريف ج 1 ص 379.

ص: 86

أقطاى استقلّ أيبك بالسلطنة، وأبطل الأشرف المذكور بالكليّة، وبعث به إلى عمّاته القطبيّات

(1)

، والأشرف المذكور آخر من خطب له من بيت بنى أيّوب بالسلطنة فى مصر، وكان انقضاء دولتهم من الديار المصرية فى هذه السنة.

‌ذكر ما تجدّد للبحريّة الصالحيّة بعد موت أقطاى المذكور:

ولما شاع الخبر بموته قتيلا، وبلغ خوشداشيّته الأمر ضاق بهم الفضاء، وحاق بهم القضاء، وتحققوا أنهم متى تلبّثوا أخذوا بالنواصى والأقدام، وألحقوا به فى الإعدام، فأجمعوا أمرهم على التوجه إلى الشام، وكان منهم من الأمراء الأعيان: الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ، والأمير سيف الدين قلاوون الألفى، والأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير بدر الدين بيسرى الشمسى، والأمير سيف الدين سكز، والأمير سيف الدين برامق، وغيرهم، فرأوا الرواح خيرا من الإقامة، واتفقوا وخرجوا ليلا فوجدوا باب المدينة [348] الذى قصدوا الخروج منه مغلقا، فأضرموا فيه نارا، وهو الباب المعروف بباب القرّاطين

(2)

، وتوجّهوا على حميّة نحو البلاد الشاميّة، وقصدوا الملك الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب وغيرهما ليكونوا عنده من جملة العساكر، ولما أصبح المعزّ بلغه تسحّبهم من المدينة، فأمر بالحوطة على أملاكهم وأموالهم ودورهم وغلالهم

(1)

هن بنات الملك العادل أبى بكر بن أيوب، وأخوات إبنه الملك الكامل محمد، ويعرفن بالقطبيات نسبة إلى شقيقهن الملك المفضل قطب الدين أحمد، وكانت مساكنهن بقلعة الجبل بالقاهرة - مفرج الكروب - حوادث سنة 648 هـ.

(2)

هو باب القاهرة الشرقى، وعرف بعد الحريق باسم «الباب المحروق» - المواعظ والاعتبار ج 1 ص 383.

ص: 87

ونسوانهم وغلمانهم وأتباعهم وأشياعهم، واستصفيت أموالهم وذخائرهم وشونهم، واستتر من تأخرّ منهم، واختفى من انقطع من الأتباع عنهم، ونودى عليهم فى الأسواق والشوارع والطرقات والقوارع بتهديد من يأوى منهم أحد عنده، وتمكن الملك المعزّ من المملكة، وارتجع ثغر الإسكندرية

(1)

إلى الخاصّة السلطانية، وأبطل ما قررّه من الجبايات ووزّعه من الجنايات، وأعفى الرعية من المطالبات والمصادرات.

‌ذكر وصول البحرية إلى الشّام:

ولما وصلت البحريّة المذكورون الهاربون من مصر إلى الملك الناصر يوسف صاحب الشام أطمعوه فى ملك مصر، فرحل من دمشق بعسكره ونزل غمتا من الغور، فأرسل إلى غزّة عسكرا فنزلوا بها، وكذلك برز المعزّ أيبك صاحب مصر إلى العبّاسة، وخرجت السنة وهم على ذلك.

وفى تاريخ النويرىّ: ولما قتل أقطاى تفرقت أصحابه وانعزل منهم جماعة، تقدير اثنى عشر نفرا، وخرجوا هاربين خوفا من المعزّ، فوقعوا فى التّيه، فذكروا أنهم أقاموا فيه خمسة أيام حائرين؛ ثم نفذ زادهم وماؤهم فى اليوم السادس، ولاح لهم سواد على بعد، فقصدوه، فإذا هو مدينة عظيمة ذات أسوار وأبواب حصينة كلها من الرخام الأخضر، فدخلوها، فوجدوا الرمل ينبع من أرضها كنبع الماء، فطافوا بأسواقها ودورها، فلم يجدوا بها ما يأخذون، لأن جميع

(1)

كان الملك المعز أيبك قد أقطع الفارس أقطاى ثغر الإسكندرية سنة 650 هـ/ 1252 م - انظر السلوك ج 1 ص 384.

ص: 88

أوانيهم وملابسهم

(1)

تتفتّت كالهباء إلا أنهم وجدوا فى بعض المواضع تسعة دنانير منقوش عليها صورة غزال وحوله أسطر بالعبرانيّة، ثم وجدوا مكانا ابريدون [349] فحفروه، فطلعت لهم بلاطة، فرفعوها فإذا صهريج ماء أبرد من الثلج، فشربوا واستقوا وسافروا تلك الليلة، فوقعوا على قبيلة من العرب، فحملوهم إلى الملك المغيث صاحب الكرك

(2)

، فأمر بهم فنزلوا فى الربض، ثم عرضوا تلك الدنانير على الصيارف، فقال بعضهم: هذه ضربت فى أيام موسى عليه السلام، فسألنا عن قصتها، فأخبرنا، فقال: هذه المدينة الخضراء بنيت لما كان بنو إسرائيل فى التّيه، ولها طوفان من رمل، فتارة يزيد وتارة ينقص، وهى مخفية لا يقع عليها إلا تائه، ثم بعنا كل دينار بمائة درهم

(3)

.

‌ذكر هلاك صرطق

(4)

بن دوشى خان بن جنكز خان صاحب البلاد الشمالية:

مات فى هذه السّنة حتف أنفه، وكانت مدّة مملكته سنة وشهرا، ولم يكن له ولد يلى المملكة بعده، وكانت براق شين زوجة طغاى

(5)

بن أخيه [باطو خان

(6)

] قد أرادت أن تولى ولدها تدان منكو السلطنة، وكانت لها بسطة وتحكم، فلم يوافقها الخانات أولاد باطو وبقيّة الأمراء فلما رأت أنهم لم يوافقوها راسلت

(1)

«ملابيسهم» فى الأصل.

(2)

«فحملوهم إلى الكرج» فى السلوك ج 1 ص 391.

(3)

لم يرد هذا الخبر فى مخطوط نهاية الأرب التى بين أيدينا، وانظر السلوك ج 1 ص 391.

(4)

«طرطق» فى السلوك ج 1 ص 394.

(5)

«صغان» فيما سبق، و «طغاى» فى نهاية الأرب ج 27 ص 357.

(6)

[] إضافة من نهاية الأرب ج 27 للتوضيح.

ص: 89

هلاون، وأرسلت إليه نشابا بلا ريش، وقباء بلا بنود، وبعثت تقول له:

قد فرغ الكاشن من النشاب، وخلا القرنان من القوس، فتحضر لتتسلم الملك،

ومعنى

(1)

هذه الرسالة: إنه لم يبق ممانع ولا مدافع، ثم سارت فى إثر الرسول تقصد اللحاق بهلاون وإحضاره إلى بلاد الشمال.

وكان

(2)

أول من دخل البلاد الشماليّة ومملكتها من أولاد جنكز خان دوشى خان، واستقر بها إلى حين هلاكه، فملكها بعده ولده باطو خان، ثم ملكها بعده ولده

(3)

الثانى صرطق، فلما عزمت براق شين على ذلك، بلغ القوم ما أرادته، فأرسلوا فى إثرها، وأعادوها كارهة، وغرقوها جزاء بما فعلت.

‌ذكر جلوس بركة فى المملكة:

ولما جرى ما ذكرنا، جلس بركة خان فى كرسى المملكة، وبركة خان هذا هو ابن باطو خان بن دوشى خان بن جنكز خان، ولما ملك البلاد أسلم وحسن إسلامه، وأقام منار الدين، وأظهر شعائر المسلمين، وأكرم الفقهاء [350] والعلماء، وأدناهم، وأبرّهم، ووصلهم، واتخذ المساجد والمدارس بنواحى مملكته، وأخذ بالإسلام جلّ عشيرته، ونفذ أمره، وامتدّت أيامه، وأسلمت زوجته حجك خاتون، واتخذت لها مسجدا من الخيم

(4)

يحمل معها حيث اتجهت، ويضرب حيث نزلت، وكان من شأنها وشأن زوجها ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

(1)

«وهى» فى الأصل، والتصحيح يتفق وسياق الكلام.

(2)

«فكان» فى الأصل.

(3)

المقصود ولد دوشى خان - انظر ما سبق.

(4)

«من الخيام» نهاية الأرب ج 27 ص 359.

ص: 90

وفى تاريخ بيبرس: وكان السبب فى إسلام بركة خان أن الشيخ نجم الدين الكبراء

(1)

كان قد ظهر صيته وارتفع ذكره، ففوّق مريديه إلى المدن العظام، ليظهروا بها شعائر الإسلام، وأرسل سعد الدين الحموىّ إلى خراسان، وكمال الدين السرياقى إلى تركستان، ونظام الدين الجندى إلى قفجاق، وسيف الدين الباخرزى إلى بخارى، فلما استقر الباخرزى ببخارى أرسل تلميذا له كبير المحلّ عنده إلى بركة خان، فاجتمع به ووعظه، وحبّب إليه الإسلام، وأوضح له منهاجه، فأسلم على يده، واستمال بركة عامّة أصحابه إلى الإسلام، وقصد أن يبرّ الشيخ بشئ قبالة ما أسداه إليه، فأمر له ببايزة

(2)

بالبلاد التى هو فيها ليكون وقفا على الفقراء والصلحاء وتجبى أموالها إليه، وأرسل البايزة إلى الباخرزى، فلما وصلته قال لرسوله: ما هذه؟ قال: هذه تكون فى يد الشيخ تحمى كل من يكون من جهته.

فقال: اربطها على حمار، ثم أرسله إلى البريّة، فإن حمته من الذهاب

(3)

فأنا أقبلها، وإن كانت لا تحمى الحمار فما عساه لى فيها، وأبى أن يقبلها، فعاد الرسول وأخبر بركة بما قال الشيخ، فقال بركة: أنا أتوجّه إليه بنفسى، فسار نحوه، ووصل إلى بخارى، وأقام بباب الشيخ ثلاثة أيام، وهو لا يأذن له فى الدخول إليه،

(1)

«نجم الدين كبرا» فى السلوك ج 1 ص 395.

(2)

البايزة: لوحة من الذهب أو الفضة، وفى بعض الأحيان من الخشب، وذلك على حسب رتب الأشخاص، وينقش على وجهها اسم الله واسم السلطان وعلامة خاصة، وتهدى إلى الأشخاص الذين يتمتعون بثقة المغول، كما أنها تتضمن أمر الملك لسفرائه، ويتمتع حاملها بامتيازات خاصة فله الطاعة على كل من فى الدولة المغولية - انظر جامع التواريخ - المجلد الثانى - الجزء الأول ص 247 هامش (1).

(3)

هكذا الأصل، ولعلها «الذئاب» .

ص: 91

حتى تحدّث معه بعض مريديه، فقال: إن هذا ملك كبير، وقد أتى من بلد بعيد يلتمس التبرّك بالشيخ والحديث معه، فلا بأس بالإذن له، فأذن له عند ذلك، فدخل إليه وسلم عليه، وكان الشيخ متبرقعا فلم يكشف له عن وجهه، ووضع بين يديه [351] مأكولا، فأكل منه، وجدّد إسلامه على يده، وعاد عنه إلى بلده.

‌ذكر بقيّة الحوادث:

منها: أنه وردت الأخبار من مكة، شرفها الله، بأن نارا ظهرت فى أرض عدن فى بعض جبالها بحيث أنه يظهر شررها إلى البحر فى الليل، ويصعد منها دخان عظيم فى أثناء النهار، فما شكّوا أنها النار التى ذكر النبىّ صلى الله عليه وسلم أنها تظهر فى آخر الزمان، فتاب الناس، وأقلعوا عما كانوا عليه من المظالم والفساد، وشرعوا فى أفعال الخير والصدقات.

ومنها: أن الشريف المرتضى وصل من الروم ومعه بنت علاء الدين كيقباذ صاحب الروم ملكة خاتون التى خطبها الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، فزفت إليه بدمشق، ودخل بها، واحتفل لها احتفالا عظيما.

قال السبط: وتلقاها قضاة البلاد، والولاة، والنواب، بالهدايا والإقامات، من الروم إلى دمشق

(1)

.

ومنها: أن الملك المنصور صاحب حماة ولّى قضاء حماة للقاضى شمس الدين إبراهيم بن هبة الله بن البارزى بعد عزل القاضى المحيى حمزة بن محمد.

(1)

مرآة الزمان ج 8 ص 791.

ص: 92

ومنها: أن هلاون شن الغارات على بلاد الإسماعيليّة وقلاعهم ومعاقلهم، وهم المسمّون بالملاحدة، فنهب وسبى، وفتح فى هذه السنة قلعتين من قلاعهم إحداهما

(1)

تسمى قلعة صرطق والأخرى قلعة تون، واستمرّ على النهب والغارة ومضايقة القلاع.

وفيها: « ......... »

(2)

.

وفيها: حج بالناس « ......... »

(3)

.

(1)

«إحديهما» فى الأصل.

(2)

« ...... » بياض فى الأصل.

(3)

« ...... » بياض فى الأصل.

ص: 93

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الخسرو شاهى المتكلم عبد الحميد

(1)

بن عيسى شمس الدين.

أحد مشاهير المتكلمين، وممن اشتغل على الفخر الرازى فى الأصول وغيرها، ثم قدم الشام فلزم الملك الناصر داود بن الملك المعظم وحظى عنده.

وقال أبو شامة: وكان شيخا نبيها

(2)

فاضلا متواضعا حسن الظاهر.

وقال السبط: كان كيّسا، محضر خير، لم ينقل عنه أنه أذى أحدا، فإن قدر على نفع وإلا سكت

(3)

.

توفى رحمه الله بدمشق، [352] ودفن بقاسيون على باب تربة المعظم.

الشيخ كمال الدّين [محمد بن أحمد بن هبة الله

(4)

] ابن طلحة الذى ولى الخطابة بدمشق بعد الدولعى، ثم عزل وصار إلى الجزيرة، فولى قضاء نصيبين، ثم صار إلى حلب، فتوفى فيها فى هذه السنة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 2 ص 257 رقم 245، مرآة الزمان ج 8 ص 793، النجوم الزاهرة ج 7 ص 32، العبر ج 5 ص 211، شذرات الذهب ج 5 ص 255، البداية والنهاية ج 13 ص 185، الذيل على الروضتين ص 188.

وينسب إلى خسرو شاه: قرية من قرى تبريز - معجم البلدان.

(2)

«مهيبا» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين ص 188.

(3)

مرآة الزمان ج 8 ص 793.

(4)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 396 التوضيح.

وانظر ترجمته أيضا فى: السلوك ج 1 ص 396، البداية والنهاية ج 13 ص 186، الذيل على الروضتين ص 188، العبر ج 5 ص 213، شذرات الذهب ج 5 ص 259.

ص: 94

وقال أبو شامة: وكان فاضلا، عالما، طلب أن يلى الوزارة فامتنع من ذلك، وكانت وفاته فى السابع والعشرين من رجب منها

(1)

.

السّديد

(2)

بن علان، آخر من روى عن الحافظ ابن عساكر سماعا، مات فى هذه السنة بدمشق.

الناصح فرج

(3)

بن عبد الله الحبشى.

كان كثير السماع مسندا خيّرا صالحا، مواظبا على سماع الحديث وإسماعه إلى أن مات بدار الحديث النوريّة بدمشق فى هذه السنّة

(4)

.

القاضى الفقيه أبو القاسم محمد بن أبى إسحاق إبراهيم الحموى الشافعى المعروف بابن المنقشع المنعوت بالعباد.

ولى القضاء بحماة، وترسّل عن صاحب حمص إلى بغداد مرارا، ودخل مصر، وتولى القضاء بها، ثم خرج إلى الشام فتوفى فيها.

(1)

انظر الذيل على الروضتين ص 188.

(2)

هو مكى بن المسلم بن مكى بن خلف بن علان القيسى، السديد.

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 186 وفيه «السيد بن علان» ، الذيل على الروضتين ص 188، العبر ج 5 ص 213، وورد اسمه: السديد بن مكى فى شذرات الذهب ج 5 ص 260.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 186، الذيل على الروضتين ص 188، العبر ج 5 ص 213، شذرات الذهب ج 5 ص 259.

(4)

دار الحديث النورية بدمشق: تنسب إلى الملك العادل نور الدين محمود، المتوفى سنة 569 هـ/ 1173 م - الدارس ج 1 ص 99 وما بعدها.

ص: 95

الشيخ أبو شجاع بكبرس

(1)

بن عبد الله التركى الفقيه الحنفى المعروف بنجم الدين الزاهد مولى الخليفة الناصر لدين الله

(2)

.

توفى فى هذه السنة، ودفن بتربة الإمام أبى حنيفة، رضى الله عنه، ببغداد وقال صاحب طبقات الحنفيّة: بكبرس بن يلنقح أبو الفضائل وأبو شجاع الفقيه الأصولىّ الملقّب نجم الدين التركىّ الناصرى مولى الإمام الناصر لدين الله، وله مختصر فى الفقه على مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه نحو من القدورى

(3)

اسمه الحاوى، وله شرح العقيدة للطحاوى، فى مجلد كبير ضخم فيه فوائد، سماه بالنور اللامع والبرهان الساطع

(4)

.

(1)

«بكبرش - وقيل بكتاش - أبو الفضل، وأبو شجاع، نجم الدين التركى الناصرى» - فى المنهل الصافى ج 3 ص 384 رقم 674، وورد «بكبرس بن يلتقلج، وأن اسمه كان أولا منكوبرس، فسمى بكبرس» - انظر الوافى ج 10 ص 187، تاج التراجم ص 19، وانظر أيضا طبقات الحنفية.

(2)

هو الخليفة العباسى أبو العباس أحمد الناصر لدين الله، الذى ولى الخلافة العباسية ببغداد فى الفترة 575 - 622 هـ/ 1180 - 1225 م - تاريخ الدول الإسلامية ص 13.

(3)

هو الإمام أحمد بن محمد القدورى البغدادى الحنفى، المتوفى سنة 428 هـ/ 1036 م، وله كتاب «مختصر القدورى فى الفروع» فى فقه الحنفية - هدية العارفين ج 1 ص 13، 74.

(4)

«النور اللامع والبرهان الساطع فى شرح عقائد الطحاوى» - هدية العارفين ج 1 ص 233.

والطحاوى هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدى، أبو جعفر، المتوفى سنة 321 هـ/ 933 م، وله «بيان السنة والجماعة فى العقائد» - هدية العارفين ج 1 ص 58.

ص: 96

وذكره الصاحب ابن العديم فى تاريخ حلب، وقال: فقيه حسن، عارف بالفقه والأصول، وكان يلبس لبس الأجناد: القباء

(1)

والشربوش

(2)

، عرض عليه المستنصر قضاء القضاة ببغداد وأن يلبس العمامة، فامتنع من ذلك

(3)

.

قال ابن العديم: وبلغنى أنه كان اسمه أولا منكو برس فسمىّ بكبرس، وكان خيّرا، ورعا تقيّا، فاضلا، حسن الطريقة، وتوفى فى أوائل ربيع الأول من هذه السنة، ودفن إلى جانب قبر أبى حنيفة رحمه الله[353] فى القبّة فى الرّصافة.

وبكبرس بفتح الباء الموحّدة، وسكون الكاف، وفتح الباء الثانية، وسكون الراء، وفى آخره سين مهملة.

ويلنقلح: بفتح الياء آخر الحروف، واللام، وسكون النون، وكسر القاف، وكسر اللام الثانية، وفى آخره حاء مهملة.

الشيخ أبو الخير بن عثمان بن محمد بن حاجى المقرئ توفى بمصر فى هذه السنة.

الشيخ الفقيه العالم أبو البركات عبد السّلام

(4)

بن عبد الله الحرانى الحنبلى، مات فى هذه السنة بحرّان.

(1)

القباء: من الملابس فى عصر المماليك وتشبه القفطان، وهى ضيقة الأكمام - دوزى، الملابس المملوكية ص 41 وما بعدها.

(2)

الشربوش: لباس للرأس، يلبس بدل العمامة، ويلبسه الأمراء والأجناد - دوزى، الملابس المملوكية ص 51.

(3)

انظر أيضا المنهل الصافى ج 3 ص 384.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 2 ص 323 رقم 278، النجوم الزاهرة ج 7 ص 23، طبقات القراء ج 1 ص 385 رقم 1647، السلوك ج 1 ص 395 - 396، البداية والنهاية ج 13 ص 185.

ص: 97

الأديب أبو الفتوح ناصر

(1)

بن ناهض اللحمى المعروف بالحصرى.

كان شاعرا محسنا، ومن شعره المعشّرات المشهورة التى مطلعها:

أما لك باداء المحبّ دواء

بلى عند بعض الناس منك شفاء

وغيرها من القصائد.

مات فى هذه السنة بمصر، رحمه الله.

شهاب الدين بن كجبابات، شرب الخمر

(2)

، فأصبح سكرانا، ميّتا.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الدليل الشافى ج 2 ص 757 رقم 2578.

(2)

«بشرب الخمر» فى الأصل، والتصحيح يتفق والسياق.

ص: 98

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثالثة والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو المستعصم بالله.

وصاحب الديار المصرية: السلطان الملك المعز أيبك.

وصاحب الديار الشامية: السلطان الملك يوسف بن العزيز.

وصاحب الروم: أولاد الملك غياث الدين كيخسرو وهم ثلاثة: كيكاوس وقليج أرسلان وكيقباذ، وأبوهم مات فى سنة أربعة وخمسين وستمائة على ما نذكره، وعند بعض المؤرخين مات فى سنة إحدى وخمسين وستمائة، فاستقر أولاده الثلاثة فى السلطنة متشاركين فيها، وإن كان تأخر موته إلى سنة أربعة وخمسين كما ذكرناه الآن، فى حياة أبيهم، والله أعلم.

وصاحب البلاد الشمالية: بركة خان.

وصاحب العراق: هلاون اللعين.

وصاحب إفريقية فى الغرب: محمد بن أبى زكريا يحيى، ولكنه مات فى ستة خمس وسبعين وستمائة.

قال السبط: وفى سنة الثانية والخمسين وستمائة وصلت الأخبار من المغرب باستيلاء إنسان على إفريقية، وادعى الخلافة

(1)

، وتلقب بالمستنصر، وخطب له

(*) يوافق أولها الأربعاء 10 فبراير 1255 م.

(1)

هو أحمد بن مرزوق بن أبى عمارة البجائى المغربى، السلطان الدعى، قتل سنة 683 هـ/ 1284 م - المنهل الصافى ج 2 ص 215 رقم 313، تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ص 46، الحلل السندسية ج 1 ق 4 ص 1036.

ص: 99

فى تلك البلاد والنواحى، وأظهر العدل والإحسان

(1)

والإنصاف، وبنى له برجا، وأجلس الوزير والقاضى والمحتسب [354] والوالى بين يديه يحكمون بين الناس

(2)

.

وقال الشيخ الفاضل ركن الدين

(3)

: الحفصيون الذين ملكوا تونس أولهم أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتى، بتاءين مثناتين من فوق، وهى قبيلة من المصامدة، ويزعمون أنهم قرشيّون من بنى عدى بن كعب رهط عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وكان أبو حفص المذكور من أكبر أصحاب ابن تومرت

(4)

بعد عبد المؤمن

(5)

، وتولى عبد الواحد بن أبى حفص المذكور [إفريقية

(6)

] نيابة عن بنى عبد المؤمن فى سنة ثلاث وستمائة، ومات فى ذى الحجة

(7)

سنة ثمانية عشر وستمائة، وتولى بعده أبو العلاء

(8)

من بنى عبد المؤمن، ثم توفى، فعادت إفريقية إلى ولاية الحفصيين، وتولى منهم عبد الله بن عبد الواحد بن أبى حفص فى سنة

(1)

«والإحسان» ساقط من مرآة الزمان.

(2)

ورد هذا الخبر فى مرآة الزمان فى حوادث سنة 652 هـ، ج 8 ص 791.

(3)

«ركن الدين بن قوبع التونسى» - المختصر ج 3 ص 187.

(4)

هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن، الإمام المهدى ابن تومرت، توفى حوالى سنة 524 هـ/ 1130 م - تاريخ الدولتين ص 7، وفيات الأعيان ج 5 ص 45 رقم 688، الاستقصا ج 2 ص 97.

(5)

هو عبد المؤمن بن على القيسى الكومى، المتوفى سنة 558 هـ/ 1163 م - وفيات الأعيان ج 3 ص 237 رقم 408، تاريخ الدولتين ص 13، الاستقصا ج 2 ص 144.

(6)

[] إضافة من المختصر للتوضيح.

(7)

» توفى يوم الخميس أول المحرم فاتح عام ثمانية عشر وستمائة» - انظر تاريخ الدولتين ص 19، المؤنس ص 131.

(8)

«أبو المعلى» فى الأصل، والتصحيح من المختصر الذى ينقل عنه المؤلف، وهو إدريس ابن يوسف بن عبد المؤمن - تاريخ الدولتين ص 20.

ص: 100

ثلاث وعشرين وستمائة

(1)

، ولما تولى ولى أخاه أبا زكريا يحيى قابس

(2)

، وأخاه أبا إبراهيم إسحاق بلاد الجريد

(3)

، ثم خرج على عبد الله - وهو على قابس - أصحابه ورجموه وطردوه، وولوا موضعه أخاه أبا زكريا بن عبد الواحد سنة خمس وعشرين

(4)

وستمائة.

فنقم بنو عبد المؤمن على أبى زكريا ذلك، وأسقط أبو زكريا اسم عبد المؤمن من الخطبة، وبقى متملكا لإفريقية وخطب لنفسه بالأمير المرتضى، واتسعت مملكته، وفتح تلمسان، والمغرب الأوسط، وبلاد الجريد والزاب، وبقى كذلك إلى أن توفى على بونة فى سنة سبع وأربعين

(5)

وستمائة.

وأنشأ فى تونس بنايات عظيمة شامخة، وكان عالما بالأدب، وخلف أربع بنين وهم: أبو عبد الله محمد، وأبو إسحاق إبراهيم، وأبو حفص عمر، وأبو بكر وكنيته أبو يحيى، وخلف أخوين وهما أبو إبراهيم إسحاق، ومحمد اللحيانى ابنى عبد الواحد بن أبى حفص.

وكان محمد اللحيانى صالحا منقطعا يتبرك به الناس.

(1)

«فى يوم السبت سابع عشر ذى القعدة من عام ثلاثة وعشرين وستمائة» - تاريخ الدولتين ص 21.

(2)

قابس: مدينة وميتاء هام - المغرب ص 17.

(3)

«وعقد لأخيه أبى إبراهيم على توزر ونفطة وسائر بلاد قسطيلية» - تاريخ الدولتين ص 21.

(4)

«سنة اثنتين وستين» - المختصر ج 3 ص 188، وهو تحريف - أنظر ما يلى، وانظر تاريخ الدولتين ص 23.

(5)

«سنة أربع وأربعين» - فى الأصل، والتصحيح من المختصر ج 3 ص 188، والمؤنس ص 134، وورد فى تاريخ الدولتين أنه توفى سنة 646 هـ ص 30.

ص: 101

ثم تولى بعده ابنه أبو عبد الله محمد بن أبى زكريا، ثم سعى عمه أبو إبراهيم فى خلعه، وبايع لأخيه محمد اللحيانى الزاهد على كره منه لذلك، فجمع أبو عبد الله [محمد

(1)

] المخلوع أصحابه فى يوم خلعه، وشد على عميه فقهرهما وقتلهما، واستقر فى ملكه، وتلقب بالمستنصر بالله أمير المؤمنين أبى عبد الله محمد ابن الأمراء الراشدين

(2)

.

وفى أيامه [فى سنة ثمان وستين وستمائة

(3)

] وصل الفرنسيس

(4)

إلى إفريقية بجموع الفرنج، وأشرفت [355] إفريقية على الذهاب، فقصمه الله تعالى، ومات الفرنسيس لعنه الله، وتفرقت تلك الجموع.

وفى أيامه خاف أخوه أبو إسحاق إبراهيم بن أبى زكريا، فهرب، ثم أقام بتلمسان، وبقى المستنصر المذكور كذلك حتى توفى حادى عشر ذى الحجة سنة خمس وسبعين وستمائة

(5)

.

وملك بعده ابنه يحيى بن محمد بن أبى زكريا وتلقب بالواثق بالله أمير المؤمنين، وكان ضعيف الرأى، فتحرك عليه عمه أبو إسحاق إبراهيم الذى هرب وأقام بتلمسان، وغلب على الواثق فخلع نفسه، واستقر أبو إسحاق إبراهيم فى المملكة فى ربيع الأول سنة ثمان وسبعين

(6)

وستمائة، وخطب لنفسه بالأمير المجاهد، وترك

(1)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 188 التوضيح.

(2)

«وذلك سنة 657 هـ» - أنظر المؤنس ص 135.

(3)

[] إضافة من المختصر للتوضيح، وانظر أيضا المؤنس ص 136.

(4)

المقصود لويس التاسع - انظر شمال أفريقيا والحركة الصليبية.

(5)

المؤنس ص 137، الفارسية ص 134.

(6)

انظر الفارسية ص 137، المؤنس ص 138.

ص: 102

زى الحفصييّن، وأقام على زىّ زناته، وأقام على الشرب، وفرق المملكة على أولاده، فوثب أولاده على الواثق المخلوع، فذبحوه وذبحوا معه ولديه الفضل والطيّب ابنى يحيى الواثق، وسلم للواثق ابن صغير يلقّب أبا عصيدة، لأنهم يصنعون للنفساء

(1)

عصيدة فيها أدوية يهدى منها للجيران، فعملت أم الصبى ذلك، فتلقب ولدها بأبى عصيدة، ثم ظهر إنسان [ادعى

(2)

] أنه الفضل بن الواثق الذى ذبح مع أبيه

(3)

، واجتمعت عليه الناس، وقصد ابا إسحاق إبراهيم وقهره، فهرب أبو إسحاق إلى بجاية، وبها ابنه أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم، فترك أبو فارس أباه ببجاية، وسار بإخوته

(4)

وجمعه إلى الدعى بتونس، والتقى الجمعان، فانهزم عسكر بجاية، وقتل أبو فارس وثلاثة من إخوته، ونجا له أخ اسمه يحيى بن إبراهيم وعمه أبو حفص عمر بن أبى زكريا.

ولما هزم الدعى عسكر بجاية وقتل المذكورين أرسل إلى بجاية من قتل أبا إسحاق إبراهيم وجاءه برأسه، ثم تحدث الناس بدعوة الدعى، واجتمعت العرب على عمر بن أبى زكريا بعد هروبه من المعركة وقوى أمره، وقصد الدعى ثانيا بتونس وقهره، واستتر الدعى

(5)

فى بعض المواضع

(6)

بتونس، ثم أحضر واعترف بنسبه وضربت عنقه.

(1)

«للنساء» فى الأصل، والتصحيح من المختصر.

(2)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 188 للتوضيح.

(3)

«مع ابنه» فى المختصر، وهو تحريف.

(4)

«بأخويه» - فى المختصر، وهو تحريف - انظر ما يلى.

(5)

«الداعى» فى المختصر ج 3 ص 189، وهو تحريف.

(6)

«فى دور بعض التجار» - المختصر.

ص: 103

وكان الدعى

(1)

المذكور من أهل بجاية واسمه أحمد

(2)

بن مرزوق بن أبى عمارة

(3)

، وكان أبوه يتجر إلى بلاد السودان، وكان الدعىّ المذكور مجازفا قصّيفا

(4)

، وسار إلى ديار مصر ونزل بدار الحديث الكاملية، [356] ثم عاد إلى المغرب، فلما مر

(5)

على طرابلس، كان هناك شخص أسود يسمى نصيرا كان خصيصا بالواثق المخلوع قد هرب لما جرى للواثق ما جرى، وكان فى أحمد الدعىّ بعض الشبه من الفضل بن الواثق، فدبر مع نصير المذكور الأمر، فشهد له أنه الفضل بن الواثق، واجتمعت عليه العرب، وكان منه ما ذكرناه حتى قتل.

وكان الدعى يخطب له بالخليفة الإمام المنصور بالله القائم بحق الله أمير المؤمنين [ابن أمير المؤمنين

(6)

] أبى العباس الفضل.

ولما استقر أبو حفص عمر فى المملكة، وقتل الدعى تلقب بالمستنصر بالله [أمير المؤمنين

(7)

]، وهو المستنصر الثانى.

ولما استقر فى المملكة سار ابن أخيه يحيى بن إبراهيم بن أبى زكريا الذى سلم من المعركة إلى بجاية وملكها، وتلقب بالمنتخب لإحياء

(8)

دين الله أمير المؤمنين،

(1)

«الداعى» فى الأصل والمختصر، وهو تحريف.

(2)

انظر ما سبق.

(3)

«بن أبى عمار» - المختصر ج 3 ص 189.

(4)

قصف: أقام فى أكل وشرب ولهو، وأكثر من ذلك - المنجد.

(5)

«مر» مكررة فى الأصل.

(6)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 189.

(7)

[] إضافة من المختصر.

(8)

«بإحياء» فى الأصل، والتصحيح من المختصر.

ص: 104

واستمر المستنصر بالله فى مملكته حتى توفى فى أوائل المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة

(1)

، ولما اشتد مرضه بايع لإبن صغير له، واجتمعت الفقهاء وقالوا له:

أنت صائر إلى الله، وتولية

(2)

مثل هذا لا يحل، فأبطل بيعته، وأخرج ولد الواثق المخلوع الذى كان صغيرا وسلم من الذبح

(3)

الملقب بأبى عصيدة، وبويع له صبيحة موت أبى حفص عمر المذكور الملقب بالمستنصر، وكان اسم أبى عصيدة أبا عبد الله محمد، وتلقب أيضا بالمستنصر، وهو المستنصر الثالث.

وفى أيامه توفى صاحب بجاية المنتخب يحيى بن إبراهيم، وملك بعده بجاية ابنه خالد بن يحيى، وبقى أبو عصيدة كذلك حتى توفى سنة تسع وسبعمائة

(4)

، وملك بعده شخص من الحفصيين يقال له أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبى بكر بن أبى زكريا بن عبد الواحد بن أبى حفص صاحب ابن تومرت، فأقام فى الملك ثمانية عشر يوما

(5)

، ثم وصل خالد بن المنتخب صاحب بجاية ودخل تونس، وقتل أبا بكر المذكور فى سنة تسع وسبعمائة

(6)

، ولما جرى ذلك كان زكريا اللحيانى بمصر، فسار مع [357] عسكر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون إلى طرابلس الغرب

(7)

(1)

«توفى فى آخر ذى الحجة سنة أربع وتسعين وستمائة» - المؤنس ص 140، الفارسية ص 152.

(2)

«وتولى» فى الأصل، والتصحيح من المختصر.

(3)

«الفرنج» فى الأصل، التصحيح من المختصر.

(4)

«توفى فى العاشر لشهر ربيع الثانى من عام تسعة وسبعمائة» - الفارسية ص 154، المؤنس ص 141.

(5)

«فكانت مدته سنة عشر يوما وبعض يوم» - الفارسية ص 155، المؤنس ص 141

(6)

يوجد فى الأصل جملة مكررة مما سبق، ملغاة ومنبه عليها.

(7)

«المغرب» فى الأصل.

ص: 105

وبايعه [العرب

(1)

]، وسار إلى تونس، فخلع خالد بن المنتخب، وحبس

(2)

، ثم قتل قصاصا بأبى بكر بن عبد الرحمن المقدّم ذكره.

واستقر اللحيانى فى ملك إفريقية، وهو أبو يحيى

(3)

زكريا بن أحمد بن محمد الزاهد بن عبد الواحد بن أبن حفص صاحب ابن تومرت.

ثم تحرك على اللحيانى أخو خالد وهو أبو بكر بن يحيى المنتخب، وهرب اللحيانى إلى الديار مصر وأقام بالإسكندرية، وملك أبو بكر المذكور تونس وما معها خلا طرابلس والمهدية، فإنه بعد هروب اللحيانى بايع

(4)

ابنه محمد بن اللحيانى لنفسه واقتتل مع أبى بكر فهزمه أبو بكر، واستقر محمد بن اللحيانى بالمهدية وله معها طرابلس.

وكان استيلاء أبى بكر وهروب اللحيانى إلى ديار مصرفى سنة عشرين وسبعمائة

(5)

، وأقام اللحيانى فى الإسكندرية، ثم وردت عليه مكاتبات من تونس فى ذى القعدة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة إلى الإسكندرية يذكر

(6)

فيها أن أبا بكر متملك تونس المذكور قد هرب وترك البلاد، وأن الناس قد اجتمعوا على طاعة اللحيانى وبايعوا

(1)

[] إضافة من المختصر.

(2)

«وجلس» فى الأصل، والتصحيح من المختصر.

(3)

«ابن يحيى» فى المختصر، وهو تحريف.

(4)

«مانع» فى الأصل، والتصحيح من المختصر.

(5)

«فى سنة تسع عشرة وسبعمائة» - فى المختصر ج 3 ص 190.

(6)

«يذكرون» فى المختصر.

ص: 106

نائبه وهو محمد بن أبى بكر من الحفصيين، وهو صهر زكريا اللحيانى المذكور، وهم فى انتظار وصول اللحيانى إلى مملكته

(1)

.

وقال المؤيد فى تاريخه: اللحيانى المذكور قدم إلى مصر قبل أن يملك، ورأيته بها فى سنة تسع وسبعمائة، وكان حسن الشكل، ضخم الخلقة، قدم إلى ديار مصر وربما أنه حج، ثم عاد إلى بلاد المغرب فملك تونس، وهو مقهور فيها مع العرب، فإنهم يتغلبون عليه.

وقال: وهو صاحب تونس فى زماننا هذا، وهو سنة ثمانى عشرة وسبعمائة

(2)

.

‌ذكر ماجريات المصريين:

منها: أن العزيزية المقيمين عند الملك المعز أيبك التركمانى عزموا على القبض عليه وهم على العباسة، وعلم بذلك المعز واستعد لهم، فهربوا من مخيّمهم على العباسة، واحتيط على مخيّمهم.

ومنها: أن الأمير عز الدين [358] أيبك

(3)

الأفرم الصالحى عصى بصعيد مصر، وتظاهر بالعصيان، وجمع عليه جماعة من العربان، ووافقه حصن الدين ابن ثعلب والأمير ركن الدين الصيرمى، واعتدوا ونهبوا البلاد

(4)

، وأكثرت

(1)

نهاية ما نقله المؤلف عن كتاب المختصر ج 3 ص 187 - 190.

(2)

لم يرد هذا الخبر فى كتاب المختصر المطبوع والموجود بين أيدينا، وذلك فى أحداث سنة 718 هـ، ولكن هناك أخبار أخرى - انظر المختصر ج 4 ص 84 - 85.

(3)

هو أيبك بن عبد الله الصالحى، الأمير عز الدين، المعروف بالأفرم الكبير، توفى سنة 695 هـ/ 1295 م - المنهل الصافى ج 3 ص 130 رقم 575.

(4)

«واعتدوا نهب البلاد» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.

ص: 107

العربان من الفساد، ووضع هؤلاء أيديهم على الأموال فأخذوها من بيوت المال، وجبوا الجزية من ذمة تلك الأعمال، فانفسد النظام، وانتكث الإبرام، فاقتضى الحال إرسال الصاحب شرف الدين الفائزى الوزير ليتدارك الخلل بالتدبير، وجرد معه إلى الصعيد من العسكر جماعة، وأمروا له بالطاعة، فتحيلوا على الشريف حصن الدين فمسكوه، وأحضروه إلى القلعة المحروسة فاعتقل بها، ثم نقل إلى ثغر الإسكندرية، فاعتقل فى جب تحت الأرض، يعرف بجب الشريف، إلى أن كان من أمره ما سنذكره إن شاء الله.

‌ذكر ماجريات أولاد جنكز خان:

منها: كانت وقعة بين بركة خان بن باطو وبين هلاون بن طولو ملك التتار، قد ذكرنا

(1)

أن براق شين زوجة طغاى بن باطو خان لما لم يوافقها التتار على تمليك ولدها تدان منكو راسلت هلاون وهو يومئذ ببلاد عراق العجم بصدد افتتاحها، وأطمعته فى أخذ مملكة الشمال التى فى بنى عمه، فلما وصلته رسالاتها تجهز وسار بجيوشه إليها، وكان وصوله بعد مقتلها وجلوس بركة على سرير الملك، فبلغه وصول هلاون لحربه، فسار للقائه بعساكره وحزبه، وكان بينهما نهر يسمى نهر ترك، وقد جمد ماؤه لشدة البرد، فعبر عليه هلاون وعساكره متخطيا إلى بلاد بركة، فلما التقى الجمعان واصطدم الفريقان كانت الكسرة على هلاون وعسكره، فولوا على أدبارهم وتكردسوا على النهر الجامد، فانفقأ الجمد من تحتهم، فغرق منهم جماعة كثيرة، وأفلت من نجا منهم من المصاف والغرق صحبة هلاون راجعا إلى

(1)

انظر ما سبق فى حوادث سنة 652 هـ. ص 89 - 90.

ص: 108

بلاده، ونشأت الحرب بينهم من هذه السنة وصارت العداوة بين هاتين الطائفتين متمكنة

(1)

.

وكان فيمن شهد مع بركة هذه الوقعة ابن عمه نوغيه بن ططر [359] ابن مغل بن دوشى خان، فأصابته فى عينه طعنة رمح فعوّر، ولما قذف النهر جثث الغرقى جمعها نوغيه المذكور مع جثث القتلى أهراما وقال: هذه أجساد بنى الأعمام والذرية فلا نتركها يأكلها الذئاب والكلاب فى البرية.

ومنها: أن هلاون فتح بالمشرق قلعتين أخرايين من قلاع الإسماعيلية، اسم الواحدة بمجوش واسم الأخرى نماشر، ولم يزل يخرب أولا فأولا ويقتل من لقى منهم حتى أفنى عامتهم

(2)

.

‌بقية الحوادث:

منها: ما قاله المؤيد: وهو أن الملك المعز أيبك تزوج شجر الدرّ أم خليل التى خطب لها بالسلطنة فى ديار مصر، وقيل: إنما تزوجها فى السنة الماضية، والله أعلم

(3)

.

ومنها: أنه كان وقع فتنة بين الحج العراقى وأصحاب مكة وأصلح بينهم الملك الناصر داود، وكان قد ذهب إلى بغداد، ثم حج من العراق، ولما عاد أقام بالحلّة.

(1)

انظر جامع التواريخ المجلد الثانى الجزء الأول ص 332 وما بعدها، نهاية الأرب ج 27 ص 359 - 360.

(2)

عن العلاقة بين المغول والإسماعيلية فى عهد هولاكو - انظر جامع التواريخ المجلد الثانى الجزء الأول ص 243 وما بعدها، والمغول ص 210 وما بعدها.

(3)

انظر المختصر ج 3 ص 191.

ص: 109

وقال المؤيد: وفى هذه السنة طلب الناصر داود من الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز بن الظاهر بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب دستورا

(1)

إلى العراق بسبب طلب وديعته من الخليفة وهى الجوهر الذى تقدم ذكره، وأن يمضى إلى الحج، فأذن له الناصر يوسف فى ذلك، فسار الناصر داود إلى كربلاء، ثم مضى منها إلى الحج، ولما رأى قبر النبى صلى الله عليه وسلم تعلق بأستار الحجرة الشريفة بحضور الناس وقال: اشهدوا أن هذا مقامى من رسول الله عليه السلام داخلا عليه مستشفعا به إلى ابن عمه المستعصم فى أن يردّ علىّ وديعتى، فأعظم الناس ذلك، وجرت عبراتهم، وارتفع بكاؤهم، وكتب بصورة ما جرى مشروحا ورفع إلى أمير الحاج [كيخسرو

(2)

] وذلك يوم السبت الثامن والعشرين من ذى الحجة من هذه السنة، وتوجه الناصر مع الحاج العراقى وأقام ببغداد

(3)

.

وفيها: .........

(4)

وفيها: .........

(5)

(1)

دستور - إذن.

(2)

[] إضافة من المختصر للتوضيح.

(3)

انظر المختصر ج 3 ص 191.

(4)

« ...... » بياض فى الأصل نحو 2 كلمات.

(5)

« ...... » بياض فى الأصل نحو 5 كلمات.

ص: 110

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الفقيه ضياء الدين صقر

(1)

بن يحيى بن صقر، مات فى حلب ليلة الإثنين [360] الثامن عشر من صفر من هذه السنة.

وكان شيخا فاضلا دينا، ومن شعره:

من ادّعى أنّ له حاجة

(2)

تخرجه عن منهج الشرع

فلا تكوننّ له صاحبا

فإنّه ضرّ بلا نفع

واقف القوصيّة أبو العزّ إسماعيل

(3)

بن حامد بن عبد الرحمن الأنصارى القوصى، واقف داره التى بالقرب من الرحبة على أهل الحديث وبها قبره.

وكان ظريفا مطبوعا، حسن المحاضرة، وقد جمع له معجما حكى فيه عن مشايخه أشياء كثيرة مفيدة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، العبر ج 5 ص 214، وورد اسمه «جعفر» فى السلوك ج 1 ص 397، و «سقر» فى الذيل على الروضتين ص 188، شذرات الذهب ج 5 ص 161، البداية والنهاية ج 13 ص 186.

(2)

«له حالة» فى البداية والنهاية.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 214، الطالع السعيد ص 157 رقم 87، مرآة الجنان ج 4 ص 129، البداية والنهاية ج 13 ص 186، النجوم الزاهرة ج 7 ص 35، شذرات الذهب ج 5 ص 260.

ص: 111

وقال أبو شامة: وقد طالعته بخطه، فرأيت فيه أغاليط وأوهاما فى أسماء الرجال وغيرها، فمن ذلك أنه انتسب إلى سعد بن عبادة بن دليم، فقال سعد ابن عبادة بن الصامت: وهذا غلط فاحش

(1)

.

وكانت وفاته يوم الإثنين سابع عشر ربيع الأول من هذه السنة.

الشيخ الصالح الجليل مجد الدين أبو المجد على بن عبد الرحمن الأخميمى الخطيب.

وكان أحد المشايخ المشهورين بالدين والعلم، وله قبول تامّ، من الخاص والعامّ، وكرم الأخلاق، توفى فى هذه السنة ودفن بالقرافة، وقبره ظاهر يزار.

الشريف المرتضى نقيب الأشراف بحلب وهو أبو الفتوح المرتضى بن أبى طالب أحمد

(2)

[بن أحمد

(3)

] بن محمد بن جعفر بن زيد بن جعفر بن محمد بن أحمد ابن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين الحلبى النقيب، المنعوت بالعز.

مات فى ليلة السادس عشر من هذه السنة فجاءة، ودفن بعد ثلاثة أيام بجبل الجوش، ومولده فى سنة تسع وسبعين وخمسمائة بحلب.

الشيخ الأصيل أبو المكارم محمد بن أبى بكر محمد بن عبد الله بن علوان ابن عبد الله بن علوان بن عبد الله الأسدى الحلبىّ المنعوت بالنجم.

(1)

وردت هذه الفقرة ضمن ترجمة سقر بن يحيى فى الذيل على الروضتين ص 189:188.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: السلوك ج 1 ص 397، الذيل على الروضتين ص 189.

(3)

[] إضافة من السلوك.

ص: 112

مات فى صبيحة الخامس والعشرين من شوال من هذه السنة بحلب، ودفن بالمقام، ومولده فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة [361] ثمان وثمانين وخمسمائة بحلب، سمع من أبى حفص عمر بن محمد بن طبرزد، وحدث بحلب، وله شعر حسن.

الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس بن تامتيت المغربى

(1)

.

توفى بالقرافة بمصر، وقد جاوز مائة سنة.

وسئل يوما عن الحكم فى تارك الصلاة فقال: أنشدنى بن الرمامة واسمه محمد ابن جعفر العبسى الحافظ قال: أنشدنى أبو الفضل طاهر النحوىّ لنفسه هذه الأبيات:

فى حكم من ترك الصلاة وحكمه

إن لم يقرّ بها كحكم الكافر

فإذا أقرّ بها وجانب فعلها

فالحكم فيه للحسام الباتر

وبه يقول الشافعىّ ومالك

والحنبلىّ تمسّكا بالظّاهر

وأبو حنيفة لا يقول بقتله

ويقول بالضرب الشديد الزاجر

هذا أقاويل الأئمة كلّهم

وأجلّها ما قلته فى الآخر

المسلمون دماؤهم معصومة

حتى تراق بمستنير باهر

مثل الزنا والقتل فى شرطيهما

وانظر إلى ذاك الحديث السّائر

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - م 8

(1)

«أبو العباس بن ثابت المقرئ» فى الذيل على الروضتين ص 189.

وانظر ما يلى فى وفيات 657 هـ: حيث ورد ذكر وفاة أبو العباس أحمد بن محمد بن تامتيت.

ص: 113

ومعنى قوله: تمسكا بالظاهر، معنى قوله عليه السلام: «بين العبد والكفر ترك الصلاة

(1)

». ومعنى قوله: فى الآخر، قوله عليه السلام: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث

(2)

» .. الحديث.

الشيخ الأصيل أبو بكر بن أبى الفوارس مرهف بن الأمير مؤيّد الدولة أبى المظفر أسامة بن أبى أسامة مرشد بن على بن مقلد بن نصر بن منقذ الكنانى الحلبى الشيزرىّ الأصل، المصرى الدار، المنعوت بالحسام.

توفى بالقاهرة فى الثامن والعشرين من شعبان، وقيل: فى السابع والعشرين من رمضان من هذه السنة، ومولده فى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وهو من بيت الإمارة والفضيلة والتقدّم، وقد حدّث منهم جماعة وحدث هو أيضا.

أبو عبد الله محمد

(3)

بن محمد بن محمد بن عثمان البلخى، ثم البغدادىّ، ثم الحلبىّ المنعوت بالنظام.

أحد السادات الحنفيّة، درس بحلب، وسمع من المؤيد الطوسى.

قال الذهبى: وحدّث عنه بصحيح مسلم، [362] وسمع ببخارى وسمرقند، وتفقّه بخراسان على المحبوبى، وحدّث بحلب وأفتى، وكتب عنه الحافظ الدمياطى

(1)

«بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» رواه مسلم فى الإيمان 134، وأبو داود فى السنة 15، والترمذى فى الإيمان 9، وابن ماجه فى السنن 17.

(2)

«لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الشيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» رواه أبو داود فى الحدود 4352، والترمذى فى الديات 10.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 215، شذرات الذهب ج 5 ص 161، السلوك ج 1 ص 397.

ص: 114

وذكره فى معجم شيوخه، وقال: توفى بحلب ليلة الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وستمائة، ودفن بالجبيل خارج باب الأربعين، ومولده ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.

صاحب فاس من بلاد المغرب أبو بكر

(1)

بن عبد الحق المزينى؟؟؟.

مات فى فاس فى هذه السنة حتف أنفه، وقام بعده ولده عمر

(2)

بن أبى بكر ابن عبد الحقّ، وكان ولى عهد أبيه، وهو الثانى من ملوك بنى مرين، فأقام نصف سنة أو دون ذلك، فثار عليه عمه يعقوب بن عبد الحق، وجرت بينهما حروب كثيرة، ثم اصطلحا على أن يخلع عمر نفسه، فخلع نفسه وأعطاه عمّه مكناسة الزيتون

(3)

وأعمالها، فاستقرّ بها مدّة، ثم أرسل عمه بعد مديدة إلى أقوام من بنى عمه يقال لهم: أولاد عثمان بن عبد الحق، كانوا مطالبيه بدم لهم على أبيه، فاتبعوه فقتلوه.

وقام عمّه يعقوب بن عبد الحق، وهو الثالث من سلاطين بنى مرين، وكان رجلا صالحا، حسن السيرة، محبا فى الصالحين، واجتمع عليه أعيان بنى

(1)

اجمعت المصادر المغربية على أن وفاة أبى بكر بن عبد الحق المزينى؟؟؟ كانت سنة 656 هـ/ 1258 م - انظر الذخيرة السنية ص 17، الاستقصا ج 2 ص 19، روض القرطاس ص 296.

(2)

«عمرو» فى الأصل، والتصحيح من الاستقصا ج 2 ص 19.

(3)

«بكناسة الزيتون» فى الأصل.

مكناسة الزيتون: مدينة بالمغرب، حصينة، فى طريق المار من فاس إلى سلا على شاطئ البحر، فيه مرسى للمراكب - معجم البلدان.

ص: 115

مرين، ولما جلس فى السلطنة

(1)

سار إلى جزيرة الأندلس لغزو الفرنج فى ألف فارس، واجتمع إليه من المسلمين الذين بالأندلس ثلاثمائة فارس، فخرج قائد من زعماء الفرنج للقائه يقال له: دوالنتو

(2)

فى نحو عشرة آلاف فارس مدرعين، وخلق كثير من الرجالة، فالتقاهم أبو يوسف المذكور فهزمهم وقتل عامتهم، ورجع إلى برّ العدوة

(3)

، فكان منه ما سنذكره إن شاء الله.

***

(1)

«فى السلطنة فى المملكة» فى الأصل.

(2)

«واعلم أن هذا الزعيم يسميه كثير من المؤرخين دون نونه، ولفظة «دون» معناها فى لغتهم السيد أو العظيم أو ما أشبه ذلك، فلذا أسقطناها» - الاستقصا ج 2 ص 41.

وهو القائد «دون نونيودى لارا» - معالم تاريخ المغرب والأندلس ص 386.

(3)

فى رجب سنة 674 هـ - الاستقصا ج 2 ص 42.

ص: 116

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الرابعة والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو المستعصم بالله.

وصاحب الديار المصرية: السلطان الملك المعز أيبك التركمانى الصالحى.

وصاحب الديار الشامية: السلطان الملك الناصر يوسف [363]، وكان قد أرسل فى هذه السنة كمال الدين المعروف بابن العديم الحلبى رسولا إلى الخليفة المستعصم بالله وصحبته تقدمة جليلة، وطلب خلعة من الخليفة لمخدومه.

ووصل أيضا من جهة الملك المعزّ أيبك صاحب الديار المصريّة رسول إلى الخليفة وهو شمس الدين سنقر الأقرع، من مماليك المظفّر غازى صاحب ميّافارقين، وصحبته تقدمة جليلة إلى الخليفة، وسعى فى تعطيل خلعة الناصر يوسف صاحب دمشق.

فبقى الخليفة متحيّرا، ثم أنه أحضر سكّينا كبيرة من اليشم وقال للوزير:

إعط هذه السكين لرسول صاحب الشام علامة منى فى أن له خلعة عندى فى وقت آخر، وأما فى هذا الوقت فلا يمكننى، فأخذ كمال الدين بن العديم السكين وعاد الى الملك الناصر بغير خلعة

(1)

.

وفيها قبض المعز على الأمير علاء الدين أيدغدى العزيزى لأنه اتهمه، فأمسكه وسجنه.

(*) يوافق أولها الأحد 30 يناير 1256 م.

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 191.

ص: 117

وفيها أرسل المعزّ إلى صاحبى حماة والموصل يخطب ابنتيهما لنفسه، وبلغ ذلك شجر الدر والدة خليل الصالحيّة وأنكرته وأكبرته، لأنه بها وصل إلى ما وصل، وبوصلها حصّل من الدولة والصولة على ما حصل، فدبرت على إعدامه وقررت قتله مع خدامها وخدامه، على ما يأتى إن شاء الله تعالى.

‌ذكر دخول التتار إلى بلاد الروم:

اعلم أن التتار دخلوا فى هذه السنة إلى الروم مرتين:

الأولى: جرّد منكوقان بن طولو خان بن جنكز خان الأمير جرماغون والأمير بيجو ومعهما جماعة من العساكر إلى بلاد الروم، وهى يومئذ فى يد السلطان علاء الدين كيقباذ بن السلطان غياث الدين كيخسرو، فساروا إليها ونزلوا على آرزن الروم

(1)

وبها سنان الدين ياقوت أحد مماليك السلطان علاء الدين كيقباذ، فحاصروها مدة شهرين ونصبوا عليها إثنى عشر منجنيقا، فهدموا أسوارها ودخلوها وأخذوا سنان الدين ياقوت أسيرا، وكان حريمه فى القلعة، فأخذوها [364] ثانى يوم وقتلوا الجند، واستبقوا أرباب الصنائع وذوى المهن، وداسوا الأطفال بحوافر الخيل، وغنموا وسبوا، وعادوا وقتلوا ياقوت العلائى وولده، واتفقت وفاة جرماغون أحد المقدمين على سرمارى

(2)

.

المرة الثانية: وهى التى دخل فيها بيجو ومن معه إلى الروم ومعه خجانوين، فوصلوا إلى أقشهر زنجان

(3)

ونزلوا بالصحراء التى هناك، فجمع السلطان غياث

(1)

آرزن الروم: مدينة مشهورة من مدن أرمينية - قرب خلاط - معجم البلدان.

(2)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 349.

(3)

«برنجان» فى الأصل، والتصحيح من نهاية الأرب ح 27 ص 349.

ص: 118

الدين جيشه وسار للقائهم، وأخذ حريمه معه ليقاتل قتال الحريم، ونزلوا على كوسا داغ وهو الجبل الأقرع، وذلك الجبل مطل على الوطأة التى نزل بها بيجو وعساكره، ثم أن السلطان غياث الدين ضرب مشورة مع أكابر أمرائه وذوى آرائه فى لقاء التتار وقتالهم، فتكلم كل بما عنده، ومنهم من هوّل أمره فغضب أخو كرجى خاتون زوجة السلطان، وقال: هؤلاء قد هابوا التتار وجبنوا عنهم وفرقوا منهم، فالسلطان يعطينى الكرج والفرنج الذى فى جيشه وأنا ألقاهم ولو كانوا من عساهم يكونون؟ فغاظ الأمراء كلامه، وتقدم واحد منهم من أعيانهم، فألزم نفسه الأيمان المغلظة أنه لا بد أن يلاقى التتار بنفسه، ومن يضمه تقدمته ولا ينتظر أحدا، فركب ومعه نحو من عشرين ألف فارس وركب السلطان على الإثر، وركبت عساكره وضربت كوساته

(1)

، ونزل المقدم المتقدم إلى الصحراء قاصدا الهجوم على التتار، فوجد قدامه [واد

(2)

] قد قطعه السّيل فلم يستطع أن يقطعه، فسار مع لحف الجبل يطلب طريقا يمكنه التوجه منه نحو التتار، فركب التتار وقصدوه ودنوا منه وحاذوه، وأرسلوا إليه شهابا كالشهب المحرقة، فأهلكوا أكثر خيله وخيل من معه، وكان السهم لا يقع إلا فى الفارس أو الفرس. هذا والعساكر السلطانية قد تبعته قافية خطوه، وحاذية فيما فعل حذوه، فلما تقدموا ندموا حين أقدموا، ورأوا عساكر التتار تحاذى الجبل فسقط فى أيديهم وأيقنوا [365] أن الكسرة عليهم، فطلب كل منهم لنفسه النجاة وفر نحو ملجئه.

(1)

كوسة - كوسات: صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير، يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص - صبح الأعشى ج 4 ص 9.

(2)

[] إضافة للتوضيح من نهاية الأرب ج 27 ص 106.

ص: 119

وأما السلطان غياث الدين فلم يبرح من مكانه وقيّد فرسه، ووقف على أعلى الجبل ظنا منه أن عساكره التى تقدمت قد نزلت ونازلت، ولم يدر بما أصابهم من الافتراق، وأن كل طائفة منهم صارت إلى أفق من الآفاق، فأتاه الخبر بذلك وهو فى قلة ممن حوله، وكان معه جماعة من الأمراء كان قد نقم عليهم أمرا، فأمسكهم وأودعهم الزردخاناة، فأطلقهم وسلم الحريم إلى أحدهم، وكان اسمه تركرى الجاشنكير وهو والد الأمير مبارز الدين سوارى الرومى أمير شكار الذى هاجر إلى الديار المصرية فى الأيام الظاهرية على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، وأمره أن يتوجه بهم إلى قونية التى هى دار ملكه، وموطن أهله ومسافتها من الذى كان فيه ثلاثون يوما، فسار بهن وقد تركوا القماش والفرش والأثاث، ولم يحملوا إلا الجواهر النفيسة التى يخف حملها ويسهل نقلها، ورحل السلطان عائدا، وترك الوطاق

(1)

بما حوى من الدهاليز المضروبة والخيام المنصوبة والأثقال التى لها ولعساكره، والخزائن المشتملة على ذخائرهم وذخائره.

ولما عاين التتار هزيمة ذلك العسكر الجرار ظنوها مكيدة، ولم يحسبوها هزيمة، فلبثوا ثلاثة أيام لا يتجاسرون على العبور إلى الخيم، ثم تحققوا أمرهم وعبروه، وحووا كل ما وجدوه من الخيول والأثاث والأثقال، واستعرضوا كله، وعادوا راجعين

(2)

.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أن الملك الناصر داود لما عاد إلى بغداد بعد استشفاعه بالنبى صلى الله عليه وسلم فى ردّ وديعته أرسل الخليفة المستعصم بالله من حاسب الناصر المذكور

(1)

الوطاق: الخيمة الكبيرة التى تعد للعظماء - القاموس.

(2)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 106 - 107.

ص: 120

على ما وصله فى ترداده إلى بغداد من المضيف مثل اللحم والخبز والحطب وغير ذلك، وثمنّ ذلك عليه بأغلى الثمن، ثم أرسل إليه شيئا نزرا، وألزمه بأن يكتب خطه بقبض وديعته وأنه ما بقى يستحق على [366] الخليفة شيئا، فكتب خطه بذلك مكرها، وسار عن بغداد وأقام مع العرب، ثم أرسل إليه الملك الناصر يوسف صاحب الشام فطيب قلبه وحلف له، فقدم الناصر داود إلى دمشق ونزل بالصالحيّة

(1)

.

ومنها: أن هلاون - على ما ذكر - دخل بغداد

(2)

فى زىّ تاجر عجمىّ، ومعه مائة حمل حرير، واجتمع بالوزير مؤيّد الدين محمد بن العلقمى، وبأكابر الدولة، وكانوا قادرين على مسكه إلا أنهم خانوا الله ورسوله والمسلمين، ثم خرج بعد ما أتقن أمره معهم

(3)

.

ومنها: أنه كملت المدرسة الناصرية الجوانية

(4)

داخل باب الفراديس بدمشق، وحضر فيها المدرّس قاضى البلد صدر الدين بن سنىّ الدولة، وحضر عنده الأمراء والعلماء وجمهور أهل الحلّ والعقد، وحضر السلطان الملك الناصر يوسف واقفها أيضا

(5)

.

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 191 - 192، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 13.

(2)

«وفيها وصلت جواسيس هولاكو إلى الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمى ببغداد» - السلوك ج 1 ص 400.

(3)

كنز الدرر ج 8 ص 29.

(4)

انظر الدارس ج 1 ص 459 وما بعدها.

(5)

وذلك فى سابع المحرم سنة 654 هـ - الدارس ج 1 ص 460.

ص: 121

ومنها: أن السلطان الملك الناصر يوسف أمر بعمارة الرباط بسفح جبل قاسيون.

ومنها: أن عسكر الملك الناصر يوسف رحلوا من العوجاء إلى عزّة ونزلوا على تلّ العجول، واتفق وصول رسول الخليفة وهو الشيخ نجم الدين البادرائى من بغداد ليجدّد الصلح الذى وهت مبانيه، وقرر الصلح، فأعاد العسكر.

ومنها: أنه كان ظهور النار من أرض الحجاز التى أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه، وقد بسط القول فيه أبو شامة فى كتاب الذيل وملخصه أنه قال: جاء إلى دمشق كتب من المدينة النبويّة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، بخروج نار عندهم فى خامس جمادى الآخرة من هذه السّنة، وكتهت الكتب فى خامس رجب والنار بحالها.

قال: ووصلت الكتب إلينا فى عاشر شعبان وفيه تصديق لما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ أعناق الإبل ببصرى» .

قال: فأخبرنى بعض من أثق به ممن شاهدها بالمدينة أنه بلغه أنه كتب بتيماء

(1)

على ضوئها الكتب.

قال: وكنا فى بيوتنا تلك الليالى وكأنّ فى دار كل رجل سراجا، ولم يكن لها حرّ ولفح على عظمها، إنما كانت آية من آيات الله عز وجل.

(1)

تيماء: بالفتح والمد، بلد بأطراف الشام، على طريق حاج الشام ودمشق - معجم البلدان.

ص: 122

قال أبو شامة: هذه صورة ما وقفت عليه من الكتب الواردة منها: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ظهر بالمدينة النبوية دوىّ عظيم، ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسقف والأخشاب والأبواب ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور، ثم ظهرت نار عظيمة فى الحرّة

(1)

قريبة من قريظة، نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وهى نار عظيمة، إشعالها أكبر من ثلاث منائر، وقد سالت أودية منها بالنار إلى وادى شظا

(2)

مسيل الماه، وقد سدّت مسيل

(3)

شظا وما عاد يسيل

(4)

، والله لقد طلعنا ونحن جماعة نبصرها، فإذا الجبال تسيل

(5)

نيرانا، وقد سدّت الحرّة طريق الحاج العراقى، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرّة، فوقفت بعد أن أشفقنا

(6)

أن تجئ إلينا، ورجعت تسير فى الشرق، تخرج من وسطها مهود

(7)

وجبال نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى فى كتابه العزيز فقال عز من قائل:{(إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} ، كأنه جمالات صفر)

(8)

. وقد أكلت الأرض.

(1)

الحرة: موضع معروف ظاهر المدينة المنورة، أرضه كالصخر المحروق، كانت به موقعة الحرة.

(2)

«وادى الشطاة» - فى ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 7.

(3)

«سبيل» فى الذيل على الروضتين ص 190.

(4)

«بسبيل» فى الذيل على الروضتين ص 190.

(5)

«تسير» فى الذيل على الروضتين.

(6)

«فوقعت ما أشفقنا» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(7)

«مهول» فى الذيل على الروضتين.

(8)

سورة المرسلات رقم 77 آية رقم 32 - 33.

ص: 123

وقد كتب هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين وستمائة، والنار فى زيادة ما تغيّرت، وقد عادت إلى الحرار فى قريظة طريق [عير

(1)

] الحاج العراقى إلى الحيرة

(2)

، كلها نيران تشعل، نبصرها فى الليل من المدينة كأنها مشاعل الحاج، وأما أم النار الكبيرة فهى جبال نيران حمر، والأمّ الصغيرة

(3)

النار التى سالت النيران منها من عند قريظة وقد زادت، وما عاد الناس يدرون أىّ شئ يتمّ بعد ذلك

(4)

، والله يجعل العاقبة إلى خير وما أقدر أن أصف هذه النار.

وقال أبو شامة: فى كتاب آخر ظهر فى أول جمعة من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة: وقع

(5)

بالمدينة فى شرقيها نار عظيمة [368] بينها وبين المدينة نصف يوم، انفجرت من الأرض، وسال منها واد من نار حتى حاذى جبل أحد، ثم وقف

(6)

وعادت إلى الساعة، ولا ندرى ماذا نفعل، ووقت ما ظهرت دخل أهل المدينة إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم مستغفرين تائبين إلى ربهم تعالى، وهذه دلائل القيامة.

قال: وظهر كتاب آخر: لما كان يوم الإثنين مستهلّ جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وقع بالمدينة صوت تشبه صوت الرعد البعيدة تارة وتارة، أقام على هذه الحالة يومين، فلما كان ليلة الأربعاء ثالث الشهر المذكور

(1)

[] إضافة من الذيل على الروضتين.

(2)

«إلى الحرة» فى الذيل على الروضتين.

(3)

«والأم الكبيرة» فى الذيل على الروضتين، ولعله تحريف.

(4)

«وما عاد الناس يرون أى شئ بعد ذلك» فى الذيل على الروضتين.

(5)

«وقع» ساقط من الذيل على الروضتين.

(6)

«ثم وقفت» فى الذيل على الروضتين.

ص: 124

تعقب الصوت الذى كنا نسمعه زلازل، [فتقيم على هذه الحالة ثلاثة أيام، يقع فى اليوم والليلة أربع عشرة زلزلة

(1)

]، فلما كان فى يوم الجمعة خامس الشهر المذكور انبجست الأرض من

(2)

الحرّة بنار عظيمة، تكون قدرها مثل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى برأى العين من المدينة، نشاهدها وهى ترمى بشرر كالقصر، كما قال الله عز وجل، وهى بموضع يقال له أجلين، وقد سال من هذه النار واد يكون مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصف، وهى تجرى على وجه الأرض، وتخرج منها أمهاد وجبال صغار، وتسير على وجه

(3)

الأرض وهو صخر يذوب حتى يبقى مثل الآنك، فإذا جمد

(4)

صار أسودا، وقبل الجمود

(5)

لونه أحمر، وقد حصل بطريق هذه النار إقلاع عن المعاصى والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة إلى أهلها.

قال أبو شامة: ومن كتاب شمس الدين بن سنان بن عبد الوهاب بن نميلة الحسينى قاضى المدينة إلى بعض أصحابه: لما كان ليلة الأربعاء ثالث شهر جمادى الآخرة حدث بالمدينة فى الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها، وباتت

(6)

باقى تلك الليلة تزلزل كل يوم وليلة قدر عشر نوبات، والله لقد زلزلت مرّة ونحن حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب لها المنبر إلى أن

(1)

[] إضافة من الذيل على الروضتين ص 191.

(2)

«الأرض من» ساقط من الذيل على الروضتين.

(3)

«وجه» ساقط من الذيل على الروضتين.

(4)

«خمد» فى الذيل على الروضتين، وهو تحريف.

(5)

«الخمود» فى الذيل على الروضتين.

(6)

«وباقت» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

ص: 125

سمعنا

(1)

منه صوتا للحديد الذى فيه، واضطربت قناديل الحرم الشريف [النبوى

(2)

] [369] ودامت

(3)

الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى، ولها دوىّ [مثل دوى

(4)

] الرعد القاصف، ثم بين فيه صفة النار، ثم قال: وكتب الكتاب يوم خامس رجب وهى على حالها، والناس منها خائفون، والشمس والقمر يوم يطلعان

(5)

ما يطلعان إلا كاسفين، [فنسأل الله العافية

(6)

].

قال أبو شامة: وبان عندنا بدمشق أثر الكسوف من ضعف نورها على الحيطان، وكنا حيارى من ذلك إش هو

(7)

إلى أن جاءنا هذا الخبر عن هذه النار.

قال: وجاء كتاب من بعض بنى القاشانى بالمدينة يقول فيه: وصل إلينا فى جمادى الآخرة نجابة من العراق وأخبروا عن بغداد أنه أصابها غرق عظيم حتى دخل

(8)

الماء من أسوار بغداد إلى البلد، وغرق كثير من البلد، ودخل الماء دار الخليفة وسط البلد، وانهدمت دار الوزير وثلاثمائة وثمانون دارا، «وانهدم مخزن الخليفة

(9)

»، وهلك من خزانة السلاح شئ كثير، [بل تلف كله

(10)

]، وأشرف

(1)

«أوجسنا» أى سمعنا، فى الذيل على الروضتين.

(2)

[] إضافة من الذيل على الروضتين.

(3)

«وتمت» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(4)

[] إضافة من الذيل على الروضتين.

(5)

«من يوم طلعت» فى الذيل على الروضتين.

(6)

[] إضافة من الذيل على الروضتين.

(7)

«لا ندرى ما هو» فى مخطوط نهاية الأرب ج 27، وساقط من الذيل على الروضتين.

(8)

«وصل» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(9)

«» ساقط من الذيل على الروضتين.

(10)

[] إضافة من الذيل على الروضتين.

ص: 126

الناس على الهلاك، وعادت السفن تدخل إلى أوسط

(1)

البلد وتخترق

(2)

أزقة بغداد، ثم ذكر فيه حكاية النار

(3)

.

وقال ابن كثير رحمه الله: الحديث الوارد فى هذه النار مخرّج فى الصحيحين من طريق الزهرىّ عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ أعناق الإبل ببصرى» . وهذا لفظ البخارى

(4)

، وقد وقع هذا فى هذه السنة، أعنى سنة أربع وخمسين وستمائة كما ذكرنا.

وقد أخبرنى قاضى القضاة صدر الدين على بن أبى القاسم التميمى الحنفى الحاكم بدمشق فى بعض الأيام فى المذاكرة وجرى ذكر هذا الحديث وما كان من [أمر

(5)

] هذه النار فى هذه السنة: فقال: سمعت رجلا من الأعراب يخبر والدى ببصرى فى تلك الليالى أنهم رأوا أعناق الإبل فى ضوء هذه النار التى ظهرت من أرض الحجاز

(6)

.

وقال ابن كثير: وكان مولده فى سنة ثنتين وأربعين وستمائة

(7)

، وكان والده مدرّسا للحنفية ببصرى، وكذلك كان جدّه، وهو أيضا قد درّس بها، ثم انتقل

(1)

«وسط» فى الذيل على الروضتين.

(2)

«وتخرق» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(3)

انظر الذيل على الروضتين ص 190 - 192.

(4)

البداية والنهاية ج 13 ص 191، وانظر البخارى الفتن 24، مسلم أشراط الساعة 14 رقم 2902.

(5)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(6)

البداية والنهاية ج 13 ص 191.

(7)

«وخمسمائة» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

ص: 127

[370]

إلى دمشق فدرس بالصادرية

(1)

وبالمقدمية

(2)

، ثم ولى قضاء القضاة الحنفية، وكان مشكور السيرة فى الأحكام، وقد كان عمره حين وقع هذه النار بالحجاز ثنتى عشرة سنة، ومثله ممن يضبط ما سمع من الخبر أن الأعرابىّ أخبر والده فى تلك الليالى

(3)

.

وقال أبو شامة: وفى ليلة الجمعة مستهل شهر رمضان من هذه السنة احترق مسجد النبى عليه الصلاة والسلام، وابتداء حريقه من زاويته الغربية من الشمال، وكان دخل أحد القومة إلى خزانة ثم، ومعه نار فعلقت فى آلات ثمّ، واتصلت بالسقف سرعة، ثم دبت فى السقوف آخذة قبلة، فاعجزت

(4)

الناس [عن

(5)

] قطعها، فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد أجمع

(6)

، ووقعت بعض أساطينه وذاب رصاصها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقف الحجرة النبويّة على ساكنها

(7)

السلام، ووقع ما وقع منه فى الحجرة وبقى على حاله لما شرع فى عمارة سقفه وسقف المسجد، وكان ذاك ليلة الجمعة وأصبح الناس فعزلوا موضعا للصلاة.

(1)

المدرسة الصادرية بدمشق: وهى أول مدرسة أنشئت بدمشق سنة 491 هـ/ 1098 م، أنشأها شجاع الدولة صادر بن عبد الله، بياب للبريد على باب الجامع الأموى - الدارس ج 1 ص 537 وما بعدها.

(2)

المدرسة المقدمية الجوانية بدمشق، أنشأها شمس الدين محمد بن المقدم، أحد نواب صلاح الدين بدمشق، والمتوفى سنة 583 هـ/ 1187 م - الدارس ج 1 ص 594 وما بعدها.

(3)

البداية والنهاية ج 13 ص 191 - 192.

(4)

«فأعجلت» فى الذيل على الروضتين، وذيل مرآة الزمان ج 1 ص 10.

(5)

[] إضافة من الذيل على الروضتين، وذيل مرآة الزمان.

(6)

«جميعها» فى الذيل على الروضتين.

(7)

«عليه» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

ص: 128

وعدّ

(1)

ما وقع من تلك النار الخارجة وحريق

(2)

المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت

(3)

منذرة عما يعقبها فى السنة الآتية من الكائنات على ما سنذكره إن شاء الله تعالى

(4)

.

ونظم بعضهم فى هذه النار وغرق بغداد بيتين، قال:

سبحان من أصبحت مشيئته

جارية فى الورى بمقدار

أغرق بغداد بالمياه كما

أحرق أرض الحجاز بالنار

قال أبو شامة: كان ينبغى أن ينّبه على أن الأمرين فى سنة واحدة، وإلا فالإغراق والإحراق يقعان كثيرا، فالصواب أن يقال:

فى سنة أغرق العراق وقد

أحرق أرض الحجاز بالنار

(5)

وقال

(6)

:

بعد ستّ من المئين وخمسين

لدى أربع جرى فى العام

نار أرض الحجاز مع حرق

المسجد مع غريق

(7)

دار السلام

ثم أخذ التتار بغداد فى

أول عام من بعد ذاك بعام

(8)

[371]

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - م 9

(1)

«وعدوا» فى الذيل على الروضتين.

(2)

«من» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(3)

«كانت» ساقط من الذيل على الروضتين.

(4)

انظر الذيل على الروضتين ص 194.

(5)

انظر الذيل على الروضتين ص 193.

(6)

ينسب أبو شامة الأبيات التالية لنفسه - الذيل على الروضتين ص 194.

(7)

«تغريق» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(8)

«العام» فى الذيل على الروضتين.

ص: 129

لم يفن

(1)

أهلها وللكفر أعوان

عليهم يا ضيعة الإسلام

وانقضت

(2)

دولة الخلافة منها

صار مستعصم بغير اعتصام

(3)

وفيها: « .........

(4)

»

وفيها: حج بالناس « .........

(5)

»

(1)

«لم يغن» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(2)

«انقضت» فى الأصل، والإضافة من الذيل على الروضتين.

(3)

انظر أبيات أخرى فى الذيل على الروضتين.

(4)

« ......... » بياض فى الأصل.

(5)

« ......... » بياض فى الأصل.

ص: 130

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الوهاب بن على بن عبد الوهاب بن مناس الطرابلسى المالكى.

وكان قد ولى القضاء بطرابلس المغرب والمهديّة، ثم استوطن الإسكندرية.

وكان شيخا صالحا. توفى فى هذه السنة.

الشيخ عماد الدين عبد الله

(1)

بن النحاس الزاهد الورع.

خدم الملوك ووزر بالعجم، وانقطع فى آخر عمره بجبل قاسيون، وأقام ثلاثين سنة مشغولا بالله، ويقضى حوائج الناس بنفسه وماله. توفى فى هذه السنة، ودفن بقاسيون بدمشق.

وهو الذى قال له ابن شيخ الشيوخ فخر الدين: والله لأسبقنك إلى الجنة بمدة، فسبقه فخر الدين.

الشيخ شمس الدين عبد الرحمن

(2)

بن نوح المقدسى، الفقيه الشافعى، مدرس

(1)

هو عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على الأنصارى الدمشقى، عماد الدين بن النحاس،

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 24، البداية والنهاية ج 13 ص 193، شذرات الذهب ج 5 ص 265. وورد اسمه «أبو بكر بن عبد الله» فى العبر ج 5 ص 217.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 218، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 19، شذرات الذهب ج 5 ص 265، البداية والنهاية ج 13 ص 195.

ص: 131

الرواحية

(1)

بعد شيخه تقى الدين بن الصلاح

(2)

. توفى فى هذه السنة، ودفن بالصوفية

(3)

.

وكانت له جنازة حافلة.

سبط ابن الجوزى: الشيخ شمس الدين أبو المظفر يوسف

(4)

بن الأمير حسام الدين قزغلى بن عبد الله، عتيق الوزير عون

(5)

بن هبيرة الحنفى، أحد السادات الحنفية البغدادى، ثم الدمشقى، سبط ابن الجوزى، أمّه رابعة بنت الشيخ جمال الدين أبى الفرج بن الجوزى

(6)

الواعظ.

وقد كان حسن الصورة، طيّب الصوت، حسن الوعظ، كثير الفضائل والمصنفات، وله مرآة الزمان فى عشرين مجلدا

(7)

من أحسن التواريخ، انتظم فيها

(1)

المدرسة الرواحية بدمشق: أنشأها هبة الله بن محمد الأنصارى، زكى الدين بن رواحة المتوفى سنة 622 هـ/ 1225 م - الدارس ج 1 ص 265.

(2)

«ابن صلاح» فى الأصل، وهو عثمان بن عبد الرحمن الشهر زورى، تقى الدين بن الصلاح، المتوفى سنة 643 هـ/ 1245 م - الدارس ج 1 ص 266.

(3)

«دفن من الغد بمقابر الصوفية» - ذيل مرآة الزمان.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 13 العبر ج 5 ص 220، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 39 - 43، السلوك ج 1 ص 401، الذيل على الروضتين ص 195، البداية والنهاية ج 13 ص 194، شذرات الذهب ج 5 ص 266 - 267، وفيات الأعيان ج 3 ص 142 رقم 96، فوات الوفيات ج 4 ص 356 رقم 592، تاج التراجم ص 83 رقم 256، النجوم الزاهرة ج 7 ص 39.

(5)

هو يحيى بن هبيرة بن محمد بن هبيرة، أبو المظفر، الوزير عون الدين، المتوفى سنة 560 هـ 1164 م - وفيات الأعيان ج 6 ص 230 رقم 807.

(6)

هو عبد الرحمن بن على بن محمد، أبو الفرج بن الجوزى، المتوفى سنة 597 هـ/ 1250 م - وفيات الأعيان ج 3 ص 140 رقم 370.

(7)

«رأيته بخطه فى أربعين مجلدا» - وفيات الأعيان ج 3 ص 142.

ص: 132

المنتظم

(1)

تاريخ جدّه وزاد عليه، وذيل إلى زمانه، وهى من أحسن التواريخ وأبهجها، قدم دمشق فى حدود الستمائة، وحظى عند ملوك بنى أيوب، وقدّموه وأحسنوا إليه.

وكان له مجلس وعظ كل يوم سبت بكرة النهار عند السارية التى يقوم عندها الوعاظ اليوم عند مشهد على بن الحسين زين العابدين، وقد كان الناس يبيتون ليلة السبت بالجامع ويتركون البساتين [372] فى الصيف حتى يسمعوا ميعاده، ثم يسرعون إلى بساتينهم فيتذاكرون ما قاله من الفوائد والكلام الحسن على طريق جدّه.

وقد كان الشيخ تاج الدين الكندى

(2)

وغيره من المشايخ يحضرون عنده تحت قبّة يزيد التى عند باب المشهد ويستحسنون ما يقول.

ودرّس بالعزية البرانية

(3)

التى بناها الأمير عز الدين أيبك

(4)

المعظمى أستادار الملك المعظم وهو واقف العزية الجوانية

(5)

التى بالكشك أيضا، وكانت قديما تعرف بدور ابن منقذ.

(1)

«نظم فيه المنتظم» فى البداية والنهاية ج 13 ص 194.

(2)

هو زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادى، تاج الدين الكندى، شيخ الحنفية والقراء والنحاة بالشام، والمتوفى سنة 613 هـ/ 1216 م. العبر ج 5 ص 44 - 45.

(3)

المدرسة العزية البرانية بدمشق: أنشئت سنة 626 هـ/ 1228 م - الدارس ج 1 ص 550 وما بعدها.

(4)

توفى سنة 645 هـ/ 1247 م - البداية والنهاية ج 13 ص 174.

(5)

المدرسة العزية الجوانية بدمشق - الدارس ج 1 ص 555 وما بعدها.

ص: 133

ودرّس السبط أيضا بالشبلية

(1)

التى بالجبل عند جسر كحيل، وفوض إليه البدرية

(2)

التى قبالتها، فكانت سكنه، وبها توفى ليلة الثلاثاء الحادى والعشرين من ذى الحجة من هذه السنة، وحضر جنازته سلطان البلد الملك الناصر يوسف ابن العزيز فمن دونه.

وأثنى عليه أبو شامة فقال: كان فاضلا، عالما، ظريفا، منقطعا، منكرا على أرباب الدول ما هم عليه من المنكرات، وقد كان مقتصدا فى لباسه، مواظبا على المطالعة والاشتغال، والجمع والتصنيف، ربى فى طول زمانه فى حياة طيبة وجاه عريض عند الملوك والعوامّ نحو خمسين سنة، وقد كان مجلس وعظه مطربا، وصوته فيما يورده فيه حسنا

(3)

طيبا.

وقد سئل يوم عاشوراء فى زمن الملك الناصر يوسف صاحب حلب أن يذكر للناس شيئا من مقتل الحسين رضى الله عنه، فصعد المنبر وجلس طويلا لا يتكلم، ثم وضع المنديل على وجهه وبكى، ثم أنشأ يقول وهو يبكى شديدا:

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور فى نشر الخلائق ينفخ

لابدّ أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

(1)

المدرسة الشبلية البرانية بدمشق: بسفح جبل قاسيون بالقرب من جسر ثورى، أنشأها شبل الدولة كافور طواشى حسام الدين محمد بن لاجين ولد ست الشام، المتوفى سنة 623 هـ/ 1226 م - الدارس ج 1 ص 530 وما بعدها.

(2)

المدرسة البدرية بدمشق: قبالة المدرسة الشبلية التى بالجبل عند جسر كحيل على نهر ثورى على الطريق بين عين الكرش وحى الأكراد، أنشأها الأمير بدر الدين حسن بن الداية من أكابر أمراء نور الدين محمود، الدارس ج 1 ص 477 وما بعدها.

(3)

انظر الذيل على الروضتين ص 195.

ص: 134

ثم نزل عن المنبر وهو يبكى، وصعد إلى الصالحية وهو يبكى

(1)

.

وقال صاحب طبقات الحنفيّة: روى السبط عن جدّه ببغداد، وسمع من أبى الفرج بن كليب وأبى حفص بن طبرزد، وسمع بالموصل ودمشق وحدّث بها وبمصر، وله تصانيف منها: مرآة الزمان، وشرح الجامع الكبير، وإيثار [373] الإنصاف وغير ذلك، مات فى التاريخ المذكور، وصلّى عليه بباب جامع جبل قاسيون الشمالى، وصلّى عليه السلطان الملك الناصر يوسف، وكان مولده نحو سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ببغداد.

ورثاه الشهاب أحمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن مصعب ارتجالا بأبيات:

ذهب المؤّرّخ وانقضت أيامه

فتكدّرت من بعده الأيّام

قد كان شمس الدين نورا هاديا

فقضى فعمّ الكائنات ظلام

كم قد أتى فى وعظه بفضائل

فى حسنها تتحيّر الأفهام

حزن العراق لفقده وتأسّفت

مصر وناح أسى عليه الشّام

فسقى ثرى واراه صوب غمامة

وتعاهدته تحيّة وسلام

مجير الدين يعقوب

(2)

بن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب. توفى فى هذه السنة، ودفن عند والده بتربة العادلية

(3)

.

(1)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 194 - 195.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: الذيل على الروضتين ص 194، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 37.

(3)

«ودفن بمقبرة والده بالمدرسة العادلية» - الذيل على الروضتين ص 194.

ص: 135

الأمير مظفر الدين إبراهيم

(1)

بن صاحب صرخد عز الدين أيبك، أستاذ دار الملك المعظم، واقف العزيزيتين الجوانية والبرانية على الحنفية. توفى فى هذه السنة، ودفن عند والده بالتربة تحت القبة عند الوراقة.

الأمير الكبير سيف الدين أبو الحسن يوسف

(2)

بن أبى الفوارس موسك القيمرى الكردىّ، أكبر أمراء القيمريّة.

كان يقفون بين يديه كما يفعل بالملوك، ومن أكبر حسناته وقفه

(3)

المارستان الذى بسفح جبل قاسيون، وكانت وفاته ودفنه بالسفح فى القبّة التى تجاه المارستان المذكور، وكان ذا مال كثير وثروة.

السلطان الملك غياث الدين كيخسرو

(4)

بن السلطان علاء الدين كيقباذ ابن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش ابن أرسلان بن سلجوق.

وخلّف من الأولاد ثلاثة وهم: عزّ الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان، وعلاء الدين كيقباذ، ولما توفى والدهم استقرّوا فى السلطنة ولم ينفرد

(1)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 15 - 17، البداية والنهاية ج 13 ص 195.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 195، وورد ذكر وفاته سنة 603 هـ فى العبر ج 5 ص 214، وورد اسمه: سيف الدين أبو الحسن على بن يوسف بن أبى الفوارس القيمرى، ووفاته سنة 653 هـ فى شذرات الذهب ج 5 ص 161.

(3)

«وقعة» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: نهاية الأرب ج 27 ص 105 وما بعدها، السلوك ج 1 ص 401.

ص: 136

بها أحد عن الآخر، وضربت السكّة بأسمائهم مشتركة، وخطب لهم جميعا، [374] وكان أبوهم قد فوض ولاية عهده إلى ولده علاء الدين كيقباذ الذى هو من كرجى خاتون، فاتفقوا على أن يتوجه إلى منكوقان يطلب منه الصلح والهدنة، ويقرّر له الإناوة، ليكفّ عساكره المتوالية، ويمنع جيوشه العادية، وأما التتار فإنهم استولوا على قيسارية وأعمالها وصار إليهم مسافة شهر من بلاد الروم

(1)

وأقاليمها فى هذه البرهة اللطيفة يقتلون ويأسرون وينهبون، ثم لما استأصلوا شعبها وبالغوا فى تخريبها عادوا إلى مستقرهم.

وكانت تولية غياث الدين كيخسرو المذكور فى السنة التى مات فيها والده علاء الدين كيقباذ وهى سنة أربع وثلاثين وستمائة

(2)

، فيكون مدة مملكته عشرين سنة، وكان والده علاء الدين قد زوّجه بكرجى خاتون ابنة ملك الكرج، فلما صارت إليه السلطنة صيّر أخاها - وكان نصرانيا لم ينتقل عن ملته - مقدّما على الجيش، فكرهه الأمراء وكرهوا السلطان غياث الدين لتقديمه إياه عليهم، وقد خبّط نفر من المؤرخين فى تاريخ وفيات هؤلاء وتاريخ ولاياتهم، منهم: بيبرس الدوادار، والصواب ما ذكرناه.

فإن قلت: أنت قد ذكرت فى أول سنة إحدى وخمسين وستمائة أن صاحب الروم ثلاثة وهم

(3)

: عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان وعلاء الدين

(1)

«فصار لهم من بلاد الروم مسافة شهر» - السلوك ج 1 ص 400.

(2)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 101 - 104.

(3)

انظر ما سبق فى أحداث سنة 651 هـ ص 79.

ص: 137

كيقباذ أولاد غياث الدين كيخسرو، فكيف يلتئم هذا الكلام بالذى ذكرته آنفا؟

قلت: هذا نقلته هناك فى تاريخ بيبرس، ولكنه أطلق كلامه بحيث أنه يوهم أن غياث الدين كيخسرو الذى هو والد الثلاثة مات فى تلك السنة، أعنى سنة إحدى وخمسين وليس كذلك، بل وجهه أنه كأنه قسم بلاده فى حياته بين أولاده الثلاثة المذكورين فى السنة المذكورة، واستقلّ كل منهم سلطانا، إلا أنه مات فى تلك السنة، واستقلوا سلاطين فيها، فافهم، والله أعلم.

***

ص: 138

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الخامسة والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: وهو المستعصم بالله.

[375]

وسلطان الديار المصرية: الملك المعز أيبك الصالحى، ونائبه فيها الأمير سيف الدين قطز، ولكن أيبك قتل فى هذه السنة على ما نذكره إن شاء الله.

وسلطان الشام وحلب: الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز ابن الظاهر بن الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.

وصاحب بلاد الروم: الأخوة الثلاثة وهم: عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان، وعلاء الدين كيقباذ، أولاد غياث الدين كيخسرو، ولكن كبيرهم علاء الدين كيقباذ، وهو كيقباذ الصغير، وجده هو كيقباذ الكبير، وعلاء الدين كيقباذ الأصغر، مات هو أيضا فى هذه السنة.

ولنذكر أولا وفاة الملك المعز أيبك، ثم وفاة كيقباذ الأصغر.

(*) يوافق أولها الجمعة 19 ينابر 1257 م.

ص: 139

‌ذكر وفاة الملك المعزّ أيبك الصالحى

‌والكلام فيه على أنواع:

‌الأوّل، فى ترجمته:

هو السلطان الملك المعزّ عز الدين أيبك

(1)

الصالحى النجمى التركمانى المعروف بالجاشنكير، كان من أكبر مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل بن السلطان الملك العادل أبى بكر ابن أيوب، وكان من الأخصاء عند أستاذه الملك الصالح، وترقى حاله عنده إلى أن غلب على الديار المصرية بعد قتل الملك المعظم تورانشاه بن الملك الصالح، وصار أتابك العساكر بالديار المصريّة، ثم استقرّ فى السلطنة فى التاريخ الذى ذكرناه.

‌الثّانى، فى سيرته:

كان دينا صيّنا عفيفا كريما، شجاعا، وهو الذى وقف المدرسة المعزية التى بمصر على شاطئ النيل، ومكث فى الملك نحوا من سبع سنين.

وقال بيبرس فى تاريخه: كانت دولة المعز خمس سنين وأشهرا.

‌الثالث، فى مقتله:

قال ابن كثير: قتلته زوجته شجر الدرّ أم خليل التى كانت حظية أستاذه الملك الصالح، وكان سبب ذلك أنه كان قد تغيّر على شجر الدرّ بعد قتل الفارس أقطاى، وبلغها أنه أرسل يخطب بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 20 - 28. العبر ج 5 ص 222.

وانظر أيضا الجوهر اليمين ص 256 - 262، كنز الدرر ج 8 ص 30 - 32.

ص: 140

الموصل ليتزوجها، وأنه اتفق أنه قبض على جماعة من البحريّة وهو على أمّ البارد وأرسلهم إلى القلعة ليعتقلوا

(1)

بها، وكان منهم شخص يسمّى أيدكين الصالحىّ، فلما وصلوا تحت الشبّاك الذى تجلس فيه شجر [376] الدر، قال لبعض الطواشية:

يا طواشى، خوند

(2)

جالسة فى الشباك. قال: نعم، فخدم أيدكين المذكور برأسه ورفعها إلى الشباك، وقال لها بالتركى: المملوك أيدكين البشمقدار: والله يا خوند ما عملنا ذنبا يوجب مسكنا إلا أنه لما سيّر يخطب بنت بدر الدين لؤلؤ ليتزوجها ما هان علينا لأجلك، فإنا نحن تربية نعمتك ونعمة الشهيد المرحوم فعاتبناه على ذلك، ماترين؟ قال، قال: وأومأت بمنديل

(3)

من الشباك، يعنى قد سمعت كلامك، فلما نزلوا بهم إلى الجب قال أيدكين: إن كان حبسنا فقد قتلناه

(4)

.

فلما رجع المعز أيبك من لعب الأكرة ودخل الحمام، رتبت شجر الدر له فى الحمام سنجر الجوجرى مملوك الطواشى محسن

(5)

والخدام الذين كانت اتفقت معهم فقتلوه فى الحمام، وأرسلت فى تلك الساعة أصبع المعز أيبك وخاتمه إلى الأمير

(1)

كان من بينهم «برى بلجك» جد المؤرخ ابن أيبك الدوادارى - كنز الدرر ج 8 ص 31.

(2)

«خونده» فى الأصل، والتصحيح من كنز الدرر.

(3)

«بمقدار» فى الأصل، والتصحيح من كنز الدرر.

(4)

كنز الدرر ج 8 ص 31.

(5)

«مملوك الفارس أقطاى» - النجوم الزاهرة ج 6 ص 376.

ص: 141

عز الدين الحلبى الكبير

(1)

، وطلبت منه أن يقوم بالأمر، فلم يجسر على ذلك، وكان قتله يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة

(2)

.

وفى تاريخ بيبرس: ولما بلغ شجر الدرّ أن المعز أرسل يخطب لنفسه بنتى صاحب حماة وصاحب الموصل أخذتها الحرّة وملكتها الغيرة لما قصد من الاستبدال عنها والاعتزال منها. فحملها ذلك على قتله، ولما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين

(3)

من ربيع الأول، ركب إلى الميدان كعادته وعاد إلى القلعة من عشيته، فلما دخل الحمام أحاط به جماعة من الخدّام، وأذاقوه كأس الحمام، وأشاعوا بكرة يوم الأربعاء أنه قد مات فجاءة فى جوف الليل، ودعوا بالثبور والويل، وأعولت النساء فى الدور، وأردن التلبيس بهذه الأمور فلم تتم الحيلة على مماليكه لأنهم فارقوه بالعشى سليما، وألفوه فى الصباح عديما، فعلموا أنه قد قتل غيلة.

(1)

هو أيبك بن عبد الله الصالحى النجمى الحلبى، الأمير الكبير عز الدين، توفى سنة 655 هـ/ 1257 م - المنهل الصافى ج 3 ص 129 رقم 574.

(2)

هناك اختلاف كبير بين هذا النص، وما ورد فى البداية والنهاية ج 13 ص 195 - 196 ص 198 - 199.

(3)

«الثالث والعشرين» ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 45، وهو تحريف، فيوم 24 ربيع الأول 655 هـ يوافق يوم ثلاثاء - انظر التوفيقات الإلهامية.

ص: 142

‌ذكر تولية الملك المنصور نور الدين [على

(1)

] بن السلطان الملك المعز أيبك

ولما ظهر الخبر بقتل المعز أراد مماليك المعزّ قتل شجر الدر، فجاءها المماليك الصالحية واتفقت الكلمة على إقامة نور الدين على بن المعزّ أيبك سلطانا، ولقبوه الملك المنصور، وعمره يومئذ خمسة عشر سنة، ونقلت شجر الدر [377] من دار السلطنة إلى البرج الأحمر، وصلبوا الخدام الذين اتفقوا معها على قتل المعز، وهرب سنجر الجوجرى، ثم ظفروا به وصلبوه، واحتيط على الصاحب بهاء الدين بن حنا لكونه وزير شجر الدر، وأخذ خطه بستين ألف دينار.

وفى يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر منها: اتفقت مماليك المعز أيبك مثل:

سيف الدين قطز وسنجر الغتمى، وبهادر، وقبضوا على علم الدين سنجر الحلبى، وكان قد صار أتابك العساكر للملك المنصور نور الدين علىّ، ورتّبوا فى أتابكيتّه أقطاى المستعرب

(2)

الصالحىّ.

وفى تاريخ بيبرس: استقر نور الدين على فى السلطنة بعد موت أبيه، وكان جلوسه فى السادس والعشرين من ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة،

(1)

[] إضافة للتوضيح. وانظر الجوهر الثمين ص 262 - 263.

(2)

توفى سنة 672 هـ/ 1273 م - المنهل الصافى ج 2 ص 504 رقم 506.

ص: 143

وعمره يومئذ حول عشر سنين، وكان يميل إلى اللهو واللعب لصباه، وقام الأمير سيف الدين قطز المعزى بأتابكيته وتدبير دولته، وكان ذا بأس وشهامة، وحزم وصرامة، فأمسك الصاحب شرف الدين الفائزى وعزله عن الوزارة، واحتيط على أمواله، وأسبابه، وذخائره. وكان مثريا من المال، وله ودائع كثيرة متفرقة، فتتبّعت واستخرجت من أربابها وحملت، واعتقل ثم قتل.

وسبب قتله أنّ والدة الملك المنصور هذا كانت مجفوّة من زوجها الملك المعز، وكان قد اتخذ سرارى وصيّرهن عند الوزير، فنقمت عليه، وسأل أن يبذل عن نفسه مالا فلم ترض إلا بقتله، واستوزر بعده الصاحب زين الدين يعقوب

(1)

بن الزبير.

‌ذكر وفاة السلطان علاء الدّين كيقباذ الصغير بن السلطان كيخسرو ابن السلطان علاء الدين كيقباذ:

مات فى هذه السنة بمدينة أرزنكان

(2)

، وكان توجه إلى خدمة منكوقان ابن طلو خان بن جنكز خان من قونية قاصدا الأرد، وسار فى خدمته الأمير سيف الدين طرنطاى، صاحب أماسية، وكان من أكابر أمراء الدولة، وحده، وكان يلقب بكلار باكى، يعنى أمير الأمراء، وشجاع الدين، ومحسن ملك

(1)

هو يعقوب بن عبد الرفيع بن زيد بن مالك، الصاحب زين الدين الأسدى الزبيرى، توفى سنة 668 هـ/ 1269 م - المنهل الصافى.

(2)

أرزنكان: بالفتح ثم السكون وفتح الزاى: من قرى فارس - معجم البلدان.

ص: 144

السواحل، واستصحب معه الهدايا النفيسة، والجواهر الثمينة، [378] والتحف الغريبة، والأقمشة شيئا كثيرا.

فلما توجّه وأقام أخواه بقونية وهما: عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان، لم يلبثا إلا قليلا حتى دبّت بينهما عقارب السعاة، وأفضى الحال بينهما إلى المعاداة، واختلفت الآراء، وشعّبت الأهواء، وتقسمت خواطر الأمراء.

وكان الصاحب يومئذ شمس الدين الطغرائى، وكان يميل مع ركن الدين، وآل أمر الأخوين إلى أن اقتتلا، فانكسر ركن الدين قليج أرسلان، وانتصر عليه أخوه عز الدين كيكاوس، وأخذه أسيرا، واعتقله عنده، واستقر بقونية، وحكم فى المملكة، هذا وبيجو ومن معه يجوسون خلال الديار.

ولما حصل ركن الدين فى الأسر ضاق بإلزامه الأمراء

(1)

وهم: شمس الدين الطغرائى، والأمير سيف الدين جاليش، وبهاء الدين أزدكردى، ونور الدين الخزندار، ورشيد الدين صاحب ملطيّة وهو أمير عارض، وفكّروا فيما يفعلون، فاتفقوا على أن زوّروا كتبا عن السلطان عز الدين إلى سيف الدين طرنطاى ورفيقيه بأن يسلّما إليهما السلطان علاء الدين وما معهما من الهدايا والخزانة، ليتوجّه الصاحب بذلك إلى منكوقان وتعودا أنتما من الطريق.

وساروا بهذه الكتب الموضوعة فى إثر السلطان علاء الدين، فلحقوه وقد وصل هو ومن معه إلى أردو بايطو، فدخلوا على بايطو وقالوا له: إن السلطان عز الدين كان قد أرسل أخاه ليتوجّه إلى القان، وأرسل معه هذين الذين هما طرنطاى

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - م 10

(1)

«الأمر» فى الأصل، والتصحيح يتفق والسياق.

ص: 145

ورفيقه، ثم اتضح

(1)

له أنهما قد أضمرا السّوء، وأنّ طرنطاى ضربته الصاعقة فيما مضى من الزمان فلا يصلح أن يدخل بين يدى القان، وأنّ رفيقه شجاع الدين رئيس طبيب ساحر، وقد أخذ صحبته شيئا من السمّ القاتل يغتال به منكوقان، فأرسلنا نحن عوضا منهما وأمر بردّهما.

فلما سمع بايطو مقال الصاحب ورفقته ظنه حقّا، فأمر بإحضار طرنطاى ورفيقه، وأن يفتش ما صحبتهما من القماش والزاد وغيره، ليظهر السمّ الذى معه، فكبست خيمة شجاع الدين الرئيس

(2)

[379] وحمل ما وجد، فكان من جملته برانى شراب وعقاقير الأدوية وشئ من المحمودة

(3)

، فألزموه بالأكل من جميعها، فأكل حتى انتهوا إلى المحمودة أمروه أن يأكل منها فأبى، وقال: إن أكلت من هذه متّ، فقالوا: هو السمّ الذى قيل فيه إنه معكما، وسألوا الأمير سيف الدين طرنطاى: ما هذا السمّ؟ ولم حملتماه؟ ومن الذى تقصدان أن تغتالا به وتقتلاه؟ فأجاب: بأنه لا علم له بأمره، وإنما يسأل عنه من وجد معه، فرسم بايطو بأن يقرر شجاع الدين بالضرب ليلطلعهم على الأمر، فقال لهم: اطلبوا الأطبّاء إلى هاهنا، وأروهم هذا النوع واسألوهم عنه، فإن ذكروا أنه سمّ قاتل، فأنا خائن خاتل، وإن قالوا: إنه دواء يتخذه الناس ويستعملونه لعلاج الأمراض، فهؤلاء القوم ذو أغراض.

(1)

«أفصح» فى الأصل، والتصحيح من نهاية الأرب ج 27 ص 108.

(2)

«رئيس» فى الأصل.

(3)

«السقمونيا» - فى نهاية الأرب ج 27 ص 108.

ص: 146

فأحضروا الأطباء وسألوهم عن المحمودة، فأجابوا بأنها دواء يشرب للمنفعة، وتوجد عند كثير من الباعة وغيرهم، فتبيّن لهم أن الصاحب قد تقوّل عليه، ثم سألوا طرنطاى ما هى الصاعقة التى ضربته وفى أىّ وقت أصابته؟ فقال: الصاعقة لا حقيقة لها، والحال فيها كالحال فى السمّ، وإنما هؤلاء زوّروا الكتب التى على أيديهم، وكتبوا ما أرادوا لأنفسهم، وأنا بينى وبين السلطان أمارة جعلها معى عند وداعه فأقول سرّا، فإن قالها الصاحب ومن معه فهم صادقون، وإن لم يعرفوها فهم ماذقون، وأسرّ إليه الأمارة، فسأل الصاحب ورفقته عنها فلم يعرفوها، فقال بايطو لطرنطاى: أنتم جميعا متوجهون إلى القان، وهو يفعل ما يراه.

وهؤلاء حضروا من مسافة بعيدة فاختاروا

(1)

إما أن يتسلّموا السلطان وتبقى الخزائن معكم، أو تسلّموا إليهم الخزائن ويبقى السلطان معكم، فأجمع رأى الأمير سيف الدين طرنطان على أن تكون الخزائن معه ومع رفيقه، وأن يتسلّم السلطان علاء الدين الصاحب شمس الدين الطغرائىّ ورفيقه، فتسلّماه.

وسار طرنطاى ورفيقه قبلهما، وسار الصاحب والسلطان معه بعده، فمرض السلطان علاء الدين فى [380] أثناء الطريق ومات.

فاتفق الصاحب وجاليش أن يسيرا إلى طرنطاى ورفيقه يعرّفانهما أن السلطان ضعيف، فإذا حضرا ليبصراه يقتلونهما، وبلغ سيف الدين طرنطاى موت السلطان، فأرسل فراشا ليكشف له أمره وأوصاه بأن يفتش آثارهم بالمنزلة التى

(1)

بداية ما وجد فى الجزء التاسع من مخطوط زبدة الفكرة ورقة 28 أ.

ص: 147

رحلوا منها، فمهما أصاب من ورقة ممزّقة أو غيرها يحضرها إليه ليستدلّ منها على شئ من أحوالهم.

فوجد الفراش رقعة ممزّقة كان جاليش قد كتبها إلى الصاحب بما اتفقا عليه عند موت السلطان، فأحضرها الفراش إلى سيف الدين طرنطاى، فاحتفظ بها، وعلم منها ما كانا عزما عليه من المكيدة، وسار هو ورفيقه حتى إذا صارا من الأردو على مسافة ثلاثة أيام نزلا فى إنتظار الصاحب ومن معه معتقدين أنهم جاءون وراءهم، وكانوا قد توجّهوا من طريق أخرى إلى منكوقان، فلما وصلوا إليه وأعلموه بأنّ لهم رفقة لم يصلوا بعد أنكر منكوقان عليهم، وأمر بأن يربطوا ويقاموا فى الشمس إلى حين وصول رفقتهم

(1)

، فأرسل الصاحب يخبر طرنطاى بأمره، ويسأله سرعة القدوم ليفكّ من أسره، فقدم طرنطاى.

وجلس [لهم] منكوقان

(2)

مجلسا عامّا، وأحضرهم بين يديه، ووقف التراجمة يعبرّون لهم وعنهم، فأمر بأن يجلسوا فى مراتبهم كما يجلسون فى بلادهم، فتنافسوا فى الجلوس، وقصد كلّ من التقدّم على الآخر، ثم سألهم عن وظائفهم، فصار كلّ يدّعى أنه الأكبر، فلما انتهى إلى طرنطاى ذكر أن وظيفته الأتابكيّة وتقدمة الجيش، فأمر أن يجلس فوق جميعهم، فأبى، وضرب جوك الخدمة وقال:

أنا بمرسوم القان أجلس فى المنزلة التى كنت أجلس فيها فى بلادنا، فأعجب منكوقان قوله وقال: هذا قد تبيّن لنا صدقه [وعقله

(3)

]، وسأله عن أمر السلطان

(1)

بداية الورقة 28 ب من ج 9 من مخطوط زبدة الفكرة.

(2)

[لهم] إضافة من مخطوط زبدة الفكرة ج 9 ورقة 28 ب.

(3)

[وعقله] إضافة من مخطوط زبدة الفكرة ج 9 ورقة 28 ب.

ص: 148

علاء الدين وكيف كان موته؟ فقال: منذ سلمه المملوك إلى الصاحب ورفقته، وتقدمنا [هم

(1)

] فى المسير لم نعرف له خبرا، فالقان يسأل من كان معه عن أمره، فعطف [381] إلى الصاحب وسأله عنه، فقال له إن طرنطاى قتله وزوجة السلطان تشهد بذلك، ولم يكن مع السلطان زوجة، وإنما كان سيف الدين طرنطاى قد اشترى للسلطان جارية تخدمه فى الطريق وعهدتها معه، وكان الصاحب قد أوصاها أن تقول: إنها زوجته وتوافقه على ما رتّبه، فاستدعاها

(2)

القان وسألها كيف كان موت السلطان؟ فاستصرخت واستغاثت، وادّعت أن طرنطاى ورفيقه هما اللذان قتلاه، فأحضر طرنطاى عهدة الجارية، وعرف القان كذبها فى زعمها أنها زوجة السلطان

(3)

، وأحضر الورقة الممزّقة التى أحضرها إليه الفراش، وهى من جهة جاليش إلى الصاحب بما تآمرا عليه، فتحقق منكوقان غرض الصاحب ونقله الكاذب، فأخّره ودحره، وقدّم طرنطاى وأكرمه، وقبل التقدمة، وسمع الرسالة، وكان مضمونها إن السلطان عز الدين كيكاوس كبير الأخوة وأولاهم بالمملكة، وسأل أن يسيّر إليه القان

(4)

يرليغ

(5)

بتقليده، ويمنع التتار من الغارات على بلاده والتعرّض إلى رعيته، فأجاب

(1)

[هم] إضافة من مخطوط زبدة الفكرة ج 9 ورقة 28 ب.

(2)

«فاستدعاه» فى الأصل.

(3)

بداية الورقة 29 أمن ج 9 من مخطوط زبدة الفكرة.

(4)

«الخان» فى زبدة الفكرة.

(5)

يرليغ: كلمة مغولية بمعنى حكم أو قرار أو أمر، ثم استعملت بمعنى أمر أو تفويض صادر من السلطان مباشرة إلى الأشخاص الممتازين، ويقول القلقشندى أن «اليراليغ هى المراسيم» - جامع التواريخ المجلد الثانى ج 1 ص 247 هامش (2)، صبح الأعشى ج 4 ص 423.

ص: 149

منكوقان إلى ذلك وأعطاه بايزة

(1)

ذهب سار سقر منقوشا فيها التقليد والتفويض إلى السلطان عز الدين، وخلع على طرنطاى ورفقته، وأنعم عليهم بالشاشات

(2)

الذهب، وعلى حاشيتهم بالشاشات

(3)

الفضة.

ومن الغد ورد عليه من جهة أخيه قبلاى وكان قد جرّده إلى بلاد الخطا خبر أزعجه وكلام أحفظه، فعزم على المسير إليهم، وتجهز للغارة عليهم.

ثم اتفق وصول خبر آخر سائقا على البريد من عند بيجو من ناحية الروم يقول: إنا كنا عابرين إلى الروم، فلما وصلنا إلى مكان يسمّى ما خان لقينا جيشهم صحبة أمير منهم يسمّى صارم كمنانوس، وقاتلنا ومنعنا العبور، وقطع القنطرة التى نجوز عليها، فاستشاط منكوقان غضبا وأحضر طرنطاى وقال له:

ألستم تقولون إنكم حضرتم من عند مخدومكم فى طلب الصلح!! فلماذا يسير الجيش لقتال عساكرنا؟ فقال له: أنا لى مدة متطاولة [382] منذ خرجت من عند مخدومى، ولم يرد علىّ منه كتاب، ولا صدر إليه منى

(4)

جواب، ولا يعلم

(5)

هل نحن أحياء أم أموات، غير أننى إذا وصلت إليه باليرليغ من عند القان دخل تحت طاعته، وحمل إليه ما تقرّر من إتاوته، فتقدم الصاحب [شمس الدين

(6)

] الطغرائى

(1)

البايزة: انظر ما سبق عنها ص 91 هامش (2).

(2)

«ببالشات» فى زبدة الفكرة.

(3)

«ببالشات» فى زبدة الفكرة.

(4)

«ولا صدر منى إليه جواب» فى زبدة الفكرة ورقة 26 ب.

(5)

«ولا يعلمون» فى زبدة الفكرة.

(6)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 150

ورفقته وسألوا القان أن يعطى السلطنة للسلطان ركن الدين قليج

(1)

أرسلان دون أخيه، وضمنوا عنه حمل الإناوة وبذل الطاعة، فقال منكوقان: بل تكون المملكة مشتركة بينهما، والبلاد مقسومة لكل منهما، وقسم البلاد مناصفة، فصيّر من نهر سيواس إلى حدّ بلاد الأشكرى لعزّ الدين كيكاوس، ومن سيواس إلى تخوم أرزن الروم من الجهة الشرقية

(2)

المتصلة ببلاد التتار لركن الدين قليج أرسلان أخيه، وعاد الصاحب شمس الدين وسيف الدين طرنطاى ورفقتهما من عنده، فلم يصلوا إلى الروم حتى دخلها التتار وفعلوا فيها ما سنذكره إن شاء الله فى سنة سبع وخمسين وستمائة، وأحضروا معهم جسد السلطان علاء الدين كيقباذ مصبّرا، فدفنوه بارزنكان «رحمه الله

(3)

».

‌ذكر ما اشتملت عليه المملكة الروميّة من البلاد الإسلامية:

بلاد خلاط وأعمالها: وتسمى الأرمينية الكبرى وكل من تملكها يسمى شاه أرمن، ومن مدنها: [خلاط

(4)

] وآن، وسطان، وأرجيش [وما معها

(5)

].

أرزن الروم وأعمالها، ومن مدنها: سبهر، وبابرت، وقجماز، وتسمى دار الجلال.

(1)

«قلج» فى زبدة الفكرة، فى هذا الموضع والمواضيع التالية.

(2)

«الجهة الشمالية» فى نهاية الأرب ج 27 ص 109، وهو تحريف.

(3)

«» ساقط من زبدة الفكرة، وانظر نهاية الأرب ج 27 ص 107 - 109.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 27 أ.

(5)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 151

[مدينة التى وأعمالها، وهى متصلة ببلاد الكرج وتخومها، وهى ذات قلعة حصينة منيعة

(1)

].

بلاد أرزنجان وأعمالها: ومن مدنها آقشهر، ودرجان وكماخ، وقلعة كغونية [وما مع ذلك

(2)

].

ديار بكر وأعمالها: ومن مدنها

(3)

المشهورة خرت برت، وملطيّة، وشميسات

(4)

ومشار وغيرها.

سيواس وبلاد دانشمند: وتسمّى دار العلاء، ومن

(5)

مدنها نكيسار، وأماسية، وتوقات، وقمينات.

وبلاد كنكر ومدينة أنكورية ومدينة سامسون وقلعة سنوب وكستمونية وطرخلو وبرلو، وهذه متصلة بسواحل البحر المحيط.

وقيسارية وأعمالها: ونكده، وعراقلية، وبلاد أرمناك وبها ابن منتشى.

مدينة قونية [383] وأعمالها.

وطنغرلو وأعمالها.

وقرا حصار ودمرلو وأقصرا وأنطاليا [والعلايا

(6)

].

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«ومدنها» فى زبدة الفكرة.

(4)

«شميصات» فى زبدة الفكرة.

(5)

«أعمالها» فى زبدة الفكرة.

(6)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 27 ب.

ص: 152

‌ذكر دخول التتار بلاد الروم ثالث مرّة:

وفى هذه السنة، دخل بيجو مع التتار إلى بلاد الروم ثالث مرّة، وشنّ الغارات عليها، وسبى هو ومن معه من عساكر التتار وغنموا، فكانت هذه الغارة أعظم نكاية من الغارات المتقدّمة.

وحكى أن الباعث لبيجو عليها بيجار الرومىّ، وذلك أنه حصل يوما فى جملة الناس إلى دار السلطان علاء الدين كيقباذ

(1)

وقت بسط الخوان

(2)

، فقصد الدخول إلى السلطان مع الأعيان، فضربه أحد البردداريّة

(3)

بعصاة على رأسه ليمنعه عن الدخول، فأرمى

(4)

طرطوره عن رأسه، فأغضبه ذلك، وقال: أنتم رميتم طرطورى على هذا الباب، فلابدّ أن أرمى عوضه رؤوسا كثيرة وعدّة طراطير، وخرج من فوره وتوجّه إلى بيجو مخامرا، وأطمعه فى بلاد [الروم

(5)

] والإغارة عليها، وهذا بيجار لم يكن له بين العساكر الروميّة ذكر ولا مريّة، ولكن قال الشاعر:

لا تحقرنّ عدوّا رماك وإن

كان فى ساعديه قصر

فإن السيوف تحزّ الرقاب

وتعجز عما تنال الإبر

فلما آل أمر بلاد الروم إلى الفساد، عزم أولاد السلطان غياث الدين كيخسرو على توجّه أحدهم إلى منكوقان ببذل الطاعة وإلتماس الأمان والفرمان،

(1)

«إلى باب السلطان غياث الدين» - نهاية الأرب ج 27 ص 350.

(2)

«ليحضر السماط، ولم تكن له صورة بعسكر الروم» - نهاية الأرب ج 27 ص 350.

(3)

البرددار: هو الذى يكون فى خدمة مباشرى الديوان، متحدثا على أعوانه والمتصرفين فيه - صبح الأعشى ج 5 ص 468.

(4)

«فسقط» فى نهاية الأرب.

(5)

[] إضافة تنفق والسياق.

ص: 153

فتوجّه السلطان علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو من قونية قاصدا الأرد وإلى منكوقان بن طولو خان بن جنكز خان، وقد ذكرنا قضيته مفصّلة عن قريب.

ثم إن بيجو وخجانوين ومن معهما من التتار عادوا إلى بلاد الروم، وكان السلطان عز الدين كيكاوس قد استقرّ بمفرده فى المملكة، وأخوه ركن الدين قليج أرسلان كان فى سجنه كما ذكرنا، وأخوه الآخر علاء الدين كيقباذ قد مات، كما ذكرنا، فلما بلغه عود التتار إلى بلاده جّهز جيشه على عزم الجهاد، وقدّم عليهم أميرا من كبار أمرائه يسمى أرسلان دغمش، فتوجّه المذكور بالعساكر الروميّة، وكان بيجو نازلا على صحراء قونية، فلما كان بعد توجه أرسلان دغمش بأيام شرب السلطان عزّ الدين مسكرا وتوجّه إلى بيت أرسلان دغمش وهو سكران، وقصد كبس [384] حريمه والهجوم عليهم، فأرسلوا يخبرونه بذلك، فاغتاظ وقال: أنا فى خدمته قبالة عدوّه وعدو الإسلام وهو يعاملنى بهذه المعاملة ويهجم على حريمى.

فأزمع الخلاف والمخامرة وأرسل إلى بيجو، ووعده أنه يتخاذل عند اللقاء، وينحاز إليه ويكون مساعدا له لا عليه.

فلما التقوا عمد أرسلان دغمش إلى سناجق صاحبه، فكسرها وولى هزيما، فانهزم عسكر الروم، واستظهر بيجو ومن معه، وتوجّه أرسلان دغمش إليه، فسلم عليه وحضر معه إلى قونية.

وبلغ السلطان الكسرة، فهرب من قونية إلى العلايا وأقام بها، وأغلق أهل قونية أبواب المدينة.

ص: 154

فلما كان يوم الجمعة أخذ الخطيب ما يملكه من ماله وحلى نسائه، وأحضره معه إلى الجامع وارتقى المنبر فنادى فى الناس قائلا: يا معشر المسلمين نحن قد ابتلينا بهذا العدوّ الذى دهمنا وما لنا فيه من يعصمنا، فابذلوا أموالكم واشتروا نفوسكم بنفائسكم، واسمحوا بما عندكم لنجمع من بيننا شيئا نفدى به نفوسنا وحريمنا وأولادنا، ثم بكى، وبكى الناس، وسمح كل أحد بما أمكنه، فجهّز الخطيب المذكور الإقامات، وخرج إلى مخيّم بيجو فلم يصادفه لأنه كان راكبا فى الصيد، وقدم ما كان معه إلى الخاتون زوجته فقبلته منه، وأقبلت عليه، وأكلت من المأكول، وقدم المشروب وأخذ منه شيئا على سبيل الششنى

(1)

، فناوله شابّا إلى جانبه ليذوقه، فقالت له: لماذا لا تشرب أنت منه؟ فقال: هذا محرّم علينا. قالت: من حرّمه؟ قال: الله تعالى حرّمه فى كتابه العزيز. قالت:

فكيف لم يحرّمه علينا؟ قال: أنتم كفّار ونحن مسلمون. فقالت له: أنتم خير عند الله أم نحن؟ قال: بل نحن، قالت: فإذا كنتم خيرا منا عنده فكيف نصرنا عليكم؟ فقال: هذا الثوب الذى عليك، وكان ثوبا نفيسا مرصّعا درّا ثمينا، أنت تعطينه لمن يكون خاصّا بك أو لمن يكون بعيدا عنك. قالت: بل أخصّ به من يختصّ بى. قال: فإذا أضاعه وفرّط فيه ودنّسه ما كنت تصنعين به؟ قالت: كنت أنكّل به وأقتله. فقال لها: دين الإسلام بمثابة هذا الجوهر والله أكرمنا به فما رعيناه حق رعايته، فغضب علينا وضربنا بسيوفكم [385] واقتص منا بأيديكم، فبكت زوجة بيجو فقالت للخطيب: من الآن تكون أنت أبى وأنا أكون بنتك. فقال: ما يمكن هذا حتى تسلمى، فأسلمت على يده،

(1)

كلمة فارسية بمعنى ذوق الطعام أو الشراب.

ص: 155

وأجلسته إلى جانبها على السّرير، فحضر بيجو من الصيد، فهمّ الخطيب بالقيام ليلتقيه فمنعته المرأة وقالت: أنت قد صرت حموه وهو يريد يجئ إليك ويخدمك.

فلما دخل بيجو إلى خيمته قالت له: هذا قد صار أبى، فجلس بيجو دونه وأكرمه، وقال لزوجته: أنا عاهدت الله أننى إذا أخذت قونية وهبتها لك.

قالت: وأنا وهبتها لأبى هذا، ثم أمر بفتح أبواب المدينة وآمن أهلها، ورتّب على كل باب شحنة لحفظهم من التتار، ورسم أن لا يدخلوها إذا كانت لهم حاجة إلا خمسين نفسا، خمسين نفسا، لقضاء حواجهم، ثم يخرجون، فلم يتعرضوا لأحد من أهلها بأذيّة، فكان ذلك من ألطاف الله الخفيّة

(1)

.

‌ذكر بقية الحوادث فى هذه السنة:

منها: أنه حصلت وحشة بين البحريّة الصالحيّة وبين الملك الناصر يوسف، فخافوه وخافهم على نفسه، ففارقوه وخرجوا من دمشق.

وقال المؤيد: وفى هذه السنة نقل إلى الناصر يوسف أن البحرية يريدون أن يفتكوا به، فاستوحش خاطره منهم وتقدّم إليهم بالانتزاح عن دمشق، فساروا إلى غزة

(2)

.

وقال بيبرس: خرجوا ووصلوا نابلس، واتفقوا على التوجّه إلى الملك المغيث بالكرك، فتوجّهوا إليه وهم: الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، والأمير سيف الدين قلاون الألفى، والأمير سيف الدين بلبان الرشيدى، وغيرهم،

(1)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 350 - 352.

(2)

انظر المختصر ج 3 ص 192 - 193.

ص: 156

فأكرمهم الملك المغيث وقبلهم وبرّهم ووصلهم، وإلتمسوا منه المساعدة على قصد الديار المصريّة وإمدادهم بعسكر لتصير لهم يد قويّة، فسيّر معهم عسكره حسبما سألوه، فساروا فى نحو ألف فارس، وبلغ الخبر الأمير سيف الدين قطز والأمراء المصريين، فجرّدوا عسكرا إلى الصالحيّة.

وقال المؤيد: إلى العباسة، ووصل من البحرية جماعة مقفزين إلى القاهرة، منهم الأمير عز الدين الأفرم، فأكرموه وأفرجوا عن أملاكه

(1)

.

فلما كان ليلة السبت الخامس [386] والعشرين

(2)

من ذى القعدة أقبلوا إليهم واتفقوا معهم، فانكسر البحرية ومن معهم من العسكر الكركى، وأسر الأمير سيف الدين قلاون الألفى، والأمير سيف الدين بلبان الرشيدى، وقتل الأمير سيف الدين بلغان الأشرفى، وانهزم الباقون، وعادوا إلى الكرك وهم خائبون.

قال المؤيد: انهزم عسكر المغيث والبحريّة وفيهم بيبرس البندقدارى الذى تسلطن بعد ذلك

(3)

.

ولما حصل الأمير سيف الدين قلاون فى الأسر ضمنه الأمير شرف الدين قيران المعزّى، وهو يومئذ أستادار السلطنة، فلم يعرض أحد إليه، وأقام بالقاهرة مدة

(4)

يسيرة، ثم تسحّب واختفى بالحسينية عند شمس الدين قطليجا الرومى، وقصد اللحاق بخوشداشيته، فزوده

(5)

وجهزه وسار إلى الكرك.

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 193.

(2)

«يوم السبت خامس عشر ذى القعدة» فى السلوك ج 1 ص 406.

(3)

انظر المختصر ج 3 ص 193.

(4)

فوق هذه الكلمة فى الأصل «برهة» .

(5)

«فزودوه» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.

ص: 157

وحسّن البحريّة للمغيث قصد الديار المصرية وأطمعوه فيها، وكاتبه بعض أمرائها ووعدوه بانحيازهم إليه متى حضر بنفسه إليها، فقصدها فى سنة ست وخمسين وستمائة.

ومنها: أنه وصل من الخليفة المستعصم بالله الخلعة والطوق والتقليد إلى الملك الناصر يوسف صاحب الشام كما وعده.

ومنها: أنه كانت فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وبين أهل السنة، فنهبت الكرخ ودور الرافضة حتى دور قرابات الوزير ابن العلقمى، وكان ذلك من أقوى الأسباب فى ممالأته للتتار.

ومنها: أنه دخل الفقراء الحيدريّة الشام، ومن شعارهم لبس الفراجى والطراطير، ويقصّون لحاهم ويتركون شواربهم، وهو خلاف السنّة، تركوها

(1)

لمبايعة شيخهم حيدر حين أسره الملاحدة، فقصّوا لحيته وتركوا شواربه، فاقتدوا به فى ذلك، وهو معذور مأجور، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وليس لهم فيه قدوة، وقد بنيت زاوية

(2)

بظاهر دمشق قريبا من العونيّة.

ومنها: أنه ولى القضاء بالديار المصرية تاج الدين عبد الوهاب بن خلف العلائى

(3)

المعروف بابن بنت الأعز، عوضا عن القاضى بدر الدين السنجارى، رحمه الله.

وفيها: « .........

(4)

».

وفيها: حج بالناس « .........

(5)

».

(1)

أى تركوا السنة.

(2)

«وبنوا لهم زاوية خارج دمشق» - السلوك ج 1 ص 407.

(3)

«العلاقى» فى الأصل، وهو تحريف - انظر ما يلى.

(4 و 5) «

» بياض فى الأصل.

ص: 158

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الإمام الزاهد الشيخ تقى الدين [387] عبد الرحمن بن أبى الفهم

(1)

اليلدانى

(2)

، توفى بقريته

(3)

فى ثامن ربيع الأول ودفن بها.

وكان شيخا صالحا، مسندا مشتغلا بالحديث سماعا وكتابة وإسماعا إلى أن توفى، وله نحو من مائة سنة.

قال أبو شامة: أخبرنى أنه كان مراهقا فى سنة تسع وستين وخمسمائة حين طهّر نور الدين بن زنكى رحمه الله ولده، وأنه حضر الطهور، وأخبرنى أنه رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم، وقال له يا رسول الله: بالله ما أنا رجل جيّد. فقال:

بلى، أنت رجل جيد

(4)

.

الشيخ شرف الدين محمد

(5)

بن أبى الفضل المرسى.

(1)

«عبد الرحيم بن أبى القاسم» فى الأصل، والتصحيح من مصادر الترجمة.

انظر العبر ج 5 ص 223، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 70، الذيل على الروضتين ص 195، شذرات الذهب ج 5 ص 269.

(2)

يلدا: قرية فى غوطة دمشق.

(3)

«قرية كلدا» فى الأصل، والتصحيح من مصادر الترجمة السابقة.

(4)

انظر الذيل على الروضتين ص 195، العبر ج 5 ص 224.

(5)

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أبى الفضل، أبو عبد الله شرف الدين، وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 224، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 76 - 79، الذيل على الروضتين ص 195 - 196، شذرات الذهب ج 5 ص 269.

ص: 159

كان شيخا فاضلا مفنّنا

(1)

، محقق البحث، كثير الحج، له مكانة عند الأكابر، وقد اقتنى كتبا كثيرة، وكان أكثر مقامه بالحجاز ومصر والشام، وحيث حلّ عظّمه رؤساء تلك البلدة، وكان مقصدا فى أموره، وكانت وفاته بالزعقة

(2)

بين العريش والداروم فى منتصف ربيع الأول من هذه السنة، ودفن فيها.

البادرائى الشيخ نجم الدين عبد الله

(3)

أبو محمد بن أبى الوفا بن الحسن بن عبد الله بن عثمان بن أبى الحسن بن حسنون البغدادى البادرائى الشافعى، مدرس النظاميّة ببغداد، ورسول الخلافة إلى ملوك الآفاق فى الأمور المهمّة، وإصلاح الأحوال المدلهمّة.

وقد كان فاضلا بارعا، رئيسا متواضعا، وقد ابتنى بدمشق مدرسة حسنة

(4)

مكان دار الأمير أسامة، وشرط على المقيم بها العزبة؛ ولكن حصل بسبب ذلك خلل كثير، وشرّ لبعضهم كبير.

(1)

«مغنيا» ؟؟؟ فى الذيل على الروضتين.

(2)

الزعقا: على خط سير البريد بين العريش ورفح، وهى من البلاد المندرسة - القاموس الجغرافى ق 1 ج 1 ص 66.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 223، درة الأسلاك ص 14، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 70 - 73، السلوك ج 1 ص 407، النجوم الزاهرة ج 7 ص 57، الذيل على الروضتين ص 198، شذرات الذهب ج 5 ص 269.

(4)

هى المدرسة البادرائية بدمشق، داخل باب الفراديس والسلامة - الدارس ج 1 ص 205 وما بعدها.

ص: 160

وقال ابن كثير: وقد كان شيخنا الإمام العلامة شيخ الشافعية وغيرهم برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم

(1)

بن الشيخ تاج الدين الفزارى مدرّس هذه المدرسة وابن مدرّسها

(2)

، يذكر أنه لما حضر الواقف فى أول يوم درس بها وحضر عنده السلطان الملك الناصر يوسف بن العزيز قرئ كتاب الوقف وفيه: ولا تدخلها إمرأة، فقال السلطان: ولا صبىّ. فقال الواقف: يا مولانا ربنا ما يضرب بعصاتين، فإذا ذكر هذه الحكاية تبسّم عندها، وكان هو أول

(3)

من درّس بها، ثم ولده كمال الدين من بعده، وجعل نظرها إلى وجيه الدين بن سويد، ثم صار فى ذريته إلى الآن.

وقد أوقف البادرائى على هذه المدرسة أوقافا حسنة دارّة، وجعل بها خزانة كتب حسنة نافعة، [388] وقد عاد إلى بغداد فى هذه السنة، وتولّى بها قضاء القضاة كرها منه، فأقام فيه سبعة عشر يوما، ثم توفى إلى رحمة الله فى مستهل ذى الحجة من هذه السنة، ودفن بالشونيزية

(4)

.

المشدّ الشاعر الأمير سيف الدين على

(5)

بن عمر بن قزل، مشدّ الدواوين بدمشق.

(1)

هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع، برهان الدين الفزارى، المتوفى سنة 729 هـ/ 1328 م - المنهل الصافى ج 1 ص 99 رقم 240 وانظر الدارس ج 1 ص 208.

(2)

هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزارى، تاج الدين، المتوفى سنة 690 هـ/ 1291 م - المنهل الصافى، الدارس ج 1 ص 208.

(3)

«هذا» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

(4)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 196 - 197.

(5)

ذكر المؤلف ترجمته مرة ثانية فى وفيات سنة 656 هـ، وهو ما أجمعت عليه المصادر - انظر ما يلى ص 197.

ص: 161

كان شاعرا مطبقا، وله ديوان مشهور، وقد رآه بعضهم بعد موته، فسأله عن حاله فأنشده:

نقلت إلى رمس القبور وضيقها

وخوفى ذنوبى أنها بى تعثر

وصادفت رحمانا رءوفا وأنعما

حبانى بها لما كنت أحذر

ومن كان حسن الظن فى حال موته

جميلا بعفو الله فالعفو أجدر

بشارة

(1)

بن عبد الله الأرمنى الأصل، بدر الدين الكاتب، مولى شبل الدولة

(2)

المعظّمى.

سمع الكندىّ وغيره، وكان يكتب خطّا جيّدا، وأسند إليه مولاه النظر فى أوقافه، وجعله فى ذريته، فهؤلاء ينظرون فى الشبليتين

(3)

.

وكانت وفاته فى النصف من رمضان من هذه السنة.

القاضى تاج الدين أبو عبد الله محمد

(4)

بن قاضى القضاة جمال الدين المصرى.

ناب عن أبيه، ودرس بالشامية

(5)

، وله شعر، فمنه قوله:

(1)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 198.

(2)

هو شبل الدولة كافور المعظمى، طواشى حسام الدين محمد بن لاجين، المتوفى سنة 623 هـ/ 1226 م - العبر ج 5 ص 95، الدارس ج 1 ص 530.

(3)

هما المدرسة الشبلية البرانية بسفح جبل قاسيون بدمشق، والمدرسة الشبلية الجوانية بدمشق - أنظر الدارس ج 1 ص 530، ص 537.

(4)

«ابن محمد» فى الأصل والتصحيح من البداية والنهاية ج 13 ص 198.

وهو محمد بن يونس بن بدران بن فيروز، أبو عبد الله بن جمال الدين المصرى - البداية والنهاية ج 13 ص 198، الدارس ج 1 ص 280.

(5)

المدرسة الشامية البرانية بدمشق: أنشأتها ست الشام إبنة أيوب، أخت السلطان صلاح الدين، والمتوفاة سنة 616 هـ/ 1219 م - الدارس ج 1 ص 277، ص 280.

ص: 162

صيّرت فمى لفيه باللثم

(1)

غدا

[عمدا

(2)

] ورشفت من ثناياه مدام

فازوّر؟؟؟ وقال أنت فى الفقه إمام

ريقى خمر وعندك الخمر حرام

الشيخ الأسعد هبة الله

(3)

بن صاعد بن شرف الدين الفائزى.

خدم قديما للملك الفائز سابق الدين إبراهيم بن الملك العادل، وكان نصرانيا فأسلم، وكان كثير البرّ والصدقات والصلات.

استوزره الملك المعزّ، وكان حظيّا عنده جدّا لا يفعل شيئا إلا بمراجعته ومشاورته.

وكان قبله فى الوزارة القاضى تاج الدين بن بنت الأعز، وقبله القاضى بدر الدين السنجارى، ثم صارت بعد ذلك كله إلى هذا الشيخ الأسعد المسلمانى، وقد كان المعزّ يكاتبه بالمملوك، ثم لما قتل المعزّ أهين الأسعد حتى صار شقيا، وأخذ الأمير سيف الدين قطز خطه بمائة ألف دينار، وقد هجاه [389] بعضهم:

لعن الله صاعدا

وأباه فصاعدا

وبنيه فنازلا

واحدا ثم واحدا

(4)

ثم قتل بعد ذلك كله ودفن فى القرافة.

(1)

«لثام» فى البداية والنهاية، والدارس.

(2)

[] إضافة من البداية والنهاية، والدارس.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 80 - 83، السلوك ج 1 ص 407، النجوم الزاهرة ج 7 ص 58.

(4)

انظر ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 80، النجوم الزاهرة ج 7 ص 58.

ص: 163

ابن أبى الحديد الشاعر العراقى عبد الحميد

(1)

بن هبة الله بن محمد بن محمد ابن الحسين، أبو حامد بن أبى الحديد، عز الدين المدائنى، الكاتب الشاعر المطيق الشيعى الغالى.

له شرح نهج البلاغة فى عشرين مجلدا. ولد بالمدائن سنة ست وثمانين وخمسمائة، ثم صار إلى بغداد، وكان أحد الكتاب والشعراء للديوان الخليفتى، وكان حظيّا عند الوزير ابن العلقمى لما بينهما من المناسبة والمهاربة والمشابهة فى التشيّع والأدب والفضيلة، وكان أكثر فضيلة وأدبا من أخيه أبى المعالى موفق الدين أحمد

(2)

بن هبة الله، وإن كان الآخر فاضلا بارعا أيضا، وقد ماتا فى هذه السنة.

الشريف الأديب أبو الحسن

(3)

على بن محمد الموسوى، المعروف بابن دفتر خوان

(4)

، له شعر حسن، ومصنفات كثيرة، توفى فى هذه السنة.

الشيخ أبو جعفر

(5)

بن الشيخ شهاب الدين أبى عبد الله عمر السهروردىّ الصوفى، مات ببغداد فى هذه السنة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 62 - 70، السلوك ج 7 ص 408.

(2)

«أبو المعالى القسم بن هبة الله» فى شذرات الذهب، وورد فيه ذكر وفاته سنة 656 هـ. وانظر أيضا العبر ج 5 ص 234.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 73 - 75، النجوم الزاهرة ج 7 ص 59.

(4)

«دمير خان» - فى ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 73.

(5)

هو محمد بن عمر بن محمد بن عبد الله بن حمويه، أبو جعفر التيمى البكرى السهروردى.

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 79.

ص: 164

شجر الدّر

(1)

بنت عبد الله أم خليل التركيّة.

كانت من حظايا الملك الصالح نجم الدين أيّوب بن السلطان الملك الكامل ابن العادل ايّوب، وكان له ولد منها يسمى خليل، كان من أحسن الصور، مات صغيرا، وكانت تكون فى خدمة الملك الصالح لا تفارقه حضرا وسفرا من شدّة محبته لها، وقد ملكت الديار المصرية بعد مقتل ابن زوجها الملك المعظم توران شاه

(2)

، فكان يخطب لها ويضرب السكة باسمها، وعلّمت على المناشير مدّة ثلاثة أشهر كما ذكرنا، ثم تملك الملك المعز أيبك، ثم تزوجها بعد تملكه الديار المصرية، ثم غارت عليه لما بلغها أنه يريد أن يتزوج ابنة

(3)

صاحب الموصل كما ذكرناه، فعملت عليه حتى قتلته كما تقدّم، فتمالى عليها مماليك المعزّ فقتلوها وألقوها على مزبلة ثلاثة أيام، ثم نقلت إلى تربة لها

(4)

بالقرب من قبر الست نفيسة.

وفى تاريخ النويرى: وفى سادس عشر ربيع الآخر من هذه السنة [390] قتلت شجر الدرّ وألقيت خارج البرج الأحمر

(5)

وحملت إلى تربة كانت قد عملتها فدفنت بها.

(1)

ولها أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 61 - 62، العبر ج 5 ص 222، البداية والنهاية ج 13 ص 199، السلوك ج 1 ص 404، شذرات الذهب ج 5 ص 268.

(2)

«تورن شاه» فى الأصل.

(3)

«أن يتروجها» ، فى الأصل، وهو تحريف، والتصحيح يتفق وسير الأحداث - انظر ما سبق ص 140 - 141.

(4)

انظر الإنتصار ج 4 ص 125.

(5)

البرج الأحمر، بساحل القسطاط - انظر المواعظ والإعتبار ج 1 ص 380.

ص: 165

وكانت تركية الجنس، وقيل: كانت أرمنية الجنس، وكانت مع الملك الصالح فى الإعتقال بالكرك

(1)

.

وفى تاريخ ابن كثير: وكانت قوية النفس، ولما علمت أنها قد أحيط بها أتلفت شيئا كثيرا من الجوهر واللآلى كسرته فى الهاون لا لها ولا لغيرها

(2)

.

وقال: لما سمع مماليك المعزّ بقتله أقبلوا صحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلة غير مستورة العورة بعد الحجاب المنيع والمقام الرفيع

(3)

.

(1)

ملخصا عن مخطوط نهاية الأرب ج 27.

(2)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 199.

(3)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 196.

ص: 166

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة السادسة والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، وفيها فتن ومصائب، وأعظمها قتل الخليفة المستعصم بالله، وانقراض الخلافة العباسيّة من بغداد، واستيلاء هلاون على بغداد، وفساد التتار فى البلاد، ووقوع الحرب بين بنى أيوب وبين المماليك البحرية، وبين الشاميّة والمصريّة، على ما نذكره مفصّلا.

‌ذكر أخذ هلاون بن طلو خان بن جنكز خان مدينة بغداد وقتله الخليفة المستعصم بالله:

وفى أول هذه السنة قصد هلاون بعساكر التتار بغداد، وسار إليها فنازلها، وكان معه من المقدّمين الأكابر: كوكك نوين، وألكان نوين، وكتبغا نوين، وقد غان نوين، وهلاجو نوين، ومر كديه نوين، وصغون حاق، ومن الملوك داود ملك الكرج بجيشه، وأرسل إلى بيجو يستدعيه ليشهد هو ومن معه المحاصرة ويستكثرهم فى المحاصرة، فلما وصل إليه الرسول أزمع التأخير واستشار الأمراء الذين معه فى ذلك، وهم: أرسلان جوبان، وصرمون نوين، وانكراث، فأبوا إلا التوجّه إلى هلاون، فاضطرّه الأمر إلى المسير إليه، إلا أنه

(*) يوافق أولها الثلاثاء 8 يناير 1258 م.

ص: 167

أرسل يخبر هلاون بأنّ جمعا كثيرا من القراسلية

(1)

والأكراد والياروقية قد جمعوا لهم فى الطرقات، ومقدمهم شرف الدين بن بلاش، وأنهم أخذوا عليهم المضيق، وسدّوا دونهم الطريق، ولا سبيل لهم إلى الخروج [391] من حدود ديار بكر، وقصد بيجو بذلك المدافعة؛ إذ لم يجد سبيلا إلى الممانعة، فجهز هلاون تومانين

(2)

من التوامين الذى صحبته، أحدهما: مقدّمه قدغان، والآخر: كتبغا نوين ليفتحا الطرقات لهم، ويزيحا عنها الأكراد وغيرهم، وفى أثناء ذلك أتقع الأكراد

(3)

والقراسل وقعة عظيمة، وجفل

(4)

منهم أهل أرزنجان، وتحصّنوا بجبل أرزن سور، فلما وصل التتار إلى أرزنجان تسلّموها، وحاصروا كماخ

(5)

، وكسروا الأكراد، وسبوا منهم وقتلوا، وأقام قدغان وكتبغا حتى وصل إليهم بيجو وخجا نوين ومن معهما، وتوجهوا جميعا إلى هلاون، فنزل بيجو ومن معه بالجانب الغربى من بغداد، وهلاون ومن معه بالجانب الشرقى، وحاصروا بغداد أشدّ الحصار.

(1)

«القرى تليه» فى نهاية الأرب ج 27 ص 380.

(2)

«ثمانين» فى نهاية الأرب ج 27 ص 380.

والتومان أو الطومان: فرقة عسكرية يبلغ عددها عشرة آلاف مقاتل - السلوك ج 1 ص 933 هامش (1).

(3)

«أوقع بالأكراد» فى نهاية الأرب ج 27 ص 380، وهو تحريف.

والمقصود وقوع معركة بين الأكراد والقراسل - انظر ما سبق.

(4)

«وجعل» فى نهاية الأرب ج 27 ص 380، وهو تحريف.

(5)

«كماج» فى نهاية الأرب ج 27 ص 281.

ص: 168

ولما أحاطوا بها، وخيّموا حولها، خرج إليهم عسكرها بعدد وعدده، وحشده ومدده، صحبة مجاهد الدين أيبك الدوادار الصغير

(1)

، وكان له شأن عظيم، وقدر جسيم، وكان مقدّما على عشرة آلاف فارس، فندبه الخليقة لقتال التتار، وكان فى مقدمتهم صغون حاق بتمانه، فلما التقى المسلمون معهم كانت الكسرة على التتار، فولّوا الأدبار، وتبعهم الدوادار، سحابة ذلك النهار، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا.

وحجز بينهم الليل، فكفّت المسلمون الذين معتقدين أنهم قد استظهروا، ولأعدائهم قهروا، فلما أصبحوا لم يشعروا إلا وقد تراجع التتار إليهم، وحملوا عليهم، فكسروهم وهزموهم، لأن أكثرهم كان قد تسّلل فى الليل إلى المدينة موقنا بالنصرة.

فلما تمت هذه الكسرة، ولّى المنهزمون ليرجعوا إلى بغداد، فحال بينهم وبينها بثق انبثق فى تلك الليلة، وساحت منه مياه دجلة، وشملت الطرق والمسالك، وأدركت العسكر، فأغرقت بعضهم هنالك.

وقتل التتار مجاهد الدين أيبك الدوادار وولده أسد الدين، وكان مقدّما على خمسة آلاف فارس، وسليمان بن برجم

(2)

أمير علم الخليفة، وجماعة من الأمراء البغاددة، وأعيان العسكر، وأسروا خلقا.

(1)

«الدوادار الكبير» فى الأصل والتصحيح مما يلى ص 175، وانظر نهاية الأرب ج 27 ص 381 هامش (1).

(2)

«ابن ترجم» فى نهاية الأرب ج 27 ص 382، وهو تحريف.

ص: 169

وأما هؤلاء الثلاثة فإنهم حملوا رءوسهم [392] إلى الموصل، ونصبوها على باب المدينة ترهيبا لصاحبها، وتخويفا لأهلها.

وارتاع الخليفة أشدّ ارتياع، وأخذت أسبابه فى الانقطاع، وأصبح لا يدرى، وإن كان حازما أقدامه خير أم وراءه، وأغلقت أبواب مدينة بغداد، فأحاط بها التتار وضايقوها بالحصار، فافتتحوها عنوة، ودخلوها غدوة فى العشرين من محرم هذه السنة، فبذلوا فى أهلها المناصل، وأوردوهم من حياض الموت أمرّ المناهل، وأكثروا الأيامى واليتامى والأرامل، ولم يرحموا شيخا كبيرا، ولا طفلا صغيرا

(1)

.

وفى تاريخ النويرى: وكان سبب ذلك أن وزير الخليفة مؤيد الدين بن العلقمى كان رافضيا، وكان أهل الكرخ روافض

(2)

فجرت فتنة بين السنة والشيعة ببغداد على جارى عادتهم فى السنة الماضية، فأمر أبو بكر

(3)

ابن الخليفة وركن الدين الدوادار العساكر، فنهبوا الكرخ، وهتكوا النساء، وركبوا فيهن الفواحش، فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمى، وكاتب التتار وأطمعهم فى ملك بغداد، وكان عسكر بغداد مبلغ مائة ألف فارس، فقطعهم المستعصم ليحمل إلى التتار متحصل

(1)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 380 - 382.

(2)

«كان شيعيا، والشيعة يسكنون بالكرخ، وهى محلة مشهورة بالجانب الغربى من بغداد» - نهاية الأرب ج 23 ص 324.

(3)

«فأمر الخليفة» فى نهاية الأرب.

ص: 170

إقطاعاتهم، وبقى عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس، وأرسل ابن العلقمى إلى التتار [أخاه

(1)

] يستدعيهم، فساروا قاصدين بغداد فجرى ما جرى

(2)

.

وقال ابن كثير فى تاريخه: وأحاطت التتار بدار الخلافة، يرشقونها بالنشاب

(3)

من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدى الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة الحظايا، وكانت مولدة تسمى عرفة، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهى ترقص بين يدى الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك [وفزع فزعا

(4)

] شديدا، وأحضر السهم الذى أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره

(5)

سلب ذوى العقول

(6)

عقولهم، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة

(7)

، وكان قدم هلاون بجنوده كلها، وكانوا نحوا من مائتى ألف مقاتل فى ثانى عشر المحرم من هذه [393] السنة، وهو شديد الحنق على الخليفة بسبب ما كان ما تقدم من الأمر الذى قدره الله وقضاه، وهو أن هلاون لما كان أول بروزه من همدان متوجها إلى العراق أشار الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمى على الخليفة بأن يبعث إليه بهدايا سنية ليكون ذلك مداراة له عما يريده من قصد بلادهم، فخذل الخليفة عن ذلك دواداره

(1)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 194، للتوضيح.

(2)

انظر نهاية الأرب ج 23 ص 324.

(3)

«بالنبال» فى البداية والنهاية ج 13 ص 200.

(4)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(5)

«وقدرته» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

(6)

«أذهب من ذوى العقول» فى البداية والنهاية.

(7)

«وكثرة الستائر عن دار الخلافة» فى الأصل والتصحيح من البداية والنهاية.

ص: 171

أيبك وغيره، وقالوا: إن الوزير إنما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليهم من الأموال، وأشاروا بأن يبعث بشئ يسير، فأرسل شيئا من الهدايا، فاحتقره هلاون، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه دواداره المذكور وسليمان شاه، فلم يبعثهما إليه، ولا بالى به حتى أزف قدومه، ووصل إلى بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة، فجرى ما جرى

(1)

.

‌ذكر خروج الخليفة إلى هلاون وقتله:

ولما غلب التتار على بغداد، كان أول من برز إلى هلاون الوزير مؤيّد الدين بن العلقمى، فخرج فى أهله وأصحابه، فاجتمع بهلاون، ثم عاد، فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه، لتقع المصالحة، على أن يكون نصف الخراج من أرض العراق لهم ونصفه للخليفة، فاحتاج الخليفة إلى أن خرج فى سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان، ولما اقتربوا من منزل هلاون حجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفسا، فخلص الخليفة بهؤلاء، وأنزل الباقون عن مراكيبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم، وأحضر الخليفة بين يدى هلاون، فسأله عن أشياء كثيرة، وقيل: انه اضطرب كلام الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت، ثم عاد إلى بغداد وفى صحبته خواجا نصير الدين الطوسى والوزير مؤيد الدين بن العلقمى وغيرهما، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة، فأحضر من دار الخلافة شيئا كثيرا من الذهب والحلى والمصاغ والجوهر والأشياء النفيسة.

(1)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 200 - 201.

ص: 172

وقد أشار أولئك الملاعين الرافضة وغيرهم من المنافقين على هلاون أنّ لا يصالح الخليفة. وقال الوزير: ولو وقع الصلح على المناصفة لا يستمر [394] هذا إلا عاما أو عامين، ثم يعود الأمر على ما كان عليه قبل ذلك، وحسّنوا له قتل الخليفة، فلما عاد الخليفة إلى هلاون أمر بقتله.

ويقال: إن الذى أشار بقتله الوزير بن العلقمى ونصير الدين الطوسى، وكان النصير عند هلاون حظيا قد استصحبه فى خدمته لما فتح قلعة الموت وانتزعها من أيدى الإسماعيلية، وكان النصير وزير شمس الشموس ولأبيه من قبله علاء الدين بن جلال الدين، وكانوا ينتسبون إلى نزار بن المستنصر العبيدى، وانتخب هلاون النصير يكون فى خدمته كالوزير المشير، فلما قدم هلاون تهيّب قتل الخليفة، فهوّن عليه قتله الوزير والنصير، فقتلوه رفسا وهو فى جولق لئلا يقع على الأرض شئ من دمه، خافوا أن يؤخذ

(1)

بثأره فيما قيل لهم. وقيل: بل خنق. وقيل: بل غرق

(2)

.

وفى تاريخ النويرى: خرج الوزير ابن العلقمىّ فتوثق منه لنفسه، وعاد إلى الخليفة وقال: إن السلطان هلاون يبقيك فى الخلافة كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوّج ابنته من ابنك أبى بكر، وحسّن إليه الخروج إليه، فخرج الخليفة فى جمع من الأكابر من أصحابه، فأنزل فى خيمة، ثم استدعى الوزير الفقهاء والأماثل، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد ومدرسوها، وكان فيهم الشيخ محيى الدين بن الجوزى

(3)

وأولاده، وجعل الوزير يخرج إلى التتار طائفة بعد

(1)

«أن لا يؤاخذوا» فى الأصل، وهو تحريف، والتصحيح من البداية والنهاية.

(2)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 201.

(3)

انظر ما يلى فى الوفيات.

ص: 173

طائفة، فلما تكاملوا قتلهم التتار عن آخرهم، ثم مدّوا الجسر، وعدّى بيجو ومن معه، وبذلوا السيف فى بغداد وهجموا دار الخلافة، وقتلوا كلّ من فيها من الأشراف، ولم يسلم منهم إلا من كان صغيرا فأخذ أسيرا، ودام القتل والنهب فى بغداد أربعين يوما حتى صار الدم فى الأزقة كأكباد الإبل، ثم نودى بالأمان

(1)

.

وفى تاريخ ابن كثير: ولما قتلوا هؤلاء السادات مالوا على البلد، فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل [395] كثير من الناس فى الآبار وأماكن الحشوش وقنى الوسخ ويكمنون فيها ولا يظهرون، وكان جمع من الناس يجتمعون فى الحانات ويغلقون عليهم الأبواب فيفتحها التتار إما بالكسر أو بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالى المكان، فيقتلونهم على الأسطحة حتى تجرى الميازيب من الدماء فى الأزقة، وكذلك فى المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن إلتجأ إليهم، وإلى دار الوزير محمد بن العلقمى الرافضى، عليه ما يستحق.

وعادت بغداد، بعد ما كانت أنس المدن كلها، كانها خراب، ليس فيها أحد إلا القليل من الناس، وهم فى خوف وجوع ولإلّة وقلّة.

وقد اختلف الناس فى كمية من قتل ببغداد من المسلمين فقيل: ثمانمائة ألف نفس، وقيل: ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل: بلغت القتلى ألفى ألف نفس، وقتل مع الخليفة ولده الأكبر أبو العباس أحمد، وله خمس وعشرون سنة، ثم قتل ولده الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن، وله ثلاث وعشرون سنة،

(1)

لم يرد هذا النص فى أجزاء نهاية الأرب والمطبوعة الموجودة بين أيدينا - انظر ج 23، ج 27.

ص: 174

وأسر ولده الأصغر مبارك، وأسرت إخوته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم، وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر فيما قيل، والله أعلم.

وقتل استادار الخليفة الشيخ الفاضل محيى الدين بن يوسف الشيخ أبى الفرج ابن الجوزى وكان عدوّ الوزير بن العلقمى، وقتل أولاده الثلاثة عبد الرحمن وعبد الله وعبد الكريم، وأكابر الدولة واحدا بعد واحد، منهم: الدوادار الصغير مجاهد الدين أيبك، وشهاب الدين سليمان شاه، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد.

وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بنى العباس، فيخرج بأولاده ونسائه، فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة، فيذبح كما تذبح الشاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه.

وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين على بن النيار، وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور [396] ببغداد، وأمر الوزير بن العلقمى بأن تعطل المساجد والجوامع والمدارس والربط ببغداد ويستمر بمحال الروافض، وأن يبنى للرافضة مدرسة هائلة، ينشرون فيها علمهم، فلم يقدره الله عز وجل على ذلك؛ بل أزال نعمته عنه، وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة، واتبعه ولده فاجتمعا - والله أعلم - فى الدرك الأسفل من النار.

ولما انقضى أمد المدّة المقدّرة، وانقضت الأربعون يوما، بقيت بغداد خاوية على عروشها، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى فى الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت البلد من جيفهم،

ص: 175

وتغير الهواء، فحصل بسببه الفناء والوباء الشديد، حتى سرى وتعدى فى الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون.

ولما نودى ببغداد بالأمان خرج من كان تحت الأرض بالمطامير والقنى والمغاير كأنهم الموتى إذا نبشوا من القبور، وقد أنكر بعضهم بعضا فلا يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سلف من القتلى.

وكان رحيل هلاون عن بغداد فى جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر ملكه، وفوّض أمر بغداد إلى الأمير على بهادر، فوّض إليه الشحنكيّة

(1)

بها إلى الوزير مؤيد الدين ابن العلقمى، فلم يمهله الله تعالى حتى أخذه عزيز مقتدر فى مستهل جمادى الآخرة، كما سنذكره فى الوفيات إن شاء الله، فولى بعده الوزارة ولده عزّ الدين أبو الفضل، فألحقه الله بأبيه فى بقيّة هذا العام.

ويقال: إن هلاون عزم على إحراق مدينة بغداد لما أراد الرحيل عنها، فقال له كتبغا نوين إنّ هذه المدينة أمّ المدن ومقصد التجار، فإذا أبقاها الملك حصل له منها مال جزيل، فأبقاها وشحّن

(2)

عليها، وسار عنها إلى الفرات

(3)

.

(1)

الشحنكية: وظيفة يتولاها الشحنة، وهو صاحب الشرطة، أو متولى رئاسة الشرطة - دوزى.

(2)

أى عين عليها شحنة - صاحب شرطة.

(3)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 201 - 203.

ص: 176

وفى تاريخ بيبرس: ثم سار هلاون عن بغداد بعد انقضاء الشتاء إلى الشام

(1)

[397]، وجرّد جيشا إلى ميّافارقين صحبة صرطق نوين وقطغان نوين، وكان بها الملك الكامل ناصر الدين محمد

(2)

بن الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب بن شادى

(3)

، فحاصروها ونصبوا عليها المنجنيقات من كل ناحية، فقاتلت

(4)

أهلها وامتنعوا عن تسليمها، وصبروا [أنفسهم

(5)

] على الحصار الشديد والجوع المبيد، حتى أكلوا الميتات

(6)

والدوابّ والسنانير والكلاب، وطال عليهم الأمد، وقلّت منهم القوة والجلد

(7)

، فاستولى التتار على المدينة وفتحوها، وكانت مدة مقامهم على حصارها سنتين، فقتلوا وسبوا من أهلها خلقا كثيرا، وفنى الجند من كثرة القتال

(8)

، [واشتداد النزال]

(9)

وأسر من بقى منهم، وأخذ صاحبها ناصر الدين

(10)

الملك الكامل وتسعة نفر من مماليكه وأحضروا بين يدى هلاون،

(1)

«وسار عنها إلى القرات. ذكر استيلاء التتار على ميافارقين، ومنها أرسل هولاكو طائفة من عساكره إلى ميافارقين» زبدة الفكرة ج 9 ورقة 34 أ، 34 ب.

(2)

استشهد على يد التتار سنة 658 هـ/ 1260 م. وله أيضاء ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 4 ص 306 رقم 1849، السلوك ج 1 ص 441، شذرات الذهب ج 5 ص 295.

وذكر أنه قتل سنة 656 هـ فى نهاية الأرب ج 27 ص 383 - 384.

(3)

«ابن شادى» ساقط من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 34 ب.

(4)

«فقاتل» فى زبدة الفكرة، و «فقاتله» فى نهاية الأرب ج 27 ص 383.

(5)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(6)

«الميتة» فى زبدة الفكرة.

(7)

«وقل منهم الجلد» فى زبدة الفكرة.

(8)

«وفنى جندها من طول القتال» فى زبدة الفكرة.

(9)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(10)

«ناصر الدين» ساقط من زبدة الفكرة.

ص: 177

فقتلوا إلا مملوكا واحدا اسمه قراسنقر، أبقاه هلاون، وذلك أنه سألهم عن وظائفهم، فذكر له ذلك المملوك أنه كان

(1)

أمير شكار للسلطان، فاستبقاه

(2)

وسلم

(3)

إليه شيئّا من الطيور الجوارح وحظى عنده، واتفق حضوره إلى الديار المصرية فى الأيام الظاهريّة، فأعطاه السلطان إقطاعا، وجعله مقدم فى الحلقة

(4)

.

وكان صاحب ميافارقين أديبا فاضلا، وله نظم جيد، فمنه قوله:

ترى تسمح الدنيا بما أنا طالب

فلى عزمات دونهن الكواكب

(5)

وإن يكن الناعى بموتى معرضا

فأىّ كريم ما نعته النوائب

ومن كان ذكر الموت فى كّل ساعة

قريبا له هانت عليه المصائب

وما عجبى إلا تأسّف عاقل

على ذاهب من ماله وهو ذاهب

‌ذكر ما جرى لأصحاب البلاد مع هلاون:

منها: أن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل سار إلى هلاون مهادنا، فاستصحب معه شيئا كثيرا من الهدايا النفيسة، والأمتعة الجلية، والجواهر الثمينة، ومفاتيح القلعة والمدينة، وإنما حداه على ذلك الشفقة على رعيته والخوف على أهل مملكته، فمنعه أهل البلد من المسير إليه حذرا عليه، فلم يمتنع

(1)

«كان» ساقط من زبدة الفكرة.

(2)

«للسلطان، فاستيقاه» ساقط من زبدة الفكرة.

(3)

«فسلم» فى زبدة الفكرة.

(4)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 383 - 384.

(5)

نهاية ما جاء فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 34 ب.

ص: 178

فسار، [398] فلما وصل إلى هلاون أوقف بين يديه حاملا كفنه على كتفيه، وقدّم هداياه فقبلها منه وأقبل عليه، وقال لمن حضره من أكابر الخانات ومقدمى التمانات: هذا رجل عاقل ذو سياسة، ثم خلع عليه وكتب له يرليغ بتفويض مملكة الموصل إليه على قاعدته، فعاد إلى بلده ومعه يرليغ، وفرح الناس به فرحا شديدا إلا أنه لم تطل أيّامه حتى مات، على ما نبينه إن شاء الله تعالى.

ومنها: أن الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، أرسل ولده الملك العزيز إلى هلاون مسالما وصحبته الهدايا الكثيرة، والتحف النفيسة، مقتديا فى ذلك بصاحب الموصل، فلما وصل إليه قبل تقدمته وسأله عن سبب تأخير والده عن الحضور إلى الأرد، فاعتذر إليه بأنه لم يمكنه مفارقة البلاد خوفا عليها من عدّو الإسلام الذى فى الساحل، فأظهر له أنه قبل عذره وأعاده إلى والده.

ومنها: أن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل كان قد أرسل إلى هلاون من قبل مبدأ خروجه إلى العراقين ولده الملك الصالح ركن الدين إسماعيل بهدايا، فاجتمع به وسار من عنده إلى منكوقان أخيه إلى الأردو، فأكرمه، وقرّبه، وبقى عنده مدة، وزوجه بابنة خوارزم شاه التى أخذت عند مقتل أبيها، فلما أقام عند منكوقان وأبطأ خبره على أبيه أرسل أخاه سيف الدين إسحاق وولده علاء الملك لكشف خبره، وجهّز معهما هديّة أخرى إلى هلاون، فتوجّها وعادا وأخبرا بسلامته وقرب عودته، فعاد بعدهما بقليل ومعه اليرليغ، وفرح الناس برجوعه سالما، وزيّنت الموصل فرحا به، وتوجه إلى ميافارقين، وحضر حصارها وعاد عنها، وجهزّ أخاه وولده لمساعدة مقدّمى التتار على الحصار.

ص: 179

وها هنا نادرة لطيفة وهى ان بدر الدين لؤلؤ لما طلب التوجه إلى هلاون جاء إليه أعيان أهل الموصل وأكابر دولته وقصدوا تعويقه حذر الإيقاع به، فقال لهم: لا تخشوا على منه فإنى راج أن أتمكن منه وأعرك أذنيه، وسار، وكان قد هيّأ حلقتى أذن ذهبا [399]، وفيهما درتان من الدرّ النفيس، كل منهما يضاهى الدرر اليتيمة ويناهزها فى جلالة القيمة، فلما فرغ من عرض تقادمه بين يدى هلاون، فقال له: قد بقى معى شئ أحضرته خاصا للقان قال:

وما هو؟ قال: هاتان الحلقتان وهما تصلحان للآذان، ومن عادة ملوك التتار أن يتخذوا فى آذانهم الجوهر، فلما رآهما هلاون استحسنهما كثيرا فقال: يأمرنى القان أن أجعلهما فى أذنيه، فأعلم رضاه عنى ويحصل لى تعظيم بين الملوك، فأصغى إليه أذنيه فأمسكهما بأصبعيه ووضع الحلقتين فيهما، وأومأ إلى من كان معه مشيرا إليهم أنى قلت لأهل الموصل قولا وقد حققته فعلا، وعاد من عنده محترما مكرما.

ومنها: إن هلاون أرسل أرقطو

(1)

أحد المقدّمين بتمان إلى أربل لأنه كان عند عبوره عليها قصد التعرض إليها فقال أهلها: نحن مطيعون، فسار عنها، ثم أرسل هذا المقدّم ليتسلّمها فنازلها بعنف وعسف، فأغلق أهلها الأبواب وتمنعوا، فحاصرها التتار ستة أشهر حتى هجم عليهم الحرّ وأصابهم من الوخم الضرّ، فرجعوا عنها، فسلمها أهلها إلى شرف الدين الكردى ورحلوا بأولادهم وأموالهم إلى حيث شاءوا، ثم خرج نائب الخليفة بها وهو الصاحب تاج الدين بن الصلايا، وتوجه إلى هلاون، فقتله ظنا منه أنه الذى امتنع من تسليمها، ولم يكن كذلك؛

(1)

«أرقيو نويان» - فى جامع التواريخ المجلد الثانى الجزء الأول ص 298.

ص: 180

بل كان قد أشار على أهلها بأن يستأمنوا ويسلموا، فأبوا ولم يفعلوا وصبروا حتى خلصوا

(1)

.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أن الملك المغيث صاحب كرك سار بعسكره والبحريّة صحبته إلى الديار المصرية، فلما وصل إلى الصالحية تسلّل إليه من كان قد كاتبه من أمراء مصر وهم عز الدين الرومى والكافورى والهواش وغيرهم، وانحازوا إليه، وخرج عسكر مصر فالتقوهم، فكانت الكسرة على المغيث وأصحابه، فانهزم طريدا وولى إلى نحو الكرك وليس معه إلا القليل من جماعته، وأما البحرية فإنهم لما انهزموا توجّهوا نحو الغور، [400] فصادفتهم الشهرزورية

(2)

وقد جاءوا جافلين من الشرق، فاجتمعوا بهم واتفقوا معهم، وتزوج الملك الظاهر منهم.

وبلغ ذلك الملك الناصر صاحب دمشق، فخاف أن تقوى شوكتهم فيقصدون الشام، ويفسدون عليه النظام، فجرد عسكره لقتالهم، فالتقوا بالأغوار، فكسروا عسكره، وخلوهم وعادوا إليه، وقد نالت منهم الكسرة، فاستشاط لذلك غضبا، وركب بنفسه، وجمع عساكره لقصدهم والإيقاع بهم، فعلموا العجز عن المقاومة فتفرقوا، فتوجه البحرية إلى الكرك ليأووا عند الملك المغيث، وتوجّهت الشهرزورية نحو الديار المصرية، فصادفوا التركمان نازلين بالعريش، فقاتلوهم

(1)

انظر جامع التواريخ المجلد الثانى - الجزء الأول ص 298 - 299.

(2)

الشهرزورية: طائفة من الأكراد ينسبون إلى شهرزور، وهى إحدى جهات كردستان حيث توجد مدينة شهرزور، وقد فر الشهرزورية من وجه التتر إلى الشام ومصر - السلوك ج 1 ص 411.

ص: 181

على الماء حتى جرت بينهم غدران الماء، وبلغ ذلك الملك الناصر وأن البحرية عادوا إلى الملك المغيث، فأرسل إليه يطلب منه تسليمهم، ويتهدده إن مانع عنهم، فدافعه المغيث فى أمرهم على أنه يندفع.

فسار إليه الملك الناصر بعساكره عازما على منازلة الكرك ونزل على بركة زيزا، وراسل الملك المغيث بنوع من التهديد، وأغلظ له فى الوعيد، فعلم أنه لا يدفعه عنه إلا إرسالهم إليه، فتحيّل عليهم، فأمسك من أمكنه وفاته من لم يقدر عليه، فأرسل الذين أمسكهم إلى الملك الناصر وهم: شمس الدين سنقر الأشقر، وسيف الدين سكز، وسيف الدين برامق وغيرهم، فأرسلهم الملك الناصر إلى قلعة حلب، فحبسوا بها إلى أن فتحها هلاون، وأخذهم صحبته إلى بلاده، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، وأما الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى والأمير سيف الدين قلاون الألفى وخشداشيتهما الذين لم يجد الملك المغيث سبيلا إلى القبض عليهم فإنهم قد تشردوا فى البلاد وتلك النواحى مدة، ثم حضروا إلى الديار المصرية ولزموا الخدمة على العادة.

ويحكى عن الأمير سيف الدين قلاون أنه والملك الظاهر بيبرس حين كانا تشردا فى هذه المدة قاسيا أمرا عظيما من القلة والفقر والشتات والتنقل من مكان إلى مكان، والخوف، وعدم الإقامة فى مكان واحد، لأن الملك الناصر كان مجدّا فى طلبهما [401] والملك المغيث عامل على قبضهما، والملك المظفر قطز بمصر لا يركن إليهما، ثم أنهما اتفقا على زيارة الشيخ على البكا، وهو يومئذ مقيم بزاويته بمدينة الخليل عليه السلام، فأعوز سيف الدين قلاون القوت يوما من الأيام، فصادف إنسانا مجتازا بشئ من الطعام، فطلب منه شيئا لضرورة الجوع،

ص: 182

فامتنع، فحمله الغيظ على أن ضربه ضربة مفرطة خطأ، فكانت فيها منّيته، فندم أشد الندم، وقال: لقد كان الجوع والعدم خيرا من قتل النفس، ثم أنهما مضيا إلى الشيخ، فلما دخلا عليه وسلّما عليه رد الشيخ سلام ركن الدين بيبرس وأقبل إليه، ولم يرد سلام الأمير سيف الدين قلاون وأعرض بوجهه عنه، وقال: هذا تجرأ على قتل النفس المحرمة، فأعجبهما كشفه واطلاعه على هذا الأمر، فتلطف الأمير ركن الدين فى سؤاله والتماس إقباله حتى سمح بجلوسه، ولما قاما ليودعاه صافح الشيخ الأمير ركن الدين بيبرس ودعا له وقال: أنت رايح إلى مصر وسيصير إليك ملكها، فاجتهد فى فعل الخير، ثم تقدم إليه الأمير سيف الدين قلاون فصافحه وقال له كما قال لركن الدين بيبرس، فتعجبا من ذلك وخرجا من عنده، ثم آل حالهما إلى أن ملك كل واحد منهما الديار المصرية، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ومنها: أنه وقع الوباء بالشام خصوصا بدمشق حتى لم يوجد مغسل.

ومنها: أنه كثر الإرجاف بقدوم التتار إلى بلاد الشام، وحصل للناس من ذلك انزعاج عظيم وقلق شديد.

وفيها: « ......

(1)

».

وفيها حج بالناس « ......

(2)

».

(1 و 2) «

» بياض فى الأصل.

ص: 183

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

واقف الجوزية بدمشق أستاذ دار الخلافة الصاحب محيى الدين أبو المظفر

(1)

يوسف بن الشيخ جمال الدين بنى الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن عبيد الله ابن عبد الله بن حماد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النصر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، القرشى التيمى البكرى البغدادى الحنبلى، المعروف بابن الجوزى.

ولد فى [402] ذى القعدة سنة ثمانين وخمسمائة، ونشأ شابا حسنا، وحين توفى أبوه وعظ فى موضعه، فأحسن وأجاد وأفاد، ثم تقدم وولى حسبة بغداد، مع الوعظ الرائق، والأشعار الحسنة الفائقة، وولى تدريس الحنابلة بالمستنصريّة ببغداد فى سنة ثنتين وثلاثين وستمائة، وكانت له مدارس أخرى، ثم لما ولى مؤيد الدين بن العلقمى الوزارة وشغر عنه الاستادارية وليها محيى الدين هذا، وانتصب ابنه عبد الرحمن فى الحسبة والوعظ، فأجاد وأفاد، ثم كانت الحسبة تنتقل فى بنيه الثلاثة: عبد الرحمن، وشرف الدين عبد الله، وتاج الدين عبد الكريم، وقد قتلوا معه فى هذه السنة فى قضية هلاون كما ذكرنا

(2)

، ولمحيى الدين مصنف

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 17، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 332 - 340، العبر ج 5 ص 237، السلوك ج 1 ص 412 - 413، المختصر ج 3 ص 197، شذرات الذهب ج 5 ص 286.

(2)

انظر ما سبق ص 175.

ص: 184

فى مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وقد وقف المدرسة الجوزية

(1)

بدمشق على الحنابلة.

الصرصرىّ

(2)

المادح يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام، الشيخ الإمام، العالم العلامة، البارع، جمال الدين أبو زكريا الصرصرى، الشاعر المادح، الحنبلى، الضرير، البغدادى.

وشعره فى مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور، وديوانه فى ذلك معروف غير منكور.

ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث، وحفظ الفقه واللغة، وكان يقال: إنه يحفظ صحاح الجوهرى بكمالها، وصحب الشيخ على بن إدريس تلميذ عبد القادر الكيلانىّ، وكان ذكيا يتوقد ذكاء، ينظم على البديه سريعا أشياء حسنة فصيحة بليغة، وقد نظم الكافى للشيخ موفق الدين بن قدامة ومختصر الحزقى، وأما مدائحه فى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال: إنها تبلغ عشرين مجلدا.

ولما دخل التتار بغداد دعى إلى دار بها فرمان من هلاون، فأبى أن يجيب إليه وأعد فى داره أحجارا، فحين دخل عليه التتار رماهم بتلك الأحجار، فهشم

(1)

المدرسة الجوزية بدمشق: كانت بسوق القمح (البذورية) - الدارس ج 2 ص 29.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 19، فوات الوافيات ج 4 ص 298 رقم 557، النجوم الزاهرة ج 7 ص 66، البداية والنهاية ج 3 ص 211، السلوك ج 1 ص 413، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 257 - 332، شذرات الذهب ج 5 ص 285، العبر ج 5 ص 237.

ص: 185

منهم جماعة، فلما خلصوا إليه قتل بعكازه أحدهم، فقتلوه شهيدا، رحمه الله، وله من العمر ثمانون

(1)

سنة.

البهاء زهير

(2)

صاحب الديوان المشهور: أبو الفضل زهير بن محمد بن على بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن منصور بن عاصم المهلبى العتكىّ، الملقب بهاء [403] الدين الكاتب.

كان من فضلاء عصره، وأحسنهم نظما ونثرا. وخطا، ومن أكثرهم مروّة، وكان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح أبى الفتح أيوب بن السلطان الملك الكامل بالديار المصرية، وتوجه فى خدمته إلى البلاد الشرقية وأقام بها إلى أن ملك الملك الصالح مدينة دمشق، فانتقل إليها فى خدمته، وأقام كذلك إلى أن جرت الكائنة المشهورة على الملك الصالح وخرجت عنه دمشق وخانه عسكره وهو على نابلس وتفرقوا عنه، وقبض عليه الملك الناصر داود صاحب الكرك واعتقله بقلعة الكرك

(3)

، وأقام بهاء الدين زهير بنابلس محافظة لصاحبه الملك الصالح، ولم يتصل بخدمة غيره، ولم يزل على ذلك حتى خرج الملك الصالح وملك الديار

(1)

هكذا بالأصل، وهو لا يتفق مع ما سبق ذكره أن صاحب الترجمة ولد سنة 588 هـ، وورد فى السلوك أن صاحب الترجمة توفى «عن ثمان وستين سنة» وهو الأرجح - السلوك ج 1 ص 413.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: نهاية الأرب (المخطوط) ج 27، المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 18 ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 184 - 197، العبر ج 5 ص 23، السلوك ج 1 ص 413، وفيات الأعيان ج 2 ص 332 رقم 247، المختصر ج 3 ص 197، الذيل على الروضتين ص 201، البداية والنهاية ج 13 ص 211، شذرات الذهب ج 5 ص 276.

(3)

وذلك فى 12 ربيع الأول 637 هـ/ 6 أكتوبر 1239 م - السلطان الصالح نجم الدين أيوب ص 40.

ص: 186

المصرية، وقدم إليها فى خدمته، وذلك فى أواخر ذى القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة.

وقال ابن خلكان: وكنت يوم ذاك مقيما بالقاهرة، وأودّ لو اجتمعت به لما كنت أسمع عنه من مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة، وأنشدنى كثيرا من شعره، فمما أنشدنى قوله فى جارية له اسمها روضة:

يا روضة الحسن صلى

فما عليك ضير

فهل رأيت روضة

ليس لها زهير

قال: وأخبرنى أن مولده فى خامس ذى الحجة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بمكة حرسها الله.

وقال لى مرة أخرى: إنه ولد بوادى نخلة وهو قريب من مكة، وأخبرنى أن نسبه إلى المهلب بن أبى صفرة

(1)

.

ثم حصل بالقاهرة مرض عظيم لم يكد يسلم منه أحد، وكان حدوثه يوم الخميس الرابع والعشرين من شوال سنة ست وخمسين وستمائة، وكان بهاء الدين المذكور ممن مسّه منه ألم، فأقام به أياما، ثم توفى قبل المغرب فى يوم الأحد رابع ذى القعدة من السنة المذكورة، ودفن من الغد بعد الظهر بتربته فى القرافة الصغرى بالقرب من قبة الشافعى رحمه الله فى جهتها القبلية، ولم يتفق لى الصلاة عليه لاشتغالى بالمرض

(2)

.

(1)

هو ظالم بن سراق بن صبح بن كندى، أبو سعيد المهلب بن أبى صفرة، المتوفى سنة 82 هـ / 701 م - وفيات الأعيان ج 5 ص 350 رقم 754.

(2)

انظر وفيات الأعيان ج 2 ص 332، 335، 337، 338.

ص: 187

وفى تاريخ المؤيد: وفى سنة ست وخمسين وستمائة توفى الصاحب بهاء الدين زهير بن محمد المهلبى كاتب إنشاء الملك الصالح أيوب، وفى آخر عمره انكشف [404] حاله، وباع

(1)

موجوده وكتبه، وأقام فى بيته بالقاهرة إلى أن أدركته وفاته بسبب الوباء العام، ومن شعره وهو موزون

(2)

مخترع ليس بخرجة العروض أبيات منها:

يا من لعبت به الشمول

(3)

ما ألطف

(4)

هذه الشّمائل

مولاى يحقّ لى بأنى

عن حبّك فى الهوى أقاتل

ها عبدك واقفا ذليلا

بالباب يمدّ كفّ سائل

من وصلك بالقليل يرضى

والطّل من الحبيب وابل

(5)

الحافظ زكى الدين عبد العظيم

(6)

بن عبد القوى بن عبد الله بن سلام بن سعد ابن سعيد، الإمام العالم العلامة، الحافظ أبو محمد زكى الدين المنذرى الشافعى المصرى.

(1)

«باع» فى الأصل، والإضافة من المختصر.

(2)

«وزن» فى المختصر.

(3)

«شمول» فى المختصر، وذيل مرآة الزمان ج 1 ص 195.

(4)

«ما أحسن» فى ذيل مرآة الزمان.

(5)

انظر المختصر ج 3 ص 197.

(6)

وله أيضا ترجمة فى: مخطوط نهاية الأرب ج 27، درة الأسلاك ص 17، المنهل الصافى، العبر ج 5 ص 232، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 248 - 253، فوات الوفيات ج 2 ص 366 رقم 291، البداية والنهاية ج 13 ص 212، السلوك ج 1 ص 412، المختصر ج 3 ص 197، الذيل على الروضتين ص 201، شذرات الذهب ج 5 ص 277.

ص: 188

وأصله من الشام، ولكنه ولد بمصر، وكان شيخ الحديث بها مدة طويلة، وإليه الوفادة والرحلة من سنين متطاولة، وسمع الكثير ورحل، وطلب، وصنف، وخرّج، واختصر صحيح مسلم، وسنن أبى داود، وله يد طولى فى اللغة، والفقه، والتاريخ، وكان ثقة حجة متحرّزا، زاهدا.

وتوفى فى يوم السبت الرابع من ذى القعدة من هذه السنة بدار الحديث الكاملية، ودفن بالقرافة.

النور أبو بكر محمد

(1)

بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحيم بن رستم الأسعردى، الشاعر المشهور الخليع.

كان القاضى صدر الدين

(2)

بن سنىّ الدولة قد أجلسه مع شهود تحت الساعات

(3)

، ثم استدعاه الناصر صاحب البلد، وجعله من جلسائه وندمائه، وخلع عليه خلع الأجناد، فانسلخ من هذا الفن إلى غيره، وجمع كتابا سماه الزرجون فى الخلاعة والجنون، وذكر فيه أشياء كثيرة من النظم والنثر فى الخلاعة، ومن شعره:

لذّة العمر خمسة فاقتنيها

من خليع غدا أديبا فقيها

فى نديم وقينة وحبيب

ومدام وسبّ من لام فيها

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 1 ص 188 رقم 116، فوات الوفيات ج 3 ص 271 رقم 422 السلوك ج 1 ص 414، الذيل على الروضتين ص 199، شذرات الذهب ج 5 ص 284.

(2)

هو أحمد بن يحيى بن هبة الله، صدر الدين بن سنى الدولة.

(3)

باب الساعات - باب الزيادة: وهو الباب القبلى للجامع الأموى بدمشق - الدارس ج 1 ص 114 هامش (3).

ص: 189

محمد بن

(1)

عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة فتح الدين بن العدل، محتسب دمشق، وكان

(2)

من الصدور المشكورين، حسن الطريقة، وجدّه العدل نجيب الدين أبو محمد عبد الله

(3)

بن حيدره، هو واقف المدرسة بالزبدانى فى سنة تسعين وخمسمائة.

توفى محمد بن عبد الصمد المذكور فى مستهل جمادى الآخرة من هذه [405] السنة، وتولى فى الحسبة أخوه ناصر الدين.

القرطبى - صاحب المفهم فى شرح مسلم.

أحمد

(4)

بن عمر بن إبراهيم بن عمر أبو العباس الأنصارى القرطبى المالكى، الفقيه، المحدّث، المدرس بالإسكندرية.

ولد بقرطبة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع الكثير هناك، واختصر الصحيحين

(5)

، وشرح صحيح مسلم بكتابه المسمى بالمفهم

(6)

، وفيه أشياء حسنة مفيدة، توفى فى هذه السنة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 3 ص 257 رقم 1284، البداية والنهاية ج 13 ص 213.

(2)

«وكانوا» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.

(3)

«ابن عبد الله» فى الأصل، والتصحيح مع البداية والنهاية، والدارس ج 1 ص 275.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 1 ص 44 رقم 229، الديباج المذهب ج 1 ص 240 رقم 126، شذرات الذهب ج 5 ص 273، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 95 - 96، العبر ج 5 ص 226 - 227، النجوم الزاهرة ج 7 ص 69، الوافى ج 7 ص 264 رقم 3230.

(5)

انظر كشف الظنون ج 1 ص 554.

(6)

هو كتاب «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» - هدية العارفين ج 1 ص 96، كشف الظنون ج 2 ص 1777.

ص: 190

الكمال إسحاق

(1)

بن أحمد بن عثمان، أحد مشايخ الشافعية، أخذ عنه الشيخ محيى الدين النووى

(2)

وغيره، وكان مدرسا بالرواحية

(3)

، وكانت وفاته فى ذى القعدة من هذه السنة.

العماد داود

(4)

بن عمر بن يحيى بن عمر بن كامل أبو المعالى وأبو سليمان الزبيدى المقدسى، ثم الدمشقى خطيب بيت الآبار

(5)

.

وقد خطب بدمشق ست سنين بعد انفصال الشيخ عز الدين بن عبد السلام عنها، ودرس بالغزالية

(6)

، ثم عزل عنها، وعاد إلى بيت الآبار، فمات بها فى هذه السنة.

شيخ الشيوخ ببغداد على

(7)

بن محمد بن الحسين، صدر الدين أبو الحسن بن النيار.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 205، 227، فقد ذكره الذهبى فى وفيات 650 هـ، 656 كما ورد فى شذرات الذهب فى وفيات 650 هـ - شذرات الذهب ج 5 ص 249، وانظر أيضا طبقات الشافعية الكبرى ج 8 ص 126، رقم 1114.

(2)

هو يحيى بن شرف النووى، المتوفى سنة 676 هـ/ 1277 م - المنهل الصافى.

(3)

المدرسة الرواحية بدمشق: أنشأها زكى الدين أبو القاسم، التاجر المعروف بابن رواحة، المتوفى سنة 622 هـ/ 1225 م - الدارس ج 1 ص 265.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 126، شذرات الذهب ج 5 ص 275، العبر ج 5 ص 229.

(5)

بيت الآبار: جمع بئر: قرية يضاف إليها كورة من غوطة دمشق - معجم البلدان.

(6)

المدرسة الغزالية بدمشق: فى الزاوية الشمالية الغربية من الجامع الأموى - الدارس ج 1 ص 413، 420.

(7)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 13 ص 213.

ص: 191

كان أولا مؤدّبا للإمام المستعصم بالله، فلما صارت إليه الخلافة رفعه

(1)

رفعة عظيمة، وولاه مشيخة الشيوخ ببغداد، وانتظمت إليه أزمة الأمور برهة من الدهر، ثم أنه ذبح بدار الخلافة كما تذبح الشاة، فى هذه السنة، وذلك فى وقعة التتار.

وكان أول ما مثل المستعصم بالله هاذين البيتين، وذلك حين أراد تعليمه فى أول أمره وهما:

ما طار بين الخافقين

أقلّ عقل من معلّم

ولقد دخلنا فى الصناعة

ربّ سلّم ربّ سلّم

الشيخ العابد الزاهد على

(2)

الخباز.

كان له أتباع وأصحاب ببغداد، وله زاوية يزار فيها، قتلته التتار، وألقى على مزبلة بباب زاويته ثلاثة أيام حتى أكلت الكلاب من لحمه، ويقال إنه أخبر بذلك عن نفسه فى حياته.

الشيخ العارف أبو الحسن على

(3)

بن عبد الله، من ولد الحسن بن على بن أبى طالب، الشاذلى الضرير.

مات بصحراء عيذاب وهو قاصد الحجاز، ودفن بحميثرا

(4)

حيث توفى.

(1)

«نال» فى الأصل، ومصححة فى الهامش.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 233، شذرات الذهب ج 5 ص 280.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، العبر ج 5 ص 232 - 233، السلوك ج 1 ص 414، شذرات الذهب ج 5 ص 278.

(4)

حميثرى: منزلة بالقرب من الحد الفاصل بين مصر والسودان جنوب غرب عيذاب، وعلى بعد 140 كم منها - القاموس الجغرافى ق 1 ج 1 ص 339.

ص: 192

وكان أحد المشايخ المشهورين بمعرفة الطريق، وله فى ذلك كلام كثير، وتصانيف معروفة

(1)

، ونسبته إلى شاذلة قرية بإفريقية ورد منها [406] إلى الإسكندرية وسكنها، وحج مرارا، وصحبته جماعة فانتفعوا بصحبته، وله حزب يقرأه الناس مشتمل على أدعية مباركة ولطائف حسنة يتبرك بقراءته.

الخطيب أبو عبد الله

(2)

محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبى الفتح المقدسى خطيب مردا

(3)

.

سمع الكثير، وعاش تسعين سنة، وقدم فى سنة ثلاث وخمسين، فسمع الناس عليه الكثير بدمشق، ثم عاد فمات ببلده فى هذه السنة.

النجيب نصر الله

(4)

بن أبى العز مظفر بن أبى طالب عقيل بن حمزة، نجيب الدين ابن شقيشقة الدمشقى المحدّث.

أحد العدول بدمشق، سمع الحديث وعنى به، ووقف داره بدرب البانياسى على المحدثين

(5)

.

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - م 13

(1)

انظر هدية العارفين ج 1 ص 709.

(2)

وله أيضا ترجمة فى العبر ج 5 ص 235، السلوك ج 1 ص 414، شذرات الذهب ج 5 ص 283.

(3)

«بردى» فى الأصل، والتصحيح من مصادر الترجمة. وورد فى البداية والنهاية «خطيب براد» - ج 13 ص 213.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 236 - 237، الذيل على الروضتين ص 201، شذرات الذهب ج 5 ص 285 الدارس ج 1 ص 80 - 81.

وورد اسمه «التجيب بن شعيشعة الدمشقى» وأن وفاته سنة 657 هـ، انظر البداية والنهاية ج 13 ص 217.

(5)

هى دار الحديث الشقيشقية بدرب البانياسى بدمشق - الدارس ج 1 ص 80.

ص: 193

وقال ابن كثير: وقد سكنها شيخنا الحافظ أبو الحجاج

(1)

المزّى قبل انتقاله إلى دار الحديث الأشرفية بدمشق

(2)

.

وقال أبو شامة: وكان ابن شقيشقة وهو النجيب أبو الفتح نصر الله بن أبى العز بن أبى طالب الشيبانى، مشهورا بالكذب ورقة الدين وغير ذلك، وهو أحد الشهود المقدوح فيهم، ولم يكن بحال أن يؤخذ عنه.

قال: وقد أجلسه أحمد بن يحيى بن هبة الله الملقّب بالصدر بن سنى الدولة فى حال ولايته قضاء القضاة بدمشق، فأنشد فيه بعض الشعراء:

جلس الشقيشقة الشقى ليشهدا

بأبيكما ماذا عدا فيما

(3)

بدا

هل زلزل الزلزال أم قد أخرج ال

دجال أم عدم الرجال ذوو الهدى

عجبا لمحلول العقيدة جاهل

بالشرع قد أذنوا له أن يعقدا

(4)

أبو عبد الله الفاسى

(5)

، شارح الشاطبية، اشتهر بالكنية، قيل: إن اسمه القاسم.

(1)

هو يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج المزى، المتوفى سنة 742 هـ/ 1341 م - المنهل الصافى.

(2)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 217 - 218.

(3)

«مما» فى الذيل على الروضتين ص 201.

(4)

انظر الذيل على الروضتين ص 201.

(5)

هو محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربى، الإمام أبو عبد الله الفاسى.

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الذيل على الروضتين ص 199، الوافى ج 2 ص 354 رقم 820، العبر ج 5 ص 235، شذرات الذهب ج 5 ص 281 - 282.

ص: 194

وكان عالما فاضلا فى العربية والقراءات، وقد أجاد فى شرحه للشاطبية وأفاد، واستحسنه الشيخ شهاب الدين أبو شامة شارحها أيضا، وكانت وفاته بحلب فى هذ السنة.

سيف الدين ابن صبره

(1)

متولى شرطة دمشق، ذكر أبو شامة أنه حين مات جاءته حية، فنهشت أفخاذه ويقال: إنها إلتفت فى أكفانه وأعيى الناس دفعها.

قال وقيل لى: إنه كان نصيريّا [407] رافضيا خبيثا، مدمن خمر، قبحه الله

(2)

.

تاج الدين أبو الفتح يحيى

(3)

بن

(4)

الشيخ أبى غانم محمد بن أبى الفضل هبة الله بن أبى غانم محمد بن أبى الفضل هبة الله بن أبى الحسن أحمد بن يحيى بن زهير

(5)

بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد [بن

(6)

] عامر أبى جرادة بن ربيعة ابن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل العقيلى الحلبى الحنفى، المنعوت بالتاج، المعروف بابن العديم.

مات فى سحر النصف من شهر صفر من هذه السنة بحلب ودفن يومه بالمقام، ومولده بحلب فى النصف من ذى الحجة سنة ثمانين وخمسمائة، سمع من أبيه ابن

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الذيل على الروضتين ص 200.

(2)

انظر الذيل على الروضتين ص 200.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، السلوك ج 1 ص 413.

(4)

«بن» مكررة فى الأصل.

(5)

«بن زيد» فى السلوك ج 1 ص 413.

(6)

[] إضافة من السلوك.

ص: 195

غانم، وعمه أبى الحسن، ومن الشريف أبى هاشم عبد المطلب

(1)

بن الفضل الهاشمى، ومن الشيخ تاج الدين الكندى

(2)

بدمشق وآخرين، وهو من بيت مشهور.

الشيخ الجليل الأصيل أبو عبد الله محمد

(3)

بن أبى الحسن أحمد بن أبى الفضل هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير

(4)

بن هارون، المعروف بابن أبى جرادة الحلبى الحنفى، المنعوت بالمحى، المشهور بابن العديم.

مات فى العاشر من جمادى الآخرة من هذه السنة بحلب، ودفن فى مقام إبراهيم عليه السلام، خارج باب العراق، ومولده فى الثالث من رجب سنة تسعين وخمسمائة بحلب، سمع من أبيه وعمه أبى غانم وبدمشق من تاج الكندى وآخرين.

وكان رئيسا مقدّما، وبيته معروف بالعلم والحديث والرئاسة، وقد تقدم الان ذكر ابن عمه أبى الفتح المنعوت بالتاج.

الشريف أبو الحسن على بن أبى على الحسن بن زهرة أبى الحسن بن زهرة ابن على بن محمد العلوى الحسينى الإسحاق الحلبى.

(1)

هو عبد المطلب بن الفضل العباسى، الافتخار الهاشمى، أبو هاشم، المتوفى سنة 616 هـ/ 1219 م - العبر ج 5 ص 62.

(2)

هو زيد بن الحسن بن زيد البغدادى، تاج الدين الكندى، أبو اليمن، المتوفى سنة 613 هـ/ 1216 م - العبر ج 5 ص 44 - 45.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، السلوك ج 1 ص 413.

(4)

«بن زيد» فى السلوك ج 1 ص 413.

ص: 196

مات بحلب فى العشر الأواخر من صفر من هذه السنة، وولد بها فى الثانى عشر من شعبان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.

كانت له معرفة بالحديث، والفقه، والقراءات، والتواريخ، والعربية، وله نظم جيد وترسّلّ حسن، وكتب الإنشاء بحلب مدة، وترسل إلى بغداد، وولى نقابة الأشراف بحلب، وسمع من غير واحد من الشيوخ، وحدّث.

الشيخ أبو المناقب محمود بن أحمد، الفقيه الشافعى.

وكان رئيس [408] الشافعية ببغداد، قتل شهيدا فى وقعة التتار.

الأمير الأديب سيف الدين أبو الحسن على

(1)

بن قزل بن جلدك.

مات بدمشق فى هذه السنة، ومولده بمصر، وتولّى شدّ الدواوين بالديار المصرية مدة، وكان أميرا مقدما فى دولة الملك الناصر يوسف صاحب الشام، وله شعر حسن، فمنه قوله:

باكر كؤوس المدام واشرب

واستجل وجه الحبيب واطرب

ولا تخف للهموم داء

فهو دواء له مجرّب

فى يد ساق له رضاب

كالشهد لكن جناه أعذب

(2)

(1)

هو على بن عمر بن قزل بن جلدك الياروقى التركمانى، المعروف بالمشد، وقد سبق أن ذكره المؤلف فى وفيات سنة 655 هـ، ص 161 - انظر المنهل الصافى، والسلوك ج 1 ص 413، فوات الوفيات ج 3 ص 51 رقم 345، النجوم الزاهرة ج 7 ص 64،.

(2)

«كالمسك لابل جناه أطيب» - فى فوات الوفيات ج 3 ص 52.

ص: 197

الملك الناصر داود

(1)

بن الملك المعظم عيسى بن السلطان الملك العادل أبى بكر ابن أيّوب.

توفى فى هذه السنة بظاهر دمشق فى قرية يقال لها البويضاء، ومولده سنة ثلاث وستمائة، وكان عمره نحو ثلاث وخمسين سنة، وقد ذكرنا أحواله وما جرى عليه فى السنين الماضية، وكان أصاب الناس فى الشام فى تلك المدة وباء مات فيه الناصر داود، وخرج الملك الناصر يوسف صاحب دمشق إلى البويضاء، وأظهر عليه الحزن والأسف، ونقله ودفنه بالصالحية فى تربة والده الملك المعظّم.

وكان الناصر داود فاضلا، ناظما، ناثرا، وقرأ العلوم العقلية على الشيخ شمس الدين الخسرو شاهى تلميذ الإمام فخر الدين الرازى

(2)

، وكان حنفى المذهب مثل والده.

وله أشعار جيّدة، فمنها قوله:

عيون عن السّحر المبين تبين

لها عند تحريك القلوب سكون

تصول ببيض وهى سود فرندها

ذبول فتور والجفون جفون

إذا ما رأت قلبا خليّا من الهوى

تقول له كن مغرما فيكون

(3)

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 16، النجوم الزاهرة ج 7 ص 61، العبر ج 5 ص 229، فوات الوفيات ج ص 419 رقم 149، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 126 - 178، السلوك ج 1 ص 412، المختصر ج 3 ص 195 - 196، الذيل على الروضتين ص 200، شذرات الذهب ج 5 ص 275.

(2)

هو محمد بن عمر بن الحسين الرازى، فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، والمتوفى سنة 606 هـ/ 1209 م - وفيات الأعيان ج 4 ص 248 رقم 600.

(3)

انظر المختصر ج 3 ص 195، وذيل مرآة الزمان ج 1 ص 152 - 153.

ص: 198

وله أيضا:

طرفى وقلبى قاتل وشهيد

ودمى على خديك منه شهود

أما وحبّك لا أضمر سلوة

عن صبوتى ودع الفؤاد يبيد

منّى بطيفك بعد ما منع الكرى

عن ناظرىّ البعد والتسهيد

ومن العجائب أن قلبك لم يلن

لى والحديد ألانه داود

(1)

[409]

وقال أبو شامة: وكان الملك الناصر داود سلطان دمشق بعد أبيه نحوا من سنة، ثم اقتصر له على الكرك وأعماله، ثم سلب ذلك كله وصار متنقلا

(2)

فى البلاد موكلا عليه، وتارة فى البرارى

(3)

إلى أن مات موكّلا عليه بالبويضاء، وهى

(4)

قرية قبلىّ دمشق، كانت تكون لعمه مجير الدين بن العادل وحمل منها، فصلى عليه عند باب النصر، ودفن بجبل قاسيون عند أبيه بالمقبرة المعظمية بدير مران، وخلّف أولادا كثيرة

(5)

.

الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ

(6)

صاحب الموصل.

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 196.

(2)

«منتقلا» فى الذيل على الروضتين.

(3)

توجد فى هذا الموضع جملة مكررة، وملغاة.

(4)

«وهى» ساقط من الذيل على الروضتين.

(5)

انظر الذيل على الروضتين ص 200.

(6)

هو لؤلؤ بن عبد الله، السلطان الملك الرحيم، الأرمن الأتابكى النورى، وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، البداية والنهاية ج 13 ص 314 وقد ورد ذكر وفاته سنة 657 هـ فى درة الأسلاك ص 21، المختصر ج 3 ص 198، الذيل على الروضتين ص 203، العبر ج 5 ص 240، شذرات الذهب ج 5 ص 289، وورد ذكر وفاته سنة 659 هـ/ 1261 م فى جامع التواريخ المجلد الثانى ج 1 ص 327 وما بعدها.

ص: 199

توفى فى شعبان من هذه السنة، عن ثمانين سنة، وقد ملك الموصل نحوا من خمسين سنة.

وكان ذا عقل ودهاء ومكر، لم يزل يعمل على أولاد أستاذه، وزالت الدولة الأتابكية عن الموصل، وقد ذكرنا مسيره إلى هلاون اللعين، فمكث بعد مرجعه بالموصل أياما يسيرة، ثم مات ودفن بمدرسته البدرية بالموصل، فتأسّف الناس عليه لحسن سيرته وجودته وعدله.

وقد جمع له الشيخ عز الدين

(1)

بن الأثير كتابه المسمى بالكامل فى التاريخ، فأجازه عليه وأحسن إليه، وكان يعطى لبعض الشعراء ألف دينار وغيرها.

وقام فى الملك بعده ولده الصالح إسماعيل.

وقد كان بدر الدين لؤلؤ أرمنيّا اشتراه رجل خياط، ثم صار إلى الملك نور الدين أرسلان

(2)

بن عز الدين مسعود بن مودود بن زنكى بن آقسنقر الأتابكى صاحب الموصل، وكان مليح الصورة فحظى عنده، وتقدّم فى دولته إلى أن صارت الكلمة دائرة عليه، والوفود من سائر جهات ملكهم إليه، ثم أنه أخنى على أولاد أستاذه فقتلهم غيلة، واحدا بعد واحد، إلى أن لم يبق معه أحد منهم، فاستقلّ بالمملكة حينئذ، وصفت له الأمور وراقت.

(1)

هو على بن محمد بن محمد بن عبد الكريم، المعروف بابن الأثير الجزرى، عز الدين، المتوفى سنة 630 هـ/ 1232 م - وفيات الأعيان ج 3 ص 348 رقم 460.

(2)

هو أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود، الملك العادل، المتوفى سنة 607 هـ/ 1210 م - وفيات الأعيان ج 1 ص 193 رقم 82.

ص: 200

وكان يبعث فى كل سنة إلى مشهد على رضى الله عنه قنديلا زنته ألف دينار.

وكان قد بلغ من العمر فوق ثمانين سنة، فكأنه شابّ حسن الشباب من نضارة وجهه وحسن شكله، وكانت العامّة تلقبه بقضيب الذهب، وكان ذا همّة عالية، وداهية، شديد المكر، بعيد الغور.

[410]

وقال بيبرس: واستقرّ بعده ولده الملك الصالح إسماعيل، وأما ولده علاء الدين على فإنه فارق أخاه وحضر إلى الشام، وكان منهما ما نذكره

(1)

، إن شاء الله تعالى:

بيجو

(2)

: ويقال له باجو أيضا، مقدّم التتار.

هلك فى هذه السنة. ويقال: إن هلاون نقم عليه لما بلغه من إضمار الخلاف، وإنه قصد التأخر عنه لما استدعاه، وأراد الإنفراد ببلاد الروم، فلما فرغ هلاون من فتوح بغداد وبلاد العراق دسّ إليه سمّا، فشربه فمات.

وقيل: إنه كان أسلم قبل موته، ولما احتضر أوصى بأن يغسل ويدفن على عادة المسلمين.

وكان له من الأولاد أفاك وسكتاى، وأفاك هذا هو أبو سلامش وقطقطو الوافدين إلى الديار المصريّة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

(1)

انظر زبدة الفكرة ج 9 ورقة 35 ب.

(2)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 384 وما بعدها.

ص: 201

الوزير ابن العلقمى الرافضى قبّحه الله، واسمه محمد

(1)

بن أحمد

(2)

بن على بن أبى طالب، الوزير مؤيّد الدين بن العلقمى البغدادى.

خدم فى أيام المستنصر بالله استادار الخلافة مدة طويلة، ثم استوزره المستعصم بالله، ولم يكن وزير صدق، فإنه كان من الفضلاء الأدباء إلا أنه كان رافضّيا خبيثا، ردئ الطويّة على الإسلام وأهله، وقد حصل له من التعظيم والوجاهة فى أيام المستعصم ما لم يحصل لكثير من قبله من الوزراء، ثم مالأ على الإسلام وأهله التتار، أصحاب هلاون، حتى جاءوا فجاسوا خلال الديار، وكان أمرا مفعولا، ثم حصل له من الأهنه فى أيامهم والقلّة والذّلة وزوال ستر الله ما لا يحد ولا يوصف.

رأته امرأة وهو راكب فى أيام التتار برذونا وسائق يضرب فرسه

(3)

، ووقفت إلى جانبه فقالت يا بن العلقمى: هكذا كان بنو العباس يعاملونك

(4)

، فوقعت كلمتها فى قلبه، وانقطع فى داره إلى أن مات كمدا فى مستهل جمادى الآخرة من هذه السنة، وله من العمر ثلاث وستون سنة، ودفن فى قبور الروافض

(5)

، وقد سمع

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 1 ص 184 رقم 114، فوات الوفيات ج 3 ص 252 رقم 415، البداية والنهاية ج 13 ص 212، العبر ج 5 ص 235، شذرات الذهب ج 5 ص 272، الفخرى ص 29.

(2)

هكذا بالأصل، وشذرات الذهب، بينما ورد اسمه محمد بن محمد بن على فى باقى مصادر الترجمة.

(3)

«وهو راكب فى أيام التتار برذونا وهو مرسم عله؛ وسائق يسوق به ويضرب قرسه» - البداية والنهاية ج 13 ص 212.

(4)

انظر نهاية الأرب ج 23 ص 325.

(5)

«الرافض» فى الأصل والتصحيح من البداية والنهاية.

ص: 202

بأذنيه ورأى بعينيه من التتار والمسلمين ما لا يحد ولا يوصف، وتولى بعده الوزارة ولده، ثم أخذه الله سريعا.

وقد هجاه بعض الشعراء فقال:

[411]

يا فرقة الإسلام نوحوا واندبوا

أسفا على ما حلّ بالمستعصم

دست الوزارة كان قبل زمانه

لابن الفرات فصار لابن العلقمى

(1)

هذا كله ذكره ابن كثير فى تاريخه.

وقال بيبرس فى تاريخه: وأما الوزير فهو

(2)

مؤيّد الدين [محمد

(3)

] بن العلقمى، فإن هلاون استدعاه بين يديه وعنّفه على سوء سيرته وخبث سريرته وممالاته على ولىّ نعمته، وأمر بقتله جزاء لسوء فعله، فتوسّل وبذل الالتزام بالأموال

(4)

يحملها، وإتاوة من العراق يحصّلها، فلم يذعن لقبوله ولا أجاب إلى سؤاله

(5)

، بل قتل بين يديه صبرا [وتحسى من يد المنون صبرا

(6)

] وأوقعه الله فى البئر التى احتفر، وخانه فيما قدّره صرف القدر

(7)

.

(1)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 212 - 213

(2)

«وهو» فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 32 ب.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

«بأموال» فى زبدة الفكرة.

(5)

«مسئوله» فى زبدة الفكرة.

(6)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 32 ب 33 أ.

(7)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 33 أ.

ص: 203

الصّاحبة غازية

(1)

خاتون، والدة الملك المنصور، بنت السلطان الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبى بكر بن أيوب.

توفيت فى ذى القعدة من هذه السنة بقلعة حماة، وكان قدومها إلى حماة فى سنة تسع وعشرين وستمائة، وولد لها من زوجها الملك المظفر

(2)

ثلاث بنات أيضا، فتوفيت الكبرى منهن وكان اسمها ملكة خاتون قبل وفاة والدها بقليل، وتوفيت الصغرى وهى دنيا خاتون بعد وفاة أخيها الملك المنصور

(3)

.

وقال الملك المؤيد فى تاريخه: وولد لها من

(4)

الملك المظفر محمود صاحب حماة ثلاثة بنين

(5)

، مات أحدهم صغيرا وكان اسمه عمر، وبقى الملك المنصور [محمد

(6)

] صاحب حماة، وأخوه والدى الملك

(7)

الأفضل على، وولد لها منه ثلاث بنات أيضا، كما ذكرنا.

وكانت غازية خاتون المذكورة من أحسن النساء سيرة وزهدا وعبادة، وحفظت الملك لولد لها الملك المنصور حتى كبر، وسلّمته إليه قبل وفاتها، رحمها الله

(8)

.

(1)

ولها أيضا ترجمة فى: المختصر ج 3 ص 196، وورد ذكر وفاتها سنة 655 هـ فى ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 75 - 76.

(2)

هو الملك المظفر الثانى تقى الدين محمود بن قلج أرسلان، ولى حكم حماة فى الفترة 626 - 642 هـ/ 1229 - 1240 م - تاريخ الدول الإسلامية ص 147.

(3)

هو الملك المنصور الثانى محمد بن محمود، ولى حكم حماة سنة 642 هـ/ 1240 م وحتى وفاته سنة 683 هـ/ 1284 م - العبر ج 5 ص 345.

(4)

«ابن» فى الأصل، والتصحيح من المختصر.

(5)

«وولد لها من الملك المظفر ابنان» - ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 75.

(6)

[] إضافة من المختصر للتوضيح.

(7)

«والد الملك» فى المختصر.

(8)

انظر المختصر ج 3 ص 196.

ص: 204

‌ذكر ترجمة الخليفة المستعصم بالله:

‌والكلام فيه على أنواع:

-

‌الأول فى بيان اسمه ونسبه:

هو أمير المؤمنين أبو أحمد عبد

(1)

الله بن أمير المؤمنين المستنصر بالله أبى جعفر منصور بن أمير المؤمنين الظاهر بالله أبى نصر أحمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أبى العباس أحمد بن أمير المؤمنين المستضئ بأمر الله أبى محمد الحسن بن أمير المؤمنين المستنجد بالله أبى المظفر يوسف ابن أمير المؤمنين المقتفى [412] لأمر الله أبى عبد الله محمد بن أمير المؤمنين المستظهر بالله أبى القاسم عبد الله بن الأمير الذخره أبى العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله أبى الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبى العباس أحمد ابن الأمير الموفق أبى احمد طلحة بن المتوكل على الله أبى الفضل جعفر بن المعتصم بالله أبى إسحاق محمد بن أمير المؤمنين الرشيد أبى محمد هارون بن المهدى أبى عبد الله محمد بن المنصور أبى جعفر عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب بن هاشم العباسى الهاشمى، آخر خلفاء بنى العباس بالعراق، وأمه أم ولد تدعى هاجر، ولد ضاحى نهار السبت حادى عشر شوال سنة تسع وستمائة، وبويع له بالخلافة فى العشرين من جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة.

(1)

وانظر ترجمته أيضا فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 16، النجوم الزاهرة ج 7 ص 63، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 253 وما بعدها، شذرات الذهب ج 5 ص 270، البداية والنهاية ج 13 ص 204 وما بعدها، نهاية الأرب ج 23 ص 322 وما بعدها، الجوهر الثمين ص 175 وما بعدها، كنز الدرر ج 8 ص 36 - 37.

ص: 205

‌الثانى فى سريرته وسيرته:

كان حسن الصورة، جيّد السيرة، صحيح السريرة، مقتضيا بأبيه المستنصر بالله فى المعدلة وكثرة الصلاة والصدقات وإكرام العلماء والعباد، وقد استجاز من الحافظ بن النجار، فأجاز له، وكذلك أجاز له جماعة من مشايخ خراسان منهم: المؤيد الطوسى، وأبو روح عبد العزيز بن محمد الهروى، وأبو بكر بن الصغار وغيرهم، وحدث عنه جماعة منهم: مؤدبه شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن على بن محمد بن النيار، وأجاز هو للإمام محيى الدين بن الجوزى، وللشيخ نجم الدين البادرائى، وحدثا عنه بهذه الإجازة، وقد كان سنيا على طريقة السلف وإعتقاد الجماعة كما كان أبوه وجده، ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ وضعف رأى ومحبة للمال وجمعه، ومن جملة ذلك أنه أغل الوديعة التى استودعها إياه الناصر داود بن الملك المعظم، وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار، فاستقبح هذا من الخليفة وأمثاله.

‌الثالث فى مقتله:

قد ذكرنا أن التتار قتلوه مظلوما شهيدا، وقتل معه ولده وأسر الثالث مع بنات ثلاث من صلبه، وشغر منصب الخلافة بعده، ولم يبق فى بنى العباس من سد مسده، فكان آخر الخلفاء من بنى العباس الحاكمين بالعدل بين الناس، ومن يرتجى منهم [413] النوال، ويخشى منهم البأس، وختموا بعبد الله المستعصم، كما افتتحوا بعبد الله السفاح.

وكانت عدة الخلفاء من بنى العباس إلى المستعصم بالله سبعة وثلاثين خليفة، وكان أولهم عبد الله السفاح، بويع له بالخلافة وظهر ملكه وأمره فى سنة ثنتين

ص: 206

وثلاثين ومائة، بعد انقضاء دولة بنى أمية، كما تقدم بيانه، وآخرهم عبد الله المستعصم، وقد زال ملكه وانقضت خلافته فى هذا العام، أعنى سنة ست وخمسين وستمائة، فجملة أيامهم خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة، وزالت يدهم

(1)

عن العراق والحكم بالكلية مدّة سنة وشهور فى أيام البساسيرى

(2)

بعد الخمسين والأربعمائة، ثم عادت كما كانت، وقد بسطنا ذلك فى موضعه فى أيام القائم بأمر الله.

ولم تكن أيدى بنى العباس حاكمة على جميع البلاد، كما كانت بنو أمية قاهرة جميع البلاد والأقطار والأمصار، فإنه قد خرج عن بنى العباس بلاد المغرب، ملكها فى أوائل الأمر بعض بنى أمية ممن بقى منهم من ذرية عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك، ثم تغلب عليه الملوك بعد دهور متطاوله كما ذكرنا، وقارن بنى العباس دولة جماعة

(3)

من الفاطميين ببلاد مصر وبعض بلاد المغرب وما هناك وبلاد الشام فى بعض الأحيان والحرمين فى أزمان طويلة، واستمرت دولة الفاطميين قريبا من ثلاثمائة سنة حتى كان آخرهم العاضد

(4)

الذى مات بعد الستين وخمسمائة فى الدولة الصلاحية الناصرية الأيوبية كما ذكرنا.

(1)

«وزال ملكهم» فى البداية والنهاية ج 13 ص 205.

(2)

هو أرسلان بن عبد الله البساسيرى، أبو الحارث، مقدم الأتراك ببغداد، الذى خرج على الخليفة العباسى القائم وخطب للخليفة الفاطمى المستنصر بالله - صاحب مصر، حتى قتله عسكر السلطان السلجوقى طغرل بك فى ذى الحجة سنة 451 هـ/يناير 1060 م - وفيات الأعيان ج 1 ص 192 رقم 81.

(3)

«دولة المدعين أنهم» - فى البداية والنهاية ج 13 ص 205.

(4)

هو عبد الله بن يوسف، الخليفة الفاطمى العاضد بن الحافظ، المتوفى فى المحرم سنة 567 هـ/ سبتمبر 1171 م - وفيات الأعيان ج 3 ص 109 رقم 354.

ص: 207

وكانت عدة ملوك الفاطميين أربعة عشر ملكا، أولهم المهدى وآخرهم العاضد، ومدة ملكهم تحريرا من سنة تسع وتسعين ومائتين إلى خمسمائة وخمسة وستين، فتكون مائتى سنة وست وستين سنة، وكان مقامهم بمصر مائتى سنة وثمانى سنين.

والعجب أن خلافة النبوة التالية لزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثين سنة، كما نطق بها الحديث الصحيح، فكان فيها أبو بكر وعمر [414] وعثمان وعلى رضى الله عنهم، ثم ابنه الحسن بن على رضى الله عنهما ستة أشهر حتى كملت بها الثلاثون، كما قررنا فى دلائل النبوة

(1)

، ثم كانت ملكا، فكان أول ملوك الاسلام معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية، ثم ابنه يزيد ثم ابن ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية، وانقرض هذا البطن المفتتح بمعاوية المختتم بمعاوية، ثم ملك مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى ثم ابنه عبد الملك، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم أخوه سليمان، ثم ابن عمه عمر ابن عبد العزيز رضى الله عنه، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، ثم الوليد بن زيد بن الوليد ثم أخوه إبراهيم الناقص وهو ابن الوليد أيضا ثم مروان ابن محمد بن مروان الملقب بالحمار، وكان آخرهم فكان أولهم اسمه مروان، وأخرهم اسمه مروان، وكان أول خلفاء بنى العباس السفاح واسمه عبد الله، وكان آخرهم المستعصم بالله واسمه عبد الله، وكذلك كان أول خلفاء الفاطميين اسمه عبد الله المهدى، وآخرهم عبد الله العاضد، وهذا اتفاق غريب جدا قل من يتنبه له

(2)

.

(1)

ينقل العينى عن البداية والنهاية قول ابن كثير - ج 13 ص 206.

(2)

إلى هنا ينتهى ما نقله العبنى عن ابن كثير فى هذا الموضوع - البداية والنهاية ج 13 ص 204 - 206.

ص: 208

وقال القاضى بن واصل: واتفق فى بنى العباس اتفاق عجيب وهو أن كل سادس منهم مخلوع أو مقتول، فأول من ولى السّفاح، ثم أخوه المنصور، ثم ابنه المهدى، ثم ابنه الهادى، ثم أخوه الرشيد، ثم ابنه الأمين وهو سادس خليفة خلع، ثم قتل، ثم ولى أخوه المأمون، ثم أخوه المعتصم، ثم ابنه الواثق، ثم أخوه المتوكل، ثم ابنه المنتصر، ثم المستعين بالله وهو سادس خلفائهم، فخلع وقتل، ثم ولى ابن عمه المعتز، ثم عمه المهتدى، ثم ابن عمه المعتمد، ثم ابن أخيه المعتضد ثم ابنه المستكفى، ثم أخوه المقتدر وهو سادس خليفة، خلع مرتين وقتل، ثم ولى أخوه القاهر، ثم ابن أخيه الراضى، ثم ابن أخيه المتقى، ثم ابن عمه المستكفى، ثم ابن عمه المطيع، ثم ابنه الطائع وهو سادس خليفة، فخلع ثم ولى ابن عمه القادر، ثم ابنه المقتدر، ثم ابن ابنه المقتدى، ثم ابنه المستظهر ثم ابنه المسترشد، ثم ابنه الراشد وهو سادس خليفة فخلع وقتل، ثم ولى [415] عمه المقتفى، ثم ابنه المستنجد، ثم ابنه المستضئ، ثم ابنه الناصر، ثم ابنه الطاهر، ثم ابنه المستنصر وهو سادس خليفة، فحكى وجيه الدين بن سويد وجماعة أنه فصد بمبضع مسموم فمات، وقتل التتار ابنه المستعصم بالله وهو آخرهم.

وحكى أنه لما ولد على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنهم أتاه على بن أبى طالب رضى الله عنه مهنّيا وحنكه ودعا له ورده إليه وقال:

خذ إليك أبا الأملاك

سميته عليا وكنيته أبا الحسن

وقال ابن واصل: لقد أخبرنى من أثق به أنه وقف على كتاب عتيق فيه ما صورته: أن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بلغ بعض خلفاء بنى

ص: 209

أمية عنه أنه يقول: إن الخلافة ستصير إلى ولده، فأمر الأموى بعلى بن عبد الله فحمل على جمل، فطيف به وضرب، وكان يقال عند ضربه: هذا جزاء من يفترى، ويقول: إن الخلافة ستكون فى ولده، وكان على بن عبد الله يقول:

إى والله لتكونن الخلافة فى ولدى، ولا يزال فيهم حتى يأتيهم العلج من خراسان، ويملكهم، هم الصغار العيون، والعراض الوجوه، وينتزعونها منهم، فوقع مصداق ذلك، وهو ورود هلاون وإزالته ملك بنى العباس

(1)

.

وكان على هذا مفرطا فى الطول حتى كان إذا طاف

(2)

كانه راكب والناس يمشون، وكان إلى منكب أبيه عبد الله، وكان عبد الله إلى منكب أبيه العباس وكان العباس إلى منكب أبيه عبد المطلب.

هذه أرجوزة لبعض الفضلاء نظمها وذكر فيها جميع الخلفاء، وهى هذه الأبيات:

الحمد لله العظيم عرشه

القاهر الفرد القوى بطشه

مقلب الأيام والدهور

وجامع الأنام للنشور

ثم الصلاة بدوام الأبد

على النبى المصطفى محمد

وآله وصحبه الكرام

السادة الأئمة الأعلام

وبعد هذا هذه أرجوزة

(3)

نظمتها لطيفة وجيزة

نظمت فيها الراشدين الخلفا

من قام بعد النبى المصطفى

ومن تلاهم وهلّم جرا

جعلتها تبصرة وذكرا

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 194 - 195

(2)

«حتى اذا كان طاف» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.

(3)

«وبعد فإن هذه أرجوزة» فى البداية والنهاية ج 13 ص 206.

ص: 210

ليعلم العاقل ذو التصوير

كيف جرت حوادث الأمور

وكل ذى مقدرة وملك

معرّضون للفناء والهلك

وفى اختلاف الليل والنهار

تبصرة لكل ذى إعتبار

والملك

(1)

للجبار فى بلاده

يورثه من شاء من عباده

وكل مخلوق فللفناء

وكلّ ملك فإلى انتهاء

ولا يدوم غير ملك البارى

سبحانه من ملك قهار

[416]

منفرد بالعزّ والبقاء

وما سواه فالى انقضاء

أول من بويع بالخلافة

بعد النبى ابن أبى قحافة

أعنى الإمام العادل

(2)

الصديقا

ثم ارتضى من بعده الفاروقا

ففتح البلاد والأمصارا

واستأصلت سيوفه الكفارا

وقام بالعدل قياما يرضى

بذاك جبّار السماء والأرض

ورضى الناس بذى النورين

ثم على والد السّبطين

ثم أتت كتائب مع الحسن

كادوا بأن يجدّدوا بها الفتن

فأصلح الله على يديه

كما عزا نبيّنا إليه

وأجمع

(3)

الناس على معاوية

ونقل القصة كل راوية

فمهّد الملك كما يريد

وقام فيه بعده يزيد

ثم ابنه وكان برا راشدا

أعنى أبا ليلى وكان زاهدا

(1)

«الملك الجبار» فى البداية والنهاية.

(2)

«الهادى» فى البداية والنهاية ج 13 ص 207.

(3)

«وجمع» فى البداية والنهاية.

ص: 211

فترك الإمرة لا عن غلبه

ولم يكن منه إليها طلبه

(1)

وابن الزبير بالحجاز يدأب

فى طلب الملك وفيه ينصب

وبالشام بايعوا مروانا

بحكم من يقول كن فكانا

فلم يدم فى الملك غير عام

وعافصته أسهم الحمام

واستوسق

(2)

الملك لعبد الملك

وثار

(3)

نجم سعده فى الفلك

وكل من نازعه فى الملك

خرّ صريعا بسيوف الهلك

فقتل

(4)

المصعب بالعراق

وسيّر الحجاج ذا الشقاق

إلى الحجاز بسيوف النقم

وابن الزبير لائذ بالحرم

فجاء

(5)

بعد قتله فصلبه

ولم يخف فى أمره من ربه

وعند ما صفت له الأمور

تقلبت لحينه

(6)

الدهور

ثم أتى من بعده الوليد

ثم سليمان الفتى الرشيد

ثم استفاض فى الورى عدل عمر

تابع أمر ربه كما أمر

وكان يدعى بأشج القوم

وذى الصلاة والتقى والصوم

فجاء بالعدل وبالإحسان

(7)

وكفّ أهل الظلم والطغيان

(1)

«ولم يكن إليها منه طلبه» فى البداية والنهاية.

(2)

«واستوثق» فى البداية والنهاية.

(3)

«ونار» فى البداية والنهاية.

(4)

«وقتل» فى البداية والنهاية.

(5)

«فجار» فى البداية والنهاية.

(6)

«بجسمه» فى البداية والنهاية.

(7)

«والإحسان» فى البداية والنهاية.

ص: 212

مقتديا بسنة الرسول

والراشدين من ذوى العقول

فجرّع الإسلام كاس فقده

ولم يروا مثلا له

(1)

من بعده

ثم يزيد بعده هشام

ثم الوليد فتّ منه الهام

ثم يزيد وهو يدعى ناقصا

(2)

فجاءه حمامه معافصا

ولم يصل مدّه إبراهيما

وكان كل أمره سقيما

وأسند الملك إلى مروانا

فكان من أموره ما كانا

وانقرض الملك على يديه

وحادث الدهر سطا عليه

وقتله قد كان بالصعيد

ولم تفده كثرة العديد

وكان فيه حتف آل الحكم

واستنزعت عنهم ضروب النعم

ثم أتى ملك بنى العباس

لا زال فينا ثابت الأساس

وجاءت البيعة

(3)

من أرض العجم

وقلدت بيعتهم كل الأمم

فكل

(4)

من نازعهم من الأمم

(5)

خرّ صريعا لليدين والفم

وقد ذكرت من تولى منهم

حتى تولى القائم المستعصم

أولهم ينعت بالسفّاح

وبعده المنصور ذو النجاح

ثم أتى من بعده المهدى

يتلوه موسى الهادى الصّفىّ

(1)

«له مثلا له» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

(2)

«الناقصا» فى البداية والنهاية.

(3)

«الشيعة» فى الأصل، وهو تحريف، والتصحيح من البداية والنهاية ج 13 ص 208.

(4)

«وكل» فى البداية والنهاية.

(5)

«عن أمم» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

ص: 213

وجاء هارون الرشيد بعده

ثم الأمين حين ذاق بعده

(1)

وقام بعد قتله المأمون

وبعده المعتصم المسكين

(2)

واستخلف الواثق بعد المعتصم

ثم أخوه جعفر موف كريم

(3)

وأخلص النية فى التوكل

(4)

لله ذى العرش القديم الأوّل

فأدحض الباطل

(5)

فى زمانه

وقامت السنة فى أوانه

ولم يبقّ بدعة

(6)

مضلّه

وألبس المعتزلىّ ذلّه

فرحمة الله عليه أبدا

ما غار نجم فى السماء وبدا

(7)

وعند ما استشهد قام المنتصر

والمستعين بعده كما ذكر

(8)

[417]

وجاء بعد موته المعتز

والمهتدى المكّرم

(9)

الأعز

وبعده استولى وقام المعتمد

ومهّد الملك وساس المعتضد

(1)

«فقده» فى البداية والنهاية.

(2)

«المكين» فى البداية والنهاية.

(3)

«موفى الذمم» فى البداية والنهاية، وجعفر هو المتوكل على الله.

(4)

«المتوكل» فى البداية والنهاية، وهو تحريف

(5)

«البدعة» فى البداية والنهاية.

(6)

«ولم يبق فيها بدعة» فى البداية والنهاية.

(7)

«أو بدا» فى البداية والنهاية.

(8)

يوجد اختلاف فى الترتيب فى البداية والنهاية، فبدلا من هذا البيت يوجد البيت الذى أوله «وبعده استولى وقام المعتمد» - وهو لا يتفق وترتيب تولية الخلفاء العباسيين - انظر تاريخ الدول الإسلامية ص 12 - 13.

(9)

«الملتزم» فى البداية والنهاية.

ص: 214

والمكتفى فى صحف العلياء سطر

(1)

وبعده ساس الأمور المقتدر

واستوسق

(2)

الملك بعزّ القاهر

وبعده الراضى أخو المفاخر

والمتقى من بعد والمستكفى

(3)

ثم المطيع ما به من خلف

والطائع الطائع، ثم القادر

القائم الزاهد وهو الشاكر

والمقتدى من بعده المستظهر

ثم أتى المسترشد الموقر

وبعده الراشد، ثم المقتفى

وحين مات استنجدوا بيوسف

والمستضئ

(4)

العادل فى أفعاله

الصادق المصدوق

(5)

فى أقواله

والناصر الشهم الشديد البأس

ودام طول مكثه فى الناس

ثم تلاه الظاهر الكريم

وعدله كلّ به عليم

ولم تطل أيامه فى المملكة

غير شهور واعترضته

(6)

الهلكه

وعهده كان إلى المستنصر

العادل البر الكريم المغتفر

(7)

دام يسوس الناس سبع عشرة

وأشهرا بعزمات بره

ثم توفى عام أربعينا

وفى جمادى صادف المنونا

وبايع الخلاثق المستعصما

صلى عليه ربنا وسلما

(1)

«فى صحف العلا أسطر» فى البداية والنهاية.

(2)

«واستوثق» فى البداية والنهاية.

(3)

«من بعد ذا المستكفى» فى البداية والنهاية.

(4)

«المستضئ» فى البداية والنهاية.

(5)

«الصدوق» فى البداية والنهاية ج 13 ص 209.

(6)

«واعترته» فى البداية والنهاية.

(7)

«الكريم؟؟؟ العنصر» فى البداية والنهاية.

ص: 215

يبعث نجب الرسل فى الآفاق

(1)

يقضون بالبيعة والوفاق

وشرفوا بذكره المنابرا

ونشروا من جوده المفاخرا

وسار فى الآفاق حسن سيرته

وعدله الزائد فى رعيته

تمت الأرجوزة.

وقال ابن كثير رحمه الله: وقلت أنا بعد ذلك:

ثم ابتلاه الله بعد

(2)

بالتتار

أتباع جنكز الخان

(3)

الجبار

صحبة ابن ابن له

(4)

هلاكو

فلم يكن من أسره

(5)

فكاك

فمزقوا جنوده وشمله

وقتلوه نفسه وأهله

ودمروا بغداد والبلادا

وقتلوا الأجناد والأولادا

(6)

وانتهبوا المال مع الحريم

ولم يخافوا سطوة العظيم

وغرهم إنظاره وحلمه

وما اقتضاه عدله وحكمه

(7)

***

(1)

«فأرسل الرسل إلى الآفاق» فى البداية والنهاية ج 13 ص 409.

(2)

«بعد» ساقط من البداية والنهاية.

(3)

«جنكز خان» فى البداية والنهاية.

(4)

«ابن إبنه» فى البداية والنهاية.

(5)

«أمره» فى البداية والنهاية.

(6)

«وقتلوا الأحفاد والأجداد» فى البداية والنهاية.

(7)

لهذه الأرجوزة بقية فى البداية والنهاية ج 13 ص 209 - 210.

ص: 216

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة السابعة والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، وليس للمسلمين خليفة، والفتن قائمة، وبنو جنكز خان قد أظهروا الفساد، وأهلكوا العباد، وأخربوا البلاد.

وسلطان الديار المصرية: الملك المنصور نور الدين على بن الملك المعز أيبك التركمانى، ونائبه ومدبر مملكته الأمير سيف الدين قطز.

وصاحب دمشق وحلب وغيرهما: السلطان الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، والحرب قائمة بينه وبين المصريين، ولكنه رجع عن ذلك لكثرة الأراجيف بقصد التتار الديار الشامية، حتى أنّ هلاون أرسل إلى الناصر المذكور يستدعيه إليه، فأرسل الناصر ولده العزيز، وهو صغير، ومعه هدايا كثيرة وتحف سنية، فلم يحتفل به هلاون، وغضب على إبنه؛ إذ لم يقدم إليه أبوه، وقال: أنا الذى أسير إلى بلاده بنفسى، فانزعج الناصر لذلك، وبعث بحريمه وأهله إلى الكرك، ليحصنهم بها، وخاف أهل دمشق خوفا [418] شديدا حين بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات، وصار منهم

(1)

جماعة كثيرة إلى الديار المصرية فى زمن الشتاء، ومات كثير منهم، ونهب آخرون.

(*) يوافق أولها الأحد 29 ديسمبر 1258 م.

(1)

«وسار كثير منهم» - السلوك ج 1 ص 416.

ص: 217

وأقبل هلاون بجنوده يقصد نحو الشام، ونازل حران وملكها، واستولى على البلاد الجزرية، وأرسل ولده شموط بن هلاون إلى الشام، فوصل إلى ظاهر حلب فى العشر الأخير من ذى الحجة من هذه السنة، وكان الحاكم فى حلب يومئذ الملك المعظم توران شاه

(1)

بن السلطان صلاح الدين نائبا عن ابن ابن أخيه الملك الناصر، فخرج فى عسكر حلب لقتالهم، ولم يكن من الرأى خروجه، وأكمن لهم التتار فى باب إلىّ المعروف بباب الله، وتقاتلوا عند بانقوسا، فاندفع التتار قدامهم حتى خرجوا عن البلد، ثم عادوا عليهم، وهرب المسلمون طالبين المدينة، والتتار يقتلون فيهم حتى دخلوا البلد، واختنق جماعة من المنهزمين فى أبواب البلد، ثم رحل التتار إلى عزاز فتسلموها بالأمان.

وكان الملك الناصر قد أرسل قبل ذلك القاضى الوزير كمال الدين عمر بن أبى جرادة المعروف بابن العديم إلى الديار المصرية رسولا يستنجد المصريين على قتال التتار، فإنهم قد اقترب قدومهم إلى الشام، وأنهم قد استولوا على حران وبلاد الجزيرة وغيرها فى هذه السنة، وقد جاز شموط بن هلاون الفرات واقترب من مدينة حلب.

فعقد لذلك مجلس بالديار المصرية بين يدى الملك المنصور بن الملك المعز أيبك التركمانى، وحضر قاضى القضاة بالديار المصرية بدر الدين السنجارى، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وأفاضوا الكلام فيما يتعلق بأخذ شئ من أموال الناس لمساعدة الجند، وكانت العمدة على ما يقوله ابن عبد السلام، فكان

(1)

هو توران شاه بن يوسف بن أيوب، الملك المعظم فخر الدين أبو المفاخر، المتوفى سنة 658 هـ/ 1260 م - المنهل الصافى ج 4 ص 180 رقم 83، وانظر ما يلى فى وفيات 658 هـ.

ص: 218

حاصل كلامه أنه قال: إذا لم يبق فى بيت المال شئ، وأنفقتم الحوائص

(1)

الذهب وغيرها من الزينة، وتساويتم والعامة فى الملابس سوى آلات الحرب، ولم يبق للجندى سوى فرسه التى يركبها، ساغ أخذ شئ من أموال الناس فى دفع الأعداء، إلا أنه إذا دهم العدوّ وجب على الناس كافة أن يدفعوهم بأموالهم وأنفسهم

(2)

.

ثم أن الملك الناصر برز إلى وطاة برزة

(3)

[419] فى جحافل كثيرة من الجيش والمطوعة والأعراب وغيرهم، ولما سمعوا ما فعل شموط بن هلاون على حلب، وعلموا ضعفهم عن مقاومة المغول انفض ذلك الجمع، ولم يصبر لا هو ولا هم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

(1)

حوائص، جمع حياصة: وهى الحزام أو المنطقة - دوزى.

(2)

انظر أيضا السلوك ج 1 ص 416 - 417.

(3)

برزة قرية بالغوطة، شمالى دمشق - معجم البلدان.

ص: 219

‌ذكر سلطنة سيف الدين قطز النائب بالديار المصريّة

ولما عقد المصريون المجلس، حين قدم إليهم رسول الملك الناصر صاحب دمشق، وهو كمال الدين بن العديم المذكور، قالوا: لابدّ من سلطان قاهر يقاتل التتار، وهذا صبى صغير لا يعرف تدبير المملكة

(1)

، يعنى السلطان الملك المنصور ابن الملك المعز، وكان كذلك فإنه كان يركب الحمير الغرّة، ويلعب بالحمام مع الخدام.

واجتمع الأمراء الكبار وأعيان العساكر على أنه لا غنى للمسلمين من ملك يقوم بدفعه، وينتدب لمنعه، ويذبّ عن حوزة الدين، وذلك لما تحققوا قصد هلاون الديار الشامية، وامتداده إلى ممالك الإسلام، واتفقوا على إقامة الأمير سيف الدين قطز المعزى سلطانا لأنه كبير البيت، ونائب الملك، وزعيم الجيش، وهو معروف بالشجاعة والفروسية، ورضى به الأمراء الكبار فأجلسوه على سرير الملك، ولقبوه الملك المظفّر.

وكان الأمير علم الدين العتمىّ، وسيف الدين بهادر، وهما من كبار المعزية غائبين فى رمى البندق حين تسلطن المظفر، ولما حضرا قبض عليهما واعتقلا.

(1)

ينسب المقريزى هذا القول إلى الأمير سيف الدين قطز - السلوك ج 1 ص 417.

ص: 220

وكان جلوس الملك المظفر على تخت السلطنة فى الرابع من ذى الحجة

(1)

من هذه السنة بقلعة الجبل.

وكان ذلك كله بحضرة كمال الدين بن العديم، فأعاد قطز الجواب إلى الملك الناصر يوسف بأنه سينجده ولا يقعد عن نصرته، ورجع ابن العديم إلى دمشق بذلك.

ويقال: إن الملك المظفر قطز لما قبض على الملك المنصور نور الدين على بعثه هو وأمه وأخاه قاقان إلى بلاد الأشكرى

(2)

.

وفى تاريخ بيبرس: وأما المنصور على بن المعز فإنه اعتقل مدّة فى الأيام المظفرية، ثم سفّر فى الأيام الظاهرية هو وأخوه وأمهما إلى الإسكندرية، وسيّروا منها إلى القسطنطينية، وأمسك من الأمراء من خاف غائلته، وحذر مخالفته، وكانوا قد تفرقوا فى [420] الصيد، فصادهم بمصائد الكيد [ولم ينجهم من يده أيد

(3)

]، وانقضت دولة المنصور، فكانت مدة مملكته سنتين وستة أشهر، والله أعلم

(4)

.

(1)

«ملك الديار المصرية فى يوم السبت، لليلتين بقيتا من ذى القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة» فى نهاية الأرب (مخطوط) ج 27، «فى يوم السبت الرابع والعشرين من ذى القعدة» - السلوك ج 1 ص 417.

(2)

المقصود الدولة البيزنطية، وأمبراطورها فى هذه السنة هو الأمبراطور تيودور لاسكاريس الثانى الذى حكم فى الفترة من 1254 - 1258 م، وكان مقر حكمه فى ذلك الوقت فى مدينة نيقبة.

(3)

[] إضافة فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 35 أ، 35 ب.

(4)

«والله أعلم» ساقط من زبدة الفكرة.

ص: 221

‌ذكر ماجريّات هلاون:

منها: أنه أرسل ابنه شمطو إلى حلب وقد ذكرناه.

ومنها: أنه أرسل إلى ولدى صاحب الروم وهما عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان، يستدعيهما إليه فسارا إليه، وذلك أن الرسل الذين كانوا قد توجهوا مع أخيهما علاء الدين كيقباذ إلى منكوقان أخى هلاون عادوا إلى الروم فى هذه السنة، فوجدوا بيجو فعل بقونية وغيرها ما فعل والسلطان عز الدين كيكاوس قد هرب إلى قلعة العلائية، وكان أخوه فى محبسه، فخلص وهو بقونية، فأحضروا إليهما يرليغ منكوقان، فاستقرت خواطرهما وتوطنا، وتراجع الناس إليهما، وتقررت قسمة البلاد بينهما، وإنحاز إلى كل منهما جماعة من الأمراء.

فكان ممن إنحاز إلى السلطان عز الدين الأمير قرطاى الأتابك، وشمس الدين الحرمانى، وشمس الدين توتاش، وخواجه جهان، ووزيره عز الدين كل.

وكان من أمراء السلطان ركن الدين قليج أرسلان الأمير أرسلان دغمش الأتابك، وقد ذكرنا انحرافه عن السلطان عز الدين، وأنه انهزم قدام بيجو غيظا من السلطان، وانحاز إلى السلطان ركن الدين، والأمير سيف الدين طرنطاى صاحب أماسية الملقب بكلر باكى، والأمير خطير الدين، والأمير معين الدين سليمان البرواناه، ووزيره الصاحب شمس الدين الطغرائى.

ولما عزم هلاون على السير إلى حلب وعبر الفرات، استدعى السلطانين المذكورين كيكاوس وقليج أرسلان، فسارا إليه وحضرا معه فى أخذ حلب.

(1)

«شموط» - انظر ما سبق ص 218.

ص: 222

ومنها: أن هلاون وجه أرغون أغا - وهو من أكابر المقدمين - فى جيش إلى كرجستان، فغزا تفليس وأعمالها، وأغار ونهب، وعاد إليه وهو بالعراق.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أن فى ليلة الأحد خامس عشر المحرم ولد الملك المظفر محمود بن الملك المنصور صاحب حماة بن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب.

وقال المؤيد فى تاريخه: وفى الساعة [421] العاشرة فى ليلة الأحد خامس عشر المحرم من هذه السنة، وثانى عشر كانون الثانى

(1)

، ولد محمود بن الملك المنصور، ولقبوه بالملك المظفر بلقب جدّه، وأم الملك المظفر محمود المذكور عائشة خاتون بنت الملك العزيز محمد صاحب حلب بن الملك الظاهر غازى بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وهنأ الشيخ شرف الدين عبد العزيز المعروف بشيخ الشيوخ الملك المنصور صاحب حماة بقصيدة طويلة منها:

أبشر على رغم العدى والحسّد

بأجلّ مولود وأكرم مولد

بالنعمة الغراء بل بالدولة

الزهراء بل بالمفخر المتجدّد

وافاك بدرا كاملا فى ليلة

طلعت عليك نجومها بالأسعد

ما بين محمود المظفر أسفرت

عنه وما بين العزيز محمدّ

(2)

(1)

يوافق 12 يناير سنة 1259 م.

(2)

انظر المختصر ج 3 ص 199.

ص: 223

ومنها: أن الخواجا نصير الدين الطوسى صاحب التجريد وغيره عمل الرصد بمدينة مراغة

(1)

، ونقل إليها شيئا كثيرا من كتب الأوقاف التى كانت ببغداد، وعمل دار حكمة فيها فلاسفة لكل واحد فى اليوم ثلاثة دراهم، ودار طب فيها للحكيم درهمان، ومدرسة فيها لكل فقيه فى اليوم درهم، ودار حديث لكل محدّث نصف درهم فى اليوم

(2)

.

ومنها: أنه حصلت بديار مصر زلزلة عظيمة جدا، وتسامع الناس بمجئ التتار لقصد الشام، فانزعجوا بسبب ذلك، وبالله المستعان.

ومنها: أن فى شهر رجب تولى محيى الدين قاضى غزة تدريس المدرسة الناصرية بالقدس الشريف، وتولى شهاب الدين محمد بن القاضى شمس الدين أحمد ابن الخليل الخوى قضاء القدس الشريف، وسافرا من دمشق إلى ولايتهما.

وفيها: « ............

(3)

»

وفيها: حج بالناس. « ............

(4)

»

(1)

عن بناء المرصد بمدينة مراغة انظر جامع للتواريخ المجلد الثانى الجزء الأول ص 203 - 204.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 215.

(4،3)« ...... » - بياض بالأصل.

ص: 224

‌ذكر من توفّى فيها من الأعيان

الشيخ الصالح المحدث أبو العباس أحمد

(1)

بن محمد بن تامتيت

(2)

اللواتى، مات بمصر فى هذه السنة، وأصله من مدينة فاس بالمغرب، وكان رجلا صالحا مقصودا للزيارة والتبرك بدعائه.

الشيخ فتح الدين بن أبى الحوافر

(3)

رئيس الأطباء بمصر والقاهرة، توفى فى هذه السنة وكان شيخا فاضلا حسنا.

القاضى أبو عبد الله محمد

(4)

بن القاضى الأشرف بن القاضى الفاضل أبى على عبد [422] الرحيم البيسانى وزير الإنشاء الصالحى، وقد تقدّم ذكر جدّه واقف الصدرية.

الرئيس صدر الدين أسعد

(5)

بن المنجى بن بركات بن مؤمّل التنوخى المعرّى، ثم الدمشقى الحنبلى.

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - م 15

(1)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 238، شذرات الذهب ج 5 ص 288 وانظر ما سبق فى وفيات سنة 653 هـ.

(2)

«مامتيت» فى العبر.

(3)

هو أحمد بن عثمان بن أبى الحوافر، فتح الدين. وله أيضا ترجمة فى: نهاية الأرب ج 27 ورقة 233.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: الذيل على الروضتين ص 203.

(5)

هو أسعد بن عثمان بن أسعد بن المنجا، أبو الفتح صدر الدين، وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 21، المنهل الصافى ج 2 ص 369 رقم 414، الوافى ج 9 ص 43 رقم 3947، شذرات الذهب ج 5 ص 288، السلوك ج 1 ص 421، الذيل على الروضتين ص 203، العبر ج 5 ص 239، البداية والنهاية ج 13 ص 216.

ص: 225

أحد المعدّلين ذوى الأموال والثروة والصدقات الدارّة البارّة، وقف مدرسة للحنابلة بدمشق

(1)

مقابلة لتربة سيف الدين بن قليج

(2)

، وقبره بها إلى جانب تربة القاضى جمال الدين المصرى

(3)

فى رأس درب الريحان من محلة ناحية الجامع، وقد ولى نظر الجامع مدة، وقد استجدّ أشياء كثيرة منها: سوق النحاس قبلى الجامع، ونقل الصاغة إلى مكانها الان، وقد كان قبل ذلك حيث يقال الصاغة العتيقة، وعدد الدكاكين التى بين أعمدة الزيادة، وكانت له صدقات كثيرة.

وذكر عنه أنه كان يعمل صنعة الكيمياء، وأنه صح عنده عمل الفضة، والله أعلم، مات فى مستهل رمضان من هذه السنة.

الشيخ يوسف

(4)

القمينى، كان يعرف بالقمينى لأنه كان سكن قمين حمام نور الدين الشهيد، وكان يلبس ثيابا طوالا تححف

(5)

على الأرض، ويبول فى ثيابه، ورأسه مكشوف، وله أحوال وكشوف كثيرة.

(1)

وهى المدرسة المنسوبة إليه والمعروفة باسم: المدرسة الصدرية - الدارس ج 2 ص 86 وما بعدها.

(2)

وهى بالمدرسة القليجية الحنفية بدمشق، وتنسب إلى الأمير سيف الدين على بن قليج النورى المتوفى سنة 643 هـ/ 1245 م - الدارس ج 1 ص 569.

(3)

هى التربة الجمالية المصرية برأس درب الريحان من ناحية الجامع الأموى بدمشق، وهى لقاضى القضاة يونس بن بدران بن فيروز، جمال الدين المصرى المتوفى سنة 623 هـ/ 1226 م - الدارس ج 3 ص 242.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 348، العبر ج 5 ص 240، الذيل على الروضتين ص 202، شذرات الذهب ج 5 ص 289، البداية والنهاية ج 13 ص 216.

(5)

«تكنس الأرض» فى الذيل على الروضتين.

ص: 226

وقال ابن كثير: وكان كثير من العوام وغيرهم يعتقدون صلاحه وولايته، وذلك لأنهم لا يعلمون أن الكشوف قد تصدر من المؤمن والكافر، ومن البر والفاجر كابن صياد

(1)

، فلا بدّ من اختبار صاحب الحال بالكتاب والسنة، فمن وافق حاله وطريقته الكتاب والسنة فهو رجل صالح سواء كاشف أم لا

(2)

، ومن لم يوافق فليس برجل صالح سواء كاشف أم لا.

قال الشافعى رضى الله عنه: إذا رأيتم الرجل يمشى على الماء ويطير فى الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.

ولما مات دفن بتربة فى سفح جبل قاسيون، وهى مشهورة شرقى تربة أبى عمر المقدسى

(3)

، وهو مزخرفة قد اعتنى بها من كان يعتقد فيه، وكانت وفاته فى سادس شعبان من هذه السنة

(4)

.

ابن الفخر بن البديع

(5)

.

قال أبو شامة: كان زنديقا يتعاطى علوم الفلاسفة، والنظر فى علم الأوائل، وسكن مدارس الفقهاء، وقد أفسد عقائد جماعة من المسلمين الشباب المشتغلين، وكان متجاهرا بانتفاص الأنبياء [423] عليهم السلام، كان معروفا بابن الفخر

(1)

«من البر والفاجر، والمؤمن والكافر، كالرهبان وغيرهم، وكالدجال وابن صياد وغيرهم، فإن الجن تسترق السمع وتلقيه على أذن الإنسى، ولا سيما من يكون مجنونا أو غير نقى الشباب من النجاسة» - البداية والنهاية ج 13 ص 216.

(2)

«أو لم يكاشف» فى البداية والنهاية.

(3)

«شرقى الرواحية» فى البداية والنهاية ج 13 ص 217.

(4)

البداية والنهاية ج 13 ص 216 - 217.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: الذيل على الروضتين ص 202.

ص: 227

ابن البديع البندهى، كان أبوه يزعم أنه من جملة تلامذة الفخر الرازى ابن خطيب الرى صاحب المصنفات

(1)

.

المعين المؤذن العادلى.

مات فى سابع صفر منها، وكان معمما قد جاوز المائة سنة، وكان ممن أدرك دولة نور الدين الشهيد، وخدم صلاح الدين فمن بعده من الملوك إلى أن أقعد فى بيته زمنا قبل موته بسنتين.

سيف الدين بن الغرس خليل.

كان أحد حجاب السلطان، وكان مشكورا فى ذلك، وكان أبوه والى شرطة دمشق فى زمن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب، مات فى أول شهر رمضان من هذه السنة.

الأمير أبو بكر

(2)

بن الملك الأشرف أبى الفتح محمد بن السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.

مات فى الثانى والعشرين من ذى الحجة من هذه السنة بحلب، ودفن بالياروقية، ومولده فى النصف الأخير من شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة بمصر، سمع بحلب وبغداد، وحدّث بدمشق وغيرها.

(1)

انظر الذيل على الروضتين ص 202.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 348.

ص: 228

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثامنة والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، أولها يوم الخميس، وليس للمسلمين خليفة.

وملك العراقين وخراسان وغير ذلك من بلاد الشرق هلاون بن طولى خان ابن جنكز خان ملك التتار، وأخوه منكوقان بن طولى خان ملك الأقاليم المتصلة ببلاد خطا وغيرها، وماوراء النهر وغيرها.

وصاحب الديار المصرية، السلطان الملك المظفر قطز.

وصاحب دمشق وحلب: الملك الناصر يوسف.

وصاحب الكرك والشوبك: الملك المغيث بن الملك العادل أبى بكر بن الملك الكامل بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب، وهو حزب مع الملك الناصر صاحب دمشق على المصريين، ومعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، وكان عزمهم قتال المصريين وأخذ البلد منهم، ولكن التتار أشغلوا كل أحد بنفسه، ووقع الجفل فى البلاد الشامية بمجئ هلاون إليها.

‌ذكر منازلة هلاون مدينة حلب واخذها من الملك الناصر يوسف:

وعبر هلاون الفرات من البيرة [424] وأخذها، ووجد بها السعيد بن العزيز أخا الملك الناصر يوسف معتقلا، فأطلقه، وسأله عما كان فى يده من

(*) يوافق أولها الخميس 18 ديسمبر 1259 م.

ص: 229

البلاد فقال له: كانت فى يدى الصبيبة وبانياس، فكتب له بهما فرمان وأحسن إليه، ثم سافر ونزل على حلب فى ثانى صفر من هذه السنة، فحاصرها سبعة أيام، ثم افتتحها عنوة.

وفى تاريخ النويرى: لما نزل هلاون على حلب فى التاريخ المذكور

(1)

أرسل إلى الملك المعظم توران شاه بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب نائب السلطنة بحلب يقول له: إنكم تضعفون عن لقاء المغول، ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر، فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة وبالقلعة شحنة ونحن نتوجه إلى العسكر، فإن كانت الكسرة على عسكر الإسلام كانت البلاد لنا، وتكونون أنتم قد حقنتم دماء المسلمين، وإن كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين فى الشحنتين إن شئتم طردتموها وإن شئتم قتلتموهما.

فلم يجب الملك المعظم إلى ذلك، وقال لهم: ليس لكم عندنا إلا السيف.

وكان رسول هلاون إليهم فى ذلك صاحب آرزن الروم، فتعجب من هذا الجواب، وتألم لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك، فلما رد الجواب غضب هلاون، وأحاط التتار بحلب ثانى صفر وهجموا فى غد ذلك اليوم، وقتل من المسلمين جماعة كثيرة، منهم: أسد الدين [ابن الملك

(2)

] الزاهر بن صلاح الدين، واشتدت مضايقة التتار لحلب، وهجموها من عند حمام حمدان فى ذيل القلعة يوم الأحد تاسع صفر، وبذلوا السيف على المسلمين، وصعد إلى القلعة خلق عظيم، ودام القتل والنهب فى حلب من يوم الأحد المذكور إلى يوم الجمعة رابع عشر

(1)

ورد فى مخطوط نهاية الأرب «ونازل هولاكو مدينة حلب فى المحرم سنة ثمان وخمسين وستمائة» ج 27 ورقة 137.

(2)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 201.

ص: 230

صفر، فأمر هلاون برفع السيف، ونودى بالأمان، ولم يسلم من أهل حلب إلا من إلتجأ إلى دار شهاب الدين [بن

(1)

] عمرون، ودار نجم الدين أخى مردكين، ودار بازياد، ودار علم الدين قيصر الموصلى، والخانقاة التى فيها زين الدين الصوفى، وكنيسة اليهود، وكذلك أصحاب دور كانت فرمانات بأيديهم، قيل: إنه سلم بهذه الأماكن ما يزيد على [425] خمسين ألف نفس، ونازل التتار القلعة وحاصروها، وبها الملك المعظم توران شاه نائب الغيبة ومن التجأ إليها من العسكر، واستمر الحصار

(2)

.

وقال بيبرس فى تاريخه: قتل من حلب خلق كثير لا يكاد يحصون

(3)

، وسبى من النساء والذرارى زهاء مائة ألف نفس من الأشراف والأعيان، وبيعوا فى الجزائر الفرنجية والبلاد الأرمنية، وبقى السيف مبذولا، ودم الإسلام ممطولا، سبعة أيام وسبع ليال، ثم نودى برفع القتل والقتال

(4)

.

‌ذكر مجئ أعيان أهل حماة إلى هلاون وهو على حلب:

وكان صاحب حماة قد توجه إلى دمشق، وتأخر بحماة الطواشى مرشد، ولما بلغ أهل حماة فتح حلب توجه الطواشى مرشد من حماة إلى الملك المنصور صاحب حماة بدمشق، وجاء كبراء حماة إلى حلب ومعهم مفاتيح حماة، وحملوها

(1)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 201.

(2)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 386 - 388، وانظر أيضا المختصر ج 3 ص 200 - 201.

(3)

«فقتل فيها خلق لا يكادون يحصون» فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 37 أ.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 37 أ.

ص: 231

لهلاون وطلبوا منه الأمان لأهل حماة وشحنة تكون عندهم، فآمنهم هلاون وأرسل إلى حماة شحنة رجلا أعجميا كان يدعى أنه من ذرية خالد بن الوليد رضى الله عنه، يقال له خسرو شاه، فقدم إلى حماة وتولاها وأمن الرعية، وكان بقلعة حماة مجاهد الدين قايماز أمير جاندار، فسلم القلعة إليه، ودخل فى طاعة التتار

(1)

.

‌ذكر ما جرى للناصر صاحب حلب ودمشق:

ولما بلغ الناصر فتح حلب، رحل بمن معه من العساكر إلى جهة الديار المصرية، وفى صحبته الملك المنصور صاحب حماة، فأقام بنابلس أياما، ورحل عنها، وترك فيها الأمير مجير الدين بن أبى زكرى، والأمير على بن شجاع وجماعة من العسكر، ثم رحل الملك الناصر إلى غزة، وانضم إليه مماليكه الذين كانوا قد أرادوا قتله، وكان قد اصطلح معه أخوه الظاهر غازى وانضم إليه.

وبعد مسير الناصر عن نابلس، وصل التتار إليها، وكبسوا العسكر الذى بها، وقتلوا مجير الدين والأمير على بن شجاع، ومعهما جماعة من العسكر.

وكانا أميرين جليلين فاضلين، وكانت البحرية قد قبضوا عليهما واعتقلوهما بالكرك، فأفرج المغيث عنهما لما وقع الصلح بينه وبين الناصر.

ولما بلغ الناصر وهو بغزة ما جرى من كبسة التتار لنابلس رحل من غزة إلى العريش، وسير القاضى برهان الدين بن [426] الخضر رسولا إلى الملك المظفر صاحب مصر يطلب منه المعاضدة، ثم سار الملك الناصر والمنصور صاحب

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 201، نهاية الأرب ج 27 ص 388 - 389.

ص: 232

حماة والعسكر، ووصلوا إلى قطية، فجرى بها فتنة بين التركمان والأكراد الشهرزورية

(1)

، ووقع نهب فى الحال، وخاف الملك الناصر أن يدخل مصر فيقبض عليه، فتأخر فى قطية، ورحلت العساكر والملك المنصور صاحب حماة إلى مصر، وتأخر مع الملك الناصر جماعة منهم [أخوه

(2)

] الملك الظاهر [غازى

(3)

] الملك الصالح بن شيركوه صاحب حمص، وشهاب الدين القيمرى، ثم سار الملك الناصر من قطية بمن تأخر معه إلى جهة تيه بنى إسرائيل.

فلما وصلت العساكر إلى مصر إلتقاهم الملك المظفر قطز بالصالحية وطيب قلوبهم، وأرسل إلى الملك المنصور صاحب حماة سنجقا، والتقاه ملتقى حسنا، وطيب قلبه، ودخل القاهرة

(4)

.

وفى تاريخ النويرى: ولما كان الناصر بدمشق وبلغ إليه قصد التتار حلب برز من دمشق إلى برزة فى أواخر السنة الحالية، وجفل الناس بين يدى التتار، وسار الملك المنصور صاحب حماة إلى دمشق، ونزل مع الناصر ببرزة، وكان هناك مع الملك الناصر بيبرس البندقدارى من حين هرب من الكرك، وإلتجأ إلى الناصر يوسف، واجتمع مع الملك الناصر على برزة أمم عظيمة من العساكر، ولما دخلت هذه السنة والملك الناصر ببرزة بلغه أن جماعة من مماليكه قد عزموا على اغتياله والفتك به، فهرب من الدهليز إلى القلعة - يعنى قلعة دمشق -

(1)

«الشهروزية» فى الأصل، انظر ما سبق.

(2)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 202.

(3)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 202.

(4)

انظر المختصر ج 3 ص 201 - 202.

ص: 233

وبلغ مماليكه الذين قصدوا ذلك علمه بهم هربوا على حمية إلى جهة، وكذلك سار بيبرس البندقدارى وجماعته إلى غزة، وأشاع المماليك الناصرية أنهم لم يقصدوا قتل الملك الناصر، وإنما كان قصدهم أن يقبضوا عليه ويسلطنوا أخاه الملك الظاهر غازى بن الملك العزيز بن الملك الظاهر غازى بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب لشهامته، ولما جرى ذلك هرب الملك الظاهر المذكور خوفا من أخيه الناصر يوسف، وكان الظاهر المذكور شقيق الناصر، أمهما [427] أم ولد تركية، ووصل الملك الظاهر إلى غزة، واجتمع عليه من بها من العساكر وأقاموه سلطانا.

ولما جرى ذلك كاتب الملك المظفر قطز صاحب مصر بيبرس البندقدارى، وبذل له الأمان، ووعده الوعود الجميلة، ففارق بيبرس البندقدارى الشاميين، وسار إلى مصر فى جماعة من أصحابه، فأقبل عليه الملك المظفر قطز وأنزله فى دار الوزارة، وأقطعه قليوب وأعمالها.

وأما الملك الناصر يوسف فإنه لما انفرد عن العسكر من قطية كما ذكرنا سار إلى تيه بنى اسرائيل، وبقى متحيرا إلى أين يتوجه، وعزم على التوجّه إلى الحجاز، وكان له طبردار كردى اسمه حسين، فحسّن له المضى إلى التتار، وقصد هلاون، فاغتر بقوله، ونزل بركة زيزا، وسار حسين الكردى إلى كتبغا نوين نائب هلاون، وهو نازل على المرج، وعرفه بموضع الملك الناصر، فأرسل كتبغا نوين إليه وقبض عليه وأحضره إلى مدينة عجلون، وكانت بعد عاصية، فأمر الملك الناصر بتسليمها، فسلمت إليهم فهدموها وخربوا قلعتها أيضا.

ص: 234

وكان بالصبيبة الملك السعيد بن الملك العزيز بن الملك العادل، سلّم الصبيبة إليهم وسار معهم وأعلن بالفسق والفجور وسفك الدماء.

وأما الملك الناصر يوسف فإنه لما اجتمع بكتبغا نوين، بعث به كتبغا إلى هلاون، وهو على حلب بعد، فلما عاين الناصر حلب وما حل بها وبأهلها بكى وأنشد:

سقى حلب الشهباء فى كل بقعة

سحائب غيث نوؤها مثل أدمعى

فتلك مرامى لا العقيق ولا اللوى

وتلك ربوعى لا زرود وأملع

ولما بعد عنها قليلا أنشد:

ناشدتك الله يا هطالة السحب

إلا حملت تحيّاتى إلى حلب

لا عذر للشوق أن يمشى على قدر

ماذا عسى يبلغ المشتاق فى الكتب

أحبابنا لو درى قلبى بأنكم

تدرون ما أنا فيه لذ لى تعبى

[428]

ثم بكى بكاء طويلا وأنشد:

يعز علينا أن نرى ربعكم يبلى

وكانت به آيات حسنكم تتلى

لقد مرّ لى فيها أفانين لذّة

فما كان أهنى العيش فيها وما أحلى

أأحبابنا والله ما قلت بعدكم

لحادثة الأيام وقفا

(1)

ولا مهلا

عبرت على الشّهباء وفى القلب حسرة

ومن حولها ترك يتابعهم مغلا

ولقد حكموا فى مهجتى حكم ظالم

ولا ظالم إلا سيبلى كما أبلى

(1)

«رفقا» فى زبدة الفكرة - انظر ما يلى. ووردت «رفقا ولا سهلا» فى كنز الدرر ج 8 ص 59.

ص: 235

ثم سار إلى الأردو، فأقبل عليه هلاون ووعده بردّه إلى مملكته

(1)

.

وفى تاريخ بيبرس: بقى الملك الناصر عند هلاون

(2)

هو وولده العزيز، وعزم هلاون على العود من حلب إلى العراق، فسأل الملك الناصر وقال له: من بقى فى ديار مصر من العسكر؟ فقال له: لم يبق بها إلا نفر قليل من العسكر وأقوام من مماليك بيتنا لا يبالى بهم

(3)

. قال: فكم يكفى التجريد لقتالهم

(4)

؟ قال: يكفى القليل من الجيش، وحقّر

(5)

عنده أمرهم وهونه، فجرد هلاون كتبغا نوين ومعه اثنى عشر ألف فارس وأمره أن يقيم بالشام، وحفزه العود لما اتصل به من اختلاف حصل بين إخوته، فعاد وأصحب

(6)

معه الملك الناصر وولده العزيز

(7)

.

ووصل كتبغا نوين إلى دمشق [وكانت قلعتها بعد ممتنعة، وبها وال إسمه بدر الدين بن قزل فعصى، وأبى أن يسلمها إلى نواب التتار، فحاصره كتبغا

(1)

لم يرد هذا النص فى مخطوط النويرى الذى بين أيدينا.

(2)

«فبقى عنده» فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 37 ف.

(3)

«لا يباه بهم» فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 37 ب.

(4)

«للتجريد قبالتهم» فى زبدة الفكرة.

(5)

«وصغر» فى زبدة الفكرة.

(6)

«واستصحب» فى زبدة الفكرة.

(7)

«والعزيز ولده.

لقد مر لى فيها أفانين لذة

فما كان أهنى العيش فيها وما أحلى

عبرت على الشهباء وفى القلب حسرة

ومن حولها ترك يتابعهم مغلا

أأحبابنا والله ما فلت بعدكم

لحادثة الأيام رفقا ولا مهلا

وقد حكموا فى مهجتى حكم ظالم

ولا ظالم إلا سيبلى كما أبلى»

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 38 أ، وانظر ما سبق بالمتن ص 235.

ص: 236

أياما ففتحها عنوة، وأمر بقتل متوليها، فأخرج إلى مرج برغوث وقتل، وقتل معه نقيب القلعة وهو جمال الدين بن الصيرفى

(1)

]، ونزل [كتبغا

(2)

] على المرج، فحضر إليه رسل الفرنج الذين بالساحل بالهدايا والتقادم، لأنهم خافوا على بلادهم من تطرق التتار إليها وغارتهم عليها، وشرعوا فى تحصين مدائنهم وحصونهم، وحضر إليه الملك الظاهر أخو الملك الناصر، وكان مقيما بصرخد، فأحسن إليه وأقره على حاله، وأعاده إلى مكانه، وأرسل رسلا

(3)

إلى السلطان

(4)

الملك المظفر قطز

(5)

[يطالبه ببذل الطاعة أو تعبئة الضيافة، فلما وصلت رسله بهذه الرسالة أمر الملك المظفر

(6)

] بقتلهم، فقتلوا وطيف برءوسهم

(7)

الأسواق إلا صبيا واحدا كان معهم استبقاه

(8)

المظفر وأضافه إلى مماليكه، وتجهز للمسير إلى الشام، وجرد العزم والإهتمام، [وأعد للقاء العدو الجيش الهمام

(9)

].

وسنذكر بقية ما جرى على الملك الناصر يوسف فى موضعه إن شاء الله تعالى.

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 38 أ.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«رسولا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

«السلطان» ساقط من زبدة الفكرة.

(5)

«قطز» ساقط من زبدة الفكرة.

(6)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 38 أ.

(7)

«وطوفت رؤوسهم» فى زبدة الفكرة.

(8)

«فاستبقاه» فى زبدة الفكرة.

(9)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 237

‌ذكر حال قلعة حلب:

قال النويرى فى تاريخه: وثب جماعة من أهل قلعة حلب فى مدة الحصار على صفى الدين طرزه رئيس حلب، وعلى نجم الدين أحمد بن عبد العزيز [429] ابن القاضى نجم الدين بن أبى عصرون فقتلوهما، لأنهم اتهموهما بمواطأة التتار، واستمر الحصار على القلعة، واشتدت مضايقة التتار لها نحو شهرين، ثم سلمت

(1)

بالأمان يوم الاثنين الحادى عشر من ربيع الأول.

ولما نزل أهلها بالأمان، كان فيها جماعة من البحرية الذين حبسهم الملك الناصر يوسف، منهم: سكز وسنقر الأشقر وبرامق وغيرهم، فسلمهم هلاون هم وباقى الترك إلى رجل من التتار يقال له سلطان جق، وهو رجل من أكابر القفجاق هرب من التتار لما غلبت على القفجاق، وقدم إلى حلب، فأحسن إليه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد، فعاد إلى التتار، وأما العوام والغرباء فنزلوا إلى أماكن الحمى التى قدمنا ذكرها، وأمر هلاون أن يمضى كل مسلم إلى داره وملكه وأن لا يعارض، وجعل النيابة فى حلب لعماد الدين القزوينى

(2)

، وخربت أسوار البلد وأسوار القلعة، وبقيت كأنها حمار أجوف.

وانقضت المملكة الناصرية، وبانقضائه انقضت الدولة الأيوبية من البلاد الشامية كما زالت من الديار المصرية.

ووصل إلى هلاون بحلب الملك الأشرف صاحب حمص [موسى بن إبراهيم ابن شيركوه

(3)

]، فأكرمه هلاون، وأعاد عليه حمص، وكان قد أخذها منه الملك

(1)

«تسلموا» فى الأصل، والتصحيح من المختصر ج 3 ص 202.

(2)

انظر المختصر ج 3 ص 202.

(3)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 202 للتوضيح.

ص: 238

الناصر صاحب حلب

(1)

فى سنة ست وأربعين وستمائة وعوضه عنها تل باشر كما ذكرنا، فعادت إليه فى هذه السنة، واستقر ملكه بها

(2)

، ولما حضر الأشرف بين يديه قال: تمنّ، فقبل الأرض وقال: البرج الذى فيه حريمنا وحريم الملوك، فغضب هلاون، فقالت له خاتون: ملك من الملوك يتمنى عليك شيئا يسيرا، وأنت أذنت له فى ذلك وتمنعه، فقال هلاون: إنما منعته لأجلك حتى أجعل بنات الملوك خدمك. فقالت: هم خدمى وقد وهبتهم له، فرسم له بالبرج، فقبل الأرض، وأراد النهوض فلم يقدر حتى أقاموه بإبطيه، ولم تزل به الخاتون حتى أعاد عليه مملكة حمص وأضاف إليه غيرها

(3)

.

قال بيبرس فى تاريخه: وكتب له منشورا بنيابة دمشق وبلاد الشام، وعاد من عنده، وأقام بدمشق

(4)

.

وقدم إلى هلاون وهو على حلب الشيخ محيى الدين [430] بن الزكى من دمشق، فأقبل عليه ولبس خلعة هلاون، وكانت مذهبة، وولاه قضاء الشام، وعاد بن الزكى إلى دمشق ودخلها وعليه الخلعة، وجمع الفقهاء وغيرها من أكابر دمشق، وقرأ عليهم تقليد هلاون، واستمر فى القضاء

(5)

.

(1)

«حمص» فى الأصل، والتصحيح يتفق والسياق.

(2)

انظر المختصر ج 3 ص 202.

(3)

انظر ما ورد فى نهاية الأرب ج 27 ص 388 - 389.

(4)

«أقام بمدينة دمشق» فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 37 ب.

(5)

انظر المختصر ج 3 ص 202 - 302.

ص: 239

‌ذكر رحيل هلاون من حلب وإرساله جيشا إلى اخذ دمشق:

ثم رحل هلاون إلى حارم وطلب تسليمها، فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين والى قلعة حلب، فأحضره هلاون وسلموها إليه، فغضب هلاون من ذلك وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم وسبى النساء.

ثم رحل هلاون بعد ذلك وعاد إلى الشرق، وأمر عماد الدين القزوينى بالرحيل إلى بغداد، فسار إليها، وجعل بحلب مكانه رجلا أعجميا، وأمر هلاون بخراب أسوار حلب، فأخرجت كما ذكرنا، وكذلك أمر بخراب أسوار حماة، فأخربت وأحرقت زرد خاناتها، وبيعت الكتب التى بدار السلطنة بقلعة حماة بأنجس الأثمان

(1)

.

وقال النويرى: لم تخرب سور حماة لأنه كان بها رجل يقال له إبراهيم بن الإفرنجية ضامن الجهة المفردة، فبذل لخسرو شاه جملة كثيرة من المال، وقال:

الفرنج منا قريب بحصن الأكراد، ومتى خربت سور المدينة لا يقدر أهلها على المقام بها، فأخذ منه المال ولم يتعرض لخراب سور المدينة

(2)

.

وكان هلاون قد أمر الملك الأشرف صاحب حمص بخراب قلعة حمص أيضا فلم يخرب منها إلا شيئا قليلا لأنها مدينته.

وأما دمشق فإنهم لما ملكوا المدينة بالأمان لم يتعرضوا إلى قتل ونهب، وعصت عليهم قلعة دمشق، فحاصرها التتار، وجرى على أهل دمشق بسبب عصيان القلعة شدة عظيمة، وضايقوا القلعة، وأقاموا عليها المجانيق، ثم تسلموها

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 203.

(2)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 389.

ص: 240

بالأمان فى منتصف جمادى الأولى من هذه السنة، ونهبوا جميع ما فيها، وجدوا فى خراب أسوار القلعة وإعدام ما فيها من الزردخانات والآلات، ثم توجهوا إلى بعلبك ونازلوا قلعتها

(1)

.

وقال ابن كثير: أرسل هلاون قبل أن يرحل من حلب جيشا مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغا نوين، فوردوا دمشق فى أواخر صفر، فأخذوها سريعا من غير ممانعة [431]، وتلقاهم أكابرها بالرحب والسعة، وقد كتب هلاون معهم فرمان أمان لأهل البلد، فقرئ بالميدان الأخضر، ونودى فى البلد بالأمان، فأمن الناس والقلعة ممتنعة، وفى أعاليها المجانيق منصوبة، والحال شديدة، فأحضرت التتار المجانيق على عجل، والخيول تجرها، وهم راكبون على الخيل، وأسلحتهم على الأبقار الكثيرة، فنصبوا المجانيق على القلعة من غربيها وهدموا غيطانا كثيرة وأخذوا أشجارها

(2)

، وشرفاتها ورموا بها القلعة رميا متواليا كالمطر المتدارك، فهدموا كثيرا من أعاليها وشرفاتها وتداعت للسقوط، فأجابهم متوليها فى آخر ذلك النهار إلى المصالحة، ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها وأعالى بروجها، وذلك فى المنتصف من جمادى الأولى من هذه السنة، وقتلوا المتولى بها بدر الدين بن قزل

(3)

، ونقيبها كمال الدين

(4)

بن الصيرفى الحلبى.

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 203.

(2)

«وخربوا حيطانا كثيرة، وأخذوا حجارتها» فى البداية والنهاية ج 12 ص 219.

(3)

«بدر الدين بن قراجا» فى البداية والنهاية ج 13 ص 219، و «بدر الدين محمد بن قريجار» - فى ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 354.

(4)

«جمال الدين» فى البداية والنهاية، وذيل مرآة الزمان.

ص: 241

وسلموها إلى أمير منهم يقال له: إيل سنان، وكان معظما لدين النصارى، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم، فعظمهم جدا، وزار كنائسهم، فصارت لهم دولة وصولة بسببه، لعنهم الله، وذهبت منهم طائفة إلى هلاون بهدايا وتحف، وقدموا منه ومعهم فرمان أمان من جهته، ودخلوا البلد من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس، وهم ينادون بشعارهم ويقولون:

ظهر الدين الصحيح دين المسيح، ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أوانى فيها خمر لا يمرون مسجدا إلا رشّوا عنده خمرا، وقماقمم فيها خمرا يرشون منها على وجوه الناس، ويأمرون كل من يجتازون به فى الأسواق والطرقات أن يقوم لصليبهم، ودخلوا من درب الحجر، فوقفوا عند رباط الشيخ أبى البيان

(1)

ورشوا هنالك خمرا، وكذلك على باب مسجد فى الحجر الصغير والكبير، واجتازوا فى السوق حتى وصلوا إلى درب الريحان أو قريب منه، فتكاثر عليهم المسلمون، فردوهم وعادوا إلى سوق كنيسة مريم، ثم توقف خطيبهم إلى دكته وكان فى عطفة السوق هنالك، فذكر فى خطبته مدح دين النصارى وذم دين الإسلام وأهله، ثم ولجوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم، وكانت بعد عامرة، ولكن كان هذا سبب [432] خرابها

(2)

.

وحكى الشيخ قطب الدين فى الذيل: أنهم ضربوا بالناقوس بكنيسة مريم، والله أعلم.

(1)

الرباط البيانى: داخل باب شرقى دمشق، وينسب إلى أبو البيان بنا بن محمد بن محفوظ القرشى الشافعى الدمشقى، الزاهد، ويعرف بابن الحورانى، والمتوفى سنة 551 هـ/ 1156 م - الدارس ج 2 ص 192.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 219.

ص: 242

قال: وذكروا أنهم دخلوا الجامع بخمر، وكانت من نيتهم الفاسدة إن طالت التتار أن يخربوا كثيرا من المساجد وغيرها، فكفى الله شرهم.

ولما وقع هذا فى البلد، اجتمع قضاة المسلمين والفقهاء، فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها إيل سنان، فأهينوا وطردوا، وقدم كلام رؤوس النصارى عليهم، ف «إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ»

(1)

.

‌ذكر وقعة عين جالوت وكسرة التتار عليها يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من هذه السنة:

ولما استولت التتار على البلاد الشامية وضايقوا الممالك الإسلامية، ولم يبق من يدفعهم عن العباد والبلاد إلا عسكر الديار المصرية، اتفق السلطان الملك المظفر قطز مع الأمراء والأكابر على تجهيز العساكر، وصمموا على لقاء العدو المخذول، وجمعوا الفرسان والرجالة من العربان وغيرهم، وخرجوا من القاهرة بأعظم أبّهة.

وكانت التتار فى أرض البقاع، فساروا صحبة مقدّمهم كتبغا نوين، فكان الملتقى بمنزلة عين جالوت فى مرج بنى عامر، فلما إلتقى الجمعان حمل السلطان الملك المظفر بنفسه، وألقى خوذته عن رأسه، وحملت الأمراء البحرية والعساكر المصرية حملة صادقة، فكسروهم أشد كسرة، وقتل كتبغا نوين فى المعركة.

(1)

سورة البقرة رقم 2 جزء من الآية رقم 156.

وانظر البداية والنهاية ج 13 ص 219 - 220، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 362 - 363.

ص: 243

وقتل بعده السعيد بن الملك العزيز لأنه وافقه فى هذه الحركة، وكان قد أخذ من هلاون فرمانا بإستمراره على ما بيده من البلاد وهى الصببية وأعمالها وزيادة عليها، وحضر مع كتبغا نوين الوقعة، فلما انكسر وأحضر إلى المظفر مستأمنا فقال له: كان هذا يكون لو حضرت قبل الوقعة، وأما الآن فلا، وأمر به فقتل صبرا.

وقتل أكثر التتار، وجهزت خيل الطلب وراء من هم بالفرار، وكان المقدم عليها الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، فتبع المنهزمين وأتى عليهم قتلا وأسرا حتى استاصل شأفتهم، فلم يفلت أحد منهم، وصادفت طائفة من التتار جاءت من عند هلاون مددا لكتبغا، فلما وصلت هذه النجدة إلى بلد [433] حمص صادفت التتار منهزمين على أسوأ الأحوال، والخيول تجول فى طلبهم كل مجال، فلم تمكنهم الهزيمة

(1)

، فكانوا للسيوف غنيمة، وكانت عدتهم ألفين، فلم يبق لهم أثر ولا عين.

وكان أيضا فى صحبة التتار الملك الأشرف موسى صاحب حمص، ففارقهم وطلب الأمان من السلطان الملك المظفر، فآمنه ووصل إليه فأكرمه وأقره على ما بيده وهى حمص ومضافاتها.

ومما اتفق فى هذه الوقعة أن الصبى الذى استبقاه السلطان الملك المظفر من التتار المرسلين إليه من عند كتبغا، وأضافه إلى المماليك السلطانية، كما ذكرناه، كان راكبا وراءه حال اللقاء، فلما إلتحم القتال كيز سهما وفوقه نحو المظفر، فبصر به بعض من كان حوله، فأمسك وقتل مكانه، فكان كما قيل:

(1)

المقصود أنه لم يمكنهم الهرب والفرار.

ص: 244

واحذر شرارة من أطفات جمرته

فالثأر غض ولو بقّى إلى حين

وفى تاريخ النويرى: ضرب ذلك الشاب السلطان بسهم فلم يخطئ

(1)

فرسه فوقعت، وبقى السلطان على الأرض، فنزل فخر الدين ما ماى

(2)

عن فرسه وقدمه إلى السلطان فركب، ثم حضرت الجنائب

(3)

السلطانية فركب فخر الدين منها.

ثم لما فرغ السلطان من كسر التتار، وانقضى أمر المصاف، أحسن إلى الملك المنصور صاحب حماة، وأقره على حماة وبارين وأعاد عليه المعرة، وكانت فى أيدى الحلبيين من سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأخذ السلمية منه وأعطاها للأمير شرف الدين عيسى

(4)

بن مهنى بن مانع أمير العرب.

‌ذكر دخول السلطان الملك المظفر دمشق:

ثم لما جرى ما ذكرنا أتم السير السلطان الملك المظفر بالعساكر، وصحبته الملك المنصور صاحب حماة حتى دخل دمشق، وتضاعف شكر المسلمين لله تعالى على هذا النصر، فإن القلوب كانت قد يئست من النصر على التتار لاستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه، ولا عسكرا إلا هزموه، وفى يوم دخوله دمشق أمر بشنق جماعة من المنتسبين إلى التتار

(1)

«يخط» فى الأصل.

(2)

«فخر الدين ماما» فى السلوك ج 1 ص 431.

(3)

الجنائب: جمع جنب: وهى الخيول التى كانت تسير وراء السلطان فى الحروب لاحتمال الحاجة إليها - محيط المحيط.

(4)

توفى سنة 683 هـ/ 1284 م - المنهل الصافى.

ص: 245

فشنقوا، وكان فى جملتهم حسين الكردى طبردار

(1)

الملك الناصر يوسف وهو [434] الذى أوقع الملك الناصر فى أيدى التتار.

وفى هذه النصرة، وقدوم الملك المظفر قطز إلى الشام يقول بعض الشعراء:

هلك الكفر فى الشام جميعا

واستجد الإسلام بعد دحوضه

بالملك المظفر البطل

(2)

الأر

وع سيف الإسلام عند نهوضه

ملك جاءنا بعزم وحزم

فاعتززنا بسمره وببيضه

أوجب الله شكر ذاك علينا

دائما مثل واجبات فروضه

(3)

وقال جمال الدين بن مصعب:

إن يوم الحمراء يوم عجيب

فيه ولى جيش الطغاة البغاة

دار كاس المنون لما مزجنا

عين جالوت بالدما للسقاة

يا لها جمعة غدا الكفر فيها

مسجدا للسيوف لا للصلاة

وقال شهاب الدين أبو شامة:

غلب التتار على البلاد فجاءهم

من مصر تركى يجود بنفسه

بالشام بددهم وفرق شملهم

(4)

ولكل شئ آفة من جنسه

(1)

الطبردار «هو الذى يحمل طبر السلطان، أى فأسه، عند ركوبه فى المواكب، صبح الأعشى ج 5 ص 458.

(2)

«بالملك المظفر الملك» - ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 367.

(3)

وانظر المختصر ج 3 ص 205 - 206، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 367 - 368.

(4)

«بالشام أهلكهم وبدد شملهم» -، الذيل على الروضتين ص 208، وفيما يلى ص 249.

ص: 246

ثم أعطى الملك المظفر قطز دستورا للملك المنصور صاحب حماة، فقدم الملك المنصور وأخوه الملك الأفضل ووصلا إلى حماة، ولما استقر الملك المنصور بحماة قبض على جماعة كانوا مع التتار فاعتقلهم.

وهنأ

(1)

الشيخ شرف الدين شيخ الشيوخ الملك المنصور بهذا النصر العظيم وبعود المعرة بقصيدة منها قوله:

رعت العدى فضمنت تل عروشها

ولقيتها فأخذت تل جيوشها

نازلت أملاك التتار فأنزلت

عن فحلها قسرا وعن اكديشها

فغدا لسيفك فى رقاب كماتها

حصد المناجل فى يبيس حشيشها

فقت الملوك ببذل ما تحويه إذ

ختمت خزائنها على منقوشها

ومنها:

وطويت عن مصر فسيح مراحل

ما بين بركتها وبين عريشها

حتى حفظت على العباد بلادها

من رومها الأقصى إلى أحبوشها

فرشت حماة لوطئ نعلك خدّها

فوطيت عين الشمس من مفروشها

[435]

وضربت سكتها التى أخلصتها

عما يشوب النقد من مغشوشها

وكذا المعرة إذ ملكت قيادها

دهشت سرورا سار فى مدهوشها

لا زلت تنعش بالنوال فقيرها

وتنال أقصى الأجر من منعوشها

طربت برجعتها إليك كأنما

سكرت بخمرة جاشها أو جيشها

(2)

(1)

«وهنى» فى الأصل.

(2)

وانظر المختصر ج 3 ص 205 - 206.

ص: 247

‌ذكر أحكام الملك المظفر فى دمشق:

ولما استقر ركابه الشريف فى دمشق، جهّز عسكرا إلى حلب لحفظها، ورتب علاء الدين بن صاحب الموصل

(1)

نائب السلطنة بحلب، ورتّب بدمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبى الصالحى نائبا، وأمر لنجم الدين أبى الهيجاء بن خشتر بن الكردى أن يقيم بدمشق مع النائب، وأقر الملك المنصور ناصر الدين محمد صاحب حماة بها على حاله، كما ذكرنا، وحضر إليه الملك الأشرف صاحب حمص، فأقبل عليه وأقره بما بيده ولم يؤاخذه، ورتب شمس الدين أقوش، البرلى العزيزى أميرا بالسواحل [وغزة

(2)

]، ورتب معه جماعة من العزيزية، وكان شمس الدين أقوش المذكور من مماليك العزيز محمد صاحب حلب، وكان مع الملك الناصر، ولما هرب الناصر من قطيه، على ما ذكرنا، سار شمس الدين أقوش المذكور مع العساكر إلى مصر، فأحسن إليه الملك المظفر وولاّه الآن السواحل وغزة.

وقال ابن كثير: كان علم الدين سنجر

(3)

الحلبى المذكور أتابكا لعلى بن المعز أيبك، وابن صاحب الموصل هو الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وكان قد وصل إلى الملك الناصر يوسف صاحب الشام، ودخل مع العسكر إلى مصر، وصار مع المظفر قطز، ففوض إليه نيابة السلطنة بحلب،

(1)

«وبعث السلطان أيضا بالملك المظفر علاء الدين على بن بدر الدين لؤلؤ صاحب سنجار إلى حلب نائبا بها» - السلوك ج 1 ص 433.

(2)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 206، تتفق مع ما ذكره المؤلف فيما يلى.

(3)

توفى سنة 692 هـ/ 1293 م - المنهل الصافى، وانظر البداية والنهاية ج 13 ص 334.

ص: 248

وكان سببه أن أخاه الملك [الصالح إسماعيل

(1)

] بن لؤلؤ كان تولى الموصل بعد أبيه، فولاه حلب ليكاتبه أخوه بأخبار التتار، ولما استقر فى نيابة حلب سار سيرة ردية، وكان دأبه التحيل على أخذ مال الرعية.

ونظر المظفر فى أحوال البلاد، وحسم مواد الفساد، وجدد الإقطاعات بمناشيره.

‌ذكر ما فعل أهل دمشق عند ورود البشارة بكسر التتار [436] على عين جالوت على يد السلطان الملك المظفر رحمه الله:

قال أبو شامة: جاءنا كتاب قطز من طبرية بتاريخ الأحد السابع والعشرين من رمضان من هذه السنة، وهو أول كتاب ورد منه إلى أهل دمشق يخبرهم بهذه الكسرة الميمونة وبوصوله إليهم بعدها.

قال: ومن العجائب أن التتار كسروا وهلكوا بأبناء جنسهم من الترك، وقلت فى ذلك:

غلب التتار على البلاد فجاءهم

من مصر تركى يجود بنفسه

بالشام أهلكهم وبدد شملهم

(2)

ولكل شئ آفة من جنسه

قال: وقد كانت النصارى بدمشق قد شمخوا بسبب دولة التتار، وتردد إيل سنان وغيره من كبارهم إلى كنائسهم، وذهب بعضهم إلى هلاون، وجاء من

(1)

[] موضع بياض فى الأصل، والإضافة مما يلى من حوادث سنة 659 هـ.

وانظر ترجمة إسماعيل بن لؤلؤ الذى توفى سنة 660 هـ/ 1261 م فى المنهل الصافى.

(2)

«بالشام بددهم وفرق شملهم» - انظر ما سبق ص 246.

ص: 249

عنده بفرمان لهم اعتنى بهم، وبوصية فى حقهم، ودخلوا به البلد من باب توما وصلبانهم مرتفعة، وهم ينادون حولها بارتفاع دينهم واتضاع دين الإسلام، فركب المسلمون من ذلك هم عظيم، فلما هرب التتار من دمشق ليلة الأحد السابع والعشرين من رمضان أصبح الناس إلى دور النصارى ينهبونها ويخربون ما استطاعوا منها، وأخربوا كنيسة اليعاقبة، وكنيسة مريم حتى بقيت كوما والحيطان حولها تعمل النار فى أخشابها، وقتل منهم جماعة واختفى الباقون، وجرى عليهم أمر عظيم اشتفى به بعض الاشتفاء صدور المسلمين، ثم هموا بنهب اليهود، فنهب قليل منهم، ثم كفوا عنهم لأنهم لم يصدر عنهم ما صدر من النصارى

(1)

.

وقال ابن كثير: وقتلت العامة وسط الجامع شيخا رافضيا، كان مصانعا للتتار على أموال الناس، يقال له: الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجى، كان خبيث الطوية [مشرقيا

(2)

] ممالئا لهم على أموال المسلمين، وقتلوا جماعة مثله من المنافقين الممالئين على المسلمين

(3)

.

وكان هلاون أرسل تقليدا بولاية القضاء بجميع مدائن الشام والموصل وماردين وميافارقين والأكراد وغير ذلك للقاضى كمال الدين عمر بن

(4)

بندار التفليسى، وقد كان نائب الحكم بدمشق [437] عن القاضى صدر الدين أحمد بن يحيى بن

(1)

الذيل على الروضتين ص 208.

(2)

[] إضافة من البداية والنهاية ج 13 ص 221.

(3)

البداية والنهاية ج 13 ص 221.

(4)

توفى سنة 672 هـ/ 1273 م - المنهل الصافى.

ص: 250

ابن هبة الله بن سنى الدولة من مدة خمس عشرة سنة، ووصل التقليد فى السادس والعشرين من ربيع الأول، وحين وصل قرئ بالميدان الأخضر

(1)

، فاستقل بالحكم من دمشق وكان من الفضلاء، فسار القاضيان المعزولان صدر الدين بن سنى الدولة ومحيى الدين بن الزكى إلى خدمة هلاون، إلى البلاد الحلبية، فخدع ابن الزكى لابن سنى الدولة وبذل أموالا كثيرة، وتولى القضاء بدمشق، ورجعا، فمات ابن سنى الدولة ببعلبك، وقدم ابن الزكى على القضاء ومعه تقليد به وخلعة بذهب، فلبسها وجلس فى خدمة إيل سنان تحت قبة النسر، وهو النائب الكبير، وبينهما الخاتون زوجة إيل سنان حاسرة عن وجهها، وقرئ التقليد هناك، وحين ذكر اسم هلاون اللعين نثر الذهب والفضة من فوق رؤوس الناس

(2)

.

وذكر أبو شامة: أنه استحوذ على مدارس كثيرة فى مدته هذه القصيرة، فإنه عزل قبل رأس الحول، فأخذ العذراويّة والسلطانية والفلكية والركنية والقمرية والكلاسة مع المدرستين اللتين كانتا بيده وهما التقوية والعزيزية، وأخذ لولده عيسى تدريس الأمينية ومشيخة الشيوخ، وانتزع من الشمس الكردى الصالحية وسلمها إلى العماد بن العزى، ونزع الشومانية من الفخر النقجوانى وسلمها إلى الكمال بن النجار، ونزع الربوة من الجمال محمد بن اليمنى وسلمها إلى الشهاب محمود بن شرف الدين محمد بن القاضى شرف الدين بن زين القضاة عبد الرحمن ابن سلطان وهو من بنى عمه.

(1)

«عند الباب الكبير» - فى البداية والنهاية ج 13 ص 221 - 222.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 221 - 222.

ص: 251

كل هذا مع ما عرف منه من التقصير فى حق الفقهاء فى المدرستين اللتين كانتا بيده من قديم الزمان وهما الحزيزية والتقوية، وعدم انصافه فيهما، [وولى ابنه عيسى مشيخة الشيوخ بخوانق الصوفية

(1)

] واستناب أخاه لأمه فى القضاء، ومعه من المدارس: الرواحية والشامية البرانية، مع أن شرط واقفها أن لا يجمع المدرس بينها وبين غيرها

(2)

.

وقال ابن كثير: ولما رجعت المملكة إلى المسلمين سعى القاضى محيى الدين وبذل أموالا جزيلة ليستمر فى القضاء والمدارس التى استولى عليها فى مدة هذه الشهور، فلم يستمر إلا قليلا حتى جاء تقليد القضاء لنجم الدين أبى بكر [438] ابن صدر الدين بن سنى الدولة، فقرئ يوم الجمعة بعد الصلاة الحادى والعشرين من ذى القعدة بالشباك الكمالى من مشهد عثمان بجامع دمشق

(3)

.

‌ذكر عود الملك المظفّر قطز إلى الديار المصرية ومقتله:

لما قرر السلطان الملك المظفر قطز أمور الشام على ما شرحناه سار من دمشق إلى جهة الديار المصرية، وفى نفوس البحرية منه ومن أستاذه قبله من قتلهما الفارس أقطاى واستبدادهما بالملك وإلجائهم إلى الهرب والهجاج والتنقل فى الفجاج إلى غير ذلك من أنواع الأهوان التى قاسوها، والمشقات التى لابسوها، وإنما

(1)

[] إضافة من الذيل على الروضتين ص 206.

(2)

الذيل على الروضتين ص 205 - 206، وانظر أيضا البداية والنهاية ج 13 ص 222.

(3)

البداية والنهاية ج 13 ص 222.

ص: 252

انحازوا إليه لما تعذّر عليهم المقام بالشام، وللتناصر على صيانة الإسلام، لا لأنهم أخلصوا له الولاء، أو رضوا له بالاستيلاء.

وقد ثبت المرعى على دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كماهيا

فاتفق الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، والأمير سيف الدين أنص الأصفهانى، والأمير سيف الدين [بلبان

(1)

] الرشيدى، والأمير بدر الدين بكتوت الجوكاندارى، والأمير سيف الدين بيدغان، ومن معهم على قتله، وجعلوا يترصدون له وقتا لإنتهاز فرصتهم، وإمضاء عزيمتهم، فلا يجدون سبيلا إلى ما همّوا بفعله، ولا تمكنّا من الوثوب به وقتله، إلى أن أفضى بهم السير إلى منزلة القصير بطرف الرمل، بينه وبين الصالحيّة مرحلة، وقد سبق الدهليز إلى الصالحيّة وقالوا: متى فاتنا من هذه المنزلة وصل إلى القلعة وأعجزنا مرامه ولم نأمن انتقامه، واتفق أنه انفرد عن المواكب لصيد الأرانب، ساق خلف أرنب عرض له، وهم يرمقونه، فلما رأوه قد بعد عن الأطلاب، قالوا: الآن ندرك الطلاب، وساقوا فى إثره ركضا، وجاءوا يتلو بعضهم فتقدّم إليه أنص الأصبهانى كأنه يشفع عنده فى إصلاح حال الركن بيبرس البندقدارى لأنه أقام فى الخدمة مدّة ولم يعين له عدّه، وخرج إلى الغزاة برمحه، وبذل فيها غاية نصحه، فأجابه المظفر إلى سؤاله ووعده بإصلاح حاله فأهوى إلى يده كأنه يقبلهما، فأمسكها أنص وضبطها، فأيقن المظفر أنه قد ختل وخدع وأن ذلك [439] الأمر قد أبرم ووضع، وأراد أن يجذب سيفه ليدفع عن نفسه، فعاجله البندقدارى بالسيف

(1)

[] إضافة للتوضيح - السلوك ج 1 ص 435.

ص: 253

وأخذته السيوف، فخر صريعا يمجّ دما ونجيعا، وذلك فى سابع عشر

(1)

ذى القعدة من هذه السنة

(2)

.

ويقال: لما أجاب لمظفر إلى كلام أنص أهوى لتقبيل يده، فقبض عليها، وحمل عليه بيبرس البندقدارى حينئذ، وضربه بالسيف، واجتمعوا عليه ورموه عن فرسه، ثم قتلوه بالنشاب فى التاريخ المذكور

(3)

.

‌ذكر ترجمة الملك المظفّر قطز:

‌والكلام فيه على أنواع

(4)

:

(1)

«وذلك يوم السبت خامس عشر ذى القعدة» - السلوك ج 1 ص 435، بينما يحدد العينى أن السبت سابع عشر ذى القعدة وذلك فى كلامه عن تولية بيبرس - أنظر ما يلى. بينما فى التوفيفات الإلهامية 15 ذو القعدة 658 هـ. هو يوم جمعة.

(2)

أورد المقريزى رواية أخرى فذكر: «فلما فرغ من صيده، وعاد يريد الدهليز السلطانى، وطلب منه الأمير بيبرس إمرأة من سبى التتر، فأنعم بها عليه، فأخذ بيبرس يد السلطان ليقبلها، وكانت إشارة بينه وبين الأمراء، فبدره الأمير بدر الدين بكتوت بالسيف، وضرب به عاتقه، واختطفه الأمير أنص وألقاه عن فرسه، ورماه الأمير بهادر المعزى بسهم أتى على روحه» - السلوك ج 1 ص 435.

(3)

ذكر ابن عبد الظاهر أن بيبرس هو الذى قتل قطز بمقوده، فقال:«وفعل السلطان الملك الظاهر ما فعله بنفسه وبلغ غرضه بمفرده، وذلك بين العساكر العظيمة والاحتراز الشديد، وما قدر أحد أن يتكلم، ولا جسر أن يمد يده إليه» الروض الزاهر ص 68.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 24، النجوم الزاهرة ج 7 ص 72 - 93، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 379 - 384، العبر ج 5 ص 247، شذرات الذهب ج 5 ص 293، السلوك ج 1 ص 417 - 435، البداية والنهاية ج 13 ص 225، الجوهر اليمين ص 264 - 270، كنز الدرر ج 8 ص 39 وما بعدها.

ص: 254

‌الأول فى اصله ومبدا امره ونسبه:

هو سيف الدين قطز بن عبد الله التركىّ، أخص مماليك الملك المعزّ أيبك التركمانى، أحد مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب.

وحكى بن أبى الفوارس

(1)

قال: كان هذا قطز مملوكا لابن العديم، أو قال لابن الزعيم، رجل من دمشق، فضربه يوما وشتمه، فبكى بكاء كثيرا وامتنع من الأكل فى ذلك اليوم. فقال له الفراش: هذا البكاء كله من ضربة أو ضربتين، فقال يا خارج: والله ما أبكى للضرب، ولكن للعنته أبى وجدّى وهما خير من أبيه وجدّه فقال له الفراش: ومن أبوك وجدّك، وما كانا إلا كافرين؟ فقال: لا والله، بل أنا مسلم ابن مسلم إلى عشر جدود وأنا محمود بن مودود بن أخت جلال الدين خوارزم شاه السلجوقى، ولا بد أن املك مصر وأكسر التتار

(2)

.

وحكى تاج الدين أحمد بن الأثير الحلبى قال: لما ملك الملك المظفر قطز قال لى حسام البركتخانى: والله لا يكسر التتار غيره، فقلت له: من أين لك هذا؟ فقال: إنى وإياه مملوكين صبّيين عند الهيجاوى، وكان على قطز قمل كثير، فكنت أسرح رأسه وآخذ له كل قملة بفلس أو بصفعة، فسرحت رأسه يوما وصفعته صفعا كثيرا، ثم تنهّدت فقال: ما بالك؟ فقلت: أتمنى على الله إمرة خمسين فارسا. فقال ورأسه فى حجرى: طيب قلبك، انا أعطيك إمرة

(1)

هو محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن عبد العزيز بن أبى الفوارس، العدل أمين الدين الجزرى - كنز الدرر ج 8 ص 39.

(2)

كنز الدرر ج 8 ص 39 - 40.

ص: 255

خمسين فارسا، فضحكت وصفعته صفعة قوية، وقلت له: من أين لك هذا؟ قال: رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال لى: أنت تملك مصر وتكسر التتار.

قال: فسكتّ، وكنت أعرف منه الصدق، وما أشك فى أنه يكسر التتار، فلم تمض إلا مدة يسيرة حتى خرج وكسر التتار

(1)

.

وقال القاضى تاج الدين: ثم رأيت حسام الدين البركتخانى المذكور بمصر بعد كسر [440] التتار، وهو أمير خمسين فارسا.

وقال ابن كثير: وقد حكى الشيخ قطب الدين اليونينى فى الذيل عن الشيخ علاء الدين [على

(2)

] بن غانم عن المولى تاج الدين أحمد بن الأثير، كاتب السر فى أيام الملك الناصر صاحب دمشق، قال: لما كنا مع السلطان الناصر بوطأة برزة

(3)

، كانت البريديّة يخبرون بأن المظفر قطز قد تولى سلطنة الديار المصرية، فقلت ذلك للسلطان. فقال: اذهب إلى فلان وفلان

(4)

وأخبرهم بهذا، فلما خرجت من عنده لقينى بعض الأجناد

(5)

، فقال لى: جاءكم الخبر من الديار المصريّة بأن قطز تملك. قلت: ما عندى من هذا علم، وما يدريك أنت هذا؟ فقال:

بلى والله إنه سيلى المملكة ويكسر التتار. فقلت: من أين تعلم هذا؟ قال: كنت أخذته وهو صغير وعليه قمل كثير، فكنت أفليّه وأهينه. فقال لى: ويلك إش

(1)

كنز الدرر ج 8 ص 42.

(2)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 281 للتوضيح.

(3)

«فى أواخر سنة سبع وخمسين وستمائة» فى ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 381 - 382.

(4)

«الأمير ناصر الدين القيمرى والأمير جمال الدين بن يغمور» - ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 382.

(5)

«لقبنى حسام الدين البركة خانى» - ذيل مراة الزمان.

ص: 256

تريد أن أعطيك إذا تملكت الديار المصريّة. فقلت: أنت مجنون. فقال: لا والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وقال لى: أنت تملك الديار المصريّة وتكسر التتار، وقول رسول الله عليه السلام حق لا شك فيه. فقلت له حينئذ وكان صادقا: فأريد منك إمرة خمسين. فقال: نعم.

قال ابن الأثير: فلما قال لى هذا قلت: هذه كتب المصريين بأنه تولى السلطنة. فقال: والله ليكسرنّ التتار، فكان كما قال.

قال: ولما رجع الناصر يوسف إلى ناحية الديار المصريّة وأراد دخولها فلم يدخل ورجع عنها، ودخلها أكثر الجيوش، كان هذا الحاكى فى جملة من دخلها، فأمرّه المظفّر قطز إمرة خمسين فارسا، ووفّى له بالوعد، وهو الأمير كمال الدين البركختانى

(1)

.

قال ابن الأثير: فلقبنى بالديار المصرية بعد أن تأمّر فذكرنى بما كان أخبرنى عن المظفر، فذكرته، ثم كانت وقعة التتار على إثر ذلك

(2)

.

وفى تاريخ النويرى: وحكى عز الدين بن أبى الهيجاء قال: حدثنى بلقاق عن بدر الدين بكتوت الأتابكى قال: كنت أنا وقطز وبيبرس البندقدارىّ خشداشيّة فى حال الصبا، فرأينا يوما منجما فى بعض الطرقات بالديار المصريّة فوقفنا عليه، فقال له قطز: أبصرلى، فضرب [بالرمل

(3)

] وجعل يصوّب فيه النظر. وقال: إلى هذا العجب. فقال له: قل. فقال: أنت تملك مصر وتكسر التتار، فضحكنا

(1)

هكذا فى الأصل، وورد «البركة خانى» فى ذيل مرآة الزمان.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 226، وذيل مرآة الزمان ج 1 ص 381 وما بعدها.

(3)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 384 للتوضيح.

ص: 257

منه، ثم قال له بيبرس: أبصر [441] لى، فضرب وجعل يصوّب النظر إلى الآخر ويتعجّب. فقال له: قل. فقال: أنت أيضا تملك مصر ويطول ملكك، فضحكنا، ثم قلت له: فابصر لى، فضرب وقال: أنت يحصل لك إمرة كبيرة وهذا سهبها، وأشار إلى بيبرس البندقدارى، ويقتل هذا وأشار إلى قطز، فو الله ما خرم من قوله ذرة

(1)

.

وحكى ركن الدين الجزرى أستاذ الفارس أقطاى قال: كنا عند قطز فى فى أول دولة استاذه الملك المعزّ أيبك، وقد حضر عنده منجم مغربىّ موصوف بالحذق، فأمر من كان هناك بالإنصراف إلا أنا. وقال للمنجم: اضرب وانظر من يملك مصر بعد أستاذ المعزّ ويكسر التتار، فضرب وجعل يعدّ على أصابعه وقال: يطلع لى اسم فيه خمس حروف بلا نقط، وأبوه أيضا كذلك، وأنت فاسمك ثلاثة أحرف، فتبسّم قطز وقال له: لم لا تقول محمود بن مودود؟ فقال المنجم: هو والله هذا. قال قطز: أنا محمود بن مودود، أنا الذى أكسر التتار وآخذ بثأر خالى خوارزم شاه منهم.

وأمّا مبدأ أمر قطز فإنّ السلطان الملك المعزّ أيبك اشتراه وهو أمير، فربّاه وأحسن تربيته، ولما قتل

(2)

أستاذه قام فى تولية ابنه الملك المنصور نور الدين على ابن المعز، وكان حينئذ أتابك العساكر بالديار المصرية، ولما سمع بأمر التتار خاف أن تختلف الكلمة بسبب صغر ابن أستاذه، فعزله ودعا إلى نفسه، فبويع

(1)

فقلا عن نهاية الأرب بتصرف ج 27 ورقة 137.

(2)

«قام» فى الأصل، وهو تحريف، والتصحيح يتفق وسير الأحداث، ومع ما ورد فى البداية والنهاية ج 13 ص 225.

ص: 258

له فى ذى القعدة سنة سبع وخمسين وستمائة، فقدر الله على يديه نصرة الإسلام بعين جالوت كما ذكرنا.

‌الثانى فى سيرته:

كان شجاعا، بطلا، كثير الخير، محبّا للإسلام وأهله، وهم يحبّونه، وذكر عنه أنه لما كان فى المعركة يوم عين جالوت قتل جواده ولم يجد أحدا فى الساعة الراهنة من الوشاقيّة

(1)

الذين معهم الجنائب، فترجل، وبقى كذلك واقفا على الأرض، ثابتا فى محل المعركة وموضع السلطنة من القلب، فلما رآه بعض الأمراء ترجّل عن فرسة وحلف على السلطان ليركب، فامتنع السلطان وقال: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك، ولم يزل كذلك حتى جاءت الوشاقيّة، فركب، فلامه بعض الأمراء وقال ياخوند: لم لا ركبت فرس فلان؟ فلو كان رآك بعض الأمراء لقتلك وهلك الإسلام بسببك. فقال: أما أنا فكنت أروح إلى الجنة [442]، وأما الإسلام فله ربّ لا يضيّعه، قد قتل فلان وفلان وفلان وعدد خلقا من الملوك، فلم يضيّع الله الإسلام

(2)

.

وكان حين ساق من الديار المصرية كان فى خدمته خلق من كبار الأمراء من البحريّة وغيرهم، ومعه الملك المنصور صاحب حماة، وجماعة من أبناء الملوك، فأرسل إلى صاحب حماة يقول له: لا تعتنى بمدّ سماط فى هذه الأيام، وليكن مع الجندى لحمه فى سولقه يأكلها، والعجل العجل.

(1)

الأوشاقية أو الأوجاقية: جمع أوشاق أو أوجاق: فرقة من خدم السلطان عملها ركوب الخيل للتسبير والرياضة - صبح الأعشى ج 5 ص 454.

(2)

انظر ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 280 - 281، البداية والنهاية ج 13 ص 225.

ص: 259

وكان اجتماعه بعدوه كما ذكرنا فى العشر الأخير من رمضان، يوم الجمعة، وهذه بشارة عظيمة، فإن وقعة بدر كانت يوم جمعة فى شهر رمضان، ولهذا نصر الله تعالى الإسلام نصرا عزيزا.

وقال أبو شامة: وكان سيف الدين قطز هذا موصوفا بمواظبة الصلوات، والشجاعة، وتجب شرب الخمر

(1)

.

‌الثالث فى مدّة سلطنته:

ذكرنا أنه قتل يوم السبت السادس

(2)

عشر من ذى القعدة بين الغرابىّ والصالحيّة، ودفن بالقصير، وكان قبره يزار، فلما تمكن الظاهر بيبرس فى المملكة بعث إلى قبره فغيّبة عن الناس، وكان لا يعرف بعد ذلك، وكانت مدّة مملكته أربعة عشر شهرا وثلاثة عشر يوما.

وقال الملك المؤيّد: وكانت مدّة سلطنته أحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما

(3)

.

(1)

الذيل على الروضتين ص 210.

(2)

فيما سبق، وفيما يلى: السبت سابع عشر ذى القعدة. والقول بأن 16 ذى القعدة 658 هـ يوافق يوم السبت يتفق مع ما جاء فى التوفيقات الإلهامية.

(3)

المختصر ج 3 ص 207.

ص: 260

‌ذكر سلطنة الملك الظّاهر

وهو الأسد الضارى بيبرس البندقدارىّ.

ولما وصل بيبرس، وهو والجماعة الذين قتلوا الملك المظفر المذكور إلى الدهليز، كان عند الدهليز نائب السلطنة فارس الدين أقطاى المستعرب، وهو الذى كان أتابكا لنور الدين على بن الملك المعزّ أيبك التركمانى بعد الحلبىّ، فلما تسلطن قطز أقرّه على نيابة السلطنة بالديار المصريّة، فلما وصل بيبرس البندقدارىّ مع الجماعة الذين قتلوه سأله أقطاى المستعرب. وقال: من قتله منكم؟ فقال بيبرس: أنا قتلته. قال أقطاى: ياخوند اجلس فى مرتبة السلطنة مكانه، فجلس واستدعيت العساكر للتحليف، فحلفوا له فى اليوم الذى قتل فيه قطز، [وهو سابع عشر ذى القعدة من هذه السنة، أعنى سنة ثمان وخمسين وستمائة

(1)

] واستقر بيبرس فى السلطنة، وتلقب بالملك القاهر، ثم بعد [443] ذلك غيّر لقبه، وتلقّب بالملك الظاهر، لأنه بلغه أن القاهر لقب غير مبارك.

وكان بيبرس هذا قد سأل من قطز نيابة حلب، فلم يجبه إليها، ليكون ما قدر الله تعالى، فكأنّ القدر قال له حين سأل نيابة حلب: لا تستعجل فإنك عن قريب تتولى السلطنة، ولما حلف الناس له بالصالحية، ساق فى جماعة من أصحابه وسبق العسكر إلى قلعة الجبل، ففتحت له ودخلها، واستقرّت قدمه فى المملكة.

(1)

[] إضافة من المختصر ج 3 ص 208.

ص: 261

وكانت مصر والقاهرة قد زينتا لقدوم الملك المظفر قطز، فاستمّرت الزينة للملك الظاهر بيبرس البندقدارى

(1)

، فسبحان الله الفعال لما يريد.

وقال ابن كثير: ولما قتل الأمراء السلطان المظفر قطز حاروا فيما بينهم لمن يملكون عليهم، وصار كل واحد منهم يخشى غائلة ذلك، وأنه يقتل سريعا

(2)

، ثم اتفقت كلمتهم على أن بايعوا الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ، ولم يكن من أكابر المقدمين ولكن أرادوا أن يجرّبوا فيه، ولقبوه الملك القاهر، فقال له الوزير: إن هذا اللقب لم يفلح من تلقب به، فقد تلقب به القاهر بن المعتضد، فلم تطل أيامه حتى خلع وسمل، وتلقب به القاهر بن صاحب الموصل، فسمّ فمات

(3)

.

قلت: لما قتل الأمير بيدرا السلطان الملك الأشرف خليل بن الملك المنصور قلاون على الطرانة، كما يجئ فى موضعه، تسلطن وتلقب بالملك القاهر، وضربت رقبته من يومه.

ولما سمع بيبرس بذلك عدل عن القاهر إلى الملك الظاهر.

وقال بيبرس فى تاريخه: استقرّ الملك الظاهر فى السلطنة يوم قتل المظفر وهو يوم السبت السابع عشر من ذى القعدة من هذه السنة

(4)

، وطلع القلعة سحر يوم الإثنين التاسع عشر منه، وابتدأ بأخلاف الأمراء والأكابر وسائر العساكر والوزراء والحكام وأرباب الوظائف والأقلام على الإختلاف فى مراتبهم

(1)

المختصر ج 3 ص 297 - 208.

(2)

«وأن يصيبه ما أصاب غيره سريعا» البداية والنهاية ج 13 ص 223.

(3)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 223.

(4)

ويتفق ابن عبد الظاهر مع العينى فى أن السبت 17 ذى القعدة 658 هـ هو يوم مقتل قطز وتولية بيبرس - الروض الزاهر ص 68.

ص: 262

وطبقاتهم، فحلفوا جميعا، وصرف همته إلى تدبير دولته وتمهيد مملكته واستمالة الخواطر واستجلاب قلوب الأكابر [444] والتحيل على من تجب الحيلة عليه، والترغيب لمن تميّله الرغبة إليه، وانقضت هذه السنة ولم يركب موكب السلطنة حتى وكّد الأسباب، وسدّ ما يخاف فتحه من الأبواب

(1)

.

وقال بيبرس أيضا: لما قتلوا قطز كانت أوائل العسكر قد وصلت إلى المنزلة، ولم يشعروا بما كان، ولا علموا بعدم السلطان، ثم لما نزل الأمراء الذين قتلوه وتشاوروا فيمن يقوم بالأمر وتردّد الكلام بينهم، فمنهم من يظهر الامتناع ومنهم من يأبى الاستماع، فقال لهم الأمير فارس الدين أقطاى الأتابك المستعرب: من هو الذى علاه بسيفه وعاجله أولا بحتفه؟ فقالوا: الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى. فقال: الضارب الأول أولى، ونحن نراه للملك أهلا، فأجمعوا رأيهم عليه وأجلسوه على الطراحة الملوكيّة، ووقفوا بين يديه، ورأوا أن المصلحة فى السرعة وطلوع القلعة قبل أن يفش الأمر، ويشعر به خوشداشية المظفر وإلزامه، فربما ينتقض ما أبرم أحكامه، فركبوا مسرعين، وساروا سابقين، وقدّموا الأمير عزّ الدين أيدمر الحلّى ليسبقهم إلى القلعة، فيستفتح لهم الأبواب ويستصلح النّواب، فسبق وطلع إليها، وتحدث مع الأمراء المقيمين بها، وأعلمهم أن المظفر قد قتل، والبندقدارىّ قد ملك، ووصل، وأن اتفقوا على الرضى به والحلف له، فاستحلفهم الأيمان المؤكّدة، وقرّر معهم القاعدة، وأقبل الركن البندقدارىّ، فتوقل غارب قلّتها

(2)

، وتسنّم كاهل

(1)

هذه العبارات ساقطة من مخطوط زبدة الفكرة التى بين أيدينا وموضعها فيما بين ورقة 40 ب و 41 أ.

(2)

أى صعد إلى أعلى مكان بالقلعة - انظر مواد: وقل - غرب - قلة - فى القاموس.

ص: 263

ذروتها، بغير ممانع يمانعه، ولا معارض يعارضه، ورحل العسكر من تلك المنزلة على الإثر وقد تنسّموا أنفاس الخبر، فوصلوا إلى القاهرة والحل قد استتمّ، والظاهر قد استقرّ له الملك وانتظم

(1)

.

(1)

هذه العبارات ساقطة من مخطوط زبدة الفكرة التى بين أيدينا وموضعها فيما بين ورقة 40 ب و 41 أ.

ص: 264

‌ذكر سلطنة الملك المجاهد فى دمشق

قد ذكرنا أن السلطان الملك المظفر قطز لما انتصر على التتار، ودخل دمشق ولّى عليها الأمير علم الدين سنجر الحلبى أحد الأتراك، ولما استقر فيها نائبا شرع فى العشر الأخير من ذى القعدة [445] فى عمارة قلعة دمشق، وجمع لها الصناع وكبراء الدولة والناس، وعملوا فيها حتى عملت النساء أيضا، وكان عند الناس بذلك سرور عظيم، ثم فى العشر الأول من ذى الحجة من هذه السنة دعا الناس إلى نفسه ولقب نفسه بالملك المجاهد، وذلك لما بلغه مقتل المظفر قطز، ودخل القلعة، واستقرّ فيها زاعما أنه سلطان.

قال ابن كثير: ولما جاءت البيعة للملك الظاهر بيبرس خطب له يوم الجمعة السادس من ذى الحجة، فدعى الخطيب للظاهر أولا ثم للمجاهد ثانيا

(1)

، وضربت السكة باسمهما معا أيضا، ثم ارتفع المجاهد هذا من البين على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

وفى تاريخ المؤيد: ولما بلغ علم الدين سنجر الحلبى الذى استنابه المظفر قطز على دمشق قتل قطز، جمع الناس وحلّفهم لنفسه بالسلطنة، وذلك فى العشر الأول من ذى الحجة من سنة ثمان وخمسين وستمائة، فأجابه الناس إلى ذلك، وحلفوا له، ولم يتأخّر عنه أحد، ولقّب نفسه بالملك المجاهد، وخطب له

ص: 265

بالسلطنة، وضربت السكة باسمه، وكاتب الملك المنصور صاحب حماة فى ذلك فلم يجبه، وقال: أنا مع من يملك

(1)

الديار المصريّة كائنا من كان

(2)

.

(1)

«ملك» فى الأصل، والتصحيح من المختصر.

(2)

المختصر ج 2 ص 208.

ص: 266

‌ذكر عود التتار إلى الشّام

وفى هذه السنة تحرك التتار، وتوجهوا إلى جهة الشام، وقربوا من البيرة على الفرات، ولما بلغ ذلك نائب حلب الذى ولاّه السلطان الملك المظفر قطز، وهو الملك السعيد بن صاحب الموصل، وكان قد جرّد جماعة

(1)

من العزيزية والناصرية، وأرسل إلى التتار جماعة قليلة من العسكر، وقدّم عليهم الأمير سابق الدين أمير مجلس الناصرىّ، فأشار عليه كبراء العزيزية بأن هذا ما هو مصلحة، فإن هؤلاء قليلون، ويحصل الطمع بسببهم فى البلاد، فلم يلتفت إلى ذلك وأصرّ على مسيرهم، فسار سابق الدين أمير مجلس بمن معه حتى قاربوا البيرة، فوقع عليهم التتار، فهرب منهم ودخل [446] البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه.

فإزداد غيظ الأمراء على الملك السعيد بسبب ذلك، واجتمعوا وقبضوا عليه، ونهبوا وطاقه، وكان ردئ السيرة، وقد أبغضته العسكر، وكان قد برّز إلى باب اللالا المعروف بباب الله، ولما استولوا على خزائنه لم يجدوا فيها مالا طائلا، فهددوه بالعذاب ليقر لهم، فنبش من تحت أشجار حائر

(2)

دار بباب اللالا جملة من المال قيل: كانت خمسين ألف دينار من الذهب المصرىّ ففرقت فى الأمراء،

(1)

«وكان قطز قد جرد جماعة» فى الأصل، والتصحيح من المختصر ج 3 ص 208 إذ ورد به:«وبلغ الملك السعيد المذكور مسير التتر إلى البيرة فجرد إلى جهتهم جماعة قليلة من العسكر» .

(2)

«حائط» فى المختصر ج 3 ص 209.

ص: 267

وحمل الملك السعيد المذكور إلى الشغر وبكاش معتقلا فيها، ثم لما اندفع العسكر بين يدى التتار كما سنذكره، أفرجوا عنه.

ولما جرى ذلك اتفقت العزيزية والناصريّة وقدموا عليهم الأمير حسام الدين الجوكندار العزيزى، ثم سارت التتار إلى حلب، فإندفع حسام الدين الجوكندار والعسكر الذين معه بين أيديهم إلى جهة حماة، ووصلت التتار إلى حلب فى أواخر هذه السنة، وملكوها، وأخرجوا أهلها إلى قرنبيه واسمها مقرّ الأنبياء، ولما اجتمع المسلمون هناك بذلوا فيهم السيف، فأفنوا غالبهم، وسلم القليل منهم، ووصل حسام الدين الجوكندار ومن معه إلى حماة، فضيّفهم الملك المنصور محمد صاحب حماة، وهو مستشعر منهم، خائف من غدرهم، ثم رحلوا عن حماة إلى حمص، ولما قارب التتار حماة خرج منها صاحبها الملك المنصور وصحبته أخوه الملك الأفضل علىّ والأمير مبارز الدين، وباقى العسكر، واجتمعوا بحمص مع باقى العسكر إلى أن خرجت هذه السنة

(1)

.

وفى يوم الجمعة خامس المحرم من السنة الآتية وهى سنة تسع وخمسين وستمائة كانت كسرة التتار على حمص، وكانت التتار ساروا إليهم، فاجتمعت العساكر الحلبيّة والحماويّة والحمصية مع صاحب حمص الملك الأشرف، واتفقوا على ملاقاة التتار، فالتقوا بظاهر حمص فى نهار الجمعة المذكور، وكان التتار أكثر من المسلمين بكثير، ففتح الله عز وجل على المسلمين بالنصر، [447] وولت التتار منهزمين، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون منهم كيف شاءوا، ووصل الملك

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 209.

ص: 268

المنصور إلى حماة بعد هذه الوقعة، وانضم من سلم من التتار إلى باقى جماعتهم، وكانوا نازلين قرب سلميّة، واجتمعوا ونزلوا على حماة، وبها صاحبها الملك المنصور، وأخوه الملك الأفضل والعساكر، وأقام التتار على حماة يوما واحدا، ثم رحلوا عن حماة إلى أفامية، ثم رحلوا عنها إلى الشرق

(1)

.

وقال ابن كثير: وكانت كسرة التتار على حمص قريبا من قبر خالد بن الوليد رضى الله عنه، وكانت أعظم من كسرة عين جالوت بكثير لكثرة التتار وقلة المسلمين، وكانت التتار فى ستة آلاف والمسلمون ألف وأربعمائة

(2)

.

وحكى الأمير نور الدين القيمرى قال: كنت فى القلعة فرأيت بعينىّ طيورا بيضاء قد أقبلت، وجعلت تضرب وجوه التتار بأجنحتها.

ثم بعد إنكسارهم ذهبوا إلى حماة، وبها صاحبها الملك المنصور، فأقاموا عليها يوما واحدا، ثم رحلوا عنها إلى أفامية، وكان قد وصل إليها سيف الدين الديبلى الأشرفى ومعه جماعة، فأقام بقلعة أفامية، وبقى يغير على التتار، فرحلوا عنها ونزلوا على حلب وأحاطوا بها وضربوا رقاب جماعة، ولم يتركوا أحدا يخرج منها ولا يدخل إليها، فأقاموا كذلك أربعة أشهر حتى غلت الأسعار بحلب، وأكلت الناس الميتات والجلود والبغال والحمير، وبلغ الرطل من اللحم إلى سبعين درهما، والرطل اللبن إلى خمسة عشر درهما، والرطل السكر إلى مائة درهم، والرطل من عسل النحل إلى خمسين درهما، والرطل من الشراب إلى سبعين درهما، وأبيع الجدى بمائة درهم، والدجاجة بعشرة دراهم، والبيضة بدرهم

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 209.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 230.

ص: 269

ونصف، والبصلة بنصف درهم، وحزمة البقل بنصف درهم وبدرهم، والتفاحة بخمسة دراهم.

وحكى بدر الدين الصرخدى التاجر قال: كانت عندى أربع بقرات، فكنت أحلب منها كل يوم كفايتى وأبيع الباقى بمائة وأربعين درهما، وأعطيت فيها ستة آلاف درهم فأبيت، [448] وبعت خمسة تفاحات وثلاث خراف بتسعمائة درهم، والذى إشتراها منى إستفاد فيهم مائتى درهم.

وبعد أربعة أشهر توجّه التتار من حلب إلى الشرق.

‌ذكر بقيّة الحوادث فى هذه السنة:

منها: أن السلطان الملك الظاهر بيبرس كتب للناس مسموحا بما كان الملك المظفر قطز قد قرّره عليهم وهو ستمائة ألف دينار فى كل سنة تجئ من الناس بغير سبب

(1)

.

ومنها: أن جمعا من السودان اجتمعوا بالقاهرة والركبداريّة

(2)

والغلمان

(3)

، وخرجوا بليل فى وسط المدينة ينادون يا آل علىّ، وفتحوا دكاكين السيوفيين بين

(1)

ذكر المقريزى أن قطز «أحدث فى هذه السنة حوادث كثيرة عند حركته لقتال التتر: منها تصقيع الأملاك وتقويمها، وأخذ زكاتها من أربابها، وأخذ من كل واحد من الناس من جميع أهل إقليم مصر دينارا، وأخذ من الترك الأهلية (التركات) ثلثها، فأبطل الملك الظاهر جميع ما أحدثه قطز» - السلوك ج 1 ص 437 438

(2)

الركبدار - الركابدارية: هم الذين يحملون الغاشية بين يدى السلطان فى المواكب، وهم تابعون للركاب خاناة أى بيت الركاب - صبح الأعشى ج 4 ص 7، 12.

(3)

الغلمان: جمع غلام: وهو الصبى الصغير والمملوك، ثم غلب على من يقوم بخدمة الخيل من أرباب الخدم، وربما أطلق على غيرهم من رجال الطشت خاناة ونحوهم - صبح الأعشى ج 5 ص 471.

ص: 270

القصرين، وأخذوا ما فيها من السلاح، وأخذوا خيل الجند من بعض الإصطبلات، وكان الباعث لهم على ذلك شخص يعرف بالكورانى تظاهر بالزهد والمشيخة، وعمل له قبّة على الجبل الأحمر وأقام بها، وتردّد بعض الغلمان إليه وأقبلوا عليه، فأجرى معهم هذا الأمر ووعدهم بالإقطاعات، وكتب لبعضهم رقاعا ببلاد معيّنة، فثاروا هذه الثورة، فركبت جماعة من العسكر وأحاطوا بهم، وأخذوا أخذا وبيلا، فأصبحوا مصلّبين على بابى زويلة، وسكنت الفتنة

(1)

.

قال القائل:

معشر أشبهوا القرود ولكن

خالفوها فى خفّة الأرواح

ومنها من الأمور العجيبة الغريبة: أن فى أول هذه السنة كانت الشام للملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر غازى بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، ثم فى النصف من صفر منها: صارت لهلاون اللعين ملك التتار، ثم فى آخر رمضان: صارت للملك المظفر قطز، ثم فى أواخر ذى القعدة:

انتقلت إلى مملكة السلطان الملك الظاهر بيبرس وقد شاركه فى دمشق الملك المجاهد علم الدين سنجر كما ذكرناه.

وكذلك كان القاضى فى أول السنة بالشام صدر الدين بن سنىّ الدولة، ثم تولى الكمال عمر التفليسى، ثم تولى محيى الدين بن الزكى، ثم تولى نجم الدين بن سنى الدولة.

وكذلك كان الخطيب بجامع دمشق فى أول السنة: عماد الدين بن الحرستانى، وكان من سنين متطاولة فعزل فى شوال من هذه السنة بالعماد الإسعردى، وكان

(1)

انظر السلوك ج 1 ص 440.

ص: 271

[449]

صيتا قارئا مجيدا، ثم أعيد العماد بن الحرستانى فى أول ذى القعدة منها.

فسبحان الذى يغير ولا يتغير

(1)

.

ومنها: أن الناس فى دمشق ابتلوا بغلاء شديد فى سائر الأشياء من المأكول والملبوس وغيرهما، فبلغ الرطل من الخبز إلى درهمين والرطل من اللحم إلى خمسة عشر درهما

(2)

، والأوقية من القنبريس إلى درهم، والأوقية من الجبن إلى درهم ونصف، والأوقية من الثوم إلى درهم، والرطل من العنب إلى درهمين، ومن أكبر أسبابه ما أحدثه الفرنح من ضرب الدراهم المعروفة باليافيّة وكانت كثيرة الغش.

قال أبو شامة: بلغنى أنه كان فى المائة منها خمسة عشر درهما فضة والباقى نحاس، وكثرت فى البلد كثرة عظيمة وتحدث فى إبطالها مرارا، فبقى كل من عنده منها شئ كان حريصا على إخراجه خوفا من بطلانها، فتزايدت الأسعار بسبب ذلك إلى أن بطلت فى أواخر السنة، فعادت تباع كل أربعة منها بدرهم ناصرى مغشوش أيضا بنحو النصف

(3)

.

وفيها: « ..............

(4)

».

وفيها: حج بالناس « ...........

(5)

».

(1)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 222 - 224.

(2)

«ورطل اللحم خمسة دراهم» - الذيل على الروضتين ص 211.

(3)

انظر الذيل على الروضتين ص 211.

(4 و 5) «

» بياض فى الأصل.

ص: 272

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

قاضى القضاة أحمد

(1)

بن يحيى بن هبة الله بن الحسن

(2)

بن يحيى بن محمد بن على ابن يحيى بن صدقة بن الخياط، صدر الدين أبو العباس أحمد بن سنى الدولة الثعلبى الدمشقى.

وسنىّ الدولة هو الحسن بن يحيى المذكور.

كان قاضيا لبعض ملوك دمشق فى حدود الخمسمائة، وله أوقاف على ذريته، وابن الخياط الشاعر - صاحب الديوان - هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علىّ بن يحيى بن صدقة الثعلبىّ، عم سنى الدولة.

ولد القاضى صدر الدين سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع ابن طبرزد، والكندى، وغيرهما، وحدّث ودرّس فى عدّة مدارس، وأفتى، وكان فاضلا عارفا بالمذهب، وقد ولى الحكم بدمشق استقلالا سنة ثلاث وأربعين، واستمر إلى هذه السنة، فسار حين عزل بالكمال التفليسىّ هو والقاضى محيى الدين بن الزكى إلى هلاون كما ذكرنا، ثم عادا من عنده، وقد تولى ابن الزكىّ، فاجتاز

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - م 18

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 257 رقم 336، الوافى ج 8 ص 250 رقم 3688، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 385، البداية والنهاية ج 13 ص 224، العبر ج 5 ص 244، شذرات الذهب ج 5 ص 291.

(2)

«الحسين» فى الأصل، والتصحيح من مصادر الترجمة.

ص: 273

ابن [450] سنىّ الدولة ببعلبك، وهو متمّرض فمات بها، ودفن عند الشيخ عبد الله اليونينى.

وكان الملك الناصر يثنى عليه، كما كان الملك الأشرف يثنى على والده قاضى القضاة شمس الدين بن سنىّ الدولة.

ولما استقرّ أمر السلطان الملك الظاهر بيبرس ولىّ ولده القاضى نجم الدين أبا بكر بن قاضى القضاة صدر الدين القضاء بدمشق، وعزل ابن الزكىّ، ثم عزله بعد سنة، على ما سيأتى إن شاء الله.

وقال ابن كثير: والقاضى صدر الدين بن سنى الدولة هذا هو الذى أحدث فى زمن المشمش بطالة التدريس لأنه كان له بستان بأرض السهم، فكان يشقّ عليه النزول منه فى ذلك الوقت إلى الدرس، ثم اتبعه الناس فى ذلك

(1)

.

شرف الدّين عبد الرحمن

(2)

بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن ابن طاهر بن محمد بن الحسين بن علىّ، أبو طالب شرف الدين بن العجمى الحلبى الشافعى.

من بيت العلم والرئاسة بحلب، درس بالظاهريّة، ووقف بها مدرسة، ودفن فيها، وكانت وفاته حين دخل التتار حلب فى صفر، فعذّبوه بأن صبّوا عليه ماء باردا فى الشتاء، فتشنّج حتى مات.

(1)

البداية والنهاية ج 13 ص 224.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 25، البداية والنهاية ج 13 ص 225، العبر ج 5 ص 247، شذرات الذهب ج 5 ص 293.

ص: 274

الشيخ الحافظ الحسين

(1)

أبو حامد الدمشقىّ الشافعى المعروف بابن عساكر.

مات فى هذه السنة بنابلس، وهو متوجه من مصر إلى دمشق، وجدّه الإمام الحافظ أبو القاسم علىّ صاحب التصانيف المشهورة منها: تاريخ دمشق.

الشيخ الفقيه عمر

(2)

بن عبد المنعم بن أمين الدولة الحلبىّ الحنفى.

استشهد فى الوقعة المذكورة بحلب فى هذه السنة.

الشيخ أبو الفتح بن أبى المكارم الطرسوسىّ.

استشهد فى الوقعة المذكورة بحلب فى هذه السنة.

الشيخ محمد

(3)

اليونينى الحنبلى البعلبكى الحافظ: هو محمد بن أحمد بن عبد الله ابن عبد الله بن عيسى بن أبى الرجال أبو عبد الله بن أبى الحسين اليونينى الحنبلى، تقى الدين الحافظ المفيد البارع العابد الناسك.

ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وسمع الخشوعى، والكندى، والحافظ عبد الغنى المقدسىّ وكان يثنى عليه، وتفقه على الشيخ الموفق ولزم صحبة الشيخ عبد الله اليونينى، [451] وانتفع به، وكان الشيخ عبد الله يثنى عليه ويقدّمه ويقتدى به فى الفتاوى الشرعيّة، وقد لبس الخرقة من شيخه عبد الله البطائحى، وبرع فى علم الحديث، وجمع الجمع بين الصحيحين بالفاء والواو، وقطعة صالحة

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الذيل على الروضتين ص 209.

(2)

وله أيضا ترجمة فى، المنهل الصافى، شذرات الذهب ج 5 ص 442.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، الوافى ج 2 ص 121 رقم 467، العبر ج 5 ص 248، الذيل على الروضتين ص 207، البداية والنهاية ج 13 ص 227، شذرات الذهب ج 5 ص 294، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 38 - 72.

ص: 275

من مسند الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه، وكان يعرف العربيّة، أخذ ذلك عن تاج الدين الكندى، وكتب مليحا حسنا، وكان الناس ينتفعون بفنونه الكثيرة، وحصلت له وجاهة عظيمة عند الملوك وغيرهم.

وكان ولده يقول: إن والدى لا يقبل شيئا من الصدقة، ويزعم أنه من ذرية جعفر الصادق رضى الله عنه بن محمد الباقر زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنهم، وذكر أنه مات فى التاسع عشر من رمضان من هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة.

وقال أبو شامة: وكان رجلا

(1)

ضخما، وحصل له قبول كثير من الأمراء وغيرهم، وكان يلبس قبعا صوفه إلى خارج

(2)

، يعنى كما كان شيخه عبد الله اليونينى.

قال: وصنف شيئا فى المعراج، فرددت عليه فى كتاب سميته: الواضح الجلى فى الردّ على الحنبلىّ

(3)

.

الملك السّعيد نجم الدين إيل غازى

(4)

بن المنصور أرتق بن أرسلان بن إيل غازى بن تمرتاش بن إيل غازى بن أرتق.

مات فى هذه السنة وكان شيخا معظما.

(1)

«وكان شيخا» - الذيل على الروضتين.

(2)

«يلبس على رأسه قبع فرو أسود صوفه إلى الخارج بلا عمامة» - الذيل على الروضتين.

(3)

الذيل على الروضتين ص 207.

(4)

وله أيضا ترجمة فى درة الأسلاك ص 26، المنهل الصافى ج 3 ص 188 رقم 613، النجوم الزاهرة ج 7 ص 90، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 378، وج 2 ص 14 وما بعدها، البداية والنهاية ج 13 ص 224.

ص: 276

الملك المعظّم توران شاه

(1)

بن الملك الناصر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب.

كان نائبا للملك الناصر يوسف بن العزيز بن الظاهر على حلب حين تملك دمشق، وقد حصّن حلب من أيدى المغول مدّة شهر، ثم سلمها بعد محاصرة شديدة صلحا، ثم كانت وفاته فى هذه السنة بحلب، ودفن بدهليز داره، وذلك بعد الوقعة بأيام.

الملك السعيد حسن

(2)

بن الملك العزيز عثمان بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب.

صاحب الصبيبة وبانياس بعد أبيه، ثم أخذتا منه وحبس بقلعة البيرة، فلما جاءت التتار كان معهم، وردوا عليه بلاده، فلما كانت وقعة عين جالوت جاء بعد الوقعة أسيرا إلى حضرة الملك المظفر قطز، [452] فضرب عنقه لأنه كان قد لبس سراقوج

(3)

التتار، فناصحهم.

الملك منكوقان

(4)

بن طلو خان بن جنكز خان ملك التتار.

هلك فى هذه السنة بمقام نهر الطاى من بلاد أيغور وهو قاصد غزو الخطا، وكان فيما يقال يتمذهب بمذهب النصرانيّة والفلاسفة ويميل إليها، فمات عليها، لعنة الله.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 4 ص 180 رقم 803، النجوم الزاهرة ج 7 ص 90، العبر ج 5 ص 245، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 429 ج 2 ص 15 وما بعدها، السلوك ج 1 ص 440، شذرات الذهب ج 5 ص 292.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 16، النجوم الزاهرة ج 7 ص 92، شذرات الذهب ج 5 ص 292.

(3)

لباس الرأس عند التتار.

(4)

انظر جامع التواريخ المجلد الثانى ج 1 ص 308، نهاية الأرب ج 27 ص 392.

ص: 277

وكان

(1)

موته فتحا للإسلام، لأنه أوجب عود هلاون اللعين عن ديار الشام، وبذلك تمت للمسلمين النصرة، وطمّت المشركين الكسرة.

وذلك أن أربيكا

(2)

أخا منكوقان كان نائبه فى المملكة بكرسى قرا قروم، فلما مات أخوه منكوقان أراد الاستيلاء على المملكة، وكان أخوه قبلاى خان مجّردا ببلاد الخطا، جّرده إليها أخوه منكوقان من حين جلوسه فى الدست

(3)

، وأرسل بركة يقول لأربيكا: أنت أحقّ بالقانيّة لأن منكوقان رتبك فيها فى حياته، وانضم إليه بنو عمّه مجئ بن أوكديه

(4)

وإخوته، واتفق عود أخيه قبلاى من بلاد الخطا، وسار أربيكا لحربه والتقيا فاقتتلا، فكانت الكسرة على قبلاى، وانتصر عليه أربيكا، فأخذ الغنائم والسبايا واحتجزها لنفسه، ولم يسهم لبنى عمّه بشئ، فوجدوا عليه. ونفروا منه، ومالوا إلى قبلاى، فأعاد القتال معه، فاستظهر عليه وأخذ أربيكا أسيرا.

واستقرّ قبلاى فى القانيّة

(5)

، وسقى أخاه سمّا فمات، وطالت مدّة قبلاى فى المملكة، واستقرّ إلى سنة ثمان وتسعين وستمائة

(6)

.

(1)

«وكان» مكررة فى الأصل.

(2)

هكذا فى الأصل فى هذا الموضع والمواضع التالية و «أرنيكا» فى نهاية الأرب ج 27 ص 353. كما ورد أيضا «أريق بوكا» و «أرغبغا» نهاية الأرب ج 27 ص 352 هامش (4).

(3)

«فجلس فى دست القانية» فى نهاية الأرب ج 27 ص 353.

(4)

«أوكتاى» فى نهاية الأرب.

(5)

«فى قراقورم» فى نهاية الأرب ج 27 ص 354.

(6)

هكذا فى الأصل، و «سنة ثمان وثمانين وستمائة» فى نهاية الأرب ج 27 ص 355، وورد فى جامع التواريخ أنه توفى سنة 693 هـ، وكذلك أيضا فى تاريخ الدول الإسلامية ص 475.

ص: 278

فبلغ ذلك هلاون

(1)

، وهو نازل على حلب، فانزعج وعاد رجاء أن يكون له فى الأمر نصيب، فلما وجد أخاه قبلاى مستقرّا استقرّ بالأقاليم التى فتحها، فصارت فى يده ويد ذريته إلى يومنا هذا

(2)

.

وكان عز الدين كيكاوس وأخوه ركن الدين قليج أرسلان سلطانا الروم فى خدمة هلاون لما فتح حلب، ولما رفع السيف من أهلها تقدّم إليه البرواناه وضرب الجوك

(3)

وقال: إن أذن لى القان أقول كلمتين بين يديه، فقال له: قل. قال: من قصة عيسى [453] ابن مريم عليهما السلام أنه أحيى الأموات، فأطاعه أهل الأرض وآمنوا به حتى تغالوا فى قصته، وقالوا بربوبيّته، والقان فى هذا الوقت أحيى هذه النفوس وصان هذه الرءوس، فلابدّ أن تطيعه البقاع والأقاليم والقلاع، وينفذ حكمه فى الشرق والغرب، ويثقون بعهده ووعده، فحسن موقع كلامه عنده وسأل عن حسبه ونسبه، فعرف به، وهو أن أباه فى أيام السلطان علاء الدين كيقباذ حضر إلى سعد الدين المستوفى بالروم، وكان نافذ الحكم فى الإطلاق وإجراء الأرزاق، فسأله أن يجرى عليه جاريا يقتات به من بعض المدارس يكون درهما فى اليوم؛ وكان شابّا جميلا وسيما من طلبة العلم، واسمه مهذب الدين على، وأصله من الديلم، فمال إليه المستوفى لما رآه من سمته وسمته فقال له: أريد أن أصيرك منى مكان الولد، وأجود لك بما

(1)

أى بلغه وفاة منكوقان وتولية قبلاى - انظر نهاية الأرب 27 ص 353.

(2)

نهاية الأرب ج 27 ص 353 - 354.

(3)

الجوك: لفظ تترى معناه الجلوس على الركبتين كعادة المغول فى حضرة ملوكهم - السلوك ج 1 ص 605 هامش (3).

ص: 279

أجد، ثم قرّبه وأدناه، وأحبّه، وزوّجه من إبنته، وخوّله فى نعمته، واتفقت وفاة المستوفى بعد ذلك، فوصف مهذب الدين للسلطان علاء الدين بالفضيلة والمعرفة والكفاية والأهليّة للمناصب، فرشحه للوزارة وألقى عليه مقاليد الإمارة، فرزق معين الدين سليمان المسمّى برواناه

(1)

، فهو ابن وزير السلطان غياث الدين.

ولما أخبر هلاون بأمره قال للسلطان ركن الدين: من الآن لا يتردّد إلىّ فى الأشغال أحد سواه، فترقت منزلته من يومه ذلك حتى صار فيما بعد حاكما على الممالك.

وفارق المذكوران هلاون، وعاد كل منهما إلى مستقره، إلى أن كان منهما ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

الأمير كتبغا

(2)

نوين: نائب هلاون على بلاد الشام، وقد فتح لأستاذه هلاون من أقصى بلاد العجم إلى الشام، وقد أدرك جنكز خان جدّ هلاون.

وكان كتبغا نوين هذا يعمل للمسلمين ببلاد خراسان والعراق فى حروبه أشياء لم يسبقه إليها أحد، كان إذا فتح بلدا ساق المقاتلة منه إلى البلد الذى يليه، ويطلب من أهل البلد أن يأوا هؤلاء إليهم، فإن فعلوا حصل مقصوده فى مضيق الأطعمة والأشربة عليهم، فتقصر مدة حصارهم، وإن امتنعوا قاتلهم [454] بهؤلاء حتى يفنى هؤلاء، فإن حصل، [يكون

(3)

] الفتح، وإلا كان قد أضعف أولئك بهؤلاء، ثم

(1)

انظر نهاية الأرب ج 27 ص 112 - 113.

(2)

انظر أيضا: المنهل الصافى، نهاية الأرب ج 27 ص 391، العبر ج 5 ص 247 - 248، النجوم الزاهرة ج 7 ص 78 - 81، 90، شذرات الذهب ج 5 ص 291، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 361.

(3)

[] إضافة للتوضيح.

ص: 280

استأنف قتالهم بجنده حتى يفتحه، وكان يبعث إلى الحصن يقول لهم: إنّ ماءكم قد قلّ، فافتحوا صلحا قبل أن آخذه قسرا، فيقولون إن الماء عندنا كثير، فيقول: إن كان كثيرا انصرفت عنكم، فيقولون: ابعث من يشرف على ذلك، فيرسل رجالا من جيشه معهم رماح مجوّفة محشوّة سمّا، فإذا دخلوا قاسوا ذلك الماء بتلك الرماح، فيفسح ذلك السمّ ويستقرّ فى الماء، فيكون سبب هلاكهم ولا يشعرون.

وكان لعنه الله شيخا كبيرا قد أسنّ، وكان يميل إلى دين النصارى ولكن لا يمكنه الخروج عن حكم جنكز خان من الياساق.

وقال الشيخ قطب الدين اليونينى: وقد رأيته ببعلبك حين حاصر قلعتها، وكان شيخا حسنا له لحية طويلة مسترسلة رقيقة قد ظفّرها مثل الدبّوقة، وتارة يعلقها فى حلقة بأذنه، وكان مهيبا، شديد السطوة. قال: وقد دخل الجامع فصعد المنارة ليتأمل القلعة منها، ثم خرج من الباب الغربى، فدخل دكانا خرابا فقضى حاجته، والناس ينظرون إليه وهو مكشوف العورة، ولما فرغ مسحه بعضهم بقطن ملبّد مسحة واحدة.

قال: ولما بلغه بروز الملك المظفّر إليه بالعساكر المصريّة تلوّم فى أمره، ثم حملته نفسه الأبيّة على لقائهم، وظنّ أنه ينصر كما كانت عادته، فحمل يومئذ على الميسرة فكسرها، ثم أيّد الله المسلمين وثبّتهم، فحملوا حملة صادقة على التتار، فهزموهم هزيمة لا تنجبر أبدا، وقتل كتبغا نوين فى المعركة وأسر ابنه، وكان شابا حسنا، فأحضر بين يدى المظفر قطز فقال له: أهرب أبوك؟ فقال: إنه لا يهرب، فطلبوه فوجدوه بين القتلى، فلما رآه ابنه بكى وصرخ، فلما تحققه

ص: 281

المظفر قال، هذا كان سعادة التتار، وبقتله ذهب سعدهم، وكذا كان كما قال: لن تفلحوا بعده أبدا.

وكان قتله يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، وكان الذى تولى قتله فى المعركة الأمير جمال الدين أقوش الشمسى

(1)

.

ونوين - بضم النون، وكسر الواو، وسكون الياء آخر الحروف، وفى آخره نون - ومعناه [455] أمير عشرة آلاف، وكل اسم من أسماء ملوكهم فى آخره نوين معناه رأس عشرة آلاف، ويسمّى أيضا رأس تومان.

‌الملك الناصر

(2)

: الكلام فيه على أنواع:

‌الأول فى ترجمته:

هو السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازى بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن نجم الدين أيوب صاحب دمشق وحلب.

وكان مولده فى سنة سبع وعشرين وستمائة بحلب، وكان قد تولى مملكة حلب بعد موت أبيه الملك العزيز وعمره سبع سنين، وأقامت جدّته ضيفة

(3)

خاتون

(1)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 227.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 27، العبر ج 5 ص 256، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 134 - 150، وفيات الأعيان ج 4 ص 10 رقم 146، الذيل على الروضتين ص 212، فوات الوفيات ج 4 ص 361 رقم 595، السلوك ج 1 ص 466، شذرات الذهب ج 5 ص 299، ويوجد اختلاف فى المصادر فى سنة وفاته 658 هـ أو 659 هـ. انظر ما يلى.

(3)

«صفية» فى فوات الوفيات ج 4 ص 361، وفيات الأعيان ج 4 ص 10، وهو تحريف. وقد توفيت ضيفة خاتون سنة 640 هـ/ 1242 م. السلوك ج 1 ص 311.

ص: 282

بنت الملك العادل أبى بكر بن أيّوب بتدبير مملكته، واستقل بالملك بعد وفاتها فى سنة أربعين وستمائة، وعمره ثلاث عشرة سنة، وزاد ملكه على ملك أبيه وجدّه، فإنه ملك مثله

(1)

حرّان والرها والرقّة ورأس عين وما مع ذلك من البلاد، وملك حمص ثم ملك دمشق وبعلبك والأغوار والسواحل إلى غزة، وعظم شأنه، وكسر عسكر مصر، وخطب له بمصر وبقلعة الجبل كما ذكرنا، وكان قد غلب على الديار المصريّة لولا هزيمته، وقتل مدبّر دولته شمس الدين لولو الأمينىّ، ومخامرة مماليك أبيه العزيزيّة.

‌الثّانى فى سيرته:

كان ملكا جيّدا، حليما جدّا، وجاوز به الحلم إلى حدّ أضرّ بالمملكة، فإنه لما أمنته قطاع الطريق فى أيام مملكته من القطع والقتل تجاوزوا الحدّ فى الفساد، وانقطعت الطرق فى أيامه، وبقى لا يقدر المسافر إلا برفقة من العسكر، وكثر طمع العرب والتركمان، وكثرت

(2)

الحرامية، وكانوا يكسرون أبواب الدور، ومع ذلك إذا حضر القاتل بين يديه يقول: الحىّ خير من الميت ويطلقه، فأدّى ذلك إلى انقطاع الطرقات وانتشار الحرامية، وكان على ذهنه شئ كثير من الأدب والشعر، ويروى له أشعار كثيرة منها قوله:

فو الله لو قطّعت قلبى تأسّفا

وجرّعتنى كاسات دمعى دما صرفا

لما زادنى إلا هوّى ومحبّة

ولا تخذت روحى سواك لها إلفا

(1)

«مثل» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق.

(2)

«وكثرت» مكررة فى الأصل.

ص: 283

وكان يطبخ فى مطبخه كل يوم أربعمائة رأس غنم، وكانت سماطاته وتجمله فى الغاية القصوى، وبنى بدمشق مدرسة

(1)

قريب الجامع وأوقف عليها [456] وقفا جليلا، وبنى بالصالحية تربة

(2)

غرم عليها جملا مستكثرة، فدفن فيها كرمون، وهو بعض أمراء التتار.

‌الثالث فى مقتله وصورته:

أنه لما بلغ هلاون كسرة عسكره بعين جالوت، وقتل كتبغا نوين نائبه ومقدم عساكره، غضب من ذلك، وأحضر الملك الناصر، وكان عنده كما ذكرنا، وكان وعده أن يردّه إلى ملكه، وأقام عنده مدة، فقال له: أنت ما قلت إن عسكر الشام فى طاعتك، فغررت بى وقتلت المغول، فقال الملك الناصر: لو كنت بالشام ما ضرب أحد فى وجه عسكرك

(3)

بسيف، ومن يكن ببلاد التتار

(4)

كيف يحكم على بلاد الشام، فاستوفى هلاون ياسجا

(5)

وضربه به، وقال: يا خوند الصنيعة، فنهاه أخوه الظاهر غازى، وكان معه، عن ذلك، وقال: قد حضرت، ثم رماه بفردة ثانية فقتله، ثم قتل أخاه الظاهر، وأمر بضرب رقاب الباقين الذين كانوا معه، وقتل الملك الصالح ابن صاحب حمص، وكان معه أيضا، والجماعة الذين معهم من الألزام والأتباع والحواشى.

(1)

هى المدرسة الناصرية الجوانية بدمشق: داخل باب الفراديس شمالى الجامع الأموى - الدارس ج 1 ص 459 وما بعدها.

(2)

التربة الناصرية: بجبل قاسيون - الدارس ج 2 ص 178.

(3)

«عسكرى» فى الأصل، والتصحيح من المختصر ج 3 ص 209، ويتفق مع السياق.

(4)

«ببلاد توريز» فى المختصر.

(5)

«ناصجا» فى المختصر.

ص: 284

واستبقى الملك العزيز بن الملك الناصر لأنه كان صغيرا، فبقى عندهم مدة طويلة وأحسنوا إليه، ثم مات

(1)

.

وكان قتل الملك الناصر على جبال سلماس

(2)

.

وقال بيبرس: وأمر هلاون بقتل ولده العزيز، فشفعت إليه طقز خاتون زوجته فيه، فعفا عنه

(3)

.

وقيل: إنه كان أذن له هلاون فى العود إلى بلاد الشام ليستقرّ بها على عادته، فسار من عنده، وفى مسيره بلغ هلاون خبر كسرة كتبغا نوين، فأمر بأن يردّ الناصر من الطريق، فلما جاءه الأمر بالرجوع قال:

أعلامهم على الحمى لى بانت

لما وصل الركب إليها بانت

ما أعجل ما فى الحال عنى خفيت

يا سعد كأنّ فى منامى كانت

ولما استحثّ فى السير قال:

يا سائقها وجدا على الآماق

لا تعجل فى تفرّق العشّاق

واحبس نفسا تحظ بأجر وثنا

منا ومن المهيمن الخلاق

قال بيبرس: وكان قتله على جبال سلماس

(4)

.

وقال ابن خلكان: كان قتله فى الثالث والعشرين من شوال سنة ثمان وخمسين وستمائة بالقرب من [457] مراغة من أعمال أذربيجان.

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 211 - 212.

(2)

سلماس: بفتح أوله وثانيه، مدينة مشهورة بأذربيجان - معجم البلدان.

(3)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 45 أ.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 40 أ.

ص: 285

قال: وكان خروجه من دمشق فى صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة

(1)

.

وذكر ابن كثير وغيره: أن قتله كان فى سنة تسع وخمسين وستمائة، ولما بلغ خبر موته إلى دمشق عمل عزاؤه فى دمشق فى سابع

(2)

جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين

(3)

.

(1)

وفيات الأعيان ج 4 ص 10 رقم 146.

(2)

«فى تاسع» - الذيل على الروضتين ص 212.

(3)

انظر أيضا العبر ج 5 ص 256، شذرات الذهب ج 5 ص 299.

ص: 286

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة التاسعة والخمسين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، وأولها يوم الإثنين لأيام خلون من كانون الأول، وليس للمسلمين خليفة، وبغداد خراب، وبلادها غير آمنة تحت ظلم وجور من التتار طائفة جنكز خان.

وسلطان الديار المصريّة والشاميّة: الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى، وشريكه فى دمشق وبعلبك والصبيبة وبانياس الأمير علم الدين سنجر الحلبى الملقب بالملك المجاهد، وشريكه فى حلب الأمير حسام الدين لاجين الجوكندارى العزيزى.

وصاحب الكرك والشوبك: الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل الكبير سيف الدين أبى بكر بن أيوب.

وصاحب صهيون وبرزية: الأمير مظفر الدين عثمان بن ناصر الدين منكورس.

وصاحب حماة: الملك المنصور بن تقى الدين محمود.

وصاحب حمص الملك الأشرف بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين.

(*) يوافق أولها الإثنين أديسمبر 1260 م.

ص: 287

وصاحب الموصل الملك الصالح إسماعيل بن بدر الدين لولو وأخوه الملك المجاهد صاحب جزيرة ابن عمر.

وصاحب ماردين: الملك السعيد نجم الدين إيل غازى بن أرتق.

وصاحب بلاد الروم: ركن الدين قليج أرسلان بن غياث الدين كيخسرو السلجوقى، وشريكه فى الملك أخوه كيكاوس، والبلاد بينهما نصفان.

وصاحب مكة أبو نمى إبراهيم بن أبى سعد بن على بن قتادة الحسنى وعمّه إدريس بن على شريكه.

وصاحب المدينة: الأمير عز الدين جماز بن شيحة الحسينى.

‌ذكر ماجريات الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، رحمه الله:

منها: أنه فى سابع صفر من هذه السنة [458] ركب بشعار السلطنة، وأظهر المهابة المتمكنة، وشقّ المدينة، وقد زخرفت بالزينة. ونثرت عليه الدنانير والدراهم، وأفيضت الخلع على الأمراء والمقدّمين والوزراء والمتعممين على تفاوت أقدارهم، وكتب إلى صاحب المغرب، وصاحب اليمن، وملوك الشام، وثغور الإسلام، بما قدّره الله له من القيام بأمر عباده وإيالة بلاده، واستبشرت به القلوب، وانجلت بدولته الكروب، واستمرّ بالصاحب زين الدين يعقوب

(1)

ابن الزبير برهة يسيرة، ثم عزله وولى الصاحب بهاء الدين على

(2)

بن عماد الدين

(1)

هو يعقوب بن عبد الرفيع بن زيد بن مالك، الصاحب زين الدين الأسدى الزبيرى، المتوفى سنة 668 هـ/ 1269 م - المنهل الصافى.

(2)

هو على بن محمد بن سليم، الصاحب بهاء الدين، ابن حنا. المتوفى سنة 677 هـ/ 1278 م - المنهل الصافى.

ص: 288

محمد الوزارة، وهذا بهاء الدين هو المعروف بابن الحنّا، وولى القاضى تاج الدين عبد الوهاب

(1)

بن الأعز خلف الحكم، وقرّر قواعد الدولة على النظام، وأظهر عزما أرهف من حدّ الحسام، وراعى القواعد الصالحيّة، وتبع الآثار النجميّة.

وقال ابن كثير: وفى يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى باشر القضاء بالديار المصريّة العلامة تاج الدين عبد الوهاب بن القاضى الأعز أبى القاسم خلف ابن القاضى رشيد الدين أبى الثناء محمود بن بدر، وذلك بعد شروط ذكرها للملك الظاهر شديدة، فدخل تحتها الملك الظاهر، وعزل عن القضاء بدر الدين أبا المحاسن يوسف بن على السنجارىّ، ورسّم عليه أياما

(2)

.

ومنها فى ربيع الآخر: قبض الملك الظاهر على جماعة من الأمراء بلغه عنهم أنهم يريدون الوثوب عليه.

ومنها: أن الظاهر أمر ببناء مشهد على عين جالوت، لما شاهد من بركة ذلك المكان، فبنى هناك مشهد.

ومنها: أنه كتب إلى بركة بن صاين قان، صاحب البلاد الشمالية، كتابا يغريه بهلاون، ويعرفه أن جهاده واجب عليه، لتواتر الأخبار بإسلامه، ويلزمه إذا دخل فى دين الإسلام أن يجاهد الكفار، فورد جوابه فيما بعد كما سنذكره إن شاء الله تعالى

(3)

.

(1)

هو عبد الوهاب بن خلف بن محمود بن بدر، تاج الدين ابو محمد، المعروف بابن بنت الأعز، المتوفى سنة 665 هـ/ 1266 م - المنهل الصافى.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 231.

(3)

انظر أيضا السلوك ج 1 ص 465.

ص: 289

ومنها: أن الظاهر كتب منشور الإمرة على جميع العربان للأمير شرف الدين عيسى بن مهنّا، وأحضر أمراء العرب وأجرى إقطاعاتهم، وسلم إليهم خفر البلاد، وألزمهم حفظها إلى حدود العراق.

ومنها: أن الظاهر جهّز إلى الأنبرور

(1)

هدية من جملتها الزّراف، وأرسل إليه جماعة من التتار الأسارى المأخوذين فى نوبة عين جالوت بخيولهم التتريّة وعدّتهم.

ومنها: أن السلطان [459] كتب إلى علم الدين سنجر الحلبى الذى كان الملك المظفر قطز ولاه نيابة دمشق، ثم أنه ركب فى دمشق بشعار السلطنة، وخطب له على المنابر وتلقّب بالملك المجاهد، وذلك حين بلغه مقتل الملك المظفر كما ذكرنا، فكتب إليه الظاهر يقبّح هذا الفعل عليه ويتلطّف به فى الرجوع عنه، ثم جرّد إليه الأمير جمال الدين المحمّدى ليستميله

(2)

ويردّه إلى الصواب، وأرسل إليه صحبته مائة ألف وخمسة وعشرين ألف درهم

(3)

أنعاما وحوائص ذهب وخلعا نفيسة، فأشهد على نفسه بأنه قد نزل عن الأمر وأنه نائب من نواب السلطان.

ثم لم يلبث أن رجع إلى ما كان عليه من الخلاف، وركب بشعار السلطنة، فجهز السلطان إليه جيشا صحبة الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار، وهو أستاذ

(1)

الأنبرور: ويقصد بها الأمبراطور، والمقصود هنا هو ما نفريد بن فردريك الثانى الذى حكم صقلية وجنوب إيطاليا فى الفترة من 1258 - 1266 م.

(2)

«ليستميل الناس على المجاهد سنجر» - السلوك ج 1 ص 444.

(3)

«مائة الف درهم» - السلوك ج 1 ص 444.

ص: 290

السلطان الملك الظاهر، فوصلوا إلى دمشق فى ثالث صفر من هذه السنة، فخرج إليهم سنجر الحلبى لقتالهم، وكان صاحب حماة، وصاحب حمص بدمشق، ولم يخرجا مع سنجر الحلبى، ولا أطاعاه لإضطراب أمره، ووقع القتال بينهم بظاهر دمشق فى ثالث عشر صفر

(1)

، فانهزم الحلبى، وولّى وأصحابه معه، ودخل إلى قلعة دمشق حتى أجنّه الليل، فهرب من قلعة دّمشق إلى جهة بعلبك، فتبعه العسكر، وقبضوا عليه، وحمل إلى الديار المصريّة، فاعتقله الظاهر بها، ثم أطلق.

واستقرّت دمشق فى ملك الظاهر بيبرس وأقيمت له الخطبة بها وبغيرها من الشام مثل حماة وحمص وحلب وغيرها، واستقرّ أيدكين البندقدار الصالحى فى دمشق لتدبير أمورها، ولما استقرّ الحال على ذلك رحل الملك المنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص وعادا إلى بلادهما، واستقرّا بها

(2)

.

وقال بيبرس فى تاريخه: وقرر السلطان الظاهر أن يكون حديث القلعة بدمشق وأمر الأموال للأمير علاء الدين طيبرس الوزيرى الحاج، ثم رتبه فى نيابة السلطنة

(3)

.

وفى تاريخ ابن كثير: ثم بعد استقرار أيدكين البندقدارى فى دمشق ورد عليه مرسوم الملك الظاهر بالقبض على بهاء الدين بغدى الأشرفى، وعلى شمس الدين أقوش [460] البرلى، وغيرهما من العزيزية والناصرية وبقى علاء الدين

(1)

«والتجأ هو إلى القلعة فامتنع بها فى يوم السبت حادى عشر صفر» - السلوك ج 1 ص 444 - 445.

(2)

انظر المختصر ج 4 ص 210.

(3)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 42 ب.

ص: 291

أيدكين متوقفا فى ذلك

(1)

، فتوجه بغدى إلى أيدكين فحال دخوله عليه قبض على بغدى المذكور، فاجتمعت العزيزية والناصريّة إلى أقوش البرلى، وخرجوا من دمشق ليلا على حميّة ونزلوا بالمرج، وكان أقوش البرلى قد ولاه المظفر قطز غزة والسواحل كما ذكرنا، فلما جهز الملك الظاهر أستاذه أيدكين البندقدار إلى قتال سنجر الحلبى، أرسل إلى البرلى وأمره أن ينضمّ إليه، فسار أقوش البرلى مع أيدكين وأقام بدمشق.

فلما قبض على بغدى خرج البرلى إلى المرج، وأرسل أيدكين إليه يطيّب قلبه ويحلف له، فلم يلتفت إلى ذلك وسار إلى حمص، وطلب من صاحبها الأشرف أن يوافقه على العصيان فلم يجب إلى ذلك، ثم توجه إلى حماة، وأرسل يقول للملك المنصور صاحب حماة: إنه لم يبق من البيت الأيوبى غيرك، فقم لنصير معك ونملكك البلاد، فلم يلتفت الملك المنصور إلى ذلك، وردّه ردّا قبيحا، فاغتاظ البرلى ونزل على حماة، وأحرق زرع بيدر العشر، وسار إلى شيزر ثم إلى جهة حلب.

وكان أيدكين لما استقرّ بدمشق قد جهز عسكرا صحبة فخر الدين الحمصى للكشف عن البيرة، فإن التتار كانوا قد نازلوها، فلما قدم البرلى إلى حلب كان بها فخر الدين الحمصى المذكور، فقال له البرلى: نحن فى طاعة الملك الظاهر، فتمضى إلى السلطان وتسأله أن يتركنى ومن فى صحبتى مقيمين بهذا الطرف، ونكون تحت طاعته من غير أن يكلّفنى وطأ بساطه.

فسار الحمصى إلى جهة مصر ليؤدّى الرسالة.

(1)

«متوقعا ذلك» فى المختصر ج 3 ص 210، وهو تحريف، وانظر البداية والنهاية ج 13 ص 233.

ص: 292

فلما سار عن حلب تمكّن البرلى واحتاط على ما فى حلب من الحواصل، واستبدّ بالأمر، وجمع العرب والتركمان واستعدّ لقتال عسكر مصر.

ولما توجّه فخر الدين الحمصى، لذلك التقى فى الرّمل جمال الدين محمد الصالحى متوجّها بمن معه من عسكر مصر لقتال البرلى وإمساكه، فأرسل الحمصىّ، وعرّف الملك الظاهر بما يطلبه البرلى، [461] فأرسل الظاهر ينكر على فخر الدين الحمصىّ المذكور، ويأمره بالانضمام إلى المحمدى، والمسير إلى قتال البرلى، فعاد من وقته، ثم رضى الظاهر على علم الدين سنجر الحلبىّ وجهّزه وراء المحمدى فى جمع من العسكر، ثم أردفه بعز الدين الدمياطى فى جمع آخر، وسار الجميع إلى جهة البرلى، وساروا إلى حلب وطردوه عنها.

وانقضت السنة والأمر على ذلك

(1)

.

ومنها: نصب السلطان الملك الظاهر الخليفة للمسلمين، وأصل ذلك، أن فى رجب من هذه السنة قدم إلى مصر جماعة من العرب ومعهم شخص أسمر

(2)

اللون اسمه أحمد، زعموا أنه ابن الإمام الظاهر بالله بن الناصر لدين الله، وأنه خرج من دار الخلافة ببغداد لما ملكها التتار، فعقد السلطان الملك الظاهر بيبرس مجلسا حضر فيه جماعة من الأكابر منهم الشيخ عز الدين بن عبد السّلام والقاضى تاج الدين عبد الوهاب بن خلف المعروف بابن بنت الأعز، فشهد أولئك العرب أن هذا الشخص المذكور هو ابن الظاهر محمد بن الإمام الناصر لدين الله،

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 210 - 211.

(2)

«أسود» فى المختصر ج 3 ص 212.

ص: 293

فيكون عم المستعصم بالله الذى قتله هلاون، وأقام القاضى جماعة من الشهود واجتمعوا بأولئك العرب وسمعوا شهادتهم، فشهدوا بالنسب بحكم الإستفاضة، فأثبت القاضى تاج الدين نسب أحمد المذكور ولقبوه المستنصر بالله أبا القاسم أحمد بن الظاهر بالله محمد، وبايعه الملك الظاهر والناس بالخلافة.

ثم اهتمّ الظاهر بأمره، وعمل له الدهليز، والجمدارية، والسلاح داريّة، وآلات الخلافة، واستخدم له عسكرا، وغرم على تجهيزه جملة طائلة، قيل كانت جملتها ألف ألف دينار، وكانت العامّة تلقب هذا الخليفة بالزراتيتى

(1)

.

وفى تاريخ بيبرس: وفى التاسع من رجب وصل الإمام أبو العباس أحمد بن الإمام الظاهر بالله بن الإمام الناصر لدين الله

(2)

من العراق إلى الديار المصريّة، وركب السلطان الظاهر

(3)

للقائه فى موكب مشهود، [ومحفل محفود

(4)

]، وأنزله فى القلعة، وبالغ فى إكرامه، وقصد إثبات نسبته، وتقرير بيعته، لأن الخلافة كانت قد شغرت منذ قتل الإمام المستعصم بالله، [فسر السلطان باتصال أسبابها، وتجديد أثوابها، وإقامة منارها، وإظهار شعارها، لتكون ثابتة الأساس، متصلة فى بنى العباس، كما سبقت الوعود النبوية بأنها خالدة، تالدة فى هذه الذرية

(5)

]، فأحضر الأمراء الكبار

(6)

[462] ومقدمى العساكر، والوزير، وقاضى القضاة،

(1)

«بالزرابينى» فى المختصر - انظر ج 3 ص 212 - 213.

(2)

«المستنصر بالله» فى الأصل والتصحيح من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 43 أ.

(3)

«الظاهر» ساقط من زبدة الفكرة.

(4)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(5)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 43 أ.

(6)

«الأكابر» فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 43 أ.

ص: 294

ونواب الحكم، والفقهاء، والعلماء، والصلحاء، وأكابر المشايخ، وأعيان الصوفيّة، فاجتمع المحفل بقاعة الأعمدة بقلعة الجبل، وحضر الخليفة، وتأدّب السلطان معه فى الجلوس بغير مرتبة

(1)

ولا كرسىّ

(2)

، وأمر بإحضار العربان الذين حضروا مع الخليفة من العراق، فحضروا وحضر خادم من البغاددة، فسئلوا عنه، هل هو الإمام أحمد بن الظاهر بن المستنصر؟ فقالوا: إنه هو، فشهدت جماعة بالاستفاضة وهم: جمال الدين يحيى

(3)

نائب الحكم بمصر، وعلم الدين بن رشيق

(4)

، وصدر الدين موهوب الجزرى، ونجيب الدين الحرّانى، وسديد الدين التزمتنى

(5)

نائب الحكم بالقاهرة، عند قاضى القضاة تاج الدين عبد الوهاب، فأسجل على نفسه بالثبوت، [فقام قاضى القضاة وأشهد على نفسه بثبوت النسبة

(6)

]، وسمّى الإمام أحمد بالمستنصر بالله

(7)

، وبايعه السلطان على كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والجهاد فى سبيل الله، وأخذ أموال الله بحقها، وصرفها فى مستحقها.

(1)

مرتبة أو طراحة: يفترشها السلطان إذا جلس.

(2)

يجلس السلطان فى سائر الأيام على كرسى من خشب مغشى بالحرير، إذا أرخى رجليه كادت أن تلحق بالأرض - صبح الأعشى ج 4 ص 7.

(3)

جمال الدين يحيى بن عبد المنعم بن حسن، المعروف بالجمال يحيى - السلوك ج 1 ص 449.

(4)

محمد بن الحسين بن عيسى بن عبد الله بن رشيق - السلوك ج 1 ص 449.

(5)

«وسديد الدين عثمان بن عبد الكريم بن أحمد بن خليفة، وأبو عمرو بن أبى محمد الصنهاجى التزمنتى» - السلوك ج 1 ص 449 - 450»

(6)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 43 ب.

(7)

«وسمى الإمام أحمد باسم أخيه وهو المستنصر بالله» فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 43 ب.

ص: 295

وبعد البيعة له قلّد الخليفة السلطان البلاد الإسلامية وما ينضاف إليها وما سيفتحه الله على يديه من بلاد الكفار، ثم بايع الناس الإمام على اختلاف طبقاتهم، فتمت له الخلافة وصحت له الإمامة، وكتب السلطان إلى البلاد بأخذ البيعة له، وأن يخطب له على المنابر، وتنقش الصكة باسمه واسم الملك الظاهر.

ولما كان يوم الجمعة السابع عشر من رجب خطب الخليفة بالناس فى جامع القلعة

(1)

.

وفى يوم الإثنين الرابع من شعبان ركب السلطان إلى خيمة ضربت له بالبستان الكبير بظاهر [القاهرة

(2)

]، ولبس الأهبة العباسيّة، وهى الجبّة السوداء، والعمامة البنفسجيّة، والطوق، وتقلد سيفا، وجلس مجلسا عاما، وقد خلع على الأمراء والوزير وقاضى القضاة وصاحب ديوان الإنشاء، وقرئ التقليد [الشريف

(3)

] السلطانى، قرأه فخر الدين بن لقمان

(4)

.

وقال ابن كثير: وقد كان الإمام أبو العباس أحمد هذا معتقلا ببغداد، ثم أطلق، وكان مع جماعة الأعراب بالعراق، ثم قصد الملك الظاهر حين بلغه، فقدم عليه الديار المصرية مع جماعة من العرب فيهم عشرة من الأمراء [463] منهم: الأمير ناصر الدين مهنّى

(5)

، فتلقاه السلطان والوزير وقاضى القضاة تاج الدين

(1)

انظر الروض الزاهر ص 101، المواعظ والاعتبار ج 2 ص 302.

(2)

[] إضافة من المواعظ والاعتبار ج 2 ص 302 للتوضيح.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 43 ب.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 43 أ - 43 ب.

(5)

«فى ثامن رجب» - البداية والنهاية ج 13 ص 231.

ص: 296

والشهود والمؤذنون، وخرجت اليهود والنصارى بإنجيلهم، ودخل من باب النصر فى أبّهة عظيمة، وكان يوما مشهودا.

وهذا الخليفة هو الثامن والثلاثون من خلفاء بنى العباس، وبينه وبين العباس أربعة وعشرون أبا.

وكان أول من بايعه يوم عقد المجلس القاضى تاج الدين عند ما ثبت نسبه عنده، ثم السلطان الملك الظاهر، ثم الشيخ عز الدين بن عبد السّلام، ثم الأمراء وأكابر الدولة.

وكان منصب الخلافة شاغرا ثلاث سنين ونصفا، لأن المستعصم بالله قتل فى أوائل سنة ست وخمسين وستمائة، وبويع هذا فى يوم الإثنين الثالث عشر من رجب من هذه السنة، أعنى سنة تسع وخمسين وستمائة.

وكان أسمرا، وسيما، شديد القوى، عالى الهمّة، ذا شجاعة وإقدام، وقد لقب هذا بالمستنصر، كما كان أخوه بانى المدرسة ببغداد لقب بهذا، وهذا أمر لم يسبق إليه أن خليفتين أخوين يلقب كل واحد منهما بلقب الآخر، وقد أنزل هذا الخليفة بقلعة الجبل فى برج هو وحشمه وخدمه.

ولما كان يوم الجمعة سابع عشر رجب، ركب فى أبّهة السواد، وجاء إلى الجامع بالقلعة، فصعد المنبر، وخطب الناس، ذكر فيها شرف بنى العباس، ثم استفتح فقرأ عشرا من سورة الأنعام، ثم صلى على النبى صلى الله عليه وسلم، وترضى عن الصحابة، رضى الله عنهم، ودعا للسلطان، ثم نزل عن المنبر فصلى بالناس، فاستحسن ذلك منه، وكان وقتا حسنا، ويوما مشهودا

(1)

.

(1)

البداية والنهاية ج 13 ص 231 - 232.

ص: 297

وقال ابن كثير: ولما كان يوم الإثنين الرابع من شعبان، ركب الخليفة والسلطان والوزير والقضاة والأمراء وأهل الحلّ والعقد إلى خيمة عظيمة قد ضربت بظاهر القاهرة، فألبس الخليفة السلطان بيده خلعة سوداء، وطوقا فى عنقه، وقيدا فى رجليه، وهما من ذهب

(1)

، وصعد فخر الدين إبراهيم بن لقمان رئيس الكتاب منبرا، فقرأ عليه تقليد السلطان، وهو من إنشائه وبخط نفسه، ثم ركب السلطان بهذه الأبّهة، والقيد في رجليه والطوق فى عنقه، والوزير بين يديه على رأسه التقليد، والأمراء والدولة فى خدمته مشاه سوى الوزير، [464] فشق القاهرة، وقد زينت له، وكان يوما مشهودا

(2)

.

ونسخة التقليد المكتتب عن الخليفة للسلطان:

الحمد لله الذى اصطفى [الإسلام

(3)

ب] ملابس الشرف، وأظهر [بهجة

(4)

] درره، وكانت خافية بما استحكم عليها من الصدف، وشيّد ما وهى من علائه، حتى أنسى ذكر ما سلف، وقيّض لنصره ملوكا اتفق على طاعتهم من اختلف.

أحمده على نعمه التى رتعت

(5)

الأعين منها فى الروض الأنف، وألطافه التى وفّقت للشكر

(6)

عليها، فليس له عنها منصرف، وأشهد أن لا إلّه إلا الله، وحده لا شريك

(1)

عن هذه الخلع الخليفتية انظر السلوك ج 1 ص 452.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 232.

(3)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 453، «أضفى على الإسلام» فى ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 443.

(4)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(5)

«فسرح» فى ذيل مرآة الزمان.

(6)

«وقف الشكر» فى السلوك ج 1 ص 453، وذيل مرآة الزمان، الروض الزاهر ص 102.

ص: 298

له، شهادة توجب من المخاوف أمنا، وتسهّل من الأمور ما كان حزنا. وأشهد أن محمدا عبده

(1)

الذى جبر من الدين وهنا، ورسوله الذى أظهر من المكارم فنونا لافنّا، [صلى الله عليه

(2)

] وعلى آله. الذين أضحت مناقبهم باقية لا تفنى، وأصحابه الذين أحسنوا فى الدين

(3)

فاستحقّوا الزيادة فى الحسنى

(4)

، [وسلم تسليما كثيرا

(5)

].

وبعد: فإنّ أولى الأولياء بتقديم ذكره، وأحقهم أن يصبح القلم ساجدا وراكعا

(6)

فى تسطير مناقبه وبرّه، من سعى فأضحى بسعيه الجميل مقدّما

(7)

، ودعا إلى طاعته فأجاب

(8)

من كان منجدا ومتهما، وما بدت يد من المكرمات إلا كان لها زندا ومعصما، ولا استباح بسيفه

(9)

حمى وغى إلا أضرمه نارا وأجراه دما.

ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصة بالمقام العالى المولوى السلطانى الملكى الظاهرى الركنى، شرّفه الله وأعلاه، ذكره

(10)

ذكره الديوان العزيز النبوىّ الإمامىّ المستنصرىّ، أعز الله سلطانه، تنويها بشرف قدره، واعترافا بصنيعه

(11)

الذى

(1)

«عبده ورسوله» فى الأصل ومشطوب على كلمة «رسوله» وكذلك فى ذيل مرآة الزمان، وحذف كلمة «رسوله» يتفق مع ما جاء بالسلوك ج 1 ص 453.

(2)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(3)

«فى الدنيا» فى السلوك.

(4)

«من الحسنى» - فى السلوك والروض الزاهر «والحسنى» فى ذيل مرآة الزمان.

(5)

[] إضافة من الروض الزاهر ص 102.

(6)

«راكعا وساجدا» - فى السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(7)

«بسعيه الحميد متقدما» - فى السلوك، وذيل مرآة الزمان. والروض الزاهر.

(8)

«فأجابه» فى ذيل مرآة الزمان.

(9)

«بسيفه» ساقط من الروض الزاهر. ص 103.

(10)

«ذكرها» فى ذيل مرآة الزمان.

(11)

«بصنعه» فى الروض الزاهر، وصبح الأعشى ج 10 ص 112.

ص: 299

تنفذ العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره، وكيف لا؟ وقد أقام الدولة العباسيّة بعد أن أقعدتها زمانة الزمان، وأذهب

(1)

ما كان لها من محاسن وإحسان، وعتب

(2)

دهرها المسئ لها فأعتب، وأرضى عنها زمانها

(3)

، وقد كان صال عليها صولة مغضب، فأعاده لها سلما بعد أن كان عليها حربا، وصرف إليها اهتمامه فرجع كل متضايق

(4)

من أمورها واسعا

(5)

رحبا، ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوّا وعطفا، وأظهر له

(6)

من الولاء رغبة فى ثواب الله ما لا يخفى، وأبدى من الإهتمام بأمر [الشريعة و] البيعة أمرا

(7)

لو رامه غيره لامتنع عليه، ولو تمسك بحبله متمسك لانقطع به [465] قبل الوصول إليه، لكن الله [تعالى

(8)

] ادخر هذه الحسنة ليثقل بها فى الميزان ثوابه

(9)

ويخفف بها يوم القيامة حسابه، والسعيد من خفف حسابه، فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلدها فى صحيفة

(10)

صنعه، ومكرمة قضت لهذا البيت الشريف بجمعه

(11)

، بعد أن حصل الإياس من جمعه.

(1)

«وأذهبت» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(2)

«وأعتب» فى السلوك والروض الزاهر، «واستعتب» فى صبح الأعشى ج 10 ص 112.

(3)

«زمنها» فى الروض الزاهر.

(4)

«كل مضيق» فى ذيل مرآة الزمان.

(5)

«واسعا» ساقط من الروض الزاهر.

(6)

«له» ساقط من الروض الزاهر.

(7)

[] إضافة من السلوك وذيل مرآة الزمان.

(8)

[] إضافة من السلوك.

(9)

«ليثقل بها ميزان ثوابه» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(10)

«فى صحف» - فى ذيل مرآة الزمان.

(11)

«قضت لهذا البيت الشريف النبوى بجمع شمله» - فى ذيل مرآة الزمان.

ص: 300

وأمير المؤمنين يشكر لك

(1)

هذه الصنائع، ويعترف

(2)

أنه لولا اهتمامك [بأمره

(3)

] لا تسع الخرق على الراقع، وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية، والديار البكرية

(4)

، والحجازية، واليمنية، والفراتية، وما يتجدّد من الفتوحات غورا ونجدا، وفوض أمر جندها ورعاياها إليك حين أصبحت فى المكارم

(5)

فردا، ولا جعل

(6)

منها بلدا من البلاد، ولا حصنا من الحصون مستثنى

(7)

، ولا جهة من الجهات تعد فى الأعلى ولا الأدنى

(8)

.

فلاحظ أمور الأمة، فقد أصبحت لها

(9)

حاملا، وخلص نفسك من التبعات اليوم

(10)

ففى الغد

(11)

تكون مسئولا ولا سائلا

(12)

، ودع الاغترار بأمر الدنيا فما نال أحد منها طائلا، وما رآها

(13)

أحد بعين الحق إلا رآها خيالا زائلا، فالسعيد من

(1)

«يشكر الآن» فى ذيل مرآة الزمان.

(2)

«ويعرف» صبح الأعشى.

(3)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(4)

«والديار الجزيزية» فى ذيل مرآة الزمان.

(5)

«بالمكارم» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(6)

«وما جعل» فى الروض الزاهر، و «لم يجعل» فى صبح الأعشى.

(7)

«يستثنى» فى السلوك.

(8)

«ولا فى الأدنى» فى السلوك والروض الزاهر.

(9)

«أصبحت لثقلها» فى ذيل مرآة الزمان.

(10)

«اليوم من التبعات» فى ذيل مرآة الزمان.

(11)

«ففى غد» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان، وصبح الأعشى، والروض الزاهر.

(12)

«تكون مسئولا لا سائلا» فى السلوك، والروض الزاهر، وصبح الأعشى و «تكون مسئولا عنها لا سائلا» فى ذيل مرآة الزمان.

(13)

«وما لحظها» فى ذيل مرآة الزمان.

ص: 301

قطع [منها

(1)

] آماله الموصولة، وقدم لنفسه زاد التقوى، فتقدمة غير التقوى مردودة لا مقبولة، وابسط يدك بالإحسان والعدل، فقد أمر الله بالعدل والإحسان

(2)

[وكرر ذكره

(3)

] فى مواضع من القرآن، وكفر به عن المرء ذنوبا [كتبت عليه

(4)

] وآثاما، وجعل يوما واحدا فيه

(5)

كعبادة العابد

(6)

ستين عاما، وما سلك أحد

(7)

سبيل العدل إلا واجتنيت ثماره من أفنان، ورجع الأمر

(8)

به يعد

(9)

تداعى أركانه و

(10)

هو مشيد الأركان، وتحصن به من حوادث زمانه

(11)

، والسعيد من تحصن من حوادث الزمان، وكانت

(12)

أيامه [فى الأيام

(13)

] أبهى من الأعياد، وأحسن فى العيون من الغرر فى أوجه الجياد، وأحلى من العقود إذا حلى بها عطل

(14)

الأجياد.

(1)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(2)

«وحث على الإحسان» فى السلوك، «بالإحسان والعدل» فى صبح الأعشى.

(3)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(4)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان: والروض الزاهر.

(5)

«منها» فى السلوك، و «منه» فى ذيل مرآة الزمان، و «فيه» فى صبح الأعشى.

(6)

«العابد» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

(7)

«أحد» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

(8)

«الأمن» فى ذيل مرآة الزمان، وهو تحريف.

(9)

«بعد بعد» فى السلوك.

(10)

«وهو» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

(11)

«الزمان» فى ذيل مرآة الزمان.

(12)

«فكانت» فى ذيل مرآة الزمان.

(13)

[] إضافة من السلوك وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(14)

«عاطل» فى السلوك.

ص: 302

وهذه الأقاليم المنوطة بك

(1)

تحتاج إلى نواب

(2)

وحكام، وأصحاب رأى من أصحاب

(3)

السيوف والأقلام، فإذا استعنت بأحد منهم فى أمورك

(4)

فنقب عليه تنقيبا

(5)

، واجعل عليه فى تصرفاته رقيبا، وسل عن أحواله ففى يوم القيامة تكون عنه مسئولا، وبما أجرم

(6)

مطلوبا، ولا تول [منهم

(7)

] إلا من تكون مساعيه حسنات [466] لك

(8)

لا ذنوبا، وأمرهم بالإناة

(9)

فى الأمور والرفق، ومخالفة الهوى إذا ظهرت [لهم

(10)

] أدلة الحق، وأن يقابلوا الضعفاء فى حوائجهم بالثغر الباسم، والوجه الطلق، وأن لا يعاملوا أحدا على الإحسان والإساءة إلا بما يستحق، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعية

(11)

إخوانا، وأن يوسعوهم برا وإحسانا، وأن لا يستحلوا حرماتهم إذا استحل الزمان

(12)

لهم حرمانا، فالمسلم أخو المسلم

(13)

ولو كان أميرا

(1)

«بنظرك» فى ذيل مرآة الزمان.

(2)

«نواب» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

(3)

«أرباب» فى ذيل مرآة الزمان.

(4)

«فى أمرك» فى ذيل مرآة الزمان.

(5)

«نقيبا» فى الأصل، والتصحيح من السلوك وذيل مرآة الزمان.

(6)

«اجترم» فى ذيل مرآة الزمان.

(7)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(8)

«لك» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

(9)

«بالأناءة» فى الأصل.

(10)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(11)

«الرعايا» فى السلوك.

(12)

«لهم الزمان» فى ذيل مرآة الزمان.

(13)

«والمسلم» فى الأصل، والتصحيح من السلوك، وذيل مرآة الزمان، وصبح الأعشى.

ص: 303

عليه أو سلطانا

(1)

، والسعيد من نسج ولاته فى الخير على منواله، واستنوا بسنته فى تصرفاته وأحواله، وتحملوا عنه ما تعجز عن حمل

(2)

أثقاله.

ومما يؤمرون به أن يمحى ما أحدث من سئ السنن، وجدد من المظالم التى هى [على الخلائق

(3)

] من أعظم المحن، وأن يشترى بإبطالهما المحامد، [فإن المحامد

(4)

] رخيصة بأغلى ثمن

(5)

، ومهما جبى منها

(6)

من الأموال فإنما هى

(7)

باقية فى الذمم، [وإن كانت

(8)

] حاصلة، وأجياد الخزائن وإن

(9)

أضحت بها خالية، فإنما هى على

(10)

الحقيقة

(11)

منها عاطلة، وهل أشقى ممن احتقب إثما، واكتسب بالمساعى الذميمة ذما، وجعل السواد الأعظم يوم القيامة له خصما

(12)

، وتحمل ظلم الناس

(13)

فيما صدر عنه من أعماله، {وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً}

(14)

.

(1)

«وسلطانا» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(2)

«عنه على» فى الأصل، والتصحيح من السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(3)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(4)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(5)

«الثمن» فى ذيل مرآة الزمان.

(6)

«بها» فى الأصل، والتصحيح من السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(7)

«فانها» فى ذيل مرآة الزمان.

(8)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(9)

«إن» فى الأصل، والتصحيح من السلوك.

(10)

«فى» فى الأصل، والتصحيح من السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(11)

«منها» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

(12)

«له يوم القيامة خصما» فى السلوك.

(13)

«مما» فى ذيل مرآة الزمان.

(14)

سورة طه رقم 20 جزء من الآية 111.

ص: 304

وحقيق بالمقام الشريف، المولوى

(1)

، السلطانى، الملكى، الظاهرى، الركنى، أن تكون ظلامات الأنام مردودة بعدله، وعزائمه تخفف [عن الخلائق

(2)

] ثقلا لا طاقة لهم بحمله، فقد أضحى على الإحسان قادرا، صنعت له الأيام ما لم تصنعه لمن تقدم

(3)

من المملوك وإن جاء آخرا، فاحمد الله على أن وصل إلى جنابك إمام هدى يوجب لك

(4)

مزية التعظيم، وينبه

(5)

الخلائق على ما خصك الله به من هذا الفضل العظيم

(6)

، وهذه أمور يجب

(7)

أن تلاحظ وترعى، وأن يوالى عليها حمد الله فإن الحمد [لله

(8)

] يجب عليها عقلا وشرعا، وقد تبين أنك صرت فى الأمور أصلا وصار غيرك فرعا.

ومما يجب أيضا

(9)

تقديم ذكره، أمر

(10)

الجهاد الذى أضحى على الأمة فرضا، وهو العمل الذى يرجع به مسود الصحائف مبيضا، وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم، وأعد لهم عنده المقام الكريم، وخصهم بالجنة التى «لا لَغْوٌ فِيها}

عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان - 20

(1)

«الشريف المولوى» ساقط من ذيل مرآة الزمان، و «المولوى» ساقط من الروض الزاهر.

(2)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(3)

«لغيره ممن تقدم» فى السلوك، والروض الزاهر.

(4)

«أوجب لك» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(5)

«ونبه» فى السلوك وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر.

(6)

«العميم» فى ذيل مرآة الزمان.

(7)

«ينبغى» فى ذيل مرآة الزمان.

(8)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(9)

«أيضا» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

(10)

«أن» فى الأصل، والتصحيح من السلوك والروض الزاهر، وصبح الأعشى، وساقط من ذيل مرآة الزمان.

ص: 305

{وَلا تَأْثِيمٌ»

(1)

، وقد تقدمت لك فى الجهاد [يد

(2)

] بيضاء أسرعت فى سواد الحساد، وعرفت منك عزيمة

(3)

وهى أمضى مما تجنه ضمائر الأغماد، [467] «واشتهرت لك مواقف فى القتال هى أشهر

(4)

» وأشهى إلى القلوب من الأعياد، وبك صان الله حمى الإسلام من أن يبتدل

(5)

، وبعزمك حفظ على المسلمين

(6)

نظام هذه الدول، وسيفك أثر

(7)

فى قلوب الكافرين قروحا لا تندمل، وبك يرجى أن يرجع مقر

(8)

الخلافة

(9)

إلى ما كان عليه فى الأيام الأول.

فأيقظ لنصرة الإسلام جفنا ما كان غافيا ولا هاجعا، وكن فى مجاهدة أعداء الله [إماما

(10)

] متبوعا لا تابعا، وأيد كلمة التوحيد فما تجد فى تأييدها إلا مطيعا سامعا.

ولا تخل الثغور من اهتمام بأمرها، تبتسم

(11)

له الثغور، وإحتفال يبدل ما دجى من ظلماتها بالنور، واجعل أمرها على الأمور مقدما، وشيد منها كل

(12)

ما غادره

(1)

سورة الطور رقم 52 جزء من الآية 23.

(2)

[] إضافة من الروض الزاهر، وصبح الأعشى.

(3)

«عزمة» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان، والروض الزاهر، وصبح الأعشى.

(4)

«» ساقط من السلوك، و «هى أبهى» فى ذيل مرآة الزمان.

(5)

«يتبدل» فى السلوك.

(6)

«على الإسلام» فى الأصل، والتصحيح من المصادر المذكورة.

(7)

«الذى أثر» فى ذيل مرآة الزمان.

(8)

«مقام» فى الأصل، والتصحيح من المصادر المذكورة.

(9)

«الخلافة المعظمة» فى ذيل مرآة الزمان.

(10)

[] إضافة من السلوك، وذيل مرآة الزمان، وصبح الأعشى، والروض الزاهر.

(11)

«تبسم» فى السلوك، وصبح الأعشى.

(12)

«كل» ساقط من ذيل مرآة الزمان.

ص: 306

العدو متهدما، فهذه حصون بها يحصل

(1)

الإنتفاع، [وبها تحسم الأطماع

(2)

]، وهى على العدو داعية افتراق لا اجتماع، وأولاها بالإهتمام ما كان البحر له مجاورا

(3)

، والعدو إليه ملتفتا ناظرا، لا سيما ثغور الديار المصرية، فإن العدو وصل إليها رابحا وراح

(4)

خاسرا، واستأصلهم الله فيها حتى ما أفال منهم عاثرا.

وكذلك [أمر

(5)

] الأسطول الذى ترى حبله

(6)

كالأهلّة، وركائبه سائقة

(7)

بغير سائق مستقلة، وهو أخو الجيش السليمانى، فإن ذاك غدت الرياح له

(8)

حاملة، وهذا تكلفت بحمله المياه السائلة

(9)

، وإذا لحظها الطرف جارية فى البحر كالأعلام

(10)

، وإذا شبهها قال: هذه ليال تقلع بالأيام

(11)

.

(1)

«يحل» فى الأصل، والتصحيح من المصادر المذكورة.

(2)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(3)

«ما كان للبحر مجاورا» فى الأصل، والتصحيح من المصادر المذكورة.

(4)

«ورجع» فى ذيل مرآة الزمان.

(5)

[أمر] إضافة من السلوك.

(6)

«تزجى خيله» فى السلوك، «ترى خيله» فى ذيل مرآة الزمان، وصبح الأعشى، والروض الزاهر.

(7)

«سابقة» فى السلوك وصبح الأعشى وساقط من ذيل مرآة الزمان.

(8)

«له الرياح» فى ذيل مرآة الزمان، و «الريح له» فى صبح الأعشى.

(9)

«الرياح السابلة» فى صبح الأعشى.

(10)

«وإذا لحظها جارية فى البحر كانت كالأعلام» فى السلوك، و» وإذا لحظها الطرف سائرة فى البحر كانت كالأعلام «- فى ذيل مرآة الزمان. والروض الزاهر.

(11)

«تطلع فى أيام «فى ذيل مرآة الزمان.

ص: 307

وقد سنى لك الله

(1)

من السعادة كل مطلب، وآتاك من أصالة الرأى الذى يريك المغيّب، وبسط بعض القبض منك الأمل، ونشط بالسعادة ما كان من كسل، وهداك إلى مناهج الحق، وما زلت مهتديا إليها، وألزمك

(2)

المراشد فلا تحتاج

(3)

إلى تنبيه عليها، والله [تعالى

(4)

] يمدّك

(5)

بأسباب نصره، ويوزعك شكر نعمه، فإن النعمة تستتم بشكره

(6)

[إن شاء الله تعالى

(7)

].

وركب السلطان، وشق المدينة، وحمل التقليد الأمير جمال الدين النجيبى أستاذ الدار والصاحب بهاء الدين فى بعض الطريق، فكان السلطان فى موكبه هذا كما قيل:

خلع خلعن من العداة قلوبهم

وملأن بالإشراق أبصار الملا

[468]

لما طلعت بها بهرت فلم تطق

طرف إليك من الشجاع تأمّلا

(1)

«الله لك» فى السلوك، وذيل مرآة الزمان.

(2)

«وألهمك» فى ذيل مرآة الزمان.

(3)

«ولا تحتاج» فى السلوك.

(4)

[] إضافة من ذيل مرآة الزمان.

(5)

«يؤيدك» فى ذيل مرآة الزمان.

(6)

«فإن النعمة ستتم بشكره» فى السلوك، و «فإن النعم تستتم شكره بمنه وكرمه» فى ذيل مرآة الزمان.

(7)

[] إضافة من صبح الأعشى، والروض الزاهر، وانظر نص التقليد فى كل من: ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 443 - 449، ج 2 ص 98 - 103، صبح الأعشى ج 10 ص 112 - 116، الروض الزاهر ص 102 - 110، السلوك ج 1 ص 453 - 457، كنز الدرر ج 8 ص 73 - 79: وانظر أيضا الفقرات الطويلة التى أوردها ابن تغرى بردى من التقليد - النجوم الزاهرة ج 7 ص 111 - 113.

ص: 308

وبدا عليك الطوق رصع درّه

فرأيت بدرا بالنجوم تكلّلا

(1)

واستخدم السلطان للخليفة ما يحتاج إليه من أرباب الوظائف والأشغال، فجعل الأمير سابق الدين بوزبا أتابك العساكر، وكتب له بألف فارس، وجعل الطواشى بهاء الدين صندل شرابيا، وكتب له بخمسمائة فارس، والأمير ناصر الدين بن صيرم خزندارا وكتب له بخمسمائة فارس، والأمير نجم الدين استادار الدار، وكتب له بخمسمائة فارس، وسيف الدين بلبان الشمسى دوادارا، وكتب له بخمسمائة فارس، وأمر جماعة من العربان بالطبلخانات، واشترى للخليفة مائة مملوك جمدارية وسلحدارية، وأعطى كلا منهم ثلاثة أروس خيل، وجملا لعدته، وإستخدم له أصحاب الدواوين، وكتاب الإنشاء، والأئمة، والغلمان، والحكماء، والجرائحية، وكمل البيوت، والخيول، والأسلحة

(2)

.

ومنها: أن السلطان الملك الظاهر بيبرس رحمه الله توجه إلى الشام خارجا من مصر فى السادس من شوال من هذه السنة، وصحبته العساكر، والخليفة، وحاشيته، والأخوة الثلاثة ملوك البلاد الشرقية أولاد صاحب الموصل:

ركن الدين إسماعيل، وولده علاء الملك، وأخوه المجاهد سيف الدين إسحاق صاحب الجزيرة، وأخوهما الملك المظفر، وسنذكر مجيئهم إلى خدمة السلطان الظاهر، وكان قصد الظاهر تقرير ما تغير من القواعد، وإعادة الأحوال بدار السلام.

(1)

«مكللا» فى الروض الزاهر ص 110.

(2)

انظر أيضا السلوك ج 1 ص 458 - 459.

ص: 309

ولما وصل إلى دمشق نزل بقلعتها، وأنزل الخليفة فى تربة الملك الناصر بجبل الصالحية، ولما اجتمع على تجهيز الخليفة، والملوك المذكورين، جرد معهم الأمير سيف الدين بلبان الرشيدى، والأمير شمس الدين الرومى، وهما من أكابر الأمراء، وجرد معهما طائفة من العسكر، وأوصاهما أن يزالا مع الخليفة إلى أن يوصلاه إلى الفرات بالبر الغربى، وبجهة البلاد الحلبية، لانتظار ما يتجدد من جهة الخليفة حتى إذا احتاج إليهما وأرسل من يستدعيهما يبادران إليه بمن معهما من العسكر، ولا يدعان أحدا يتوقف عنه، ولا يتأخر، ثم ودعه ميلا، والخليفة مطاعا أمره، مسرورا قلبه.

فكان جملة ما غرم السلطان على تجهيزه من الأموال ألف ألف دينار عينا مصرية وستين ألف دينار، [469] فلله دره من ملك، ما أعظم همته، وما أكرم سجيته، وما أشدّ اجتهاده فى الله، رضى الله عنه.

وقال ابن كثير: وكان سبب خروج السلطان إلى الشام أن البرلى

(1)

كما تقدم كان قد استحوذ على حلب، فأرسل [إليه

(2)

] الأمير علم الدين سنجر الحلبى الذى كان قد تغلب على دمشق، فطرده عن حلب وتسلمها منه، وأقام بها نائبا عن السلطان، ثم لم يزل البرلى

(3)

حتى إستعادها منه واستولى عليها كما كان، فاستناب السلطان على الديار المصرية عز الدين أيدمر الحلى

(4)

، وجعل تدبير المملكة بها إلى

(1)

«أن التركى» فى البداية والنهاية، وهو تحريف.

(2)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(3)

«التركى» فى البداية والنهاية.

(4)

«الحلبى» فى البداية والنهاية.

ص: 310

الوزير بهاء الدين بن حنا، واستصحب ولده فخر الدين بن الحنا وزير الصحبة، وجعل تدبير العسكر والجيوش معه إلى الأمير بدر الدين بيلبك الخزندار

(1)

.

وقال ابن كثير: وكان دخول السلطان إلى دمشق يوم الإثنين سابع ذى القعدة من هذه السنة وكان يوما مشهودا، وصلى هو والخليفة الجمعة بجامع دمشق، وكان دخول الخليفة إلى الجامع من باب البريد، ودخول السلطان من باب الزيادة وكان يوما مشهودا، ثم جهز السلطان الخليفة كما ذكرنا، وأصحبه أولاد صاحب الموصل، وقدم إليه صاحب حمص الملك الأشرف فخلع عليه، وأطلق له، وكتب له تقليدا ببلاده، ثم جهز جيشا صحبة الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار إلى حلب لمحاربة البرلى المتغلب عليها المفسد فيها

(2)

.

وقال أبو شامة: وفى يوم الخميس ثامن ذى الحجة عزل عن قضاء دمشق النجم بن الصدر بن سنى الدولة، وتولى الحكم القاضى شمس الدين أحمد بن بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن خلكان الذى كان نائبا فى الحكم بالقاهرة سنين كثيرة، وجلس مكان النجم وابنه

(3)

بالمدرسة العادلية، ثم وكل على النجم وأمره

(4)

بالسفر إلى الديار المصرية، وكان حاكما جائرا فاجرا ظالما متعديا، فاستراح منه البلاد والعباد

(5)

، وهو الذى شاع عنه أنه أودع كيسا فيه ألف دينار، فردّ بدله

(1)

البداية والنهاية ج 13 ص 232 - 233.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 233.

(3)

«وأبيه» فى الذيل على الروضتين ص 214، وهو تحريف.

(4)

«وأمر» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(5)

«العباد والبلاد» - فى الذيل على الروضتين.

ص: 311

كيسا فيه فلوس، وذكر ذلك فى القصيدة التى هجى بها لما تولى الحكم، [ورفعت إلى الملك

(1)

] المظفر والمولى الأمير المجير، وابن وداعة.

قال أبو شامة: وفى الجملة تولى الحكم فى زماننا ثلاثة مشهورين بالفسق:

هذا الظالم، والرفيع الحنفى

(2)

وابن الجمال المصرى، وكان نائبا عن أبيه، وقلت فى حصر [470] القضاة ونوابهم:

دمشق فى عصرنا مع فضلها بليت

من القضاة بجهّال وأوقاح

بأعجميين ومصرى وصانعهم

وإربلى

(3)

وخيّاط وفلاّح

هم ضعف ستة والنواب كلهم

ضعفان أحزانهم أضعاف أفراح

أى هم إثنا عشر: الزكى، [وأخوه

(4)

] وابن الحرستانى، وإبنه، والجمال المصرى، [والخويى

(5)

] والرفيع، والتفليسى، وبنو سنى الدولة ثلاثة؛ وابن خلكان

(6)

؛ والنواب ثمانية عشر.

ثم سافر القاضى المعزول إلى مصر تحت الحوطة يوم الخميس خامس عشر ذى الحجة، والدعاء عليه كثير، والتظلم منه شائع، والدعاوى عليه كثيرة

(7)

.

(1)

[] إضافة من الذيل على الروضتين، ويوجد فى الأصل بدلا منها «أولها يا أيها المالك» .

(2)

«الجبلى» فى الذيل على الروضتين.

(3)

«وصائغهم والأربلى» فى الذيل على الروضتين.

(4 و 5)[] إضافة من الذيل على الروضتين.

(6 و 7) انظر الذيل على الروضتين ص 214.

ص: 312

قال: وأنشدنى العماد داود الحموى لنفسه فى ذلك [القاضى المعزول

(1)

]:

نجم أتاه ضياء الشمس فاحترقا

وراح فى لجج الأدبار قد غرقا

ناحت عليه الليالى وهى شامتة

وعرفته صروف الدهر ما اختلقا

وحدّثته الأمانى وهى كاذبة

بأنه لا يرى بعد النعيم شقا

وجاد بالمال كى تبقى رئاسته

وفتق الشرع والتقوى وما رتقا

فجاءه سهم غرب جل مرسله

فمات معنى وما أخطاه من رشقا

وألقيت فى قلوب الناس بغضته

لكنهم قد غدوا فى ذمه فرقا

ففرقة بقبيح الظلم تذكره

وفرقة حلفت بالله قد فسقا

(2)

[وزدت أنا

(3)

]:

وفرقة وصفته بالخلاعة مع

خبث وكبر وكلّ منهم صدقا

قال: وفى الغد يوم الجمعة: قرئ بالشباك الكمالى بجامع دمشق، وأنا حاضر فيه، تقليد القضاء للقاضى شمس الدين بن خلكان الإربلى، ويتضمن أنه فوض إليه الحكم فى جميع بلاد الشام من العريش إلى سلمية، يستنيب فيها من يراه،

(1)

[] إضافة من الذيل على الروضتين ص 215.

(2)

انظر الذيل على الروضتين ص 215، حيث توجد أبيات أخرى هى:

وفرقة سلبته ثوب عصمته

بأنه من رباط الدين قد مرقا

وراح قسرا إلى مصر على عجل

موافقا للذى من قبله سبقا

مفارقا لنعيم كان منغمسا

فيه ولذة يوم بدلت أرقا

(3)

[] إضافة من الذيل على الروضتين للتوضيح.

ص: 313

وفوض إليه النظر

(1)

النظر فى أوقاف الجامع، والمصالح، والمارستان، والمدارس وغيرها

(2)

، مما كان تحت يد الحاكم المعزول، وفوض إليه تدريس سبع مدارس كانت تحت يد المعزول أيضا وهى العذراوية، والعادلية، والناصرية، والفلكية، والركنية، والإقبالية، والبهنسية

(3)

.

وفى تاريخ النويرى: ولما سار السلطان الملك الظاهر من مصر إلى الشام، أمر القاضى شمس الدين بن خلكان أن يسافر فى صحبته من [471] مصر إلى الشام فسافر، ولما دخل السلطان دمشق عزل عن قضاء دمشق نجم الدين بن صدر الدين ابن سنى الدولة وولى عوضه القاضى شمس الدين بن خلكان

(4)

.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أن فى يوم الجمعة خامس المحرم من هذه السنة كانت كسرة التتار على حمص قريبا من قبر خالد بن الوليد رضى الله عنه، وقد ذكرناها مفصلة فى السنة الماضية لأجل تتميم الكلام

(5)

.

ومنها: وصول الملك الصالح ركن الدين إسماعيل بن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ إلى الأبواب السلطانية، وكان وصوله فى شعبان، فأقبل الظاهر عليه وأحسن إليه، وأمر له ولمن معه بالإقامات والإنزال من دمشق إلى مصر، وتلقاه

(1)

«الناظر» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(2)

«وغيرهما» فى الذيل على الروضتين.

(3)

«البهسنية» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين ص 215.

(4)

ملخصا عن نهاية الأرب مخطوط ج 28 ورقة 43، وانظر المختصر ج 3 ص 213.

(5)

انظر ما سبق ص 268 وما بعدها.

ص: 314

وأنزله فى دار أخليت له، تليق بمثله، ووصل بعده أخوه المجاهد سيف الدين إسحاق صاحب الجزيرة، فتلقاه كما تلقى أخاه، وكان أخوهما الملك المظفر صاحب سنجار قد رتبه الملك سيف الدين قطز نائبا بحلب بعد كسرة التتار - كما ذكرنا - فوجد العزيزية أمراء حلب عليه، وكرهوا ولايته، فأمسكوه واعتقلوه فى بعض قلاع حلب لما قتل المظفر، فسأل إخوته السلطان تسييبه، فأفرج عنه، ووصل السلطان المذكورين بصلات جزيلة من المال والقماش والخيل والخلع والحوائص، لهم ولأصحابهم، وجهزهم ليعودوا إلى ممالكهم صحبة الخليفة المستنصر بالله، وكتب تقاليدهم بتفويضها إليهم.

فكتب للملك الصالح ركن الدين إسماعيل: الموصل وولاياتها ورساتيقها، ونصيبين

(1)

وولاياتها: بالوصا [والجزيرة

(2)

] ومدينة بوازيج

(3)

وما يتعلق بها، وعقر

(4)

[و] شوش

(5)

، ودارا

(6)

وأعمالها، والقلاع العمادية

(7)

وبلادها، والكواشى

(8)

وبلادها،

(1)

نصيبين: من مدن الجزيرة على طريق القوافل من الموصل إلى الشام - معجم البلدان.

(2)

«وبالوصا» فى الأصل، والتصحيح والإضافة من الروض الزاهر ص 115.

(3)

بوازيج: ويقال لها: بوازيج الملك: مدينة بين تكريت وإربل - معجم البلدان.

(4)

عقر: ويقال لها عقر الحميدية: قلعة حصينة فى جبال شرق الموصل، وتنسب إلى سكانها من الأكراد - معجم البلدان.

(5)

[و] إضافة من الروض الزاهر. شوش: قلعة كبيرة وعالية قرب عقر الحميدية - معجم البلدان.

(6)

دارا: مدينة فى سفح جبل نصيبين وما ردين، وتتبع الجزيرة - معجم البلدان.

(7)

هى قلعة حصينة عمرها عماد الدين زنكى سنة 537 هـ/ 1142 م ونسبت إليه، وكان اسمها آشب - معجم البلدان.

(8)

كواشى: قلعة فى جبال شرقى الموصل - معجم البلدان.

ص: 315

وأهرور

(1)

وبلدها، وجلصور

(2)

وبلدها، وكنكور

(3)

وبلدها.

وكتب للملك المجاهد سيف الدين إسحاق بلاد الجزيرة وزيد عليها حمرين.

وكتب للملك المظفر علاء الدين على سنجار وأعمالها التى كانت بيده.

وأرسل إليهم الطبلخانات والسناجق، وتقدم بسفرهم صحبته إلى الشام ليجهزهم إلى مستقرهم صحبة الخليفة المستنصر بالله، فتجهزوا صحبته كما ذكرنا.

ومنها: أنه جاءت الرسل من جهة جوان دلين كنديافا

(4)

، وغيره من الفرنج الذين بالساحل، إلى السلطان الملك الظاهر، والسلطان فى منزلة ماء [472] العوجاء يسألون السلطان الإذن لصاحبهم فى حضوره

(5)

إلى الأبواب الشريفة، فأذن لكنديافا المذكور، فحضر، فأكرمه السلطان وأقبل عليه، وأجاب سؤاله، ورسم بتقرير الهدنة له، ولصاحب بيروت على حكم القاعدة التى كانت مقررة فى الأيام الناصرية، وكتب له منشورا بما فى يده من البلاد، فقبل الأرض شكرا على هذه النعمة، وعاد، وكثرت الأجلاب، وأمنت السبل، وترددت التجار، وسلكت السفار، واندفعت عن أهل السواحل المضار.

(1)

أهرور: حصن منبع من أعمال الموصل - معجم البلدان.

(2)

«جلصوا» فى الأصل، والتصحيح من الروض الزاهر ص 116، جلصورا: قلعة فى أرض الموصل - معجم البلدان.

(3)

«ليكور» فى الأصل، والتصحيح من الروض الزاهر. كنكور: قلعة حصينة من قلاع الزوزان، وهى لصاحبه الموصل - معجم البلدان.

(4)

هوجون إبلين John of Ibelin صاحب يافا.

(5)

«حضورهم» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق، وما جاء فى الروض الزاهر ص 116.

ص: 316

ومنها: أنه وصل إلى السلطان رسول الأشكرى

(1)

ببذل المودة والمساعدة.

ومنها: أنه حضر إلى خدمة السلطان وهو فى الشام الملك المنصور والملك الأشرف صاحب حمص، فتلقاهما بالإكرام وحباهما بالإنعام، وأرسل إليهما شعار السلطنة، فركب كل منهما، وكتب لهما التقاليد بممالكهما، وزاد كل منهما على ما بيده، فزاد المنصور صاحب حماة بلاد الإسماعيلية، والملك الأشرف تل باشر، وأعادهما إلى مستقرهما.

وحضر لخدمته الملك الزاهد أسد الدين شيركوه، والملك الأمجد بن العادل صاحب بعلبك، والمنصور والسعيد ولدا الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الملك العادل الكبير، والملك الأمجد بن

(2)

الملك الناصر [داود

(3)

]، والملك الأشرف ابن الملك المسعود، والقاهر بن المعظم، فعاملهم بالجميل والإنعام الجزيل.

وهؤلاء من أعيان الذرية الأيوبية، وفدوا إلى خدمته ومثلوا بحضرته ووطئوا بساطه، وأكلوا سماطه، فكان هذا من أمارات الإقبال، وسعادة جد دولته الآمنة من الزوال.

ومنها: أن السلطان أفرج عن العزيز بن المغيث وأرسله إلى أبيه بالكرك، وذلك أن الملك المغيث فتح الدين عمر صاحب الكرك كان قد أرسل ولده العزيز فخر الدين عثمان إلى كتبغا نوين، مقدم التتار، عند وصوله إلى دمشق، فبقى

(1)

المقصود الامبراطور البيزنطى وهو الامبراطور ميخائيل الثامن باليولوجس.

(2)

«بن» مكررة فى الأصل.

(3)

[] إضافة للتوضيح من الروض الزاهر ص 120.

ص: 317

مقيما بها إلى أن اتفقت الكسرة، ودخل السلطان المظفر دمشق، فأمسكه واعتقله، فلما دخل الظاهر دمشق أفرج عنه وأحسن إليه، وجهزه إلى والده، وجهز إليه شعار السلطنة، فركب بها فى الكرك.

ومنها: أنه اتفقت واقعة بين الفرنج والتركمان ببلاد الجولان، وكان التركمان قد آووا إلى بلد الساحل جافلين من التتار، وانتقلوا إلى بلد الجولان فأقاموا بها، وكانت صفد بيد الفرنج فقصدوا الإغارة على التركمان، وتبييتهم على غرّة منهم، فشعروا [473] بما أراده الفرنج، فتأهبوا لهم وتيقظوا، فلما جاءوا إليهم اتفقوا معهم، فكسروا الفرنج كسرة شديدة، وأسروا من كنودهم جماعة، فبذلوا لهم ما لا يشترون به نفوسهم، ويفدون به رؤوسهم، فقبلوه منهم، وخلوا عنهم، ولم يطلعوا على ذلك أحدا من النواب السلطانية ظنا منهم أن الأمر يخفى ولا يظهر، فأطلع السلطان على ذلك، وعلم التركمان بذلك، فخافوا غائلة إيقاعه، فرحلوا من البلاد، وتوجهوا إلى الروم.

ومنها: أن الأمير بيبرس قال فى تاريخه: وفى هذه السنة اتفق وصولى إلى الديار المصرية صحبة الطواشى مجاهد الدين قايماز الموصلى خادم الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فاشترانى منه الأمير سيف الدين قلاون الألفى، واشترى منه مملوكا آخر خوشداشالى يسمى أيبك الموصلى، وكان السلطان قلاون ساكنا بحارة البندقانيين بالقاهرة المحروسة

(1)

، فرتبنى فى المكتب، فلطف الله بى، وعلمنى كتابه العزيز، وشرفنى بدراسة القرآن الكريم، لطفا من رب العالمين.

(1)

فى الطريق من قصبة القاهرة المعزية إلى سويقة الصاحب والحارة الوزيرية وبباب سعادة - المواعظ والاعتبار ج 1 ص 374.

ص: 318

ولما سافر المخدوم هذه السفرة، صحبة السلطان الملك الظاهر، كنت مقيما بالدار عند الست خاتون قطقطية، وهى والدة الملك الأشرف، معدودا فى جملة الصغار.

ومنها: أنه جرى لولدى صاحب الروم وهما عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان، وقد ذكرنا أنهما حضرا مع هلاون فتح حلب، وعاد كل منهما إلى مستقره على صورة القسمة التى قسمها بينهما منكوقان، فلما كان فى هذه السنة

(1)

أرسل هلاون إلى عز الدين يستدعى شمس الدين يوتاش نائبه، فأرسله إليه، فوصل إلى أرزنكان صحبة رسله، فاتفق عند وصولهم إليها عيد غطاس النصارى، فخرجوا متوجهين إلى الفرات بجمع كثير، ومعهم الجاثليق، وإسمه مرحسيا، وقد رفعوا الصلبان على الرماح، وأعلنوا النواقيس والصياح، فأنكر

(2)

عليهم شمس الدين يوتاش، وقصد منعهم، فقام عليه رسل هلاون

(3)

وقالوا: هذه بلاد السلطان ركن الدين، فلا تتحدث إلا فى بلاد مخدومك عز الدين كيكاوس، وسألوا الجاثليق كيف كانت عادتكم فى أيام السلطان غياث الدين؟ فقال لهم:

كانت عادتنا نحمل ثلاثة ألاف درهم ونعمل عندنا كما [474] نختار، فأخذوا منه ثلاثة آلاف درهم، ومكنوه من عمل العيد كما أراد، فلما جرت هذه المفاوضة بين رسل هلاون وشمس الدين يوتاش

(4)

عاد مغضبا ورجع إلى السلطان عز الدين،

(1)

«فلما كان فى سنة ستين وستمائة» - فى نهاية الأرب ج 27 ص 109 - 110.

(2)

«فأنكر» مكررة فى الأصل.

(3)

«فقام عليه هلاون رسل هلاون» فى الأصل، والتصحيح يتفق مع السياق، وما ورد فى نهاية الأرب ج 27 ص 110.

(4)

«يوقاش» فى الأصل، والتصحيح مما سبق، ومن نهاية الأرب.

ص: 319

وحسن إليه العصيان على هلاون، والخلاف على أخيه ركن الدين، والاستيلاء على بلاده، فأطاعه ووافقه.

وكان ذلك داعية الفساد الأكبر، والصدع الذى لم يجبر، ثم سار إلى توقات وهى إقطاع معين الدين سليمان البرواناه، وبها أولاده وحريمه، فحصرها وضايقها، واستولى على البلاد التى فى قسمة السلطان ركن الدين، فتوجه ركن الدين والبرواناه إلى هلاون، وشكيا إليه ما فعله السلطان عز الدين ونائبه يوتاش من الخلاف والعصيان، ونقض ما قرره القان، فجهز هلاون معهما تمان

(1)

من عسكره، صحبة مقدّم يسمى بيان نوين، وسارا راجعين، وتقدّما العسكر المذكور، وقررا مع بيان نوين أن يكون عندهما فى فصل الربيع.

ثم أن السلطان ركن الدين فرق ضياع أرزنجان

(2)

على أمرائه إقطاعا، ووعدهم بأنه متى استولى على مملكة أخيه أعطاهم تلك الضياع أملاكا، وأقام السلطان ركن الدين على أرزنجان إلى أن انقضى فصل الشتاء، وكان نائبه الأمير خطير الدين زكريا، وأتابك جيشه رسلان دغمش، إنحاز إليه مذ نفر عن أخيه السلطان عز الدين لما جهزه لحرب بيجو، وهجم على حريمه وهو فى حال السكر، وقد ذكرنا ذلك مقدما

(3)

، فاستمرّ فى الخدمة الركنية، وكان البرواناه بين يديه متصرفا فى المهمات، وشرف الدين مسعود وضياء الدين محمود كتابا بين يديه.

فلما أقبل زمن الربيع جاء بيان نوين بجيش التتار إلى أرزنجان، فجهز معهم السلطان ركن الدين عساكره، وسفرهم إلى الروم صحبة معين الدين البرواناه،

(1)

التومان: الفرقة من الجيش التى يبلغ عددها عشرة آلاف مقاتل، وقائد التومان من أصحاب أكبر الرتب العسكرية فى الجيش المغولى - نهاية الأرب ج 27 ص 110 هامش (1).

(2)

أرزنجان - أرزنكان: من بلاد أرمينة بين بلاد الروم وخلاط - معجم البلدان.

(3)

انظر ما سبق ص 154 وفيها ورد اسم الأتابك «أرسلان دغمش» .

ص: 320

فسار شمس الدين يوتاش عن التوقات ومعه عساكر السلطان عز الدين لحربهم، فالتقى الجمعان على موضع يسمى يلدوز طاغى، ومعناه جبل النجم، فكانت الكسرة على جيش ركن الدين والتتار، فانهزموا.

وعادوا إلى أرزنكان، فأقاموا بها، وأرسلوا إلى هلاون يستنجدون منه مددا، فجرّد إليهم مقدّما يسمى على شاق نوين، ومعه [475] تمان، فلما وصل، سار السلطان ركن الدين بنفسه، فوصلوا إلى قزان يوكى، فشتّوا هناك.

فلما انصرف الشتاء، وصلت رسل هلاون إلى السلطان عز الدين تستدعيه، فأبى المضى، وعكف على اللهو واللعب، وجمع عسكره حوله بقونية، ولم يهتم لحفظ الأطراف وثغور مملكته، فسار أخوه ركن الدين إليها، واستولى عليها حتى انتهى إلى أقصراى ودخل صحراء قونية.

فهرب السلطان عز الدين منهزما إلى الأشكرى بالقسطنطينية، وصحبته أخواله كرخيا وكركديد وهما على دين النصرانية، وثلاثة نفر من أمرائه، وأخلى لأخيه البلاد فملكها واستولى

(1)

عليها، سوى الثغور والجبال والسواحل التى بأيدى التركمان، فإنهم امتنعوا عن طاعة السلطان ركن الدين.

وكان كبارهم محمد باك وإلياس باك أخوه وعلى باك

(2)

صهره وسونج قرابته، فأرسلوا إلى هلاون يبذلون له الطاعة وحمل الإتاوة، ويطلبون منه سنجقا، وفرمانا بتقليدهم، وشحنة يقيم عندهم، فأجابهم إلى ذلك، وأرسل إليهم شحنة

(1)

«واستولى» مكررة فى الأصل. وانظر هذه الأحداث فى نهاية الأرب ج 27 ص 109 - 110.

(2)

«عليباك» فى الأصل.

ص: 321

يسمى قلشار، وكتب لهم فرمان بالبلاد التى بأيديهم، وهى: طكزلو وخوباس وطلماى وما حولها.

وأرسل هلاون إلى محمد باك أمير التركمان المذكور يستدعيه إلى الأردو، فأبى ولم يتوجه إليه، فبرز مرسوم هلاون إلى السلطان ركن الدين والتتار الذين فى الروم بأن يتوجهوا لقتال محمد باك والتركمان الذين معه، فتوجهوا لحربه، فخامر عليه على باك صهره، وجاء إلى السلطان ركن الدين وقوى عزمه على قتال التركمان، ودلهم على عوراتهم، ومداخل بلادهم، فدخلوها وأخذوا أكثرها، والتقى معهم فى صحراء طلمانية، فكسروه فانهزم، وتحصن ببعض الجبال، وأرسل يطلب الأمان ليحضر إلى الطاعة، فحلفوا له وآمنوه، فحضر، فأرسلوه إلى السلطان ركن الدين، فأخذه معه ورحل إلى قونية، فقتله عند وصوله إلى مدينة برلو، واستقر عليباك صهره أميرا على التركمان، وملك التتار تلك الأطراف إلى حد إسطنبول.

ومنها: أنه اتفقت واقعة الأمير شمس الدين أقوش البرلى العزيزى، وكان [476] المذكور له نابلس من الأيام المظفرية، وزاده السلطان بيسان، وأعطى مملوكه قجقار إقطاعا، وتوجه إلى دمشق، فحصلت أسباب أوجبت إمساك الأمير بهاء الدين بغدى الأشرفى؛ فنفر الأشرفية والعزيزية، وخرج الأمير شمس الدين المذكور وجماعة منهم، وتوجه إلى البيرة واستولى عليها، وجعل يشن الغارات على التتار الذين هم بشرقى الفرات، ويكبس من يستفرده منهم، وطمعت آماله فى قصد سنجار، فقصدها، وقد كمن له التتار وهو لا يشعر، فلما انتهى إلى حيث هم، خرجوا عليه فكسروه وهزموه، وقتلوا من رفقته جماعة منهم: الأمير علم الدين جكم الأشرفى، ونجا بنفسه، فعاد إلى البيرة، فراسله السلطان، وعرض

ص: 322

عليه الدخول فى الطاعة، ووعده بالإحسان، فلم يقبل، فجهز إليه جيشا وقدم عليه الأمير جمال الدين المحمدى، فسار إليه والتقيا، فكسره البرلى وأسره ومن معه، فأما الأمراء فأعطى لكل أمير منهم فرسا واحدا، وأما الأجناد فإنه تركهم رجالة وأطلقهم، فحضروا إلى السلطان، وهم على هذه الحال، فعدل عن مقاتلته إلى مخاتلته، فأرسل إليه يعده الإحسان ويستجلبه بصوغ اللسان.

‌ذكر الأمور المزعجة:

منها: أن فى ربيع الأول من هذه السنة وردت الأخبار من ناحية عكا أن سبع جزائر فى البحر خسف بها وبأهلها، بعد أن أمطرت عليهم دماء عدة أيام، وهلك منهم خلق كثير قبل الخسف، وبقى أهل عكا لابسين السواد، وهم يبكون ويستغفرون من الذنوب على زعمهم.

ومنها: أنه خرج على الغلال بأرض حوران وأعمالها والجولان وأعمالها فأر عظيم أكل الغلات، فكان الذى أكله ثلاثمائة ألف غرارة قمح غير الشعير، وأبيعت الحنطة فى هذه السنة المكوك

(1)

منها بأربعمائة درهم، واستأصلت الفرنج أموال المسلمين فى ثمن الغلال.

قلت: وقع فى صعيد مصر فى سنة خمس وسبعمائة مثل ذلك، وكان مباشروا شونة أم القصور باتوا بها ليلة لأجل الفأر خوفا على الغلة، فباتوا يقتلون فى الفأر

(1)

المكوك: بفتح الميم وتشديد الكاف المضمومة ثم الواو الساكنة بعدها الكاف: مكيال لأهالى العراق، يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه، والمشهور أنه صاع ونصف، ويتراوح وزن الصاع عند الفقهاء من 296 و 3 كجم عند الحنفية إلى 175 ر 2 كجم عند الشافعية والحنابلة والمالكية - النقود الإسلامية ص 107، الإيضاح والتبيان ص 87.

ص: 323

إلى الصباح، فكان [477] جملة ما قتلوه سبعة عشر أردبا وكسورا بالكيل المصرى.

وفيها: حج بالناس « ......

(1)

».

(1)

« ...... » بياض فى الأصل.

ص: 324

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد البارع الورع فريد عصره ووحيد دهره أثير الدين بن نجيب بن محمد الكاسانى، أحد الأعيان الحنفية الكبار.

وكان إماما فاضلا صاحب تصانيف مفيدة منها كتاب «بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع

(1)

» فى عشر مجلدات، وهو كتاب عظيم مفيد مشهور فى الآفاق، وروى الحديث وغيره عن الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبى بكر محمود بن الحسن البلخىّ، وعن الشيخ الإمام شمس الأئمة الكردرى، وكان يروى كتاب «التيسير فى التفسير» للإمام نجم الدين

(2)

النسفى عن الشيخ الأجل برهان الدين الحسن بن محمد الكاسانى، وهو عن الشيخ الإمام نجم الدين عن المصنف.

توفى ليلة الثلاثاء السادس عشر من محرم هذه السنة ببلده كاشغر.

ورثاه الإمام العلامة كمال الدين بن أبى المظفر بقوله:

فقدنا إماما كان لو نسبته

إلى جميع الورى بالعلم والفضل أشرفا

وكان على ما فيه من بشريّة

على كل أسرار الملائك أشرفا

ولو سئلوا من ذا الذى ينصر الهدى

ويدعو إليه عيّن الكلّ أشرفا

الشيخ تاج الدين أبو عبد الله محمد

(3)

بن أبى البقاء صالح بن محارب التنوخى المحلى ناظر ثغر الإسكندرية.

كان رئيسا فاضلا جليلا، مات فى هذه السنة.

(1)

هذا الكتاب مطبوع ومنسوب إلى أبو بكر بن مسعود الحنفى، علاء الدين الكاسانى، المتوفى سنة 587 هـ/ 1191 م - مطبوع فى 7 أجزاء بمصر سنة 1328 هـ/ 1910 م - وانظر أيضا نسبة هذا الكتاب إلى أبو بكر بن مسعود فى هدية العارفين ج 1 ص 235.

(2)

هو عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، النسفى السمرقندى الحنفى، الإمام نجم الدين، المتوفى سنة 537 هـ/ 1142 م - العبر ج 4 ص 102، هدية العارفين ج 1 ص 783.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 132.

ص: 325

الشيخ أبو بكر مفضل بن الشيخ أبى الفتح بن أبى سراقة.

مات بمصر فى هذه السنة.

الشيخ الخطيب أبو البركات عبد الرحمن

(1)

بن أبى بكر محمد بن عبد القاهر بن موهوب الحموى الشافعى.

توفى بحماة ودفن بمدرسته فيها.

الجمال أبو عمرو عثمان

(2)

بن الشيخ أبى الحرم مكى السارعى.

كان فاضلا مشهورا بالدين والصلاح، وكان يجلس للوعظ، وله اليد الطولى فى معرفة المواقيت وعمل الساعات، توفى فى هذه السنة بالقاهرة.

الشيخ المحدث الحافظ أبو بكر محمد

(3)

بن أحمد بن سيد [478] الناس اليعمرى الأندلسى.

وكان أحد حفاظ المحدثين المشهورين وفضلائهم المذكورين، وبه ختم هذا الشأن بالمغرب، توفى فى هذه السنة بمدينة تونس، رحمه الله.

الصاحب صفى الدين أبو إسحاق إبراهيم

(4)

بن عبد الله بن هبة الله بن أحمد بن على بن مرزوق العسقلانى الكاتب التاجر، وزّر للملك الكامل.

وكان أحد الرؤساء المعروفين بالثروة وسعة ذات اليد، توفى هذه السنة بمصر.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 129.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 254، شذرات الذهب ج 5 ص 298، النجوم الزاهرة ج 7 ص 252.

(3)

هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس، أبو بكر اليعمرى الأندلسى الإشببلى.

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 29، الوافى ج 2 ص 121 رقم 468، العبر ج 5 ص 255، شذرات الذهب ج 5 ص 298، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 131.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 126، العبر ج 5 ص 253، شذرات الذهب ج 5 ص 297.

ص: 326

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الستين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: المستنصر بالله الذى نصبه السلطان الملك الظاهر قد قتل فى ثالث المحرم فى هذه [السنة

(1)

] على ما نذكره الآن.

وسلطان البلاد المصرية والشامية: الملك الظاهر بيبرس البندقدارى.

ونائبه بدمشق: الأمير علاء الدين طيبرس الوزيرى.

وكان المتغلب على حلب: الأمير شمس الدين أقوش البرلى العزيزى، ثم أخذت منه على ما نذكره الآن.

وصاحب بلاد الروم: السلطان ركن الدين قليج أرسلان السلجوقى.

وصاحب العراق وكرسيه بغداد، وإقليم خراسان وكرسيه نيسابور، وعراق العجم وكرسيه أصبهان، وأذربيجان وكرسيها تبريز، وخوزستان وكرسيها ششتر، وبلاد فارس وكرسيها شيراز، وديار بكر وكرسيها الموصل: هلاون بن طلو خان ابن جنكز خان، وهذه البلاد كلها تحت يد هلاون وأولاده، وكذلك بلاد الروم تحت يده، ولكنه قرر صاحبها ركن الدين قليج أرسلان وهو فى طاعة هلاون وتحمل إليه الإتاوة.

(*) يوافق أولها السبت 26 نوفمبر 1261 م.

(1)

[] إضافة تتفق والسياق.

ص: 327

وصاحب البلاد الشمالية وكرسيها صراى: بركة خان صاين بن دوشى خان ابن جنكز خان، وهو أعظم ملوك التتار.

‌ذكر قتل الخليفة المستنصر بالله:

قد ذكرنا أنه بويع له فى رجب من السنة الماضية، وذكرنا أنه ما أقامه إلا السلطان الملك الظاهر بيبرس، وأقام بركة

(1)

، وسافر به إلى الشام، وجهزه من الشام إلى بغداد، وأنه لما عبر الفرات بمن معه من العسكر ظن أن التتار قد انتزحوا عن العراق، وفارقوها على عادتهم أنهم يخربون ويذهبون ولا يقيمون، ولم [479] يدر أنهم فى البلاد، فسار على ما هو عليه، واتصل بالتتار قدومه لأخذ الثأر، فجردوا إليه عسكرا صحبة هلاجو وأزدان، فأدركوه وقد بلغ عانا

(2)

، فحاربوه حربا عوانا، فصابرهم جهده، وثبت لصدمتهم وكده، ثم تكاثروا عليه وتبادروا إليه، فلم يكن له قبل بكثرتهم ولا طاقة بمنعهم لمنعتهم، فأخذته السيوف وأدركته الحتوف، فمات شهيدا وتولى حميدا، وقتل أكثر من كان معه، وتفرق من با بنفسه، وكان قتله فى ثالث المحرم من هذه السنة أعنى سنة ستين وستمائة

(3)

.

(1)

البرك: لفظ فارسى معناه الثوب المصنوع من وبر الجمال، ثم أصبح لفظا إصطلاحيا يقصد به أمتعة المسافر أو مهمات الجيش - هامش (1) ص 87 من النجوم الزاهرة. ج 8.

(2)

عانة: بلد مشهور بين الرقة وهيت، من أعمال الجزيرة، مشرفة على الفرات - معجم البلدان.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى ج 2 ص 72 رقم 251، النجوم الزاهرة ج ص 206، الوافى ج 7 ص 384 رقم 3378، السلوك ج 1 ص 467، 476، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 163 وما بعدها.

ص: 328

وقد ذكر بيبرس وفاته فى السنة الماضية

(1)

، والصواب ما ذكرناه.

وشغرت البلاد من الخليفة العباسى إلى أن قدم أبو العباس أحمد بن الأمير أبى على القبى بن الأمير على بن الأمير أبى بكر بن الإمام المسترشد بالله بن المستظهر بالله أبى العباس أحمد من بلاد الشرق، وصحبته جماعة من رؤوس تلك البلاد، وقد كان شهد الوقعة فى صحبة المستنصر بالله المقتول، وهرب هو فى جماعة من المعركة، فسلم، وتوجه إلى الديار الشامية طالبا الديار المصرية، فحضر إلى القاهرة فى السابع والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة، ويوم دخوله تلقاه السلطان الملك الظاهر وسرّ به، وأكرمه وعظمه، وأنزله فى البرج الكبير بقلعة الجبل، وأجرى عليه الأرزاق الدارة والإحسان، ولم يحصل له بيعة إلا فى سنة إحدى وستين وستمائة، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

‌ذكر ماجريّات الملك الظّاهر:

منها: أخذه الشوبك من الملك المغيث بن الملك العادل الصغير.

ولما عاد السلطان من الشام إلى الديار المصرية فى السنة الماضية جرد الأمير بدر الدين الأيدمرى ومعه جماعة، ولم يعلم أحدا جهة مقصده، لأن الملك الظاهر كان حازما فى أمره، كأنما لسره مقتديا بقول القائل:

إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه

فصدر الذى يستودع السرّ أضيق

(1)

ذكر بيبرس المنصورى خبر مقتل الإمام المستنصر بالله فى أحداث سنة 659 هـ، ولكنه لم يحدد بالضبط يوم مقتله - زبدة الفكرة ج 9 ورقم 49 أ، 49 ب.

ص: 329

فسار الأمير المذكور ومن معه إلى الشوبك، وتسلمها يوم الأحد وقت العصر فى العشر الأواخر من شهر [ذى الحجة

(1)

]، ورتب فيها سيف الدين بلبان [480] المختصّى واليا، واستخدم بها النقباء، والجاندارية

(2)

، وأفرد لخاص القلعة ما كان مفردا لها فى الأيام الصالحية

(3)

.

ولما أخذها السلطان كان عند المغيث جماعة من الشهرزورية، فاعتمدوا الغارة على بلادها، فجرّد السلطان إليهم من يردّهم، وشرع فى تجهيز عسكر إلى الكرك، فسير المغيث بن العادل يلتمس العفو عنه من السلطان، ثم أرسل يستعطف السلطان، فأجابه، وأقطعه دبيان

(4)

، واستأمنت الشهرزورية إلى السلطان، فأمنهم وعفا عنهم، وأعطى بعضهم الإقطاعات.

ومنها: أن فى ذى القعدة قبض الملك الظاهر على نائبه بدمشق وهو علاء الدين طيبرس

(5)

الوزيرى، وكان قد تولى دمشق بعد مسير الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار عنها.

(1)

[] موضع بياض فى الأصل، والإضافة من مفرج الكروب: وما يفهم من الروض الزاهر ص 121، وذلك سنة 659 هـ. وورد فى المختصر:«فتسلم الشوبك فى سلخ ذى الحجة من هذه السنة أعنى سنة تسع وخمسين وستمائة» - ج 3 ص 214.

(2)

«الجنادرة» فى الروض الزاهر ص 121. الجاندار: هو الأمير الذى يستأذن على دخول الأمراء للخدمة، ويتبعه الجندراية - صبح الأعشى ج 4 ص 20، ج 5 ص 459.

(3)

انظر الروض الزاهر ص 121.

(4)

دبيان: قرية فى الأردن، تجاه البلقاء - لوسنرنج.

(5)

توفى سنة 689 هـ/ 1290 م - المنهل الصافى.

ص: 330

وسبب القبض عليه أنه بلغ الملك الظاهر عنه أمور كرهها، فأرسل إليه عسكرا مع عز الدين الدمياطى وعلاء الدين الركنى وغيرهما من الأمراء، فلما وصلوا إلى دمشق، خرج طيبرس للقائهم، فقبضوا عليه، وقيدوه، وأرسلوه إلى مصر، فحبسه الملك الظاهر، واستمرّ فى الحبس سنة وشهرا، وكانت مدّة ولايته بدمشق سنة وشهرا أيضا.

وكان ردئ السيرة فى أهل دمشق، حتى نزح منها جماعة كثيرة من ظلمه، وقبض الله عليه من جازاه بمثله، ثم أطلقه فيما بعد، وأحسن إليه، وأعطاه إمرة وقربة وأدناه، ولما أرسل إلى القلعة مقيدا أقام بدمشق الأمير علاء الدين أيدغدى الحاج الركنى إلى أن عين السلطان لها الأمير جمال الدين أقوش

(1)

النجيبى

(2)

، وأرسله إليها فى هذه السنة، فولى بها نيابة السلطنة مدّة.

وكان جمال الدين هذا من أكابر الأمراء.

واستوزر بدمشق

(3)

عز الدين بن وداعة.

ومنها: أن السلطان جرد الأمير عز الدين أمير جاندار إلى الصعيد ليردع العربان، فإنهم كانوا قد طمعوا بتغير الممالك ونافقوا وقتلوا عز الدين الحواش

(4)

والى قوص، فحسم مادتهم وبدد شملهم.

(1)

توفى سنة 677 هـ/ 1278 م - المنهل الصافى ج 3 ص 24 رقم 516.

(2)

انظر المختصر ج 3 ص 214 - 215.

(3)

«وفوض السلطان وزارة دمشق لعز الدين بن وداعة» فى السلوك ج 1 ص 468، وانظر أيضا الروض الزاهر ص 141. وهو عبد العزيز بن منصور بن محمد، الصاحب عز الدين المعروف بابن وداعة، والمتوفى سنة 666 هـ/ 1267 م - المنهل الصافى.

(4)

«الهواش» فى السلوك ج 1 ص 471.

ص: 331

ومنها: أن السلطان رسم للعساكر التى بالشام بالغارة على بلد أنطاكية، [481] فتوجه الأمير شمس الدين سنقر الرومى بمن كان قد جرد معه لتشييع الخليفة الذى قتل، وتوجه صاحب حماة وحمص فأغاروا عليها، وأخذوا ميناءها، ونهبوا وغنموا، وعادوا سالمين غانمين إلى مصر

(1)

، ومعم أزيد من ثلاثمائة أسير، فقابلهم السلطان بالإحسان والإنعام.

ومنها: أن السلطان أرسل رسولا إلى الأشكرى صاحب قسطنطينية، ووجه صحبته بطرك الملكية بمصر، فإن الأشكرى كان قد سير رسله يلتمس إنفاذه إليه

(2)

، وكان الذى أرسله السلطان الأمير أقوش المسعودى، ولما بلغ الرسالة عاد وعاد معه البطرك، وقد حصل له من الأشكرى مال وقماش ومصوغ، فعرضه على السلطان فرده عليه.

وأخبر الرسول المذكور بأن الأشكرى أبقى الجامع الذى بالقسطنطينية، فأمر السلطان أن يجهز له الحصر والستور والقناديل والمباخر والسجادات والطيب، وكان هذا المسجد قد بنى فى سنة ست وتسعين عند ما وقع العداء مع الروم فى خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، وأن بانيه مسلمة بن عبد الملك.

ومنها: أن السلطان عزل عن القضاء بمصر والقاهرة القاضى بدر الدين السنجارى، وأعيد القاضى تاج الدين بن بنت الأعز.

ص: 332

وفى هذه السنة أمر السلطان للقاضى تاج الدين هذا بأن يستنيب من المذاهب الثلاثة، فاستناب صدر الدين سليمان الحنفى، والشيخ شرف الدين عمر السبكى المالكى، والشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ العماد الحنبلى.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أن فى نصف رجب وردت جماعة من مماليك الخليفة المستعصم البغاددة، وكانوا قد تأخروا فى العراق بعد استيلاء التتار على العراق وقتل الخليفة، وكان مقدمهم يسمى شمس الدين سلار، فأحسن الملك الظاهر ملتقاهم وعين لهم إقطاعات بالديار المصرية.

(1)

ومنها: أن فى ذى الحجة من هذه السنة ظهر بين القصرين بالقاهرة عند الركن المخلق مجر مكتوب عليه: [482] هذا مسجد موسى عليه السلام، فخلق بالزعفران، وسمى من ذلك اليوم الركن المخلق.

ومنها: أن فى رجب وصل إلى القاهرة إلى خدمة الملك الظاهر عماد الدين ابن مظفر الدين صاحب صهيون

(2)

وصحبته هدية جليلة، فقبلها الملك الظاهر وأحسن إليه

(3)

.

ومنها: أنه جهز الملك المنصور صاحب حماة شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصارى رسولا إلى الملك الظاهر، ووصل شيخ الشيوخ المذكور فوجد السلطان

(1)

الروض الزاهر ص 124.

(2)

صهيون: بكسر أوله ثم السكون، وياء مفتوحة، وواو ساكنة ونون: حصن من أعمال سواحل الشام لا يشرف على البحر - معجم البلدان.

(3)

انظر الروض الزاهر ص 127 - 128، السلوك ج 1 ص 470.

ص: 333

الملك الظاهر عاتبا على صاحب حماة لاشتغاله عن مصالح المسلمين باللهو، وأنكر الملك الظاهر على الشيخ شرف الدين ذلك، ثم انصلح خاطره وحمله ما طيب به قلب صاحبه الملك المنصور، ثم عاد إلى حماة.

(1)

ومنها: أنه وصل رسل السلطان عز الدين صاحب الروم إلى السلطان الملك الظاهر يستنجده ويستمدّه، وكان أرسلهم لما ضايقه أخوه قبل انهزامه إلى بلاد الأشكرى، وهم شرف الدين الجاكى، والشريف عماد الدين الهاشمى، والأمير ناصر الدين بن كوج رسلان أمير حاجب، ووصل معهم كتابه بأنه نزل للسلطان عن نصف مملكته، وسير دروجا عليها علائمه ليكتب فيها مناشير بما يقطعه السلطان من بلاده لمن يشاء، فأكرم السلطان رسله، وجهز السلطان الأمير ناصر الدين أغلمش الصالحى ليتوجه إليه بجماعة من العسكر وأقطعه ثلثمائة فارس فى الروم، ولما وقع الاهتمام بذلك جاءت الأخبار بانهزامه، فتأخر الحال، فكان كما قيل:

أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه

وقد حيل بين العير والنزوان

ومنها: أنه وصل من عند التتار قصاد إلى الملك المنصور صاحب حماة ومعهم فرمان له، فأرسل القصاد والفرمان إلى السلطان الملك الظاهر.

ومنها: أنّ فى هذه السنة اصطاد بعض الأمراء الظاهرية بجرود

(2)

حمار وحش، فطبخوه فلم ينضج، ولا أثر فيه كثرة الوقود، ثم افتقدوا أمره فإذا هو موسوم على أذنه بهرام جور، ذكره ابن خلكان وقال: قد أحضروه إلىّ

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 215.

(2)

«بحدود حماة» فى البداية والنهاية.

ص: 334

فقرأته كذلك، وهذا يقتضى أن لهذا الحمار قريبا من ثمانمائة سنة، فإن بهرام جور كان قبل المبعث بمدة متطاولة، وحمر الوحش تعيش دهرا طويلا.

وقال ابن كثير: يحتمل أن يكون هذا بهرام شاه الملك الأمجد؛ إذ يبعد بقاء [483] مثل هذا بلا اصطياد هذه المدة الطويلة ويكون الكاتب قد أخطأ فأراد كتابة بهرام شاه، فكتب بهرام جور وحصل اللبس من هذا

(1)

.

قلت: كلام ابن كثير بعيد، فإش يحتاج إلى هذه التأويلات البعيدة، ولا ضرورة إليها، فإن عيش الحمر الوحشية هذه المدة غير بعيد، وعدم وقوعها فى الصيد غير بعيد، وأيضا فإن المواسم التى يسمون بها آذان الحيوان بأسماء الملوك مقررة عندهم مكتوبة صحيحة حتى لا يقع الاشتباه، فكيف يلتبس بهرام شاه ببهرام جور؟

ومنها: أن القاضى شمس الدين بن خلكان نزل عن تدريس الركنية للشيخ شهاب الدين أبى شامة، وحضر عنده حتى درس وأخذ فى أول مختصر المزنى

(2)

.

ومنها: أن فى عشية يوم الثلاثاء الثامن عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة شنق قاضى المقس وهو الكمال خضر

(3)

الكردى أحد أقارب قاضى سنجار بالقاهرة المحروسة، وذلك بأنه تعرض لإقامة دولة باجتماعه مع جماعة من الأكراد الشهرزورية فقبض عليه، وعلق وفى رقبته تواقيع كان كتبها، وبنود من شعار

(1)

البداية والنهاية ج 13 ص 233.

(2)

انظر الذيل على الروضتين ص 216.

(3)

هو خضر بن أبى بكر بن أحمد، القاضى كمال الدين الكردى قاضى المقس، شنق سنة 660 هـ/ 1261 م - المنهل الصافى، الذيل على الروضتين ص 217، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 171.

ص: 335

الدولة التى كان رام إقامتها، وكان قبل ذلك قد صنع خاتما وجعل تحت فصه ورقة، وذكر أنه وجده، وفيها أسماء جماعة من أولى الثروة بمال عندهم مودع، ورام استئصال أموالهم والتقريب بها إلى ولاة الأمر، فاطلع على محاله فأهين وصفع، فقيل فيه:

ما وفق الكمال فى أفعاله

كلا ولا سدد

(1)

فى أقواله

يقول من أبصره يصك تأ

ديبا على ما كان من مجاله

(2)

قد كان مكتوبا على جبينه

فقلت لا بل كان فى قذاله

وقال أبو شامة: وسألت الحاكم شمس الدين أحمد بن محمد عن هذه القضية، فأخبرنى أن هذا الكمال خضر كان قد علق به حب التقدم عند الملوك بسبب أنه كان قد تقدم عند الملك المعز عز الدين أيبك التركمانى، ثم أبعد واتفق أنه لما صنع الخاتم المذكور وحبس كان فى الحبس شخص آخر يدعى أنه من ولد العباس وكانت الشهرزورية أرادت مبايعته بالخلافة وهيأوا أمره بغزة، فلما تبدد شملهم [484] أخذ هذا وحبس، فاتفق خضر معه فى الحبس على أنه يسعى له فى ذلك الأمر ويكون هو وزيره، فاتفق موت العباسى، فلما خرج خضر سعى فى إتمام الأمر لابنه، فتم ماتم.

قال: وكان فى زمن الإمام الناصر أحمد قد ورد إلى إربل شخص يسمى الأمير

(3)

الغريب، كان يدعى أنه ولد الناصر، ثم توفى سنة أربع عشرة وستمائة،

(1)

«ولا صدق» فى الذيل على الروضتين.

(2)

«

يقول من أبصره يصر

نادما على ما كان من محاله

» - الذيل على الروضتين ص 217.

(3)

«الأمر» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

ص: 336

فادّعى هذا الشخص أنه ابنه عند الشهرزورية، فقدموه، فحبس ومات، وخلف ولدا صغيرا، فسعى الكمال فى المبايعة له، فجرى ما جرى وقد خاب من افترى

(1)

.

وفيها: « .........

(2)

»

وفيها: حج بالناس « .........

(3)

»

(1)

الذيل على الروضتين ص 218.

(2 و 3)«» بياض فى الأصل.

ص: 337

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الحسن

(1)

بن محمد بن أحمد بن نجا الصوفى، من أهل نصيبين.

ونشأ بأربل واشتغل بعلوم كثيرة من علوم الأوائل، وكان يشغل أهل الذمة وغيرهم، ونسب إلى الإنحلال وقلة الدين وترك الصلوات، وكان ذكيا مفرطا، وله شعر رائق، وكان ضريرا، وهذا الضرير شبيه بأبى العلاء المعرى الضرير فى أموره.

ابن عبد السلام: الشيخ الإمام العالم العلامة عز الدين عبد العزيز

(2)

بن عبد السلام ابن أبى القاسم الحسن بن محمد بن المهذب أبو محمد السلمى الدمشقىّ الشافعى.

شيخ المذهب، ومفيد أهله، وصاحب المصنفات الحسان منها: التفسير، واختصار النهاية، والقواعد الكبرى والصغار، وكتاب الصلاة، والفوائد الموصلية، وغير ذلك

(3)

.

ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع كثيرا، واشتغل على الشيخ فخر الدين بن عساكر، وغيره، وبرع فى المذهب، ودرّس بعدة مدارس بدمشق،

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 1 ص 362 رقم 131، العبر ج 5 ص 259، شذرات الذهب ج 5 ص 301.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 29، فوات الوفيات ج 2 ص 350 رقم 287، النجوم الزاهرة ج 7 ص 208، المختصر ج 3 ص 215، الذيل على الروضتين ص 216. ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 505، ج 2 ص 172، البداية والنهاية ج 13 ص 235، طبقات الشافعية الكبرى ج 8 ص 209 رقم 1183، شذرات الذهب ج 5 ص 301، العبر ج 5 ص 260.

(3)

عن مصنفات صاحب الترجمة انظر هدية العارفين ج 1 ص 580.

ص: 338

وولى خطابتها، ثم انتقل عنها إلى الديار المصرية بسب إنكاره على الصالح إسماعيل تسليمه صفد والشقيف إلى الفرنج وغير ذلك، ووافقه الشيخ أبو عمرو بن الحاجب المالكى، فأخرجهما من بلده، فسار أبو عمرو بن الحاجب إلى الناصر دواد صاحب الكرك، فأكرمه، وسار عز الدين إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر، فأكرمه وولاه قضاء مصر وخطابة الجامع العتيق، ثم انتزعهما منه وأقره على تدريس الصالحية، فلما حضره الموت أوصى بها للقاضى تاج الدين بن بنت [485] الأعز.

وكانت وفاته فى العاشر من جمادى الأولى من هذه السنة، وقد نيف على الثمانين، ودفن من الغد بسفح جبل المقطم، وحضر جنازته الملك الظاهر وخلق من الأئمة.

كمال الدين بن العديم: عمر

(1)

بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد ابن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبى جرادة ابن عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل العقيلى الحلبى الحنفى، كمال الدين أبو القاسم، الأمير الوزير، الرئيس الكبير.

ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث، وحدث وتفقه، وأفتى ودرس، وصنف، وكان إماما فى فنون كثيرة، وترسّل إلى الخلفاء والملوك

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 3، النجوم الزاهرة ج 7 ص 208، العبر ج 5 ص 261، المختصر ج 3 ص 215، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 510، ج 2 ص 177، السلوك ج 1 ص 476، تاج التراجم ص 48 رقم 143» فوات الوفيات ج 3 ص 126 رقم 372، شذرات الذهب ج 5 ص 303.

ص: 339

مرارا عديدة، وكان يكتب حسنا طريقة مشهورة، وصنّف لحلب تاريخا مفيدا

(1)

يقرب من أربعين مجلدا، وكان جيد المعروف بالحديث، حسن النظر بالفقراء والصالحين، كثير الإحسان إليهم، وقد أقام بدمشق فى الدولة الناصرية المتأخرة.

وكانت وفاته بمصر، ودفن بسفح الجبل المقطّم بعد الشيخ عز الدين بعشرة أيام.

وفى تاريخ النويرى: وكان قد قدم إلى مصر لما جفل الناس من التتار، ثم عاد إلى حلب بعد خرابها، فلما نظر إليها ورأى ما فعله التتار بها تأسف وقال فى ذلك قصيدة طويلة، من جملتها هى هذه:

هو الدّهر ما تبنيه كفّاك يهدم

وإن رمت إنصافا لديه فيظلم

أباد ملوك الأرض كسرى وقيصرا

(2)

وأصمت لدى فرسانها منه أسهم

وملك بنى العباس زال ولم يدع

لهم أثرا من بعدهم وهم هم

وأعتابهم أضحت تداس وعهدها

تباس بأفواه الملوك وتلثم

وأفنى بنى أيوب كثر جميعهم

(3)

وما منهم إلاّ مليك معظم

(4)

وعن حلب ما شئت قل من عجائب

أحلّ بها يا صاح إن كنت تعلم

(1)

هو كتاب «بغية الطب فى تاريخ حلب» - هدية العارفين ج 1 ص 787.

(2)

«أباد ملوك الفرس جمعا وقيصرا» - المختصر ج 3 ص 215.

(3)

«وأفنى بنى أيوب مع كثر جمعهم» - المختصر ج 3 ص 215.

(4)

هذا البيت هو الثالث فى الترتيب فى المختصر.

ص: 340

غداة أتاها للمنيّة بغتة

من المغل جيش كالسحاب عرمرم

أحاطوا كأسراب القطا يربوعها

على سبّق جرّد من الخيل طهّم

ومن بعد ست هاجموها وما لهم

من الموت واق لا ولا منه معصم

فما دفعت أسوارها عنهم الذى

دهاهم ولا ما شيّدوه ورمّموا

[486]

أتوها كأمواج البحار زواخر

بيض وسمر والقتام مخيّم

فلو حلب البيضاء عاينت تربها

وقد عندم الفضّىّ من تربها الدّم

وقد سيّرت تلك الجبال وسجرت

بهنّ بحار الموت والجوّ أقتم

وقد عطّلت تلك العشار وأذهلت

مراضع عما أرضعت وهى هيّم

فيا لك من يوم شديد لغامه

وقد أصبحت فيه المساجد تهدم

وقد درست تلك المدارس وارتمت

مصاحفها فوق الثرى وهى تهضم

(1)

وقد جززت تلك الشعور وضمّخت

وجوه بأمواه الدماء وهى تلطم

وكلّ مهاة قد أهينت سبيّة

وقد طال ما كانت تعزّ وتكرم

تنادى إلى من لا يجيب نداءها

وتشكو إلى من لا يرقّ ويرحم

فما غادروا إلا اليسير وقد أتى

الحساب على الباقين بالحرف يقسم

وأقوت رسوم كنّ فيها وأقفرت

ربوع بهم كانت تنهر وترسم

فأيقنت أن الأرض مادت وأقبلت

بها الصاخّة الكبرى والآن التنقّم

فيا حلبا أنّى ربوعك أقفرت

وأعيت جوابا فهى لا تتكلّم

وكنت لمن وافاك بالأمس جنّة

فما بال هذا اليوم أنت جهنّم

(1)

«وهى ضخم» - المختصر.

ص: 341

بأىّ جنا منك استحقّيت ذى الذى

أصابك والأعداء فيك تحكّموا

وكيف أصابتك الحوادث غرّة

بعين الرّدى والبؤس عنك يترجم

أما كنت ملجأ لمن خاف حايرا

وفيك لذى البأساء والضرّ أنعم

أما كنت غوثا للوفود ومقصدا

يخافك ذو شرّ ويرجوك معدم

أما كنت للداعى إذا ما دعى جدا

وفيك لمن يبغى من البغى مقدم

يعزّ على قلبى المعنّى بأنّنى

أرى ربعك المأنوس قفرا ويعظم

فأين أحبّائى الذين عهدتهم

بربعك والقطّان فيك مخيّم

وأين شموس كنّ بالأمس طلّعا

فأين استقلّوا بالرّكاب ويمّموا

فها أنا ذو وجد يحيد بأضلعى

عليك وعيشى فى البلاد يذمّم

[487]

أنوح على أهليك فى كلّ منزل

وأبكى الدّجى شوقا وأسأل عنهم

ولكنّما لله فى ذا مشئة

فيفعل فينا ما يشاء ويحكم

(1)

يوسف

(2)

بن يوسف بن يوسف بن سلامة بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن جعفر بن سليمان بن محمد الفافا الزينبى بن إبراهيم بن محمد بن على ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، محيى الدين أبو العز، ويقال أبو المحاسن الهاشمى العباسى الموصلى، المعروف بابن زبلاق الشاعر.

قتلته التتار لما فتحوا الموصل فى هذه السنة، عن سبع وخمسين سنة، فمن شعره قوله فى بعض قصيدة من ديوانه:

(1)

توجد بعض أبيات هذه القصيدة فى المختصر ج 3 ص 215 - 216.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 31، العبر ج 5 ص 262، فوات الوفيات ج 4 ص 384 رقم 598، البداية والنهاية ج 13 ص 236، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 513 - 524، ج 2 ص 181، السلوك ج 1 ص 476، شذرات الذهب ج 5 ص 304.

ص: 342

بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنى

سهادا يذود الجفن أن يألف الوسنا

(1)

وأبصر جسمى حسن خصرك ناحلا

فحاكاه لكن زاد فى دقّة المعنى

وأبرزت وجها أخجل الشمس

(2)

طالعا

[ومالت بقد علم الهيف الغصنا

(3)

]

حكيت أخاك البدر فى حال تمه

(4)

سنا وسناء اذ تشابهتما سنا

البدر المراغى

(5)

الخلافى، المعروف بالطويل، مات فى ثانى عشر جمادى الآخرة من هذه السنة.

وقال أبو شامة: كان قليل الدين، تاركا للصلاة، مغتبطا بما كان فيه من معرفة الجدال والخلاف على طريقة إصطلاح المتأخرين

(6)

.

محمد

(7)

بن داود بن ياقوت الصارمى المحدث.

كتب كثيرا، وكان دينا خيرا، يعير كتابه، ويداوم على الاشتغال بسماع الحديث، مات فى هذه السنة.

(1)

«يألف الجفنا» فى ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 185، فوات الوفيات ج 4 ص 389، «يزود الكرى أن يألف الجفنا» فى البداية والنهاية ج 13 ص 236.

(2)

«أخجل الصيح» فى ذيل مرآة الزمان، والبداية والنهاية، «يخجل البدر» فى فوات الوفيات.

(3)

[] بياض فى الأصل، والإضافة من ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 186، و «مست بقد» فى فوات الوفيات، «وملت بقد علم الصيف الغصن اللدنا» فى البداية والنهاية.

(4)

«ليلة تمة» فى البداية والنهاية.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: الذيل على الروضتين ص 217، البداية والنهاية ج 13 ص 237.

(6)

الذيل على الروضتين ص 217.

(7)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 179. البداية والنهاية ج 13 ص 237.

ص: 343

الشيخ المحدث أبو الحسن عبد الوهاب

(1)

بن الشيخ أبى البركات الحسن المعروف بابن عساكر، حدث بدمشق ومصر وغيرهما، وتولى مشيخة دار الحديث النورية وغيرها بدمشق، توفى فى هذه السنة بمكة رحمه الله.

الأمير سيف الدين بلبان

(2)

المعروف بالزردكاش، الذى كان استنابه طيبرس موضعه بدار العدل على دمشق لما سافر إلى حصار أنطاكية.

مات فى ثامن ذى الحجة من هذه السنة، وكان دينا خيرا يحب العدل والصلاح.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 260 - 161، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 513 شذرات الذهب ج 5 ص 302.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، النجوم الزاهرة ج 7 ص 207، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 165 الذيل على الروضتين ص 220.

ص: 344

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الحادية والستين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، وفى اليوم الثانى منها عقد للخليفة الحاكم بأمر الله عوضا عن المستنصر بالله الذى قتله التتار، كذا قال بيبرس فى تاريخه.

وقال ابن كثير فى تاريخه: وفى يوم الخميس [488] ثانى

(1)

المحرم من هذه السنة بويع له بالخلافة

(2)

.

وقال المؤيد فى تاريخه: وفى يوم الخميس فى أواخر ذى الحجة فى هذه السنة أعنى سنة ستين وستمائة جلس الملك الظاهر وبايع له بالخلافة

(3)

.

وقال أبو شامة: ثم دخلت سنة إحدى وستين وستمائة وسلطان الديار المصرية والشامية الملك الظاهر بيبرس الصالحى المعروف بالبندقدارى، ولا خليفة للناس يذكر بل السكة تضرب باسم المستنصر بالله على ما كان الأمر عليه، والنائب بدمشق عن السلطان جمال الدين أقوش النجيبى، وقاضيها شمس الدين ابن خلكان

(4)

.

(*) يوافق أولها الأربعاء 15 نوفمبر 1262 م.

(1)

«ثامن» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية ج 13 ص 237، ويتفق مع ما ورد فى التوفيقات الإلهامية من أن يوم الخميس ثانى المحرم من السنة.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 237.

(3)

انظر المختصر ج 3 ص 215.

(4)

انظر الذيل على الروضتين ص 221.

ص: 345

وفيها: فى يوم الجمعة سادس عشر محرم خطب بجامع دمشق وسائر الجوامع للخليفة الحاكم أبى العباس أحمد، بويع له بقلعة القاهرة ومصر فى ثامن المحرم من السنة المذكورة

(1)

.

فنحن نبين ذلك مفصلا فنقول:

‌ذكر خلافة الحاكم بأمر الله:

‌والكلام فيه على أنواع:

‌الأوّل: فى نسبه:

هو أبو العباس أحمد بن الأمير على القبّى بن الأمير أبى بكر بن الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين أبى منصور الفضل بن الإمام المستظهر بالله أبى العباس أحمد بن عبد الله المقتدى بالله أبى القاسم بن القائم بن القادر بن الطائع بن المطيع، وباقى النسب ذكر غير مرة.

وقال أبو شامة: أبو العباس أحمد بن الحسين بن الحسن من ولد المسترشد

(2)

.

وقال بيبرس فى تاريخه: هو أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن بن أبى بكر بن الحسن بن على القبى بن الحسن بن الخليفة الراشد بالله أبى جعفر المنصور ابن المسترشد بالله.

وقال المؤيد فى تاريخه: وقد اختلف فى نسبه، فالذى هو مشهور بمصر عند نسابة مصر أنه أحمد بن حسن بن أبى بكر بن الأمير أبى على القبى بن الأمير

(1)

هكذا بالأصل، وفى الذيل على الروضتين ص 221 - انظر ما سبق.

(2)

«من أولاد المسترشد» - الذيل على الروضتين ص 221.

ص: 346

حسن بن الراشد بن المسترشد بن المستظهر، وقد مر نسب المستظهر فى جملة خلفاء بنى العباس، وأمّا عند الشرفاء العباسيين فى درج نسبهم الثابت فقالوا: هو أحمد ابن أبى بكر على بن أبى بكر بن أحمد بن الإمام المسترشد الفضل بن المستظهر

(1)

.

‌الثانى: فى قدومه إلى الديار المصرية.

وقال أبو شامة: وفى سنة ستين وستمائة يوم الأحد الثانى والعشرين من صفر وصل إلى دمشق الخليفة الحاكم الذى كان بايعه البرلى بحلب وأنزل فى قلعة دمشق مكرما، وذلك بعد الوقعة التى قتل فيها الخليفة المستنصر، وكان معه [489] فهرب، ثم سافر إلى مصر يوم الخميس السادس والعشرين من صفر

(2)

.

وقال ابن كثير: فى السابع والعشرين من ربيع الآخر من سنة ستين وستمائة دخل الخليفة الحاكم بأمر الله إلى مصر [من بلاد الشرق

(3)

]، وصحبته جماعة من رءوس تلك البلاد، وكان قد شهد الوقعة فى صحبة المستنصر بالله وهرب هو فى جماعة من المعركة فسلم

(4)

.

قلت: إذا كان خروجه من دمشق يوم الخميس السادس والعشرين من صفر على ما ذكره أبو شامة، ودخوله مصر يوم السابع والعشرين من ربيع الآخر على ما ذكره ابن كثير يكون مدة سفره من دمشق إلى مصر شهرين ويوم، وهذا بعيد

(1)

انظر المختصر ج 3 ص 215.

(2)

الذيل على الروضتين ص 216.

(3)

[] إضافة من البداية والنهاية، للتوضيح.

(4)

البداية والنهاية ج 13 ص 233.

ص: 347

جدا، اللهم إلا إذا كان تعوق فى الطريق لعروض مرض أو غيره، أو يكون زار القدس والخليل وأقام فيهما أياما.

وقد ذكرنا أن السلطان الملك الظاهر تلقاه يوم دخوله، وأنزله فى البرج الكبير فى قلعة الجبل، وأجرى عليه الأرزاق الدارة والإحسان.

‌الثالث: فى بيعته:

قال ابن كثير: لما كان يوم الخميس ثانى

(1)

المحرم من سنة إحدى وستين وستمائة جلس الملك الظاهر ركن الدين بيبرس وأمراؤه وأهل الحل والعقد فى الإيوان الكبير بقلعة الجبل، وجاء الخليفة الحاكم بأمر الله راكبا حتى نزل عند الإيوان، وقد بسط له إلى جانب السلطان، وذلك بعد ثبوت نسبه، فقرئ نسبه على الناس، ثم أقبل عليه الملك الظاهر فبايعه، وبايعه الناس بعده، وكان يوما مشهودا

(2)

.

وقال بيبرس: ولما كان الثانى من المحرم من سنة إحدى وستين وستمائة أحضره السلطان ليقرر له الإمامة ويبايعه على الخلافة بحكم وفاة الإمام المستنصر بالله شهيدا بسيوف التتار، قتيلا بأيدى الكفار، فلم يرد أن يبقى منصب الخلافة شاغرا، وفوها فارغا، فأحضر الإمام المذكور راكبا إلى الإيوان الكبير الكاملى بقلعة الجبل، وأجلسه، وجلس إلى جانبه، وعملت له شجرة النسب العباسى، وبايعه السلطان على كتاب الله، وسنة رسوله، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وجهاد

(1)

«ثامن» من الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية، وهو يتفق مع ما يلى، وانظر التوفيقات الإلهامية ص 331.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 237.

ص: 348

أعداء الله، وأخذ أموال الله بحقها، وصرفها فى مستحقها، وإقامة الحدود، وما يجب على الأئمة فعله من أمور الدين، وحراسة المسلمين.

ثم أقبل الخليفة على السلطان وقلده أمور [490] البلاد والعباد، ووكل إليه تدبير الخلق، وجعله قسيم نفسه فى القيام بالحق، وفوض إليه سائر الأمور، وغدق

(1)

به صلاح الجمهور، ثم أخذ الأمراء والوزراء والقضاة والأجناد والفقهاء والناس على إختلاف طبقاتهم فى المبايعة، فتمت هذه البيعة المباركة.

وهذا الخليفة هو التاسع والثلاثون من خلفاء بنى العباس، [و

(2)

] ممن ليس والده وجدّه خليفة كثير

(3)

، منهم: المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم، والمعتضد ابن طلحة بن المتوكل، والقادر بن اسحاق بن المقتدر، والمقتدى بن الذخيرة ابن القائم بأمر الله.

‌الرابع: فى خطبته:

ولما كان يوم الجمعة الثانية خطب الخليفة للناس خطبة بليغة وصلى بالناس بالقلعة.

الخطبة الأولى التى خطب بها:

الحمد لله الذى أقام لآل العباس ركنا وظهيرا، وجعل لهم من لدنه سلطانا نصيرا، أحمده على السراء والضراء [وأستعينه على شكر ما أسبغ من النعماء

(4)

]

(1)

غدق العيش: اتسع - المنجد.

(2)

[] إضافة تتفق والسياق.

(3)

«وكثير» فى الأصل.

(4)

[] إضافة من البداية والنهاية ج 13 ص 237، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 188.

ص: 349

واستنصر به

(1)

على دفع الأعداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد

(2)

أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه [وسلم

(3)

]، وعلى آله وصحبه، نجوم الإهتداء، وأئمة الإقتداء الأربعة الخلفاء

(4)

، وعلى العباس عمه

(5)

وكاشف غمه، أبى السادة الخلفاء «الراشدين والأئمة المهديين

(6)

»، وعلى بقية أصحابه [أجمعين

(7)

] والتابعين

(8)

بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الناس أعلموا أن الإمامة فرض من فروض الإسلام، والجهاد محتوم على جميع الأنام، ولا يقوم علم الجهاد إلا باجتماع كلمة العباد، ولا سبيت الحرم إلا بانتهاك المحارم، ولا سفكت الدماء إلا بارتكاب المآثم

(9)

، فلو شاهدتم أعداء الإسلام حين

(10)

دخلوا دار السلام، واستباحوا الدماء والأموال، وقتلوا الرجال والأبطال

(11)

والأطفال [وسبوا الصبيان والبنات، وأيتموهم

(1)

«واستنصره» فى الروض الزاهر ص 143.

(2)

«وأشهد» ساقط من البداية والنهاية.

(3)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(4)

«لا سيما الأربعة» فى البداية والنهاية.

(5)

«عمه و» ساقط من البداية والنهاية.

(6)

«» ساقط من البداية والنهاية.

(7)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(8)

«والتابعين لهم» فى السلوك ج 1 ص 478، والبداية والنهاية.

(9)

«الجرائم» فى البداية والنهاية.

(10)

«لما» فى البداية والنهاية.

(11)

«والأبطال» ساقط من البداية والنهاية، وذيل مرآة الزمان.

ص: 350

من الآباء والأمهات

(1)

]، وهتكوا حرم الخلافة والحريم، «وأذاقوا من استبقوا العذاب الأليم، فارتفعت الأصوات بالبكاء والعويل

(2)

»، وعلت الضجات

(3)

من هول ذلك اليوم الطويل، فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه، وكم من طفل بكى فلا رحم

(4)

لبكائه، فشمرّوا [عباد الله

(5)

] عن ساق الإجتهاد فى إحياء فرض الجهاد، {فَاتَّقُوا 6 اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

فلم تبق معذرة فى القعود عن أعداء الدين والمحاماة عن المسلمين.

[491]

وهذا السلطان الملك الظاهر السيد الأجل العالم العادل المجاهد [المؤيد

(7)

] ركن الدنيا والدين قد قام

(8)

بنصر الإمامة عند قلة الأنصار

(9)

، وشرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار، فأصبحت البيعة باهتمامه

(10)

منتظمة العقود، والدولة العباسية متكاثرة الجنود، فبادروا عباد الله إلى شكر هذه النعمة،

(1)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(2)

«» ساقط من البداية والنهاية.

(3)

«وعلت الصيحات» فى البداية والنهاية.

(4)

«فلم يرحم» فى البداية والنهاية ج 13 ص 238.

(5)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(6)

«واتقوا الله» فى الأصل، والتصحيح من سورة التغابن رقم 64 آية رقم 16.

(7)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(8)

«أقام» فى البداية والنهاية.

(9)

«أنصار» فى الروض الزاهر ص 144.

(10)

«بهمته» فى البداية والنهاية.

ص: 351

وأخلصوا نياتكم تنصروا، وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا، ولا يرو عنكم ما جرى، فالحرب سجال {وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 1} ، والدهر يومان، والآخر

(2)

للمؤمنين.

جمع الله على التقوى

(3)

أمركم، وأعز بالإيمان نصركم، واستغفر الله العظيم لى ولكم ولسائر المسلمين

(4)

، فاستغفروه {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

(5)

.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، حمدا يقوم بشكر نعمائه، ويشهد بوحدانيته

(6)

عدة عند

(7)

لقائه، والصلاة على محمد خاتم أنبيائه

(8)

، عدد ما خلق فى أرضه وسمائه.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله، إن أحسن ما وعظ به الإنسان كلام الملك الديان، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ،

(1)

سورة الأعراف رقم 7 جزء من الآية 128.

(2)

«والأجر» فى البداية والنهاية.

(3)

«على الهدى» فى البداية والنهاية.

(4)

«واستغفر الله لى ولسائر المسلمين» فى البداية والنهاية.

(5)

سورة الزمر رقم 39 جزء من الآية رقم 53، وانظر نص هذه الخطبة فى:

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 57 أ - 58 أ، وانظر أيضا مفرج الكروب، الروض الزاهر ص 143 - 144، السلوك ج 1 ص 478، البداية والنهاية ج 13 ص 237 - 238، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 188 - 189.

(6)

«وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له» فى الروض الزاهر ص 145، والسلوك ج 1 ص 479.

(7)

«عند» ساقط من السلوك.

(8)

«وأشهد أن محمدا سيد رسله وأنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه» فى الروض الزاهر ص 145، والسلوك ج 1 ص 479.

ص: 352

{فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ 1، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ 2 وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}

(3)

.

نفعنا الله وإياكم

(4)

بكتابه، وأجزل لنا ولكم من ثوابه، وغفر لى ولكم وللمسلمين أجمعين

(5)

.

وألبس الخليفة السلطان الفتوّة متصلة الإسناد، واحدا لواحد إلى سلمان الفارسىّ رضى الله عنه وسلمان إلى علىّ رضى الله عنه

(6)

.

(1)

«وإلى الرسول» فى الأصل وهو تحريف.

(2)

«ذلك خير لكم» فى السلوك، وهو تحريف.

(3)

سورة النساء رقم 4 آية رقم 59.

(4)

«وإياكم» ساقط من الروض الزاهر.

(5)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 58 أ، 58 ب، الروض الزاهر ص 145، السلوك ج 1 ص 478 - 479، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 189 - 190.

(6)

ورد فى الروض الزاهر:

«ولما كان ليلة الأربعاء ثالث شهر رمضان من السنة المذكورة سأل مولانا السلطان مولانا الخليفة - سلام الله عليه - هل لبس الفتوة أحد من أهل بيته الطاهرين، أو من أوليائهم المتقين، فقال: لا، والتمس من السلطان أن يصل سببه بهذا المقصود، ويتبحه هذا الأمر الذى من بيته بدأ وإليه يعود، فلم يمكن السلطان إلا طاعته المفترضة، وأن يمنحه ما كان ابن عمه - رضى الله عنه - افترضه» - الروض الزاهر ص 145 - 146، وانظر أيضا: ما ورد بهذا الخصوص فى ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 190.

ص: 353

‌ذكر توجّه السّلطان الملك الظاهر إلى الطّور:

وفى هذه السنة، سار السلطان من الديار المصرية، وخرج بجيوشه وجموعه

(1)

فى السابع من شهر ربيع الآخر، وخيّم على باب القاهرة بمسجد التبر حتى تكاملت العساكر، ثم رحل، وخلف بالقلعة المحروسة

(2)

فى نيابة السلطنة الأمير عز الدين ايدمر

(3)

الحلىّ، ولما وصلى إلى غزة وجد بها والدة الملك المغيث، وهى زوجة العادل بن الكامل، حضرت إليه مستعطفة له على ولدها، فأجرى معها الحديث فى حضوره، وأرسل صحبتها الأمير شرف الدين الجاكى المهمندار لتجهيز الإقامات [492] برسمه إذا حضر إليه، ونزل على حكمه، فخرج المذكور من الكرك، ولما بلغه وصوله إلى بيسان ركب لتلقيه يوم السبت السابع والعشرين

(4)

من جمادى الأولى فلما وصل إلى الدهليز، احتيط عليه وعلى أصحابه، وأرسله إلى القاهرة من ليلته صحبة الامير شمس الدين آقسنقر

(5)

الفارقانى الظاهرى

(6)

.

(1)

«وجمعه» فى الأصل والتصحيح من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 58 ب.

(2)

«فى قلعة الجبل» بالأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 58 ب.

(3)

هو أيدمر بن عبد الله الحلى الحلبى النجمى، عز الدين، المتوفى سنة 667 هـ/ 1268 م - المنهل الصافى ج 3 ص 170 رقم 600.

(4)

«سادس عشرين» السلوك ج 1 ص 482.

(5)

هو آق سنقر بن عبد الله النجمى الفارقانى، الأمير شمس الدين، توفى سنة 677 هـ/ 1278 م - المنهل الصافى ج 2 ص 494 رقم 500.

(6)

انظر الروض الزاهر ص 149 - 150.

ص: 354

وجهز إلى الكرك الأمير بدر الدين بيسرى

(1)

الشمسى، والأمير عزّ الدين أيدمر

(2)

الظاهرى أستاذدار، فتسلماها واستقرّ الأمير عز الدين نائبا بها، وعاد الأمير بدر الدين بيسرى بعد أن رتّب أحوالها وطيّب خواطر رجالها

(3)

.

وفى تاريخ النويرى: وفى حادى عشر ربيع الآخر من هذه السنة، سار الملك الظاهر من مصر إلى الشام، فلاقته والدة المغيث صاحب الكرك بغزة، واستوثقت لابنها من الظاهر، ثم سار الظاهر من غزة ووصل إلى الطور ثانى عشر جمادى الأولى، ووصل إليه على الطور الملك الأشرف موسى صاحب حمص فى نصف الشهر المذكور، فأحسن الظاهر إليه، ثم أن الملك المغيث سار حتى وصل إلى بيسان، فركب الملك الظاهر بعساكره والتقاه يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى، فلما شاهد المغيث الملك الظاهر ترجل، فمنعه الظاهر، وأركبه، وساق إلى جانبه، وقد تغير وجه الملك الظاهر، فلما قارب الدهليز، أفرد الملك المغيث عنه، وأنزله فى خيمة، ثم قبض عليه، وأرسله إلى مصر معتقلا، صحبة الأمير شمس الدين آقسنقر الفارقانى، ثم قبض الملك الظاهر على جميع أصحاب المغيث، ومن جملتهم ابن مزهر، وكان ناظر خزانة المغيث.

وكان للمغيث ولدان أحدهما يقال له الملك العزيز، والآخر شرف الدين، فأحضرهما السلطان، وأعطى للملك العزيز إقطاعا بالديار المصرية، وأحسن إليهما.

(1)

هو بيسرى بن عبد الله الشمسى الصالحى، الأمير بدر الدين، المتوفى سنة 698 هـ/ 1298 م - المنهل الصافى ج 3 ص 500 رقم 741.

(2)

هو أيدمر بن عبد الله الظاهرى، الأمير سيف الدين التركى، المتوفى سنة 790 هـ/ 1388 م - المنهل الصافى ج 3 ص 183 رقم 609.

(3)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 58 ب، 59 أ، الروض الزاهر ص 151.

ص: 355

ثم إن السلطان أرسل عسكرا وهو على الطور، فهدموا كنيسة الناصرة وهى من أكبر مواطن عبادات النصارى، لأن منها خرج دين النصرانية

(1)

.

‌ذكر مسير السلطان إلى عكّا والإغارة عليها:

وفيها: ركب من الطور، وسار إلى عكا جريدة، ومعه من كل عشرة فارس واحد، واستناب الأمير شجاع الدين طغريل الشبلى بالدهليز، وكان ركوبه نصف الليل من [493] ليلة السبت رابع جمادى الآخرة، فأصبح بالوادى الذى دون عكا، ثم أحاط بها من ناحية البر، وكان بالقرب منها برج فيه جماعة من الفرنج، فسير إليه طائفة من الجند، فحاصروه، وخرج من فيه مستأمنين، وحرق ما حولها من الأخشاب، وقطع ما هنالك من الأشجار، وناوشوا الفرنج القتال، فقتل منهم أقوام.

وأحضر إليه جندى يسمى حبش

(2)

من أصحاب أطلس خان فارسا خيالة من الفرنج، طعنه ورماه عن فرسه وأسره، فأنعم عليه ووعده بعدة، وعاد إلى الدهليز [بالطور

(3)

]، فرتب الأمير ناصر الدين القيمرى نائب السلطنة بالفتوحات السّاحليّة.

ورحل وتوجه إلى القدس الشريف، وزار ورسم بعمارة المسجد الأقصى، ثم خرج طالبا الكرك

(4)

.

(1)

ملخصا عن نهاية الأرب مخطوط ج 28 ورقة 77 - 79.

(2)

«حسن» فى مفرج الكروب، ونقل عنه محقق الروض الزاهر ص 159.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 59 أ، للتوضيح.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 59 أ.

ص: 356

وفى تاريخ النويرى: لما كان السلطان على الطور أرسل عسكرا هدموا كنيسة الناصرة، وأغاروا على عكا وبلادها، فغنموا وعادوا، ثم ركب السلطان الملك الظاهر بنفسه وجماعة ممن اختارهم وأغار ثانيا على عكا، وهدم برجا كان خارج البلد، وذلك عقيب إغارة عسكره

(1)

.

‌ذكر توجه السلطان إلى الكرك:

ولما خرج السلطان من القدس الشريف، سار نحو الكرك، ونزل عليها فى الثالث عشر

(2)

من جمادى الآخرة، فنزل إليه أولاد [الملك

(3)

] المغيث، وقاضى المدينة، وخطيبها، وجماعة من أهلها، يطلبون العفو، فأحسن إليهم، وأعطاهم حتى رضوا، وتسلم القلعة، وطلع إليها، وأحضر دواوينها، ورتب أمر جيشها، وأعطى رجالها جامكية ثلاثة أشهر من خزائنه

(4)

، وعين لها خاصا

(5)

وأعطى أولاد [الملك

(6)

] المغيث ما كان فيها من المال والقماش والأثاث، وخلع على العزيز فخر الدين عثمان ولد المغيث

(7)

، وعلى خادمه، وأتابكه، وكتب مناشير

(1)

ملخصا عن نهاية الأرب مخطوط ج 28 ورقة 362 - 363، وانظر المختصر ج 3 ص 217 - 218.

(2)

«ثالث وعشرون» فى مفرج الكروب، السلوك ج 1 ص 491.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 59 أ.

(4)

«خزانته» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(5)

«خاتما» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(6)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(7)

«ولد المغيث» ساقط من زبدة الفكرة.

ص: 357

عربانها، وأحلفوا [له

(1)

] وأحلف مقدمو المدينة ونصاراها، وجميع أمراء بنى مهدى وبنى عقبة

(2)

وأمرهم أن لا يشرب أحد منهم، ولا يسقى خيله، من صهاريج المدينة، وأهل البلاد رفقا بهم، وتوفيرا لهم، وترك [بها

(3)

] مما كان معه من الخزانة سبعين ألف دينار، ومائة وخمسين ألف درهم، والزردخاناة التى صحبته، ورحل عنها عائدا إلى القاهرة

(4)

.

‌ذكر عود السّلطان إلى القاهرة:

لما قضى السلطان شغله فى الكرك، رحل عنها عائدا إلى القاهرة، فوصلها فى سابع عشر رجب فكانت [494] مدة

(5)

سفرته هذه خمسة وتسعين يوما، وأحضر أولاد المغيث وحريمه إلى الديار المصرية، وأعطى ولده فخر الدين عثمان إمرة بمائة طواشى بالديار المصرية، وقبض على الرشيدى والدمياطى والبرلى

(6)

.

قلت: الرشيدى هو سيف الدين بلبان

(7)

الصالحى، والدمياطى هو الأمير

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

«وأحضر الأمير عقبة وغيره من بنى مهدى وبنى عقبة» - الروض الزاهر ص 164. وبنى عقبة أحد فروع بنى مهدى، وكانت مساكتهم حول الكرك - صبح الأعشى ج 4 ص 212، 242.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 590 أ/ب.

(5)

«مدة» ساقط من زبدة الفكرة.

(6)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 59 ب، كنز الدرر ج 8 ص 96.

(7)

هو بلبان بن عبد الله الزينى الصالحى، الأمير سيف الدين، المتوفى سنة 677 هـ/ 1278 م المنهل الصافى ج 3 ص 417 رقم 692.

ص: 358

عز الدين

(1)

، وأما البرلى فهو الأمير شمس الدين أقوش البرلى العزيزى، وكان قد حضر إلى الأبواب السلطانية فى أوائل هذه السنة، وقد ذكرنا استيلائه على البيرة، وما اتفق بينه وبين العسكر الذين جردهم السلطان إليه، وكونه كسرهم وسلبهم، وأرسلهم على تلك الحال، فأخذه السلطان بالترغيب والترهيب، وجعل تارة يبسط الآمال، ومرة يضيق عليه الحال، وحينا يتحيل عليه بنوع من الإحتيال، حتى بذل الطاعة، ودخل فيها، فسر السلطان بذلك وأرسل الأمير بدر الدين بكتاش

(2)

الفخرى إلى دمشق ليتلقاه، ورتب الإقامات والأنزال بالطرقات له، ولمن معه من الأمراء العزيزية، ولما وصل أعطاه ستين فارسا مضافا إلى البيرة، وأجرى له العطاء من المال والقماش والخلع والبيوتات والخيول وغيرها، وأوسع للذين وصلوا معه على قدر مراتبهم، وقربه وأدناه، واتخذه سميرا ومشيرا وأنيسا ونديما، ثم سأل هو النزول عن البيرة، فأجابه السلطان إلى قبولها منه بعد تكرار سؤاله، وعوضه عنها، ثم قبض عليه فى ثانى يوم دخوله القاهرة من سفر الكرك والطور.

وقال الملك المؤيّد: كان دخول البرلى فى طاعة السلطان فى سنة ستين وستمائة، وكان وصوله إلى القاهرة إلى خدمة السلطان فى ثانى ذى الحجة من سنة ستين

(1)

هو أى بك بن عبد الله الدمياطى، الأمير عز الدين، المتوفى سنة 676 هـ/ 1277 م المنهل الصافى ج 3 ص 134 رقم 580.

(2)

هو بكتاش بن عبد الله الفخرى، الأمير بدر الدين، المتوفى سنة 706 هـ/ 1306 م - المنهل الصافى ج 3 ص 385 رقم 675.

ص: 359

وستمائة، وكان قبضه إياه فى رجب سنة إحدى وستين وستمائة، فكان آخر العهد به

(1)

.

‌ذكر وصول رسل بركة خان ملك التتار:

وفى هذه السنة، وصلت رسل بركة خان وهم: الأمير جلال الدين بن القاضى والشيخ نور الدين على، وغيرهما

(2)

، مخبرين بإسلامه وعلى أيديهم كتاب منه يتضمن ذكر من أسلم من بيوت التتار، وخرج عن زمرة الكفار، وتفصيلهم بقبائلهم وعشائرهم [وأنفارهم وعساكرهم

(3)

] وصغيرهم وكبيرهم، [: قال: ودخل فى دين الإسلام

(4)

] إخواننا الكبار، وإخواتنا الصغار [495] وذراريهم، أولاد بوداكور بحشمهم وأولادهم بلاد كوكاخور ينشونوقا، ومن [فى

(5)

] بلادهم: قودعو، وقراجار، ونتش بغا، وشرامون، وبورباكو، ومنكقدار بجيوشه وسواده، وبك قداق باينال، وتقوزا غول، وقتلغ تيمور، وآجى وذريته، ودرباى، والتومان الذى تجرد إلى خراسان، وكل من توجه صحبة بايجو، مثل بانيال نوين، وايكاكوا، كل هؤلاء أسلموا بأسرهم، وأقاموا بالفرائض والسنن، والزكاة والغزاة، والجهاد فى سبيل الله، وقالوا {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ}

(1)

المختصر ج 3 ص 214. وعن سبب القبض على هؤلاء الأمراء انظر الروض الزاهر ص 166 - 170، السلوك ج 1 ص 493 - 494.

(2)

«وغيرهما» ساقط من زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

«وهم فى الأصل» والإضافة من زبدة الفكرة.

(5)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 360

{لَوْلا أَنْ هَدانَا اللهُ}

(1)

وقرأنا {آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ}

(2)

الآية. فليعلم السلطان أننى حاربت هلاون الذى من لحمى ودمى لإعلاء كلمة الله العليا، تعصبا لدين الإسلام، لأنه باغى، والباغى

(3)

كافر بالله ورسوله، وقد سيرت قصادى ورسلى صحبة رسل السلطان وهم: أربغا

(4)

، وأرتيمو، وأوناماس، ووجهت ابن شهاب الدين غازى معهم، لأنه كان حاضرا فى الوقعة، ليحكى للسلطان ما رآه بعينه من عجائب القتال، ثم لنوضح لعلم السلطان أنه موفق للخيرات والسعادات، لأنه أقام إماما من آل عباس فى خلافة المسلمين، وهو الحاكم بأمر الله، فشكرت همته، وحمدت الله تعالى على ذلك، لا سيما لما بلغنى توجّهه بالعساكر الإسلامية إلى بغداد، واستخلاص تلك النواحى من أيدى الكفار.

وتاريخ هذا الكتاب مستهل رجب سنة إحدى وستين وستمائة بمقام إتيل، وهو كتاب مطول مشتمل على إسهاب وإطناب، هذا من جملته

(5)

.

وعادت رسل السلطان صحبتهم وهما: الأمير سيف الدين كشريك التركى جمدار خوارزم شاه، والفقيه مجد الدين الروذراورى.

فأكرم السلطان رسل بركة خان، ورسل الأشكرى، الواصلين معهم، وجهز لبركة من الهدايا من كل شئ مستحسن وهى: ختمة شريفة، ذكر أنها

(1)

سورة الأعراف رقم 7 جزء من الآية رقم 43.

(2)

سورة البقرة رقم 2 جزء من الآية رقم 285.

(3)

«وباغى» فى زبدة الفكرة.

(4)

«أربوغا» فى زبدة الفكرة.

(5)

فى هذا الموضع توجد تفصيلات أخرى عن إسلام بركة خان - انظر زبدة الفكرة ج 9 ورقة 60 أ.

ص: 361

بخط عثمان بن عفان رضى الله عنه بمراوقات، وسجادات للصلاة متنوعة

(1)

الألوان خرق بندقى، وأكسية لواتية، ودسوت من النطوع المصردقة

(2)

والأديم، سيوف قلجورية مسقطة، ودبابيس مذهبة، وخود فرنجيه وطوارق مذهبة، فوانيس مغشاة، وشمعدانات، ومنجنيقات [496] بأغشية، ومشاعل جفتاه، وقواعد برسمها مكفتة، سروج خوارزمية ونمازينات، ولجم، كل ذلك بأنواع السقط بالذهب والفضة، قسى حلق قسى بندق، وقسى جروخ، ورماح قنى، وأسنة، ونشاب فى صناديقه، قدور برام، وقناديل مذهبة بسلاسل فضة مطلاة بالذهب، وخدام سود وجوارى طباخات، وخيل سوابق عربية، وهجن نوبية، ودواب فارهة، ونسانيس، وبغابغ، وغير ذلك، وألبس رسله الفتوة، وأعادهم فى شهر رمضان

(3)

.

أقول: أما إسلام بركة خان، فقد ذكرنا أنه كان فى سنة اثنتين وخمسين وستمائة

(4)

، على يدى خادم الشيخ الباخرزى الذى كان من جملة مريدى الشيخ نجم الدين كبرا، رحمه الله، من ذرية عمار بن ياسر الصحابى رضى الله عنه، وكان نجم الدين كبرا من كبار الصالحين وأعيان المحققين بخوارزم، وقد ذكرناه، وأما الحرب الذى وقع بين بركة خان وهلاون، فكان حربا عظيما، انكسر فيها هلاون كسرا

(1)

«متنوعات» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة - ج 9 ورقة 60 ب، و «نمزلوقات للصلاة وسجادات ألوانا متنوعة» فى الروض الزاهر ص 172.

(2)

«المسردقة» فى الروض الزاهر ص 172، «المصرطقة» فى نهاية الأرب ج 27 ص 360.

(3)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 60 أ/ب، وقارن أيضا ما ورد فى الروض الزاهر ص 172 - 173 حيث توجد اختلافات كثيرة، وانظر كذلك نهاية الأرب ج 27 ص 360.

(4)

انظر ما سبق ص 90 وما بعدها.

ص: 362

شنيعا، وقتل أكثر أصحابه، وغرق أكثر من بقى، وهرب هو فى شرذمة قليلة من أصحابه، وبعد فراغ بركة خان من الحرب عاد على بلاد القسطنطينية وصانعه صاحبها، وأرسل إلى السلطان الملك الظاهر الرسل المذكورين، وأرسل السلطان إليه الهدايا المذكورة.

‌ذكر توجّه السّلطان الظّاهر إلى الإسكندريّة

(1)

:

وفى شوال منها: سافر السلطان الظاهر، رحمه الله، إلى إسكندرية، ونظر فى أحوالها وأمورها، وعزل قاضيها وخطيبها ناصر الدين أحمد

(2)

بن المنير.

وفى تاريخ بيبرس: وفى سادس شوال توجه السلطان إلى ثغر الإسكندرية، ولما وصلها نزل خارج المدينة، ونادى أن لا ينزل بالثغر جندى ولا يقيم به، ودخلها يوم الأربعاء مستهل ذى القعدة، ورسم بردّ مال السهمين

(3)

، وحطّ عن أهل الثغر

(4)

ما كان مقرّرا من الفائدة، وهو ربع دينار القنطار عن كل ما يباع ويبتاع

(5)

، وحضر إليه شخصان من أهل الثغر أحدهما زين الدين بن البورى،

(1)

«إسكندرية» فى الأصل.

(2)

هو أحمد بن محمد بن منصور، ناصر الدين بن منير الجذامى، الإسكندرى، المتوفى سنة 683 هـ/ 1284 م - المنهل الصافى ج 2 ص 185 رقم 304.

(3)

مال السهمين: كان الملك الكامل الأيوبى قد أخرج «من زكوات الأموال، التى كانت تجبى، سهمى الفقراء والمساكين، وجعلهما مصروفين فى مصارفها، ورتب عليها جامكيات الفقهاء والفقراء والصلحاء» - السلوك ج 1 ص 260.

(4)

«ثغر» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 60 ب.

(5)

«ربع دينار على كل قنطار يباع» - الروض الزاهر ص 175.

ص: 363

والآخر المكرم بن الزيات، وادعيا [497] أن بالثغر أموالا ضائعة، وكتبا بها أوراقا، فسد ما أرادا فتحه من أبواب المظالم، وأمر بإشهار ابن البورى، فأشهر بين العالم، وأنعم على الأمراء الذين معه بالقماش والخلع، وعاد إلى قلعة الجبل [المحروسة

(1)

] فى الحادى عشر من ذى القعدة الحرام

(2)

.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: وفود التتار المستأمنين من عسكر هلاون.

وفيها: فى سادس ذى الحجة وصلت جماعة كبيرة من التتار مستأمنين وفى الإسلام راغبين، فكانوا زهاء ألف نفس، وفيهم من أعيانهم كرمون، وامطغيه، ونوكيه، وجبرك وقيان، وناصغيه، وطبشور، وتبتو، وصبخى، وجوجلان، واجقرقا، وأرقرق

(3)

، وكراى، وصلاغية

(4)

، ومنقدم، وصراغان، وهؤلاء كانوا من أصحاب بركة، وكان قد أرسلهم إلى هلاون نجدة، فأقاموا عنده مدة، فلما وقع بينه وبين بركة، وتمكنت العداوة، كتب بركة إليهم بأن يفارقوا هلاون ويحضروا إليه، وإن لم يتمكنوا من التوجّه إليه، فينحازوا إلى عساكر الديار المصرية، ولما وصلوا أسلموا، وطهّروا، وقدم كبراؤهم المذكورون، وأمرّوا،

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

«الحرام» ساقط من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 60 ب، 61 أ، وانظر أيضا الروض الزاهر ص 174 - 175.

(3)

«وأرقوق» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

«وصلاغاى» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

ص: 364

وعينت

(1)

لهم الإقطاعات، والطبلخانات، وأفيضت عليهم الصلات والخلع والهبات، وأنزلهم باللوق.

فقال فى ذلك [القاضى

(2)

] محيى الدين ابن عبد الظاهر:

يا مالك الدنيا الذى

أضحى صلاحا للأمم

يا من محا بالعدل ما

للظلم فينا من ظلم

يا من تساق له التتا

ر غنيمة مثل الغنم

خافوا سيوفك أنها

ستسوقهم نحو النقم

فاتوا لبابك كلّهم

يأوون منه الى حرم

أمنوا مما يخا

ف من البلايا والسّقم

جعلوا جنابك جنة

وثرى خيولك مستلم

بسطوا يمينا للهدا

ية طالما خضبت بدم

أعطيتهم ما للمؤ

لّفة القلوب من القسم

لا زلت يا ملك الزما

ن لك الملوك من الخدم

(3)

ومنها: أنه زلزلت الموصل زلزلة عظيمة تهدمت أكثر دورها.

ومنها: أن الملك الظاهر جهز صنّاعا وأخشابا وآلات كثيرة لعمارة المسجد النبوى بعد حريقه، فطيف بتلك الأخشاب والآلات فرحة بها، وتعظيما لشأنها، ثم ساروا بها إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلوات.

(1)

«وعين» فى الأصل، التصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«

لا زلت يا ملك الملوك

لك الزمان من الخدم

» فى الأصل، والتصحيح من الروض الزاهر ص 180 - 181» وانظر زبدة الفكرة ج 9 ورقة 61 ب.

ص: 365

ومنها: أن فى آخر يوم الأحد ثالث صفر سمر شابّ، ذكر أنه كان يرسل زوجته، فتدخل فى بيوت الناس، فتحسّن للمرأة [498] الخروج معها لابسة أفخر ثيابها وحليها، وتشّوقها بأن تقول: ها هنا عرس أو وليمة أو شئ من هذا الباب، وتقول: وقد اجتمعت فيه جماعة من النساء المحتشمات، فلا تتركى من الزينة شيئا ليحصل لك التجمل بينهن، فتفعل تلك المغرورة أقصى ما تقدر عليه وتخرج معها، فتجئ بها إلى بيت زوجها، فتأخذ جميع ما عليها، ثم تخنقها، وترميها فى بئر فى داره. فعل ذلك بجماعة من النساء، ثم هتكه الله، فأخذ هو وامرأته، وضربا، فاعترفا، فأما المرأه فخنقت، وجعلت فى جولق، وعلق الجولق تحت الخشب التى سمّر عليها الزوج، خارج باب الفرج، فبقى ليلتين ويوما، وفى اليوم الثانى خنق بطرف الجبل، فنسأل الله السلامة.

وفيها: « ......

(1)

»، حج بالناس « ......

(2)

»

وفيها: « ......

(3)

»

(1 و 2 و 3)« ...... » بياض فى الأصل.

ص: 366

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

عبد

(1)

الرزاق بن رزق الله بن أبى بكر بن خلف عز الدين أبو محمد الرسعنى

(2)

المحدث المفسر.

سمع الكثير وحدث، وكان من الفضلاء الأدباء، له مكانة عند بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وكذلك عند صاحب سنجار، وبها توفى ليلة الجمعة الثانى عشر من ربيع الآخر، وقد جاوز السبعين.

ومن شعره:

نعب الغراب فدّلنا نعيبه

(3)

إن الحبيب دنا أوان مغيبه

يا سائلى عن طيب عيشى بعدهم

جد لى بعيش ثم سل عن طيبه

محمد

(4)

بن أحمد بن عنتر السلمىّ الدمشقى محتسبها، وكان من عدولها وأعيانها، وله بها أملاك وثروة وأوقاف، توفى بالقاهرة، ودفن بسفح جبل المقطم.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 32، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 545، ج 2 ص 219، العبر ج 5 ص 264، البداية والنهاية ج 13 ص 241، شذرات الذهب ج 5 ص 305، السلوك ج 1 ص 502، النجوم الزاهرة ج 7 ص 211.

(2)

«الرسفغنى» فى الأصل، والتصحيح من مصادر الترجمة.

(3)

«بنعيبه» فى البداية والنهاية، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 219.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 220 - 221، البداية والنهاية ج 13 ص 241، الذيل على الروضتين ص 226.

ص: 367

علم الدين أبو محمد القاسم

(1)

بن أحمد بن الموفق بن جعفر المرسى اللورقى

(2)

اللغوى النحوى المقرئ.

شرح الشاطبية شرحا مختصرا، وشرح المفصل فى عدّة مجلدات، وشرح الجزولية، وقد اجتمع بمصنفها وسأله عن بعض مسائلها، وكان ذا فنون متعددة، حسن الشكل، مليح الوجه، له هيئة حسنة وبزة وجمال، وقد سمع الكندى وغيره.

توفى فى سابع رجب من هذه السنة، ودفن من الغد فى مقابر توما بدمشق، قريبا من قبر الشيخ رسلان [499] وكان معمرا.

واللّورقى نسبة إلى لورقة بليدة من أعمال مرسية.

الشيخ أبو بكر

(3)

الدينورى أحد الصلحاء، تلميذ الشيخ عز الدين الدينورى.

وهو بانى الزاوية بالصالحية بدمشق، وكانت له فيها جماعة مريدون يذكرون بأصوات حسنة طيبة، توفى فى هذه السنة.

الشيخ الإمام كمال الدين أبو الحسن على

(4)

بن أبى الفوارس شجاع بن العباس ابن عبد المطلب القرشى الهاشمى المصرى المقرئ، الشافعى الضرير.

(1)

أبو القسم محمد بن أحمد، فى زبدة الفكرة ج 9، ورقة 61 ب. وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 266 - 267، درة الأسلاك ص 32، الذيل على الروضتين ص 226 - 227، وورد اسمه «علم الدين أبو القاسم بن أحمد» فى البداية والنهاية ج 13 ص 241، شذرات الذهب ج 5 ص 307، السلوك ج 1 ص 502 - 503.

(2)

«البورقى» فى البداية والنهاية، وهو تحريف.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 241.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة ج 9 ورقة 62 أ، درة الأسلاك ص 32 العبر ج 5 ص 266، شذرات الذهب ج 5 ص 306، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 220.

ص: 368

وكان قد تصدر بمصر والقاهرة لإقراء القرآن الكريم، وانتفع الناس به انتفاعا كثيرا، وإليه انتهت رئاسة الإقراء بالديار المصرية، توفى فيها بالقاهرة رحمه الله.

الشريف أبو العباس أحمد بن الصقلى، وكان شاعرا خليعا، توفى فى هذه السنة.

الأمير مجير الدين

(1)

بن خوشتر بن الكردى.

كان من أمراء مصر، وحضر كسرة التتار بعين الجالوت مع الملك المظفر قطز، وغزا يومئذ حتى فتح الله على المسلمين.

مات بدمشق فى التاسع والعشرين من شعبان منها، ودفن بالجبل، وأبوه الأمير حسام الدين، مات محبوسا مع عماد الدين بن المشطوب فى البلاد الشرقيّة التى للأشرف.

وقال ابن كثير: الأمير مجير الدين أبو الهيجاء عيسى

(2)

بن خوشتر بن الأزكثى الكردى.

كان من أعيان الأمراء الكبار

(3)

وشجعانهم، وله يوم عين جالوت اليد البيضاء، ولما دخل الملك المظفر قطز إلى دمشق بعد الوقعة جعله مع الأمير علم الدين الحلبى

(1)

هو عيسى بن خشتر الأزكثى الكردى، مجير الدين أبو الهيجاء.

وله أيضا ترجمة فى درة الأسلاك ص 32، ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 544، ج 2 ص 222 - 223، السلوك ج 1 ص 502، الذيل على الروضتين ص 227، البداية والنهاية ج 13 ص 242، النجوم الزاهرة ج 7 ص 212.

(2)

«ابن عيسى» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية.

(3)

«الكبار» ساقط من البداية والنهاية.

ص: 369

- نائب البلد - مستشارا، ومشاركا

(1)

فى الرأى والتدبير والمراسيم، وكان يجلس معه فى دار العدل، وله الأقطاع الكامل والرزق الواسع.

وقال ابن كثير أيضا: وولده الأمير عز الدين تولى ولاية دمشق مدة، وكان مشكور السيرة، وإليه ينسب درب ابن سنون بالصاغة العتيقة، فيقال له:

درب بن أبى الهيجاء، لأنه كان به سكنه، وكان يعمل الولاية فيه، فيعرف به: وبعد موته بقليل كان نزولنا حين قدمنا من حوران به، فختمت فيه القرآن العظيم

(2)

.

الملك المغيث فتح الدين الدين عمر

(3)

بن الملك العادل الصغير أبى بكر بن الملك العادل الكبير أبى بكر بن أيوب بن [500] شادى صاحب الكرك.

قتل فى هذه السنة، وسببه أنه كان فى قلب الملك الظاهر منه غيظ عظيم لأمور كانت بينهما.

قيل: إن المغيث المذكور أكره امرأة الملك الظاهر بيبرس، لما قبض المغيث على البحرية وأرسلهم إلى الملك الناصر يوسف صاحب دمشق، وهرب الملك الظاهر بيبرس المذكور، وبقيت امرأته فى الكرك.

وكان من حديث مقتله أن الملك الظاهر مازال يجتهد على حضوره، وحلف لوالدته على غزّة كما ذكرنا، وكان عند المغيث شخص يسمى الأمجد، وكان

(1)

«ومشتركا» فى البداية والنهاية.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 242.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 192 - 193، البداية والنهاية ج 13 ص 238، وورد ذكر وفاته سنة 662 هـ فى درة الأسلاك ص 33، العبر ج 5 ص 269، شذرات الذهب ج 5 ص 310، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 297 وما بعدها حيث ذكره المؤلف مرة ثانية.

ص: 370

يبعثه فى الرسلية إلى الملك الظاهر، فكان الظاهر يبالغ فى إكرامه وتقريبه، فاغتر الأمجد بذلك، وما زال على مخدومه الملك المغيث حتى أحضره إلى الملك الظاهر

(1)

.

وقال المؤيد فى تاريخه: حكى لى شرف الدين بن مزهر، ناظر خزانة المغيث، قال: لما عزم المغيث على التوجه إلى خدمة الملك الظاهر، لم يكن قد بقى فى خزانته شئ من القماش ولا المال، وكانت لوالدته حواصل بالبلاد، فبعناها بأربعة وعشرين ألف درهم، واشترينا بإثنى عشر ألفا خلعا من دمشق، وجعلنا فى صناديق الخزانة الإثنى عشر الألف الأخرى، ونزل المغيث من الكرك، وأنا والأمجد وجماعة من أصحابه معه فى خدمته.

قال: وشرعت البريدية تصل إلى المغيث فى كل يوم بمكاتبات الملك الظاهر، ويرسل صحبتهم غزلانا ونحوها، والمغيث يخلع عليهم حتى نفذ ما كان بالخزانة من الخلع.

ومن جملة ما كتب إليه فى بعض المكاتبات، أن المملوك ينشد فى قدوم مولانا:

خليلىّ هل أبصرتما أو سمعتما

بأكرم من مولى تمشّى إلى عبد

قال: وكان الخوف فى قلب المغيث شديدا من الملك الظاهر، قال ابن مزهر المذكور: ففاتحنى فى شئ من ذلك بالليل، فقلت له: احلف لى أنك ما تقول للأمجد ما أقوله لك حتى أنصحك، فحلف لى، فقلت له: أخرج

(1)

المختصر ج 7 ص 216.

ص: 371

الساعة من تحت

(1)

الخام، واركب حجرتك

(2)

النحيلة، ولا يصبح لك الصباح إلا وأنت قد وصلت إلى الكرك، فتعصى فيه، وما تفكر بأحد.

قال ابن مزهر: فغافلنى وتحدّث مع الأمجد فى شئ من ذلك، فقال له الأمجد:

هذا رأى ابن مزهر، إياك من ذلك، وسار المغيث. حتى وصل إلى بيسان، فلقى الظاهر كما ذكرناه، فقبض عليه وأرسله [501] على الفور معتقلا إلى مصر، وكان آخر العهد به.

قيل: إنه حمل إلى امرأة الملك الظاهر بيبرس بقلعة الجبل، فأمرت جواريها فقتلته بالقباقيب، ثم قبض الملك الظاهر على جميع أصحاب المغيث ومن جملتهم ابن مزهر المذكور، ثم بعد ذلك أفرج عنهم.

وقال المؤيد: ولما قبض الظاهر على المغيث أحضر الفقهاء والقضاة وأوقفهم على مكاتبات من التتار إلى المغيث أجوبة عما كتب إليهم به فى أطماعهم فى ملك مصر والشام، وكتب بذلك مشروح، وأثبت على الحكام

(3)

.

الملك الأشرف موسى

(4)

بن الملك المنصور إبراهيم بن الملك المجاهد شير كوه ابن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شير كوه بن شادى بن مروان صاحب حمص.

(1)

الخام - الخيام.

(2)

الحجرة: أنثى الخيل - القاموس.

(3)

المختصر ج 3 ص 216 - 217.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 32، النجوم الزاهرة ج 7 ص 217، السلوك ج 1 ص 528، المختصر ج 3 ص 218، البداية والنهاية ج 13 ص 243 وفيه أنه توفى سنة 662 هـ - انظر ما يلى، وكذلك فى الذيل على الروضتين ص 229، وذيل مرآة الزمان ج 1 ص 555، ج 2 ص 310، العبر ج 5 ص 270، شذرات الذهب ج 5 ص 311.

ص: 372

مات فى هذه السنة بعد عوده من خدمة السلطان الملك الظاهر بيبرس إلى حمص بمرض اشتدّ به، فتوفى وأرسل الملك الظاهر فتسلّم حمص فى ذى القعدة من هذه السنة.

وهذا الملك الأشرف هو آخر الملوك الذين ملكوا حمص من بيت شيركوه.

وكان من ملك منهم حمص خمس ملوك أولهم أسد الدين بن شيركوه ابن شادى، ملكه إياها نور الدين الشهيد رحمه الله، ثم ملكها من بعد أولاده المذكورون واحدا بعد واحد، فآخرهم موسى المذكور، وانقرض بموته ملكهم حمص

(1)

.

وذكر ابن كثير وفاة الملك الأشرف المذكور فى سنة اثنتين وستين وستمائة، قال: وكان من الكرماء الموصوفين، والكبراء الدماشقة المترفين، فيعتنى بالمأكل والمشارب والملابس والمراكب، وقضاء الشهوات والمآرب، وكثرة التنعمّ بالمغانى والحبايب، ولما توفى وجد له حواصل من الجواهر النفيسة، والأموال الكثيرة، وعاد ملكه إلى الدولة الظاهرية

(2)

، واستناب ببلاده من المماليك البحرية.

قال أبو شامة: وقبله بقليل توفى الزين خضر

(3)

المعروف بالمسخرة، وكان من ندماء الأشرف موسى بن العادل

(4)

.

(1)

المختصر ج 3 ص 218.

(2)

البداية والنهاية ج 13 ص 243، وانظر أيضا ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 310.

(3)

«خضير» فى الأصل، والتصحيح من الذيل على الروضتين.

(4)

الذيل على الروضتين ص 229.

ص: 373

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثانية والستين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة هو الحاكم بأمر الله العباسى، وهو مقيم بالقاهرة.

وسلطان البلاد المصرية والشامية: هو الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الصالحى؛ وقاضى القضاة [502] بها تاج الدين بن بنت الأعز، ونائبه بدمشق:

الأمير جمال الدين أقوش النجيبى، وقاضى القضاة بدمشق شمس الدين بن خلكان.

ونائبه بحلب: الأمير نور الدين على الهكّارى.

وصاحب البلاد الرومية: السلطان ركن الدين قليج أرسلان السلجوقى.

وصاحب العراقين وخراسان وغيرها: هلاون بن طلو خان بن جنكز خان.

وصاحب البلاد الشمالية: بركة خان.

وصاحب بلاد الغرب: أبو يوسف يعقوب المرينى.

وصاحب مكة: الشريف نجم الدين بن أبى نمى الحسنى.

وصاحب المدينة: عز الدين جماز بن سالم الحسينى.

وصاحب اليمن: الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر.

(*) يوافق أولها الأحد 4 نوفمبر 1263 م.

ص: 374

‌ذكر ماجريّات الملك الظّاهر:

منها: أن الظاهر توجه إلى الغربيّة، ومنها إلى ثغر دمياط، وزار البرزخ، ورسم بعمل فم بحر الدمياط وردمه بالقرابيس وتضبيقه، ليمنع سفن العدو الكبار من دخولها، وأمر بحفر أشمون.

ومنها: أنه رسم بعمارة بير اللّبونة غربى الإسكندرية، وحفر منافسها، وأنشأ بستانا فيها، لأنها منزلة من المنازل عند توجهه إلى الحمامات للصيد، فشرع فيها.

ومنها: أنه عمر مسجدا مجاور المشهد الحسينى، رضى الله عنه.

ومنها: أنه عمر بالقدس الشريف خانا، ووقف عليه أوقافا للنازلين به فى إصلاح نعالهم وأكلهم وغير ذلك، وبنى به طاحونا وفرنا.

ومنها: أنه ندب عز الدين الأفرم لحفر فم الخليج للإسكندرية، فحفر وبنى هناك مسجدا.

ومنها: أنه ندب الأمير جمال الدين موسى بن يغمور إلى جزيرة بنى نصر للاهتمام بريّها.

ومنها، أنه سامح ما كان مقررا على ولاية مصر من رسوم الولاية.

ومنها: أنه لما غلت ديار مصر أمر بالتسعيرة طلبا للرفق، ورسم بأن يباع من أهرائه خمسمائة أردب كل يوم، بما قسمه الله عز وجل من السعر.

وفى تاريخ بيبرس: وفى هذه السنة غلت أسعار الغلال بالديار المصرية، وبلغ القمح قريب مائة درهم نقرة الإردب، فرسم السلطان بالتسعير طلبا للرفق

ص: 375

بالفقير

(1)

، [والجبر للكسير

(2)

]، واشتد الحال، وقلت الأقوات، وكاد الخبز يعدم من أسواق القاهرة ومصر، فأمر بالنداء فى الصعاليك والفقراء أن يجتمعوا تحت القلعة، فاجتمعوا ونزل إلى دار العدل، وأبطل التسعير، ورسم بأن يجتمعوا تحت القلعة، فاجتمعوا ونزل إلى دار العدل، وأبطل التسعير، ورسم بأن يباع من أهرائه [503] خمسمائة أردب كل يوم، بما يقدره الله تعالى من السعر، ويوزع على الضعفاء

(3)

والأرامل من ويبتين فما دونهما، وأمر بإحضار كل من بالقاهرة ومصر وحواضرها من الفقراء وأفرد منهم ألوفا يقوتهم من ماله، ووزع منهم لولده الملك السعيد جماعة، وفرق على كل أمير نظير عدّة جنده، وفرق على مفاردة الحلقة بحسب أحوالهم، وعلى المقدمين والبحرية والوزير والأكابر والتجار والشهود والمتعممين، ورسم أن كل من خصه فقير يعطيه مؤنته لثلاثة أشهر

(4)

.

ومنها: أنه اهتم بتجهيز كسوة الضريح النبوى، على ساكنه أفضل الصلوات، صحبة الطواشى جمال الدين محسن الصالحى فى شهر رمضان، وأجرى فى هذا الشهر الصدقات على الفقراء بالقاهرة ومصر، ورتب لهم مطابخ لفطر الصائمين.

ومنها: أنه عزم على طهور ابنه الملك السعيد ناصر الدين بركة، فعرض الجيوش المنصورة لابسى عدد الحروب، وعبروا عشرة عشرة وهو جالس على الصفّة التى بجانب دار العدل تحت القلعة، ثم طهر ولده المذكور، وطهر معه جماعة من أولاد الأمراء الكبار، ولم يقبل السلطان من أحد من الأمراء تقدمة:

(1)

«بالفقراء» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 63 أ.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«الفقراء» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 63 أ/ب، وانظر أيضا الروض الزاهر ص 188 - 189.

ص: 376

ملك تعود أنه

يهب البلاد مع الممالك

[ويجود بالمدن العظام

وبالحصون وما هنالك

(1)

]

حاشاه يسلك من

قبول هديةّ تلك المسالك

[أو أنه مع جوده وعطا

ئه يرضى بذلك

(2)

]

ومنها: أنه توجّه إلى ثغر الإسكندريّة متصبّدا، ووصل إلى الكرش، وهى قريب العقبة الصغرى التى غربىّ الحمامات، وعند عوده جعل سيف الدين عطاء الله بن عزاز مقدّما على عرب برقة، وقرر عليهم الزكاة، والزمهم باستخراجها منهم وحملها

(3)

.

ومنها: أنه بلغه أن جماعة من التتار واصلون مستأمنون، فأخذ بالعزم، وعزم على الخروج بالعساكر لأجل تواتر الأخبار بمجئ هلاون مع التتار، وعزم على تقرير السلطنة لابنه ناصر الدين بركة.

‌ذكر سلطنة الملك السعيد ناصر الدين بركة:

ولما كان يوم الخميس ثالث عشر شوال من هذه السنة، أركب السلطان ولده الملك السعيد بشعار السلطنة ومشى [504] فى ركابه حاملا له الغاشية، وأخذها الأمراء الكبار واحدا بعد واحد، وعليهم الخلع الفاخرة، والحلل الزاهرة،

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة ج 9 ورقة 67 أ.

(3)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 67 أ.

ص: 377

وزينت المدينة زينة تامة، واستبشر بذلك الخاصة والعامة، وتقرّر أن يكون أتابكه الأمير عز الدين أيدمر الحلى

(1)

.

وكتب تقليده [الشريف

(2)

]، وقرئ فى السابع عشر من الشهر وهو:

الحمد لله منمى الغروس، ومبهج النفوس، ومزين سماء المملكة بأحسن الأهلة وأضواء البدور، وأشرق الشموس الذى شد أزر الإسلام

(3)

بملوك يتعاقبون مصالح

(4)

الأنام، ويتناوبون تدبيرهم كتناوب العينين واليدين فى مهمات الأجساد وملمّات الأجسام.

نحمده على نعمه التى أيقظت جفن الشكر المتغافى، وأوردت منهل الفضل الصافى، وخوّلت الآلاء حتى تمسّكت الآمال منها بالوعد الوفى، وأخذت بالوزن الوافى.

وأشهد

(5)

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبد كثر الله عدده وعدده، وأحمد أمسه ويومه، ويحمد إن شاء الله غده، ونصلى على سيد محمد الذى أطلع الله به نجم الهدى، وألبس المشركين به أردية الردّى، وأوضح به

(1)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 64 ب.

(2)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(3)

«الذين شدوا إزار الإسلام» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، والروض الزاهر ص 204، وصبح الأعشى ج 10 ص 163.

(4)

«بمصالح» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(5)

«ونشهد» فى الروض الزاهر ص 205.

ص: 378

مناهج الدين، وكانت «طرائق قددا

(1)

» صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة لا تنقضى أبدا.

وبعد فإنا لما ألهمنا الله من مصالح الأمم، وخولناه من الحرص على مهمّات العباد التى قطع به شأفة الكفر وحسم، وأتى بنا والشرك قد علم كل أحد اشتعال ناره، فكان علما بنار مضرّمة، لا نارا على علم، وقدره من دفع الكفر من جميع الجوانب، وقمعهم من كل جهة حتى رميناهم بالحتف الواصل والعذاب الواصب، فأصبح الشرك من الإبادة فى شرك، والإسلام لا يخاف من فتك ولا يخاف من درك، وثغور الإسلام عالية المبتنى نامية المقتنى، جانية بمار؟؟؟ الادخار من هنا ومن هنا، تزاحم بروجها فى السماء البروج، ويشاهد الأعداء منها سماء بنيت وزينت ومالها من فروج، وعساكر الملة [505] المحمدية فى كل طرف أطراف الممالك تجول، وفى كل وادتهيم حين تشعر بالنصر ولكنها تفعل ما تقول، قد دوّخت البلاد فقتلت الأعداء تارة بالإمام وتارة بالأوهام، وسلت سيوفها فراعتهم يقظة بالقراع ونوما

(2)

بالأحلام، نرى أنا قد لذّ لنا هذا الأمر التذاذ المستطيب، وحسن لدينا موقعه فعكفنا عليه عكوف المستجيد ولبيناه تلبية المستجيب، وشغلنا فيه جميع الأوقات والحواش، وتقسمت مباشرته ومؤامرته سائر الزمن حتى غدا أكثر تردادا الى النفس من

(3)

الأنفاس، واستنفدنا الساعات فى امتطاء الضمر الشوس، وإدراع محكم الدلاص التى كأنها ومضات

(4)

برق أو شعاع

(1)

سورة الجن رقم 72 جزء من آية 11.

(2)

«ويوما» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(3)

«إلى» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

«رمضان» فى الأصل، والتصحيح من الروض الزاهر ص 206.

ص: 379

شموس، وتجريد المرهفات التى قد حفّت لحاظها الأجفان، وجرت فكّا لمياه واضطرمت فكا لنيران، وتفويق السهام التى قد غدت قسيّها من اتعابنا لها تئن، واعتقال السمهرية التى تقرع الأعداء سنّها ندما كلما قرعت هى السنّ، الى غير ذلك من كلّ غارة شعواء تسئ للكفار الصباح، وتصدم كالجبال وتسير كالرياح، ومنازلات كم استكبت من موجود، وكم استنجزت من نصر موعود، وكم مدينة أضحت لها مدنية ولكن أخرها الله إلى أجل معدود.

وكانت شجرتنا المباركة قد امتدّ منها فرع تفرّسنا فيه

(1)

الزيادة والنموّ، وتوسمنا منه حسن الجناء المرجوّ، ورأينا أنه الهلال الذى أخذ فى ترقى منازل السعود إلى الإبدار، وإنه سرّنا الذى صادف مكان الاختيار له حسن الاختيار، أردنا أن ننصبه فى منصب أحلنا الله فسيح غرفه، ونشرّفه بما خوّلنا الله من شرفه، وأن تكون يدنا ويده يقتطفان من ثمره، وجيدنا وجيده متحليان بجوهره، وأنا نكون للسّلطنة الشريفة السمع والبصر، وللمملكة المعظمة فى التناوب بالاضاءة الشمس والقمر، وأن تصول الأمّة منا ومنه بخدّين، ويبطشون من أمرنا وأمره بيدين، وأن نربيه على حسن سياسة تحمد الأمة إن شاء [506] الله عاقبتها عند الكبر، وتكون الأخلاق الملوكية منتشية

(2)

معه ومنتشبة به من الصغر، ونجعل سعى الأمّة حميدا، ونهب لهم منه سلطانا نصيرا، وملكا سعيدا، ونقوى به عضد الدين، ونريش جناح المملكة، وننجح مطالب الأمّة بإيالته، وكيف لا ينجح مطلب يكون فيه بركة.

(1)

«فيها» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

«مقتبسة» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

ص: 380

وخرج أمرنا، لا برح مسعدا ومسعفا، ولا عدمت الأمة منه خلفا منيلا ونواء مخلفا، بأن يكتب هذا التقليد لولدنا الملك السعيد [ناصر الدين

(1)

] بركة خاقان محمد، جعل الله مطلع سعده بالإشراق محفوفا، وارى الأمّة من منامه ما يدفع للدهر صرفا ويحسن بالتدبير تصريفا بولاية العهد الشريف على قرب البلاد وبعدها، وغورها ونجدها، وعساكرها وجندها، وقلاعها وثغورها، وبرورها وبحورها، وولاياتها وأقطارها، ومدنها وأمصارها، وسهلها وجبلها، ومعطلها ومعتملها، وما تحوى أقطاره الأقلام، وما ينسب للدولة القاهرة من يمن وحجاز ومصر وغرب وسواحل وشآم بعد شام، وما يتداخل ذلك من قفار ومن بيد فى سائر هذه الجهات، وما يتحللها من نيل وملح وعذب فرات، ومن يسكنها من حقير وجليل، ومن يحتلها من صاحب رغاء وثغاء، وصليل وصهيل، وجعلنا يده فى ذلك كله المبسوطة، وطاعته المشروطة، ونواميسه المضبوطة، ولا تدبير ملك كلى إلا بنا أو بولدنا يعمل، ولا سيف ولا رزق إلا بأمرنا هذا يسلّ وهذا يسأل، ولا دست سلطنة إلا بأحدنا يتوضح منه الإشراق، ولا غض قلم فى روض أمر ونهى إلا ولدينا أو لديه وتمتدّ له الأوراق، ولا منبر خطيب إلا باسمينا يميس، ولا وجه درهم ولا دينار إلا بنا يشرق ويكاد تبرّجا لا بهرجا يتطلع من خلال الكيس.

فليتقلد الولد ما قلّدناه من أمور العباد، وليشركنا فيما نباشره من مصالح الثغور والقلاع والبلاد، [507] وسننعاهد الولد من الوصايا بما سينشأ معه توأما

(2)

، ويمنزج بلحمه ودمه حتى [يكاد

(3)

] يكون ذلك إلهاما لا تعلما، وفى الولد

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة، الروض الزاهر ص 207.

(2)

«يوما» فى الأصل، والتصحيح من الروض الزاهر ص 208.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة، والروض الزاهر ص 208.

ص: 381

بحمد الله من نقاء الذهن وصحة التصوّر ما يتشكل فيه الوصايا أحسن التشكيل، وتظهر صورة الإبانة فى صفائه الصقيل، فلذلك استغنينا عن شرحها مسرودة، وفيه بحمد الله من حسن الخليفة ما يحقق أنها بشرف الإلهام موجودة، والله لا يعدمنا منه إشفاقا وبرا، ويجعله [أبدا

(1)

] للأمّة سندا وذخرا

(2)

.

‌ذكر المدرسة التى بناها السّلطان الظاهر بالقاهرة:

وفى أول هذه السنة، كملت المدرسة الظاهرية التى ببين القصرين، ورتب لتدريس الشافعية بها القاضى تقى الدين محمد

(3)

بن الحسين بن رزين، ولتدريس الحنفية مجد الدين عبد الرحمن

(4)

بن كمال الدين عمر بن العديم، ولمشيخة الحديث بها الشيخ شرف الدين الدمياطى عبد المؤمن

(5)

بن خلف الحافظ.

وكان الإجلاس بها فى الخامس من صفر من هذه السنة، واجتمع بها أهل العلم والأدباء والفقهاء، ودرس المدرسون، واندفع الشعراء يمتدحون، فأنشد السراج عمر

(6)

الوراق:

(1)

[أبدا] إضافة من زبدة الفكرة.

(2)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 64 ب - 66 ب، الروض الزاهر ص 204 - 209، صبح الأعشى ج 10 ص 163 - 165.

(3)

توفى سنة 680 هـ/ 1281 م - الوافى ج 3 ص 18 رقم 879.

(4)

توفى سنة 677 هـ/ 1279 م - المنهل الصافى.

(5)

توفى سنة 705 هـ/ 1305 م - المنهل الصافى.

(6)

هو عمر بن محمد بن حسن، سراج الدين الوراق، المتوفى سنة 695 هـ/ 1295 م - المنهل الصافى.

ص: 382

مليك له فى العلم حبّ وأهله

فلله حبّ ليس فيه ملام

فشيّدها للعلم مدرسة غدا

عراق إليها شيّق وشآم

فلا

(1)

تذكرن يوما نظامية لها

فليس يضاهى ذا النظام نظام

ولا تذكرن ملكا وبيبرس مالكا

وكل مليك فى يده غلام

ومذ برزت كالروض فى الحسن أنبأت

بأنّ يديه فى النوال غمام

(2)

وأنشد الجمال يوسف بن الخشاب:

قصد الملوك حماك والخلفاء

فافخر فإن محلك الجوزاء

أنت الذى أمراؤه بين الورى

مثل الملوك وجنده امراء

ملك تزينت الممالك باسمه

وتجملت بمديحه الفصحاء

وترفّعت لعلاه خير مدارس

حلّت بها العلماء والفضلاء

يبقى كما يبقى الزمان وملكه

باق له ولحاسديه فناء

كم للفرنج وللتتار

(3)

ببابه

رسل مناها العفو والإعفاء

[508]

وطريقه لبلادهم موطوءة

وطريقهم لبلاده عذراء

دامت له الدنيا ودام مخلّدا

ما أقبل الإصباح والإمساء

(4)

وأنشد الأديب أبو الحسن الجزار:

(1)

«ولا» فى الروض الزاهر ص 184.

(2)

انظر أيضا الروض الزاهر ص 184 - 185.

(3)

«للتتار وللفرنج» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة والروض الزاهر.

(4)

أنظر أيضا الروض الزاهر ص 185.

ص: 383

ألا هكذا يبنى المدارس من بنى

ومن يتغالى فى الثواب وفى الثنا

لقد ظهرت للظاهر الملك همّة

بها اليوم فى الدارين قد بلغ المنا

تجمّع فيها كلّ حسن مفرّق

فراقت قلوبا للأنام وأعينا

ومذ جاورت قبر الشهيد فنفسه

النفيسة [منها

(1)

] فى سرور وفى هنا

وما هى إلا جنّة الخلد أزلفت

له فى غد فاختار تعجيلها هنا

(2)

فشرّف الشعراء المذكورون ووصلوا

(3)

.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أن هيثوم بن قسطنطين متملك الأرمن وصل من جهة السلطان هلاون إلى حضرة السلطان ركن الدين قليج أرسلان صاحب الروم، واستصحب معه قاضى هلاون، وجماعة من التتار، فالتقاه صاحب الروم مترجلا، وجاء إلى هرقله، وتحالفا واتفقا، واهتم الأرمنى بجمع عساكره لقصد البلاد الإسلامية، وسار إلى قلعة صرفند كار، ومعه ألف فارس من بنى كلاب، وقصدوا عينتاب.

فجهز السلطان عسكرى حماة وحمص إلى حلب، وأمرهم بالإغارة على عسكر الأرمن، فأغاروا عليهم، وقتلوا منهم ثلاثين نفرا، وأسروا أميرا من أمرائهم، وأخذوا مائة حمل من البخاتى، وجرح بارون بهرام، وهو صاحب حموص، وقرابة الملك، جراحة شديدة، وانهزموا راجعين

(4)

.

(1)

[] إضافة من زبدة الفكرة، والروض الزاهر.

(2)

انظر أيضا الروض الزاهر ص 185.

(3)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 62 ب، 63 أ.

(4)

الروض الزاهر ض 192.

ص: 384

ومنها: أنه وصلت جماعة من عسكر شيراز إلى الخدمة، مقدمهم الأمير سيف الدين بكلك، ومعهم سيف الدين اقتبار جمدار جلال الدين خوارزم شاه، وغلمان أتابك سعد، وهم: شمس الدين سنقرجاه ورفقته، ووصل معهم حسام الدين حسين بن علاج أمير العراق، ومظهر الدين وشاح بن شهرى، وجماعة من أمراء خفاجة، فأحسن إليهم وجهزهم إلى بلادهم.

ومنها: أنه وصل رسول من الأمير شارل

(1)

أخى الفرنسيس بهدية.

ومنها: أنه وصلت إلى السلطان كتب أصحاب خيبر عبيد الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، يبذلون الطاعة، ويسألونه إرسال من يتسلم [509] خيبر، فندب أمين الدين موسى بن التركمان، وكتب إلى نائب الكرك، بأن يجرد معه جماعة من البحرية الذين بالكرك، فتوجه إليها وتسلمها

(2)

.

ومنها: أنه وصل الأمير جلال الدين شكر ولد الدوادار مجاهد الدين دوادار الخليفة ببغداد، فأعطاه السلطان طبلخاناه ومعها عشرة عقبان، فأطلقها وفرقها.

فقال فى ذلك الأمير جمال الدين بن الإمام الحاجب:

جاءت ملوك الطير فى يد آسر

قهرا إلى ملك الأنام الظاهر

أضحى سليمان الزمان فملكه

يسمو به لقياصر وأكاسر

ملك الزمان سيأتينك مثلهم

فى أسر خادمك الزمان الجائر

ومنها: أنه وجدت بظاهر القاهرة، خارج باب الشعرية، امرأة تتحيل على الناس، وتدخلهم بيتا لها هناك، وقد أعدت فيه رجالا يطابقونها على سوء

(1)

«شرك» فى الأصل، والتصحيح من الروض الزاهر ص 201، وهو شارك كونت انجو.

(2)

الروض الزاهر ص 220.

ص: 385

فعلها، فيخنقون من تأتى به فقتلت خلقا كثيرا من رجال ونساء، فأمر بها فسمرت.

وكان اسم هذه المرأة السيئة غازية الخنافة، وكانت ذات حسن وجمال، وكانت تمشى بالمدينة ومعها عجوز تطمع الناس فى نفسها، وكان من طمع فيها وطلبها تقول له العجوز: أنها لا يمكنها التوجه إلى أحد، ولكن تعال أنت إلى بيتها، فيجئ، فيطلع له رجلان، فيقتلانه ويأخذون ما معه، وكانوا ينتقلون من مكان إلى مكان، فاتفق أن العجوز أتت إلى بعض المواشط، وأمرتها أن تأخذ ما تقدر عليه من الحلى والحلل، وتمضى معها لعروسة عندها، ففعلت الماشطة، واستصحبت معها جارية لها، ولما دخلت الماشطة منزلهم، رجعت الجارية إلى مكانها، فقتلوا الماشطة، وأخذوا ما معها، فاستبطأتها جاريتها، فجاءت إليهم وطلبتها، فأنكروها وادعوا أنها خرجت من يومها، فمضت وأتتهم بصاحب الشرطة، فإحتاط عليهم وعذبهم، فأقروا بما كانوا يفعلون، وأطلعوا فى بيتهم على حفرة فيها خلق عظيم مقتولين، وكان بعض الطوابين قد اتفق معهم، وجعلوا يحضرون إليه القتلى مختفيا، فيحرقهم فى أقمنة الطوب، فأمسكوا جميعا وسمّروا، وكانوا خمسة أنفس، وأما المرأة فإنها بعد التسمير أطلقت، فأقامت [510] يومين، ثم ماتت، عليها ما تستحق

(1)

.

ومنها: أنه اتفقت واقعة بالمغرب بين أبى يوسف يعقوب المرينى وبين الفرنج، وكان المقدم عليهم قائدا من قواد هم يسمى بدر قزمان، على مكان

(1)

انظر أيضا كنز الدرر ج 8 ص 103 - 103.

ص: 386

يقال له بيتره، فهزمه المرينى، وقتل جماعة ممن كان معه، وأثر فى تلك البلاد آثارا كثيرة

(1)

.

ومنها: أن نصير الدين الطوسى قدم إلى بغداد من جهة هلاون، فنظر فى الأوقاف وأحوال البلد، وأخذ كتبا عظيمة كثيرة من سائر المدارس وحولها إلى الرصد الذى بناه بمراغة، ثم انحدر إلى واسط والبصرة

(2)

.

ومنها: أن الأشكرى قبض على السلطان عز الدين كيكاوس صاحب الروم، وقد ذكرنا أنه انهزم من أخيه ركن الدين قليج أرسلان، وتوجه إلى القسطنطينية، فأكرمه الأشكرى، وأقبل عليه، وعلى من معه من الأمراء، فلما كان هذه السنة خطر يبال الأمراء الروميين الذين معه وهم: غرلّو أمير آخور

(3)

، وعلى بهادر، وأمير مجلس أن يثبوا على الأشكرى فيقتلوه، ويستولوا على بلاده، فعرفوا أستاذهم بذلك، وسألوه كتمانه عن أخواله كرخيا وكركريد، فاستدعى خاليه، وعرفهما ما عزم أولئك عليه، وأشار إليهما بإعلام الأشكرى بذلك، ومنعه من الركوب فى غداة اليوم الذى عزموا على اغتياله فيه، فتوجها إلى الأشكرى وأعلماه، فلم يركب ذلك النهار، وعمل وليمة كبيرة، وعزم على السلطان عز الدين وعلى أمرائه فأكلوا وشربوا، ورتب أن يمسكوا إذا خرجوا، فقبض على كل من خرج منهم، وعلى السلطان عز الدين أيضا، وقيدوا، وسير السلطان وأولاده إلى قلعة من القلاع الغربية، فاعتقلوا فيها، وأما أمراؤه

(1)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 68 أ.

(2)

انظر جامع التواريخ المجلد الثانى الجز الأول ص 203.

(3)

«عز الدين أمير آخر» فى نهاية الأرب ج 27 ص 111.

ص: 387

فإنه

(1)

كحلهم جميعا، ثم رسم بأن يجمع كل من يلوذ بهم من الجند والغلمان والعامة والحاشية، وجمعوا فى الكنيسة الكبرى جميعا، وحضروا

(2)

، وحضرت البطاركة والبطارقة، وعرضوا

(3)

عليهم الدخول فى دين النصرانية، فمنهم من تنصر وسلم، ومن أبى إلا البقاء على إسلامه فكحل، وكان فيهم رجل من أرزنكان يسمى نور الدين، فلما أحضروه وعرضوا

(4)

[511] عليه التنصر، فصاح وقال

(5)

: الجنة معدة للإسلام، والنار معدة لكم، فطالعوا الملك بأمره، فقال: هذا رجل ثابت على دينه، فاعطوه كتاب الطريق ولا تعرضوا

(6)

له، فأطلقوه.

وأما عز الدين كيكاوس وأولاده، فإنه بقى معتقلا بتلك القلعة إلى سنة ثمان وستين وستمائة

(7)

.

ومنها: انه حصل بجاسوسين للتتار، ووجد معهما فرمان هلاون للأمير فارس الدين أقطاى الأتابك، فعلم السلطان أن ذلك مكيدة من التتار، لعنهم الله.

وفيها: « .........

(8)

»

وفيها: حج بالناس « .........

(9)

»

(1)

«فإنهم كحلوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(2)

«وحضروا» ساقط من زبدة الفكرة.

(3)

«فعرضوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(4)

«وأعرضوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(5)

«فقال» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(6)

«تتعرضوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

(7)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 67 ب - 68 أ، وانظر أيضا نهاية الأرب ج 27 ص 110 - 111.

(8 و 9)« ...... » بياض فى الأصل.

ص: 388

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

القاضى الخطيب عماد الدين أبو الفضائل عبد الكريم

(1)

بن قاضى القضاة جمال الدين عبد الصمد بن محمد الحرستانى.

كان خطيبا بدمشق وناب فى الحكم عن أبيه فى الدولة العادلية، ثم عن ابن خليل الحوىّ، ثم استقل بقضاء القضاة بدمشق فى الدولة الأشرفية، ثم كان خطيب دمشق، ومدرس الغزالية

(2)

، وشيخ دار الحديث الأشرفية، بعد ابن الصلاح إلى أن توفى بدار الخطابة فى التاسع والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن عبد الكريم

(3)

بسفح جبل قاسيون وقد جاوز الثمانين بخمس سنين.

وتولى بعده الخطابة والغزالية ولده مجير الدين

(4)

، وباشر بعده مشيخة دار الحديث الشيخ شهاب الدين أبو شامة، رحمه الله.

محيى الدين محمد

(5)

بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة، الحافظ المحدث الأنصارى الشاطبى أبو بكر المغربى.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 33، العبر ج 5 ص 268، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 295 - 296، البداية والنهاية ج 13 ص 243، الذيل على الروضتين ص 229، شذرات الذهب ج 5 ص 309 - 310، الدارس ج 1 ص 421.

(2)

المدرسة الغزالية بدمشق: فى اللزاوية الشمالية الغربية من الجامع الأموى، الدارس ج 1 ص 413، ص 421.

(3)

«عبد الله» فى الأصل، والتصحيح يتفق والسياق.

(4)

هكذا بالأصل، و «محيى الدين محمد» ، وتوفى سنة 668 هـ/ 1269 م - الدارس ج 1 ص 421.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 270، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 304 - 307، البداية والنهاية ج 13 ص 243، شذرات الذهب ج 5 ص 310 - 311.

ص: 389

عالم فاضل ديّن، وأقام بحلب مدة، ثم اجتاز بدمشق قاصدا الديار المصرية، وقد ولى دار الحديث الكاملية بعد زكى الدين عبد العظيم المنذرى، وقد كان له سماع جيد ببغداد وغيرها من البلاد، وقد جاوز السبعين، مات فى هذه السنة بالقاهرة.

القبارى الشيخ الصالح محمد

(1)

بن منصور بن يحيى القبارى الأسكندرانى.

كان يكون مقيما بغيط يقتات من ثماره وزرعه، ويتورع فى تحصيل نذره.

قال أبو شامة: بلغنى أنه كان إذا رأى ثمرة ساقطة فيه تحت [512] أشجاره ولا يشاهد سقوطها من شجره يتورع من أكلها، خوفا أن يكون من شجر غيره قد حملها طائر فسقطت منه فى غيطه

(2)

.

وكانت وفاته فى السادس من شعبان منها بالإسكندرية، وله خمس وستون سنة، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويردع الولاة من الظلم، فيسمعون منه ويطيعونه، وإذا جاء الناس إلى زيارته يكلمهم من طاقة المنزل وهم راضون منه بذلك.

ولما توجه الملك الظاهر إلى الإسكندرية فى العام الماضى، قصد زيارته، فركب إلى بستانه، فلم يفتح له الباب، ولما توفى دفن فى بستانه بوصية منه.

وقال ابن كثير: وغريب ما حكى عنه أنه باع دابة له من رجل

(3)

، فلما كان

(1)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة ج 9 ورقة 68 ب، درة الأسلاك ص 34، العبر ج 5 ص 271، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 315 - 316، الذيل على الروضتين ص 241، البداية والنهاية ج 13 ص 243 - 244، شذرات الذهب ج 5 ص 312.

(2)

انظر الذيل على الروضتين ص 312.

(3)

هكذا بالأصل، وفى البداية والنهاية.

ص: 390

بعد أيام جاء الرجل فقال: يا سيدى إن الدابة [التى اشتريتها منك

(1)

] لا تأكل عندى شيئا، فنظر إليه الشيخ فقال: ما تعانى من الصنائع

(2)

؟ فقال: رقاص عند الوالى. فقال: إنّ دابتنا لا تأكل الحرام، ودخل منزله فأعطاه دراهمه ومعهما دراهم كثيرة قد اختلطت بها أيضا معها، فاشترى الناس من الرقاص كل درهم بثلاثة دراهم لأجل البركة، [وأخذ دابته

(3)

] وترك من الأثاث

(4)

ما يساوى خمسين درهما فأبيع بمبلغ عشرين ألفا

(5)

، رحمه الله.

محيى الدين عبد الله

(6)

بن صفى الدين إبراهيم بن مرزوق، توفى فى الثامن والعشرين من رمضان منها بداره بدمشق المجاورة للمدرسة النورية.

وقال ابن كثير: داره هى التى جعلت مدرسة للشافعية، وقفها الأمير جمال الدين أقوش النجيبى وبها إقامتنا، وقد كان أبوه صفىّ الدين وزر مدة للملك الأشرف، وملك من الذهب ستمائة ألف دينار خارجا عن الأملاك والأثاث والبضائع، وكانت وفاة أبيه بمصر فى سنة تسع وخمسين، ودفن بتربة عند جبل المقطم

(7)

.

(1)

[] إضافة من البداية والنهاية ج 13 ص 243.

(2)

«من الأسباب» فى البداية والنهاية.

(3)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(4)

«الأساس» فى البداية والنهاية، وهو تحريف.

(5)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 244.

(6)

وله أيضا ترجمة فى: البداية والنهاية ج 13 ص 244، الذيل على الروضتين ص 231.

(7)

البداية والنهاية ج 13 ص 244.

ص: 391

القاضى أبو البقاء صالح

(1)

بن أبى بكر بن سلامة المقدسى الفقيه الشافعى الحاكم بمدينة حمص.

وكان حسن الطريقة محمود السيرة، توفى فى هذه السنة بحمص.

القاضى زين الدين أبو الفتح محمد بن

(2)

القاضى الموفق بن أبى الفرج الإسكندرانى.

وهو من رؤساء بلده المشهورين، [513] وتولى القضاء والخطابة بها مدة، وتوفى فى الإسكندرية فى هذه السنة.

كمال الدين أحمد

(3)

بن القاضى زين الدين بن الأستاذ.

كان تولى قضاء حلب بعد أبيه، فبقى على ذلك إلى أن أخذ التتار حلب، فنكب مع من نكب، وجاء مع أهله إلى دمشق، وخرج إلى مصر فبقى فيها إلى هذه السنة، فرجع إلى حلب فتوفى بها فى خامس عشر شوال، وكان فاضلا وابن فاضل، وجده من الصالحين، وجمع كتابا فى شرح الوسيط كان تعب فيه أبوه من قبل.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة ج 9 ورقة 67 ب، المنهل الصافى، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 239.

(2)

هو محمد بن على بن عبد الوهاب بن أبى الفرج، زين الدين الأسكندرانى - وله أيضا ترجمة فى: زبدة الفكرة ج 9 ورقة 68 أ، وفيه «أبو الفرج محمد» ، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 304

(3)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 34، العبر ج 5 ص 267، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 232 - 234، «الذيل على الروضتين ص 232» شذرات الذهب ج 5، ص 308.

ص: 392

سليمان

(1)

بن المؤيد بن عامر العقربانى المعروف بابن الزين الحافظى.

قتله هلاون فى هذه السنة، وقتل معه جميع أولاده وأهل بيته وأقاربه، وقال له هلاون قبل قتله: ثبتت خيانتك عندى، خدمت صاحب بعلبك طبيبا فخنته، واتققت مع غلمانه على قتله، ثم خدمت الملك الحافظ فباطنت عليه الملك الناصر صاحب الشام حتى أخرجته من قلعة جعبر، ثم خدمت الملك الناصر فخنته معى حتى أخرجت ديارة، ثم خدمتنا فشرعت تباطن صاحب مصر علينا، فأنت تشبه القرعة على وجه الماء كيف ما ضربها الهوى مالت معه.

وقال ابن كثير: وقد كان هذا المغتر لما قدم التتار سنة هلاون

(2)

مالأ على المسلمين [وآذاهم

(3)

] ودل على عوراتهم، ثم لما عادت الدولة الإسلامية صار إلى التتار، فكان عندهم حتى سلطهم الله عليه فأهلكوه: من أعان ظالما سلطه الله عليه

(4)

.

الأمير حسام الدين

(5)

الجوكندار العزيزى، من غلمان العزيز بن الظاهر بن السلطان صلاح الدين.

وكانت له يد طولى فى كسر التتار على حمص، وقتل مقدمهم بيدرا، وكان تولى نيابة حلب، مات فى تاسع عشر المحرم من هذه السنة.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 234 - 239، العبر ج 5 ص 267 - 268، شذرات الذهب ج 5 ص 308 - 309.

(2)

«لما قدم التتار مع هولاكو دمشق وغيرها» - فى البداية والنهاية ج 13 ص 244.

(3)

[] إضافة من البداية والنهاية.

(4)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 244.

(5)

هو لاجين الجوكندار العزيزى، حسام الدين لاجين وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 33، انظر العبر ج 5 ص 271، ج 5 ص 311، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 300 - 303، النجوم الزاهرة ج 7 ص 216.

ص: 393

الشمس الوتار الموصلى

(1)

.

كان قد حصل شيئا من علم الأدب وخطب بجامع المزة مدة.

قال أبو شامة: أنشدنى لنفسه فى الشيب والخضاب:

وكنت وإياها مذ اختط عارضى

كروحين

(2)

فى جسم وما نقضت عهدا

فلما أتانى الشيب يقطع بيننا

توهمته سيفا فألبسته غمدا

(3)

(1)

هو محمد بن أبى بكر بن سيف، أبو عبد الله شمس الدين التنوخى، الموصلى الوقار.

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 310، الذيل على الروضتين ص 232.

(2)

«عارضى كزوجين» - فى الذيل على الروضتين.

(3)

الذيل على الروضتين ج 232، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 310.

ص: 394

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الثالثة والستين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو الحاكم بأمر الله، وهو مقيم بالقاهرة.

وسلطان الديار المصرية والشامية: الملك الظاهر بيبرس البندقدارى، وتوجه الظاهر إلى أعراس والعباسة للصيد، ثم عاد إلى قلعة الجبل، وكان سبب عوده وصول الأخبار إليه بأن مقدّما من مقدّمى التتار يسمّى درباى قد قصد البيرة بتمان من التتار وشرع فى المنازلة والحصار، فأسرع العود إلى القلعة، وجرّد الأمير عز الدين يوغان

(1)

الملقّب سم الموت بمقدمة العساكر، ومن جرّد معه من الجند المتوجهين جرائد، فتوجهوا فى رابع ربيع الأول من هذه السنة، ثم جرد السلطان.

‌ذكر سفر السّلطان الظاهر إلى الشام:

ولما جهز السلطان العسكر المذكورين، وخرجوا فى التاريخ المذكور، شرع هو أيضا فى التجهيز، ورحل فى سادس ربيع الآخر من هذه السنة.

قال بيبرس: شرع فى التجهيز وإحضار الخيول من الربيع، وطرد الجند المتفرقين بالديار المصرية، ورحل فى سابع ربيع الآخر، فوصل إلى غزة فى

(*) يوافق أولها الجمعة 24 أكتوبر 1264 م.

(1)

هو أيغان بن عبد الله المركنى، الأمير عز الدين المتوفى سنة 675 هـ/ 1276 م - المنهل الصافى ج 2 ص 187 رقم 675. وورد اسم «يوغان» فى الروض الزاهر ص 222، كما ورد «ايغان» فى السلوك ج 1 ص 523.

ص: 395

العشرين منه، فوردت إليه مطالعة الأمير جمال الدين أقوش

(1)

النجيبى نائب السلطنة بالشام، معطوفة على بطاقة وصلت إليه من الملك المنصور صاحب حماة، وكان قد توجه صحبة الأمير عز الدين يوغان والأمراء المجردين إلى البيرة، مضمونها أنهم لما وصلوا إليها، وشاهدهم التتار النازلون عليها، انهزموا، وكان درباى المذكور قد نصب على البيرة سبعة عشر منجنيقا، فلما ولوا هاربين عدى العسكر القرات ونهبوا المجانيق، وسائر الآلات، فلما وردت هذه

(2)

الأخبار [بهزيمة التتار

(3)

]، استبشر السلطان، وثنى العنان قاصدا بلاد الفرنج، فنزل على قيسارية

(4)

.

‌ذكر فتوح قيساريّة الشام:

نزل السلطان عليها يوم الخميس تاسع جمادى الأولى، وللوقت «نصبت عليها المجانيق

(5)

» وأطافت بها العسكر، وعمدوا إلى سكك

(6)

الخيل فجعلوها [515] أوتادا، وتعلقوا فيها من كل جانب وطلعوا إليها، ونصبوا السناجق السلطانية عليها، وحرقت أبوابها، وهتك حجابها، فهرب أهلها إلى قلعتها، فجد العسكر فى الحصار، فلما كانت ليلة الخميس منتصف جمادى الأولى هربت الفرنج، وأسلموا القلعة بما فيها، فتسلق المسلمون إليها من الأسوار واستولوا عليها،

(1)

«أقوس» ساقطة من زبدة الفكرة.

(2)

«هذه» ساقط من زبدة الفكرة.

(3)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 69 أ، وانظر أيضا الروض الزاهر ص 223 - 224.

(5)

«» ساقط من زبدة الفكرة.

(6)

السكك: جمع سكة: وهى الوتد الذى يربط به مقود الحصان - القاموس.

ص: 396

ورسم السلطان بهدم مبانيها، فهدمت «وهى أول فتوح السلطان الملك الظاهر رحمه الله

(1)

».

ثم توجه السلطان إلى جهة عثليث جريدة، وبث عساكره تشنّ الغارات وتقول يا للثّارات، وجرّد عسكرا إلى حيفا، فدخلوها، فنجا الفرنج

(2)

بأنفسهم إلى المراكب، وأخربت المدينة وقلعتها فى يوم واحد. ووصل إلى عثليث وعاد عنها، وقد ترك أهلها فى حبس منها، فنزل على أرسوف

(3)

.

‌ذكر فتح أرسوف:

وكان نزول السلطان عليها فى مستهل جمادى الآخرة من هذه السنة، ورامتها العساكر بالسهام والمجانيق، وضيقوا عليها أنواع التضييق، وتمكنوا منها، وأطلعوا السناجق السلطانية عليها، فما أحسّ الفرنج إلا وقد خالطهم المسلمون، وأنشبت فيهم براثنها المنون، قبل أن يسألوا الأمان، ويبذلوا الطاعة والإذعان، فتسلمها السلطان فى يوم الخميس، وأسر أهلها وأرسلهم إلى الكرك مصفدين

(4)

.

قال بيبرس رحمه الله: وحضرت هذه الغزاة مع الجيش وكنت إذ ذاك [الوقت

(5)

] فى خدمة الأمير سيف الدين المخدوم، وأراد به قلاون لأنه مملوكه، قال:

(1)

«» ساقط من زبدة الفكرة، وانظر الروض الزاهر ص 230 - 233.

(2)

«الفرس» فى الأصل، وهو تحريف والتصحيح من زبدة الفكرة.

(3)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 69 ب.

(4)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 69 ب، وانظر أيضا الروض الزاهر ص 235 - 239، السلوك ج 1 ص 528.

(5)

[] إضافة من زبدة الفكرة.

ص: 397

كنت فى سنّ المراهق او قريبا منه، وكنت أجر الجنيب

(1)

، ولما ملكها قسم أبراجها على الأمراء ليهدموها، وجعل هدمها دستورهم.

وقال محيى الدين بن عبد الظاهر أبياتا يصف فيها هذه الفتوح منها:

لا يحسب الناس قيساريّة ضعفت

وأسلمت نفسها من خبقة رهبا

لكنها بذيول النصر قد علقت

وقد أتته لعكا تطلب الحسبا

كذاك أرسوف لما حاز غايتها

ما جاء مختطبا بل جاء مختطبا

لئن غدا آخذ الدنيا ومعطيها

فإنه أحسن التعميم محتسبا

(2)

[516]

‌ذكر البلاد التى ملّكها للأمراء لمّا ملكها:

ولما استولى السلطان

(3)

على هذه الفتوح، جعلها لأمرائه من إنعامه الممنوح، فقسمها عليهم بتواقيع بأيديهم، وكتب بالتمليك توقيعا جامعا نسخته:

أما بعد حمد الله على نصرته المتناسقة العقود، وتمكينه الذى رفلت الملّة الإسلامية منه فى أصفى البرود، وفتحه الذى إذا شاهدت العيون مواقع نفعه وعظيم وقعه، علمت لأمر مّا يسوّد من يسود، والصلاة على سيدنا محمد الذى جاهد الكفار، وجاهرهم بالسيف البتار، وأعلمهم لمن عقبى الدار، وعلى آله وصحبه صلاة تتواصل بالعشى والإبكار، فإن خير النعم نعمة وردت بعد اليأس،

(1)

فى زبدة الفكرة تقديم وتأخير فى هذه العبارة.

(2)

زبدة الفكرة ج 9 ورقة 70 أوهذه الأبيات غير موجودة فيما هو منشور من الروض الزاهر انظر الروض الزاهر ص 243.

(3)

«السلطان» ساقط من زبدة الفكرة.

ص: 398

وأقبلت على فترة من تخاذل الملوك وتهاون الناس، فأكرم بها نعمة وصلت للملّة المحمدية أسبابا، وفتحت للفتوحات أبوابا، وهزمت من التتار والفرنج العدوّين، ورابطت من الملح الأجاج والعذب الفرات بالبرين والبحرين، وجعلت عساكر الإسلام تذل الفرنج بغزوهم فى عقر الدار، وتجوس من حصونهم المانعة خلال الديار والامصار، وتقود من فضل عن شبع السيف الساغب إلى حلفات الإسار، ففرقة منها تقتلع للفرنج قلاعا وتهدم حصونا، وفرقة تبنى ما هدم التتار بالمشرق وتعليه تحصينا، وفرقة تتسلم بالحجاز قلاعا شاهقة، وتتنسم هضابا سامقة، فهى بحمد الله البانية الهادمة، والقاسية الراحمة، كل ذلك بمن أقامه الله سيفا فقرى، وحملت رياح النصرة بركابه تسخيرا، فسار إلى مواطن الظفر وسرى، وكونته السعادة ملكا إذا رأته فى دستها قالت: ما هذا بشرا، وهو السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين أبو الفتح بيبرس، جعل الله سيوفه مفاتيح البلاد، وأعلامه أعلاما على رأسها من الأسنة نار لهداية

(1)

العباد، فإنه آخذ البلاد ومعطيها، وواهبها بما فيها، وإذا عامله الله بلطفه شكر، وإذا قدر عفا وأصلح، فوافقه القدر، وإذا أهدت [إليه

(2)

] النصرة فتوحات قسمها فى حاضريها [517] لديه متكرما وقال:

الهدية

(3)

لمن حضر، وإذا خوّله الله تخويلا وفتح على يديه قلاعا، جعل الهدم للأسوار، والدماء للسيف

(4)

البتار، والرقاب للإسار، والبلاد المزدرعة

(5)

للأولياء

(1)

«الهداية» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، ويوجد فى السلوك تقديم وتأخير - السلوك ج 1 ص 531.

(2)

[إليه] إضافة من زبدة الفكرة، والسلوك.

(3)

«الهدية» ساقط من السلوك.

(4)

«السيف» ساقط من السلوك.

(5)

«المزروعة» فى السلوك.

ص: 399

والأنصار، ولم يجعل لنفسه إلا ما تسطّره الملائكة فى الصحائف لصفاحه من الأجور، وتطوى عليه طويات السير التى غدت بما

(1)

فتحه الله من الثغور بإسمه، باسمه الثغور:

فتى جعل البلاد من العطايا

(2)

فأعطى المدن واحتقر الضياعا

سمعنا بالكرام وقد أرانا

عيانا ضعف ما فعلوا

(3)

سماعا

إذا فعل الكرام على قياس

جميلا كان ما فعل ابتداعا

ولما كان بهذه المثابة، [وقد

(4)

] فتح الفتوحات التى أجزل الله بها أجره، و [ضاعف

(5)

] ثوابه، وله أولياء كالنجوم ضياء، وكالأقدار مضاء، وكالعقود تناسقا، وكالويل تلاحقا إلى الطاعة وتسابقا، رأى أن لا ينفرد عنهم بنعمة ولا يتخصص، ولا يستأثر بمنحة غدت بسيوفهم تستنقد وبعزائمهم تستخلص، وأن يؤثرهم على نفسه، وبقسم عليهم الأشعة من أنوار شمسه، ويبقى للولد منهم وولد الولد، ما يدوم إلى آخر الدهر ويبقى على الأبد، ويعيش الأبناء فى نعمته كما عاش الآباء، وخير الإحسان ما شمل وأحسنه ما خلد، فخرج الأمر العالى، لا زال يشمل الأعقاب والذرارى، وينير إنارة الأنجم الدرارى، أن يملك أمراءه وخواصه الذين يذكرون، وفى هذا المكتوب يسطرون، ما يعين من البلاد

(1)

«بها» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، والسلوك.

(2)

«العطا» فى السلوك.

(3)

«ما هملوا» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، والسلوك.

(4)

[] إضافة من السلوك.

(5)

[] إضافة من السلوك.

ص: 400

والضياع

(1)

، على ما يشرح ويبين من الأوضاع وهو:

الأتابك

(2)

فارس الدين أقطاى الصالحىّ، عتّيل بكمالها.

الأمير علاء الدين

(3)

أيدغدى العزيزى، نصف زيتا.

الأمير بدر الدين بيسرى الشمسى، نصف طور كرم.

الأمير سيف الدين الدكز

(4)

الكركى، ربع زيتا.

الأمير سيف الدين قليج البغدادى، ربع زيتا.

الأمير ركن الدين بيبرس خاص ترك الكبير، أفراسين.

[518]

[الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار نامه الشريفة

(5)

].

الأمير عز الدين أيدمر الحلى

(6)

، نصف قلنسوة.

[الأمير شمس الدين سنقر الرومى، نصف قلنسوة

(7)

].

الأمير سيف الدين قلاون الألفى، نصف طيبة الإسم.

الأمير عز الدين يوغان

(8)

سم الموت، نصف طيبة الإسم.

(1)

هى جميعا قرى وضياع حول قيسارية وأرسوف، وليس لأحدها تعريف فى معجم البلدان - انظر السلوك ج 1 ص 532 هامش (1).

(2)

«الأمير» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة، والسلوك.

(3)

«جمال الدين» فى السلوك ج 1 ص 532.

(4)

«شمس الدين الذكر» فى السلوك.

(5)

[] إضافة من زبدة الفكرة، «باقة الشرقية» فى السلوك.

(6)

«الحليى الصالحى» فى السلوك.

(7)

[] إضافة من السلوك.

(8)

«إيغان» فى السلوك.

ص: 401

الأمير جمال الدين أقوش

(1)

النجيبى، أم الفحم بكمالها.

الأمير علم الدين سنجر الحلبى، تبان

(2)

بكمالها

(3)

.

الأمير جمال الدين أقوش المحمدى [الصالحى

(4)

]، نصف بورين.

الأمير علاء الدين

(5)

أيدغدى الحاجب، نصف تيرين

(6)

.

الأمير فخر الدين الطوينا

(7)

الحمصى، نصف تيرين

(8)

.

الأمير بدر الدين بيليك الأيدمرى، نصف بورين

(9)

.

الأمير فخر الدين عثمان بن الملك المغيث، ثلث حله

(10)

.

[الأمير شمس الدين سلار البغدادى، ثلث حلبة.

الأمير صارم الدين صراغان، ثلث حلبة.

الأمير ناصر الدين القيمرى، نصف البرج الأحمر

(11)

].

(1)

«نائب سلطنة الشام» فى السلوك.

(2)

«بتان» فى السلوك.

(3)

إلى هنا ينتهى ما ورد فى زبدة الفكرة ج 9 ورقة 71 ب عن مرسوم توزيع الإقطاعات، إذ يوجد خرم فى نسخة زبدة الفكرة التى بين أيدنا من هنا وحتى ذكر فتوح حصن الأكراد فى شهر شعبان سنة 669 هـ.

(4)

[] إضافة من السلوك.

(5)

«جمال الدين» ، السلوك.

(6)

«بيزين» فى السلوك.

(7)

«الطنبا» فى السلوك.

(8)

«بورين» فى السلوك، وهذا الأمير مذكور قبل السابق عليه فى السلوك.

(9)

«بيزين» فى السلوك.

(10)

«حلبة» فى السلوك.

(11)

[] إضافة من السلوك ج 1 ص 533.

ص: 402

الأمير سيف الدين بلبان الزينى، نصف البرج الأحمر.

الأمير سيف الدين أيتمش

(1)

السعدى، نصف تما.

الأمير سيف الدين

(2)

آقسنقر السلحدار، نصف تما.

الملك المجاهد سيف الدين إسحاق

(3)

، نصف ذنابه

(4)

.

الملك المظفر «علاء الدين أخوه

(5)

»، نصف ذنابه

(6)

.

الأمير بدر الدين «محمد بن بركتخان، دير العصفور

(7)

».

الأمير عز الدين أيبك «الأفرم، نصف شويكه

(8)

».

[الأمير سيف الدين كرمون أغا التترى، نصف الشويكة

(9)

].

الأمير بدر الدين بيليك

(10)

الوزيرى، نف طرس

(11)

.

الأمير ركن الدين منكورس الدوادارى، نصف طرس

(12)

.

(1)

«إيتامش» فى السلوك.

(2)

«شمس الدين» فى السلوك.

(3)

«صاحب الجزيرة» فى السلوك.

(4)

«دنابة» فى السلوك.

(5)

«صاحب سنجار» فى السلوك.

(6)

«دنابة» فى السلوك.

(7)

«محمد بن ولد الأمير حسام الدين بركة خان، دير القصون بكمالها» فى السلوك.

(8)

«الأفرم أمير جاندار نصف الشويكة» فى السلوك.

(9)

[] إضافة من السلوك.

(10)

«بيليك» ساقط من السلوك.

(11)

«طبرس» فى السلوك.

(12)

«طبرس» فى السلوك.

ص: 403

الأمير سيف الدين قشتمر العجمى، علاّر [بكمالها

(1)

].

الأمير علاء الدين أخو الدوادار، نصف عرعرا.

الأمير سيف الدين بيجق

(2)

البغدادى، نصف عرعرا.

الأمير علم الدين سنجر الأزكشى، نصف قرعور

(3)

.

الأمير سيف الدين دكاجك

(4)

البغدادى، نصف قرعور

(5)

.

الأمير علم الدين «سنجر طردج الآمدى، سباها

(6)

».

الأمير سيف

(7)

الدين أيتمش بن أطلس خان، سيدا [بكمالها

(8)

].

الأمير علاء الدين كندغدى [الظاهرى

(9)

] أمير مجلس، الصير القوما

(10)

.

الأمير عز الدين أيبك الحموى، نصف أرتاح.

[الأمير شمس الدين سنقر الألفى، نصف أرتاح]

(11)

.

الأمير علاء الدين طيبرس الظاهرى، نصف باقة الغريبة.

(1)

[] إضافة من السلوك.

(2)

«قفجق» فى السلوك.

(3)

«فرعون» فى السلوك.

(4)

«كجل» فى السلوك.

(5)

«فرعون» فى السلوك، وهذا مذكور قبل السابق عليه فى السلوك.

(6)

«طرطج الأسدى أفتابة بكمالها» فى السلوك.

(7)

«حسام الدين» فى السلوك.

(8)

[] إضافة من السلوك.

(9)

[] إضافة من السلوك.

(10)

«الصفرا بكمالها» فى السلوك.

(11)

[] إضافة من السلوك.

ص: 404

[الأمير علاء الدين التنكزى، نصف باقة الغربية

(1)

]

الأمير عز الدين «أيدمر الفخرى

(2)

»، الفصير بكمالها.

الأمير علم الدين سنجر الصيرفى [الظاهرى

(3)

]، أخصاص بكمالها.

الأمير ركن الدين بيبرس «العزى، نصف قفير»

(4)

.

الأمير شجاع الدين طغريل الشبلى

(5)

، نصف كفر راعى.

الأمير علاء الدين كندغدى الحبيشى، نصف كفر راعى.

الأمير شرف الدين يعقوب

(6)

بن أبى القاسم، نصف كسفا

(7)

.

الأمير بهاء الدين يعقوب الشهرزورى، نصف كسفا

(8)

.

الأمير جمال الدين موسى بن يغمور.، «نصف ابرويله

(9)

».

الأمير علم الدين سنجر «الحلبى، نصف برويله»

(10)

.

(1)

[] إضافة من السلوك.

(2)

«الأتابك الفخرى» فى السلوك.

(3)

[] إضافة من السلوك.

(4)

«المعزى نصف قفين» فى السلوك.

(5)

«مقدم الأمراء البحرية» فى السلوك.

(6)

«يعقوب» ساقط من السلوك.

(7)

«كستا» فى السلوك.

(8)

«كستا» فى السلوك.

(9)

«استادار العالية نصف برنبكية» فى السلوك.

(10)

«الحلى الغزاوى نصف برنبكية» فى السلوك.

ص: 405

الأمير علم الدين سنجر أمير جاندار

(1)

، نصف حانوتا [من أرسوف

(2)

]

الأمير سيف الدين «بينعان الركنى افراد نسيفا

(3)

».

الأمير عز الدين أيدمر [الظاهرى

(4)

] نائب الكرك، ثلث حبله [من أرسوف

(5)

].

الأمير شمس الدين سنقرجاه الظاهرى، ثلث حبله.

الأمير جمال الدين أقوش

(6)

، ثلث حبله.

الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى [أمير سلاح

(7)

]، ثلث جلجولية.

الأمير «سيف الدين بجكا الرومى

(8)

»: ثلث جلجولية.

[519]

الأمير علاء الدين كشتغدى [الشمسى

(9)

]، ثلث جلجولية.

ولما فرغ السلطان من ذلك عاد إلى الديار المصرية مظفرا منصورا، فدخل المدينة يوم الخميس حادى عشر شعبان من هذه السنة.

(1)

«نائب أمير جاندار» فى السلوك.

(2)

[] إضافة من السلوك.

(3)

«بيدغان الركنى فرديسيا بكمالها من قيسارية» فى السلوك.

(4)

[] إضافة من السلوك.

(5)

[] إضافة من السلوك.

(6)

«السلاح دار الرومى» فى السلوك، وهذا الأمير مذكور فى السلوك قبل السابق عليه.

(7)

[] إضافة من السلوك.

(8)

«بدر الدين بكتوت بجكا الرومى» فى السلوك وهذا الاسم مذكور بعد الاسم التالى فى السلوك.

(9)

[] إضافة من السلوك.

ص: 406

‌ذكر بقية ما جريّات الملك الظاهر:

منها: أنه أبطل حراسة النهار بالقاهرة ومصر وكانت جملة كثيرة.

ومنها: أنه مسك الأمير شمس الدين سنقر الرومى واعتقله.

ومنها: أنه قطع أيدى جماعة من نواب الولاة والمقدمين والخفراء وأصحاب الرباع بالقاهرة، وسببه أنه نزل القاهرة بالليل متنكرا ليرى أحوال الناس، فرأى بعض المقدمين وقد أمسك امرأة وعراها سراويلها بيده، ولم يجسر أحد أن ينكر عليه

(1)

.

ومنها: أنه أمر ببناء الجامع الذى بالحسينية بجوار زاوية الشيخ خضر، وكان الشيخ خضر

(2)

هو السبب فى بناء الجامع

(3)

.

وقال بيبرس: فى سنة أربع وستين وستمائة رسم السلطان الظاهر ببناء ميدان قراقوش بظاهر القاهرة جامعا، وأفرد منه جانبا ليبنى دورا، ويكون حكره وقفا على الجامع.

ومنها: أن السلطان ولى من بقية المذاهب قضاة بالديار المصرية مستقلين يولون من جهتهم فى البلدان أيضا كما يولى الشافعى، فكان قاضى الشافعية تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز، وقاضى الحنفية شمس الدين

(1)

كنز الدرر ج 8 ص 106 - 107.

(2)

هو خضر بن محمد بن موسى، الشيخ المعتقد، صاحب الزاوية بزقاق الكحل خارج القاهرة، والمتوفى سنة 676 هـ م 1277 م - المنهل الصافى.

(3)

المواعظ والإعتبار ج 2 ص 299 - 300.

ص: 407

ابن سليمان [بن أبى العز بن وهيب

(1)

]، وقاضى المالكية «شرف الدين السبكى

(2)

»، وقاضى الحنابلة شمس الدين محمد بن [إبراهيم

(3)

] المقدسى، وكان ذلك يوم الاثنين الثانى والعشرين

(4)

من ذى الحجة بدار العدل.

وكان سبب ذلك كثرة توقف القاضى تاج الدين بن بنت الأعز، فأشار الأمير جمال الدين أيدغدى العزيزى على السلطان الملك الظاهر بأن يولى من كل مذهب قاضى قضاة استقلالا، وكان السلطان يحب رأيه ومشورته، فأجاب إلى ذلك، ففعل كما ذكرنا، وكذلك فعل بدمشق فى السنة الآتية.

‌ذكر بقية الحوادث:

منها: أنه وصل رسول من جهة داود بن سودان ملك الكرج بهدية، وكتاب عرّب، فأعرب عن بدل المودّة والصداقة والاعلام بأن رسله متردّدة [520] إليه.

ومنها: أن نور الدين زامل بن على هرب بسبب فتنة كانت بينه وبين عيسى ابن مهنى، فلما جرى ذلك بينهما مسك السلطان زاملا واعتقله تأديبا له، ثم

(1)

[] إضافة من السلوك. وتوفى سليمان بن وهيب سنة 677 هـ/ 1278 م - المنهل الصافى.

(2)

«شمس الدين الشبلى» فى الأصل، والتصحيح من السلوك ج 1 ص 19 539، النجوم الزاهرة ج 7 ص 122. وهو شرف الدين عمر بن عبد الله بن صالح السبكى المالكى، المتوفى سنة 669 هـ/ 1270 م - حسن المحاضرة، ج 1 ص 457 - 458.

(3)

[] إضافة من السلوك. وتوفى سنة 676 هـ/ 1277 م - العبر ج 5 ص 311 - 312.

(4)

«يوم الاثنين تاسع عشرة» فى السلوك، وما ذكره العينى يتفق مع ما جاء فى التوفيقات الإلهامية من أن يوم الإثنين 22 ذى الحجة. وورد «الإثنين ثانى عشر ذى الحجة» فى النجوم الزاهرة ج 7 ص 121.

ص: 408

أطلقه وأصلح بينه وبين عيسى بن مهنى، وأحمد بن حجى، وتوجهوا إلى بلادهم، فلم يلبث زامل أن توجه إلى هلاون، فأعطاه إقطاعا بالعراق، وعاد إلى مشتاه بالحجاز فنهب من وجد، وحضر إلى أوائل الشام، وراسل السلطان فى طلب العفو، فلم يجبه، وأرسل إليه من أمسكه وأحضره واعتقله.

ومنها: أنه ورد خبر من بلاد المغرب بأنهم انتصروا على الفرنج، وقتلوا منهم خمسة وأربعين ألف مقاتل، وأسروا عشرة آلاف، واسترجعوا ثنتين وثلاثين بلدة منها سرين وأشبيلية وقرطبة ومرسية، وكانت النصرة يوم الجمعة الرابع عشر من رمضان سنة ثنتين وستين وستمائة.

وقال أبو شامة: ورد إلى دمشق كتاب يتضمن أنه ورد إلى القاهرة فى جمادى الآخرة من هذه السنة كتاب من المغرب يتضمن نصر المسلمين على النصارى فى بر الأندلس، ومقدّم المسلمين سلطانهم أبو عبد الله

(1)

بن أحمر رحمه الله

(2)

، وكان الفنس

(3)

ملك النصارى قد طلب منه الساحل من طريف إلى الجزيرة ومالقه إلى المرية، فاجتمع المسلمون ولقوهم فكسروهم مرارا، وأخذ أخو الفنس أسيرا، ثم اجتمع العدو فى جمع كثير ونزل على غرناطة فقتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة، فجمع من رؤوسهم نحو خمسة وأربعين ألف رأس، فعملوها

(1)

هو محمد بن نصر، أبو عبد الله الذى تلقب بالغالب بالله، وحكم غرناطة فى الفترة من 629 - 671 هـ/ 1232 - 1273 م - تاريخ الدول الإسلامية ص 38.

(2)

«بن الأحمر، أيده الله» فى الذيل على الروضتين ص 234.

(3)

«النفش» فى الأصل، هنا وفى المواضع التالية، والتصحيح من الذيل على الروضتين، وهو الفونسو العاشر ملك قشتالة وليون، والملقب بألفونسو العالم - انظر معالم تاريخ المغرب والأندلس ص 384.

ص: 409

كوما، وطلع المسلمون عليها وأذنوا، وراح الفنس إلى أشبيليه منهزما، وكان قد دفن أباه بجامع أشبيليه فأخرجه من قبره خوفا من استيلاء المسلمين عليها

(1)

، وحمله إلى طليطلة

(2)

.

ومنها: أنه وقع حريق عظيم بمصر أتهم به النصارى، فعاقبهم الملك الظاهر عقوبة عظيمة.

وفيها: « .........

(3)

»

وفيها: حج بالناس « ........

(4)

»

(1)

«إليها» فى الأصل، والتصحيح يتفق وسياق الكلام، ومن الذيل على الروضتين.

(2)

الذيل على الروضتين ص 234 - 235.

(3 و 4)«» بياض فى الأصل.

ص: 410

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ زين الدين خالد

(1)

بن يوسف بن سعد الحافظ النابلسى شيخ دار [521] الحديث النورية بدمشق.

كان عالما بصناعة الحديث، حافظا لأسماء الرجال، اشتغل عليه فى ذلك الشيخ محيى الدين النووى وغيره، وكان فيه خير وصلاح، توفى فى هذه السنة، ودفن بمقابر الباب الصغير، وتولى بعده مشيخة النورية الشيخ تاج الدين الفزارى.

قاضى القضاة بدر الدين يوسف

(2)

بن حسن بن على الكردى السنجارى، باشر قضاء القضاة بالديار المصرية مرارا.

قال أبو شامة: كانت له سيرة معرفة من أخذ الرشا من قضاة الأطراف والشهود والمتحاكمين، إلا أنه كان كريما جوادا، وحصل له ولأتباعه بآخره تشتت ومصادرات

(3)

.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، فوات الوفيات ج 1 ص 403 رقم 145، العبر ج 5 ص 273، الذيل على الروضتين ص 233، البداية والنهاية ج 13 ص 246، شذرات الذهب ج 5 ص 313، النجوم الزاهرة ج 7 ص 219، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 326.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 36، النجوم الزاهرة ج 7 ص 219 العبر ج 5 ص 274 - 275، البداية والنهاية ج 13 ص 246، الذيل على الروضتين ص 234، شذرات الذهب ج 5 ص 313، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 332.

(3)

الذيل على الروضتين ص 234.

ص: 411

مات فى الرابع عشر من رجب من هذه السنة، ودفن بتربته بالقرافة، وكان تقدم عند الملوك، وتولى الوزارة أياما قلائل، ودرس بالمدرسة الصالحية بالقاهرة بالطائفة الشافعية، وسمع وحدث.

الشيخ أبو القاسم الحوارى يوسف

(1)

بن أبى القاسم بن عبد السلام الأموى، الشيخ المشهور صاحب الزاوية بحوارى، توفى ببلده.

وكان خيرا صالحا، له أتباع وأصحاب يحبونه، وله مريدون فى كثير من قرى

(2)

حوران، وهم حنابلة لا يرون الضرب بالدف؛ بل بالكف، وهم أمثل من غيرهم

(3)

.

الحافظ أبو بكر محمد

(4)

بن أبى أحمد يوسف بن موسى المهلبى الأندلسى.

وكان فاضلا حسن المعروفة برواية الحديث، توفى فى هذه السنة بمكة.

القاضى أبو يعلى حمزة

(5)

البهرانى الشافعى الحموى.

كان قاضيا بحماة توفى بها فيها.

الأمير جمال الدين أبو الفتح موسى

(6)

بن يغمر بن جلدك بن بلهان بن عبد الله.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج ص 275 ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 336، البداية والنهاية ج 13 ص 246، شذرات الذهب ج 5 ص 313.

(2)

«قرايا» فى الأصل.

(3)

البداية والنهاية ج 13 ص 246.

(4)

وله أيضا ترجمة فى: العبر ج 5 ص 274، شذرات الذهب ج 5 ص 313.

(5)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 326.

(6)

وله أيضا ترجمة فى: المنهل الصافى، درة الأسلاك ص 35، العبر ج 5 ص 274، النجوم الزاهرة ج 7 ص 218، الطالع السعيد ص 668 رقم 530، الذيل على الروضتين ص 234، شذرات الذهب ج 5 ص 313 السلوك ج 1 ص 541، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 330 - 332، الطالع السعيد ص 668 رقم 530 أ.

ص: 412

مات فى مستهل شعبان بالقصير

(1)

من أعمال الفاقوسية

(2)

بين الغرابى والصالحية، وحمل إلى تربة والده بسفح المقطم، فدفن بها فى رابع الشهر المذكور.

ومولده فى جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالغزية، قرية بالقرب من سمهود من أعمال قوص.

وكان أحد الأمراء المشهورين والرؤساء المذكورين، موصوفا بالكرم والمعرفة، معروفا بالرأى والتقدمة.

‌هلاون

(3)

: الكلام فيه على أنواع:

‌الأوّل فى نسبه ومبدأ أمره:

هو هلاون [522] قان بن طلو خان بن جنكز خان ملك التتار، وهو بفتح الهاء واللام وضم الواو وفى آخره نون مثل قلاون، وقد يقال بضم الهاء، ويقال له أيضا: هلاكو بالكاف بعد اللام بغير نون فى آخره، ويقال له أيضا: هلالو باللام موضع الكاف.

وكان باطو خان والد هلاون استولى على بلاد العجم، بعضها فى حياة والده جنكز خان، ولما مات جنكز خان استولى باطو خان على الجميع، وأفسد وقتل فى البلاد، ثم لما هلك استولى ولده هلاون على البلاد، ولكن كان تحت حكم أخيه منكوقان، وكان منكوقان هو المالك للبلاد كلها، ولما هلك منكوقان فى سنة

(1)

القصير: هى قرية الجعافرة بمركز فاقوس - القاموس الجغرافى ق 2 ج 1 ص 111.

(2)

قاعدة مركز فاقوس بمحافظة الشرقية - القاموس الجغرافى ق 2 ج 1 ص 116.

(3)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 36، كنز الدرر ج 8 ص 114، 115، جامع التواريخ المجلد الشافى الجزء الأول ص 219 وما بعدها، نهاية الأرب ج 27 ص 393 وما بعدها.

وورد ذكر وفاته سنة 664 هـ - انظر العبر ج 5 ص 278 - 279، شذرات الذهب ج 5 ص 316.

ص: 413

ثمانية وخمسين وستمائة استبدّ هلاون بالمملكة، ولم يبق له معارض، فأفسد فى بلاد الإسلام ما لا يمكن وصفه، فطغى وتجبر إلى أن أهلكه الله تعالى على ما نبيّنه عن قريب.

‌الثانى فى سيرته:

كان ملكا جبارا عنيدا، سفاكا للدّماء، لا يتدين بدين من الأديان، وكانت زوجته طغر خاتون قد تنصرت، وكانت تعضد النصارى، وكان هلاون يترامى على محبة المعقولات، ولا يتصور منها شيئا، وكان أهل المعقولات من أفراح الفلاسفة عنده، لهم وجاهة ومكانة، وكان نصير الدين الطوسى العالم فى العقليات - صاحب التصانيف منها: التجريد فى الكلام - عنده، خصيصا به، يشاوره فى مصائبه، وكان الطوسى شيعيا خبيثا، وكان معه حين أخرب هلاون بغداد وقتل الخليفة، وكان هو أحد الأسباب لذلك، عليه ما يستحق، وكانت همة هلاون فى تدبير المملكة وملك البلاد شيئا فشيئا حتى أباده الله تعالى فى هذه السنة.

‌الثالث فى هلاكه:

مات فى تاسع ربيع الآخر

(1)

من هذه السنة، بالقرب من كورة مراغة بمرض الصّدع.

وقال ابن كثير: مات بمدينة مراغة. قيل: حملوه إلى قلعة تلا ودفنوه بها، وبنوا عليه قبة، وكان عزمه أن يجمع عساكره من البلاد ويقصد بلاد الشام ومصر، ولكن الله أهلكه وأراح البلاد والعباد منه، ولما بلغ السلطان الملك

(1)

«فى سابع ربيع الآخر» فى البداية والنهاية ج 13 ص 245.

ص: 414

الظاهر بيبرس خبر هلاكه فرح فرحا عظيما، وعزم على جمع العساكر ليأخذ بلاد العراق، فلم يتمكن من ذلك لتفرق العساكر

(1)

.

‌الرابع: فى مدّة [523] مملكته وبيان عددها وأولاده:

أما مدّة مملكته فكانت نحو عشر سنين

(2)

.

وأما بيان عدد مملكته: فإنها البلاد التى كانت بيد والده حال وفاته وهى:

إقليم خراسان وكرسيها نيسابور، ومن مدنها المشهورة: طوس وهراة وترمذ وبلخ.

وعراق العجم: وكرسيه أصبهان، ومن مدنه قزوين وقم وقاشان وسهرورد وسجستان وطبرستان وكيلان وبلاد الإسماعيلية.

وعراق العرب: وكرسيه بغداد، ومن مدنه واسط والكوفة والبصرة والدينور وغيرها.

وأذربيجان: وكرسيها تبريز، ومن مدنها خوى وسلماس ونقجوان.

وخوزستان: وكرسيها ششتر، ومن مدنها الأهواز وغيرها.

وبلاد فارس: ومدينتها شيراز، ومن أعمالها كتشن وكرمان وكازرون والبحرين.

وديار بكر: وكرسيها الموصل، ومن مدنها ميافارقين ونصيبين وسنجار واسعرد ورأس العين ودنيسر وحران والرها وجزيرة بنى عمر.

(1)

انظر البداية والنهاية حيث ورد هذا الخبر ملخصا - ج 13 ص 245.

(2)

«وكانت مدة ملكه منذ فتح بغداد سبع سنين وشهورا، ومنذ وفاة أخيه مكوقان وإستقلاله بالملك خمس سنين» - نهاية الأرب ج 27 ص 393.

ص: 415

وبلاد الروم: وكرسيها، قونية، ومدنها كثيرة.

وأما أولاده فخمسة عشر ذكرا

(1)

وهم:

جماغار

(2)

: وهو أكبرهم سنا، وأبغا: بالغين ويقال بالقاف، ويصمت

(3)

، وتبشين

(4)

، وتكشى

(5)

، وتكدار

(6)

وهو الذى يقال له أحمد، وآجاى، وألاجو

(7)

، وسبوجى

(8)

، ويشودار

(9)

، ومنكوتمر، وقنغرطاى

(10)

، وطرغاى، وطغاى، وتمر

(11)

وهو أصغرهم.

ولما هلك هلاون جلس موضعه أبغا بن هلاون.

(1)

«كان لهولاكو خان أربعة عشر ولدا وسبع بنات» - جامع التواريخ - المجلد الثانى - الجزء الأول ص 223.

(2)

«جمغار» فى نهاية الأرب ج 27 ص 394، «جومقور» فى جامع التواريخ المجلد الثانى الجزء الأول ص 223، وفيه أن جومقور هو الابن الثانى لهولاكو.

(3)

«يشموت» فى جامع التواريخ.

(4)

«تشتشين» فى نهاية الأرب، و «توسين» فى جامع التواريخ.

(5)

«بكشى» فى نهاية الأرب، و «بيكين» فى جامع التواريخ.

(6)

«تكدار» فى نهاية الأرب، و «تاكودار» فى جامع التواريخ.

(7)

«هولاجو» فى جامع التواريخ.

(8)

«سياوجى أو شيبادجى» - فى جامع التواريخ.

(9)

«بيسودار» فى جامع التواريخ.

(10)

«قنقرتاى» فى جامع التواريخ.

(11)

«طغاى تمر» فى نهاية الأرب، وهو الابن الرابع عشر والأخير رغم أن النويرى ذكر فى البداية «وكان له من الأولاد الذكور خمسة عشر» ج 27 ص 394. وهو «طغاى تيمور» فى جامع التواريخ. بينما اعتبر العينى «طغاى» شخص، وتمر شخص آخر. انظر تفصيل ذلك فى جامع التواريخ المجلد الثانى الجزء الأول ص 223 - 231.

ص: 416

‌ذكر جلوس أبغا فى كرسى المملكة:

ولما استقر فى المملكة بعد وفاة والده هلاون، جهز جيشا لحرب عساكر بركة خان ملك بلاد الدشت والجهة الشمالية، وبركة هو ابن صاين خان بن دوشى خان بن جنكز خان، وهو ابن عم هلاون، ولما بلغ بركة ذلك جهز جيشا وقدم عليه بيشو نوغا

(1)

بن ططر بن مغل بن دوشى خان بن جنكز خان، فسار فى المقدمة، ثم أردفه بركة بمقدّم آخر اسمه يسنتاى

(2)

فى خمسين ألف فارس، فسبق بيشو نوغا فيمن معه، وتقدم إلى عسكر أبغا وردفه يسنتاى على الأثر، فاستشرفت عساكر أبغا على يسنتاى وهو مقبل فى سواده العظيم، كقطع الليل البهيم، فتكردسوا [524] وتجمعوا للهزيمة فبصر بهم يسنتاى، وقد تخلفوا فظنهم أحاطوا بينوغا ومن معه، فلم يلبث أن انهزم راجعا وفر مسارعا، وأما نوغا فإنه تبع عسكر أبغا وساق عليهم، واتقع معهم، فكسرهم وقتل منهم جماعة وظفر بهم، وعاد إلى بركة فعظم أمره وارتفع قدره، وقدمه بركة على عدّة تماناوت، وصار معدودا فى الخانات، وأما يسنتاى فعظم ذنبه عند

(3)

بركة، فكان منه ما سنذكره إن شاء تعالى، والحمد لله وحده

(4)

.

(1)

«بيسوا نوغا» فى نهاية الأرب ج 27 ص 361.

(2)

«بستاى» فى نهاية الأرب.

(3)

نهاية الأرب ج 27 ص 361.

(4)

انظر جامع التواريخ المجلد الثانى الجزء الثانى ج 13 وما بعدها.

ص: 417

‌فصل فيما وقع من الحوادث فى السنة الرابعة والستين بعد الستمائة

(*)

استهلت هذه السنة، والخليفة: هو الحاكم بأمر الله، ولكنه غير مرجوع إليه، ولا إليه الأمر والنهى، وإنما هو باسم الخليفة.

وسلطان البلاد المصرية والشامية والحلبية: الملك الظاهر بيبرس.

وقضاة مصر أربعة من أربع مذاهب مستقلين كما ذكرنا.

ونائبه فى دمشق: الأمير جمال الدين أقوش النجيبى، وقاضى القضاة الشافعية بها شمس الدين بن خلكان، وقاضى القضاة الحنفية شمس الدين عبد الله ابن محمد بن عطا، وقاضى القضاة المالكية زين الدين عبد السلام ابن الزواوى، وقاضى القضاة الحنابلة شمس الدين عبد الرحمن بن الشيخ أبى عمر محمد بن أحمد ابن قدامة، وكان هذا الصنيع لم يسبق إلى مثله وتجدد هذا فى دمشق فى هذه السنة، وأما فى ديار مصر ففى السنة الماضية كما ذكرنا.

وقال أبو شامة: وفى سادس جمادى الأولى من سنة أربع وستين وستمائة

(1)

جاء من مصر من السلطان الملك الظاهر بيبرس الصالحى ثلاثة عهود لثلاثة من

(*) يوافق أولها الثلاثاء 13 اكتوبر 1265 م.

(1)

ورد هذا الخبر فى أحداث سنة 663 هـ فى الذيل على الروضتين ص 235 - 236.

ص: 418

القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الحنفى

(1)

، وزين الدين عبد السلام

(2)

ابن الزواوى المالكى وشمس الدين عبد الرحمن

(3)

بن الشيخ أبى عمر الحنبلى، وجعل كل واحد منهم قاضى القضاة، كما هو المنصب لشمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان الشافعى، فلما وصلت العهود الثلاثة لم يقبل المالكى فوافقه الحنبلى واعتذرا بالعجز، وقبل الحنفى فإنه كان نائب الشافعى، فاستمر على الحكم، ثم ورد من مصر كتاب بإلزامهما ذلك وأخذ [525] ما بيدهما من الأوقاف إن لم يفعلا، فأجابا، ثم أصبح المالكى فأشهد على نفسه بأنه عزل نفسه عن القضاء وعن الأوقاف، فترك، واستمر الحنبلى، ثم ورد الأمر بإلزامه، فقبل، واستمر الجميع، لكن امتنع المالكى والحنفى من أخذ جامكية على القضاء وقالا:

نحن فى كفاية فأعفيا منها.

ومن العجيب اجتماع ثلاثة على ولاية قضاء القضاة فى زمن واحد ولقب كل واحد منهم شمس الدين، واتفق أن الشافعى منهم استناب أيضا من لقبه شمس الدين، فقال بعض الظرفاء:

أهل دمشق استرابوا

من كثرة الحكّام

إذ هم جميعا شموس

وحالهم فى ظلام

(1)

«شمس الدين محمد بن عطاء الحنفى» - فى الذيل على الروضتين ص 235، وهو تحريف. فهو عبد الله بن محمد بن عطاء بن حسن، شمس الدين الأذرعى الحنفى، المتوفى سنة 673 هـ/ 1274 م المنهل الصافى.

(2)

هو عبد السلام بن على بن عمر، زين الدين الزواوى، المتوفى سنة 681 هـ/ 1282 م - المنهل الصافى.

(3)

هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، شمس الدين أبو محمد الحنبلى، المتوفى سنة 682 هـ/ 1283 - المنهل الصافى.

ص: 419

وقيل أيضا:

بدمشق آية قد ظهرت

للناس عاما

كلما ولى شمس قاض

يا زادت

(1)

ظلاما

وقيل أيضا:

أظلم الشام وقد

ولى للحكم شموس

ليس فيهم من بيت

(2)

الحكم [علما

(3)

] أو يسوس

(4)

وصاحب بلاد الروم: السلطان ركن الدين قليج أرسلان.

وصاحب العراقين وغيرهما أبغا بن هلاون بن طلو خان بن جنكز خان.

وبقية أصحاب البلاد على حالهم.

‌ذكر سفر السلطان الملك الظاهر إلى جهة الشّام:

وفى هذه السنة، قصد مولانا السلطان رحمه الله فتح صفد من أيدى الفرنج الكفار، وما حولها من البلاد، فتوجه إلى الشام، واستناب بالقلعة الأمير عز الدين أيدمر الحلبى فى خدمة ولده الملك السعيد، وكان خروجه من القاهرة مستهل شعبان، ورحل فى ثالث الشهر، ولما وصل إلى غزة جرد الأمير سيف الدين قلاون الألفى، والأمير جمال الدين أيدغدى العزيزى، لمنازلة الحصون التى حول طرابلس.

(1)

«زاد» فى الذيل على الروضتين.

(2)

«بيت» فى الذيل على الروضتين.

(3)

[] إضافة من الذيل على الروضتين.

(4)

انظر الذيل على الروضتين ص 235 - 236.

ص: 420

قال بيبرس فى تاريخه: فتوجها، وأنا يومئذ أجر الجنيب مع المخدوم، يعنى قلاون.

‌فتح القليعات وحلباء وعرقا فى شعبان المكرم من هذه السنة:

قال بيبرس: ولما أشرفنا على القليعات، سأل أهلها الأمان، فآمنهم المخدوم، يعنى قلاون، وتسلم الحصن، وحمل الأسرى المأخوذين منه على جمال [526] أرسلها السلطان إليه، وحمل بهم على جسر يعقوب بحيث يراهم أهل صفد، فانقطعت قلوبهم خوفا وفرقا، وشاهدوا أصحابهم على تلك الحال، والعساكر تسوقهم مصفدين على الجمال، فأيقنوا بالتلف، هذا والسلطان قد نازلهم، فانضم هذا العسكر إليه، واجتمعوا لديه.

‌فتح صفد:

فى تاسع عشر رمضان منها، أعنى من سنة أربع وستين وستمائة، ونزل السلطان الملك الظاهر على صفد فى الثامن من شهر شعبان

(1)

، وقد جمع لحصارها العساكر المصرية والشامية، وأحضر إليها المجانيق، فحملتها الرجالة على أعناقهم وحاصرها حصارا شديدا، وأخذت النفوس، واستمر القتال، فسلموا الباشورة فى خامس عشر الشهر، واشتد على الفرنج الحصار، وامتد للمسلمين الإستظهار، فأرسلوا فى طلب الأمان، فأجيبوا إليه فى تاسع عشر الشهر

(2)

، وفتحت أبوابها، وطلعت عليها السناجق، وتسلمها السلطان، وأخرج أهلها، وأمر بأن يجمعوا

ص: 421

على تل هناك كانوا يجتمعون فيه لقطع الطريق على المسلمين، وأن تسفك دماؤهم حيث كانوا يسفكون الدماء الحرام، فأذيقوا هنالك طعم الحمام.

ونقل السلطان إليها ما يحتاج إليه من الآلات والزردخانات، وأحضر جماعة من الرجالة الدمشقيين، فرتبهم بها، وقرر لهم الجامكيات والجرايات، ورتب للقلعة كفايتها من النفقات، وعمر فيها جامعا فى ربضها للصلوات، ورحل عنها متوجها إلى دمشق ودخلها فى الخامس من ذى القعدة وأقام بها.

‌ذكر غزاة سيس:

ولما استقر ركاب السلطان فى دمشق جرد العساكر للإغارة على سيس، صحبة الملك المنصور صاحب حماة، وقدم على العسكر الأمير سيف الدين قلاون، والأمير عز الدين يوغان الركنى سمّ الموت، فساروا ودخلوا دربساك

(1)

، ومنه إلى الدربند

(2)

، وكان الملك « ......

(3)

» هيثوم بن قسطنطين بن باساك قد ملك ولده ليفون وانقطع مترهبا، وبنى ليفون أبراجا لينتفع بها، فكانت كقول الشاعر:

[527]

وإن يبن حيطانا عليه فإنما

أولئك عقالاته لا معاقله

(4)

ولما خرجت العساكر من الدربند، وجدوا الأرمن على سطح الجبل، قد صفوا الصفوف، واستعدوا للوقوف؛ بل للحتوف، فالتقوا معهم، وصدموهم

(1)

دريساك - ديربساك: حصن شمال غرب أنطاكية - معجم البلدان.

(2)

الدربند: لفظ فارسى بمعنى المضايق والطرقات، والمعابر الضيقة، والمقصود هنا الطرق المؤدية إلى سيس - السلوك ج 1 ص 551 هامش (2).

(3)

موضع كلمة غير مقروءة، وهى صفة للملك هيثوم.

(4)

الروض الزاهر ص 270.

ص: 422

صدمة كانت الكسرة فيها عليهم، وأخذوا ليفون أسيروا وولده معهم، وقتلوا عمه وأخاه، وانهزم عمه الآخر المسمى كنداسطيل، وصاحب حموص

(1)

، وتمزقت منهم جماعة، وقتلت أكابرهم، وأغارت العساكر على كرنجيل وسرفند كار، وتل حمدون، ونهرجان، ونزلوا من هنالك إلى مكان قريب من قلعة تسمى العمودين

(2)

، فأصابوا جماعة كثيرة من التتار وغيرهم، وقتلوا ما شاء الله منهم، وسبوا سباياهم، وأخربوا القلعة وأحرقوها، ودخلوا إلى سيس فأخربوها، وتركوها خاوية على عروشها، وهدموا قلعة الديوية المعروفة بالساب، وغنمت العساكر فى هذه الغزاة ما لا يحصى كثرة، وبيع الرأس البقر بدرهمين لكثرة المواشى التى أصابوها، وأرسلوا إلى السلطان يخبرونه بالنصرة، ويبشرونه بأن له الظفر ولأعدائه الكسرة.

وكان الذى بعث به الأمير عز الدين سمّ الموت جنديا من أجناده اسمه كرجى، فسبق إلى الدهليز، وبشر السلطان وعرفه صورة الغزاة وكيفية الغارات، فرأى فيه شهامة، ولمح منه نقمة وصرامة، فسأله عن شأنه فأخبره أنه من أجناد الأمير المشار إليه، فأنعم عليه وأمره بطبلخاناة، ولم يزل مستمرا على الإمرة إلى حين وفاته فى الدولة الأشرفية.

‌ذكر رحيل السّلطان من دمشق:

ولما سمع السلطان من الجندى المذكور بشارة الفتح رحل من دمشق نحو

(1)

حموص - حميص: قلعة حصينة بالقرب من قصر جيحان - تقويم البلدان ص 251، صبح الأعشى ج 4 ص 137.

(2)

قلعة العمودين: قلعة حصينة للداوية بأرمينية الصغرى - الروض الزاهر ص 270، السلوك ج 1 ص 522، تقويم البلدان ص 263.

ص: 423

حماة، ومنها إلى أفامية لملتقى العسكر، وعاد ودخل دمشق، وملوك الأرمن قدامه راكبين، وأسراهم مساقين أمامه، والعساكر الشامية والمصرية قد طلبت وتجملت.

وقال أبو شامة: وكان دخول السلطان دمشق فى الخامس والعشرين من ذى الحجة، فدخلها وبين يديه ابن صاحب سيس، وسائر الملوك الذين أسرهم لما أخذ [528] بلادهم على نهر جيحان، وكان يوما مشهودا

(1)

.

قال أبو شامة: وفى بكرة يوم الاثنين السادس والعشرين من ذى القعدة قرئ بجامع دمشق كتاب ورد من بلاد الأرمن السيس وما يجاورها، يتضمن أن المسلمين من عسكر صاحب الشام ومصر الملك الظاهر بيبرس الذين سيرهم إليها فى هذه السنة دخلوها عنوة، واستولوا عليها قتلا ونهبا، وأسر ملكها، وقتل أخوه وجماعة من ملوك الأرمن، وكان ذلك يوم الثلاثاء العشرين من ذى القعدة سنة أربع وستين وستمائة، وكان هذا الملعون قد فتك فى المسلمين، وظاهر عليهم العدو من التتار، وعمل فى حلب لما فتحها التتار أمورا منكرة، واستولى على أكثر نسائها وأطفالها أسرا، وتقدم إلى بلاد الإفرنج والروم برا وبحرا تحت الذل والصغار، فأمكن الله منه ومن بلاده وأخذ بثأر الاسلام

(2)

.

‌ذكر إيقاع السلطان بأهل قارا:

لما خرج السلطان من دمشق للقاء العسكر المجرد إلى سيس نزل على قارا

(3)

، فشكى إليه أهل الضياع التى حولها أن أهلها يعدون عليهم، ويتخطفونهم،

(1)

لم ترد أحداث سنة 664 هـ فى كتاب الذيل على الروضتين المطبوع بين أيدينا. انظر البداية والنهاية ج 13 ص 247.

(2)

انظر البداية والنهاية ج 13 ص 247.

(3)

قارا: قرية على الطريق من دمشق إلى حمص - معجم البلدان.

ص: 424

ويبيعون من وقع لهم إلى الفرنج بحصن عكار؛ فأمر العسكر بنهبهم، فنهبوا، وقتل كبارهم، وسبى نساؤهم وصغارهم.

قال أبو شامة: وفى رابع ذى الحجة من سنة أربع وستين وستمائة، أوقع السلطان الظاهر بأهل قارا النصارى، فقتل وسبى وغنم، وكانوا كما شاع عنهم يأخذون من قدروا عليه من المسلمين، ويصبحون بهم إلى بلاد الفرنج، وكان بعض الأسارى الذين خلصوا من قلعة صفد أخبروا أن سبب وقوعهم فى الأسر أهل قارا، ففعل السلطان بهم ذلك.

‌ذكر توجّه السلطان إلى مصر:

ولما فرغ شغله فى دمشق خرج منها، وفارق العسكر على الدرب، وتوجه جريدة إلى الكرك، وعاد منها إلى الديار المصرية، فتقنطر عن فرسه قريبا من زيزا فأقام هناك أياما، وركب محفة فى الطريق بسبب ألم تألم فى وركه، ولما وصل إلى مسجد التبر، الذى تقوله العامة مسجد تبن، لم يرد أن يدخل إلى القاهرة على تلك الحال، فأقام ليالى إلى أن صح وركه، وزال وعكه، وطلع القلعة ممتطيا صهوة جواده، مكمدا [529] قلوب حسّاده، ففك عن ليفون ابن صاحب سيس قيده وأحسن إليه، وأخذه صحبته وتوجه لرمى البندق ببركة الجب، وكتب له موادعة على بلاده.

وقال ابن كثير رحمه الله: وطلب صاحب سيس أن يفادى ولده من السلطان فقال: لا نفاديه إلا بأسير لنا عند التتار

(1)

يقال له: سنقر الأشقر، فذهب

(1)

«النصارى» فى الأصل، والتصحيح من البداية والنهاية، ومما يلى.

ص: 425

صاحب سيس إلى ملك التتار، فتذلل له وتخضع حتى أطلق له سنقر الأشقر، فأطلق السلطان ابن صاحب سيس

(1)

.

‌ذكر بقيّة الحوادث:

منها: أنه قدم ولد الخليفة المستعصم بن المستنصر بن الظاهر بن العباسى واسمه علىّ إلى دمشق، وأنزل بالدار الأسديه تجاه

(2)

المدرسة العزيزية

(3)

، وقد كان أسيرا فى أيدى التتار، فلما كسر بركة خان لهلاون تخلص منهم وصار إلى ههنا

(4)

.

ومنها: أن السلطان أمر بإراقة الخمور وإبطال المنكرات، وتعفية آثار المسكرات، ومنع الحانات والخواطى بجميع أقطار مملكته بمصر والشام.

ومنها: أنه عقد عقد الأمير سيف الدين قلاون الألفى على ابنة سيف الدين كرمون التترى الوافد، وهى والدة الملك الصالح علاء

(5)

الدين على، وكان يوما مشهودا، وحضر السلطان، وجلس على الخوان

(6)

، وكان ذلك فى الدهليز بسوق الخيل

(7)

.

(1)

البداية والنهاية ج 13 ص 247.

(2)

الدار الأسدية - المدرسة الأسدية بدمشق: أنشأها أسد الدين شيركوه الكبير المتوفى سنة 564 هـ/ 1168 م، رجعلها للشافعية والحنفية - الدارس ج 1 ص 152 وما بعدها.

(3)

المدرسة العزيزية بدمشق: تنسب إلى الملك العزيز عثمان بن السلطان صلاح الدين الأيوبى، والمتوفى سنة 595 هـ/ 1198 م - الدارس ج 1 ص 382 وما بعدها.

(4)

البداية والنهاية ج 13 ص 247.

(5)

مات فى حياة والده سنة 687 هـ/ 1288 م - المنهل الصافى.

(6)

«الأخوان» فى الأصل.

(7)

سوق الخيل: تحت قلعة الجبل بالقاهرة - انظر المواعظ والإعتبار.

ص: 426

قال بيبرس: وقدم السلطان للأمير قلاون تقدمة من خيل، وتعابى قماش وأربعة من المماليك السلطانية، فقبل التقدمة، واستعفى من قبول المماليك، وقال هؤلاء خوشداشيتى فى خدمة السلطان، وشكر ما أولاه من الإحسان، وقدم كل أمير من الأمراء ثلاثة أروس خيلا وثلاث بقج قماشا.

ومنها: أنه وصلت رسل الأنبرور، والفرتش

(1)

، وملوك الفرنج، واليمن، بالهدايا إلى صاحب الإسماعيلية، فأمر السلطان بأن تؤخذ الحقوق الديوانية من هذه المراكب إفسادا لنواميس الاسماعيلية، وتعجيزا لمن اكتفى شرهم بالهدية

(2)

.

ومنها: أنه جمع، البرنس بيمند بن بيمند صاحب طرابلس جماعة من الديوية والاسبتار، وقصد مخاضة [530] بلاله، طالبا جهة حمص، وكان النائب بها الأمير علم الدين سنجر الباشقردى

(3)

، فبلغه الخبر، فسبق الفونسن إلى المخاصة فلما داناها عدت العساكر، فجرّ ذيول الهزائم، وكان يأمل أملا، فخاف، وقنع من الغنيمة بالإياب.

ومنها: أن السلطان رسم بعمارة مراكب بدمشق وحملها إلى البيرة، فعمرت وحملت إليها.

ومنها: أنه رسم ببناء جسر على الشريعة

(4)

، وكان ماؤها قوى التيار، فاقتضت

(1)

هكذا بالأصل، والسلوك، ولعل المقصود البرنس صاحب طرابلس - انظر السلوك ج 1 ص 543 هامش (1)، انظر ما يلى.

(2)

السلوك ج 1 ص 543.

(3)

توفى سنة 686 هـ/ 1287 م - المنهل الصافى.

(4)

الشريعة: نهر الشريعة.

ص: 427

سعادته أن جاء سيل كثير فحدر صخورا كبارا فصارت كالسكر

(1)

، فوقفت جرية الماء وبنى الجسر.

ومنها: أنه بلغه أن خليج الأسكندرية قد ارتدم فتوجه بنفسه لحقره.

ومنها: أنه رسم لمتولى قوص وهو علاء الدين الخزندار بأن يتوجه إلى سواكن

(2)

، ويساعد تجار الكارم على المجئ، ويروع علم الدين اسنبغانى صاحبها عن التعرض إليهم، فتوجه وصحبته عدة مراكب، وجهز إليه من القصير خمسة « ......

(3)

» فيهم الرجال المقاتلة، فدخلها وفعل ما رسم له وعاد.

ومنها: أنه أمر بجمع أهل العاهات فجمعوا بخان السبيل، وأمر بنقلهم إلى الفيوم، وأفرد لهم بلدا ليكونوا فيه، ويجرى عليهم ما يحتاجون إليه، فلم يستقروا وتفرقوا، وعاد أكثرهم إلى القاهرة ومصر.

ومنها: أن الأمير شكال بن محمد أرسل إلى الأمير عز الدين جماز

(4)

أمير المدينة النبوية وطلب العدا من بلاده، فأمتنع، ودافع، فحضر شكال إلى بنى خالد

(1)

سكر النهر: أى جعل له سدا - القاموس.

(2)

سواكن: مبناء مشهور على ساحل البحر الأحمر، يتبع حاليا جمهورية السودان - معجم البلدان.

(3)

«

» موضع كلمة غير مقروءة، وبدل السياق على أنها سفن حربية بحرية.

(4)

هو جماز بن شيخة بن هاشم بن قاسم، عز الدين، أبو سند، الحسينى، ولى إمارة المدينة سنة 657 هـ/ 1259 م، وتوفى سنة 704 هـ/ 1304 م - التحفة اللطيفة ج 1 ص 423 رقم 792.

ص: 428

واستعان بهم عليه ليحاربه، فخاف وأرسل إلى السلطان مذعنا ملتزما القيام بحقوق الله واستخراجها من قومه.

وفيها: « .........

(1)

»

وفيها: « ............

(2)

»

(1 و 2)« ...... » بياض فى الأصل.

ص: 429

‌ذكر من توفى فيها من الأعيان

الشيخ المعمّر أبو بكر بن إبراهيم الشيبانى البغدادى الصوفى بخانقاه سعيد السّعداء.

مات فى ليلة الثانى عشر من ذى القعدة بالقاهرة، ودفن من الغد بسفح المقطم.

ذكر أنه ولد فى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وكان شيخا صالحا وصوفيا حسنا من أكابرهم المعروفين، كتب عنه.

الشيخ بهاء الدين ابو المواهب الحسن

(1)

بن عبد الوهاب بن الشيخ أبى الغنائم سالم بن الشيخ أبى المواهب الحسن بن هبة الله بن [531] محفوظ بن الحسن ابن محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى الثعلبى الدمشقى.

مات فى الرابع من صفر من هذه السنة بدمشق، ومولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة تخمينا، سمع من الكندى وغيره، وحدث بدمشق والقاهرة.

الشريف النقيب أبو الحسن

(2)

على بن الحسين بن محمد بن الحسين بن زيد بن الحسن بن محمد بن ظفر الحسينى الأرموى الأصل المصرى المولد والدار.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 37، العبر ج 5 ص 277، شذرات الذهب ج 5 ص 316.

(2)

وله أيضا ترجمة فى: ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 355.

ص: 430

مات فى ليلة الحادى والعشرين من صفر منها بالقاهرة، وتولى نقابة الأشراف بمصر مدة، ومولده سنة ثلاث وستمائة بمصر سمع من شيخ الشيوخ أبى الحسن على بن عمر بن حمويه وحدث.

الشيخ المعمر أبو على بن منصور بن ذبيان بن طلائع الإسكندرانى المالكى.

مات فى السادس من شهر ربيع الأول بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، وقد نيف على المائة، كتب عنه.

الشيخ الصالح أبو الحجاج يوسف

(1)

بن صالح بن صارم بن مخلوف الأنصارى الخزرحى القوصى المنعوت بالنور.

مات فى العشر الأوسط من شهر ربيع الأول بمدينة قوص من صعيد مصر الأعلى، فى عوده من الحج، سمع وحدث، وكان شيخا صالحا حسن الطريقة، ومولده فى الخامس والعشرين من ذى الحجة سنة سبع

(2)

وتسعين وخمسمائة.

الشيخ الأصيل أبو عبد الله محمد

(3)

بن الشيخ أبى الطاهر منصور بن الخضرمى الصقلى الأصل الأسكندرانى المولد والدار، المالكى العدل بالإسكندرية.

مات بالأسكندرية فى العشرين من جمادى الأولى، وهو من بيت الحديث، حدث هو وأبوه وجده، وجد أبيه، وجد جده خمسة منهم على نسق.

الأمير شهاب الدين أبو الجود جلدك بن عبد الله الرومى الفائزى.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: الطالع السعيد ص 721 رقم 572.

(2)

«تسع» فى الطالع السعيد.

(3)

وله أيضا ترجمة: درة الأسلاك ص 37، ذيل مرآة الزمان ج 2 ص 2356

ص: 431

مات فى السابع عشر من شوال منها بالقاهرة، ودفن بالقرافة، وتولى عدة ولايات، وقال الشعر الحسن، وحدث بشئ من شعره.

الأمير جمال الدين أيدغدى

(1)

بن عبد الله العزيزى.

كان من أكابر الأمراء وأحظاهم عند السلطان الملك الظاهر بيبرس، لا يكاد يخرج عن رأيه، وهو الذى [532] أشار عليه بولاية القضاء من كل مذهب على سبيل الاستقلال.

وكان رحمه الله متواضعا، لا يلبس محرما، كريما، وقورا، رئيسا، معظما فى الدول، أصابته جراحة فى حصار صفد، ولم يزل ضعيفا منها حتى مات ليلة عرفة، ودفن بالرباط الناصرى بسفح جبل قاسيون، وكان سمع وحدث.

(1)

وله أيضا ترجمة فى: درة الأسلاك ص 37، المنهل الصافى ج 3 ص 159 رقم 595، الوافى ج 9 ص 484 رقم 4446، العبر ج 5 ص 277، البداية والنهاية ج 13 ص 248، شذرات الذهب ج 5 ص 315، السلوك ج 1 ص 554، البداية والنهاية ج 13 ص 248، النجوم الزاهرة ج 7 ص 221.

ص: 432

‌كشاف بأسماء الكتب الواردة فى النص

(*)

صفحة

اختصار النهاية 338

ابن عبد السلام، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم.

أسماء الأسد 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

أسماء الذئب 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

كتاب الأضداد 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

كتاب الإنفعال 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

إيثار الإنصاف 135

سبط ابن الجوزى، يوسف بن قزأوغلى بن عبد الله.

البحرين 74

الركن البخارى، محمود بن الحسين بن محمود بن فلان.

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع 325

الكاسانى، أثير الدين بن نجيب بن محمد.

(*) يود المحقق أن يوجّه الشكر إلى الأستاذ/على صالح حافظ الباحث بمركز تحقيق التراث لما بذله من جهد فى إعداد هذا الكشاف.

ص: 523

بغية الطلب فى تاريخ حلب 340

ابن العديم، عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد.

بيان السنة والجماعة فى العقائد 96

الطحاوى، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدى.

تاريخ دمشق 275

ابن عساكر، القاسم بن على بن الحسن.

التجريد فى الكلام 414

الطوسى، محمد بن محمد بن الحسن.

التفسير 338

ابن عبد السلام، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم.

التيسير فى التفسير 325

النسفى، عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل.

الجامع الكبير 74، 135

الشيبانى، محمد بن الحسن.

الحاوى 96

نجم الدين الزاهد، بكبرس بن عبد الله التركى.

خير مطلوب 74

الركن البخارى، محمود بن الحسن بن محمود بن فلان.

درر السحابة فى وفيات الصحابة 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

ص: 524

زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة 19

بيبرس بن عبد الله المنصورى الدوادار.

الزرجون فى الخلاعة والجنون 189

الأسعرى، محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحيم بن رستم.

سنن أبى داود 189

أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحق.

شرح الجامع الصحيح للبخارى 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

شرح الجامع الكبير 135

سبط ابن الجوزى، يوسف بن قزأوغلى بن عبد الله.

شرح الجزولية 368

اللورقى، القاسم بن أحمد بن الموفق.

شرح الشاطبية 194، 195

الفاسى، محمد بن حسن بن محمد بن يوسف.

شرح الشاطبية 368

اللورقى، القاسم بن أحمد بن الموفق.

شرح القلادة السمطية فى توضيح الدريدية (شرح مقصورة ابن دريد) 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

ص: 525

شرح المفصل 368

اللورقى، القاسم بن أحمد بن الموفق.

شرح نهج البلاغة 56، 164

ابن أبى الحديد، عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين.

الشوارد فى اللغات 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

صحيح البخارى 73، 122، 127

البخارى، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة.

صحيح مسلم 114، 122، 127، 189، 190

مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى.

كتاب الصلاة 338

ابن عبد السلام، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم.

كتاب الضعفاء 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

طبقات الحنفية 59

ابن أبى الوفاء، عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله.

العباب الزاخر فى اللغة 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

كتاب العروض 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

ص: 526

كتاب الفرائض 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

كتاب فعال على وزن جذام وقطام وفعلان على وزن شيبان 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

الفوائد الموصلية 338

ابن عبد السلام، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم.

القواعد الكبرى والصغرى 338

ابن عبد السلام، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم.

مجمع البحرين فى اللغة 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

مختصر سنن أبى داود 189

المنذرى، عبد العظيم بن عبد القوى بن عبد الله.

مختصر صحيح مسلم 189

المنذرى، عبد العظيم بن عبد القوى بن عبد الله.

مختصر الصحيحين 190

القرطبى، أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر أبو العباس الأنصارى.

مختصر القدورى فى الفروع 96

القدورى، أحمد بن محمد القدورى.

ص: 527

مختصر الوفيات 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

مرآة الزمان 132، 135

سبط ابن الجوزى، يوسف بن قزأوغلى بن عبد الله.

مسند أحمد بن حنبل 276

ابن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال.

مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

مصباح الدجى والشمس المنيرة 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

المعشرات 98

الحصرى، ناصر بن ناهض اللخمى.

كتاب مفعول 73

الصاغانى، الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 190

القرطبى، أحمد بن عمر بن إبراهيم.

مقصورة ابن دريد 73

ابن دريد، محمد بن الحسن بن دريد.

النور اللامع والبرهان الساطع فى شرح عقائد الطحاوى 96

نجم الدين الزاهد، بكبرس بن عبد الله التركى.

ص: 528

‌مختصرات مصادر ومراجع التحقيق

تحتوى القائمة التالية على أسماء المصادر والمراجع الإضافية ومختصراتها التى استلزمها تحقيق هذا القسم من كتاب عقد الجمان لبدر الدين العينى

(1)

.

(1)

القرآن الكريم.

(2)

الإستقصا - السلاوى (أحمد بن خالد الناصرى ت 1315 هـ/ 1897 م):

- الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - 9 أجزاء - الدار البيضاء 1954.

(3)

أعلام النبلاء - ابن هاشم الطباخ الحلبى (محمد راغب بن محمود):

- أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، 7 أجزاء - حلب 1923.

(4)

إعلام الورى - ابن طولون (محمد بن على الصالحى الدمشقى ت 953 هـ/ 1546 م):

- إعلام الورى بمن ولى نائبا من الأتراك بدمشق الشام الكبرى.

تحقيق د. عبد العظيم حامد خطاب، القاهرة 1973

(1)

تخفيفا لهوامش التحقيق استخدمنا مختصرات فى الإشارة إلى غالبية المصادر والمراجع، وفى هذه القائمة أثبتنا المختصرات - كما وردت فى الهوامش - مرتبة ترتيبا أبجديا، وأمام كل مختصر اسم المصدر أو المرجع بالكامل.

ص: 529

(5) أعيان العصر - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين ت 764 هـ/ 1363 م):

- أعيان العصر وأعوان النصر - مخطوط مصوّر بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة.

(6)

الألقاب الإسلامية - د. حسن الباشا

- الألقاب الإسلامية - القاهرة 1957 م.

(7)

أمراء دمشق - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين ت 764 هـ/ 1363 م):

- أمراء دمشق فى الإسلام.

تحقيق صلاح الدين المنجد - دمشق 1955.

(8)

إنباء الغمر - ابن حجر العسقلانى (أحمد بن على ت 852 هـ/ 1448 م):

- إنباء الغمر بأبناء العمر، تحقيق د. حسن حبشى، 3 أجزاء القاهرة 1969 - 1976.

(9)

الإنتصار - ابن دقماق (إبراهيم بن محمد ت 809 هـ/ 1406 م):

- الإنتصار لواسطة عقد الأمصار، نشر فولرز، بولاق 1309 هـ/ 1893 م.

(10)

الأوقاف والحياة الإجتماعية - د. محمد محمد أمين:

الأوقاف والحياة الإجتماعية فى مصر فى عصر سلاطين المماليك.

دار النهضة العربية، القاهرة 1980.

ص: 530

(11) الإيضاح والتبيان - ابن الرفعة الأنصارى (أبو العباس نجم الدين ت 910 هـ/ 1310 م):

- الإيضاح والتبيان فى معرفة الكيل والميزان.

تحقيق د. محمد أحمد إسماعيل الخاروف

من منشورات مركز البحث العلمى، جامعة أم القرى - دمشق 1980.

(12)

بدائع الزهور - ابن إياس (محمد بن أحمد الحنفى، ت 930 هـ/ 1524 م.

- بدائع الزهور فى وقائع الدهور.

نشر وتحقيق محمد مصطفى - 5 أجزاء - القاهرة 1961 - 1965.

(13)

البداية والنهاية - ابن كثير (إسماعيل بن عمر ت 774 هـ/ 1373 م):

- البداية والنهاية، 14 جزء بيروت 1966 م.

(14)

البدر الطالع - الشوكانى (محمد بن على بن محمد ت 1255 هـ/ 1834 م).

- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع جزءان، القاهرة 1348 هـ/ 1929 م.

(15)

بغية الوعاة - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد ت 911 هـ/ 1505 م):

ص: 531

- بغية الوعاة فى طبقات النحاة - جزءان القاهرة 1964.

(16)

تاج التراجم - قاسم بن قطلوبغا (الشيخ أبو العدل زين الدين ت 879 هـ/ 1474 م):

- تاج التراجم فى طبقات الحنفية، بغداد 1962 م.

(17)

تاريخ الحروب الصليبية - رنسيمان. س.

- تاريخ الحروب الصليبية - ترجمة د. السيد الباز العرينى - بيروت 1967 - 1968 م.

(18)

تاريخ الخلفاء - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر ت 911 هـ/ 1505 م):

- تاريخ الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الله - القاهرة 1351 هـ.

(19)

تاريخ الدول الإسلامية - د. أحمد السعيد سليمان:

- تاريخ الدول الإسلامية ومعجم الأسرات الحاكمة، جزءان، دار المعارف بالقاهرة 1969.

(20)

تاريخ الدولتين الموحديّة والحفصية - الزركشى (محمد بن إبراهيم القرن 9 هـ/ 15 م):

- تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية - تحقيق محمد ماضور - تونس 1966.

ص: 532

(21) تالى كتاب وفيات الأعيان - الصقاعى (فضل الله بن أبى الفخر ت القرن 8 هـ/ 14 م).

- تالى كتاب وفيات الأعيان، تحقيق جاكلين سويلة، المعهد الفرنسى - دمشق 1974.

(22)

التبر المسبوك - السخاوى (محمد بن عبد الرحمن ت 902 هـ/ 1497 م):

- التبر المسبوك فى ذيل السلوك - بولاق 1896 م.

(23)

التحفة السنية - ابن الجيعان (شرف الدين يحيى بن شاكر ت 885 هـ/ 1480 م):

- التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية.

نشرة مريتز، بولاق 1296 هـ - 1898 م.

(24)

التحفة اللطيفة - السخاوى (محمد بن عبد الرحمن ت 902 هـ/ 1497 م):

- التحفة اللطيفة فى تاريخ المدينة الشريفة.

3 -

أجزاء القاهرة 1979 - 1980.

(25)

تذكرة الحفاظ - الذهبى (محمد بن أحمد ت 748 هـ/ 1348 م):

- تذكرة الحفاظ، 4 أجزاء بيروت 1374 هـ/ 1954 م.

ص: 533

تذكرة النبيه - ابن حبيب (الحسن بن عمر ت 779 هـ/ 1377 م):

- تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه.

3 -

أجزاء تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1976 - 1982 - 1986.

(27)

تقويم البلدان - أبو الفدا (إسماعيل بن هلى، الملك المؤيد ت 732 هـ/ 1331 م):

- تقويم البلدان، باريس 1840 م.

(28)

التكملة - المنذرى (زكى الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوى ت 656 هـ/ 1258 م):

- التكملة لوفيات النقلة

مجلد 5 - 6 تحقيق بشار عواد معروف، القاهرة 1975 - 1976.

(29)

التوفيقات الإلهامية - محمد مختار

- التوفيقات الإلهامية فى مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الأفرنكية والقبطية - مصر 1311 هـ.

(30)

الجوهر الثمين - ابن دقماق (إبراهيم بن محمد ت 809/ 1406 م):

- الجوهر الثمين فى سير الخلفاء والملوك والسلاطين تحقيق د. سعيد عبد الفتاح عاشور، ومراجعة

ص: 534

د. السيد أحمد دراج - مركز البحث العلمى - جامعة أم القرى 1403 هـ/ 1982 م.

(31)

حسن المحاضرة - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر ت 911 هـ/ 1505 م):

- حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة جزءان، القاهرة 1967.

(32)

حوادث الدهور - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):

- منتخبات من حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور، كاليفورنيا 1930 - 1943

(33)

الحلل السندسية - الوزير السراج (محمد بن محمد الأندلسى ت 1149 هـ/ 1736 م):

- الحلل السندسية فى الأخبار التونسية

الجزء الأول (4 أقسام) تحقيق محمد الحبيب الهيلة، تونس 1970 م.

(34)

الخطط التوفيقية - على مبارك

- الخطط التوفيقية، 20 جزء، بولاق 1306 هـ.

(35)

خطط الشام - محمد كرد على

- خطط الشام - 6 أجزاء - دمشق 1925 م.

ص: 535

(36) الدارس - النعيمى (عبد القادر بن محمد ت 927 هـ/ 1521 م):

- الدارس فى تاريخ المدارس: جزءان، دمشق 1948 م.

(37)

الدرر - ابن حجر (أحمد بن على العسقلانى ت 852 هـ/ 1448 م):

- الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة 5 أجزاء، القاهرة 1966.

(38)

درة الأسلاك - ابن حبيب (الحسن بن عمر ت 779 هـ/ 1377 م):

- درة الأسلاك فى دولة الأتراك، مخطوط مصور بدار الكتب المصرية رقم 6170 ح.

(39)

درة الحجال - ابن القاضى (أبو العباس أحمد بن محمد المكناسى ت 1025 هـ/ 1615 م):

- درة الحجال - فى أسماء الرجال - تحقيق د. محمد الأحمدى أبو النور، 4 أجزاء، القاهرة 1970.

(40)

الدليل الشافى - ابن تغرى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف

ت 874 هـ/ 1470 م):

- الدليل الشافى على المنهل الصافى.

تحقيق فهيم شلتوت، جزءان، من منشورات مركز البحث العلمى، جامعة أم القرى، القاهرة 1984.

(41)

الديباج المذهب - ابن فرحون (إبراهيم بن على، برهان الدين ت 799 هـ/ 1396 م):

ص: 536

- الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب - تحقيق محمد الأحمدى أبو النور - القاهرة.

(42)

الذيل على رفع الأصر - السخاوى (محمد بن عبد الرحمن ت 902 هـ/ 1497 م):

- الذيل على رفع الأصر أو بغية العلماء والرواد تحقيق د. جودة هلال، ومحمد محمود صبح.

(43)

ذيل مرآة الزمان - اليونينى (قطب الدين موسى بن محمد ت 726 هـ/ 1325 م):

- ذيل مرآة الزمان - 4 أجزاء - الهند 1380 هـ - 1961 م.

(44)

رحلة ابن بطوطة - ابن بطوطة (محمد بن عبد الله ت 779 هـ/ 1377 م).

- تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، القاهرة 1966.

(45)

رشيد الدين - (فضل الله الهمدانى):

- تاريخ المغول

المجلد الثانى فى جزأين ترجمه عن الفارسية محمد صادق نشأت، محمد موسى هنداوى؛ فؤاد عبد المعطى الصياد - القاهرة 1970

ص: 537

(46) رفع الإصر - ابن حجر (أحمد بن على العسقلانى ت 852 هـ/ 1448 م):

- رفع الإصر عن قضاة مصر

جزءان، تحقيق د. حامد عبد المجيد، محمد أبو سنة - القاهرة 1957 - 1961

(47)

الروض الزاهر - ابن عبد الظاهر (محيى الدين ت 692 هـ/ 1292 م):

- الروض الزاهر فى سيرة الملك الظاهر.

تحقيق د. عبد العزيز الخويطر، الرياض 1976.

(48)

روض القرطاس - ابن أبى زرع (على بن محمد بن أحمد ت 726 هـ/ 1325 م):

- الأنيس المطرب بروض القرطاس فى أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس - الرباط 1973 م.

(49)

زبدة الفكرة - بيبرس الدوادار (الأمير ركن الدين بن عبد الله المنصورى ت 725 هـ/ 1324 م):

- زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة الجزء التاسع - مخطوط مصور بمكتبة جامعة القاهرة رقم 24028.

(50)

زبدة كشف الممالك - ابن شاهين (خليل بن شاهين الظاهرى ت 872 هـ/ 1468 م):

- زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمالك نشر بولس راويس، باريس 1894 م.

ص: 538

(51) السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب - د. محمد محمد أمين.

- السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب (1240 - 1249 م) رسالة ماجستير - غير منشورة - بجامعة القاهرة 1968 م.

(52)

السلوك - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):

- كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك

ج 1 - 2 (6 أقسام) تحقيق د. محمد مصطفى زيادة، القاهرة 1934 - 1958 م.

ج 3 - 4 (6 أقسام)، تحقيق د. سعيد عبد الفتاح عاشور - القاهرة 1970 - 1972.

(53)

السفن الإسلامية - د. درويش النخيلى:

السفن الإسلامية على حروف المعجم.

الإسكندرية 1974.

(54)

شذرات الذهب - ابن العماد الحنبلى (عبد الحى بن أحمد بن محمد ت 1089 - 1678 م):

- شذرات الذهب فى أخبار من ذهب 8 أجزاء، القاهرة 1350 هـ.

ص: 539

(55) شفاء الغرام - الفاسى (محمد بن أحمد الحسنى المكى ت 832 هـ/ 1428 م):

- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، القاهرة 1956.

(56)

شمال أفريقيا والحركة الصليبية د. محمد محمد أمين

- شمال أفريقيا والحركة الصليبية - مجلة الدراسات الأفريقية - العدد الثالث - القاهرة 1975.

(57)

صبح الأعشى - القلقشندى (أبو العباس أحمد بن على بن أحمد ت 821 هـ/ 1418 م):

- صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء، 14 جزء، القاهرة 1919 - 1922 م.

(58)

الطالع السعيد - الإدفوى (أبو الفضل كمال الدين جعفر بن ثعلب ت 748 هـ/ 1347 م):

- الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، تحقيق صعد محمد حسن، القاهرة 1966.

(59)

الطبقات السنية - الدارى (تقى الدين بن عبد القادر التميمى الدارى ت 1005 هـ/ 1596 م):

- الطبقات السنية فى تراجم الحنفية. ج 1 تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، القاهرة 1970.

ص: 540

(60) طبقات الشافعية - السبكى (عبد الوهاب بن على ت 771/ 1370 م).

- طبقات الشافعة الكبرى، 10 أجزاء، القاهرة.

(61)

طبقات القراء - ابن الجزرى (محمد بن محمد ت 823 هـ/ 1429 م):

- غاية النهاية فى طبقات القراء، نشره ج برجستراسر، 3 أجزاء القاهرة 1351 هـ/ 1932 م.

(62)

طبقات المفسرين - الداودى (محمد بن على بن أحمد ت 945 هـ/ 1538 م):

- طبقات المفسرين، جزءان تحقيق د. على محمد عمر القاهرة 1972.

(63)

العبر - الذهبى (محمد بن أحمد ت 748/ 1348 م):

- العبر فى خبر من غبر، نشر صلاح الدين المنجد وفؤاد السيد - 5 أجزاء، الكويت 1960 - 1966.

(64)

العقد الثمين - الفاسى (محمد بن أحمد الحسنى المكى ت 832 هـ/ 1428 م):

- العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين، تحقيق فؤاد السيد، 8 أجزاء، القاهرة 1959 - 1969 م.

(65)

عقد الجمان - العينى (محمود بن أحمد بن موسى، بدر الدين ت 855 هـ/ 1451 م):

- عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان.

ص: 541

مخطوط مصور بدار الكتب المصرية تحت رقم 1584 تاريخ.

(66)

العقود اللؤلؤية - الخزرجى (على بن الحسن الخزرجى ت 812 هـ/ 1911 م):

- العقود اللؤلؤية فى تاريخ الدولة الرسولية - جزءان - القاهرة 1329 هـ/ 1911 م.

(67)

الفنون الإسلامية والوظائف - د. حسن الباشا:

- الفنون الإسلامية والوظائف 3 أجزاء - القاهرة 1962.

(68)

فوات الوفيات - ابن شاكر الكتبى (محمد بن شاكر بن أحمد ت 764 هـ/ 1363 م):

- فوات الوفيات.

تحقيق د. إحسان عباس - بيروت 1973.

(69)

فهرست وثائق القاهرة - د. محمد محمد أمين:

- فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك. مع نشر وتحقيق تسعة نماذج.

المعهد العلمى الفرنسى للأثار الشرقية، القاهرة - 1981.

ص: 542

(70) القاموس الجغرافى - محمد رمزى:

- القاموس الجغرافى للبلاد المصرية.

قسمان فى 5 أجزاء، القاهرة 1953 - 1963.

(71)

القاموس المحيط - الفيروزآبادى (محمد بن يعقوب الشيرازى ت 803 هـ/ 1400 م):

(72)

الكامل - ابن الأثير (على بن أبى الكرم ت 630 هـ/ 1233 م):

- الكامل فى التاريخ.

12 -

جزء، بيروت 1385 هـ/ 1965 م.

(73)

كشف الظنون - حاجى خليفة (مصطفى بن عبد الله كاتب جلبى ت 1067 هـ/ 1656 م):

- كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون - طهران 1387 هـ/ 1947 م.

(74)

كنز الدرر - ابن أيبك الدوادارى (أبو بكر بن عبد الله ت بعد 736 هـ/ 1235 م):

- كنز الدرر وجامع الغرر.

الجزء السابع: الدر المطلوب فى أخبار بنى أيوب، حققه د. سعيد عاشور، القاهرة 1972.

ص: 543

الجزء الثامن: الدرة الزكية فى أخبار الدولة التركية، حققه أولرخ هارما، القاهرة 1971.

(75)

لسان العرب - ابن منظور (جمال الدين محمد مكرم الأنصارى ت 711 هـ/ 1311 م):

- لسان العرب، 20 جزء، بولاق 1300 هـ.

(76)

المختصر - أبو الفدا (عماد الدين إسماعيل، الملك المؤيد ت 732 هـ/ 1331 م):

- المختصر فى أخبار البشر - 4 أجزاء - استانبول 1286 هـ.

(77)

مدن مصر وقراها - د. عبد العال عبد المنعم الشامى:

- مدن مصر وقراها عند ياقوت الحموى.

الكويت 1981.

(78)

مرآة الجنان اليافعى (أبو محمد عبد الله بن أسعد ت 768 هـ/ 1366 م):

- مرآة الجنان وعبرة اليقطان فى معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان 4 أجزاء، حيدرآباد 1377 هـ.

(79)

مرآة الزمان - سبط ابن الجوزى (أبو المظفر يوسف قزأوغلى ت 654 هـ/ 1256 م):

- مرآة الزمان فى تاريخ الأعيان

الجزء الثامن فى قسمين، حيدراباد 1952.

ص: 544

(80) معجم البلدان - ياقوت الرومى (ابن عبد الله الحموى ت 626 هـ/ 1229):

- معجم البلدان، 5 أجزاء، بيروت

(81)

مفرج الكروب - ابن واصل (محمد بن سالم، جمال الدين ت 697 هـ / 1298 م):

- مفرج الكروب فى أخبار بنى أيوب

ج 1 - 3 تحقيق د. جمال الدين الشيال، القاهرة 1953 - 1960.

ج 4 - 5 تحقيق د. حسنين محمد ربيع، القاهرة 1972 - 1977.

(82)

المقفى - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):

- المقفى

مخطوط مصور بمعهد المخطوط العربية بالقاهرة

(83)

الملل والنحل - الشهرستانى (محمد بن عبد الكريم ت 548 هـ/ 1153 م):

- الملل والنحل القاهرة 1951.

(84)

المنهل - الصافى والمستوفى بعد الوافى

ج 1، 2 تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1984.

ج 3 تحقيق د. نبيل محمد عبد العزيز - القاهرة 1985

ج 4 تحقيق د. محمد محمد أمين - القاهرة 1986

ص: 545

وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية

(85)

المواعظ والاعتبار - المقريزى (تقى الدين أحمد بن على ت 845 هـ/ 1442 م):

- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، جزءان، بولاق 1270 هـ/ 1854 م.

(86)

النجوم الزاهرة - ابن تغردى بردى (جمال الدين أبو المحاسن يوسف ت 874 هـ/ 1470 م):

- النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة 16 جزء، 1929 - 1972 م.

(87)

نزهة النفوس - الصيرفى (على بن دواود الصيرفى ت 900 هـ/ 1494 م):

- نزهة النفوس والأبدان فى تواريخ الزمان 3 أجزاء تحقيق د. حسن حبشى، القاهرة 1970 - 1973

(88)

نظم العقيان - السيوطى (عبد الرحمن بن أبى بكر ت 911 هـ/ 1505 م):

- نظم العقيان فى أعيان الأعيان

تحقيق فيليب حتى، نيويورك 1927.

(89)

نكت الهميان - ابن أيبك الصعدى (صلاح الدين خليل ت 764 هـ/ 1362 م):

- نكت الهميان فى نكت العميان، القاهرة 1911 م.

ص: 546

(90) نهاية الأرب - النويرى (شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب ت 732 هـ/ 1332 م):

- نهاية الأرب فى فنون الأدب

27 -

جزء مطبوع بالقاهرة 1923 - 1985

وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية

رقم 549 معارف عامة

(91)

هدية العارفين - البغدادى (إسماعيل باشا):

- هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، جزءان

(92)

الوافى بالوفيات - ابن أيبك الصفدى (صلاح الدين أبو الصفا خليل ت 764 هـ/ 1362 م):

- الوافى بالوفيات

17 -

جزء نشر جمعية المستشرقين الألمانية، وباقى الكتاب مخطوط بدار الكتب رقم 771 تاريخ تيمور.

(93)

وفيات الأعيان - ابن خلكان (أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد ت 681 هـ/ 1282 م):

- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق

د. إحسان عباس، بيروت 1968.

ص: 547

تم بحمد الله الجزء الأوّل من قسم «عصر سلاطين المماليك» من كتاب «عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان» ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثانى (665 - 688 هـ)

ص: 556

‌من أعمال المحقق

أولا: تحقيق كتاب «تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه» - للحسن بن حبيب الحلبى ت 779 هـ/ 1377 م. فى ثلاثة أجزاء:

- الجزء الأول: حوادث وتراجم 678 - 708 هـ/ 1279 - 1308 م - مع نشر وتحقيق وثائق وقف السلطان قلاوون على مصالح البيمارستان المنصورى.

- الجزء الثانى: حوادث وتراجم 709 هـ - 741 هـ/ 1309 - 1340 م - مع نشر وتحقيق وثائق وقف السلطان الناصر محمد ومن بينها وثيقة وقف خانقاه سرياقوس.

- الجزء الثالث: حوادث وتراجم 741 - 770 هـ/ 1340 - 1368 م. مع نشر وتحقيق مصارف أوقاف السلطان حسن على مصالح القبة والمسجد الجامع والمدارس ومكتب السبيل بالقاهرة (الشروط - الوظائف - المصارف).

صدرت الأجزاء الثلاثة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة.

ص: 557

ثانيا: الاشتراك فى تحقيق كتاب «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» لابن تغرى بردى ت 874 هـ/ 1470 م.

صدر منه حتى الآن:

- الجزء الأول - القاهرة 1984

- الجزء الثانى - القاهرة 1984

- الجزء الثالث - القاهرة 1986

- الجزء الرابع - القاهرة 1986

صدرت الأجزاء الأربعة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة

ثالثا: فهرست وثائق القاهرة حتى نهاية عصر سلاطين المماليك

ويحتوى على فهرسة كاملة للوثائق المحفوظة بدور الأرشيف بالقاهرة وهى:

1 -

دار الوثائق القومية (مجموعة المحكمة الشرعية).

2 -

دفتر خانة وزارة الأوقاف بالقاهرة.

3 -

دار الكتب المصرية.

4 -

بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة.

مع نشر وتحقيق تسعة نماذج.

صدر عن المعهد العلمى الفرنسى للاثار الشرقية - القاهرة 1981.

ص: 558